تيسير التحرير

أمير باد شاه

الجزء 1

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (وَبِهِ التَّوْفِيقُ، وَمِنْهُ اْلإِعَانَةُ) سُبْحَانَ من نور الْعقل بنوره، ورتب أَحْكَام الْوُجُود قبل ظُهُوره، وَأظْهر بِحِكْمَتِهِ الْفُرُوع من الْأُصُول، وأوضح بكتابه الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول، فسر بمحكمه مَا تشابه على الْأَنَام، ونفع بِظَاهِرِهِ الْخَاص وَالْعَام، مَفْهُومه مَنْطُوق أسفار جَامِعَة، وإشارته من سوق الْعبارَة لامعة، وَبَين مجمله الرَّسُول الْأمين، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ، نَبِي أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم، فقبس مِنْهُ الْعلم كل من علم، أخْبرت الْأَنْبِيَاء عَن أَوْصَاف حَقِيقَته، وأجمعت الْعُقُول على اسْتِحْسَان شَرِيعَته، تَوَاتر فِي الْأَعْصَار حسن خصاله، فيا قبح من يخفاه صدق مقاله، عجز الْقيَاس عَن وصف كَمَاله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله. (أما بعد) فَيَقُول الْفَقِير إِلَى رَحْمَة الله " مُحَمَّد أَمِين " الشهير بأمير بادشاه الْحُسَيْنِي نسبا، الْحَنَفِيّ مذهبا، الْخُرَاسَانِي مولدا، البُخَارِيّ منشأ، الْمَكِّيّ موطنا: أَن الْعلم حَيَاة النَّفس وكمالها، وصفوته أَن تعرف مَا عَلَيْهَا وَمَا لَهَا، وَهِي ملكة لَا تحصل إِلَّا بأصولها، فَوَجَبَ معرفَة الْأُصُول قبل وصولها. وَقد اشْتهر فِي الْآفَاق، بِمُوجب الِاسْتِحْقَاق، مُخْتَصر الإِمَام المدقق، والعلامة الْمُحَقق، ذِي الرَّأْي الثاقب، الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب، وَشَرحه للعلامة الْمُحَقق، والتحرير المدقق، عضد الْملَّة وَالدّين، أَعلَى الله درجتهما فِي عليين، وحاشيته للمحقق الثَّانِي، الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ، أستاذ المخلصين، وخلاصة الْمُتَأَخِّرين، شكر الله بره، وَقدس سره، وَكتاب التَّنْقِيح، مَعَ شَرحه التَّوْضِيح، للْإِمَام الْمُحَقق، وَالْبَحْر المدقق، صدر الشَّرِيعَة وَالْإِسْلَام، أَعلَى الله دَرَجَته فِي دَار السَّلَام، وحاشيته الْمُسَمّى بالتلويح، ناهيك بِهِ فَإِنَّهُ غَنِي عَن المديح. وَكنت أَقُول: إِن الْعلم انْتهى إِلَيْهِم، وَلَا يطْلب التَّحْقِيق إِلَّا لديهم، إِلَى أَن ظَفرت بمتن بسيط، وبحر مُحِيط بِمَا فِي الْكتب المزبورة، وَغَيرهَا من المؤلفات الْمَشْهُورَة، مَعَ تحقيقات خص بهَا عَن غَيره، فَللَّه در مُصَنفه، وَكَثْرَة خَيره، أبطاله التحقيقات من ذكر غير مَحْصُور، وَدفعهَا غَايَة المرام وَهُوَ غير مَقْدُور، من سلك مَعَه مَسْلَك الْإِنْصَاف، وتجنب عَن التعصب والاعتساف، علم أَن يَدُور مَعَ الْحق أَيْنَمَا دَار، ويسير مَعَ الصَّوَاب حَيْثُمَا سَار، غير أَنه أفرط

فِيهِ من الإيجاز، فكاد أَن يُجَاوز التعمية وَيلْحق بالألغاز، مسالكه من الوعورة تقصر عَنْهَا الْخَطَأ، تهَامَة فيح يحار فِيهَا القطا، فَصَارَ بذلك محجوبا عَن الْأَبْصَار، وَإِن اشْتهر عنوانه بمعظم الْأَمْصَار، تصدى لشرحه بعض من حضر دراسته، وَلم يكن فَارس ميدان فراسته، فَبَقيت مخدراته عذارى فِي خدورها، وَلم تجل عرائسه بمنصة ظُهُورهَا، لكنه لم يقصر فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من النَّقْل، وَقد ينْقل عَن المُصَنّف مَا يقبله الْعقل، ويحكى أَنه عرض عَلَيْهِ كِتَابه، وَسمع بعد الْعرض جَوَابه. (سَارَتْ مشرقة وسرت مغربا ... شتان بَين مشرق ومغرب) تغمده الله بغفرانه، وَأدْخلهُ فِي جنانه، فَلَمَّا علمت أَنه مجمع الدقائق، ومعدن الْحَقَائِق، وَفِيه بغية المرتحلين هَذِه الأوطان، لطلب مزِيد الْعلم وَكَمَال الْعرْفَان، عرفت أَن شَرحه من أهم المطالب، والكشف عَنهُ من أعظم المآرب، وأنفت همتي عَن التقاعد عَنهُ تعسيرا، فَنَهَضت وشمرت عَن سَاق الْجد تشميرا، مستعينا بجوار بَيت الله الْكَرِيم زَاده الله من التشريف والتعظيم، فَدخلت بادية لم تسلكها سابلة لتقتفي آثَارهم، وَلم يرد مناهلها وَارِدَة ليتبع أخبارهم، فصرفت خِيَار عمري فِي حل مشكلاته، وبذلت كَمَال جهدي فِي فتح مغلقاته، وبالغت فِي التَّنْقِيح والتوضيح، واكتفيت فِيمَا يتَبَادَر بالتلويح، واقتصدت بَين الإيجاز والإطناب، احْتِرَازًا عَن الإملال والإسهاب، وكررت فِيهِ من التَّغْيِير والتبديل، لإِصْلَاح الْخلَل وَقصد التسهيل. فَكَانَ ذَلِك عِنْد المذاكرة والمدارسة، بِمحضر جمع من الحذاق فِي المباحثة والممارسة. فتم بِحَمْد الله مَا كَانَ منيتي بمنة رَبِّي، لَا بحولي وقوتي، فَأصْبح قريب التَّنَاوُل بعد أَن لم تَجِد إِلَيْهِ سَبِيلا، وَصَارَ كجنة أينعت ثمارها، وذللت قطوفها تذليلا، وَحَيْثُ يسر بِهَذَا الشَّرْح ذَلِك الْمَتْن العسير. دعتني هَذِه الْمُنَاسبَة أَن أُسَمِّيهِ " تيسير التَّحْرِير " وأسأل الله تَعَالَى أَن يرزقه الإقبال، ويوفق لمطالعته المستعدين من أهل الْكَمَال. قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة، مُجْتَهد دهره، ومحقق عصره، شيخ الْإِسْلَام، ومفتي الْأَنَام، مُفِيد الطالبين، قطب العارفين. (يَقُول العَبْد الْفَقِير مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الحميد، الإسكندري مولدا، السيواسي منتسبا، الشهير بِابْن همام الدّين: غفر الله ذنُوبه، وَستر عيوبه) وَالِده الْعَلامَة: كَانَ قَاضِي سيواس من بِلَاد الرّوم وَمن بَيت الْعلم وَالْقَضَاء، قدم الْقَاهِرَة وَولي خلَافَة الحكم بهَا عَن القَاضِي بدر الدّين لحنفي بهَا، ثمَّ ولي الْقَضَاء بالإسكندرية، وَتزَوج بهَا بنت القَاضِي الْمَالِكِي يَوْمئِذٍ، فَولدت لَهُ المُصَنّف، ومدحه الشَّيْخ بدر الدّين الدماميني بقصيدة بليغة يشْهد لَهُ فِيهَا بعلو الْمرتبَة فِي الْعلم،

وَحسن السِّيرَة فِي الحكم، ثمَّ رغب عَنْهَا وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة فَأَقَامَ بهَا مشتغلا بكليته فِي الْعلم إِلَى أَن انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى، كَذَا نَقله شَارِح هَذَا الْكتاب عَن المُصَنّف، وَهُوَ مِمَّن قَرَأَ عَلَيْهِ، " وَقَوله مولدا ومنتسبا " تَمْيِيز عَن نِسْبَة الصّفة إِلَى ضمير الْمَوْصُوف يَعْنِي مَنْسُوبا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة من حَيْثُ الْولادَة وَإِلَى السيواس من حَيْثُ الانتساب والمولد، والمنتسب بِفَتْح السِّين مصدر ميمي وانتسابه إِلَى السيواس إِمَّا بِاعْتِبَار نِسْبَة آبَائِهِ إِلَيْهِ، أَو بِاعْتِبَار أَن النَّاس كَانُوا ينسبونه إِلَيْهِ (الْحَمد لله) إِخْبَار صِيغَة إنْشَاء معنى كصيغ الْعُقُود، وَلَا مَحْذُور فِي عدم محموديته فِي الْأَزَل بِمَا أنشأه الْعباد من المحامد، وَإِنَّمَا الْمَحْذُور عدم اتصافه بِمَا يحمدونه بِهِ من الكمالات، وَهُوَ غير لَازم، وَالله اسْم للذات الْوَاجِب الْوُجُود الْمُسْتَحق لجَمِيع المحامد، وَالصَّحِيح أَنه عَرَبِيّ كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور، لَا عبراني أَو سرياني كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو زيد، وَقيل أَنه صفة، وَالْجُمْهُور على أَنه علم مرتجل من غير اعْتِبَار أصل أَخذ مِنْهُ: مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِم والخليل والزجاج وَابْن كيسَان والحليمي وَالْغَزالِيّ والخطابي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وروى هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه اسْم الله الْأَعْظَم، وَبِه قَالَ الطَّحَاوِيّ وَكثير (الَّذِي أنشأ) أَي أوجد ابْتِدَاء (هَذَا الْعَالم) اسْم لكل مَا سوى الله، إِمَّا مُشْتَقّ من الْعلم فإطلاقه على غير الثقلَيْن وَالْمَلَائِكَة تَغْلِيب، وَإِمَّا من الْعَلامَة فَإِن فَاعِلا يسْتَعْمل فِي الْآلَة كثيرا كالطابع والخاتم، فَإِنَّهُ كالآلة فِي الدّلَالَة على صانعه، وَفِي كلمة هَذَا إِشَارَة إِلَى قرب مَا يسْتَدلّ بِهِ على وجود الصَّانِع من ذَوي الْأَبْصَار فَلَا تغفل عَنهُ (البديع) أَي المخترع، فَقَوله (بِلَا مِثَال سَابق) تَصْرِيح بِمَا علم ضمنا، أَو الْغَايَة فِي الْكَمَال فَهُوَ تأسيس، وَقيل الْإِنْشَاء والإبداع إِيجَاد الشَّيْء بِلَا سبق مَادَّة وزمان وَلَا وَاسِطَة آلَة، فيقابل التكوين لمسبوقيته بالمادة، والأحداث لكَونه مَسْبُوقا بِالزَّمَانِ، ورد بقوله تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة} - و - {ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة} -، وَفِيه نظر لجَوَاز التَّجْرِيد عِنْد الْقَرِينَة (وأنار) أَي أظهر وأوضح (لأبصار الْعُقَلَاء) جمع بصر، وَهُوَ حاسة النّظر وَفِي بعض النّسخ لبصائر، وَهُوَ جمع بَصِيرَة، وَهِي للنَّفس كالبصر للبدن (طرق دلَالَته) وَلَا يخفى مَا فِيهِ من براعة الاستهلال، لِأَن الْأُصُول يبْحَث عَن طرق دلَالَة الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة (على وجوده وَتَمام قدرته) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن من لم يَتَّضِح لَهُ الطّرق لَيْسَ من الْعُقَلَاء فَإِن قلت وُجُوه الِاسْتِدْلَال لَيست مِمَّا يدْرك بالأبصار، فَمَا معنى إنارته لَهَا؟ قلت الإنارة للعقول حَقِيقَة لَكِنَّهَا لما كَانَت بِوَاسِطَة اسْتِعْمَال الْبَصَر غَالِبا نَسَبهَا إِلَيْهَا (فَهُوَ إِلَى الْعلم) أَي الله تَعَالَى أَو الْعَالم (بذلك) الْإِنْشَاء والتنوير (سائق) جعل خلق الْعَالم مَعَ إِيضَاح طرق دلَالَته بِمَنْزِلَة السُّوق تَنْبِيها على أَن الْإِنْسَان كالمضطر فِي الاهتداء إِلَى ذَلِك كالحيوان المسوق إِلَى جِهَة أُرِيد

سوقه إِلَيْهَا، ويناسب هَذَا قَوْله (دفع) أَي ألجأ الْمَدْفُوع إِلَيْهِ (نظامه) أَي حسن تَرْتِيب الْعَالم على الْوَجْه الْمشَاهد (المستقر) أَي الثَّابِت على أتم وُجُوه الانتظام من غير اختلال وَلَا انخرام (إِلَى الْقطع) أَي الْعلم الْقطعِي مُتَعَلق بِالدفع (بوحدانيته) لِأَنَّهُ - {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} - (كَمَا أوجب توالي نعمائه تَعَالَى المستمر) أَي تتابعها الدَّائِم على عَامَّة الْخلق، والنعماء بِالْفَتْح ممدودة بِمَعْنى النِّعْمَة (الْعلم برحمانيته) لِأَن الرَّحْمَن هُوَ الْمُنعم الْحَقِيقِيّ الْبَالِغ فِي الرَّحْمَة غايتها بِأَن يسع كل شَيْء تفضلا من غير انْقِطَاع الْمعْصِيَة وَغَيرهَا، وَفِيمَا ذكر إِشَارَة إِلَى مُعظم مَقَاصِد علم أصُول الدّين الْمُقدم على علم أصُول الْفِقْه من إِثْبَات الْوَاجِب وَقدرته وإيجاده إِلَى غير ذَلِك (وَصلى الله على رَسُوله مُحَمَّد). قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: أجمع الْأَقْوَال الشارحة للرسالة الإلهية أَنَّهَا سفارة بَين الْحق والخلق تنبه أولي الْأَلْبَاب على مَا تقصر عَنهُ عُقُولهمْ من صِفَات معبودهم ومعادهم، ومصالح دينهم ودنياهم، ومستحثات تهديهم، ودوافع شبه ترديهم. قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله فِي المسايرة: وَأما على مَا ذكره الْمُحَقِّقُونَ: من أَن النَّبِي: إِنْسَان بَعثه الله لتبليغ مَا أُوحِي إِلَيْهِ، وَكَذَا الرَّسُول فَلَا فرق انْتهى، وَمِمَّا قيل فِي الْفرق: أَن الرَّسُول مَأْمُور بالإنذار، وَيَأْتِي بشرع مُسْتَأْنف، وَلَا كَذَلِك النَّبِي، وَإِن أمره بالتبليغ، وَيَأْتِي الْوَحْي الرَّسُول من جَمِيع وجوهه، وَالنَّبِيّ من بَعْضهَا، وَإِنَّمَا سمي بِمُحَمد لِأَنَّهُ مَحْمُود عِنْد الله وَعند أهل السَّمَاء وَالْأَرْض، وَهُوَ أَكثر النَّاس حمدا إِلَى غير ذَلِك. (وشق لَهُ من اسْمه ليجله ... فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد) (أفضل من عَبده من عباده) فِيهِ إِشَارَة إِلَى تَفْضِيل الْبشر على الْملك، وَمن تبعيضية لِأَن الْعباد: وهم المماليك يعم من عبد وَمن لم يعبد، وَالْعِبَادَة الطَّاعَة (وَأقوى من ألزم أوامره) بالمعجزات الباهرة والحجج الظَّاهِرَة: وَهُوَ كالدليل على أفضليته. قَالَ تَعَالَى - {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ} - الْآيَة وَإِنَّمَا قدم الْوَصْف الأول لكَونه موصلا إِلَى الثَّانِي وَاكْتفى بِذكر الْأَوَامِر، لِأَن إِلْزَامه أصعب، فَإِن الْفِعْل أشق على النَّفس من التّرْك مَعَ أَنه يفهم بِقَرِينَة التقابل، وَترك الْمنْهِي عَنهُ مَأْمُور بِهِ (وَنشر) أَي فرق أَو بسط (ألوية شرائعه) جمع لِوَاء بِالْمدِّ، وَهُوَ الْعلم، أَو شَرِيعَة، وَهُوَ مَا شرع الله لِعِبَادِهِ، شبه الشَّرَائِع بالألوية لكَونهَا عَلامَة الْملك وأضافها، فَيكون التَّشْبِيه أبلغ كَمَا فِي لجين المَاء (فِي بِلَاده حَتَّى افترت) الْبِلَاد: أَي سكنت بعد حِدة، ولانت بعد شدَّة (ضاحكة) حَال من ضمير افترت (عَن جذل) بِفَتْح الْجِيم والذال الْمُعْجَمَة أَي عَن فَرح وابتهاج، شبه بِاعْتِبَار كَثْرَة أَفْرَاده بالأسنان الْبَادِيَة حَال الضحك فِي الظُّهُور عِنْد الانبساط، وَعَن مُتَعَلقَة بِضَاحِكَةٍ لتَضَمّنه معنى الْكَشْف، وَيجوز أَن يُرَاد كَون الضحك ناشئا

عَن الْفَرح (بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان) مُتَعَلق بجذل، فَإِنَّهُمَا يوجبانه (بعد طول انتحابها) أَي بكائها أَشد الْبكاء (على انبساط بهجة الْإِيمَان) أَي حسنه، الْجَار مُتَعَلق بالضحك، فَإِن بِنَاء الضحك على الانبساط وَهُوَ ضد الانقباض، أَو بالانتحاب على أَن يكون مبكيا عَلَيْهِ، شبه الْبِلَاد بِمن يَتَّصِف بالفرح تَارَة والحزن أُخْرَى تَشْبِيها مضمرا، وَأثبت لَهَا من لوازمه الضحك والبكاء تخييلا (وَلَقَد كَانَت) الْبِلَاد (كَمَا قيل: (فَكَأَن وَجه الأَرْض خد متيم ... وصلت سجام دُمُوعه بسجام) الخد مَعْرُوف، والمتيم العاشق، من تيمه الْحبّ إِذا ذلله، يُقَال سجم الدمع سجوما وسجاما إِذا سَالَ، وَالْمرَاد من وُصُول السجام بالسجام تواترها وتتابعها (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله الْكِرَام، وَأَصْحَابه الَّذين هم مصابيح الظلام، وَسلم تَسْلِيمًا " وَبعد " فَإِنِّي لما أَن صرفت طَائِفَة من الْعُمر للنَّظَر فِي طريقي الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة فِي الْأُصُول) لما كَانَ علم الْأُصُول يتَوَصَّل بِهِ إِلَى كَيْفيَّة استنباط الْأَحْكَام سمي طَرِيقا، وَاخْتلفت الآراء فِي قَوَاعِده فَصَارَ طرقا، وَلم يقل أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لاشتمال الطَّرِيقَيْنِ مَا ذَهَبا إِلَيْهِ وَمَا ذهب إِلَيْهِ أصحابهما، وَيجوز أَن يُرَاد أسلوباهما فِيهِ. وظرفية الْأُصُول لَهما ظرفية الْكل للجزء، أَو الْكُلِّي للجزئي (خطر لي أَن أكتب كتابا مفصحا) أَي كاشفا يزِيل الخفاء (عَن الاصطلاحين) هُوَ اتِّفَاق طَائِفَة على وضع لفظ لِمَعْنى، والتثنية بِاعْتِبَار النَّوْعَيْنِ لَا الفردين، وَلَا يلْزم اخْتِلَافهمَا فِي كل فَرد، بل يَكْفِي بِاعْتِبَار الْمَجْمُوع وَلَا ينْحَصر الْكتاب فِي بَيَان الاصطلاحيات، لَكِنَّهَا الْعُمْدَة فِيهِ فَاكْتفى بذكرها (بِحَيْثُ يطير من أتقنه) أَي أحكم هَذَا الْكتاب الْمَذْكُور بفهمه على وَجه التَّحْقِيق يطير (إِلَيْهِمَا) أَي الاصطلاحين أَو طريقي الْفَرِيقَيْنِ (بجناحين) " قَوْله بِحَيْثُ " مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ صفة حَال " كتابا " أَو لمصدر " مفصحا " فَإِن قلت من أتقن الْكتاب المفصح عَن الاصطلاحين فقد بلغ الْغَايَة فيهمَا فَكيف يطير بعد ذَلِك إِلَيْهِمَا قلت مَعْنَاهُ أَن المتقن تحصل لَهُ ملكة يقتدر بهَا على استحضار كل من المصطلحات عِنْد الْحَاجة بِأَدْنَى توجه، وَبِهَذَا ظهر وَجه اسْتِعَارَة الطيران لسرعة الِانْتِقَال، وَفَائِدَة ذكر الجناحين مَعَ أَن الطيران لَا يكون بدونهما إِيهَام أَن الطيران مَحْمُول على حَقِيقَته (إِذْ كَانَ من عَلمته أَفَاضَ) أَي أَفَادَ (فِي هَذَا الْمَقْصد) أَي الإفصاح عَنْهُمَا (لم يوضحهما حق الْإِيضَاح وَلم يناد مرتادهما) أَي طَالب الاصطلاحين (بَيَانه) فَاعل لم يناد (إِلَيْهِمَا) أَي الاصطلاحين (بحي على الْفَلاح) هِيَ اسْم فعل بِمَعْنى أقبل يعدى بعلي، وَقد يَجِيء حَيّ مُتَعَدِّيا بِمَعْنى ائْتِ كَقَوْلِه: (حَيّ الحمول: فَإِن الركب قد ذَهَبا ...) والفلاح: الْفَوْز والنجاة والبقاء فِي الْخَيْر، وَالْمَجْمُوع صَار فِي الْعرف مثلا يسْتَعْمل فِي شهار التَّبْلِيغ والإيقاظ لَهُ، والإفصاح عَن الْقَصْد، مَأْخُوذ من قَول الْمُؤَذّن (فشرعت فِي هَذَا الْغَرَض) أَي تأليف الْكتاب الْمَذْكُور (ضاما إِلَيْهِ) أَي بَيَان الاصطلاحين (مَا ينقدح

لي) أَي يظْهر (من بحث) وَهُوَ فِي اللُّغَة التفتيش، وَفِي الِاصْطِلَاح إِثْبَات حَال الشَّيْء (وتحرير) تَحْرِير الْكتاب وَغَيره تقويمه (فَظهر لي بعد) كِتَابَة شَيْء (قَلِيل) أَو بعد قَلِيل من الزَّمَان (أَنه) أَي الْكتاب الْمَشْرُوع فِيهِ (سفر) أَي كتاب (كَبِير وَعرفت من أهل الْعَصْر انصراف هممهم) جمع همة بِالْكَسْرِ: وَهِي مَا يهم بِهِ من أَمر ليفعله، شاع فِي الْبَاعِث القلبي المنبعث من النَّفس بمطلوب كمالي ومقصود عَال (فِي غير الْفِقْه إِلَى المختصرات. وإعراضهم عَن الْكتب المطولات) عدم انصراف هممهم فِي الْفِقْه هَهُنَا، أما لكَونه ضَرُورِيًّا للْكُلّ بِاعْتِبَار حوادث جمة لَا تكَاد تُوجد إِلَّا فِيهَا، وَإِمَّا لما ترَتّب عَلَيْهِ من حطام الدُّنْيَا، والأغلب هُوَ الثَّانِي، والاختصار رد الْكثير إِلَى الْقَلِيل مَعَ بَقَاء مَعْنَاهُ: وَهُوَ أقرب إِلَى الْحِفْظ وَأنْشط للقارئ وأوقع فِي النَّفس، قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " أُوتيت جَوَامِع الْكَلم واختصرت لي الْحِكْمَة اختصارا " وَقَالَ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا " خير الْكَلَام مَا قل وَدلّ وَلم يطلّ فيمل " (فعدلت إِلَى مُخْتَصر مُتَضَمّن إِن شَاءَ الله تَعَالَى الغرضين) بَيَان الاصطلاحين على الْوَجْه الْمَذْكُور وَضم مَا يظْهر لَهُ (واف بِفضل الله سُبْحَانَهُ بتحقيق مُتَعَلق العزمين) الإفصاح والاختصار، وَلَا يخفى على من أتقن هَذَا الْمُخْتَصر الْجَامِع لما فِي المختصرات والمطولات مَعَ كَمَال التدقيق وَالتَّحْقِيق، وَأما الإفصاح وَإِن تبادر إِلَى الْوَهم ضِدّه لما فِيهِ من الصعوبة الَّتِي تعجز عقول الفحول إِلَّا من خصّه الله بمزيد التَّوْفِيق: فقد وَقع على أتم الْوُجُوه الممكنة فِي مثله مِمَّا لَفظه إِلَى مَعْنَاهُ كقطرة بِالنّظرِ إِلَى بَحر عميق (غير أَنه) أَي الْمُخْتَصر (مفتقر إِلَى الْجواد الْوَهَّاب تَعَالَى أَن يقرنه بِقبُول أَفْئِدَة الْعباد) الْجواد السخي، من أَسمَاء الله تَعَالَى من صِفَات الْأَفْعَال، وَكَذَا الْوَهَّاب إِلَّا أَن فِيهِ زِيَادَة مُبَالغَة " وَأَن يقرنه " بِحَذْف الْجَار مُتَعَلق بمفتقر، والأفئدة جمع فؤاد، وَهُوَ الْقلب: أَفَادَ أَن حسن التَّأْلِيف وكماله لَا يُوجب الْقبُول، لِأَنَّهُ موهبة من الله سُبْحَانَهُ، وَلَقَد تأدب فِي سُؤَاله الْمُقَارنَة بقبولها مَعَ الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ: - {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} - (وَأَن يتفضل عَلَيْهِ) أَي الْمُخْتَصر: أَي على مُؤَلفه على تأليفه، وَفِيه إِيهَام أَنه بِمَنْزِلَة طَالب لِلْأجرِ، ويلائمه مَا سبق من وَصفه بالافتقار (بِثَوَاب يَوْم التناد) أَي يَوْم الْقِيَامَة، سمي بِهِ لِأَنَّهُ يُنَادي فِيهِ بَعضهم بَعْضًا للاستغاثة، أَو يتنادى أَصْحَاب الْجنَّة وَأَصْحَاب النَّار، وَقيل غير ذَلِك، وَهَذَا إِذا لم تكن الدَّال مُشَدّدَة، فَإِن كَانَت فَالْمَعْنى يند بَعضهم من بعض: أَي يفر (وَالله سُبْحَانَهُ أسأله ذَلِك) أَي الْقبُول وَالثَّوَاب، وَتَقْدِيم الْمَفْعُول لإِفَادَة الْحصْر كَمَا فِي - {إياك نستعين} - (وَهُوَ حُسَيْنًا) كافينا (وَنعم الْوَكِيل) قيل بِمَعْنى موكول إِلَيْهِ تَدْبِير الْبَريَّة وَغَيره على الْحَذف والإيصال، أَو الْكَفِيل بالرزق، أَو الْمعِين، أَو الشَّاهِد، أَو الحفيظ أَو الْكَافِي، وَقدم الْمَخْصُوص بالمدح لإِفَادَة التَّخْصِيص (وسميته: بالتحرير) لتقويمه

المقدمة

قَوَاعِد الْأُصُول عَن مظان العوج، ولكمالها فِي الاتصاف بِهَذَا الْوَصْف، سمي باسم جنسه مُبَالغَة وادعاء لاتحاده بِهِ، وتنزيلا لما سواهُ منزلَة الْعَدَم (بعد ترتيبه على مُقَدّمَة) لتَكون التَّسْمِيَة بعد وجود الْمُسَمّى كَمَا هُوَ الأَصْل، والمقدمة مَأْخُوذَة من مُقَدّمَة الْجَيْش من قدم بِمَعْنى تقدم، يُقَال مُقَدّمَة الْعلم لما يتَوَقَّف عَلَيْهِ مسَائِله كمعرفة حَده، وغايته، وموضوعه، ومقدمة الْكتاب لطائفة من كَلَامه قدمت أَمَام الْمَقْصُود لارتباطه بهَا، وانتفاع بهَا فِيهِ (هِيَ الْمُقدمَات) أَي الْأُمُور الَّتِي جرت عَادَة الْأُصُولِيِّينَ بجعلها مُقَدّمَة لعلم الْأُصُول من بَيَان مَفْهُوم اسْمه وموضوعه، والمقدمات المنطقية، واستمداده كَمَا سَيَجِيءُ، فَاللَّام للْعهد (وَثَلَاث مقالات) أولاها (فِي المبادئ) اللُّغَوِيَّة (و) ثَانِيهَا فِي (أَحْوَال الْمَوْضُوع) أَي مَوْضُوع علم الْأُصُول (و) ثَالِثهَا فِي مَاهِيَّة (الِاجْتِهَاد) وَمَا يُقَابله من التَّقْلِيد وَمَا يتبعهَا من الْأَحْكَام (وَهُوَ) أَي الِاجْتِهَاد وَمَا يتبعهُ (متمم) لمسائل الْأُصُول، لَا مِنْهَا (مسَائِله) أَي الِاجْتِهَاد (فقهية) أَي بَعْضهَا كوجوب الِاجْتِهَاد فِي حق نَفسه وَفِي حق غَيره إِذا خَافَ فَوت الْحَادِثَة على غير الْوَجْه وحرمته فِي مُقَابلَة قَاطع (لمثل مَا سنذكر) فِي بَيَان الْمَوْضُوع من أَن الْبَحْث عَن حجية خبر الْوَاحِد، وَالْقِيَاس لَيْسَ من مسَائِل الْأُصُول، لِأَن موضوعها فعل الْمُكَلف، ومحمولها الحكم الشَّرْعِيّ، وَهُوَ الْوُجُوب وَالْحُرْمَة، فَتكون فقهية (واعتقادية) كَمَسْأَلَة لَا حكم فِي الْمَسْأَلَة الاجتهادية، وَجَوَاز خلو الزَّمَان عَن مُجْتَهد. (الْمُقدمَة) (الْمُقدمَة أُمُور) هِيَ الْمَدْلُول عَلَيْهَا بقوله هِيَ الْمُقدمَات، نكرت هَهُنَا لِأَنَّهَا ذكرت تَوْطِئَة لتفصيلها، والتنكير بمقام الْإِجْمَال أليق، وَمَا قيل من أَن الْمعرفَة إِذا أُعِيدَت نكرَة، فَهِيَ غير الأولى، فَلَيْسَ على إِطْلَاقه، على أَن ذَلِك عِنْد إِعَادَة اللَّفْظ بِعَيْنِه (الأول) من الْأُمُور الْمَذْكُورَة (مَفْهُوم اسْمه) أَي الْعلم الْمَذْكُور، وَالِاسْم أصُول الْفِقْه، لم يقل تَعْرِيفه مَعَ أَنه أخصر إِشَارَة إِلَى أَن التَّعْرِيف اسْمِي لَا حَقِيقِيّ كَمَا سَيَجِيءُ، مَعَ أَنه جرت عَادَتهم بِاعْتِبَار حَال الِاسْم فِي مقَام تَعْرِيفه (وَالْمَعْرُوف) أَي الْمَشْهُور بَين الْأُصُولِيِّينَ (كَونه) أَي الِاسْم الْمَذْكُور (علما) هُوَ مَا وضع لشَيْء بِعَيْنِه غير متناول غَيره بِوَضْع وَاحِد، وَسَيَجِيءُ بَيَانه (وَقيل) هُوَ (اسْم جنس لإدخاله اللَّام) أضيف الإدخال إِلَى الِاسْم مجَازًا لِأَنَّهُ فعل الْمُتَكَلّم تَنْزِيلا للقابل منزلَة الْفَاعِل مُبَالغَة فِي قبُوله، فَكَأَنَّهُ أدخلها بِنَفسِهِ عَلَيْهِ، يَعْنِي لَو كَانَ علما لما دَخلته اللَّام، وَإِذا انْتَفَى العلمية تعْيين كَونه اسْم جنس، وَيرد عَلَيْهِ أَنَّهَا تدخل فِي كثير من الْأَعْلَام، إِمَّا لُزُوما كَمَا فِي الْأَعْلَام الْغَالِبَة، أَو بِغَيْرِهِ كَمَا فِي كثير من الْأَعْلَام المنقولة من الصّفة أَو الْمصدر، أَو مَا فِيهِ معنى الْمَدْح أَو الذَّم كالعباس

وَالْحسن وَالنضْر والأسد وَالْكَلب فِي الْمُسَمّى بهَا، وَإِن لم يكن مُحْتَاجا إِلَى التَّعْرِيف، وَذَلِكَ للمح الوصفية، ومدح الْمُسَمّى بهَا وذمه (وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن الْعلم) على مَا هُوَ الْمَعْرُوف إِنَّمَا هُوَ (الْمركب) الإضافي: أَي أصُول الْفِقْه (لَا الْأُصُول) الَّذِي هُوَ جُزْء مِنْهُ، فالعلم مَا دَخلته اللَّام، وَمَا دَخلته اللَّام فَلَيْسَ بِعلم بل جزؤه، وَلما عين مَدْخُول اللَّام أَرَادَ أَن يبين معنى اللَّام فِيهِ، فَقَالَ (بل الْأُصُول بعد كَونه عَاما فِي المباني) جمع مبْنى، وَهُوَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ الشَّيْء (يُقَال) أَي يُطلق (خَاصّا فِي المباني الْمَعْهُودَة للفقه) وَهِي الْأَدِلَّة السمعية (فَاللَّام للْعهد) الْخَارِجِي، لِأَنَّهَا حِصَّة مُعينَة من المباني الْمُطلقَة، وَكلمَة بل اضراب عَمَّا يفهم من الْكَلَام السَّابِق من علمية لفظ الْأُصُول وَحَاصِله أَنه لَيْسَ بِعلم، بل معرف بلام الْعَهْد، وَقيل الأَصْل بعد مَا كَانَ عَاما فِي المباني نقل إِلَى الدَّلِيل، وَقَالَ صدر الشَّرِيعَة النَّقْل خلاف الأَصْل، وَلَا ضَرُورَة إِلَى الْعُدُول إِلَيْهِ، لِأَن الابتناء كَمَا يَشْمَل الْحسي كابتناء السّقف على الجدران كَذَلِك يَشْمَل الْعقلِيّ كابتناء الحكم على دَلِيله (وَالْوَجْه أَنه) أَي الْمركب علم (شخصي) حَقِيقَة الْعُلُوم إِمَّا الْمسَائِل، أَو التصديقات الْمُتَعَلّقَة بهَا، أَو الملكة الْحَاصِلَة من ممارستها، وَيُؤَيّد الْأَخيرينِ تَسْمِيَتهَا بِالْعلمِ، وَالْأول قَول الْقَائِل: علمت النَّحْو وَالصرْف، وَكَلَام المُصَنّف يُشِير إِلَى الأول إِذْ التصديقات أَو الملكة الْقَائِمَة بعالم غير الْقَائِمَة بآخر، فالاسم بِهَذَيْنِ الاعتبارين اسْم جنس كَمَا حَقَّقَهُ السَّيِّد السَّنَد، بِخِلَاف مُتَعَلق علومهم، وَهِي الْمسَائِل، فَإِنَّهُ وَاحِد، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ لَا يصدق على مَسْأَلَة) يَعْنِي مثلا، فَيشْمَل كل مَا سوى مَجْمُوع الْمسَائِل، وَلم يتَعَرَّض لما سوى الْجَزَاء، لِأَن عدم صدقه على مَا هُوَ خَارج عَنْهَا فِي غَايَة الظُّهُور فَإِن قلت مسَائِل الْعُلُوم تتزايد بتلاحق الأفكار، فالموجود فِي الزَّمَان السَّابِق مُغَاير بِالذَّاتِ للموجود فِي اللَّاحِق تغاير الْجُزْء وَالْكل، وَهَذَا يسْتَلْزم تعدد الْمُسَمّى، وَهُوَ يُنَافِي كَون الِاسْم علما شخصيا قلت الْمَوْجُود فِي كل زمَان شخص معِين، ويلتزم اشْتِرَاك الِاسْم وتعدد وَضعه بِحَسب تعدد الْأَزْمِنَة، وَلَا مَحْظُور وَهَهُنَا بحث، وَهُوَ أَن مَجْمُوع الْمسَائِل إِنَّمَا هُوَ مَوْجُود ذهني لاشتمالها على النّسَب الاعتبارية، وَمن ضَرُورَة تعدد الأذهان: تعدد وجوداته، وَمن ضَرُورَة تعدد الوجودات: تعدد تشخصاته، فَلَزِمَ كَون الِاسْم للْجِنْس بِهَذَا الِاعْتِبَار أَيْضا وَالْجَوَاب أَن حَقِيقَة مَجْمُوع الْمسَائِل من حَيْثُ هِيَ مَعَ قطع النّظر عَن وجودهَا وتشخصها فِي الذِّهْن جزئي حَقِيقِيّ لعدم إِمْكَان فرض اشتراكها بَين كثيرين، والتعدد إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار صورها الْحَاصِلَة فِي الأذهان، فمتعلق تِلْكَ الصُّور وَاحِد بِالذَّاتِ، وَإِن كَانَ كثيرا بِاعْتِبَار التعلقات وَالله أعلم (وَالْعَادَة تعريفة مُضَافا وعلما) أَي عَادَة الْأُصُولِيِّينَ تَعْرِيف الِاسْم الْمَذْكُور تَارَة من حَيْثُ أَنه مركب إضافي

نظرا إِلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ الَّذِي نقل عَنهُ إِلَى العلمي، وَتارَة من حَيْثُ أَنه مُفْرد علم نظرا إِلَى مَعْنَاهُ الشخصي الَّذِي نقل إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا عرفوه على الْوَجْهَيْنِ لمزيد الانكشاف (فعلى الأول) يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ (الْأُصُول الْأَدِلَّة) مُبْتَدأ وَخبر، والظرف مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره فتعريفه الْمَبْنِيّ على الأول هَكَذَا، وَالْمرَاد بِالدَّلِيلِ مَا يُمكن التَّوَصُّل بِالنّظرِ فِيهِ إِلَى مَطْلُوب خبري كَالصَّلَاةِ وَاجِبَة وَالْخمر حرَام، وَسَيَجِيءُ بَيَانه مفصلا (وَالْفِقْه التَّصْدِيق) قد يُرَاد بِهِ مَا يُقَابل التَّصَوُّر، وَهُوَ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة، وَقد يُرَاد بِهِ مَا هُوَ أخص مِنْهُ، وَهُوَ يُقَابل الظَّن، وَكِلَاهُمَا هَهُنَا جَائِز، تبع عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ فِي تَفْسِير الْفِقْه بِمَا هُوَ من مقولة الْعلم، وَإِن كَانَ الْمُخْتَار عِنْده كَونه من مقولة الْمَعْلُوم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِيمَا سبق (لأعمال الْمُكَلّفين) قيل اللَّام بِمَعْنى على كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وتله للجبين} - مُتَعَلق بالتصديق لتَضَمّنه معنى الحكم، وَفِي الْكَشَّاف فِي - {يخرون للأذقان} - فَإِن قلت: حرف الاستعلاء ظَاهر الْمَعْنى إِذا قلت خر على وَجهه، وعَلى ذقنه فَمَا معنى اللَّام؟ قلت مَعْنَاهُ جعل وَجهه وذقنه للخرور واختصه بِهِ، وَهَذَا يدل على أَن كَونهَا بِمَعْنى على لم يثبت عِنْده، فَالْأولى أَن يُقَال لتَضَمّنه الاثبات عدي بهَا ولتضمنه الحكم عدي بِالْبَاء فالمثبت لَهُ الموضوعات، وَهِي الْأَعْمَال، والمحكوم بِهِ المحمولات، وَهِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، والأعمال تعم أَفعَال الْقُلُوب أَيْضا كالنية وَغَيرهَا، وَخرج التَّصْدِيق لغير الْأَعْمَال، ولأعمال غير الْمُكَلف (الَّتِي لَا تقصد لاعتقاد) فصل ثَالِث يخرج التَّصْدِيق لأعمالهم الَّتِي تقصد لَهُ كالتصديق بِأَن الْخَيْر وَالشَّر بِقَضَاء الله وَقدرته وإرادته، والاعتقاد حكم لَا يحْتَمل النقيض عِنْد الْحَاكِم، وَلَو عرض عَلَيْهِ طرفاه يجوز أَن يحكم بَينهمَا بالنقيض لكَونه على خلاف الْوَاقِع، أَو لعدم استناده إِلَى مُوجب من حس أَو ضَرُورَة أَو عَادَة أَو دَلِيل، بل اتّفق لسَبَب تَقْلِيد أَو شُبْهَة، وَقد يُرَاد بالاعتقاد مَا يعم الْيَقِين والجزم وَالظَّن وَالْجهل الْمركب، وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْمُتَكَلِّمين، وَالْمرَاد هَهُنَا، وَإِلَّا لم يخرج مَا قصد لاعتقاد لَا يصدق عَلَيْهِ الْمَعْنى الأول (بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة) الحكم إِسْنَاد أَمر إِلَى آخر إِيجَابا أَو سلبا، أَو خطاب الله الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف اقْتِضَاء أَو تخييرا، وَالْأول هَهُنَا أولى لِئَلَّا يَلْغُو التَّقْيِيد بالشرعية، وَقد يُقَال يجوز أَن يُرَاد بالشرعية مَا لَا يدْرك لَوْلَا خطاب الشَّارِع، وَمن الْأَحْكَام مَا يدْرك بِدُونِهِ كوجوب الْإِيمَان بِاللَّه وتصديق النَّبِي عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه مَا فِيهِ، وعَلى الثَّانِي يُرَاد مَا يَتَرَتَّب على الْخطاب كالوجوب وَالْحُرْمَة، لأنفسه كالإيجاب وَالتَّحْرِيم لِأَنَّهُ الْمَحْكُوم بِهِ على الْأَعْمَال، وَقيل هما متحدان بِالذَّاتِ متغايران بِالِاعْتِبَارِ، وَفِيه بحث، وَبِهَذَا الْقَيْد احْتَرز عَن مثل قَوْلنَا أَفعَال الْمُكَلّفين أَعْرَاض قَائِمَة بذواتهم منقسمة إِلَى الْجَوَارِح والقلوب (القطعية) أَي الثَّابِتَة بِدَلِيل قَطْعِيّ لَا شُبْهَة فِيهِ: أَي الشُّبْهَة الناشئة عَن الدَّلِيل.

فَانْدفع مَا قيل: من أَنه إِن أُرِيد بِالْأَحْكَامِ جَمِيعهَا لم يُوجد الْفِقْه وَلَا الْفَقِيه، لِأَن الْحَوَادِث وَإِن كَانَت متناهية ضَرُورَة انْقِضَاء دَار التَّكْلِيف، لَكِنَّهَا لكثرتها وَعدم انقطاعها مَا دَامَت الدُّنْيَا غير دَاخِلَة تَحت ضبط الْمُجْتَهدين، وَإِن أُرِيد بَعْضهَا، فإمَّا بعض لَهُ نِسْبَة مُعينَة إِلَى الْكل كالنصف، فَيلْزم الْجَهَالَة بِجَهَالَة الْكل، وَإِمَّا مُطلق فَيلْزم كَون الْعَالم بِمَسْأَلَة فَقِيها، وَلَيْسَ كَذَلِك اصْطِلَاحا، وَجه الاندفاع أَن القطعية تدخل تَحت الضَّبْط فَيمكن الْإِحَاطَة بهَا (مَعَ ملكة الاستنباط) فَخرج التَّصْدِيق الَّذِي لَيْسَ مَعهَا، وَهِي كَيْفيَّة راسخة فِي النَّفس حَاصِلَة باستجماع المآخذ والأسباب والشروط الَّتِي يَكْفِي الْمُجْتَهد الرُّجُوع إِلَيْهَا فِي معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة يقتدر بهَا على اسْتِخْرَاج كل مَسْأَلَة ترد عَلَيْهِ بعد التَّأَمُّل، فَلَا يخل قَول مَالك: لَا أَدْرِي فِي سِتّ وَثَلَاثِينَ من أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة سُئِلَ عَنْهَا فِي اجْتِهَاده، وَلَا توقف أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي مسَائِل مَعْدُودَة، لجَوَاز أَن يكون لتعارض الْأَدِلَّة، أَو وجود الْمَانِع، اَوْ مُعَارضَة الْوَهم الْعقل، أَو مشاكلة الْحق الْبَاطِل، فَإِن الخلوص عَن هَذِه الْمَوَانِع خَارج عَن الطَّاقَة، فَلَا يشْتَرط (وَدخل نَحْو الْعلم بِوُجُود النِّيَّة) لما مر من عُمُوم الْأَعْمَال، فَإِن النِّيَّة من الْأَعْمَال القلية، وَالْمرَاد دُخُول الْجُزْء فِي الْكل إِن أَرَادَ الدُّخُول فِي الْمُعَرّف، أَو الجزئي فِي الْكُلِّي إِن أَرَادَ الدُّخُول فِي مَا يعم الْكل والجزء الْمَفْهُوم ضمنا أَي التَّصْدِيق لعمل الْمُكَلف بالحكم الشَّرْعِيّ، وَالْمرَاد بِنَحْوِهِ مَا كَانَ مَوْضُوعه فعل الْقلب ومحموله حكم شَرْعِي (وَقد يخص) الْفِقْه (بظنها) أَي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة للأعمال الْمَذْكُورَة، قيل الْمُخَصّص الإِمَام الرَّازِيّ، وَذَلِكَ لِأَن الْفِقْه مُسْتَفَاد من الْأَدِلَّة السمعية، وَهِي لَا تفِيد إِلَّا الظَّن لتوقف إفادتها الْيَقِين على نفي الِاشْتِرَاك، وَالْمجَاز وَنَحْوه، ونفيها لَا يثبت إِلَّا بِأَن الأَصْل عدمهَا، وَهَذَا دَلِيل ظَنِّي، وَجَوَابه منع الْحصْر (وعَلى مَا قُلْنَا) من أَنه التَّصْدِيق للأعمال بِالْأَحْكَامِ القطعية (لَيْسَ هُوَ) أَي الظَّن (شَيْئا من الْفِقْه) أَي جُزْءا من أَجْزَائِهِ، فضلا عَن أَن يكون عينه، وَذَلِكَ لِأَن التَّصْدِيق الْمُتَعَلّق بِالْأَحْكَامِ القطعية لَا يكون إِلَّا قَطْعِيا (وَلَا الْأَحْكَام المظنونة) أَي وَلَا الْأَحْكَام المظنونة شَيْئا من أَحْكَامه ومحمولاته، عطف على ضمير لَيْسَ، وَلِهَذَا أكد بالمنفصل وَلَا، بِإِعَادَة النَّفْي (إِلَّا بإصطلاح) اسْتثِْنَاء مُنْقَطع: أَي لكنه مِنْهُ إِن وَقع الِاصْطِلَاح على وضع اسْم الْفِقْه لما يصدق على الظَّن فَقَط، أَو لما يعمه وَغَيره، وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح، لَكِن الْأَلْيَق بِالِاعْتِبَارِ مَا ذَكرْنَاهُ لما مر (ثمَّ على هَذَا التَّقْدِير) أَي على تَقْدِير تَخْصِيصه بِالظَّنِّ (يخرج) مِنْهُ (مَا علم من الْمسَائِل بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّة) بطرِيق البداهة الْحَاصِلَة من الْخَبَر الْمُتَوَاتر الْمَشْهُور الَّذِي عرفت الْعَامَّة حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان فِي دين الْإِسْلَام كَونه مِنْهُ بِإِخْبَار الْمخبر الصَّادِق كوجوب الصَّلَوَات الْخمس وَصَوْم رَمَضَان، لِأَن التَّصْدِيق بهَا يقيني، وَكَذَا يخرج على تَفْسِيره

بِالْعلمِ بِالْأَحْكَامِ العملية عَن أدلتها التفصيلية بالاستدلال، وَإِنَّمَا دعاهم إِلَى إِخْرَاجه كَون الْفِقْه لُغَة إِدْرَاك الْأَشْيَاء الْخفية، وَذَلِكَ فِي النظريات: يُقَال فقهت كلامك، وَلَا يُقَال فقهت السَّمَاء وَالْأَرْض وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ لَا يلْزم اعْتِبَار وَجه التَّسْمِيَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل جُزْء من الْمُسَمّى، على أَن مَا علم بالضررة كَانَ خفِيا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوَائِل (وَأما قصره) أَي الْفِقْه (على الْيَقِين وَجعل الظَّن فِي طَرِيقه) أَي الْفِقْه أَو الْيَقِين دفعا لاعتراض القَاضِي أبي بكر على التَّعْرِيف بِأَنَّهُ من بَاب الظنون، فَلَا يجوز أَن يعْتَبر الْعلم جِنْسا فِي تَعْرِيفه تَلْخِيص الْجَواب الْتِزَام كَون الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة كلهَا يقينية، وَإِن كَانَ أَكثر أدلتها أَمَارَات ظنية، لانعقاد الْإِجْمَاع على وجوب الْعَمَل بِالظَّنِّ على الْمُجْتَهد إِذا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، فَكل حكم كَذَا يجب الْعَمَل بِهِ قطعا تعلق بِهِ الْخطاب قطعا وَلَا نعني بالقطعي إِلَّا هَذَا فَثَبت أَنَّهَا قَطْعِيَّة، وَالظَّن فِي طريقها (فمغير لمفهومه) جَوَاب أما، بِمَعْنى قصره على الْيَقِين بالتأويل الْمَذْكُور يسْتَلْزم أَن يُرَاد بِهِ غير مُسَمَّاهُ، لِأَن مُسَمَّاهُ تصديقات، أَو مسَائِل موضوعاتها أَفعَال الْمُكَلّفين، ومحمولاتها الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة كالوجوب وَالْحُرْمَة، وَهِي قد تكون ظنية نَحْو الْوتر وَاجِب، وَمَا ذكر لَا يُخرجهَا من الظَّن إِلَى الْقطع بل يُفِيد الْقطع بِوُجُوب الْعَمَل بهَا قطعا، وَهُوَ لَا يسْتَلْزم كَونهَا مُتَعَلق حكم الله قطعا لظُهُور عدم الْقطع بِكَوْن الْوتر مثلا مَطْلُوبا غير جَائِز التّرْك، وَلِهَذَا وَقع الِاخْتِلَاف فِي وُجُوبه: نعم هَهُنَا تصديقات أخر موضوعاتها الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة ومحمولها مَفْهُوم وَاحِد أَعنِي وجوب الْعَمَل بهَا قطعا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (ويقصره على حكم) أَي يقصر الْقصر الْمَذْكُور الْفِقْه على حكم وَاحِد بِاعْتِبَار الْمَحْمُول لَا الْمَوْضُوع لما عرفت فَإِن قلت الْقطع بِوُجُوب الْعَمَل رَفعهَا عَن حضيض الظَّن لي ذرْوَة الْيَقِين فالوتر مثلا بَعْدَمَا كَانَ ظَنِّي الثُّبُوت نظرا إِلَى أمارته صَار قَطْعِيّ الثُّبُوت بِاعْتِبَار تعلق الطّلب بِالْعَمَلِ بِهِ قطعا قلت لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حكم خَاص فِي كل عمل، وَحكم عَام وَهُوَ وجوب الْعَمَل بِمَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد وَالْعلم بِالْأولِ تَارَة يكون قَطْعِيا، وَتارَة يكون ظنيا بِخِلَاف الثَّانِي، فَإِنَّهُ قَطْعِيّ دَائِما، والمجتهد مَأْمُور بمظنونه وَإِن كَانَ خلاف حكم الله بِالْمَعْنَى الأول نعم عِنْد المصوبة الْكل حكم الله، وَالتَّحْقِيق خِلَافه، وَالْمُعْتَبر فِي مَفْهُوم الْفِقْه الْقطع، وَالظَّن بِاعْتِبَار الأول لَا الثَّانِي، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله يُشِير إِلَى مَا قلت بقوله (وَمَا قيل فِي إِثْبَات قَطْعِيَّة مظنونات الْمُجْتَهد مظنونه) بدل من ضمير الْمَوْصُول (مَقْطُوع بِوُجُوب الْعَمَل بِهِ) بِالْإِجْمَاع وَالْأَخْبَار المتواترة معنى (وكل مَا قطع إِلَى آخِره) أَي وجوب الْعلم بِهِ مَقْطُوع بِهِ (فَهُوَ) أَي مظنونه (مَقْطُوع بِهِ، مَمْنُوع الْكُبْرَى) يَعْنِي كل مَا قطع إِلَى آخِره لجَوَاز وجوب الْعَمَل بِهِ من غير أَن يكون مُتَعَلق الْخطاب الْخَاص على مَا عرفت (وَالْمرَاد بالملكة) الْمَذْكُورَة فِي التَّعْرِيف (أدنى مَا تتَحَقَّق بِهِ الْأَهْلِيَّة) للاستنباط، وَفِي إِضَافَة الملكة إِلَيْهِ إِشْعَار بالمراد، لِأَن مَعْنَاهَا ملكة يقتدر

بهَا على مَا يصدق عَلَيْهِ مُطلق الاستنباط، وَلَيْسَ المُرَاد اعْتِبَار الْأَدْنَى بِعَيْنِه وَنفي الزِّيَادَة، بل المُرَاد الْأَدْنَى سَوَاء تحقق مُنْفَردا، أَو فِي ضمن الْأَوْسَط، أَو الْأَعْلَى، وَلَا جَهَالَة فِيهِ حَتَّى يلْزم فَسَاد التَّعْرِيف، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي المُرَاد (مضبوط) انضباط الْمُطلق إِذا أُرِيد بِهِ الْإِطْلَاق من غير إِرَادَة خُصُوصِيَّة من خصوصياته، فَإِن الْإِيهَام عِنْد ذَلِك، ثمَّ المُرَاد من التَّصْدِيق مَا هُوَ الْمُتَبَادر بِقَرِينَة السِّيَاق، وَهُوَ الْحَاصِل بالاستنباط الْمُتَرَتب على الملكة فَلَا يرد علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجِبْرِيل بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَة بطرِيق الضَّرُورَة الحاصلين من الْأَدِلَّة بطرِيق الحدس، وَيتَّجه حِينَئِذٍ مَا علم بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّة فَتَأمل (وعَلى الثَّانِي) أَي بِاعْتِبَار علمية الِاسْم الْمَذْكُور (فَقَالَ كثير) مِمَّن عرفه، وَالْفَاء للتفصيل كَمَا فِي الأول (أما تَعْرِيفه لقبا) حَال من الضَّمِير (ليشعروا) أَي الْكثير مُتَعَلق بقال، يَعْنِي يذكر الْكثير اللقب بدل الْعلم، فَإِن اللقب مِمَّا يدل على الْمَدْح أَو الذَّم، وَهُوَ غير مُحْتَمل هَهُنَا (برفعة مُسَمَّاهُ) أَي الِاسْم لكَونه مَبْنِيّ الْفِقْه الَّذِي هُوَ أهم الْعُلُوم وأنفعها، (و) قَالَ (بَعضهم علما) مَوضِع لقبا (لِأَن التَّعْرِيف) أَي التَّعْرِيف الأسمى (إِفَادَة مُجَرّد الْمُسَمّى) فالمنظور فِيهِ بَيَان مَا وضع لَهُ اللَّفْظ (لَا) إِفَادَة الْمُسَمّى (مَعَ اعْتِبَار ممدوحيته وَإِن كَانَت) الممدوحية (ثَابِتَة) فِي نفس الْأَمر (فَلَا يعْتَرض) على من قَالَ علما بدل لقبا (بثبوتها) أَي الممدوحية بِأَن يُقَال الممدوحية ثَابِتَة فِي نفس الْأَمر، وَلَفظ الْعلم لَا يدل عَلَيْهَا لكَونه أَعم من اللقب فَإِن قلت مُسَمّى الْعلم الشخصي لَا يحد لِأَن مَعْرفَته لَا تحصل إِلَّا بتعين مشخصاته بِالْإِشَارَةِ وَنَحْوهَا، والتعريف غَايَته الْحَد التَّام، وَهُوَ إِنَّمَا يشْتَمل على مقومات الْمَاهِيّة دون مشخصاتها قلت الْحق كَمَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَنه يحد بِمَا يُفِيد امتيازه عَن جَمِيع مَا عداهُ بِحَسب الْوُجُود لَا بِمَا يُفِيد تعينه وتشخصه، وَلما ذكر اخْتِلَاف الْقَوْم فِي التَّعْبِير عَن تَعْرِيفه على اعْتِبَار العلمية أَرَادَ أَن يصدر التَّعْرِيف بتوطئة مفيدة لمزيد الانكشاف لَهُ، فَقَالَ (وكل علم) من الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة (كثرتا ادراكات) تصورية وتصديقية (ومتعلقاتها) أَي تِلْكَ الادراكات، وَهِي الْمسَائِل وموضوعاتها ومحمولاتها وَمَا يتَعَلَّق بهَا، وَفِيه مُسَامَحَة لِأَن الْعلم عبارَة عَن أَحدهمَا لَا الْمَجْمُوع الْمركب مِنْهُمَا، وَالْمرَاد وجودهما فِي كل علم، وَالْكَثْرَة بِمَعْنى الْكَثِيرَة وَإِضَافَة الكثرتين إِلَى الادراكات كإضافة حُصُول صُورَة الشَّيْء، أَي الادراكات الْكَثِيرَة والمدركات الْكَثِيرَة (وَلها) أَي لتِلْك الْكَثْرَة المتحققة فِي ناحيتي الْإِدْرَاك والمدرك (وحدة غَايَة) أَي وحدة بِاعْتِبَار الْغَايَة، وَهِي الْعلَّة الغائية الباعثة لإقدام الطَّالِب على تَحْصِيله، وَهِي معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة المفضية إِلَى السَّعَادَة الدِّينِيَّة والدنيوية (تستتبع) تِلْكَ الْوحدَة (وحدة موضوعها) أَي تِلْكَ الْكَثْرَة يَعْنِي أَن وحدة الْغَايَة تستدعى، وحدة الْمَوْضُوع وَالثَّانيَِة تَابِعَة للأولى، وَذَلِكَ لِأَن الطَّالِب إِذا

كَانَ لَهُ مطلب وَاحِد علمي يعمد إِلَى أُمُور مُنَاسبَة لذَلِك الْمطلب فيبحث عَن أحوالها الَّتِي لَهَا مدْخل فِي الإيصال إِلَيْهِ فَيصدق على كل وَاحِد من تِلْكَ الْأُمُور الْكَثِيرَة مَا يبْحَث عَن حَاله للإيصال إِلَى غَايَة كَذَا، وَلَا يَعْنِي بوحدة الْمَوْضُوع الأمثل هَذَا (أول الملاحظة) ظرف للاستتباع يَعْنِي الاستتباع الْمَذْكُور بِاعْتِبَار مُلَاحظَة الْغَايَة أَولا، فَإِن مدون الْعلم يُلَاحظ الْغَايَة أَولا، لِأَنَّهَا الباعثة لإقدامه على التدوين فملاحظته إِيَّاهَا من حَيْثُ يستدعى تدوين علم مَوْضُوعه كَمَا عَرفته مُتَقَدّمَة، وَأما بِاعْتِبَار تحققهما فِي الْخَارِج، فَالْأَمْر بِالْعَكْسِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَفِي التَّحْقِيق إِلَّا تصافى بِالْقَلْبِ 1) يَعْنِي إِذا نَظرنَا إِلَى تحقق الوحدتين من حَيْثُ أَنَّهُمَا وصفان ثابتان لموصوفيهما أَي الْغَايَة والموضوع وجدنَا وحدة الْمَوْضُوع سَابِقَة على وحدة الْغَايَة ضَرُورَة تَأَخّر وصف الْمُتَأَخر عَن وصف الْمُتَقَدّم وَتَأَخر الْعلَّة الغائية عَن معلولها بِاعْتِبَار الْوُجُود الْخَارِجِي (وَأَسْمَاء الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة مَوْضُوعَة لكل) من الكثرتين لِأَن الِاسْتِعْمَال فِي كل مِنْهُمَا على السوية، وَهُوَ دَلِيل الْوَضع عِنْد عدم الِاحْتِيَاج إِلَى الْقَرِينَة وَلم يذكر الملكة مَعَ أَنهم جَعَلُوهُ من جملَة مسمياتها، لِأَن أَكثر الاستعمالات يَأْبَى عَنْهَا وَيلْزم أَن لَا يكون إِطْلَاق اسْم الْعلم على الْأَلْفَاظ والنقوش من بَاب تَسْمِيَة الدَّال باسم الْمَدْلُول (وَكَذَا الْقَاعِدَة والقضية) مَوْضُوعَة لكل من الادراكات إِدْرَاك الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، وَبِه وَالنِّسْبَة وَالْحكم ومتعلقاتها، والقضية أَعم من الْقَاعِدَة، فالقاعدة قَضِيَّة كُلية منطبقة على جزئياتها كَقَوْلِنَا: الْفَاعِل مَرْفُوع وجزئياتها كزيد مَرْفُوع فِي جَاءَ زيد، والقضية قَول يحْتَمل الصدْق وَالْكذب (فعلى) اعْتِبَار (الأول) وَهُوَ وَضعهَا للادراكات (هُوَ) أَي أصُول الْفِقْه (إِدْرَاك الْقَوَاعِد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط الْفِقْه) وَجه التَّوَصُّل أَن الْأَدِلَّة التفصيلية تدل على الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة بِوَاسِطَة كيفيات فِيهَا متنوعة، وكل قَاعِدَة من الْأُصُول تبين نوعا من تِلْكَ الكيفيات وَعند الاستنباط كَمَا تقع الْحَاجة إِلَى معرفَة تِلْكَ الكيفيات تقع إِلَى معرفَة الْقَوَاعِد المبينة لَهَا، لِأَن معرفَة تِلْكَ الكيفيات بِدُونِ الْقَوَاعِد لَا تخلص عَن الشُّبْهَة، وَلَا يرد عَلَيْهِ قَوَاعِد الْعَرَبيَّة والمنطقية لِأَن التَّوَصُّل بهَا بعيد والمتبادر مِنْهُ الْقَرِيب (وَقَوْلهمْ) أَي الْأُصُولِيِّينَ فِي التَّعْرِيف (عَن الْأَدِلَّة التفصيلية) بعد قَوْلهم هُوَ الْعلم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة (تَصْرِيح بِلَازِم) يفهم ضمنا، لِأَن المُرَاد استنباط الْأَحْكَام تَفْصِيلًا، وَهُوَ لَا يكون إِلَّا عَن أدلتها تَفْصِيلًا فَهُوَ لمزيد الْكَشْف لَا للِاحْتِرَاز فَلَا يضر تَركه (وَإِخْرَاج) علم (الْخلاف) عَن التَّعْرِيف (بِهِ) أَي القَوْل الْمَذْكُور (غلط) لِأَنَّهُ علم يتَوَصَّل بِهِ إِلَى حفظ الْأَحْكَام المستنبطة الْمُخْتَلف فِيهَا أَو هدمها، لَا إِلَى الاستنباط، وَكَذَلِكَ علم الجدل فَإِنَّهُ علم يتَوَصَّل بِهِ إِلَى حفظ رَأْي أَو هَدمه، أَعم من أَن يكون

فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة أَو غَيرهَا، وعَلى تَقْدِير تَسْلِيم كَونه يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الاستنباط لَا يخرج بالقيد الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل إِلَّا عِنْد استنباط الْأَحْكَام عَن أدلتها التفصيلية (وَعَلِيهِ) أَي على الأول (مَا تقدم من) تَعْرِيف (الْفِقْه) وَهُوَ قَوْله التَّصْدِيق الخ، فَإِنَّهُ إِدْرَاك فتعريف الْفِقْه مَبْنِيّ على الأول (وَجعل الْجِنْس) فِي تَعْرِيف الْأُصُول (الِاعْتِقَاد الْجَازِم المطابق) للْوَاقِع احْتِرَازًا عَن الظَّن وَالْجهل (مُشكل بقضية الْمُخطئ فِي الْكَلَام) يَعْنِي يلْزم اعْتِبَار الْجَزْم والمطابقة فِي جَمِيع مَا ينْدَرج تَحت الْجِنْس، وَمن جملَته علم الْأُصُول الْكَلَام فَيلْزم أَن يخرج مِنْهُ الْمُخطئ فِي الِاعْتِقَاد سَوَاء بدع كالمعتزلة أَو كفر كالمجسمة، وَقد صَرَّحُوا باندراج اعْتِقَاد الْمُخطئ تَحْتَهُ (ولأنا نمْنَع اشْتِرَاطه) أَي المجعول جِنْسا (فِي أصُول الْفِقْه) نقل سَنَد الْمَنْع عَن المُصَنّف، ومحصوله أَن الظَّن يَكْفِي فِي إِثْبَات محمولات مسَائِل الْأُصُول لموضوعاتها نَحْو الْأَمر للْوُجُوب وَالنَّهْي للْحُرْمَة، وَتَخْصِيص الْعَام يجوز والمشترك لَا يعم، وَخبر الْوَاحِد مقدم على الْقيَاس، فَإِنَّهَا غير قَطْعِيَّة لعدم قَطْعِيَّة أدلتها، وَرُبمَا لم يكن مطابقا للْوَاقِع، وَالْمرَاد من الْمَنْع النَّقْض الَّذِي يُورد فِي التعريفات (فَالْأَوْجه كَونه) أَي جنس التَّعْرِيف (أَعم) من أَن يكون جَازِمًا أم لَا، مطابقا أم لَا، أَشَارَ إِلَى أَن عدم التَّعْمِيم أَيْضا لَهُ وَجه لما مر من أَنه لَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح، لَكِن الأولى والأنسب هُوَ التَّعْمِيم (وعَلى) اعْتِبَار (الثَّانِي) وَهُوَ وَضعهَا للمتعلقات هُوَ (الْقَوَاعِد الَّتِي يتَوَصَّل بمعرفتها) إِلَى استنباط الْفِقْه (وَالْقَوَاعِد فِيهِ) أَي فِي هَذَا التَّعْرِيف (مَعْلُومَات) لَا عُلُوم وتصديقات فِيهِ أَن الْقَاعِدَة مُشْتَركَة بَين الْعلم والمعلوم، والاحتراز عَن إِيرَاد الْمُشْتَرك فِي التعريفات وَاجِب قلت لَا يضر فِي مثل هَذَا، لِأَن التَّعْرِيف صَحِيح على التَّقْدِيرَيْنِ على أَن قَوْله بمعرفتها يعين المُرَاد و (أَعنِي) بالمعلومات (المفاهيم التصديقية الْكُلية) الْفَهم هُوَ الْإِدْرَاك وَالْمَفْهُوم مُتَعَلقَة يَنْقَسِم إِلَى التصوري والتصديقي ضَرُورَة انقسام الْإِدْرَاك إِلَى التَّصَوُّر والتصديق، والكلية مَا حكم فِيهِ على كل فَرد من أَفْرَاد مَوْضُوعَة (من نَحْو الْأَمر للْوُجُوب) من بَيَانِيَّة للمفاهيم (وَلذَا) أَي لأجل أَن المُرَاد بهَا المعلومات (قُلْنَا بمعرفتها) لِأَنَّهَا تُضَاف إِلَى الْمَعْلُوم لَا الْعلم (وَمَعْنَاهَا) أَي الْقَاعِدَة (كالضابط والقانون وَالْأَصْل والحرف) فَهِيَ أَلْفَاظ مترادفة اصْطِلَاحا، وَإِن كَانَت فِي الأَصْل لمعان مُخْتَلفَة، أما الأَصْل فقد مر، وَأما الْقَاعِدَة فَهُوَ اسْم فَاعل من قعد، وقواعد الهودج خشبات أَربع تَحْتَهُ ركب فِيهِنَّ، وَالضَّابِط من ضبط، والقانون، قيل سرياني اسْم مسطر الْكِتَابَة أَو الْجَدْوَل، وَفِي الْقَامُوس مقياس كل شَيْء، وَأما الْحَرْف فَلهُ معَان مِنْهَا الطّرف، وَأحد حُرُوف التهجي، والمناسبة بَين اللُّغَة والاصطلاح تظهر بِأَدْنَى تَأمل (قَضِيَّة كُلية كبرى لسهلة الْحُصُول) أَي لقضية صغرى سهلة الْحُصُول بترتيبها مَعهَا تحصل النتيجة، وَأَشَارَ إِلَى وَجه سهولتها

بقوله (لانتظامها) أَي الصُّغْرَى (عَن) أَمر (محسوس) وَهِي (كَهَذا أَمر و) هَذَا (نهي) وكل أَمر للْوُجُوب فَهَذَا للْوُجُوب، وكل نهي للتَّحْرِيم فَهَذَا للتَّحْرِيم، فقولنا الْأَمر للْوُجُوب قَضِيَّة جعلت كبرى لصغرى وَهِي كَقَوْلِنَا أقِيمُوا الصَّلَاة أَمر وسهولة حُصُولهَا ظَاهِرَة، لِأَن الْعلم بِكَوْنِهَا أمرا للْعَالم باللغة والاصطلاح بديهي لَا يحْتَاج إِلَى تَأمل، والنتيجة، وَهِي أَن أقِيمُوا الصَّلَاة للْوُجُوب من جزئيات الْأَمر للْوُجُوب فَيرجع مآل هَذَا التَّعْرِيف إِلَى مَا مر من تَعْرِيفهَا، وَمعنى انتظام الصُّغْرَى تركب أَجْزَائِهَا من الْمَوْضُوع والمحمول وَالْحكم، وَإِنَّمَا ينشأ هَذَا الانتظام عَن محسوس، وَهُوَ موضوعها، وَإِنَّمَا حكم بِكَوْن موضوعها محسوسا على الْإِطْلَاق لاندراجها تَحت مَوْضُوع الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ من مسَائِل الْأُصُول، وموضوع مسَائِل الْأُصُول على الْإِطْلَاق مندرج تَحت مَوْضُوع الْأُصُول، وَهُوَ الدَّلِيل السمعي، وَهُوَ محسوس بحاسة السّمع، وَكَيْفِيَّة الانتظام أَنَّك إِذا نظرت فِي المحسوس الَّذِي هُوَ أقِيمُوا الصَّلَاة مثلا وجدت أَنه أَمر، فتحكم أَنه أَمر ثمَّ تضم هَذِه الْقَضِيَّة الَّتِي انتظمت إِلَى الْكُلية الَّتِي تكون النتيجة من جزئياتها (وَهَذَا) التَّعْرِيف (حد أسمى) الْحَد عِنْد الْأُصُولِيِّينَ مَا يُمَيّز الشَّيْء عَن غَيره، وينقسم إِلَى حَقِيقِيّ وأسمى ولفظي، فالحقيقي مَا أنبأ عَن ذاتياته الْكُلية المركبة، لِأَنَّهَا فُرَادَى لَا تفِيد الْحَقِيقَة لفقد الصُّورَة، والأسمى مَا أنبأ عَن الشَّيْء بلازمه مثل الْخمر مَائِع يقذف بالزبد، واللفظي مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَفْظ أظهر مرادف، كَذَا ذكر الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره، وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ: الْحَد اللَّفْظِيّ عِنْد الْمُحَقِّقين هُوَ أَن يقْصد بَيَان مَا تعقله الْوَاضِع، فَوضع الِاسْم بإزائه سَوَاء كَانَ بِلَفْظ مرادف، أَو باللوازم، أَو بالذاتيات حَتَّى أَن مَا يُقَال فِي أول الهندسة أَن المثلث شكل يُحِيط بِهِ ثَلَاثَة أضلاع تَعْرِيف اسْمِي، ثمَّ بعد مَا يتَبَيَّن وجوده يصير هُوَ بِعَيْنِه حدا حَقِيقِيًّا انْتهى، وَالْمرَاد بِالْحَدِّ الأسمى هُنَا مَا ذكره الْمُحَقق يُشِير إِلَى قَوْله (وَلَا يُنَافِي الْحَقِيقِيّ) أَي لَا يُنَافِي كَونه الْحَد الأسمى كَونه الْحَد الْحَقِيقِيّ، وَقد عرفت لجَوَاز أَن يبين وجوده، وَتَكون الْمَذْكُورَات ذاتيات الْمُعَرّف (وَاخْتلف) بَين الْأُصُولِيِّينَ (فِيهِ) أَي الْحَد من حَيْثُ كَونه (مُقَدّمَة الشُّرُوع وَلَا خلاف) بَينهم (فِي خِلَافه) وَهُوَ الْحَد بِدُونِ الْقَيْد الْمَذْكُور: أَي لم يَخْتَلِفُوا فِي جَوَاز أَن أَن يكون للْعلم حد حَقِيقِيّ من غير أَن يَجْعَل مُقَدّمَة، فَالضَّمِير للمقيد (كَمَا قيل) من أَنه لَا خلاف فِيهِ بَينهم، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى كَمَا قيل من أَن بَينهم فِيهِ خلافًا، وَإِنَّمَا لم يَخْتَلِفُوا (لِإِمْكَان تصور) الْعقل (مَا يَتَّصِف بِهِ) الضَّمِير الْمَرْفُوع لِلْعَقْلِ المرموز إِلَيْهِ بِذكر التَّصَوُّر، وَالْمَجْرُور للموصول حَاصِل التَّعْلِيل رفع مَا يتَوَهَّم أَن يكون مَانِعا عَن التَّحْدِيد من أَنه لَا يجوز تَحْدِيد الْعلم، لِأَنَّهُ إِدْرَاك، وَالْحَد كَذَلِك فَلَا يتَعَلَّق بِهِ إِلَّا يلْزم إِدْرَاك الْإِدْرَاك، فَالْجَوَاب منع بطلَان الثَّانِي

لجَوَاز أَن يتَصَوَّر الْعقل مَا قَامَ بِهِ أَي وصف كَانَ (وَلَو) كَانَ ذَلِك الْوَصْف (تصورا) من تصوراته، لَا يُقَال لَا يجوز أَن يتَصَوَّر تصَوره، وَإِلَّا يلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل (إِذْ الْحُصُول) أَي حُصُول التَّصَوُّر الَّذِي اتّصف بِهِ الْعقل فِي نفس الْأَمر (لَا يستلزمه) أَي لَا يسْتَلْزم تصور التَّصَوُّر، بل علمه وتصوره كَسَائِر صِفَاته الْمَوْجُودَة فِيهِ، وَلَا شكّ أَنه لَا يلْزم من اتصافه بِتِلْكَ الصِّفَات شعوره بهَا فَإِن قلت تصور التَّصَوُّر عينه، لأَنهم صَرَّحُوا بِأَن علم النَّفس بذاتها وصفاتها حضوري لَا حصولي: يَعْنِي يحضر عِنْدهَا بِذَاتِهِ لَا بصورته ومثاله قلت لَكِن لَا بُد من توجه النَّفس إِلَى مَا يَتَّصِف بِهِ لينكشف عِنْده بِذَاتِهِ لَا بصورته، والحصول لَا يسْتَلْزم ذَلِك، على أَن التَّوَهُّم الْمَذْكُور مَبْنِيّ على كَون الْمَحْدُود إِدْرَاك الْقَوَاعِد لَا نَفسهَا، ثمَّ بَين الِاخْتِلَاف بقوله (فَقيل لَا) يجوز أَن يكون الْحَد الْحَقِيقِيّ مُقَدّمَة الشُّرُوع (لِأَن الْكَثْرَة) الْمَذْكُورَة فِي الادراكات ومتعلقاتها (بِتِلْكَ الْوحدَة) الاعتبارية الْحَاصِلَة للْعلم من جِهَة الْغَايَة والموضوع (لَا تصير نوعا حَقِيقِيًّا) وَلَا بُد أَن يكون الْمَحْدُود نوعا حَقِيقِيًّا لاتحاده مَعَ الْحَد الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ مركب من الْجِنْس والفصل الَّذِي لَا يتركب مِنْهُمَا إِلَّا الماهيات الْحَقِيقِيَّة الَّتِي وحدتها حَقِيقِيَّة، لَا بِمُجَرَّد اعْتِبَار الْعقل (وَمُقْتَضى هَذَا) الدَّلِيل (نَفْيه) أَي نفي الْحَد الْحَقِيقِيّ للْعلم (مُطلقًا) سَوَاء جعل مُقَدّمَة الشُّرُوع أم لَا (فَفِيهِ) أَي فِي حكم وجود الْحَد الْحَقِيقِيّ للْعلم (الْخلاف أَيْضا) كَمَا فِي كَونه مُقَدّمَة الْعلم: يَعْنِي الْخلاف الْمَذْكُور خلاف فيهمَا جَمِيعًا بِاعْتِبَار هَذَا الدَّلِيل فَصَاحب هَذَا الدَّلِيل يَنْفِيه، وخصمه يُثبتهُ (وَلِأَنَّهُ) أَي الْحَد الْحَقِيقِيّ إِنَّمَا يتَحَقَّق (بسرد الْعقل) كل الْمسَائِل) أَي بتعقلها متتابعة، لِأَن الْحَد عبارَة عَن تعقل كنه الْمَاهِيّة، وكنه مَاهِيَّة الْعلم عين مسَائِله (وَلَيْسَ) الْحَد الْحَقِيقِيّ (حِينَئِذٍ الْمُقدمَة) أَي مُقَدّمَة الشُّرُوع للْعلم، بل هُوَ نفس الْعلم وَتَمَامه مفصلا (وَقيل نعم) أَي يجوز أَن يكون الْحَد الْحَقِيقِيّ مُقَدّمَة الشُّرُوع (لِأَن الادراكات أَو متعلقاتها كالمادة) وَهِي مَا بِهِ الْمركب مَوْجُود بِالْقُوَّةِ كأجزاء السرير بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ قبل التَّرْكِيب وَبعده إِذا قطعت النّظر عَن هَيئته (ووحدتها الدَّاخِلَة) أَي وحدة الادراكات أَو متعلقاتها بِاعْتِبَار الْمَوْضُوع والغاية الدَّاخِلَة فِي حَقِيقَتهَا (كالصورة) وَهِي مَا بِهِ الْمركب مَوْجُود بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا لم يقل مَادَّة وَصُورَة، لِأَنَّهُمَا لَا يتحققان إِلَّا فِي المركبات الخارجية (فينتظم) الْمركب (الْمَأْخُوذ مِنْهُمَا) أَي شبهي الْمَادَّة وَالصُّورَة (جِنْسا وفصلا) أَي يَنْتَظِم الْمركب الْمَأْخُوذ من شبهي الْمَادَّة وَالصُّورَة بِأَن يُؤْخَذ الْجِنْس مَا هُوَ كالمادة والفصل مِمَّا هُوَ كالصورة فيركب حد مِنْهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادر من الْعبارَة، وَلَا يخفى فَسَاده لِأَن الْمَادَّة وَالصُّورَة متباينان

فَكيف يكون المأخوذان مِنْهُمَا المحمولان عَلَيْهِمَا جِنْسا وفصلا مَعَ أَن الْجِنْس مَحْمُول على الْفَصْل، وَيُمكن أَن يكون المُرَاد أَخذ كل وَاحِد من الْجِنْس والفصل من مَجْمُوع الْمَادَّة وَالصُّورَة، وَلَا يخفى مَا فِيهِ (من غير حَاجَة) للحاد (إِلَى سرد الْكل) كَمَا زعم النَّافِي، ثمَّ لما ذكر الْخلاف أَرَادَ بَيَان مَا عِنْده من تَحْقِيق الْمقَام، فَقَالَ (وَإِذا كَانَ الْعلم مُطلقًا) أَي مَفْهُوم الْعلم الَّذِي يصدق على كل وَاحِد من الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة من غير تَقْيِيد (ذاتيا لما) ينْدَرج (تَحْتَهُ) كالفقه وَالْأُصُول وَالْكَلَام وَغَيرهَا دَاخِلا فِي حَقِيقَتهَا (وَالْعلم الْمَحْدُود) كالأصول (لَيْسَ إِلَّا صنفا) مِنْهُ، وَلَعَلَّه قَالَ صنفا، وَلم يقل نوعا لكَون الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة كلهَا مندرجة تَحت نوع من أَنْوَاع الْعلم الْمُطلق، وَهُوَ الْعلم الْمُتَعَلّق بالمسائل المتحدة بِاعْتِبَار الْمَوْضُوع والغاية، والصنف كلي مندرج تَحت النَّوْع حَقِيقَته النَّوْع الْمُقَيد بِعَارِض غير شخص (لم يبعد) جَوَاب إِذا (كَونه) أَي الْخلاف (لفظيا) أَي فِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى، لعدم وُرُود النَّفْي وَالْإِثْبَات على مَحل وَاحِد (مَبْنِيا على) اخْتِلَاف (الِاصْطِلَاح فِي مُسَمّى) الْحَد (الْحَقِيقِيّ أهوَ) اصْطِلَاحا (ذاتيات) الْمَاهِيّة (الْحَقِيقِيَّة) أَي الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج الثَّابِتَة فِي نفس الْأَمر مَعَ قطع النّظر عَن اعْتِبَار الْعقل كَمَا هُوَ اصْطِلَاح المنطقيين (أَو) هُوَ ذاتيات الْمَاهِيّة (مُطلقًا) حَقِيقِيَّة كَانَت أَو اعتبارية، فَمن ذهب إِلَى الأول نفي، وَمن ذهب إِلَى الثَّانِي أثبت، فمورد النَّفْي الْحَد بِالْمَعْنَى الأول، وَالْإِثْبَات بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَلَا مُنَافَاة بَين نفي الْأَخَص وَإِثْبَات الْأَعَمّ. (الثَّانِي) من الْأُمُور الَّتِي هِيَ مُقَدّمَة الْكتاب مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف: أَي فِي بَيَان مَوْضُوعه أَو قَوْله (مَوْضُوعه الدَّلِيل السمعي الْكُلِّي) إِلَى آخر المبحث: مَوْضُوع الْعلم مَا يبْحَث فِيهِ عَن عوارضه الذاتية، والعارض الْخَارِج الْمَحْمُول والذاتي الَّذِي منشأ عروضه الذَّات كالمدرك للْإنْسَان، أَو مَا هُوَ مسَاوٍ للذات كالضاحك الْعَارِض لَهُ بِوَاسِطَة التَّعَجُّب، أَو جزئها الْأَعَمّ كالمتحرك بِوَاسِطَة الْحَيَوَان، والبحث عَنْهَا حملهَا على نفس الْمَوْضُوع بِدَلِيل، نَحْو الدَّلِيل السمعي يُفِيد الحكم قطعا أَو ظنا، أَو على نوع مِنْهُ نَحْو الْأَمر يُفِيد الْوُجُوب، أَو على عرضه الذاتي نَحْو الْعلم يُفِيد الْقطع، أَو على نَوعه نَحْو الْعَام الَّذِي يخص مِنْهُ الْبَعْض يُفِيد الظَّن، قيد بالكلى لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد مَا صدقاته، وَقيل مَوْضُوعه الْأَدِلَّة الْأَرْبَعَة وَالْأَحْكَام لِأَن الْأَحْوَال بَعْضهَا رَاجع إِلَى الْأَدِلَّة، وَبَعضهَا إِلَى الْأَحْكَام، وَقيل هُوَ الْأَدِلَّة وَمَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ من حَيْثُ الثُّبُوت رَاجع إِلَى الْأَدِلَّة من حَيْثُ الْإِثْبَات، وَقيل هُوَ الْأَحْكَام من حَيْثُ ثُبُوتهَا بالأدلة. وَاخْتَارَ المُصَنّف رَحمَه الله مفهوما وَاحِدًا، أَفْرَاده الْأَدِلَّة نظرا إِلَى كَونه أقرب إِلَى الضَّبْط (من حَيْثُ يُوصل الْعلم بأحواله إِلَى قدرَة إِثْبَات الْأَحْكَام لأفعال الْمُكَلّفين) الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة

قيد للموضوع عِنْد الْمُحَقِّقين: يَعْنِي موضوعيته لَهُ بِاعْتِبَار الإيصال الْمَذْكُور فَلَا يبْحَث فِيهِ إِلَّا عَن أَحْوَاله الَّتِي لَهَا مدْخل فِي الإيصال، وَقيل قد يكون جُزْءا مِنْهُ، وَذَلِكَ إِذا لم يبْحَث فِي الْعلم عَنْهَا كحيثية الْوُجُود فِي مَوْضُوع الْعلم الإلهي الباحث عَن أَحْوَال الموجودات الْمُجَرَّدَة، وَهُوَ الْمَوْجُود من حَيْثُ هُوَ مَوْجُود، إِذْ لَا يبْحَث فِيهِ عَن نفس الْوُجُود، لِأَنَّهُ لَا يبْحَث فِي الْعلم عَن نفس الْمَوْضُوع وَعَن أَجْزَائِهِ، وَقد تكون خَارِجَة عَنهُ وَلَيْسَت بِقَيْد لَهُ، بل تذكر لبَيَان الْأَعْرَاض المبحوث عَنْهَا كالصحة وَالْمَرَض فِي مَوضِع الطِّبّ وَهُوَ بدن الْإِنْسَان، وَيرد عَلَيْهِ أَنه يلْزم حِينَئِذٍ تشارك العلمين الباحثين عَن أَحْوَال شَيْء وَاحِد فِي مَوْضُوع وَاحِد بِالذَّاتِ وَالِاعْتِبَار، لعدم تَقْيِيد الْمَوْضُوع بِقَيْد، وَقد تقرر أَن تمايز الْعُلُوم بِحَسب تمايز الموضوعات، فالتحقيق أَنَّهَا قيد لَهُ، وَإِنَّمَا اعْتبر الْقُدْرَة لَا الْإِثْبَات بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَحَقَّق عِنْد معرفَة تفاصيل الْأَدِلَّة، وَالْمَذْكُور فِي الْأُصُول إجمالها، فَالْمُرَاد إِثْبَات الْأَحْكَام تَفْصِيلًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أخذا من شخصياته) حَال من الْأَحْكَام لكَونهَا مفعول الْإِثْبَات معنى: أَي إِثْبَاتهَا حَال كَونهَا مَأْخُوذَة من شخصيات الدَّلِيل السمعي الْكُلِّي: يَعْنِي أَفْرَاد الشخصية، وَذَلِكَ لِأَن الْأَدِلَّة التفصيلية تدل على الْأَحْكَام التفصيلية بِوَاسِطَة كيفيات متنوعة كل نوع مِنْهَا يبين مَسْأَلَة من مسَائِل الْأُصُول، فَمن عرف الْأُصُول عرف تِلْكَ الْأَنْوَاع فَحصل لَهُ قدرَة إِثْبَات الْأَحْكَام لحُصُول الاستعداد لَهُ بمعرفتها، فَكل حكم أَرَادَ إثْبَاته بدليله وجد عِنْده مَا يبين كَيْفيَّة إثْبَاته، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بِالْقُدْرَةِ (وبالفعل فِي الْمسَائِل أَنْوَاعه وأعراضه وأنواعها) عطف على مَحْذُوف هُوَ مُتَعَلق الْمُبْتَدَأ، وَالتَّقْدِير مَوْضُوعَة بِالْقُوَّةِ الدَّلِيل السمعي إِلَى آخِره، وبالفعل فِي الْمسَائِل أَنْوَاع الدَّلِيل السمعي، وأنواع تِلْكَ الْأَعْرَاض، أما كَون هَذِه الْأَشْيَاء مَوْضُوعَات فَظَاهر لِأَنَّك إِذا نظرت فِي مسَائِل الْأُصُول وجدت موضوعاتها هَذِه الْأَشْيَاء، وَهِي الَّتِي يبْحَث عَن عوارضها الذاتية فِي هَذَا الْعلم، وَأما الدَّلِيل السمعي الْمُطلق فَلَا يكَاد يُوجد الْبَحْث عَن عَارضه الذاتي من حَيْثُ هُوَ مَوْضُوع بِالْفِعْلِ فِي مَسْأَلَة غير أَنه لما كَانَت من مَوْضُوعَات الْمسَائِل كلهَا جزئيات إضافية لَهُ أمكن أَن يُؤْخَذ من كل طَائِفَة مستوعبة جَمِيع أَفْرَاد الْمُطلق من محمولات الْمسَائِل مَفْهُوم مردد بَين آحَاد تِلْكَ الطَّائِفَة فَيثبت للمطلق، وكما أَن كل وَاحِد من تِلْكَ الْآحَاد عرض ذاتي للجزئي الإضافي للمطلق كَذَلِك المردد الْمَأْخُوذ مِنْهَا عرض ذاتي للمطلق، فَثَبت كَونه مَوْضُوعا بِالْقُوَّةِ، وَسَيَجِيءُ فِي كَلَام المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى مَا يُشِير إِلَى هَذَا (فَالْمُرَاد بالأحوال) الَّتِي يتَوَصَّل الْعلم بهَا إِلَى الْقُدْرَة الْمَذْكُورَة (مَا يرجع إِلَى الْإِثْبَات) يَعْنِي أحوالا حَاصِل الْبَحْث عَنْهَا ومآله يرجع إِلَى كَون الدَّلِيل مثبتا للْحكم، وَلِهَذَا يُفِيد الْعلم بهَا قدرَة الاثبات

وَبِهَذَا ظهر وَجه التَّفْرِيع، وَهَذَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين من أَن فَائِدَة قيد الْحَيْثِيَّة أَن جَمِيع الْعَوَارِض المبحوث عَنْهَا فِي الْعلم لَا بُد أَن يكون لَهَا مدْخل فِي الْمَعْنى الَّذِي صَار قيدا للموضوع (وَهُوَ) أَي الْإِثْبَات الَّذِي هُوَ مرجع الْأَحْوَال عرض (ذاتي للدليل) السمعي الَّذِي هُوَ مَوْضُوع الْعلم، فمرجع الْأَحْوَال عرض ذاتي لَهُ مبحوث عَنهُ بِالْقُوَّةِ، وَهَذَا مَا وعدناك آنِفا (وَإِن لم يحمل الْإِثْبَات بِعَيْنِه) على الدَّلِيل: أَن وصلية، وَالْمعْنَى هُوَ ذاتي لَهُ مبحوث عَنهُ بإثباته لَهُ فِي ضمن إِثْبَات مَا يرجع إِلَيْهِ بجزئياته: وَإِن لم يكن هُوَ بِعَيْنِه مَحْمُولا عَلَيْهِ، وَوضع الظَّاهِر مَوضِع الضَّمِير للتنصيص على أَن الْمَنْفِيّ عَنهُ الْحمل إِنَّمَا هُوَ نفس الْإِثْبَات لَا مَا يرجع إِلَيْهِ، وَقد عرفت (وَنَظِيره) أَي الْإِثْبَات فِي كَونه عرضا ذاتيا للموضوع غير مَحْمُول عَلَيْهِ مَا يرجع إِلَيْهِ (فِي الْمنطق) الإيصال، لِأَنَّهُ (لَا مَسْأَلَة) فِيهِ (محمولها الإيصال) كَمَا لَا مَسْأَلَة فِي الْأُصُول محمولها الْإِثْبَات وموضوع الْمنطق الْمَعْلُوم التصوري أَو التصديقي من حَيْثُ الإيصال إِلَى التَّصَوُّر، أَو التَّصْدِيق بِمَعْنى أَن جَمِيع الْأَحْوَال المبحوث عَنْهَا فِيهِ يرجع إِلَى الإيصال (وَمُقْتَضى الدَّلِيل خُرُوج عنوان الْمَوْضُوع) أَي خُرُوج الْبَحْث عَن عنوان الْمَوْضُوع عَن مبَاحث الْعلم الَّذِي هُوَ مَوْضُوعه: والبحث عَنهُ إثْبَاته لنَفس الْمَوْضُوع، وَالْمرَاد بعنوانه مَا جعل آلَة ملاحظته عِنْد تَعْيِينه فِي قَوْلهم: مَوْضُوع الْعلم كَذَا من حَيْثُ كَذَا، مَأْخُوذ من عنوان الْكتاب الدَّال على مضمونه إِجْمَالا، فالعنوان هَهُنَا الدَّلِيل السمعي من حَيْثُ يُوصل الخ، وَذَلِكَ لِأَن وَظِيفَة الْعلم بَيَان أَحْوَال الْمَوْضُوع، وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بعد الْعلم بِذَاتِهِ وعنوانه الَّذِي بِهِ يعرف وَلِأَن الْمَوْضُوع إِنَّمَا وضع لِأَن يحمل عَلَيْهِ، لَا لِأَن يحمل على شَيْء، فَإِنَّهُ قلب الْمَوْضُوع (فالبحث عَن حجية الْإِجْمَاع) بِأَن يُقَال الْإِجْمَاع حجَّة (وَخبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس) بِأَن يُقَال هما حجتان (لَيْسَ مِنْهُ) أَي علم الْأُصُول لِأَن معنى " حجَّة " دَلِيل. وَهُوَ عنوان الْمَوْضُوع (بل من) مسَائِل (الْفِقْه لِأَن موضوعاتها أَفعَال الْمُكَلّفين ومحمولاتها الحكم الشَّرْعِيّ إِذْ معنى حجَّة يجب الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ) أَي مَا ذكرنَا (فِي الْقيَاس على تَقْدِير كَونه فعل الْمُجْتَهد) بِأَن يُفَسر ببذل الْجهد فِي اسْتِخْرَاج الْحق أَو حمل الشَّيْء على غَيره بإجراء حكمه عَلَيْهِ وَنَحْوه (أما على) تَقْدِير (أَنه الْمُسَاوَاة الكائنة عَن تَسْوِيَة الله تَعَالَى بَين الأَصْل وَالْفرع فِي الْعلَّة) المشيرة للْحكم (فَلَيْسَتْ) حجيته (مَسْأَلَة) أصلا (لِأَنَّهَا) أَي حجية الْمُسَاوَاة الْمَذْكُورَة (ضَرُورِيَّة دينية) أَي بديهية فِي الدّين وضروريات الدّين لَا تكون مسَائِل، لِأَن المسأله مَا يبرهن عَلَيْهِ فِي الْفَنّ، والبديهي لَا يبرهن عَلَيْهِ، أما البداهة فَلِأَن من عرف معنى الْقيَاس على الْوَجْه الْمَذْكُور وَعرف معنى الحجية لَا يتَوَقَّف فِي الحكم بِأَنَّهُ حجَّة، وَلَا يضر فِي بداهة الحكم نظرية طَرفَيْهِ (بِخِلَاف) الْبَحْث عَن

(عُمُوم النكرَة) الْوَاقِعَة (فِي) سِيَاق (النَّفْي) فَإِنَّهُ غير خَارج عَن مبَاحث الْأُصُول بِمُقْتَضى الدَّلِيل لعدم اندراجه تَحت عنوان الْمَوْضُوع (فَإِنَّهُ) أَي الْعُمُوم (حَال للدليل) أَي عرض ذاتي للدليل الَّذِي هُوَ مَوْضُوع الْأُصُول، لَا من عنوانه، وَلَيْسَ ببديهي أَيْضا، وَكَأَنَّهُ تَركه لظُهُوره (فَعَن هلية الْمَوْضُوع البسيطة أولى) يَعْنِي إِذا كَانَ الْبَحْث عَن حجية الْمَذْكُورَات خَارِجا عَن الْأُصُول، بِمُقْتَضى الدَّلِيل لاندراجها تَحت العنوان بالتأويل الْمَذْكُور، فالبحث عَن وجود الْمَوْضُوع أولى بِالْخرُوجِ عَنهُ، لِأَن الْعلم بِوُجُود الشَّيْء يقدم على الْعلم بعنوانه لِأَن عنوانه وصف ثَابت لَهُ وَثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ، وَفِيه مَا فِيهِ، وَلِأَن الْأَحْوَال المبحوث عَنْهَا لَا بُد أَن يكون لَهَا مدْخل فِي الإيصال، والوجود لَا مدْخل لَهُ فِيهِ ثمَّ اعْلَم أَن " هَل " لطلب التَّصْدِيق، وَهِي قِسْمَانِ بسيطة، وَهِي الَّتِي يطْلب بهَا وجود الشَّيْء أَولا وجوده كَقَوْلِه: هَل الْحَرَكَة مَوْجُودَة أَو لَا مَوْجُودَة، ومركبة، وَهِي الَّتِي يطْلب بهَا وجود شَيْء لشَيْء كَقَوْلِنَا: هَل الْحَرَكَة دائمة أَو لَا دائمة؟، وَقد أَخذ فِي هَذِه شيآن غير الْوُجُود، فَإِن الْمَطْلُوب فِيهِ وجود الدَّوَام لَهَا أَو لَا وجوده، والوجود فِي البسيطة مَحْمُول، وَفِي المركبة رابطة، وَتَسْمِيَة وجود الشَّيْء هليته لِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى " هَل " لِأَنَّهُ يسْأَل عَنهُ بهَا وَإِنَّمَا قيد بالبسيطة لِأَن الْبَحْث عَن المركبة من الْعلم، بل الْمَطْلُوب فِي كل مَسْأَلَة وجود شَيْء للموضوع (وَقَوْلهمْ) أَي الْقَائِلين بِأَن الْبَحْث عَن الهلية من الْفَنّ فِي إِثْبَات مدعاهم (مَا لم يثبت وجوده) أَي الْمَوْضُوع (كَيفَ يثبت لَهُ الْأَحْكَام.) فَإِن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ (يَقْتَضِي التَّوَقُّف) أَي توقف الْبَحْث عَن أَحْوَال الْمَوْضُوع على ثُبُوت وجوده (لَا) يقتضى (كَونهَا) أَي هليته (من مسَائِل الْعلم) كَيفَ وَقد صَرَّحُوا بِأَن التَّصْدِيق بموضوعيته لَيْسَ من مسَائِل الْعلم، وَهُوَ بعد الْعلم بِوُجُودِهِ، كَذَا قيل، وَلَا يخفى عدم استلزام الأول للثَّانِي غير أَن الأول أقرب مِنْهُ فِي كَونه من الْمسَائِل (وعَلى) قَول (من أَدخل الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة فِي مَوْضُوع الْأُصُول (إِذْ يبْحَث) فِيهِ (عَنْهَا) أَي عَن أَحْوَال الْأَحْكَام (من حَيْثُ تثبت) أَي الْأَحْكَام (بالأدلة لَا يبعد إِدْخَال الْمُكَلف الْكُلِّي) أَيْضا فِيهِ لاشْتِرَاكهمَا فِي الْمُقْتَضى (إِذْ يبْحَث عَنهُ) أَي الْمُكَلف الْكُلِّي أَيْضا فِيهِ (من حَيْثُ تتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَام وَقد وَضعه الْحَنَفِيَّة) أَي عدوا الْمُكَلف الْكُلِّي من الْمَوْضُوع (معنى) أَي يُسْتَفَاد من كتبهمْ من غير تَصْرِيح مِنْهُم (وأحواله) أَي وضعُوا أَحْوَال الْمُكَلف أَيْضا (فِي تَرْجَمَة الْعَوَارِض السماوية والمكتسبة) تَرْجَمَة الْبَاب عنوانه لِأَنَّهُ يترجم عَن مضمونه إِجْمَالا من الترجمان، وَهُوَ الْمُفَسّر للسان، وَالْمرَاد بالعوارض السماوية مَا لَيْسَ للْعَبد فِيهِ اخْتِيَار، والمكتسبة الَّتِي اكتسبها العَبْد (لبَيَان كَيفَ تتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَام) أَي وضع

الْحَنَفِيَّة الْمُكَلف وأحواله فِي الْبَحْث الْمَذْكُور لبَيَان كَيْفيَّة تعلق الْأَحْكَام بِهِ، وَقَوله لبَيَان كَيفَ الخ كَقَوْلِهِم فِي جَوَاب مَا هُوَ: أَي فِي جَوَاب السُّؤَال بِمَا هُوَ. أَي فِي جَوَاب هَذَا اللَّفْظ فَلَا يرد أَنه لَا يجوز إِضَافَة الْبَيَان إِلَى مَا يقتضى صدر الْكَلَام (وَإِذا كَانَت الْغَايَة الْمَطْلُوبَة) من الْعلم (لَا تترتب إِلَّا على) الْبَحْث عَن أَحْوَال (أَشْيَاء كَانَت) تِلْكَ الْأَشْيَاء (الْمَوْضُوع) أَي مَوْضُوع الْعلم المغيا بِتِلْكَ الْغَايَة (كَمَا لَو ترتبت غايات على جمل من أَحْوَال) شَيْء (وَاحِد) كَانَ ذَلِك الْوَاحِد من مَوْضُوع عُلُوم فَهُوَ تَشْبِيه مركب بمركب، وهما الهيئتان الحاصلتان من الشرطيتين، وَوجه الشّبَه استتباع الْغَايَة من حَيْثُ الترتب الْمَوْضُوع من حيثية التَّعَدُّد أَو الْوحدَة فَفِي الْمُشبه استتبع ترتبها، وَهِي وَاحِدَة على الْبَحْث عَن أَحْوَال المتعدد ووحدة الْمَوْضُوع، وَفِي الْمُشبه بِهِ استتبع ترتبها، وَهِي مُتعَدِّدَة على أَحْوَال شَيْء وَاحِد تعدده، وَكلمَة مَا زَائِدَة مسوغة دُخُول الْحَرْف على الشّرطِيَّة، فَالْعِبْرَة فِي وحدة الْمَوْضُوع وكثرته بِحَال الْغَايَة ووحدتها وتعددها وترتبها (حَيْثُ يكون) الْوَاحِد الَّذِي ترتبت الغايات على جمل من أَحْوَاله (مَوْضُوع عُلُوم يخْتَلف) ذَلِك الْوَاحِد الْمَوْضُوع (فِيهَا) فِي تِلْكَ الْعُلُوم (بالحيثية) بِأَن يَجْعَل مَوْضُوع هَذَا الْعلم من حَيْثُ يُوصل الْعلم بجملة من أَحْوَاله إِلَى غَايَة كَذَا، وموضوع ذَلِك الْعلم من حَيْثُ يُوصل إِلَى جملَة أُخْرَى إِلَى غَايَة أُخْرَى وَهَكَذَا (وَمن هُنَا) أَي من أجل مَا ذكر من أَن الْعبْرَة بِحَال الْغَايَة فِي تعْيين الْمَوْضُوع (استتبعته) أَي الْغَايَة الْمَوْضُوع، إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من قَوْله وَلها وحدة غَايَة تستتبع وحدة موضوعها (وَلُزُوم التناسب) بَين الْأَشْيَاء الَّتِي ترتبت عَلَيْهَا الْغَايَة وَجعلت مَوْضُوعا أَمر (اتفاقي) لَا يَقْتَضِيهِ دَلِيل عَقْلِي فَإِن قلت كَيفَ جمع بَين اللُّزُوم والاتفاق قلت لَا مُنَافَاة، لِأَنَّهُ لم يرد بِهِ اللُّزُوم الْعقلِيّ بل كَونه أمرا مطردا لَا يتَخَلَّف فِي مَادَّة أصلا، فاللزوم أُرِيد بِهِ لَازمه (وَلَو اتّفق ترتبها) أَي الْغَايَة على الْأَشْيَاء (مَعَ عَدمه) أَي التناسب كَمَا اتّفق مَعَه (أهْدر) أَي التناسب وَأسْقط عَن دَرَجَة الِاعْتِبَار لعدم الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ، وَاخْتَارَ كلمة لَو لِأَنَّهُ غير وَاقع (وبحسب اتِّفَاق الترتب) أَي ترَتّب الْغَايَة على مَا يُوصل الْبَحْث عَن أَحْوَاله إِلَيْهَا (كَانَت) طَائِفَة من الْعُلُوم (متباينة) غير متشاركة فِي الْمَوْضُوع لترتب غَايَة بَعْضهَا على شَيْء مباين لما يَتَرَتَّب عَلَيْهِ غَايَة الآخر (و) طَائِفَة أُخْرَى مِنْهَا (متداخلة) لترتب غاياتها على شَيْء وَاحِد (إِلَّا فِي لُزُوم عرُوض عَارض المباين للْآخر فِي الْبَحْث) اسْتثِْنَاء من عُمُوم اعْتِبَار التباين والتداخل بِحَسب اتِّفَاق الترتب، يَعْنِي تباينها وتداخلها إِنَّمَا يعْتَبر بِحَسبِهِ فِي جَمِيع الصُّور إِلَّا فِي صُورَة لُزُوم الْعرُوض، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يعْتَبر التَّدَاخُل بِاعْتِبَار ذَلِك اللُّزُوم بِأَن يكون علمَان غَايَة كل مِنْهُمَا يَتَرَتَّب على مَا يباين مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ غَايَة الآخر لكنهما متشاركان فِي لُزُوم عرُوض

عَارض لموضوعيهما (فتتداخل) الْعُلُوم المتشاركة فِي لُزُوم عرُوض الْعَارِض على الْوَجْه الْمَذْكُور (مَعَ التباين) بِحَسب الْمَوْضُوع (للْعُمُوم الاعتباري) فَإِن موضوعاتها، وَإِن كَانَت متباينة بِحَسب الْحَقِيقَة لَكِنَّهَا بِسَبَب اشتراكها فِي لُزُوم الْعَارِض الْمَذْكُور صَارَت كَأَنَّهَا مَفْهُوم وَاحِد عَام يَشْمَل تِلْكَ الْعُلُوم، فالعموم الاعتباري بِاعْتِبَار الِاشْتِرَاك فِي الْمَحْمُول (كالمويسيقي) بِضَم الْمِيم وَكسر الْمُهْملَة وَالْقَاف يوناني مَعْنَاهُ تأليف الألحان، واللحن من الْأَصْوَات المصنوعة (مَوْضُوعه النغم) محركة ويسكن، الْكَلَام الْخَفي، الْوَاحِدَة بهاء، وَفِي الِاصْطِلَاح النغمة صَوت يتصاعد أَو يتنزل بِدَرَجَة من الدَّرَجَات الشَّرِيفَة ظَاهرا أومخيلا كَمَا إِذا سمع شخص صَوتا مُخْتَلفا فِي الحدة والثقل، وَاسْتقر فِي سامعته، ثمَّ بَدَأَ بِصَوْت لَا اخْتِلَاف فِيهِ فيتخيل التصاعد أَو التنزل فِيهِ بِاعْتِبَار مَا اسْتَقر فِي سامعته، والدرجات الشَّرِيفَة تعرف بِأَن يبْدَأ بِصَوْت معِين بعلامة خَاصَّة فيتصاعد دَرَجَة دَرَجَة بِأَن يكون التَّفَاضُل فِي كل دَرَجَة يسع مِقْدَار حَده المبدأ إِلَى أَن يبلغ إِلَى سبع وَعشْرين دَرَجَة، وَهَذَا نِهَايَة التصاعد بِحَسب الاستقراء فيتضاعف الأَصْل أَربع مَرَّات، وَهَذِه الدَّرَجَات تسمى بالدرجات الشَّرِيفَة (ويندرج) المويسيقى (تَحت علم الْحساب، وموضوعه الْعدَد) وَهُوَ نصف مَجْمُوع الحاشيتين، وَقيل مَا يبين بِهِ كمية الشَّيْء (مَعَ تبَاين موضوعيهما كَمَا قيل إِذْ كَانَ الْبَحْث فِي النغم عَن النّسَب العددية) تَعْلِيل لاندراجه تَحت علم الْحساب، يُرِيد أَن النّسَب العددية عوارض ذاتية للعدد الَّذِي هُوَ مَوْضُوع علم الْحساب المباين لموضوع علم المويسيقى، وَقد بحث عَنْهَا فِي المويسيقى، كَمَا سبق إِلَيْهِ إِشَارَة على سَبِيل اللُّزُوم بِحَيْثُ لَا يَخْلُو عَنْهَا مَبْحَث مِنْهُ، فَصَارَ عرُوض هَذَا الْعَارِض للنغم لَازِما للبحث عَن النغم، وَهَذَا معنى لُزُوم عرُوض عَارض المباين: أَي الْعدَد الَّذِي هُوَ مَوْضُوع الْحساب فِي الْبَحْث عَن النغم الَّذِي هُوَ مَوْضُوع المويسيقى وَاعْلَم أَن الْمُعْتَبر فِي عَامَّة مسَائِل المويسيقى تأليف الألحان المتناسبة والتناسب بَينهَا إِنَّمَا يظْهر بِاعْتِبَار عدم الْأَجْزَاء وكيفياتها مثل الْبعد الصُّغْرَى إِنَّمَا يحصل بترتيب ثَلَاث دَرَجَات من الشَّرِيفَة، والكبرى من الْأَرْبَع، والكامل من الْخمس، وعَلى هَذَا الْقيَاس فالتناسب بَين الأبعاد لَا يظْهر إِلَّا بِالنّسَبِ العددية (وَاعْلَم أَن إيرادهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ وَغَيرهم (كلا من الْحَد والموضوع والغاية لتَحْصِيل البصيرة) للشارع فِي الْعلم (لَا يَخْلُو عَن اسْتِدْرَاك) لِأَنَّهُ فِي الْحَد يعرف الْمَوْضُوع والغاية، لِأَنَّهُ إِذا قيل: علم باحث عَن أَحْوَال كَذَا من حَيْثُ إِنَّه يُفِيد فَائِدَة كَذَا علم الْمَوْضُوع والغاية، فَإِن مَا يبْحَث عَن أَحْوَاله هُوَ الْمَوْضُوع، وَتلك الْفَائِدَة هِيَ الْغَايَة (إِلَّا من حَيْثُ التَّسْمِيَة باسم خَاص) اسْتثِْنَاء مِمَّا يدل عَلَيْهِ الِاسْتِدْرَاك، وَهُوَ نفي الْفَائِدَة، والمستثنى معرفَة اسْم خَاص للموضوع والغاية، وَفِي قَوْله لَا يَخْلُو إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ

بمستدرك من كل وَجه (وَلم يوردوه) أَي كلا مِنْهَا (لذَلِك) أَي لبَيَان ذَلِك الِاسْم الْخَاص بل لأجل البصيرة. (الثَّالِث) من الْأُمُور الَّتِي هِيَ مُقَدّمَة الْكتاب (الْمُقدمَات المنطقية) سميت بهَا لكَونهَا من مسَائِل الْمنطق (مبَاحث النّظر) عطف بَيَان للمقدمات (وَتَسْمِيَة جمع) من الْأُصُولِيِّينَ كالآمدي وَمن تبعه (لَهَا) أَي للمقدمات المنطقية، أَو مبَاحث النّظر (مبادي كلامية بعيد) لِأَنَّهَا لَيست من الْكَلَام وَلَا كَونهَا مبادي يقْتَصر عَلَيْهِ (بل الْكَلَام فِيهَا كَغَيْرِهِ) من الْعُلُوم (لِاسْتِوَاء نسبتها إِلَى كل الْعُلُوم وَهُوَ) أَي وَجه الاسْتوَاء (أَنه) أَي الشَّأْن (لما كَانَ الْبَحْث ذاتيا للعلوم) أَي دَاخِلا فِي حَقِيقَتهَا (وَهُوَ) أَي الْبَحْث (الْحمل) أَي إِثْبَات شَيْء لشَيْء (بِالدَّلِيلِ) لِأَن حَقِيقَتهَا التصديقات المدللة وَالْإِثْبَات جُزْء مِنْهَا (وَصِحَّته) أَي الدَّلِيل (بِصِحَّة النّظر وفساده بِهِ) أَي بِفساد النّظر، والجمل مُعْتَرضَة بَين لما وجوابها: أَعنِي قَوْله (وَجب التَّمْيِيز) بَين صَحِيحه وفاسده بِبَيَان شَرَائِط صِحَّته من حَيْثُ الْمَادَّة وَالصُّورَة بالقوانين الْمَوْضُوعَة لذَلِك كَمَا سَيَجِيءُ (ليعلم) بالتمييز بَينهمَا (خطأ المطالب) الْمَقْصُودَة من الْأَدِلَّة الْقَائِمَة على الأبحاث الْمَذْكُورَة فِي الْعُلُوم (وصوابها) الْخَطَأ وَالصَّوَاب إِنَّمَا يستعملان فِي الْأَحْكَام العملية كَمَا أَن الْحق وَالْبَاطِل يستعملان فِي العقائد، وَلَكِن المُرَاد مِنْهُمَا هَهُنَا مَا هُوَ أَعم (وَلَيْسَ فِي الْأُصُول من) مسَائِل (الْكَلَام إِلَّا مَسْأَلَة الْحَاكِم) وَهِي أَن الْحَاكِم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة كلهَا هُوَ الله سُبْحَانَهُ بِلَا خلاف، لَكِن هَل يتَعَلَّق لَهُ تَعَالَى حكم قبل الْبعْثَة وبلوغ الدعْوَة أم لَا، الأشعرية لَا، فَلَا يحرم كفر، وَلَا يجب إِيمَان قبلهَا، والمعتزلة نعم فِيمَا أدْرك الْعقل فِيهَا حسنا أَو قبحا (وَمَا يتَعَلَّق بهَا) بِمَسْأَلَة الْحَاكِم (من) مَسْأَلَة (الْحسن والقبح) هَل هما عقليان أم لَا (وَنَحْوه) أَي الْمَذْكُور، قيل كَمَسْأَلَة الْمُجْتَهد يُخطئ ويصيب، وَمَسْأَلَة خلو الزَّمَان عَن مُجْتَهد (وَهَذِه) أَي الْمَذْكُورَات (من الْمُقدمَات) لهَذَا الْعلم لَا من مسَائِله (يتَوَقَّف عَلَيْهَا زِيَادَة بَصِيرَة) فِي معرفَة بعض مقاصده وَلَيْسَت بمقدمة الشُّرُوع لعدم مدخليتها فِي أَكثر الْمَقَاصِد، وَلِهَذَا لم يوردوها قبل الشُّرُوع (وَتَصِح) أَن تكون (مبادي على) اصْطِلَاح (الْأُصُولِيِّينَ) قَالَ الْآمِدِيّ فِي الْأَحْكَام: اعْلَم أَن مبادي كل علم هِيَ التصورات والتصديقات الْمسلمَة فِي ذَلِك الْعلم، وَهِي غير مبرهنة فِيهِ لبِنَاء مسَائِل ذَلِك الْعلم عَلَيْهَا سَوَاء كَانَت مسلمة فِي نَفسهَا كمبادي الْعلم الْأَعْلَى، أَو غير مسلمة فِي نَفسهَا، بل مَقْبُولَة على سَبِيل المصادرة أَو الْوَضع على أَن تبرهن فِي علم أَعلَى من ذَلِك الْعلم انْتهى، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْمسَائِل الْمَذْكُورَة مبرهنة فِي الْأُصُول فَلَا تكون من المبادي على مَا ذكره الْآمِدِيّ، نعم ذكر غَيره أَنَّهَا قد تطلق على مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الشُّرُوع والبحث عَن مسَائِله بوسط أَو بِغَيْرِهِ وَلم يشْتَرط فِيهَا أَلا تكون

مبرهنة فِي الْعلم الَّذِي يتَوَقَّف الْبَحْث عَن مسَائِله عَلَيْهَا، وَقد يُقَال كَونهَا مبرهنة فِي كتب الْأُصُول لَا يستدعى كَونهَا جُزْءا من الْعلم لجَوَاز كَونهَا استطرادية (وَلما انقسم) النّظر (إِلَى مَا يُفِيد علما) (و) إِلَى مَا يُفِيد (ظنا ميزا) أَي الْعلم وَالظَّن بِأَن عرف كل مِنْهُمَا (لِأَن تمييزهما) يسْتَلْزم التَّمْيِيز بَين مفيديهما (وَتَمَامه) أَي تَمام تمييزهما (بالمقابلات) أَي تَمْيِيز مقابلاتهما من الْوَهم وَالشَّكّ وَالْجهل والتقليد، وَهَذَا مَا قيل من أَن الْأَشْيَاء تتبين بأضدادها، قَالَ حجَّة الْإِسْلَام: رُبمَا يعسر تَحْدِيد الْعلم بِالْجِنْسِ والفصل، لِأَن ذَلِك متعسر فِي أَكثر المدركات كرائحة الْمسك، فَكيف فِي الادراكات؟ لَكِن يقدر على شرح مَعْنَاهُ بتقسيم وَمِثَال، أما التَّقْسِيم فَهُوَ أَن تميزه عَمَّا يلتبس بِهِ من الظَّن وَالشَّكّ بِالْجَزْمِ، وَعَن الْجَهْل بالمطابقة وَعَن اعْتِقَاد الْمُقَلّد بِأَنَّهُ يبْقى مَعَ تغير المعتقد وَيصير جهلا، وَأما الْمِثَال فَهُوَ أَن إِدْرَاك البصيرة شَبيه إِدْرَاك الباصرة كانطباع الصُّورَة فِي الْمرْآة، كَذَلِك الْعلم عبارَة عَن انطباع صُورَة المعقولات فِي الْعقل، وَالنَّفس بِمَنْزِلَة حَدِيدَة الْمرْآة وغريزتها الَّتِي بهَا تتهيأ لقبُول الصُّور: أَعنِي الْعقل بِمَنْزِلَة صقالة الْمرْآة واستنارتها وَحُصُول الصُّور فِي مرْآة الْعقل هُوَ الْعلم، فالتقسيم يقطعهُ عَن مظان الِاشْتِبَاه، وَهَذَا الْمِثَال يفهمك حَقِيقَته، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله اقْتصر على الأول فَقَالَ (فالعلم) عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (حكم) أَي إِدْرَاك وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا (لَا يحْتَمل طرفاه) أَي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه (نقيضه) أَي الحكم، فَإِن كَانَ إِدْرَاك الْوُقُوع فنقيضه إِدْرَاك اللاوقوع، وَإِلَّا فبالعكس (عِنْد من قَامَ) الحكم (بِهِ) وَهُوَ الْحَاكِم (لموجب) مُتَعَلق لَا يحْتَمل. وَسَيَجِيءُ بَيَان الْمُوجب، وَالْمرَاد باحتمالهما النقيض عِنْد الْحَاكِم كَونهمَا بِحَيْثُ لَو فرض بَينهمَا نقيض لَا يعده الْحَاكِم محالا، بل يجوزه تجويزا مَا، فالعلم حكم لَا يكون طرفاه مَوْصُوفا بِهَذَا الْكَوْن وَنقض التَّعْرِيف بِالْعلمِ بالأمور العادية كَالْحكمِ بِكَوْن الْجَبَل الْغَائِب عَن النّظر حجرا لاتصاف طَرفَيْهِ بالكون الْمَذْكُور لجَوَاز انقلابه ذَهَبا لتجانس الْجَوَاهِر واستوائها فِي قبُول الصِّفَات مَعَ ثُبُوت الْقَادِر الْمُخْتَار وَأجِيب بِأَنَّهُ إِذا علم كَونه حجرا فِي وَقت اسْتَحَالَ كَونه ذَهَبا فِي ذَلِك الْوَقْت، فَإِذا علم كَونه حجرا دَائِما اسْتَحَالَ كَونه ذَهَبا فِي وَقت من الْأَوْقَات، وَلَا يخفى ضعفه وَالْجَوَاب مَا ذكره المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى بقوله (فَدخل العادي لِأَن إِمْكَان كَون الْجَبَل ذَهَبا لَا يمْنَع الْجَزْم بنقيضه عَن مُوجبه) وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ إِن أُرِيد بِالْجَزْمِ مَا لَا يُنَافِي تَجْوِيز النقيض فَهُوَ خَارج عَن المبحث، وَإِلَّا فالإمكان يمنعهُ، وَلذَا قَالَ (وَالْحق أَن إِمْكَان خرق الْعَادة الْآن) أَي آن الحكم بِكَوْنِهِ حجرا (وَهُوَ) أَي الْإِمْكَان (ثَابت) فِي نفس الْأَمر (يسْتَلْزم تَجْوِيز النقيض الْآن) أَي آن الحكم الْمَذْكُور (إِذا لوحظ النقيض) لِأَن عدم احْتِمَاله لخلو الذِّهْن عَنهُ خَارج عَن دَائِرَة الِاعْتِبَار، لِأَن الْعبْرَة بالتجويز وَعَدَمه عِنْد

الِالْتِفَات إِلَى النقيض، كَيفَ وَإِلَّا فطرفا الظَّن أَيْضا لَا يحْتَملهُ من حَيْثُ خلو ذهن الظَّان عَنهُ (فَالْحق أَن الْعلم كَذَلِك) أَي الْعلم الْمَوْصُوف بِكَوْن طَرفَيْهِ غير مُحْتَمل إِيَّاه (هُوَ مَا) أَي حكم (لَا يحْتَمل مُوجبَة التبدل) أَي الَّذِي أَفَادَهُ يكون بِحَيْثُ يَسْتَحِيل عِنْد الْعقل تخلف مفاده لما فِيهِ مِمَّا يَقْتَضِي ذَلِك (كالعقلي) أَي كالبرهان الْعقلِيّ الَّذِي مقدماته يقينية، وإنتاجه كَذَلِك (وَالْخَبَر الصَّادِق) الَّذِي يَسْتَحِيل عِنْد الْعقل كذبه وَحَاصِل هَذَا الْكَلَام إِن جَعَلْنَاهُ جَوَابا عَن الأشكال الْتِزَام خُرُوجه عَن التَّعْرِيف، وَمنع دُخُوله فِي الْمُعَرّف (وَالظَّن حكم يحْتَملهُ) أَي يحْتَمل طرفاه نقيضه عَن الظَّان إِن عرض عَلَيْهِ (مرجوحا) حَال مُؤَكدَة عَن الْمَفْعُول لكَون المرجوحية لَازِمَة لنقيضه، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على المصدرية كَمَا لَا يخفى (وَهُوَ) الْمُحْتَمل الْمَرْجُوح (الْوَهم وَلَا حكم فِيهِ) أَي الْوَهم (لاستحالته) أَي الحكم (بالنقيصين) وَذَلِكَ لِأَن النقيض الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الظَّن قد حكم بِهِ، فَإِن كَانَ فِي نقيضه أَعنِي مُتَعَلق الْوَهم حكم أَيْضا لزم الحكم بهما جَمِيعًا (وَالشَّكّ عدم الحكم بِشَيْء) من وُقُوع النِّسْبَة وَلَا وُقُوعهَا (بعد الشُّعُور) بهما، لِأَنَّهُ على تَقْدِير عدم الشُّعُور بِشَيْء مِنْهُمَا عدم الحكم ثَابت فِي مثل الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ (للتساوي) أَي تَسَاوِي الْوُقُوع، واللاوقوع فِي نظر الْعقل، فَإِن حكم بِشَيْء مِنْهُمَا لزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح، وَإِن حكم بهما جَمِيعًا لزم الحكم بالنقيضين، وَقد عرفت، وَلَا يخفى مَا فِي قَوْله: الشَّك عدم الحكم من الْمُسَامحَة، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة نوع من الْإِدْرَاك يلْزمه عدم الحكم، فَهُوَ تَفْسِير باللازم (فَيخرج أحد قسمي الْجَهْل الْبَسِيط) الْجَهْل وَهُوَ عدم الحكم المطابق عَمَّا من شَأْنه الْعلم قِسْمَانِ: أَحدهمَا مَا لم يقارن الحكم بنقيض مُتَعَلّقه، إِمَّا مَعَ عدم الشُّعُور بالمتعلق، وَقد خرج عَن تَعْرِيف الشَّك، وَإِمَّا مَعَه وَلم يخرج عَنهُ، وَثَانِيهمَا مَا يقارنه، فَالْأول أقل أَجزَاء، وَلذَا سمي بالبسيط، وَبِهَذَا ظهر وَجه تَسْمِيَة الْمركب، وَالْجهل الْمركب الحكم غير المطابق، فَلم يدْخل فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور (وَلم نشترط جرما) فِي الْجَهْل الْمركب بل يعمه بِحَيْثُ يَشْمَل الظَّن، وَلذَا قَالَ (لِأَن الظَّن غير المطابق لَيْسَ سواهُ) أَي لَيْسَ خَارِجا عَنهُ بل هُوَ دَاخل فِيهِ كَمَا أَن الْجَزْم الْغَيْر المطابق دَاخل فِيهِ فَإِن قلت هَذَا يُخَالف مَا فِي المواقف والمقاصد من أَنه عبارَة عَن اعْتِقَاد جازم غير مُطَابق قلت لَعَلَّه ظفر بِنَقْل مفصل لم يظفرا بِهِ، أَو هُوَ من تفَاوت اصطلاحي العلمين، وَفِي التَّلْوِيح مَا يُوَافق المُصَنّف رَحمَه الله (وَأما التَّقْلِيد) وَهُوَ الْعَمَل بقول الْغَيْر من غير حجَّة كأخذ الْعَاميّ والمجتهد بقول مثله، فالرجوع إِلَى الرَّسُول وَالْإِجْمَاع، وَرُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي وَالْقَاضِي إِلَى الشُّهُود لَيْسَ تقليدا لقِيَام الْحجَّة فِيهَا كَمَا بَين فِي مَحَله، وَإِن سمى بعض ذَلِك تقليدا فِي الْعرف فَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح، كَذَا أَفَادَهُ الْعَلامَة الْمُحَقق القَاضِي عضد الدّين (فَلَيْسَ

من حَقِيقَته ظن) أَي لَيْسَ من لَوَازِم حَقِيقَة التَّقْلِيد أَن يحصل للمقلد ظن بمضمون مَا قلد فِيهِ، وَذَلِكَ لما عرفت من أَنه عبارَة عَن الْعَمَل الْمَذْكُور بِغَيْر حجَّة، وَالَّذِي يعْمل بقول مثله من غير دَلِيل يجوز خلوه عَن التَّصْدِيق بمضمون ذَلِك القَوْل، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي اعْتِبَاره، وَالْأَصْل عدم الحكم وَإِن اتّفق ذَلِك، فَهُوَ أَمر لَا تَقْتَضِيه حَقِيقَته (فضلا عَن الْجَزْم كَمَا قيل) من أَن التَّقْلِيد لَا يَقْتَضِي التَّصْدِيق بمضمون مَا قلد فِيهِ فَإِن قلت الظَّن رُجْحَان أحد طرفِي النِّسْبَة مَعَ تَجْوِيز الآخر، فَيجوز أَلا يكون هَذَا الْقَيْد من حَقِيقَة التَّقْلِيد، بِاعْتِبَار الْقَيْد، وَهَذَا الْقَيْد مُنْتَفٍ فِي الْجَزْم، فَيجوز أَن يكون من حَقِيقَته قلت أَرَادَ بِالظَّنِّ الْمَنْفِيّ كَونه من حَقِيقَة التَّقْلِيد الرجحان الْمَذْكُور، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ من حَقِيقَته رُجْحَان مَا قلد فِيهِ على نقيضه فضلا عَن الْجَزْم الَّذِي فِيهِ ذَلِك الرجحان مَعَ زِيَادَة عدم احْتِمَال عدم النقيض فَإِن قلت المُصَنّف رَحمَه الله قد صرح فِي مَبْحَث التَّقْلِيد أَن إِيمَان الْمُقَلّد صَحِيح، لكنه آثم بترك النّظر، وَكَيف يَصح وتقليده لَا يسْتَلْزم التَّصْدِيق، وَهُوَ جُزْء من الْإِيمَان قلت معنى الْكَلَام أَن التَّصْدِيق لَيْسَ من لَوَازِم التَّقْلِيد مُطلقًا، فَيجوز أَن يكون لَازِما إِذا قيد بِقَيْد يَقْتَضِيهِ ككون مَا قلد فِيهِ من مقولة التَّصْدِيق، فَإِن الْعَمَل بِهِ لَا يتَصَوَّر بِدُونِهِ، على أَنه يجوز أَن يكون مَبْنِيّ هَذَا الْكَلَام على مَا ذهب إِلَيْهِ القَاضِي على مَا مر، فَإِن إِيمَان الْمُقَلّد بعد وجود الْمُجْتَهدين رُجُوع إِلَيْهِم، فَهُوَ من بَاب رُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي، وَهُوَ لَيْسَ بتقليد بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ عمل بقوله مَعَ حجَّة، وَهِي الْإِجْمَاع على وجوب اتِّبَاعه إِيَّاه، وَمَا ذكره فِي آخر الْكتاب على تَحْقِيقه من أَن التَّقْلِيد هُوَ الْعَمَل بقول من لَيْسَ قَوْله إِحْدَى الْحجَج بِلَا حجَّة مِنْهَا، فَمِنْهُ رُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي (بل قد يقدر عَلَيْهِ) أَي على ظن مَا قلد فِيهِ (إِذا كَانَ الْمُقَلّد) فَاعل يقدر وَكَانَ، على سَبِيل التَّنَازُع (قَرِيبا) من الِاجْتِهَاد بِأَن يكون عَالما بِطرف صَالح من عُلُوم الِاجْتِهَاد بدليله لَا يُقَال عِنْد حُصُول الظَّن عَن الدَّلِيل يخرج عَن التَّقْلِيد لِأَن من لم يبلغ دَرَجَة الِاجْتِهَاد لَا عِبْرَة بظنه، وَلذَا لَا يجب عَلَيْهِ اتِّبَاع ظَنّه (وَقد لَا) يقدر عَلَيْهِ إِمَّا لبعده عَنهُ، أَو لمَانع آخر كتعارض الأمارات من غير قُوَّة التَّرْجِيح (وغايته) أَي الْمُقَلّد (إِذن) أَي إِذا لم يقدر على ظن مَا قلد فِيهِ (حسن ظَنّه بمقلده) فَيحصل لَهُ بذلك ظن بِمَا قلد فِيهِ لَكِن لَا عَن دَلِيله، بل بِأَنَّهُ حكم أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد عَالم عَظِيم الشَّأْن، فَالظَّاهِر أَن يكون صَوَابا (وَقد يكون) أَي يُوجد التَّقْلِيد (وَلَا ظن) للمقلد بِأحد الْوَجْهَيْنِ (مَعَ علمه) أَي الْمُقَلّد (أَنه) أَي الْمُقَلّد بِفَتْح اللَّام (مفضول) فِيمَا قلد فِيهِ أَو مُطلقًا، لِأَن الْجُمْهُور على جَوَاز تَقْلِيد الْمَفْضُول مَعَ وجود الْفَاضِل كَمَا سَيَأْتِي (وَخرج التَّصَوُّر عَن الْعلم وَالظَّن على) قَول (الْأَكْثَر) أَي أَكثر الْأُصُولِيِّينَ (اصْطِلَاحا) على وضع لفظ الْعلم بِإِزَاءِ مَا لَا يصدق على التَّصَوُّر

(لَا لاعْتِبَار الْمُوجب) أَي لَا لأجل أَنهم اعتبروا فِي حد الْعلم أَن يكون عدم احْتِمَال النقيض فِيهِ لموجب وَلَا مُوجب لعدم احْتِمَاله فِي التَّصَوُّر، كَيفَ وَهُوَ غير مندرج فِي جنس التَّعْرِيف؟. (وَقد يُقَال) فِي تَعْرِيف الْعلم (صفة) أَي أَمر قَائِم بِغَيْرِهِ (توجب تمييزا) أَي توجب كَون محلهَا، وَهُوَ النَّفس مُمَيزَة لما تعلّقت بِهِ الصّفة، فَإِن الْعلم صفة ذَات تعلق، والمميز هُوَ الْعَالم لَا الْعلم، فَخرج مَا عدا الادراكات من الصِّفَات النفسية كالشجاعة وَغَيرهَا كالسواد، فَإِنَّهَا وَإِن أوجبت لمحالها تمييزا ضَرُورَة تَمْيِيز الشجاع بشجاعته عَن الجبان، وَالْأسود بسواده عَن الْأَبْيَض لَكِنَّهَا لَا توجب لَهَا تمييزا، بِأَن تميز بِسَبَب اتصافها بهَا شَيْئا عَن شَيْء، كَمَا إِذا حصلت فِي النَّفس صُورَة زيد واتصفت بهَا ميزت بذلك الاتصاف زيدا عَن غَيره (لَا يحْتَمل) نقيض مُتَعَلّقه، أَي مَعَ حُصُول ذَلِك التَّمْيِيز لَا يجوز الْعقل تحقق النقيض فِي نفس الْأَمر، فَإِن كَانَ التَّمْيِيز الْمَذْكُور إِدْرَاك وُقُوع النِّسْبَة على سَبِيل الْجَزْم لم يجوز عدم وُقُوعهَا فِيهِ، وَإِن كَانَ إِدْرَاك اللاوقوع فبالعكس، وَإِن كَانَ تصورا ساذجا لَا يجوز كَون مُتَعَلّقه خلاف مَا تميز وانكشف بِهِ وَلذَا قَالَ (فَيدْخل) أَي التَّصَوُّر فِي هَذَا التَّعْرِيف لصدقه عَلَيْهِ بِخِلَاف التَّعْرِيف الأول، وَخرج بقوله لَا يحْتَمل الظَّن لاحْتِمَال النقيض، وَكَذَا الْجَهْل الْمركب لاحْتِمَال أَن يطلع صَاحبه على مَا فِي الْوَاقِع فيزول عَنهُ مَا حكم بِهِ من الْإِيجَاب وَالسَّلب إِلَى نقيضه، وَكَذَا التَّقْلِيد لاحْتِمَال زَوَاله بالتشكيك (وَعدم الْمُطَابقَة فِي تصور الْإِنْسَان صها لَا للْحكم الْمُقَارن، أما الصُّورَة فَلَا تحْتَمل غَيرهَا) جَوَاب سُؤال، وَهُوَ أَن التَّصَوُّر لَو لم يحْتَمل نقيض مُتَعَلّقه، لَكَانَ كل تصور مطابقا لمتعلقه لَا محَالة، كَمَا أَن كل تَصْدِيق لَا يحْتَملهُ كَذَلِك، وَاللَّازِم بَاطِل، فَإِن تصور الْإِنْسَان بِصُورَة الصاهلية مثلا تصور غير مُطَابق لمتعلقه، وَهِي الْحَقِيقَة الإنسانية، وَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ مُتَعَلق ذَلِك التَّصَوُّر حَقِيقَة الْإِنْسَان بل حَقِيقَة الْفرس، غَايَة الْأَمر أَن المتصور أَخطَأ فِي الحكم بِأَن مُتَعَلّقه الْإِنْسَان فَعدم الْمُطَابقَة إِنَّمَا هُوَ فِي هَذَا الحكم، وَأما الصُّورَة الْمَذْكُورَة فَلَا تحْتَمل غير متعلقها الَّذِي هُوَ الْفرس فِي نفس الْأَمر، وَذَلِكَ لِأَن مُتَعَلق كل صُورَة مَا هِيَ ظلّ لَهُ وانعكست عَنهُ وَصَارَت هِيَ سبّ انكشافه، وَلَا شكّ أَن صور الصهال سَبَب انكشاف حَقِيقَة الْعَكْس عَنْهَا تِلْكَ الصُّورَة، وَهِي حَقِيقَة الْفرس، وتسميتها إنْسَانا خطأ نَشأ من التَّوَهُّم، فَهِيَ لَا تحْتَمل غَيرهَا. (وَالْوَجْه) فِي تَعْرِيف الْعلم على وَجه يعم التَّصَوُّر أَن يُقَال (أَنه تَمْيِيز، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يقل كَذَا، بل يُقَال صفة كَمَا ذكر لم يكن التَّعْرِيف مَانِعا (فَإِنَّمَا يصدق على القوه الْعَاقِلَة) وَهِي كَيْفيَّة للنَّفس بهَا تدْرك الْأَشْيَاء، لِأَنَّهَا صفة توجب التَّمْيِيز، لِأَن المُرَاد بإيجابها استعقابها بِخلق الله التَّمْيِيز عَادَة فَإِن قلت إِيجَابهَا التَّمْيِيز بِوَاسِطَة الْعلم، وَإِيجَاب الْعلم إِيَّاه بِغَيْر وَاسِطَة، والمتبادر

هُوَ الْإِيجَاب بِغَيْر وَاسِطَة، فَيحمل عَلَيْهِ فَلَا نقض حِينَئِذٍ قلت مُرَاده الْوَجْه الْأَحْسَن أَنه تَمْيِيز لِأَنَّهُ غير مُحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل وَاعْلَم أَن ابْن الْحَاجِب عرف الْعلم بِمَا يعم التَّصَوُّر وَذكر مباحثه وَالْمُصَنّف رَحمَه الله اقْتصر على مَا هُوَ الأهم فِي الْأُصُول وَتركهَا لقلَّة الِاحْتِيَاج إِلَيْهَا لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ بَيَان طرق الِاسْتِدْلَال بالأدلة الشَّرْعِيَّة على الْأَحْكَام، لَا طرق التَّعْرِيف بالمعرفات وَلما وَقع التَّعَرُّض للتصور، وَمِنْه الْحَد، وَقد ذكرُوا أَنه لَا يكْتَسب بالبرهان وَلَا يُعَارض وَلَا يمْنَع أَشَارَ إِلَى مَا يُفِيد هَذِه الْأَحْكَام، فَقَالَ (وَلَا دَلِيل) يُقَام (إِلَّا على نِسْبَة) إيجابية أَو سلبية، وَلَا نِسْبَة فِي تعقل حَقِيقَة الْحَد، فَلَا يُقَام عَلَيْهِ وَلَا يكْتَسب بِهِ (وَكَذَا الْمُعَارضَة) لِأَنَّهَا إِقَامَة الدَّلِيل على خلاف مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْخصم، وَكَذَا الْمَنْع، لِأَنَّهُ طلب الدَّلِيل على مُقَدّمَة الدَّلِيل (وَذَلِكَ) أَي إِقَامَة الدَّلِيل والمعارضة إِنَّمَا تكون (عِنْد ادعائها) أَي الصُّور التصورية (صُورَة كَذَا) ثَانِي مفعولي الادعاء (كصور الْحُدُود) أَي كادعاء صور الْحُدُود صور محدوداتها كَمَا إِذا ادعيت أَن الصُّورَة الْحَاصِلَة فِي الْعقل من الْحَيَوَان النَّاطِق صُورَة الْإِنْسَان (وَحِينَئِذٍ) أَي حِين يدعى ذَلِك فِي الْحُدُود (تقبل) صور الْحُدُود بِسَبَب انضمام الحكم الْمَذْكُور إِلَيْهَا (الْمَنْع) إِمَّا حَقِيقَة إِن أقيم عَلَيْهِ دَلِيل، وَإِمَّا مجَازًا إِن لم يقم (وَيدْفَع) الْمَنْع (فِي) الْحَد (الأسمى) وَهُوَ على مَا مر بَيَانه مَا وضع الِاسْم بإزائه، وَمنعه مَعْنَاهُ لَا نسلم كَون هَذَا مَا وضع بإزائه الِاسْم (بِالنَّقْلِ) مُتَعَلق بيدفع، فَإِن كَانَ لغويا ينْقل عَن أهل اللُّغَة، وَإِن كَانَ شَرْعِيًّا عَن أهل الشَّرْع، وعَلى هَذَا الْقيَاس (وَفِي) منع الْحَد (الْحَقِيقِيّ) بِأَن يُقَال لَا نسلم أَن هَذَا مَجْمُوع ذاتيات هَذَا الْمَحْدُود (الْعَجز) أَي عجز الحاد عَن دفع هَذَا الْمَنْع (لَازم) لِأَن معرفَة ذاتيات الماهيات الْحَقِيقِيَّة متعذرة، وَالْمرَاد تعذره بِالْقُوَّةِ الْعَاقِلَة، فَلَا يُنَافِي حُصُوله بالكشف الإلهي (لَا لما قيل) من أَنه (لَا يكْتَسب الْحَد بالبرهان للاستغناء عَنهُ) من جملَة الْمَقُول، وَكَذَا قَوْله (إِذْ ثُبُوت أَجزَاء الشَّيْء لَهُ لَا يتَوَقَّف إِلَّا على تصَوره) بَيَانه أَن الْحَد مَجْمُوع أَجزَاء الْمَحْدُود، وَلَا فرق بَينهمَا إِلَّا بالإجمال وَالتَّفْصِيل فتغايرهما اعتباري، وكما أَن ثُبُوت الشَّيْء لنَفسِهِ من غير اعْتِبَار تغاير بَينهمَا ضَرُورِيّ مستغن عَن الْبَيَان كَذَلِك مَعَ التغاير الاعتباري غَايَة الْأَمر فِيهِ تَفْصِيل الْأَجْزَاء بِثُبُوت أَجزَاء الشَّيْء لَهُ لَا يتَوَقَّف إِلَّا على تصور ذَلِك الشَّيْء تَفْصِيلًا، وَهُوَ حَاصِل فِي نفس الْحَد، ثمَّ علل النَّفْي بقوله (لِأَن الْفَرْض) أَي الْمَفْرُوض (جَهَالَة كَونهَا) أَي أَجزَاء الشَّيْء الَّتِي هِيَ الْحَد (أَجزَاء الصُّورَة الإجمالية) الَّتِي هِيَ الْمَحْدُود (ونسبتها) أَي تِلْكَ الْأَجْزَاء (إِلَيْهَا) أَي الصُّورَة الإجمالية (بالجزئية مُجَرّد دَعْوَى فَلَا يُوجِبهُ) أَي ثُبُوت كَونهَا أَجزَاء للصورة الإجمالية (إِلَّا دَلِيل) والمفروض عَدمه (أَو للدور) عطف على قَوْله للاستغناء أَي لَا يكْتَسب الْحَد بالبرهان للُزُوم

الدّور على تَقْدِير اكتسابه، لِأَن الِاسْتِدْلَال على ثُبُوت شَيْء لشَيْء يتَوَقَّف على تعقلهما فَلَزِمَ توقف الِاسْتِدْلَال على ثُبُوت الْحَد للمحدود على تعقل الْمَحْدُود، فَكَانَ تعقله مقدما بِالذَّاتِ على الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور، فَلَو اكْتسب الْحَد الْمُقدم بِالذَّاتِ على تعقل الْمَحْدُود بالبرهان لزم تقدم الْبُرْهَان على مَا هُوَ مقدم عَلَيْهِ: أَعنِي تعقل الْمَحْدُود، وَهَذَا هُوَ الدّور، ثمَّ علل نفي الْعَجز بِسَبَب الدّور بقوله (لِأَن توقف الدَّلِيل) إِنَّمَا هُوَ (على تعقل الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِوَجْه) مَا، وَمُوجب هَذَا تقدم تعقل الْمَحْدُود على الْبُرْهَان بِاعْتِبَار وَجه من وجوهه لَا على التَّعْيِين (وَهُوَ) أَي تعقل الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَحْدُود إِنَّمَا يتَوَقَّف (عَلَيْهِ) أَي الدَّلِيل (بِوَاسِطَة توقفه) أَي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ (على الْحَد بحقيقته) وَمُوجب هَذَا تقدم الدَّلِيل على تعقل الْمَحْدُود بحقيقته وكنهه وَلَا مَحْذُور فِي أَن يكون تعقله لَا من حَيْثُ حَقِيقَته مقدما على الدَّلِيل، وَمن حَيْثُ حَقِيقَته مُؤَخرا عَنهُ (أَو لِأَنَّهُ) أَي الْبُرْهَان (إِنَّمَا يُوجب أمرا) وَهُوَ الْمَحْكُوم بِهِ (فِي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ) لِأَن حَقِيقَته وسط يسْتَلْزم ذَلِك، وَقَوله أَو عطف على قَوْله للاستغناء أَو للدور (وبتقديره) أَي على تَقْدِير اكْتِسَاب الْحَد بالبرهان (يسْتَلْزم) الْبُرْهَان (عينه) أَي عين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَحْدُود وَلَا يُوجب أمرا آخر فِيهِ، وَهَذَا خلاف مُوجب الْبُرْهَان، ثمَّ بَين نفي كَون الْعَجز مُعَللا بِهَذَا بقوله (لِأَنَّهُ) أَي استلزام الْبُرْهَان عينه: أَي عين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَحْدُود (غير ضائر) لِأَن إِثْبَات عين الشَّيْء لَهُ من غير اعْتِبَار مُغَايرَة أصلا محَال أَو تَحْصِيل للحاصل.، وَأما إِذا تغايرا بِوَجْه مَا كالإجمال وَالتَّفْصِيل فَلَا يضر الِاتِّحَاد الذاتي لجَوَاز عدم الْعلم بالاتحاد والاحتياج فِيهِ إِلَى دَلِيل (فَإِن قَالَ) الْمُعَلل بِهَذَا الْإِثْبَات بطلَان اللَّازِم كَيفَ لَا يضر استلزام الْبُرْهَان عين الْمَحْدُود بِسَبَب اكْتِسَاب الْحَد بِهِ فَإِنَّهُمَا متحدان مَعَ أَنه يسْتَلْزم تعقل الْمَحْدُود قبل الْحَد ضَرُورَة تعقل الْمَطْلُوب قبل الدَّلِيل (وتعقلها) أَي عين الْمَحْدُود (إِنَّمَا يحصل بِالْحَدِّ) أَي بتعقله لكَونه أجزاءه فَيلْزم تقدم الشَّيْء على مَا هُوَ مقدم عَلَيْهِ (فكالأول) أَي فَالْجَوَاب عَن هَذَا التَّعْلِيل كالجواب عَن التَّعْلِيل الأول، وَهُوَ الِاسْتِغْنَاء عَن الْبُرْهَان إِذْ ثُبُوت أَجزَاء الشَّيْء إِلَى آخِره وَتَقْرِيره أَن قَوْلكُم وتعقل عين الْمَحْدُود يحصل بِالْحَدِّ غير مُسلم، لِأَن الْحَاصِل بِهِ المكتسب بالبرهان إِنَّمَا هُوَ تعقلها من حَيْثُ كَون الْحَد أَجزَاء لصورته الإجمالية وتعقلها الْمُتَقَدّم تصورها بِوَجْه مَا، وَلَا يخفى أَنه بِهَذَا التَّقْرِير أشبه بِالْجَوَابِ عَن التَّعْلِيل الثَّانِي، فَالْوَجْه أَن الْمَعْنى إِذا كَانَ الْبُرْهَان يسْتَلْزم عين الْمَحْدُود كَانَ نتيجة تعقلها، وَهُوَ حَاصِل بتعقل أَجزَاء الْحَد، فَلَا حَاجَة إِلَى الْبُرْهَان فَصَارَ مثل الأول بل عينه وَجَوَابه جَوَابه (بل لعدمه) أَي بل الْعَجز لَازم لعدم مَا يدْفع الْمَنْع الْوَارِد فِي الْحَد الْحَقِيقِيّ من برهَان يدل على كَون الْحَد ذاتيات الْمَحْدُود لتعذر معرفَة ذاتيات الماهيات الْحَقِيقِيَّة كَمَا مر غير

مرّة (فَإِن قيل) كَيفَ يحكم بِعَدَمِ الْبُرْهَان الْمَذْكُور و (المتعجب) مثلا وسط (يفِيدهُ) أَي إِثْبَات الْحَد للمحدود: أَي الْحَيَوَان النَّاطِق للْإنْسَان (كناطق) أَي كَأَن يُقَال الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق (لِأَنَّهُ) أَي الْإِنْسَان (متعجب وكل متعجب) حَيَوَان نَاطِق، فالإنسان حَيَوَان نَاطِق (قُلْنَا) هَذَا الدَّلِيل (يُفِيد مُجَرّد ثُبُوته) أَي الْحَد الْمَذْكُور للمحدود للمساواة بَين النَّاطِق والمتعجب (وَالْمَطْلُوب) من الْبُرْهَان الْمَذْكُور مَا هُوَ (أخص مِنْهُ) أَي من مُجَرّد ثُبُوت الْحَد للمحدود وَهُوَ (كَونه) أَي كَون ثُبُوته (على وَجه الْجُزْئِيَّة) فَقَوله كَونه بدل من قَوْله أخص (فَالْحق حكم الإشراقيين) وهم قوم من الفلاسفة يؤثرون طَريقَة أفلاطون من الْكَشْف والعيان على طَريقَة أرسطو من الْبَحْث والبرهان (لَا يكْسب الْحَقِيقَة إِلَّا الْكَشْف) وَهُوَ علم ضَرُورِيّ تدْرك بِهِ حقائق الْأَشْيَاء يحصل بالرياضة غير مَقْدُور للمخلوق تَحْصِيله، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي كَونهَا مكسوب الْكَشْف (معنى الضَّرُورَة) فِي قَول من قَالَ: لَا يكْتَسب بالبرهان، لكَونه ضَرُورِيًّا (وَكَذَا منع التَّمام) أَي وَكَذَا الْعَجز لَازم إِذا منع كَون الْحَد جَمِيع ذاتيات الْمَحْدُود لِأَن إِثْبَات الْمُقدمَة الممنوعة مَوْقُوف على معرفَة الْحَقِيقَة، وَقد عرفت منع تعذرها (فَلَو قَالَ) الحاد فِي دفع الْمَنْع الْمَذْكُور (لَو كَانَ) هَذَا الْحَد غير تَامّ (لم نعقلها) أَي حَقِيقَة الْمَحْدُود بالكنه لتعذره بِدُونِ تعقل جَمِيع الذاتيات لَكنا عقلناها بالكنه (منع نفي التَّالِي) بِأَن يَقُول لَا نسلم أَنَّك عقلتها بالكنه (فالاعتراض) على الْحَد (بِبُطْلَان الطَّرْد) وَهُوَ كَونه مَانِعا بِأَن يُقَال هَذَا الْحَد غير مَانع لصدقه على غير الْمَحْدُود، وَهُوَ كَذَا (وَالْعَكْس) وَهُوَ كَونه جَامعا بِأَن يُقَال غير جَامع لعدم صدقه على كَذَا لفرد من أَفْرَاد الْمَحْدُود (بِنَاء على الِاعْتِبَار فِي الْمَفْهُوم وَعَدَمه) أَي بِنَاء على اعْتِبَار الْمُعْتَرض فِي مَفْهُوم الْمَحْدُود مَا لم يعتبره الحاد فَصدق الْحَد بِسَبَب ذَلِك على غير الْمَحْدُود، أَو على عدم اعْتِبَاره فِيهِ مَا اعْتَبرهُ الحاد، فَخرج بِسَبَب ذَلِك فَرد من الْمَحْدُود (فَإِنَّمَا يُورد) الِاعْتِرَاض بِكُل مِنْهُمَا (عَلَيْهِ) أَي الْحَد (من حَيْثُ هُوَ) أَي الْحَد (اسمى) وَهُوَ كَمَا مر مَا وضع الِاسْم بإزائه لَا من حَيْثُ هُوَ حَقِيقِيّ (وَالنَّظَر حَرَكَة النَّفس من المطالب) التصورية أَو التصديقية (أَي فِي الكيف) لما فسر النّظر بالحركة، وَلَا بُد لَهَا من متحرك، ومبدأ ومنتهى، وَمَا تقع فِيهِ من الأين، أَو الْوَضع، أَو الْكمّ، أَو الكيف عين الأول بِأَنَّهُ النَّفس الناطقة، وَالثَّانِي بِأَنَّهُ المطالب، وَالثَّالِث بِأَنَّهُ الكيف، وَالرَّابِع بِأَنَّهُ المبادي بقوله (طالبة للمبادي) وَهِي المعلومات التصورية أَو التصديقية الْمُنَاسبَة للمطالب الْمَذْكُورَة المفضية إِلَى الْعلم بهَا، ثمَّ بَين كَيْفيَّة حركتها بَين المطالب والمبادي فِي الكيف بقوله (باستعراض الصُّور: أَي

تكيفها بِصُورَة صُورَة) تَصْرِيح بِأَن الْعلم من الكيفيات النفسانية، وكما أَن الْجِسْم يَتَحَرَّك فِي الكيفيات المحسوسة كالعنب يصفر، ثمَّ يحمر، ثمَّ يسود كَذَلِك النَّفس تتكيف بِصُورَة بعد صُورَة من حِين تتَوَجَّه من الْمَطْلُوب نَحْو المبادي إِلَى أَن تحصل الْمُنَاسب وترتبه، وَعبر عَن التكيف الْمَذْكُور باستعراض الصُّور، لِأَن النَّفس عِنْد ذَلِك كَأَنَّهَا طالبة لعروض تِلْكَ الصُّور لَهَا (لتجد الْمُنَاسب) كَمَا أَن الإبصار يتَوَقَّف على مُوَاجهَة المبصر وتقليب الحدقة نَحوه وَإِزَالَة الغشاوة كَذَلِك إِدْرَاك البصيرة يتَوَقَّف على التَّوَجُّه نَحْو الْمَطْلُوب وتحديقها نَحْو طلبا لإدراكه وَتَجْرِيد الْعقل عَن الْغَفْلَة، وَلَا شُبْهَة فِي أَن كل مَجْهُول لَا يُمكن اكتسابه من أَي مَعْلُوم اتّفق، بل لَا بُد لَهُ من مَعْلُومَات مُنَاسبَة، وَمن تَرْتِيب معِين بَينهَا، وَمن حيثية مَخْصُوصَة (وَهُوَ) أَي الْمُنَاسب فِي النّظر الْوَاقِع للمطلوب التصديقي (الْوسط) سمي بِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاسِطَة للْحكم فِي ثُبُوت الْمَحْكُوم بِهِ للمحكوم عَلَيْهِ (فترتبه مَعَ طرفِي الْمَطْلُوب) يَعْنِي مَوْضُوعه ومحموله بِأَن يحمل عَلَيْهِمَا، أَو يحملا عَلَيْهِ، أَو يحمل على مَوْضُوعه، وَيحمل محموله عَلَيْهِ، أَو الْعَكْس (على وَجه مُسْتَلْزم) للمطلوب بِأَن يكون مستجمعا شَرَائِط الإنتاج على مَا سَيَجِيءُ، وَهُوَ شَامِل للنَّظَر الصَّحِيح وَالْفَاسِد، لِأَن التَّرْتِيب على وَجه مُسْتَلْزم لَا يسْتَلْزم صِحَة النّظر، لِأَن الْفساد قد يكون من حَيْثُ الْمَادَّة على أَنه لَو أُرِيد بِالْوَجْهِ المستلزم مَا هُوَ بِحَسب ظن النَّاظر يجوز أَن يكون الْفساد من حَيْثُ الصُّورَة أَيْضا، فَالْمُرَاد بالمناسب مَا هُوَ مُنَاسِب بِحَسب اعْتِقَاده، وَالْأَظْهَر أَن الْمُعَرّف هَهُنَا النّظر التصديقي كَمَا لَا يخفى على النَّاظر فِي التَّعْرِيف، فَإِن قلت التَّخْصِيص مَا ذكرت لَهُ وجهة نظر إِلَى مَا هُوَ الْمَقْصُود فِي الْأُصُول فَمَا وَجه التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ الاقتراني؟ قلت الاستثنائي يرجع إِلَيْهِ مَآلًا يرشدك إِلَيْهِ مَا فِي الشَّرْح العضدي، من أَنه لَا بُد فِي الدَّلِيل من مُسْتَلْزم للمطلوب حَاصِل للمحكوم عَلَيْهِ ليلزم من ثُبُوته لَهُ ثُبُوت لَازمه لَهُ، فَيكون الْحَاصِل جزئيا، وَلذَا وَجَبت فِيهِ المقدمتان لتنبئ إِحْدَاهمَا عَن اللُّزُوم، وَهِي الْكُبْرَى وَالْأُخْرَى عَن ثُبُوت اللُّزُوم، وَهِي الصُّغْرَى فَإِن قلت هَذَا مُخْتَصّ بِبَعْض الدَّلَائِل، وَإِلَّا فَمَا تَقْرِيره فِي نَحْو لَا شَيْء من الْملح بمقتات وكل رِبَوِيّ مقتات، وَفِي نَحْو لَو كَانَ الْملح ربويا لَكَانَ مقتاتا وَلَيْسَ فَلَيْسَ، قُلْنَا مهما جعلنَا الْمَطْلُوب وَالْوسط هما النَّفْي أَو الْإِثْبَات يَزُول هَذَا الْوَهم، وَتَقْرِيره فِي المثالين أَن نفي الاقتيات حَاصِل لَهُ، ويستلزم نفي الربوية، وَفِي الثَّانِي كَذَلِك انْتهى، فَيصير الْقيَاس هَكَذَا الْملح مُنْتَفٍ عَنهُ الاقتيات، وكل مَا انْتَفَى عَنهُ الاقتيات مُنْتَفٍ عَنهُ الربوية ينْتج أَن الْملح مُنْتَفٍ عَنهُ الربوية، قَوْله مهما جعلنَا إِلَى آخِره، يَعْنِي أَن منشأ الْوَهم توهم أَن المُرَاد بالمطلوب هُوَ النتيجة، وبالوسط الْحَد الْأَوْسَط، وبحصوله للمحكوم

عَلَيْهِ أَن يحمل عَلَيْهِ بِالْإِيجَابِ وَلَيْسَ كَذَلِك، بل المُرَاد بالمطلوب النَّفْي، أَو الْإِثْبَات بَين الْأَكْبَر والأصغر، وبالمستلزم الْإِثْبَات أَو النَّفْي بَين الْأَوْسَط والأصغر، وَلَا يخفى أَن الحدس وَمَا يتوارد على النَّفس من الْمعَانِي بِلَا قصد خَارج عَن الْحَد (وَالدَّلِيل) ذكر القَاضِي عضد الدّين أَنه فِي اللُّغَة يَأْتِي لثَلَاثَة معَان: أَحدهَا المرشد، وَعبر عَنهُ الْآمِدِيّ: بالناصب للدليل وَالْمُصَنّف بقوله (الْموصل بِنَفسِهِ) وَالثَّانِي: الذاكر لَهُ، وَعبر عَنهُ بقوله (والذاكر لما فِيهِ إرشاد، و) الثَّالِث (مَا بِهِ الْإِرْشَاد) كالأحجار المنصوبة فِي الطّرق، فَيُقَال الدَّلِيل على الصَّانِع: هُوَ الصَّانِع، أَو الْعَالم أَو الْعَالم، لِأَن الصَّانِع نصب الْعَالم دَلِيلا عَلَيْهِ، والعالم بِكَسْر اللَّام يذكر للمستدلين كَون الْعَالم دَلِيلا على الصَّانِع، والعالم بِالْفَتْح: هُوَ الَّذِي بِهِ الْإِرْشَاد، وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله: هُوَ فعيل بِمَعْنى فَاعل من الدّلَالَة: وَهِي أَعم من الْإِرْشَاد وَالْهِدَايَة انْتهى. وَإِنَّمَا اخْتَار المُصَنّف رَحمَه الله الْموصل بِنَفسِهِ على المرشد والناصب، لِأَن الأول يُطلق على مَا بِهِ الْإِرْشَاد وَلَو مجَازًا، وَالثَّانِي يُطلق على من ينصب عَلامَة فِي الطَّرِيق وَغَيره من النَّاس، وَلَا يُطلق الدَّلِيل على شَيْء مِنْهُمَا بِاعْتِبَار الْمَعْنى الأول، وَإِنَّمَا يُطلق بِاعْتِبَارِهِ على ناصب الْعَالم دَلِيلا: وَهُوَ الصَّانِع جلّ ذكره وَلَا يصدق الْموصل بِنَفسِهِ إِلَى الْمَقْصُود على غَيره، لِأَن كل من هُوَ غَيره يُوصل بِوَاسِطَة (وَفِي الِاصْطِلَاح) للأصوليين (مَا يُمكن التَّوَصُّل بذلك النّظر) إِشَارَة إِلَى مَا ذكر تَعْرِيفه (فِيهِ) الضَّمِير عَائِد على الْمَوْصُول (إِلَى مَطْلُوب خبري) الْجَار مُتَعَلق بالتوصل، وَكلمَة مَا بِمَعْنى الشَّيْء جنس وَمَا عداهُ فصل، وَفِي اعْتِبَار الْإِمْكَان إِشَارَة إِلَى أَن وُقُوع النّظر والتوصل بِالْفِعْلِ غير لَازم، بل يَكْفِي إِمْكَانه، وَقيد ابْن الْحَاجِب النّظر فِي هَذَا التَّعْرِيف بِالصَّحِيحِ، وَعلله الشَّارِح بِأَن الْفَاسِد لَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَطْلُوب وَإِن كَانَ قد يفضى إِلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه على هَذَا يُغني قيد التَّوَصُّل عَن ذَلِك التَّقْيِيد، وَلذَا اكْتفى بِهِ المُصَنّف رَحمَه الله، وَصِحَّة النّظر أَن يكون فِيهِ وَجه الدّلَالَة أَعنِي مَا بِهِ ينْتَقل الذِّهْن كالحدوث للْعَالم، وفساده بِخِلَافِهِ كَمَا فِي قَوْلنَا الْعَالم بسيط وكل بسيط لَهُ صانع، إِذْ لَيست البساطة مِمَّا ينْتَقل مِنْهُ إِلَى ثُبُوت الصَّانِع، وَإِن أفْضى إِلَيْهِ فِي الْجُمْلَة، وَهَذَا فَسَاد من حَيْثُ الْمَادَّة، وَأما من حَيْثُ الصُّورَة فكانتفاء شَرط من شُرُوط الإنتاج فِي الأشكال وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد: أَن الحكم بِكَوْن الْإِفْضَاء فِي الْفَاسِد اتفاقيا إِنَّمَا يَصح إِذا لم يكن بَين الكواذب ارتباط عَقْلِي يصير بِهِ بَعْضهَا وَسِيلَة إِلَى الْبَعْض، أَو يخص بِفساد الصُّورَة؟ أَو بِوَضْع مَا لَيْسَ بِدَلِيل مَكَانَهُ انْتهى، قَالَ بعض الشَّارِحين رَحِمهم الله، وَأُرِيد بِالنّظرِ فِيهِ مَا يتَنَاوَل النّظر فِيهِ نَفسه وَفِي صِفَاته وأحواله، فَيشْمَل الْمُقدمَات الَّتِي هِيَ بِحَيْثُ إِذا رتبت أدَّت إِلَى الْمَطْلُوب

الخبري، والمفرد الَّذِي من شَأْنه أَنه إِذا نظر فِي أَحْوَاله أوصل إِلَيْهِ كالعالم، وَأما إِذا أخذت الْمُقدمَات مَعَ التَّرْتِيب فَلَا معنى للنَّظَر، وحركة النَّفس فِي الْأُمُور الْحَاضِرَة الْمرتبَة، وَقَوله خبري احْتِرَازًا عَمَّا يُمكن التَّوَصُّل بِهِ إِلَى مَطْلُوب تصوري ويشمل مَا كَانَ بطرِيق الْعلم وَالظَّن (فَهُوَ) أَي الدَّلِيل (مُفْرد) يَعْنِي مَا يُقَابل الْجُمْلَة، ومبني هَذَا التَّفْرِيع على أَن المُرَاد بِمَا يُمكن هُوَ الْمَوْجُود الْعَيْنِيّ الَّذِي بِهِ التَّوَصُّل كالعالم، لَا القضايا والتصديقات، وَمَا سبق من التَّعْمِيم: إِنَّمَا هُوَ مُقْتَضى ظَاهر التَّعْرِيف (قد يكون) ذَلِك الْمُفْرد (الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي الْمَطْلُوب) الخبري (كالعالم) فِي قَوْلنَا: الْعَالم حَادث، فَإِنَّهُ يتَوَصَّل بِالنّظرِ فِي حَاله: وَهُوَ الْمُتَغَيّر بِأَن نحمله عَلَيْهِ مثلا، ثمَّ نجعله مَوْضُوعا للحادث فينتج (أَو الْوسط) عطف على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ كالمتغير فِي الْمِثَال الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يتَوَصَّل بِالنّظرِ فِيهِ بجعله مَحْمُولا فِي الصُّغْرَى وموضوعا فِي الْكُبْرَى إِلَى الْمَطْلُوب الْمَذْكُور 0 (وَلَو كَانَ) كَونه مَحْكُومًا عَلَيْهِ أَو حدا أَوسط (معنى) أَي من جِهَة الْمَعْنى والمآل، لَا بِحَسب ظَاهر الْحَال (فِي السمعيات) ظرف لكَونه معنى، وَالْمرَاد بهَا الْأَدِلَّة السمعية، فَإِنَّهَا بِحَيْثُ إِذا فصلت وأبرزت فِي صُورَة الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة يظْهر عِنْد ذَلِك أَن مَا هُوَ منَاط الِاسْتِدْلَال مَحْكُوم عَلَيْهِ أَو حد أَوسط (وَمِنْه) أَي من الدَّلِيل الْمُفْرد (نَحْو أقِيمُوا الصَّلَاة) وَإِن كَانَ جملَة صُورَة، لِأَن الْجُمْلَة إِذا أُرِيد بهَا لَفظهَا كَانَت مُفردا، فَهُوَ دَلِيل مُفْرد يتَوَصَّل بِالنّظرِ فِيهِ إِلَى مَطْلُوب خبري نَفسه مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِيهِ، وَصفته حد أَوسط فِيهِ، تَقْرِيره أقِيمُوا الصَّلَاة أَمر بإقامتها. وَالْأَمر بإقامتها يُفِيد الْوُجُوب، فأقيموا الصَّلَاة يفِيدهُ (ذكر كل) من هذَيْن يَعْنِي الْعَالم، وَأقِيمُوا الصَّلَاة إِنَّه دَلِيل اصْطِلَاحا (إِلَّا أَن من أفرد) أَي قَالَ بِأَن الدَّلِيل مُفْرد (وَأدْخل الِاسْتِدْلَال فِي مُسَمّى الدَّلِيل) كالآمدي وَابْن الْحَاجِب فَإِنَّهُمَا ذكرا أَن من أَقسَام الدَّلِيل السمعي الِاسْتِدْلَال زِيَادَة على الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس (فَهُوَ ذاهل) عَن اعْتِبَاره الْإِفْرَاد فِي مُسَمَّاهُ، وَإِلَّا لما أَدخل فِيهِ مَا لَيْسَ بمفرد، فَإِن الِاسْتِدْلَال ثَلَاثَة: التلازم، وَشَرَائِع من قبلنَا، والاستصحاب، وَقيل: وَالِاسْتِحْسَان، وَقيل بل الْمصَالح الْمُرْسلَة، وَسَيَجِيءُ بَيَانه، والتركيب لَازم فِي التلازم (وَعند المنطقيين) الدَّلِيل (مَجْمُوع الْمَادَّة) وَهِي المعلومات التصديقية الَّتِي ترتبت (وَالنَّظَر: فَهُوَ الْأَقْوَال) وَالْقَوْل الْمركب التَّام الْمُحْتَمل للصدق وَالْكذب، وَالْمرَاد بِالْجمعِ مَا فَوق الْوَاحِد (المستلزمة) قولا آخر، حذفه لشهرته (وَلَا تخرج) عَن التَّعْرِيف (الأمارة) كَقَوْلِك إِن كَانَت بغلة القَاضِي على بَابه فَهُوَ فِي الْمنزل لَكِنَّهَا على بَابه (وَلَو يُزَاد لنَفسهَا) بعد المستلزمة لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِم لذاتها استلزاما ظنيا كَون القَاضِي فِي الْمنزل (بل) يُرَاد (ليخرج قِيَاس الْمُسَاوَاة) وَهُوَ مَا ركب من قضيتين مُتَعَلق مَحْمُول أولاهما مَوْضُوع الْأُخْرَى كأمساو لب وب مسَاوٍ لج، ينْتج أمساولج، لَكِن لَا لذاته، بل بِوَاسِطَة مُقَدّمَة أَجْنَبِيَّة كَمَا أَشَارَ

إِلَيْهِ بقوله (لِأَنَّهُ) (أَي الاستلزام للأجنبية) وَهِي أَن كل مسَاوٍ لمساوي الشَّيْء مسَاوٍ لذَلِك الشَّيْء، وَلذَا لَا ينْتج أمباين لب وب مباين لج لعدم صدق الْأَجْنَبِيَّة هُنَا (وَلَا حَاجَة) إِلَى هَذِه الزِّيَادَة لإخراجه (لأعميته) أَي الدَّلِيل مَا هُوَ مُسْتَلْزم بِنَفسِهِ وَمَا هُوَ بِوَاسِطَة (فَيدْخل) قِيَاس الْمُسَاوَاة فِي الدَّلِيل وَلَا مَحْظُور، غَايَة الْأَمر يسْتَلْزم كَون الدَّلِيل أَعم من الْقيَاس، ثمَّ إِنَّه وَقع فِي عبارَة كَثِيرَة: مَتى سلمت لزم عَنْهَا فَقَالَ (وَلَا) حَاجَة (لقيد التَّسْلِيم) اللَّام بِمَعْنى إِلَى (لِأَنَّهُ) أَي قيد التَّسْلِيم (لدفع الْمَنْع) الَّذِي يتَوَهَّم وُرُوده على أَفْرَاد الْقيَاس (لَا) لِأَنَّهُ شَرط (للاستلزام) أَي استلزام الْأَقْوَال (لِأَنَّهُ) لَازم (للصورة) أَي لصورتها الْحَاصِلَة من ترتيبها، وَإِذا كَانَ لَازِما لَهَا (فتستلزم) الْأَقْوَال مَا تستلزمه الصُّورَة، لَكِن الصُّورَة لَازِمَة لتِلْك الْأَقْوَال (دَائِما على نَحْوهَا) أَي الْأَقْوَال، فَإِن كَانَت قَطْعِيَّة استلزمت قَطْعِيا، وَإِن كَانَت ظنية استلزمت ظنيا، وَإِن كَانَت صَادِقَة أنتجت صَادِقا وَإِلَّا كَاذِبًا، وَلَك إرجاع ضمير فتستلزم إِلَى الصُّورَة وَالْمعْنَى ظَاهر، فَعلم أَن معنى قَوْلهم: مَتى سلمت حَاصِل وَإِن لم يذكر (وَلزِمَ) من الْعلم بِحَقِيقَة النّظر (سبق الشُّعُور بالمطلوب) على النّظر وَالدَّلِيل، لِأَن حَرَكَة النَّفس مِنْهُ نَحْو مباديه، ثمَّ مِنْهَا إِلَيْهِ فرع تصَوره كَمَا هُوَ شَأْن الْعلَّة الغائية، فَإِن طلب الْمَجْهُول محَال (كطرفي الْقَضِيَّة وكيفيتي الحكم): أَي كلزوم سبق الشُّعُور بالمحكوم عَلَيْهِ وَبِه الشُّعُور بكيفيتي النِّسْبَة الْوُقُوع واللاوقوع: يَعْنِي تصورهما بِلَا إذعان على الْقَضِيَّة لِأَنَّهَا عبارَة عَن المعلومات الْأَرْبَعَة وتحققها فِي الذِّهْن بِدُونِ الشُّعُور بهَا محَال، وَاكْتفى بِذكر كيفيتي النِّسْبَة عَنْهَا لِأَنَّهُمَا لَا يتصوران بِدُونِهَا، وكما أَن سبق الشُّعُور بِمَا ذكر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَضِيَّة لَازم كَذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يتركب مِنْهَا: وَهُوَ الدَّلِيل (والتردد) أَي وَلُزُوم تردد النَّاظر والمستدل قبل التَّوَصُّل بِهِ إِلَى الْمَطْلُوب (فِي) أَن (ثُبُوت أَحدهمَا) وَهُوَ الْمَحْكُوم بِهِ للْآخر وَهُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ (على أَي كيفيتيه) من الْوُقُوع أَو اللاوقوع ضَرُورَة الْعلم بتحقق أَحدهمَا، لَا على التَّعْيِين، وَإِلَّا يلْزم ارْتِفَاع النقيضين، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِلُزُوم التَّرَدُّد لِئَلَّا يلْزم الِاسْتِغْنَاء عَن الدَّلِيل، فَلم يلْزم طلب مَا لَا شُعُور بِهِ وَلَا طلب مَا هُوَ حَاصِل وَلَا عدم معرفَة أَنه الْمَطْلُوب إِذا حصل، وَلما ذكر الرَّازِيّ امْتنَاع اكْتِسَاب الْمَطْلُوب التصوري، لِأَنَّهُ إِمَّا مشعور بِهِ فَيلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل، وَأما لَيْسَ بمشعور بِهِ فَيلْزم طلب الْمَجْهُول الْمُطلق، أَرَادَ أَن يدْفع ذَلِك فَقَالَ (والمحدود مَعْلُوم) للحاد (من حَيْثُ هُوَ مُسَمّى) للفظ معِين عِنْده مَجْهُول من حَيْثُ الْحَقِيقَة (فيطلب أَنه) أَي الْمَحْدُود (أَي مَادَّة مركبة) من الْموَاد المركبة: يَعْنِي أَن الحاد بعد علمه بالمحدود من حَيْثُ أَنه مُسَمّى بِهَذَا اللَّفْظ يطْلب حَقِيقَته المركبة من ذاتياته فَيتَوَجَّه نَحْو الْموَاد المركبة من ذاتيات الماهيات ليتعين عِنْده مِنْهَا مَا هُوَ حَقِيقَة فِي نفس الْأَمر بأمارات تدل على ذَلِك، وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الْبَسِيط لَا يكْتَسب

بِالْحَدِّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وتجويز الِانْتِقَال) عَن الْمَطْلُوب الْمَعْلُوم بِوَجْه عِنْد حَرَكَة النَّفس نَحْو المبادي (إِلَى) مبدأ (بسيط) مُنَاسِب للمطلوب (يلْزمه الْمَطْلُوب لَيْسَ) شَيْئا يعْتد (بِهِ وَلَو كَانَ) الِانْتِقَال الْمَذْكُور مَسْبُوقا (بِالْقَصْدِ) فَلَا يتَوَهَّم أَن المُرَاد بالانتقال الْمَذْكُور مَا لم يكن مَسْبُوقا بِقصد تَحْصِيل الْمَطْلُوب: وَهُوَ الْمُوجب لعدم الِاعْتِدَاد بِهِ لفَوَات شَرط النّظر (إِذْ لَيْسَ النّظر الْحَرَكَة الأولى) أَي حَرَكَة النَّفس من الْمَطْلُوب إِلَى المبادي، بل هِيَ وَالْحَرَكَة الثَّانِيَة وَهِي حركتها من المبادي إِلَى الْمَطْلُوب، أَشَارَ إِلَى أَن الِانْتِقَال الْمَذْكُور لَيْسَ شَيْئا غير الْحَرَكَة الأولى، وَالنَّظَر لَا يتَحَقَّق بمجرها، وَذَلِكَ أَن الِانْتِقَال من الْمَطْلُوب إِلَى بسيط يلْزمه الْمَطْلُوب حَرَكَة وَاحِدَة، لِأَن الْمَلْزُوم وَاللَّازِم متحدان بِالزَّمَانِ فَلَا يُمكن اعْتِبَار حَرَكَة ثَانِيَة من ذَلِك الْبَسِيط إِلَى الْمَطْلُوب، وَلما كَانَ الْمَفْهُوم من بعض عِبَارَات الْقَوْم أَن الْحَرَكَة الأولى تَسْتَلْزِم الثَّانِيَة، وَكَانَ يتَّجه على ذَلِك أَن يُقَال سلمنَا أَن النّظر مَجْمُوع الحركتين، لَكِن الأولى تَسْتَلْزِم الثَّانِيَة، وَعند تحقق الْمَلْزُوم يتَحَقَّق اللَّازِم لَا محَالة، وَحِينَئِذٍ يتَحَقَّق النّظر، أَشَارَ إِلَى دفع ذَلِك بقوله (إِذْ لَا تَسْتَلْزِم) الْحَرَكَة الأولى الْحَرَكَة (الثَّانِيَة بِخِلَاف الثَّانِيَة) فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِم الأولى (وَلذَا) أَي وَلكَون الثَّانِيَة تَسْتَلْزِم الأولى (وَقع التَّعْرِيف) أَي تَعْرِيف النّظر (بهَا) أَي بالحركة الثَّانِيَة من غير ذكر الأولى مَعهَا كترتيب أُمُور الخ: أَي مَعْلُومَة للتأدي إِلَى مَجْهُول، أَو على وَجه يُؤَدِّي إِلَى استلزام مَا لَيْسَ بِمَعْلُوم، بَيَان ذَلِك أَن النَّفس إِذا تَوَجَّهت من الْمَطْلُوب نَحْو المبادي وتحركت فِي الكيف بِأَن تكيفت بِوَاحِد بعد وَاحِد من الْمعَانِي المخزونة عِنْدهَا إِلَى أَن ظَفرت بمباديه الْمُنَاسبَة انْتهى عِنْد ذَلِك حركتها الأولى، وَعند ذَلِك تبدأ بحركتها الثَّانِيَة فترتب تِلْكَ المبادي بحملها الْأَوْسَط على الْأَصْغَر والأكبر على الْأَوْسَط، وَغير ذَلِك حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الْمَطْلُوب، وَهَذِه حركتها الثَّانِيَة، وَقد اعْتبر فِيهَا أَن يكون مبدؤها من حَيْثُ تَنْتَهِي إِلَيْهِ الْحَرَكَة الأولى، فَلذَلِك استلزمتها، وَالْأولَى بِمَنْزِلَة الْمَادَّة للفكر، وَالثَّانيَِة بِمَنْزِلَة الصُّورَة لَهُ. وَقد علم بذلك أَنه لَا بُد فِي النّظر من مَجْمُوع الحركتين وَمن التَّرْتِيب الْمَذْكُور، ثمَّ الْكَلَام فِي أَن هَذَا التَّرْتِيب هَل هُوَ عين الْحَرَكَة الثَّانِيَة المستلزمة للأولى، أَو هما متلازمان وَأَن النّظر هَل هُوَ عين الحركتين أَو التَّرْتِيب، فَإِنَّمَا هُوَ نزاع فِي إِطْلَاق اللَّفْظ على مَا حَقَّقَهُ السَّيِّد السَّنَد، وَقد فسر بِكُل مِنْهُمَا وَبِكُل من الحركتين أَيْضا بطرِيق الِاكْتِفَاء بِذكر أحد جزئي الشَّيْء عَنهُ وَالله أعلم (وَقد ظهر) من تَعْرِيف النّظر وَالدَّلِيل (أَن فَسَاد النّظر) بأمرين (بِعَدَمِ الْمُنَاسبَة) بَين المبادي وَالْمَطْلُوب بِحَيْثُ لَا يُفْضِي الْعلم بهَا إِلَى الْعلم بِهِ (وَهُوَ) أَي عدم الْمُنَاسبَة (فَسَاد الْمَادَّة) كَمَا إِذا جعلت مَادَّة حُدُوث الْعَالم بساطته (وَعدم ذَلِك الْوَجْه) إِشَارَة إِلَى مَا ذكر فِي تَعْرِيف النّظر من قَوْله على وَجه يسْتَلْزم

فَإِنَّهُ عبارَة عَن الصُّور كَمَا أَفَادَ بقوله (وَهُوَ) أَي ذَلِك الْوَجْه (جعل الْمَادَّة) مرتبَة (على حد معِين) من وُجُوه التَّرْتِيب (فِي انتساب بَعْضهَا) أَي الْمَادَّة (إِلَى بعض) كَمَا صورناه فِي تركيب الْحَد الْأَوْسَط مَعَ طرفِي الْمَطْلُوب إِجْمَالا، وتفصيله مَا أَفَادَهُ بقوله (وَذَلِكَ) الْحَد الْمعِين (طرق) أَرْبَعَة (الأول مُلَازمَة بَين مفهومين، ثمَّ نفي اللَّازِم لينتفي الْمَلْزُوم، أَو إِثْبَات الْمَلْزُوم ليثبت اللَّازِم) أَي الأول، خلاصته مُلَازمَة بَين مفهومين هما مَضْمُونا قضيتين الْمُقدم والتالي، ثمَّ نفي اللَّازِم الَّذِي هُوَ التَّالِي لينتج نفي الْمَلْزُوم، أَو إِثْبَات الْمَلْزُوم الَّذِي هُوَ الْمُقدم لينتج ثُبُوت اللَّازِم، فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ مقدمتان شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة مُوجبَة لزومية واستثنائية حملية هِيَ عين مقدم الشّرطِيَّة الْمَذْكُورَة، أَو نقيض تَالِيهَا، وَيُقَال لَهُ الْقيَاس الاستثنائي لما فِيهِ من اسْتثِْنَاء عين الْمُقدم أَو نقيض التَّالِي كَمَا عَلَيْهِ الْمُقدم والتالي ونقيضهما فِي صدر الْكَلَام من كَونهَا مَشْكُوك الْوُجُود والعدم وَكَون الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِيهِ مصدرة بأداة الِاسْتِثْنَاء: أَعنِي كلمة لَكِن (أَو نفي الْمَلْزُوم لنفي اللَّازِم فِي الْمُسَاوَاة) يَعْنِي فِيمَا إِذا كَانَ الْمُقدم والتالي متساويين فِي التحقق بِأَن يكون كل مِنْهُمَا لَازِما للْآخر ينْتج نفي الْمُقدم نفي التَّالِي، لِأَن نفي اللَّازِم يسْتَلْزم نفي الْمَلْزُوم، وَكَذَا ينْتج ثُبُوت التَّالِي ثُبُوت الْمُقدم، لِأَن ثُبُوت الْمَلْزُوم يسْتَلْزم ثُبُوت اللَّازِم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو ثُبُوت اللَّازِم لثُبُوت الْمَلْزُوم فِيهِ) أَي التَّسَاوِي (أَيْضا) غير أَن شَارِح الْمُخْتَصر قَالَ: وَلَا يلْزم من اسْتثِْنَاء نقيض الْمُقدم نقيض التَّالِي وَلَا من اسْتثِْنَاء عين التَّالِي عين الْمُقدم لجَوَاز أَن يكون اللَّازِم أَعم، نعم لَو قدر التَّسَاوِي لزم ذَلِك، وَلَكِن لخُصُوص الْمَادَّة لَا لنَفس صُورَة الدَّلِيل، وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ لملاحظة لُزُوم الْمُقدم للتالي وَهُوَ مُتَّصِل آخر، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله نظر إِلَى أصل الإنتاج وَقطع النّظر عَن نفس صورته كَمَا هُوَ اللَّائِق باعتبارات الْأُصُولِيِّينَ، أَلا ترى أَنه أَدخل قِيَاس الْمُسَاوَاة فِي الدَّلِيل، والمنطقيون أَخْرجُوهُ مِنْهُ (كَانَ) كَانَ هَذَا الْفِعْل وَاجِبا (أَو كلما) كَانَ هَذَا الْفِعْل وَاجِبا (أَو لَو كَانَ) هَذَا الْفِعْل (وَاجِبا فتاركه يسْتَحق الْعقَاب) فَهَذِهِ شَرْطِيَّة كَمَا ذكر (لَكِن لَا يسْتَحق) تَارِك هَذَا الْفِعْل الْعقَاب، فَهَذِهِ الحملية الْمَذْكُورَة مضمونها نفي التَّالِي ينْتج نفي الْمُقدم، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَلَيْسَ) هَذَا الْفِعْل وَاجِبا (أَو وَاجِب) عطف على قَوْله لَا يسْتَحق: أَي لَكِن هَذَا الْفِعْل وَاجِب ينْتج إِثْبَات اللَّازِم أَعنِي (فَيسْتَحق) تَاركه الْعقَاب، وَلما كَانَ الْمِثَال الْمَذْكُور من صور الْمُسَاوَاة، لِأَن كل وَاجِب يستحن تَاركه الْعقَاب، وكل مَا يسْتَحق تَاركه الْعقَاب وَاجِب صور الْوُجُوه الْأَرْبَعَة فِيهِ فَقَالَ (أَو لَيْسَ وَاجِبا) مِثَال لنفي الْمَلْزُوم ينْتج نفي اللَّازِم أَعنِي (فَلَا يسْتَحق تَاركه) غَايَة الْأَمر أَنه لم يُصَرح بِذكر الرَّابِع اعْتِمَادًا على فهم الْمُخَاطب واكتفاء بِالْإِشَارَةِ، وَهُوَ: أَي يسْتَحق فَهُوَ وَاجِب (الطَّرِيق الثَّانِي) الْقيَاس الاستثنائي الْمُنْفَصِل، وَهُوَ أَيْضا

مقدمتان أولاهما شَرْطِيَّة مُنْفَصِلَة حَقِيقِيَّة مُوجبَة حاصلها (عناد بَينهمَا) أَي بَين مفهومين على مَا تقدم (فِي الْوُجُود والعدم) مَعًا فهما قضيتان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان، وإحداهما حملية هِيَ عين الْمُقدم أَو التَّالِي فينتج نقيض الآخر أَو نقيض أَحدهمَا فينتج عين الآخر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَفِي وجود أَحدهمَا عدم الآخر وَفِي عَدمه) أَي أَحدهمَا (وجوده) أَي الآخر، لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان (أَو) شَرْطِيَّة مُنْفَصِلَة مَانِعَة الْجمع مُوجبَة حاصلها عناد بَينهمَا (فِي الْوُجُود فَقَط) عطف على قَوْله فِي الْوُجُود والعدم، فهما قضيتان لَا يَجْتَمِعَانِ، ولكنهما قد يرتفعان (فَمَعَ وجود كل) مِنْهُمَا من الجزءين (عدم الآخر) ضَرُورَة عدم اجْتِمَاعهمَا (وَعَدَمه) أَي عدم كل مِنْهُمَا (عقيم) أَي غير منتج لوُجُود الآخر لجَوَاز ارتفاعهما مَعًا، مِثَال العناد فِي الْوُجُود فَقَط (الْوتر إِمَّا وَاجِب أَو مَنْدُوب، لكنه وَاجِب لِلْأَمْرِ الْمُجَرّد) عَن الْقَرَائِن الصارفة عَن الْوُجُوب (بِهِ) أَي بالوتر (فَلَيْسَ مَنْدُوبًا) وَلَو قيل لكنه مَنْدُوب أنتج فَلَيْسَ وَاجِبا، لكنه لَو قيل: لكنه لَيْسَ بِوَاجِب، أَو لَيْسَ بمندوب لم ينْتج لجَوَاز أَن لَا يكون وَاجِبا وَلَا مَنْدُوبًا (أَو) مُنْفَصِلَة حاصلها عناد بَينهمَا (فِي الْعَدَم) فَقَط فالمنفصلة حِينَئِذٍ مَانِعَة الْخُلُو (فَقلب الْمِثَال وَحكمه) أَي فمثاله قلب الْمِثَال الْمَذْكُور وقلب حكمه: يَعْنِي الْوتر إِمَّا لَا وَاجِب وَإِمَّا لَا مَنْدُوب، لِأَنَّهُ لَا يُمكن ارتفاعهما، إِذْ ارْتِفَاع لَا مَنْدُوب يَقْتَضِي وجود مَنْدُوب، فَلَو ارْتَفع مَعَ ذَلِك لَا وَاجِب لزم تحقق وَاجِب فَيلْزم أَن يكون ذَلِك الشَّيْء وَاجِبا ومندوبا، وَهَذَا خلف، وَإِذا ثَبت أَنَّهُمَا لَا يرتفعان مَعًا فمهما فرض ارْتِفَاع أَحدهمَا لزم وجود الآخر، وَإِلَّا يلْزم ارتفاعهما مَعًا (الطَّرِيق الثَّالِث) الْقيَاس الاقتراني وَهُوَ (انتساب الْمُنَاسب) للمطلوب (وَهُوَ) أَي الْمُنَاسب (الْوسط) أَي الْحَد الْأَوْسَط (لكل) اللَّام صلَة للانتساب: أَي لكل وَاحِد (من طرفِي الْمَطْلُوب) الْمَوْضُوع والمحمول (بِالْوَضْعِ والحل) بَيَان للانتساب أَي بِأَن يكون مَوْضُوعا لكل مِنْهُمَا، أَو مَحْمُولا لكل مِنْهُمَا أَو مَوْضُوعا لأَحَدهمَا مَحْمُولا للْآخر على مَا سنبين، وَذَلِكَ لِأَن النِّسْبَة بَين طَرفَيْهِ لما كَانَت مَجْهُولَة نظرية احْتِيجَ إِلَى أَمر ثَالِث مَعْلُوم النِّسْبَة إِلَى كل مِنْهُمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْعلم بهَا (فَيلْزم) فِي تحقق انتسابه لَهما (جملتان خبريتان) تشْتَمل إِحْدَاهمَا على مَوْضُوع الْمَطْلُوب وَالْوسط، وَالْأُخْرَى على محموله مَعَه، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وهما) أَي الجملتان (المقدمتان) اللَّتَان هما جزآ الْقيَاس المركبان فِي الْحَقِيقَة (من) حُدُود (ثَلَاثَة) طرفِي الْمَطْلُوب، وَالْحَد الْأَوْسَط ينْفَرد كل مِنْهُمَا بِأحد طَرفَيْهِ، ويشتركان فِي الْأَوْسَط، وَإِنَّمَا لم يعْتَبر الْأَوْسَط اثْنَيْنِ مَعَ أَنه فِي الصُّورَة كَذَلِك (لتكرر الْوسط) والمكرر شَيْء وَاحِد فِي الْمَعْنى (وَيُسمى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي الْمَطْلُوب) حدا (أَصْغَر) لِأَنَّهُ فِي الْأَغْلَب أخص من الْمَحْمُول، والأخص أقل أفرادا، فَيكون

أَصْغَر (وَبِه فِيهِ) أَي وَيُسمى الْمَحْكُوم بِهِ فِي الْمَطْلُوب حدا (أكبر) لِأَنَّهُ فِي الْأَغْلَب أَعم (والمشترك) المكرر بَين الْأَصْغَر والأكبر حدا (أَوسط) لتوسطه بَينهمَا (وباعتبارهما) أَي الْأَصْغَر والأكبر يُسمى (المقدمتان) صغرى وكبرى لاشتمالهما عَلَيْهِمَا (وَيتَصَوَّر) على صِيغَة الْمَجْهُول الانتساب الْمَذْكُور (بِأَرْبَع صور لِأَن المتكرر) أما (مَحْمُول فِي الصُّغْرَى مَوْضُوع فِي الْكُبْرَى، أَو عَكسه، أَو مَوْضُوع فيهمَا) أَي الصُّغْرَى والكبرى (أَو مَحْمُول) فيهمَا (وكل صُورَة) من الصُّور الْأَرْبَع (تسمى شكلا) فَالْأولى تسمى الشكل الأول، وَالثَّانيَِة الشكل الرَّابِع، وَالثَّالِثَة الشكل الثَّالِث، وَالرَّابِعَة الشكل الثَّانِي، كَمَا سنبين (وقطعية اللَّازِم) أَي لَازم الأشكال يَعْنِي: النتيجة (بقطعيتهما) أَي الصُّغْرَى والكبرى، لِأَن لَازم الْقطعِي قَطْعِيّ إِذا كَانَ الاستلزام قَطْعِيا، كَمَا فِي الأشكال الْأَرْبَعَة (وَهُوَ) أَي الْقيَاس الْقطعِي اللَّازِم لقطعيتهما (الْبُرْهَان) وَإِنَّمَا سمي بِهِ لوضوح دلَالَته، أخذا من برهَان الشَّمْس، وَهُوَ الشعاع الَّذِي يَلِي وَجههَا (وظنيته) أَي اللَّازِم (بظنية إِحْدَاهمَا) أَي الصُّغْرَى والكبرى (وَهُوَ) أَي الْقيَاس الظني اللَّازِم (الأمارة) غير أَن الإنتاج قَطْعِيّ سَوَاء كَانَ اللَّازِم والملزوم قطعيين أَو ظنيين (الشكل الأول) يتَحَقَّق (بِحمْلِهِ) أَي الْوسط (فِي الصُّغْرَى وَوَضعه فِي الْكُبْرَى شَرط استلزامه) أَي هَذَا الشكل للمطلوب من حَيْثُ الكيف (إِيجَاب صغراه) ليندرج الْأَصْغَر تَحت الْأَوْسَط ليثبت لَهُ الْأَكْبَر أَو يَنْفِي عَنهُ فِي الْكُبْرَى عِنْد إثْبَاته للأوسط أَو نَفْيه عَنهُ، وَهَذَا الشَّرْط مُعْتَبر فِي جَمِيع صوره (إِلَّا فِي) صُورَة (مُسَاوَاة طرفِي الْكُبْرَى) موضوعها، وَهُوَ الْأَوْسَط ومحمولها وَهُوَ الْأَكْبَر فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ ينْتج، وَإِن كَانَت صغراه سالبة، لَكِن بِشَرْط أَن تكون الْكُبْرَى مُوجبَة، وَذَلِكَ لِأَن أحد المتساويين إِذا سلب عَن شَيْء سلبا كليا أَو جزئيا لزم سلب الآخر كَذَلِك، وَإِلَّا لزم تحقق أَحدهمَا بِدُونِ الآخر، وَلم يذكر الشَّرْط اكْتِفَاء بِمَا سَيَأْتِي من قَوْله وَقَلبه فِي التَّسَاوِي، وَظُهُور عدم إنتاج السالبتين نَحْو لَا شَيْء من الْإِنْسَان بفرس وَلَا شَيْء من الْفرس بناطق (و) شَرطه من حَيْثُ الْكمّ (كُلية الْكُبْرَى) ليعلم اندراج الْأَصْغَر تَحت حكمهَا تَحْقِيقا، فَإِن قَوْلنَا الْإِنْسَان حَيَوَان، وَبَعض الْحَيَوَان فرس غير منتج (فَيحصل) بِاشْتِرَاط الْأَمريْنِ (ضروب) أَرْبَعَة فِي غير صُورَة الْمُسَاوَاة، وَبهَا سِتَّة، الأول (كليتان موجبتان) فينتج مُوجبَة كُلية نَحْو (كل جص مَكِيل، وكل مَكِيل رِبَوِيّ، فَكل جص رِبَوِيّ و) الثَّانِي مَا كَانَ (بكيفيته) أَي الضَّرْب الأول، وهما إِيجَاب الصُّغْرَى والكبرى (وَالصُّغْرَى جزئية) نَحْو (بعض الْوضُوء منوي، وكل منوي عبَادَة، فبعض الْوضُوء عبَادَة، و) الثَّالِث (كليتان الأولى مُوجبَة) وَالثَّانيَِة سالبة والنتيجة سالبة كُلية نَحْو (كل وضوء

مَقْصُود لغيره) وَهُوَ فعل مَا لَا يَصح بِدُونِهِ (وَلَا مَقْصُود لغيره يشْتَرط فِيهِ نِيَّة فَلَا وضوء يشْتَرط فِيهِ نِيَّة و) الْخَامِس وَالسَّادِس (قلبه) أَي الثَّالِث من حَيْثُ الكيف بِأَن تكون الصُّغْرَى سالبة كُلية أَو جزئية كَمَا عرفت، والكبرى مُوجبَة (فِي التَّسَاوِي فَقَط) نَحْو (لَا شَيْء من الْإِنْسَان بصهال، وكل صهال فرس) فَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بفرس (وَلَو قلت بدل فرس (حَيَوَان لم يَصح) لعدم الإنتاج لجَوَاز أَن يكون الأخض مسلوبا عَن شَيْء مَعَ ثُبُوت الْأَعَمّ لَهُ (و) الرَّابِع مَا كَانَ (بكيفيتي مَا قبله) أَي قبل الْقلب، وهما إِيجَاب الصُّغْرَى وسلب الْكُبْرَى (وَالْأولَى جزئية) فتركيبه من مُوجبَة جزئية وسالبة كُلية، والنتيجة سالبة جزئية نَحْو بعض الْأَبْيَض حَيَوَان، وَلَا شَيْء من الْحَيَوَان بِحجر فبعض الْأَبْيَض لَيْسَ بِحجر (وإنتاج) الضروب المنتجة فِي (هَذَا) الشكل (ضَرُورِيّ) بَين بِنَفسِهِ لَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل (وباقيها) أَي وإنتاج بَاقِي الْإِشْكَال الْأَرْبَعَة (نَظَرِي) يحْتَاج إِلَيْهِ (فَيرد) أَي الْبَاقِي عِنْد بَيَان إنتاجه (إِلَى الضَّرُورِيّ) أَي إِلَى الشكل الأول الضَّرُورِيّ إنتاجه، وَاللَّام للْعهد، وَسَيَأْتِي كَيْفيَّة الرَّد، وَفِيه إِشَارَة إِلَى انحصار الضَّرُورِيّ فِيهِ (الشكل الثَّانِي) يحصل (بِحمْلِهِ) أَي الْوسط (فيهمَا) أَي الصُّغْرَى والكبرى على الْأَصْغَر والأكبر (شَرطه) أَي شَرط استلزامه الْمَطْلُوب بِحَسب الكيف (اخْتِلَافهمَا) أَي الصُّغْرَى والكبرى (كيفا) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الِاخْتِلَاف إِلَيْهِمَا كَأَن تكون إِحْدَاهمَا مُوجبَة وَالْأُخْرَى سالبة (و) بِحَسب الْكمّ (كُلية كبراه فَلَا ينْتج) هَذَا الشكل (إِلَّا سلبا والنتيجة تَتَضَمَّن أبدا) أَي دَائِما (مَا فيهمَا) أَي المقدمتين (من خسة) بَيَان للموصول (سلب وجزئية) بدل من الخسة، وَذَلِكَ لِأَن الْأَشْرَف الْإِيجَاب الْكُلِّي (ضروبه) المنتجة بِحَسب الشَّرْطَيْنِ أَرْبَعَة، الأول (كليتان الأولى مُوجبَة) وَالثَّانيَِة سالبة فينتج سالبة كُلية نَحْو (السّلم) أَي بيع السّلم (رخصَة للمفاليس وَلَا حَال) أَي بيع الْحَال الَّذِي يجب تَسْلِيمه فِي الْحَال (بِرُخْصَة للمفاليس فَلَا سلم حَال، رده) أَي رد هَذَا الضَّرْب إِلَى الشكل الأول (بعكس الثَّانِيَة) أَي الْكُبْرَى عكسا مستويا بِأَن يُقَال وَلَا رخصَة لَهُم بِحَال (والسالبة تنعكس) إِلَى سالبة كميتها (ككميتها) فالسالبة الْكُلية إِلَى السالبة الْكُلية والجزئية إِلَى الْجُزْئِيَّة (بالاستقامة) أَي بالاستواء أَو من غير تخلف، فَإِن الضَّابِط إِذا تخلف خرج عَن الاسْتقَامَة (والموجبة الْكُلية) تنعكس مستويا مُوجبَة (جزئية إِلَّا فِي) صُورَة (مُسَاوَاة طرفيها) فَإِنَّهَا تنعكس حِينَئِذٍ كُلية فَكل إِنْسَان حَيَوَان ينعكس إِلَى بعض الْحَيَوَان إِنْسَان، وكل إِنْسَان نَاطِق ينعكس إِلَى كل نَاطِق إِنْسَان وَالِاسْتِثْنَاء هَهُنَا، وَفِيمَا تقدم من زَوَائِد المُصَنّف على المنطقيين (و) الضَّرْب الثَّانِي (قلبه) أَي الضَّرْب الأول كليتان سالبة صغرى وموجبة كبرى

فينتج سالبة كُلية نَحْو لَا شَيْء من الْحَال بِرُخْصَة، وكل سلم رخصَة فَلَا شَيْء من الْحَال بسلم (ورده) إِلَى الشكل الأول (بعكس الصُّغْرَى) وَهُوَ لَا شَيْء من الرُّخْصَة بِحَال (وَجعلهَا) أَي الصُّغْرَى (كبرى) والكبرى صغرى، فَيصير كل سلم رخصَة، وَلَا شَيْء من الرُّخْصَة بِحَال فينتج لَا شَيْء من السّلم بِحَال (ثمَّ عكس النتيجة) وَهُوَ عين الْمَطْلُوب (و) الضَّرْب الثَّالِث (كَالْأولِ إِلَّا أَن الأولى جزئية) نَحْو (بعض الْوضُوء غير منوي، وَلَا عبَادَة غير منوي فبعض الْوضُوء لَيْسَ عبَادَة)، و (رده) إِلَى الشكل الأول (كَالْأولِ) أَي كرد الضَّرْب الأول من هَذَا الشكل فَهُوَ بعكس الْكُبْرَى، فَتَقول بعض الْوضُوء غير منوي وَلَا غير منوي بِعبَادة فينتج الْمَذْكُور (و) الضَّرْب الرَّابِع (كالثاني) أَي كالضرب الثَّانِي من هَذَا الشكل (إِلَّا أَن أولاه) أَي أولى هَذَا (جزئية) وَأولى الثَّانِي كُلية، فَهُوَ صغرى سالبة جزئية وكبرى مُوجبَة كُلية ينْتج سالبة جزئية نَحْو (بعض الْغَائِب لَيْسَ بِمَعْلُوم وكل مَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم، فبعض الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه، رده بعكس الثَّانِيَة بعكس النقيض) وَهُوَ عِنْد قدماء المنطقيين جعل نقيض الْجُزْء الثَّانِي أَولا، ونقيض الأول ثَانِيًا مَعَ بَقَاء الكيف والصدق بحالهما، وَعند متأخريهم، وَعين الْجُزْء الأول ثَانِيًا مَعَ الْمُخَالفَة فِي الكيف، فعلى الأول تَقول كل مَا لَيْسَ بِمَعْلُوم مَا لَا يَصح بَيْعه، وعَلى الثَّانِي لَا شَيْء مِمَّا لَيْسَ بِمَعْلُوم يَصح بَيْعه (وبالخلف) أَي بِالْقِيَاسِ الْخلف عطف على قَوْله بعكس الثَّانِيَة (فِي كل ضروبه جعل نقيض الْمَطْلُوب) تَفْسِير للخلف وَبدل مِنْهُ (وَهُوَ) أَي نقيض الْمَطْلُوب (الْمُوجبَة الْكُلية هُنَا) أَي فِي هَذَا الضَّرْب الرَّابِع من الشكل الثَّانِي، لِأَن الْمَطْلُوب فِيهِ سالبة جزئية (صغرى) الشكل (الأول وتضم الْكُبْرَى) من ضروبه مَعَ الصُّغْرَى (إِلَيْهَا يسْتَلْزم) هَذَا الصَّنِيع (بِالآخِرَة كذب نقيض الْمَطْلُوب، فالمطلوب حق) تَصْوِيره فِي الْمِثَال الْمَذْكُور كل غَائِب يَصح بَيْعه، وكل مَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم، ينْتج كل غَائِب مَعْلُوم، وَهَذَا يُنَاقض مَا هُوَ صَادِق: أَعنِي صغرى الضَّرْب الْمَذْكُور، وَهُوَ بعض الْغَائِب لَيْسَ بِمَعْلُوم، ونقيض الصَّادِق لَا يكون صَادِقا، فقد علمت أَن الصَّنِيع الْمَذْكُور يسْتَلْزم نقيض الصُّغْرَى الصادقة، وعندك مُقَدّمَة مقررة، وَهِي أَن مَا يسْتَلْزم نقيض الصادقة كَاذِب فيتهيأ لَك بِضَم هَذِه مَعَ تِلْكَ برهَان على كذب نقيض الْمَطْلُوب، وَلِهَذَا قَالَ يسْتَلْزم بِالآخِرَة وَقس عَلَيْهِ الضروب الْمَاضِيَة، وَإِنَّمَا سمي خلفا لاستلزامه بَاطِلا كَمَا عرفت، وَقيل لِأَنَّهُ يَأْتِي الْمَطْلُوب لَا على سَبِيل الاسْتقَامَة بل من خَلفه (الشكل الثَّالِث) يحصل (بِوَضْعِهِ) أَي بِوَضْع الْوسط (فيهمَا) أَي فِي صغراه وكبراه (شَرطه) بِحَسب الكيف (إِيجَاب صغراه و) بِحَسب الْكمّ (كُلية إِحْدَاهمَا) الصُّغْرَى أَو الْكُبْرَى (ضروبه) المنتجة سِتَّة: الأول (كليتان موجبتان) والنتيجة

مُوجبَة جزئية نَحْو (كل بر مَكِيل وكل بر رِبَوِيّ فبعض الْمكيل رِبَوِيّ) وَإِنَّمَا ينْتج بَريَّة (لِأَن رده بعكس الأولى) عكسا مستويا، والموجبة الْكُلية تنعكس إِلَى الْجُزْئِيَّة والنتيجة تتبع أخس المقدمتين (فَلَو كَانَت) الأولى من هَذَا الضَّرْب (مُتَسَاوِيَة الجزءين أنتج كليا) لِأَن عكس الْمُوجبَة الْكُلية مُوجبَة كُلية كَمَا مر (و) الضَّرْب الثَّانِي مِنْهُ (مثله) أَي مثل الضَّرْب الأول مِنْهُ فِي الكيف والكم (إِلَّا أَن الأولى جزئية) فَهُوَ مُوجبَة جزئية صغرى وموجبة كُلية كبرى (ينْتج مثله) أَي مثل الضَّرْب الأول مُوجبَة جزئية نَحْو بعض الْمكيل بر وكل مَكِيل رِبَوِيّ، فبعض الْبر رِبَوِيّ (وَيرد) إِلَى الشكل الأول (بعكس الصُّغْرَى) وَهُوَ ظَاهر (و) الضَّرْب الثَّالِث مِنْهُ (عكس) الضَّرْب (الثَّانِي) مِنْهُ، فَهُوَ مُوجبَة كُلية صغرى وموجبة جزئية كبرى (ينْتج كَالْأولِ) أَي كالضرب الأول مِنْهُ مُوجبَة جزئية (ورده) إِلَى الشكل الأول (بِجعْل عكس الْكُبْرَى صغرى) لعدم صلاحيتها لِأَن تكون كبرى الشكل الأول لجزئيتها وَتجْعَل عين الصُّغْرَى كبرى تَقول فِيمَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي بعض الْمكيل رِبَوِيّ بعض الرِّبَوِيّ بر وكل بر مَكِيل، فبعض الرِّبَوِيّ مَكِيل (وَعكس النتيجة) اللَّازِمَة ليصير بعض الْمكيل رِبَوِيّ (فَلَو) كَانَت (الصُّغْرَى مُتَسَاوِيَة) أَي مُتَسَاوِيَة الجزءين (عكست) فَإِن الْمُوجبَة الْكُلية تنعكس حِينَئِذٍ كنفسها كَمَا مر غير مرّة (وَعكس النتيجة) ذكر بعض من قَرَأَ الْكتاب على المُصَنّف رَحمَه الله فِي شَرحه عَلَيْهِ أَن المُصَنّف رَحمَه الله زَاد قَوْله فَلَو الصُّغْرَى إِلَى آخِره بِالآخِرَة، وَفَسرهُ بِمَا حَاصله أَن عدم عكس الصُّغْرَى هَهُنَا لِأَنَّهَا تنعكس جزئية وَلَا يصلح الشكل الأول من الجزئيتين وَالصُّغْرَى المتساوية الجزءين تنعكس كُلية، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَة إِلَى عكس النتيجة انْتهى، ثمَّ ذكر أَن هَذِه الزِّيَادَة غير مُسْتَقِيمَة عِنْده وَحملهَا على الذهول والغفلة إِذْ لَا يحصل الشكل الأول بعكس الصُّغْرَى هُنَا أصلا، لِأَنَّهَا إِن جعلت صغرى كَأَصْلِهَا فَاتَ كُلية الْكُبْرَى. وَإِن جعلت كبرى فإمَّا أَن يَجْعَل عين الْكُبْرَى صغرى أَو عكسها، فعلى الأول كَانَ الْأَوْسَط مَوْضُوعا فِي الصُّغْرَى مَحْمُولا فِي الْكُبْرَى، وعَلى الثَّانِي مَحْمُولا فيهمَا، هَذَا ملخص كَلَامه وَاعْلَم هداك الله لفهم الإشارات الْخفية فِي الْعبارَات الْعلية أَن مُسَاوَاة طرفِي صغرى الشكل الأول تسْقط اشْتِرَاط الْكُلية فِي كبراه كَمَا أَن مُسَاوَاة طرفِي كبراه تسْقط اشْتِرَاط الْإِيجَاب فِي صغراه، فَكَمَا أَن نفي أحد المتساويين وَهُوَ الْأَوْسَط عَن الْأَصْغَر يسْتَلْزم نفي الآخر، وَهُوَ الْأَكْبَر عَنهُ، وَإِلَّا لم يبْق بَينهمَا مُسَاوَاة، فَكَذَلِك إِثْبَات أحد المتساويين وَهُوَ الْأَوْسَط لشَيْء، وَهُوَ الْأَصْغَر هُنَا يسْتَلْزم إِثْبَات الآخر وَهُوَ الْأَكْبَر لَهُ، وَإِلَّا لزم وجود أحد المتساويين بِدُونِ الآخر، وكما أَن الإنتاج فِي صُورَة الْمُسَاوَاة مَعَ عدم كُلية الْكُبْرَى

لَيْسَ لصورة الشكل، بل لخصوصية الْمَادَّة وَوُجُود الْمُسَاوَاة كَذَلِك فِيهَا مَعَ عدم إِيجَاب الصُّغْرَى غير أَن المُصَنّف رَحمَه الله صرح فِي صُورَة مُسَاوَاة طرفِي الْكُبْرَى بِعَدَمِ اشْتِرَاط إِيجَاب الصُّغْرَى وَاكْتفى هُنَا بِالْإِشَارَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ شَأْن هَذَا الْكتاب ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله وَعكس النتيجة هَهُنَا غير مَحْمُول على مَا حمل عَلَيْهِ أَولا، بل المُرَاد بِهِ أَن النتيجة الْحَاصِلَة حِينَئِذٍ على عكس النتيجة الْحَاصِلَة على تَقْدِير جعل عكس الْكُبْرَى صغرى وَعين الصُّغْرَى كبرى، فَلَا حَاجَة إِلَى أَن تعكس، وَفَائِدَة عكس الصُّغْرَى كُلية صيرورة الْوسط مَحْمُولا فِيهَا وَظُهُور الْمُسَاوَاة بَين طرفيها بملاحظة الأَصْل وَالْعَكْس (و) الضَّرْب الرَّابِع مِنْهُ (كليتان الثَّانِيَة سالبة) وَالْأولَى مُوجبَة نَحْو (كل بر مَكِيل وكل بر لَا يجوز بَيْعه بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا فبعض الْمكيل لَا يجوز بَيْعه بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا، ينْتج) هَذَا الضَّرْب (كَالْأولِ) أَي كالضرب الأول مِنْهُ (فِي) صُورَة (الْمُسَاوَاة) أَي مُسَاوَاة جزئي الصُّغْرَى، فالنتيجة هَهُنَا سالبة كُلية، نَحْو كل فرس صهال، وَلَا شَيْء من الْفرس بانسان فَلَا شَيْء من الصهال بانسان (و) فِي صُورَة (الأعمية) أَي فِيمَا إِذا كَانَ مَحْمُول الصُّغْرَى أَعم من موضوعها، فالنتيجة حِينَئِذٍ سالبة جزئية (وَيرد) إِلَى الشكل الأول (بعكس الصُّغْرَى) كَمَا فِي الضَّرْب الأول (و) الضَّرْب الْخَامِس مِنْهُ (كالرابع إِلَّا أَن أولاه جزئية) فَهُوَ جزئية مُوجبَة صغرى وكلية سالبة كبرى (ينْتج سلبا جزئيا) نَحْو بعض الْمَوْزُون رِبَوِيّ وَلَا شَيْء من الْمَوْزُون يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا، فبعض الرِّبَوِيّ لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا (وَيرد) إِلَى الشكل الأول بعكس الصُّغْرَى (مثله) أَي الرَّابِع فِي صُورَة الأعمية، فَيُقَال فِي الْمِثَال الْمَذْكُور بعض الرِّبَوِيّ مَوْزُون الخ (و) الضَّرْب السَّادِس (قلبه) أَي الضَّرْب الْخَامِس (كمية) لَا كَيْفيَّة فَهُوَ مُوجبَة كُلية صغرى وسالبة جزئية كبرى (ينْتج مثله) أَي الْخَامِس سلبا جزئيا نَحْو (كل بر مَكِيل وَبَعض الْبر لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا، فبعض الْمكيل لَا يُبَاع إِلَى آخِره) أَي بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا (ورده بِاعْتِبَار الْكُبْرَى مُوجبَة سالبة الْمَحْمُول) أَي رده إِلَى الشكل الأول بِأَن يعْتَبر كبراه السالبة الْجُزْئِيَّة مُوجبَة سالبة الْمَحْمُول بِجعْل السَّلب الْوَارِد على النِّسْبَة الإيجابية جُزْءا للمحمول، ثمَّ إِثْبَات ذَلِك السَّلب للموضوع (وَهِي) أَي الْمُوجبَة الْمَذْكُورَة (لَازِمَة للسالبة) البسيطة كَمَا أَن السالبة البسيطة لَازِمَة لَهَا، وَمن ثمَّ لَا تَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع، بِخِلَاف المعدولة، فَإِنَّهَا تَقْتَضِيه كَمَا بَين فِي مَوْضِعه، ولصيرورتها مُوجبَة تنعكس مَعَ كَونهَا جزئية (وبجعل عكسها صغرى) للشكل الأول، فَهُوَ إِذن مُوجبَة سالبة الْمَوْضُوع صغرى، وموجبة كُلية كبرى كَانَت فِي الأَصْل صغرى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لكل بر مَكِيل فينتج مَا ينعكس إِلَى الْمَطْلُوب) وَهُوَ مَا لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا مَكِيل ينعكس إِلَى بعض الْمكيل لَا يُبَاع إِلَى آخِره (وَيبين هَذَا) الضَّرْب

(وَمَا قبله) من الضروب الْخَمْسَة (بالخلف) أَيْضا، وَقد مر بَيَانه فِي الشكل الثَّانِي (إِلَّا أَنَّك تجْعَل نقيض الْمَطْلُوب كبرى) لصغرى الشكل الأول هُنَا، وَقد جعلته صغرى لكبراه هُنَاكَ فَتَقول لَو لم يصدق بعض الْمكيل لَا يُبَاع إِلَى آخِره لصدق كل مَكِيل يُبَاع إِلَى آخِره فَيجْعَل كبرى للصغرى الْمَذْكُورَة، وَهِي كل بر مَكِيل، فَيصير كل بر مَكِيل وكل مَكِيل يُبَاع إِلَى آخِره فينتج كل بر يُبَاع إِلَى آخِره، وَهَذَا يُنَاقض كبرى الأَصْل الْمَفْرُوض صدقهَا: أَي بعض الْبر لَا يُبَاع إِلَى آخِره فَيتَعَيَّن كذب نقيض الْمَطْلُوب فَيثبت (الشكل الرَّابِع خَالف) الشكل (الأول فيهمَا) أَي الصُّغْرَى والكبرى، فالأسوط مَوْضُوع فِي الصُّغْرَى مَحْمُول فِي الْكُبْرَى (فَرده) إِلَى الأول (بعكسهما) أَي الصُّغْرَى والكبرى مستويا ويبقيان على حَالهمَا من التَّرْتِيب (أَو قلبهما) بِتَقْدِيم الْكُبْرَى على الصُّغْرَى (فَإِذا كَانَت صغراه) أَي الرَّابِع (مُوجبَة كُلية أنتج مَعَ السالبة الْكُلية) الَّتِي هِيَ كبراه سالبة جزئية، لِأَن صغراه تنعكس إِلَى مُوجبَة جزئية، والنتيجة تتبع الأخس من الْجُزْئِيَّة وَالسَّلب كَمَا عرفت (برده) إِلَى الشكل الأول (بعكس المقدمتين فَقَط) أَي لَا مَعَ الْقلب أَيْضا (لعدم السَّلب فِي صغرى) الشكل (الأول) وَهُوَ لَازم للقلب (و) أنتج صغراه الْمُوجبَة الْكُلية (مَعَ الموجبتين) الْكُلية والجزئية كبريين مُوجبَة جزئية برده (بقلبهما) أَي المقدمتين (ثمَّ عكس النتيجة لَا بعكسهما لبُطْلَان) تركيب الْقيَاس من (الجزئيتين فَسَقَطت السالبة الْجُزْئِيَّة) فِي هَذَا الشكل لعدم صلاحيتها أَن تكون صغرى أَو كبرى (لانْتِفَاء) الإنتاج بِأحد (الطَّرِيقَيْنِ) الْعَكْس وَالْقلب (مَعهَا) أَي السالبة الْجُزْئِيَّة فِي هَذَا الشكل إِن كَانَت إِحْدَى مقدمتيه فَإِنَّهَا إِن كَانَت صغرى لَا تنعكس وَلَا تصلح لِأَن تكون كبرى لجزئيتها فَامْتنعَ الْقلب أَيْضا، وَإِن كَانَت كبرى لَا يَصح إبقاؤها لما ذكر، وَلَا جعلهَا صغرى لكَونهَا سالبة (وَلَو تَسَاويا) أَي الطرفان (فِي الْكُبْرَى الْمُوجبَة الْكُلية صَحَّ) رد هَذَا الضَّرْب إِلَى الشكل الأول (بعكسهما) أَي الصُّغْرَى والكبرى لانْتِفَاء الْمَانِع، وَهُوَ جزئية الْكُبْرَى، فَإِن الْمُوجبَة الْكُلية عِنْد مُسَاوَاة طرفيها تنعكس كُلية، فالنتيجة حِينَئِذٍ كُلية إِن تَسَاويا فِي الصُّغْرَى أَيْضا وَإِلَّا فموجبة جزئيه (وَإِذا كَانَت الصُّغْرَى) فِي هَذَا الشكل (مُوجبَة جزئية فَيجب كَون الْأُخْرَى السالبة الْكُلية) لسُقُوط السالبة الْجُزْئِيَّة لما مر، وانعكاس الموجبتين جزئية فَلَا يصلحان لِأَن يَكُونَا كبريين بعد الْعَكْس، وَلَو جعلا صغريين بطرِيق الْقلب لزم حِينَئِذٍ أَن يَجْعَل الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة كبرى (وعَلى التَّسَاوِي) أَي تَسَاوِي طرفِي الْكُبْرَى (تجوزا الْمُوجبَة الْكُلية) أَن تكون كبرى لانْتِفَاء الْمَانِع بانعكاسها كُلية (أَو) كَانَت الصُّغْرَى فِي هَذَا الشكل (السالبة الْكُلية فَيجب) حِينَئِذٍ

أَن تكون (الْكُبْرَى كُلية مُوجبَة لِامْتِنَاع خلاف ذَلِك) أما الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة فَلِأَنَّهَا لَو عكست وعكست الأولى لزم كَون الْكُبْرَى جزئية فِي الشكل الأول وَلَو قلبت لم يكن بُد من قلب النتيجة، والسالبة الْجُزْئِيَّة لَا تنعكس، وَأما السالبة الْكُلية أَو الْجُزْئِيَّة فَلِأَنَّهُ يلْزم حِينَئِذٍ تركب الْقيَاس من سابتين وهما غير منتجان كَمَا مر، فَحِينَئِذٍ (ضروبه) المنتجة خَمْسَة الأول (كليتان موجبتان) تنْتج مُوجبَة جزئية نَحْو (كل مَا يلْزم عبَادَة مفتقر إِلَى النِّيَّة وكل تيَمّم يلْزم عبَادَة لَازمه كل تيَمّم مفتقر إِلَى النِّيَّة بقلب المقدمتين) فَتَقول كل تيَمّم يلْزم عبَادَة وكل مَا يلْزم عبَادَة مفتقر إِلَى النِّيَّة فينتج اللَّازِم الْمَذْكُور ثمَّ يعكس إِلَى الْمَطْلُوب) جزئيا (وَهُوَ بعض المفتقر) إِلَى النِّيَّة (تيَمّم فَإِن قلت مَا السَّبَب) فِي اعْتِبَار هَذِه الْجُزْئِيَّة مَطْلُوبا للضرب الْمَذْكُور دون الْكُلية الَّتِي ينعكس إِلَيْهَا (وكل) وَاحِد (من لُزُوم الْكُلية) الْمَذْكُورَة للضرب الْمَذْكُور لُزُوما بَينا (و) من (مَعْنَاهَا) أَي الْكُلية الْمَذْكُورَة من حَيْثُ كليتها (صَحِيح) وَالْأول يدل على صِحَة الْقيَاس من حَيْثُ الصُّورَة. وَالثَّانِي على صِحَّته من حَيْثُ الْمَادَّة (قيل) فِي الْجَواب إِنَّمَا اعْتبرت دون الْكُلية (لفرض كَون الصُّغْرَى مُطلقًا): أَي لِأَن الْمَفْرُوض فِي الْقيَاس الاقتراني كَون الصُّغْرَى مُطلقًا فِي أَي شكل كَانَت (مَا اشْتَمَل) أَي قَضِيَّة اشْتَمَلت (على مَوْضُوع الْمَطْلُوب والكبرى) مُطلقًا مَا اشْتَمَل على (محموله فَإِذا زعمت أَن الِاسْتِدْلَال) فِي الْمِثَال الْمَذْكُور مثلا على أَن بعض المفتقر إِلَى النِّيَّة تيَمّم (بالرابع) أَي بالشكل الرَّابِع (كَانَ المفتقر مَوْضُوعه) أَي الْمَطْلُوب (وَالتَّيَمُّم محموله) حَتَّى إِذا قلبنا أنتج بالشكل الأول مَا ينعكس إِلَى الْمَطْلُوب على مَا بَين فِي بَيَان رده إِلَى الأول، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالْحَاصِل) من الشكل الرَّابِع بعد الصَّنِيع الْمَذْكُور (عِنْد) قصد (الرَّد) إِلَى الشكل الأول (عَكسه) أَي الْمَطْلُوب (فينعكس) الْحَاصِل من الضَّرْب الْمَذْكُور (جزئيا) لِأَنَّهُ مُوجبَة كُلية، وَقد عرفت أَنَّهَا تنعكس مُوجبَة جزئية (وَلَو تَسَاويا) أَي الطرفان فِي الْحَاصِل الْمَذْكُور (كَانَ) عَكسه (كليا) كَمَا مر غير مرّة، الضَّرْب (الثَّانِي مثله) أَي الضَّرْب الأول (إِلَّا أَن) الْمُقدمَة (الثَّانِيَة جزئية) نَحْو (كل عبَادَة بنية وَبَعض الْوضُوء عبَادَة) فبعض مَا هُوَ بنية وضوء (وَالرَّدّ وَاللَّازِم كَالْأولِ) غير أَن الْحَاصِل هَهُنَا مُوجبَة جزئية، تَقول بعض الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية، فبعض الْوضُوء بنية وينعكس إِلَى بعض مَا هُوَ بنية وضوء، الضَّرْب (الثَّالِث كليتان، الأولى سالبة) وَالثَّانيَِة مُوجبَة نَحْو (كل عبَادَة لَا تستغنى عَن النِّيَّة، وكل مَنْدُوب عبَادَة ينْتج سالبة كُلية لَا مُسْتَغْنى) عَن النِّيَّة بمندوب (بِالْقَلْبِ وَالْعَكْس) أَي بقلب المقدمتين ليرد إِلَى الشكل الأول، ثمَّ عكس النتيجة إِلَى الْمَطْلُوب، الضَّرْب (الرَّابِع كليتان الثَّانِيَة سالبة) وَالْأولَى مُوجبَة (ينْتج جزئية سالبة) نَحْو (كل مُبَاح مستغن) عَن

النِّيَّة (وكل وضوء لَيْسَ بمباح، فبعض المستغنى عَن النِّيَّة لَيْسَ بِوضُوء، يرد) إِلَى الشكل الأول (بعكس المقدمتين) الأولى إِلَى مُوجبَة جزئية وَهِي بعض المستغنى عَن النِّيَّة مُبَاح، وَالثَّانيَِة إِلَى سالبة كُلية هِيَ كل مُبَاح لَيْسَ بِوضُوء فينتج بعض المستغنى لَيْسَ بِوضُوء (وَلَو كَانَ فِي الْمُوجبَة تساو) بَين طرفيها (كَانَت) النتيجة سالبة (كُلية) لكلية كلتا المتقدمتين عينا وعكسا الضَّرْب (الْخَامِس جزئية مُوجبَة وسالبة كُلية كالرابع لَازِما وردا) أَي لَازِمَة الْمَطْلُوب كلازمة الضَّرْب الرَّابِع فَهُوَ سلب جزئي، وَيرد إِلَى الشكل الأول مثله أَيْضا بعكس المقدمتين (وَيبين الْكل) أَي الضروب الْخَمْسَة (بالخلف) بِضَم نقيض النتيجة إِلَى إِحْدَى المقدمتين ينْتج مَا ينعكس إِلَى نقيض الْأُخْرَى فَفِي الضربين الْأَوَّلين المضموم إِلَيْهَا هُوَ الصُّغْرَى وَمَا ينعكس إِلَى نقيضه النتيجة هُوَ الْكُبْرَى، وَفِي الْبَاقِي هُوَ الْكُبْرَى وَمَا ينعكس إِلَى نقيضه هُوَ الصُّغْرَى، تَقول لَو لم يصدق بعض المفتقر إِلَى النِّيَّة تيَمّم لصدق لَا شَيْء من المفتقر إِلَيْهَا بِتَيَمُّم، وَيضم إِلَيْهَا كل مَا يلْزم عبَادَة مفتقر إِلَى النِّيَّة، فالصغرى هَذِه الْمُوجبَة الْكُلية، والكبرى تِلْكَ السالبة الْكُلية والنتيجة لَا شَيْء مِمَّا يلْزم عبَادَة بِتَيَمُّم وتنعكس إِلَى لَا شَيْء من التَّيَمُّم يلْزم عبَادَة وَهَذَا يُنَاقض كبرى الْمَرْدُود وَتقول لَو لم يصدق لَا مُسْتَغْنى عَن النِّيَّة بمندوب لصدق بعض المستغنى عَنْهَا مَنْدُوب وكل مَنْدُوب عبَادَة ينْتج بعض المستغنى عَنْهَا عبَادَة وتنعكس إِلَى بعض الْعِبَادَة مستغن، وَهُوَ يُنَاقض كل عبَادَة لَا تستغنى (الطَّرِيق الرَّابِع الاستقراء تتبع الجزئيات) أَي استقصاء جزئية كلي كلهَا، أَو أَكْثَرهَا ليعرف ثُبُوت حكم لَهَا على سَبِيل الْعُمُوم أَو ضِدّه (فيستدل) بعد تتبعها (على الحكم الْكُلِّي) الشَّامِل لكل فَرد من أَفْرَاد الْمَحْكُوم عَلَيْهِ (بِثُبُوتِهِ): أَي ذَلِك الحكم (فِيهَا): أَي الجزئيات الْمَذْكُورَة، فَهُوَ اسْتِدْلَال بِحَال الجزئي على حَال الْكُلِّي (وَهُوَ) أَي الاستقراء قِسْمَانِ (تَامّ إِن استغرقت) الجزئيات بالتتبع (يُفِيد الْقطع) كالعدد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد، وكل مِنْهُمَا بعده الْوَاحِد، فَكل عدد بعده الْوَاحِد، وَيُسمى قِيَاسا مقسمًا (وناقص خِلَافه) بِأَن لم تستغرق جزئياته بل أَكْثَرهَا، فَلَا يُفِيد الْقطع، بل الظَّن لجَوَاز أَن يكون مَا لم يستقرأ مِنْهَا على خلاف مَا استقرئ كتحرك الفك الْأَسْفَل عِنْد المضغ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَكثر أَفْرَاد الْحَيَوَان بِخِلَاف التمساح، فَإِنَّهُ يُحَرك فكه الْأَعْلَى (فَأَما التَّمْثِيل وَهُوَ الْقيَاس الفقهي الْآتِي فَمن مَقَاصِد الْفَنّ) فَلَا يجوز عده من الْمُقدمَات بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ (الرَّابِع) من الْأُمُور الَّتِي هِيَ مُقَدّمَة الْكتاب (استمداده) أَي مَا يستمد الْأُصُول مِنْهُ من قبيل إِطْلَاق اسْم أحد المتلازمين على الآخر (أَحْكَام) كُلية لغوية (استنبطوها) أَي استخرجها أهل هَذَا الْعلم من اللُّغَة الْعَرَبيَّة (لأقسام من) الْأَلْفَاظ (الْعَرَبيَّة) كالعام وَالْخَاص والمشترك والمرادف والحقيقة وَالْمجَاز

وَالظَّاهِر وَالنَّص إِلَى غير ذَلِك، وَالْجَار فِي قَوْله لأقسام مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ صفة أَحْكَام: أَعنِي مثبتة (جعلوها) أَي تِلْكَ الْأَحْكَام (مَادَّة لَهُ) أَي لهَذَا الْعلم وأجزاء لَهُ (لَيست) تِلْكَ الْأَحْكَام (مدونة قبله) أَي قبل تدوين هَذَا الْعلم وَإِن ذكرت فِي أثْنَاء استدلالاتهم فِي الْفُرُوع وأكثرها (فَكَانَت) الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة بَعْضًا (مِنْهُ) أَي هَذَا الْعلم وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال وَهُوَ أَن يُقَال بعض مَقَاصِد هَذَا الْعلم يتَوَقَّف على معرفَة بعض هَذِه الْأَحْكَام وَمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ مسَائِل الْعلم خَارج عَنهُ، أَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (وَتوقف إِثْبَات بعض مطالبه) أَي هَذَا الْعلم (عَلَيْهَا) أَي الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة (لَا يُنَافِي الاصالة لجَوَاز) كَون (مَسْأَلَة) من الْعلم (مبدأ لمسألة) أُخْرَى مِنْهُ، غَايَة الْأَمر كَونهَا خَارِجَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يتَوَقَّف عَلَيْهَا (وَهَذَا) أَي كَون هَذَا الْعلم يستمد من هَذِه الْأَحْكَام (لِأَن الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة مِنْهَا) أَي من تِلْكَ الْأَقْسَام (وَحمل حكم الْعَام مثلا) وَحمل حكم الْمُطلق على الْعَام (وَالْمُطلق لَيْسَ بِقَيْد كَونه) أَي الْعَام أَو الْمُطلق الْمَحْمُول عَلَيْهِ (عَام الْأَدِلَّة) الْمَذْكُورَة أَو مُطلقهَا (بل) على مُطلق الْعَام وَالْمُطلق غَايَة الْأَمر أَن الحكم الْمَحْمُول (ينطبق عَلَيْهَا) أَي عَام الْكتاب وَالسّنة ومطلقه انطباق حكم الْكُلِّي على جزئياته الإضافية، فَانْدفع مَا قيل من أَن الْأَحْكَام الكائنة لأقسام من الْعَرَبيَّة إِنَّمَا هِيَ مثبتة فِي هَذَا الْعلم على موضوعاتها من حَيْثُ إِنَّهَا من الْكتاب وَالسّنة لَا مُطلقًا، فَلَا يكون الْعلم مستمدا من الْأَحْكَام على الْوَجْه الَّذِي ذكرْتُمْ (وَقد يجْرِي فِيهَا) أَي فِي الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة (خلاف) كَمَا سَيَأْتِي (وأجزاء مُسْتَقلَّة) مَعْطُوف على قَوْله أَحْكَام، وَتلك الْأَجْزَاء (تصورات الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة الْخَمْسَة الْوُجُوب وَالْحُرْمَة وَالنَّدْب وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة، يُرِيد أَن وَجه استمداد الْأُصُول من الْأَحْكَام إِنَّمَا هُوَ من جِهَة مباديه التصورية إِذْ لَا بُد فِيهِ من تصورها ليمكن إِثْبَاتهَا أَو نَفيهَا كَمَا إِذا قُلْنَا الْأَمر للْوُجُوب لَا النّدب، وَإِنَّمَا صرح بِكَوْنِهَا أَجزَاء مُسْتَقلَّة دفعا لما ذكر فِي بعض الْحَوَاشِي من أَنَّهَا جعلت فِي الْفِقْه مبادئ اسْتِقْلَالا، وَفِي الْأُصُول استمدادا لكَونهَا محمولات لمسائل الْفِقْه وأعراضا ذاتية لموضوعه ومتعلقات لمحمولات مسَائِل الْأُصُول، وَبَين ذَلِك بقوله (كالفقه) أَي كَمَا أَن الْفِقْه يستمد من هَذِه الْأَجْزَاء (يجمعهما) أَي الْأُصُول وَالْفِقْه فِي الاستمداد مِنْهَا (الِاحْتِيَاج) الْكَائِن لكل مِنْهُمَا (إِلَى تصور محمولات الْمسَائِل) أَي مسائلهما، وَذَلِكَ لما عرفت من أَن مَوْضُوعَات مسَائِل الْأُصُول الْأَدِلَّة السمعية ومحمولاتها مَا يرجع إِلَى كَونهَا مثبتا للْحكم الشَّرْعِيّ، وموضوعات مسَائِل الْفِقْه أَفعَال الْمُكَلّفين ومحمولاتها الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة (على أَن الظَّاهِر) أَن يكون (استمداد الْفِقْه إِيَّاهَا) أَي تصورات الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة (مِنْهُ) أَي من علم الْأُصُول (لسبقه) أَي الْأُصُول الْفِقْه لكَونه فرعا

عَلَيْهِ (وَإِن لم يدون) الْأُصُول قبل الْفِقْه، فَإِن أول من دون الْفِقْه ورتب كتبه وأبوابه الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله. قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ من أَرَادَ الْفِقْه فَهُوَ عِيَال على أبي حنيفَة نَقله الفيروزابادي الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي طَبَقَات الْفُقَهَاء وَغَيره، وَقَالَ المطرزي فِي الْإِيضَاح ذكر الإِمَام السَّرخسِيّ فِي كِتَابه أَن ابْن سُرَيج وَكَانَ مقدما فِي أَصْحَاب الشَّافِعِي بلغه أَن رجلا يَقع فِي أبي حنيفَة رَحمَه الله، فَدَعَاهُ فَقَالَ: يَا هَذَا أتقع فِي رجل يسلم لَهُ النَّاس ثَلَاثَة أَربَاع الْعلم وَهُوَ لَا يسلم لَهُم الرّبع، فَقَالَ: وَكَيف ذَلِك؟ فَقَالَ الْفِقْه: سُؤال وَجَوَاب، وَهُوَ الَّذِي تفرد بِوَضْع السُّؤَال فَسلم لَهُ نصف، ثمَّ أجَاب عَن السُّؤَال، وخصومه لَا يَقُولُونَ أَنه أَخطَأ فِي الْكل، فَإِذا جعلت مَا وافقوه فِيهِ مُقَابلا لما خالفوه فِيهِ سلم ثَلَاثَة أَربَاع الْعلم لَهُ وَبَقِي بَينه وَبَين جَمِيع النَّاس ربع الْعلم فَتَابَ الرجل، وَيُقَال أَن أول من دون فِي أصُول الْفِقْه اسْتِقْلَالا الإِمَام الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ صنف فِيهِ كتاب الرسَالَة بالتماس ابْن الْمهْدي (وَيزِيد) الْأُصُول على الْفِقْه استمدادا (بهَا) أَي بتصورات الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة لكَونهَا (مَوْضُوعَات) لمسائله (فِي مثل الْمَنْدُوب مَأْمُور بِهِ أَولا، وَالْوَاجِب إِمَّا مُقَيّد بِالْوَقْتِ أَولا) وَلَيْسَ مثله فِي الْفِقْه فَلِذَا كَانَ أَكثر احتياجا (وَعنهُ) أَي عَن كَونهَا مَوْضُوعَات (عدت) الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة (من الْمَوْضُوع) أَي من مَوْضُوع الْأُصُول، ثمَّ مُرَاد المُصَنّف رَحمَه الله بِمَا مِنْهُ الاستمداد مَا بِحَيْثُ يكون مَادَّة وجزءا لهَذَا الْعلم، وَلِهَذَا لم يَجْعَل الاستمداد من ثَلَاثَة هذَيْن، وَالْكَلَام كَمَا جعله الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب مِنْهَا، وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح والشأن فِي اخْتِيَار مَا هُوَ أولى بِالِاعْتِبَارِ (وَمَا قيل) من أَن علم الْأُصُول لَيْسَ علما بِرَأْسِهِ، بل هُوَ (كُله أَجزَاء عُلُوم) وأبعاضها جمعت من الْكَلَام وَالْفِقْه واللغة والْحَدِيث والجدل (بَاطِل) قَالَ شَارِح هَذَا الْكتاب أَن الْقَائِل هُوَ السُّبْكِيّ (وَمَا يخال) أَي يظنّ (من علم الحَدِيث) من الْأَحْوَال الراجعة إِلَى مَتنه أَو طَرِيقه كالعبرة بِعُمُوم اللَّفْظ لَا بِخُصُوص السَّبَب وبعمل الصَّحَابِيّ لَا بروايته أَو بِالْعَكْسِ، وعدالة الرَّاوِي وجرحه أَن الْأُصُول يستمد مِنْهُ (لَيْسَ) الْبَحْث عَنهُ (استمدادا) لِلْأُصُولِ (بل تدَاخل موضوعي علمين) يَتَرَتَّب غايتهما على الْبَحْث عَن أَحْوَال شَيْء وَاحِد فيشتركان فِي الْمَوْضُوع أَو ينْدَرج مَوْضُوع أَحدهمَا تَحت مَوْضُوع الآخر على مَا مر (يُوجب مثله) أَي الِاشْتِرَاك فِي بعض الْأَحْكَام (و) الدَّلِيل (السمعي) الَّذِي هُوَ مَوْضُوع الْأُصُول (من حَيْثُ يُوصل) الْعلم بأحواله إِلَى قدرَة إِثْبَات الْأَحْكَام لأفعال الْمُكَلّفين (ينْدَرج فِيهِ) أَي السمعي (السمعي النَّبَوِيّ) الَّذِي هُوَ مَوْضُوع علم الحَدِيث اندراج الجزئي الإضافي تَحت الْكُلِّي، وَالْمرَاد بِهِ أَدِلَّة السّنة كَمَا ينْدَرج فِيهِ أَدِلَّة الْكتاب (من حَيْثُ كَيْفيَّة الثُّبُوت) وَكَون الْأُصُول باحثا من حَيْثُ

الإيصال لَا يُنَافِي بحثها من حَيْثُ كَيْفيَّة الثُّبُوت، بل الْبَحْث عَن الإيصال السمعي بعد معرفَة كَيْفيَّة ثُبُوته من صِحَة وَحسن وَغَيرهمَا، وَمن ثمَّة تخْتَلف صِفَات إِثْبَات الْأَحْكَام باخْتلَاف كَيْفيَّة ثُبُوت أدلتها قُوَّة وضعفا فالبحث من الْحَيْثِيَّة الثَّانِيَة رَاجع إِلَى الأولى، فَظهر أَن مبَاحث السّنة من مبَاحث الْأُصُول أَصَالَة (ومباحث الْإِجْمَاع وَالْقِيَاس والنسخ ظَاهر) كَونهَا من مسَائِل الْأُصُول المختصة بِهِ، وَلَا يعلم علم من الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة كَفِيل بهَا سواهُ. (الْمقَالة الأولى) من المقالات الثَّلَاث (فِي المبادئ اللُّغَوِيَّة) جمع مبدأ، هُوَ فِي الأَصْل مَكَان الْبدَاءَة فِي الشَّيْء أَو زَمَانه، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا على مَا سبق، تصورات وتصديقات يتَوَقَّف عَلَيْهَا الْبَحْث عَن مسَائِل الْفَنّ بوسط أَو بِغَيْرِهِ كبيان معنى اللُّغَة، وَسبب وَضعهَا، والواضع، وَلُزُوم الْمُنَاسبَة بَين اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ، وَعدم لُزُومهَا، وَمَا وضع لَهُ اللَّفْظ ذهني أَو خارجي أَو أَعم مِنْهُمَا، وَطَرِيق معرفَة الْوَضع وَهل يجْرِي الْقيَاس إِلَى غير ذَلِك؟ وَوجه التَّسْمِيَة أَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ مبدأ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَوْقُوف، وَتَقْدِيم هَذِه الْمقَالة لاحتياج الْكل إِلَيْهَا (اللُّغَات الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة) للمعاني أَشَارَ بِلَفْظ الْجمع إِلَى عدم اخْتِصَاص التَّعْرِيف بلغَة الْعَرَب، والمتبادر من الْوَضع تعْيين اللَّفْظ للدلالة بِنَفسِهِ، فعلى هَذَا لَا يكون الْمجَاز لُغَة حَقِيقَة بل مجَازًا، وَيُمكن أَن يُرَاد بِهِ مَا يعم الْوَضع الْمجَازِي فَيكون لُغَة حَقِيقَة (ثمَّ تُضَاف كل لُغَة إِلَى أَهلهَا) وَهُوَ من تنْسب إِلَيْهِ لَا واضعها، يُقَال لُغَة الْعَرَب ولغة الْعَجم (وَمن لطفه) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَي إفَاضَة إحسانه برفقه على عباده، والإضمار فِي مَحل الْإِظْهَار للإشعار بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَاضر فِي الأذهان بِحَيْثُ لَا يحْتَاج إِلَى سبق الذّكر (الظَّاهِر تَعَالَى) أَشَارَ بِهَذَا الْوَصْف إِلَى أَن لطفه على قسمَيْنِ الظَّاهِر والخفي (وَقدرته) وَهِي صفة أزلية مُؤثرَة فِي المقدورات عِنْد تعلقهَا بهَا (الباهرة) أَي الْغَالِبَة الْعَالِيَة عَن الْعَجز عَن إِيجَاد مَا تعلّقت إِرَادَته من المقدورات (الاقدار) وَهِي إعطا الْقُدْرَة (عَلَيْهَا) أَي على الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة بالنطق بهَا مَتى شَاءُوا إعلاما بِمَا فِي ضمائرهم (وَالْهِدَايَة) عطف على الْمُبْتَدَأ: أَعنِي الاقدار وَالْخَبَر هُوَ قَوْله من لطفه، وَهِي الدّلَالَة على مَا يُوصل إِلَى البغية، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَهُنَا نشرا على غير تَرْتِيب اللف، فَإِن الْهِدَايَة مُتَعَلقَة باللطف والاقدار بِالْقُدْرَةِ (للدلالة بهَا) اللَّام صلَة الْهِدَايَة فَإِنَّهَا تتعدى بِاللَّامِ وَإِلَى وبنفسه، وَالْهِدَايَة صفة الْحق سُبْحَانَهُ، وَالدّلَالَة وَهِي الْإِرْشَاد إِلَى مَا فِي الضَّمِير بِوَاسِطَة اللَّفْظ صفة الْمُتَكَلّم بهَا (فَخفت الْمُؤْنَة) بِهَذَا الطَّرِيق فِي الإفادة والاستفادة ليسره وسهولته (وعمت الْفَائِدَة) لتناول إفادتها الْمَوْجُود والمعدوم والمحسوس والمعقول. ووجودها مَعَ الْحَاجة وانقضائها مَعَ انْقِضَائِهَا بِخِلَاف الْكِتَابَة وَالْإِشَارَة والمثال وَهُوَ الجرم الْمَوْضُوع على شكل مَا فِي الضَّمِير (والواضع للأجناس) أَي الْمعَانِي الْكُلية الْمُسَمَّاة باسم

كالإنسان وَالْحَيَوَان وَالْأكل وَالشرب، فالمفعول مَحْذُوف أَو الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة بِإِزَاءِ الْمعَانِي الْكُلية، فَاللَّام لتقوية الْعَمَل والموضوع لَهُ مَحْذُوف (أَولا الله سُبْحَانَهُ) وَيجوز أَن يتوارد على بَعْضهَا وضعان لله أَولا، وللعباد ثَانِيًا (قَول الْأَشْعَرِيّ) أَي القَوْل بِأَن الْوَاضِع لَهَا أَولا الله سُبْحَانَهُ قَوْله (وَلَا شكّ فِي أوضاع أخر لِلْخلقِ علمية شخصية) على مَا يشْهد بِهِ الْوَاقِع، وَإِنَّمَا جعل مَحل الْخلاف الْأَجْنَاس، لِأَن الْأَشْخَاص بَعْضهَا بِوَضْع الله تَعَالَى بِغَيْر خلاف كأسماء الله تَعَالَى المتلقاة من السّمع وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة وَبَعض أَسمَاء الْأَنْبِيَاء، وَبَعضهَا بِوَضْع الْبشر بِلَا ريب، وَإِنَّمَا قيد بالشخصية لانْتِفَاء الْقطع فِي العلمية الجنسية كانتفائه فِي أَسمَاء الْأَجْنَاس (وَغَيرهَا) أَي غير أوضاع الْأَعْلَام الشخصية الَّتِي هِيَ لِلْخلقِ بِلَا شكّ مَا لَا يقطع بِكَوْنِهِ للحق دون الْخلق (جَائِز) وجوده، فَإِن كَانَ مَا وضع لَهُ فِيهِ عين مَا وضع وَمَا ضع لَهُ بِوَضْع الْحق فَهُوَ مُجَرّد توارد، وَإِلَّا فَيلْزم ترادف إِن كَانَت الْمُغَايرَة فِي الأول دون الثَّانِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَيَقَع الترادف) أَو اشْتِرَاك إِن كَانَت فِي الثَّانِي فَقَط، أَو انْفِرَاد فِي الْوَضع كَمَا ذكر من وضع الْعلم الشخصي إِن كَانَت فيهمَا، وَكَأَنَّهُ ذكر الترادف مثلا وَترك غَيره بالمقايسة (لقَوْله تَعَالَى {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} تَعْلِيل للأشعري، وَالْمرَاد بالأسماء المسميات والعلامات، لَا مصطلح النُّحَاة فَيعم الْأَفْعَال والحروف أَيْضا على أَنه لَو أُرِيد لثبت الْمَطْلُوب أَيْضا لعدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ، وَلِأَن التَّعْلِيم بِمُجَرَّد الْأَسْمَاء دونهمَا متعسر. وَالظَّاهِر أَن التَّعْلِيم بإلقائها عَلَيْهِ مُبينًا لَهُ مَعَانِيهَا إِمَّا بِخلق علم ضَرُورِيّ لَيْسَ بإعمال شَيْء من أَسبَاب الْعلم اخْتِيَارا أَو إِلْقَاء فِي روعه، وَهُوَ يجْتَمع مَعَ التَّوَجُّه وأعمال السَّبَب أَو غير ذَلِك وأياما كَانَ فَهُوَ غير مفتقر إِلَى سَابِقَة اصْطِلَاح ليتسلسل، بل إِلَى وضع، وَالْأَصْل يَنْفِي أَن يكون ذَلِك الْوَضع مِمَّن كَانَ قبل آدم وَمِمَّنْ مَعَه فِي الزَّمَان من الْمَخْلُوقَات، فَيكون من الله وَهُوَ الْمَطْلُوب (وَأَصْحَاب أبي هَاشم) المعتزلي الْمَشْهُور، وَيُقَال لَهُم الدهشمية قَالُوا الْوَاضِع (الْبشر آدم وَغَيره) وضع الْأَوَائِل، ثمَّ عرف الْبَاقُونَ بتكرار الْأَلْفَاظ مَعَ قرينَة الْإِشَارَة وَغَيرهَا (لقَوْله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} أَي بلغتهم مجَاز من تَسْمِيَة الشَّيْء باسم سَببه (أَفَادَ) النَّص (نسبتها) أَي اللُّغَة (إِلَيْهِم) أَي الْقَوْم (وَهِي) أَي النِّسْبَة الْمَذْكُورَة إِنَّمَا تكون (بِالْوَضْعِ) أَي بوضعهم إِيَّاهَا بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا، لِأَن الأَصْل فِي الْإِطْلَاق الْحمل على الْكَامِل مِمَّا يحْتَملهُ اللَّفْظ (وَهُوَ) أَي هَذَا التَّقْرِير (تَامّ) فِي الِاسْتِدْلَال (على الْمَطْلُوب) يَعْنِي على تَقْدِير تَسْلِيم مقدماته يستلزمه فَلَا يُنَافِي وُرُود منع على بعض مقدماته (وَأما تَقْرِيره) أَي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا النَّص (دورا) مفعول التَّقْرِير لتَضَمّنه معنى التصيير: أَي جعله مُفِيدا للدور (كَذَا) إِشَارَة إِلَى مَا ذكر بعده

من التَّقْرِير: وَهُوَ حَال عَن ضمير تَقْرِيره، وَلَيْسَ المُرَاد بِمثل هَذَا حَقِيقَة التَّشْبِيه، بل كَون مَا قصد بَيَانه بِحَيْثُ يعبر عَنهُ بِهَذِهِ الْعبارَة وَنَحْوهَا وَمَا بعده بدل عَنهُ وَهُوَ قَوْله (دلّ) أَي النَّص الْمَذْكُور (على سبق اللُّغَات الْإِرْسَال) لدلالته على مُلَابسَة الرُّسُل اللُّغَة المنسوبة إِلَى الْقَوْم قبل الْإِرْسَال، لِأَن تخاطبهم بِتِلْكَ اللُّغَة يسبب كَون الرَّسُول متلبسا بهَا حَال الْإِرْسَال ليبين لَهُم مَا أمروا بِهِ فيفهموا بِيَسِير (وَلَو كَانَ) حُصُول اللُّغَات لَهُم (بالتوقيف) من الله تَعَالَى (وَلَا يتَصَوَّر) التَّوْقِيف (إِلَّا بِالْإِرْسَال) لِأَنَّهُ الطَّرِيق الْمُعْتَاد فِي تَعْلِيم الله سُبْحَانَهُ للعباد (سبق الْإِرْسَال اللُّغَات فيدور) وَهُوَ دور تقدم بِمَعْنى مسبوقية الشَّيْء بِمَا هُوَ مَسْبُوق بذلك الشَّيْء، وَهُوَ محَال وَإِن كَانَ سبقا زمانيا لَا ذاتيا، فَإِن سبق الشَّيْء على نَفسه زَمَانا ظَاهر الاستحالة (فغلط) جَوَاب أما (لظُهُور أَن كَون التَّوْقِيف لَيْسَ إِلَّا بِالْإِرْسَال إِنَّمَا يُوجب سبق الْإِرْسَال على التَّوْقِيف لَا) سبق الْإِرْسَال على (اللُّغَات) حَتَّى يلْزم الدّور، وَلَك أَن تَقول سبق الْإِرْسَال على التَّوْقِيف لعدم حُصُوله بِلَا إرْسَال رَسُول، وَلَا شكّ أَنه لَا يحصل إِلَّا برَسُول عَالم باللغات ليعلم قومه إِيَّاهَا، وَالْحَاصِل أَن النَّص يدل على تقدم اللُّغَات من حَيْثُ أَنَّهَا مَعْلُومَة للْقَوْم على الْإِرْسَال والتوقيف يدل على أَنَّهَا من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة مُتَأَخِّرَة عَن الْإِرْسَال فَسبق الْإِرْسَال على التَّوْقِيف يسْتَلْزم سبقه على اللُّغَات من حَيْثُ كَونهَا مَعْلُومَة لَهُم وَإِن لم يسْتَلْزم سبقه عَلَيْهَا من حَيْثُ ذواتها، وَذَلِكَ كَاف فِي إِثْبَات الدّور، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ يجوز أَن يتَعَلَّق باللغات نَوْعَانِ من الْعلم، أَحدهمَا بطرِيق التَّوْقِيف، وَالْآخر بطرِيق آخر: كالضرورة مثلا، وَتَكون اللُّغَات من حَيْثُ معلوميتها بالنوع الأول مُتَأَخِّرًا عَن الْإِرْسَال، وَمن حَيْثُ معلوميتها بِالثَّانِي مُتَقَدما عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ معنى قَوْله لَا على اللُّغَات لَا عَلَيْهَا من حَيْثُ معلوميتها بِغَيْر طَرِيق التَّوْقِيف أَولا عَلَيْهَا من جَمِيع الحيثيات، فالآية لَا تدل على أَن الْوَاضِع إِنَّمَا هُوَ الْبشر، وَإِن سلم دلالتها على سبق اللُّغَات على الْإِرْسَال، وَكَون التَّوْقِيف لَيْسَ إِلَّا بِالْإِرْسَال (بل يُفِيد سبقها) أَي كَون التَّوْقِيف كَمَا ذكر لَا يُوجب سبق الْإِرْسَال على اللُّغَات بل يُفِيد سبق اللُّغَات على الْإِرْسَال، لِأَن الْإِرْسَال لتعليمها إِنَّمَا يكون بعد وجودهَا مَعْلُومَة للرسول عَادَة ليترتب فَائِدَة الْإِرْسَال عَلَيْهِ بِلَا تَأَخّر (فَالْجَوَاب) من قبل التوقيفية عَن الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (بِأَن آدم علمهَا) بِلَفْظ الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول بتعليم الله، وَالضَّمِير للأسماء (وَعلمهَا) بِلَفْظ الْمَبْنِيّ للْفَاعِل آدم غَيره (فَلَا دور) إِذْ تَعْلِيمه بِالْوَحْي يستدعى تقدم الْوَحْي على اللُّغَات، لَا تقدم الْإِرْسَال وَلَا يتَصَوَّر الْإِرْسَال عِنْد ذَلِك لعدم الْقَوْم وَبعد أَن وجدوا وتعلموا اللُّغَات مِنْهُ أرسل إِلَيْهِم وَحَاصِل الْجَواب منع كَون التَّوْقِيف لَيْسَ إِلَّا بِالْإِرْسَال فَقَوله (وبمنع حصر التَّوْقِيف على الْإِرْسَال) يغاير الْجَواب الأول بِاعْتِبَار السَّنَد، فَإِن سَنَد هَذَا تَجْوِيز، وَسَنَد

ذَلِك أَمر نقلي، وَالْأَوْجه أَن يُقَال الأول مُعَارضَة، وَالْمُدَّعِي أَن الْبشر لَيْسَ بواضع، لِأَن آدم علمه الله تَعَالَى: وَغَيره علمه آدم، فَلم يكن أحد وَاضِعا، غَايَة الْأَمر أَنه أُشير فِي ضمنه إِلَى بطلَان دليلهم بِأَنَّهُ لَو كَانَ التوفيف يسْتَلْزم الدّور لما وَقع لكنه وَقع (لجوازه) أَي التَّوْقِيف من الله (بالإلهام) أَي بإلقاء الله تَعَالَى فِي روع الْعَاقِل من غير كسب مِنْهُ أَن هَذِه الْأَلْفَاظ مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ هَذِه الْمعَانِي (ثمَّ دَفعه) أَي هَذَا التجويز (بِخِلَاف الْمُعْتَاد) أَي بِأَن التَّوْقِيف بِغَيْر الْإِرْسَال من الإلهام وَنَحْوه خلاف مَا جرت بِهِ الْعَادة الألهية، فَإِن لم يقطع بِعَدَمِهِ فَلَا أقل من أَن يكون خلاف الظَّاهِر فَلَا يُصَار إِلَيْهِ بِمُجَرَّد التجويز (ضائع) خبر قَوْله فَالْجَوَاب إِلَى آخِره وَذَلِكَ لكَونه مَبْنِيا على الدّور، وَقد عرفت أَنه غلط مُسْتَغْنى عَنهُ (بل الْجَواب) الْمُعْتَمد الْمَبْنِيّ على تَقْرِير استدلالهم بِالْآيَةِ على الْوَجْه التَّام (أَنَّهَا) أَي الْإِضَافَة فِي قَوْله تَعَالَى بِلِسَان قومه (للاختصاص) أَي اخْتِصَاص اللِّسَان بهم من بَين النَّاس لتخاطبهم بهَا من سَائِر اللُّغَات (وَلَا يسْتَلْزم) الِاخْتِصَاص (وضعهم) إِيَّاهَا (بل يثبت) الِاخْتِصَاص (مَعَ تَعْلِيم آدم بنيه إِيَّاهَا) أَي اللُّغَات (وتوارث الأقوام) من السّلف وَالْخلف بالتعليم والتعلم (فاختص كل) أَي كل قوم (بلغَة) دلّت الْفَاء التعقيبية على أَن اخْتِصَاص كل قوم بلغَة إِنَّمَا حدث بعد التَّوَارُث، فعلى هَذَا لَا يلْزم أَن الْأَوَائِل لم يَكُونُوا كَذَلِك، بل كَانُوا يخاطبون بِكُل لُغَة (وَأما تَجْوِيز كَون علم) أَي كَون المُرَاد بِعلم آدم الْأَسْمَاء (ألهمه الْوَضع) بِأَن بعث داعيته وَألقى فِي روعه كيفيته حَتَّى فعل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وعلمناه صَنْعَة لبوس} - (أَو مَا سبق وَضعه مِمَّن تقدم) أَي أَو ألهمه الْأَسْمَاء السَّابِق وَضعهَا مِمَّن تقدم آدم، فقد ذكر غير وَاحِد من الْمُفَسّرين أَن الله تَعَالَى خلق جانا قبله وأسكنهم الأَرْض، ثمَّ أهلكهم بِذُنُوبِهِمْ (فخلاف الظَّاهِر) لِأَن الأَصْل عدم الْوَضع السَّابِق، والمتبادر من التَّعْلِيم أَن يكون بطرِيق الْخطاب لَا الإلهام (و) هَذِه (الْمَسْأَلَة ظنية) فَلَا يتَّجه أَن دليلها لَا يُفِيد الْقطع فَلَا يعْتَبر وَهِي (من الْمُقدمَات) لِلْأُصُولِ، وَمَا يذكر قبل الشُّرُوع فِيهِ لمزيد بَصِيرَة، لَا من مقاصده وَلَا من مباديه الَّتِي يتَوَقَّف عَلَيْهَا مسَائِله (و) إِطْلَاق (المبادي فِيهَا) أَي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة (تَغْلِيب) فَلَا يتَّجه أَنه كَيفَ ذكرت فِي المبادي اللُّغَوِيَّة (كَالَّتِي تَلِيهَا) أَي كَمَا فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي تلِي هَذِه الْمَسْأَلَة من أَن الْمُنَاسبَة بَين اللَّفْظ، وَالْمعْنَى مُعْتَبرَة أم لَا، فَإِنَّهَا أَيْضا ظنية من الْمُقدمَات، ثمَّ أَشَارَ إِلَى دفع مَا دفع بِهِ احتجاج التوقيفية بِالْآيَةِ بقوله (وَكَون المُرَاد بالأسماء) الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة (المسميات) وَهِي الْحَقَائِق الْمَوْضُوعَة بإزائها الْأَسْمَاء (بعرضهم) أَي بِدلَالَة قَوْله تَعَالَى عرضهمْ فِي قَوْله - {ثمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة فَقَالَ أنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ} - لِأَن الْعرض للسؤال عَن أَسمَاء المعروضات، فَلَا يكون المعروض الَّذِي هُوَ مرجع

الضَّمِير الْمَنْصُوب نفس الْأَلْفَاظ، وَلِأَن عرض الْأَلْفَاظ إِنَّمَا يكون بالتلفظ بهَا ويأباه الْأَمر التعجيزي وَلِأَن ضمير جمع الْمُذكر الْعَاقِل إِنَّمَا يَصح إِذا أُرِيد بِهِ الْحَقَائِق مَعَ تَغْلِيب الْعُقَلَاء (مندفع) خبر الْكَوْن (بالتعجيز بأنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ) يَعْنِي الْقَصْد من طلب الإنباء بالأسماء تعجيز الْمَلَائِكَة عَنهُ ليظْهر فضل آدم عَلَيْهِم بِسَبَب إنبائه بهَا وَكَونه عَالما بهَا دونهم وَتَعْلِيم آدم الْأَسْمَاء لهَذِهِ الْمصلحَة فَلَو كَانَ معنى قَوْله تَعَالَى - {علم آدم الْأَسْمَاء} - علم المسميات لزم ترك ذكر مَا لَا بُد مِنْهُ، وَذكر مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ مَعَ حُصُول مطلب التوقيفية أَن فرض تعليمها مَعَ تَعْلِيم أسمائها أَو عدم استقامة معنى الْكَلَام أَن فرض بِدُونِهِ لِأَنَّهُ يُخَالف حِينَئِذٍ قَوْله تَعَالَى - {فَلَمَّا أنبأهم} - وَالْوَجْه أَن يُقَال المُرَاد بالأسماء أَولا وَثَانِيا مَعْنَاهَا الْمُتَبَادر، وبالضمير الرَّاجِع إِلَيْهَا فِي عرضهمْ المسميات بطرِيق الِاسْتِخْدَام (وَبعد) كَون المُرَاد بِعلم الْأَسْمَاء (علم المسميات) عطف على التَّعْجِيز، وَذَلِكَ لِأَن إِرَادَة المسميات بِلَفْظ الْأَسْمَاء بعيد عَن الْفَهم، وَقيل لِأَن الْمَفْعُول الثَّانِي للتعليم من قبيل الصِّفَات والأعراض لَهُ الْأَشْخَاص والذوات، وَأَنت خَبِير بِأَن نفس الْأَلْفَاظ أَيْضا لَا تصلح إِلَّا بِاعْتِبَار وَضعهَا، وَمثل هَذَا الِاعْتِبَار يُمكن من جَانب المسميات أَيْضا بِأَن يُقَال علمهَا بِاعْتِبَار أَحْكَامهَا غير أَن التَّأْوِيل فِي الأول أظهر لشيوع تعلم اللُّغَة وَعلمهَا، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْمَذْهَب الثَّالِث بقوله (وَتوقف القَاضِي) أبي بكر الباقلاني عَن تعْيين الْوَاضِع (لعدم) دَلِيل (الْقطع) بذلك (لَا يَنْفِي الظَّن) بذلك (والمتبادر من قَوْله) أَي القَاضِي (كل) من الْمذَاهب فِيهَا (مُمكن عَدمه) أَي الظَّن، لِأَن مثل هَذَا الْإِطْلَاق يُفِيد بِظَاهِرِهِ الْمُسَاوَاة فِي الِاحْتِمَال (وَهُوَ) أَي عدم الظَّن بأحدها (مَمْنُوع) لوُجُود مَا يفِيدهُ كَمَا مر من دَلِيل الْأَشْعَرِيّ (وَلَفظ كلهَا) فِي قَوْله تَعَالَى - {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} - (يَنْفِي اقْتِصَار الحكم على كَون مَا وَضعه سُبْحَانَهُ الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي تَعْرِيف الِاصْطِلَاح) كلمة على صلَة الِاقْتِصَار لَا الحكم، لِأَن الْكَوْن لَيْسَ بموضوع الْقَضِيَّة، بل هُوَ عبارَة عَن نِسْبَة الْمَحْمُول، وَهُوَ الْقدر إِلَى الْمَوْضُوع، وَالْحكم الَّذِي هُوَ إِيقَاع النِّسْبَة هَهُنَا مَقْصُور على نِسْبَة هَذَا الْمَحْمُول إِلَيْهِ دون غَيره، وَهُوَ الزَّائِد على الْقدر الْمَذْكُور، احْتج الْأُسْتَاذ بِأَنَّهُ إِن لم يكن الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي الِاصْطِلَاح: أَي فِي بَيَان أَن هَذِه الْأَلْفَاظ مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ هَذِه الْمعَانِي ليستفيد غير الْوَاضِع الْعلم بِالْوَضْعِ من الْوَاضِع بالتوقيف من الله لزم الدّور لتوقف الِاصْطِلَاح على سبق معرفَة ذَلِك الْقدر، والمفروض أَنه يعرف بالاصطلاح (إِذْ يُوجب) لفظ كلهَا (الْعُمُوم) أَي عُمُوم التَّعْلِيم جَمِيع الْأَسْمَاء الْقدر الْمَذْكُور وَغَيره على أَن اللَّام ظَاهِرَة فِي الِاسْتِغْرَاق غَايَة الْأَمر أَنه تخصص مِنْهُ مَا تقدم لقِيَام الدَّلِيل عَلَيْهِ (فَانْتفى) بِهَذَا (توقف الْأُسْتَاذ فِي غَيره) أَي فِي غير مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي بَيَان الِاصْطِلَاح (كَمَا نقل عَنهُ) الْأُسْتَاذ

نقل عَنهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَنقل الرَّازِيّ والبيضاوي عَنهُ أَن الْبَاقِي اصطلاحي فِيهِ أَن معلم الْكل لَا يلْزم أَن يكون وَاضعه بل التَّعْلِيم إِنَّمَا يكون بعد الْوَضع: وَهُوَ يحْتَمل أَن يكون من الله أَو غَيره كالجن فَإِن قلت الأَصْل عدم الْوَضع من غَيره قلت المتمسك بالاستصحاب لَا يعْتَبر فِي مثل هَذَا الْمطلب، غَايَة الْأَمر أَن كَون الْقدر الْمَذْكُور بِوَضْع الله أَفَادَهُ الدَّلِيل فَقَالَ بِهِ وَتوقف فِي غَيره لعدم الدَّلِيل (وإلزام الدّور أَو التسلسل) على اخْتِلَاف الْقَوْم فِي تَقْرِير الْإِلْزَام: الْآمِدِيّ يسْتَلْزم التسلسل لتوقفه على اصْطِلَاح سَابق وَهُوَ على آخر وَهَكَذَا، وَاقْتصر ابْن الْحَاجِب على الدّور كَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا، وَذكر التَّفْتَازَانِيّ فِي وَجه اقْتِصَار الْآمِدِيّ على التسلسل أَن الدّور أَيْضا نوع من التسلسل بِنَاء على عدم تناهي التوقفات، وَفِيه مَا فِيهِ، وَفِي وَجه اقْتِصَار ابْن الْحَاجِب أَنه لَا بُد بِالآخِرَة من الْعود إِلَى الِاصْطِلَاح الأول ضَرُورَة تناهي الاصطلاحات (لَو لم يكن تَوْقِيف الْبَعْض) أَي الْقدر الْمَذْكُور (مُنْتَفٍ) خير الْمُبْتَدَأ يعين إِلْزَام أحد الْأَمريْنِ على تَقْدِير عدم تَوْقِيف الْبَعْض غير وَارِد، لِأَن طَرِيق معرفَة الْقدر الْمَذْكُور لَا ينْحَصر فِي الِاصْطِلَاح (بل الترديد) أَي اسْتِعْمَال اللُّغَات فِي مَعَانِيهَا مرّة بعد أُخْرَى (مَعَ الْقَرِينَة) الدَّالَّة على أَن المُرَاد من هَذَا اللَّفْظ هَذَا الْمَعْنى من الْإِشَارَة وَنَحْوهَا (كَاف فِي الْكل) أَي كل اللُّغَات فضلا عَن الْقدر الْمَذْكُور (وَتدْخل الْأَفْعَال والحروف) فِي عُمُوم الْأَسْمَاء (لِأَنَّهَا أَسمَاء لُغَة) لِأَن اسْم الشَّيْء هُوَ اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ، والتخصيص بِمَا يُقَابل الْفِعْل والحرف اصْطِلَاح النُّحَاة، وَقيل فَائِدَة الِاخْتِلَاف أَن من قَالَ بالتوقيف جعل التَّكْلِيف مُقَارنًا لكَمَال الْعقل، وَمن قَالَ بالاصطلاح أَخّرهُ عَن مُدَّة يُمكن فِيهَا من معرفَة الِاصْطِلَاح (وَهَذَا) أَي معنى هَذَا أَو هَذَا كَمَا ذكر (وَأما اعْتِبَار الْمُنَاسبَة) بَين اللَّفْظ وَالْمعْنَى الداعية لتعيين خُصُوص هَذَا اللَّفْظ لهَذَا الْمَعْنى (فَيجب الحكم بِهِ) أَي باعتبارها بَينهمَا (فِي وَضعه تَعَالَى) فَإِن خَفِي ذَلِك علينا فلقصور منا أَو لحكمة اقتضته (للْقطع بِحِكْمَتِهِ) وَهِي على مَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي شرح الْكَشَّاف العملم بالأشياء كَمَا هُوَ وَالْعلم بالأمور على مَا يَنْبَغِي وَيُطلق على مَا يشملها، وَمن الْعُلُوم أَن كل معنى لَيْسَ نسبته إِلَى جَمِيع الْأَلْفَاظ على السوية بل بَينه وَبَين بَعْضهَا مُنَاسبَة لَيست بَينه وَبَين غَيرهَا، وَيَنْبَغِي أَن يُرَاعى ذَلِك فِي الْوَضع والقادر الْحَكِيم لَا يفوت ذَلِك (وَهُوَ) أَي اعْتِبَار الْمُنَاسبَة (ظَاهر فِي) وضع (غَيره) بِنَاء على أَن الظَّاهِر من حَاله عدم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح، فَهُوَ مظنون فِي حَقه (وَالْوَاحد قد يُنَاسب بِالذَّاتِ الضدين) جَوَاب على استدلالنا فِي اعْتِبَار الْمُنَاسبَة، تَقْرِيره اللَّفْظ الْوَاحِد قد يكون للشَّيْء ونقيضه أَو ضِدّه، كالجون للأحمر والأبيض وَالْأسود. والقرء للْحيض وَالطُّهْر، ومناسبته لأَحَدهمَا تَسْتَلْزِم عدمهَا إِلَى الآخر وَحَاصِل الْجَواب منع الاستلزام بِهَذَا السَّنَد (فَلَا يسْتَدلّ على نفي

لُزُومهَا) أَي الْمُنَاسبَة (بِوَضْع) اللَّفْظ (الْوَاحِد لَهما) أَي الضدين، وَهَذَا بِنَاء على تَقْرِير الِاسْتِدْلَال على الْوَجْه الْمَذْكُور، وَأما إِذا قررت بِأَنَّهُ لَو كَانَت دلَالَة الْأَلْفَاظ لمناسبة ذاتية لما وضع اللَّفْظ الْوَاحِد للنقيضين، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم الِاخْتِلَاف فِيمَا بِالذَّاتِ إِن دلّ عَلَيْهِمَا، فَلَا يُجَاب بِمَا ذكر، لَكِن القَوْل بِدلَالَة الْأَلْفَاظ الْمُنَاسبَة طبيعية، فَلَا يحْتَاج إِلَى الْوَضع كَمَا عزى إِلَى بعض الْمُعْتَزلَة مِنْهُم عباد بن سُلَيْمَان مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يصدر من الْعَاقِل، وَلذَا أولوه بِمَا ذكر فِي مَحَله، وأوله المُصَنّف رَحمَه الله بِمَا يَأْتِي، وَالْجُمْهُور على أَن نِسْبَة الْأَلْفَاظ إِلَى الْمعَانِي على السوية وَتَخْصِيص الْبَعْض بِالْبَعْضِ إِرَادَة الْوَاضِع الْمُخْتَار، غير أَن المُصَنّف رَحمَه الله مَال إِلَى اعْتِبَار الْمُنَاسبَة على مَا ذكر، وأيده بقوله (وَهُوَ) أَي اعْتِبَار الْمُنَاسبَة على الْوَجْه الْمَذْكُور (مُرَاد الْقَائِل بِلُزُوم الْمُنَاسبَة فِي الدّلَالَة) لَا الْمُنَاسبَة الذاتية الْمُقْتَضِيَة إِيَّاهَا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مُرَاده مَا ذكر بل مَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ (فَهُوَ) أَي مُرَاده أَو قَوْله (ضَرُورِيّ الْبطلَان) فَلَا يحْتَاج إِبْطَاله إِلَى الْحجَّة والبرهان كَمَا فعله ابْن الْحَاجِب وَكثير من أهل الشَّأْن (والموضوع لَهُ) اللَّفْظ (قيل الذهْنِي دَائِما) أَي الصُّور الذهنية سَوَاء كَانَ مَوْجُودا فِي الذِّهْن وَالْخَارِج أَو فِي الذِّهْن فَقَط، وَهَذَا مُخْتَار الإِمَام الرَّازِيّ (وَقيل) الْمَوْضُوع لَهُ الْمَوْجُود (الْخَارِجِي) وعزى إِلَى أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ (وَقيل الْأَعَمّ) من الذهْنِي والخارجي، وَقَالَ الْأَصْفَهَانِي هُوَ الْحق (وَنحن) نقُول اللَّفْظ (فِي الْأَشْخَاص) أَي فِي الْأَعْلَام الشخصية مَوْضُوع (للخارجي) أَي للموجود الْخَارِجِي (وَوُجُوب استحضار الصُّورَة) أَي الصُّورَة الذهنية للموجود الْخَارِجِي (للوضع) أَي لِأَن يضع اللَّفْظ بِإِزَاءِ ذَلِك وَالْمَوْجُود الْخَارِجِي (لَا يَنْفِيه) أَي لَا يَنْفِي كَونه للخارجي جَوَاب لمن قَالَ للذهني، لِأَن الْوَاضِع إِنَّمَا يستحضر صُورَة فَيَضَع الِاسْم بإزائها، فالموضوع لَهُ تِلْكَ الصُّورَة وَحَاصِله أَن الصُّورَة آلَة لملاحظة الْخَارِجِي، لَا أَنه وضع لَهَا (ونفيناه) أَي وضع الْأَلْفَاظ (للماهيات الْكُلية) لما سنذكر فِي بحث الْمُطلق (سوى علم الْجِنْس على رَأْي) أَي على رَأْي من يفرق بَينه وَبَين اسْم الْجِنْس بِأَنَّهُ للْحَقِيقَة المتحدة، وَاسم الْجِنْس لفرد مِنْهَا غير معِين، وَهُوَ الْأَوْجه على مَا ذكره المُصَنّف رَحمَه الله، وَفِي اسْم الْجِنْس مذهبان: أَحدهمَا أَنه مَوْضُوع للماهية مَعَ وحدة لَا بِعَينهَا، وَيُسمى فَردا منتشرا وَذهب إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن الْحَاجِب، وَاخْتَارَهُ التَّفْتَازَانِيّ وَقطع بِهِ المُصَنّف رَحِمهم الله، وَالْآخر أَنه مَوْضُوع للماهية من حَيْثُ هِيَ، وَاخْتَارَهُ السَّيِّد الشريف رَحمَه الله، فالموضوع لَهُ على الأول الْمَاهِيّة بِشَرْط شَيْء، وعَلى الثَّانِي لَا بِشَرْط شَيْء، وَسَيَجِيءُ بَيَانه فِي بحث الْمُطلق إِن شَاءَ الله تَعَالَى (بل) مَا سوى الْأَعْلَام الشخصية والجنسية مَوْضُوع (لفرد غير معِين) وَهُوَ

الْفَرد الْمُنْتَشِر (فِيمَا) وضع لمَفْهُوم كلي (أَفْرَاده خارجية أَو ذهنية) فَإِن كَانَت خارجية فالموضوع لَهُ فَرد مَا من تِلْكَ الْأَفْرَاد الخارجية، وَإِن كَانَت ذهنية من الذهنية، وَإِن كَانَت ذهنية وخارجية، فَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة بالخارجية (وَطَرِيق مَعْرفَتهَا) أَي معرفَة الأوضاع (التَّوَاتُر كالسماء وَالْأَرْض وَالْحر وَالْبرد وَأكْثر) أوضاع (أَلْفَاظ الْقُرْآن مِنْهُ) أَي مِمَّا عرف بالتواتر، أَشَارَ إِلَى دفع مَا شكك بِهِ بعض المبتدعة من أَن أَكثر الْأَلْفَاظ دورانا على الألسن كالجلالة وَقع فِيهِ الْخلاف أسرياني أم عَرَبِيّ مُشْتَقّ، ومم؟ أَو مَوْضُوع ابْتِدَاء، وَلم؟ فَمَا ظَنك بِغَيْرِهِ، وَأَيْضًا الروَاة لَهُ معدودون كالخليل والأصمعي، وَلم يبلغُوا عدد التَّوَاتُر، فَلَا يحصل الْقطع بقَوْلهمْ، وَأَيْضًا الْغَلَط عَلَيْهِم فِي تتبع كَلَام البلغاء جَائِز، وَالْجَوَاب مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (والتشكيك فِيهِ) أَي فِيمَا عرف بالتواتر (سفسطة) أَي مُكَابَرَة (فِي مَقْطُوع) بِهِ بأخبار من يحِيل الْعقل تواطأهم على الْكَذِب (والآحاد) مَعْطُوف على التَّوَاتُر، وَهِي مَا لم يبلغ حد التَّوَاتُر من الْأَخْبَار (كالقر) بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء للبرد (واستنباط الْعقل من النَّقْل) طَرِيق ثَالِث لمعرفتها (كنقل أَن الْجمع الْمحلى) بِاللَّامِ (يدْخلهُ الِاسْتِثْنَاء) الْمُتَّصِل، وَهَذِه مُقَدّمَة نقلية (وَأَنه) أَي الِاسْتِثْنَاء (إِخْرَاج بعض مَا يَشْمَلهُ اللَّفْظ) أَي لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهِي أَيْضا نقلية (فَيحكم) الْعقل بعد التَّأَمُّل فِي هَاتين المقدمتين النقليتين (بِعُمُومِهِ) أَي الْجمع الْمَذْكُور وتناوله جَمِيع الْأَفْرَاد بضميمة عقلية، هِيَ أَن الْإِخْرَاج تَحْقِيقا لَا يتَحَقَّق إِلَّا بتناول صدر الْكَلَام للمخرج تَحْقِيقا، وَذَلِكَ لَا يتَحَقَّق بِدُونِ الْعُمُوم، ولمزيد حَاجَة هَذَا الْقسم إِلَى أَعمال الْعقل سمي بِالِاسْمِ الْمَذْكُور، وَإِن كَانَ الْعقل لَهُ مدْخل تَامّ فِي الْأَقْسَام كلهَا (أما) الْعقل (الصّرْف) أَي الْخَالِص من غير مدخلية النَّقْل (فبمعزل) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الزَّاي بمَكَان بعيد عَن الِاسْتِقْلَال بِمَعْرِِفَة الْوَضع (وَلَيْسَ المُرَاد) من النَّقْل (نقل قَول الْوَاضِع كَذَا لكذا) أَي اللَّفْظ الْفُلَانِيّ مَوْضُوع للمعنى الْفُلَانِيّ (بل) المُرَاد (توارث فهم كَذَا من كَذَا) أَي الْخلف من السّلف أَنه يفهم الْمَعْنى الْفُلَانِيّ من اللَّفْظ الْفُلَانِيّ إِفَادَة واستفادة (فَإِن زَاد) طَرِيق النَّقْل على الْقدر الْمَذْكُور بِنَحْوِ هَذَا اللَّفْظ مَوْضُوع لهَذَا الْمَعْنى (فَذَاك) أقوى وأصرح (وَاخْتِلَاف فِي) جَوَاز إِثْبَات اللُّغَة بطرِيق (الْقيَاس) وَهُوَ إِلْحَاق معنى بِمَعْنى مُسَمّى باسم فِي التَّسْمِيَة بذلك الِاسْم، فجوزه القَاضِي وَابْن سُرَيج وَأَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام الرَّازِيّ، وَقيل عَلَيْهِ أَكثر عُلَمَاء الْعَرَبيَّة، وَالأَصَح مَنعه، وَهُوَ قَول عَامَّة الْحَنَفِيَّة وَأكْثر الشَّافِعِيَّة وَالْغَزالِيّ والآمدي (أَي إِذا سمي مُسَمّى باسم فِيهِ) أَي ذَلِك الِاسْم (معنى) بِاعْتِبَار أَصله من حَيْثُ الِاشْتِقَاق أَو غَيره (يخال) أَي يظنّ صفة معنى (اعْتِبَاره) أَي ذَلِك الْمَعْنى (فِي التَّسْمِيَة) بِأَن يكون سَبَب تَسْمِيَة ذَلِك الْمُسَمّى بذلك الِاسْم (للدوران) مُتَعَلق بيخال: أَي الظَّن

الْمَذْكُور لأجل دوران الِاسْم مَعَ ذَلِك الْمَعْنى وجودا وعدما (وَيُوجد) ذَلِك الْمَعْنى عطف على يخال (فِي غَيره) أَي غير ذَلِك الْمُسَمّى (فَهَل يتَعَدَّى الِاسْم إِلَيْهِ) أَي إِلَى غير ذَلِك الْغَيْر بِسَبَب وجود ذَلِك الْمَعْنى فِيهِ (فيطلق) ذَلِك الِاسْم (عَلَيْهِ) أَي على ذَلِك الْغَيْر (حَقِيقَة) وَأما مجَازًا فَلَا نزاع فِيهِ (كالمسمى نقلا) أَي كَمَا يُطلق اسْم كَانَ لِمَعْنى، ثمَّ نقل إِلَى معنى آخر، فَسمى بِهِ لمشاركتهما فِي معنى يتضمنه الِاسْم على الْمُسَمّى الْمَنْقُول إِلَيْهِ حَقِيقَة، وَقَوله نقلا نصب على الْمصدر: أَي تَسْمِيَة نقل: أَي بطرِيق النَّقْل (كَالْخمرِ) الَّتِي هِيَ اسْم للنئ من مَاء الْعِنَب إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد إِذا أطلق (على النَّبِيذ) إِلْحَاقًا لَهُ بالنئ الْمَذْكُور (للمخامرة) وَهِي التخمير والتغطية لِلْعَقْلِ، وَهُوَ معنى فِي الِاسْم يظنّ اعْتِبَاره فِي تَسْمِيَة النئ بِهِ لدوران التَّسْمِيَة مَعَه، فَمَا لم يُوجد فِي مَاء الْعِنَب لَا يُسمى خمرًا بل عصيرا، وَإِذا وجد فِيهِ سمي بِهِ، وَإِذا زَالَ عَنهُ لم يسم بِهِ بل خلا، وَقد وجد فِي النَّبِيذ (أَو يخص) اسْم الْخمر (بمخامر هُوَ مَاء الْعِنَب) الْمَذْكُور، فَلَا يُطلق حَقِيقَة على النَّبِيذ، وَقَوله يخص مَعْطُوف على يتَعَدَّى (وَالسَّارِق) أَي وكالسارق الَّذِي هُوَ اسْم للآخذ مَال الْحَيّ خُفْيَة من حرز لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ إِذا أطلق (على النباش) وَهُوَ من يَأْخُذ كفن الْمَيِّت خُفْيَة من الْقَبْر بعد دَفنه (للأخذ خُفْيَة) أَي لهَذَا الْمَعْنى الْمَوْصُوف بِمَا ذكر (وَالزَّانِي) الَّذِي هُوَ اسْم للمولج آلَته فِي قبل آدمية حَيَّة مُحرمَة عَلَيْهِ بِلَا شُبْهَة إِذا أطلق (على اللائط) وَهُوَ من يعْمل عمل قوم لوط (للإيلاج الْمحرم) الَّذِي هُوَ الْمَعْنى الْمَوْصُوف بِمَا ذكر (وَالْمُخْتَار نَفْيه) أَي الْقيَاس الْمَذْكُور (قَالُوا) أَي المثبتون (الدوران) يُفِيد أَن صِحَة إِطْلَاق الِاسْم مَبْنِيّ على وجود الْمَعْنى الْمَذْكُور مهما وجد، وَقد وجد فِيمَا قصد إِلْحَاقه (قُلْنَا إفادته) أَي الدوران ذَلِك (مَمْنُوعَة) أَي كَون الدوران طَرِيقا صَحِيحا لإِثْبَات الْمَطْلُوب غير مُسلم، كَمَا يَأْتِي فِي مسالك الْعلَّة (وَبعد التَّسْلِيم) لإِفَادَة الدوران، وَكَونه طَرِيقا صَحِيحا كَمَا هُوَ مَذْهَب جمَاعَة نقُول (إِن أردتم) بدوران الِاسْم مَعَ الْمَعْنى الْمَذْكُور دورانا (مُطلقًا) سَوَاء وجد فِي أَفْرَاد الْمُسَمّى أَو غَيرهَا بادعاء ثُبُوت الِاسْم فِي كل مَادَّة يُوجد فِيهَا ذَلِك الْمَعْنى، وانتفائه فِي كل مَا لم يُوجد فِيهِ بطرِيق النَّقْل (فَغير الْمَفْرُوض) أَي فَمَا أردتموه خلاف الْمَفْرُوض (لِأَن مَا يُوجد فِيهِ) ذَلِك الْمَعْنى (حِينَئِذٍ) أَي حِين إِذْ ثَبت كَون الِاسْم لما فِيهِ ذَلِك الْمَعْنى مُطلقًا (يكون) خبر إِن (من أَفْرَاد الْمُسَمّى) يَعْنِي مَا فِيهِ ذَلِك الْمَعْنى لَا يتَحَقَّق حِينَئِذٍ فرع يلْحق بِأَصْل الْقيَاس، وَهَذَا خلاف الْمَفْرُوض (أَو) أردتم بدوران الِاسْم أَن يَدُور مَعَه (فِي الأَصْل) الْمَقِيس عَلَيْهِ (فَقَط) بِوُجُود الِاسْم فِي كل مَادَّة يُوجد فِيهَا الْمُسَمّى وانتفائه فِي كل مَا لم يُوجد فِيهِ (منعنَا) حِينَئِذٍ

(كَونه) أَي الدوران (طَرِيقا) مثبتا تَسْمِيَة الشَّيْء باسم لمشاركته الْمُسَمّى فِي معنى دَار الِاسْم مَعَه وجودا وعدما فِي الْمُسَمّى (هُنَا) أَي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَإِن سلمنَا كَون الدوران طَرِيقا صَحِيحا لإِثْبَات المطالب فِي الْجُمْلَة (وَكَونه) أَي الدوران (كَذَلِك) أَي طَرِيقا صَحِيحا لإِثْبَات الحكم (فِي الشرعيات) العمليات (للْحكم الشَّرْعِيّ) أَي لتعديته من مَحل إِلَى مَحل أَو لإثباته بِهَذَا الطَّرِيق (لَا يستلزمه) أَي كَونه طَرِيقا صَحِيحا (فِي) إِثْبَات (الِاسْم) وتعديته من مُسَمّى إِلَى مَحل آخر حَاصِل استدلالهم أَنه ثَبت الْقيَاس بالدوران شرعا فَيثبت لُغَة، إِذْ الْمَعْنى الْمُوجب للثبوت فيهمَا وَاحِد، وَهُوَ الِاشْتِرَاك فِي معنى يظنّ مدَار الحكم (لِأَنَّهُ) أَي الْقيَاس فِي الشرعيات (سَمْعِي) ثَبت اعْتِبَاره بِالسَّمَاعِ من الشَّارِع (تعبد بِهِ) أَي تعبدنا الشَّارِع بِهِ لوُرُود الْقَاطِع مِنْهُ فِي حَقه، وَهُوَ الْإِجْمَاع إِذْ لَا عِبْرَة بِخِلَاف الظَّاهِرِيَّة فِيهِ (لَا) أَنه أَمر (عَقْلِي) ليَكُون للرأي مدْخل فِيهِ فَيرد نقضا على عدم اعتبارنا الْقيَاس فِي اللُّغَة، ثمَّ أيد سَنَد الْمَنْع الْمَذْكُور فِي ثَانِي شقي الترديد بقوله (ثمَّ تَجْوِيز كَون خُصُوصِيَّة الْمُسَمّى مُعْتَبرَة) فِي التَّسْمِيَة بِالِاسْمِ الْمَذْكُور (ثَابت) وَالْمرَاد بِثُبُوت التجويز أَنه لَيْسَ مُجَرّد احْتِمَال عَقْلِي بل هُوَ إِمْكَان وقوعي (بل) ثُبُوته (ظَاهر بِثُبُوت مَنعهم) أَي عُلَمَاء الْعَرَبيَّة، قَالَ أهل الْعَرَبيَّة فِي مَبْحَث الِاشْتِقَاق: الْمُشْتَقّ قد يطرد كاسم الْفَاعِل، وَالزَّمَان وَغَيرهمَا، وَقد لَا يطرد كالقارورة والدبران، وتحقيقه أَن وجود معنى الأَصْل فِي مَحل التَّسْمِيَة قد يعْتَبر بِحَيْثُ أَنه دَاخل فِي التَّسْمِيَة، وَالْمرَاد ذَات مَا بِاعْتِبَار نسبته لَهُ إِلَيْهَا، فَهَذَا يطرد فِي كل ذَات كَذَلِك، وَقد يعْتَبر بِحَيْثُ أَنه مصحح للتسمية مُرَجّح لَهَا من بَين الْأَسْمَاء من غير دُخُوله فِي التَّسْمِيَة، وَالْمرَاد ذَات مَخْصُوصَة فِيهَا الْمَعْنى: لَا من حَيْثُ هُوَ فِيهَا بل بِاعْتِبَار خصوصها، فَهَذَا لَا يطرد وَالْجَار مُتَعَلق بِثَابِت أَو بِظَاهِر (طرد الأدهم) مفعول الْمَنْع أَي صِحَة إِطْلَاق الأدهم الَّذِي هُوَ اسْم الْفرس الْأسود على كل مَا فِيهِ سَواد (والأبلق) الَّذِي هُوَ اسْم للْفرس الَّذِي فِيهِ سَواد وَبَيَاض على كل مَا فِيهِ ذَلِك (والقارورة) الَّتِي هِيَ اسْم لمقر الْمَائِعَات من الزّجاج على كل مَا هُوَ مقرّ لَهَا من غَيره (والأجدال) الَّذِي هُوَ اسْم للصقر لقُوته، على كل مَا فِيهِ قُوَّة (والأخيل) الَّذِي هُوَ اسْم لطائر بِهِ خيلان على كل مَا بِهِ ذَلِك (وَمَا لَا يُحْصى) من نَظَائِر هَذِه الْمَذْكُورَات، كالسماك الَّذِي هُوَ اسْم لكل من كوكبين مخصوصين مرتفعين، على كل مُرْتَفع، وَقرر هَذَا الْكَلَام مُعَارضَة، بَيَانه أَن الْقيَاس فِي اللُّغَة إِثْبَات لَهَا الْمُحْتَمل وَهُوَ بَاطِل، أما الأولى فَلِأَنَّهُ يحْتَمل التَّصْرِيح بِمَنْعه كَمَا يحْتَمل التَّصْرِيح بِاعْتِبَارِهِ بِدَلِيل مَنعهم اطراد الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة، وَأما الثَّانِيَة فَلِأَنَّهُ بِمُجَرَّد احْتِمَال الْوَضع لَا يَصح الحكم بِهِ فَإِن ذَلِك يسْتَلْزم جَوَاز الحكم بِالْوَضْعِ بِغَيْر قِيَاس، إِذا قَامَ احْتِمَال، وَذَلِكَ بَاطِل اتِّفَاقًا (فَظهر)

بِمَا ذكر من اعْتِبَار خُصُوصِيَّة الْمُسَمّى (أَن المناط) أَي منَاط التَّسْمِيَة (فِي مثله) أَي مثل مَا ذكر مِمَّا فِيهِ معنى يُنَاسب أَن يعْتَبر فِي التَّسْمِيَة هُوَ (الْمَجْمُوع) من الذوات وَالْوَصْف الْمَخْصُوص (فإثباتها) أَي اللُّغَة (بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ إِثْبَات (بِالِاحْتِمَالِ) وَفِي بعض النّسخ بمحتمل وَهُوَ بَاطِل لما عرفت، ثمَّ قيل ثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي الْحُدُود فِي الْجِنَايَات الْمَذْكُورَة، فالقائل بِالْقِيَاسِ يحد شَارِب النَّبِيذ والنباش واللائط، وَمن لم يقل لَا يحد (وَاللَّفْظ أَن وضع لغيره) أَي لغير نَفسه سَوَاء كَانَ لفظا آخر كالاسم وَالْفِعْل، أَو معنى كزيد وَضرب كَذَا قيل، وَيرد عَلَيْهِ أَن الِاسْم وَالْفِعْل وضعا لمفهومين كليين وَيُمكن الْجَواب بِأَن أفرادهما أَلْفَاظ فكون مَا وضعا لَهُ ألفاظا بِاعْتِبَار مَا صدقا عَلَيْهِ، والتمثيل بالضمائر الراجعة إِلَى الْأَلْفَاظ ونظائرها على رَأْي الْمُتَأَخِّرين من أَن الْوَضع فِيهَا عَام والموضوع لَهُ خَاص (فمستعمل وَإِن لم يسْتَعْمل) قطّ فِيمَا وضع لَهُ والمستعمل يسْتَعْمل فِي مَعْنيين أَحدهمَا هَذَا، وَالْآخر مَا أطلق وَأُرِيد بِهِ الْمَعْنى (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يوضع لغيره (فمهمل وَإِن اسْتعْمل) أَي أطلق وَأُرِيد بِهِ نَفسه (كديز ثَلَاثَة) فَإِنَّهُ لم يوضع دير لغيره من لفظ أَو معنى (وبالمهمل) أَي بِاسْتِعْمَال المهمل فِي نَفسه اسْتِعْمَالا صَحِيحا (ظهر وضع لَك لفظ لنَفسِهِ) لِأَن ذكر اللَّفْظ وَإِرَادَة نَفسه لَا يخْتَص بالمهمل بل يعم الْأَلْفَاظ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي دلَالَته عَلَيْهِ وَتلك الدّلَالَة لَيست عقلية فَهِيَ وضعية (كوضعها لغيره) أَي كظهور وضع بَعْضهَا لغير نَفسه بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْغَيْر فَشبه ظُهُور وضع الْكل للنَّفس بِظُهُور وضع الْبَعْض للْغَيْر بِجَامِع الِاسْتِعْمَال بِلَا قرينَة، غَايَة الْأَمر أَن منَاط الِاسْتِعْمَال والإهمال الْوَضع للْغَيْر (لِأَن الْمجَاز يسْتَلْزم وضعا) أَي وَضعه قبل أَن يسْتَعْمل فِي الْمَعْنى الْمجَازِي (للمغاير) أَي لمغاير الْمَعْنى الْمجَازِي: لِأَن الْمجَاز هُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ فَلَو فرض كَون الْمُسْتَعْمل فِي نَفسه مجَازًا لزم كَون نَفسه مغايرا لما وضع لَهُ فَالْحَاصِل أَن مجازيه المهمل الْمُسْتَعْمل فِي نَفسه تَسْتَلْزِم وَضعه للمغاير وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي الْوَضع للمغاير (مُنْتَفٍ فِي المهمل) كَمَا علم من تَعْرِيفه الْحَاصِل من التَّقْسِيم، وَإِذا انْتَفَى الْمجَاز تعين الْحَقِيقَة، وَهِي مستلزمة للوضع، وعَلى هَذَا التَّقْرِير يثبت الْوَضع فِي المهمل الْمُسْتَعْمل فِي نَفسه، ثمَّ يحمل عَلَيْهِ الْمُسْتَعْمل لعدم الْقَائِل بِالْفرقِ بَين المهمل والمستعمل بِاعْتِبَار الِاسْتِعْمَال فِي نَفسهَا وَيُمكن أَن يُرَاد استلزام مجازية الْمُسْتَعْمل فِي نَفسه وَضعه لغير نَفسه، لِأَن مَا وضع لَهُ اللَّفْظ مُغَاير لمعناه الْمجَازِي (وَلعدم العلاقة) تَعْلِيل آخر لنفي مجازية الْمُسْتَعْمل فِي نَفسه وَحَاصِله أَن العلاقة لَازِمَة فِي الْمجَاز وَلَا يتَصَوَّر شَيْء من أَنْوَاع العلاقة الْمُعْتَبرَة بَين نفس اللَّفْظ وَمَا وضع لَهُ أما فِي المهمل فَظَاهر، وَأما فِي الْمُسْتَعْمل فَلِأَنَّهُ لَا علاقَة بَين اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ، أَعنِي من العلاقات الْمُعْتَبرَة كَمَا لَا يخفى على الْعَارِف بهَا، وَمَا قيل من أَن العلاقة بَينهمَا الْمُجَاورَة لارتسامهما فِي الخيال مَعًا لَيْسَ

بِشَيْء، لِأَن العلاقة فِي الْمجَاز وَسِيلَة للانتقال من الدَّال إِلَى الْمَدْلُول وهما متحدان هَهُنَا والتغاير اعتباري، فَمن حَيْثُ أَنه سَبَب لإحضار نَفسه دَال، وَمن حَيْثُ أَنه مُرَاد بِذكرِهِ مَدْلُول وَلَا يحْتَاج مثل هَذِه الدّلَالَة إِلَى وَسِيلَة، نعم يحْتَاج إِلَى قرينَة تعين أَن المُرَاد بِهِ نَفسه، وَهُوَ غير العلاقة وَلما كَانَ هُنَا مَظَنَّة سُؤال وَهُوَ أَن كَون اللَّفْظ مَوْضُوعا لنَفسِهِ يسْتَلْزم الْمُسَاوَاة بَين دلَالَته على نَفسه ودلالته على مَعْنَاهُ، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ لتبادر مَعْنَاهُ وَسَبقه إِلَى الْفَهم، أَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (وَيجب كَون الدّلَالَة) أَي دلَالَة اللَّفْظ الْمَوْضُوع لغيره (على مُغَاير) أَي على مَا وضع لَهُ المغاير لنَفسِهِ دون نَفسه (قبل) ذكر (الْمسند) ظرف للدلالة الْمَذْكُورَة وَإِنَّمَا قيدت بِهِ، لِأَنَّهُ بعد ذكره يتَعَيَّن كَون المُرَاد بِهِ نَفسه لِأَنَّهُ صَارف عَن المغاير لعدم صِحَة إِسْنَاده إِلَيْهِ (لعدم الشُّهْرَة) خبر الْكَوْن، يَعْنِي عدم شهرة وضع اللَّفْظ لنَفسِهِ أَو عدم شهرة اسْتِعْمَاله فِي نَفسه كشهرة اسْتِعْمَاله فِي الْغَيْر فَإِن كل وَاحِد من العدمين يُوجب عدم تبادر النَّفس خُصُوصا مَعَ شهرة وَضعه للْغَيْر، أَو شهرة اسْتِعْمَاله فِيهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وشهرة مَا يُقَابله) فكون الدّلَالَة قبل الْمسند على المغاير لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة لَا يُنَافِي وَضعه لَهما (وَلما كَانَ) وَضعه لنَفسِهِ (غير قصدي) بِأَن قَالَ الْوَضع مثلا وضعت كل لفظ بِإِزَاءِ نَفسه (لِأَن الظَّاهِر أَنه) أَي وَضعه لنَفسِهِ (لَيْسَ إِلَّا تَجْوِيز اسْتِعْمَاله) فِي نَفسه (ليحكم عَلَيْهِ) أَي على اللَّفْظ (نَفسه) تَأْكِيد للمجرور، وَذَلِكَ لِأَن الْوَضع القصدي إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ عِنْد المباينة والبعد بَين الدَّال والمدلول، وَلَا بعد بَين اللَّفْظ وَنَفسه، بل فهم نَفسه عِنْد ذكره ضَرُورِيّ، لَكِن لَا يُسمى ذَلِك دلَالَة إِلَّا إِذا صرفت قرينَة عنان الْقَصْد إِلَيْهِ بِالذَّاتِ ليحكم عَلَيْهِ، فَيكون حِينَئِذٍ مرَادا، وَلما وجدنَا هَذِه الْإِرَادَة فِي الاطلاقات الصَّحِيحَة فِي جَمِيع اللُّغَات عرفنَا التجويز فِي ذَلِك من الْوَاضِع، وَإِلَّا لما وَقعت كَذَلِك، وَلَا شكّ أَن هَذَا التجويز نوع من الْوَضع مِنْهُ (لم يوضع الألقاب الاصطلاحية بِاعْتِبَارِهِ) جَوَابا لما، وَالْمَقْصُود من هَذَا الْكَلَام دفع إِيرَاد يدل عَلَيْهِ قَوْله (فَلم يكن كل مَوْضُوع للمغاير مُشْتَركا) تَقْرِيره أَن القَوْل بِوَضْع الْأَلْفَاظ لأنفسها يسْتَلْزم انحصار اللَّفْظ الْمَوْضُوع فِي الْمُشْتَرك فَلَا يَصح تقسيمه إِلَى الْمُفْرد والمشترك وَكَذَلِكَ انحصاره فِي الْعلم إِلَى غير ذَلِك وَحَاصِل الْجَواب أَن الِاشْتِرَاك وَغَيره من الْأَسْمَاء الاصطلاحية لم تُوضَع لمعانيها بِاعْتِبَار هَذَا الْوَضع، بل بِاعْتِبَار وَضعهَا لغير أَنْفسهَا (وَلم يسم) اللَّفْظ الْمَوْضُوع (بِاعْتِبَارِهِ) أَي وَضعه لنَفسِهِ (عُلَمَاء وَلَا اسْم جنس وَلَا دَالا بالمطابقة) إِلَى غير ذَلِك وَإِنَّمَا سميت الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة ألقابا، لكَونهَا مشعرة بمعان اعْتبرت فِي تَسْمِيَة مسمياتها بهَا كَمَا أَن الألقاب مشعرة بمعان اعْتبر فِي تَسْمِيَتهَا فِي مدح أَو ذمّ (والاعتراض بِأَنَّهُ) أَي القَوْل بِوَضْع اللَّفْظ لنَفسِهِ (مُكَابَرَة لِلْعَقْلِ بل لَا وضع) للفظ لنَفسِهِ (لاستدعائه) أَي الْوَضع (التَّعَدُّد) أَي

تعدد مُتَعَلقَة ضَرُورَة استلزامه مَوْضُوعا وموضوعا لَهُ وَلَا تعدد على تَقْدِير وَضعه لنَفسِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَي الْوَضع (للْحَاجة) أَي إِفَادَة الْمَعْنى الْقَائِم بِالنَّفسِ (وَهِي) أَي الْحَاجة الْمَذْكُورَة إِنَّمَا تحصل (فِي) إِفَادَة (المغاير) أَي إِفَادَة اللَّفْظ مَا يغايره (مَبْنِيّ) خبر الْمُبْتَدَأ، وَهُوَ قَوْله الِاعْتِرَاض على حمل كَلَام الْقَائِل بِالْوَضْعِ (على ظَاهر اللَّفْظ) أَي على معنى يدل عَلَيْهِ ظَاهر عِبَارَته من إِطْلَاق لفظ الْوَضع (وَمَا قُلْنَا) من أَن المُرَاد من وضع اللَّفْظ لنَفسِهِ تَجْوِيز اسْتِعْمَاله فِي نَفسه ليحكم عَلَيْهِ (مخلص مِنْهُ) أَي من الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور وَأجِيب أَيْضا بِأَن التغاير الاعتباري كَاف فِي كَون الشَّيْء دَالا ومدلولا، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن المخلص مغن عَن هَذَا التَّكَلُّف. قَالَ السَّيِّد السَّنَد فِي حَاشِيَة الْكَشَّاف ردا على الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ التَّحْقِيق أَنه إِذا أُرِيد إِجْرَاء الحكم على لفظ مَخْصُوص تلفظ بِهِ نَفسه وَلم يحْتَج هُنَاكَ إِلَى وضع وَلَا إِلَى دَال على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ للاستغناء بتلفظه وحضوره بذلك فِي ذهن السَّامع عَمَّا يدل عَلَيْهِ ويحضره فِيهِ، وَمَا ذكره المُصَنّف قريب مِنْهُ (والمستعمل مُفْرد ومركب، فالمفرد مَاله دلَالَة لاستقلاله بِوَضْع) الْجَار الأول مُتَعَلق بِالدّلَالَةِ، وَالثَّانِي بالاستقلال: أَي بِكَوْن دلَالَته على الْمَعْنى بِسَبَب وَضعه لَهُ مُسْتقِلّا لَا فِي ضمن لفظ آخر كتاء تضرب (وَلَا جُزْء مِنْهُ) أَي مِمَّا لَهُ الدّلَالَة الْمَذْكُورَة (لَهُ) أَي الْجُزْء الْمَذْكُور (مثلهَا) أَي مثل الدّلَالَة الْمَذْكُورَة بِأَن يدل على معنى لاستقلاله بِوَضْع، فَقَوله مِنْهُ صفة جُزْء وَله خبر مثلهَا، وَالْجُمْلَة خبر لَا (والمركب مَا لَهُ ذَلِك) أَي الدّلَالَة الْمَذْكُورَة (ولجزئه) مَعْطُوف على الضَّمِير الْمَجْرُور: أَي ولجزئه أَيْضا تِلْكَ الدّلَالَة (وَلم يشْتَرط كَونه) أَي كَون جزئه (دَالا على جُزْء الْمُسَمّى) أَي مُسَمّى الْكل كَمَا شَرط المنطقيون (فَدخل نَحْو عبد الله علما فِي الْمركب) لِأَن جزءه دَال لَكِن لَا على جُزْء الْمَعْنى فَإِن قلت صرح الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بِعَدَمِ دلَالَة جُزْء مِنْهُ عِنْد الْقَرِينَة الدَّالَّة على إِرَادَة الْمَعْنى العلمي، وَشبه عبد فِي عبد الله بِأَن من إِنْسَان، وَلَا قَائِل فِيهِ بالتركيب وَدلَالَة أَن على الشَّرْط قُلْنَا الْقَرِينَة صارفة عَن الْإِرَادَة لَا الدّلَالَة وَلَيْسَ امتزاج مَاله دلَالَة بِمَا لَا دلَالَة لَهُ كامتزاجه بِمَا لَهُ دلَالَة بِحَيْثُ لَا يشابه الْمركب مِنْهُمَا بهيئة المركبات (وَخرج) عَن الْمركب (تضرب وأخواته) من المبدوء بِالْهَمْزَةِ وَالنُّون وَالْيَاء وفيهَا مَذَاهِب وَالْمُخْتَار أَن الْكل مُفْرد وَمُقَابِله أَن الْكل مركب، وَالثَّالِث التَّفْصِيل وَهُوَ قَول ابْن سينا أَن المبدوء بِالْيَاءِ مُفْرد وَغَيره مركب، وَجه الثَّانِي دلَالَة حرف المضارعة على مَوْضُوع معِين فِي غير ذِي الْيَاء وَغير معِين فِيهِ، وَلَا وَجه للتفصيل كَذَا نقل عَن المُصَنّف وَلَا يبعد أَن يُقَال فِي تَوْجِيهه أَن الْفِعْل من حَيْثُ أَنه عرض لَا بُد لَهُ من مَوْضُوع يدل على مَوْضُوع غير معِين فالياء كَأَنَّهَا لَا تفِيد أمرا زَائِدا بِخِلَاف مَا يدل على تعين الْمَوْضُوع (لِأَنَّهُ) أَي الْمُضَارع مَوْضُوع

(لمُجَرّد فعل الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال) على سَبِيل منع الْخُلُو، فَيصح على الْأَقْوَال كَونه للْحَال فَقَط أَو الِاسْتِقْبَال فَقَط، أَو لَهما على الِاشْتِرَاك كَمَا هُوَ الْمُخْتَار (لموضوع خَاص) يَعْنِي مَا قَامَ بِهِ من الْمُتَكَلّم والمخاطب وَالْغَائِب الْمعِين، فمنعاه مركب من ثَلَاثَة حدث وزمان وَنسبَة إِلَى معِين وَالْجَار مُتَعَلق بِمَحْذُوف، وَهُوَ صفة فعل: أَي لمُجَرّد الْفِعْل الثَّابِت لموضوع، الْمُثبت لَهُ خَارج عَمَّا وضع لَهُ وَحَاصِل التَّعْلِيل أَن الْمُضَارع الَّذِي فِيهِ حرف المضارعة كلمة وَاحِدَة وضعت دفْعَة وَاحِدَة للمعنى الَّذِي فِيهِ النِّسْبَة إِلَى الْمُتَكَلّم أَو الْمُخَاطب أَو الْغَائِب إِلَّا أَنه وضع مَدْخُول حرف المضارعة للْحَدَث وَالزَّمَان وَالنِّسْبَة، وحرف المضارعة لوصف ذَلِك الْمَوْضُوع من التَّكَلُّم الخ (بِخِلَاف ضربت) بالحركات الثَّلَاث فِي التَّاء (لاستقلال تائه بِالْإِسْنَادِ) الَّذِي يقْضِي اسْتِقْلَال الْمسند إِلَيْهِ لفظا لكَونه محلا للإعراب، وَمعنى لكَونه مُسْندًا إِلَيْهِ (بِخِلَاف تَاء تضرب) سَوَاء كَانَت للمخاطب أَو للغائبة، وَهُوَ حَال من التَّاء، وَالْمعْنَى تَاء ضربت مُسْتَقلَّة حَال كَونهَا مُلَابسَة بِخِلَاف تَاء تضرب فِي الِاسْتِقْلَال (وَقيد المنطقيون) فِي تعريفي الْمُفْرد الْمركب (دلَالَة الْجُزْء بِجُزْء الْمَعْنى) أَي بِكَوْنِهَا على جُزْء الْمَعْنى (وقصدها) أَي وبكونها مَقْصُودَة، فالمفرد عِنْدهم مَا لَيْسَ لَهُ جُزْء دَال على جُزْء مَعْنَاهُ دلَالَة مَقْصُودَة إِمَّا بِأَن لَا يكون لَهُ جُزْء كالهمزة، أَو كَانَ بِلَا دلَالَة كزاي زيد، أَو مَعَ دلَالَة لَكِن لَا على جُزْء الْمَعْنى كَعبد الله، أَو مَعَ دلَالَة على جُزْء مَعْنَاهُ لَكِن دلَالَة غير مَقْصُودَة كالحيوان النَّاطِق الْمَوْضُوع لشخص، وَإِلَى الآخرين أَشَارَ بقوله (فعبد الله مُفْرد، و) كَذَا (الْحَيَوَان النَّاطِق لإِنْسَان) تَفْرِيع على اعْتِبَار القيدين نفيا وإثباتا (وإلزامهم) أَي المنطقيين (بتركيب نَحْو مخرج) وضارب وسكران لدلَالَة جَوْهَر الْكَلِمَة على مبدأ الِاشْتِقَاق، وَمَا ضم إِلَيْهِ من مَا زيد عَلَيْهِ (غير لَازم) عَلَيْهِم، وَلما كَانَ الْإِلْزَام الْمَذْكُور محررا على وَجْهَيْن تَارَة بِاعْتِبَار الْهَيْئَة، وَتارَة بِاعْتِبَار الْحُرُوف الزَّوَائِد فصل الْجَواب فَقَالَ (فعلى اعْتِبَار الْجُزْء الْهَيْئَة) مفعول ثَان للاعتبار لتَضَمّنه معنى التصيير وَالْمعْنَى فَعدم لُزُومه بِنَاء على اعْتِبَار الْجُزْء الْمُوجب تركيبها الْهَيْئَة مفَاد (لتصريحهم) أَي المنطقيين فِي تَفْسِير الْجُزْء الْمُعْتَبر فِي الْمُفْرد والمركب (بالمسموع بالاستقلال) فمرادهم جُزْء مسموع بِذَاتِهِ لَا فِي ضمن شَيْء والهيئة إِن سلم كَونهَا مسموعة فَهِيَ مسموعة فِي ضمن الْمَادَّة، وَقَرِيب من هَذَا مَا قيل من أَن المُرَاد الْجُزْء الميرتب فِي السّمع (وَلِأَن الْكَلَام فِي تركيب اللَّفْظ ظَاهر) أَي وَلِأَن كَلَام المنطقيين هَهُنَا فِي تركيب لفظ مَعَ لفظ ظَاهر متبادر والتعريفات تحمل على مَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهَا، وَالْحَاصِل أَنه دفع الِاعْتِرَاض عَنْهُم بِوَجْهَيْنِ: الأول أَنهم صَرَّحُوا بمرادهم، وَالثَّانِي أَن مُرَادهم ظَاهر من كَلَامهم من غير حَاجَة إِلَى تصريحهم (وعَلى اعْتِبَاره) أَي الْجُزْء (الْمِيم) فِي نَحْو

مخرج (وَنَحْوه) كالألف فِي ضَارب (فلمنع دلَالَته) أَي كل من الْمِيم وَنَحْوه (بل) الدَّال على مَجْمُوع الْمَعْنى المُرَاد فِي هَذِه الْأَلْفَاظ (الْمَجْمُوع) من الْحُرُوف الْأُصُول والزوائد لوضع الْمَجْمُوع دفْعَة للمجموع من غير وضع الْجُزْء للجزء، لَا يُقَال لَزِمَهُم القَوْل بتركيب نَحْو مخرج لقَولهم بتركيب الْمُضَارع، لِأَن اعْتِبَار التَّرْكِيب فِيهِ يسْتَلْزم كَون الْحَرْف الزَّائِد مَوْضُوعا بِإِزَاءِ مَا هُوَ الأَصْل فِي الْمَعْنى: أَعنِي الذَّات الَّتِي يقوم بهَا مبدأ الِاشْتِقَاق، بِخِلَاف حرف المضارعة، فَإِنَّهَا بِإِزَاءِ وصف الْفَاعِل من التَّكَلُّم وَالْخطاب والغيبة، نعم الْوَجْه عدم التَّرْكِيب فِي الْمُضَارع أَيْضا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَجعل تضرب) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق للمخاطب أَو الغائبة (مركبا إِن كَانَ) سَببه (الْإِسْنَاد فِي تائه فخلاف أهل اللُّغَة) أَي مخالفهم وَكَيف لَا والمسند إِلَيْهِ الِاسْم لَا غير وحروف المضارعة من حُرُوف المباني، مَجْمُوع الشَّرْط وَالْجَزَاء خبر الْمُبْتَدَأ (أَو للمستكن) مَعْطُوف على قَوْله إِلَى تائه، وَاللَّام بِمَعْنى إِلَى كَقَوْلِه تَعَالَى - {فسقناه لبلد} - (فَمَا ذكرنَا) أَي فَجَوَابه مَا ذكرنَا من أَن الْمُضَارع مَوْضُوع لمُجَرّد الْفِعْل الثَّابِت لموضوع خَاص وَلَا تركيب فِيهِ، وَالضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهِ كلمة أُخْرَى مَوْضُوعَة لذَلِك الْمَوْضُوع، وَلَا نزاع فِي تركيب مَجْمُوع الْمُضَارع وَالضَّمِير (وَلذَا) أَي وَلعدم اقْتِضَاء المستكن تركبه (لم يركب) أَي لم يصر مركبا (اضْرِب) على صِيغَة الْأَمر (وَيضْرب فِي زيد يضْرب) مَعَ وجود المستكن فيهمَا (وَجَوَاب مركبه) أَي من ذهب إِلَى تركيب الْمُضَارع مُطلقًا (مِنْهُم) أَي من المنطقيين (مَا ذكرنَا) من التَّفْصِيل، وَذهب الرضي إِلَى أَن الْمُضَارع، وَمثل مسلمان ومسلمون وَبصرى وقائمة والمؤنث بِالْألف والمعرف بِاللَّامِ مركبات عدت لشدَّة الامتزاج وَعدم اسْتِقْلَال الْحُرُوف الْمُتَّصِلَة فِيهَا كلمة وَاحِدَة وأعربت إِعْرَاب الْكَلِمَة الْوَاحِدَة، وَمَا اخْتَارَهُ المُصَنّف رَحمَه الله أنسب بقواعد الْإِعْرَاب، وَلما ذكر (وينقسم كل من الْمُفْرد والمركب، فالمركب) قدمه لقلَّة أقسامه وَكَون مَفْهُومه وجوديا (إِن أَفَادَ نِسْبَة تَامَّة) يَصح السُّكُوت عَلَيْهَا (بِمُجَرَّد ذَاته) من غير انضمامه إِلَى كلمة أُخْرَى، فَخرج قَائِم مَعَ ضَمِيره فِي زيد قَائِم، لِأَنَّهُ يدل عَلَيْهَا بانضمامه إِلَى زيد (فجملة) أَي فَهُوَ جملَة اسمية أَن بُدِئَ باسم كزيد قَائِم وفعلية إِن بُدِئَ بِفعل كقام زيد وَيَا عبد الله وَإِن أكرمتني أكرمتك، وَيُقَال لهَذِهِ شَرْطِيَّة، وأمامك أَو فِي الدَّار خَبرا عِنْد الْبَصرِيين بِتَقْدِير حصل أَو اسْتَقر، وَيُقَال لهَذِهِ ظرفية خلافًا للكوفيين فَإِنَّهُم جَعَلُوهُ مُفردا بِتَقْدِير نَحْو حَاصِل، وَمِنْهُم من جعله قسما بِرَأْسِهِ لَا من الْمُفْرد وَلَا من الْجُمْلَة (أَو نَاقِصَة) عطف على تَامَّة: أَي إِن أَفَادَ نِسْبَة نَاقِصَة لَا يَصح السُّكُوت عَلَيْهَا (فالتقييدي) أَي فَهُوَ الْمركب التقييدي لتقييد الْجُزْء الأول بِالْآخرِ كغلام زيد وَالْحَيَوَان النَّاطِق (ومفرد

أَيْضا) لِأَن الْمُفْرد مُشْتَرك بَين معَان مِنْهَا مَا يُقَابل الْجُمْلَة، وَمِنْهَا مَا أَفَادَ بقوله (وَكَذَا فِي مُقَابلَة الْمثنى وَالْمَجْمُوع) أَي كَمَا يُطلق فِي مُقَابلَة الْجُمْلَة كَذَلِك يُطلق فِي مقابلتهما، وَمِنْهَا مَا يُقَابل الْمُضَاف إِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والمضاف) عطف على الْمثنى وَالْمَجْمُوع (وَنَحْو قَائِم) من الصِّفَات (لَا يرد) على تَعْرِيف الْجُمْلَة بتوهم كَون مَا أَفَادَهُ من نِسْبَة الْمصدر إِلَى الذَّات تَاما (لِأَنَّهُ مُفْرد) لعدم دلَالَة جزئه على معنى (وَأَيْضًا) لَا يدل على النِّسْبَة وضعا (إِنَّمَا يدل على ذَات متصفة) بِمَا اشتق مِنْهُ بِوَضْعِهِ لَهَا (فَيلْزم) أَن يفهم (النِّسْبَة) بَين الذَّات وَالْوَصْف (عقلا) أَي لُزُوما عقليا ضَرُورَة أَن الْوَصْف لَا بُد أَن يقوم بموصوف (لَا أَنَّهَا مَدْلُول اللَّفْظ) فَإِن قلت الدّلَالَة على الذَّات المتصفة بِوَصْف يسْتَلْزم كَون النِّسْبَة الَّتِي هِيَ الاتصاف المتعقل بسين الذَّات وَالْوَصْف مدلولا قلت الْمَعْنى الْمركب الْمُشْتَمل على النِّسْبَة إِذا وضع بإزائه لفظ وَاحِد يكون الْوَضع لَهُ هُنَاكَ أمرا وحدانيا إِذا أَخذ بِالْعقلِ فِي تَفْصِيله ينْحل إِلَى مُتَعَدد مِنْهُ النِّسْبَة فَتَأمل (وَحَال وُقُوعه) أَي نَحْو قَائِم (خَبرا فِي نَحْو زيد قَائِم نسبته إِلَى الضَّمِير لَيست تَامَّة بِمُجَرَّد ذَاته) مُسْند إِلَى فَاعله (بل) النِّسْبَة (التَّامَّة) نسبته مَعَ فَاعله (إِلَى زيد وَلذَا) أَي وَلكَون نسبته إِلَى الضَّمِير غير تَامَّة (عد مَعَه) أَي مَعَ الضَّمِير (مُفردا) كَمَا يدل عَلَيْهِ اختلافه باخْتلَاف العوامل وَوَضعه على أَن يكون مُعْتَمدًا على من هُوَ لَهُ لإفادته معنى فِي ذَات تقدم ذكرهَا، (و) إِفْرَاد نَحْو قَائِم حَال وُقُوعه خَبرا (على) رَأْي (المنطقيين فِي اعْتِبَاره) أَي الضَّمِير (الرابطة) ثَانِي مفعول الِاعْتِبَار لما يرتبط بِهِ الْمَحْمُول بالموضوع (أظهر فإسناده لَيْسَ إِلَّا إِلَى زيد) لِأَن الرابطة دَالَّة على النِّسْبَة لَا أَنَّهَا ظرفها (وَهُوَ) أَي الضَّمِير (يُفِيد أَن مَعْنَاهُ) أَي قَائِم ثَابت (لَهُ) أَي لزيد (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يفد ذَلِك (لاستقل كل) من الْمَوْضُوع والمحمول (بمفهومه) عَن الآخر (فَلم يرتبط، وَغَايَة مَا يلْزم) المنطقيين فِي الِاعْتِبَار الْمَذْكُورَة (طرده) أَي اعْتِبَار الضَّمِير (فِي الجامد) من الْأَخْبَار كَمَا فِي الْمُشْتَقّ طردا للباب من اطرد الْأَمر: أَي تبع بعضه بَعْضًا (وَقد يلْتَزم) طرده فِي الجامد (كالكوفيين) أَي كالتزام الْكُوفِيّين ذَلِك فَإِنَّهُم يؤولون غير الْمُشْتَقّ بِهِ، فيؤولون زيد أَسد بِشُجَاعٍ، وأخوك بمواخيك، وكل جامد بِمَا يُنَاسِبه، عَن الْكسَائي أَن الجامد يتَحَمَّل الضَّمِير بِلَا تَأْوِيل (وَإِن كَانَ) الِالْتِزَام الْمَذْكُور (على غير مهيعم) أَي طريقهم الْبَين فَإِنَّهُم لَا يلتزمون تحمل الْمُشْتَقّ لَهُ فضلا عَن الجامد، بل إِن كَانَ ملفوظا يسمون الْقَضِيَّة ثلاثية، وَإِلَّا قَالُوا هُوَ مَحْذُوف للْعلم بِهِ، ويسمونها ثنائية، فعلى هَذَا يحْتَاج قَوْله، وعَلى المنطقيين إِلَى آخِره إِلَى تَأْوِيله، لِأَن ظَاهره يَقْتَضِي اعْتِبَار الضَّمِير وَجعله رابطة فَتدبر (وبخفائه) أَي الضَّمِير الْمُسْتَتر (وَالدَّال) أَمر

ظَاهر، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ خفِيا فِي ذَاته كَيفَ يكون سَببا لظُهُور الْمَدْلُول، وَلَا بُد من أَمر بعيد الرَّبْط بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر (قيل الرابط حَرَكَة الْإِعْرَاب) ضمة ظَاهِرَة فِي آخر المعرب، ويلحقها مَا يقوم مقَامهَا وَاو أَو ألف (وَلَا يُفِيد) الْأَعْرَاب الْمَذْكُور أَيْضا مَا قصدوه من الظُّهُور (إِذْ يخفى) الْأَعْرَاب أَيْضا (فِي المبنى والمعتل) مَقْصُورا كَانَ أَو منقوصا، وَكَذَا المعرب عِنْد الْوَقْف (وَالْأَظْهَر أَنه) أَي الرَّبْط (فعل النَّفس) وَهُوَ الْإِيقَاع والانتزاع (وَدَلِيله) أَي فعل النَّفس (الضَّم الْخَاص) أَي التَّرْكِيب الْخَاص الْمَوْضُوع نَوعه لإِفَادَة ذَلِك، وَأما الْحَرَكَة (فَعِنْدَ ظُهُورهَا) لفقد الْمَانِع (يتَأَكَّد الدَّال) وَهُوَ الضَّم الْمَذْكُور (وَإِلَّا انْفَرد) أَي وَإِن لم تظهر لمَانع انْفَرد الضَّم بِالدّلَالَةِ الْمَذْكُورَة (وَاعْلَم أَن الْمَقْصُود) الْأَصْلِيّ (من وضع الْمُفْردَات لَيْسَ إِلَّا إِفَادَة الْمعَانِي التركيبية) هَذِه تَوْطِئَة لما بعْدهَا من بَيَان أَقسَام حَاصِلَة فِي اعْتِبَار الْمَعْنى التركيبي (وَالْجُمْلَة خبر إِن دلّ) أَي الْجُمْلَة، والتذكير بِاعْتِبَار الْخَبَر (على مُطَابقَة) نسبتها المفادة مِنْهَا لأمر (خَارج) عَن مدلولها بِاعْتِبَار تِلْكَ الملاحظة المستفادة من دلالتها كَائِن بَين طرفِي الْإِمْكَان فِي الْوَاقِع من الْوُقُوع، أَو اللاوقوع، وَلَا يذهب عَلَيْك الْفرق بَين الدّلَالَة على الْمُطَابقَة وَبَين الْمُطَابقَة بِحَسب نفس الْأَمر، فَإِن الأولى لَازِمَة للنسبة الْجُزْئِيَّة لَا الثَّانِيَة، وَذَلِكَ لكَونهَا حاكية عَن نِسْبَة خارجية بَين الطَّرفَيْنِ، إِذْ لَا بُد من الْمُطَابقَة فِي التَّصَوُّر بَين الحاكي والمحكي عَنهُ، فَإِن كَانَ مَا هُوَ الْوَاقِع فِي نفس الْأَمر بِعَيْنِه هُوَ المحكي تحصل الثَّانِيَة، وَإِلَّا فَلَا (وَأما عدمهَا) أَي عدم مُطَابقَة نسبتها المفادة مِنْهَا (فَلَيْسَ مدلولا وَلَا مُحْتَمل اللَّفْظ) لِأَن مَا يفهم من الحاكي إِنَّمَا هُوَ مِثَال المحكي عَنهُ لَا غير، وَلَكِن (إِنَّمَا يجوز الْعقل أَن مَدْلُوله) أَي الْخَبَر (غير وَاقع) لِأَن الْحِكَايَة عَن الشَّيْء لَا تَسْتَلْزِم تحَققه فِي الْوَاقِع (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تدل الْجُمْلَة على مُطَابقَة خَارج بِأَن لم تكن نسبتها المدلولة حاكية عَن نِسْبَة خارجية (فإنشاء) أَي فالجملة حِينَئِذٍ إنْشَاء (وَلَا حكم فِيهِ) وَفسّر الحكم بقوله (أَي إِدْرَاك أَنَّهَا) أَي النِّسْبَة (وَاقعَة أَولا) أَي لَيست بواقعة (فَلَيْسَ كل جملَة قَضِيَّة) إِذْ لَا بُد فِيهَا من الحكم وَكَونهَا حاكية عَن خارجية، وَلذَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، فالجملة أَعم من الْقَضِيَّة (وَالْكَلَام يرادفها) أَي الْجُمْلَة (عِنْد قوم) من النُّحَاة، قيل مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ عَفا الله عَنهُ (وأعم) مِنْهَا مُطلقًا (عِنْد الأصولين كاللغويين) أَي كَمَا أَنه أَعم عِنْدهم، وَنقل الأمدي عَن أَكثر الْأُصُولِيِّينَ، وَالْإِمَام الرَّازِيّ عَن جَمِيعهم أَن الْكَلِمَة المركبة من حرفين فَصَاعِدا كَلَام، وَشرط صدورها عَن مُخْتَار، فالصادر من الساهي أَو النَّائِم لَيْسَ بِكَلَام.

الفصل الأول

وَاخْتلف فِي إِطْلَاقه على كَلِمَات غير متضمنة الْمعَانِي، وَلَيْسَ مثل " ق " كلَاما إِلَّا إِذا اعْتبر الْمُسْتَتر (وأخص) أَي الْكَلَام أخص مُطلقًا من الْجُمْلَة (عِنْد آخَرين) مِنْهُم ابْن مَالك، وَاخْتَارَهُ الرضي. وَقَالَ التَّفْتَازَانِيّ أَنه الِاصْطِلَاح الْمَشْهُور، فَقَالُوا الْكَلَام مَا تضمن الْإِسْنَاد الْأَصْلِيّ، وَكَانَ مَقْصُودا لذاته، وَالْجُمْلَة مَا تضمن الْإِسْنَاد الْأَصْلِيّ مَقْصُودا لذاته أَولا، فالمصدر وَالصِّفَات المسندة إِلَى فاعلها إسنادها لَيْسَ أصلا، لِأَن اعْتِبَاره نِسْبَة الْفِعْل، وَالْجُمْلَة الْوَاقِعَة خَبرا أَو وَصفا أَو حَالا، أَو شرطا، أَو صلَة، أَو نَحْو ذَلِك لَيْسَ إسنادها مَقْصُودا لذاته (وللمفرد بِاعْتِبَار ذَاته) كَكَوْنِهِ مشتقا أَو جَامِدا (ودلالته) ككونها مُطَابقَة، أَو تضمنا، أَو التزاما، وَكَونهَا ظَاهرا أَو خفِيا (ومقايسته لمفرد آخر) كالترادف والتساوي (ومدلوله) كالعموم وَالْخُصُوص (واستعماله) كالحقيقة وَالْمجَاز (وإطلاقه وتقييده) كَذَا وجد فِي النّسخ، وَلَا يظْهر وَجهه، فَإِن الْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد إِنَّمَا ذكرهمَا فِي جملَة أَقسَام انقسامه بِالِاعْتِبَارِ الرَّابِع قبل الْفَصْل الْخَامِس (انقسامات فِي) خَمْسَة (فُصُول) الْفَصْل الأول فِي انقسام الْمُفْرد بِاعْتِبَار ذَاته من حَيْثُ أَنه مُشْتَقّ أَولا (وَهُوَ) أَي الْمُفْرد قِسْمَانِ (مُشْتَقّ) وَهُوَ (مَا وَافق مصدرا) هُوَ اسْم الْحَدث الْجَارِي على الْفِعْل: أَي الْمَعْنى الْقَائِم بِالْغَيْر، وجريانه عَلَيْهِ كَونه أصلا لَهُ ومأخذا (بِحُرُوفِهِ الْأُصُول وَمَعْنَاهُ) مَعْطُوف على الْمَجْرُور الْمُتَعَلّق بوافق، فَلَا يكون الذّهاب من الذَّهَب، وَلَا ضرب بِمَعْنى دق من الضَّرْب بِمَعْنى السّير، وَلَا يضر عدم مُوَافَقَته لَهَا لسَبَب الإعلال، وَلم يذكر التَّرْتِيب لتبادره إِلَى الذِّهْن، فَخرج مثل الجبذ والجذب (مَعَ زِيَادَة) فِي الْمَعْنى سَوَاء كَانَت فِي اللَّفْظ أَولا (هِيَ) أَي الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة (فَائِدَة الِاشْتِقَاق) وغايته (فالمقتل) حَال كَونه (مصدرا مَعَ الْقَتْل أصلان) غير مُشْتَقّ أَحدهمَا عَن الآخر (مزِيد وَغير مزِيد) هَذَا إِذا لم يعْتَبر فِي المقتل زِيَادَة تَقْوِيَة (وَإِن اعْتبر بِهِ) أَي بِالْقَتْلِ أَو بِالزَّائِدِ (زِيَادَة تَقْوِيَة) فِي مَعْنَاهُ الْمَوْجُود فِي الْقَتْل (فمشتق مِنْهُ) أَي فالمقتل مُشْتَقّ من الْقَتْل لصدق التَّعْرِيف عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْرِيف على رَأْي الْبَصرِيين، وَعند الْكُوفِيّين الْمُشْتَقّ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ الْفِعْل، وَالْمرَاد بِالْمَصْدَرِ مَا هُوَ أَعم من الْمُسْتَعْمل والمقدر، فَدخل الْأَفْعَال وَالصِّفَات الَّتِي لم تسْتَعْمل مصادرها: كنعم، وَبئسَ، وتبارك، وربعة بِمَعْنى مربوعة بَين الطول وَالْقصر، والقفاخر: أَي الضخم الجثة، ثمَّ أَسمَاء الْفَاعِل وَالْمَفْعُول مُشْتَقَّة من المصادر عِنْد الْجُمْهُور، وَمن الْفِعْل الْمُشْتَقّ مِنْهَا عِنْد الْبَعْض، وَيجوز الِاشْتِقَاق من المصادر

عِنْد الْجُمْهُور، وَمن الْفِعْل الْمُشْتَقّ مِنْهَا عِنْد الْبَعْض، وَيجوز الِاشْتِقَاق من المصادر بِاعْتِبَار مَعَانِيهَا المجازية، وَلَا بُد من التغاير بَين الْمُشْتَقّ والمشتق مِنْهُ بِزِيَادَة حرف أَو حَرَكَة أَو نقصانهما (وجامد) عطف على مُشْتَقّ (خِلَافه) فَهُوَ مَا لَيْسَ بموافق مصدر إِلَى آخِره كَرجل وَأسد (والاشتقاق الْكَبِير) وَهُوَ مُوَافقَة لفظين فِي الْحُرُوف الْأُصُول غير مرتبه مَعَ مُوَافقَة أَو مُنَاسبَة فِي الْمَعْنى: كالجبذ والجذب (لَيْسَ من حَاجَة الأصولي) لِأَن المبحوث عَنهُ فِي الْأُصُول إِنَّمَا هُوَ الْمُشْتَقّ بالاشتقاق الصَّغِير، وَقد علم حَده من تَعْرِيف الْمُشْتَقّ، وَاكْتفى بِذكر الْكَبِير عَن الْأَكْبَر، وَهُوَ مُنَاسبَة لفظين فِي الْحُرُوف الْأُصُول وَالْمعْنَى، كالثلب والثلم، والنعيق، والنهيق، لِأَن عدم حَاجَة الأصولي إِلَى الْكَبِير تَسْتَلْزِم عدم حَاجته إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأولى (والمشتق) قِسْمَانِ (صفة) وَهُوَ (مَا دلّ على ذَات مُبْهمَة) أَي على حَقِيقَة غير مُعينَة بتعين شخصي وَلَا جنسي (متصفة بِمعين) أَي بِوَصْف لَهُ تعين مَا كضارب، فَإِن مَعْنَاهُ ذَات لَهُ الضَّرْب، فالذات فِي غَايَة الْإِبْهَام لعدم اختصاصها بِشَيْء من الْأَشْيَاء، وَالضَّرْب وصف ممتاز من سَائِر الْأَوْصَاف (فَخرج) بِقَيْد الْإِبْهَام (اسْم الزَّمَان وَالْمَكَان لِأَن المقتل) مثلا (مَكَان أَو زمَان فِيهِ الْقَتْل) وَلَا شكّ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُتَعَيّن بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَات مَا، لكَونهَا من الْأُمُور الْعَامَّة مُسَاوِيَة بِشَيْء مَا (قيل تتَحَقَّق الْفَائِدَة) بالأخبار (فِي نَحْو الضَّارِب جسم) فِي الْجُمْلَة لِإِمْكَان الذهول عَن جسميته (فَلم يكن) الْجِسْم (جُزْءا) من مَفْهُوم الضَّارِب (والألم يفد) نَحْو الضَّارِب جسم (كالإنسان حَيَوَان) أَي كَمَا لَا يُفِيد الْإِنْسَان حَيَوَان لكَون الْحَيَوَان جُزْءا مِنْهُ، نقل عَن المُصَنّف أَن هَذَا دَلِيل على لُزُوم إِبْهَام الذوات فِي الصّفة، وَيتَّجه عَلَيْهِ أَن عدم جزئية الْجِسْم فِي مَفْهُوم الصّفة لَا يسْتَلْزم الْمُدَّعِي، وَهُوَ غَايَة الْإِبْهَام لجَوَاز أَن يكون لَهُ جُزْء آخر مِمَّا يُخرجهُ عَن غَايَة الْإِبْهَام، وَيُجَاب عَنهُ بِأَن كل مَا تفرض جزئيته مِنْهُ بقول الْمُسْتَدلّ هُوَ يحصل عَلَيْهِ، وَالْحمل مُفِيد فَلَا يكون جُزْءا مِنْهُ، ثمَّ منع المُصَنّف رَحمَه الله تحقق الْفَائِدَة بقوله (وَلقَائِل منع الْفرق) بَين الضَّارِب جسم، وَبَين الْإِنْسَان حَيَوَان، وادعاء تساويهما فِي عدم الْفَائِدَة (وَالِاسْتِدْلَال) مَعْطُوف على الْمَنْع: أَي لقَائِل أَن يسْتَدلّ على عدم إِبْهَام الذَّات على الْوَجْه الْمَذْكُور فِي نَحْو الضَّارِب (بتبادر الْجَوْهَر مِنْهُ) فَإِن تبادره من نَحْو الضَّارِب دَلِيل على أَن الذَّات لَا تعم الْعرض، فَلم يكن فِي غَايَة الْإِبْهَام مُسَاوِيا لشَيْء مَا (وَالْأَوْجه) فِي الِاسْتِدْلَال على إِبْهَام الذَّات (صِحَة الْحمل) أَي حمل الصّفة الْمَأْخُوذَة فِي مفهومها الذَّات (على كل من الْعين) وَهُوَ الْجَوْهَر (وَالْمعْنَى) وَهُوَ الْعرض، فَلَو اعْتبر فِي مفهومها مَا يَخُصهَا بالجوهر لما صَحَّ حملهَا على الْعرض، وَيجوز أَن يُرَاد بِالْعينِ وَالْمعْنَى الْمَوْجُود الْخَارِجِي، وَمَا لَيْسَ بموجود فِي الْخَارِج

مسألة

(وَغير صفة) مَعْطُوف على قَوْله صفة وَهُوَ (خِلَافه) أَي مَا لَا يدل على ذَات مُبْهمَة متصفة بِمعين بِأَن يدل على ذَات مُعينَة أَو مُبْهمَة غير متصفة بِمَا ذكر وَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي أَن مَا يدل على ذَات متصفة بِوَصْف غير معِين كالإمكان الْعَام، والوجود الْمُطلق لَيْسَ بِصفة، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْمَوْجُود والممكن وَنَحْوهمَا صِفَات: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال بتعين هَذِه الْأَوْصَاف، وَلَو بِوَجْه مَا فاذن عدم اعْتِبَار قيد التعين فِي التَّعْرِيف أولى كَمَا قيل: مَا دلّ على ذَات مَا بِاعْتِبَار معنى هُوَ الْمَقْصُود. مَسْأَلَة (وَلَا يشتق) من مصدر وصف (لذات وَالْمعْنَى) المصدري (قَائِم بِغَيْرِهِ) أَي غير الْمُشْتَقّ لَهُ، وَالْمرَاد بالاشتقاق لَهَا أَن يشتق لِأَن يُطلق عَلَيْهَا وَتسَمى بِهِ، قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي تَفْسِير كَلَام شَارِح الْمُخْتَصر: الاستقراء يُفِيد الْقطع بذلك، يَعْنِي حصل لنا من تتبع كَلَام الْعَرَب حكم كلي قَطْعِيّ بذلك كوجوب رفع الْفَاعِل، وَإِن كَانَ الاستقراء فِي نَفسه لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن انْتهى، كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْهِ حُصُول الْقطع من غير مُوجب: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال انْضَمَّ مَعَ الاستقراء قَرَائِن يُفِيد الْمَجْمُوع الْقطع بذلك (وَقَول الْمُعْتَزلَة) مُبْتَدأ خَبره (معنى كَونه) تَعَالَى (متكلما خلقه) أَي خلق الْكَلَام، وَالْمعْنَى مقولهم هَذَا الْكَلَام الْمُخَالف لما ذكرنَا، وَيجوز أَن يكون الْخَبَر محذوفا، وَالْمَذْكُور مقول القَوْل: أَي قَوْلهم هَذَا مُخَالف لما ذكرنَا (فِي الْجِسْم) مُتَعَلق بالخلق، والجسم كالشجرة الَّتِي سمع مِنْهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام. قَالَ تَعَالَى - {نُودي من شاطئ الواد الْأَيْمن فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة من الشَّجَرَة أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنا الله رب الْعَالمين} - (وألزموا) أَي الْمُعْتَزلَة بطرِيق النَّقْض (جَوَاز) إِطْلَاق (المتحرك والأبيض) على الله، تَعَالَى شَأْنه عَن ذَلِك علوا كَبِيرا: لخلقه هَذِه الْأَعْرَاض فِي الْأَجْسَام الَّتِي هِيَ محالها، (وَدفع) الْإِلْزَام الْمَذْكُور (عَنْهُم بِالْفرقِ) بَين الْمُتَكَلّم وَمَا ألزموا بِهِ (بِأَنَّهُ ثَبت) بِالسَّمْعِ (الْمُتَكَلّم لَهُ) تَعَالَى كَقَوْلِه - {وكلم الله مُوسَى تكليما} -، وَغَيره (وَامْتنع قِيَامه) أَي الْكَلَام (بِهِ) تَعَالَى بالبرهان، لِأَنَّهُ أصوات وحروف عِنْدهم، وَهِي حَادِثَة فَلَا تكون قَائِمَة بِهِ تَعَالَى، وَإِلَّا لزم كَونه محلا للحوادث (فَلَزِمَ أَن مَعْنَاهُ) أَي الْمُتَكَلّم (فِي حَقه خالقه) أَي الْكَلَام فِي جسم، وَلَا كَذَلِك المتحرك والأبيض وَنَحْوهمَا فَإِنَّهُ لم يثبت لَهُ بِالسَّمْعِ شَيْء مِنْهَا، بل ثَبت الْمَنْع عَن إِطْلَاقهَا (وَلَيْسَ) هَذَا الدّفع (بِشَيْء، لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيل فِي الحكم اللّغَوِيّ) أَي الحكم الْكُلِّي المستبط من تتبع اللُّغَة، وَهُوَ أَنه لَا يشتق لذات، وَالْمعْنَى قَائِم بِغَيْرِهِ (بَين

من يمْتَنع الْقيام بِهِ) أَي قيام الْمصدر بِهِ عقلا أَو شرعا (فَيجوز) إِطْلَاق الْمُشْتَقّ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَي وَالْحَال أَن الْمصدر قَائِم (بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر من يمْتَنع الْقيام بِهِ (و) بَين (غَيره) أَي من لم يمْتَنع قيام الْمصدر بِهِ (فَلَا) يجوز إِطْلَاق الْمُشْتَقّ عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى قَائِم بِغَيْرِهِ وَالْحَاصِل أَن الحكم اللّغَوِيّ الْكُلِّي الْمُقْتَضى عدم جَوَاز إِطْلَاق الْمُشْتَقّ على من لم يقم بِهِ الْمصدر من غير تَفْصِيل يقْضِي عَلَيْكُم بِعَدَمِ صِحَة إِطْلَاق الْمُتَكَلّم عَلَيْهِ تَعَالَى بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكرْتُمْ فَإِن قُلْتُمْ الِامْتِنَاع الْمَذْكُور قرينَة صارفة عَن إِرَادَة الْحَقِيقَة إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي الَّذِي ذكرنَا قُلْنَا ذَلِك عِنْد تعذر الْحَقِيقَة، وَهِي غير متعذرة لوُجُود الْكَلَام النَّفْسِيّ على مَا هُوَ مَذْهَبنَا (بل) نقُول لَا يمْتَنع قيام الْكَلَام بِهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ (لَو امْتنع لم يصغ) الْمُتَكَلّم (لَهُ) تَعَالَى (أصلا فَحَيْثُ صِيغ) لَهُ تَعَالَى (لزم قِيَامه) أَي الْكَلَام (بِهِ تَعَالَى) فَتعين أَن المُرَاد من الْكَلَام غير الْأَصْوَات والحروف وَهُوَ الْكَلَام النَّفْسِيّ (فَلَو ادعوهُ) أَي الْمُعْتَزلَة أَن معنى التَّكَلُّم خلق الْكَلَام (مجَازًا) لَا حَقِيقَة، فَلم يصغ لَهُ تَعَالَى، وَلَا يُنَافِي الحكم اللّغَوِيّ (ارْتَفع الْخلاف فِي الأَصْل الْمَذْكُور) وَهُوَ أَنه لَا يشتق لذات، وَالْمعْنَى قَائِم بغَيْرهَا، لِأَن الِاشْتِقَاق لَهَا أَن يُطلق عَلَيْهَا حَقِيقَة، وَقد اعْتَرَفُوا بنفيه، وَإِن لم يرْتَفع الْخلاف فِي المسئلة الكلامية لِأَن كَلَامه تَعَالَى عِنْدهم حَادث قَائِم بجسم، وَعِنْدنَا قديم قَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَفِي أَن الْمُتَكَلّم يُطلق عَلَيْهِ حَقِيقَة (وَهُوَ) أَي الادعاء الْمَذْكُور مِنْهُم (أقرب) إِلَى الْقبُول من ادِّعَاء كَون معنى كَلَامه ذَلِك حَقِيقَة لعدم مُخَالفَته الحكم اللّغَوِيّ، وسعة دَائِرَة الْمجَاز وَإِن كَانَ فِي حد ذَاته بعيد الارتكاب مثل هَذَا التَّجَوُّز من غير تعذر الْحَقِيقَة، والتفريق بَين المشتقات الَّتِي تطلق عَلَيْهِ تَعَالَى يَجْعَل مبدأ اشتقاق الْبَعْض قَائِما بِغَيْرِهِ تَعَالَى إِلَى غير ذَلِك (غير أَنهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (نقلوا استدلالهم) أَي الْمُعْتَزلَة على كَون الْمُتَكَلّم بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكرُوهُ (بِإِطْلَاق ضَارب حَقِيقَة) على شخص (وَهُوَ) أَي الضَّرْب قَائِم (بِغَيْرِهِ) أَي غير ذَلِك الشَّخْص، لِأَن الضَّرْب هُوَ الْأَثر الْحَاصِل فِي الْمَفْعُول، وَهُوَ الْمَضْرُوب فَإِن صَحَّ هَذَا النَّقْل عَنْهُم تعين أَن مُرَادهم ادِّعَاء الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز (وَأجِيب) عَن استدلالهم (بِأَنَّهُ) أَي الضَّرْب (التَّأْثِير) أَي تَأْثِير ذَلِك أثر الْقَائِم بالمضروب وإيجاده (وَهُوَ) أَي التَّأْثِير قَائِم (بِهِ) أَي بالضارب والمضروب لَا بالمضروب فَقَط، وَقد استوفيت الْكَلَام فِي تَحْقِيق هَذَا فِي رسالتي الْمَوْضُوعَة لبَيَان الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ وَهَذَا مَبْنِيّ على مَا هُوَ الْحق من أَن التَّأْثِير لَيْسَ هُوَ الْأَثر على أَن الْأَثر الَّذِي هُوَ الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ إِنَّمَا هُوَ قَائِم بالضارب (وَبِأَنَّهُ) مَعْطُوف على إِطْلَاق ضَارب، وَالضَّمِير للشأن (ثَبت الْخَالِق لَهُ) تَعَالَى (بِاعْتِبَار الْخلق) الَّذِي هُوَ مبدأ اشتقاقه (وَهُوَ) أَي الْخلق (الْمَخْلُوق). قَالَ تَعَالَى - {هَذَا خلق الله} - مُشِيرا بِهِ إِلَى

الْمَخْلُوق، والمخلوق غير قَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى (لَا التَّأْثِير) أَي الْخلق لَيْسَ هُوَ التَّأْثِير (والأقدم الْعَالم إِن قدم) التَّأْثِير لعدم انفكاك الْأَثر عَن التَّأْثِير (وَإِلَّا) وَإِن لم يكن التَّأْثِير قَدِيما، بل حَادِثا (تسلسل) أَي لزم التسلسل فِي التأثيرات، لِأَن الْحَادِث أثر يحْتَاج إِلَى مُؤثر وتأثير، فَيَعُود الْكَلَام إِلَى ذَلِك التَّأْثِير، وَهَكَذَا (وَهُوَ) أَي هَذَا الِاسْتِدْلَال على تَقْدِير تَسْلِيم مقدماته (مُثبت لجزء الدَّعْوَى) لَا لَهَا لِأَنَّهَا مركبة من مقدمتين، أَحدهمَا الِاشْتِقَاق لذات لَا يقوم بهَا المبدأ، وَثَانِيهمَا أَنه قَائِم بغَيْرهَا، وَالدَّلِيل لَا يُفِيد إِلَّا الأولى، إِذْ الْخلق بِمَعْنى الْمَخْلُوق مَجْمُوع الْجَوْهَر وَالْعرض، وَبَعضه قَائِم بِنَفسِهِ، وَبَعضه بذلك الْبَعْض، وَالْمَجْمُوع يعد قَائِما بِنَفسِهِ لَا بِغَيْرِهِ كالجسم الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة ونوقش بِأَن إِطْلَاق الْخَالِق لَا يجب أَن يكون بِاعْتِبَار جَمِيع الْمَخْلُوقَات، بل يَصح بِاعْتِبَار الْأَفْعَال وَالصِّفَات، وَحِينَئِذٍ يثبت تَمام الدَّعْوَى فَالْجَوَاب مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أُجِيب بِأَن معنى خلقه كَونه سُبْحَانَهُ تعلّقت قدرته بالإيجاد وَهُوَ) أَي كَونه تَعَالَى كَذَا (إِضَافَة اعْتِبَار تقوم بِهِ) تَعَالَى أما كَونه إِضَافَة لكَونهَا معقولة بِالْقِيَاسِ إِلَى الْغَيْر، وَأما إِضَافَته إِلَى الِاعْتِبَار، فباعتبار أَنه يعقل بَين الذَّات الأقدس، وَأمر اعتباري هُوَ تعلق قدرته سُبْحَانَهُ بالإيجاد، ومبني هَذَا الْجَواب على نفي كَون التكوين صفة حَقِيقِيَّة أزلية تتكون بهَا المكونات الْحَادِثَة فِي أَوْقَاتهَا كَمَا هُوَ مَذْهَب الماتريدية كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لَا صفة متقررة) مَعْطُوف على إِضَافَة اعْتِبَار (ليلزم كَونه محلا للحوادث) غَايَة للمنفي، يَعْنِي كَونه صفة متقررة يسْتَلْزم كَونه تَعَالَى محلا للحوادث على تَقْدِير حُدُوثه (أَو قدم الْعَالم) أَي تَقْدِير قدمه مَعْطُوف على كَونه (وَأورد) على الْجَواب الْمَذْكُور بطرِيق الترديد كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (إِن قَامَت بِهِ) تَعَالَى (النِّسْبَة) الَّتِي هِيَ (الِاعْتِبَار) الْمَذْكُور فِي قَوْله إِضَافَة اعْتِبَار، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْإِضَافَة بَيَانِيَّة (فَهُوَ) تَعَالَى حِينَئِذٍ (مَحل للحوادث، وَإِن لم تقم بِهِ ثَبت مطلوبهم، وَهُوَ الِاشْتِقَاق لذات وَلَيْسَ الْمَعْنى) قَائِما (بِهِ) أَي الذَّات بِتَأْوِيل مَا اشتق لَهُ، وَقد سبق أَنه مُثبت لجزء الْمُدَّعِي (مَعَ أَن الْوَجْه) الَّذِي مَعَ وجوده لَا يُسمى غَيره وَجها (أَن لَا تقوم) النِّسْبَة الْمَذْكُورَة (بِهِ) تَعَالَى (لِأَن الاعتباري لَيْسَ لَهُ وجود حَقِيقِيّ) وَهُوَ الْوُجُود الْخَارِجِي (فَلَا يقوم بِهِ حَقِيقَة) لِأَن الْقيَاس فرع وجود مَا يقوم بِهِ، وَفِيه نظر، لِأَن الْعَمى وَهُوَ عدم الْبَصَر عَمَّا من شَأْنه أَن يبصر غير مَوْجُود فِي الْخَارِج مَعَ أَنه قَائِم فِيهِ بالأعمى، وَمن ثمَّ اشْتهر بَينهم أَن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ لَا الْمُثبت: نعم ذكر بعض الأفاضل على سَبِيل الِاعْتِرَاض أَنه فرع ثُبُوت الْمُثبت أَيْضا، فَلَا وَجه للتخصيص، وَكَأن المُصَنّف رَحمَه الله مَال إِلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يُنكر قيام الْعمي فِي الْخَارِج، بل فِي الذِّهْن، وَهُوَ الْمُصَحح للاشتقاق كَمَا يُشِير إِلَيْهِ بقوله

(لَكِن كَلَامهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (أَنه يَكْفِي فِي الِاشْتِقَاق) أَي فِي اشتقاق الْخَالِق من الْخلق لَهُ تَعَالَى (هَذَا الْقدر من الانتساب) بَيَان ذَلِك مَا أَفَادَهُ السَّيِّد من أَن للقدرة تعلقا حَادِثا لولاه لم تُوجد الْحَوَادِث، وَإِذا انتسب إِلَى الْعَالم فَهُوَ صدوره عَن الْخَالِق، أَو إِلَى الْقُدْرَة، فَهُوَ إيجادها للْعَالم، أَو إِلَى ذِي الْقُدْرَة، فَهُوَ خلقه للْعَالم، أَو يُمكن أَن يُقَال إِذا نسب إِلَى الْعَالم صَار مُبْتَدأ وصف لَهُ، هُوَ صدوره عَن الْخَالِق، وَإِلَى الْقُدْرَة مُبْتَدأ وصف آخر هُوَ الإيجاد، وَإِلَى ذِي الْمقدرَة صَارَت مُبْتَدأ وصف آخر، وَهُوَ كَونه تعلّقت قدرته، وَبِاعْتِبَار هَذِه النِّسْبَة اشتق اسْم الْخَالِق، وَلَا نعني بقيامه كَونه صفة حَقِيقِيَّة قَائِمَة بِهِ، بل مَا هُوَ أَعم من ذَلِك، فَإِن سَائِر الإضافات الَّتِي هِيَ أُمُور اعتبارية لَا تحقق لَهَا فِي الْأَعْيَان قَائِمَة بمحالها، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلْيَكُن) هَذَا الْقدر من الانتساب (هُوَ المُرَاد بِقِيَام الْمَعْنى فِي صدر المسئلة) حِين أورد عَلَيْهِم بِأَن نَحْو الْخَالِق والرازق اشتق لَهُ تَعَالَى، وَالْمعْنَى غير قَائِم بِهِ (ثمَّ هَذَا الْجَواب) أَي بِأَن معنى خلقه كَونه تعلّقت قدرته بإيجاده (ينبو) أَي يبعد (عَن كَلَام الْحَنَفِيَّة) أَي متأخريهم من عهد أبي مَنْصُور الماتريدي (فِي صِفَات الْأَفْعَال) وَهِي مَا أفادت تكوينا، كالخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، فَإِنَّهُم صَرَّحُوا بِأَنَّهَا صِفَات قديمَة مُغَايرَة للقدرة والإرادة فَقَوله ينبو خبر يكن، وَقَوله أَنه يَكْفِي بدل عَن اسْمهَا كَمَا أَن مَدْخُول ثمَّ مَعْطُوف عَلَيْهِ (غير أَنا بَينا فِي الرسَالَة الْمُسَمَّاة بالمسايرة) فِي العقائد المنجية فِي الْآخِرَة (أَن قَول أبي حنيفَة) رَحمَه الله (لَا يُفِيد مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَأَنه) أَي مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ (قَول مستحدث) لَيْسَ فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين (وَقَوله) أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه تَعَالَى (خَالق قبل أَن يخلق إِلَى آخِره) أَي ورازق قبل أَن يرْزق (بِالضَّرُورَةِ يُرَاد بِهِ) أَي بالخلق الْمَذْكُور فِي قَوْله هَذَا (قدرَة الْخلق) الَّتِي هِيَ صفة حَقِيقِيَّة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد بِهِ قدرته، بل الْخلق بِالْفِعْلِ (قدم الْعَالم) لِأَن وجود الْمَخْلُوق لَازم لَهُ فَإِن قلت هَذَا يرجع إِلَى قَول الكرامية، وهم أَصْحَاب مُحَمَّد بن كرام الْقَائِل بِأَن معبوده مُسْتَقر على الْعَرْش، وَأَنه جَوْهَر، تَعَالَى الله عَن ذَلِك. قَالَ فَخر الْإِسْلَام: وَأما الكرامية فَيَقُولُونَ إِنَّا نُسَمِّيه خَالِقًا فِي الْأَزَل لَا على معنى أَنه خلق الْخلق، بل لِأَنَّهُ قَادر على الْخلق، وَهَذَا فَاسد فَإِنَّهُ لَو جَازَ لجَاز أَن يُسَمِّي الْقَادِر على الْكَلَام متكلما انْتهى قلت هم يفسرون اسْم الْخَالِق بالقادر عَلَيْهِ كتفسير الْمُعْتَزلَة الْمُتَكَلّم بخالق الْكَلَام، وَالْإِمَام أَرَادَ بِهِ ذَلِك مجَازًا فِي بعض الاطلاقات (و) الْخلق (بِالْفِعْلِ تعلقهَا) أَي الْقُدْرَة بالإيجاد، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الأول تَعْبِير لِلْخلقِ بالإمكان (وَهُوَ) أَي التَّعَلُّق الْمَذْكُور (عرُوض الْإِضَافَة للقدرة) وَهِي إيجادها للمقدور (وَيلْزم حُدُوثه) أَي التَّعَلُّق الْمَذْكُور، وَإِلَّا يلْزم قدم الْعَالم (وَلَو صرح)

مسألة

أَبُو حنيفَة رَحمَه الله (بِهِ) أَي بِأَن المُرَاد بالخلق الْمَذْكُور فِي قَوْله الْمَشْهُور الْخلق بِالْفِعْلِ (فقد نَفَاهُ الدَّلِيل) أَي لَا يتبع فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ قد نَفَاهُ الدَّلِيل الْقطعِي، وَهُوَ لُزُوم قدم الْعَالم على تَقْدِير قدم الْخلق بِالْفِعْلِ فَإِن قلت قَوْلنَا: الله تَعَالَى خَالق بِالْفِعْلِ مُطلقَة عَامَّة، وَصدق الْمُطلقَة دائمي لِأَنَّهُ لَا يلْزم فِيهَا إِلَّا ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع فِي الْجُمْلَة، فَلَا يلْزم دوَام ثُبُوت الْخلق حَتَّى يلْزم قدم الْعَالم قلت هَذَا من الاعتبارات الفلسفية لَا تساعده اللُّغَة، فَإِن إِطْلَاق الْمُشْتَقّ على شَيْء حَقِيقَة يقتضى ثُبُوت مبدأ الِاشْتِقَاق فِي زمَان الْإِطْلَاق على قَول الْجُمْهُور، أَو فِيهِ، أَو قبله عِنْد الْبَعْض، وَللَّه در المُصَنّف حَيْثُ ذكر مَسْأَلَة اشْتِرَاط بَقَاء الْمَعْنى فِي كَون الْمُشْتَقّ حَقِيقَة عقيب هَذَا الْبَحْث، فَقَالَ: مَسْأَلَة (الْوَصْف) وَهُوَ على مَا مر مَا دلّ على ذَات مُبْهمَة متصفة بِمعين (حَال الاتصاف حَقِيقَة) أَي إِذا أطلق على ذَات متصفة بمبدأ اشتقاقه فِي زمَان اتصافها بِهِ حَقِيقَة اتِّفَاقًا، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن رَاكِبًا فِي جَاءَنِي رَاكب، وَسَيَجِيءُ رَاكب حَقِيقَة إِن كَانَ الرّكُوب مَوْجُودا عِنْد ثُبُوت الْمَجِيء لموصوفه وَإِن لم يكن مَوْجُودا فِي زمَان الاخبار فَالْعِبْرَة بِزَمَان تعلق مَا نسب إِلَيْهِ فِي الْكَلَام، فَإِن وجد الْمَعْنى فِيهِ فالوصف حَقِيقَة سَوَاء وجد فِي زمَان الاخبار أَولا، ثمَّ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب جعلا مَوْضُوع المسئلة الْمُشْتَقّ. وَقَالَ التَّفْتَازَانِيّ: التَّحْقِيق أَن المنازع اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى الْحُدُوث، وسيظهر لَك أَن الْوَجْه مَا اخْتَارَهُ المُصَنّف رَحمَه الله (وَقَبله) وَإِذا أطلق على ذَات قبل أَن يَتَّصِف بِالْمَعْنَى المصدري (مجَاز) اتِّفَاقًا (وَبعد انقضائه) أَي وَإِذا طلق ثَانِيًا حَقِيقَة عَلَيْهَا بعد مَا اتصفت بِهِ وانقضى ذَلِك الاتصاف، فقد اخْتلف فِيهِ على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَولهَا مجَاز مُطلقًا (ثَالِثهَا) التَّفْصِيل، وَهُوَ أَنه (إِن كَانَ بَقَاؤُهُ) أَي الاتصاف (مُمكنا) بِأَن لم يكن الْمصدر من المصادر السيالة الْغَيْر القارة لعدم اجْتِمَاع أزائها فِي الْوُجُود كالتكلم والاخبار، بل يكون مثل الْقيام وَالْقعُود (فمجاز، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن بَقَاؤُهُ مُمكنا بِأَن كَانَ من المصادر الْمَذْكُورَة فالوصف حِينَئِذٍ (حَقِيقَة) وَاكْتفى بِذكر الثَّالِث اختصارا مَعَ أَن الْأَوَّلين يفهمان فِي أَمْثَال هَذَا الْمقَام كَمَا لَا يخفى، كَيفَ وَقَوله ثَالِثهَا دلّ على أَن هَهُنَا قَوْلَيْنِ غَيره؟ وَلَا يخلوا إِمَّا فيهمَا التَّفْصِيل أَولا، لَا سَبِيل إِلَى الأول لِأَنَّهُ يجب إِذن ذكرهمَا، وعَلى الثَّانِي يتَعَيَّن أَن يكون أَحدهمَا القَوْل بالمجاز مُطلقًا وَالْآخر بِالْحَقِيقَةِ مُطلقًا (كَذَا) إِشَارَة إِلَى مَا ذكرت فِي بَيَان الْأَقْوَال، وَالْكَاف اسْم مُبْتَدأ خَبره (شرح بِهِ) وَالضَّمِير الْمَجْرُور عَائِد إِلَى الْمُبْتَدَأ (وَضعهَا) قَائِم مقَام فَاعل شرح،

وَالضَّمِير رَاجع إِلَى المسئلة، وَوضع المسئلة عبارَة عَن ذكرهَا فِي صدر المبحث لِأَن يُقَام عَلَيْهَا الْبُرْهَان، وَهَذَا كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد من وضع الْمُدَّعِي أَولا، ثمَّ إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، وَقَوله (هَل يشْتَرط لكَونه حَقِيقَة بَقَاء الْمَعْنى، ثَالِثهَا إِن كَانَ مُمكنا اشْترط) بدل من قَوْله وَضعهَا، وَالْمعْنَى شرح وضع المسئلة، وَهُوَ هَل يشْتَرط إِلَى آخِره بِمثل مَا ذكرنَا، والواضع ابْن الْحَاجِب، وَالشَّارِح القَاضِي عضد الدّين (وَهُوَ) أَي الشَّرْح الْمَذْكُور (قَاصِر) عَن إِفَادَة مَا يفِيدهُ الْوَضع الْمَذْكُور (إِذْ يُفِيد) الْوَضع إِطْلَاق اشْتِرَاط الْحَقِيقَة بِبَقَاء الْمَعْنى فِي كل مَا يُمكن بَقَاؤُهُ فِيهِ، و (إِطْلَاق الِاشْتِرَاط) على الْوَجْه الْمَذْكُور يُفِيد (المجازية حَال قيام جُزْء) من الْمَعْنى بعد انْقِضَاء بعض أَجْزَائِهِ (فِي) كل (مَا يُمكن) بَقَاؤُهُ فِيهِ ضَرُورَة انْتِفَاء شَرط الْحَقِيقَة، وَهُوَ بَقَاء الْمَعْنى بسب انْقِضَاء بعض أَجْزَائِهِ (وَالشَّرْح) الْمَذْكُور يُفِيد (الْحَقِيقَة) فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذكر للوصف ثَلَاث حالات: حَال الاتصاف، وَقَبله، وَبعد انقضائه، وَلَا شكّ أَن مَا يُمكن بَقَاء الْمَعْنى فِيهِ إِذا انْقَضى بعض أَجْزَائِهِ دون بعض لَا تندرج حَاله هَذِه تَحت الثَّالِثَة، لِأَن انْقِضَاء الْمَعْنى عبارَة عَن انْقِضَاء جَمِيع أَجْزَائِهِ، وَلَا تَحت الثَّانِيَة، وَهُوَ ظَاهر، فَتعين دُخُوله فِي الأولى، وَلزِمَ الحكم بِكَوْنِهِ حَقِيقَة لقَوْله حَال الاتصاف حَقِيقَة، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: معنى قَوْله: وَهُوَ قَاصِر أَن الْوَضع قَاصِر عَمَّا هُوَ الْحق فِي الْأَدَاء، إِذْ الْمَفْهُوم من كَلَام المُصَنّف رَحمَه الله الْمُوَافقَة مَعَ القَاضِي فِيمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامه لموافقته إِيَّاه فِي الْوَضع، وَيُؤَيِّدهُ قرب الْمرجع حِينَئِذٍ الضَّمِير هُوَ وَالله أعلم. (الْمجَاز) أَي دَلِيل الْمجَاز مُبْتَدأ خَبره (يَصح فِي الْحَال نَفْيه مُطلقًا) وَالْمعْنَى دَلِيل الْقَائِل بمجازية الْوَصْف بعد انْقِضَاء الْمَعْنى صِحَة نفي الْوَصْف المنقضي مبدأ اشتقاقه عَن الذَّات الَّتِي انْقَضى عَنهُ فِيمَا بعد الِانْقِضَاء نفيا مُطلقًا عَن التَّقْيِيد بالماضي أَو الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال، وَهُوَ النَّفْي فِي الْجُمْلَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصح نَفْيه فِي الْحَال، وَهُوَ أخص من النَّفْي مُطلقًا، والأخص يسْتَلْزم الْأَعَمّ (وَهُوَ) أَي نَفْيه مُطلقًا (دَلِيله) أَي دَلِيل كَون الْوَصْف مجَازًا (وَكَونه) أَي كَون نفي الْوَصْف فِي الْجُمْلَة (لَا يُنَافِي الثُّبُوت المنقضى فِي نفس الْأَمر) لعدم الْمُنَافَاة بَين السالبة الْمُطلقَة والموجبة الْغَيْر الدائمة، وَقَوله فِي نفس الْأَمر ظرف عدم الْمُنَافَاة (لَا يَنْفِي مُقْتَضَاهُ) أَي مُقْتَضى النَّفْي الْمَذْكُور (من نفي كَونه حَقِيقَة) بَيَان لمقتضاه: أَي عدم الْمُنَافَاة بَين النَّفْي والثبوت لَا يسْتَلْزم عدم اقْتِضَاء النَّفْي مجازية الْمَنْفِيّ (نعم لَو كَانَ المُرَاد) من النَّفْي الَّذِي جعل دَلِيل الْمجَاز (نفي ثُبُوت الضَّرْب مثلا فِي الْحَال وَهُوَ) أَي نفي ثُبُوت الضَّرْب فِي الْحَال (نفي الْمُقَيد) بِالْحَال لَكَانَ يبْقى اقْتِضَاء المجازية، لِأَن دَلِيل المجازية نفي الضَّرْب بِلَا تَقْيِيد (لَكِن المُرَاد صدق زيد لَيْسَ ضَارِبًا من غير قصد التَّقْيِيد) أَي تَقْيِيد

الضَّرْب الْمَنْفِيّ بِكَوْنِهِ فِي الْحَال، وَإِن كَانَ صدق النَّفْي فِي نفس الْأَمر بِاعْتِبَار ثُبُوت الضَّرْب فِي الْحَال وَغَيره (وَأجِيب بِمَنْع صدق) النَّفْي (الْمُطلق على طَلَاقه) قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ إِن ادّعى صِحَة النَّفْي الْمُطلق بِحَسب اللُّغَة: أَي يَصح لُغَة أَنه لَيْسَ بضارب فَهُوَ مَمْنُوع، بل هُوَ عين النزاع، وَإِن ادّعى صِحَّته عقلا، بِمَعْنى أَنه يصدق عقلا أَنه لَيْسَ بضارب فِي الْجُمْلَة بِنَاء على أَنه يصدق أَنه لَيْسَ بضارب فِي الْحَال، والضارب فِي الْحَال ضَارب فِي الْجُمْلَة، فصحة النَّفْي بِهَذَا الْمَعْنى لَا يُنَافِي كَون اللَّفْظ حَقِيقَة، بل النَّافِي لَهُ صِحَة النَّفْي بِالْكُلِّيَّةِ انْتهى، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله اكْتفى بِمَا هُوَ الْعُمْدَة فِي الْجَواب (قَالُوا) ثَانِيًا (لَو كَانَ) الْوَصْف (حَقِيقَة بِاعْتِبَار مَا) أَي اتصاف كَانَ (قبله) أَي قبل الْإِطْلَاق (لَكَانَ) حَقِيقَة أَيْضا (بِاعْتِبَار مَا بعده) أَي الْإِطْلَاق (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن حَقِيقَة بِاعْتِبَار مَا بعده على تَقْدِير كَونه حَقِيقَة بِاعْتِبَار مَا قبله (فتحكم) أَي فَيلْزم تحكم، أَو فَالْفرق تحكم (بَيَان الْمُلَازمَة) بَين الاعتبارين (أَن صِحَّته) أَي كَون الْإِطْلَاق حَقِيقَة (فِي الْحَال) فِي حَال اتصاف مَا يُطلق عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى (أَن تقيد بِهِ) أَي بالاتصاف فِي الْحَال (فمجاز فيهمَا) أَي فالوصف مجَاز فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا لانْتِفَاء مَا قيد بِهِ فيهمَا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَقَيَّد بالقيد الْمَذْكُور (فحقيقة فيهمَا) لِأَن الْمُعْتَبر حِينَئِذٍ فِي الْحَقِيقَة تحقق الْمَعْنى فِي وَقت مَا وهما متساويان فِيهِ (وَغَيره) أَي غير أحد الْأَمريْنِ من كَونه حَقِيقَة فيهمَا مَعًا أَو مجَازًا فيهمَا مَعًا (تحكم) لعدم الْفَارِق (الْجَواب) أَنه (لَا يلْزم من عدم التَّقْيِيد بِهِ) أَي الاتصاف فِي الْحَال (عدم التَّقْيِيد) بِمَا يَخُصهَا بِمَا عدا الصُّورَة الَّتِي لَا نزاع فِي مجازيتها (لجَوَاز تقيده) أَي كَون الْإِطْلَاق حَقِيقَة (بالثبوت) أَي ثُبُوت الْمَعْنى (قَائِما) حَال الْإِطْلَاق (أَو منقضيا) حالان عَمَّا أضيف إِلَيْهِ الثُّبُوت فَحذف وَعوض عَنهُ اللَّام، أَعنِي الْمَعْنى فَإِنَّهُ فَاعل معنى (الْحَقِيقَة) أَي دَلِيل كَون الْوَصْف حَقِيقَة فِيمَا أطلق عَلَيْهِ بعد انْقِضَاء الْمَعْنى، هَذَا الْكَلَام (أجمع اللُّغَة) أَي أَهلهَا (على) صِحَة إِطْلَاق (ضَارب أمس) على من قَامَ بِهِ الضَّرْب بالْأَمْس وانقضى (وَالْأَصْل) فِي الْإِطْلَاق (الْحَقِيقَة) فَلَا يعدل عَنهُ إِلَّا لمَانع، وَالْأَصْل عَدمه (عورض) الدَّلِيل الْمَذْكُور (بإجماعهم) أَي أهل اللُّغَة (على صِحَّته) أَي إِطْلَاق ضَارب (غَدا) على من لم يقم بِهِ الضَّرْب بعد وسيقوم فِي غَد (وَلَا حَقِيقَة) فِي هَذَا الْإِطْلَاق بِالْإِجْمَاع وَلَا فرق بَينهمَا لاشْتِرَاكهمَا فِي صِحَة الْإِطْلَاق إِجْمَاعًا وَعدم وجود الْمَعْنى فِي الْحَال فَيحكم بمجازيتهما مَعًا (وَحَاصِله خص الأَصْل لدَلِيل الْإِجْمَاع على مجازية الثَّانِي، وَلَيْسَ مثله فِي الآخر) ضمير حَاصله رَاجع إِلَى جَوَاب الْمُعَارضَة الْمَفْهُوم بِقَرِينَة الْمقَام لكَونه مترقيا بعْدهَا سِيمَا عِنْد كَونهَا ظَاهِرَة الدّفع، على أَن مَا بعده يُنَادي بتفسير الْمرجع، تَقْرِيره خص الأَصْل الْمَذْكُور وَهُوَ الأَصْل الْحَقِيقَة

فِي الثَّانِي وَهُوَ ضَارب غَدا للْإِجْمَاع، وَلَا إِجْمَاع على مجازية الأول ليخص فِيهِ أَيْضا، فَعدم الْفرق بَينهمَا غير صَحِيح يعلم أَن قَول الشَّارِح: الْوَجْه حذف وَلَيْسَ مثله فِي الآخر الْوَجْه حذفه وَلَا يخفى عَلَيْك مَا فِي قَوْله خص الأَصْل من اللطف (قَالُوا) ثَانِيًا (لَو لم يَصح) إِطْلَاق الْوَصْف بعد انْقِضَاء الْمَعْنى (حَقِيقَة لم يَصح) أَن يُقَال (الْمُؤمن لغافل) عَن تذكر الْإِيمَان (ونائم) حَقِيقَة لِكَوْنِهِمَا غير متصفين بالتصديق وَالْإِقْرَار فِي الْحَالَتَيْنِ، كَمَا أَنَّهُمَا غير متصفين بضدهما فيهمَا (وَالْإِجْمَاع) على (أَنه) أَي الْمُؤمن (لَا يخرج بهما) أَي بالغفلة وَالنَّوْم (عَنهُ) أَي الْإِيمَان (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي الْمُؤمن (مجَاز) فيهمَا، وَالْإِجْمَاع على صِحَة إِطْلَاق الْمُؤمن عَلَيْهِمَا، لَا على إِطْلَاقه عَلَيْهِمَا حَقِيقَة (لِامْتِنَاع) أَن يُقَال (كَافِر لمُؤْمِن لكفر تقدم) على إيمَانه تَعْلِيل لكَون إِطْلَاق الْمُؤمن عَلَيْهِمَا مجَازًا، تَوْضِيحه لَو كَانَ حَقِيقَة بِاعْتِبَار إِيمَان تقدم لما امْتنع إِطْلَاق كَافِر لمُؤْمِن تقدم كفره لكنه مُمْتَنع (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يمْتَنع ذَلِك (كَانَ أكَابِر الصَّحَابَة كفَّارًا حَقِيقَة) لتقدم الْكفْر على إِيمَانهم، فَتعين كَون الْمُؤمن مجَازًا فِي الغافل والنائم (وَكَذَا النَّائِم لليقظان) أَي وَكَذَا كَانَ إِطْلَاق النَّائِم على الْيَقظَان حَقِيقَة لنوم تقدم، وبطلانه لُغَة ظَاهر (قيل وَالْحق أَنه) أَي الْمُؤمن وَنَحْوه (لَيْسَ من مَحل النزاع، وَهُوَ) أَي محلّة (اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى الْحُدُوث) يَعْنِي أَن مَا هُوَ على صِيغَة اسْم الْفَاعِل قد يكون بِمَعْنى الْحُدُوث كالعالم لله سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهُ بِمَعْنى الِاسْتِمْرَار (لَا) بِمَعْنى الثُّبُوت كَمَا (فِي مثل الْمُؤمن وَالْحر وَالْعَبْد مِمَّا لَا يعْتَبر فِيهِ طريان) أَي من الصِّفَات الَّتِي لم يعْتَبر فِيهَا حُدُوث مبدأ اشتقاقها، أَعنِي عروضه لموصوفاتها بعد مَا لم يكن. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَالتَّحْقِيق أَن النزاع فِي حَقِيقَة اسْم الْفَاعِل، وَهُوَ الَّذِي بِمَعْنى الْحُدُوث، لَا فِي مثل الْكَافِر، وَالْمُؤمن، والنائم، وَالْيَقظَان، والحلو، والحامض، وَالْعَبْد، وَالْحر مِمَّا يعْتَبر فِي بعضه الاتصاف بِهِ مَعَ عدم طريان المنافى، وَفِي بعضه الاتصاف بِهِ بِالْفِعْلِ أَلْبَتَّة انْتهى، وَقد علم بذلك أَن الْحُدُوث لم يعْتَبر فِي شَيْء من الْمَذْكُورَات، وَالْمُعْتَبر فِي الْبَعْض الأول الاتصاف فِي الْجُمْلَة مَعَ عدم طريان المنافى، وَالْكَافِر وَالْمُؤمن من الْبَعْض الأول، وَالْبَاقِي من الثَّانِي (وَقد يُقَال وَلَو سلم) كَون الْمُؤمن اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى الْحُدُوث (فَالْجَوَاب الْحق) الكاشف عَن حَقِيقَة المُرَاد الحاسم مَادَّة الشُّبْهَة (أَنه إِذا أجمع على أَنه) أَي الْمُؤمن (إِذا لم يخرج بهما) أَي النّوم والغفلة (عَن الْإِيمَان أَو عَن كَونه مُؤمنا) يجوز أَن يكون تَفْسِيرا للْإيمَان، وَبَيَان كَونه مصدرا مَبْنِيا للْفَاعِل، وَيجوز أَن يُرَاد بِالْإِيمَان الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ، وَذكر هَذَا للْمُبَالَغَة بِاعْتِبَار إِفَادَة عدم خُرُوجه عَن الْإِيمَان وَعَن لَازمه فَهُوَ كالتأكيد (باعترافكم) مُتَعَلق بأجمع لَا بيخرج كَمَا توهمه الشَّارِح لفساد الْمَعْنى حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ يقتضى الْإِجْمَاع على عدم الْخُرُوج

باعتراف الْخصم (بل حكم أهل اللُّغَة وَالشَّرْع) كلمة بل للترقي بِضَم أهل اللُّغَة إِلَى أهل الْإِجْمَاع الَّذِي هُوَ أصل الشَّرْع (بِأَنَّهُ) أَي الشَّأْن (مَا دَامَ الْمَعْنى مودعا حافظة الْمدْرك كَانَ قَائِما بِهِ) المُرَاد بِالْمَعْنَى الْإِيمَان وَنَحْوه من الصِّفَات النفسية الإدراكية، والمدرك الْعقل، وَلَيْسَ المُرَاد بالحافظة مصطلح الْحُكَمَاء، أعيى خزانَة الواهمة الَّتِي تدْرك الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالمحسوسات كصداقة زيد وعداوة عَمْرو، بل الْقُوَّة الَّتِي تحفظ مدركات الْعقل مُطلقًا، وَالْمعْنَى حكم الْفَرِيقَانِ بِقِيَام الْإِيمَان وَنَحْوه بالمدرك مَا دَامَ مَوْجُودا فِي خزانته (مَا لم يطْرَأ) على الْمدْرك (حكم يناقضه) أَي الْمَعْنى الْمَذْكُور، كلمة مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَصْدَرِيَّة نائبة عَن الظّرْف الْمُضَاف إِلَى الْمصدر المؤولة هِيَ وصلتها بِهِ: أَي مُدَّة دوَام الْمَعْنى وَمُدَّة عدم طروحكم، والظرف الثَّانِي بدل عَن الأول، وَفِي الْحَقِيقَة تَفْسِير لَهُ، لِأَن مُدَّة دوَام الْمَعْنى هِيَ مُدَّة عدم طرُو مَا يناقضه، وَالْعَامِل فيهمَا كَذَلِك، وَلَك أَن تجْعَل الظّرْف الثَّانِي مَعْمُولا لقوه مودعا، غير أَنه موهم وجود الْإِيدَاع على تَقْدِير الطرو أَيْضا، وَالْمرَاد بالحكم المناقض مَا يُنَافِي الْإِيمَان من قَول أَو فعل كالتكلم بِكَلِمَة الْكفْر وَعبادَة الْأَوْثَان، وتسميتهما حكما، لِأَنَّهُ سَبَب لترتيب أَحْكَام بِوَضْع الشَّارِع فَهُوَ من خطاب الْوَضع الَّذِي يُسمى حكما عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (بِلَا شَرط دوَام الْمُشَاهدَة) مُتَعَلق بِحكم: أَي لَا يشْتَرط فِي قيام الْإِيمَان بالمدرك الْمُؤمن دوَام مشاهدته باستحضار صورته، وَالنَّظَر إِلَيْهَا من غير أَن تغيب (فالإطلاق) أَي إِطْلَاق الْمُؤمن على الغافل والنائم وَغَيرهمَا (حِينَئِذٍ) أَي حِين إِذْ يكون الْإِيمَان مودعا فِي الحافظة كامنا (حَال قيام الْمَعْنى) الَّذِي هُوَ الْإِيمَان (وَهُوَ) أَي إِطْلَاق الْوَصْف على الذَّات حَال قيام الْمَعْنى (حَقِيقِيّ اتِّفَاقًا فَلم يفد) صِحَة إِطْلَاق الْمُؤمن على الغافل والنائم (فِي مَحل النزاع شَيْئا) من الْفَائِدَة لِأَن النزاع فِيمَا بعد انْقِضَاء الْمَعْنى (وَبِه) أَي بِهَذَا الْجَواب الْحق (يبطل الْجَواب بِأَنَّهُ) أَي الْمُؤمن فِي الغافل والنائم (مجَاز) لما عرفت من أَن إِطْلَاقه عَلَيْهِمَا حَال قيام الْمَعْنى، وَهُوَ حَقِيقِيّ (وإثباته) أَي إِثْبَات أَنه مجَاز (بامتناع) أَن يُقَال (كَافِر لمُؤْمِن صَحَابِيّ أَو غَيره الخ بَاطِل) لِأَن امْتنَاع إِطْلَاق كَافِر لمُؤْمِن تقدم كفره إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الشَّرْع، وَأما امْتِنَاعه من جِهَة اللُّغَة فَعدم صِحَّته غير مُسلم (بل صِحَّته) أَي صِحَة إِطْلَاق كَافِر عَلَيْهِ (لُغَة اتِّفَاق) أَي مُتَّفق عَلَيْهِ بَين أهل اللُّغَة (وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنه) أَي الْكَافِر فِي الْمُؤمن الْمَذْكُور (حَقِيقَة) لُغَة أَو مجَازًا (وَالْمَانِع) عَن الْإِطْلَاق أَمر (شَرْعِي) لَا لغَوِيّ فَإِنَّهُ مَنْهِيّ تَعْظِيمًا لَهُ (واذن) ظرف زمَان فِيهِ معنى الشَّرْط غَالِبا، وَقد يكون لمُجَرّد الظَّرْفِيَّة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين} - أَصله إِذا حذفت الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا، وَعوض مِنْهَا التَّنْوِين، والعالم فِيهِ الادعاء الْمَذْكُور فِي قَوْلهم (لَهُم ادِّعَاء كَونه حَقِيقَة)

أَي وَإِذا لم يكن الْمَانِع لغويا لأهل الْحَقِيقَة ادعا كَون كَافِر حَقِيقَة فِي الْمُؤمن الْمَذْكُور لُغَة، وَأَن امْتنَاع إِطْلَاقه لمَانع شرعا (مَعَ صِحَة إِطْلَاق) لفظ (الضِّدّ) وَهُوَ الْمُؤمن (كَذَلِك) أَي حَقِيقَة (وَلَا يمْتَنع) صِحَة إِطْلَاق الضدين على شَيْء وَاحِد على جَمِيع التقادير (إِلَّا لَو قَامَ مَعْنَاهُمَا فِي وَقت الصحتين) أَي على تَقْدِير قيام معنى الضدين فِي وَقت وَاحِد هُوَ وَقت الصحتين (وَلَيْسَ الْمُدَّعِي) أَي مدعي أهل الْحَقِيقَة (سوى كَون اللَّفْظ) أَي الْوَصْف المنازع فِيهِ (بعد انْقِضَاء الْمَعْنى حَقِيقَة، وَأَيْنَ هُوَ؟) أَي كَونه حَقِيقَة بعد انْقِضَاء الْمَعْنى (من قِيَامه) أَي الْمَعْنى (فِي الْحَال) أَي فِي حَال صِحَة الْإِطْلَاق (ليجتمع المتنافيان) فِي وَقت وَاحِد (أَو يلْزم قيام أَحدهمَا) أَي المتنافيين (بِعَيْنِه) قَوْله يلْزم مَعْطُوف على يجْتَمع، وَإِنَّمَا قَالَ بِعَيْنِه لِأَن الْخُلُو عَن أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين فِيمَا نَحن فِيهِ غير مُتَصَوّر، إِذْ انْتِفَاء الْإِيمَان يسْتَلْزم الْكفْر وَبِالْعَكْسِ، وَأما إِذا كَانَ الضدان بِحَيْثُ لَا يمْتَنع ارتفاعهما عَن الْمحل كالأسود والأبيض، فَيجوز أَن لَا يقوم شَيْء مِنْهُمَا مَعَ صِحَة إطلاقهما بِاعْتِبَار الاتصاف السَّابِق تَلْخِيص الْكَلَام أَن حَاصِل الِاسْتِدْلَال صِحَة إِطْلَاق الْمُؤمن على الغافل والنائم اللَّازِمَة عدم خروجهما عَن الْإِيمَان يَقْتَضِي كَونه حَقِيقَة، وَكَذَا سَائِر الْأَوْصَاف بعد الِانْقِضَاء وخلاصة الْجَواب: إِمَّا منع لُزُوم الْحَقِيقَة لجَوَاز كَون الْإِطْلَاق مجازيا مُسْتَندا بامتناع كَافِر الخ أَو الْمُعَارضَة بادعا المجازية وإثباتها بالامتناع الْمَذْكُورَة ومحصول الْكَلَام الْمُحَقق منع استلزام دَلِيل مدعي الْحَقِيقَة وخصمه مدعاه لخُرُوج الْمُؤمن وَالْكَافِر عَن مَحل النزاع على تَقْدِير الْمُعَارضَة، أَو عدم صَلَاحِية خَصمه لسندية لما ذكر وَحَاصِل تَحْقِيق المُصَنّف منع استلزام الدَّلِيل الْمُدَّعِي على تَقْدِير كَون الْمُؤمن اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى الْحُدُوث لِأَنَّهُ لَيْسَ من مَحل النزاع لعدم انْقِضَاء الْمَعْنى فِيهِ، وَإِبْطَال دَلِيل مدعى الْمجَاز لصِحَّة إِطْلَاق كَافِر لمُؤْمِن لُغَة بالِاتِّفَاقِ على تَقْرِير الْمُعَارضَة، وَعدم صَلَاحِية السندية على تَقْرِير الْمَنْع مَعَ زِيَادَة التَّحْقِيق على مَا ترى، كَيفَ وَقد أبطل جَوَابا صرح بقوته القَاضِي عضد الدّين، وناهيك بِهِ (قَالُوا) ثَالِثا (لَو اشْترط لكَونه) أَي الْوَصْف (حَقِيقَة بَقَاء الْمَعْنى لم يكن لأكْثر المشتقات) من المصادر السيالة (حَقِيقَة) لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر بَقَاؤُهَا إِلَّا بعد حُصُولهَا، وَهُوَ لَا يتَصَوَّر إِلَّا باجتماع أَجْزَائِهَا، وَأَنَّهَا تَنْقَضِي أَولا فأولا (كضارب ومخبر) أما الضَّرْب فَفِي كَونه نظر كَمَا سَيَأْتِي، وَأما الْأَخْبَار فَلِأَنَّهُ عبارَة عَن التَّلَفُّظ بحروف تَنْقَضِي أَولا فأولا، فَقبل أَن يتَلَفَّظ بالحرف الْأَخير لم يتَحَقَّق الْأَخْبَار، وَحين تلفظ بِهِ قد انْقَضى، فَمَتَى يُطلق عَلَيْهِ عِنْد بَقَاء الْمَعْنى ليَكُون حَقِيقَة (بل) تكون الْحَقِيقَة (لنَحْو قَائِم وقاعد) مِمَّا اشتق من غير السيالة مِمَّا يجْتَمع أجزاؤه فِي الْوُجُود وَيبقى (وَالْجَوَاب أَنه) أَي بَقَاء الْمَعْنى (يشْتَرط إِن أمكن) بَقَاؤُهُ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يُمكن (فوجود جُزْء) أَي فَيشْتَرط وجود جُزْء فَلَا يلْزم أَن لَا يكون لأكْثر

المشتقات حَقِيقَة، فَمَا دَامَ جُزْء مِنْهَا مَوْجُودا يُطلق الْوَصْف حَقِيقَة، وَلَا يلْزم كَون الْمُجيب مُطلق الِاشْتِرَاط، ليرد أَن هَذَا الْجَواب خلاف مذْهبه (وَالْحق أَن هَذَا) التَّفْصِيل (يجب أَن يكون مُرَاد مُطلق الِاشْتِرَاط) أَي من اشْتِرَاط بَقَاء الْمَعْنى فِي مُطلق الْأَوْصَاف (ضَرُورَة) أَي وجوبا أَو للضَّرُورَة الْمُقْتَضِيَة الْوُجُوب الْمَذْكُور، وَذَلِكَ لِأَن الْعَاقِل الْعَارِف باللغة لَا يسْتَلْزم نفي الْحَقِيقَة رَأْسا عَن أَكثر المشتقات (لَا مذهبا ثَالِثا) مَعْطُوف على خبر يكون فَلَا يكون فِيمَا بعد الِانْقِضَاء إِلَّا مذهبان: نفي الِاشْتِرَاط مُطلقًا، وَالتَّفْصِيل (فَهُوَ) أَي مُطلق الِاشْتِرَاط (وَإِن قَالَ يشْتَرط بَقَاء الْمَعْنى) والمتبادر مِنْهُ بَقَاؤُهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ لكنه (يُرِيد) بِهِ (وجود شَيْء مِنْهُ) أَي جُزْء من الْمَعْنى لظُهُور فَسَاد إِرَادَة مَا هُوَ الْمُتَبَادر فِيمَا لَا يُمكن بَقَاؤُهُ، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا يُفِيد التَّعْمِيم فِيمَا يُمكن ومالا يُمكن، وَلَا ضَرُورَة فِي ارتكابه فِيمَا يُمكن، وَقد صرح التفتازابي أَن مُرَاد الْمُطلق أَنه لَا بُد من بَقَاء الْمَعْنى بِتَمَامِهِ إِن أمكن وَإِلَّا فبجزء مِنْهُ، وَيُمكن حمل هَذَا الْكَلَام عَلَيْهِ بِضَرْب من الْمُسَامحَة، وَإِنَّمَا لم يقل آخر جُزْء كَمَا فِي الْمُنْتَهى لِأَن الْمُعْتَبر الْمُبَاشرَة الْعُرْفِيَّة، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَلفظ مخبر وضارب إِذا أطلق فِي حَال الاتصاف) أَي اتصاف الْمخبر (بِبَعْض الْأَخْبَار) بِكَسْر الْهمزَة: أَي عِنْد مُبَاشَرَته بِبَعْض حُرُوفه وبشيء من الضَّرْب (يكون حَقِيقَة لِأَن مثل ذَلِك) الْإِطْلَاق (يُقَال فِيهِ أَنه) إِطْلَاق حَال اتصافه) أَي الْمخبر والضارب (بالأخبار وَالضَّرْب عرفا) أَي فِي عرف اللُّغَة، ومدار معرفَة الْحَقِيقَة وَالْمجَاز على الْعرف (وَإِذا كَانَ) الْعرف أَو الْأَمر (كَذَلِك وَجب أَن يحمل كَلَامه) أَي مُطلق الِاشْتِرَاط (عَلَيْهِ) أَي على مَا ذكر من المُرَاد تَصْحِيحا لكَلَام الْعَاقِل الْعَارِف باللغة (وَمن المستبعد أَن يَقُول أحد) مِمَّن لَهُ أدنى معرفَة باللغة (لفظ ضَارب) إِذْ أطلق على شخص (فِي حَال الضَّرْب مجَاز) لعدم قيام مَجْمُوع أَجْزَائِهِ فِي تِلْكَ الْحَالة (وَإنَّهُ) أَي الضَّارِب (لم يسْتَعْمل حَقِيقَة أبدا، وَكثير مثل هَذَا) من إِثْبَات الْخلاف بِنَاء على مَا يتَوَهَّم من ظواهر الْأَقْوَال (فِي كَلَام المولعين) من أولع بالشَّيْء إِذا علق بِهِ (بِإِثْبَات الْخلاف) وهم الَّذين ابتلوا بالوقوع فِيهِ من غير توقف وَتَأمل وُقُوع (وَنقل الْأَقْوَال) مَعْطُوف على إِثْبَات لخلاف: أَي المولعين بِمُجَرَّد نقل الْأَقْوَال من غير تدبر وتعمق فِي فهم مَقَاصِد الْقَوْم، وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ خَبره (لمن تتبع) أَي نقلهَا مُسلم لمن تتبع حق التتبع، والمولعون لَيْسُوا مِنْهُم، فعلى الأول مُتَعَلق بِمَحْذُوف: أَي مَعْلُوم كثرته لمن تتبع (ثمَّ الْحق أَن ضَارِبًا لَيْسَ مِنْهُ) أَي من الْوَصْف الَّذِي لَا يُمكن بَقَاء مَعْنَاهُ (لِأَن الْوُجُود) عِنْد إِطْلَاقه على من يُبَاشر الضَّرْب (تَمام الْمَعْنى) لَا جزؤه كَمَا يتَوَهَّم من ضرب مائَة عَصا أَنه ضرب وَاحِد، وكل وَاحِد من الْمِائَة

الفصل الثاني

جُزْء مِنْهُ بل كل وَاحِد مِنْهَا يصدق عَلَيْهِ مَفْهُوم الضَّرْب مَوْجُود فِيهِ تَمام حَقِيقَته (وَإِن انْقَضى كثير من الْأَمْثَال) أَي من أَفْرَاد الضَّرْب الْمُمَاثلَة للموجود حَال الْإِطْلَاق (لَا يُقَال فَالْوَجْه حِينَئِذٍ) أَي حِين أُجِيب عَن أَدِلَّة الْمجَاز والحقيقة، وَلم يبْق لأَحَدهمَا رُجْحَان على الآخر من حَيْثُ الدَّلِيل (الْحَقِيقَة) أَي اخْتِيَارهَا (تَقْدِيمًا للتواطئ) وَهُوَ كَون اللَّفْظ مَوْضُوعا لما يعم الْمَعْنى الَّذِي هُوَ حَقِيقَة فِيهِ بِلَا شُبْهَة، وَالْمعْنَى الَّذِي فِيهِ شُبْهَة المجازية (على الْمجَاز) أَي المجازية (لَا التَّوَقُّف) أَي لَيْسَ الْوَجْه التَّوَقُّف (كظاهر بعض الْمُتَأَخِّرين) أَي كمفهوم ظَاهر كَلَام بَعضهم، وَهُوَ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب (لعدم لَازمه) أَي التواطئ تَعْلِيل لقَوْله: لَا يُقَال وَحَاصِله الِاسْتِدْلَال بِنَفْي اللَّازِم على نفي الْمَلْزُوم (وَهُوَ) أَي لَازمه (سبق الْأَحَد) أَي أحد الْأَمريْنِ: من الْمُثبت لَهُ الْمَعْنى قَائِما، والمثبت لَهُ منقضيا (الدائر) بَين الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين، يَعْنِي لَو كَانَ الْوَصْف مَوْضُوعا لأحد الْأَمريْنِ لسبق إِلَى الْفَهم عِنْد إِطْلَاقه كَمَا هُوَ شَأْن الْمَوْضُوع لَهُ، لكنه لم يسْبق فَلَا وضع فَلَا تواطؤ (لسبقه) أَي الْمَعْنى إِلَى الْفَهم (بِاعْتِبَار الْحَال من نَحْو زيد قَائِم) وَسبق أحد الْأَمريْنِ بِعَيْنِه يسْتَلْزم عدم سبق أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه، وَظَاهر هَذَا الْكَلَام أَن المُصَنّف رَحمَه الله: اخْتَار المجازية فِي مَحل النزاع، وَقد استبان بِمَا ذكر من التَّفْصِيل أَن مَحل النزاع الْوَصْف الَّذِي هُوَ مَظَنَّة لَا يكون إِلَّا حَقِيقَة بعد الِانْقِضَاء، بِخِلَاف مَا اعْتبر فِيهِ الاتصاف بِالْفِعْلِ اتِّفَاقًا، وَمَا اعْتبر فِيهِ عدم طريان المنافى وَالله أعلم. الْفَصْل الثَّانِي (فِي) تَقْسِيم الْمُفْرد بِاعْتِبَار (الدّلَالَة وظهورها وخفائها) فَهِيَ (تقسيمات) ثَلَاثَة (التَّقْسِيم الأول) وَهُوَ تقسيمه بِاعْتِبَار الدّلَالَة نَفسهَا، التَّقْسِيم ضم قيود متباينة ذاتا أَو اعْتِبَارا إِلَى مَفْهُوم كلي بِحَيْثُ يحصل من انضمام كل قسيم، وَهُوَ قسيم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الآخر (اللَّفْظ الْمُفْرد إِمَّا دَال بالمطابقة أَو التضمن أَو الِالْتِزَام) وَسَيَجِيءُ تَفْسِيرهَا (وَالْعَادَة) أَي عَادَة الْأُصُولِيِّينَ (التَّقْسِيم فِيهَا) أَي الدّلَالَة نَفسهَا، لَا الدَّال (ويستتبعه) أَي الدّلَالَة اللَّفْظ فِي الانقسام: أَي يَنْقَسِم اللَّفْظ تبعا للدلالة، وَإِنَّمَا عدل عَنْهَا لتَكون التقسيمات كلهَا للمفرد تسهيلا للضبط (وَالدّلَالَة كَون الشَّيْء) بِحَيْثُ (مَتى فهم فهم) مِنْهُ (غَيره فَإِن كَانَ التلازم) أَي لُزُوم فهم الْغَيْر لذَلِك فهم الشَّيْء، وملزومية ذَلِك الشَّيْء لفهم الْغَيْر الْمُسْتَفَاد من قَوْله مَتى فهم فهم الخ، وَالْمرَاد عدم الانفكاك لَا امْتِنَاعه (بعلة الْوَضع) بِسَبَب كَون ذَلِك الشَّيْء مَوْضُوعا لذَلِك الْغَيْر، أَو لما هُوَ جزؤه أَو لَازمه (فوضعية) أَي فالدلالة وضعية (أَو الْعقل) والتقابل بِاعْتِبَار اسْتِقْلَال الْعقل وَعَدَمه، وَإِلَّا

فالعقل لَهُ مدْخل فِي الوضعية أَيْضا (فعقلية، وَمِنْهَا الطبيعية) أَي من الْعَقْلِيَّة الدّلَالَة الطبيعية، وَهِي مَا كَانَت الطبيعة سَبَب وجود الدَّال (إِذْ دلَالَة أح على الْأَذَى) وَهُوَ وجع الصدرا لملجئ صَاحبه إِلَى إِيقَاعه (دلَالَة الْأَثر) وَهُوَ أح (على مبدئه) ومنشئه، وَهُوَ الوجع الْمَذْكُور (كالصوت) أَي كدلالة الصَّوْت المسموع من وَرَاء الْجِدَار على صَاحبه (وَالْكِتَابَة) بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَاتِب (وَالدُّخَان) بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّار، فَإِنَّهَا عقليات كلهَا (والوضعية) تَارَة (غير لفظية كالعقود) جمع عقد، وَهُوَ مَا يعْقد بالأصابع على كَيْفيَّة خَاصَّة مَوْضُوع لعدد معِين (وَالنّصب) جمع نصبة، وَهُوَ الْعَلامَة المنصوبة لمعْرِفَة الطَّرِيق (ولفظية) وَهِي (كَون اللَّفْظ بِحَيْثُ إِذا أرسل) لم يقل أطلق لِأَن الْمُتَبَادر من الْإِطْلَاق مَا قرن بالإرادة، والإرسال أَعم وَاللَّفْظ يدل على مَعْنَاهُ إِذا تلفظ بِهِ، وَإِن لم يرد بِهِ الْمَعْنى (فهم) مِنْهُ (الْمَعْنى للْعلم بِوَضْعِهِ) أَي اللَّفْظ (لَهُ) أَي الْمَعْنى والمتبادر كَون اللَّام مُتَعَلقا بفهم، وَهُوَ يُوهم كَون اللَّازِم الْفَهم من حَيْثُ إِنَّه مُعَلل، وَيرد أَنه إِذا أرسل وَلم يكن السَّامع عَالما بِالْوَضْعِ لم يفهم، وَهُوَ يُنَافِي مَتى فهم فهم فَتعين كَونه مُتَعَلقا بِالْإِرْسَال، وَاللَّام بِمَعْنى عِنْد كَقَوْلِه تَعَالَى - {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} - (وَأورد) نقضا على عكس التَّعْرِيف من حَيْثُ تضمنه لُزُوم حُدُوث فهم الْمَعْنى عِنْد الْإِرْسَال (سَمَاعه) أَي اللَّفْظ (حَال كَون الْمَعْنى مشاهدا) للسامع لعدم حُدُوث الْفَهم حِينَئِذٍ لِامْتِنَاع حُصُول الْحَاصِل (وَأجِيب بِقِيَام الْحَيْثِيَّة) المفسرة بهَا الدّلَالَة اللفظية، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهِي) أَي الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة (الدّلَالَة) تَوْضِيحه سلمنَا انْتِفَاء حُدُوث فهم الْمَعْنى حَال الْمُشَاهدَة، لكنه لَا يخل فِيهَا، لِأَنَّهَا عبارَة عَن تِلْكَ الْحَيْثِيَّة، وَهِي مَوْجُودَة فِي الدَّال لكَونه بِحَيْثُ إِلَى آخِره، وَلقَائِل أَن يَقُول لَا نسلم قيام الْحَيْثِيَّة، لِأَن كلمة إِذا فِيهَا بِمَعْنى مَتى لما مر فِي تَعْرِيف مُطلق الدّلَالَة، فَيجب حُدُوث الْمَعْنى فِي كل إرْسَال، وَقد عرفت عَدمه عِنْد إرْسَاله حَال الْمُشَاهدَة، وَلعدم حقية هَذَا الْجَواب. قَالَ (وَالْحق) أَن يُقَال إِنَّه حصل (الِانْقِطَاع) أَي انْقِطَاع الْمُشَاهدَة (بِالسَّمَاعِ) أَي بِسَبَب اشْتِغَال البال باستماع اللَّفْظ (ثمَّ التجدد) أَي تجدّد فهم حَادث (عَنهُ) أَي عَن اللَّفْظ، وَيتَّجه أَنه لَا تَنْقَطِع الْمُشَاهدَة غَايَة الْأَمر أَن يَنْقَطِع الالتفاف إِلَى الْمُشَاهدَة بِالذَّاتِ، وَالْجَوَاب أَن المُرَاد بِانْقِطَاع الْمُشَاهدَة هُوَ هَذَا، وَالْمرَاد بالفهم اللَّازِم فِي الدّلَالَة مَا يعم الْفَهم الْحَادِث من حَيْثُ الذَّات، والحادث من حَيْثُ الِالْتِفَات (وللدلالة إضافات) أَي صِفَات إضافية حَاصِلَة لَهَا بِالْقِيَاسِ (إِلَى تَمام مَا وضع لَهُ اللَّفْظ، وجزئه، ولازمه) فَإِذا اعْتبرت الدّلَالَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَمام مَا وضع لَهُ حصلت إِضَافَة، وَإِلَى جزئه أُخْرَى، وَإِلَى لَازمه أُخْرَى (إِن كَانَا) أَي إِن وجد الْجُزْء وَاللَّازِم فَكَانَ تَامَّة، وَيجوز كَونهَا نَاقِصَة، وَالْخَبَر مَحْذُوف،

أَعنِي موجودين، وَقَوله للدلالة إِلَى آخِره دَال على الْجَزَاء الْمَحْذُوف والمشروط إِنَّمَا هُوَ الإضافتان الأخيرتان بِالْحَقِيقَةِ، أَشَارَ إِلَى مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن الْمُطَابقَة لَا تَسْتَلْزِم التضمن والالتزام، لجَوَاز أَن يكون مَا وضع لَهُ بسيطا لَا لَازم أَو مركب كَذَا (وَلها) أَي للدلالة (مَعَ كل) إِضَافَة (اسْم، فَمَعَ الأول) اسْمهَا (دلَالَة الْمُطَابقَة، وَمَعَ الثَّانِي دلَالَة التضمن، وَكَذَا الِالْتِزَام) أَي وَمَعَ إضافتها إِلَى اللَّازِم اسْمهَا دلَالَة الِالْتِزَام، وَالتَّعْبِير عَن الْإِضَافَة بِالْأولِ وَالثَّانِي بِاعْتِبَار كَونهَا مصدرا، (ويستلزم اجتماعها) أَي الدلالات الثَّلَاث (انتقالين) من لفظ (وَاحِد) مِنْهُ (إِلَى الْمَعْنى المطابقي والتضمني) وَإِنَّمَا قُلْنَا بوحدة الِانْتِقَال فيهمَا (لِأَن فهمه) أَي الْجُزْء (فِي ضمنه) أَي تَمام مَا وضع (لَا كظن) أَي كمظنون (شَارِح الْمطَالع) الْفَاضِل الْمَشْهُور قطب الدّين الرَّازِيّ من أَنه ينْتَقل الذِّهْن من اللَّفْظ إِلَى جُزْء مَا وضع لَهُ، ثمَّ مِنْهُ إِلَى تَمَامه، وَأَن الْمُطَابقَة تَابِعَة للتضمن فِي الْفَهم لسبق الْجُزْء فِي الْمَوْجُودين، وَمَا ذكره المُصَنّف رَحمَه الله إِشَارَة إِلَى مَا ذكره الْمُحَقق شَارِح الْمُخْتَصر القَاضِي عضد الدّين فِي الدّلَالَة اللفظية من أَنه ينْتَقل الذِّهْن من اللَّفْظ إِلَى الْمَعْنى ابْتِدَاء، وَهِي وَاحِدَة لَكِن رُبمَا تضمن الْمَعْنى الْوَاحِد جزءين فيفهم مِنْهُ الجزءان، وَهُوَ بِعَيْنِه فهم الْكل، فالدلالة على الْكل لَا تغاير الدّلَالَة على الجزءين مَعًا مُغَايرَة بِالذَّاتِ بل بِالْإِضَافَة وَالِاعْتِبَار، وَقرر هَذَا التَّحْقِيق الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ، ثمَّ قَالَ ومبني هَذَا التَّحْقِيق على أَن التضمن فهم الْجُزْء فِي ضمن الْكل، والالتزام فهم اللَّازِم بعد فهم الْمَلْزُوم، حَتَّى إِذا اسْتعْمل اللَّفْظ فِي الْجُزْء أَو اللَّازِم مَعَ قرينَة مَانِعَة عَن إِرَادَة الْمُسَمّى لم يكن تضمنا أَو التزاما بل مُطَابقَة لكَونهَا دَالَّة على تَمام الْمَعْنى: أَي مَا عَنى بِاللَّفْظِ وَقصد انْتهى بَيَان ذَلِك أَن دلَالَة اللَّفْظ بِوَضْعِهِ للمعنى فالعالم بِهِ إِذا فهم اللَّفْظ يتَوَجَّه قصدا بِمُقْتَضى علمه نَحْو الْمَوْضُوع لَهُ لَا إِلَى جزئه وَإِن كَانَ يتعقل قبل تعقل الْكل ضَرُورَة، لِأَن الذِّهْن غير مُتَوَجّه إِلَيْهِ قصدا، وَكَونه وَاسِطَة فِي الِانْتِقَال فرع توجه الذِّهْن إِلَيْهِ قصدا لَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون مَقْصُود شَارِح الْمطَالع من كَون الْجُزْء وَاسِطَة فِي الِانْتِقَال مُقَدّمَة فِي التعقل لِأَن ذَلِك بديهي لَا يحْتَاج إِلَى الْبَيَان وَلَا تنَازع فِيهِ مَعَ أَنه شبه وساطته بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكل بوساطة الْمَوْضُوع لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنى الالتزامي (يَلِيهِ) أَي يَلِي ذَلِك الْوَاحِد انْتِقَال (آخر) من الْمَعْنى المطابقي (إِلَى) الْمَعْنى (الالتزامي لُزُوما) أَي لكَون الالتزامي لَازِما للمطابقي، وَإِنَّمَا صَار لُزُومه سَبَب الِانْتِقَال (لِأَنَّهُ) أَي اللُّزُوم هَهُنَا (بِالْمَعْنَى الْأَخَص) اللُّزُوم عِنْد المنطقيين يُطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا أخص، وَهُوَ كَون اللَّازِم بِحَيْثُ يحصل فِي الذِّهْن كلما حصل الْمَلْزُوم فِيهِ، وَثَانِيهمَا الْأَعَمّ، وَهُوَ كَونه بِحَيْثُ إِذا تصور مَعَ الْمَلْزُوم يحكم الْعقل باللزوم بَينهمَا على الْفَوْر أَو بعد التَّأَمُّل، أما لعلاقة عقلية أَو لعرف خَاص أَو عَام وَمَا يجْرِي مجْرَاه والأخصية بِاعْتِبَار أَنه كلما

تحقق اللُّزُوم بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا تعقلا يحكم الْعقل باللزوم بَينهمَا من غير عكس وَهُوَ ظَاهر (فَانْتفى لُزُوم الالتزامي مُطلقًا) كَمَا زعم الإِمَام الرَّازِيّ من أَن كل مُسَمّى لَهُ لَازم ذهني، وَذَلِكَ الزَّعْم (للُزُوم تعقل أَنه) أَي الْمُسَمّى (لَيْسَ غَيره) أَي غير نَفسه (لِأَن ذَلِك) أَي التعقل الْمَذْكُور لَازم (بالأعم) أَي بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ، وَقد عَرفته وَالْمُعْتَبر هَهُنَا اللَّازِم بِالْمَعْنَى الْأَخَص (هَذَا) كُله (على) اصْطِلَاح (المنطقيين فَلَا دلَالَة للمجازات على) الْمعَانِي (المجازية) لعدم كَونهَا بِحَيْثُ مَتى أرْسلت فهم مِنْهَا تِلْكَ الْمعَانِي، بل إِذا أرْسلت مَعَ الْقَرِينَة، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (بل ينْتَقل إِلَيْهَا) أَي الْمعَانِي المجازية (بِالْقَرِينَةِ فَهِيَ) أَي الْمعَانِي المجازية (مرادات) بالمجازات (لَا مدلولات لَهَا فَلَا تورد) المجازات نقضا (عَلَيْهِم) أَي على عكس تَعْرِيف المنطقيين بِأَنَّهَا خَارِجَة عَنهُ (إِذْ يلتزمونه) أَي خُرُوجهَا عَن التَّعْرِيف لعدم دُخُولهَا فِي الْمُعَرّف (وَلَا ضَرَر) فِي ذَلِك (إِذْ لم يسْتَلْزم) عدم دلالتها على الْمعَانِي المجازية (نفى فهم المُرَاد) مِنْهَا ليَكُون التزامهم بَاطِلا لكَونه خلاف الْوَاقِع (فَلَيْسَ للمجاز) الْمُسْتَعْمل (فِي الْجُزْء وَاللَّازِم دلَالَة مُطَابقَة فيهمَا) أَي بِاعْتِبَار اسْتِعْمَاله فِي الْجُزْء وَاللَّازِم (كَمَا قيل) قَائِله الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ، وَقد مر آنِفا (بل اسْتِعْمَال يُوجب الِانْتِقَال مَعَه إِلَى كل فَقَط الْقَرِينَة) اضراب عَن ثُبُوت الدّلَالَة المطابقية للمجاز على الْجُزْء اللَّازِم إِلَى ثُبُوت اسْتِعْمَال لَهُ توجب الْقَرِينَة المفيدة إِرَادَة أَحدهمَا حَال كَونهَا مَعَ ذَلِك الِاسْتِعْمَال الِانْتِقَال عَن الْمَوْضُوع لَهُ إِلَى كل من الْجُزْء وَاللَّازِم فَقَط: أَي بِدُونِ مُشَاركَة شَيْء آخر إِيَّاه فِي الْإِرَادَة (وَدلَالَة) مَعْطُوف على اسْتِعْمَال (تضمنية والتزامية فيهمَا) مُتَعَلق بِاسْتِعْمَال، وَإِنَّمَا تثبت الدلالتان (تبعا للمطابقية الَّتِي لم ترد) فَلَا يرد أَنه يلْزم تحقق الدّلَالَة التضمنية والالتزامية بِدُونِ المطابقية (وَهَذَا) أَي وجود المطابقية فِي الْمجَاز الْمَذْكُور مَعَ كَونهَا غير مُرَاد (لِأَن بعد) تحقق (الْوَضع لَا تسْقط الدّلَالَة) المطابقية (عَن) الدَّال (الوضعي) إِذا كَانَ الشَّارِح عَالما بِالْوَضْعِ (فَكَذَا لَا تسْقط) الدّلَالَة (عَن لَازمه) أَي لَازم الوضعي إِذا كَانَ لَهُ لَازم (فتتحقق) الدّلَالَة المطابقية فِي الْمجَاز الْمَذْكُور (لتحَقّق علتها) أَي الدّلَالَة (وَهُوَ) أَي علتها (الْعلم بِالْوَضْعِ) فَإِن قلت قَوْله بعد الْوَضع إِلَى آخِره يدل على أَن مُجَرّد الْوَضع كَاف فِي تحقق الْحَيْثِيَّة، وَهَذَا يدل على أَنه لَا بُد من الْعلم بِالْوَضْعِ أَيْضا قلت لَيْسَ المُرَاد من التحقق هُنَا اتصاف اللَّفْظ بالحيثية الْمَذْكُورَة بل ثَمَرَتهَا، وَهُوَ الِانْتِقَال إِلَى مَا وضع لَهُ، وَمُجَرَّد الْوَضع كَاف فِي اتصافه بالحيثية الْمَذْكُورَة غير كَاف فِي الِانْتِقَال بل لَا بُد فِيهِ من الْعلم بِالْوَضْعِ أَيْضا (وَالْمرَاد) من اللَّفْظ الْمجَازِي (غير متعلقها) أَي غير مُتَعَلق الدّلَالَة المطابقية، وَهُوَ الْمَدْلُول المطابقي، يَعْنِي المُرَاد المعني الْمجَازِي الَّذِي هُوَ غير متعلقها (وَأما الأصوليون فَمَا للوضع دخل

فِي الِانْتِقَال) أَي فعندهم الدّلَالَة الوضعية هِيَ الَّتِي للوضع دخل فِي الِانْتِقَال من دالها إِلَى مدلولها (فتتحقق) الدّلَالَة على اصطلاحهم (فِي الْمجَاز) لدخل الْوَضع فِي الِانْتِقَال الْمجَازِي، لِأَن العلاقة بَين الْمَعْنى الْمجَازِي والموضوع لَهُ سَببه، وَعدم اعتبارهم اللُّزُوم الْكُلِّي بَين فهم الْمَعْنى وَفهم اللَّفْظ اكْتِفَاء باللزوم فِي الْجُمْلَة (والالتزامية بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ) أَي وتتحقق الدّلَالَة الالتزامية باللزوم بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وَلَا يشْتَرط اللُّزُوم بِالْمَعْنَى الْأَخَص، وَقد مر تفسيرهما (ثمَّ اخْتلف الِاصْطِلَاح) للأصوليين فِي أَصْنَاف الدّلَالَة الوضعية بِاعْتِبَار مفهوماتها وأسمائها (وَفِي ثُبُوت بَعْضهَا) بِإِثْبَات بَعضهم قسما لم يُثبتهُ الْبَعْض الآخر كالمفهوم الْمُخَالف أثْبته الشَّافِعِيَّة لَا الْحَنَفِيَّة (أَيْضا، فالحنفية) أَي فَقَالَت الْحَنَفِيَّة (الدّلَالَة) الوضعية قِسْمَانِ (لفظية وَغير لفظية، وَهِي) أَي غير اللفظية (الضرورية) أَي الَّتِي أوجبت الضَّرُورَة الناشئة من الدَّلِيل اعْتِبَارهَا من غير لفظ يدل (ويسمونها) أَي الْحَنَفِيَّة (بَيَان الضَّرُورَة) أَي الْحَاصِل بِسَبَبِهَا، فَهُوَ من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى سَببه، وَأما تَسْمِيَة الدّلَالَة بَيَانا فباعتبار أَن موصوفها بَيَان لمدلوله (وَهِي) أَي الضرورية (أَرْبَعَة أَقسَام كلهَا دلَالَة سكُوت مُلْحق باللفظية) لِأَن السُّكُوت بمعاونة الْمقَام يَقْتَضِي اعْتِبَارهَا (الأول مَا يلْزم منطوقا) لِأَن السُّكُوت بِدُونِ اتصالها مَعَ الْمَنْطُوق وَلَا يُفِيد اعْتِبَارهَا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث} دلّ سُكُوته) عَن ذكر نصيب الْأَب (أَن للْأَب الْبَاقِي) لِأَنَّهُ لَا شكّ أَن تعْيين نصِيبه مَقْصُود كتعيين نصيب الْأُم، فَإِن لم يكن الْبَاقِي لَهُ لَا يتَعَيَّن فَيلْزم عدم صِحَة السُّكُوت لَا يُقَال الْمَنْطُوق يدل على انحصار الْوَارِث فيهمَا وَتَعْيِين نصيب الْأُم، وَيلْزمهُ كَون الْبَاقِي للْأَب، فَهُوَ مَدْلُوله التزاما لأَنا نقُول: لَو سلم دلَالَته على الانحصار لَا نسلم كَونه دَالا عَلَيْهِ التزاما، لجَوَاز أَن يكون لَهُ بعض الْبَاقِي وَالْبَعْض الآخر يقسم بَينهمَا بطرِيق الرَّد، أَو يُعْطي لبيت المَال فَإِن قلت الْأَب عصبَة فَلَا يحْتَمل مَا ذكرت قلت الْكَلَام فِي دلَالَة اللَّفْظ، وَلَيْسَ الْمُخَاطب منحصرا فِيمَن يعلم قَوَاعِد الْفَرَائِض فاحتيج إِلَى أَن يُقَال لَو كَانَ نصِيبه بعض الْبَاقِي لما صَحَّ السُّكُوت عَن بَيَانه قَوْله - {وَورثه} - إِلَى آخِره مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف: أَي مِنْهَا، وَقَوله دلّ إِلَى آخِره اسْتِئْنَاف، وَكَذَا قَوْله (ودفعته) أَي النَّقْد (مُضَارَبَة) وَهِي عقد شركَة فِي الرِّبْح الْحَاصِل بِعَمَل الْمضَارب (على أَن لَك نصف الرِّبْح يُفِيد) سُكُوته (أَن الْبَاقِي) وَهُوَ النّصْف الآخر (للْمَالِك) وَيتَّجه هَهُنَا نَظِير الْإِيرَاد الْمَذْكُور وَلَيْسَ فِيهِ نَظِير ذَلِك الْجَواب، لِأَن الْبَاقِي من حَيْثُ أَنه نَمَاء ملكه يتَعَيَّن أَن يكون لَهُ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال المُرَاد بِدلَالَة السُّكُوت مَا لم يكن الدَّال فِيهِ منطوقا، وملاحظة الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة كَذَلِك (وَكَذَا فِي قلبه اسْتِحْسَانًا) أَي وَمِنْهَا قَوْله دَفعته إِلَيْك مُضَارَبَة على أَن لي نصف الرِّبْح فَالْقِيَاس فَسَاده لعدم بَيَان نصيب الْمضَارب، وَالِاسْتِحْسَان صِحَّته، لِأَن الْمَنْطُوق دلّ على أَن نصيب الْمَالِك

النّصْف فَتعين النّصْف الآخر للْمُضَارب لعدم مُسْتَحقّ آخر وَالرِّبْح مُشْتَرك بَينهمَا. (الثَّانِي دلَالَة حَال السَّاكِت) الَّذِي وظيفته الْبَيَان مُطلقًا، أَو فِي تِلْكَ الْحَادِثَة (كسكوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أَمر يُشَاهِدهُ) من قَول أَو فعل لَيْسَ مُعْتَقد كَافِر مَعَ قدرته على الْإِنْكَار وَعدم سبق بَيَان حكمه مِنْهُ، فَإِنَّهُ يدل حِينَئِذٍ على الْجَوَاز من فَاعله وَغَيره، لِأَنَّهُ لَو لم يكن جَائِزا لزم ارتكابه لمحرم، وَهُوَ تَقْرِيره على الْمحرم، هَذَا إِذا لم يُنكر وَلم يستبشر، وَأما إِذا استبشر فدلالته على الْجَوَاز أوضح (وَسَيَأْتِي فِي السّنة) بَيَانه مستقصى إِن شَاءَ الله تَعَالَى (وسكوت الصَّحَابَة عَن تَقْوِيم مَنَافِع ولد الْمَغْرُور) هُوَ ولد الرجل من امْرَأَة ملكهَا فِي ظَنّه ملك يَمِين أَو نِكَاح، ثمَّ اسْتحقَّهَا شخص بِإِثْبَات كَونهَا أمة لَهُ، فَردَّتْ عَلَيْهِ مَعَ الْعقر، وَيثبت نسب الْوَلَد مِنْهُ، وَهُوَ حر بِالْقيمَةِ. قَالَ الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ: لَا خلاف بَين الصَّدْر الأول وفقهاء الْأَمْصَار فِي أَنه حر الأَصْل، وَفِي أَنه مَضْمُون على الْأَب، إِلَّا أَن السّلف اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ضَمَانه، فَذهب أَصْحَابنَا أَن عَلَيْهِ الْقيمَة بَالِغَة مَا بلغت، وَفِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا إِجْمَاع الصَّحَابَة على ذَلِك، وَقد وَقعت الْحَادِثَة فِي زمن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فبينوا مَا تعلق بهَا من الْأَحْكَام، وسكتوا عَن تَقْوِيم مَنَافِع الْوَلَد ليَأْخُذ الْمُسْتَحق قيمتهَا كَمَا يَأْخُذ قيمَة الْوَلَد، وَقد جَاءَ طَالبا لحكم الْحَادِثَة غير عَالم بِجَمِيعِ مَاله وهم عالمون بِهِ، فسكوتهم هَذَا (يُفِيد عدم تَقْوِيم الْمَنَافِع) لِأَنَّهَا لَو كَانَت مُتَقَومَة فِي الشَّرْع مُسْتَحقَّة للْمولى للَزِمَ عَلَيْهِم ارْتِكَاب محرم، وَهُوَ كتمان حكم الله عِنْد وجوب بَيَانه. قَالَ الله تَعَالَى - {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} -، (وَمِنْه) أَي من الثَّانِي (سكُوت الْبكر) عِنْد اسْتِئْذَان الْوَلِيّ، أَو رَسُوله إِلَيْهَا فِي تَزْوِيجهَا من معِين مَعَ ذكر الْمهْر أَولا على اخْتِلَاف الْمَشَايِخ، أَو عِنْد بُلُوغهَا ذَلِك عَن الْوَلِيّ على الْأَصَح فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُفِيد الرِّضَا بِهِ بِدلَالَة حَالهَا من الرَّغْبَة فِي الزواج كَمَا هُوَ شَأْن النِّسَاء، وَعدم الْمَانِع عَن الرَّد، لِأَن الْحيَاء يمْنَعهَا عَن الْإِجَازَة لما فِيهَا من إِظْهَار الرَّغْبَة فِي الرِّجَال، لَا عَن الرَّد، بل الْحيَاء يَقْتَضِي الرَّد، لِأَن السُّكُوت لَا يَخْلُو عَن تَجْوِيز قلت سِيمَا إِذا علمت أَن سكُوت الْبكر رضَا، فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " قلت يَا رَسُول الله تستأمر النِّسَاء؟ قَالَ: نعم، قلت: إِن الْبكر تَسْتَحي فتسكت؟ فَقَالَ سكُوتهَا إِذْنهَا ". (وَفِي ادِّعَاء أكبر ولد من ثَلَاثَة بطُون أمته نفي لغيره) أَي وَمِنْهَا سُكُوته عَن دَعْوَة وَلدين من ثَلَاثَة بطُون أمته بعد دَعْوَة الْأَكْبَر، فَإِنَّهُ فِي ادِّعَاء الْأَكْبَر خَاصَّة نفي لَهما. اعْلَم أَن الْفراش ثَلَاثَة: قوي، وَضَعِيف، ومتوسط، وَهِي فرَاش الْمَنْكُوحَة، وَالْأمة أم الْوَلَد، وَفِي الأول يثبت النّسَب بِغَيْر الدعْوَة، وَلَا يَنْفِي بنفيه إِلَّا بالملاعنة، وَفِي الثَّانِي لَا يثبت

بدون الدعوى، وفي الثالث يثبت بدونها، لكن ينفى بنفيه، فيرد حينئذ أن الأمة فيما نحن فيه قد صارت أم ولد بادعاء الأكبر، فأشار الجواب بقوله (ولا يلزم ثبوته) أي نسب غير الأكبر منه لما ذكرنا (لمقارنة النفي) أي نفي نسب غيره المفهوم من السكوت مع اقتضاء المقام عند السكوت لوجوب البيان عليه، خصوصا بعد بيان نسب الأكبر (الاعتراف بالأمومة) أي اعتراف المولى بكون الأمة أم ولد، وإنما قيد بثلاثة بطون، لأنها لو ولدتهم في بطن واحد بأن كان ما بين كل اثنين منهم ما دون ستة أشهر لكان اعترافه بأحدهم اعترافا بالباقي ضرورة. (الثالث) من الأقسام الأربعة (اعتباره) أي اعتبار بيان الضرورة (لدفع التغرير) أي لضرورة دفع وقوع الناس في الغرور (كدلالة سكوته) أي المولى (عند رؤية عبده يبيع) له أو لغيره بإذنه بيعا صحيحا أو فاسدا، ويشتري ما لم تتعلق به الحاجة المعتادة كالخبز واللحم (عن النهي) متعلق بسكوته: أي نهي العبد ذلك (على الإذن) في التجارة متعلق بالدلالة، لعلمه بأن الناس إذا رأوا عبده يبيع وسكت عنه يستدلون بذلك على الإذن، فلا يمتنعون عن معاملته، ويفضي ذلك إلى ضررهم عند لحوق الدين بتأخر أدائه إلى وقت العتق، فالسكوت مع علمه بذلك دليل الإذن والتزام ما يترتب على ذلك التصرف، فإن المؤمن لا يرضى بضرر الناس من جهته، قال صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا"، ثم هذا مذهب علمائنا الثلاثة، وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يكون حجة لاحتمال أن يكون سكوته لفرط الغيظ وقلة المبالاة بناء على أنه محجور شرعا، والمحتمل لا يكون حجة. قلنا ترجح جانب الرضا، لأن المعروف نهيه إذا لم يرض (وسكوت الشفيع) أي وكدلالة سكوت الشفيع عن طلب الشفعة بعد علمه بالبيع على إسقاطها لضرورة دفع الغرور عن المشتري بتصرفه في الدار بهدم وبناء وزيادة ونقص بظن أنه لا غرض للشفيع فيها، والطلب فيها ثلاثة: طلب مواثبة بأن يطلبها كما علم بالبيع سواء كان عنده أحد أو لا من غير توقف عند أكثر المشايخ، وإلى آخر مجلس علمه عند غيرهم، وطلب تقرير بالإشهاد على البائع إن كانت في يده، أو على المشتري، أو عند العقار، وإظهار أنه طلبها قبل ذلك ويطلبها الآن، وقوله اشهدوا على ذلك، ومدته مقدرة بتمكنه منه، وطلب خصومة، وتملك بالمرافعة إلى القاضي وطلب القضاء، واتفقوا على أنه لا يبطل بمجرد السكوت، وقيل يبطل بالتأخير شهرا بلا عذر، وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يبطل أبدا وعليه الفتوى، فالمراد ههنا سكوته عن الأولين. (الرابع) بيان الضرورة التي هي دلالة السكوت (الثابت ضرورة الطول) مفعول له للثبوت، لأن علة تحقق السكوت عن ذكر ما يدل عليه إنما هو ضروريته للاحتراز عن طول

الكلام، فالفعل المعلل هو الثبوت وفاعله السكوت، والضرورة فعل قائم به فوجد شرط نصب المفعول له، وهو كونه فعلا لفاعل الفعل المعلل (فيما تعورف) ظرف للثبوت يعني لا يثبت في كل مقام سكت فيه عن ذكر شيء مخافة الطول، بل فيما تعورف في عرف اللغة السكوت عند ضرورة الطول كالسكوت عن مميز عدد عطف عليه عدد مفسر كمائة وثلاثة أثواب، أو عطف عليه ما يدل على جنس يصلح تفسيرا للمعطوف عليه (كمائة ودرهم أو ودينار أو وقفيز) من بر مثلا: أي مائة درهم ودرهم، ومائة دينار ودينار، ومائة قفيز من بر وقفيز منه، فالسكوت عن مميز هذه عرفا يدل على أنه من جنس ما عطف عليها (بخلاف) مائة (وعبد) أو مائة (وثوب) فإنه تعورف السكوت عن مميز عدد عطف عليه الدرهم والدينار، وما كان مقدارا كالمكيل والموزون، وما تعورف في الأخيرين، وعلله التفتازاني بعد مشابهة العبد والثوب العدد الذي تعورف فيه خصوصا بعد قوله: له علي، فإن موجبه الثبوت في الذمة، ومثلهما لا يثبت في الذمة إلا في السلم للضرورة، ثم إن الشافعي رحمه الله يوافقنا في أن البيان قد يكون بالسكوت لضرورة الطول، ويخالفنا في بناء هذه المسائل عليه، لأن العطف مبناه على التغاير، ومبنى التفسير على الاتحاد، على أنه لو كان بيانا في مائة ودرهم لكان بيانا في مائة وعبد، وهو منتف بالاتفاق، وقد عرفت الفرق آنفا. (واللفظية) أي الدلالة اللفظية أيضا أربعة أقسام (عبارة وإشارة ودلالة واقتضاء) وجه الضبط إما ثابتة بنفس اللفظ أو لا، والأولى إما مقصودة وهي العبارة أو لا، وهي الإشارة، والثانية إن فهم مدلولها لغة فهي الدلالة، وإلا فإن توقف عليه صدق اللفظ أو صحته فهو الاقتضاء، وإلا فهي من التمسكات الباطلة (وباعتباره) أي هذا التقسيم (ينقسم اللفظ إلى دال بالعبارة إلى آخره) أي ودال بالإشارة، ودال بالدلالة، ودال بالاقتضاء (فعبارة النص: أي اللفظ) فسر لئلا يتوهم أن المراد ما يقابل الظاهر كما سيشير إليه، ومعنى اللفظ المفهوم به المعنى حقيقة أو مجازا، والعبارة لغة تفسير الرؤيا، مأخوذ من العبر، جانب النهر، يقال عبرت النهر: أي قطعته إلى الجانب الآخر، كأن عابر الرؤيا بالحركة الفكرية يعبر من جانب إلى جانب، وسمي هذا النوع به لأنه يعبر ما في الضمير الذي هو مستور (دلالته) أي اللفظ (على المعنى) حال كونه (مقصودا أصليا) من ذكره (ولو) كان ذلك المعنى (لازما) لما وضع له، ولو بالمعنى الأعم (وهو) أي كون المعنى مقصودا أصليا من ذكر لفظه هو (المعتبر عندهم) أي الحنفية (في النص) المقابل للظاهر (أو) دلالته على المعنى حال كونه مقصودا (غير أصلي) من ذكره (وهو) كون المعنى مقصودا غير أصلي هو (المعتبر) عندهم (في الظاهر كما سيذكر)

كل مِنْهُمَا فِي التَّقْسِيم الثَّانِي (ففهم إِبَاحَة النِّكَاح وَالْقصر على الْعدَد) أَي الْأَرْبَع عِنْد اجتماعهن فِي حق الْحر (من آيَة - {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} - (من الْعبارَة) لِأَنَّهُمَا مقصودان من اللَّفْظ، وَإِن كَانَ الأول غير أُصَلِّي كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَإِن كَانَت) أَي الْآيَة (ظَاهرا فِي الأول) أَي إِبَاحَة النِّكَاح، لِأَن الْمَقْصُود بالإفادة بالْكلَام أَصَالَة إِنَّمَا هُوَ بَيَان الْعدَد، والسياق لَهُ لَا لنَفس الْحل، لِأَنَّهُ عرف من غَيرهَا قبل نُزُولهَا، وَفِي الْعبارَة مُسَامَحَة، لِأَن الْفَهم الْمَذْكُور من مَدْلُول الْعبارَة، لَا مِنْهَا، وَيجوز أَن يكون من للابتداء لَا للتَّبْعِيض (وَكَذَا حُرْمَة الرِّبَا وَحل البيع والتفرقة) بَين البيع والربا بِالْحلِّ وَالْحُرْمَة من آيَة، {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} من عبارَة النَّص، وَإِن كَانَت ظَاهرا فِي الْأَوَّلين نصا فِي التَّفْرِقَة، لِأَن سياقها لإنكار تَسْوِيَة الْكفَّار بَينهمَا وَبَيَان الْفرق وَإِبْطَال قياسهم الْمَفْهُوم من قَوْلهم: إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا (والتفرقة لَازم مُتَأَخّر) لمسمى اللَّفْظ فَيصح جعله من الْعبارَة، وَبِخِلَاف الْمُتَقَدّم فَإِنَّهُ من الِاقْتِضَاء، وَذَلِكَ لِأَن الْمُتَأَخر كالمعلول، والمتقدم كالعلة، وَدلَالَة الْعلَّة على الْمَعْلُول مطردَة بِخِلَاف الْعَكْس كَمَا بَين فِي مَوْضِعه (وَلذَا) أَي وَلِأَن الْمَعْنى العباري يكون لَازم مَا وضع لَهُ (لم يُقيد بالوضعي) أَرَادَ بالوضعي هَهُنَا بِقَرِينَة الْمقَام مَا هُوَ عين الْمَوْضُوع لَهُ أَو جزؤه كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ، وَإِن كَانَ مَا سبق فِي تَعْرِيف الوضعية يعم اللَّازِم أَيْضا (و) قد (يُقَال) فِي تَعْرِيفهَا كَمَا قَالَ فَخر الْإِسْلَام وَمن تبعه (مَا سيق لَهُ الْكَلَام) قَالَ صَاحب الْكَشَّاف وَغَيره (وَالْمرَاد) مَا سيق لَهُ (سوقا أَصْلِيًّا أَو غير أُصَلِّي وَهُوَ) أَي غير الْأَصْلِيّ (مُجَرّد قصد الْمُتَكَلّم بِهِ) أَي بِاللَّفْظِ (لإِفَادَة مَعْنَاهُ) ليتوسل بِهِ إِلَى أَدَاء مَا هُوَ الْمَقْصُود بِالذَّاتِ من السِّيَاق (وَلذَا) أَي لكَون المُرَاد السُّوق الْأَعَمّ (عممنا الدّلَالَة للعبارة فِي الْآيَتَيْنِ) فِيهِ تَعْرِيض لصدر الشَّرِيعَة حَيْثُ جعل الدّلَالَة على التَّفْرِقَة بَين البيع والربا عبارَة لكَونهَا مَقْصُودَة بِالسوقِ، وعَلى الْحل وَالْحُرْمَة إِشَارَة لعدم كَونهمَا مقصودين، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن تَسْمِيَة مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ صَرِيحًا بِالْإِشَارَةِ لَا يَخْلُو عَن بعد (ودلالته) أَي اللَّفْظ (على مَا لم يقْصد بِهِ أصلا) لَا أَصَالَة وَلَا تبعا (إِشَارَة) كانتقال الْملك وَوُجُوب التَّسْلِيم فِي البيع وَحُرْمَة الِانْتِفَاع وَوُجُوب رد الزَّائِد فِي الرِّبَا (وَقد يتَأَمَّل) أَي الْمَعْنى الإشاري أَصله يتَأَمَّل فِيهِ حذف الْجَار، وأوصل الضَّمِير إِلَى الْفِعْل مستترا وَالْمعْنَى قد يَقع التَّأَمُّل فِي اسْتِخْرَاج الْمَعْنى الإشاري من اللَّفْظ، قَالَ صَاحب الْكَشَّاف: فَكَمَا أَن إِدْرَاك مَا لَيْسَ بمقصود بِالنَّصِّ مَعَ الْمَقْصُود بِهِ من قُوَّة الْأَبْصَار فهم مَا لَيْسَ بمقصود من الْكَلَام فِي ضمن الْمَقْصُود بِهِ من قُوَّة الذكاء، وَلِهَذَا يخْتَص بفهم الْإِشَارَة الْخَواص (كالاختصاص) أَي اخْتِصَاص الْوَلَد (بالوالد نسبا) أَي من حَيْثُ

نسبه، فَإِنَّهُ مَفْهُوم إِشَارَة (من آيَة: {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} (دون الْأُم) لِأَن اللَّام للاختصاص، فَيجب كَون الْوَالِد أخص بِالْوَلَدِ من سواهُ فِي الْولادَة الَّذِي هُوَ الانتساب، وَهُوَ غير مَقْصُود مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود من سوقها إِيجَاب النَّفَقَة وَالْكِسْوَة على الْوَلَد فَإِن قلت قد سبق أَن السُّوق الْأَصْلِيّ وَغَيره، والاختصاص لكَونه معنى اللَّام مسوق لَهُ تبعا قلت معنى اللَّام الِاخْتِصَاص مُطلقًا، لَا من حَيْثُ النّسَب فَتَأمل، وَهَذَا مِثَال لما يتَأَمَّل فِيهِ لغموضه، وَلذَا خَفِي على كثير من الأذكياء (فَيثبت أَحْكَام) متفرعة على الِاخْتِصَاص الْمَذْكُور (من انْفِرَاده) أَي الْأَب (بِنَفَقَتِهِ) أَي الْوَلَد كَالْعَبْدِ لما كَانَ مُخْتَصًّا بالمولى لَا يُشَارِكهُ أحد فِي نَفَقَته، لِأَن غرمه على من لَهُ غنمه، فَأصل النَّفَقَة وُجُوبه بِعِبَارَة النَّص، والانفراد بإشارته (والإمامة والكفاءة وعدمهما) أَي الْإِمَامَة والكفاءة، يَعْنِي من تِلْكَ الْأَحْكَام أَهْلِيَّة الْوَلَد للْإِمَامَة الْكُبْرَى وكفاءته للقرشية مثلا، إِذا كَانَ الْأَب أَهلا وكفؤا لَهما: أَي من حَيْثُ النّسَب فَلَا يرد الْوَلَد الَّذِي لَا يستجمع شرائطها لم يَتَعَدَّ إِلَيْهِ، وَكَذَا إِذا لم يكن الْأَب أَهلا وكفؤا لم يكن الْوَلَد أَهلا وكفؤا (مَا لم يُخرجهُ الدَّلِيل) اسْتثِْنَاء معنى: أَي يثبت جَمِيع الْأَحْكَام الَّتِي يقتضيها الِاخْتِصَاص الْمَذْكُور إِلَّا مَا أخرجه الدَّلِيل عَن أَن يثبت، فَلَا يثبت حُرِّيَّته ورقه بتبعية الْأَب لكَونه تَابعا للْأُم فيهمَا، لما ورد فيهمَا من الْأَثر (وَزَوَال ملك المُهَاجر) من دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام مَعْطُوف على الِاخْتِصَاص، فَهُوَ مِثَال آخر لما يتَأَمَّل فِيهِ (عَن المخلف) مُتَعَلق بالزوال: أَي عَمَّا خَلفه فِي دَار الْحَرْب باستيلاء الْكفَّار واحرازهم إِيَّاه (من لفظ الْفُقَرَاء)، فِي قَوْله تَعَالَى - {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ} - وَالْجَار مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ صفة الزَّوَال: أَي الْمَفْهُوم إِشَارَة مِنْهُ، وَالْكَلَام إِنَّمَا سيق لبَيَان اسْتِحْقَاق الْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة سَهْما من الْغَنِيمَة، وَلم يقْصد بِهِ زَوَال ملكهم عَنهُ أصلا، لكنه يفهم بِإِشَارَة لفظ الْفُقَرَاء، فَإِن الْفَقِير لُغَة من لَهُ مَا يَكْفِي عِيَاله، أَو من يجد الْقُوت، والمسكين من لَا شَيْء لَهُ، وَقيل المعتر الْمُحْتَاج، والمسكين من أذله الْفقر وَغَيره، وَقيل هُوَ أخس حَالا من الْفَقِير، وَقيل هما سَوَاء، وَشرعا من لم يملك النّصاب، وكل وَاحِد من الْمعَانِي الْمَذْكُورَة يلْزمه زَوَال الْملك، لِأَنَّهُ لَو لم يزل لصدق عَلَيْهِم الْأَغْنِيَاء لَا الْفُقَرَاء، لِأَن الْغَنِيّ يتَحَقَّق بِملك المَال وَإِن بَعدت يَده عَنهُ، وَكَذَا ذكر ابْن السَّبِيل مُقَابلا للْفُقَرَاء فِي النُّصُوص، وَاتفقَ على عدم دُخُوله فيهم عَامَّة الْعلمَاء فَإِن قيل هُوَ اسْتِعَارَة شبهوا بالفقراء لاحتياجهم، وَانْقِطَاع أطماعهم عَن أَمْوَالهم بِقَرِينَة إِن الله لم يَجْعَل للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا، وَالْمرَاد السَّبِيل الشَّرْعِيّ لَا الْحسي، وبقرينة إِضَافَة الديار وَالْأَمْوَال إِلَيْهِم أُجِيب بِأَن الأَصْل الْحَقِيقَة، وَنفي السَّبِيل بِاعْتِبَار أَنهم لَا يملكُونَ أنفس الْمُؤمنِينَ

بالاستيلاء، وإضافة الديار والأموال إليهم مجازيا باعتبار ما كان، لأن في حملها على الحقيقة، وحمل الفقراء على المجاز مصيرا إلى الخلف، قبل تعذر الأصل، على أن المعتبر في الحقيقة حالة اعتبار الحكم من الثبوت، لا حالة التكلم والإثبات، فإضافة الديار والأموال إليهم حقيقة، لأنها كانت ملكا لهم حالة الإخراج (والوجه أنه) أي الزوال المذكور دلالة الآية عليه (اقتضاء) لا إشارة (لأن صحة إطلاق الفقر) أي الفقير على المهاجرين المخلفين أموالهم (بعد ثبوت ملك) تلك (الأموال) لهم (متوقفة على الزوال) أي زوال ملكهم عنها، والإشارة دلالة على ما لم يقصد باللفظ، ولم يتوقف عليه صحة المنطوق، وإنما اعتبر هذا القيد فيها لكونها مقابلة للاقتضاء المعتبر فيه ذلك (ودلالة لفظ الثمن في الحديث على انعقاد بيع الكلب)، وهو قوله صلى الله عليه وسلم "إن مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام، وحلوان الكاهن من السحت" رواه ابن ماجه في صحيحه، وفي رواية لمسلم "خبيث" وحلوان الكاهن أجرته، كان مقتضى العطف على الاختصاص أن يقول وانعقاد بيع الكلب من لفظ الثمن في الحديث، لكنه لما كان الكلام في بيان الدلالات، وكان اللائق بذلك التمثيل بالدلالة، أراد أن يشير إلى أن لفظ الدلالة فيما سبق مقدرة: أي كدلالة الاختصاص، وزوال ملك المهاجرين الحاصلة من كذا وكذا من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول فيما سبق، وإلى الفاعل ههنا، ووجه الدلالة أن لفظ الثمن موضوع لغة وشرعا لما يلزمه البيع تعقلا وتحققا، وهو مال يقصد به بدله عند مبادلة المال بالمال، وهي معنى البيع. فإن قلت المنع عن أخذ ثمن الكلب لا يدل على صحة بيعه. قلت: المنع عن الشيء فرع إمكانه، ولا يمكن أن يكون له ثمن من غير انعقاد بيعه، وذلك لأن الممتنع لا يحتاج إلى المنع، لا يقال يجوز أن يكون إطلاقه مجازيا، لأن الأصل هو الحقيقة، ولا شك أن الانعقاد المذكور غير مقصود من اللفظ، بل هو مدلول التزامي، فيكون دلالته إشارة (و) دلالة (آية أحل لكم ليلة الصيام) الرفث إلى نسائكم (على) جواز (الإصباح جنبا) لأنها دلت على جواز الجماع إلى آخر جزء من الليل، وجواز الملزوم يستلزم جواز اللازم (وظهر) من المعاني المذكورة في الأمثلة المدلولة إشارة (أنها) أي الإشارة الدلالة (الالتزامية وإن خفي) اللزوم واحتيج إلى تأمل، وفي بعض النسخ أنها الالتزامية للعبارة، فإن صح فالمعنى للدال عبارة، والمراد بالعبارة المعنى المشهور (فإن لم يرد سواه) أي سوى اللازم المفهوم من الالتزامية باللفظ الدال عليه التزاما (فكان) اللفظ الذي أريد به (مجازا) لاستعماله في غير ما وضع له، والفاء للعطف على الشرطية، أو لمجرد السببية، والجزاء قوله (لزم) حينئذ كون دلالة اللفظ عليه (عبارة) ويجوز أن يكون المفعول لزم بتضمين معنى الصيرورة كقولهم يتم التسعة بهذا

عشرة (لأنه) أي اللازم المذكور، وهو (المقصود بالسوق) حينئذ سواء كان سوقا أصليا أو غير أصلي (وكذا في الجزء) يعني إذا لم يرد باللفظ سوى جزء ما وضع له، فكان مجازا فيه لزم أن يكون دلالة اللفظ عليه عبارة، فالمعنى الإشاري قد يكون جزء الموضوع له، وقد يكون لازمه المتأخر كانعقاد البيع المذكور، وقيد المتأخر احتراز عن اللازم المتقدم، فإن الدلالة عليه اقتضاء كما سيجيء (وإن دل) اللفظ (على) ثبوت (حكم منطوق) بالإضافة: أي حكم ما نطق به باستعمال اللفظ فيه (لمسكوت) متعلق بالثبوت، وهو ما لم ينطق به، ويقصد باللفظ (لفهم مناطه) تعليل للدلالة، يعني إنما يدل على ثبوته للمسكوت، لأنه يفهم السامع منه علة ذلك الحكم، وهي موجودة في المسكوت، ثم أفاد ذلك الفهم (بمجرد فهم اللغة) أي الفهم الحاصل من العلم بوضع اللفظ لغة من غير حاجة إلى اجتهاد وقياس، فخرج ما دل على ثبوته لفهم مناطه بطريق القياس، ثم إن جمهور مشايخنا رحمهم الله على أن الدلالة ليست من القياس، ومنهم من قال إنها نوع منه، وهو نص الشافعي رحمة الله عليه في رسالته، واختيار إمام الحرمين، والرازي، وسموها قياسا جليا. قال المحقق التفتازاني ما حاصله إن الثابت بها فوق الثابت بالقياس، لأن المناط هنا يدركه كل من يعرف اللغة، فكأنه ثابت بنفس النظم ويستدل على مغايرتهما بأن الأصل في القياس لا يكون جزءا من الفرع إجماعا، وهنا قد يكون، فإن قوله لا تعطه ذرة يدل على منع ما فوقها، والذرة جزء منه، وبأنها ثابتة قبل شرع القياس، فإن كل أحد يفهم من لا تقل له أف ألا تضربه ولا تشتمه سواء علم شرعية القياس أو لا، وبأن النافين للقياس قائلون به، والنزاع لفظي يرجع إلى الخلاف في تعين مسمى القياس (فدلالة) جزاء الشرط: أي فدلالة للفظ على ما ذكر تسمى دلالة، وإنما غير الأسلوب، ولم يقل ودلالته على حكم إلى آخره دلالة، لأنه لا يخلو عن اللغو صورة (كان) أي سواء كان السكوت (أولى) بحكم المنطوق منه باعتبار تحقق المناط فيه على الوجه الأتم (أو لا) يكون أولى بأن يكونا متساووين (كدلالة) قوله تعالى ({لا تقل لهما أف} على تحريم الضرب) فحكم المنطوق التحريم المستفاد من النهي الثابت للمنطوق الذي هو التأفيف، وكل من يعرف اللغة يعرف أن النهي عنه لعلة الأذى، فيفهم منه حرمة الضرب والشتم والمسكوت ههنا، وهو الضرب والشتم أولى بالحرمة لوجود العلة فيه أتم، وأف: صوت يدل على تضجر المتكلم، أو اسم الفعل الذي هو أتضجر، وأتبرم (وأما) دلالة اللفظ (على مجرد لازم المعنى) من غير اعتبار ما ذكر من كونه حكم منطوق لمسكوت إلى آخره (كدلالة الضرب على الإيلام) كما ذكره فخر الإسلام ومن تبعه، فإن الضرب إذا ذكر في

مقَام التَّأْدِيب والتعذيب يدل على الإيلام، فَمن حلف لَا يضْرب كَانَ حَالفا أَن لَا يؤلم، فَيحنث بالخنق، أَو العض، وَمَا فِيهِ إيلام كالضرب (فَغير مَشْهُور) كَونهَا من دلَالَة النَّص (و) إِن دلّ اللَّفْظ (على مسكوت يتَوَقَّف صدقه) أَي الْمَنْطُوق (عَلَيْهِ) أَي على ذَلِك الْمَنْطُوق، واعتباره فِي الْكَلَام (كرفع الْخَطَأ) فِي الحَدِيث المتداول بَين الْفُقَهَاء " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان "، وَلَا يضر عدم العثور بروايته بِهَذَا اللَّفْظ، فَإِنَّهُ روى بِمَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا " رفع الله عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ ". وَقيل رِجَاله ثِقَات، وَيجوز أَن يقْرَأ بِلَفْظ الْمصدر الْمُضَاف مشارا بِهِ إِلَى الرِّوَايَة الصَّحِيحَة، هَذَا وَلَا شكّ أَن ذَات الْخَطَأ غير مَرْفُوع لِكَثْرَة وُقُوعه، فَلَو لم يرد حكم الْخَطَأ أَو إثمه لم يكن الْكَلَام صَادِقا لعدم رفع ذَاته (أَو صِحَّته) مَعْطُوف على صدقه: أَي يتَوَقَّف صِحَة الْمَنْطُوق على اعْتِبَار ذَلِك الْمَسْكُوت كَمَا فِي: أعتق عَبدك عني بِأَلف فَإِنَّهُ لَو لم يكن المعني بِعْ عَبدك مني بِأَلف، وَكن وَكيلِي فِي إِعْتَاقه لم يَصح هَذَا الْكَلَام وَلم يستقم (على مَا سنذكر) تَفْصِيله فِي مسئلة الْمُقْتَضى (اقْتِضَاء) أَي لدلَالَة على الْمَسْكُوت المتوقف عَلَيْهِ صدق الْمَنْطُوق، أَو صِحَّته اقْتِضَاء، وَوجه التَّسْمِيَة ظَاهر فَإِن قلت كل وَاحِد كَمَا دلّ عَلَيْهِ لفظ دلَالَة أَو اقْتِضَاء، إِمَّا مَقْصُود مِنْهُ أَولا، فعلى الأول ينْدَرج تَحت الْعبارَة، وعَلى الثَّانِي تَحت الْإِشَارَة، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ يلْزم كَون قسم الشَّيْء قسيما لَهُ قلت لَيْسَ شَيْء مِنْهُمَا مَقْصُودا مِنْهُ، وَلَا ينْدَرج تَحت الْإِشَارَة، لِأَن المُرَاد مِنْهَا مَا لم يكن بطرِيق الدّلَالَة والاقتضاء لقَرِينَة التقابل (والشافعة قسموها) أَي الدّلَالَة الوضعية اللفظية (إِلَى مَنْطُوق دلَالَة اللَّفْظ) عطف بَيَان لمنطوق إِن جر على مَا جوزه الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى - {مقَام إِبْرَاهِيم} - إِنَّه عطف بَيَان لآيَات، أَو بدل مِنْهُ، وَخبر مَحْذُوف إِن رفع، ومفعول أَعنِي إِن نصب (فِي مَحل النُّطْق) ظرف للدلالة بِاعْتِبَار الْمَدْلُول، فاللفظ إِذا دلّ على حَال مَنْطُوق يُقَال دلَالَته فِي مَحل النُّطْق، وَإِذا دلّ على حَال مسكوت يُقَال دلَالَته لَيست فِي مَحل النُّطْق، لِأَن بَيَان حَال الْمَنْطُوق حقيق بِأَن يَقع النُّطْق فِيهِ وَمحل لَهُ، وَبَيَان حَال غَيره حقيق بِأَن يسكت عَنهُ (على) ثُبُوت (حكم الْمَذْكُور وَإِن) كَانَ ذَلِك الحكم (غير مَذْكُور كفى السَّائِمَة) أَي كدلالة قَوْله فِي السَّائِمَة (مَعَ قرينَة الحكم) وَهِي وُقُوعه فِي جَوَاب من قَالَ فِي الْغنم المعلوفة الزَّكَاة أم فِي السَّائِمَة على حكم غير مَذْكُور، وَهِي وجوب الزَّكَاة فِي مَحل النُّطْق لكَونه بَيَان حَال الْمَنْطُوق، وَهُوَ السَّائِمَة، وَإِضَافَة الْقَرِينَة إِلَى الحكم من قبيل إِضَافَة الدَّال إِلَى الْمَدْلُول. (وَمَفْهُوم) مَعْطُوف على مَنْطُوق (دلَالَته) وَالْكَلَام فِيهِ كَمَا مر (لَا فِيهِ) أَي لَا فِي مَحل النُّطْق (على) ثُبُوت (حكم مَذْكُور لمسكوت) لم يذكر فِي الْكَلَام (أَو نَفْيه) أَي الحكم الْمَذْكُور (عَنهُ) أَي عَن

الْمَسْكُوت سَوَاء كَانَ الحكم الْمَذْكُور إِيجَابا أَو سلبا (وَقد يظْهر) من كَلَام الْقَوْم (أَنَّهُمَا) أَي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم (قِسْمَانِ للمدلول): قَالَه الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: جَعلهمَا من أَقسَام الدّلَالَة محوج إِلَى تكلّف عَظِيم فِي تَصْحِيح عِبَارَات الْقَوْم، نقل عَن المُصَنّف أَن كلمة قد هَهُنَا للتكثير، وَهِي قد تسْتَعْمل لذَلِك كَمَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ وَغَيره (فالدلالة حِينَئِذٍ دلَالَة الْمَنْطُوق، وَدلَالَة الْمَفْهُوم لأنفسهما) يَعْنِي حِين جعل الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم قسمي الْمَدْلُول، يُقَال فِي التَّقْسِيم إِلَيْهِمَا الدّلَالَة الوضعية: أما دلَالَة الْمَنْطُوق بِأَن كَانَ مدلولها، وَأما دلَالَة الْمَفْهُوم كَذَلِك (والمنطوق) قِسْمَانِ (صَرِيح) هُوَ (دلَالَته) أَي اللَّفْظ الناشئة (عَن) مُجَرّد (الْوَضع وَلَو) كَانَت تِلْكَ الدّلَالَة (تضمنا) فانحصر الصَّرِيح فِي الْمُطَابقَة والتضمن، وَخرجت الالتزامية، لِأَنَّهَا لَيست عَن مُجَرّد الْوَضع، بل لَا بُد فِيهَا من علاقَة اللُّزُوم أَيْضا (وَغَيره) أَي غير الصَّرِيح وَهُوَ دلَالَته (على مَا يلْزم) أَي مَا وضع لَهُ (وينقسم) غير الصَّرِيح (إِلَى) الدّلَالَة على لَازم (مَقْصُود من اللَّفْظ) يتَعَلَّق قصد الْمُتَكَلّم بِهِ وَإِرَادَة إِفَادَة اللَّفْظ (فتنحصر) الدّلَالَة على اللَّازِم الْمَقْصُود بالاستقراء (فِي الِاقْتِضَاء كَمَا ذكرنَا آنِفا) أَي من سَاعَة، وَفِي أول وَقت يقرب بِنَا، يَعْنِي قَوْله وعَلى مسكوت يتَوَقَّف صدقه عَلَيْهِ كرفع الْخَطَأ أَو صِحَّته (والإيماء) وَهُوَ دلَالَته على لَازم مَقْصُود بِسَبَب (قرانه) أَي اللَّفْظ (بِمَا) أَي بِشَيْء (لَو لم يكن هُوَ) أَي ذَلِك الشَّيْء (عِلّة لَهُ) أَي لمدلوله (كَانَ) ذَلِك الْقرَان (بَعيدا) عَمَّا هُوَ الْمُتَعَارف فِي المحاورات، لكَون الْمُتَعَارف فِي المحاورات إِرَادَة علية مَا قرن بِهِ لَهُ (وَيُسمى) هَذَا الْقسم الْمُسَمّى بِالْإِيمَاءِ (تَنْبِيها) أَيْضا لِأَنَّهُ كَمَا فِيهِ إِيمَاء إِلَى علية ذَلِك الشَّيْء بِسَبَب ذَلِك الْقرَان كَذَلِك فِيهِ تَنْبِيه عَلَيْهَا أَيْضا (كقران) قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أعتق) رَقَبَة (بواقعت) أَي بقول الْأَعرَابِي " واقعت فِي نَهَار رَمَضَان يَا رَسُول الله " كَذَا ذكر الحَدِيث فِي كتب الْأُصُول، وَالْمَذْكُور فِي الصِّحَاح السِّتَّة عَن أبي هُرَيْرَة " أَتَى رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: هَلَكت، قَالَ مَا شَأْنك؟ قَالَ: وَقعت على امْرَأَتي فِي رَمَضَان، قَالَ: فَهَل تَجِد رَقَبَة تعتقها؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَل تَسْتَطِيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَل تَسْتَطِيع أَن تطعم سِتِّينَ مِسْكينا؟ قَالَ: لَا، قَالَ اجْلِسْ، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعرق فِيهِ تمر، فَقَالَ: تصدق بِهِ، قَالَ: عَليّ أفقر مني يَا رَسُول الله؟ فوَاللَّه مَا بَين لابتيها يُرِيد الحرتين أهل بَيت أفقر من أهل بَيْتِي، فَضَحِك عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت ثناياه، وَفِي لفظ أنيابه، وَفِي لفظ نَوَاجِذه، ثمَّ قَالَ خُذْهُ فأطعمه أهلك " ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة، فقران قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَواب وَقعت إِلَى آخِره يُفِيد علية الوقاع للاعتاق، فَإِن غَرَض السَّائِل بَيَان مُوجب فعله (وَغير مَقْصُود) عطف على مَقْصُود، فَهُوَ الْقسم الثَّانِي

من غير الصريح (وهو الإشارة، ويقال له) أيضا (دلالة الإشارة، وكذا ما قبله) يعني يقال له دلالة اقتضاء، ودلالة الإيماء (كدلالة مجموع) قوله تعالى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)، وقوله تعالى (وفصاله في عامين) على (أن أقل) مدة (الحمل ستة أشهر) لأن المراد أن مدة الحمل والفصال الذي هو الرضاع التام المنتهي إلى الفطام من تسمية الشيء باسم غايته ثلاثون شهرا، وقد حط عنه الفصال حولان لقوله -وفصاله في عامين-، فلم يبق الحمل إلا ستة أشهر. والمقصود من الآية بيان ما تكابده الأم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها، فما ذكر يفهم بطريق الإشارة. لا يقال لم لا يجوز أن يراد أن كل واحد من الحمل والفصال أكثر مدته ثلاثون. لأنه ينفيه قوله تعالى -والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة-، وعليه ما قيل في الآية دليل على أن مدة أكثر الرضاع سنتان كما هو قول الإمامين والأئمة الثلاثة. وقال الإمام: إن الثلاثين توقيت لكل على حدة إلا أنه وجد المنقص في مدة الحمل، وهو قول عائشة رضي الله عنها: "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول عمود المغزل"، وبقي مدة الفصال على ظاهرها، فلا يكون في الآية على هذا دليل على أن أقل الحمل ستة أشهر لعدم التبعيض حينئذ، وفيه أنه يلزم حينئذ إبطال ما يدل عليه الكتاب بخبر الواحد فتدبر (و) دلالة (آية) أحل لكم (ليلة الصيام الرفث، على جواز الإصباح جنبا) وقد مر بيانه (وليس شيء منهما) أي حق كون أقل الحمل ستة، وجواز الإصباح جنبان (مقصودا باللفظ بل لزم) كل منهما (منه) أي من اللفظ كما بينا (وكدلالة) ما يعزى إليه صلى الله عليه وسلم في صفة النساء من أنه قال (تمكث) إحداهن (شطر عمرها لا تصلي) البيهقي أنه لم يجده وقال ابن الجوزي: لا يعرف، وعن النووي أنه باطل (على أن أكثر الحيض خمسة عشر) يوما كما هو مذهب الشافعي رحمه الله، وكذا أقل الطهر، لأن المراد بالشطر النصف (وثم) مناط الاستدلال، وهو كون المراد بالشطر النصف (لكن القطع بعدم إرادة حقيقة النصف به) أي بالشطر ههنا (لأن أيام الإياس والحبل والصغر من العمر) ولا حيض فيها (ومعتادة خمسة عشر لا تكاد توجد ولا يثبت حكم العموم) وهو الحكم بانتفاء الصلاة في نصف عمر كل امرأة (بوجوده) أي الحكم المذكور (في فرد نادر) إن سلم تحققه (واستعمال الشطر في طائفة من الشيء) أي بعض منه سواء كان نصفا أو لا (شائع) في الكلام كما في قوله تعالى: فول وجهك شطر المسجد الحرام) في القاموس الشطر نصف الشيء وجزؤه، ومنه حديث الإسراء "فوضع شطرها" أي بعضها، والجهة انتهى، وتفسير ما في الآية بالبعض أنسب

بما ذهب إليه الشافعي في الاستقبال، وبالجهة أنسب بما ذهب إليه أصحابنا (ومكثت شطرا من الدهر فوجب كونه) أي المذكور، وهو طائفة من الشيء (المراد به) أي بالشطر (في المروي) لتعذر إرادة النصف مع شيوع إرادة البعض مطلقا، وقد استبان لك أن الصريح من المنطوق على اصطلاحهم يندرج في العبارة على اصطلاحنا، وغير الصريح منه إن كان مقصودا من اللفظ أحد قسميه، وهو الإيماء كذلك، والآخر هو الاقتضاء قسيم لها كما كان قسيما لها عندنا، وإذا لم يكن مقصودا منه فهو إشارة عندنا وعندهم (والمفهوم) ينقسم (إلى مفهوم موافقة) بالإضافة إلى المصدر لحصول فهم المدلول فيه بسبب موافقة المسكوت للمذكور في المناط، أو لموافقتهما في الحكم (وهو) أي مفهوم الموافقة (فحوى الخطاب) أي يسمى به، وفحوى الخطاب معناه، وذلك لأن مدلوله يفهم بمجرد الخطاب، مع أن اللفظ غير مستعمل فيه (ولحنه) أي ويسمى لحن الخطاب أيضا: أي معناه. قال الله تعالى -ولتعرفنهم في لحن القول-، واللحن قد يطلق على اللغة، وعلى الفطنة أيضا، والمناسبة في كل منهما ظاهرة (ما ذكرنا) من دلالة اللفظ على حكم منطوق لمسكوت يفهم مناطه بمجرد اللغة (من الدلالة) أي دلالة النص (إلا أن منهم) أي الشافعية (من شرط أولوية المسكوت بالحكم) من المذكور (ولا وجه له) أي لهذا الشرط (إذ بعد فرض فهم ثبوته) أي الحكم (للمسكوت كذلك) أي لفهم مناطه بمجرد اللغة (لا وجه لإهدار هذه الدلالة) غاية الأمر كون الاحتجاج بما فيه الشرط المذكور أقوى، عن الواسطي أن اشتراط الأولوية ظاهر المنقول عن الشافعي، وعليه يدل كلام أكثر أئمتنا، وطريقة الإمام الرازي وأتباعه أنه لا يشترط (وعبارتهم) أي الشارطين (تنبيه بالأدنى على الأعلى) مثل قوله تعالى -فلا تقل لهما أف- (وقلبه) أي بالأعلى على الأدنى (مثل) قوله تعالى -ومن أهل الكتاب من إن تأمنه (بقطنار) يؤده إليك- كعبد الله بن سلام: استودعه رجل من قريش ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأداه إليه، فإنه يدل على أنه إذا ائتمن على دينار يؤديه بالطريق الأولى (وقد يكتفى بالأول) وهو تنبيه بالأدنى على الأعلى كما فعله ابن الحاجب (على أن يراد بالأدنى مناسبة للحكم) اللام للتقوية، لا صلة المناسبة، يعني كونه أدنى باعتبار مناسبته للحكم في حد ذاته لا باعتبار دلالته على كمال المحكوم عليه في الحكم بعد ما أثبت (فالقنطار) في حد ذاته (أقل مناسبة بالتأدية من الدينار) لغلبة الشح على النفس في المال الكثير، والمانع عن التأدية دون القليل فإنه مبذول عادة (والدينار أقل مناسبة بعدمها) أي التأدية (منه) أي القنطار، فإذا ثبت الحكم مع وجود ما لا يناسبه، وهو القنطار المناسب لعدم التأدية لزم ثبوته مع وجود

مَا يُنَاسِبه، وَهُوَ الدِّينَار الْمُنَاسب بالتأدية (ولاعتبار الْحَنَفِيَّة) الْمَسْكُوت (الْمسَاوِي) للمنطوق فِي الحكم ومناطه (أثبتوا الْكَفَّارَة) على الْأكل فِي رَمَضَان من غير مُبِيح شَرْعِي، وَلَا شُبْهَة مُلْحقَة بِهِ (بعمد الْأكل كالجماع) أَي كَمَا أثبتها النَّص الْمَذْكُور فِي الْكتب السِّتَّة فِي الْجِمَاع الْعمد والمناط المستوي فِيهِ الْأكل، وَالْجَامِع تَفْوِيت ركن الصَّوْم اعتداء، وَإِنَّمَا حكمنَا بِكَوْنِهِ مناطا (لتبادر أَنَّهَا): أَي الْكَفَّارَة (فِيهِ) أَي الْجِمَاع (لتفويت الرُّكْن اعتداء). وَمن أَسبَاب الْعلم بالمناط تبادره من النَّص، كَيفَ وَالْجِمَاع من حَيْثُ ذَاته لم يكن محرما؟ وَمَا ثمَّ إِلَّا كَونه مفوتا لركن الصَّوْم عمدا، وَلَا شكّ فِي مساواتهما فِي معنى التفويت، والركن فِي اللُّغَة الْجَانِب الْقوي، وَفِي الشَّرْع جُزْء الشَّيْء إِذا كَانَ لَهُ جزآن فَصَاعِدا وَإِلَّا فنفسه، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله صرح فِي شرح الْهِدَايَة فِي الصَّوْم بِأَن رُكْنه وَاحِد، وَهُوَ الْكَفّ عَن كل مِنْهَا: أَي الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع. وَقَالَ فتساوت كلهَا فِي أَنَّهَا مُتَعَلق الرُّكْن لَا يفضل وَاحِد على أَخَوَيْهِ بِشَيْء فِي ذَلِك انْتهى، وَالْمرَاد بالاعتداء: الْعدوان وَالظُّلم بتعمد الْإِفْسَاد، وَقد يُقَال لَا، ثمَّ أَن الْمُتَبَادر مُجَرّد تَفْوِيت الرُّكْن، بل تفويته على نَفسه وعَلى غَيره مَعَ زِيَادَة خصوصيات جماعية مُوجبَة لكَمَال الْفَضِيلَة فَتدبر (وَلما انقسم) مَفْهُوم الْمُوَافقَة (إِلَى قَطْعِيّ) هُوَ مَا يكون فِيهِ التَّعْلِيل بِالْمَعْنَى، وَكَونه أَشد مُنَاسبَة للفرع قطعيين على مَا ذكره القَاضِي عضد الدّين وَالظَّاهِر أَنه مَبْنِيّ على رَأْي شارط الْأَوْلَوِيَّة وَإِلَّا يَكْفِي قَطْعِيَّة التَّعْلِيل بِالْمَعْنَى ووجوده بالمسكوت (كَمَا سبق) من الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة (وظني) وَهُوَ مَا فِيهِ أحد الْمَذْكُورين ظنيا (كَقَوْل الشَّافِعِي) رَحمَه الله (إِذا وَجَبت الْكَفَّارَة) وَهِي تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة لمن قدر عَلَيْهِ، وَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين لمن لم يقدر (فِي) الفتل (الْخَطَأ). قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله الْعمد: قصد الْفِعْل والشخص بِمَا يقتل غَالِبا: جارح، أَو مثقل، فَإِن فقد قصد أَحدهمَا بِأَن وَقع عَلَيْهِ فَمَاتَ، أَو رمى شَجَرَة فَأَصَابَهُ فخطأ (وَغير الْغمُوس) أَي وَوَجَبَت الْكَفَّارَة، وَهِي إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا يطعم الشَّخْص أَهله، أَو كسوتهم، أَو تَحْرِير رَقَبَة فِي حق المستطيع، وَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام إِذا يسْتَطع فِي الْيَمين المنعقدة، وَهِي الْحلف على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل ليفعله أَو يتْركهُ بِالنَّصِّ على ذَلِك (ففيهما) أَي فوجوب الْكَفَّارَة فِي الْقَتْل الْعمد الْمَفْهُوم بِذكر مُقَابِله، والغموس وَهُوَ الْحلف على أَمر حَال، أَو مَاض يتَعَمَّد فِيهِ الْكَذِب (أولى) من وُجُوبهَا فِي الْأَوَّلين (لفهم الْمُتَعَلّق) تَعْلِيل لقَوْل الشَّافِعِي رَحمَه الله: أَي قَالَ ذَلِك، لِأَنَّهُ فهم من النصين الدالين على وجوب التَّعَلُّق فِي الْمَنْطُوق أَن الحكم فيهمَا مُتَعَلق (بالزجر) على ارتكابهما تعلق الْمَعْلُول بعلته، وَأَن الْعمد والغموس أَشد مُنَاسبَة بِهَذِهِ الْعلَّة، فَهُوَ أولى بالحكم، وَذَلِكَ لِأَن احتياجهما إِلَى الزّجر أَكثر،

وَهَذَا الْفَهم ظَنِّي لعدم مَا يُفِيد الْقطع بِهِ، وَمن ثمَّ لم يُوَافقهُ أَصْحَابنَا، بل ذَهَبُوا إِلَى أَن المناط فيهمَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لَا بتدارك مَا فرط) عطف على قَوْلهمَا بالزجر: أَي لَا التَّعَلُّق مثلا فِي مُسَافر قصر من التثبت فِي الرَّمْي، والتحفظ عَن هتك حُرْمَة اسْم الله تَعَالَى بترك الْيَمين، أَو بِعَدَمِ ارْتِكَاب مَا يُوجب الْحِنْث (بالثواب) الْحَاصِل بِالْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي أَن معنى الْعِبَادَة فِيهَا أغلب، أَو الْعقُوبَة، فعلى الأول يتَرَجَّح تعلقهَا بالتدارك، وعَلى الثَّانِي بالزجر، والأغلب فِيهَا عندنَا الأول، وَعِنْده الثَّانِي، وَلَا يخفى أَن مَا يتدارك بِهِ الأخف لَا يصلح لِأَن يتدارك بِهِ الأغلظ، والعمد من أكبر الْكَبَائِر، والغموس كَبِيرَة مَحْضَة مَعْدُودَة فِي الْخَبَر الصَّحِيح من الْكَبَائِر. وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة عِنْد قَوْله وَلَا كَفَّارَة فِيهَا: أَي فِي الْغمُوس إِلَّا التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار، وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء: مِنْهُم مَالك وَأحمد (جَازَ الِاخْتِلَاف فِيهَا) جَوَاب لما، يَعْنِي لما كَانَ قسم مِنْهَا ظنيا محلا للِاجْتِهَاد جَازَ الِاجْتِهَاد فِيهَا، وتفرع عَلَيْهِ جَوَاز الِاخْتِلَاف فِيهَا، وَلَو كَانَ كلهَا قَطْعِيا لما جَازَ ذَلِك (وَالْخَطَأ) عطف على الِاخْتِلَاف (كَمَا ذكرنَا) لِأَن جَوَاز الِاخْتِلَاف يسْتَلْزم جَوَاز الْخَطَأ لعدم إِمْكَان صوابية الْقَوْلَيْنِ الْمُخْتَلِفين، (وَلذَا) أَي لجَوَاز الِاخْتِلَاف فِي دلَالَة النَّص بِنَاء على الِاخْتِلَاف فِي فهم المناط (فرع أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وجوب الْحَد باللواطة على دلَالَة نَص وُجُوبه) أَي الْحَد (بِالزِّنَا بِنَاء) عِلّة للتفريع، أَو الدّلَالَة (على تعلقه) أَي تعلق وجوب حد الزِّنَا (بسفح المَاء) أَي إِرَاقَة الْمَنِيّ (فِي مَحل محرم مشتهي وَالْحُرْمَة قَوِيَّة) حَال من مفعول فرع: أَي فرع وجوب حد اللواطة عَلَيْهَا حَال كَون الْحُرْمَة الْمُقْتَضِيَة ذَلِك الْوُجُوب أقوى من الْحُرْمَة الْمُوجبَة حد الزِّنَا لكَونهَا مُؤَبّدَة لَا تنكشف بِحَال، بِخِلَاف الْأُخْرَى لانكشافها فِي بعض الْمحَال بِملك النِّكَاح أَو الْيَمين، وَبِه أَفَادَ أَوْلَوِيَّة الْمَسْكُوت بالحكم هَذَا، وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة ذَهَبُوا إِلَى مَا ذَهَبا (وَالْإِمَام) أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يمْنَع وجوب الْحَد باللواطة، فَإِنَّهُ (يَقُول السفح) بِالزِّنَا (أَشد ضَرَرا) من السفح باللواطة (إِذْ هُوَ) أَي السفح بِالزِّنَا (إهلاك نفس معنى) يُؤَيّدهُ أَنه قرن بَينه وَبَين الْقَتْل فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون} -، قيل لِأَنَّهُ مفض إِلَى الْإِثْبَات ظَاهرا وَإِذا ثَبت وَلَيْسَ لَهُ مرب وَلَا قيم لعجزهن عَن الِاكْتِسَاب يهْلك الْوَلَد، وَالْأَوْجه أَن يُقَال الإهلاك الْمَعْنَوِيّ لهتك الْعرض بِعَدَمِ النّسَب، وَفِي الحَدِيث " عرض الْمُؤمن كدمه "، وَعدم الاتصاف بالكمالات العلمية والعملية، والاتصاف بالرذائل مِمَّا يُنَاسب مثبته السوء، فَإِن عجز النِّسَاء والهلاك لعدم من ينْفق لَا عِبْرَة بِهِ مَعَ قَوْله تَعَالَى - {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} - على أَن الزَّانِيَة لَا تعجز (وَهُوَ) أَي القَوْل الْمُعَلل مَبْنِيّ (على اعْتِبَاره) أَي الإهلاك الْمَذْكُور

(المناط) ثاني مفعولي الاعتبار: أي قوله المذكور مبني على أنه جعل مناط وجوب حد الزنا السفح المفضي إلى الإهلاك (لا مجرده) معطوف على ضمير اعتباره: أي لا اعتبار مجرد سفح الماء في محل محرم مشتهى، لتكون اللواطة مشاركة في هذا المعنى، ولا يخفى عليك أن قوله على اعتباره المناط ظاهره يدل على أنه المناط استقلالا، وقوله لا مجرده يدل على أنه جزء منه والتوجيه ظاهر (والشهوة) المأخوذة في المناط الموجودة في الزنا (أكمل) من الشهوة الكائنة في اللواطة، فإذا اعتبر في المناط تلك الشهوة لزم عدم تحققه فيها، والجملة حال عن المناط، يعني يجعل الإهلاك عن المناط حال كون الشهوة المعتبرة فيه المتحققة في الزنا أكمل (لأنها) أي الشهوة في الزنا (من الجانبين) لميلانهما إليه بالطبع بخلاف اللواطة لعدم ميل المفعول فيه بالطبع إليها، على ما هو الأصل في الجبلة السليمة، ونقصان الشهوة في المفعول فيه يستدعي نقصانها في الفاعل، لأن زيادة جاذبة المحبوب توجب زيادة محبة المحب، ولأنه يصدر عنه حينئذ أفعال تقتضي زيادة هيجان الشهوة. فإن قلت سلمنا التفاوت بين الشهوتين، لكن لا نسلم اعتبار تلك الزيادة في المناط. قلنا لا بد أن يعتبر، لأن زيادة التلذذ في المعصية يستدعي زيادة التشديد فيما يترتب عليها لما بين العمل والجزاء من المماثلة، فاللواطة لا تشارك الزنا في مناط الحكم فلا دلالة في نص وجوب حده على وجوب حدها (وهذا) القول (أوجه) من قولهما لما مر من اشتماله على اعتبار قيدين ينبغي اعتبارهما في المناط (والترجيح) الذي ذكرناه (بزيادة قوة الحرمة) في اللواطة على الحرمة في الزنا (ساقط) عن درجة الاعتبار عند انعدام تحقق المناط على ما بينا. قال الشارح في بيان السقوط: ألا ترى أن حرمة الدم والبول فوق حرمة الخمر من حيث إن حرمتهما لا تزول أبدا، وحرمتهما [وحرمتها] تزول بالتخليل، مع أنه لا يجب الحد بشربهما انتهى، ولا يخفى عليك أن الحرمة مأخوذة في المناط اتفاقا، فزيادة قوتها في اللواطة تصلح لأن تكون موجبة لأولويتها بالحكم لولا المانع، وهو عدم الإهلاك في اللواطة والأكملية، وليس في مناط حد الخمر ما يزداد قوته بما ذكر في البول فتدبر (وكذا قولهما بإيجاب القتل بالمثقل) أي كما أن قوله بعدم إيجاب الحد باللواطة بدلالة نص الزنا أوجه من قولهما كذلك قولهما بإيجاب القتل قصاصا بالقتل عمدا بالمثقل الذي لا يحتمله البنية بدلالة نص إيجاب القتل بالمثقل بما يفرق الأجزاء كالسيف أوجه من قوله (لظهور تعلقه) أي إيجاب القتل بما يفرق الأجزاء (بالقتل العمد العدوان) وعدم اعتبار خصوصية تفريق الأجزاء في الآلة، وإنما المعتبر كونها قاتلة عادة، لأن العمد، وهو القصد معتبر في قوله تعالى -كتب عليكم القصاص في القتلى-، لقوله عليه السلام في بيان موجب القتل العمد قود: أي موجبه، وحكمه الزجر به يتوفر، والعقوبة

المتناهية لا شرع لها دون ذلك، ولا يوقف عليه إلا بدليله، وهو استعمال الآلة القاتلة، فكل من يعرف اللغة يفهم وجوب القود بالمثقل المذكور بالنص المذكور، وإليه أشار بقوله (ويتحقق) القتل العمد العدوان (بما لا تحتمله البنية) من المثقل كما يتحقق بما يفرق الأجزاء، قيل بل ربما كان أبلغ لأنه يزهق الروح بنفسه، والجارح بواسطة السراية (فادّعاء قصوره) أي القتل بالمثقل (في العمدية) كما ذكره بعض المشايخ في وجه قول أبي حنيفة رحمه الله (مرجوح) والراجح عند العقل خلافه، وقيل المناط: الضرب بما لا يطيقه البدن، وفي التلويح هو مما لا يفهمه كل من يعرف اللغة، ولذا ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الجرح الناقص للبنية ظاهرا وباطنا: بأن يكون مزهقا للروح، مفسدا للطبائع الأربع، فإنه حينئذ تقع الجناية قصدا على النفس الحيوانية التي هي البخار المتكون من ألطف أجزاء الأغذية: السبب للحس، والحركة القوام للحياة، واحترز به عن النفس الإنسانية التي لا تفنى بخراب البدن، فتكون أكمل من لجناية بدون القصد كقتل الخطأ، أو بنقض، ظاهرا فقط كالجرح بدون السراية، أو باطنا فقط كالقتل بالمثقل، ولا يخفى تعلق القود بالقتل العمد العدوان كما ذكره المصنف رحمه الله، ولا شك في أنه أظهر مما ذهب إليه أبو حنيفة، فلا شك في كون قولهما أوجه. فإن قلت إثبات القصاص بالقتل بالمثقل بطريق القياس غير جائز، لأن الحدود تندرئ بالشبهات، والقياس لا يخلو عنها، فتعين أن يكون بدلالة النص، ويلزمها فهم المناط بمجرد فهم اللغة، وهو يستدعي توارد الأفهام عليه من غير خفاء واختلاف. قلت: لا نسلم استدعاءه ذلك، وإنما يستدعي بداهته، والبداهة لا تنافي الخفاء، وعند الخفاء قد يقع الخلاف (وإلى مفهوم مخالفة) معطوف على مفهوم موافقة (وهو) أي مفهوم المخالفة (دلالته) أي اللفظ (على) ثبوت (نقيض حكم المنطوق للمسكوت، ويسمى) أي مفهوم المخالفة (دليل الخطاب) ولما كان الدلالة في الأول على ثبوت حكم المنطوق للمفهوم، وفي الثاني على ثبوت نقيضه له ناسب أن يسمى فحوى الخطاب: أي معناه في الأول، وهو ظاهر، ودليل الخطاب في الثاني لحصولها بنوع من الاستدلال ببعض الاعتبارات الخطابية كالوصفية والشرطية (وهو أقسام، مفهوم الصفة) بدل من أقسام، أو مبتدأ خبره محذوف: أي منها (عند تعليق حكم) ظرف للدلالة المفهومة من القسمة: أي منها دلالته على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت الحاصلة من الصفة عند تعليق حكم (بموصوف بمخصص) صفة موصوف: أي بوصف مخصوص (لا كشف) أي لا بوصف كاشف عن معنى الوصف غير مخصص إياه كقوله تعالى -إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعها، وإذا مسه الخير منوعا-، ومن ثم

قَالَ ثَعْلَب لمُحَمد بن عبد الله بن طَاهِر لما سَأَلَهُ مَا الْهَلَع؟ قد فسره الله تَعَالَى، وَلَا يكون تَفْسِير أبين من تَفْسِيره (ومدح وذم) أَي وَلَا بِوَصْف مادح، وَلَا ذام يقْصد بِهِ مُجَرّد الْمَدْح والذم، وَلَا مترجم بِهِ على الْمَوْصُوف، نَحْو جَاءَ زيد الْعَالم، أَو الْجَاهِل، أَو الْفَقِير، وَلَا بِوَصْف مُؤَكد، وَهُوَ مَا موصوفه مُتَضَمّن لمعناه كأمس الدابر لَا يعود (ومخرج الْغَالِب) أَي وَلَا بِوَصْف خرج مخرج الْغَالِب الْمُعْتَاد بِأَن لَا يَنْفَكّ عَن الْمَوْصُوف فِي أَكثر تحققاته، فخروجه وبروزه مَعَ الْمَوْصُوف فِي الذّكر على حسب بروزه مَعَه فِي الْوُجُود، وَلَا يقْصد بِهِ التَّخْصِيص (كاللاتي فِي جحوركم) فِي قَوْله تَعَالَى - {وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم} - جمع ربيبة، بنت زَوْجَة الرجل من آخر، سميت بهَا، لِأَنَّهُ يُرَبِّيهَا غَالِبا كولده، وَإِنَّمَا لحقته الْهَاء، مَعَ أَنه فعيل بِمَعْنى مفعول لصيرورته اسْما، وكونهن فِي حجور أَزوَاج الْأُمَّهَات هُوَ الْغَالِب من حالهن، فوصفهن بِهِ لذَلِك لَا للتخصيص (فَلَا يدل) الْكَلَام الْمُشْتَمل على الْمَوْصُوف بِوَصْف من الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة، أَو قَوْله - {وربائبكم} - الخ (على نفي الحكم عِنْد عَدمه) أَي عدم ذَلِك الْوَصْف، أَو عدم كونهن فِي حجوركم، وَفَائِدَة ذكر الاحتضان تَقْوِيَة الشّبَه بَينهَا وَبَين الْأَوْلَاد المستدعية كَونهَا حَقِيقَة بِأَن تجْرِي مجراهم، وَذهب جُمْهُور الْعلمَاء إِلَى تَعْمِيم الحكم، وَقد روى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ جعله شرطا حَتَّى أَن الْبعيد عَن الزَّوْج لَا يحرم عَلَيْهِ، وَنقل عَن ابْن عبد السَّلَام أَن الْقَاعِدَة تَقْتَضِي الْعَكْس، وَهُوَ أَنه إِذا خرج مخرج الْغَالِب يكون لَهُ مَفْهُوم، لَا إِذا لم يكن غَالِبا، لِأَن الْغَالِب على الْحَقِيقَة تدل الْعَادة على ثُبُوتهَا لَهَا، فالمتكلم يَكْتَفِي بدلالتها عَن ذكره، فَإِنَّمَا ذكره ليدل على نفي الحكم عَمَّا عداهُ، وَإِذا لم يكن عَادَة فغرض الْمُتَكَلّم بِذكرِهِ إفهام السَّامع ثُبُوته للْحَقِيقَة، وَفِيه مَا فِيهِ (وَجَوَاب سُؤال عَن الْمَوْصُوف) أَي وَلَا بِوَصْف ذكر فِي جَوَاب سُؤال عَن مَوْصُوف بِهِ، كَأَن يُقَال هَل فِي الْغنم السَّائِمَة زَكَاة؟ فَيَقُول الْمُجيب فِي الْغنم السَّائِمَة زَكَاة، فَذكر الْوَصْف لتنصيص الْجَواب فِي مَحل السُّؤَال، فَلَا يدل على عدم الْوُجُوب فِي غَيرهَا (وَبَيَان الحكم لمن هوله) وَلَا بِوَصْف ذكر لبَيَان الحكم لمن لَهُ الْمَوْصُوف بِهَذَا الْوَصْف كَمَا إِذا كَانَ لزيد غنم سَائِمَة، وَأَنت تُرِيدُ بَيَان حكم غنم زيد لَا غَيره، فَتَقول فِي الْغنم السَّائِمَة زَكَاة تنصيصا على أَن الْغَرَض بَيَان وجوب الزَّكَاة لأجل زيد (ولتقدير جهل الْمُخَاطب بِحكمِهِ) أَي وَلَا بِوَصْف ذكر لغَرَض جَهَالَة الْمُخَاطب بِحكم الْمَوْصُوف بِاعْتِبَار هَذَا الْوَصْف فَقَط لعلمه بِاعْتِبَار وصف آخر كَمَا إِذا لم يعلم فِي السَّائِمَة مَعَ علمه فِي العلوفة (أَو ظن الْمُتَكَلّم) أَي ولتقدير ظن الْمُتَكَلّم علم الْمُخَاطب بِحَال الْمَسْكُوت كظنه أَن الْمُخَاطب عَالم بِأَنَّهُ لَا زَكَاة فِي المعلوفة (أَو جَهله) أَي لتقدير جهل الْمُتَكَلّم بِحَال الْمَسْكُوت فِيمَا إِذا كَانَ غير الشَّارِع (وَخَوف يمْنَع ذكر حَاله)

وَلَا بِوَصْف ذكر لتقدير خوف يمْنَع الْمُتَكَلّم عَن ذكر السُّكُوت (أَو غير ذَلِك) كَمَا يقتضى تَخْصِيصه بِالذكر، فَإِن مَفْهُوم الصّفة إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ إِذا لم يكن لذكرها فَائِدَة أُخْرَى (كفى السَّائِمَة الزَّكَاة يُفِيد) الْوَصْف بالسوم (نَفْيه) أَي نفي الحكم، وَهُوَ وجوب الزَّكَاة (عَن العلوفة) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: أَي المعلوفة، وَالْقَائِل بِمَفْهُوم الصّفة الشَّافِعِي وَأحمد والأشعري وَكثير من الْعلمَاء: رَضِي الله عَنْهُم، ونفاه أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَابْن سُرَيج وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي أَبُو بكر وَالْغَزالِيّ رَضِي الله عَنهُ والمعتزلة. (وَالشّرط على شَرط) أَي وَمَفْهُوم الشَّرْط عِنْد تَعْلِيق حكم على شَرط، فَإِنَّهُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاء الشَّرْط، فَيثبت نقيضه، والعاطف إِمَّا لعطف الشَّرْط على الصّفة، والظرف وَمَا أضيف إِلَيْهِ مُقَدّر بِقَرِينَة السِّيَاق، أَو لعطف الشَّرْط وَمَا بعده على الصّفة وصلَة التَّعْلِيق، أَعنِي الْمَوْصُوف، والعطف على معمولي عاملين مُخْتَلفين جَائِز مُطلقًا عِنْد الْأَخْفَش إِلَّا إِذا وَقع فصل بَين العاطف والمعطوف الْمَجْرُور، وَكَذَا على مَا هُوَ الْمُخْتَار وَابْن الْحَاجِب إِذا كَانَ الْمَجْرُور مقدما مثل قَوْله تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ فَلَا نَفَقَة لمبانة غَيرهَا} أَي غير الْحَامِل، علق إِيجَاب النَّفَقَة على كَون المبانة ذَات حمل، فَدلَّ على عدم وُجُوبهَا غير حَامِل، وَقيد الْمُطلقَة بالمبانة لوُجُوب نَفَقَة الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة إِجْمَاعًا حَامِلا كَانَت أَو لَا. (والغاية) أَي وَمَفْهُوم الْغَايَة (عِنْد مده) أَي الحكم الثَّابِت للمنطوق (إِلَيْهَا) أَي إِلَى الْغَايَة، لِأَن ذكر الْغَايَة يدل على انتهائه عِنْدهَا، فَلم يثبت للمسكوت الَّذِي هُوَ بعد الْغَايَة، فَيثبت لَهُ نقيضه كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح} زوجا غَيره، فَإِن حكم الْمَنْطُوق، وَهُوَ عدم الْحل انْتهى عِنْد نِكَاح الزَّوْج الآخر (فَتحل) للْأولِ (إِذا نكحت) غَيره وَانْقَضَت الْعدة، فالمسكوت عَنهُ نِكَاح الأول يعد نِكَاح الثَّانِي، ونقيض الحكم الْحل. (وَالْعدَد) أَي وَمَفْهُوم الْعدَد، وَهُوَ دلَالَته على ثُبُوت نقيض حكم الْمَنْطُوق (عِنْد تَقْيِيده) أَي حكم الْمَنْطُوق (بِهِ) أَي بِالْعدَدِ الْمَسْكُوت فِيمَا عدا الْعدَد كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة} فَإِنَّهُ يدل على نفي الْوُجُوب عَن الزَّائِد على الثَّمَانِينَ كَمَا يدل على وُجُوبهَا بِسَبَب تَقْيِيد الْوُجُوب بِالْعدَدِ الْمَذْكُور (فَرجع الْكل) أَي الشَّرْط والغاية وَالْعدَد (إِلَى الصّفة معنى) لِأَن الْمَقْصُود من الصّفة تَخْصِيص الْمَنْطُوق، وَهُوَ حَاصِل فِي الْكل، وَلَيْسَ الْمَقْصُود عدم التَّفَاوُت بَين الْمَذْكُورَات بِوَجْه حَتَّى يرد أَنه لَو كَانَ الْكل سَوَاء لما وَقع الِاخْتِلَاف بَين الْقَائِلين بهَا، فالشافعي وَأحمد والأشعري وَأَبُو عبيد من اللغويين، وَكثير من الْفُقَهَاء والمتكلمين قَالُوا بِمَفْهُوم الصّفة. وَقَالَ بِمَفْهُوم الشَّرْط كل من قَالَ بمفهومها، وَبَعض من لم يقل بِهِ

كابن سريج وأبي الحسن [؟ الحسين] البصري. وقال بمفهوم الغاية كل من قال بمفهوم الشرط، وبعض من لم يقل به كالقاضي عبد الجبار، فإن كل من يرد الكل إليها يريد بها ما هو أعم من النعت: أي ما يفيد معنى تخصيص المنطوق، والتفاوت إنما هو بين الصفة بمعنى النعت وباقي الأقسام، ثم قالوا أقواها مفهوم الغاية، ثم الشرط، ثم الصفة، وثمرته تظهر في الترجيح عند التعارض (والاتفاق) بين القائلين بالمفهوم على (أنه) أي المفهوم (ظني) وإلا لما كان للاجتهاد مجال (ومفهوم اللقب) لم يقل واللقب تنبيها على أنه ليس في عدد تلك الأقسام، ولذا لم يقل به إلا شذوذ كما سيشير إليه (وهو تعليق بجامد) أي ودلالة تعليق حكم بجامد على نفيه عن غيره، والمراد دلالة اللفظ على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عند تعليقه بجامد (كفي الغنم زكاة) أي نفي مفهوم اللقب (سوى شذوذ على ما سنذكر، والحنفية ينفونه) أي مفهوم المخالفة (بأقسامه في كلام الشارع فقط) قال الكردري: تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه في خطابات الشرع، فأما في متفاهم الناس وعرفهم وفي المعاملات والعقليات فيدل انتهى. ثم لما وافق أصحابنا الشافعية في غالب أحكام الأمثلة السابقة، وكان ذلك موهما كونهم قائلين بمفهوم المخالفة أزال ذلك بقوله (ويضيفون حكم الأولين) مفهوم الصفة والشرط (إلى الأصل) وهو العدم الأصلي بحكم الاستصحاب وإبقاء ما كان على ما كان، وإنما أخرج المنطوق من ذلك الحكم الأصلي لمكان النطق المصرح بخلافه، فما سواه أبقي على حاله (إلا لدليل) يعني حكم الموصوف عند اتصافه بوصف آخر، والمشروط عند عدم الشرط إنما هو العدم الأصلي دائما إلا إذا بت له حكم حادث لدليل اقتضى ذلك (والأخيرين) أي ويضيفون حكم ما بعد الغاية وما وراء العدد (إلى الأصل الذي قرره السمع) أي الشرع من العمومات وغيرها كقوله تعالى -وأحل لكم ما وراء ذلكم-: في حل نكاح المطلقة ثلاثا بعد نكاح الزوج الثاني، وعموم المنع من الأذى الدال على حرمة الضرب بعد الثمانين في القذف، ولعل تخصيص الأصل في الأخيرين بتقرير السمع بحكم الاستقراء بأن وجدوا موادهما كلها داخلة تحت أصل قرره السمع، بخلاف الأولين (ويمنعون نفي النفقة) للمبانة التي ليست بحامل، جواب إشكال وهو أنكم قلتم يضاف حكم الأولين إلى الأصل، ولا يستقيم ذلك في المبانة المذكورة، لأن الأصل فيها وجوب النفقة ما دامت في العدة، لأن النفقة في مقابلة احتباسها له: نعم كان الأصل عدم الوجوب قبل النكاح لكنه انعكس الأمر بناء على علته، فأجيب بمنع نفيها، فإن نفقتها واجبة عندنا (وألحق بعض مشايخهم) أي الحنفية

(بالمفهوم) المخالف في النفي (دلالة الاستثناء) فقال ليس فيه دلالة على ثبوت نقيض حكم الصدر لما بعد إلا (والحصر) أي وألحق أيضا دلالة الحصر على نفي الحكم عما عدا المحصور فيه كما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات). اختلف في إنما، فقيل لا تفيد الحصر فهو إن وما مؤكدة، فقوله تعالى -إنما أنت نذير- في قوة إنك نذير، وقيل: تفيده بالمنطوق، وقيل بالمفهوم فينفى الحكم عما يقابل المذكور في الكلام آخرا، فالمعنى صحة الأعمال أو ثوابها بالنيات لا بدونها (والعالم زيد) فقيل لا يفيد الحصر أصلا، وقيل يفيد بالمنطوق، وقيل بالمفهوم، دليل الأول أنه لو أفاد أفاد عكسه: أي زيد العالم، واللازم باطل، ودليل الثاني أن العالم لا يصلح للجنس، لأن الحقيقة الكلية ليست زيدا الجزئي، ولا لمعين لعدم القرينة، فكان لما صدق عليه الجنس مطلقا، فيفيد أن كل ما صدق عليه العالم زيد الجزئي، وهو معنى الحصر الادعائي، ودليل الثالث أن وضع اللغة لا يقتضي إلا إثبات زيد العالم، فالحصر إنما يفهم بعرف الاستعمال، والمختار عند المصنف رحمه الله ما أفاد بقوله (وهو) أي ما ذكر من دلالة الاستثناء والحصر (عندنا عبارة ومنطوق إلا في حصر اللام والتقديم) فإن دلالتهما ليست بعبارة ولا منطوق (فما) أي فدلالة الحصر (بالأداتين) حرف الاستثناء، وإنما (ظاهر) كونه عبارة ومنطوقا (وسيعرف) كل واحد في موضعه مفصلا (وقد نفوا) أي الحنفية (اليمين عن المدعى بحديث "البينة على المدعي) واليمين على المدعى عليه" المخرج في الصحيحين (بواسطة العموم) أي عموم اليمين المستفاد باللام الاستغراقية، فإنه في قوة كل يمين عليه، أو عموم البنية، فإنه إذا كان كل بينة على المدعى يلزم أن لا يكون عليه يمين أصلا، فإنه لو فرض لزوم يمين عليه لزم أن يكون على خصمه، وهو المدعى عليه البينة، فلم تكن كل بينة على المدعي (فلم تبق يمين) تستحق (عليه) أي على المدعى. وحاصل هذا الكلام تضعيف نسبة مانعي دلالة الحصر على النفي إلى الحقيقة، لأن كلامهم مشحون باعتبارها (وقيل العدد اتفاق) أي اعتبار مفهوم العدد متفق عليه بين القائلين بمفهوم المخالفة وبين أصحابنا (لقول الهداية) في دفع قول الشافعي رحمه الله: لا يجب الجزاء على المحرم بقتل ما لا يؤكل من الصيد كالسباع لأنها جبلت على الأذى، فدخلت في الفواسق المستثناة، ولنا أن السبع صيد لتوحشه، وكونه مقصودا بالأخذ لجلده، أو ليصاد به، أو لدفع أذاه، والقياس على الفواس ممتنع (لما فيه من إبطال العدد) المذكور في حديث الصحيحين "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والغراب، والحدأة"، فإن تجويز قتل

غيرها إلحاقا بها ينفي فائدة ذكر العدد الخاص مع التصريح بأسامي المعدودات. فإن قلت لم لا يجوز أن تكون فائدته نفي حل قتل ما ليس في معنى واحد منها. قلت: إذن يكفي ذكر المعدودات من غير ذكر العدد (والحق أن نفي الزائد) أي نفي حل قتل ما سوى هذه الخمسة من الصيد البري إذا قلنا به إنما هو (بالأصل) الذي أفاده السمع، وهو قوله تعالى -وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما- لا بالمفهوم المخالف للعدد المذكور. قال الشارح فلا يرد قتل الذئب، لأنه ليس من الصيد في ظاهر الرواية، وهذا مخالف لما سبق (وقوله) أي صاحب الهداية (يكفي إلزاما) يعني في مقام المناظرة أن يكون بحثا إلزاميا، فإن الخصم قائل بمفهوم العدد (على ما ظن) من كونه إلزاما للشافعي رحمه الله، وهو ينفصل عنه لأنه يقدم القياس على المفهوم (لكنهم) أي الحنفية (قد زادوا على الخمس) استدراك عما يفهم من قوله من أن الحنفية ما زادوا على الخمس شيئا، فإنهم زادوا قتل الذئب ابتداء قول الكرخي رحمه الله وتبعه صاحب الهداية والمحيط، وظاهر الرواية أنه ليس بصيد، وفي البدائع الأسد والذئب والنمر والفهد يحل قتلها ولا شيء فيها، وإن لم تصل لأنها تبتدئ بالأذى، وبالجملة اختلفت أقوال المشايخ رحمهم الله في اعتبار مفهوم العدد والزيادة على الخمس، والمصنف جزم بالزيادة ولم يصح عنده بالاتفاق على اعتبار مفهوم العدد، بل يصح خلافه (قالوا) أي القائلون بمفهوم الصفة (صح عن أبي عبيد) بلفظ المصغر بلا هاء كما ذكره الأكثرون، وهو القاسم بن سلام الكوفي أو بها كما ذكر إمام الحرمين، وهو معمر بن المثنى (فهمه) أي مفهوم الصفة (من لي الواجد، ومطل الغني) أي من الحديث الحسن الذي أخرجه أحمد وإسحاق والطبراني "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" وليه بفتح اللام مطله، وهو مدافعته والتعلل في أداء الحق الذي عليه، وحل عرضه أن يقول مطلني، وعقوبته الحبس: ذكره النجاري [؟ البخاري] عن سفيان الثوري، وذكر أحمد وإسحاق عنه حل عرضه أن يشكوه انتهى، فقال يدل على أن لي من ليس بواجد لا يحل عرضه وعقوبته، ومن الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري وغيره "مطل الغني ظلم" فقال يدل على أن مطل غير الغني ليس بظلم اعتبارا لمفهوم الصفة، فإن الواجد والغني صفتا مقدر: أي المديون، والمراد بالغنى: القدرة على الإيفاء (وكذا) صح (عن الشافعي) رحمه الله فهم مفهوم الصفة (نقله) أي الفهم المذكور (عنه خلق) كثيرون (وهما) أي أبو عبيد والشافعي رحمهما الله (عالمان باللغة) وفهما ذلك من مجرد اللفظ من غير اجتهاد، فيجب كون ما فهماه مدلوله (وعورض) الاستدلال المذكور (بقول الأخفش ومحمد بن الحسن) بخلاف ذلك، وهما إمامان في العربية: أما الأخفش فهو من الثلاثة

المشهورين أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد شيخ سيبويه، وأبو الحسن سعيد بن مسعدة صاحب سيبويه، وأبو الحسن علي بن سليمان صاحب ثعلب والمبرد، وأما محمد فناهيك به، وقد روى الخطيب بإسناده عنه قال: ترك أبي ثلاثين ألف درهم، فأنفقت خمسة عشر ألفا على النحو والشعر، وخمسة عشر ألفا على الحديث والفقه (ولو ادعى) على صفة المجهول (السليقة في الشافعي) أي مذاق العربية فيه ذوقا طبيعيا، وفي القاموس يتكلم بالسليقة: أي عن طبعه، لا عن تعلم (فالشيباني) يعني محمد بن الحسن منسوب إلى شيبان، وهي قبيلة من العرب، والخبر محذوف: أي مثله، وكذلك (مع تقدم زمانه) على زمان الشافعي رحمه الله، فإنه ولد سنة اثنين وثلاثين ومائة، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة، والشافعي رحمه الله ولد سنة خمسين [و] مائة، وتوفي سنة أربع ومائتين، والمتقدم قد أدرك من صحة الألسنة ما لم يدركه المتأخر، ومن ثم استغنى الصدر الأول عن تدوين علم العربية. وعلى زمان أبي عبيد فإنه توفي سنة أربع وعشرين ومائتين عن سبع وستين أو ثلاث وسبعين، وأيضا رأي المتقدم أقرب إلى الصواب لقوله عليه الصلاة والسلام "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم" الحديث، وروي أن كليهما ممن تتلمذ له، وأخذ عنه خصوصا الشافعي رحمه الله حتى ذكر أصحابه وغيرهم عنه أنه قال حملت عن محمد بن الحسن وقري بختي كتبا، وأسند الخطيب البغدادي عنه قال ما رأيت سمينا أخف روحا من محمد بن الحسن، وما رأيت أفصح منه: كنت إذا رأيته يقرأ كأن القرآن نزل بلغته. وقال أبو إسحاق في الطبقات، وروى الربيع قال: كتب الشافعي رحمه الله إلى محمد وقد طلب منه كتبا ينسخها فأخرها عنه: قولوا لمن لم تر عين من رآه مثله * ومن كأن من رآه قد رأى من قبله العلم ينهى أهله أن يمنعوه أهله * لعله يبذله لأهله لعله وعن أبي عبيد "ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن" (أو العلم) معطوف على السليقة، يعني أو ادعى في الشافعي العلم البالغ إلى حد لم يبلغ إليه علم محمد بن الحسن (وصحة النقل) أي وادعى أنه صح عنه نقل ذلك (للأتباع) أي لكثرة الأتباع، وكونهم ثقات (فكذا) أي الشيباني مثله في العلم، وصحة النقل عنه لكثرة أصحابه، وكونهم ثقات، وبهذا تبين ضعف ما قيل من أن أبا يوسف ومحمدا لم يكونا مجتهدين على الإطلاق، بل من المجتهدين في المذهب. (فإن قيل) الدليل (المثبت) للحكم (أولى) بالقبول من الدليل النافي إياه عند التعارض، ودليل القائل بمفهوم الصفة مثبت للحكم فهو أولى بالقبول من الدليل النافي إياه عند التعارض، ودليل خصمه ينفيه، فإن القائل يقول يدل اللفظ عليه، وخصمه يقول لا يدل عليه: وذلك

لأن المنفي لعدم الوجدان، وهو لا يدل على عدم الوجود إلا ظنا، والإثبات للوجدان، وهو يدل عليه قطعا. (قلنا ذلك) أي كونه أولى إنما هو (في نقل الحكم عن الشارع و) نقل (نفيه) لأن الإحاطة بالنفي هناك غير ممكن فعدم الوجدان، وهو لا يدل على عدم الوجود إلا ظنا (أما هنا) أي فيما نحن فيه من إثبات المفهوم ونفيه بحسب اللغة (فلا أولوية) للمثبت على النافي لإمكان الإحاطة بالنفي للحاذق بمعرفة اللغة (وسيظهر) وجها قريبا (قالوا) أي المثبتون مطلقا (لو لم يدل) الكلام المشتمل على ما ذكر من الصفة والشرط والغاية واللقب (على نفي الحكم) عن المسكوت (خلا التخصيص) أي تخصيص الحكم بأحد المذكورات (عن فائدة) لأن غيره من الفوائد معدوم ظاهرا، واللازم باطل لخروج كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن البلاغة. (أجيب بمنع انحصار الفائدة فيه) أي في نفي الحكم عن المسكوت لجواز أن يكون له فائدة أخرى، وعدم ظهورها بالنسبة إلى بعض الأفهام لا يستلزم عدم ظهورها بالنسبة إلى الكل (و) أجيب أيضا (بأنه) أي ما ذكرتم (إثبات اللغة: أي وضع التخصيص لنفي الحكم عن المسكوت) تفسير للغة، فإنها عبارة عن اللفظ الموضوع، وإثباته بمعنى إثبات وضعه، والتخصيص لما كان من اعتبارات اللفظ الموضوع جعل بمنزلته (فإنه) أي التخصيص متعلق بإثباته (حينئذ) أي حين يجعل دالا على ما ذكر (مفيد) بخلاف ما إذا لم يجعل، فإنه على ذلك التقدير يلزم خلوه عن الفائدة فلا يصار إليه، ويتعين جعله دالا (وهو) أي إثبات اللغة بدليل العقل بدون النقل (باطل) كما عرفت في موضعه. فإن قلت الخلاف في إثبات اللغة بالقياس لا بغيره. قلت منشأ الخلاف كونه إثباتا بالعقل، وهو موجود في التعليل المذكور لأن كون التخصيص مفيدا يحتمل أن لا يجعل سببا للوضع (وتحقيق الاستدلال) بالخلو عن الفائدة فلا يصار إليه على تقدير عدم اعتبار المفهوم (يدفعه) أي هذا الجواب (وهو) أي تحقيقه (أن الاستقراء) أي تتبع اللغة (دل) حاكيا (عنهم) أي عن أهلها على (أن ما من التخصيص) بوصف: أي غيره بيان للموصول (ظن) على صيغة المجهول، وقوله (أن لا فائدة فيه) قائم مقام فاعله، والجملة صلة الموصول (سوى كذا) مما يصلح أن تكون فائدة له، استثناء من الفائدة المنفية (تعين) ذلك الذي استثني منها مرادا من التخصيص المذكور. (وحاصله) أي التحقيق، أو الاستقراء (أن) بالتخفيف (وضع) على المجهول (التخصيص) بالرفع (لفائدة) يعني أن الوضع يعرف بالاستعمال، وقد علم باستقراء مواد التخصيص إرادة فائدة ما من غير تخلف، فعلم أنه وضع لها (فإن ظنت) الفائدة (غير النفي عن المسكوت فهي) أي الفائدة المظنونة هي الموضوع لها التخصيص (وإلا) أي وإن لم تظن

غير النفي المذكور (حمل) التخصيص (عليه) لكونه من أفراد ما وضع له (ولا يخفى أن مفيده) أي وضع التخصيص لما ذكر إنما هو (نقل اللفظ) لأن دلالة الاستقراء التتبع للغة تابعة لدلالة الألفاظ المنقولة إليه، فإفادته وضع التخصيص لما ذكر إفادة نقل اللفظ في الحقيقة. فإن قلت إذا كان التخصيص موضوعا لما ذكر كان دلالته من قبيل المنطوق لا المفهوم. قلت: هو ليس بلفظ ليلزم ذلك (ولا معنى له) أي لكونه موضوعا للفائدة التي تتعين بالظن الذي يختلف (لاختلاف الفهم) ففهم يظن انحصار فائدته في شيء، وآخر في شيء آخر (فكان) وضعه لما ذكر (وضعا للإفادة) ودفع الجهل باعتبار قصد الواضع (مؤديا) بالآخرة (إلى الجهل) باعتبار اختلاف الفهم، وموجبا لاختلاف الكلام لعدم انضباط مدلوله بحسب المفهوم (والاستقراء إنما يفيد وجود الاستعمال) أي استعمال ما فيه تخصيص بالوصف وغيره (ثم غاية ما) قد (يعلم عنده) أي عند وجود الاستعمال (انتفاء الحكم) المنطوق في ذلك الاستعمال (عن المسكوت) وفيه إشارة إلى أن هذا العلم مفقود في أكثر المواد (والكلام بعد ذلك) أي بعد حصول العلم المذكور (في أنه) أي الانتفاء المذكور، هل هو (مدلول اللفظ) أي الذي فيه التخصيص (أو) مدلول (الأصل) الذي هو الاستصحاب، فإن الأصل عدم الحكم للمنطوق خرج عن حكم الأصل بالتصريح، والمسكوت بقي على حاله، أو الذي قرره السمع على ما مر (أو علم الواقع) يعني أو ليس فهم الانتفاء مدلول شيء من اللفظ أو الأصل، بل هو علم حاصل للمخاطب بما هو الواقع، يعني الانتفاء المذكور، فهذه احتمالات لم يرجح واحد منها، فكيف يتعين كونه مدلول اللفظ (لا يفيد ذلك) أي كونه مدلول اللفظ (الاستقراء) بالرفع على الفاعلية، والمفعول ذلك، والجملة تأكيد لما علم ضمنا في قوله الاستقراء إنما يفيد وجود الاستعمال، وفذلكة للكلام السابق (ولهذا) أي لأجل ما ذكرنا من عدم إفادة الاستقراء ذلك إلى آخره (نفاه) أي المفهوم (من ذكرنا من أهل اللغة) من الأخفش ومحمد بن الحسن وغيرهما (مع أن الاستعمالات والمرادات لم تخف عليهم) تأييد لمنع دلالة الاستقراء، بأنه لو دل ما اختص بفهمه من أهل الاستقراء بعض دون بعض، ولما كان قوله: ولهذا نفاه في معرض مناقشة أن ما قبله أفاد التردد في أنه مدلول اللفظ أو لا، فكيف يتفرع عليه نفي كونه مدلولا له، أشار إلى دفعها بقوله (وهذا) أي التردد والنفي (لأن أكثر ما انتفى فيه الحكم عن المسكوت) من الاستعمالات التي شملها (يوافق الأصل) لكون الانتفاء المذكور موجب الأصل الذي هو الاستصحاب، أو الذي قرره السمع، فالنفي المذكور بموجب الأصل مثبت، وباعتبار الفهم من اللفظ منفي لما ذكر من التردد (والاستقراء

يفِيدهُ) أَي كَون الْأَكْثَر مُوَافقا للْأَصْل (فَلَا يتَمَكَّن من إثْبَاته) أَي انْتِفَاء الحكم (بِاللَّفْظِ و) الْحَال أَنه (فِيهِ) أَي فِي إثْبَاته بِاللَّفْظِ (النزاع) بَين الْفَرِيقَيْنِ وَالْحَاصِل أَنه لَو لم يكن الأَصْل الَّذِي يصلح لِأَن يثبت بِهِ انْتِفَاء الحكم علن الْمَسْكُوت مَوْجُودا فِي الْأَكْثَر كَأَن يظنّ ثُبُوته بِالْمَفْهُومِ، لِأَنَّهُ إِذا علم مَشْرُوعِيَّة الحكم وَلم يظْهر لَهُ فِي الشَّرْع مَا يظنّ كَونه دَلِيلا لَهُ سوى أَمر خَاص يكَاد أَن يتَعَيَّن لذَلِك، وَأما إِذا وجد لَهُ مَا يصلح لذَلِك سوى أَمر هُوَ مَحل النزاع تعين إِسْنَاده إِلَيْهِ (وَإِذ قد ظهر) بِمَا ذكر من الِاسْتِدْلَال بفهم أبي عبيد وَغَيره على الْمَفْهُوم (أَن الدَّلِيل) لإِثْبَات الْمَفْهُوم (الْفَهم) أَي فهم انْتِفَاء الحكم عَن الْمَسْكُوت فِي الْموَاد الْمَذْكُورَة (وَفِي مفيده) أَي الْفَهم الْمَذْكُور (احْتِمَال لما ذكرنَا) من التَّرَدُّد فِي أَنه مَدْلُول اللَّفْظ أَو الأَصْل الخ (اتَّحد حَال الْإِثْبَات وَالنَّفْي) أَي نِسْبَة إِثْبَات الْمَفْهُوم ونفيه إِلَى اللَّفْظ على السوية لتساوي احتمالية الْإِرَادَة وَعدمهَا بِالنّظرِ إِلَيْهِ، وَالدَّال على الشَّيْء لَا يشك فِي أَنه يفِيدهُ أم لَا، فالشك فِي إفادته يسْتَلْزم نفي دلَالَته، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوب (فَإِن أُجِيب عَن الْمَنْع) أَي منع انحصار الْفَائِدَة فِي النَّفْي عَن الْمَسْكُوت بتحرير الدَّلِيل على وَجه لَا يتَّجه الْمَنْع الْمَذْكُور بِأَن يُقَال (وضع التَّخْصِيص للفائدة) على صِيغَة الْمَجْهُول أَو الْمصدر الْمُضَاف (وضع الْمُشْتَرك الْمَعْنَوِيّ) بِالنّصب على الأول وَالرَّفْع على الثَّانِي: أَي وضع مَا وضع لمَفْهُوم عَام تَحْتَهُ أَفْرَاد هِيَ الْفَوَائِد الْجُزْئِيَّة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وكل فَائِدَة فَرد مِنْهُ) أَي الْمُشْتَرك الْمَذْكُور (تتَعَيَّن بِالْقَرِينَةِ) لتِلْك الْفَائِدَة الْمُطلقَة الْمَوْضُوع لَهَا التَّخْصِيص (فِي المورد) فِي كل كَلَام ورد فِيهِ التَّخْصِيص بِالْقَرِينَةِ الْمعينَة لَهَا (وَهِي) أَي الْقَرِينَة (عِنْد عدم قرينَة غير الْمَنْفِيّ عَن الْمَسْكُوت لُزُوم عدم الْفَائِدَة) للتخصيص الْمُوجب وجود الْمَوْضُوع بِدُونِ مَا وضع لَهُ فَيجب (إِن لم يكن) النَّفْي عَن الْمَسْكُوت مرَادا من التَّخْصِيص (فَيجب) أَن يكون النَّفْي عَنهُ حِينَئِذٍ (مدلولا لفظيا) لِأَن الْمَوْضُوع للْجِنْس إِذا أُرِيد بِهِ فَرد مِنْهُ بِالْقَرِينَةِ يكون دَالا عَلَيْهِ (قُلْنَا لَا دلَالَة للأعم على الْأَخَص) بِخُصُوصِهِ بِإِحْدَى الدلالات الثَّلَاث، يَعْنِي إِذا قُلْتُمْ بِوَضْع التَّخْصِيص لمُطلق الْفَائِدَة الَّذِي نفى الحكم عَن الْمَسْكُوت فَرد مِنْهُ لزم كَون التَّخْصِيص أَعم مِنْهُ، وَقُلْنَا لَا دلَالَة إِلَى آخِره (فَلَيْسَ) النَّفْي الْمَذْكُور مدلولا (لفظيا بل) الدّلَالَة (للقرينة) مَعْطُوف على قَوْله للأعم فَإِن قلت ذكر الْعَام وَإِرَادَة الْخَاص بمعاونة الْقَرِينَة إِطْلَاق مجازى ومدلول الْمجَاز مَدْلُول لَفْظِي قلت النزاع فِي إِثْبَات الْمَفْهُوم وَهُوَ عبارَة عَن دلَالَة اللَّفْظ بِاعْتِبَار التَّخْصِيص من غير حَاجَة إِلَى أَمر آخر وَمَا ذكرته من لُزُوم عدم الْفَائِدَة أَمر آخر على أَن قَوْلنَا فَلَيْسَ لفظيا سَنَد للْمَنْع، فَإِن الْمُجيب عَن الْمَنْع منصبه إِثْبَات الْمُدعى بادعاء وضع التَّخْصِيص إِلَى آخِره، والخصم يمْنَع وَضعه لما ذكر، وَيُؤَيّد مَنعه بِنَفْي

المدلولية اللفظية، وَلَا خَفَاء فِي أَنه سَنَد أخص، وإبطاله غير موجه، وَأَيْضًا يتَحَقَّق النزاع فِي كل مَادَّة بقول الْخصم بِثُبُوت الْمَفْهُوم مُدعيًا وجود الْقَرِينَة، أَعنِي لُزُوم عدم الْفَائِدَة، فَيُقَال لَهُ لَا نسلم ذَلِك: لم لَا يجوز أَن يكون هُنَاكَ فَائِدَة أُخْرَى؟ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالثَّابِت) فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يدعى فِيهَا الْخصم ثُبُوت الْمَفْهُوم (عدم الْعلم بِقَرِينَة الْغَيْر) أَي غير نفي الحكم عَن الْمَسْكُوت (لَا عدمهَا) أَي عدم قرينَة الْغَيْر فِي نفس الْأَمر لعدم الْإِحَاطَة بِالنَّفْيِ (فَيكون) التَّخْصِيص الَّذِي ادّعى وَضعه لمُطلق الْفَائِدَة (مُجملا) لازدحام الْمعَانِي الممكنة إرادتها وَعدم مَا تعين بَعْضهَا (فِي) نفي الحكم عَن (الْمَسْكُوت وَغَيره) أَي غير النَّفْي (لَا مُوجبا فِيهِ) أَي فِي الْمَسْكُوت (شَيْئا) من نفي الحكم عَنهُ وَغَيره أَو شَيْئا من الْإِيجَاب (كَرجل بِلَا قرينَة فِي زيد) فَإِنَّهُ مُجمل فِي زيد وَعَمْرو وَغَيرهمَا، وَلَا يُوجب فِي زيد شَيْئا (فَإِن قيل) لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعمتم من أَن الثَّابِت عدم الْعلم بهَا لَا لعدمها، وَأَن الأول لَا يدل على الثَّانِي (بل) عدم الْعلم بِقَرِينَة الْغَيْر (ظَاهر فِي عدمهَا) أَي فِي عدمهَا بِحَسب الْوَاقِع، وَإِن لم يكن نصافيه (بعد فحص الْعَالم) بأساليب الْكَلَام، وقرائن الْمقَام مَعَ كَمَال الاهتمام عَن قرينَة الْغَيْر، فَيدل عدم علمه بهَا على عدمهَا بِحَسب غَالب الظَّن لِأَنَّهَا لَو كَانَت لم تخف عَلَيْهِ، وَهَذَا الْكَلَام إِثْبَات للمقدمة الممنوعة على تَقْدِير أَن يكون مَا قبله منعا، وَإِبْطَال لعدم ثُبُوت عدم الْقَرِينَة إِن كَانَ مُعَارضَة (قُلْنَا) ظُهُور عدمهَا (مَمْنُوع) أَن عدم الْعلم بِشَيْء وَلَو بعد فحص الْعَالم لَا يسْتَلْزم عَدمه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يستلزمه (لم يتَوَقَّف) الْعَالم بعد الفحص (فِي حكم) لِأَنَّهُ لَا تَخْلُو حَادِثَة من الْحَوَادِث عَن حكم ثَابت من الله تَعَالَى مَعَ أَمارَة أُقِيمَت عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْحق عِنْد أهل التَّحْقِيق، وَمن ضَرُورَة استلزام عدم الْعلم بالشَّيْء عدم استلزام وجود الْعلم فَلَا وَجه للتوقف (وَقد ثَبت) التَّوَقُّف (عَن الْأَئِمَّة) الْمُجْتَهدين فِي كثير من الْأَحْكَام فَإِن قلت لَعَلَّ توقفهم لعدم الْقطع، وَنحن قُلْنَا ظَاهر فِي عدمهَا، وَلم نَدع الْقطع بِهِ قُلْنَا ثَبت عَنْهُم التَّوَقُّف فِيمَا يَكْتَفِي فِيهِ بِالظَّنِّ من الْفُرُوع (فَإِن قيل) لاثبات الْمُقدمَة الممنوعة، وَهُوَ ظُهُور عدم قرينَة الْغَيْر بِإِبْطَال السَّنَد الْمسَاوِي للْمَنْع بزعم الْخصم التَّوَقُّف (نَادِر) كَالْمَعْدُومِ فَلَا يُنَافِي الظُّهُور الْمَذْكُور (قُلْنَا) لتأييد الْمَنْع بِسَنَد آخر إِن لم يسلم ذَلِك السَّنَد (فمواضع الْخلاف) بَين الْقَائِلين بِالْمَفْهُومِ والنافين، أَو بَين الْمُجْتَهدين فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة (كَثِيرَة تفِيد) تِلْكَ الْمَوَاضِع (عدم الْوُجُود بالفحص) أَي عدم وجود علم (للْعَالم) بِسَبَب الفحص مَعَ وجود المفحوص عَنهُ فِي الْوَاقِع، أَو عدم وجود مَا فحص عَنهُ لما زعمتم من أَن عدم علم الْعَالم بِهِ دَلِيل على عَدمه وَهُوَ بَاطِل لوُجُوده بِدَلِيل مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده الْمُخَالف تَوْضِيحه أَن كلا من الْمُجْتَهدين

المخالفين لم يعلم ما أدى إليه اجتهاد الآخر، ولا شك أن ما أدى إليه اجتهاد أحدهما حكم الله لم يعلمه الآخر مع وجوده في نفس الأمر، والمفروض أن قول كل منهما نقيض الآخر لجاز أن لا يكون شيء منهما حكم الله (ولو سلم) ظهور عدم علم العالم بعد الفحص في عدم قرينة غير المنفي عن المسكوت (في) كلام (غير الشارع) لعدم سعة دائرة ما يقصدون بالتخصيص من الفوائد بحيث لا يمكن إحاطة علم العالم بها (اقتصر) جواب لو: أي اقتصر اعتبار المفهوم على كلام غير الشارع (فقلنا به) أي باعتبار المفهوم (في غيره) أي في كلام غير الشارع (من المتكلمين للزوم الانتفاء) أي انتفاء فائدة التخصيص اللام متعلق بقلنا (لولاه) أي لولا انتفاء الحكم عن المسكوت، فالضمير راجع إلى الانتفاء بطريق الاستخدام، وذلك لما فرض من تسليم استلزام عدم علم العالم الفاحص عن قرينة غير انتفاء الحكم عن المسكوت عدمها (أما الشارع فللقطع بقصدها) أي الفائدة إجمالا (منه) أي من الشارع في التخصيص (يجب تقديرها) أي اعتبار الفائدة في كلامه المخصص واعتقاد وجودها فيه إجمالا (فلا يلزم الانتفاء) أي انتفاء الفائدة (لولا الانتفاء) أي انتفاء الحكم عن المسكوت (فإثباته) أي نفي الحكم عن المسكوت (إقدام على تشريع حكم بلا ملجئ) أي موجب، فلزوم انتفاء الفائدة لولا اعتبار انتفاء الحكم عن المسكوت للعمل بوجود الفائدة إجمالا من غير دليل على تعيينها. (فإن قيل) نفي الحكم عن المسكوت (ظني) فيكفي لإثباته ظن أن لا فائدة في التخصيص سواه. (قلنا ظن المعين) بصيغة المفعول، وهو الانتفاء المذكور (عند انتفاء معينه) بصيغة الفاعل المضاف إلى ضمير المعين، وهي القرينة المعينة له (ممنوع، وعلمت أنه) أي المعين للنفي المذكور (لزوم انتفاء الفائدة) أي فائدة التخصيص إن لم يرد به (وانتفاءه) أي وعلمت انتفاء اللزوم المذكور لا سيما في كلام الشارع (واندفع بما ذكرنا قولهم) أي المثبتين للمفهوم (تثبت دلالة الإيماء) وهو قران الحكم بما لو لم يكن علة له كان بعيدا على ما مر (لدفع الاستبعاد) متعلق بتثبت (فالمفهوم) أي فثبوت دلالة التخصيص على النفي المذكور (لدفع عدم الفائدة) اللازم على تقدير عدم انتفاء الحكم عن المسكوت (أولى) لأن الاحتراز عن إيراد ما لا فائدة فيه أهم منه عن الاستبعاد (ولو جعل) القول المذكور (إثباتا لإثبات الوضع بالفائدة) ردا على من حكم ببطلان إثبات الوضع بها، وكلمة لو وصلية إشارة إلى أنه لا فرق في الاندفاع بين أن يجعل دليلا مستقلا على المطلوب كما فعله القاضي عضد الدين، وبين أن يجعل جوابا ثانيا يمنع إثبات الوضع بالفائدة كما فعل غيره من شارحي المختصر، ووجه الاندفاع ظهور الفرق بين ثبوت دلالة الإيماء، ودلالة التخصيص لظهور وجود القرينة المعينة هناك،

وهو الاستبعاد المذكور على ما مر، وعدمه ههنا لعدم لزوم عدم الفائدة على ما بين بما لا مزيد عليه (وأما الاعتراض عليه) أي الدليل المذكور، وهو لزوم خلو التخصيص عن الفائدة (بأن تقوية دلالته) أي دلالة ما وقع فيه التخصيص (على الثبوت) أي ثبوت الحكم المنطوق (في الموصوف) بدفع توهم خروجه على سبيل التخصيص (فائدة) فإنه لو قال في الغنم زكاة توهم أن يراد في المعلوفة دون السائمة زال الوهم (وكذا) في المشروط والمغيا، والمعدود، وكذا الاعتراض على الدليل المذكور بأن يقال (ثواب القياس) والاجتهاد في إلحاق المسكوت بالمذكور لاشتراكهما في العلة فائدة تصلح لأن يكون التخصيصلها فلا يتعين النفي المذكور لأن يكون فائدة له (فدفع الأول بأنه) أي الأول، وهو التقوية المذكورة (فرع عموم الموصوف في نحو في الغنم السائمة زكاة) حتى يكون معناه في الغنم سيما السائمة زكاة (ولا قائل به) أي بعموم الموصوف في نحوه (ولو ثبت) العموم (في مادة) كالصورة المذكورة فرضا (وصار المعنى في الغنم سيما السائمة) زكاة (خرج عن) محل (النزاع) لأن النزاع فيما لا شيء يقتضي التخصيص فيه سوى مخالفة المسكوت عنه للمذكور، ودفع وهم التخصيص فائدة سواها (و) دفع (الثاني بأنا شرطنا في دلالته) أي التخصيص على نفي الحكم عن المسكوت (عدم المساواة في المناط) أي عدم مساواة المسكوت عنه للمنطوق في علة الحكم (والرجحان) أي وعدم كونه أولى من المنطوق به، وثواب الاجتهاد إنما يتصور فيما إذا كانا متساويين في العلة وإلحاق المسكوت في الحكم بالمنطوق بدلالة النص إنما يكون عند الرجحان (وسيدفع هذا) أي الدفع الثاني (ونقضه) أي الدليل المذكور (بمفهوم اللقب) وهو تعليق الحكم بجامد كفي الغنم زكاة، بأن يقال لو لم يدل على نفي الحكم عما عداه لم يكن التخصيص باللقب مفيدا، فيلزمكم إثباته ولستم بمثبتيه، وإن أثبته شذوذ (مدفوع بأنه) أي ذكر اللقب (ليصح الأصل) أي أصل الكلام في إفادة أصل المراد فإنه يختل بدونه، وهذا أعظم فائدة. (ومن أدلتهم) أي القائلين بالمفهوم (المزيفة) أي المضعفة، وأصله زيف الدراهم: إذا جعلها زيوفا مردودة لغش (لو لم يكن) التخصيص (للحصر لزم اشتراك المسكوت، والمذكور في الحكم) لعدم الواسطة بين الاختصاص والاشتراك (وهو) أي الاشتراك (منتف) اتفاقا (للقطع بأنه) أي الحكم (ليس له) أي للمسكوت (بل) هو للمذكور (محتمل) لأن يكون ثابتا للمسكوت أيضا، فتعين الحصر (ودفع بمنع الملازمة) أي لا نسلم أنه لو لم يكن للحصر لزم الاشتراك (بل اللازم) إذن (عدم الدلالة) أي عدم دلالة التخصيص (على اختصاص ولا) على (اشتراك، بل) الدلالة (على مجرد تعلق الحكم بالمذكور) والمسكوت على

الاحتمال (وللإمام) أي إمام الحرمين استدلال (قريب منه) أي من هذا الدليل، وهو أن التخصيص (لو لم يفد) بيان (الحصر لم يفد اختصاص الحكم) بالمذكور دون غيره، واللازم منتف، أما الملازمة فلأنه لا معنى للحصر فيه إلا اختصاصه به دون غيره، وأما انتفاء اللازم فللعلم الضروري أنه يفيد اختصاص الحكم بالمذكور، وإليه أشار بقوله (لكنه يفيده في المذكور، وجوابه منع انتفاء اللازم) بأن يقال لا نسلم أن عدم إفادته الاختصاص منتف (بل إنما يفيد الحكم على المذكور لاختصاصه به) أي بالمذكور (مع ما في تركيبه) أي جوابه المنع مع الذي في تركيب الدليل أو المستدل من المحذور، يعني المصادرة على المطلوب أو ما يقرب منه (إذ هو) أي ما في التركيب ما حاصله (لو لم يفد الحصر لم يفد الحصر) قال الأبهري: في تالي هذه الشرطية تفصيل ليس في مقدمها، فلا يعد من استلزام الشيء لنفسه، وفي نقيض تاليها تفصيل ليس في نقيض مقدمها، فلا يعد من المصادرة على المطلوب، بل هو من الاستدلال من التفصيل على الجملة انتهى. وقال المحقق التفتازاني: لا تفاوت بين المقدم والتالي إلا في اللفظ، وكان لفظ الاختصاص أوضح دلالة فجعل التالي انتهى، فغاية العناية به الفرار عن المحذورين لا إثبات المطلوب (وما روي لأزيدن على السبعين) أي ومن أدلتهم المزيفة احتجاجهم بأنه صلى الله عليه وسلم فهم مفهوم العدد من قوله تعالى -إن تستغفر لهم سبعين مرة-، وهو أعلم الناس بلسان العرب لما روي عنه صلى الله عليه وسلم "لأزيدن على السبعين" في الصحيحين "لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي على عبد الله بن أبي ابن سلول، قام عمر، فأخذ بثوبه، فقال يا رسول الله: تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال صلى الله عليه وسلم إنما خيرني الله فقال تعالى -استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة- وسأزيد على السبعين" وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد في تفسيره عن قتادة والطبري عن عروة مرسلا بلفظ الكتاب، ولو لم يفهم صلى الله عليه وسلم أن حكم ما زاد على السبعين خلاف حكمها، وهو المغفرة لما قال ذلك، بل امتنع عن الاستغفار، وإذا ثبت مفهوم العدد ثبت مفهوم الصفة بالطريق الأولى، ولذا كل من قال بمفهوم العدد قال بمفهوم الصفة من غير عكس، وكذا ثبت مفهوم الشرط لكونه أقوى لمثل ما ذكرنا، وكذا الحال في مفهوم الغاية. (وأجيب بأنه) أي ما روي (ليس محل النزاع للعلم بأن ذكرها) أي السبعين ليس لتقييد عدم المغفرة بخصوص هذا العدد بل (للمبالغة) في الكثرة، فإنها صارت معناها عرفا في مثل هذا المقام، فالمراد سلب المغفرة بالكلية وإقناط منها، وإن بلغ عدد الاستغفار غاية الكثرة، ويلزمه عدم التفاوت بينها وبين ما فوقها، وإليه أشار بقوله (واتحاد الحكم في الزائد) أي وللعلم باتحاده

فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بذلك (فكيف يفهم الاختلاف) بأن يكون حكم سبعين عدم المغفرة، وحكم ما زاد عليها المغفرة (فلأزيدن تأليف) أي فقوله صلى الله عليه وسلم لأزيدن تأليف لقلب ابنه وأقاربه من المؤمنين، روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي، وكان من المخلصين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض أبيه أن يستغفر الله له ففعل، فنزلت، فقال صلى الله عليه وسلم "لأزيدن على السبعين" على أنه لم يكن عند ذلك ممنوعا عن الاستغفار لهم حتى يلزم مخالفة النهي. وقد يجاب عنه بأنه يجوز أن يكون من قبيل حل الكلام على غير المراد مع العلم به استعطافا وطلبا للرحمة والفضل كقول القبعثرى للحجاج وقد قال له متوعدا: لأحملنك على الأدهم، يعني القيد: مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب يحمل كلامه على الفرس الأدهم، فقال ثانيا: إنه حديد، فقال: لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا: الأدهم الذي غلب سواده حتى ذهب البياض الذي فيه، والأشهب الذي غلب بياضه حتى ذهب ما فيه من السواد، ثم أجاب بطريق التنزل وفرض كونه من محل النزاع وأنه ليس للمبالغة فقال: (وعلم أن الاختلاف) أي اختلاف السبعين والزائد عليها في الحكم (جائز) خبر أن (إن ثبت) العلم المذكور (يجب كونه) أي ذلك الثبوت أو العلم حاصلا (من خصوص المادة) فقوله يجب إلخ جواب الشرطن وهو مع جزائه خبر المبتدأ: أعني علم وفي كلمة إن إشارة إلى أنه لم يثبت. يعني إن فرض علمه صلى الله عليه وسلم بأن حكم ما زاد على السبعين بخلاف السبعين، وهو الغفران، فذلك العلم ليس بسبب مفهوم العدد، بل يجب كونه من خصوص المادة (وهو) أي خصوص المادة (قبول دعائه) صلى الله عليه وسلم. ولا يخفى بعد هذا العلم بعد العلم بموت ابن أبي على الكفر (وقول يعلى بن أمية لعمر ما بالنا نقصر وقد أمنا) أي ومن الأدلة المزيفة احتجاجهم بأن يعلى وهو من البلغاء فهم مفهوم المخالفة من قوله تعالى -ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم- الآية، وأن القصر مقصور على الخوف، فقال وما بالنا إلى آخره ووافقه عمر في فهم ذلك، ولذا لم يرد عليه في فهمه ذلك (في الشرط) متعلق بيعلى، فإن هذا القول الدال على فهم المفهوم المخالف إنما وقع منه في مادة الشرط، وإذا ثبت فيه يثبت في الباقي قياسا عليه، فقال عمر ليعلى (عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم) فدل على أنه صلى الله عليه وسلم أقر عمر في فهمه مفهوم الشرط ولم ينكر عليه كما أنه أقر يعلى عليه غير أنه بين عدم إرادة المفهوم في خصوص المادة بقوله صدقة، يعني حكم الرخصة في السفر يعم الخوف والأمن

وإن كان سببه الخوف فالتخصيص بالشرط لا بد له من فائدة لوقوعه في كلام الله لمزيد العناية بشأنه لكونه سببا للتشريع في الأصل إلى غير ذلك (والجواب) منع بلزوم فهم المفهوم من كلامهما، والسند (جواز بنائهما) العجب من القصر (على الأصل) في الصلاة قبل رخصة القصر للخوف (وهو) أي الأصل المذكور (الإتمام وإنما خولف) الأصل (في الخوف) لورود النص، وخلاف الأصل مقتصر على مورد النص، فيبقى فيما عداه على الأصل، قيل هذا مخالف لما ذهب إليه أصحابنا رحمهم الله من أن الأصل في السفر عندنا القصر، والإتمام في حق المقيم بعارض الإقامة حتى لو صلى المسافر الرباعية أربعا إن أتى بالقعدة الأولى أساء، وإلا فسدت صلاته، ويشهد لهم ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها "فرض الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في السفر والحضر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" واللفظ للبخاري، والجواب أن سند المنع جواز بنائهما على الأصل هو الإتمام لما يفهم من نفي الجناح المقرون بما يصلح لعليته من الخوف، فإن المتبادر منه أنه لولا ذلك كان المطلوب الإتمام، وبالجملة لا يلزم كون تلك الأصالة المظنونة لهما لما قامت عندهما من الأمارة مذهبا لأصحابنا (وإن في القول به تكثير الفائدة) أي ومن الأدلة المزيفة أن في القول بمفهوم المخالفة تكثير فائدة الكلام اللائق ببلاغته لاستلزامه نفي الحكم عن المسكوت مع إثباته للمذكور (ونقض) هذا الدليل نقضا إجمالي، والناقض الآمدي (بلزوم الدور) لأنه يتوقف حينئذ ثبوت المفهوم على التكثير لكونه علة لوضع التخصيص له مع أن التكثير متوقف عليه لحصوله به (وليس) هذا النقض (بشيء، لظهور أن الموقوف عليه الدلالة) أي دلالة اللفظ على نفي الحكم عن المسكوت (تعقلها) أي تعقل الواضع كثرة الفائدة (واقعة) مفعول ثان للتعقل لتضمنه معنى العلم فعلم أن علة الوضع قصورها بصفة الوقوع لا تحققها في نفس الأمر (وتحققها) أي كثرة الفائدة بحسب الواقع (هو الموقوف عليها) أي الدلالة، فالدلالة متأخرة عنها باعتبار الوجود الذهني متقدمة عليها باعتبار الوجود الخارجي، هكذا شأن العلل الغائية (بل الجواب ما تقدم) من أنه يلزمه إثبات اللغة بالفائدة وهو باطل، ولا يدفعه تحقيق الاستدلال ههنا كما دفعه هناك وهو ظاهر (وأنه لو لم يكن المسكوت مخالفا) المذكور في الحكم (لزم حصول الطهارة قبل السبع) أي ومن أدلتهم المزيفة على مفهوم العدد أنه لو لم يكن المسكوت، وهو ما دون السبع مخالفا للمذكور، وهو السبع لزم حصول طهارة الإناء الذي ولغ فيه الكلب قبل أن يغسل سبع مرات (في) حديث ذكر في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة مرفوعا (طهور إناء أحدكم) إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات إحداهن بالتراب". (والتحريم) أي وحصول تحريم النكاح

بين رجل وامرأة اشتركتا في رضاع مدته (قبل الخمس) أي خمس رضعات (في خمس رضعات يحرمن) في حديث صحيح ذكره مسلم وغيره عن عائشة موقوفًا عليها (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو فيما يقرأ من القرآن) بيان ذلك أنه إذا لم يعتبر مفهوم العدد كان حكم ما دون الخمس في التحريم كالخمس (ويلزم) عند تحصيل الطهارة والتحريم بالعدد المذكورين (تحصيل الحاصل) لحصولهما قبل تحقق العددين بالأقل منهما (والجواب منع الملازمة) لأن المراد بقوله لو لم يكن المسكوت مخالفا فرض عدم دلالة التخصيص على كونه مخالفا لاعدم كونه في نفس الأمر، لأن المدعى إنما هو الدلالة المذكورة فلابد من فرض نقيضها، وبيان استلزامه المحال. وحاصل المنع أنه لا نسلم أن اللازم على تقدير نقيض المدعى لزوم حصول الطهارة إلى آخره (بل اللازم عدم الدلالة على نفي الطهارة والتحريم) قبل تحقق السبع (وإنما يلزم ما ذكر) من التحريم قبل الخمس (لو لم يكن الأصل) المعتمد قبل هذا النص (عدم التحريم) أي عدم تحريم النكاح بين كل اثنين من الذكر والأنثى إذا لم يكن ثمة شيء من موجباته لكن الواقع كون الأصل عدم التحريم (فيبقى) عدم التحريم الذي هو موجب الأصل مستمرًا (إلى وجود ما علق) التحريم (به) وهو الخمس من الرضعات المعلق بها (ضده) أي ضد عدم التحريم، وهو التحريم (ولذا صارت النجاسة) الحاصلة من ولوغ الكلب في الإناء (متقررة) في الإناء (بالدليل) وهو العلم بولوغ نجس العين المستلزم إصابة لعابه المتولد من لحمه الاناء (فتبقى) تلك النجاسة مستمرة (كذلك) أي إلى وجود ما علق به ضد النجاسة: أي الطهارة، وهو السبع من الغسلات، وهذا كله مبني على مذهب الشافعية، (وأما الحنفية فالتحريم) بالرضاع عندهم لا يتوقف على السبع، بل يثبت (بالثلاث) على ما ذكر الحاكم في إشاراته، ونقل عن أبي حنيفة رحمه الله وجوبها واستحباب الأربعة بعدها أو بغلبة ظن زوالها على ما ذكره الوبري من أنه لا توقيت في غسلها، بل العبرة لأكبر الرأي ولو مرة، ونقله النووي عن ابي حنيفة رحمهما الله. قال شيخ الإسلام ظاهر الرواية نجاسة عين الكلب، وفرع عليه قاضيخان بتنجس البئر الواقع فيها الكلب وإن لم يصب فمه الماء، لكنه اختار طهارة عينه، ونجاسة لحمه، وما يتولد منه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (أيما إهاب دبغ فقد طهر). رواه الترمذي وصححه، وإخراج الخنزير منه لمعارضة الكتاب إياه، فعلى هذا نجاسته لنجاسة سائر السباع (وهما) أي توقف التحريم بالرضاع على خمس،

وتوقف طهارة الإناء على سبع (منسوخان) عندهم، وحكمهم بالنسخ إما بالاجتهاد، وإما بالنقل، وأفاد الأول بقوله (اجتهاد بالترجيح) نقل الشارح في تفسيره: أي بسبب ترجيح ما عندهم من المعارضة فإن كل موضع تعارض فيه دليلا، فرجح المجتهد أحدهما يلزم بالضرورة القول بمنسوخية الآخر، وإلا كان تركا لدليل صحيح عن الشارع فتأمل انتهى، لعل وجه التأمل أن الترجيح لا يستلزم النسخ لجواز عدم صدور المرجوح عن الشارع في الواقع، لأن أخبار الآحاد لا يفيد إلا الظن، فلا يقطع بعدم نقيضه، والمعارض الراجح ما روى ابن عدي عن عطاء عن ابي هريرة مرفوعا " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات " مع ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن عطاء موقوفا على أبي هريرة أنه كان إذا ولغ الكلب في الإناء أهرقه ثم غسله ثلاث مرات، أو ثبوت عمل أبي هريرة، وهو راوي السبع على خلاف روايته يوجب ومنافيها فيعارضه، وتقد عليه لما ثبت من نسخ التشديد في أمر الكلاب أول الأمر حتى أمر بقتلها على أن القياس بسائر النجاسات أيضا يفيد التحريم، وفي تحريم قليل الرضاع إطلاق الكتاب كقوله تعالى - وأمهاتكم التي أرضعنكم - والسنة لحديث " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "، ويقدم لقطعية الكتاب وسلامة الحديث من القوادح سندا ومتنا، بخلاف حديث الخمس فقد قال الطحاوي منكر، والقاضي عياض لا حجة فيه، لأن عائشة رضي الله عنها أحالت ذلك على أنه قرآن. وقد ثبت أنه ليس بقرآن، ولا تحل القراءة به، ولا إثباته في المصحف إذ القرآن لا يثبت بخبر الواحد (أو نقلا) أو هما منسوخان نقلا، والفيد له عمل أبي هريرة على خلافه، فإن ظنية خبر الواحد بالنسبة إلى رواية الذي سمعه من فم النبي صلى الله عليه وسلم فقطعي ينسخ به الكتاب إذا كان قطعي الدلالة، فيلزم أنه لم يتركه إلا قطعه بالنسخ، فتركه بمنزلة روايته للناسخ، وما روى عن ابن عباس لما قيل له: إن الناس يقولون إن الرضعة لا تحرم. قال كان ذلك ثم سخ، وعن ابن مسعود قال " آل أمر الرضاع إلى أن قليله وكثيره يحرم " عن ابن عمر أن القليل يحرم، وهذه الآثار صالحة لنسخ حديث عائشة رضي الله عنها، وإن لم تكافئه في صحة السند لكثرتها، ولما يلزمه من نسخ القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبوت قول الرافضة ذهب كثير من القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تثبته الصحابة، بطلان اللازم من ضروريات الدين. وقد قال الله تعالى - إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون - (فاللازم) على تقدير عدم دلالة التخصيص في الحديثين من حصول الطهارة والتحريم قبل الخمس والسبع على ما ادعى الخصم (حق) في حد ذاته لا من حيث أنه لازم لما عرفت من أن الملازمة غير مسلمة (فيسقطان)

أي الدليلان المذكوران، (واعلم ان المعول عليه نفي المفهوم عدم ما يوجبه) أي القول به (إذا علم أن الأوجه) المذكورة لاثباته (لم تفده) أي الاثبات (وأيضا الاتفاق) من الفريقين على أن المصير إليه) أي القول بالمفهوم إنما هو (عند عدم فائدة أخرى) للتخصيص سواء (وهي) أي الفائدة الأخرى (لازمة) متحققة في جميع مواد التخصيص فيجب أن يضار إليه اتفاقا (إذ ثواب الاجتهاد للالحاق) أي إلحاق المسكوت بالمذكور في حكمه بجامع بينهما (فائدة لازمة) للتخصيص (والدفع) بهذا اللزوم (بأن شرطه) أي القول بالمفهوم (عدم المساواة) بين المذكور والمسكوت في المناط، واكتفى بذكر المساواة عن الرجحان لما تقدم ذكرها والوعد بهذا الدفع بقوله، وسيدفع (فعندها) أي المساواة المحل (غير) محل (النزاع) لوجوب اشتراك المذكور والمسكوت في الحكم حينئذ (ليس بشيء) خبر المبتدأ: أعني الدفع (لأن فائدة الثواب) الإضافة بيانية (تلزم الاجتهاد) سواء (أوصل) الاجتهاد (إلى ظن المساواة) بينهما فتحقق الإلحاق (أو) أوصله (إلى عدمها) أي المساواة (أولا) أي أو لم يوصله إلى شيء آخر منها (ثم ينتفي الحكم) الثابت للمذكور عن المسكوت على كل من الأخيرين (بالأصل) وقد مر بيانه (وعدم المساواة ليس لازما بينا لكل تخصيص ليمتنع الاجتهاد لاستكشاف حال المسكوت) فإنه إذا كان بينا كان عدم مشاركتهما بديهيا غير محتاج إلى اجتهاد واستكشاف (ولهم) أي الحنفية (غيره) أي المعول عليه (أدلة منظور فيها) أي يرد عليها الاعتراض (منها انتفاؤه) أي المفهوم (في الخير نحو الشام غنم سائمة) فإنه لا يدل على عدم المعلوفة فيها لغة وعرفا (مع عموم أوجه الاثبات) أي إثبات المفهوم في الخبر والانشاء، حاصل الاستدلال انه لو كان التخصيص دالا على المفهوم للأوجه المذكورة كان يدل في نحو ما ذكر لجريانها فيه لكنه لا يدل فلا دلالة. (وأجيب) عنه بوجهين (بالتزامه) أي عموم المفهوم فيها (إلا لدليل) خارجي دال على عدم إرادته في البعض (ومنه) أي من ذلك الدليل (المثال) أي ما في مثال المذكور من العلم بوجود المعلوفة فيه (وبالفرق) بين الخبر والإنشاء (بأن كون المسكوت في الخبر غير مخبر عه لا يستلزم عدم ثبوت الحكم في نفس الأمر) للمسكوت إذ لا يلزم من عدم إدراك الوقوع واللاوقوع عدمها في نفس الأمر، وتوضيحه أن في الخبر نسبتين بين طرفي الحكم خارجية كائنة بينهما في الواقع وذهنية حاكية عن الخارجية، وانتفاء الثانية لا يستلزم انتفاء الأولى (بخلاف الأمر ونحوه) من الإنشاء (فإنه لا خارج له يجري فيه ذلك الاحتمال) وهو كون المسكوت متعلق الحكم في الواقع مع عدم كونه متعلقه في العقل بحسب دلالة اللفظ (فإذا انتفي تعرضه) أي الأمر ونحوه (للمسكوت

ينتفى الحكم عَنهُ فِي نفس الْأَمر) لِأَن ثُبُوت الحكم لَهُ فرع تعرضه (وَدفع الأول) من الْوَجْهَيْنِ (بِأَنَّهُ مُكَابَرَة) لظُهُور عدم اعْتِبَار مَفْهُوم المخالقة فِي الْأَخْبَار مُطلقًا، وَفِيه نظر كَيفَ وأوجه الْإِثْبَات غير مُخْتَصَّة بالإنشاء (و) دفع (الثَّانِي) وَهُوَ الْفرق بَينهمَا (بإفادته) أَي إِفَادَة انْتِفَاء تعرضه للمسكوت (السُّكُوت عَن الْمَسْكُوت) لانْتِفَاء الحكم فِي نفس الْأَمر فَلَا فرق بَينهمَا (وَهُوَ) أَي السُّكُوت عَن المكسوت وَعدم إِفَادَة الحكم ثَابت لَهُ (قَول النافين) للمفهوم فِيهِ أَن قَول النافين السُّكُوت عَنهُ إِثْبَاتًا ونفيا، وَاللَّازِم من انْتِفَاء التَّعَرُّض الَّذِي ذكره الْخصم السُّكُوت عَنهُ إِثْبَاتًا فَقَط (وَمِنْهَا) أَي وَمن الْأَدِلَّة المنظور فِيهَا أَنه (لَو ثَبت الْمَفْهُوم ثَبت التَّعَارُض) فِي حكم الْمَسْكُوت بَين الدَّال على نفي الحكم عَنهُ وَبَين مَا يدل على مشاركته للمذكور فِيهِ (لثُبُوت الْمُخَالفَة) فِي مواد التَّخْصِيص بَين مَا يَقْتَضِيهِ الْمَفْهُوم من نفي الحكم، وَبَين مَا يَقْتَضِيهِ دَلِيل آخر من ثُبُوته للمسكوت (كثيرا) وَيلْزمهُ ثُبُوت التَّعَارُض كثيرا، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أضعافا مضاعفة} - إِذْ مَفْهُومه عدم النَّهْي عَن الْقَلِيل إِذْ النَّهْي عَن الْقَلِيل وَالْكثير ثَابت لقَوْله - {وَحرم الرِّبَا} - وَغَيره (وَهُوَ) أَي التَّعَارُض (خلاف الأَصْل لَا يُصَار إِلَيْهِ) أَي التَّعَارُض أَو خلاف الأَصْل (إِلَّا بِدَلِيل) ملجئ إِلَى الْمصير إِلَيْهِ، وَيتَّجه حِينَئِذٍ أَن الْأَدِلَّة الْمَذْكُورَة للمفهوم كَثِيرَة فيصار إِلَيْهِ، فَأَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (فَإِن أقيم) الدَّلِيل على اعْتِبَاره (فَبعد صِحَّته) فِيهِ إِشَارَة إِلَى عدم صِحَّته وَعدم صلاحيته لِأَن يُعَارض دليلنا لصِحَّته: أَي فَبعد تَسْلِيم صِحَّته (كَانَ دليلنا مُعَارضا) وَإِذا تَعَارضا تساقطا فَلَا يبْقى بعد ذَلِك الِاعْتِبَار الْمَفْهُوم مُرَجّح، وَتعقبه المُصَنّف بِأَن ذَلِك إِذا لم ترجح عَلَيْهِ، فَقَالَ (وَالْحق أَن كل دَلِيل يخرج) الحكم (عَن الأَصْل) بإفادته إِيَّاه على خلاف إِفَادَة مَا يُوَافق الأَصْل (بعد صِحَّته يقدم) ذَلِك الدَّلِيل الْمخْرج على مَا يُوَافق (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يقدم (لزم مثله) أَي مثل مَا ذكر من ثُبُوت التَّعَارُض الَّذِي هُوَ خلاف الأَصْل إِلَى آخِره (فِي حجية خبر الْوَاحِد وَغَيره) مِمَّا يدل على خلاف الأَصْل يَعْنِي إِذا دلّ ظَنِّي كالقياس على حكم مُوَافق للْأَصْل، وَخبر الْوَاحِد على خِلَافه يُقَال: لَو ثَبت حجية الْخَبَر ثَبت التَّعَارُض، ثمَّ تقديمهم الْمخْرج عَن الأَصْل كترجيحهم بَيِّنَة الْخَارِج على ذِي الْيَد (وَيدْفَع) هَذَا الْإِيرَاد: أَعنِي تَقْدِيم الْمخْرج للُزُوم مثله الخ من قبل النافين (بِأَن ذَلِك) أَي تَرْجِيح مُثبت خلاف الأَصْل إِنَّمَا هُوَ (عِنْد تساويهما) أَي الْأَدِلَّة المتعارضة (فِي استلزام الْمَطْلُوب وأدلتكم) أَيهَا المثبتون (بَينا أَن شَيْئا مِنْهَا لَا يسْتَلْزم اعْتِبَاره) أَي الْمَفْهُوم فَإِذن لَا تصلح، لِأَن تعَارض أدلتنا لاستلزامها عدم اعْتِبَاره (وَمثله فِي الشَّرْط) أَي وَمثل ذكره فِي الصّفة من الْأَدِلَّة مَا أورد عَلَيْهَا ذكره

فِي الشَّرْط (من الْجَانِبَيْنِ) الْمُثبت والنافي (وَشَرطه) أَي مَفْهُوم الشَّرْط (وَمَا تقدم من عدم خُرُوجه) أَي الْقَيْد، وَهُوَ الشَّرْط هَهُنَا (مخرج الْغَالِب) وَقد مر تَفْسِيره كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء إِن أردن تَحَصُّنًا} - على أحد الْوُجُوه (وَنَحْوه) مِمَّا لَا يتَعَيَّن مَعَه كَون الْمَفْهُوم فَائِدَة للتَّقْيِيد (ويخصه) أَي مَفْهُوم الشَّرْط (قَوْلهم أَنه) أَي الشَّرْط (سَبَب) للجزاء (فعلى) تَقْدِير (اتحاده) أَي السَّبَب انْتِفَاء الحكم عَنهُ انْتِفَاء الشَّرْط (ظَاهر) ضَرُورَة انْتِفَاء الشَّيْء عِنْد انْتِفَاء السَّبَب بِالْكُلِّيَّةِ (وعَلى) تَقْدِير (جَوَاز التَّعَدُّد) أَي تعدد السَّبَب (الأَصْل عدم غَيره) أَي الشَّرْط من الْأَسْبَاب الْأُخَر، فَإِن سَبَبِيَّة الشَّرْط مَعْلُومَة وسببية غَيره غير مَعْلُومَة، وَالْأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْعَدَم كَمَا أَفَادَ بقوله (فَإِذا انْتَفَى) الشَّرْط الَّذِي هُوَ السَّبَب (انْتَفَى) الْمُسَبّب (مُطلقًا) لانحصار السَّبَب فِيهِ لما ذكر (مُلَاحظَة النَّفْي الْأَصْلِيّ مَا لم يقم دَلِيل الْوُجُود) أَي وجود سَبَب آخر للجزاء (مَعَ أَن الْكَلَام فِيمَا إِذا استقصى الْبَحْث) أَي بولغ فِي التفتيش والفحص إِلَى أقْصَى الْغَايَة (عَن) وجود سَبَب (آخر فَلم يُوجد فَإِن احْتِمَال وجوده) أَي سَبَب آخر (يضعف) حِينَئِذٍ جدا (فيترجح الْعَدَم) رجحانا تَاما (وَالْمَفْهُوم) ثُبُوته (ظَنِّي لَا يُؤثر فِيهِ) ذَلِك (الِاحْتِمَال) الضَّعِيف، بل حَقِيقَة الظَّن لَا يتَحَقَّق بِدُونِهِ، وَالِاحْتِمَال الْمَرْجُوح إِنَّمَا يُنَافِي الْقطعِي (وَلَا يخفى أَن هَذَا) التَّقْرِير (رُجُوع عَن أَنه) أَي مَفْهُوم الشَّرْط (مَدْلُول اللَّفْظ إِلَى إِضَافَته) أَي الْمَفْهُوم (إِلَى انْتِفَاء السَّبَب) فكأنهم اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُ لَا يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ، بل يدل عَلَيْهِ دَلِيل عَقْلِي هُوَ انْتِفَاء السَّبَب المستلزم انْتِفَاء الْمُسَبّب الَّذِي هُوَ الحكم (وَهُوَ) أَي الرُّجُوع إِلَيْهَا (قَول الْحَنَفِيَّة أَنه) أَي انتفام الحكم عِنْد عدم الشَّرْط (يبْقى على عَدمه الْأَصْلِيّ فِي التَّحْقِيق) ظرف لنسبة الْخَبَر إِلَى الْمُبْتَدَأ (وَالْأَقْرَب لَهُم) أَي المثبتة (إِضَافَته) أَي مَفْهُوم الشَّرْط (إِلَى شَرْطِيَّة اللَّفْظ المفادة للأداة) بِنَاء (على أَن الشَّرْط) الَّذِي هُوَ من حَيْثُ شرطيته مفادة للأداة لُغَة مَعْنَاهَا (مَا ينتفى الْجَزَاء بانتفائه فَيكون) انْتِفَاء الْجَزَاء لانْتِفَاء الشَّرْط (مدلولا) لفظيا (للأداة) إِشَارَة إِلَى مَا قَالُوا من أَن أهل اللُّغَة قاطبة أطْلقُوا حرف الشَّرْط على كلمة إِن، وَالْأَصْل فِي الْإِطْلَاق الْحَقِيقَة، فَيكون مَا دخلت عَلَيْهِ شرطا، وَالشّرط ينتفى الْمَشْرُوط بانتفائه: أَلا ترى أَن الْعلم وَالزَّكَاة ينتفيان بِانْتِفَاء الْحَيَاة والحول انْتهى، وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه من بَاب اشْتِبَاه الشَّرْط الْحكمِي بِالشّرطِ النَّحْوِيّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالْجَوَاب منع كَون الشَّرْط) النَّحْوِيّ شَيْئا (سوى مَا جعل سَببا للجزاء) ذهنا أَو خَارِجا سَوَاء كَانَ عِلّة للجزاء كطلوع الشَّمْس لوُجُود النَّهَار أَو معلولاله كَعَكْسِهِ أَو غَيرهمَا، كَانَ دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق (والانتفاء) أَي انْتِفَاء الْجَزَاء (للانتفاء) أَي لانْتِفَاء الشَّرْط (لَيْسَ

من مفهومه) أي الشرط مستفادًا من أدلته (بل) الانتفاء للانتفاء (لازم لتحققه) أي الشرط غالبا لانحصار السببية فيه وعدم وجود شيء بدون سببه (ويجيء الأول) وهو انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط لعدم دليل ثبوته (ويتحد) حينئذ قول مثبته (بقول الحنفية) أن عدم المشروط هو العدم الأصلي (وفائدة الخلاف أن النفي) أي نفي الحكم عند عدم الشرط (حكم شرعي عنده) أي عند الشافعي رحمه الله لكونه مدلول الدليل اللفظي عنده (وعدم أصلي عندهم) أي الحنفية (فلا يخص) عموم ما وراء المحرمات المذكورة قبل قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم بمفهوم) قوله تعالى (ومن لم يستطع الآية) فإن قوله تعالى - ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات - يدل بمفهومه عند القائل بمفهوم الشرط على عدم حل نكاح الأمة عند القدرة على نكاح الحرة المؤمنة بالقدرة على المهر فيخص به عموم ما ذكر، ولما لم تقل به لم يخصص به، لأن مدلول الشرط المذكور عندنا الحل عند عدم الاستطاعة من غير تعرض بحال الاستطاعة، ولولا أن قوله تعالى - وأحل لكم ما وراء ذلكم -، دل بعمومه على جواز نكاح الأمة عند الاستطاعة المذكورة لكنا نقول بعدم جوازه بناء على العدم الأصلي لا لمفهوم الشرط، كذا قيل، وفيه نظر (وإن لم يشترط الاتصال) أي اتصال المخصص بالخصص وإن وصلية متصلة فلا يخص (كقوله) أي الشافعي إشارة إلى خلافية أخرى، وهي أن من شرط المخصص أن يكون متصلا بما يخصص به عندنا خلافا له، فهذا بحث على طريق التنزل، وإيماء إلى مانع آخر عن التخصيص (و) كما لا يخص عموم ما ذكر بمفهوم من لم يستطع كذلك (لا ينسخ) به بناء (على قولنا) الخاص (المتأخر ناسخ) للعام المتقدم في القدر الذي وقع فيه التعارض بينهما، لأن التخصيص والنسخ ههنا فرع اعتبار مفهوم المخالفة، وإفادة الشرط المذكور عدم نكاح الأمة مع استطاعة الحرة المؤمنة، وحيث لا دلالة له عليه لا يتحقق شيء منها (خلافا له) أي الشافعي رحمه الله فإنه يقول إن الخاص المتأخر المتراخي مخصص لا ناسخ كما سيأتي، يعني لو اعتبر هنا مفهوم المخالفة لكان يلزم أحد الأمرين: إما التخصيص على قول من يقول: الخاص المتأخر مخصص، وإما النسخ على من يقول ناسخ، وذلك لأن قوله تعالى - ومن لم يستطع - الاية متأخر متراخ من قوله - وأحل لكم ما وراء ذلكم - (وما قيل من بناء الخلاف) المذكور، وهو أن النفي حكم شرعي عنده عدم أصلي عندنا (على أن الشرط) والتعليق في مثل: إن دخلت الدار فأنت طالق (مانع من انعقاد السبب) أي سبب الحكم قبل وجود فأنت طالق لا يتصف بسبيته للطلاق

قبل دخول الدار (فعدم الحكم) كالطلاق (بالأصل عندنا) لأن الأصل في الأحكام وغيرها العدم عند عدم أسبابها على أن الشرط مانع (من) انعقاد (الحكم عنده) لا من انعقاد السبب، بل السبب موجود مع وجود التعليق، ونظيره التعليق الحسي في القنديل، فإنه مانع عن السقوط لا عن سببه الذي هو الثقل، وعدم الحكم (بانتفاء شرطه) عند وجود سببه لا يكون عدما أصليا، بل يكون حكما شرعيا، وسيجيء أن هذا الكلام غلط كما لا يخفى على الفطن (وانبنى عليه) أي على كون الشرط مانع السبب، أو الحكم (صحة تعليق الطلاق) للاجنبة، (و) تعليق (العتاق) لغير المملوك (بالملك) أي يملك النكاح في الطلاق كقوله إن تزوجت فلانة فهي طالق، وبملك الرقبة في العتاق كقولك: إن ملكتك فأنت حر (عندنا) ظرف للصحة حتى إذا ملك يقع الطلاق والعتاق (و) ابتنى على ما ذكر (عدمه) أي عدم صحة تعليقهما بالملك (عنده) أي الشافعي رحمه الله ظرف لعدم الصحة، وجه الابتناء أن وجود المحل شرط لانعقاد السبب، وقبل الملك لا وجود له فلا ينعقد، وإذا كان تأثير التعليق في عدم انعقاد الحكم فقط، فالسبب باق على سببته وصحة التعليق تستلزم صحة السببية فعدم وجود المحلي يستلزم عدم صحة السببية، وعدم السببية يستلزم عدم صحة التعليق. ولما كان تأثير التعليق عندنا في السبب والحكم معا صح التعليق بدون السبب (بل الصحة) أي صحة تعليقهما بالملك حال عدم قيامه (أولى منها) أي من صحة تعليقهما بغير الملك كما هو على خطر التحقق مع زوال الملك (حال قيامه) أي الملك (للتيقن بوجود المحل) هو الملك في التعليق بالملك (عند) وجود (الشرط) وهو عين الملك، بخلاف ما إذا علقا بغير الملك، والملك موجود في زمان التعليق لجواز زواله عند وجود الشرط (وكذا) يبتني على المبتني المذكور (تعجيل المنذور المعلق) بشرط قبل وجود الشرط، نحو: إن شفى الله مريضي فالله علي أن أتصدق بكذا جوازا وامتناعا (يمتنع عندنا) لعدم انعقاد السبب، وعدم صحة أداء الواجب قبل وجود سببه، فإن تصدق بذلك قبل الشفاء لا يمنع، ويجب التصدق بعده (خلافا له) أي الشافعي رحمه الله فإنه يجوز عنده التعجيل قبل وجود الشرط لانعقاد السبب، وإنما مثلناه في المنذور المالي للاتفاق على أنه في البدني كالصلاة والصوم لا يجوز التعجيل قبل وجود الشرط (غلط) خبر المبتدأ، أعني ما قيل (لأن ما يدعيه الشافعي سببا) مفعول ثان للادعاء المتضمن معنى الجعل (ينتفي الحكم) المعلق بالشرط (بانتفائه) الضمير للموصوف بالجملة أعني سببا (في الخلافية) المذكورة، وهي أنه هل يدل التعليق بالشرط على انتفاء الحكم المعلق به عند انتفائه أم لا إنما هو (معنى لفظ الشرط لا) معنى لفظ (الجزاء)

كَمَا يفهم مِمَّا قبل (وَالْخلاف الْمشَار إِلَيْهِ) بقوله الشَّرْط مَانع إِلَى آخِره (هُوَ أَن اللَّفْظ الَّذِي ثبتَتْ سببيته) مشروعيته (شرعا) أَي ثبوتا شَرْعِيًّا، أَو سَبَبِيَّة شَرْعِيَّة (لحكم) كَأَنْت طَالِق لإنشاء الطَّلَاق (إِذا جعل جَزَاء لشرط) كَانَ دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق (هَل يسلبه) أَي الْجعل الْمَذْكُور المجعول جَزَاء (سببيته) الثَّابِتَة شرعا (لذَلِك الحكم) الْمُسَبّب شرعا (قبل وجود الشَّرْط) ظرف للسبب (كَأَنْت طَالِق و) أَنْت (حرَّة) مثل اللَّفْظ الثَّابِت سببيته شرعا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (جعل) شرعا (سَببا لزوَال الْملك) أَي ملك النِّكَاح والرقبة (فَإِذا دخل الشَّرْط) على السَّبَب الْمَذْكُور (منع) دُخُوله عَلَيْهِ (الحكم) عَن الِانْعِقَاد (عِنْده) أَي عِنْد الشَّافِعِي (فَقَط) لَا السَّبَب، فَلَا يسلب سببيته قبل وجود الشَّرْط، فغايته تَأْخِير انْعِقَاد الحكم إِلَى وجوده (وَعِنْدنَا منع) دُخُوله عَلَيْهِ (سببيته) أَي السَّبَب الْمَذْكُور، فَيلْزم منع الحكم بِالطَّرِيقِ الأولى (فتفرعت الخلافيات) الْمَذْكُورَة، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن منشأ الْغَلَط اشْتِرَاك الخلافيتين فِي أَمر التَّعْلِيق بِالشّرطِ، وَذكر السَّبَب شرعا، وَعدم الحكم بِانْتِفَاء الشَّرْط وَعدم الْفرق بَين السَّبَب فَمَا نَحن فِيهِ، وَهُوَ الشَّرْط، وَالسَّبَب الْمَذْكُور فِي تِلْكَ الخلافية، وَهُوَ السَّبَب الشَّرْعِيّ الْوَاقِع جَزَاء الشَّرْط، وَأَن عدم سَبَب الشَّرْط سَببه سَبَب الحكم شرعا لَا يسْتَلْزم كَون عدم الحكم عِنْد عدم الشَّرْط حكما شَرْعِيًّا لَا عدما أَصْلِيًّا، وَلَا مُنَاسبَة بَينهمَا، ثمَّ لما بَين عدم بِنَاء الْخلاف فِيمَا نَحن فِيهِ على مَا ذكر أَرَادَ أَن يبين مُنَاسبَة أُخْرَى بَينهمَا، فَقَالَ (وَإِنَّمَا يتفرعان مَعًا) أَي الْخلاف الَّذِي نَحن بصدد بَيَانه، وَمَا جعله الغالط مَبْنِيّ لَهُ (على الْخلاف فِي اعْتِبَار الْجَزَاء) حَال كَونه جُزْءا (من التَّرْكِيب الشرطي) وَالِاعْتِبَار لتَضَمّنه معنى الْجعل يتَعَدَّى إِلَى مفعولين، فَالْأول مَا أضيف إِلَيْهِ، وَالثَّانِي قَوْله (يُفِيد) أَي الْجَزَاء (حكمه على عُمُوم التقادير) وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله يُفِيد استئنافا لبَيَان الِاعْتِبَار كَأَن سَائِلًا قَالَ كَيفَ الْخلاف فِي اعْتِبَاره، فَقَالَ هَل يُفِيد الْجَزَاء الَّذِي هُوَ سَبَب شَرْعِي لحكم حكمه على جَمِيع التقادير أم لَا بِأَن يدل من حَيْثُ ذَاته مَعَ قطع النّظر على تَقْيِيده بِالشّرطِ على ثُبُوت حكمه فِي جَمِيع الْأَوْقَات بِاعْتِبَار جَمِيع أَحْوَاله وأوضاعه غير أَنه (خصصه الشَّرْط) أَي خصص الشَّرْط عُمُومه الْمُسْتَفَاد مِنْهُ (بِإِخْرَاج مَا) أَي بِإِخْرَاج التقادير الَّتِي هِيَ (سوى مَا تضمنه) الشَّرْط من التقادير الْحَاصِلَة مَعَ وجود الشَّرْط (عَن ثُبُوت الحكم مَعَه) كلمة عَن مُتَعَلقَة بالاخراج، وَضمير مَعَه رَاجع إِلَى مَا سوى الشَّرْط، يَعْنِي يخرج الشَّرْط مَا سوى متضمنه عَن أَن يثبت الحكم مَعَه، فَيلْزم إِفَادَة الشَّرْط نفي الحكم عِنْد التقادير المخرجة (فَيكون النَّفْي) أَي نفي حكم الْجَزَاء عِنْد عدم الشَّرْط (مُضَافا إِلَيْهِ) أَي الشَّرْط (لِأَنَّهُ) أَي الشَّرْط (دَلِيل التَّخْصِيص) أَي تَخْصِيص الحكم بِمَا

تضمنه الشَّرْط، فالثبوت والانتفاء حكمان شرعيان ثابتان بِاللَّفْظِ منطوقا ومفهوما ذكر السَّيِّد الشريف أَن هَذَا ظَاهر مَا ذهب إِلَيْهِ السكاكي لأهل الْعَرَبيَّة، فَإِن عِنْدهم على مَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ الحكم فِي الْجَزَاء وَالشّرط قيد لَهُ بِمَنْزِلَة الظّرْف وَالْحَال حَتَّى أَن الْجَزَاء إِذا كَانَ خَبرا، فالشرطية خبرية وَإِلَّا فإنشائية، فَالْقَوْل بِمَفْهُوم الشَّرْط يتَفَرَّع على هَذَا الْمَذْهَب، كَذَا قيل، وَلَا يظْهر مدافعة مَا نقل عَن الْمُحَقق لكَلَام السكاكي فَتَأمل فَإِن قلت عرفنَا تفرع كَون عدم الحكم حكما شَرْعِيًّا على إِفَادَة الْجَزَاء حكمه على عُمُوم التقادير، وتحصيص الشَّرْط، إِذْ حَاصله قصر الحكم على تقادير، وَهُوَ مركب من حكمين: أَحدهمَا أَن الحكم ثَابت مَعَ تقاديره، وَالثَّانِي أَنه مُنْتَفٍ فِيمَا عَداهَا، لَكِن مَا عرفنَا تفرع كَون الشَّرْط غير مَانع من انْعِقَاد السَّبَب عَلَيْهِ قلت يُمكن أَن يُقَال لما تربت على الشَّرْط التَّأْثِير الْمَذْكُور ناسب أَن يَجْعَل سَببا متراخيا عَنهُ الحكم لَا أمرا خَالِيا عَن السَّبَبِيَّة فَتَأمل جزاءه (وَأهل النّظر) وهم المنطقيون، وَفِي هَذَا التَّعْبِير إِشْعَار بِأَن الصَّوَاب مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ كَمَا هُوَ التَّحْقِيق (يمْنَعُونَ إفادته) أَي الْجَزَاء (شَيْئا) من الحكم (حَال وُقُوعه) أَي الْجَزَاء جُزْءا وَالْمرَاد بِالْأولِ ذَاته، وَبِالثَّانِي وَصفه، يَعْنِي فِي زمَان اتصافه بالجزائية، وَأما إِذا اسْتعْمل بِلَا تَقْيِيد بِالشّرطِ فَيُفِيد الحكم كَسَائِر الْجمل (بل هُوَ) أَي الْجَزَاء (حِينَئِذٍ) أَي حِين كَونه جُزْءا (كزاي زيد) فِي أَنه (جُزْء الْكَلَام الْمُفِيد) أَي للْحكم، وَلَيْسَ بمفيد لَهُ اسْتِقْلَالا، وَلَيْسَ التَّشْبِيه من كل وَجه، فَلَا يتَّجه أَن لَيْسَ فِي الْمُشبه بِهِ دلَالَة أصلا، بِخِلَاف الْمُشبه (فضلا عَن إِيجَابه) أَي الْجَزَاء الحكم (على عُمُوم التقادير) حَتَّى يكون الشَّرْط مُخَصّصا، لذَلِك الْعُمُوم، وفضلا ينصب بِمَحْذُوف، ويتوسط بَين أدنى وَأَعْلَى بعد نفي صَرِيح، أَو ضمني تَنْبِيها بِنَفْي الْأَدْنَى، واستبعاده على نفي الْأَعْلَى، واستحالته، وَضمير ناصبه بمضمون المنفية، نَحْو: فلَان لَا ينظر إِلَى الْفَقِير، فضلا عَن الْإِعْطَاء، من فضل عَن المَال إِذا ذهب أَكْثَره وَبَقِي أَقَله، وَالْمعْنَى نفي عدم النّظر عَن الْإِعْطَاء، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من التهكم (وَالْمَجْمُوع) أَي مَجْمُوع الشَّرْط وَالْجَزَاء عِنْدهم (يُفِيد حكما مُقَيّدا بِالشّرطِ) وَذَلِكَ الحكم الْمُقَيد مَا يُسْتَفَاد من قَوْله (فَإِنَّمَا دلَالَته) أَي الْمَجْمُوع (على الْوُجُود) أَي على مَضْمُون الْجَزَاء (عِنْد وجوده) أَي وجود مَضْمُون الشَّرْط (فَإِذا لم يُوجد) الشَّرْط (بَقِي مَا قيد) أَي الحكم الَّذِي قيد (وجوده بِوُجُودِهِ) أَي الشَّرْط (على عَدمه الْأَصْلِيّ) مُتَعَلق بقوله بَقِي وَذَلِكَ لِأَن الأَصْل فِي الحكم الْعَدَم، وَلم يُوجد مَا يُخرجهُ عَن الأَصْل إِلَّا الحكم بِوُجُودِهِ عِنْد وجود الشَّرْط، وَلم يُوجد الحكم بِوُجُودِهِ عِنْد عدم الشَّرْط ليخرج هُوَ أَيْضا عَن الْعَدَم الْأَصْلِيّ. فَالْقَوْل بِعَدَمِ مَفْهُوم الشَّرْط متفرع على هَذَا التَّحْقِيق وَحَاصِل تَحْقِيق السَّيِّد

فِي هَذَا الْمقَام أَنه لَو كَانَ الْخَبَر هُوَ التَّالِي لم يتَصَوَّر صدق الشّرطِيَّة مَعَ كذبه ضَرُورَة استلزام انْتِفَاء الْمُطلق انْتِفَاء الْمُقَيد وَحَاصِل اعْتِرَاض الدواني عَلَيْهِ منع كَون الْمُطلق الَّذِي قيد بِالشّرطِ ثُبُوت النِّسْبَة بِحَسب الْوَاقِع، بل مَا يعم الْوَاقِع وَالظَّن، فكذب زيد قَائِم فِي الْوَاقِع لَا يسْتَلْزم كذب زيد قَائِم فِي ظَنِّي، فَاعْتبر بدل الظَّن حَال وجود الشَّرْط قلت إِذا أطلق زيد قَائِم يفهم مِنْهُ بِحَسب الْوَاقِع، فَإِذا قيد بِالشّرطِ يُقيد بذلك الِاعْتِبَار، وَلَو قَالَ أَن المُرَاد أَن يتَحَقَّق عِنْد تحَققه أَن يتَحَقَّق فَهُوَ بِعَيْنِه تَحْقِيق أهل النّظر فَتدبر (وَأما تَفْرِيع) جَوَاز (تَعْجِيل الْكَفَّارَة الْمَالِيَّة) أَو أعتق الرَّقَبَة (قبل الْحِنْث) على أَن السَّبَب مُنْعَقد قبل وجود الشَّرْط وَأثر الشَّرْط إِنَّمَا هُوَ فِي تَأْخِير الحكم إِلَى وجوده على مَا مر، فَلَيْسَ بِظَاهِر لعدم لُزُوم التَّعْلِيق وَالْيَمِين (فَقيل) فِي تَأْوِيله أَن تفريعه (بِاعْتِبَار الْمَعْنى) الَّذِي هُوَ مدَار الأَصْل الْمَذْكُور، وَهُوَ أَن انْتِفَاء شَرط الشَّيْء لَا يمْنَع انْعِقَاد سَببه، وَقد تقرر عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن سَبَب الْكَفَّارَة الْيَمين والحنث شَرطهَا، وَإِنَّمَا قيد بالمالية، لِأَن المدنية لَا يجوز تَعْجِيلهَا، لِأَن وجوب أَدَائِهَا إِنَّمَا هُوَ بعد الْحِنْث إِجْمَاعًا، وَالْوُجُوب فِيهَا إِمَّا عين وجوب الْأَدَاء أَو هما متلازمان، فتعجيلها تَعْجِيل قبل الْوُجُوب بِخِلَاف الْمَالِيَّة، فَإِن وجوب المَال فِي الذِّمَّة قد يثبت قبل وجوب الْأَدَاء كَالثّمنِ الْمُؤَجل (وَلَا يخفى مَا فِيهِ) أَي فِي هَذَا التَّأْوِيل من التَّكَلُّف من غير ضَرُورَة، لِأَن تفريعه على الأَصْل الْمَذْكُور مُسْتَغْنى عَنهُ لكَونه من فروع أَن انْتِفَاء الشَّرْط الشَّرْعِيّ لَا يمْنَع انْعِقَاد السَّبَب، فَإِن الْحِنْث عِنْده شَرط وجوب الْكَفَّارَة وَالْيَمِين سَبَب لَهُ، وَقد انْعَقَد من غير مَانع، (وَالْأَوْجه خلاف قَوْله) أَي الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْفَرْع الْمَذْكُور، وَهُوَ عدم جَوَاز تَعْجِيل أَدَاء الْكَفَّارَة الْمَالِيَّة قبل الْحِنْث (لعقلية سَبَبِيَّة الْحِنْث) أَي لمعقولية سَبَب هُوَ الْحِنْث بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَفَّارَة (لَا الْيَمين) أَي لَا معقولية سَبَب هُوَ الْيَمين، فالإضافة بَيَانِيَّة تَوْضِيحه أَن سَببهَا عِنْده الْيَمين، لِأَنَّهُ تَعَالَى أضافها إِلَى الْيَمين فِي قَوْله - {ذَلِك كَفَّارَة أَيْمَانكُم} - ويتبادر مِنْهَا السَّبَبِيَّة، وعندما الْحِنْث، لِأَن الْكَفَّارَة تنبئ عَن ستر مَا وَقع من الْإِخْلَال بتوقير مَا يجب لاسم الله، فَيَنْبَغِي أَن يكون سَببهَا مَا يُوجب الْإِخْلَال، وَهُوَ الْحِنْث لكَونه مفضيا إِلَيْهَا من حَيْثُ أَنه جِنَايَة لَا الْيَمين الَّتِي انْعَقَدت للبر، وَوضعت للإفضاء إِلَيْهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَن تجْعَل سَببا، ومفضيا إِلَى مَا لَا يجب إِلَّا عِنْد عدم الْبر على أَن السَّبَب يجب تَقْدِيره عِنْد وجود الْمُسَبّب، وَالْيَمِين لَا تبقى عِنْد وجود الْكَفَّارَة لانتقاضها بِالْحِنْثِ، غَايَة الْأَمر أَن الْكَفَّارَة لَا تتَحَقَّق بِلَا سبق الْيَمين، وَهَذَا يقتضى كَونهَا شرطا فَإِن قلت لم لَا يجوز أَن تُفْضِي الْيَمين إِلَيْهَا بطرِيق الانقلاب، يَعْنِي أَنَّهَا مفضية إِلَى الْبر ابْتِدَاء، وَعند فَوَاته تصير مفضية إِلَى الْكَفَّارَة فَهِيَ خلف للبر قُلْنَا الافضاء

بطرِيق الانقلاب خلاف الظَّاهِر، وَلَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيل، وَلَا دَلِيل سوى الْإِضَافَة، وَهُوَ ضَعِيف لَا يُقَاوم عقلية سَبَب الْحِنْث، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِن أضيفت) الْكَفَّارَة (إِلَيْهِ) أَي الْحلف (فِي النَّص) الْمَذْكُور فَإِنَّهَا من إِضَافَة الحكم إِلَى شَرطه (كإضافة صَدَقَة الْفطر عندنَا) فَإِن الْفطر عندنَا شَرطهَا وسببها رَأس يمونه ويلي عَلَيْهِ، وَبِالْجُمْلَةِ دلَالَة الْإِضَافَة على السَّبَبِيَّة لَيست بِأَمْر مُسلم، وَلَا سِيمَا إِذا وجد مَا هُوَ مُتَعَيّن للسَّبَبِيَّة نظرا إِلَى مَا يفيدها لَهُ (وَوَجهه) أَي وَجه مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ: من أَن الشَّرْط مَانع من انْعِقَاد سَبَبِيَّة مَا علق عَلَيْهِ لحكمه (أَولا أَن السَّبَب) الشَّرْعِيّ هُوَ المفضي إِلَى الحكم) أَي الطَّرِيق الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ (وَالتَّعْلِيق) أَي تَعْلِيق السَّبَب الْمَذْكُور (مَانع من الْإِفْضَاء) أَي من إفضائه إِلَى الحكم قبل وجود الشَّرْط (لمَنعه) أَي التَّعْلِيق السَّبَب الَّذِي علق من التَّأْثِير (من الْمحل) أَي مَحل الحكم، وَذَلِكَ لِأَن السَّبَب كَأَنْت طَالِق إِنَّمَا يُؤثر شرعا فِي مَحَله الَّذِي هُوَ ملك النِّكَاح إِنَّمَا نجز من غير تَعْلِيق بِشَيْء، وَإِذا علق بِهِ مَنعه عَن التَّأْثِير إِلَى حِين وجوده، فَعِنْدَ ذَلِك يصير تنجيزا (والأسباب الشَّرْعِيَّة لَا تصير قبل الْوُصُول إِلَى الْمحل أسبابا) وَالْمرَاد بوصوله: تعلقه بِهِ عِنْد وجود الْمُعَلق بِهِ، فَإِن الْمُتَكَلّم لم يقْصد تعلق مُوجب السَّبَب، وَهُوَ الطَّلَاق بِالْمحل الَّذِي هُوَ ملك النِّكَاح إِلَّا عِنْده فَلَا وُصُول قبله، فتسميتها قبل الْوُصُول أسبابا بِاعْتِبَار مَا تئول إِلَيْهِ (فضعف قَوْله) أَي الشَّافِعِي رَحمَه الله (السَّبَب) بِوُقُوع الطَّلَاق قَول الْمُعَلق (أَنْت طَالِق، وَالشّرط لم يعدمه) لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ عدم إعدامه ذَات السَّبَب من حَيْثُ هِيَ، فَلَا يجديه نفعا، وَإِن أَرَادَ من حَيْثُ إِنَّهَا سَبَب فَغير مُسلم لما عرفت من منع الْإِفْضَاء إِلَى آخِره (فَإِنَّمَا أخر الحكم) يَعْنِي لَا يمْنَع انْعِقَاد السَّبَب بل يُؤَخر الحكم إِلَى وجود الشَّرْط (وَأورد) علينا إِذا منع الشَّرْط انْعِقَاد السَّبَب وَالْحكم مَعًا لزم عدم إِفَادَة مَا علق بِهِ الشَّرْط شَيْئا (فَيجب أَن يَلْغُو) ذكر السَّبَب الْمُعَلق لعدم الإفادة شَيْء من الفائدتين (كالأجنبية) أَي كَمَا يَلْغُو ذكر الطَّلَاق مُنجزا فِي الْأَجْنَبِيَّة لتساويهما فِي عدم الْوُصُول إِلَى الْمحل، وَإِن كَانَ الْمحل مَوْجُودا فِي الأول دون الثَّانِي (وَأجِيب) عَن الْإِيرَاد الْمَذْكُور بِأَنَّهُ (لَو لم يرج) وُصُول السَّبَب الْمُعَلق إِلَى الْمحل بِأَن علق مَا لَا يُرْجَى الْوُقُوف عَلَيْهِ (لَغَا) جَوَاب لَو (كطالق إِن شَاءَ الله) فَإِن مَشِيئَته تَعَالَى فِيمَا لَا يعلم وُقُوعه بِدَلِيل لَا يُرْجَى الْعلم بهَا بوصول السَّبَب الْمُعَلق إِلَى الْمحل، فَيلْغُو (وَغَيره) أَي غير مَا لم يرج وُصُوله إِلَى الْمحل من الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة الْمُعَلقَة بِالشّرطِ (بعرضية السَّبَبِيَّة) فعلة بِمَعْنى الْمَفْعُول كَالْقبْضَةِ، يُقَال لما يعرض دون الشَّيْء، وللمعرض لِلْأَمْرِ المنهى لَهُ، وَهَذَا هُوَ المُرَاد هَهُنَا، وَالْيَاء للمصدرية وَالْإِضَافَة من إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ وَالْمعْنَى كَون الْجَزَاء متهيئا للسَّبَبِيَّة

بِحَيْثُ لَا يتَوَقَّف على شَيْء سوى وجود الشَّرْط مَعَ بَقَاء الْمحل قَابلا لوُرُود الحكم (فَلَا يلغى) ذكر السَّبَب وَلَا يعد لَغوا (تَصْحِيحا) لكَلَام الْعَاقِل، فَإِن عرضيته فَائِدَة مترتبة على ذكره مُعَلّقا فَإِن قلت السَّبَب مثل: أَنْت طَالِق مَوْضُوع لإِثْبَات التَّطْلِيق، وَعقد الطَّلَاق شرعا، فَإِذا علق بِالشّرطِ يتَأَخَّر حكمه بِالْإِجْمَاع، فالتعليق يمْنَع الحكم ضَرُورَة، وَلَا ضَرُورَة فِي منع سببيته، فَلَا يعدل عَن مُوجب وَضعه الشَّرْعِيّ من غير ضَرُورَة، فَينْعَقد قبل وجوب الشَّرْط سَببا، ويتأخر حكمه، وَأَيْضًا جَوَاب الشَّرْط يتَضَمَّن نِسْبَة أحد جزءيه إِلَى الآخر وَالْحكم بهَا، وَالثَّانِي هُوَ المنقسم إِلَى الْأَخْبَار والإنشاء، وكل مِنْهُمَا يَسْتَحِيل تَعْلِيقه لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ من الْكَلَام يَسْتَحِيل وجودهما حَيْثُ لَا كَلَام، وَالشّرط قد يُوجد حِين يكون الشارط سَاهِيا ونائما، وَغير مُتَكَلم، ويستحيل كَون الْإِنْسَان مخبرا ومنشئا عِنْد ذَلِك، فَتعين أَن التَّعْلِيق بِاعْتِبَار الأول، فالمعلق مخبر ومنشئ عِنْد التَّعْلِيق، وَالْحكم حَاصِل عِنْده، فَالْمَوْقُوفُ على دُخُول الدَّار مثلا إِنَّمَا هُوَ الطَّلَاق لَا التَّطْلِيق، فَقَوله: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق إنْشَاء التَّعْلِيق، لَا تَعْلِيق الْإِنْشَاء أَقُول: إِن أردْت بِقَوْلِك مَوْضُوع لإثباتهما شرعا أَنه مَوْضُوع على الْإِطْلَاق مُنجزا كَانَ أَو مُعَلّقا فَمَمْنُوع، لِأَنَّهُ لم يثبت سببيته شرعا إِلَى حَال التَّنْجِيز، وَإِن أردْت وَضعه عِنْد التَّعْلِيق فَهُوَ عين مَحل النزاع، وَإِن أردْت وَضعه عِنْد التَّنْجِيز فَلَا يجديك نفعا، ثمَّ إِن الْجَزَاء إِن كَانَ خَبرا فالمعلق خبري، وَإِن كَانَ إنْشَاء فإنشائي، فَيتَحَقَّق تَعْلِيق الْإِنْشَاء وإنشاء التَّعْلِيق مَعًا، وقولك: يَسْتَحِيل وجودهما حَيْثُ لَا كَلَام إِن أردْت بوجودهما تحقق مضمونهما فِي نفس الْأَمر مترتبا عَلَيْهِ الحكم الشَّرْعِيّ فَلَا يَسْتَحِيل حَيْثُ لَا كَلَام، وَهُوَ ظَاهر، وَإِن أردْت وجودهما فِي الذِّهْن والتلفظ، فَذَلِك عِنْد التَّعْلِيق، وَلَا سَهْو وَلَا نِسْيَان، ثمَّ الحكم التنجيزي نَوْعَانِ: ابتدائي يثبت بِمُجَرَّد التَّكَلُّم بِسَبَبِهِ الَّذِي مَا علق بِشَيْء، وَغير ابتدائي يثبت بِسَبَبِهِ الَّذِي يعْتَبر وجوده عِنْد تحقق مَا علق بِهِ، فَكَأَن الْمُتَكَلّم بِالتَّعْلِيقِ يصير متكلما بذلك السَّبَب عِنْد تحقق الشَّرْط، فَلَا يستدعى حصور الذِّهْن والتكلم إِلَّا عِنْد التَّعْلِيق إِذا تحقق، فَكَأَن الْمُعَلق يَقُول عِنْد التَّعْلِيق إِذا تحقق هَذَا الشَّرْط فَلْيَكُن هَذَا السَّبَب وَحكمه منجزين مني وَمن اعْتِبَار الشَّارِع هَذَا مِنْهُ، وَدفع عَنهُ مؤونة العقد الْجَدِيد حَال وجود الشَّرْط اكْتِفَاء بذلك التَّعْلِيق توسعة عَلَيْهِ فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من التعليقات لمصالحهم (وَثَانِيا) أَي وَوجه مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ من أَن الشَّرْط مَانع من انْعِقَاد سَبَبِيَّة مَا علق عَلَيْهِ الحكم ثَانِيًا (توقف) السَّبَب الَّذِي صَار جُزْءا (على الشَّرْط فَصَارَ) السَّبَب الْمُعَلق بِهِ (كجزء سَبَب) فِي احْتِيَاج الحكم إِلَيْهِ مَعَ عدم استقلاله فِي إِيجَابه، وَالشَّيْء لَا يتَحَقَّق بِمُجَرَّد تحقق جُزْء مِنْهُ أَو الْمَعْنى، فَصَارَ الشَّرْط كجزء سَبَب

ومآلهما وَاحِد، وَالْأول أظهر (بِخِلَاف) مَا ألحق الشَّافِعِي رَحمَه الله التَّعْلِيق بِهِ من (البيع الْمُؤَجل) فِيهِ الثّمن (و) بِخِلَاف البيع (بِشَرْط الْخِيَار و) بِخِلَاف السَّبَب الشَّرْعِيّ (الْمُضَاف) إِلَى الزَّمَان (كطالق غَدا) فَإِن كلا مِنْهُمَا (سَبَب) مُنْعَقد (فِي الْحَال) أَي فِي حَال صدوره عَن الْمُتَكَلّم لَا يمنعهُ شَيْء من الْوُصُول إِلَى الْمحل، وَهَذَا جَوَاب عَمَّا يُمكن تَقْرِيره بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا الْمُعَارضَة بِقِيَاس الْمُعَلق بِالشّرطِ على الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة فِي حكم الِانْعِقَاد من حَيْثُ السَّبَبِيَّة بِجَامِع الِاشْتِرَاك فِي كَونهَا معلقَة بِحَسب الْمَعْنى كَالْبيع بالأجل، وَالْخيَار، وَالطَّلَاق بالغد. وَثَانِيهمَا النَّقْض بَيَانه أَن القَوْل بِكَوْن الْمُتَعَلّق مَانِعا من الْإِفْضَاء إِلَى آخِره، أَو بصيرورة الْمَوْقُوف على الشَّرْط كجزء سَبَب مَنْقُوص بِهَذِهِ المعلقات وَحَاصِل الْجَواب إِمَّا منع صِحَة الْقيَاس لكَونه مَعَ الْفَارِق، أَو منع جَرَيَان الدَّلِيل بِبَيَان أَن الْمُعَلق فِي الْمَذْكُورَات الحكم دون السَّبَب، بِخِلَاف المنازع فِيهِ (لِأَن الْأَجَل) الَّذِي يعلق الْمُؤَجل بِالْوَقْتِ الْمعِين إِنَّمَا يعْتَبر (دُخُوله) ووروده فِي الْمَعْنى (على الثّمن) أَي على لُزُوم مُطَالبَته، فتأثير التَّأْجِيل فِي تَأْخِير الْمُطَالبَة فَقَط (لَا) يعْتَبر دُخُوله على (البيع) الَّذِي هُوَ سَبَب، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ تَأْخِيرهَا، وَهُوَ يحصل بِمُجَرَّد دُخُوله على لُزُوم مُطَالبَة الثّمن فِي الْحَال، فَلَا وَجه لاعْتِبَار دُخُوله على السَّبَب من غير حَاجَة، مَعَ أَنه على خلاف الْقيَاس، وَهُوَ متقدر بِقدر الضَّرُورَة (و) لِأَن (الْخِيَار) أَي شَرطه إِنَّمَا شرع (بِخِلَاف الْقيَاس لدفع الْغبن) أَي النَّقْص المتوهم فِي البيع عِنْد قلَّة التروي من البَائِع وَالْمُشْتَرِي بِاسْتِيفَاء النّظر فِي مُدَّة الْخِيَار (لِأَن إِثْبَات ملك المَال لَا يحْتَمل الْخطر) تَعْلِيل لكَونه على خلاف الْقيَاس، يَعْنِي أَن البيع إِثْبَات لملك المَال لكَونه عِلّة لَهُ شرعا، وَإِثْبَات ملك المَال لَا يحْتَمل أَن يعلق بِمَا بَين أَن يكون وَأَن لَا يكون (لصيرورته) أَي لصيرورة الْإِثْبَات الْمَذْكُور أَن يعلق بِمَا بَين أَن يكون وَأَن لَا يكون ذكر (قمارا) فِي الْمَعْنى لمشاركته إِيَّاه فِي عِلّة الْحُرْمَة، وَهِي التَّعْلِيق على أَمر لَا يعلم وجوده وَعَدَمه (فَاكْتفى) فِي البيع بِشَرْط الْخِيَار (بِاعْتِبَارِهِ) أَي شَرط الْخِيَار (فِي الحكم) بِتَأْخِيرِهِ إِلَى أَن يُجِيز أَو يرد، وَلم يعْتَبر فِي السَّبَب الَّذِي هُوَ البيع حذرا عَن صَيْرُورَته قمارا واحترازا عَن مُخَالفَة الْقيَاس بِغَيْر ضَرُورَة. قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَلقَائِل أَن يَقُول: الْقمَار مَا حرم لِمَعْنى الْخطر، بل بِاعْتِبَار تَعْلِيق الْملك بِمَا لم يَضَعهُ الشَّرْع سَببا للْملك، فَإِن الشَّارِع لم يضع ظُهُور الْعدَد الْفُلَانِيّ سَببا للْملك، والخطر طرد فِي ذَلِك لَا أثر لَهُ انْتهى وَمعنى كَون الْخطر طردا فِيهِ عدم تحَققه بِدُونِ الْخطر، نعلم أَنه حقق هُنَاكَ ومشي مَعَ الْقَوْم هُنَا، وَيُمكن أَن يُعلل بنهيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع وَشرط (وَالْحق أَنه) أَي اعْتِبَاره فِي الحكم دون السَّبَب ل (مُقْتَضى اللَّفْظ) أَي اللَّفْظ الدَّال على خِيَار الشَّرْط، وَهُوَ قَوْله على أَنِّي بِالْخِيَارِ

بعد قوله بعت أو اشتريت ونحوه (لأن الشرط) أي الاشتراط (بعلى) أي بواسطة كلمة على الداخلة على المشروط (لتعليق ما بعده) أي على (فقط) فلا يعلق ما قبله (فآتيك على أن تآتيني المعلق) فيه (إتيان المخاطب) على إتيان المتكلم، بخلاف آتيك إن أتيتني فإنه بالعكس، ويرد عليه أن خلاف المشهور غير أن المصنف رحمه الله بين في شرح الهداية أن الحق أنه حقيقة للاستعلاء إذا اتصلت بالأجسام، وفي غير ذلك حقيقة في معنى اللزوم المستحق في موارد استعماله من الشرط والمعارضة، وإذا تتبعت مواضع الشرط وجدت في الأكثر أنه لتعليق ما بعده، وقد قال الله تعالى - يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا - وظاهره تعليق المبايعة بعدم الاشراك، والمعنى: إذا جاءك المؤمنات حال اشتراطهن المبايعة بعدم الاشراك، وكذا فبايعهن، ويحتمل أن يكون المعنى حال اشتراطهن عدم الاشراك، وكذا بالمبايعة بأن يلزمن أنفسهن تلك الأشياء على تقدير المبايعة فبايعهن، ولاشك أن هذا أدعى إلى إجابة صلى الله عليه وسلم لما سألن من البايعة، فإن قلت عدم الاشتراك شرط صحة المبايعة لكونها عبادة لا تصح بدون الإيمان، فكيف يعلق عليها، قلت المعلق إنما هو التزام الاستقامة على عدم الاشراك، فكأنهن يقلن إن بايعتنا يا رسول الله نستقيم على هذه الأشياء، وأما لزوم كون الخيار معلقا على البيع بناء على ما مهده، فقد أشار إلى دفعه بقوله (فبعتك على أني بالخيار أي في الفسخ فهو) أي الفسخ (المعلق) بالخيار لا البيع على ما زعم الخصم (والبيع منجز) يعني لما تقرر أن الشرط بعلى لتعليق ما بعده فقط، وأن المعلق ما بعده لا ما قبله لزم عدم كون البيع معلقا بالخيار وإذا لم يكن معلقا كان منجزا لأن كلمة بعت موضوعة شرعا لتنجيز البيع ولم يوجد مانع عن ذلك من التعليق وغيره، ولا شك أنه لا يمكن جعل الخيار معلقا بالبيع، وكان الفسخ الذي يجب اعتباره بعد الخيار صالحا لأن يعلق صرف إليه التعليق المستفاد من كلمة على، فصار كل من المشروط والشرط بعد على وكان موجب ذلك عدم لزوم تعليق حكم البيع أيضا غير أنه يستلزم ضرر من ليس له الخيار بتصرفه في المبيع أو الثمن كزيادة البناء ونحوه اعتمادا على لزوم ملكه عند رد من له الخيار فاعتبر تعلق الحكم بالخيار، وإليه أشار بقوله (فتعلق الحكم دفعا للضرر) عمن ليس له الخيار (لو تصرف) من ليس له الخيار اعتمادا على ملكه الحاصل في العدل الموجبة من غير تعليق لا في الموجب ولا في الموجب تصرفا يبذل فيه مالا أو قوة بدنية، وأما إذا علق الحكم، فعلم من ليس له الخيار عدم خروج البدل عن ملك من له الخيار منعه ذلك عن التصرف، وليس المراد دفع ضرر من له الخيار لو تصرف من ليس له كما زعم الشارح والحق أن الأولى تعميم الضرر، فإن تصرفه

المشترى إذا كان الخيار للبائع مثلا قد يكون موجبا لنقصان في البيع (بخلاف الطلاق) والعتاق متعلق بمحذوف هو حال عن فاعل لا يحتمل: أي لا يحتمل إثبات ملك المال الخطر حال كونه ملتبسا بمخالفة الطلاقة والعتاق ولا يضر طول الفصل بالجمل الاعتراضية لظهور الارتباط فإن كلا منهما (اسقاط محض) والاسقاط (يحتمله) أي الخطر لعدم صيرورته قمارا عند التعليق، لأن القمار تعليق إثبات الملك بالخطر (وإن كان العتاق اثباتا لكنه ليس إثباتا لملك مال) بل هو اثبات قوة شرعية هي القدرة على تصرفات شرعية من الولايات: كالشهادة، والقضاء وإنكاح نفسه وابنته، وفي كون العتاق إثباتا مسامحة، لأن الاثبات وصف الاعتاق لا العتاق، فإنه خلوص حكمي مما كان ثابتا فيه بالرق، وكلمة إن وصلية، ولا منافاة بين كونه إسقاطا محضا، وكونه إثباتا لأنه محض إسقاط باعتبار حقيقته وإثبات باعتبار لازمه على أن المراد نفي شائبة إثبات المال لا الاثبات مطلقا (فبطل إيراد أنه) أي الاعتاق (إثبات أيضا) كما أورده المحقق التفتازاني في التلويح، ولما فرغ من بيان الفرق بين البيع المؤجل والمشروط بالخيار، وبين السبب المعلق المنازع فيه شرع في بيان الفرق بينه وبين المضاف فقال (والتعليق يمين) قال المصنف في شرح الهداية لفظ اليمين مشترك بين الجارحة والقوة والقسم لغة، وأما مفهومه الاصطلاحي فجملة أولى انشائية مقسم فيها باسم الله أو صفته يؤكد بها مضمون جملة ثانية في نفس السامع ظاهرًا أو يحمل المتكلم على تحقيق معناها، فدخلت بقيد ظاهرا الغموس أو إلتزام مكروه كفرا وزوال ملك على تقدير ليمتنع عنه أو محبوب ليحمل عليه، فدخلت التعليقات مثل أن فعل فهو يهودي، وإن دخلت فأنت طالق، وإن بشرتني فأنت حر (وهي) أي اليمين تعقد (للبر) وهي المحافظة على موجب اليمين ضد الحنث (اعدام موجب المعلق) بدل من البر، فإن اليمين في اليمين المنعقدة متضمن إعدام ما يوجبه المعلق الذي هو السبب الشرعي: يعني الطلاق مثلا كان دخلت فأنت طالق لكونه منعقدا للمنع عن الدخول، وإذا امتنع عن الدخول لا جرم أنه لا يقع ما علق به، وإن لم يقع لم يقع مجبه (فلا يفضي) المعلق (إلى الحكم) الذي هو سبب عند التنجيز، وهذا على تقدير أن يكون موجب المعلق بفتح الجيم، وأما إن كان بكسرها فالمراد به الشرط، والمعنى أن التعليق لئلا يتحقق الشرط المستلزم لوجود الجزاء الذي يكره وجوده المعلق (أما الإضافة) المذكورة في السبب الشرعي المضاف إلى الزمان (فلثبوت حكم السبب في وقته) أي الوقت الذي أضيف إليه السبب المذكور فالمقصود منها وجود الحكم على خلاف التعليق (لا لمنعه) أي السبب كما في التعليق، فالمقصود من أنت حر يوم الجمعة ثبوت الحرية فيه (فيتحقق السبب) المضاف قبل تحقق الوقت الذي أضيف إليه (بلا مانع)

كالتعليق الْمَانِع من انْعِقَاد السَّبَب الْمُعَلق بِالشّرطِ كَمَا عرفت، وَعدم الْمَانِع مَعَ وجود الْمُقْتَضى وَهُوَ التَّكَلُّم بِالسَّبَبِ بِلَا تَعْلِيق يقتضى تحَققه، غَايَة الْأَمر تَأْخِير الحكم الْمُسَبّب إِلَى وجود الْوَقْت الْمعِين الَّذِي هُوَ كَائِن لَا محَالة (إِذْ الزَّمَان من لَوَازِم الْوُجُود) الْخَارِجِي فالإضافة إِلَيْهِ إِضَافَة إِلَى مَا قطع بِوُجُودِهِ، وَفِي مثله مَا يكون الْغَرَض من الْإِضَافَة تَحْقِيق الْمُضَاف إِلَيْهِ (وَيرد) على القَوْل بِأَن الْيَمين إعدام مُوجب الْمُعَلق أَنه لَا يَصح على إِطْلَاقه بل (كَون الْيَمين توجب الإعدام) لما ذكر إِنَّمَا يَصح (فِي الْمَنْع) أَي فِيمَا إِذا كَانَ الْمَقْصُود من الْيَمين الْمَنْع عَن إِيقَاع مَا عقدت للِاحْتِرَاز عَنهُ، و (أما) إِذا قصد بهَا (الْحمل) على الْإِثْبَات بِمَا عقدت لقصد تَحْصِيله (فَلَا) توجب الإعدام وَهُوَ ظَاهر (كَأَن بشرتني بقدوم وَلَدي فَأَنت حر) فَإِن غَرَض الْمُتَكَلّم فِيهِ حث عَبده على الْمُبَادرَة إِلَى الْبشَارَة (فَالْأولى) فِي التَّفْرِقَة بَين الْمُعَلق والمضاف، وَالْقَوْل بِأَن الأول يمْنَع السَّبَب عَن الِانْعِقَاد دون الثَّانِي أَن يُقَال (الْفرق) بَينهمَا حَاصِل (بالخطر وَعَدَمه) أَي بِأَن وجود الشَّرْط الْمُعَلق بِهِ السَّبَب على الْخطر فَهُوَ بَين أَن يُوجد، بِخِلَاف الْوَقْت الْمُضَاف إِلَيْهِ السَّبَب فَإِنَّهُ كَائِن لَا محَالة لما عرفت، وَإِذا كَانَ وجود الشَّيْء مشكوكا فِيهِ فانعقاده سَببا أولى بذلك، وَالْإِضَافَة إِلَى الْكَائِن لَا محَالة لَا تورث شكا فِي وجود الْمُضَاف: فَلَا يمنعهُ عَن الِانْعِقَاد شَيْء، لِأَن الأَصْل عدم مَانع آخر فَإِن قلت فِي الْإِضَافَة يثبت الحكم فِي الْمُسْتَقْبل إِذا بَقِي الْمحل، فَأَما إِذا لم يبْق فَلَا، فَكيف ينْعَقد الْمُضَاف سَببا مَعَ التَّرَدُّد فِي وجود مسببه بِسَبَب التَّرَدُّد فِي وجود مَحل ذَلِك الْمُسَبّب قلت الأَصْل فِي الشَّيْء الثَّابِت الْبَقَاء (ثمَّ) إِن الْفرق بالخطر وَعَدَمه (يَقْتَضِي كَون) أَنْت حر) (يَوْم يقدم فلَان كَانَ قدم) فلَان (فِي يَوْم) كَذَا لاشْتِرَاكهمَا فِي الْبناء على الْخطر، وَإِن سمي الأول إِضَافَة، وَالثَّانِي تَعْلِيقا، لِأَن الْعبْرَة بالمعاني، وَلَا فرق بَينهمَا معنى لتوقف الْحُرِّيَّة فِي كل مِنْهُمَا على مَا لَا يعم وجوده، لِأَن الْيَوْم الْمُقَيد بقدوم فلَان مَشْكُوك الْوُجُود بِاعْتِبَار قَيده (ويستلزم) أَيْضا (عدم جَوَاز التَّعْجِيل) بِالصَّدَقَةِ (فِيمَا لَو قَالَ عَليّ صَدَقَة يَوْم يقدم فلَان) أَي فِي صَدَقَة فرض إِيجَابهَا يَوْم قدوم فلَان فِي القَوْل الْمَذْكُور (وَإِن كَانَ) كل من القيدين متلبسا (بِصُورَة إِضَافَة) لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة بصورته بعد مَا ظهر عدم الْفرق بَينه وَبَين الْمُعَلق بِالشّرطِ فِي معنى الْخطر، وَهُوَ يسْتَلْزم عدم انْعِقَاد السَّبَب وَالْأَدَاء قبل انْعِقَاد السَّبَب غير جَائِز اتِّفَاقًا (و) كَذَا يسْتَلْزم (كَون إِذا جَاءَ غَد فَأَنت حر كإذا مت فَأَنت حر) فِي انْعِقَاد سَبَب الْحُرِّيَّة فِي كل مِنْهُمَا (لعدم الْخطر) الْمَانِع عَن الِانْعِقَاد (فَيمْتَنع بَيْعه قبل الْغَد كَمَا يمْتَنع) بَيْعه (قبل الْمَوْت لانعقاده) أَي انْعِقَاد إِذا جَاءَ غَد إِلَى آخِره كانعقاد أَنْت حر إِذا مت (سَببا فِي الْحَال) أَي بِمُجَرَّد التَّكَلُّم قبل مَجِيء الْغَد وَالْمَوْت (على مَا عرف)

من أَن سَبَب الْحُرِّيَّة فِي الْمُدبر القَوْل الْمَذْكُور، لِأَنَّهَا تثبت بعد الْمَوْت، وَلَا ثُبُوت بِلَا سَبَب، وَلَا سَبَب غَيره، فإمَّا أَن يَجْعَل سَببا فِي الْحَال، أَو بعد الْمَوْت، وَلَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي، لِأَن الْمَوْت سالب الْأَهْلِيَّة، وَسبب التَّصَرُّف لَا ينْعَقد إِلَّا من أَهله (لكِنهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (يجيزون بَيْعه قبل الْغَد، والأجوبة عَنهُ) أَي عَن الأشكال على الْفرق والخطر وَعَدَمه بِالْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين (لَيست بِشَيْء) مِنْهَا كَون الْغَد كَائِنا لَا محَالة لجَوَاز قيام الْقِيَامَة قبله، ورد بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا كَانَ التَّعْلِيق بعد أَشْرَاط السَّاعَة، وَمِنْهَا أَن الْكَلَام فِي الْأَغْلَب فَيلْحق النَّادِر بِهِ، ورد بِأَنَّهُ اعْتِرَاف بالإيراد على أَن التَّعْلِيق بِمثل مَجِيء الْغَد وَرَأس الشَّهْر غير نَادِر إِلَى غير ذَلِك (وَقيل) فِي دفع مَا ذكر من استلزام الْفرق بالخطر وَعَدَمه المحذورات الْمَذْكُورَة (المُرَاد بِالسَّبَبِ فِي نَحْو قَوْلنَا الْمُعَلق لَيْسَ سَببا فِي الْحَال) أَي فِي حَال التَّعْلِيق قبل وجود الْمُعَلق بِهِ (الْعلَّة) اعتبروا فِي حَقِيقَة الْعلَّة ثَلَاثَة أُمُور: إِضَافَة الحكم إِلَيْهَا كَمَا يُقَال قَتله بِالرَّمْي، وَعتق بِالشِّرَاءِ وَهلك بِالْجرْحِ، أَو كَونهَا مَوْضُوعَة لَهُ شرعا، وتأثيرها فِيهِ وحصوله مَعهَا فِي الزَّمَان، وَفِي حَقِيقَة السَّبَب أَن يكون طَرِيقا للْحكم من غير تَأْثِير وَمن غير أَن يُضَاف إِلَيْهِ وجوبا أَو وجودا وَيُطلق اسْم كل مِنْهُمَا عَن الآخر لما بَينهمَا من الْمُنَاسبَة (وَفِي الْمُضَاف السَّبَب المفضي) معطوفان بعطف وَاحِد على قَوْله فِي نَحْو قَوْلنَا، وَقَوله الْعلَّة على مَذْهَب الْأَخْفَش، أَو من عطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة بِحَذْف الْمُبْتَدَأ مَعَ مَا يتَعَلَّق بِهِ: أَي المُرَاد بِالسَّبَبِ فِي قَوْلنَا الْمُضَاف سَبَب فِي الْحَال السَّبَب المفضي إِلَى الحكم من غير تَأْثِير (وَهُوَ) أَي السَّبَب المفضي (السَّبَب الْحَقِيقِيّ) اصْطِلَاحا كَمَا مر (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين إِذْ اخْتلف مورد النَّفْي وَالْإِثْبَات بِأَن نفى عَن السَّبَب الْمُعَلق السَّبَبِيَّة بِمَعْنى علية الْعلية، وَأثبت للمضاف بِمَعْنى الْإِفْضَاء على الْوَجْه الْمَذْكُور و (لَا خلاف) فِي الْمَعْنى بَين الْمُعَلق والمضاف بِاعْتِبَار النَّفْي وَالْإِثْبَات، فَلَا يتَوَجَّه أَنه لَا فرق بَينهمَا فِي الِانْعِقَاد سَببا، وَعَدَمه فِيمَا إِذا كَانَ مَا بِهِ التَّقْيِيد أمرا كَائِنا لَا محَالة أَو مَشْكُوك الْوُجُود فَلم فرقتم بَينهمَا؟ لأَنا لم نفرق بَينهمَا، بل نَفينَا الْعلية عَن الْمُعَلق، وَلم نثبتها للمضاف، وأثبتنا الْإِفْضَاء للمضاف وَمَا نفيناه عَن الْمُعَلق (وَارْتَفَعت الاشكالات وَصدق أَن الْمُضَاف لَيْسَ سَببا أَيْضا فِي الْحَال) كَمَا أَن الْمُعَلق لَيْسَ سَببا فِي الْحَال (بذلك الْمَعْنى) أَي بِمَعْنى الْعلَّة كَمَا عرفت (إِلَّا أَن اخْتِلَاف الْأَحْكَام حَيْثُ قَالُوا: الْمُضَاف سَبَب فِي الْحَال فَجَاز تَعْجِيله) أَي تَعْجِيل مُوجب حكمه إِذا كَانَ عبَادَة بدنية أَو مَالِيَّة أَو مركبة مِنْهُمَا كَمَا هُوَ قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله وَأبي يُوسُف، لِأَنَّهُ تَعْجِيل بعد وجود سَبَب الْوُجُوب، خلافًا لمُحَمد رَحمَه الله فِيمَا عدا الْمَالِيَّة، ولزفر فِي الْكل (وَالْمُعَلّق لَيْسَ سَببا فِي الْحَال فَلَا يجوز تَعْجِيله بنفيه) خبران: أَي

مسئلة

يَنْفِي كَون المُرَاد مَا ذكر لرفع الاشكالات، لِأَنَّهُ لَو لم يتحد مورد النَّفْي وَالْإِثْبَات لم يتَفَرَّع اخْتِلَافهمَا فِي جَوَاز التَّعْجِيل وَعَدَمه. مسئلة (من المفاهيم مَفْهُوم اللقب) هُوَ فِي اللُّغَة النبز، وَفِي اصْطِلَاح النُّحَاة قسم من الْعلم، والأعلام ثَلَاثَة اضْرِب: اسْم، وَهُوَ مَا لَا يقْصد بِهِ مدح وَلَا ذمّ كزيد، ولقب، وَهُوَ مَا يقْصد بِهِ أَحدهمَا كبطة وَقْفَة فِي الذَّم، ومصطفى ومرتضى فِي الْمَدْح، وكنية، وَهُوَ الْمصدر بِالْأَبِ أَو الْأُم أَو الابْن أَو الْبِنْت نَحْو أَبُو عَمْرو وَأم كُلْثُوم وَابْن آوى وَبنت وردان، وَالْمرَاد باللقب هَهُنَا مَا لَيْسَ بِصفة (نَفَاهُ) أَي مَفْهُوم اللقب (الْكل إِلَّا بعض الْحَنَابِلَة وشذوذا) ابْن خويز منداد من الْمَالِكِيَّة والدقاق والصيرفي وَأَبا حَامِد من الشَّافِعِيَّة (وَهُوَ) أَي مَفْهُوم اللقب (إِضَافَة نقيض حكم) أَي نِسْبَة نقيض حكم مُسَمّى (معبر عَنهُ) أَي عَن ذَلِك الْمُسَمّى الْمعبر عَنهُ (باسمه) حَال كَون ذَلِك الِاسْم (علما أَو جِنْسا إِلَى مَا سواهُ) مُتَعَلق بإضافته: أَي مَا سوى ذَلِك الْمُسَمّى الْمعبر عَنهُ باسمه، وَهُوَ الْمَسْكُوت عَنهُ على مَا عرفت فِي سَائِر المفاهيم، مثل فِي الْغنم زَكَاة، فتنفى عَن غير الْغنم (وَقد يُقَال الْعلم) بدل للقب لقَوْل الْحَنَفِيَّة التَّنْصِيص على الشَّيْء باسمه الْعلم لَا يدل على نفي الحكم (وَالْمرَاد الْأَعَمّ) أَي مَا يعم نوعيه: علم الشَّخْص، وَعلم الْجِنْس، وَاسم الْجِنْس وَهُوَ مَا لَيْسَ بِصفة (والمعول) فِي نَفْيه (عدم الْمُوجب) للمقول بِهِ كَمَا مر فِي نفي مَفْهُوم الْمُخَالفَة (وللزوم ظُهُور الْكفْر) مَعْطُوف على مَا فهم من السِّيَاق كَأَنَّهُ قَالَ نفوه لعدم الْمُوجب، وللزوم نفي ظُهُور الْكفْر، وَذكر الظُّهُور لِأَنَّهُ عِنْد الْقَائِل بِهِ ظَنِّي مَبْنِيّ على الظَّاهِر (من نَحْو مُحَمَّد رَسُول الله) لكَون مَفْهُومه على القَوْل بِهِ نفي رِسَالَة غَيره ظَاهرا، لَا نصا، لِأَن القَوْل بِهِ لَا يسْتَلْزم اعْتِبَاره فِي جَمِيع الْموَاد، بل إِذا لم يكن قرينَة صارفة، وَلُزُوم الْكفْر قرينَة غير أَن ظَاهر الْكَلَام قبل التَّأَمُّل يُفِيد ذَلِك على القَوْل بِهِ (وَفُلَان مَوْجُود) أَي وللزوم ظُهُور الْكفْر من نَحْو فلَان مَوْجُود: يَعْنِي نفي وجود الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ: أَي ظُهُور الْكفْر من نَحْوهمَا (وَهُوَ) مُنْتَفٍ) بالِاتِّفَاقِ قطعا، فَالْقَوْل بِهِ بَاطِل قطعا، قيل وَقع الْإِلْزَام بِهِ للدقاق فِي مجْلِس النّظر بِبَغْدَاد، قيل هَذَا إِذا لم يكن للتخصيص فَائِدَة أُخْرَى، لم لَا يجوز أَن يقْصد بِهِ الاخبار بذلك؟ وَلَا طَرِيق إِلَيْهِ سوى التَّصْرِيح بِالِاسْمِ، ورد بِأَنَّهُ اعْتِرَاف بانتفائه رَأْسا، لِأَن هَذِه الْفَائِدَة حَاصِلَة فِي جَمِيع الصُّور فَتَأمل (وَاسْتدلَّ) على نَفْيه (بِلُزُوم انْتِفَاء الْقيَاس) على تَقْدِير اعْتِبَاره، وانتفاؤه بَاطِل، وَذَلِكَ لِأَن النَّص الدَّال على حكم الأَصْل أَن تنَاول حكم الْفَرْع ثَبت

مسئلة

الْأَخَص بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ، وَإِلَّا فإمَّا أَن يدل بمفهومه اللقى على نفي الحكم عَن غير الْمَذْكُور أَولا، وعَلى الأول ينتفى الْقيَاس لاقْتِضَاء ثُبُوته للْغَيْر، وعَلى الثَّانِي يثبت الْمُدَّعِي، وَأَنت خَبِير بِأَن اللَّازِم انْتِفَاء الْقيَاس فِيمَا اعْتبر فِيهِ بِمَفْهُوم اللقب لَا مُطلقًا (وَالْجَوَاب) عَن الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور أَن الْقيَاس يستدعى مُسَاوَاة الْفَرْع للْأَصْل فِي عِلّة الحكم و (إِذا ظهر الْمُسَاوَاة قدم) الْقيَاس على الْمَفْهُوم اللقبى، إِذْ الْقَائِلُونَ بِهِ قَائِلُونَ بِتَقْدِيم الْقيَاس عَلَيْهِ (لزِيَادَة قوته) أَي الْقيَاس على الْمَفْهُوم اللقبى كَمَا إِذا ظهر أَوْلَوِيَّة الْمَسْكُوت من الْمَنْطُوق فِي المناط، فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك لَا مَحل لمَفْهُوم الْمُخَالفَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أصلا لثُبُوت مَفْهُوم الْمُوَافقَة لَهُ (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِمَفْهُوم اللقب (لَو قَالَ) قَائِل (لمخاصمه لَيست أُمِّي زَانِيَة أَفَادَ) قَوْله هَذَا (نسبته) أَي الزِّنَا (إِلَى أمه) أَي أم المخاصم لتبادره إِلَى الْفَهم، وَلذَا قَالَ مَالك وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى يجب الْحَد على الْقَائِل إِذا كَانَت عفيفة، وَلَوْلَا أَن تَعْلِيق الحكم بِالِاسْمِ يدل على نَفْيه عَمَّا عداهُ لما تبادر إِلَى الْفَهم (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي التبادر الْمَذْكُور (بِقَرِينَة الْحَال) وَهُوَ الْخِصَام الَّذِي هُوَ مَظَنَّة الْأَذَى والتقبيح قلت وَلَوْلَا ذَلِك الْقَصْد لَكَانَ ذكر الْبَريَّة الْمَذْكُورَة أَجْنَبِيّا لَا يَلِيق بمقام الْخِصَام. مسئلة (النَّفْي فِي) الْكَلَام الْمُشْتَمل على (الْحصْر) الْمُسْتَفَاد (بإنما) نَحْو إِنَّمَا زيد قَائِم، وَإِنَّمَا الْعَالم زيد، وَإِمَّا ضرب زيد عمرا يَوْم الْجُمُعَة (لغير الآخر) أَي النَّفْي الْمَذْكُور مُخْتَصّ بِمَا يُقَابل الْجُزْء الآخر من الْكَلَام كالقيام وَزيد وَيَوْم الْجُمُعَة فِي الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة، وَمَا يقابلها النَّفْي كالقعود وَعَمْرو وَيَوْم غير الْجُمُعَة (قيل) انفهام النَّفْي الْمَذْكُور (بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالف قَائِله أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَجَمَاعَة (وَقيل بالمنطوق) وقائله القَاضِي أَبُو بكر وَالْغَزالِيّ (وَهُوَ الْأَرْجَح وَنسب للحنفية) أَي إِلَيْهِم كَقَوْلِه تَعَالَى - {لعادوا لما نهوا عَنهُ} - (عَدمه) أَي عدم النَّفْي الْمَذْكُور أَو الْحصْر (فَإِنَّمَا زيد قَائِم) لَا يُفِيد الْحصْر عِنْدهم بل هُوَ (كَأَنَّهُ قَائِم) أَي مثل أَن زيدا قَائِم فِي عدم الدّلَالَة على نفي غير الْقيام، وَكلمَة مَا زَائِدَة ألحقت بِأَن لمزيد التَّأْكِيد فَقَط، قيل وَهُوَ مُخْتَار الْآمِدِيّ، وَأبي حَيَّان، وَنسبه إِلَى الْبَصرِيين، وَنسبه إِلَى الْحَنَفِيَّة صَاحب البديع، وَتعقبه المُصَنّف رَحمَه الله بقوله (وَقد تكَرر مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة (نسبته) أَي الْحصْر إِلَى إِنَّمَا كَمَا فِي كشف الْأَسْرَار وَالْكَافِي وجامع الْأَسْرَار وَغَيرهَا (وَأَيْضًا) يُؤَيّد ذَلِك أَنه (لم يجب أحد من الْحَنَفِيَّة بِمَنْع إفادتها) أَي إِنَّمَا للحصر (فِي

الِاسْتِدْلَال بإنما الْأَعْمَال) بِالنِّيَّاتِ (على شَرط النِّيَّة فِي الْوضُوء) بِأَن الْوضُوء عمل وَلَا عمل إِلَّا بِالنِّيَّةِ، لِأَن كلمة إِنَّمَا تفِيد الْحصْر كَمَا وَإِلَّا، وَكلمَة على صلَة الِاسْتِدْلَال (بل) إِنَّمَا أجابوا (بِتَقْدِير الْكَمَال أَو الصِّحَّة) لِأَنَّهُ لَو لم يقدر مثل ذَلِك لم يَصح الْكَلَام للْقطع بِوُجُود الْعَمَل بِلَا نِيَّة كعمل الساهي، فَالْمُرَاد لَا كَمَال للأعمال أَو لَا صِحَة لَهَا إِلَّا بِالنِّيَّةِ وكمالها: أَي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الثَّوَاب إِن كَانَت من الْعِبَادَة أَو الْأَثر الْمَطْلُوب مِنْهَا إِن كَانَت من الْمُعَامَلَات (وَهُوَ) أَي تَقْدِير الْكَمَال أَو الصِّحَّة (الْحق) وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى أَن الْعُدُول عَن الْمَنْع الْمَذْكُور إِلَى التَّقْدِير فِي الْجَواب هُوَ الْحق ثمَّ أَنه أورد على تَقْدِير الصِّحَّة أَن نفي الْأَعْمَال مُطلقًا بِدُونِ النِّيَّة غير مُسلم، كَيفَ والضوء عِنْدهم يَصح بِدُونِهَا؟ فَأَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (وَلَا يَصح الْوضُوء عبَادَة إِلَّا بِالنِّيَّةِ) يَعْنِي المُرَاد من الْأَعْمَال الْعِبَادَات على اعْتِبَار تَقْدِير الصِّحَّة فَإِن قلت الْأَعْمَال جمع محلى بِاللَّامِ، وَهُوَ من صِيغ الْعُمُوم قلت الْعُمُوم لَيْسَ بِمُرَاد قطعا، لِأَن الْأَعْمَال العادية لَا مدْخل للنِّيَّة فِيهَا لَا سِيمَا السَّيِّئَات، ثمَّ بَين أَن الْوضُوء الَّذِي يتَوَقَّف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا هُوَ مُطلق الْوضُوء لَا الْمُقَيد بِوَصْف الْعِبَادَة بقوله (لَكِن منعُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (توقف صِحَة الصَّلَاة على وضوء هُوَ عبَادَة كباقي الشُّرُوط) كستر الْعَوْرَة وتطهير الثِّيَاب وَغير ذَلِك أَي لم يتَوَقَّف الصَّلَاة على وضوء هُوَ عبَادَة كَمَا لم يتَوَقَّف على ستر هُوَ عبَادَة، بل يتَوَقَّف على مُطلق السّتْر سَوَاء كَانَ عبَادَة بمقارنة النِّيَّة أَو لَا، قيل عدم مَنعهم لَيْسَ لتسليمهم إِفَادَة إِنَّمَا الْحصْر، بل لِأَن الْحصْر أَمر مُسلم لكَونه مستفادا من عُمُوم الْأَعْمَال بِاللَّامِ، فَالْمَعْنى كل عمل بنية، وَقد عرفت أَن الْعُمُوم لَيْسَ بِمُرَاد قطعا على أَن الْكَلَام فِي معرض التأييد لَا الْحجَّة، لِأَن الْمُسْتَند فِي قَول الْحَنَفِيَّة بالحصر إِنَّمَا هُوَ النَّقْل (لنا يفهم مِنْهُ الْمَجْمُوع) مُبْتَدأ وَخَبره نَحْو تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ تَقْدِيره فهم الْمَجْمُوع من النَّفْي وَالْإِثْبَات من إِنَّمَا حجَّة لنا (فَكَانَ) إِنَّمَا مَوْضُوعا (لَهُ) أَي للمجموع، لِأَن فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ من غير احْتِيَاج إِلَى قرينَة دَلِيل الْوَضع (وَكَون النَّافِي الْمَعْهُود) إفادته النَّفْي (منتفيا) إِنَّمَا (لَا يسْتَلْزم نَفْيه) أَي نفي النَّفْي الَّذِي يتضمنه الْحصْر، أَو نفي الْفَهم الْمَذْكُور، جَوَاب سُؤال تَقْدِيره دلَالَة إِنَّمَا على النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء غير مُسْتَقِيم، لِأَن الْمَوْضُوع الْمَعْهُود للنَّفْي كلمة لَا وَنَحْوهَا لَا إِنَّمَا، (لِأَن مُوجب الِانْتِقَال) بِكَسْر الْجِيم (الْوَضع) خبران: أَي وضع لفظ بل وضع لشَيْء مَعَ الْعلم بِالْوَضْعِ (لَا) الْوَضع (بِشَرْط لفظ خَاص) كَمَا وَلَا وَحَتَّى إِذا لم يُوجد لم يُوجد الِانْتِقَال (وَكَون فهمه) أَي الْمَجْمُوع من النَّفْي وَالْإِثْبَات من إِنَّمَا (لَا يستلزمه) أَي وَضعهَا لَهُ (لجوازه) أَي فهمه (بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالف (لَا يَنْفِي الظُّهُور) خبر الْمُبْتَدَأ: يَعْنِي أَن جَوَاز انفهامه

بطرِيق الْمَفْهُوم احْتِمَالا فَلَا ينفى ظُهُور منطوقيته الْمُسْتَفَاد من تبادره إِلَى الْفَهم عِنْد سَماع كلمة إِنَّمَا (وَلَو ثَبت) فهمه بِالْمَفْهُومِ (كَانَ) ذَلِك الْفَهم (بِمَفْهُوم اللقب) لعدم احْتِمَال غَيره من المفاهيم وَهُوَ ظَاهر (وَهُوَ) أَي مَفْهُوم اللقب (منفي) بِاتِّفَاق الْجُمْهُور. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ النَّفْي مَفْهُوم لَا مَنْطُوق، وَيدل عَلَيْهِ أَمَارَات مثل جَوَاز: إِنَّمَا زيد قَائِم لَا قَاعد بِخِلَاف مَا زيد إِلَّا قَائِم لَا قَاعد، وَإِن صَرِيح النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء يسْتَعْمل عِنْد إِصْرَار الْمُخَاطب على الْإِنْكَار بِخِلَاف إِنَّمَا انْتهى، وَصرح الشَّيْخ عبد القاهر، وَاخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ أَنه لَا يحسن الْجمع بَين لَا العاطفة وَبَين النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء لَا نفي الصِّحَّة وتصريح السكاكي بِعَدَمِ الصِّحَّة متعقب، وَفِي الْكَشَّاف فِي قَوْله تَعَالَى - {زين للنَّاس} - الْآيَة: أَي المزين لَهُم حبه مَا هُوَ إِلَّا الشَّهَوَات لَا غير، وَأما اسْتِعْمَال صَرِيح النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء عِنْد الْإِصْرَار دون إِنَّمَا فَلِأَن من يُخَاطب الْمصر عَلَيْهِ يخْتَار مَا يدل على دَفعه قطعا، وَنحن نعترف بِأَن دلَالَة إِنَّمَا عَلَيْهِ ظنية، وَإِلَّا لما وَقع الْخلاف فِي إفادتها ذَلِك (وَأما الْحصْر) الْمُسْتَفَاد (بِاللَّامِ) الاستغراقية المفيدة (للْعُمُوم) أَي عُمُوم الْجِنْس الَّذِي دخلت عَلَيْهِ، وَهُوَ أحد جزئي الْكَلَام (و) الْجُزْء (الآخر أخص) حَال عَن اللَّام أَو الْعُمُوم: أَي وَالْحَال أَن الْجُزْء الآخر أخص من الْمحلي بِاللَّامِ (كالعالم وَالرجل زيد) فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا دخله اللَّام للْعُمُوم والجزء الآخر هُوَ زيد أخص مِنْهُ مُطلقًا (تقدم أَو تَأَخّر) حَال أُخْرَى عَن الْمَذْكُور وَالضَّمِير للْآخر (فَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ) جَوَاب أما، وَالضَّمِير الْمَجْرُور للحصر (وَلَو نفي الْمَفْهُوم) كلمة لَو وصلية، أَشَارَ إِلَى مَا قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ من أَن كَون هَذَا الْحصْر مفهوما لَا منطوقا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يَقع فِيهِ خلاف للْقطع بِأَنَّهُ لَا نطق بِالنَّفْيِ أصلا وَحَاصِل تَحْقِيق الرضي فِي هَذَا الْمقَام أَن تقدم الْوَصْف مُبْتَدأ على الْمَوْصُوف والأخص خَبرا لَهُ يُفِيد قصره على الْمَوْصُوف للعدول عَن التَّرْتِيب الطبيعي: وَهُوَ تقدم الذَّات على الْوَصْف، وَلِأَن المُرَاد بالعالم وصديقي هُوَ الْجِنْس بَاقِيا على عُمُومه لعدم قرينَة الْعَهْد، وَالْحكم بالاتحاد بَين الْجِنْس الْمُسْتَغْرق وَزيد إِنَّمَا يكون بادعاء انحصاره فِيهِ بتنزيل مَا عداهُ منزلَة الْعَدَم انْتهى، وَهَذَا يدل على أَن الْحصْر يفِيدهُ فِي صُورَة تَقْدِيم الْوَصْف فَقَط، وَصرح الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بِأَن إِفَادَة الْحصْر عِنْد كَون الْمُبْتَدَأ مُعَرفا ظَاهرا فِي الْعُمُوم صفة كَانَت أَو اسْم جنس، وَكَون خَبره مَا هُوَ أخص مِنْهُ هما لَا خلاف فِيهِ بَين عُلَمَاء الْمعَانِي تمسكا بِاسْتِعْمَال الفصحاء، وَلَا خلاف فِي عَكسه أَيْضا غير أَن القَاضِي عضد الدّين ذكر أَن الْوَصْف إِذا وَقع مُسْندًا إِلَيْهِ قصد بِهِ الذَّات الموصوفة بِهِ، وَإِذا وَقع مُسْندًا قصد بِهِ ذَات مَا مَوْصُوفَة بِهِ وَهُوَ عَارض الأول انْتهى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ على الأول يُرَاد بِهِ الذَّات الموصوفة بِالْوَصْفِ العنواني، وعَلى الثَّانِي يُرَاد بِهِ مَفْهُوم ذَات مَا مَوْصُوفَة بذلك الْوَصْف

وَهَذَا غارض للذات الْمَخْصُوصَة، واتحاد زيد مَعَ الذَّات الموصوفة يُفِيد الْحصْر بِخِلَاف اتحاده مَعَ عَارضه، فَإِنَّهُ لَا يمْتَنع اشْتِرَاك المعروضات فِيهِ، واتحاد كل مِنْهُمَا بِحِصَّة مِنْهُ، كَذَا أَفَادَهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ، ثمَّ قَالَ وَالْحق أَن مَا ذكره فِي الْوَصْف النكرَة مثل زيد عَالم دون زيد الْعَالم، فَإِن مَعْنَاهُ الذَّات الموصوفة فَردا أَو جِنْسا كَمَا فِي الْعَالم زيد، فَيكون عدم الْفرق ضَرُورِيًّا هَذَا، وَكَلَام المُصَنّف رَحمَه الله مشْعر بِأَن الْحصْر الْمُسْتَفَاد فِيهِ اتِّفَاقًا لَيْسَ بطرِيق الْمَفْهُوم، بل هُوَ مُسْتَفَاد من خُصُوصِيَّة الْهَيْئَة الْحَاصِلَة من الْمُبْتَدَأ الْمُعَرّف بِاللَّامِ الظَّاهِر فِي الْعُمُوم مَعَ أخصية الْخَبَر حَقِيقَة أَو مجَازًا عرفيا، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى لَا خلاف فِي ثُبُوت الْمَفْهُوم فِي هَذِه الصُّور وَإِن نفى فِي غَيرهَا وَالله أعلم (بِخِلَاف صديقي زيد إِذا أخر) صديقي نَحْو زيد صديقي (لانْتِفَاء عُمُومه) أَي عُمُوم صديقي، لِأَن عُمُومه إِنَّمَا كَانَ عِنْد التَّقْدِيم للعدول عَن التَّرْتِيب الطبيعي كَمَا ذكره القَاضِي، وَقد عرفت مَا حَقَّقَهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (ويندرج) الْحصْر الْمَذْكُور (فِي بَيَان الضَّرُورَة عِنْد الْحَنَفِيَّة) فَإِن قلت قد صرح بِأَن أَقسَام بَيَان الضَّرُورَة كلهَا دلَالَة سكُوت، وَقَوله (إِذْ ثُبُوت الْجِنْس) الثَّابِت (برمتِهِ) أَي بجملته (لوَاحِد) بِحَيْثُ لَا يُوجد فِي غَيره حِصَّة مِنْهُ (بِالضَّرُورَةِ ينتفى عَن غَيره) يدل على أَنه أَمر مَدْلُول أَمر لَفْظِي هُوَ ثُبُوت الْجِنْس إِلَى آخِره قلت الْحصْر الْمَذْكُور مركب من جزءين: إِثْبَات وَنفي، وَاللَّفْظ نَاطِق بِالْأولِ فَقَط، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله ثُبُوت الْجِنْس برمتِهِ لوَاحِد، وَالثَّانِي يثبت لضَرُورَة اتِّحَاد الْجِنْس بجملته مَعَه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله بِالضَّرُورَةِ ينتفى عَن غَيره، فالدال عَلَيْهِ أَمر معنوي: أَعنِي كَون الْجِنْس برمتِهِ للْوَاحِد بَقِي أَن كَونه دلَالَة سكُوت يَقْتَضِي أَن يكون للمسكوت مدْخل فِيهَا، وَهُوَ غير ظَاهر: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: إِن قَوْلنَا الْعَالم زيد إِنَّمَا يدل على الْحصْر لسكوت الْمُتَكَلّم عَن ذكر غير زيد مَعَه، وَعند ذَلِك يتَحَقَّق ثُبُوت الْجِنْس برمتِهِ لزيد، وَيرد عَلَيْهِ أَنكُمْ حكمتم فِي آيَة للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين بِأَن دلالتها على زَوَال ملك المُهَاجر إِشَارَة، وَكَذَا فِي جَوَاز الإصباح جنبا فِي آيَة - {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} - وَلَا فرق بَين الْحصْر الْمَذْكُور وَبَينهمَا، وَيُمكن أَن يفرق بمدخلية السُّكُوت وَعدمهَا فَتَأمل، وَقَوله ثُبُوت الْجِنْس مُبْتَدأ خَبره ينتفى، وبرمته حَال عَن الْجِنْس، وبالضرورة مُتَعَلق بينتفى، وَيُمكن أَن يَجْعَل جملتين بِأَن يكون لوَاحِد خبر ثُبُوت الْجِنْس، وَضمير ينتفى للْجِنْس، واختلافهما اسمية وفعلية اقْتضى الْفَصْل، وَفِيه بعد (وتكرر من الْحَنَفِيَّة مثله) أَي مثل القَوْل بالحصر الْمَذْكُور مِنْهَا (فِي نفي الْيَمين عَن الْمُدَّعِي بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالْيَمِين على من أنكر) فِي الْهِدَايَة جعل جنس الْإِيمَان على المنكرين، وَلَيْسَ وَرَاء الْجِنْس شَيْء انْتهى (وَغَيره) أَي وَفِي غير نفي الْيَمين (والتشكيك) فِي إِفَادَة نَحْو الْعَالم زيد الْحصْر (بتجويز كَونه) أَي الْجِنْس (لوَاحِد) كزيد

التقسيم الثاني

(وَلآخر) كعمرو وَعدم كَونه برمتِهِ لوَاحِد (غير مَقْبُول) بعد التَّمَسُّك بِاسْتِعْمَال الفصحاء (وَقد حكى نَفْيه) أَي نفي الْحصْر الْمَذْكُور (وإثباته مفهوما ومنطوقا) فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب (واستبعد) إثْبَاته منطوقا (لعدم النُّطْق بالنافي) أَي إِنَّمَا يدل على نفي الْعلم عَن غير زيد مثلا (وَعلمت فِي إِنَّمَا أَن لَا أثر لَهُ) أَي لعدم النُّطْق بالنافي الْمَعْهُود كَمَا وَلَا بعد وجود مُوجب الِانْتِقَال من وضع إِنَّمَا لمجموع النَّفْي وَالْإِثْبَات (بل وَجهه) أَي وَجه هَذَا الاستبعاد (عدم لفظ يتَبَادَر مِنْهُ) النَّفْي أَو الْمَجْمُوع بِاعْتِبَارِهِ (لِأَن اللَّام) فِي الْعَالم زيد (للْعُمُوم) وشمول اللَّفْظ بِجَمِيعِ أَفْرَاد الْمُسَمّى (فَقَط) فَلَيْسَ النَّفْي جُزْء مفهومها، لكنه يلْزم لما ذكره بقوله (فَإِنَّمَا يثبت) النَّفْي عَن الْغَيْر حَال كَونه (لَازِما لإثباته) أَي إِثْبَات الْجِنْس برمتِهِ لوَاحِد، أَو لإِثْبَات النَّفْي الْمَذْكُور وَالْإِضَافَة بِأَدْنَى مُلَابسَة (بِخِلَاف إِنَّمَا) فَإِنَّهُ يتَبَادَر مِنْهُ النَّفْي كالإثبات (وَمَا نسب إِلَى المنطقيين من جعلهم إِيَّاه) أَي ذَا اللَّام الَّتِي للْعُمُوم (جزئيا) أَي غير مُسْتَغْرق لأفراده لعدم اعتبارهم اللَّام سور الْكُلية (يَنْفِيه) خبر الْمَوْصُول، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب لَهُ، وَالْمَرْفُوع قَوْله (مَا حقق) فِي الْمنطق (من أَن السُّور مَا دلّ على كمية) أَفْرَاد (الْمَوْضُوع) كلا أَو بَعْضًا، وَلَا شكّ أَن اللَّام تدل (فذو اللَّام مسور بسور الْكُلية) فَهِيَ كلفظة كل. التَّقْسِيم الثَّانِي من التقسيمات الْمَذْكُورَة فِي عنوان هَذَا الْفَصْل (بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته) أَي اللَّفْظ الْمُفْرد ومراتبها فِي الظُّهُور (إِلَى ظَاهر وَنَصّ ومفسر ومحكم) مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره التَّقْسِيم الثَّانِي تَقْسِيم اللَّفْظ بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته إِلَى ظَاهر وَكَذَا وَكَذَا (فمتأخروا الْحَنَفِيَّة) أَي فَقَالَ متأخروهم (مَا ظهر مَعْنَاهُ الوضعي) قد عرفت أَن الوضعي مَا للوضع مدْخل فِيهِ، فَدخل الْمَعْنى الْمجَازِي أَيْضا (بِمُجَرَّدِهِ) أَي ظهر وَفهم من غير خَفَاء بِمُجَرَّد سَماع اللَّفْظ، ظَاهر هَذِه الْعبارَة خُرُوج الْمجَاز، لِأَن ظُهُور مَعْنَاهُ بِالْقَرِينَةِ لَا بِمُجَرَّد اللَّفْظ، لَكِن لَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِمُجَرَّد اللَّفْظ مَعَ مَا لَا بُد مِنْهُ فِي دلَالَته من غير احْتِيَاج إِلَى أَمر مُسْتَقْبل من كَلَام أَو دَلِيل عَقْلِي، وَأما الْقَرِينَة فَهِيَ كَالْعلمِ بِالْوَضْعِ فِي فهم الْمَوْضُوع لَهُ من اللَّفْظ. قَالَ ابْن الْحَاجِب: مَا دلّ دلَالَة ظنية، أما بِالْوَضْعِ كالأسد، أَو بِالْعرْفِ كالغائط انْتهى، وَفسّر القَاضِي مُرَاده بقوله كالأسد للحيوان، وَأما بعرف الِاسْتِعْمَال كالغائط للْخَارِج المستقذر، وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ هَهُنَا: وَظَاهر كَلَام المُصَنّف رَحمَه الله أَن قَوْلنَا إِمَّا بِالْوَضْعِ أَو بِالْعرْفِ من تَمام الْحَد احْتِرَازًا بِهِ عَن الْمجَاز، وَبِه صرح الْآمِدِيّ

رَحمَه الله (مُحْتملا) لغير مَعْنَاهُ الظَّاهِر احْتِمَالا مرجوحا (إِن لم يسق) الْكَلَام (لَهُ) أَي لمعناه (أَي لَيْسَ) مَعْنَاهُ (الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ من اسْتِعْمَاله) فاسم لَيْسَ ضمير الْمَعْنى وَخَبره الْمَقْصد، قَيده بالأصلي لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد نفى كَونه مَقْصُودا مُطلقًا، وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُود بقوله كَمَا سنذكر عِنْد تَعْمِيم الْمَقْصد الْأَصْلِيّ وَغَيره فِي عبارَة المُصَنّف رَحمَه الله (فَهُوَ) أَي اللَّفْظ (بِهَذَا الِاعْتِبَار) أَي بِاعْتِبَار ظُهُور مَعْنَاهُ الوضعي بِمُجَرَّدِهِ إِلَى آخِره (الظَّاهِر) أَي يُسمى بِهِ، وَوجه التَّسْمِيَة ظَاهر (وَبِاعْتِبَار ظُهُور مَا سيق لَهُ مَعَ احْتِمَال التَّخْصِيص والتأويل النَّص) احْتِمَال التَّخْصِيص فِيمَا إِذا كَانَ عَاما، وَأما التَّأْوِيل فَهُوَ يتَحَقَّق فِي الْعَام وَالْخَاص فَلَا وَجه لتخصيص الشَّارِح إِيَّاه بالخاص، والتأويل من أولت الشَّيْء صرفته ورجعته، وَهُوَ اعْتِبَار دَلِيل يصير الْمَعْنى بِهِ أغلب على الظَّن من الْمَعْنى الظَّاهِر، وَالنَّص من نصصت الشَّيْء رفعته، سمى بِهِ لارتفاعه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظَّاهِر (وَيُقَال) النَّص (أَيْضا لكل) شَيْء (سَمْعِي) أَي لكل لفظ سمع من الشَّارِع سَوَاء كَانَ ظَاهرا أَولا (وَمَعَ عدم احْتِمَاله غير النّسخ الْمُفَسّر) التَّفْسِير مُبَالغَة الفسر: وَهُوَ الْكَشْف، فيراد بِهِ كشف لَا شُبْهَة فِيهِ، وَلِهَذَا يحرم التَّفْسِير بِالرَّأْيِ دون التَّأْوِيل لِأَنَّهُ الظَّن بالمراد، وَحمل الْكَلَام على غير الظَّاهِر بِلَا جزم فيقبله الظَّاهِر وَالنَّص، لِأَن الظَّاهِر يحْتَمل غير المُرَاد احْتِمَالا بَعيدا، وَالنَّص يحْتَملهُ احْتِمَالا أبعد دون الْمُفَسّر، لِأَنَّهُ لَا يحْتَملهُ أصلا: غير أَنه يحْتَمل أَن ينْسَخ (وَيُقَال) الْمُفَسّر (أَيْضا ل) كل (مَا بَين) المُرَاد مِنْهُ (بقطعي مِمَّا فِيهِ خَفَاء من الْأَقْسَام الْآتِيَة) للفظ بِاعْتِبَار خَفَاء مَعْنَاهُ الوضعي، والمشكل مَا عدا الْمُتَشَابه مِنْهَا كَمَا هُوَ الْمُخْتَار من أَن الْمُتَشَابه لَا يلْحقهُ الْبَيَان فِي هَذِه الدَّار، وَهُوَ الْخَفي والمشكل والمجمل وَاعْترض الشَّارِح على المُصَنّف بِمَا حَاصله أَن كَلَام المُصَنّف يدل على أَن بَين الْمَعْنيين عُمُوما من وَجه لاجتماعهما فِيمَا لَا يحْتَمل إِلَّا النّسخ، وَقد كَانَ لَهُ خَفَاء أزيل بقطعي، وافتراق الأول عَن الثَّانِي فِي غير مُحْتَمل لم يكن لَهُ خَفَاء أزيل بقطعي: وَهُوَ يحْتَمل غير النّسخ، وَكَلَام فَخر الْإِسْلَام على خِلَافه حَيْثُ قَالَ: وَأما الْمُفَسّر فَمَا ازْدَادَ وضوحا على النَّص: سَوَاء كَانَ بِمَعْنى فِي النَّص أَو بِغَيْرِهِ بِأَن كَانَ مُجملا فَلحقه بَيَان قَاطع فانسد بَاب التَّأْوِيل والتخصيص انْتهى، لِأَنَّهُ يدل على أَن لَهُ معنى وَاحِدًا يعم مَا لَا يحْتَمل من الأَصْل، وَمَا لَا يحْتَمل بعد الْبَيَان، وَكَذَا يدل على خِلَافه على مَا فِي الْمِيزَان من أَن الْمُفَسّر كَمَا يَقع على مَا كَانَ مَكْشُوف المُرَاد من الأَصْل بِأَن لَا يحْتَمل إِلَّا وَجها وَاحِدًا يَقع على الْمُشْتَرك والمشكل والمجمل الَّذِي صَار مُرَاد الْمُتَكَلّم مِنْهُ مَعْلُوما للسامع بِوَاسِطَة انْقِطَاع الِاحْتِمَال والإشكال انْتهى وَأَنت خَبِير بِأَن المُصَنّف رَحمَه الله لم يُصَرح بِالنِّسْبَةِ بَين الْمَعْنيين، وَكَلَام الْمَتْن مُوَافق لما فِي الْمِيزَان، فَإِنَّهُ وَإِن لم يُصَرح بِكَوْنِهِ مَكْشُوف المُرَاد من الأَصْل، لكنه يفهم من قرينَة التقابل وَكَونه من أَقسَام ظَاهر

الدّلَالَة، وَلَا مَحْظُور فِي أَن يُخَالف فَخر الْإِسْلَام إِذا وَافق غَيره على أَنه يجوز أَن فَخر الْإِسْلَام لما رأى أَن لفظ الْمُفَسّر يسْتَعْمل تَارَة فِي هَذَا، وَتارَة فِي ذَاك جعله بِإِزَاءِ مَا يعمهما اصْطِلَاحا مِنْهُ وَلَا مشاحه فِيهِ (وان) بَين المُرَاد بِمَا فِيهِ خَفَاء من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة (بظني) كَخَبَر الْوَاحِد وَبَعض الأقيسة (فمؤول) ذكره تَقْرِيبًا وتتميما لبَيَان مَا بَين مِنْهُ المُرَاد (وَمَعَ عَدمه) أَي عدم اعْتِبَار ظُهُور مَا سيق لَهُ مَعَ عدم احْتِمَال غير النّسخ وَمَعَ عدم احْتِمَاله، وَيفهم هَذَا من سِيَاق الترقي من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، وَيحْتَمل أَن يرجع ضمير عَدمه إِلَى مُطلق الِاحْتِمَال، وبنفي الْمُطلق يحصل الْمَقْصُود (فِي زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَيده بذلك الزَّمَان، لِأَن احْتِمَاله لَا يتَصَوَّر بعد مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لانْقِطَاع الْوَحْي، فَجَمِيع السمعيات مُتَسَاوِيَة فِي عدم احْتِمَاله كَمَا سَيذكرُهُ (الْمُحكم) وَلَا يخفى وَجه التَّسْمِيَة وَهُوَ (حَقِيقَة عرفية) مُخْتَصَّة بالأصوليين (فِي الْمُحكم لنَفسِهِ) وَهُوَ مَا لَا يحْتَمل النّسخ لَا فِي زَمَانه وَلَا فِي غَيره: كالآيات الدَّالَّة على وجود الصَّانِع ووحدانيته وَسَائِر صِفَاته، وعَلى الْأَخْبَار عَمَّا كَانَ أَو سَيكون عِنْد الْجُمْهُور لِامْتِنَاع التَّغَيُّر فِي مدلولاتها وَلُزُوم الْكَذِب (وَالْكل) من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة وَغَيرهَا من السمعيات (بعده) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مُحكم لغيره) وَهُوَ انْقِطَاع الْوَحْي فَإِن قلت قَوْله الْكل يَشْمَل الْمُحكم لنَفسِهِ أَيْضا قلت فليشمل، غَايَة الْأَمر لُزُوم كَونه محكما لنَفسِهِ وَغَيره (يلْزمه) أَي لفظ الْمُحكم عِنْد إِطْلَاقه على الْمُحكم لغيره أَو يلْزم الْمُحكم لغيره عِنْد إِطْلَاق لفظ الْمُحكم عَلَيْهِ (التَّقْيِيد) بِقَيْد لغيره (عرفا) أصوليا تمييزا بَين الصِّنْفَيْنِ فِي اللَّفْظ بعد اشتراكهما فِي الْمَعْنى اللّغَوِيّ: وَهُوَ الإتقان والإحكام الْمنَافِي للتغيير والتبديل وَإِنَّمَا لزم التَّقْيِيد فِي الثَّانِي، لِأَن الأول أكمل فِي معنى الإحكام فَيَنْصَرِف الْمُطلق إِلَيْهِ، ثمَّ قبل زِيَادَة الوضوح فِي النَّص على الظَّاهِر بِكَوْنِهِ مسوقا لَهُ، وَفِي الْمُفَسّر بِكَوْنِهِ لَا يحْتَمل التَّأْوِيل والتخصيص، وَأما فِي الْمُحكم فَغير ظَاهر، لِأَن عدم احْتِمَال النّسخ لَا يُؤثر فِي زِيَادَة الوضوح فِي النَّص على الظَّاهِر بِكَوْنِهِ، وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِزِيَادَة الوضوح فِيهِ لازمها وَهُوَ زِيَادَة الْقُوَّة، ثمَّ إِذا كَانَت الْأَقْسَام متمايزة بقيود متباينة (فَهِيَ متباينة) هَذَا على مَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْمُتَأَخِّرين، فَيشْتَرط فِي الظَّاهِر عدم السُّوق، وَفِي النَّص احْتِمَال التَّخْصِيص والتأويل: أَي أَحدهمَا، وَفِي الْمُفَسّر احْتِمَال النّسخ، وَأما مُقْتَضى كَلَام الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ أَن الْمُعْتَبر فِي الظَّاهِر ظُهُور المُرَاد سَوَاء سيق لَهُ أَولا، وَفِي النَّص السُّوق احْتمل أَولا، وَفِي الْمُفَسّر عدم احتمالهما احْتمل النّسخ أَولا على مَا سَيَجِيءُ (وَلَا يمْتَنع الِاجْتِمَاع) أَي اجْتِمَاع قسمَيْنِ مِنْهَا فَأكْثر (فِي لفظ) وَاحِد (بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سيق إِلَيْهِ وَعَدَمه) عطف على الْمَوْصُول وَالضَّمِير لَهُ، فَالْمُرَاد بِعَدَمِهِ مَا لم يسق لَهُ من بَاب ذكر اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم مَعَ ظُهُور الْقَرِينَة، وَيجوز أَن يكون عَدمه على صِيغَة الْمَاضِي، من

قَوْلهم عَدمه إِذا لم يجده، فَيكون مَعْطُوفًا على صلَة الْمَوْصُول، وَالضَّمِير للسوق فَتدبر وَلَا تدافع بَين إِمْكَان الِاجْتِمَاع وَلُزُوم التباين بَين الْأَقْسَام، لِأَن ذَلِك بِاعْتِبَار الْمَعْنى الْوَاحِد، وَهَذَا بِاعْتِبَار الْمَعْنيين (كَمَا تفيده الْمثل، {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} بدل الْبَعْض من الْمثل بِغَيْر عَائِد إِلَى الْمُبدل للْعلم الْوَاضِح ببعضيته مِنْهَا (ظَاهر) أَي النَّص الْمَذْكُور ظَاهر (فِي الْإِبَاحَة وَالتَّحْرِيم إِذا لم يسق لذَلِك) أَي الْإِبَاحَة وَالتَّحْرِيم (نَص) خبر بعد خبر (بِاعْتِبَار) معنى مَفْهُوم مِنْهُ (خَارج) عَن منطوقه (هُوَ) أَي ذَلِك الْخَارِج (رد تسويتهم) المفهومة من قَوْلهم إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا، فَمَا وضع لَهُ اللَّفْظ غير مسوق لَهُ ولازمه الْمَدْلُول التزاما هُوَ المسوق لَهُ {فانكحوا مَا طَابَ لكم} الْآيَة) أَي مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع (ظَاهر فِي الْحل) أَي فِي حل أصل النِّكَاح، لِأَن الْأَمر للْإِبَاحَة (نَص بِاعْتِبَار) معنى (خَارج) عَن الْمُسَمّى (هُوَ قصره) أَي النِّكَاح أَو التناكح (على الْعدَد) الْمَذْكُور (إِذْ السُّوق لَهُ) أَي الْعدَد أَو الْقصر عَلَيْهِ، إِذْ الْحل قد كَانَ مَعْلُوما قبل نُزُولهَا، يُؤَيّد ذَلِك ذكره بعد خوف الْجور، وَترك الْعدْل فِي الْيَتَامَى الْمَدْلُول بقوله تَعَالَى - {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى} -، فَكَأَنَّهُ يَقُول: اتْرُكُوا زواج الْيَتَامَى عِنْد خوف ذَلِك، فَإِن لكم سَعَة فِي غَيْرهنَّ إِلَى هَذَا الْحَد (فيجتمعان) أَي القسمان كَالظَّاهِرِ، وَالنَّص (دلَالَة) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الْفِعْل إِلَى فَاعله، يَعْنِي اجْتِمَاع الدلالتين كَيفَ، وَإِلَّا فالدال وَاحِد لَا يتَصَوَّر فِيهِ الِاجْتِمَاع إِلَّا باعتبارها (ثمَّ الْقَرِينَة تعين المُرَاد بِالسوقِ) فَلَا يشْتَبه على الْمُخَاطب بِسَبَب اجْتِمَاع الدلالتين (وَهُوَ) أَي المُرَاد بِالسوقِ الْمَدْلُول (الالتزامي) فِيمَا تقدم من المثالين (فيراد) الْمَعْنى (الآخر) الَّذِي هُوَ ملزوم ذَلِك الالتزامي معنى (حَقِيقِيًّا) للفظ لكَونه مُسَمَّاهُ (لَا) يُرَاد معنى (أَصْلِيًّا) مَقْصُودا بِالسوقِ (أَعنِي) بِالْآخرِ الْحَقِيقِيّ الْمَعْنى (الظَّاهِرِيّ، وَيصير الْمَعْنى النصي مدلولا التزاميا لمجموع الظاهرين) فِي قَوْله تَعَالَى - {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} -، فَعلم أَن النَّص قد يكون مركبا من جملتين، فَلَا يَنْبَغِي تَقْيِيد الْمقسم بالأفراد (وَمِثَال انْفِرَاد النَّص) عَن الظَّاهِر قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} لكَون مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ هُوَ المسوق لَهُ واحتماله التَّخْصِيص بِمَا عدا الصّبيان والمجانين (وكل لفظ سيق لمفهومه) الْحَقِيقِيّ الْمُحْتَمل للتخصيص أَو التَّأْوِيل الظَّاهِر مُرَاده بِمُجَرَّدِهِ مَعْطُوف على خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي يَا أَيهَا النَّاس إِلَى آخِره و (أما الظَّاهِر فَلَا ينْفَرد) عَن النَّص (إِذْ لَا بُد) فِي كل أَمر تحقق فِيهِ ظَاهر (من أَن يساق اللَّفْظ لغَرَض) وَيمْتَنع خلو الْكَلَام عَن مَقْصُود أُصَلِّي يساق لَهُ، فَإِن كَانَ مُسَمَّاهُ لم يكن هُنَاكَ غير النَّص، وَإِن كَانَ غَيره لم ينْفَرد الظَّاهِر عَنهُ (ومثلوا) أَي الْمُتَأَخّرُونَ (الْمُفَسّر كالمتقدمين) أَي كَمَا مثل المتقدمون بقوله تَعَالَى {فَسجدَ الْمَلَائِكَة} الْآيَة، ويلزمهم) أَي

الْمُتَأَخِّرين على مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من اعْتِبَار التباين بَين الْأَقْسَام، وَاحْتِمَال النّسخ فِي الْمُفَسّر (أَن لَا يَصح) تمثيلهم هَذَا (لعدم احْتِمَال النّسخ) لكَونه من الْأَخْبَار (وثبوته) أَي احْتِمَال النّسخ (مُعْتَبر) فِي الْمُفَسّر (للتباين) الْمُعْتَبر بَين الْأَقْسَام على رَأْيهمْ (فَإِنَّمَا يتَصَوَّر الْمُفَسّر) أَي تحَققه بعد احْتِمَال النّسخ فِيهِ (فِي مُفِيد حكم) أَي فِي لفظ يُفِيد حكما شَرْعِيًّا ليمكن نسخه (بِخِلَاف الْمُحكم) فَإِنَّهُ يتَحَقَّق فِي الْأَخْبَار أَيْضا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَالله بِكُل شَيْء عليم}، لِأَنَّهُ) أَي شَرط الْمُحكم بِتَقْدِير الْمُضَاف (نَفْيه) أَي نفي الِاحْتِمَال النّسخ، وَالنَّفْي مُتَحَقق فِي الْأَخْبَار (وَالْأولَى) أَن يذكر فِي تَمْثِيل الْمُحكم (نَحْو) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْجِهَاد مَاض) مُنْذُ بَعَثَنِي الله إِلَى أَن يُقَاتل آخر أمتِي الدَّجَّال لَا يُبطلهُ جور جَائِر، وَلَا عدل عَادل: مُخْتَصر من حَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد، وَجه الْأَوْلَوِيَّة أَن قصد الأصولي بِالذَّاتِ نَحْو بَيَان أَنْوَاع مَا يدل على الحكم الشَّرْعِيّ. (و) قَالَ (المتقدمون) من الْحَنَفِيَّة (الْمُعْتَبر فِي الظَّاهِر ظُهُور) الْمَعْنى (الوضعي بِمُجَرَّدِهِ) أَي بِمُجَرَّد اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ، وَقد مر بَيَانه (سيق لَهُ أَولا) أَي سَوَاء سيق اللَّفْظ لذَلِك الوضعي أَولا (و) الْمُعْتَبر (فِي النَّص ذَلِك) أَي الظُّهُور المتحقق فِي ضمن السُّوق وَعَدَمه (مَعَ ظُهُور مَا سيق لَهُ) إِذا كَانَ مَا سيق لَهُ غير مَعْنَاهُ الوضعي كآية الرِّبَا، وَعدد النِّسَاء (احْتمل التَّخْصِيص والتأويل أَولا، وَفِي الْمُفَسّر) الْمُعْتَبر (عدم الِاحْتِمَال) لَهما مَعَ ظُهُور مَعْنَاهُ الوضعي والمسوق لَهُ سَوَاء (احْتمل النّسخ أَولا و) الْمُعْتَبر (فِي الْمُحكم عَدمه) أَي احْتِمَال النّسخ مَعَ ظُهُور مَا ذكر، وَعدم احْتِمَال التَّخْصِيص (فَهِيَ) أَي الْأَقْسَام (متداخلة) لكَون الأول يعم الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة، وَالثَّانِي الباقيين، وَالثَّالِث وَالرَّابِع (وَقَول فَخر الْإِسْلَام فِي الْمُفَسّر إِلَّا أَنه يحْتَمل النّسخ سَنَد للمتأخرين فِي اعتبارهم (التباين) بَينهمَا، لِأَنَّهُ لَا وَجه لاعْتِبَار التباين بَين الْمُفَسّر والمحكم دون غَيرهمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ لَا فصل بَين الْأَقْسَام) فِي اعْتِبَار التباين وَعَدَمه (وَبِه) أَي بقول فَخر الْإِسْلَام هَذَا (يبعد نفي) اعْتِبَار (التباين) بَين الْأَقْسَام (عَن كل الْمُتَقَدِّمين) لِأَن الظَّاهِر عدم مُخَالفَته كلهم (وَلعدم) اعْتِبَار (التباين) بَينهَا (مثلُوا) أَي المتقدمون (الظَّاهِر) أَي صوروه بقوله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا}، الزَّانِي) بِحَذْف العاطف أَو بسردهما على طَرِيق التعداد، وَيُؤَيّد الأول ذكره العاطف فِي قَوْله (وَالسَّارِق وبالأمر) بِإِظْهَار الْبَاء فِي الْمُقدر فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِشَارَة إِلَى كَون الْأَمر (وَالنَّهْي) بِاعْتِبَار كثرتهما متميزين عَن الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة (مَعَ ظهورما) أَي معنى (سيق لَهُ) كل وَاحِد من الْمَذْكُورَات: أَي مثلُوا بهَا مَعَ علمهمْ بِكَوْنِهَا نصوصا بِاعْتِبَار مَعَانِيهَا الظَّاهِرِيَّة لكَونهَا مسوقا لَهَا، فَعلم أَن الْمُعْتَبر فِي الظَّاهِر عِنْدهم ظُهُور الْمَعْنى سَوَاء كَانَ مسوقا لَهُ أَولا، فَالظَّاهِر أَعم من النَّص لَا مباين لَهُ

(وَاقْتصر بَعضهم) أَي الْمُتَقَدِّمين (فِي) تَمْثِيل (النَّص) على إِبَاحَة الْعدَد (على) ذكر (مثنى إِلَى رباع) وَلم يذكر - فانكحوا إِلَى مثنى -، وَفِي تَمْثِيل النَّص على التَّفْرِقَة بَين البيع والربا على مَا ذكر حرم الرِّبَا ظنا مِنْهُ أَن النَّص إِنَّمَا هُوَ مثنى وَثَلَاث وَربَاع فِي الأول، (وَحرم الرِّبَا) فِي الثَّانِيَة (وَالْحق أَن كلا من انكحوا، وَاسم الْعدَد لَا يسْتَقلّ نصا إِلَّا بملاحظة الآخر) وَكَذَا كل من أحل الله البيع، وَمن حرم الرِّبَا لَا يسْتَقلّ نصا على التَّفْرِقَة إِلَّا بملاحظة الآخر (فالمجموع) هُوَ (النَّص) وَذَلِكَ لِأَن التَّنْصِيص على عدد معِين بِاعْتِبَار حكم خَاص لَا يحصل بِمُجَرَّد ذكر الْعدَد من غير ذكر الْمَعْدُود وَالْحكم، وَكَذَا التَّنْصِيص على الْفرق لَا يحصل إِلَّا بِمُجَرَّد حُرْمَة الرِّبَا بِدُونِ ذكر حل البيع. (و) قَالَت (الشَّافِعِيَّة الظَّاهِر مَا) أَي لفظ (لَهُ دلَالَة ظنية) ناشئة (عَن وضع) كالأسد للحيوان المفترس، وعَلى هَذَا فالنص مَا دلّ دلَالَة قَطْعِيَّة (أَو عرف) كالغائط للْخَارِج المستقذر إِذا غلب فِيهِ بعد أَن كَانَ فِي الأَصْل للمكان المطمئن من الأَرْض (وَإِن كَانَ) الدَّال الْمَذْكُور (مجَازًا بِاعْتِبَار اللُّغَة) يَعْنِي أَن لفظ الْغَائِط كَانَ فِي اللُّغَة مَوْضُوعا بِإِزَاءِ الْمَكَان المطمئن الَّذِي هُوَ مَحل عَادَة للْخَارِج المستقذر، وَبِاعْتِبَار هَذِه العلاقة كَانَ يسْتَعْمل فِيهِ مجَازًا، ثمَّ صَار لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فِيهِ مَوْضُوعا عرفا، فَإِن اسْتعْمل فِيهِ بِاعْتِبَار الْوَضع الْعرفِيّ كَانَ حَقِيقَة، وَإِن بنى التخاطب فِيهِ على الْوَضع اللّغَوِيّ وَاسْتعْمل فِيهِ بِاعْتِبَار تِلْكَ العلاقة كَانَ مجَازًا لغويا، وَقَوله عَن الخ إِن كَانَ من تَمام الْحَد لزم خُرُوج الْمجَاز عَن التَّعْرِيف وَإِن كَانَ إِشَارَة إِلَى التَّقْسِيم بعد تَمام الْحَد لم يلْزم، غير أَن التَّقْسِيم حِينَئِذٍ لَا يكون حاصرا، (ويستلزم) كَونه ظَنِّي الدّلَالَة أَن يحْتَمل (احْتِمَالا مرجوحا) غير الْمَعْنى الظَّاهِرِيّ، وَإِلَّا لزم كَونه قَطْعِيّ الدّلَالَة على الْمَعْنى الظَّاهِرِيّ (وَهُوَ قسم من النَّص عِنْد الْحَنَفِيَّة) أَي الَّذِي هُوَ ظَاهر عِنْد الشَّافِعِيَّة قسم مِمَّا هُوَ نَص عِنْد الْحَنَفِيَّة، فالظرف مُتَعَلق بِمَا يُسْتَفَاد من قَوْله من النَّص، وَالْمعْنَى من الْمُسَمّى بِالنَّصِّ عِنْدهم، وَيجوز أَن يكون ظرفا لكَون الظَّاهِر قسما مِنْهُ، ومآلهما وَاحِد وَلما كَانَ يتَّجه هَهُنَا سُؤال، وَهُوَ أَن مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ ظنا قد لَا يكون مسوقا لَهُ وَلَا ظَاهرا مِنْهُ بِمُجَرَّدِهِ، وهما معتبران فِي النَّص عِنْد الْحَنَفِيَّة مَعَ الدّلَالَة الظنية، فَكل نَص دَال ظنا من غير عكس، فالدال ظنا أَعم من النَّص، وَكَيف يكون الْأَعَمّ قسما من الْأَخَص؟ أَرَادَ تَقْيِيد الْأَعَمّ بِمَا يُسْتَفَاد من قَوْله (وَهُوَ) أَي مَاله دلَالَة ظنية (مَا) أَي لفظ (كَانَ سوقه لمفهومه) وَلَا شكّ أَن النَّص كَمَا يكون سوقه لمفهومه كَذَلِك يكون لغير مَفْهُومه كآية الرِّبَا وَالسَّرِقَة، وَالْجُمْلَة إِمَّا حَال عَن قَوْله هُوَ، أَو مستأنفة لبَيَان الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بالقسمية، وَهَذَا على رَأْي الْمُتَقَدِّمين، وَأما على رَأْي الْمُتَأَخِّرين فالنص اعْتبر فِيهِ احْتِمَال التَّخْصِيص والتأويل،

فَالظَّاهِر بعد التَّقْيِيد الْمَذْكُور يكون أَيْضا أخص مِنْهُ إِلَّا أَن مَادَّة الِافْتِرَاق حِينَئِذٍ تَنْحَصِر فِيمَا سيق لغير مَفْهُومه، بِخِلَاف الأول، فَإِن الْمُفَسّر والمحكم كَذَلِك فِي مَادَّة الِافْتِرَاق فَإِن قلت هَل يجوز إرجاع الْمَرْفُوع الثَّانِي إِلَى النَّص قلت لَا، لِأَنَّهُ يلْزم حِينَئِذٍ كَون الظَّاهِر على إِطْلَاقه قسما من النَّص لعدم مَا يُقَيِّدهُ، مَعَ أَنه مضى تَفْسِيره قَرِيبا، وَلَا يحْتَاج إِلَى التَّفْسِير ثَانِيًا، وَلَيْسَ من دأب المُصَنّف مثل هَذَا التّكْرَار ثمَّ لما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة أَن يُقَال كَيفَ يكون ظَاهر الشَّافِعِيَّة قسما من نَص الْحَنَفِيَّة مَعَ تصريحهم بقطعية دلَالَة النَّص أَفَادَ أَن لَا مُنَافَاة بَينهمَا بقوله (وَإِن اخْتلفُوا) أَي الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (فِي قَطْعِيَّة دلَالَته) أَي النَّص (وظنيتها) أَي دلَالَته، ثمَّ أَفَادَ وَجه التَّوْفِيق بقوله (وَالْوَجْه أَنه) أَي الْخلاف والنزاع الْمَذْكُور (لَفْظِي) أَي مَنْسُوب إِلَى اللَّفْظ بِاعْتِبَار مَا يُوهم ظَاهره، وَلَا خلاف فِي الْمَعْنى لعدم اتِّحَاد مورد الْقطع وَالظَّن (فالقطعية) الَّتِي ذكرهَا الْحَنَفِيَّة (للدلالة) أَي لدلَالَة هَذَا الْقسم من النَّص على مَعْنَاهُ (والظنية) الَّتِي ذكرهَا الشَّافِعِيَّة (بِاعْتِبَار الْإِرَادَة) وَأَيْنَ الدّلَالَة من الْإِرَادَة؟ فَإِن دلَالَة اللَّفْظ الْمَوْضُوع على مَعْنَاهُ بعد الْعلم بِالْوَضْعِ لَا تنفك عَنهُ قطعا، بِخِلَاف إِرَادَة مَا وضع لَهُ، فَإِنَّهُ قد يصرف عَنهُ الْقَرِينَة الصارفة إِلَى مَا تعينه الْمعينَة (فَلَا اخْتِلَاف) فِي الْمَعْنى هَذَا، وَيرد عَلَيْهِ أَن القطعية بِاعْتِبَار الدّلَالَة لَا تخص النَّص، بل الظَّاهِر أَيْضا دلَالَة قَطْعِيَّة بالتأويل الْمَذْكُور، وَالِاحْتِمَال بِاعْتِبَار الْإِرَادَة فَتدبر (واستمروا) أَي الشَّافِعِيَّة (على إِيرَاد المؤول قرينا لَهُ) أَي الظَّاهِر، (فَيُقَال الظَّاهِر، والمؤول كالخاص وَالْعَام) أَي كَمَا اسْتمرّ الأصوليون على إِيرَاد الْعَام قرينا للخاص (لإِفَادَة الْمُقَابلَة) بَين الظَّاهِر والمؤول (فَيلْزم فِي الظَّاهِر عدم الصّرْف) أَي لما جعلُوا الظَّاهِر مُقَابلا للمؤول لزم أَن يعْتَبر فِي مَفْهُوم الظَّاهِر عدم الصّرْف عَن مَعْنَاهُ الظَّاهِر تَحْقِيقا للمقابلة، فَإِن الصّرْف عَن الظَّاهِر مُعْتَبر فِي مَفْهُوم المؤول (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر عدم الصّرْف فِي الظَّاهِر (اجْتمعَا) أَي الظَّاهِر والمؤول فِي لفظ وَاحِد، والمتقابلان لَا يَجْتَمِعَانِ، بَيَان الْمُلَازمَة مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (إِذْ المصروف) أَي اللَّفْظ الَّذِي صرف عَن مَعْنَاهُ الَّذِي دلَالَته عَلَيْهِ ظنية إِلَى معنى يحْتَملهُ احْتِمَالا مرجوحا لدَلِيل يَقْتَضِيهِ (لَا تسْقط دلَالَته على) الْمَعْنى (الرَّاجِح) يَعْنِي أَن دلَالَته عَلَيْهِ بعد الصّرْف لم تَتَغَيَّر عَن حَالهَا، لِأَن الصّرْف بِاعْتِبَار الْإِرَادَة فَقَط كَمَا عرفت، وَأما الدّلَالَة وَفهم الْمَعْنى فَلَا يتَصَوَّر أَن يصرف عَنْهَا بعد الْعلم بِالْوَضْعِ (فَيكون) اللَّفْظ المصروف عَن الظَّاهِر (بِاعْتِبَارِهِ) أَي كَونه دَالا على الرَّاجِح (ظَاهرا) لصدق تَعْرِيفه عَلَيْهِ، لَان الْمَفْرُوض عدم اعْتِبَار مَا يحصل بِهِ التقابل فِي الْمَفْهُوم (وَبِاعْتِبَار الحكم بِإِرَادَة) الْمَعْنى (الْمَرْجُوح) الَّذِي يحْتَملهُ احْتِمَالا مرجوحا (مؤوّلا)، وَلَا يعلم أَنه لَا يحصل التباين بَين الْقسمَيْنِ إِلَّا بِاعْتِبَار الصّرْف وجودا وعدما

فِي مفهومهما فَإِن قلت قد سبق أَن ظنية دلَالَة الظَّاهِر عِنْد الشَّافِعِيَّة الْإِرَادَة والمصروف تسْقط دلَالَته على الرَّاجِح من حَيْثُ أَنه مُرَاد قلت المصروف من حَيْثُ ذَاته من غير أَن يُلَاحظ مَعَه الصَّارِف يدل دلَالَة ظنية على أَن الرَّاجِح مُرَاد مِنْهُ، وَمُرَاد المُصَنّف صدق التَّعْرِيف بِهَذَا الِاعْتِبَار، لَا مَعَ مُلَاحظَة الصَّارِف فَإِن قيل لَا بَأْس باجتماع المتقابلين باعتبارين وَإِنَّمَا الْمَحْذُور اجْتِمَاعهمَا بِاعْتِبَار وَاحِد قلت هَذَا إِذا كَانَ التَّقْسِيم اعتباريا، وَأما إِذا كَانَ حَقِيقِيًّا فَلَا بُد أَن لَا يجتمعا أصلا، وَالْأَصْل فِي التَّقْسِيم أَن يكون حَقِيقِيًّا، كَيفَ والتباين بَين أَحْكَام الْأَقْسَام يستدعى التباين بَينهَا؟ نعم تَارَة تَسْتَلْزِم ذَلِك عِنْد الضَّرُورَة كَمَا لزم الْمصير إِلَيْهِ بَين الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة على رَأْي الْمُتَقَدِّمين (وَتقدم المؤول عِنْد الْحَنَفِيَّة) وَهُوَ مَا بَين بظني بِمَا فِيهِ خَفَاء على مَا مر قَرِيبا (وَلَا يُنكر إِطْلَاقه) أَي المؤول (على) اللَّفْظ (المصروف) عَن ظَاهره (أَيْضا أحد) فَاعل لَا يُنكر، فالمؤول لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا مَخْصُوص بالحنفية، وَالْآخر مُشْتَرك بَينهم وَبَين غَيرهم. وَقَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ: إِن التَّأْوِيل احْتِمَال يعضده دَلِيل يصير بِهِ أغلب على الظَّن من الْمَعْنى الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الظَّاهِر، وَفِيه مُسَامَحَة لِأَن التَّأْوِيل إِنَّمَا هُوَ الْحمل على الِاحْتِمَال الْمَرْجُوح، لَا نَفسه فَإِنَّهُ شَرطه، إِذْ لَا يَصح حمل اللَّفْظ على مَا لَا يحْتَملهُ، وَيرد على عَكسه التَّأْوِيل الْمَقْطُوع بِهِ، وَيُمكن دَفعه بِأَنَّهُ اكْتفى بِذكر الْأَدْنَى، فَيعلم الْأَعْلَى بِالطَّرِيقِ الأولى إِلَّا أَنه ذكر الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَن التَّأْوِيل ظن بالمراد، وَالتَّفْسِير قطع بِهِ، ثمَّ هَذَا هُوَ التَّأْوِيل الصَّحِيح، وَأما التَّأْوِيل الْفَاسِد فَهُوَ حمله على الْمَرْجُوح بِلَا دَلِيل، أَو بِدَلِيل مَرْجُوح، أَو مسَاوٍ (وَالنَّص) عِنْد الشَّافِعِيَّة مَا دلّ على معنى (بِلَا احْتِمَال) لغيره، وَلذَا فسروه بِمَا دلّ دلَالَة قَطْعِيَّة، فَإِن عدم احْتِمَال الْغَيْر يستدعى الْقطع فَهُوَ (كالمفسر عِنْد الْحَنَفِيَّة) فِي عدم احْتِمَال معنى آخر، لَا من كل وَجه فَلَا يرد أَن ظُهُور الْمَعْنى والسوق لَهُ مُعْتَبر فِيهِ عِنْد الْحَنَفِيَّة، وَالشَّافِعِيَّة لم يعتبروا ذَلِك فِي النَّص (لَا النَّص) عِنْدهم (فَإِنَّهُ) أَي النَّص عِنْدهم (يحْتَمل الْمجَاز باتفاقهم) أَي الْحَنَفِيَّة، ويخرجه الِاحْتِمَال عَن كَونه قَطْعِيّ الدّلَالَة (وَعلمت) من قَوْلنَا: القطعية للدلالة، والظنية بِاعْتِبَار الْإِرَادَة (أَنه) أَي احْتِمَال الْمجَاز (لَا يُنَافِي القَوْل بقطعيته) أَي بقطعية النَّص بِاعْتِبَار الدّلَالَة (وَقد يفسرون) أَي الشَّافِعِيَّة (الظَّاهِر بِمَا لَهُ دلَالَة وَاضِحَة، فالنص قسم مِنْهُ عِنْدهم) أَي الظَّاهِر حِينَئِذٍ. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ لِأَن الدّلَالَة الْوَاضِحَة أَعم من الظنية والقطعية انْتهى، فَيتَّجه أَنه يجوز عدم وضوح الْمَعْنى المُرَاد قطعا، فَكيف بأخصية النَّص مُطلقًا، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ مُجَرّد احْتِمَال فَلَا يصلح للنقض فَتَأمل (والمحكم) عِنْدهم (أَعم يصدق على كل مِنْهُمَا) أَي الظَّاهِر، وَالنَّص (وَلَا يُنَافِي التَّأْوِيل أَيْضا فَهُوَ) أَي الْمُحكم (عِنْدهم) أَي الشَّافِعِيَّة

(مَا استقام نظمه للإفادة وَلَو بِتَأْوِيل) فَإِن المؤول بالتأويل الصَّحِيح قد استقام نظمه للإفادة. وَقَالَ القَاضِي عضد الدّين: الْمُحكم هُوَ المتضح الْمَعْنى سَوَاء كَانَ نصا أَو ظَاهرا، والمتشابه غير المتضح الْمَعْنى، وَمِنْهُم من قَالَ الْمُحكم: مَا استقام نظمه للإفادة وَهُوَ حق، لَكِن مَا يُقَابله من الْمُتَشَابه يكون مَا احْتمل نظمه لعدم الإفادة. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَالظَّاهِر أَن القَوْل باخْتلَاف نظم الْقُرْآن مِمَّا لَا يصدر عَن الْمُسلم، بل الْمُقَابل مَا استقام نظمه لَا للإفادة، فَيكون الْمُحكم مَا انتظم وترتب للإفادة: إِمَّا من غير تَأْوِيل أَو مَعَ التَّأْوِيل، والمتشابه: مَا انتظم وترتب لَا للإفادة، بل للابتلاء وَالْمرَاد بالنظم: اللَّفْظ كَمَا فِي التَّلْوِيح (وَالْحَنَفِيَّة أوعب وضعا للحالات) من قَوْلهم: وعبه، وأوعبه، واستوعبه: أَخذه أجمع، وَقَوله وضعا تَمْيِيز عَن نِسْبَة أوعب إِلَى ضمير الْحَنَفِيَّة، وَقَوله للحالات صلَة الْوَضع، فَالْمَعْنى وضعهم الْأَلْفَاظ الاصطلاحية بِإِزَاءِ الْمعَانِي الْحَاصِلَة من تنوع أَحْوَال الْأَدِلَّة أوعب، وأشمل من وضع الشَّافِعِيَّة لَهَا: نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه قَالَ: وَلذَا كَانَ ê أَقسَام مَا ظهر مَعْنَاهُ أَرْبَعَة متباينة عِنْد الْمُتَأَخِّرين، وَعند الشَّافِعِيَّة لَيْسَ فِي الْخَارِج إِلَّا قِسْمَانِ، لِأَن الْمُحكم أَعم من الظَّاهِر وَالنَّص، وَلَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي ضمن أَحدهمَا وَالْمرَاد من الْحَالَات حَالَة احْتِمَال غير الوضعي، وَحَالَة سوقه لشَيْء من مَفْهُومه أَو غَيره، وَحَالَة عدم سوقه لمفهومه، وَحَالَة عدم احْتِمَال النّسخ واحتماله انْتهى (وَمَوْضِع الِاشْتِقَاق يرجح قَوْلهم فِي الْمُحكم) أَي رِعَايَة الْمُنَاسبَة بَين مَا اشتق مِنْهُ الْأَسَامِي الْمَذْكُورَة ومسمياتها يرجح قَول الْحَنَفِيَّة فِي الْمُحكم، وَقَوله فِي الْمُحكم إِمَّا مُتَعَلق بقَوْلهمْ، وَهُوَ الْأَقْرَب، أَو يرجح، أَو بِمَحْذُوف هُوَ صفة الْمُبْتَدَأ، وَذَلِكَ لِأَن مَا لَا يحْتَمل تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلا وَلَا نسخا كَأَن الْأَحْكَام فِيهِ أتم وأكمل، بِخِلَاف مَا يحْتَمل شَيْئا مِنْهَا. بَقِي أَن المُصَنّف لم يذكر لَهُم الْمُفَسّر، وَفِي الْمَحْصُول أَن لَهُ مَعْنيين: أَحدهمَا مَا احْتَاجَ إِلَى التَّفْسِير، وَقد ورد تَفْسِيره، وَثَانِيهمَا الْكَلَام الْمُبْتَدَأ المستغنى عَن التَّفْسِير لوضوحه انْتهى وَالظَّاهِر أَن المُصَنّف لم يلْتَفت إِلَيْهِ لعدم شهرته عِنْدهم، على أَنه لَا حَاجَة فِيهِ إِلَى ارْتِكَاب اصْطِلَاح مِنْهُم، بل اللُّغَة كَافِيَة فِيهِ. (تَنْبِيه) على تَفْصِيل للتأويل (وقسموا) أَي الشَّافِعِيَّة (التَّأْوِيل إِلَى قريب) من الْفَهم (وبعيد) عَنهُ (ومتعذر) فهمه (غير مَقْبُول) عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (قَالُوا) أَي الشَّافِعِيَّة (وَهُوَ) أَي المعتذر (مَا لَا يحْتَملهُ اللَّفْظ) لعدم وَضعه لَهُ، وَعدم العلاقة بَينه وَبَين مَا وضع لَهُ (وَلَا يخفى أَنه) أَي مَا لَا يحْتَملهُ اللَّفْظ (لَيْسَ من أقسامه) أَي التَّأْوِيل (وَهُوَ) أَي التَّأْوِيل مُطلقًا (حمل الظَّاهِر على الْمُحْتَمل الْمَرْجُوح) على مَا مر فَلَا بُد من الِاحْتِمَال وَلَو مرجوحا (إِلَّا

أَن يعرف) التَّأْوِيل (بِصَرْف اللَّفْظ عَن ظَاهره فَقَط) من غير اعْتِبَار حمله على الْمُحْتَمل فَيصدق عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، ثمَّ أَنهم قَالُوا حمل الظَّاهِر، لِأَن النَّص لَا يحْتَمل التَّأْوِيل عِنْدهم، وَتَعْيِين أحد مدلولي الْمُشْتَرك لَا يُسمى تَأْوِيلا، وَقيد بالمجروح لِأَن مَا يحمل على الرَّاجِح ظَاهر (ثمَّ ذكرُوا من الْبَعِيدَة تأويلات) وَاقعَة (للحنفية) مِنْهَا قَوْلهم (فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لغيلان ابْن سَلمَة الثَّقَفِيّ وَقد أسلم) حَال كَونه (على عشر) من النِّسَاء على مَا كَانُوا عَلَيْهِ من عَادَة الْجَاهِلِيَّة (أمسك أَرْبعا، وَفَارق سائرهن) مقول قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم (أَي ابتدئ نِكَاح أَربع، أَو أمسك الْأَرْبَع الأول) مقول قَوْلهم فِي مقَام التَّأْوِيل تَفْسِيرا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " أمسك إِلَى آخِره " فسروا الْإِمْسَاك بِالْأَمر بابتداء نِكَاح أَربع مِنْهُنَّ على تَقْدِير علمه بِأَنَّهُ تزوجهن بِعقد وَاحِد لفساد نِكَاح الْكل حِينَئِذٍ بِقَرِينَة أَن إمساكهن لَا يجوز بِدُونِهِ، فَإِن الْأَمر بِمَا يتَوَقَّف جَوَازه على شَيْء أَمر بذلك الشَّيْء أَو بإمساك الْأَرْبَع الأول على تَقْدِير علمه بِأَنَّهُ تزوجهن بعقود مُتَفَرِّقَة، لِأَن الْفساد حِينَئِذٍ فِيمَا بعد الْأَرْبَع (فَإِنَّهُ يبعد أَن يُخَاطب بِمثلِهِ) أَي بِمثل هَذَا الْكَلَام المصروف عَن ظَاهره إِلَى مَا يتَوَقَّف فهمه على معرفَة الشرعيات مُخَاطب (متجدد) دُخُوله (فِي الْإِسْلَام بِلَا بَيَان) لما أُرِيد بِهِ، فَإِن الظَّاهِر من الْأَمر بالإمساك اسْتِدَامَة أَربع مِنْهُنَّ: أَي أَربع شَاءَ مَعَ عدم الْقَرِينَة الصارفة عَن الظَّاهِر، لِأَن الْمَفْرُوض عدم معرفَة الْمُخَاطب الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، فَقَوله فَإِنَّهُ إِلَى آخِره تَعْلِيل لبعد التَّأْوِيل، وَقيل فِي تأييد الْبعد مَعَ أَنه لم ينْقل تَجْدِيد فَقَط، لَا مِنْهُ وَلَا من غَيره أصلا مَعَ كَثْرَة إِسْلَام الْكَفَرَة المتزوجين (و) مِنْهَا قَوْلهم فِي (قَوْله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لفيروز الديلمي وَقد أسلم على أُخْتَيْنِ: أمسك أَيَّتهمَا شِئْت) حذف مقولهم لوضوحه: أَي ابتدئ نِكَاح من شِئْت مِنْهُمَا، بِنَاء على فرض علمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتزوجه إِيَّاهَا فِي عقد وَاحِد، لِأَنَّهُ لَو تزوجهما فِي عقدين لبطل نِكَاح الثَّانِيَة فَقَط وَتعين إمْسَاك الأولى. قَالَ الشَّارِح ثمَّ هَذَا اللَّفْظ وَإِن لم يحفظ فقد حفظ مَعْنَاهُ، وَهُوَ " اختر أَيَّتهمَا شِئْت " كَمَا هُوَ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ (أبعد) خبر مَحْذُوف: أَي هَذَا أبعد من الأول، وَذَلِكَ لما فِيهِ من تَفْسِير الْإِمْسَاك بابتداء النِّكَاح وَفرض أَنه تزوجهما فِي عقد وَاحِد، واطلاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك كَمَا فِي التَّأْوِيل الأول من نَحْو مَا ذكر على أحد تقديريه، وَمَا يحذو حذوه على الآخر، وَهُوَ إمْسَاك أَربع مُعينَة لفرض اطِّلَاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنه تزوجهن فِي عُقُود مُتَفَرِّقَة مَعَ زِيَادَة شَيْء آخر هُنَا، وَهُوَ التَّصْرِيح بقوله " أَيَّتهمَا شِئْت " فَإِنَّهُ يدل على أَن التَّرْتِيب غير مُعْتَبر كَذَا ذكرُوا، وَفِيه نظر لِأَن التَّخْيِير الْمُسْتَفَاد من أَيَّتهمَا شِئْت إِذا كَانَ مَبْنِيا على اطِّلَاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنه

تزوجهما فِي عقد وَاحِد لَا يدل على أَن التَّرْتِيب بَينهمَا فِي العقد غير مُعْتَبر فِي جَوَاز إمْسَاك إِحْدَاهمَا بِلَا تَجْدِيد عقد، وَإِنَّمَا كَانَ يدل عَلَيْهِ لَو لم يعلم بذلك، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَال حِينَئِذٍ تخييره فِي تعْيين إِحْدَاهمَا من غير أَن يسْأَل عَن التَّرْتِيب وَعَدَمه دَال على مَا ذكر، وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَون الْأَمر بالإمساك مَبْنِيا على اطِّلَاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بعيد، وَلَا بُد من ارتكابه فِي الحَدِيث الثَّانِي، بِخِلَاف الأول لعدم التَّنْصِيص على تَعْمِيم مُتَعَلق التَّخْيِير فِيهِ، لِأَن قَوْله: أَرْبعا يصلح لِأَن يُرَاد بِهِ أَربع مُعينَة أَو غير مُعينَة، فَكَأَنَّهُ قيل لَهُ: إِن كنت عقدتهن فِي عقد وَاحِد فاختر أَي أَربع شِئْت، أَو فِي عُقُود فالأربع الأول لَا يُقَال كَيفَ يُخَاطب بِمثل هَذَا المتجدد فِي الْإِسْلَام، فَإِن هَذَا الاستبعاد مُشْتَرك بَين الْحَدِيثين، غير أَن الثَّانِي أبعد، لِأَنَّهُ لَا مخلص فِيهِ من فرض الِاطِّلَاع الْمَذْكُور، بِخِلَاف الأول (و) مِنْهَا (قَوْلهم فِي) قَوْله تَعَالَى {فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} فِي كَفَّارَة الظِّهَار (إطْعَام طَعَام سِتِّينَ) مقول لَهُم فِي التَّأْوِيل وَحَاصِله حذف مَا أضيف إِلَيْهِ الْإِطْعَام، وَهُوَ الْمُضَاف إِلَى سِتِّينَ، لِأَن 9 الْإِطْعَام إِذا أضيف إِلَى سِتِّينَ يلْزم اعْتِبَار الْعدَد الْمَخْصُوص، لِأَنَّهُ إِذا أعْطى لوَاحِد طَعَام سِتِّينَ لَا يَصح أَن يُقَال: أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا، بل يَصح أَن يُقَال: أطْعم طَعَام سِتِّينَ مِسْكينا فَإِن قلت كَمَا أَن إِضَافَة الْإِطْعَام إِلَى السِّتين تَسْتَلْزِم اعْتِبَار عدم تحقق الْعدَد كَذَلِك إِضَافَة الطَّعَام إِلَيْهَا يستلزمه، فَلَا يَصح إطْعَام طَعَام سِتِّينَ قلت يُرَاد بِطَعَام سِتِّينَ فِي عرف اللُّغَة مَا يكفيهم، والمدار على الْعرف، وَالْمرَاد بِالْإِطْعَامِ حِينَئِذٍ: الْإِعْطَاء وَالْمعْنَى: فكفارته إِعْطَاء هَذَا الْمِقْدَار من الطَّعَام، فَيجوز أَن يُعْطي لوَاحِد، والداعي إِلَى ارْتِكَاب خلاف الظَّاهِر أَن الْمَقْصُود دفع سِتِّينَ حَاجَة من حاجات الْمَسَاكِين (وحاجة وَاحِد فِي سِتِّينَ يَوْمًا حَاجَة سِتِّينَ) وَالْحمل فِيهِ إِمَّا كَقَوْلِهِم: زيد أَسد، وَالْمعْنَى كحاجة سِتِّينَ فِي حُصُول الْمَقْصُود وَالْعبْرَة بِهِ، وَإِمَّا بِدُونِ الْحَذف بِأَن يكون المُرَاد بحاجة سِتِّينَ مَا يكفيهم كَمَا قُلْنَا فِي طَعَام سِتِّينَ، وَهُوَ الْأَظْهر، وَذكر سِتِّينَ يَوْمًا لتجدد الْحَاجَات بتجدد الْأَيَّام (مَعَ إِمْكَان قَصده) أَي من الْبَعِيدَة قَوْلهم بِهَذَا التَّأْوِيل الملغي اعْتِبَار خُصُوص الْعدَد الْمَذْكُور مَعَ إِمْكَان مقصوديته للشارع (لفضل الْجَمَاعَة) تَعْلِيل للقصد، يَعْنِي إِذا أعْطى طَعَام السِّتين للستين أدْرك فَضِيلَة تطييب قُلُوب الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة (وبركتهم) أَي بركَة دُعَائِهِمْ (وتضافر قُلُوبهم) أَي تظافرها وتعاضدها (على الدُّعَاء لَهُ) أَي للمكفر (وَعُمُوم الِانْتِفَاع) وشموله للعدد الْمَذْكُور مَعْطُوف على فضل الْجَمَاعَة (دون الْخُصُوص) أَي دون خُصُوص الِانْتِفَاع بِأَن يعْطى وَاحِدًا طَعَام سِتِّينَ، وَيُمكن أَن يُرَاد بالخصوص مَا دون السِّتين، لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَة الْعُمُوم بِمَعْنى الشُّمُول للستين (و) مِنْهَا (قَوْلهم فِي نَحْو فِي أَرْبَعِينَ شَاة شَاة) كَذَا فِي كتاب رَسُول الله

صلى الله عليه وسلم إلى اليمين من رواية أبي بكر بن حزم عن أبه عن جده على ما في مراسيل أبي داود، وهو حديث حسن، والمراد بنحوه نظائره كقوله صلى الله عليه وسلم " من كل ثلاثين بقرة تبيع أو تبيعة " وغيره (أي قيمتها). وفي بعض النسخ: أي ماليتها، وهو مقول قولهم، وإنما استبعد هذا التأويل (إذ لا يلزم أن لا تجب الشاة) لتعذر الجمع بينها وبين القيمة في الوجوب، وما قيل من أنه يلزم على الحنفية أن لا تكون الشاة مجزئة وهي مجزئة إجماعا ليس بشيء، لأن مرادهم بالقيمة ماليتها وهي موجودة في نفسها (وكل معنى استنبط من حكم) أي مما يدل عليه، أو من التأمل فيه وما يتعلق به ليعرف مناطه، وهو وجوب الشاة هذا (فأبطله) أي المعنى الحكم (باطل) خبر المبتدأ، والجملة لبيان بطلان اللازم، والمعنى المستنبط هنا جواز دفع قيمة الواجب في الزكاة قياسيا على عينه بعلة دفع حاجة الفقير، وإبطاله لاستلزامه عدم وجوبه بعينه، وبطلانه لأنه يوجب بطلان أصله، وكل ما بطل أصله باطل ضرورة بطلان الفرع عند بطلان أصله فتأمل، (ومنها) أي التأويلات البعيدة (حمل) الحنفية قوله صلى الله عليه وسلم (أيمان امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل إلى آخره) بإعادة قوله فنكاحها باطل مرتين، رواه أصحاب السنن، وحسنه الترمذي، وكلمة ما في أيما مزيدة. قال الرضي: وقلت زيادتها بعد المضاف، نحو - أيما الأجلين قضيت -، و - مثل ما أنكم تنطقون - وقيل إنها المضاف إليه، والمجرور بدل منها (على الصغيرة والأمة والمكاتبة) والمجنونة، والجار متعلق بالجمل: أي المراد بالصغيرة إلى آخره (أو باطل) معطوف على مفعول الحمل، يعني أو حمل قوله باطل على المجاز: (أي يؤول إلى البطلان غالبا لاعتراض الولي) أي تفريقه بينهما فإن أصله المنع، يقال: اعترض في الطريق بتاء: أي يمنع السابلة من سلوكه (لأنها مالكة لبعضها) بضم الباء الفرج، وعقد النكاخ تعليل للتأويل، وصرف الكلام عن ظاهره (فكان) نكاحها نفسها (كبيع سلعة) أي متاع (لها) في كون كل منهما تصرفا في خالص ملكها، فكان المعتبر رضاها مستقلا كالبيع (مع إمكان قصده) صلى الله عليه وسلم (لمنع استقلالها) مفعول للقصد، واللام لتقوية العمل، يعني حملوه على الخصوص مع أنه يمكن أن يكون قصده منع استقلال المرأة على الاطلاق على تزويج نفسها كما هو المتبادر من اللفظ (فيما) أي في تصرف (لا يليق بمحاسن العادات استقلالها) فاعل لا يليق (به) أي بذلك التصرف، يعني أن في استقلال المرأة في تزويج نفسها غير مستحق عادة، لأن اللائق بشأن النساء الحياء، وبشأن البضع الاحترام، وهو إنما يحصل عند التفويض إلى رأي الرجال الكاملين في العقل، وعند ذلك لا تكون مبتذلة

سهلة الحصول. (ومنها حملهم) لقوله صلى الله عليه وسلم (لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل)، يقال بيت الأمر: دبره ليلا، يعني لا صيام لمن لم ينوه من الليل، فموجبه اشتراط وقوع النية في جزء من الليل في مطلق الصيام لوقوعه في حيز النفي (على القضاء والنذر المطلق) ولم يذكر وجه البعد لظهوره، فإن حمل العام على بعض غير متبادر منه من غير قرينة ظاهر البعد، والحديث أخرجه النسائي وأبو داود. قال: بعض الحفاظ أنه حسن، ورجح الجمهور كونه موقوفا (وحملهم) قوله تعالى (ولذي القربى) في قوله - واعلموا أنما غنمتم من شيء - الآية، وهو عام يشمل الأغنياء والفقراء منهم (على الفقراء منهم) أي من ذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب (لأن المقصود) من الدفع إليهم (سد خلة المحتاج) أي دفع حاجته، ولا حاجة للأغنياء، فالمعنى يخصص عمومه، وهذا تعليل للتأويل، وأشار إلى وجه بعده بقوله (مع ظهور أن القرابة) أي قرابة النبي صلى الله عليه وسلم (قد تجعل سببا للاستحقاق) أي لاستحقاق الغنيمة مع قطع النظر عن الفقر، بل (مع الغنى تشريفا للنبي صلى الله عليه وسلم، وعد بعضهم) أي الشافعية كإمام الحرمين من التأويلات البعيدة (حمل) الحنفية والمالكية قوله (إنما الصدقات الآية على بيان) جنس (المصرف) لها فيجوز الصرف إلى صنف واحد من الأصناف المذكورة فيها، لا على بيان الاستحقاق كما هو الظاهر ليجب الصرف إلى جميع الأصناف، وجه الظهور أن اللام للملك، والاستحقاق قريب منه، ثم أخذ المصنف رحمه الله في الجواب إجمالا وتفصيلا من غير مراعاة الترتيب تقديما لما تأويله أقرب إلى القبول، فقال: (وأنت تعلم أن بعد التأويل لا يقدح في) ثبوت (الحكم) المستنبط من المؤول، فهذا بحث على تقدير تسليم البعد (بل يفتقر) التأويل وارتكابه (إلى) وجود (المرجح) لئلا يلزم ترجيح الاحتمال المرجوح بالنظر إلى نفس اللفظ المؤول إضراب عن القدح مع بيان ما ينبني على صحة التأويل (فأما الأخير) وهو بعد الحمل على بيان المصرف (فدفع بأن السياق) أي ما سيق له الكلام ههنا، (وهو رد لمزهم) أي طعن المنافقين، وعيبهم (المعطين) على صيغة جمع الفاعل، والمراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه روى أن قوله تعالى - ومنهم من يلمزك - الاية: نزلت في أبي الجواظ المنافق قال: ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقم صدقاتكم في رعاة الغنم، وقيل في ابن ذي الخو يصرة رأس الخوارج كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فاستعطف قلوب أهل مكة بتوفير الغنائم عليهم، فقال: اعدل يارسول، فقال ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟ (ورضاهم عنهم) أي عن المؤمنين أو المعطين (إذا أعطوهم، وسخطهم إذا منعوا يدل) خبر أن (أن المقصود) أي

على أَن الْمَقْصُود (بَيَان المصارف) فَإِنَّهُم حِين لمزوا وَزَعَمُوا أَن الَّذين أعْطوا مِنْهَا لَيْسُوا من مصارفها، وَإِنَّمَا أعْطوا بِمُوجب هوى النَّفس، فسيق الْكَلَام (لدفع وهم أَنهم) أَي المعطين (يختارون) من يحبونَ، وَمن يبغضون (فِي الْعَطاء وَالْمَنْع) عَنهُ (ورد) الدّفع الْمَذْكُور (بِأَنَّهُ) أَي كَون السِّيَاق لما ذكر (لَا يُنَافِي الظَّاهِر فَلَا يصلح صارفا عَنهُ). وَقَالَ الْآمِدِيّ إِن سلمنَا أَنه لبَيَان الْمصرف، فَلَا نسلم أَنه لَا مَقْصُود سواهُ، فَلْيَكُن الِاسْتِحْقَاق بِصفة التَّشْرِيك أَيْضا مَقْصُودا عملا بِظَاهِر اللَّفْظ انْتهى ثمَّ ذكر المُصَنّف رَحمَه الله الرَّد الْمَذْكُور بقوله: (وَلَا يخفى أَن ظَاهره) أَي ظَاهر قَوْله تَعَالَى - {إِنَّمَا الصَّدقَات} - الْآيَة (من الْعُمُوم) بَيَان لظاهره: أَي عُمُوم الصَّدقَات، وَعُمُوم الْفُقَرَاء، والمذكورين بِمَعْنى أَن كل صَدَقَة يَسْتَحِقهَا كل فَقير، وكل مِسْكين إِلَى غير ذَلِك (مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا) أَي غير مُرَاد إِجْمَاعًا (ولتعذره) أَي الْعُمُوم (حملوه) أَي الشَّافِعِيَّة الْعُمُوم فيهم (على ثَلَاثَة من كل صنف) من الثَّمَانِية إِذا كَانَ المفرق غير الْمَالِك ووكيله ووجدوا (وَهُوَ) أَي حملهمْ هَذَا (بِنَاء على أَن معنى الْجمع مُرَاد) بِلَفْظِهِ (مَعَ اللَّام) حَال عَن ضمير مُرَاد، وَهَذَا من قبيل معية الْمَدْلُول، والمتصل بداله، وَيجوز أَن يكون حَالا عَن لَفظه الْمُقدر كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ (والاستغراق) مَعْطُوف على معنى الْجمع، أَو على ضمير مُرَاد، وَترك التَّأْكِيد بالمنفصل لوُقُوع الْفَصْل وَالْمعْنَى أَن الْجمع الْمحلي بِاللَّامِ يُرَاد بِهِ معنى الْجمع، والاستغراق أَيْضا إِن لم يمْنَع مَانع (وَهُوَ) أَي الِاسْتِغْرَاق (مُنْتَفٍ) هَهُنَا بِالْإِجْمَاع كَمَا عرفت وَلَا يخفى أَن هَذَا على خلاف مَا هُوَ الْمَشْهُور أَن اللَّام تبطل الجمعية، وَتَكون اللَّام لاستغراق الْآحَاد، لَا الْمَجْمُوع، وَلذَا قَالُوا: أَن أشملية استغراق الْمُفْرد فِي مثل: لَا رجل فِي الدَّار فِي لَا، كَمَا فِي الجموع المحلاة بِاللَّامِ، فَإِن استغراقها كاستغراق الْمُفْرد، وَلَا فرق بَين يحب الْمُحْسِنِينَ وَيُحب كل محسن فِي معنى الِاسْتِغْرَاق: نعم يفرق بَينهمَا بِاعْتِبَار أَحْكَام لفظية كَمَا فِي مَوْضِعه، وَيُمكن أَن يكون الْمَعْنى إِن معنى الْجمع مُرَاد بِلَفْظِهِ مَعَ اللَّام إِذا لم يقْصد الْعُمُوم، والاستغراق مُرَاد إِذا قصد، فاشتراكهما فِي الْإِرَادَة بِالْجمعِ الْمحلي على سَبِيل الْبَدَلِيَّة لَا الِاجْتِمَاع فَتَأمل، ثمَّ أَنه لما انْتَفَى الِاسْتِغْرَاق وَبقيت الجمعية، وأقلها ثَلَاثَة حمل عَلَيْهَا لتيقنها، وَذَلِكَ فِيمَا عدا الصَّدقَات من الجموع الْمَذْكُورَة بعْدهَا (وَكَونه) أَي اللَّام مَعْطُوف على قَوْله ظَاهره (للتَّمْلِيك لغير معِين) على مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ (أبعد) مِمَّا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة من التَّأْوِيل الَّذِي سَمَّاهُ الْخصم بَعيدا وَلَيْسَ فِي هَذَا اعْتِرَاف بالبعد، بل كَقَوْلِه تَعَالَى - {مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو} -، ثمَّ بَين كَونه أبعد بقوله (ينبو عَن الشَّرْع وَالْعقل) أَي يقصر عَن تَوْجِيهه، من قَوْلهم نبا السهْم عَن الهدف: أَي قصر، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يعْهَد مثله فِي الشَّرْع، وَغير الْمعِين من حَيْثُ

إِنَّه غير معِين لَا وجود لَهُ، وَمن حَيْثُ التَّحْقِيق فِي ضمن الْفَرد يتَعَيَّن، فَيلْزم ثُبُوت الْملك لأشخاص مُعينَة، وَلَا يُمكن أَن يثبت لجَمِيع الْأَفْرَاد، فَيلْزم تَرْجِيح بَعْضهَا من غير مُرَجّح فينبو عَنهُ الْعقل أَيْضا، وكما أَنه لَا يُمكن اعْتِبَار الْملك لغير معِين، كَذَلِك لَا يُمكن اعْتِبَار الِاسْتِحْقَاق لَهُ (فالمستحق الله تَعَالَى وَأمر بِصَرْف مَا يسْتَحقّهُ إِلَى من كَانَ من الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة، وَذَلِكَ لوُرُود النُّصُوص فِي إِيجَاب الزَّكَاة فِي أَمْوَال الْأَغْنِيَاء وصرفها إِلَى الْفُقَرَاء، فالزكاة عبَادَة، وَالْعِبَادَة خَالص حق الله تَعَالَى، فَلَا يجب للْفُقَرَاء ابْتِدَاء، وَإِنَّمَا يصرف إِلَيْهِم إنجازا لعدة أَرْزَاقهم (فَإِن كَانُوا) أَي الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة (بِهَذَا الْقدر) أَي بِمُجَرَّد أَمر الله تَعَالَى بِصَرْف مَا يسْتَحقّهُ إِلَيْهِم (مستحقين) للصدقات (فبلا ملك) أَي فاستحقاقهم بِلَا ملك فَلم يثبت مدعى الْخصم من حمل الْكَلَام على الظَّاهِر، وَهُوَ الْملك، وَفِي قَوْله: إِن كَانُوا إِشَارَة إِلَى منع استحقاقهم بِهَذَا الْقدر (وَدون اسْتِحْقَاق الزَّوْجَة النَّفَقَة) مَعْطُوف على قَوْله بِلَا ملك يَعْنِي إِذا كَانَ استحقاقهم بِمُجَرَّد الْأَمر كَانَ دون اسْتِحْقَاقهَا لاشْتِرَاكهمَا فِي الْأَمر، ومزية اسْتِحْقَاقهَا لتعيين الْمُسْتَحق وَهِي الزَّوْجَة دونهم (وَلَا تملك) على صِيغَة الْمَعْلُوم: أَي الزَّوْجَة، أَو الْمَجْهُول: أَي النَّفَقَة (إِلَّا بِالْقَبْضِ) يرد عَلَيْهِ أَن الْخصم يَكْفِيهِ أدنى دَرَجَات الِاسْتِحْقَاق وأنكم مَا نفيتموه بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَن كَون اللَّام لاسْتِحْقَاق يقربهُ إِلَى الْحَقِيقَة، فَلَا يضرّهُ كَون استحقاقهم دون اسْتِحْقَاق الزَّوْجَة: فَالْوَجْه نفي الِاسْتِحْقَاق رَأْسا كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ إِمَّا لما ذكرنَا، وَإِمَّا لِأَن الْمُتَبَادر كَون الْآيَة لبَيَان الْمصرف نظرا إِلَى السِّيَاق وَكَمَال ضعف الِاسْتِحْقَاق (وَلنَا آثَار صِحَاح عَن عدَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ صَرِيحَة فِيمَا قُلْنَا، وَلم يرو عَن أحد مِنْهُم خلَافَة) بعض الْفُقَهَاء يُسمى الْمَوْقُوف على الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ بالأثر، وَالْمَرْفُوع بالْخبر، وَأما أهل الحَدِيث فيطلقون الْأَثر عَلَيْهِمَا، وَقَوله: وَلنَا: أَي وَالْحجّة الثَّابِتَة لنا، وآثار خبر الْمُبْتَدَأ، وصحاح صفة أثار، وَكَذَلِكَ صَرِيحَة، أما الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَمنهمْ عمر رَضِي الله عَنهُ، روى عَنهُ ابْن أبي شيبَة والطبري، وَمِنْهُم ابْن عَبَّاس روى عَنهُ الْبَيْهَقِيّ والطبري، وَمِنْهُم حُذَيْفَة، وَأما التابعون فَمنهمْ سعيد بن جُبَير وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة وَمَيْمُون بن مهْرَان روى عَنْهُم ابْن أبي شيبَة والطبري (وَلَا ريب فِي فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف قَوْلهم) أَي الشَّافِعِيَّة ذكر أَبُو عبيد فِي كتاب الْأَمْوَال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قسم الذهيبة الَّتِي بعث بهَا معَاذ من الْيمن فِي الْمُؤَلّفَة فَقَط: الْأَقْرَع وعيينة وعلقمة بن علاثة وَزيد الْخَلِيل) قَالَ الْمُؤلف رَحمَه الله فِي شرح الْهِدَايَة: الْمُؤَلّفَة كَانُوا ثَلَاثَة أَقسَام، قسم كفار كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعطيهم لتأليفهم على الْإِسْلَام، وَقسم كَانَ يعطيهم لدفع شرهم، وَقسم أَسْلمُوا وَفِيهِمْ ضعف فِي الْإِسْلَام، وَكَانَ

يتألفهم ليثبتوا، ثم بين المؤلفة التي قسم فيها بقوله: الأقرع إلى آخره (ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف الغارمين فقط) والغارم عندما من لزمه دين، أوله دين على الناس لا يقدر على أحده، وليس عنده نصاب فاضل في الفصلين، وقال البيضاوي رحمه الله: المديون لنفسه في غير معصية إذا لم يكن له وفاء، أولا صلاح ذات البين وإن كان غنيا (حيث قال) طرف لجعل (لقبيصة ابن المخارق حين أتاه) ظرف لقال (وقد تحمل حمالة) حال عن ضمير أتاه، والحمالة بفتح المهملة وتخفيف الميم الكفالة (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) مقول قوله صلى الله عليه وسلم (وفي حديث سلمة بن صخر البياضي أنه أمر له بصدقة قومه) ثم أجاب عما قبل الأخير بقوله (وأما شرط الفقر) في استحقاق ذوي القربى (فقالوا) أي الحنفية (لقوله صلى الله عليه وسلم يا بني هاشم: إن الله كره لكم) أوساخ الناس (إلى) قوله (وعوضكم عنها بخمس الخمس والمعوض عنه) وهو الزكاة إنما هو (للفقير) لا الغني إلا بعارض عمل عليها، فكذا العوض، وقال المصنف في شرح الهداية: لفظ العوض إنما وقع في عبارة بعض التابعين، وذكر فيه أنه قد صح عن الخلفاء الراشدين أنهم لم يعطوا ذوي القربى من الصدقات، والمختار عنده في سبب منعهم ذلك أن قوله تعالى - ولذوي القربى - بيان المصرف لا الاستحقاق، وأنهم كانوا أغنياء إذ ذاك، ورأوا صرفه إلى غيرهم أنفع لمصالح المسلمين، وذهب الشافعي وأحمد رحمهما إلى استواء غنيهم وفقيرهم فيه، لكن للذكر مثل حظ الأثنين، وقال الشارح: والحديث بهذا اللفظ يحفظ نعم في حديث مسلم: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وأنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، وفي معجم الطبراني: إنه لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء إنما هي غسالة الأيدي، وإن لكم في اخمس الخمس لما يغنيكم انتهى، وفي قوله: قالوا اشارة إلى أنه لم يصح عنده (وأما الأولان) وهما مسألتان: اسلام الرجل على أكثر من أربع، واسلامه على أختين (فالأوجه) فيهما (خلاف قول أبي حنيفة) رحمه الله (وهو) أي خلاف قوله (قول محمد بن الحسن) ومالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم: وهو أنه في الأول يختار أي أربع يشاء منهن ويفارق الآخر من غير فرق في المستئلتين بين أن يكون تزوجهن في عقد واحد، أو في عقود من غير حاجة إلى تجديد نكاح، وفي المبسوط أن محمدا فرق في السير الكبير بين أهل الحرب وأهل الذمة فقال في أهل الذمة كأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، كذا ذكر الشارح والمصنف رحمه الله ذكر الخلاف في شرح الهداية على الوجه الذي ذكره هنا ولا شك أن قوله عدول عن الظاهر بلا موجب يجليء إليه (وأما) حمل (لا صيام) إلى آخره على ما ذكر (فلمعارض صح في النقل) وهو ما في صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله

عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم " يا عائشة هل عندكم شيء؟ فقلت يا رسول الله ما عندنا شئ، قال فإني صائم، وقدم هذا لرجحانه لصحته مع أنه مثبت، وذاك ناف كذا قيل (وفي رمضان) أي ولمعارض صح عنه صلى الله عليه وسلم دالا على جواز النية نهارا في رمضان (بعد الشهادة بالرؤية) في يوم عاشوراء حين كان صومه واجبا، الظرف متعلق بقوله (قال) صلى الله عليه وسلم (ومن لم يكن أكل فليصم) في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم أن أذن في الناس من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم، فعلم أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلا فإنه تجزئه نيته نهارا (وهو) أي قوله فليصم (بعد تعين) الصوم (الشرعي) لأن يراد منه لأنه مسماه شرعا ولا صارف عنه (مقرون) خبر هو ومتعلق الظرف وقوله (بدلالة) من السياق والفحوي (عليه) أي على الصوم الشراعي لـ (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: من أكل فلا يأكل بقية يومه) لعله في حديث آخر غير ما سبق، أو نقل بالمعنى، وفيه ما فيه (ومن لم يكن أكل فليصم، فلو اتحد حكم الأكل وغيره فيه) أي غير الأكل في كون كل منهما ليس بصوم شرعي لفوات شرطه وهو النية من الليل في صورة عدم الأكل (لقال لا يأكل أحد) من غير تفصيل، ولا يخفى ما في هذه الاستنباط من غاية الحسن (ثم هو) أي الصوم المأمور به في الحديث المذكور (واجب معين) لما عرفت من ان الصوم يوم عاشوراء كان واجبا، ولا فرق بين الواجبات المعينة، فكذا الحكم في صوم رمضان (فلم يبق) من عموم قوله لا صيام في الحديث المذكور (إلا غير المعين فعملوا) أي الحنفية (به) أي بموجب حديث لا صيام (فيه) أي في غير المعين من الصوم الواجب الذي بينه بقوله (من القضتء والنذر المطلق وهو) أي العمل بموجب لا صيام في غير المعين دون الكل رعاية لموجب الأدلة (أولى من إهدار بعض الأدلة بالكلية) وهو ما ورد في صوم عاشوراء على ما عرفت (وأما النكاح) أي وأما جواز نكاح المرأة العاقلة البالغة نفسها من غير إذن الولي مخالفا لظاهر حديث أي امرأة الحديث (فلضعف الحديث) المذكور، لكن يرد حينئذ أنه لا حاجة إذن إلى ارتكاب التأويل البعيد، بل يكفي عدم صلاحية الحديث للاحتاج مع اقتضاء صحة النكاح المذكور: اللهم إلا أن يراد تزييف دليل الخصم من وجهين: عدم الصحة، وعدم قطعية الدلالة لاحتمال التخصيص، ثم بين وجه الضعف بقوله (بما صح من إنكار الزهري روايته) أي الحديث المذكور (وقول ابن جريج) معطوف على إنكار الزهري وبيان له، وهذا القول ذكر (في رواية ابن عدى) روى ابن عدى عن ابن جريج أنه قال لقيت الزهرى فسألته عن هذا الحديث (فلم يعرفه) أي

الحَدِيث (فَقلت لَهُ أَن سُلَيْمَان بن مُوسَى حَدثنَا بِهِ عَنْك، فَقَالَ أخْشَى أَن يكون وهم عَليّ، وَأثْنى على سُلَيْمَان) خيرا (فصمم) الزُّهْرِيّ على الْإِنْكَار (وَمثله) أَي مثل هَذَا الْكَلَام مِمَّن روى عَنهُ خبر إِنْكَار (فِي عرف الْمُتَكَلِّمين) من أَرْبَاب اللِّسَان، أَو من أهل الْعلم سِيمَا الْمُحدثين الموثقين بِالْحِفْظِ والإتقان (لَا شكّ) مَرْفُوع عطفا على إِنْكَار، أَو مَبْنِيّ على الْفَتْح على أَن لَا لنفي الْجِنْس، وَالْخَبَر مَحْذُوف، أَي لَا شكّ فِيهِ فَإِن قلت قَوْله أخْشَى مشْعر بِعَدَمِ جزمه بِكَوْنِهِ وهما قلت عدم الْجَزْم لَيْسَ بتجويز أَنه رَوَاهُ ثمَّ نسى، بل لاحْتِمَال أَن يكون الْوَهم من ابْن جريج لَا من سُلَيْمَان، على أَن الْعدْل لَا يقطع بِعَدَمِ تَعَمّده الْكَذِب، بل يظنّ بِهِ ثمَّ اعْلَم أَن ابْن جريج أحد الْأَعْلَام الثِّقَات بِاتِّفَاق الْمُحدثين، وَكَذَا ابْن عدي (أَو لمعارضة مَا هُوَ أصح) من الحَدِيث الْمَذْكُور إِيَّاه عطف على قَوْله لضعف الحَدِيث، فعلى هَذَا لَا يكون التَّأْوِيل بَعيدا لوُجُود مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ (رِوَايَة مُسلم) وَهُوَ بدل من الْمَوْصُول: أَي مرويه، وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَهِي) أَي الأيم (من لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا، وَلَيْسَ للْوَلِيّ حق فِي نَفسهَا) أَي الأيم (سوى التَّزْوِيج) فَلَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون أحقيتها بِاعْتِبَار حق آخر؟ (فَجَعلهَا) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَحَق بِهِ) أَي بِالتَّزْوِيجِ (مِنْهُ) أَي من الْوَلِيّ (فَهُوَ) أَي حَدِيث " أَيّمَا امْرَأَة " إِلَى آخِره دائر (بَين أَن يحمل) فِيهِ من كلمة بَاطِل (على أول الْبطلَان) أَي على أَنه يَئُول إِلَى الْبطلَان كَمَا مر (أَو يتْرك) الْعَمَل بِهِ (للمعارض الرَّاجِح) وَمن لطف طبع المُصَنّف رَحمَه الله أَنه لم يرض فِي جَوَاب حَدِيث " أَيّمَا امْرَأَة " بحملها على الصَّغِيرَة، وَمَا ذكر مَعهَا لما فِيهِ من تَخْصِيص الْعَام بِحَيْثُ يخرج من دَائِرَة عُمُومه أَكثر الْأَفْرَاد، وَيبقى الْأَقَل الَّذِي لَا يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن، وَلَا بإهمال هَذَا التَّأْوِيل بِالْكُلِّيَّةِ، بل اسْتِعْمَاله فِي الحَدِيث الْآتِي لملاءمته بِهِ كَمَا سَيظْهر، غير أَنه بَقِي شَيْء، وَهُوَ أحقية الأيم بِنَفسِهَا لَا يَقْتَضِي أَن لَا يكون للْوَلِيّ حق فِيهَا، لجَوَاز أَن يكون التَّزْوِيج حَقّهمَا مَعًا، وَتَكون هِيَ أَحَق كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله: من وَليهَا. وَقد أَشَارَ المُصَنّف رَحمَه الله فِي شرح الْهِدَايَة إِلَى مَا يصلح جَوَابا عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: أثبت لكل مِنْهَا وَمن الْوَلِيّ حَقًا فِي ضمن قَوْله أَحَق، وَمَعْلُوم أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ سوى مُبَاشرَة العقد إِذا رضيت، وَقد جعلهَا أَحَق مِنْهُ بِهِ أَقُول للمناقشة مجَال، فللخصم أَن يَقُول أحقيتها من الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ لَا يسْتَلْزم أحقيتها مِنْهُ بِالْمُبَاشرَةِ، لِأَن التَّزْوِيج لَيْسَ مُجَرّد الْمُبَاشرَة، بل هُوَ إتْمَام أحد ركني العقد، وَهُوَ كَمَا يحْتَاج إِلَى الْمُبَاشرَة يحْتَاج إِلَى تحقق الرِّضَا بالتمليك، فَلْيَكُن الرِّضَا حَقّهَا، والمباشرة حَقه، وَلَا شكّ أَن الأَصْل هُوَ الرِّضَا، وَإِذا كَانَ مُعظم أَمر التَّزْوِيج حَقّهَا تكون هِيَ أَحَق بِنَفسِهَا فِي التَّزْوِيج

وَالله أعلم (وَأما الْحمل على الْأمة وَمَا ذكر) مَعهَا من الصَّغِيرَة وَالْمُكَاتبَة (فَإِنَّمَا هُوَ فِي لَا نِكَاح إِلَّا بولِي أَي من لَهُ ولَايَة) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، غير الْمَنْكُوحَة أَو نَفسهَا كَمَا إِذا كَانَت حرَّة عَاقِلَة بَالِغَة (فَيخرج) من النِّكَاح الْمُعْتَبر شرعا (نِكَاح العَبْد) لنَفسِهِ امْرَأَة (و) نِكَاح (الْأمة) نَفسهَا بِغَيْر إِذن الْمولى، (و) نِكَاح (مَا ذكر) من الصَّغِيرَة وَالْمُكَاتبَة، وَكَذَا الصَّغِير وَالْمَجْنُون كَمَا سيشير إِلَيْهِ: وَذَلِكَ لعدم وَلَا يتهم، وَقد انحصر النِّكَاح فِيمَا صدر عَن ولَايَة (وَإِذ دلّ) الحَدِيث (الصَّحِيح) وَهُوَ مَا فِي مُسلم " الأيم أَحَق بِنَفسِهَا " (على صِحَة مباشرتها) عقد النِّكَاح كَمَا مر من تَقْرِيره من أَن الْوَلِيّ تصح مُبَاشَرَته وَهِي أَحَق بِهِ مِنْهُ، وَصِحَّة الْمُبَاشرَة دَلِيل الْولَايَة فاشتراط الْوَلِيّ فِي النِّكَاح لَيْسَ بمخرج نِكَاحهَا نَفسهَا فَحِينَئِذٍ (لزم كَونه) أَي كَون شَرط الْوَلِيّ (لإِخْرَاج) نِكَاح (الْأمة وَالْعَبْد والمراهقة) وَهِي من قُلُوب الْبلُوغ، فَلَزِمَ إِخْرَاج من لم يُقَارِبه بِالطَّرِيقِ الأولى (والمعتوهة) وَهِي من يخْتَلط كَلَامه وَأمره، وَكَذَا نِكَاح الْمُرَاهق وَالْمَجْنُون وَلم يذكر الْمكَاتب لِأَنَّهُ عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم فَإِن قلت إِذا خرج نِكَاح هَؤُلَاءِ عَن النِّكَاح الشَّرْعِيّ، فَمَا معنى الْحمل على الأية وَمَا ذكر فِي " لَا نِكَاح إِلَّا بولِي " وَفَائِدَة حمل النكرَة المنفية على بعض أفرادها وُرُود النَّفْي على ذَلِك الْبَعْض خَاصَّة لعدم صِحَة نَفيهَا مُطلقًا، وَهَذَا إِذا لم يكن فِي الْكَلَام مَا يبين مورد النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَقد تبين هَهُنَا بِالنَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاء قلت لم يرد حمل النِّكَاح الْمَذْكُور فِي لَا نِكَاح على مَا ذكر ليرد مَا قلت، بل أَرَادَ حمل النِّكَاح الصَّادِر لَا عَن ولَايَة شَرْعِيَّة الْمَفْهُوم ضمنا لاندراجه تَحت النَّفْي مَعَ عدم اندراجه فِي الِاسْتِثْنَاء، فَهَذَا الْحمل تَفْسِير للمجمل، لَا تَخْصِيص للعام، على أَنه لَو كَانَ من تَخْصِيص الْعلم بِدَلِيل نقيضه فِي حَدِيث أَيّمَا امْرَأَة لم يكن فِيهِ بعد كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَتَخْصِيص الْعَام لَيْسَ من الِاحْتِمَالَات الْبَعِيدَة) كَيفَ وَمَا من عَام إِلَّا وَقد خصص مِنْهُ الْبَعْض (و) لَا سِيمَا (قد ألجأ إِلَيْهِ) أَي إِلَى التَّخْصِيص (الدَّلِيل) وَهُوَ حَدِيث مُسلم الْمَذْكُور وَعَن المُصَنّف رَحمَه الله أَنه يخص حَدِيث أَيّمَا امْرَأَة بِمن نكحت غير الْكُفْء على قَول من لم يصحح مَا باشرته من غير كُفْء، وَالْمرَاد بِالْبَاطِلِ حَقِيقَته أَو حكمه على قَول من يُصَحِّحهُ وَيثبت للْوَلِيّ حق الْفَسْخ، كل ذَلِك شَائِع فِي اطلاقات النُّصُوص، فَيثبت مَعَ الْمَنْقُول، وَالْوَجْه الْمَعْنَوِيّ وَهُوَ أَنَّهَا تصرفت فِي خَالص حَقّهَا: وَهِي من أَهله كَالْمَالِ فَيجب تَصْحِيحه مَعَ كَونه خلاف الأولى (وَأما الزَّكَاة) أَي وَأما الدَّاعِي إِلَى اعْتِبَار الْمَالِيَّة فِي الزَّكَاة (فَمَعَ الْمَعْنى النَّص) أَي النَّص مَعَ الْمَعْنى، وكل مِنْهُمَا مُسْتَقل فِي الْمَقْصُود وَقدم الْعقلِيّ لِأَنَّهُ منَاط النقلي (أما الأول فللعلم) أَي اعْتِبَار الْقيمَة للْعلم (بِأَن الْأَمر بِالدفع) أَي بِدفع الزَّكَاة (إِلَى الْفَقِير) فِي النُّصُوص (إِيصَال لرزقهم الْمَوْعُود مِنْهُ سُبْحَانَهُ) فَإِن الْمولى إِذا وعد

عَبده يُعْطِيهِ، ثمَّ أَمر من لَهُ حق عَلَيْهِ بِإِعْطَاء مَا يصلح لِأَن يكون أَدَاء للموعود، فَلَا شكّ فِي أَنه يحمل أمره على إنجاز وعده السَّابِق، لِأَن الْمَوْعُود كالواجب فَلَا يقدم مَا لم يجب عَلَيْهِ، وَإسْنَاد الإيصال إِلَى الْآمِر مجازى قصد بِهِ الْمُبَالغَة فِي استلزام أمره إِيَّاه كَمَا يُشِير إِلَيْهِ قَوْله - {إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه أَن نقُول لَهُ كن فَيكون} - (وَهُوَ) أَي رزقهم الْمَوْعُود (مُتَعَدد من طَعَام وشراب وَكِسْوَة) وَغَيرهَا من مسكن ومنكح، وَغير الرزق وَمَا يَسُوقهُ الله إِلَى الْحَيَوَان فينتفع بِهِ (فقد وعدهم الله أصنافا) لِأَنَّهُ وعدهم الرزق: وَهُوَ أَصْنَاف (وَأمر من عِنْده من مَاله) أَي وَأمر غَنِيا عِنْده من مَال الله عز وَجل (صنف وَاحِد) كالغنم وَالْإِبِل أَو غَيرهَا (أَن يُؤَدِّي مواعيده) الَّتِي هِيَ أَصْنَاف، لِأَن الْأَمر بِالدفع إنجاز الْوَعْد السَّابِق المندرج تَحْتَهُ الْأَصْنَاف أَمر بأَدَاء المواعيد (فَكَانَ) أَمر الله من عِنْده صنف من مَاله بِدفع جُزْء من ذَلِك المَال أَدَاء للمواعيد، فَكَانَ أَمر الله من عِنْده (إِذْنا بِإِعْطَاء الْقيم) نظرا إِلَى حِكْمَة الْآمِر (كَمَا فِي مثله من الشَّاهِد) تأييد للمعنى الْمَذْكُور بِقِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد، وَهُوَ أَن السَّيِّد إِذا أَمر عَبده أَن يُؤَدِّي أَصْنَاف مواعيده، مِمَّا عِنْد العَبْد، وَهُوَ صنف وَاحِد، وَعين مِقْدَار مَا أَمر بإعطائه كَانَ ذَلِك إِذْنا بأَدَاء الْقيمَة معنى (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ الْمَأْمُور بِهِ فِي الزَّكَاة إِعْطَاء الْقيم، وَهِي عبارَة عَن مَالِيَّة المنصوصات، ومالية الشَّيْء تصدق على عين ذَلِك الشَّيْء كَمَا يصدق على مَا يماثله (لم تبطل الشَّاة) مثلا بِأَن لَا يتَأَدَّى بهَا الْوَاجِب كَمَا زعم الْخصم (بل) يبطل (تَعْيِينهَا) بِحَيْثُ لَا يسوغ غَيرهَا (وَحَقِيقَته) أَي حَقِيقَة بطلَان تَعْيِينهَا (بطلَان عدم إِجْزَاء غَيرهَا) مِمَّا يساويها فِي الْقيمَة (وَصَارَت) الشَّاة (محلا هِيَ وَغَيرهَا) مِمَّا يساويها فِي الْقيمَة، والصيرورة بِاعْتِبَار مُشَاركَة الْغَيْر إِيَّاه فِي الْمَحَلِّيَّة، لَا بِاعْتِبَار محليتها فِي نَفسهَا، فَإِن ذَلِك ثَابت من الأَصْل (فالتعليل) الْمَذْكُور (وسع الْمحل) أَي مَحل الْوُجُوب وَمَا يتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِب (وَلَيْسَ التَّعْلِيل) حَيْثُ كَانَ (إِلَّا لتوسعته) أَي الْمحل لِأَنَّهُ لإلحاق غير الْمَنْصُوص بالمنصوص فِي الحكم لمشاركتهما فِي الْعلَّة الَّتِي هِيَ منَاط الحكم (وَأما النَّص) الدَّال على اعْتِبَار الْقيمَة فِي الزَّكَاة (فَمَا علقه البُخَارِيّ) فِي صَحِيحه، وَالتَّعْلِيق أَن يحذف من مبدأ الْإِسْنَاد وَاحِد فَأكْثر كَقَوْل الشَّافِعِي رَحمَه الله: قَالَ نَافِع، وَقَول مَالك: قَالَ ابْن عمر، أَو قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وتعليقاته صَحِيحَة) قَالَ الشَّارِح وَوَصله يحيى بن آدم فِي كتاب الْخراج (من قَول معَاذ) بَيَان للموصول توَسط بَينهمَا المعترضة (ائْتُونِي بخميس) بِالسِّين الْمُهْملَة كَمَا هُوَ الصَّوَاب، لَا الصَّاد. قَالَ الْخَلِيل هُوَ ثوب طوله خَمْسَة أَذْرع، وَقَالَ الدَّاودِيّ كسَاء قيسه ذَا، وَقيل سمي بِملك من مُلُوك الْيمن أول من أَمر بِعِلْمِهِ (أَو لبيس) هُوَ مَا يلبس من الثِّيَاب والملبوس الْخلق (مَكَان الشّعير والذرة أَهْون عَلَيْكُم) أما بِاعْتِبَار

التقسيم الثالث

أَنه كَانَ يُوجد عِنْدهم مِنْهُمَا مَا لم يَكُونُوا مُحْتَاجين إِلَيْهِ، أَو بِاعْتِبَار أَن حَاجَة الْإِنْسَان إِلَى الْمَأْكُول أَشد مِنْهَا إِلَى الملبوس أَو غير ذَلِك (وَخير لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ) لكَون حَاجتهم إِلَيْهَا أَشد، أَو لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدهم الكفاف من الْمَأْكُول، أَو لقلَّة أكلهم وَقُوَّة توكلهم بِحَيْثُ لم يَكُونُوا يدخرون الطَّعَام وَشدَّة الْبرد بِالْمَدِينَةِ كَمَا يشْعر بِهِ التَّقْيِيد، وَذكر الشَّارِح نصا آخر وَهُوَ مَا فِي كتاب الصّديق لأنس مَرْفُوعا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ " من بلغت عِنْده من الْإِبِل صَدَقَة الْجَذعَة، وَلَيْسَ عِنْد جَذَعَة وَعِنْده حَقه، فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ الحقة وَيجْعَل مَعهَا شَاتين أَو عشْرين درهما " الحَدِيث (فَظهر أَن ذكر الشَّاة والجذعة) وَغَيرهمَا (كَانَ لتقدير الْمَالِيَّة، وَلِأَنَّهُ) أَي إِعْطَاء الشَّاة والجذعة (أخف على أَرْبَاب الْمَوَاشِي) لوجودها عِنْدهم (لَا لتعيينها) بِحَيْثُ لَا يُجزئ عَنْهَا الْبَدَل (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي الْكَفَّارَة) فِي إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا طَعَام سِتِّينَ على مَا مر (مثله) أَي مثل قَوْلهم (فِي الْأَوَّلين) وهما مسألتا، إِسْلَام الرجل على أَكثر من أَربع، وعَلى أُخْتَيْنِ فِي أَنه خلاف الْأَوْجه، وَإِنَّمَا الْأَوْجه قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة: إِنَّه إِذا أطْعم مِسْكينا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا لَا يُجزئهُ، وَذَلِكَ لما مر من إِمْكَان قصد فضل الْجَمَاعَة وتضافر قُلُوبهم إِلَى آخِره مَعَ ارْتِكَاب الْمجَاز من غير ضَرُورَة، وَهُوَ جعل السِّتين أَعم من الْحَقِيقِيّ والحكمي (وَالله أعلم). التَّقْسِيم الثَّالِث من التقسيمات الثَّلَاثَة للفظ بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته وخفائه (مُقَابل) التَّقْسِيم (الثَّانِي) وَهُوَ تَقْسِيم اللَّفْظ بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته، فَلَزِمَ كَون هَذَا (بِاعْتِبَار الخفاء) أَي خَفَاء دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى المُرَاد (فَمَا) أَي اللَّفْظ الَّذِي (كَانَ خفاؤه بِعَارِض) من الْأُمُور الخارجية من نفس اللَّفْظ من الْأَحْوَال الطارئة عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (غير الصِّيغَة فالخفي) أَي فَهُوَ الْخَفي، سمي بِهِ مَعَ كَونه أقل خَفَاء من الْأَقْسَام الْبَاقِيَة، لكَونه مُقَابلا للظَّاهِر الَّذِي هُوَ أقل ظهورا من تِلْكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي الْخَفي (أقلهَا) أَي أقل أَقسَام هَذَا التَّقْسِيم (فِي الخفاء كَالظَّاهِرِ) فَإِنَّهُ أقل أَقسَام ذَلِك التَّقْسِيم (فِي الظُّهُور) فَإِن قيل يَنْبَغِي أَن يكون الْخَفي مَا خَفِي المُرَاد مِنْهُ بِنَفس اللَّفْظ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَة الظَّاهِر، وَهُوَ مَا ظهر المُرَاد مِنْهُ بِنَفس اللَّفْظ وَأجِيب بِأَن الخفاء بِنَفس اللَّفْظ فَوق الخفاء بِعَارِض، فَلَو كَانَ الْخَفي مَا ذكرت لزم أَن لَا يكون فِي أول مَرَاتِب الخفاء، فَلَا يكون إِذن مُقَابلا للظَّاهِر (وَحَقِيقَته) أَي حَده الكاشف عَن حَقِيقَته فَوق كشف

مَا ذكر من تَعْرِيفه (لفظ) وضع (لمَفْهُوم عرض) وصف بِحَال مُتَعَلّقه (فِيمَا هُوَ ببادئ الرَّأْي) بادئ الرَّأْي ظَاهره، والرأي الِاعْتِقَاد، وَالْبَاء بِمَعْنى فِي، وَالْمعْنَى فِي أول الملاحظة (من أَفْرَاده) أَي من أَفْرَاد ذَلِك الْمَفْهُوم خبر هُوَ، قدم عَلَيْهِ مَا هُوَ ظرف نسبته إِلَى الْمُبْتَدَأ، أَو (مَا يخفى) فَاعل عرض أَو عَارض يخفي (بِهِ) أَي بِسَبَب ذَلِك الْعَارِض (كَونه) فَاعل يخفى، وَالضَّمِير للموصول الأول، (مِنْهَا) أَي من أَفْرَاد ذَلِك الْمَفْهُوم فَالْحَاصِل أَن عرُوض هَذَا الْعَارِض فِي ذَلِك الْمحل أورث فِي كَونه فَردا لذَلِك الْمَفْهُوم خَفَاء بعد مَا كَانَ يحكم الْعقل فِي بادئ النّظر بفرديتها (إِلَى قَلِيل تَأمل) غَايَة الخفاء فيرتفع بتأمل قَلِيل (ويجتمعان) أَي الْخَفي وَمَا يُقَابله وَهُوَ الظَّاهِر (فِي لفظ) وَاحِد (بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَفْهُومه) وَهُوَ مَا ببادئ الرَّأْي من أَفْرَاده وَعرض مَا يخفي فِيهِ كَونه مِنْهَا (كالسارق ظَاهر فِي مَفْهُومه الشَّرْعِيّ) وَهُوَ الْعَاقِل الْبَالِغ الْآخِذ مَا يوازي عشرَة دَرَاهِم خُفْيَة من المَال المتناول مِمَّا لَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد من حرز بِلَا شُبْهَة مِمَّن هُوَ بصدد الْحِفْظ (خَفِي فِي النباش) آخذ كفن الْمَيِّت من الْغَيْر خُفْيَة بنبشه، وَهُوَ إبراز المستور وكشف الشَّيْء (والطرار) آخذ المَال الْمَذْكُور من الْيَقظَان من غَفلَة مِنْهُ بطر أَو غَيره، والطر هُوَ الْقطع، وَأَشَارَ إِلَى الْعَارِض الْمُورث للخفاء الْمَذْكُور بقوله (للاختصاص) مُتَعَلق بخفي (باسم) مُتَعَلق بالاختصاص، وَذَلِكَ لِأَن الِاخْتِصَاص الْمَعْنى باسم بِحَيْثُ لَا يُطلق عَلَيْهِ غَيره مِمَّا ينْدَرج تَحت مَفْهُوم يظنّ كَون ذَلِك الْمَعْنى من أَفْرَاده فِي بادئ الرَّأْي يُورث خَفَاء فِي كَونه مِنْهَا ويرجح عَدمه، لِأَن الظَّاهِر عدم اخْتِصَاص بعض أَفْرَاد مَفْهُوم باسم عَن سَائِر أَفْرَاده، ثمَّ غيا الخفاء فِي النباش والطرار بغاية يدل عَلَيْهَا قَوْله (إِلَى ظُهُور أَنه) أَي بِأَن يظْهر بعد قَلِيل تَأمل أَن الِاخْتِصَاص (فِي الطرار لزِيَادَة) أَي لزِيَادَة مُسَمَّاهُ فِي الْمَعْنى الَّذِي هُوَ منَاط حكم السّرقَة: وَهِي الحذاقة فِي فعل السّرقَة وَفضل فِي جِنَايَته، لِأَنَّهُ يسارق الْأَعْين المستيقظة لغفلة، وَعند ظُهُور هَذِه المزية يَزُول الخفاء وَيعلم كَونه من أَفْرَاد السَّارِق (فَفِيهِ) أَي فَيجب فِي الطرار (حَده) أَي السَّارِق (دلَالَة) أَي بِدلَالَة النَّص الْوَارِد فِي إِيجَاب هَذِه، لكَونه أولى بِثُبُوت الحكم لَهُ لوُجُود المناط فِيهِ على الْوَجْه الأتم فَإِن قلت ظُهُور كَونه من أَفْرَاد السَّارِق بعد التَّأَمُّل يُنَافِي ثُبُوت حكمه بِدلَالَة النَّص قلت كَأَنَّهُ أَرَادَ ثُبُوت دلَالَة قبل الظُّهُور فَتَأمل (لَا قِيَاسا) عَلَيْهِ حَتَّى يرد أَن الْحُدُود لَا تثبت بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَا يعرى عَن شُبْهَة الْحُدُود تدرأ بهَا، غير أَن الْإِطْلَاق إِنَّمَا يَتَأَتَّى على قَول أبي يُوسُف وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَإِلَّا فَظَاهر الْمَذْهَب فِيهِ تَفْصِيل. قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله فِي شرح الْهِدَايَة قَوْله وَمن شقّ: أَي شقّ صرة والصرة الْهِمْيَان، وَالْمرَاد من الصرة هُنَا الْموضع المشدود فِيهِ الدَّرَاهِم لم يقطع وَإِن أَدخل يَده فِي الْكمّ قطع، لِأَن فِي الْوَجْه الأول يتَحَقَّق الْأَخْذ من خَارج

فَلَا يُوجد هتك الْحِرْز، وَفِي الثَّانِي الرِّبَاط من دَاخل يتَحَقَّق الْأَخْذ من الْحِرْز وَهُوَ الْكمّ، وَلَو كَانَ مَكَان الطر حل الرِّبَاط ثمَّ الْأَخْذ فِي الْوَجْهَيْنِ ينعكس الْجَواب (والنباش) مَعْطُوف على الطرار أَي وَإِن الِاخْتِصَاص فِي النباش (لنَقص) فِي منَاط الحكم لعدم الْحِرْز، وَعدم الْحَافِظ، وقصور الْمَالِيَّة لِأَن المَال مَا يرغب فِيهِ، والكفن ينفر عَنهُ، وَعدم المملوكية لأحد، لِأَن الْمَيِّت لَيْسَ بِأَهْل للْملك وَالْوَارِث لَا يملك من التَّرِكَة إِلَّا مَا يفضل عَن حَاجَة الْمَيِّت (فَلَا) يجب فِيهِ حد السّرقَة، وَلِأَن شرع الْحَد للانزجار، وَالْحَاجة إِلَيْهِ عِنْد كَثْرَة وجوده، والنبش نَادِر، والانزجار حَاصِل طبعا، وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى، خلافًا لأبي يُوسُف، وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَقَول أبي حنيفَة، قَول ابْن عَبَّاس وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول وَالزهْرِيّ، وَقَوْلهمْ مَذْهَب عمر وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَالْحسن وَأبي ثَوْر ثمَّ الْكَفَن للْوَارِث عِنْدهم، فَهُوَ الْخصم فِي الْقطع وَإِن كَفنه أَجْنَبِي فَهُوَ الْخصم (وَمَا) أَي اللَّفْظ الَّذِي كَانَ خفاؤه (لتَعَدد الْمعَانِي الاستعمالية) أَي الَّتِي تسْتَعْمل فِي كل مِنْهَا (مَعَ الْعلم بالاشتراك) أَي بِكَوْن اللَّفْظ مَوْضُوعا لكل مِنْهَا بِوَضْع على حِدة (وَلَا معِين) أَي وَلم يكن هُنَاكَ قرينَة مُعينَة للمراد (أَو تجويزها مجازية) مَعْطُوف على الْعلم، وَلَا شكّ أَن تَجْوِيز كَون كل من الْمعَانِي الاستعمالية مرَادا من اللَّفْظ مجَازًا إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا صرف صَارف عَن إِرَادَة مَا وضع لَهُ، وَكَانَ الْمقَام صَالحا لإِرَادَة كل مِنْهَا، وَلم يكن مَا يعين وَاحِدًا مِنْهَا، وَقَوله مجازية مَنْصُوب على أَنه مفعول ثَان للتجويز لتَضَمّنه معِين التصيير (أَو بَعْضهَا) مَعْطُوف على الضَّمِير الْمَجْرُور، وَذَلِكَ بِأَن يزدحم معَان استعمالية بَعْضهَا حَقِيقِيَّة وَبَعضهَا مجازية بِحَسب التجويز، وَهُوَ إِنَّمَا يتَصَوَّر إِذا كَانَ الْمقَام صَالحا لإِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، والمجازي بِأَن لم يكن الصَّارِف عَن الْحَقِيقِيّ قَاطعا فِي الصّرْف وَإِلَّا يتَعَيَّن الْمجَازِي (إِلَى تَأمل) غَايَة للخفاء فِي هَذَا الْقسم، وَقد مر أَن الْعقل يدْرك المُرَاد فِيهِ بعد التَّأَمُّل، وَإِنَّمَا قيد تعدد الْمعَانِي الْمُوجب للخفاء بِالْعلمِ بالاشتراك أَو التجويز الْمَذْكُور، لِأَن تعدد الْمعَانِي لاستعماله من غير أَن يعلم السَّامع اشتراكها أَو تجوزها مجازية أَو بَعْضهَا لَا يتَصَوَّر، لِأَن شَرط الِاسْتِعْمَال فِي الْمَعْنى أَن يكون مَوْضُوعا لَهُ، أَو يكون بَينه وَبَين الْمَوْضُوع لَهُ علاقَة من أَنْوَاع العلاقات الْمُعْتَبرَة فِي المجازات، وَقد علمت أَن مُجَرّد التَّعَدُّد لَا يَكْفِي، بل لَا بُد أَن يكون الْمقَام بِحَيْثُ يحْتَمل كلا مِنْهَا (مُشكل) خبر الْمَوْصُول، من أشكل عَلَيْهِ الْأَمر إِذا دخل فِي أشكاله وَأَمْثَاله، بِحَيْثُ لَا يعرف إِلَّا بِدَلِيل يتَمَيَّز بِهِ (وَلَا يُبَالِي بصدقه) أَي الْمُشكل (على الْمُشْتَرك) كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي أثْنَاء التَّعْرِيف (كَأَنِّي فِي) قَوْله تَعَالَى - {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ} - (أَنى شِئْتُم) قَالَه مُشكل لخفا مَعْنَاهُ لاشتراكه بَين معَان يسْتَعْمل فِي كل مِنْهَا، قَالَ الرضي:

أنى لها ثلاث معان استفهامية كانت أو شرطية: أحدها أين ولابد حينئذ أن تستعمل مع من، أما ظاهرة نحو من أين عشرون لنا من أنى، أو مقدرة نحو أني لك هذا: أي من أين لك، ولا يقال أني زيد، بمعنى أين زيد، وتجيء بمعنى كيف نحو - أي تؤفكون - وتجيء بمعنى متى، وقد أول قوله تعالى - أنى شئتم - على الأوجه الثلاثة، واقتصر المصنف رحمه الله على ذكر معنيين لحصول ما هو بصدده بهما، فقال (لاستعماله كأين وكيف) كقوله تعالى - أني يحيى هذه الله بعد موتها - (إلى أن تؤمل) في طلب المراد منه على صيغة المجهول، من باب التفعيل غاية للإشكال المحكوم به على أني (فظهر) أن المراد هو (الثاني) أي معنى كيف (بقرينة الحرث وتحريم الأذى)، فإن الأول يدل على أن المأتي إنما هو محل الحرث دون غيره، فلا سبيل إلى أن يراد جواز الاتيان من أي مكان شاء من الطريقين، على أن يكون المعنى من أين شئتم، والثاني وهو تحريم قربان المحيض بعلة الأذى والاستقذار المؤذي من يقرب نفرة منه موجود في الاتيان في الدبر على الأوجه الأتم، فتعين أن المراد بيان ما يفهم جواز الاتيان باعتبار الكيفية، ردا على اليهود، على ما روي أنهم كانوا يقولون: إن من جامع امرأته من دبرها في قبلها كان كان ولده أحول، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت (وما) أي اللفظ الذي خفاؤه بالتأمل (كمشترك) لفظي (تعذر ترجيحه) أي ترجيح بعض معانيه للإرادة (كوصية لمواليه) أي كلفظ الموالي المشترك بين المعتقين، والمعتقين في وصية من أوصى لمواليه، وهو معتق جمع، ومعتق جمع آخرين، فإنه حينئذ لا يعرف مراده بدون البيان، كما أشار إليه بقوله (حتى بطلت) الوصية (فيمن له الجهتان) أي في وصية من له جهة المعتقين والمعتقين، فإنه لا يرجى البيان بعد موت الموصى، وهذا ظاهر الرواية، وعن محمد إلا أن يصلطحا على أن يكون الموصى به بينهما، فإنه يجوز كذلك، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله جوازها، ويكون للفريقين (أو ابهام متكلم) عطف على المجرور في صلة الموصول، أي واللفظ: أي خفاؤه، لأنه أبهم متكلم على المخاطب مراده (بـ) ـسبب (وضعه) ذلك اللفظ (لغير ما عرف) من إرادته عند الإطلاق (كالأسماء الشرعية من الصلاة والزكاة والربا) الموضوعة لمعانيها الشرعية التي هي غير معانيها المعروفة قبل الوضع الشرعي، فإن الشارع لما استعملها ابتداء فيما وضعها بازائه أبهمها باعتبار ما أراد منها قبل علمهم بالوضع الثاني، وأحوجها إلى التفسير، فكأن فائدة الخطاب الإيمان بموجب ما أراد بها إجمالا، وطلب البيان، والاستفسار (مجمل) من أجمل الحساب رده إلى الجملة، أو الأمر أبهمه، وهو أخفى من المشكل لعدم امكان الوقوف عليه

بالاجتهاد وتوقفه على البيان، بخلاف المشكل، فهو مقابل المفسر (وما) أي اللفظ الذي خفي المراد منه بحيث (لم يرج معرفته في الدنيا متشابه) من التشابه، بمعنى الالتباس (كالصفات) أي صفات الله تعالى التي ورد فيها الكتاب والسنة (في نحو اليد والعين) مما يجب تنزيه الذات المقدسة عن معانيها الظاهرة كما قال الله تعالى - يد الله فوق أيهم - ولتصنع على عيني، (والأفعال) التي صدورها منه باعتبار ظواهر معانيها مستحيل (كالنزول) كما ورد في الصحيحين " ينزل ربك كل ليلة إلى سماء الدنيا " الحديث إلى غير ذلك مما دل عليه السمع القاطع بناء على ما عليه السلف من تفويض علمه إلى الله تعالى، والسكوت عن التأويل، واعتقاد عدم إرادة الظواهر المقتضية للحدوث والتشبيه (وكالحروف في أوائل السور) كالم وص وحم، وإطلاق الحروف عليها باعتبار مسمياتها، أو أريد بها الكلمات من قبيل إطلاق الخاص على العام، ذهب الأكثرون منهم أصحابنا والشعبي والزهري ومالك ووكيع والأوزاعي إلى أنها سر من أسرار الله تعالى استأثر الله بعلمه. قال البيضاوي: وقد روى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة ما يقرب منه، ولا يلزم منه الخطاب بما لا يفيد، إذ يجوز أن يكون فائدته طلب الإيمان بها كما يدل عليه الوقف على الجلالة في قوله - وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا -، وهو مذهب أكثر السلف والخلف والابتلاء لتبيين أهل الزيغ عن الراسخين، ثم لما كان هذا أشد خفاء مما قبله كان مقابله الحكم (وظهر) ما أشرنا إليه في أثناء تعريفات المسميات الثلاثة (أن الأسماء الثلاثة) المشكل، والمجمل، والمتشابه يدور ما يتضمن كل منها من الإشكال، والإجمال، والمتشابه المنبئ عن الخفاء (مع الاستعمال لا) يدور مع (الوضع كالمشترك) كما يدور اسم المشترك مع الوضع، لأن مدار الاشتراك على وضع اللفظ لأكثر من معنى واحد بوضع متعدد (والخفي) عطف على الأسماء: أي وظهر أن اسم الخفي دائر (مع عروض التسمية) أي مع عروض عارض عورض لبعض أفراد المسمى، فخفي شمول التسمية إياه كما عرفت (و) قالت (الشافعية ما) أي اللفظ الذي (خفي) المراد منه (مطلقا) سواء كان بنفس الصيغة أو يعارض عليها (مجمل، والإجمال) يكون (في) لفظ (مفرد للاشتراك) كالعين لتردده بين معانيه (أو الاعلال) هو تغيير حرف العلة للتخفيف، ويجمعه القلب والحذف والإمكان كمختار لتردده بين الفاعل والمفعول باعلال بقلب يائه المكسورة أو المفتوحة ألفا (أو جملة المركب) أكثر لتركبه أي مجموعه عطف على مفرد نحو قوله تعالى (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) العقد من النكاح ومن كل شيء أو وجوبه ولزومه، ويجوز أن تكون الإضافة بيانية، فمجموع

الْمَوْصُول مَعَ صلته مركب فِيهِ إِجْمَال لاحْتِمَال أَن يُرَاد بِهِ الزَّوْج، وَإِلَيْهِ ذهب أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لما روى الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " ولي الْعقْدَة الزَّوْج وَالْوَلِيّ " كَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك، وَالْمعْنَى على الأول أَن الْوَاجِب على من طلق قبل الْمَسِيس بعد تَسْمِيَة الْمهْر النّصْف " إِلَّا أَن يعفون " أَي المطلقات فَلَا يَأْخُذن شَيْئا، وَالْوَاو حِينَئِذٍ لَام الْفِعْل، وَالنُّون ضمير، أَو يعْفُو الزَّوْج عَمَّا يعود إِلَيْهِ بالتشطير، فيسوق الْمهْر إِلَيْهَا كملا، وعَلى الثَّانِي أَو يعْفُو الَّذِي يَلِي عقده نِكَاحهنَّ، وَذَلِكَ إِذا كَانَت صَغِيرَة (ومرجع الضَّمِير) مَعْطُوف على مُفْرد، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى ومرجع الضَّمِير مِنْهُ، وَذَلِكَ إِذا تقدم أَمْرَانِ يصلح لكل مِنْهُمَا كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا يمْنَع أحد جَاره أَن يضع خَشَبَة فِي جِدَاره " يحْتَمل عوده إِلَى أحدكُم، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد، وَإِلَى الْجَار كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَذَلِكَ إِذا كَانَ لَا يضرّهُ، وَلَا يجد الْوَاضِع بدا مِنْهُ، وَلَا يخفى أَن الْأَلْيَق بالوضعية فِي حق الْجَار الأول، وَقد سُئِلَ عَن أبي بكر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا أَيهمَا أفضل؟ فَأُجِيب من بنته فِي بَيته (وَتَقْيِيد الْوَصْف وإطلاقه فِي نَحْو طَبِيب ماهر) وَفِي الشَّرْح العضدي: وَمِنْهَا مرجع الصّفة فِي نَحْو زيد طَبِيب ماهر لتردده بَين المهارة مُطلقًا، والمهارة فِي الطِّبّ انْتهى. أَرَادَ بمرجع مَا يَئُول إِلَيْهِ فَإِنَّهُ مُتَرَدّد بَين الْوَجْهَيْنِ وَحَاصِله أَن الْوَصْف وَهُوَ ماهر مثلا مردد بَين أَن يكون مُقَيّدا بِكَوْنِهِ فِي الطِّبّ، أَو مُطلقًا بِأَن تكون مهارته فِي الطِّبّ وَغَيره، فَقَوله وَتَقْيِيد الْوَصْف مَعْطُوف على مَا عطف عَلَيْهِ مرجع الضَّمِير أَو عَلَيْهِ (وَالظَّاهِر أَن الْكل) أَي إِجْمَال كل مَا تقدم من الْمثل ونظائرها (فِي مُفْرد بِشَرْط التَّرْكِيب) لِأَن الحكم بِكَوْن اللَّفْظ مُجملا إِذا لم يكن جُزْء الْكَلَام، وطرف نِسْبَة غَيرهَا ظَاهر، لِأَنَّهُ عبارَة عَن عدم تعين المُرَاد مِنْهُ عِنْد الِاسْتِعْمَال، واستعماله إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي التراكيب، فَإِن إِطْلَاق لفظ مُفْرد، وَإِرَادَة معنى بِهِ من غير أَن يكون مَحْكُومًا عَلَيْهِ، أَو بِهِ، أَو مُتَعَلقا بِأَحَدِهِمَا، أَو طرفا لنسبة مَا يكَاد أَن لَا يصدر من الْعَاقِل، ثمَّ فِيمَا يظنّ كَونه إِجْمَالا فِي الْمركب كَقَوْلِه تَعَالَى - {الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} - يظْهر بعد التَّأَمُّل أَنه فِي الْمُفْرد، وَهُوَ الْمَوْصُول هَهُنَا غير أَنه لَا يتم بِدُونِ الصِّلَة، فَشرط التَّرْكِيب فَتدبر (وَعِنْدهم) أَي الشَّافِعِيَّة خبر الْمُبْتَدَأ، وَهُوَ (الْمُتَشَابه) أَي اسْم الْمُتَشَابه مَوْجُود فِي اصطلاحهم (لَكِن مُقْتَضى كَلَام الْمُحَقِّقين تساويهما) أَي الْمُجْمل والمتشابه (لتعريفهم) أَي الشَّافِعِيَّة، أَو تحقيقهم (الْمُجْمل بِمَا لم تتضح دلَالَته) قيل من قَول أَو فعل، فَإِن الْفِعْل لَهُ دلَالَة عقلية، وَخرج المهمل لعدم الدّلَالَة، والمبين لاتضاحها فِيهِ (وَبِمَا لم يفهم مِنْهُ معنى أَنه مُرَاد) أَي لم يفهم مِنْهُ الْمَعْنى من حَيْثُ أَنه مُرَاد، وَإِلَّا فَالْأَصْل الْفَهم على سَبِيل

الِاحْتِمَال غير منفي، فَقَوله أَنه مُرَاد بدل اشْتِمَال (وَعَلِيهِ) أَي على التَّعْرِيف الثَّانِي (اعتراضات) مثل أَنه غير مطرد لصدقه على المهمل وَلَا منعكس، لِأَنَّهُ يجوز أَن يفهم من الْمُجْمل أحد محامله لَا بِعَيْنِه وَهُوَ معِين، وَقد يكون الْمُجْمل فعلا، والمتبادر من الْمَوْصُول اللَّفْظ (لَيست بشي) لِأَن الْمُتَبَادر مِنْهُ أَن يكون لَهُ دلَالَة، وَلَا دلَالَة للمهمل، وَفهم أحد المحامل لَا بِعَيْنِه لَا يكون فهم المُرَاد، والموصول أَعم من القَوْل وَالْفِعْل (والمتشابه) أَي ولتعريفهم إِيَّاه (بِغَيْر المتضح الْمَعْنى) وَهُوَ التَّسَاوِي بَين التعريفات ظَاهر، بل الْكَلَام فِي الِاتِّحَاد (وَجعل الْبَيْضَاوِيّ إِيَّاه) أَي الْمُتَشَابه (مُشْتَركا بَين الْمُجْمل والمؤول) حَيْثُ قَالَ والمشترك بَين النَّص، وَالظَّاهِر الْمُحكم، وَبَين الْمُجْمل والمؤول الْمُتَشَابه (مُشكل) لَا يذهب عَلَيْك لطف هَذَا التَّعْبِير (لِأَن المؤول ظَهرت دلَالَته على الْمَرْجُوح) فَصَارَ متضح الْمَعْنى (بِالْمُوجبِ) أَي بِالدَّلِيلِ الْمُوجب حمله على الِاحْتِمَال الْمَرْجُوح حَتَّى صَار بِهِ راجحا (لَا يُقَال يُريدهُ) أَي يُرِيد الْبَيْضَاوِيّ كَون المؤول غير متضح الْمَعْنى (فِي نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن الْمُوجب لِأَنَّهُ) أَي المؤول (حِينَئِذٍ) أَي حِين قطع النّظر عَن الْمُوجب (ظَاهر لَا يصدق عَلَيْهِ متشابه) إِذْ الِاحْتِمَال الرَّاجِح لَا يُعَارضهُ الْمَرْجُوح على ذَلِك التَّقْدِير فَتعين أَن يكون مرَادا بِحَسب الظَّاهِر، فَلَا يصدق عَلَيْهِ إِذن غير متضح المُرَاد فَلَا يصدق على المؤول تَعْرِيف الْمُتَشَابه، لَا بِالنّظرِ إِلَى نَفسه، وَلَا بِالنّظرِ إِلَى الْمُوجب، فَلَا وَجه لإدراجه فِي الْمُتَشَابه (وَأَيْضًا يَجِيء مثله فِي الْمُجْمل) جَوَاب آخر عَن قَوْله لَا يُقَال الخ تَقْرِيره أَنكُمْ حَيْثُ سميتم المؤول المقرون بِمَا يُوجب حمله على الْمَعْنى الْمَرْجُوح متشابها بِاعْتِبَار نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن الْبَيَان احْتِرَازًا عَن التحكم (لَكِن مَا لحقه الْبَيَان خرج عَن الْإِجْمَال بالِاتِّفَاقِ) من الْفَرِيقَيْنِ (وَسمي مُبينًا عِنْدهم) أَي الشَّافِعِيَّة (وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا (إِن كَانَ) الْبَيَان (شافيا) رَافعا للإجمال رَأْسا (بقطعي فمفسر) أَي فَمَا لحقه الْبَيَان الْمَذْكُور يُسمى مُفَسرًا عِنْدهم كبيان الصَّلَاة وَالزَّكَاة (أَو) كَانَ الْبَيَان شافيا (بظني فمؤول) كبيان مِقْدَار الْمسْح بِحَدِيث الْمُغيرَة (أَو) كَانَ الْبَيَان (غير شاف خرج) الْمُجْمل (عَن الْإِجْمَال إِلَى الْإِشْكَال) كبيان الْعدَد بِالْحَدِيثِ الْوَارِد فِي الْأَشْيَاء السِّتَّة فِي الصَّحِيحَيْنِ فَإِنَّهُ يبْقى فِيهِ الْإِشْكَال بَعْدَمَا ارْتَفع الْإِجْمَال بِاعْتِبَار منَاط الحكم هَل هُوَ الْجِنْس وَالْقدر، أَو الطّعْم؟ على مَا عرف فِي مَوْضِعه (فَجَاز طلبه) أَي طلب بَيَانه حِينَئِذٍ (من غير الْمُتَكَلّم) لِأَن بَيَان الْمُشكل مِمَّا يَكْتَفِي فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ، بِخِلَاف الْإِجْمَال، فَظهر أَن الْمُجْمل الَّذِي لحقه الْبَيَان: قَطْعِيا كَانَ أَو ظنيا: شافيا كَانَ أَو غير شاف لَا يُوصف بالإجمال عِنْد الْحَنَفِيَّة أَيْضا (فَلِذَا) أَي لما ذكر من التَّفْصِيل (رد مَا ظن من أَن الْمُشْتَرك المقترن بِبَيَان مُجمل بِالنّظرِ إِلَى نَفسه مُبين بِالنّظرِ إِلَى الْمُقَارن) الظَّان الْأَصْفَهَانِي، والراد

المحقق التفتازاني حيث قال: وليس بشيء إذا لم يعرف اصطلاح على ذلك، بل كلام القوم صريح في خلافه، لكن الحق أنه يصدق على المشترك المبين من حيث أنه مبين أنه لا يمكن أن يعرف منه مراده، بل إنما عرف بالبيان (والحاص أن لزوم الأسمين) المجمل والمبين (باعتبار ما ثبت في نفس الأمر للفظ من البيان) فيما لحقه البيان ((أو الاستمرار على عدمه) أي عدم البيان فيما لم يلحقه، فالمجمل لا يخلو: إما لحقه البيان فلزمه اسم المبين، ولا يطلق عليه بعد ذلك املجمل ولو باعتبار ما كان، وإما لم يلحقه فلزمه اسم المجمل، وهذا ظاهر (فالمجمل أعم عند الشافعية) منه عند الحنفية، لأنه عند الشافعية ما خفي مطلقا، وهذا المعنى مقسم الأقسام الأربعة التي من جملتها المجمل (ويلزمه) أي كونه أعم عندهم (أن بعض أقسامه) أي المجمل (يدرك عن غير المتكلم) وهو فيما يدرك بالاجتهاد (وبعضه لا) يدرك بيانه (إلا منه) أي المتكلم (إذ لا ينكر جواز وجود إبهام كذلك) أي لا يدرك معرفته إلا ببيان المتكلم، وكأنه أراد الجواز المقارن للوقوع (وكذا المتشابه) في كونه منقسما إلى القسمين (إلا أنهم) أي الشافعية (والأكثر) اتفقوا (على إمكان دركه) أي المتشابه المتفق على أنه متشابه (خلافا للحنفية) حيث قالوا لا يمكن دركه في الدنيا كما ذهب إليه الصحابة والتابعون وعامة المتقدمين، غير أن فخر الإسلام وشمس الأئمة استثنيا النبي صلى الله عليه وسلم (وحقيقة الخلاف) بين الطائفتين (في وجود قسم) للفظ باعتبار خفاء دلالته (كذلك) أي على الوجه المذكور، وهو عدم إمكان دركه (ولا يخفى أنه) أي الخلاف المذكور (بحث عن) وجود (قسم شرعي استتبع) يعني هل يوجد في خطابات الشارع لفظ لا يمكن إدراكه المراد منه مطلوب اتباع المكلف إياه من حيث الإيمان به، ولا يجوز اتباعه للتأويل أولا، بل كان متشابه يمكن إدراكه، فيجوز اتباعه طلبا للتأويل (لا لغوى) أي ليس البحث عن وجود لفظ كذا غير متعلق لحكم شرعي (فجاز عندهم) أي الشافعية (اتباعه طلبا للتأويل) وأما الاتباع للإيمان به إجمالا والتوسل به إلى التقرب باعتبار قراءته فهو مطلوب بالإجماع (وامتنع عندنا) لما سيجيء (فلا يحل) اتباعه طلبا للتأويل (ولا نزاع في عدم امتناع الخطاب بما لا يفهم، ابتلاء للراسخين) بل وللزائغين أيضا فإنه فتنة بالنسبة اليهم، والراسخون في العلم الذين ثبتوا وتمكنوا فيه (بإيجاب اعتقاد الحقية) أي حقية ما أراد الله تعالى منه على الإجمال، والجار متعلق بالابتلاء (وترك الطلب) للوقوف عليه (تسليما عجزا) أي استسلاما لله، واعترافا بالقصور عن دركه (بل) النزاع (في وقوعه) أي الخطاب بما لا يفهم (فالحنفية نعم) هو واقع (لقوله تعالى - وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون) في العلم - إلى

قوله - كل من عند ربنا - (عطف جملة) اسمية المبتدأ منها الراسخون (خبره يقولون لأنه تعالى) تعليل لكونه عطف جملة، لا عطف مفرد حتى يلزم مشاركة الراسخين في علم التأويل (ذكر أن من الكتاب متشابها يتبغي تأويله قسم وصفهم بالزيغ) والعدول عن الحق (فلا اقتصر) على ذكر القسم المذكور (حكم) من حيث السياق والسباق (بمقابلهم) أي في مقابل الموصوفين بالزيغ (قسم بلا زيغ لا يبتغون) تأويله، ولا الفتنة (على وزان - فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه -) فإنه تعالى لما اقتصر على هذا (اقتضى مقابله) وهو، وأما الذين كفروا به ولم يعتصموا به فسيدخلهم في نار جهنم أو نحو ذلك (فتركه) أي المقابل إيجاز الدلالة قسيمه عليه (فكيف) لا يحكم بمقابلة القسم المذكور (وقد صرح به) أي بالقسم المقابل (أعني الراسخون، وصحت جملة التسليم) أي الجملة التي مضمونها التسليم، وهي - يقولون آمنا به كل من عند ربنا - (خبرا عنه) أي عن الراسخون، فلا يقال إنه إذا لم يعطف الراسخون على الجلالة يلزم كونه مبتدأ بلا خبر (فيجب اعتباره) أي اعتبار قوله - والراسخون - إلى آخره (كذلك) أي على الوجه المذكور في حل التركيب، (فإن قيل قسم الزيغ المتبعون ابتغاء) مجموع الأمرين (الفتنة والتأويل، فالقسم المحكوم بمقابلته) أي في مقابلة قسم الزيغ قسم حكم فيه (بنفي) مجموع (الأمرين) فيصدق على من انتفي عنه أحدهما دون الآخر (قلنا قسم الزيغ) يتقوم حقيقته (بابتغاء كل) من الفتنة والتأويل (لا) بانتفاء (المجموع) من حيث من هو مجموع ليلزم أن يكون المقابل من لم يبتغ المجموع، فلا يلزم حينئذ ذم من يبتغي التأويل فقط، أو يبتغي الفتنة فقط، وإن استلزمت الفتنة ابتغاء التأويل، وإنما اعتبر في الزيغ كل من البغيين مستقلا (إذ الأصل استقلال) كل واحد من (الأوصاف) المذكورة للأشعار بعلة الحكم فيما سيق لأجله (إذ الأصل استقلال) كل واحد من (الأوصاف) المذكورة للأشعار بعلة الحكم فيما سيق لأجله (ولأن جملة يقولون حينئذ) أي حين يعطف الراسخون على الله كما ذهب إليه الحضم (حال) عن الراسخين (ومعنى متعلقها) أي متعلق الحال وهو مقول القول (ينبو) أي يبعد ويقصر (عن موجب عطف المفرد) وهو الراسخون على المفرد، وهو الله (لأن مثله) أي مثل متعلق الحال، وهو قولهم - آما إلى آخره (في عادة الاستعمال يقال للعجز والتسليم) أي لافادتهما فصار معنى حرفيا للقول المذكور، وهذا لا يناسب موجب العطف، وهو مشاركة الراسخين علام الغيوب في علم التأويل على وجه الانحصار، لا يقال لم لا يجوز أن يكون من باب التواضع، لأنا نقول قوله تعالى - يقولون - يفيد استمرارهم على هذا القول، وإيثار الله إياهم بنعمة علم التأويل يقتضي أن يحدثوا بنعمة وبهم، وعند ذلك يستفاد ضد العجز فلا يتحقق الاستمرار، بل لا يليق بحال الغنى أن يظهر

نَفسه فِي لِبَاس الْفَقِير وَالله أعلم (وَغَايَة الْأَمر) أَي أَمر الْخصم وشأنه فِي المناقشة أَن يدعى (أَن مُقْتَضى الظَّاهِر) على تَقْدِير كَون الْجُمْلَة المعطوفة لبَيَان قسم مُقَابل لقسم الزيغ (أَن يُقَال: وَأما الراسخون) ليعادل قسيمه، وَلِأَن الشَّائِع فِي كلمة: أما فِي مثل هَذَا الْمقَام أَن يثنى ويكرر، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (فَإِذا ظهر الْمَعْنى) المُرَاد بإماراته، وَهُوَ هَهُنَا بَيَان حَال الْقسمَيْنِ على الْوَجْه الَّذِي ذكر (وَجب كَونه) أَي كَون الْكَلَام وَاقعا (على مُقْتَضى الْحَال) وَهُوَ الْأَمر الدَّاعِي لاعْتِبَار خُصُوصِيَّة مَا فِي الْكَلَام (الْمُخَالف لمقْتَضى الظَّاهِر) وَهُوَ إِيرَاد كلمة أما، وَالْحَال الَّتِي مُقْتَضى الْمُخَالف إبراز الْكَلَام فِي صُورَة توهم مُوجب عطف الْمُفْرد ليتمسك بِهِ أهل الزيغ فيستحكم فِيهِ، ويتميز عَنْهُم الراسخون بالثبات عَن الزلل كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} - {يضل بِهِ كثيرا وَيهْدِي بِهِ كثيرا} - (مَعَ أَن الْحَال قيد لِلْعَامِلِ) وَهُوَ الْعلم هَهُنَا (وَلَيْسَ علمهمْ) أَي الراسخين بتأويله (مُقَيّدا بِحَال قَوْلهم - {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا} -) بل هُوَ مَوْجُود فِي جَمِيع الْأَحْوَال (وأيد حملنَا) الْآيَة على الْمَعْنى الَّذِي ذكرنَا (قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: وَأَن تَأْوِيله إِلَّا عِنْد الله) فَإِنَّهُ لَا يُمكن فِيهَا عطف والراسخون على الله لكَونه مجرورا، فموجبه حصر علم التَّأْوِيل فِي الله، والتوفيق بَين الْقرَاءَات مَطْلُوب، وَكَذَا قَرَأَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَيَقُول الراسخون فِي الْعلم آمنا بِهِ كَمَا أخرجه سعيد بن مَنْصُور عَنهُ بِإِسْنَاد صَحِيح، وعزيت إِلَى أبي أَيْضا (فَلَو لم تكن) قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (حجَّة) لكَونهَا شَاذَّة (صلحت مؤيدا) لما قدمْنَاهُ (على وزان ضَعِيف الحَدِيث) الَّذِي ضعفه لَيْسَ بِسَبَب فسق رُوَاته (يصلح شَاهدا وَإِن لم يكن مثبتا) قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله فِي مبَاحث السّنة حَدِيث الضعْف للفسق لَا يرتقي بِتَعَدُّد الطّرق إِلَى الحجية وَلغيره مَعَ الْعَدَالَة يرتقي، فمراده من شَهَادَته تَكْمِيل وجبر لنُقْصَان كَانَ فِي الدَّلِيل لموجبه الْمُورث لشُبْهَة فِيهِ، فَإِذا صلحت مؤيدا على تَقْدِير عدم حجيتها (فَكيف) لَا يصلح (وَالْوَجْه) أَي الدَّلِيل (منتهض) أَي قَائِم (على الحجية كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى) أَي على حجية الْقِرَاءَة الشاذة. قَالَ فِي مبَاحث الْكتاب: الشاذ حجَّة ظنية خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله، لنا مَنْقُول عدل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى قلت بل وفيهَا زِيَادَة، وَهِي أَنه نِسْبَة إِلَى الله تَعَالَى، والجرأة على الله أصعب من الجرأة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَجَرت عَادَة الشَّافِعِيَّة بِاتِّبَاع الْمُجْمل بِخِلَاف) صلَة الِاتِّبَاع (فِي جزئيات) مُتَعَلق بِالْخِلَافِ (أَنَّهَا) أَي تِلْكَ الجزئيات (مِنْهُ) أَي من الْمُجْمل، وَقَوله أَنَّهَا مِنْهُ: بدل من الجزئيات، لِأَن الْخلاف فِي أَنَّهَا أَي تِلْكَ الجزئيات هَل هِيَ من الْمُجْمل أم لَا (فِي مسَائِل) أَي حَال كَون تِلْكَ الجزئيات مَذْكُورَة فِي ضمن مسَائِل.

(الأولى) مُبْتَدأ خَبره (التَّحْرِيم الْمُضَاف إِلَى الْأَعْيَان) إِلَى آخِره {كحرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} - {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} -، والتحليل الْمُضَاف إِلَيْهَا نَحْو - {أحلّت لكم الْأَنْعَام} -، وَالْمرَاد بِالْإِضَافَة النِّسْبَة، والأعيان مَا يُقَابل الْمعَانِي وَالْأَفْعَال (عَن الْكَرْخِي والبصري) أبي عبد الله نقل (إجماله) أَي إِجْمَال التَّحْرِيم الْمَذْكُور (وَالْحق) كَمَا قَالَ (ظُهُوره) أَنه ظَاهر (فِي) مُرَاده (معِين) بِحَسب كل مقَام كَمَا سيتبين (لنا) أَي الْحجَّة فِي الظُّهُور (الاستقراء) أَي مفَاد الاستقراء أَو المستقرأ (فِي مثله) من إِضَافَة الحكم إِلَى الذوات (إِرَادَة منع الْفِعْل الْمَقْصُود مِنْهَا) أَي من الْأَعْيَان، فَإِن مِمَّا يقْصد من النِّسَاء مثلا النِّكَاح ودواعيه، وَمن الْحَرِير اللّبْس، وَمن الْخمر الشّرْب، فالتحريم بِالْحَقِيقَةِ مُضَاف إِلَى هَذِه الْأَفْعَال (حَتَّى كَانَ) الْمَنْع الْمَذْكُور (متبادرا) أَي سَابِقًا إِلَى الْفَهم عرفا (من) نَحْو (حرمت الْحَرِير وَالْخمر والأمهات فَلَا إِجْمَال) إِذْ المُرَاد مُتَعَيّن (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بالإجمال (لَا بُد من تَقْدِير فعل) إِذْ التَّحْرِيم والتحليل تَكْلِيف بِالْفِعْلِ الْمَقْدُور، والمعين غير مَقْدُور، وَلَا يَصح تَقْدِير جَمِيع الْأَفْعَال (وَلَا معِين) للْبَعْض، فَلَزِمَ الْإِجْمَال (قُلْنَا تعين) الْبَعْض، وَهُوَ الْمَقْصُود من الْعين (بِمَا ذكرنَا) من التبادر (وادعاء فَخر الْإِسْلَام وَغَيره من الْحَنَفِيَّة الْحَقِيقَة) فِي اللَّفْظ الْمركب الدَّال على تَحْرِيم الْعين، مَعَ أَن الْحُرْمَة وَغَيرهَا من الْأَحْكَام الْخَمْسَة إِنَّمَا يُوصف بهَا أَفعَال الْمُكَلّفين، وَمُقْتَضَاهُ أَن يكون من الْمجَاز الْعقلِيّ (لقصد إِخْرَاج الْمحل) الَّذِي هُوَ الْعين الْمُضَاف إِلَيْهَا التَّحْرِيم (عَن الْمَحَلِّيَّة) عَن أَن يكون محلا للْفِعْل، وَقَوله لقصد مُتَعَلق بالادعاء، يَعْنِي أَن الْمَقْصُود من تَحْرِيم الْعين خُرُوجهَا عَن الْمَحَلِّيَّة، وَالْخُرُوج عَن الْمَحَلِّيَّة وصف ثَابت للعين حَقِيقَة فإسناده إِلَيْهَا على سَبِيل الْحَقِيقَة، وَلَا يخفى أَن تَفْسِير التَّحْرِيم بِهَذَا الْمَعْنى يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل تَصْحِيح، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (تَصْحِيحه) أَي الادعاء الْمَذْكُور، وَهُوَ خبر الْمُبْتَدَأ (بادعاء تعارف تركيب منع الْعين) كَحُرْمَةِ الْحَرِير وَالْخمر (لإخراجها) أَي الْعين (عَن محلية الْفِعْل) الْمَقْصُود مِنْهَا (الْمُتَبَادر) إِلَى الْفَهم (لَا) عَن محلية الْفِعْل (مُطلقًا) أَلا ترى أَن الْأُم خرجت عَن محليتها للنِّكَاح ودواعيه وَلم تخرج عَن محليتها لِأَن تقبل رَأسهَا إِكْرَاما، وَنَحْو ذَلِك (وَفِيه) أَي فِيمَا ذكرنَا من التَّصْحِيح (زِيَادَة بَيَان سَبَب الْعُدُول عَن التَّعْلِيق) أَي تَعْلِيق التَّحْرِيم (بِالْفِعْلِ إِلَى التَّعْلِيق بِالْعينِ) وَمِنْهُم من خصص ادِّعَاء الْحَقِيقَة بالحرام لعَينه، وَمِنْهُم من عمم فَأدْخل الْحَرَام لغيره أَيْضا فِيهِ وَهُوَ الْأَظْهر، وَقد نَص الْكرْمَانِي على تَسْلِيم كَونه مجَازًا فِي اللُّغَة حَقِيقَة فِي الْعرف، يَعْنِي عرف الشَّرْع. المسئلة (الثَّانِيَة) مُبْتَدأ خَبره (لَا إِجْمَال فِي وأمسحوا برءوسكم) فَإِن قلت لَا بُد فِي المسئلة من

حكم كلي والحكم ههنا جزئي، قلت المراد لا إجمال في نحو هذا أي في كل محل داخل عليه بالآلة متعلقة بفعل يحتمل أن تستوعبه (خلافا لبعض الحنفية) القائلين بالإجمال فيه (لأنه لو لم يكن في مثله) أي هذا التركيب (عرف يصحح إرادة البعض كمالك) في الشرح العضدي في تعليل نفي الأعمال لها أنه لغة لمسح الرأس هو الكل، فإن لم يثبت في مثله عرف في إطلاقه على البعض اتضح دلالته في الكل للمقتضي السالم عن المعارض كما هو مذهب مالك والقاضي أبي بكر وابن جنى انتهى، يعنى أنهم ذهبوا إلى عدم ثبوته، واتضاح الدلالة في الكل لما ذكروا أنه المراد، وإليه أشار بقوله (أفاد) أي التركيب المذكور (مسح مسماه) أي مسح الرأس (وهو) أي مسماه (الكل أو كان) فيه عرف يصحح إرادة البعض منه (أفاد) التركيب حينئذ (ببعضا مطلقا) يتحقق في ضمن كل بعض، ويتبين أن المراد إنما هو الإطلاق وحصول المقصود ببعض ما: أي بعض كان (ويحصل) أي البعض المطلق (في ضمن الاستيعاب) واستيفاء الكل (وغيره) أي غير الاستيعاب (فلا إجمال) بوجه: أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأنه ظاهر في بعض مطلق (ثم ادعى مالك عدمه) أي عدم العرف المذكور (فلزم الاستيعاب) لما ذكر (والشافعية) أي وادعى الشافعية (ثبوته) أي ثبوت الطرف المصحح إرادة البعض (في نحو مسحت يدى بالمنديل) بكسر الميم فإنه يفهم منه عرفا مسحها ببعض المنديل، فإذا ذكر في موضع المنديل المحل: أي الرأس فهم التبعيض (أجيب بأنه) أي التبعيض (هو العرف فيما هو آلة لذلك) أي فيما كان مدخول الباء آلة الفعل، ومدخلها في الآية المحل، لا الآلة، ولا نسلم أنه إذا دخلت على المحل فهم التبعيض عرفا (والأوجه أنه) أي التبعيض فيما هو آلة لذلك (ليس للعرف) أي ليس مدلولا عرفيا (بل) يحكم به (للعلم بأنه) أي ما هو آلة يعتبر (للحاجة) وبقدرها (وهي) أي الحاجة مندفعة ببعضه أي ببعض ما هو آلة للفعل كالمنديل مثلا (فتعلم إرادته) أي إرادة البعض بهذه القرينة، لا لكون الكلام موضوعا عرفا للتبعيض في مثل ذلك التركيب (قالوا) أي الشافعية (الباء للتبعيض، أجيب بإنكاره) أي بإنكار كون الباء للتبعيض لغة (كابن جنى) بسكون الياء معرب كنى بكسر الكاف والجيم: أي لانكار ابن جني، وهو من كبار أئمة اللغة كون التبعيض من معاني الباء، (واعلم أن طائفة من المتأخرين) النحويين كالفارسي والقتيبي وابن مالك (ادعوه) أي كون الباء للتبعيض (في نحو). (شربن بماء البحر ثم ترفعت) .... متى لجج خضر لهن نئيج يقول شربت السحب من ماء، ثم ترفعت من لجج خضر، والحال أن لهن تصويتًا،

في القاموس في متى، وقد يكون بمعنى من نحو أخرجها متى مكة (وابن جنى يقول في سر الصناعة لا يعرفه) أي كون الباء للتبعيض (أصحابنا) لا يقال شهادة على النفي فلا يتعين، لأن عدم معرفة أئمة الاستقرار الصحيح لمعنى في اللغة دليل ظني على عدم وجوده فيها، (والحاصل أنه) أي كونها للتبعيض أو ادعاء الطائفة المذكورة (ضعيف للخلاف القوي) أي لقوة ما يخالفه لكونه مذهب الجمهور، وعدم ظهور شيوعه في الاستعمالات (ولأن الالصاق معناها المجمع عليه) في كونه (لها ممكن) خبر إن، ومعناها بدل من اسمها، والمجمع عليه صفته، يعني ممكن أن يراد منها، (فيلزم) كونه مرادا منها، لأن صحة إرادته مجمع عليه، بخلاف صحة إراد التبعيض فإنها مختلف فيه، والظاهر خلافه (ويثبت التبعيض اتفاقيا) لخصوصية المقام لا قياسيا بعرف ونحوه، ثم علل ثبوته الاتفاقي بقوله (لعدم استيعاب الملصق) الذي هو آلة المسح ههنا الملصق به وهو الرأس (لا) أن التبعيض يثبت (مدلولا) لها (وجه الاجمال أن الباء إذا دخلت في الآلة يتعدى الفعل) الذي دخل الباء على آلته (إلى المحل) أي إلى محله (فيستوعبه) أي الفعل محل (كمسحت يدي بالمنديل) فاليد كلها ممسوخة (وفي قلبه) هو ما إذا دخلت في محل (يتعدى إلى الالة فتستوعبها) أي الآلة (وخصوص المحل) وهو الرأس (هنا لا يساويها) أي الآلة (فلزم تبعيضه) أي تبعيض المحل ضرورة نقصانها في المقدار، ثم لما أثبت أن التبعيض لازم للضرورة أراد بيان أن المراد بعض معين لا مطلق، فقال (ثم مطلقه) أي مطلق البعض (ليس بمراد وإلا) أي وإن لم يكن كما قلنا، بل أريد المطلق (اجتريء) أي الكتفيء (بالحاصل) أي بمسح البعض الحاصل (في) ضمن (غسل الوجه عند من لا يشترط الترتيب، والكل) أي من شرط الترتيب ومن لم يشترط الترتيب متفقون (على نفيه) أي نفي الاجتزاء بذلك (فلزم كونه) أي البعض المراد (مقدرا) بمقدار معين عند الشارع هنا (ولا معين) لذلك المقدار عند المخاطبين (فكان مجملا في) حق (الكمية الخاصة، وقد يقال) أي من قبل الشافعية منعا للملازمة المذكورة في قوله والا اجتزيء إلى آخره (عدم الاجتزاء لحصوله) أي غسل البعض (تبعا لتحقق غسل الوجه) فإن المتوضي يقصد ان يتحقق أداء الفرض في غسل الوجه، وهذا التحقيق لا يحصل عادة بدون غسل شيء من أجزاء الرأس (لا يوجب نفي الإطلاق اللازم) للإلصاق في البعض المذكور لأن قوله بعدم الاجتزاء ليس لتعين المقدار، وعدم حصول ذلك المعين في ضمن غسل الوجه، بل لابد، الفرض في المسح يجب أن يتحقق أصالة بفعل مبتدأ مستقل لأداء المسح الواجب لانتفائه في ضمن أداء غسل الوجه (والحق أن التبعيض اللازم) اتفاقا (ما) أي بعض مقدر (بقدر الآلة لأنه)

أَي التَّبْعِيض (جَاءَ) وَثَبت (ضَرُورَة استيعابها) اسْتِيعَاب الْمسْح الْآلَة، فَإِن الْبَاء حِين دخلت فِي الْمحل تعدى الْفِعْل، وَهُوَ الْمسْح إِلَى الْآلَة تَقْديرا واستوعبها (وَهِي) أَي الْآلَة (غَالِبا كالربع) أَي كربع الرَّأْس فِي الْمِقْدَار، فَلَزِمَ الرّبع كَمَا هُوَ ظَاهر الْمَذْهَب، فَلَا إِجْمَال حِينَئِذٍ وَلَا إِطْلَاق (وَكَونه) أَي الرّبع الْمَمْسُوح (الناصية) وَهِي الْمُقدم من الرَّأْس (أفضل لفعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَمَا سَيذكرُهُ المُصَنّف رَحمَه الله فِي مسئلة الْبَاء. المسئلة (الثَّالِثَة لَا إِجْمَال فِي نَحْو " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ ") مِمَّا يَنْفِي صفته، وَالْمرَاد لَازم من لوازمها (لِأَن الْعرف) أَي الْمَعْنى الْعرفِيّ (فِي مثله قبل) وُرُود (الشَّرْع رفع الْعقُوبَة) فَإِن السَّيِّد إِذا قَالَ لعَبْدِهِ رفعت عَنْك الْخَطَأ كَانَ الْمَفْهُوم مِنْهُ أَنِّي لَا أؤاخذك بِهِ وَلَا أعاقبك عَلَيْهِ، فَهُوَ وَاضح فِيهِ (وَالْإِجْمَاع) مُنْعَقد (على إِرَادَته) أَي رفع الْعقُوبَة من الحَدِيث الْمَذْكُور (شرعا) أَي إِرَادَة شَرْعِيَّة فَلَزِمَ مُوَافقَة عرف الشَّرْع بعرف اللُّغَة (وَلَيْسَ الضَّمَان عُقُوبَة) فَلَا يُرَاد أَن رفع الْعقُوبَة مُطلقًا فِي الْخَطَأ يسْتَلْزم سُقُوط الضَّمَان فِيمَا إِذا أتلف مَال الْغَيْر خطأ (بل) يجب (جبرا لحَال المغبون) الْمُتْلف عَلَيْهِ فَلَا يجب عُقُوبَة (قَالُوا) أَي الذاهبون إِلَى الْإِجْمَال فِيمَا ذكر المذكورون فِيمَا سبق بطرِيق الْإِشَارَة، لِأَن الْمسَائِل المعدودة مِمَّا اخْتلف الأصوليون فِيهَا بِاعْتِبَار الْإِجْمَال وَعَدَمه (الْإِضْمَار) وَالتَّقْدِير لمتعلق الرّفْع (مُتَعَيّن) لِأَن نفس الْخَطَأ غير مَرْفُوع لوُقُوعه أَكثر من أَن يُحْصى (وَلَا معِين) لخُصُوص المُرَاد فَلَزِمَ الْإِجْمَال (أُجِيب) عَن احتجاجهم بِأَنَّهُ (عينه) أَي الْبَعْض بِخُصُوصِهِ، وَهُوَ رفع الْعقُوبَة (الْعرف الْمَذْكُور) على مَا عرفت. المسئلة (الرَّابِعَة لَا إِجْمَال فِيمَا يَنْفِي من الْأَفْعَال الشَّرْعِيَّة محذوفة الْخَبَر) أَي خبر لَا النافية الدَّاخِلَة على الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة (كلا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب)، لَا صَلَاة (إِلَّا بِطهُور) فَهَذَا من قبيل زيد عَالم (خلافًا للْقَاضِي) أبي بكر الباقلاني (لنا أَن نثبت أَن الصِّحَّة جُزْء مَفْهُوم الِاسْم الشَّرْعِيّ) وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (وَلَا عرف) للشارع (يصرف عَنهُ) أَي الْمَفْهُوم الشَّرْعِيّ (لزم تَقْدِير الْوُجُود) لِأَن الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم من نفي الْفِعْل الشَّرْعِيّ أحد الْأَمريْنِ: إِمَّا نفي الْوُجُود وَهُوَ الْأَظْهر، وَإِمَّا نفي الصِّحَّة، وَحَيْثُ فرض جزئية الصِّحَّة من مَفْهُوم الْكُلِّي كَانَ نفي الصِّحَّة مستلزما لنفي الْوُجُود، وَلَا شكّ أَن نفي الْوُجُود مُسْتَلْزم لنفي الصِّحَّة، لِأَنَّهُ لَا صِحَة بِدُونِ الْوُجُود فاذن بَينهمَا تلازم، وَقد عرفت أَن نفي الْوُجُود أظهر وَأقرب إِلَى الْفَهم فَتعين (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تثبت جزئيتها لَهُ (فَإِن تعورف صرفه) أَي نفي الْفِعْل شرعا فِي مثل ذَلِك (إِلَى) نفي (الْكَمَال لزم) صرفه إِلَيْهِ كَمَا فِي لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد لَا فِي الْمَسْجِد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَقَالَ ابْن خرم هُوَ صَحِيح من قَول عَليّ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتعارف صرفه إِلَى نفي الْكَمَال (لزم

تَقْدِير الصِّحَّة لِأَنَّهُ) أَي تقديرها (أقرب إِلَى نفي الذَّات) من تَقْدِير الْكَمَال يَعْنِي أَن الْحَقِيقَة المعتذرة هِيَ نفي الذَّات، وَعند تعذرها يتَعَيَّن الْأَقْرَب إِلَيْهَا فَإِن قلت قد سبق أَن نفي الْوُجُود أظهر وَهُوَ أقرب إِلَيْهِ قُلْنَا الْمَفْرُوض عدم الصِّحَّة جزئية من مَفْهُوم الِاسْم، وَعند ذَلِك يتَحَقَّق الْمَفْهُوم بِدُونِ الصِّحَّة، وكما أَن نفي الذَّات غير صَحِيح، لِأَنَّهُ خلاف الْوَاقِع كَذَلِك نفي الْوُجُود بِدُونِ الصِّحَّة غير صَادِق فَلَا تصح إِرَادَته فَتعين أَن يُرَاد نفي الصِّحَّة (وَهَذَا) أَي التَّعْلِيل بالأقربية على إِرَادَة نفي الصِّحَّة (تَرْجِيح لإِرَادَة بعض المجازات المحتملة) أَي بعض الْمعَانِي المجازية الَّتِي يحْتَملهُ اللَّفْظ بِحَسب الْمقَام على الْبَعْض (لَا إِثْبَات اللُّغَة بالترجيح) فَإِنَّهُ غير جَائِز على مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور من عدم جَوَاز إِثْبَات اللُّغَة بِالْقِيَاسِ خلافًا للْقَاضِي وَابْن سُرَيج، وَبَعض الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي تَسْمِيَة مسكوت عَنهُ باسم إِلْحَاقًا لَهُ بِمَعْنى يُسمى بذلك الِاسْم لِمَعْنى تَدور التَّسْمِيَة بِهِ مَعَه كَمَا بَين فِي مَوْضِعه، وكما أَنه لَا يجوز بِالْقِيَاسِ كَذَلِك لَا يجوز بالترجيح لاشْتِرَاكهمَا فِي الْعلَّة، وَهِي عدم صِحَة الحكم بِوَضْع اللَّفْظ بالمحتمل (قَالُوا) أَي المجملون (الْعرف فِيهِ) أَي فِيمَا يَنْفِي من الْأَفْعَال الشَّرْعِيَّة (مُشْتَرك بَين الصِّحَّة والكمال) يَعْنِي كَمَا أَنه يُرَاد بِهِ نفي الصِّحَّة عرفا فِي بعض الْموَاد كَذَلِك يُرَاد بِهِ نفي الْكَمَال عرفا فِي بعض آخر، (ف) إِذا كَانَ اللَّفْظ مُشْتَركا عرفا بَين الْمَعْنيين (لزم الْإِجْمَال قُلْنَا) الِاشْتِرَاك بَينهمَا عرفا (مَمْنُوع بل) إِرَادَة نفي الْكَمَال فِي بعض الاستعمالات الشَّرْعِيَّة مجَازًا (لاقْتِضَاء الدَّلِيل) الدَّال على أَن المُرَاد نفي الْكَمَال (فِي خصوصيات الْمَوَارِد) فَهُوَ قرينَة مُعينَة للمعنى الْمجَازِي مُخْتَصَّة بموارد جزئية، وَعند انْتِفَاء تِلْكَ الْقَرِينَة يتَعَيَّن الْمجَازِي الْأَقْرَب إِلَى الْحَقِيقَة على مَا ذكر من غير مزاحمة مجازى آخر فَلَا إِجْمَال. الْمَسْأَلَة (الْخَامِسَة لَا إِجْمَال فِي الْيَد وَالْقطع فَلَا إِجْمَال فِي فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا) يَعْنِي لَو كَانَ فِيهِ إِجْمَال لَكَانَ باعتبارهما، لِأَن غَيرهمَا من الْأَجْزَاء لَا يتَوَهَّم فِيهِ ذَلِك، وَإِذا لم يكن فِي شَيْء مِنْهُمَا لزم نفي الْإِجْمَال فِيهِ مُطلقًا (و) قَالَ (شرذمة) بِالْكَسْرِ: أَي قَلِيل من النَّاس (نعم) حرف إِيجَاب يُقرر مَا قبلهَا خبريا أَو إستفهاميا مثبتا أَو منفيا، يَعْنِي نعم فِيهَا إِجْمَال (فَنعم) أَي فَفِي فَاقْطَعُوا إِلَى آخِره إِجْمَال باعتبارهما، وَقد سبق أَن فِي أَمْثَاله الْإِجْمَال فِي الْمُفْرد بِشَرْط التَّرْكِيب، وَالْحجّة (لنا أَنَّهُمَا) أَي الْيَد وَالْقطع (لُغَة) موضوعان (لجملتها) أَي الْيَد من رُءُوس الْأَصَابِع (إِلَى الْمنْكب) وَهُوَ مجمع رَأس الْكَتف والعضد (والأبانة) وَهِي فصل الْمُتَّصِل (قَالُوا) أَي المجملون (يُقَال) الْيَد (للْكُلّ و) يُقَال للجزء مِنْهَا من رُءُوس الْأَصَابِع (إِلَى الْكُوع) وَهُوَ طرف الزند الَّذِي يَلِي الْإِبْهَام (و) يُقَال (الْقطع للإبانة وَالْجرْح) وَهُوَ شقّ الْعُضْو من غير إبانة لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَالْأَصْل) فِي اسْتِعْمَال اللَّفْظ (الْحَقِيقَة) فَهُوَ حَقِيقَة فِي كل مِنْهُمَا وَلَا مُرَجّح

لوَاحِد من الْكل والجزء فِي الأول، والأبانة وَالْجرْح فِي الثَّانِي، فَكَانَا مجملين (وَالْجَوَاب) أَنا لَا نسلم اشتراكهما (بل) كل من الْيَد وَالْقطع (مجَاز فِي) الْمَعْنى (الثَّانِي) أَي الْجُزْء وَالْجرْح (للظهور) أَي لظُهُور الْيَد وَالْقطع (فِي الْأَوَّلين) الْكل والأبانة، وتبادر الْمَعْنى من اللَّفْظ دَلِيل الْحَقِيقَة، وَلَو كَانَا مشتركين لم يتَبَادَر أحد الْمَعْنيين (فَلَا إِجْمَال، وَاسْتدلَّ) بمزيف على نفي الْإِجْمَال وَهُوَ أَن كلا مِنْهُمَا (يحْتَمل الِاشْتِرَاك) اللَّفْظِيّ على الْوَجْه الْمَذْكُور (والتواطؤ) بِأَن تكون الْيَد مَوْضُوعَة للقدر الْمُشْتَرك بَين الْكل والجزء، وَالْقطع للقدر الْمُشْتَرك بَين الأبانة وَالْجرْح (وَالْمجَاز) بِأَن يكون كل مِنْهُمَا حَقِيقَة فِي أحد فِي الْمَعْنيين مجَازًا فِي الآخر (والإجمال) يتَحَقَّق (على أَحدهَا) أَي أحد الِاحْتِمَالَات الثَّلَاثَة (وَعَدَمه) أَي عدم الِاحْتِمَال يتَحَقَّق (على اثْنَيْنِ) من الثَّلَاثَة (فَهُوَ) أَي عدم الْإِجْمَال (أولى) بِالِاعْتِبَارِ، لِأَن وُقُوع وَاحِد لَا بِعَيْنِه من اثْنَيْنِ أقرب من وُقُوع وَاحِد بِعَيْنِه فيغلب على الظَّن الْأَقْرَب المستلزم عدم الْإِجْمَال (وَدفع) الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (بِأَنَّهُ) أَي هَذَا الِاسْتِدْلَال (إِثْبَات اللُّغَة) وَوضع اللَّفْظ: أَي الْيَد وَالْقطع (بِتَعْيِين مَا وضع لَهُ الْيَد) وَالْقطع، الْبَاء للْبَيَان مُتَعَلق بالإثبات (بالترجيح) مُتَعَلق بِالتَّعْيِينِ (لعدم الْإِجْمَال) على الْإِجْمَال، فَاللَّام صلَة التَّرْجِيح، وَحَاصِله إِثْبَات أَن الْيَد وَالْقطع مَوْضُوع للْكُلّ والإبانة، بِدَلِيل تَرْجِيح عدم الْإِجْمَال عَلَيْهِ لكَونه أقرب مَوْضُوعا من وجوده لما ذكر، وَقد مر أَن إِثْبَات اللُّغَة بِمثلِهِ غير صَحِيح (على أَن نفي الْإِجْمَال) هُنَا أَعنِي (فِي الْآيَة على تَقْدِير التواطئ مَمْنُوع إِذْ الْحمل) أَي حمل كل وَاحِد من الْيَد وَالْقطع (على الْقدر الْمُشْتَرك لَا يتَصَوَّر، إِذْ لَا يتَصَوَّر إِضَافَة الْقطع) ونسبته (إِلَيْهِ) أَي إِلَى الْقدر الْمُشْتَرك (إِلَّا على إِرَادَة الْإِطْلَاق) بِأَن يُرَاد إِيقَاع الْقطع على أَفْرَاد مَا من أَفْرَاد الْمُشْتَرك: أَي فَرد كَانَ لِأَنَّهُ لَو لم يرد ذَلِك لامتنع إِضَافَة الْقطع إِلَيْهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ، وَهِي أَمر اعتباري لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج، وَإِمَّا أَن يُرَاد بِهِ كل فَرد مِنْهُ فَيلْزم قطع كل مَا يصدق عَلَيْهِ الْقدر الْمُشْتَرك، وَهُوَ ظَاهر الْبطلَان فَلم يبْق إِلَّا الْإِطْلَاق (وَهُوَ) أَي الْإِطْلَاق (مُنْتَفٍ إِجْمَاعًا) لِأَن مُقْتَضَاهُ حُصُول إِقَامَة حد السّرقَة بِقطع جُزْء من أَجزَاء الْيَد مُطلقًا وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع فَعلم أَنه على تَقْدِير التواطئ لَا يُرَاد الْقدر الْمُشْتَرك (فَكَانَ) المُرَاد (محلا معينا مِنْهَا) أَي من الْيَد (لَا معِين) فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى فَلَزِمَ الْإِجْمَال (وَالْحق أَنه لَا تواطؤ) أَي لَيْسَ بموضوع للقدر الْمُشْتَرك (وَإِلَّا نَاقض) تواطؤه (كَونه) مَوْضُوعا (للْكُلّ) وَوَضعه ثَابت للْكُلّ نقلا وَيدل عَلَيْهِ تبادره عِنْد الْإِطْلَاق من غير قرينَة صارفة عَنهُ (لَكِن يعلم إِرَادَة الْقطع فِي خُصُوص) أَي فِي جُزْء مَخْصُوص (مِنْهُ) أَي من الْكل لإِرَادَة قطع الْكل، وَهَذَا الْعلم بِمَا

قَامَ عِنْد المخاطبين من الْقَرَائِن الدَّالَّة على كَون المُرَاد محلا معينا من غير تعْيين ذَلِك الْمعِين، وَلذَا قَالَ (وَلَا معِين، فإجماله فِيهِ) أَي فَكَانَ الْقطع مُجملا فِي حق مَحَله الْمعِين (وَأما إِلْزَام أَن لَا مُجمل حِينَئِذٍ) جَوَاب سُؤال مُقَدّر على الِاسْتِدْلَال المزيف، تَقْرِيره يلْزم أَن لَا يكون مُجمل أبدا أَو مَا من الْجمل وَإِلَّا يجْرِي فِيهِ ذَلِك بِعَيْنِه، وَقَوله حِينَئِذٍ أَي حِين يتم هَذَا التَّوْجِيه (فَدفع) الْإِلْزَام الْمَذْكُور (بِأَن ذَلِك) أَي جَرَيَان الدَّلِيل فِيمَا (إِذا لم يتَعَيَّن) الْإِجْمَال بدليله (لَكِن تعينه) أَي الْإِجْمَال فِي موَاضعه (ثَابت بِالْعلمِ بالاشتراك والحقائق الشَّرْعِيَّة) إِشَارَة إِلَى مَا سبق من أَن الأجمال قد يكون لتَعَدد مَكَان لَا يعرف إِلَّا بِبَيَان كمشترك تعذر تَرْجِيحه، وَقد يكون لإبهام مُتَكَلم لوضعه لغير مَا عرف كالأسماء الشَّرْعِيَّة من الصَّلَاة وَالزَّكَاة والربا، وَقد مر بَيَانه، فَالْمُرَاد بقوله بِالْعلمِ الخ الْعلم بِهِ مَعَ تعذر التَّرْجِيح، وَقَوله والحقائق مَعْطُوف على الِاشْتِرَاك يَعْنِي الْإِجْمَال ثَابت بعلمنا بِأَن الصَّلَاة مثلا لَهَا حَقِيقَة شَرْعِيَّة مُعينَة غير اللُّغَوِيَّة مُرَادة للشارع عِنْد اسْتِعْمَالهَا وَلَا معِين لَهَا عِنْد التخاطب بهَا، فَلَزِمَ الْإِجْمَال. الْمَسْأَلَة (السَّادِسَة لَا إِجْمَال فِيمَا) أَي لفظ (لَهُ مسميان لغَوِيّ وشرعي) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وضعا فِي اللُّغَة للدُّعَاء والإمساك، وَفِي الشَّرْع للمحققين الشرعيين (بل) ذَلِك اللَّفْظ إِذا صدر عَن الشَّارِع (ظَاهر فِي) الْمُسَمّى (الشَّرْعِيّ) فِي الْإِثْبَات وَالنَّهْي، وَهَذَا أحد الْأَقْوَال فِي هَذِه المسئلة: وَهُوَ الْمُخْتَار (وَثَانِيها للْقَاضِي أَنه مُجمل فيهمَا) و (ثَالِثهَا للغزالي) وَهُوَ أَن (فِي النَّهْي مُجمل) وَفِي الْإِثْبَات الشَّرْعِيّ (وَرَابِعهَا) لقوم مِنْهُم الْآمِدِيّ وَهُوَ أَنه (فِيهِ) أَي فِي النَّهْي (اللّغَوِيّ) وَفِي الْإِثْبَات الشَّرْعِيّ (لنا عرفه) أَي عرف الشَّرْع (يقْضِي) أَي يحكم (بظهوره) أَي اللَّفْظ (فِيهِ) أَي فِي الشَّرْع، لِأَنَّهُ صَار مَوْضُوعا فِي عرف الشَّرْع وَالظَّاهِر من الشَّارِع، بل وَمن أهل الشَّرْع أَيْضا أَن يُخَاطب بعرفه، كَيفَ وَلَو خَاطب بِغَيْرِهِ كَانَ مجَازًا إِلَّا إِذا كَانَ التخاطب بذلك الْغَيْر (الْإِجْمَال) أَي دَلِيل الْإِجْمَال فِي الْإِثْبَات وَالنَّهْي أَنه (يصلح لكل) من الْمُسَمّى اللّغَوِيّ والشرعي وَلم يَتَّضِح وَهُوَ معنى الْإِجْمَال، وَالْجَوَاب ظُهُوره فِي الشَّرْعِيّ. قَالَ (الْغَزالِيّ) مَا ذكرْتُمْ من الظُّهُور فِي الْإِثْبَات وَاضح، وَأما فِي النَّهْي فَلَا يُمكن حمله على الْمُسَمّى (الشَّرْعِيّ) إِذْ الشَّرْعِيّ (مَا وَافق أمره) أَي الشَّارِع (وَهُوَ) مَا وَافق أمره (الصَّحِيح) فالشرعي هُوَ الصَّحِيح (وَيمْتَنع) الْوِفَاق (فِي النَّهْي) لِأَن الْمنْهِي عَنهُ مُخَالف لِلْأَمْرِ، لِأَن النَّهْي يدل على فَسَاده (أُجِيب) عَنهُ بِأَنَّهُ (لَيْسَ الشَّرْعِيّ الصَّحِيح) أَي لَا يعْتَبر الصِّحَّة فِي الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ لَا جَزَاء وَلَا شرطا (بل) الشَّرْعِيّ (الْهَيْئَة) بِالنّصب عطف على خبر لَيْسَ، وَلَا يضر انْتِقَاض النَّفْي ببل، لِأَن عَملهَا للفعلية: يَعْنِي لَيْسَ الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ هُوَ الصَّحِيح، بل مَا يُسَمِّيه الشَّارِع

بذلك الِاسْم من الهيآت الْمَخْصُوصَة حَيْثُ يَقُول هَذِه صَلَاة صَحِيحَة، وَهَذِه صَلَاة فَاسِدَة (وَالرَّابِع) أَي وَالْقَوْل الرَّابِع (مثله) أَي مثل القَوْل الثَّالِث فِي الْإِثْبَات وَقد عرفت أَن الثَّالِث أَنه فِي الْإِثْبَات الشَّرْعِيّ (غير أَنه) فِي اللَّفْظ فِي هَذَا القَوْل (فِي النَّهْي) مُتَعَيّن (للغوي إِذْ لَا ثَالِث) للغوي والشرعي (وَقد تعذر الشَّرْعِيّ) لما عرفت فِي الثَّالِث، فَلَا إِجْمَال حَيْثُ تعين اللّغَوِيّ (وَجَوَابه مَا تقدم) من قَوْله أُجِيب لَيْسَ الشَّرْعِيّ الصَّحِيح إِلَى آخِره، وَأَنه يلْزم أَن يكون معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد " الحَدِيث، ودعى الصَّلَاة للحائض وَنَحْوهمَا لَا دُعَاء ودعى الدُّعَاء إِلَى غير ذَلِك، وبطلانه ظَاهر، وَلَك أَن تَقول لم لَا يجوز أَن يكون مُرَاد هَذَا الْقَائِل كَون اللَّفْظ فِي النَّهْي للهيئة الْمُجَرَّدَة عَن اعْتِبَار الصِّحَّة من حَيْثُ أَنه فَرد من أَفْرَاد الْمَعْنى اللّغَوِيّ، فاللفظ مُسْتَعْمل فِي الْفَرد الْمُنْتَشِر، والخصوصية مَأْخُوذَة من الْقَرِينَة فَلَا مجَاز وَلَا إِجْمَال فَتَأمل ذَلِك، كَيفَ وَإِن لم يؤول كَلَامه بِمثلِهِ، لَكِن إِن ظَاهر الْبطلَان لَا يَقُول بِهِ عَاقل (فَأَما الْحَنَفِيَّة فاعتبروا وصف الصِّحَّة فِي الِاسْم الشَّرْعِيّ على مَا يعرف) فِي مَبْحَث النَّهْي، لَكِن لَهُم تَفْصِيل فِي تَفْسِيرهَا كَمَا أَفَادَ بقوله (فالصحة فِي) بَاب (الْمُعَامَلَة ترَتّب الْآثَار) واستتباع الْغَايَة الْمَطْلُوبَة مِنْهَا كَمَا فِي قَوْله (مَعَ عدم وجوب الْفَسْخ) أَي فسخ تِلْكَ الْمُعَامَلَة الَّتِي ترَتّب عَلَيْهَا الْآثَار، احْتِرَازًا عَن ترَتّب الْأَثر الَّذِي فِي الْفَاسِد، فَإِنَّهُ يجب فَسخهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالْفساد عِنْدهم) أَي عِنْد الْحَنَفِيَّة ترَتّب الْآثَار (مَعَه) أَي مَعَ وجوب الْفَسْخ (وَإِن كَانَ) الصَّحِيح (عبَادَة فالترتب) أَي فالصحة فِيهِ ترَتّب الْأَثر بِدُونِ قيد آخر، والأثر بَرَاءَة الذِّمَّة فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب فِي الْآخِرَة (فيراد) بِالِاسْمِ الشَّرْعِيّ (فِي النَّفْي) وَهُوَ يَشْمَل النَّهْي أَيْضا (الصُّورَة) وَهِي مُجَرّدَة ذَلِك الْمُسَمّى خَالِيَة عَن وصف الصِّحَّة (مَعَ النِّيَّة فِي الْعِبَادَة) أَي فِيمَا إِذا كَانَ الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ الْمَنْفِيّ عبَادَة (وَيكون) الِاسْم الشَّرْعِيّ حِينَئِذٍ (مجَازًا شَرْعِيًّا) مرعيا فِيهِ الْعَلامَة بَين الْمَعْنى الْمجَازِي وَبَين مَا وضع لَهُ الِاسْم فِي عرف الشَّرْع مُسْتَعْملا (فِي جُزْء الْمَفْهُوم) الشَّرْعِيّ وَذَلِكَ لِأَن الْمنْهِي عَنهُ لَا ثَوَاب لَهُ فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْأَثر، والترتب عين الصِّحَّة فِي الْعِبَادَة بِخِلَاف الْمُعَامَلَة، فَإِنَّهُ جُزْء مفهومها فِيهَا وَهُوَ يتَحَقَّق فِي الْفَاسِد أَيْضا، فالفاسد فِي الْمُعَامَلَات غير صَحِيح يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْأَثر كالملك فِي البيع الْفَاسِد إِذا اتَّصل بِهِ الْقَبْض بِخِلَاف الْبَاطِل، فَإِنَّهُ مُقَابل للصحيح وَالْفَاسِد. الْمَسْأَلَة (السَّابِعَة إِذا حمل الشَّارِع لفظا شَرْعِيًّا على) لفظ شَرْعِي (آخر) حمل مواطأة وَكَانَ بَين مفيديهما تبَاين فِي الْوَاقِع، فَحمل من بَاب التَّشْبِيه البليغ كزيد أَسد (وَأمكن فِي وَجه الشّبَه محملان) محمل (شَرْعِي) ومحمل (ولغوي لزم الشَّرْعِيّ كالطواف صَلَاة) تَمَامه الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن

الله تَعَالَى قد أحل لكم فِيهِ الْكَلَام، فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير، وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد حمل الشَّارِع لفظ الصَّلَاة الْمَوْضُوع شرعا للأركان الْمَخْصُوصَة على الطّواف الْمَوْضُوع شرعا للأشراط الْمَخْصُوصَة وَلَا اتِّحَاد بَينهمَا، فاحتيج إِلَى أَن يصرف عَن الظَّاهِر، وَحمل على أَنه كَالصَّلَاةِ فاحتجنا إِلَى بَيَان وَجه الشّبَه، وَله وَجْهَان، فَأَشَارَ إِلَيْهِمَا بقوله (تصح) فِي وَجه الشّبَه أَن يكون الْمَعْنى كَونهَا مثلهَا (ثَوابًا أَو لاشْتِرَاط الطَّهَارَة) عطف على ثَوابًا لكَونه معلولا لَهُ للشبيه الْمَفْهُوم من فحوى الْكَلَام: أَي شبه للثَّواب: أَي الْمُشَاركَة فِيهِ، أَو للمشاركة فِي اشْتِرَاط الطَّهَارَة، فَقَوله تصح إِلَى آخِره مستأنفة لبَيَان المحملين (وَهُوَ) أَن الْمحمل على أحد الْأَمريْنِ: الثَّوَاب أَو الِاشْتِرَاط هُوَ الْمحمل (الشَّرْعِيّ) لِأَن حَاصله يرجع إِلَى بَيَان حكم شَرْعِي، أَو لِأَن الملحوظ فيهمَا المعنيان الشرعيان (أَو لوُقُوع الدُّعَاء فِيهِ) أَي فِي الطّواف وَالدُّعَاء هُوَ معنى الصَّلَاة لُغَة فالمشبه حِينَئِذٍ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيّ والمشبه بِهِ مَا صدق عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ، وَوجه الشّبَه اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على الدُّعَاء وَإِن كَانَ فِي أَحدهمَا من قبيل اشْتِمَال الظّرْف على المظروف، وَفِي الآخر من قبيل الْفَرد على الطبيعة (وَهُوَ) أَي الْحمل على هَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمحمل (اللّغَوِيّ) لبنائه على الْمَعْنى اللّغَوِيّ، أَو لِأَن فَائِدَة الْخطاب حِينَئِذٍ لَيست بَيَان حكم شَرْعِي، بل مُجَرّد اشتمالهما على الدُّعَاء وَهِي مِمَّا يفاد فِي المحاورات اللُّغَوِيَّة، وَلَا يخفى مَا فِيهِ (والاثنان جمَاعَة) معطوفة على قَوْله الطّواف صَلَاة: أَي الِاثْنَان كالجماعة، يَصح أَن يكون من حَيْثُ الثَّوَاب مثلهَا (فِي) مِقْدَار (ثَوَابهَا و) فِي (سنة تقدم الامام) إِضَافَة سنة بَيَانِيَّة، وإذافة تقدم إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْفَاعِل (و) فِي (الْمِيرَاث) حَتَّى يحجب الِاثْنَان من الْأُخوة للْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس كالثلاثة فَصَاعِدا، وَهَذَا هُوَ الشَّرْعِيّ (أَو يصدق) عَلَيْهِ مَفْهُوم الْجَمَاعَة (عَلَيْهِمَا) أَي الِاثْنَيْنِ (لُغَة) أَي بِاعْتِبَار الْمَعْنى اللّغَوِيّ، فَقَوله أَو يصدق مَعْطُوف على مجرور فِي، لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيل الْمصدر، وَالْمعْنَى أَو فِي صدقه عَلَيْهِمَا صدقا بِحَسب اللُّغَة، وَالْحجّة (لنا) فِي نفي الْإِجْمَال مُطلقًا (عرفه) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا هُوَ الْمُعْتَاد مِنْهُ (تَعْرِيف الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة وتبينها، فالمحمل الشَّرْعِيّ على طبقه دون الْمحمل اللّغَوِيّ فَيتَعَيَّن، فَلَا إِجْمَال (وَأَيْضًا لم يبْعَث) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لتعريف اللُّغَة) فَبعد حمل كَلَامه عَلَيْهِ ومرجع الْمحمل اللّغَوِيّ، وَهُوَ كَون الطّواف صَلَاة لوُقُوع الدُّعَاء فِيهِ، وَكَون الِاثْنَيْنِ جمَاعَة لصدقه عَلَيْهِمَا تَعْرِيف بِهِ، وَبَيَان اللُّغَة الصَّلَاة من حَيْثُ إِنَّهَا تصدق على الطّواف من حَيْثُ اشتماله على الدُّعَاء، وللغة الْجَمَاعَة من حَيْثُ إِنَّهَا تصدق على الِاثْنَيْنِ (قَالُوا) أَي المجملون (يصلح) اللَّفْظ (لَهما) أَي للمحمل الشَّرْعِيّ واللغوي لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْرُوض، وَلم يَتَّضِح دلَالَته على أَحدهمَا لعدم الدَّلِيل، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَلَا معرف) لأَحَدهمَا بِعَيْنِه (قُلْنَا

الفصل الثالث

مَا ذكرنَا) دلَالَته من أَن عرفه تَعْرِيف الْأَحْكَام لَا اللُّغَة (معرف) لتعيين المُرَاد مِنْهُمَا. المسئلة (الثَّامِنَة إِذا تساوى إِطْلَاق لفظ لِمَعْنى ولمعنيين) بِأَن أطلق لِمَعْنى وَاحِد تَارَة ولمعنيين تَارَة أُخْرَى، وَلَيْسَ أحد الاستعمالين أرجح من الآخر (فَهُوَ) أَي اللَّفْظ الْمَذْكُور (مُجمل) لتردده بَين الْمَعْنى والمعنيين على السوَاء (كالدابة للحمار، وَله) أَي للحمار (مَعَ الْفرس وَمَا رجح بِهِ) القَوْل بظهوره فِي الْمَعْنيين (من كَثْرَة الْمَعْنى) فَإِن الْمَعْنيين أَكثر فَائِدَة (إِثْبَات الْوَضع بِزِيَادَة الْفَائِدَة) وَقد علم بُطْلَانه، فالترجيح بِهِ بَاطِل، كَذَا قَالُوا، وَاعْترض المُصَنّف عَلَيْهِ بقوله (وَهُوَ) أَي الحكم بِأَنَّهُ إِثْبَات الْوَضع إِلَى آخِره (غلط بل هُوَ) أَي مَا رجح بِهِ (إِرَادَة أحد المفهومين) أَي دَلِيل إِرَادَته (بهَا) أَي بِزِيَادَة الْفَائِدَة وَلَا مَحْذُور فِيهِ (نعم هُوَ) أَي مَا رجح بِهِ (معَارض بِأَن الْحَقَائِق) أَي الْأَلْفَاظ المستعملة فِي مَعَانِيهَا الَّتِي وضعت بإزائها إِطْلَاقهَا (لِمَعْنى) وَاحِد (أغلب) وَأكْثر من إِطْلَاقهَا لمعنيين فَصَاعِدا (وَقَوْلهمْ) أَي المجملين (يحْتَمل) اللَّفْظ الْمَذْكُور الِاحْتِمَالَات (الثَّلَاثَة) الِاشْتِرَاط اللَّفْظِيّ والتواطؤ وَالْمجَاز فِي أحد الاطلاقين (كَمَا فِي وَالسَّارِق) على مَا تقدم (انْدفع) بِمَا ذكرنَا ثمَّة، فَارْجِع ليه ولتعلم أَن اللَّفْظ إِذا أطلق تَارَة لِمَعْنى وَأُخْرَى لذَلِك الْمَعْنى بِعَيْنِه مَعَ معنى آخر، فالإجمال فِيهِ بِاعْتِبَار هَذَا الآخر فَقَط، لِأَن ذَلِك الْمَعْنى لَا شكّ فِي كَونه مرَادا وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. الْفَصْل الثَّالِث (اللَّفْظ) بل الْمُفْرد (بالمقايسة إِلَى) مُفْرد (آخر إِمَّا مرادف مُتحد مفهومهما) وصف بِحَال الْمُتَعَلّق لمرادف كاشف، لِأَن الترادف توارد كَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدا فِي الدّلَالَة على الِانْفِرَاد بِأَصْل الْوَضع على معنى وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة، فَخرج بِقَيْد الِانْفِرَاد توارد التَّابِع والمتبوع وبأصل الْوَضع توارد الْكَلِمَات الدَّالَّة مجَازًا على معنى وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة، فَخرج بِقَيْد الِانْفِرَاد توارد التَّابِع والمتبوع، وبأصل الْوَضع توارد الْكَلِمَات الدَّالَّة مجَازًا على وَجه معنى وَاحِد، والدالة بَعْضهَا مجَازًا وَبَعضهَا حَقِيقَة، وبوحدة الْمَعْنى التَّأْكِيد والمؤكد، وبوحدة الْجِهَة الْحَد والمحدود كالإنسان، وَالْحَيَوَان النَّاطِق لاخْتِلَاف مَعْنَاهُمَا من حَيْثُ الْإِجْمَال وَالتَّفْصِيل، كَذَا قَالُوا وَصفته أَن الْحَد مركب، وَقد اعْتبر فِي تَعْرِيف الترادف الْإِفْرَاد لقَولهم توارد كَلِمَتَيْنِ، وَهُوَ مَأْخُوذ من الترادف الَّذِي هُوَ ركُوب وَاحِد خلف الآخر كَأَن الْمَعْنى مركوب لَهما (كالبر والقمح) للحنطة (أَو مباين) للْآخر (مُخْتَلفَة) أَي الْمَفْهُوم صفة كاشفة، وأصل المباينة الْمُفَارقَة

مسألة

(تواصلت) معانيهما بِأَن يدل أَحدهمَا على الذَّات وَالْآخر على صفتهَا (كالسيف والصارم) أَي شَدِيد الْقطع، أَو أَحدهمَا صفة، وَالْآخر صفة الصّفة كالناطق والفصيح (أَولا) أَي أَو تفاصلت كالسواد وَالْبَيَاض. مَسْأَلَة (المترادف وَاقع) مَوْجُود فِي اللُّغَة (خلافًا لقوم قَوْلهم) أَي الْقَوْم الْمُخَالفين لَو وَقع لزم أَن يعرف من اللَّفْظ الثَّانِي مَا عرفه اللَّفْظ الأول وَهُوَ الْمَعْنى (وَلَا فَائِدَة فِي تَعْرِيف الْمُعَرّف) فَرده بقوله (لَو صَحَّ) مَا قَالُوا (لزم امْتنَاع تعدد العلامات) لشَيْء وَاحِد، فَإِن الْعَلامَة الثَّانِيَة تعرف مَا تعرفه الأولى، وَاللَّازِم بَاطِل لجَوَاز تعددها ووقوعها، ثمَّ أَشَارَ إِلَى حل الشُّبْهَة بقوله (ثمَّ فَائِدَته) أَي الترادف (التَّوَصُّل إِلَى الروي) وَهُوَ الْحَرْف الَّذِي تنبني عَلَيْهِ القصيدة وتنسب إِلَيْهِ، فَيُقَال قصيدة لامية أَو نونية، من الرّيّ لِأَن الْبَيْت ريوي عِنْده (وأنواع البديع) كالتجنيس مَعْطُوف على الْمَجْرُور (إِذْ قد يَتَأَتَّى) التَّوَصُّل الْمَذْكُور (بِلَفْظ دون آخر) وَذَلِكَ لِأَن أحد المترادفين قد يصلح للروي دون الآخر، وَكَذَا التجانس وَهُوَ تشابه اللَّفْظَيْنِ فِي التَّلَفُّظ كالاتفاق فِي أَنْوَاع الْحُرُوف، وأعدادها، وهيآتها، وترتيبها قد يحصل بِأحد المترادفين دون الآخر (وَأَيْضًا فالجلوس، وَالْقعُود، والأسد، والسبع مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ كَونه من الِاسْم وَالصّفة أَو الصِّفَات أَو الصّفة وصفتها كالمتكلم والفصيح يحققه) أَي الترادف (فَلَا يقبل التشكيك) ردا لما قَالُوا من أَن كل لفظين يظنّ بَينهمَا الترادف لتقاربهما معنى ليسَا مترادفين فِي نفس الْأَمر، بل بَين معنييهما نوع اتِّصَال لكَون أَحدهمَا صفة ذَات، وَالْآخر صفة صفتهَا وَحَاصِل الْجَواب أَن هَذَا تشكيك فِيمَا علم قطعا فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، فَإِن مثل الْجُلُوس، وَالْقعُود، والأسد، والسبع لَا يتَصَوَّر كَونه من قبيل مَا ذكر. مسئلة (يجوز إِيقَاع كل مِنْهُمَا) أَي المترادفين (بدل الآخر) حَتَّى يَتَرَتَّب على كل مِنْهُمَا مَا يَتَرَتَّب على الآخر من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة (إِلَّا لمَانع شَرْعِي على) القَوْل (الْأَصَح إِذْ لَا حجر فِي التَّرْكِيب لُغَة بعد صِحَة تركيب معنى المترادفين) يَعْنِي أَن إِيقَاع كل مِنْهُمَا بدل الآخر عبارَة عَن تركيبه، وَجعل جُزْءا من الْكَلَام، وَبعد صِحَة تركيب مَعْنَاهُمَا بجعله جُزْءا من معنى الْكَلَام، وَيلْزم صِحَة تركيب كل مِنْهُمَا فِي الْكَلَام اللَّفْظِيّ لعدم الْفرق بَينهمَا فِي إِفَادَة ذَلِك الْمَعْنى الْمَفْرُوض صِحَة تركيبه إِذْ الْعبْرَة بِالْمَعْنَى، وَالْمَقْصُود من اللَّفْظ أَن يتوسل بِهِ إِلَيْهِ، وَلَا فرق بَينهمَا فِيهِ، ثمَّ هَذَا هُوَ الأَصْل

مسئلة

فَلَا يعدل عَنهُ إِلَّا لمَانع، وَقد اسْتَثْنَاهُ (قَالُوا) أَي المانعون (لَو صَحَّ) إِيقَاع كل مِنْهُمَا بدل الآخر (لصَحَّ) فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام (خداي) هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ اسْم للذات المقدسة (أكبر) بإيقاع خداي وَهُوَ مرادف للجلالة بدلهَا (قُلْنَا الْحَنَفِيَّة يلتزمونه) أَي جَوَاز الْإِيقَاع فِيهِ وَلَا إِلْزَام إِلَّا بمجمع عَلَيْهِ حَيْثُ لَا دَلِيل سواهُ (وَالْآخرُونَ) الَّذين لَا يلتزمونه وَلم يجوزوه يَقُولُونَ عدم جَوَاز الْإِيقَاع فِيهِ (للمانع الشَّرْعِيّ) وَهُوَ التَّقْيِيد بِاللَّفْظِ الْمَأْثُور مَعَ كَون الْمحل مِمَّا يلْزم فِيهِ غَايَة الِاحْتِيَاط. (وَأما كَون اخْتِلَاط اللغتين) كالفارسية والعربية (مَانِعا من التَّرْكِيب بعد الْفَهم) أَي بعد فهم الْمَعْنى التركيبي (فبلا دَلِيل عَلَيْهِ) أَي فَهُوَ ادِّعَاء بِلَا دَلِيل، فَلَا يسمع فِيهِ تعَارض لِابْنِ الْحَاجِب (سوى عدم فعلهم) أَي الْعَرَب اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، يَعْنِي سوى هَذَا، وَهُوَ لَا ينتهض حجَّة (وَقد يبطل) الادعاء الْمَذْكُور (بالمعرب) وَهُوَ لفظ استعملته الْعَرَب فِي معنى وضع لَهُ فِي غير لغتهم، فَإِن كثيرا مَا يركب مَعَ الْكَلِمَات الْعَرَبيَّة فِي كَلَام الْعَرَب، فَيلْزم مِنْهُ الِاخْتِلَاط الْمَذْكُور، ثمَّ لما كَانَ يتَوَهَّم أَن اسْتِعْمَال الْعَرَب إِيَّاه فِي كَلَامهم أخرجه عَن العجمية دَفعه بقوله (وَلم يخرج) المعرب (عَن العجمية) بالتعريب، ثمَّ دفع أَن يُقَال تغييرهم إِيَّاه دَلِيل خُرُوجه عَنْهَا بقوله (والتغيير لعدم إحسانهم النُّطْق بِهِ) لعدم ممارستهم فِيهِ (أَو التلاعب) كَمَا نقل عَن بعض الْعَرَب حِين اعْترض عَلَيْهِ فِي التَّغْيِير أَنه قَالَ: عجمي أَلعَب بِهِ (لَا قصدا لجعله عَرَبيا) فَإِن المغير غير الأَصْل فَكَانَ وضع آخر مِنْهُم للفظ آخر (وَلَو سلم) أَن التَّغْيِير للقصد الْمَذْكُور وَلم يبطل بالمعرب (لَا يسْتَلْزم) عدم فعلهم (الحكم بامتناعه) أَي امْتنَاع اخْتِلَاط اللغتين ليلزم مِنْهُ امْتنَاع الْإِيقَاع الْمَذْكُور (إِلَّا مَعَ عدم علم الْمُخَاطب) معنى ذَلِك المرادف من لُغَة أُخْرَى (مَعَ قصد الإفادة) لَهُ بذلك الْمركب الْمُخْتَلط فَإِنَّهُ لَا يجوز حِينَئِذٍ إِيقَاع المرادف الَّذِي لَا علم للمخاطب بِمَعْنَاهُ بدل المرادف الَّذِي لَهُ علم بِهِ، وَهَذَا ظَاهر غير أَنه عِلّة مُسْتَقلَّة للامتناع الْمَذْكُور، وَقَوله إِلَّا مَعَ إِلَى آخِره يدل على أَنه ضميمة عدم فعلهم فِي الاستلزام فَتَأمل. مسئلة (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَي المترادف (الْحَد والمحدود) زعم قوم أَنَّهُمَا مترادفات، وَلذَلِك قَالُوا مَا الْحَد إِلَّا تَبْدِيل لفظ بِلَفْظ أَجلي، وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيم كَمَا سَيظْهر الْحَد إِمَّا بِحَسب الِاسْم، وَهُوَ مَا دلّ على تَفْصِيل مَا دلّ عَلَيْهِ الِاسْم إِجْمَالا فَيُفِيد تصورا لم يكن حَاصِلا، وَإِمَّا بِحَسب الْحَقِيقَة، وَهُوَ مَا دلّ على هَيْئَة الشَّيْء الثَّابِتَة فيخص الموجودات، وَأما تَعْرِيف الشَّيْء بِمَا يرادفه فَهُوَ حد لَفْظِي يقْصد بِهِ التَّصْدِيق بِأَن الْحَد مَوْضُوع لهَذَا، ثمَّ الْحَد إِن اشْتَمَل على جَمِيع ذاتيات الْمَحْدُود

فَهُوَ تَامّ، وَإِلَّا فَهُوَ نَاقص (أما التَّام) أَي أما عدم كَون الْحَد التَّام مرادفا للمحدود (فلاستدعائه) أَي التَّام (تعدد الدَّال على أَبْعَاضه) أَي الْمَحْدُود لكَونه مركبا من جنسه وفصله القريبين فَهُوَ يدل على حَقِيقَة الْمَحْدُود بأوضاع مُتعَدِّدَة بِإِزَاءِ أَجْزَائِهِ مفصلة، والمحدود يدل عَلَيْهَا بِوَضْع وَاحِد بإزائها إِجْمَالا، والمترادفان إِنَّمَا يكون وضعهما ودلالتهما على لفظ وَاحِد، وَلَا يكونَانِ إِلَّا مفردين (وَأما) الْحَد (النَّاقِص فَإِنَّمَا مَفْهُومه) ومدلوله (الْجُزْء الْمسَاوِي) للمحدود، وَهُوَ الْفَصْل، وَلَا اتِّحَاد بَين الْجُزْء وَالْكل (فَلَا ترادف: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن لَا يلْتَزم الِاصْطِلَاح على اشْتِرَاط الْأَفْرَاد) فِي الترادف، فَيكون الْحَد التَّام والمحدود مترادفين (فَهِيَ) أَي فَهَذِهِ المسئلة حِينَئِذٍ (لفظية) يرجع الْخلاف فِيهَا إِلَى أَمر لَفْظِي، وَهُوَ الِاخْتِلَاف فِي الِاصْطِلَاح وَلَا مشاحة فِيهِ، فَمن يعْتَبر الْأَفْرَاد كَمَا هُوَ الْمَشْهُور لَا يجعلهما من المترادفين، وَلَا يعْتَبر بجعلهما مِنْهُمَا (وَلَا التَّابِع مَعَ الْمَتْبُوع) فِي مثل (حسن بسن) فِي الرضي أَن التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ على قسمَيْنِ: إِعَادَة لفظ الأول بِعَيْنِه، وتقويته بموازنة مَعَ اتِّفَاقهمَا فِي الْحَرْف الْأَخير إِمَّا بِأَن يكون للثَّانِي معنى ظَاهر نَحْو - {هَنِيئًا مريئا} -، أَو لَا يكون لَهُ معنى أصلا مَعَ ضم إِلَى الأول لتزيين الْكَلَام لفظا، وتقويته معنى وَإِن لم يكن لَهُ فِي حَالَة الْإِفْرَاد معنى، نَحْو: حسن بسن، أَوله معنى التَّكْلِيف غير ظَاهر، نَحْو: خَبِيث نبيث من نبثت الشَّرّ: أَي استخرجته (قيل) عدم كَون التَّابِع والمتبوع مترادفين (لِأَنَّهُ) أَي التَّابِع (إِذا أفرد لَا يدل على شَيْء) فَكيف يكون مرادفا لما يدل على معنى إِذا أفرد (فَإِن كَانَت دلَالَته) أَي التَّابِع (مَشْرُوطَة) بِذكر الْمَتْبُوع (فَهُوَ حرف) لِأَن هَذَا شَأْن الْحُرُوف، وَلَا ترادف بَين الْحَرْف وَالِاسْم (وَلَيْسَ) بِحرف إِجْمَاعًا (وَقيل لفظ بِوَزْن الأول لازدواجه لَا معنى لَهُ وَالْأَوْجه أَنه) لفظ وضع (لتقوية متبوع خَاص) وَهُوَ المسموع متبوعا لَهُ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر خُصُوص الْمَتْبُوع فِي تقويته (لزم) أَن يجوز (نَحْو: زيد بسن) وَقد عرفت تعْيين الخصوصية من كَلَام الرضي (وَأما التوكيد) بِكُل وَأجْمع وتصاريفه (كأجمعين) وأكتع وَغَيرهَا من التأكيدات المعنوية (فلتقوية عَام سَابق) عَلَيْهِ (فَوَضعه) أَي هَذَا التَّأْكِيد (أَعم من) وضع (التَّابِع) الْمَذْكُور لعدم اشْتِرَاط تعين الْمَتْبُوع (فَلَا ترادف) بَين الْمُؤَكّد، والمؤكد، بل لَا يتَوَهَّم فِيهِ الترادف لعدم الِاخْتِصَاص كَمَا عرفت (وَمَا قيل المرادف لَا يزِيد مرادفه قُوَّة) قَوْله المرادف إِلَى آخِره عطف بَيَان للموصول، وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره (مَمْنُوع إِذْ لَا يكون) المرادف (أقل من التوكيد اللَّفْظِيّ) الَّذِي هُوَ تَكْرِير اللَّفْظ الأول، وَهُوَ مِمَّا يُفِيد مؤكده قُوَّة حَتَّى ينْدَفع بِهِ توهم التَّجَوُّز والسهو إِلَى غير ذَلِك. (تَنْبِيه: تكون المقايسة) بَين الاسمين لِأَن تصرف النِّسْبَة بَينهمَا (بِالذَّاتِ) وبحسب

الْحَقِيقَة (للمعنى فيكتسبه) من الِاكْتِسَاب أَو الاكتساء، وَالضَّمِير لما يعلم بالمقايسة كالتساوي والتباين (الِاسْم لدلالته) أَي الِاسْم (عَلَيْهِ) أَي الْمَعْنى هُوَ ظرف النِّسْبَة فِي المقايسة بِحَسب الْحَقِيقَة (فالمفهوم) الَّذِي هُوَ معنى الِاسْم (بِالنِّسْبَةِ إِلَى) مَفْهُوم (آخر إِمَّا مسَاوٍ) لَهُ، وَتَفْسِير الْمُسَاوَاة أَنه (يصدق كل) مِنْهُمَا (على كل مَا يصدق عَلَيْهِ الآخر) فالجملة مستأنفة بَيَانِيَّة (أَو مباين مباينة كُلية لَا يتصادقان) أصلا أَي لَا يصدق كل مِنْهُمَا على شَيْء مِمَّا يصدق عَلَيْهِ الآخر كالإنسان وَالْفرس (أَو) متباين لَهُ مباينة (جزئية يتصادقان) فِي الْجُمْلَة (ويتفارقان) فِي الْجُمْلَة بِأَن يصدق كل مِنْهُمَا على شَيْء لَا يصدق عَلَيْهِ الآخر (كالإنسان، والأبيض) يتصادقان فِي الرُّومِي، ويتفارقان فِي الزنْجِي، وَالْفرس الْأَبْيَض (وَالْعَام وَالْمجَاز) يتصادقان فِي الْمجَاز الْمُسْتَغْرق أَفْرَاد الْمَعْنى الْمجَازِي، ويتفارقان فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، وَالْمجَاز الْخَاص (وَلَا وَاجِب وَلَا مَنْدُوب) يتصادقان فِي الْحَرَام وَالْمَكْرُوه، ويتفارقان فِي الْعَام الْمُسْتَعْمل فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَالْمَنْدُوب وَالْوَاجِب (وَأما أَعم مِنْهُ مُطلقًا يصدق) أَي الْمَفْهُوم (عَلَيْهِ) أَي على كل مَا يصدق عَلَيْهِ الآخر (و) يصدق (على غَيره) أَي على غير الْأَعَمّ أَيْضا (كالعبادة) الصادقة (على) جَمِيع أَفْرَاد (الصَّلَاة و) على (الصَّوْم) أَيْضا (وَالْحَيَوَان على الْإِنْسَان وَالْفرس) تَكْرِير الْأَمْثِلَة إِشْعَار بِأَن النّسَب الْمَذْكُورَة تعم الشرعيات وَغَيرهَا، وَكَذَلِكَ تعم المفهومات الوجودية والعدمية (ونقيضا المتساويين متساويان) فَيصدق أَن لَا إِنْسَان على كل مَا يصدق عَلَيْهِ لَا نطاق، وَكَذَا الْعَكْس (و) نقيضا (المتباينين مُطلقًا) أَي مباينة جزئية أَو كُلية (متباينان مباينة جزئية كلا إِنْسَان، وَلَا أَبيض، وَلَا إِنْسَان، وَلَا فرس) نشر على غير تَرْتِيب اللف، لِأَن الْمَفْهُوم أَولا من قَوْله متباينين مُطلقًا المباينة: الْكُلية، ثمَّ المباينة الْجُزْئِيَّة بِاعْتِبَار ترَتّب ذكر الْأَقْسَام سَابِقًا للاهتمام بشأن المباينة الْجُزْئِيَّة لِئَلَّا يذهل عَنهُ لظُهُور لفظ المتباينين فِي الْكُلية أما اجْتِمَاع لَا إِنْسَان وَلَا أَبيض، فَفِي نَحْو: الْفرس الْأسود، وَأما افتراقهما فَفِي الْفرس الْأَبْيَض وَالْإِنْسَان الْأسود، وَأما اجْتِمَاع: لَا إِنْسَان وَلَا فرس، فَفِي نَحْو الْأسد، وَأما افْتِرَاق لَا إِنْسَان وَلَا فرس فَفِي الْفرس وَالْإِنْسَان (إِلَّا أَنَّهَا) أَي المباينة الْجُزْئِيَّة (فِي الأول) بِاعْتِبَار تَرْتِيب النشر، وَهُوَ المباينة الْجُزْئِيَّة الْمُعْتَبرَة بَين نقيض المتباينين مباينة جزئية (تخص الْعُمُوم من وَجه) فَلَا يتَحَقَّق فِي ضمن المباينة الْكُلية أصلا (بِخِلَاف الثَّانِي) وَهِي المباينة الْجُزْئِيَّة الْمُعْتَبرَة بَين نقيضي المتباينين مباينة كُلية (فقد يكون) أَي الثَّانِي (كليا) أَي يتَحَقَّق تَارَة فِي ضمن المباينة الْجُزْئِيَّة، وَتارَة فِي ضمن المباينة الْكُلية (كلا مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم) فَإِنَّهُ كَمَا أَن بَين مَوْجُود ومعدوم مباينة كُلية كَذَلِك بَين لَا مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم، لِأَن كل مَا يصدق

الفصل الرابع

عَلَيْهِ لَا مَوْجُود يصدق عَلَيْهِ مَعْدُوم، وكل مَا يصدق عَلَيْهِ لَا مَعْدُوم يصدق عَلَيْهِ مَوْجُود، وَهَذَا بِنَاء (على نفي الْحَال) وَأما على إثْبَاته كَمَا هُوَ قَول الْبَعْض، فَبين لَا مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم عُمُوم من وَجه لتصادقهما فِيهَا لِأَنَّهَا صفة لموجود غير مَوْجُودَة فِي نَفسهَا، وَلَا مَعْدُومَة كالأجناس والفصول، وتفارقهما فِي الْمَعْدُوم وَالْمَوْجُود (وَمَا) أَي وكل مفهومين (بَينهمَا عُمُوم مُطلق يتعاكس نقيضاهما، فنقيض الْأَعَمّ أخص من نقيض الْأَخَص، ونقيض الْأَخَص أَعم من نقيض الْأَعَمّ) يَعْنِي كل مَا يصدق عَلَيْهِ نقيض الْأَعَمّ يصدق عَلَيْهِ نقيض الْأَخَص، وَإِلَّا لصدق نقيض الْأَعَمّ على شَيْء لم يصدق عَلَيْهِ نقيض الْأَخَص، فَيصدق عَلَيْهِ عين الْأَخَص ضَرُورَة امْتنَاع ارْتِفَاع النقيضين فَلَزِمَ تحقق الْأَخَص بِدُونِ الْأَعَمّ، وَلَيْسَ كل مَا يصدق عَلَيْهِ نقيض الْأَخَص يصدق عَلَيْهِ نقيض الْأَعَمّ لصدق نقيض الْأَخَص على شَيْء لَا يصدق عَلَيْهِ نقيض الْأَعَمّ، فَإِن مَادَّة افْتِرَاق الْأَعَمّ من الْأَخَص يصدق عَلَيْهِ نقيض الْأَخَص، وَلَا يصدق عَلَيْهَا نقيض الْأَعَمّ، بل عينه وَهُوَ ظَاهر. الْفَصْل الرَّابِع (عَن الْأُصُول الْخَمْسَة الْمشَار إِلَيْهَا فِيمَا سبق بقوله: وللمفرد انقسامات بِاعْتِبَار ذَاته، ودلالته، ومقايسته لمفرد آخر، ومدلوله، وإطلاقه، وتقييده فِي فُصُول انْتهى، وَهَذَا مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف يَعْنِي فِي الْمُفْرد بِاعْتِبَار مَدْلُوله (وَفِيه) أَي فِي الْفَصْل الرَّابِع (تقاسيم). التَّقْسِيم (الأول: وَيَتَعَدَّى إِلَيْهِ من مَعْنَاهُ إِمَّا كلي) قَوْله الأول مُبْتَدأ خَبره جملَة حذف صدرها، أَعنِي الْمُفْرد إِمَّا كلي إِلَى آخِره، وَمَا بَينهمَا مُعْتَرضَة، وَالْوَاو للاعتراض، وَالْمعْنَى: وَيَتَعَدَّى التَّقْسِيم الأول: أَي بِاعْتِبَار قيوده المنضمة إِلَى مقسمه: أَي الْمُفْرد من مَعْنَاهُ، فَإِن الْكُلية والجزئية من عوارض الْمعَانِي بِاعْتِبَار وجودهَا فِي الذِّهْن، ويوصف بهما الْأَلْفَاظ مجَازًا تَسْمِيَة للدال باسم الْمَدْلُول (لَا يمْنَع تصور مَعْنَاهُ) أَي لَا يمْنَع الصُّورَة الْحَاصِلَة فِي الْعقل المنعكسة من مَعْنَاهُ الْعقل (فَقَط) قطّ من أَسمَاء الْأَفْعَال بِمَعْنى انته، وَكَثِيرًا مَا يصدر بِالْفَاءِ تزيينا للفظ، فَكَأَنَّهُ جَزَاء شَرط مَحْذُوف: أَي إِذا نسبت الْمَنْع إِلَى التَّصَوُّر فانته عَن نسبته إِلَى الْغَيْر وَحَاصِله أَن الْعبْرَة بِنَفس التَّصَوُّر مَعَ قطع النّظر عَمَّا سواهَا (من الشّركَة فِيهِ) أَي من فرض شركَة كثيرين فِي مَعْنَاهَا، فكلمة من صلَة الْمَنْع (أَو جزئي حَقِيقِيّ يمْنَع) تصور مَعْنَاهُ الْعقل من فرض شركَة كثيرين فِيهِ بِأَن يحمل عَلَيْهَا مواطأة (بِخِلَاف) الجزئي (الإضافي) أَي (كل أخص)

مندرج (تَحت أَعم) فَهُوَ أَعم من الجزئي الْحَقِيقِيّ لصدقه على مثل الْإِنْسَان المندرج تَحت الْحَيَوَان كصدقه على زيد المندرج تَحت الْإِنْسَان، وَيُسمى الأول كليا لكَونه جُزْءا غَالِبا من فَرده الَّذِي هُوَ كل مَنْسُوبا إِلَيْهِ. وَالثَّانِي جزئيا لكَونه فَردا من الْكُلِّي مَنْسُوبا إِلَيْهِ. وَالثَّالِث إضافيا لاعْتِبَار الْإِضَافَة إِلَى الْأَعَمّ فِي مَفْهُومه (والكلي إِن تَسَاوَت أَفْرَاد مَفْهُومه فِيهِ) أَي فِي مَفْهُومه، وستعرف الْمُسَاوَاة بِذكر مَا يقابلها (فمتواطئ) من التواطئ، وَهُوَ التوافق لتوافق الْأَفْرَاد فِيهِ (كالإنسان، أَو تفاوتت) أَفْرَاد مَفْهُومه فِيهِ (بِشدَّة وَضعف كالأبيض) فَإِن مَعْنَاهُ، وَهُوَ اللَّوْن المفرق لِلْبَصَرِ فِي الثَّلج أَشد مِنْهُ فِي العاج (وَالْمُسْتَحب) فَإِن مَا طلب فعله مَعَ تَجْوِيز التّرْك حُصُوله فِي ضمن السّنَن الْمُؤَكّدَة أولى وَأَشد من حُصُوله فِي ضمن السّنَن الزَّوَائِد (فمشكك) بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل، وَإِنَّمَا يُسمى بِهِ (للتردد فِي) أَن (وَضعه للخصوصيات) بِأَن يكون مَوْضُوعا بِإِزَاءِ هَذِه الخصوصية بِوَضْع، وإزاء تِلْكَ الخصوصية بِوَضْع آخر (فمشترك) أَي فَهُوَ على هَذَا التَّقْدِير مُشْتَرك بَين الخصوصيات اشتراكا لفظيا (أَو) وَضعه (للمشترك) بَينهمَا مَعَ قطع النّظر عَن التَّفَاوُت الَّذِي بَينهمَا (فمتواطئ) ومنشأ التَّرَدُّد وجود التَّفَاوُت الْآتِي بِحَسب الظَّاهِر كَون تِلْكَ الْأَفْرَاد أَفْرَاد مَفْهُوم وَاحِد، وَظُهُور عدم مَا يُعينهُ من ذَلِك بعد التَّأَمُّل لوُجُود الْقدر الْمُشْتَرك (وَلِهَذَا) بِعَيْنِه (قيل بنفيه) أَي بِنَفْي التَّرَدُّد بَين الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين التشكيك (لِأَن الْوَاقِع) فِي نفس الْأَمر (أَحدهمَا) أَي أحد الِاحْتِمَالَيْنِ، وَلَا تشكيك فِي شَيْء مِنْهُمَا: أما على الأول فَلِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق على ذَلِك التَّقْدِير مَفْهُوم عَام لَهُ أَفْرَاد مُتَفَاوِتَة، وَأما على الثَّانِي فَلِأَن الْقدر الْمُشْتَرك قطع النّظر عَن التَّفَاوُت ليستوي فِيهِ الْأَفْرَاد (وَالْجَوَاب أَن الِاصْطِلَاح) وَاقع (على تَسْمِيَة) لفظ (متفاوت) مَعْنَاهُ بِاعْتِبَار تحَققه فِي ضمن أَفْرَاده بالشدة والضعف (بِهِ) أَي بالمشكك (والتفاوت) الْمُعْتَبر فِي الْمُسَمّى الْمَذْكُور (وَاقع) أَي مُحَقّق فِي معنى بعض الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوع بِإِزَاءِ مَفْهُوم كلي لَهُ أَفْرَاد مُتَفَاوِتَة فِيهِ، وَإِذا ثَبت التَّسْمِيَة بالمشكك وَتحقّق الْمُسَمّى فِي الْخَارِج (فَكيف يَنْفِي) المشكك، الظَّاهِر أَن هَذَا الْبَحْث مُعَارضَة وَحَاصِله: إِن كَانَ لكم دَلِيل على نفي وجود المشكك فلنا دَلِيل على وجوده، وَحِينَئِذٍ يكون قَوْله (فَإِن قيل بِنَفْي مُسَمَّاهُ) منعا للمقدمة القائلة أَن التَّفَاوُت الَّذِي هُوَ مُسَمّى المشكك وَاقع، وَالضَّمِير فِي مُسَمَّاهُ عَائِد إِلَى المشكك بِاعْتِبَار مَا يتَضَمَّن من التَّفَاوُت الْمَذْكُور، ثمَّ بَين النَّفْي بقوله (فَإِن مَا بِهِ) التَّفَاوُت (كخصوصية الثَّلج) الَّتِي حصل بهَا الشدَّة (أَن أخذت) أَي الخصوصية (فِي مَفْهُومه) أَي المشكك بِأَن تكون الشدَّة المفرقة لِلْبَصَرِ الْمَوْجُودَة فِي الثَّلج جُزْء مَفْهُوم الْأَبْيَض (فَلَا شركَة) لغير الثَّلج كالعاج مَعَه فِي مَفْهُوم الْأَبْيَض (فَلَا تفَاوت) حِينَئِذٍ إِذْ لم

يبْق لَهُ أَفْرَاد غير أَفْرَاد الثَّلج، وَلَا تفَاوت فِيهَا (وَلزِمَ الِاشْتِرَاك) اللَّفْظِيّ، إِذْ من الْمَعْلُوم أَن إِطْلَاق الْأَبْيَض على العاج وَغَيره مِمَّا سوى الثَّلج مِمَّا يُطلق عَلَيْهِ الْأَبْيَض بطرِيق الْحَقِيقَة، وَحَيْثُ لم يُوجد قدر مُشْتَرك لزم الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تُوجد الخصوصية فِي مَفْهُومه اسْتَوَت أَفْرَاد الثَّلج والعاج وَغَيرهمَا فِي مَفْهُومه وَهُوَ ظَاهر (فَلَا تفَاوت) بَين أَفْرَاده فِي مَفْهُومه (وَلزِمَ التواطؤ قُلْنَا مَا بِهِ) التَّفَاوُت من الخصوصيات المستلزمة حُصُول الْمَفْهُوم بطرِيق الشدَّة فِي الْبَعْض والضعف فِي الْبَعْض الآخر (مُعْتَبر فِيمَا صدق عَلَيْهِ الْمَفْهُوم) بطرِيق اعْتِبَار على وَجه الْجُزْئِيَّة كَمَا سَيظْهر (من أَفْرَاد تِلْكَ الخصوصية) بَيَان لما صدق الْمَفْهُوم عَلَيْهِ وَظَاهره يَقْتَضِي عدم اعْتِبَار مَا بِهِ التَّفَاوُت فِي مَاهِيَّة تِلْكَ الخصوصية، وَسَيَأْتِي اعْتِبَاره فضلا مِنْهَا، وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَن للمجيب أَن يعتبره فِي أفرادها دون الْمَاهِيّة فَإِنَّهُ أَدخل فِي دفع الِاعْتِرَاض، ثمَّ يُصَرح ثَانِيًا بِمَا هُوَ التَّحْقِيق، وَفِي إِضَافَة الْأَفْرَاد إِلَى تِلْكَ الخصوصية مُسَامَحَة، وَالْمرَاد أَفْرَاد مَا فِيهِ تِلْكَ الخصوصية، وَهُوَ الثَّلج مثلا (لَا) أَنه مُعْتَبر (فِي نَفسه) أَي نفس الْمَفْهُوم الَّذِي وضع لَهُ الْأَبْيَض مثلا (وَحَاصِل هَذَا) الْجَواب (أَن كل خُصُوصِيَّة) من الخصوصيات الْمُوجبَة للشدة أَو الضعْف (مَعَ الْمَفْهُوم) الَّذِي وضع الْأَبْيَض بإزائه مثلا (نوع ويستلزم) كَون كل خُصُوصِيَّة مَعَه نوعا (أَن مُسَمّى المشكك كالسواد وَالْبَيَاض لَا يكون إِلَّا جِنْسا، وَمَا بِهِ التَّفَاوُت فُصُول تحصله) أَي الْجِنْس الْمَذْكُور (أنواعا) مفعول ثَان للتحصيل فَإِنَّهُ يتَضَمَّن معنى الْجعل، وَيجوز أَن يكون حَالا عَن الضَّمِير الْمَنْصُوب وَالْمعْنَى: أَن الخصوصيات الَّتِي بهَا تَتَفَاوَت أَفْرَاد مُسَمّى المشكك إِذا انضمت إِلَى الْمَاهِيّة الجنسية الَّتِي هِيَ الْمُسَمّى تجْعَل تِلْكَ الْمَاهِيّة أنواعا، لِأَنَّهُ يتقوم بانضمام كل مِنْهَا إِلَى الْمَاهِيّة نوع مركب من الْجِنْس والفصل، أَو تحققها، أَو يقومها حَال كَونهَا أنواعا، فَإِنَّهُ لَا وجود للأجناس إِلَّا فِي ضمن الْأَنْوَاع كَمَا لَا وجود للأنواع إِلَّا فِي ضمن الْأَشْخَاص، فالجنس، وَالنَّوْع، والشخص مُتحد وجودا وَجعلا، وَإِن كَانَت مُتَغَايِرَة بِحَسب التعقل (فَمن الماهيات الجنسية مَا) أَي ماهيات جنسية (فُصُول أَنْوَاعهَا مقادير من الشدَّة والضعف) أَي ذُو مقادير مِنْهُمَا، فاختلاف تِلْكَ الْأَنْوَاع بِاعْتِبَار تِلْكَ الْفُصُول، وَاخْتِلَاف تِلْكَ الْفُصُول بِاعْتِبَار اخْتِلَاف مقاديرها من الْكَيْفِيَّة الجنسية، فَإِن الْبيَاض مثلا كَيْفيَّة جنسية يتَحَقَّق فِي أَنْوَاع كَثِيرَة، وَفِي كل نوع مِقْدَار خَاص من تِلْكَ الْكَيْفِيَّة لَهُ مرتبَة مَخْصُوصَة من الشدَّة والضعف، وهما أَمْرَانِ إضافيان (وَذَلِكَ) أَي مَا فُصُول أَنْوَاعهَا مقادير مِنْهَا يتَحَقَّق (فِي ماهيات الْأَعْرَاض وَلذَا) أَي وَلأَجل أَن تحقق هَذَا الْقسم إِنَّمَا يكون فِي الْأَعْرَاض (يَقُولُونَ) أَي المتكلمون، بل الْحُكَمَاء (الْمَقُول) أَي الْمَحْمُول على

أفراده (بالتشكيك) بأن يكون تحققه في ضمن البعض أشد وأقوى من تحققه في ضمن البعض الآخر (خارج) عن حقيقة أفراده التي يقال علها كما اشتهر فيما بينهم من أن الماهية وأجزاءها لا تكون مقولة بالتشكيك على أفرادها، وتحقيق ذلك في غير هذا العلم، (ومنها) أي الماهيات الجنسية ما فصول أنواعها (خلافه) أي غير المقادير المذكورة كفصل نفس ماهية المشكك الذي يميزه عن مشكك آخر كفصل نحو السواد فإنه يميز عن البياض وغيره مما يندرج تحت اللون كقولنا: قابض للبصر في السواد مفرق له في البياض (ثم وضعنا اسم المشكك للاول) أي لما فصول أنواعه مقادير. التقسيم الثاني (مدلوله) أي المفرد (إما لفظ كالجملة والخبر) فلأنه قد سبق أن المركب أن أفاد نسبة تامة بمجرد ذاته فجملة، وهو إن دل على مطابقة خارج فخبر، وإلا فإنشاء (والاسم، والفعل، والحرف) والحكم بكون مدلول أمثال هذه الألفاظ لفظا مبنى (على نوع مساهلة، إذ الألفاظ ما صدقات مدلوله) أي المفرد (الكلى) صفة مدلول: يعني أن لك واحد من المفردات المذكورة موضوع بإزاء مفهوم كلي أفراده ألفاظ وهو ظاهر، فنفس مدلوله ليس بلفظ، بل اللفظ أفراد مدلوله (إلا أن يراد) بالجملة (كل جملة متحققة خارجًا) أي تحققا خارجيًا مثل: ضرب زيد، واضرب زيدا، وزيد قائم، الحكم بالتساهل مبني على حمل المدلول على المدلول المطابقي، وحاصل التأويل حمله على المدلول الضمني، فإن كل فرد معين من أفراد مسمى الجملة مدلول ضمنا ضرورة فتضمن الكلي لجزئياته، وهكذا الحال في الخبر والفعل والحرف وغيرها (أو) مدلوله (غيره) أي غير لفظ، وحينئذ فالأول: أي فالمفرد الذي مدلوله ليس بلفظ (فأما لا يدل عليه) أي على مدلوله (إلا بضميمة إليه) أي إلى الدال، والضميمة لفظ آخر، وإنما احتاج إليها (لوضعه) أي لكونه موضوعا (لمعنى جزئي) أي لنسبة جزئية (من حيث هو) أي المعنى الجزئي (ملحوظ بين نسبتين خاصيتين) آلة لمعرفة حالهما ملتفت بالتبع، والمقصود بالذات معرفتهما، ولا يلزم أن يكونا جزئيين حقيقيين فيعم خصوص الشخص والنوع والجنس، لكن انسبة وإن كان طرفاها كليين فهي جزئية على ما قالوا (فهو الحرف كمن) فإها موضوعة للابتداء الخاص الذي هو نسبة جزئية ملحوظة بين المسير والبصرة مثلا (والى) فإنها موضوعة لانتهاء الغاية على الوجه المذكور (بخلاف) الأسماء (اللازمة للإضافة) كذو، وقبل، وبعد فإنها موضوعة

لمعنى كلي من صاحب وسبق، وتأخر، فالتزم ذكر ما أضيف إليه لبيانه، لا لأن معانيها ملحوظة بين شيئين آلة لتعرف حالهما مقصودة بالتبع (أو يستقل بالدلالة) معطوف على مدخول إما فإن حاصله إما لا يستقل بالدلالة فهو الحرف، أو يستقل بها (لعدم ذلك) أي وضعه لمعنى من حيث هو ملحوظ بين شيئين خاصيين، فإن ذلك أخرجه إلى ذكر ذينك من الشيئين، وأخرجه عن الاستقلال فعند عدمه، والمفروض عدم مخرج آخر يلزم الاستقلال وحينئذ (فأما لا يكون) المفرد المستقل بالدلالة (معناه حدثا مقيدا بأحد الأزمنة الثلاثة) الماضي، والحال، والاستقبال حال كون أحد الأزمنة مدلولا (بهيئة) فدخل ما كان معناه حدثا مقيدا بأحدهما بمادته كلفظ الماضي والحال والاستقبال، وكذا ما لا يكون معناه حدثا كزيد، أو حدثا غير مقيد: كضرب وقيل (فهو) المفرد المستقل بالدلالة على ما لا يكون حدثا كذا (الاسم كالابتداء والانتهاء) فإن معناهما الابتداء والانتهاء المطلق، وأنهما ليس بحدثين مقيدين بما ذكر (فالكاف وعن وعلى حيئنذ) أي حين كان الأمر على ما عرفت من البون البعيد بين حقيقتي الاسم والحرف وتبياينهما باعتبار الاستقلال وعدم الاستقلال وغيره مع العلم بأن كلا منهما يستعمل تارة استعمال الحروف فيجري عليه أحكامها، وتارة استعمال الأسماء فيجري عليه أحكامها (مشترك لفظي له وضع للمعنى الكلي يستعمل فيه) أي في المعنى الكلي (اسما) أي استعمال اسم، أو حال كونه اسما (كبكابن الماء) في قول امريء القيس: ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا ... تصوب فيه العين طورا وترتقي أي بفرس مثل الكركي، شبه به لخفته وطول عنقه (و) وضع (لخصوص منه) أي من المعنى الكلي (كذلك) أي من حيث هو ملحوظ بين شيئين خاصين (فيستعمل فيه) أي في الخصوص (حرفا كجاء الذي كعمرو) أي الذي استقر كعمرو، فإن حرفيتها في مثله متعينة عند الجمهور لئلا يلزم افراد الصلة راجحة عند الأخفش والجزولي وابن مالك مجوزين اسميتها على اضمار مبتدا كما في قراءة بعضهم - تماما على الذي أحسن - (وقس الأخيرين) أي عن وعلى (عليه) أي على الكاف باعتبار وضع عن للكلي وهو الجانب فيستعمل فيه اسما نحو: ولقد رأني للرماح دريئة ... من عن يميني مرة وأمامي وللجزئي كما هو المشهور (أو يكون) معناه حدثا مقيدا بأحد الآن منه بهيئة (فالفعل) بأقسامه.

التقسيم الثالث

التَّقْسِيم الثَّالِث من تقاسيم الْفَصْل الرَّابِع (قسم فَخر الْإِسْلَام اللَّفْظ) الْمُفْرد (بِحَسب اللُّغَة والصيغة) الْجَار مُتَعَلق بقسم، واللغة اللَّفْظ الْمَوْضُوع، والصيغة الْهَيْئَة الْعَارِضَة لَهُ بِاعْتِبَار الحركات والسكنات وَتَقْدِيم بعض الْحُرُوف على بعض، وَالظَّاهِر أَنه يُرَاد باللغة هَهُنَا جَوْهَر الْحُرُوف بِقَرِينَة انضمام الصِّيغَة إِلَيْهَا، وَلما كَانَتَا متعلقي الْوَضع عبر بهما عَنهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أَي بِاعْتِبَار وَضعه إِلَى خَاص وعام، ومشترك، ومؤول) فسر بِمَا ترجح من الْمُشْتَرك بعض وجوهه بغالب الرَّأْي، وَأورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قد لَا يكون من الْمُشْتَرك، وترجحه قد لَا يكون بغالب الرَّأْي، فِي الْمِيزَان: أَن الْخَفي والمشكل والمشترك والمجمل إِذا لحقها الْبَيَان بِدَلِيل قَطْعِيّ سمي مُفَسرًا، وَإِن زَالَ خفاؤه بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة كَخَبَر الْوَاحِد، وَالْقِيَاس سمي مؤولا انْتهى وَأجِيب عَن الأول بِأَن المُرَاد تَعْرِيف المؤول من الْمُشْتَرك، وَعَن الثَّانِي بِأَن المُرَاد بغالب الرَّأْي، مِمَّا يعم الْحَاصِل من الْقيَاس وَخبر الْوَاحِد. وَقَالَ صدر الشَّرِيعَة: وَإِنَّمَا لم أورد المؤول فِي الْقِسْمَة، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاعْتِبَار الْوَضع، بل بِاعْتِبَار رَأْي الْمُجْتَهد انْتهى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ المُصَنّف رَحمَه الله بقوله (وَاعْترض بِأَن المؤول وَلَو) كَانَ (من الْمُشْتَرك لَيْسَ بِاعْتِبَار الْوَضع) وَلم يلْتَفت إِلَى مَا قيل فِي تَوْجِيه كَلَام فَخر الْإِسْلَام من أَن معنى كَونه بِاعْتِبَار الْوَضع أَن الحكم بعد التَّأْوِيل يُضَاف إِلَى الصِّيغَة، لِأَن مَا يحصل من التَّأَمُّل بِالدَّلِيلِ لَا وَجه لجعله من الاعتبارات الْمُتَعَلّقَة بِالْوَضْعِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بل عَن رفع إِجْمَال بظني) أَي التَّأْوِيل لم ينشأ عَن الْوَضع، بل هُوَ نَاشِئ عَن إِزَالَة إِبْهَام حَاصِل بازدحام احتمالات ناشئة من الِاشْتِرَاك بِدَلِيل ظَنِّي قياسي أَو خبر (فِي الِاسْتِعْمَال) مُتَعَلق بإجمال، فالطرفان: أَعنِي بظني، وَهَذَا يتعلقان بِرَفْع وإجمال على تَرْتِيب اللف والنشر، وَلَا شكّ أَن الْإِبْهَام إِنَّمَا يعرض للمشترك فِي حَال الِاسْتِعْمَال لَا الْوَضع (فَهِيَ) أَي الْأَقْسَام إِذا (ثَلَاثَة، لِأَن اللَّفْظ أَن كَانَ مُسَمَّاهُ متحدا وَلَو بالنوع) كَرجل وَفرس (أَو مُتَعَددًا مدلولا على خُصُوص كميته) لِأَن كمية المتعدد الْمَذْكُور (بِهِ) أَي بِلَفْظ ذَلِك المتعدد مَعَ كميته الْمَخْصُوصَة مدلولا مطابقيا للفظه، فَقَوله مدلولا وضعا للمتعدد بِحَال مُتَعَلقَة: أَعنِي كَونه بِحَيْثُ يدل على خُصُوص كمية لَفظه، لِأَنَّهُ لم يقْصد مدلولية ذَلِك المتعدد، لِأَنَّهُ ظَاهر لكَونه مُسَمّى لَفظه (فالخاص) جَوَاب للشّرط: أَي فَهُوَ الْخَاص (فَدخل) فِي الْخَاص (الْمُطلق) تَفْرِيع على قَوْله وَلَو بالنوع: كَمَا أَن قَوْله (وَالْعدَد) تَفْرِيع على قَوْله: وَلَو بالنوع كَمَا أَن قَوْله تَفْرِيع على قَوْله أَو مُتَعَددًا إِلَى آخِره (وَالْأَمر وَالنَّهْي)

لِاتِّحَاد مسماهما نوعا كَمَا ستعرف، وَالْمُطلق على مَا سَيَجِيءُ مَا دلّ على فَرد شَائِع لَا قيد مَعَه مُسْتقِلّا لفظا (وَإِن تعدد) مُسَمَّاهُ (بِلَا مُلَاحظَة حصر) وَإِن كَانَ محصورا فِي الْوَاقِع (فَأَما بِوَضْع وَاحِد) أَي فَذَلِك اللَّفْظ المتعدد مُسَمَّاهُ أما مَوْضُوع بِإِزَاءِ ذَلِك المتعدد بِوَضْع وَاحِد (فَمن حَيْثُ هُوَ كَذَلِك) أَي فاللفظ من حَيْثُ أَنه مَوْضُوع بِوَضْع وَاحِد لمتعدد غير مَحْصُور هُوَ (الْعَام، أَو) بِوَضْع (مُتَعَدد فَمن حَيْثُ هُوَ كَذَلِك الْمُشْتَرك) فَهُوَ مَا وضع وضعا مُتَعَددًا لمعان مُتعَدِّدَة، فَعدم مُلَاحظَة الْحصْر فِي الْمُشْتَرك قيد واقعي لَا اجترازي كَمَا فِي الْعَام فَإِنَّهُ فِيهِ لإِخْرَاج أَسمَاء الْعدَد والتثنية (فَيدْخل فِي الْعَام الْجمع الْمُنكر) كرجال المتعدد مُسَمَّاهُ من غير مُلَاحظَة الْحصْر مَعَ اتِّحَاد الْوَضع (وعَلى اشْتِرَاط الِاسْتِغْرَاق) فِي الْعَام (فمتحد الْوَضع) أَي اللَّفْظ الْمَوْضُوع بِوَضْع وَاحِد لغير المنحصر (أَن استغرق) جَمِيع مَا يصلح لَهُ (فالعام) جَوَاب الشَّرْط: أَي فَهُوَ الْعَام (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يسْتَغْرق (فالجمع) أَي فَهُوَ الْجمع الْمُنكر فَهُوَ حِينَئِذٍ وَاسِطَة بَين الْخَاص وَالْعَام (وَأخذ) قيد (الْحَيْثِيَّة) كَمَا ذكرنَا فِي التعريفين المستنبطين من التَّقْسِيم (يبين عدم العناد) والتباين (بِجُزْء الْمَفْهُوم بَين الْمُشْتَرك وَالْعَام) أَي لَيْسَ مَا يُوجب العناد بَينهمَا ذاتيا كالإنسان وَالْفرس حَتَّى يكون التَّقْسِيم حَقِيقِيًّا، بل بِحَسب الِاعْتِبَار والحيثية فيتصادقان لَا من حيثية وَاحِدَة كَمَا سَيَجِيءُ (وَلذَا) أَي لعدم العناد بَينهمَا بِجُزْء الْمَفْهُوم (لَا يحْتَاج إِلَيْهَا) أَي إِلَى الْحَيْثِيَّة (فِي تعريفهما ابْتِدَاء) لَا فِي ضمن التَّقْسِيم، لِأَن الْمَنْطُوق حِينَئِذٍ بَيَان أَجزَاء الْمَاهِيّة، والحيثية لَيست مِنْهَا، وَإِذا قد عرفت أَنه لَا عناد بَين الْعَام والمشترك بِالذَّاتِ إِذا لم يعْتَبر فِي الْعَام عدم تعدد الْوَضع وَأَنت تعلم أَن العناد بالذت مَوْجُود بَين الْمُنْفَرد والمشترك لاعْتِبَار عدم تعدده فِيهِ (فَالْحق) أَي اللَّائِق الْحقيق بِالِاعْتِبَارِ أَن يعْتَبر (تقسيمان): التَّقْسِيم (الأول بِاعْتِبَار اتِّحَاد الْوَضع وتعدده يخرج الْمُنْفَرد) وَهُوَ الْمَوْضُوع لِمَعْنى وَاحِد لَا غير (وَلم يُخرجهُ) أَي الْمُنْفَرد (الْحَنَفِيَّة على كَثْرَة أقسامهم) أَي مَعَ كثرتها، وَأخرجه الشَّافِعِيَّة (و) يخرج (الْمُشْتَرك و) ذكرت (فِيهِ) أَي فِي قسم الْمُشْتَرك (مسئلة) وَاحِدَة وَهِي هَذِه (الْمُشْتَرك) مُبْتَدأ خَبره (خَامِسهَا) إِلَى آخِره، وَالضَّمِير رَاجع إِلَى الْأَقْوَال تَقْدِير الْكَلَام الْمُشْتَرك فِي جَوَازه ووقوعه أَقْوَال: غير جَائِز، جَائِز غير وَاقع، وَاقع فِي اللُّغَة لَا غير، فِي اللُّغَة وَالْقُرْآن لَا غير، خَامِسهَا فِيهِ أَي فِي الْمُشْتَرك جَائِز و (وَاقع فِي اللُّغَة وَالْقُرْآن والْحَدِيث) وَهُوَ الْمُخْتَار و (لنا) على الْجَوَاز (لَا امْتنَاع لوضع لفظ مرَّتَيْنِ فَصَاعِدا لمفهومين فَصَاعِدا على أَن يسْتَعْمل) ذَلِك اللَّفْظ (لكل) من المفهومين أَو المفهومات (على الْبَدَل) لَا على الِاجْتِمَاع، لَا خَفَاء فِي أَن مَنْظُور الْوَاضِع فِي كل وضع أَن يسْتَعْمل ذَلِك اللَّفْظ لكل من المفهومين أَو المفهومات على

البدل لا على الاجتماع، ولا خفاء في أن منظور الواضع في كل وضع أن يستعمل في معنى بعينه لا غير لكن إذا تعدد الوضع، والمفروض أن الواضع واحد كام قصده من تلك الأوضاع المتعددة أن يستعمل تارة في هذا دون غيره، وتارة في ذلك دون غيره، (وقولهم) أي المانعين (يستلزم) جواز المشترك (العبث) أي جواز العبث واللعب (لانتفاء فائدة الوضع) وهي فهم المراد لاستحالة الترجيح بلا مرجح (مندفع) خبر قولهم (بأن الإجمال مما يقصد) فلا تنحصر فائدة الوضع في فهم المراد على سبيل التعيين، فإذا سمع المشترك يفهم أن المراد أحد تلك المعاني وهذا نوع من العلم: ويقصد به مصالح كطلب التعيين، والاجتهاد فيه، والابهام على بعض السامعين إلى غير ذلك. (ولنا) في الاستدل (على الوقوع ثبوت استعمال القرء) بفتح القاف ويضم (لغة لكل من الحيض والطهر) على البدل (لا يتبادر أحدهما) بعينه (مرادا) تمييز عن نسبة الفعل إلى الفاعل (بلا قرينة) معينة له متعلق بلا يتبادر (وهو) أي استعماله، كذلك (دليل الوضع كذلك) أي وضع لفظ القرء مرتين لهما على البدل (وهو) أي اللفظ الموضوع لذلك (المراد بالمشترك. وما قيل) في دفع هذا من أنه (جاز كونه) أي القرء (لمشترك) أي لمعنى مشترك بينهما (أو) كونه (حقيقة) في أحدهما (ومجازا) في الاخر (وخفي التعيين) للحقيقةعن المجاز لشيوعه في المعنى المجازي، وفلا نعلم ايهما حقيقة (وكذا كل ما ظن) من الألفاظ (أنه منه) أي من المشترك اللفظي يقال فيه هذا (ثم يترجح الأول) وهو كونه لمعنى مشترك بينهما، لأن الأصل عدم تعدد الوضع، والحقيقة أولى من المجاز (مدفوع) خبر ما قيل (بعدمه) أي بعدم القرء المشترك (بينهما) أي الحيض والطهر، وإلا لكان يفهم عند الإطلاق ما وضع له (وكونه) أي القرء موضوعا (لنحو الشيئة)، في القاموس شيئته شيئا أردته، والاسم الشيئة، كشيعة، وكل شيء شيئه الله انتهى، والمراد به الشيء المرادة (والوجود بعيد، ويوجب) كونه موضعا لذلك (أن نحو الإنسان والفرس والقعود وما لا يحصى من أفراد القرء) وهو ظاهر الفساد، فظهر عدم وضعه للقدر المشترك (واشتهار المجاز بحيث يساوي الحقيقة) في تبادر معناه المجازي (ويخفى التعيين) أي تعيين المراد لتساوي المعنى الحقيقي والمجازي في التبادر كما في المشترك (نادر لا نسبة له) أي لاشتهاره على الوجه المذكور (بمقابله) وهو عدم اشتهاره بتلك المثابة، فلا يصار إلى الاحتمال المرجوح (فأظهر الاحتمالات كونه) أي القرء (موضوعا لكل) من الحيض والطهر على البدل، واعتبار غير الأظهر ترجيح للمرجوح، فوجب كونه مشتركا (وهو) أي كونه موضوعا لكل (دليل وقوعه) أي المشترك (في القرآن) لوقوع القرء في قوله تعالى - ثلاثة قروء - (والحديث)

لوقوعه فيما روى الدارقطني والطحاوي رحمهما الله عن فاطمة بنت حبيش قالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر قال (دعي الصلاة أيام أقرائك، وبه) أي بالوقوع فيهما (كان قول النافي) للوقوع (إن وقع) المشترك (مبينا) أي مقرونا بما يبين المراد منه (طال) الكلام (بلا فائدة) لا مكان افائدة المراد بمنفرد لا يحتاج إلى البيان (أو غير مبين لم يفد) لعدم تعين المراد (تشكيكا) خبر كان (بعد التحقق) فلا يسمع، فإن قلت التحقق غير مقطوع به. بل أظهر الاحتمالات فما ذكره النافي يصلح لأن يورث شبهة فيه، قلنا لا يصلح لأن الاحتراز عن ترجيح المرجوح واجب، فما ذكره غير مسلم، بل هو باطل كما صرح به بقوله (مع أنه) أي قول النافي (باطل) لأنا نختار الشق الأول ونمنع التطويل بلا فائدة، لأن البيان بعد الابهام يوجب زيادة التقرير، أو الشق الثاني ونمنع عدم الفائدة (فإن افادته) أي المشترك (كالمطلق) أي كافادة المطلق في أن كلا منهما يدل على أمر غير معين، وهذا يوجد في الشرعيات وغيرها (وفي الشرعيات) خاصة فائدته أي المشترك ونحوه (العزم) أي عزم المكلف (عليه) أي على العمل بالمراد (إذا بين، والاجتهاد) أي بذل المجهود لنيل المقصود (في استعلامه) أي طلب فهم المراد (فينال ثوابه) أي ثواب كل من العزم والاجتهاد أن أصاب أجرينن وإن أخطأ واحدا. (واستدل) للمختار بدليل مزيف وهو أنه (لو لم يقع) المشترك (كان الموجود في القديم والحادث) مشتركا (معنويا لأنه) أي الموجود (فيهما حقيقة اتفاقا وهو) أي كونه مشتركا معنويا فيهما (منتف لأنه) أي الموجود اسم (لذات له وجود وهو) أي الوجود (في القديم يباين الممكن) أي يباين الوجود في الممكن، لأن الأول ضروري دون الثاني، فالموجود إذا أطلق على القديم معناه ذات له وجود ضروري، وإذا أطلق على الممكن معناه ذات له وجود غير ضروري (فلا اشتراك) بينهما معنويا (وليس) هذا الاستدلال (بشيء لأن الأختلاف) أي اختلاف الأفراد (بالخصوصيات) السخصية كما في الأفراد الشخصية، أو النوعية كما في الأفراد النوعية (ويوصف الوجوب والامكان) معطوف على الخصوصيات (لا يمنع الاندراج) أي ادراج تلك الأفراد المختلفة باعتبار ما ذكر (تحت مفهوم عام تختلف أفراده فيه) شدة وضعفا (فيكون) الاشتراك بين القديم والحادث (معنويا، واستدل أيضا لو لم يوضع) المشترك (خلت أكثر المسميات) عن الأسماء (لعدم تناهيها) أي المسميات، لأنها ما بين موجود، ومجرد، ومادي، ومعدوم ممكن وممتنع، ومن جملتها الأعداد: وهي غير متناهية (دون الألفاظ) فإنها متناهية (لتركبها من الحروف المتناهية) فالمركب من المتناهي متناه كما سيجيء (لكنها) أي المسميات (لم تخل) عن الأسماء (وهو أضعف) من الاستدلال

الأول (لمنع عدم تناهي الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة والمتضادة). قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَة على الشَّرْح العضدي أَن المفهومين إِذا اشْتَركَا فِي الصِّفَات النفسية فمتماثلان وَإِلَّا كَانَا مَعْنيين يمْنَع اجْتِمَاعهمَا فِي مَحل وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة فمتضادان، وَإِلَّا فمختلفان (وتحققه) أَي عدم التناهي (فِي المتماثلة وَلَا يلْزم لتعريفها) أَي المتماثلة (الْوَضع لَهَا) بِأَن يوضع لكل مِنْهَا على حِدة (بل الْقطع) حَاصِل (بنفيه) أَي الْوَضع لَهَا بِحَسب الخصوصيات، وَإِنَّمَا الْحَاجة إِلَى أَن يوضع لكل نوع اسْم، وَذَلِكَ متناه (وَإِن سلم) عدم تناهي الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة والمتضادة (فالوضع) لَازم (للمحتاج إِلَيْهِ) مِنْهَا لَا غير (وَهُوَ) أَي الْمُحْتَاج إِلَيْهِ مِنْهَا (متناه، وَلَو سلم) الْوَضع للْكُلّ (فخلوها) أَي المسميات عَن الْأَسْمَاء (على التَّقْدِيرَيْنِ مُشْتَرك الْإِلْزَام) على من يثبت الِاشْتِرَاك، وعَلى من يَنْفِيه، لِأَنَّهُ إِذا قوبل أُمُور متناهية بِأُمُور غير متناهية بطرِيق التَّوْزِيع تفنى المتناهية، وَإِن جعل كل مِنْهَا بِإِزَاءِ أُلُوف غير متناهية، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ لَا نِسْبَة للمتناهى بِغَيْر المتناهى، وَلَو سلم) لُزُوم الْخُلُو على تَقْدِير عدم الِاشْتِرَاك فَقَط (فبطلان الْخُلُو مَمْنُوع) لِأَن بُطْلَانه على تَقْدِير عدم إِفَادَة مَا هُوَ خَال عَن الِاسْم (وَلَا تَنْتفِي الإفادة فِيمَا إِذا لم يوضع لَهُ) لحصولها بِأَلْفَاظ مجازية وتركيب كليات كإفادة أَنْوَاع الروائح والطعوم (وَأما تَجْوِيز عدم تناهي الْمركب من المتناهي) فِي مقَام منع تناهي الْأَلْفَاظ المركبة من الْحُرُوف المتناهية لدفع لُزُوم الْخُلُو على تَقْدِير عدم الْمُشْتَرك (إِذا لم يكن) التَّرْكِيب (بالتكرار) أَي بتكرار الْحُرُوف (والإضافات) أَي وبإضافة بعض الْكَلِمَات إِلَى بعض فِي أَدَاء الْمَعْنى المُرَاد (كتركيب الْأَعْدَاد) الْحَاصِلَة بتكرار الْوحدَة المتفاوتة فِي الْقلَّة وَالْكَثْرَة المضافة فِيهَا مَرَاتِب الْآحَاد، والعشرات، أَو المئات إِلَى مرتبَة فَوْقهَا (فَبَاطِل) جَوَاب أما وَخبر تَجْوِيز (بِأَيّ اعْتِبَار فرض) التَّرْكِيب سوى مَا كَانَ بالتكرار وَالْإِضَافَة الْمَذْكُورين: أَي عدم تناهيه بَاطِل وَلَو استوعب فِي عَالم الْفَرْض جَمِيع التراكيب الممكنة على الأنحاء الْمُخْتَلفَة سوى مَا ذكر (وَلَو) فرض انضمام الْوَضع (مَعَ الإهمال) أَي الْمَوْضُوع مَعَ المهمل (إِذْ الْإِخْرَاج) أَي إِخْرَاج الْأَلْفَاظ من الْحُرُوف (بضغط) أَي بزحمة وَشدَّة (فِي محَال) الصَّدْر وَالْحلق وَغَيرهمَا (متناهية على أنحاء) أَي أَنْوَاع من الكيفيات (متناهية) وَمَا قَامَ بالمحال المتناهية وإحاطة الكيفيات المتناهية متناه لَا محَالة (وَإِنَّمَا اشْتبهَ) تناهي الْأَلْفَاظ (للكثرة الزَّائِدَة) فِيهَا على كَثْرَة غَيرهَا.

التقسيم الثاني

التَّقْسِيم الثَّانِي من التقسيمين الْمَذْكُورين فِي التَّقْسِيم الثَّالِث من تقاسيم الْفَصْل الرَّابِع (بِاعْتِبَار الْمَوْضُوع لَهُ يخرج الْخَاص وَالْعَام) كَمَا أخرج التَّقْسِيم الأول الْمُنْفَرد والمشترك (وتتداخل) أَقسَام التقسيمين (فالمشترك عَام، وخاص، وَالْمُنْفَرد كَذَلِك) أَي عَام وخاص أَيْضا، أما انقسام الْمُنْفَرد إِلَيْهِمَا فَظَاهر، وَأما انقسام الْمُشْتَرك إِلَيْهِمَا فَإِنَّهُ إِذا نَظرنَا إِلَى كل وَاحِد من مَعَانِيه فحاله كَحال الْمُنْفَرد تَارَة يكون عَاما، وَتارَة يكون خَاصّا، وَيجوز أَن يكون عَاما بِاعْتِبَار بعض مَعَانِيه، وخاصا بِاعْتِبَار آخر (وَلَا وَجه لإِخْرَاج الْجمع) الْمُنكر (عَنْهُمَا) أَي الْخَاص وَالْعَام (على التَّقْدِيرَيْنِ) بِاشْتِرَاط الِاسْتِغْرَاق، وَعدم اشْتِرَاطه فِي الْعَام، لِأَنَّهُ إِن لم يشْتَرط فَهُوَ دَاخل فِي الْعَام وَإِلَّا فَفِي الْخَاص (لِأَن رجَالًا فِي الْجمع مُطلق كَرجل فِي الوحدان) لَا فرق بَينهمَا إِلَّا بِاعْتِبَار أَن مَا صدق عَلَيْهِ رجال كل جمَاعَة جمَاعَة على الْبَدَل، وَمَا صدق عَلَيْهِ رجل كل فَرد فَرد، وَالْمُطلق مندرج فِي الْخَاص على مَا سبق (وَالِاخْتِلَاف) بَين مَا صدق عَلَيْهِ الْجمع وَمَا صدق عَلَيْهِ الْمُفْرد (بِالْعدَدِ وَعَدَمه لَا أثر لَهُ) فِي الِاخْتِلَاف بِالْإِطْلَاقِ وَعَدَمه فَإِن قلت قَول المُصَنّف فِيمَا سبق، وَإِلَّا فالجمع بعد ذكر الْخَاص وَالْعَام تَصْرِيح بِكَوْنِهِ وَاسِطَة بَينهمَا قلت سِيَاق الْكَلَام هُنَاكَ على طَريقَة صدر الشَّرِيعَة وَغَيره، وَهَهُنَا على التَّحْقِيق لَكِن بَقِي شَيْء، وَهُوَ أَنه على تَقْدِير عدم اشْتِرَاط الِاسْتِغْرَاق أَيْضا يَنْبَغِي أَن يدْخل الْجمع فِي الْخَاص لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال أَنه ذُو جِهَتَيْنِ: جِهَة تعدد وشمول من حَيْثُ الْأَجْزَاء، وجهة اتِّحَاد وَإِطْلَاق من حَيْثُ الْمَفْهُوم لَكِن الْأَلْيَق فِيهِ بِالِاعْتِبَارِ فِيهِ الأول فاعتبرها من لم يشْتَرط وَحكم بِعُمُومِهِ، وَمن يشْتَرط يعْتَبر الثَّانِيَة وَيحكم من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة بِإِطْلَاقِهِ لَا من حيثية التَّعَدُّد بِحَسب الْأَجْزَاء (فالمفرد عَام) اعْتبر الْأَفْرَاد فِي الْعَام دفعا لتوهم عدم اعْتِبَاره لما يُوهِمهُ كَمَا سَيَجِيءُ، وَفصل بَين الْقسمَيْنِ بِمَا يتَعَلَّق بالقسم الأول من المباحث احْتِرَازًا عَن التّكْرَار (وَهُوَ) أَي الْعَام (مَا دلّ على استغراق أَفْرَاد مَفْهُوم) وَإِنَّمَا لم يقل مَفْهُومه، لِأَن الْمُتَبَادر مِنْهُ المطابقي واستغراق الْجمع وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ بِاعْتِبَارِهِ: بل بِاعْتِبَار أَفْرَاد مَفْهُوم مفرده، وَهُوَ مَفْهُومه التضمني كَمَا سَيَجِيءُ (وَيدخل الْمُشْتَرك) فِي الْحَمد (لَو عَم) واستغرق (أَفْرَاد مَفْهُوم) أَو أَكثر من مفهوماته (أَو فِي المفاهيم) وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يَقُول، أَو المفاهيم، فَعدل عَنهُ لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد استغراقه أفرادها بِاسْتِعْمَالِهِ فِي معنى مجازي يعمها فيستوعبها، فَإِن كَانَ ذَلِك غير مَبْنِيّ (على) قَول (من

يعممه) وَإِنَّمَا الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ استغراقه إِيَّاهَا بِاسْتِعْمَالِهِ فِي مفاهيمه، فَالْمَعْنى أَو عَم الْأَفْرَاد مُسْتَعْملا فِي المفاهيم، وَالضَّمِير فِي يعممه رَاجع إِلَى الْمُشْتَرك، والمعمم الشَّافِعِي، وَمن وَافقه (وَالْحَاصِل أَن الْعُمُوم) يتَحَقَّق (بِاعْتِبَار) استغراق (أَفْرَاد مَفْهُوم) وَاحِد أُرِيد بِهِ سَوَاء انْفَرد فِي الأرادة بِهِ، أَو أُرِيد مَعَه مَفْهُوم آخر، فتعريف الْعَام بِمَا دلّ على استغراق أَفْرَاد مَفْهُوم من غير تَقْيِيد الْمَفْهُوم بِقَيْد فَقَط تَعْرِيف بِمُطلق يَشْمَل الْوَجْهَيْنِ (وَمن لم يشْتَرط الِاسْتِغْرَاق) فِي الْعَالم (كفخر الأسلام) فتعريفه عِنْده (مَا يَنْتَظِم جمعا من المسميات) وَالْمرَاد بهَا أَفْرَاد مُسَمَّاة، أَو مُسَمّى مُفْرد، فَلَا يدْخل فِيهِ الْمُشْتَرك لعدم انتظامه جمعا مِنْهَا لكَونه يحْتَمل كل وَاحِد مِنْهَا على سَبِيل الْبَدَل، والانتظام عبارَة عَن الشُّمُول (وَكَذَا) أَي مثل التَّعْرِيف الْمَذْكُور فِي الابتناء على عدم الِاشْتِرَاط تَعْرِيف صَاحب الْمنَار، وَهُوَ (مَا يتَنَاوَل أفرادا متفقة الْحُدُود شمولا) فَخرج بقوله أفرادا الْخَاص، لِأَنَّهُ إِمَّا يُرَاد بِهِ الْوَاحِد بالشخص أَو بالنوع، وَأما يُرَاد بِهِ المتعدد لَكِنَّهَا لَيست بأفراد مُسَمَّاهُ وَلَا أَفْرَاد مُسَمّى مفرده، وَبِقَوْلِهِ متفقة الْحُدُود الْمُشْتَرك، لِأَن الْأَفْرَاد الَّتِي يتَنَاوَل حُدُودهَا مُخْتَلفَة، فَإِن لفظ الْعين مثلا متناول لمجموع أَفْرَاد حَقِيقَة بَعْضهَا مَاهِيَّة الْعين الْجَارِيَة، وَبَعضهَا الآخر مَاهِيَّة الْعين الباصرة، وَهَكَذَا، وَبِقَوْلِهِ شمولا اسْم الْجِنْس لِأَن متناولها على سَبِيل الْبَدَل (وَأما تَعْرِيفه على) اشْتِرَاط (الِاسْتِغْرَاق) بِمَا دلّ على مسميات بِاعْتِبَار أَمر اشتركت) تِلْكَ المسميات (فِيهِ) فِي ذَلِك الْأَمر (مُطلقًا ضَرْبَة) قَوْله على مسميات أخرج نَحْو زيد، وَقَوله بِاعْتِبَار أَمر اشتركت مُتَعَلق بدل، وَأخرج نَحْو عشرَة فَإِنَّهَا دلّت على آحادها لَا بِاعْتِبَار أَمر اشتركت الْآحَاد فِيهِ، لِأَنَّهَا أَجزَاء الْعشْرَة لَا جزئياتها، وَقَوله مُطلقًا مفعول مُطلق لدل، أَو حَال عَن ضمير فِيهِ لإِخْرَاج الْمَعْهُود فَإِنَّهُ يدل على مسميات بِاعْتِبَار مَا اشتركت فِيهِ مَعَ قيد خصصه بالمعهود، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فمطلقا لإِخْرَاج الْمُشْتَركَة الْمَعْهُودَة) أَي لإِخْرَاج مَا دلّ على المسميات الْمُشْتَركَة فِي أَمر الْمشَار إِلَيْهَا بِاللَّامِ العهدية وَنَحْوهَا الدَّاخِلَة على الْمَفْهُوم الْعَام الَّذِي جعل آلَة لملاحظة تِلْكَ الْأَفْرَاد الْمُشْتَركَة فِيهِ (لِأَنَّهَا) أَي الْمُشْتَركَة الْمَعْهُودَة (مدلولة مُقَيّدَة بالعهد) أَي الْمَعْهُود بِهِ، وَقَوله ضَرْبَة أَي دفْعَة وَاحِدَة لإِخْرَاج نَحْو رجل فَإِنَّهُ يدل على مسمياته لَا دفْعَة، بل دفعات على الْبَدَل (وَيرد) على جامعية التَّعْرِيف الْمَذْكُور (خُرُوج) نَحْو (عُلَمَاء الْبَلَد) مِمَّا يُضَاف الْمَفْهُوم الْكُلِّي إِلَى مَا يخصصه، مَعَ أَنه عَام قصد بِهِ الِاسْتِغْرَاق بِسَبَب اعْتِبَار قيد الْإِطْلَاق فِي التَّعْرِيف، وتقيده بالمضاف إِلَيْهِ (وَأجِيب بِأَن الْمُشْتَرك فِيهِ) أَي الَّذِي اشتركت المسميات فِيهِ (عَالم الْبَلَد مُطلقًا) لَا الْعَالم، وعالم الْبَلَد لم يتَقَيَّد بِقَيْد وَإِنَّمَا قيد الْعَالم فَإِن قلت قد اعْتبر الْأَفْرَاد فِي الْعَالم، وعالم الْبَلَد مركب قلت الْعَالم إِنَّمَا هُوَ

الْمُضَاف من حَيْثُ هُوَ مُضَاف، والمضاف إِلَيْهِ خَارج (بِخِلَاف الرِّجَال المعهودين) فَإِن الْمُشْتَرك فِيهِ (هُوَ الرجل الْمَعْهُود) أَي الرجل الَّذِي قيد بالمعهودية بعد مَا كَانَ مُطلقًا بِمُقْتَضى أصل وَضعه (وَالْحق أَن لَا فرق) بَينهمَا من حَيْثُ الْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد (لِأَن عَالم الْبَلَد مَعْهُود) إِذْ لَيْسَ المُرَاد كل مَا يصدق عَلَيْهِ هَذَا الْمركب الإضافي، بل الْمَوْجُودين فِي حَال التَّكَلُّم، وَلَا شكّ أَنهم حِصَّة مُعينَة مِنْهُ وَأَن كثر عَددهمْ، وَقد اشْتهر إِلَيْهَا بِالْإِضَافَة العهدية (وَكَون المُرَاد) من الْعَهْد الَّذِي احْتَرز عَنهُ بقوله مُطلقًا (عهدا اعْتبر خصوصيته) بِأَن كَانَ مفادا بلام الْعَهْد (لَا يدل عَلَيْهِ) أَي على المُرَاد الْمَذْكُور (اللَّفْظ) لِأَن اللَّفْظ وَهُوَ مُطلقًا يدل على الِاحْتِرَاز عَن مُطلق الْعَهْد، بل مُطلق التَّقْيِيد (فَيرد) نَحْو عُلَمَاء الْبَلَد على عكس التَّعْرِيف (وَيرد) أَيْضا على التَّعْرِيف الْمَذْكُور، لَكِن على طرده (الْجمع الْمُنكر) كرجال، فَإِنَّهُ يدل على مسميات وَهِي آحَاد بِاعْتِبَار أَمر اشتركت، وَهُوَ مَفْهُوم رجل مُطلقًا لعدم الْعَهْد، وَلَيْسَ بعام عِنْد من يشْتَرط الِاسْتِغْرَاق (فَإِن أُجِيب بِإِرَادَة مسميات الدَّال) من المسميات الْمَذْكُورَة فِي التعريفات فالآحاد لَيست بمسميات للدال الَّذِي هُوَ لفظ الْجمع، لِأَن مسمياته الْجَمَاعَات (فَبعد حمله) أَي الْمَذْكُور فِي التعريفات: أَي المسميات (على أَفْرَاد مُسَمَّاهُ ليَصِح) التَّعْرِيف (وَلَا يشْعر بِهِ) أَي وَالْحَال أَن (اللَّفْظ) غير مشْعر بِهَذَا المُرَاد، لِأَن مَدْلُول المسميات إِنَّمَا هُوَ الْإِطْلَاق، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن المسميات وَإِن أطلق، فالمتبادر مِنْهَا أَن تكون مسميات بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّفْظ الَّذِي تنَاولهَا الْعَام فَعدم إِشْعَار اللَّفْظ مَحل نظر (فباعتبار إِلَى آخِره مُسْتَدْرك) أَي مُسْتَغْنى عَنهُ (لخُرُوج الْعدَد) عَن التَّعْرِيف بقوله على مسميات على مَا فَسرهَا الْمُجيب (لِأَنَّهَا) أَي آحَاد الْعدَد (لَيست أَفْرَاد مُسَمَّاهُ) بل أجزاؤه (ثمَّ أَفْرَاد الْعَام الْمُفْرد الوحدان و) أَفْرَاد (الْجمع الْمحلي) بِاللَّامِ (الجموع فَإِن الْتزم كَون عُمُومه) أَي الْجمع الْمحلي (باعتبارها) أَي الجموع الَّتِي هِيَ أَفْرَاده (فَقَط) من غير اعْتِبَار الوحدان الَّتِي هِيَ أجزاؤه (فَبَاطِل) هَذَا الِالْتِزَام (للإطباق) من أَئِمَّة اللُّغَة وَالتَّفْسِير وَالْأُصُول وَغَيرهم (على فهمها) أَي الوحدان من حَيْثُ تعلق الحكم الْمَنْسُوب إِلَيْهِ (مِنْهُ) أَي من الْجمع الْمحلي مُتَعَلق بفهمها (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر الْآحَاد تَحت عُمُومه على مَا وَقع الإطباق عَلَيْهِ (فتعليق الحكم حِينَئِذٍ بِهِ) أَي بِالْجمعِ الْمحلي (لَا يُوجِبهُ) أَي لَا يُوجب تَعْلِيق الحكم (فِي كل فَرد) أَي فِي كل وَاحِد من الوحدان، بل يقْتَصر على الجموع، وَثُبُوت الحكم لشَيْء لَا يسْتَلْزم ثُبُوته لأجزائه (وَالْحق أَن لَام الْجِنْس تسلب الجمعية إِلَى الجنسية) فيراد بِالْجمعِ الْمحلي الْجِنْس الَّذِي وضع مُفْرد بإزائه (مَعَ بَقَاء الْأَحْكَام اللفظية) من إرجاع ضمير الْجمع إِلَيْهِ وتوصيفه بِمَا يُوصف بِهِ الْجمع إِلَى غير ذَلِك (لفهم الثُّبُوت) أَي ثُبُوت الحكم الْمُثبت لَهُ تَعْلِيل

للسلب الْمَذْكُور (فِي الْوَاحِد فِي: لَا أَشْتَرِي العبيد، وَيُحب الْمُحْسِنِينَ) أَي يفهم فِي موارد اسْتِعْمَال لمحلي ثُبُوت الحكم الْمُتَعَلّق بِهِ لكل وَاحِد وَاحِد من آحَاد مفرده، لَا لكل جمَاعَة جمَاعَة من أَفْرَاده، فيفهم نفي شِرَاء العَبْد الْوَاحِد، وَلِهَذَا يَحْنَث لَو حلف لَا يَشْتَرِي العبيد، وَلَا يفهم مِنْهُ أَن مُرَاد الْحَالِف الِامْتِنَاع عَن شِرَاء العبيد بِوَصْف الجمعية، وَكَذَا يفهم من يحب الْمُحْسِنِينَ تعلق الْمحبَّة بِكُل فَرد فَرد، لَا بِكُل جمَاعَة، وَهُوَ ظَاهر، فلولا أَن اللَّام أبطل الجمعية لما فهمنا ذَلِك لِأَن اللَّام لَا تستغرق إِلَّا أَفْرَاد مَفْهُوم مدخولها، وَمَعَ بَقَاء الجمعية أَفْرَاد مدخوله الْجَمَاعَات لَا الْآحَاد فَإِن قلت أهوَ حَقِيقَة أم مجَاز قلت قَالَ صدر الشَّرِيعَة أَن مَا قَالُوهُ أَنه يحمل على الْجِنْس مجَازًا مُقَيّد بِصُورَة لَا يُمكن حمله فِيهَا على الْعَهْد أَو الِاسْتِغْرَاق حَتَّى لَو أمكن يحمل عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} - فَإِن علماءنا قَالُوا أَنه لسلب الْعُمُوم لَا لعُمُوم السَّلب فَجعلُوا اللَّام لاستغراق الْجِنْس انْتهى. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ هَهُنَا: لَا شكّ أَن حمل الْجمع على الْجِنْس مجَاز، وعَلى الْعَهْد أَو الِاسْتِغْرَاق حَقِيقَة، وَلَا مساغ للخلف إِلَّا عِنْد تعذر الأَصْل انْتهى: فَعلم أَن الْجمع الْمحلى للاستغراق حَقِيقَة غير أَن الْمُحَقق لم يُصَرح بسلب اللَّام جمعيته، لكنه لَازم كَلَامه حَيْثُ صرح بِثُبُوت الحكم الْمُتَعَلّق بِالْجمعِ الْمحلي لكل من الوحدان كَمَا عرفت فَوَجَبَ إِثْبَات وضع ثَان لَهُ بعد دُخُول اللَّام، لِأَن كَونه حَقِيقَة بِاعْتِبَار الْوَضع الأول مَعَ سلب الجمعية ظَاهر الْبطلَان، لَكِن عدم صِحَة تَخْصِيصه إِلَى مَا دون الثَّلَاثَة يدافعه: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال أَحْكَام الْوَضع الأول مرعية فِيهِ فِي الْجُمْلَة كَمَا فِي إرجاع الضَّمِير والتوصيف، وَكَون سلب الجمعية بِاعْتِبَار ثُبُوت حكمه، لَا بِاعْتِبَار اسْتِعْمَاله فِيهَا غير موجه (ثمَّ يُورد) على استغراق الْعَام (مُطلقًا) مُفردا كَانَ أَو جمعا (أَن دلَالَته على الْمُفْرد تضمنية، إِذْ لَيْسَ) الْمُفْرد مدلولا (مطابقيا) لِأَن مَدْلُوله المطابقي مَجْمُوع الْأَفْرَاد الْمُشْتَركَة فِي الْمَفْهُوم الْمُعْتَبر فِيهِ على مَا صَرَّحُوا بِهِ (وَلَا خَارِجا لَازِما، وَلَا يُمكن جعله) أَي الْفَرد (من مَا صدقاته) أَي مَفْهُوم الْعَام، جمع مَا صدق لصيرورته بِمَنْزِلَة كلمة وَاحِدَة فِي اصْطِلَاح الْعلمَاء (لِأَنَّهُ) أَي الْعَام (لَيْسَ) بِاعْتِبَار تنَاوله لكل فَرد (بدليا) أَي على سَبِيل الْبَدَلِيَّة كَمَا مر فِي رجل، بل على سَبِيل الشُّمُول، وَمَا صرح بِهِ صدر الشَّرِيعَة من أَنه قد يكون على سَبِيل الْبَدَل كَمَا فِي: من دخل هَذَا الْحصن أَولا، فَكَأَنَّهُ غير مرضِي للْمُصَنف كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح (فالتعليق بِهِ) أَي تَعْلِيق الحكم بِالْعَام (تَعْلِيق بِالْكُلِّ) أَي مَجْمُوع الْأَفْرَاد (فَلَا يلْزم) من التَّعْلِيق بِالْكُلِّ التَّعْلِيق (فِي الْجُزْء وَالْجَوَاب الْعلم باللزوم) أَي لُزُوم التَّعْلِيق فِي الْجُزْء من التَّعْلِيق بِالْكُلِّ (لُغَة) أَي لُزُوما لغويا

لَا عقليا حَاصِل (فِي خُصُوص هَذَا الْجُزْء، لِأَنَّهُ جزئي من وَجه، فَإِنَّهُ جزئي الْمَفْهُوم الَّذِي بِاعْتِبَار الِاشْتِرَاك فِيهِ يثبت الْعُمُوم) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن هَذَا اللُّزُوم اللّغَوِيّ لَا يَخْلُو عَن وَجه عَقْلِي (وَقد يُقَال الْعَام مركب) تَارَة، كَالرّجلِ (فَلَا يُؤْخَذ) فِي تَعْرِيفه (الْجِنْس) الَّذِي هُوَ (الْمُفْرد) فَلم أخذتموه (وَيُجَاب بِأَنَّهُ) أَي الْعَام فِي مثل الرجل مُفْرد غير أَن عُمُومه مَشْرُوط (بِشَرْط التَّرْكِيب، فالعام رجل بِشَرْط اللَّام) كَمَا هُوَ قَول السكاكي، فالموضوع للاستغراق الرجل المقرون مَعَ اللَّام وَاللَّام شَرط (أَو بعلتها) مَعْطُوف على قَوْله بِشَرْط اللَّام بِأَن يكون رجل بعد دُخُول اللَّام على وَضعهَا الأول، والموضوع للاستغراق هُوَ اللَّام كَلَفْظِ كل (فالحرف يُفِيد مَعْنَاهُ) وَهُوَ الِاسْتِغْرَاق (فِيهِ) أَي فِي رجل، فالعام مَا دلّ على استغراقه الْحَرْف (أَو الْمقَام) كوقوع النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي أَو الشَّرْط (فَيصير) رجل (الْمُسْتَغْرق) بإفادة اللَّام أَو الْمقَام الِاسْتِغْرَاق فِيهِ، وَهُوَ خبر يصير، واستفادة الْعَام معنى الْعُمُوم من غَيره (وَفِي الْمَوْصُول أظهر) مِنْهُ فِي الْمحلى لِأَن الصِّلَة هِيَ المفيدة للموصول وصف الْعُمُوم لِأَنَّهُ لَا يتم إِلَّا بهَا (فيندفع الِاعْتِرَاض بِهِ) أَي بالموصول (على الْغَزالِيّ فِي قَوْله) فِي تَعْرِيف الْعَام (اللَّفْظ الْوَاحِد) الدَّال من جِهَة وَاحِدَة على شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا من حَيْثُ اعْترض عَلَيْهِ أَن الموصولات بصلاتها لَيست لفظا وَاحِدًا، وَوجه الاندفاع أَن الْعَام هُوَ نفس الْمَوْصُول، غَايَة الْأَمر أَنه اسْتَفَادَ الْعُمُوم من صلته كَمَا اسْتَفَادَ الْمحلي من اللَّام (وخاص) عطف على عَام، وَهُوَ (مَا لَيْسَ بعام) على اخْتِلَاف الِاصْطِلَاح فِيهِ من حَيْثُ اشْتِرَاط الِاسْتِغْرَاق وَعَدَمه (أما الْعَام فَيتَعَلَّق بِهِ مبَاحث: (الْبَحْث الأول هَل يُوصف بِهِ) أَي بِالْعُمُومِ (الْمعَانِي حَقِيقَة كاللفظ) أَي كَمَا يُوصف بِهِ للفظ حَقِيقَة (أَو) يُوصف بِهِ الْمعَانِي (مجَازًا أَو لَا) يُوصف بِهِ لَا حَقِيقَة (وَلَا) مجَازًا أَقْوَال (وَالْمُخْتَار الأول، وَلَا يلْزم) من اتصافهما بِهِ حَقِيقَة (الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ) بِأَن يكون الْعُمُوم مَوْضُوعا بِإِزَاءِ مَعْنيين مُخْتَلفين لوضعين يَتَّصِف بِأَحَدِهِمَا الْأَلْفَاظ، وبالآخر الْمعَانِي (إِذْ الْعُمُوم شُمُول أَمر لمتعدد) وَلَا شكّ فِي اتصاف كل من الْأَلْفَاظ والمعاني بِهَذَا الشُّمُول حَقِيقَة، غَايَة الْأَمر أَنه فِي الأول من قبيل شُمُول الدَّال لمدلولاته، وَفِي الثَّانِي من شُمُول الْكُلِّي الْأَفْرَاد، وَالْكل للأجزاء وَنَحْوهمَا، وَإِنَّمَا يُصَار إِلَى الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ إِذا لم يكن معنى يَشْتَرِكَانِ فِيهِ (فَهُوَ) أَي اشْتِرَاك الْأَلْفَاظ والمعاني فِي الشُّمُول الْمَذْكُور اشْتِرَاك (معنوي خير مِنْهُمَا) أَي من الْمُشْتَرك اللَّفْظِيّ، وَكَونه مجَازًا فِي الْمعَانِي، لِأَن الْمجَاز خلاف الأَصْل كَمَا أَن الأَصْل عدم الِاشْتِرَاك (وكل من الْمَعْنى وَاللَّفْظ مَحل) للاتصاف بالشمول الْمَذْكُور، فالمقتضى لاعْتِبَار الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ، وَهُوَ الْمَعْنى الْمُشْتَرك فِيهِ مَعَ الخبرية مَوْجُود، وَالْمَانِع عَنهُ وَهُوَ عدم الْمَحَلِّيَّة مَعْدُوم (ومنشؤه) أَي

الخلاف المذكور (الخلاف في معناه) أي العموم (وهو) أي معناه (شمول الأمر) اللام للعهد: أي شمول أمر المتعدد، وتنوين أمر للوحدة، وإضافة شمول إليه إضافة إلى الفاعل (فمن اعتبر وحدته) أي الأمر (شخصية منع الإطلاق الحقيقي) أي منع أن يطلق على المعاني لفظ العام حقيقة بأن يقال هذا المعنى عام لأن الواحد بالشخص لا شمول له (إذ لا يتصفه به) أي بالشمول لمتعدد (إلا) الموجود (الذهني) يعني المفهوم الكلي ووحدته ليست بشخصية، والمفروض أنه اعتبر في العموم شمول أمر واحد بالشخص، وهو لا يوجد في غير اللفظ (ولا يتحقق) الموجود الذهني (عندهم) أي الأصوليين، فإذا لا يوجد معنى يتصف بالشمول لمتعدد عندهم (وكان) إطلاق العام على المعاني (مجازا كفخر الإسلام) أي كما قاله (ولم يظهر طريقه) أي طريق المجاز، وعلاقته (للآخر) القائل بأنه لا يتصف به المعنى لا حقيقة ولا مجازا (فمنعه) أي منع وصف المعنى بالعموم غيره (مطلقا) حقيقة ومجازا، (ومن فهم من اللغة أنه) أي الأمر الواحد الذي أضيف إليه الشمول في معنى العموم (أعم منه) أي من الشخصي (ومن النوعي، وهو) أي كونه أعم منهما (الحق لقولهم) أي العرب (مطر عام) في الأعيان (وخصب عام) في الأعراض (في) الواحد (النوعي) فإن الموجود من المطر في مكان يباين الموجود في مكان آخر، فالاتحاد باعتبار النوع (وصوت عام في) الواحد (الشخصي بمعنى كونه مسموعا) أي قولهم: صوت عام بمعنى عموم مسموعيته للسامعين فإنه امر واحد يتعلق به استماعات كثيرة فله شمول بالنسبة إليها بهذا الاعتبار (أجازه) أي وصف المعاني به (حقيقة) قوله أجازه خبر المبتدأ: أعني قوله من فهم (وكونه) أي الشمول أي الذي هو معنى العموم (مقتصرا على الذهني) وهو المفهوم الكلي (وهو) أي الذهني (منتف) بأدلة إبطال الوجود الذهني (فينتفي الإطلاق) أي إطلاق العام حقيقة على المعاني لأن المعاني الذهنية لا وجود لها، وثبوت الشيء للشيء فرع ثبوت المثبت له، وغير الذهنية مقصور عنها (ممنوع) خبر كونه (بل المراد) بالشمول المذكر في تعريف العام (التعلق) أي تعلق الأمر الواحد بالمتعدد (الأعم من المطابقة) أي مطابقة الشامل بالمشمول بأن يصح حمله عليه مواطأة (كما في المعنى الذهني) أي المفهوم الكلي بالنسبة إلى أفراده (والحلول) معطوف على المطابقة (كما في المطر والخصب) باعتبار تعلقهما بالأماكن تعلق حلول (وكونه) معطوف على ما عطف عليه الحلول: أي التعلق المذكور أعم أيضا من كون ذلك المتعلق (مسموعا) لذلك المتعدد (كالصوت) فلو سلم انتفاء الذهني، فاقتصار الشمول عليه غير مسار لأن التعلق المعتبر فيه أعم من التعلق المخصوص بالذهني، وانتفاء الأخص لا يستلزم انتفاء الأعم، فإن

قلت تعرف العام بما دل على أفراده مفهومه ونحوه يأبى عن العموم المذكور، قلت ذلك التعميم للفظ العام، والكلام في المعنى العام على أن التعميم في جنس التعريف لا يستلزم التعميم للفظ العام فيه. تحقيق الجواب ما أشار إليه بقوله (على أن نفي الذهني) بخلاف من أثبته خلاف (لفظي) إذا حققنا مورد النفي والإثبات لم يبق نزاع في المعنى (كما يفيده) أي كونه لفظيا (استدلالهم) أي النافين للوجود الذهني وهم جمهور المتكلمين، وهو أنه لو اقتضى قصوره حصوله في ذهننا لزم كون الذهن حارا، باردا، مستقيما معوجا، وإن حصول حقيقة الخبل في ذهننا لا يعقل، وأجيب بأن الحاصل في الذهن صورة وماهية لا هوية عينية، والحار ما يقوم به هوية الحرارة، والممتنع حصوله في الذهن هوية الخبل، لا مفهومه الكلي، فمورد النفي وجود الماهية من حيث يترتب عليها الآثار الخارجية، ومورد الإثبات وجودها لا من تلك الحيثية (وقد استبعد هذا الخلاف)، فان شمول بعض المعاني لمتعدد أكثر وأظهر من أن يقع فيه نزاع) من قبيل قولهم: أنا أكبر من الشعر، وأنت أعظم من أن تقول كذا ليس المقصود تفضيل المتكلم على الشعر، والمخاطب على القول، بل بعدهما عنهما كبعد المفضل على المفضل عليه، فمن هذه ليست تفضيلية، بل هي مثل قولك: انفصلت من زيد تعلقت بأفعل المستعمل بمعنى متجاوز بائن، كذا أفاده المحقق الرضى، فالمقصود أنه لا نزاع في اتصاف المعاني بالعموم، بل (إنما هو) أي النزاع (في أنه هل يصح تخصيص المعنى العام كاللفظ) أي كما يصح تخصيص اللفظ (وهو) أي الكلام المذكور (استبعاد) أي عين الاستبعاد مبالغة جدا، ثم بينه بقوله (يتعذر فيه) أي في هذا التأويل (القول الثاني: إذ لا معنى لجواز التخصيص مجازا) كما أنه لا وجه لمنع التخصيص في المعاني حقيقة مع تسليمه في الألفاظ حقيقة، ولذا قال استبعاد يتعذر فيه إشارة إلى المحذورين (نعم صرح مانعو تخصيص العلة بأن المعنى لا يخص) يعني إذا علق الشارع حكما على علة فهل تعم حتى يوجد الحكم في جميع صورة وجودها، فمنهم من قال نعم، ومنهم من نفاه (وصرح بعضهم) أي ما في نفي تخصيص العلة (بأنه) أي منع تخصيص العلة (لأنه) أي المعنى (لا يعم وهو) أي تصريح البعض بأن عدم التخصيص لعدم العموم (ينافي ما ذكر) المستبعد من المنازع فيه تخصيص المعنى العام، فلا يمكن تأويل كلامه بما صرح به ما نعو تخصيص العلة بعد تصريح بعضهم بمرادهم، وإليه أشار بقوله (ويتعذر إرادة أنه) أي المعنى (يعم ولا يخص من قوله) أي البعض الذي صرح بأنه (لا يعم) وهو ظاهر، وقوله لا يعم بدل من قوله:

البحث الثاني

الْبَحْث الثَّانِي (هَل الصِّيَغ من أَسمَاء الشَّرْط والاستفهام والموصولات و) الْمُفْرد (الْمحلي) بِاللَّامِ (و) النكرَة (المنفية وَالْجمع بِاللَّامِ وَالْإِضَافَة) مَعْطُوف على اللَّام (مَوْضُوعَة) خبر الْمُبْتَدَأ (للْعُمُوم على الْخُصُوص) أَي للْعُمُوم خَاصَّة، وَلَيْسَت بموضوعة للخصوص (أَو) للخصوص على الْخُصُوص (مجَاز فِيهِ) أَي فِي الْعُمُوم (أَو مُشْتَركَة) بَينهمَا (وَتوقف الْأَشْعَرِيّ) عَن الحكم بِشَيْء من الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي الْعُمُوم أَو الْخُصُوص (مرّة كَالْقَاضِي) أبي بكر (و) قَالَ (مرّة بالاشتراك) اللَّفْظِيّ كجماعة (وَقيل) الصِّيَغ الْمَذْكُورَة مَوْضُوعَة للْعُمُوم (فِي الطّلب) أَي فِيمَا إِذا كَانَت وَاقعَة فِي الْكَلَام الطلبي (مَعَ الْوَقْف فِي الْأَخْبَار وتفصيل) معنى (الْوَقْف إِلَى معنى لَا نَدْرِي) أَوضعت للْعُمُوم أَو لَا (وَإِلَى نعلم الْوَضع، وَلَا نَدْرِي أحقيقة أم مجَاز؟) فِي الْعُمُوم، وعَلى تَقْدِير كَونهَا فِيهِ لَا نَدْرِي أَنَّهَا وضعت لَهُ مُنْفَردا، أَو مُشْتَركَة بَينه وَبَين الْخُصُوص، هَكَذَا فسر الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ الْمحل (لَا يَصح) خبر تَفْصِيل الْوَقْف: يَعْنِي بَيَان الْوَقْف على الْوَجْه الْمَذْكُور غير مُسْتَقِيم (إِذْ لَا شكّ فِي الِاسْتِعْمَال) أَي اسْتِعْمَال الصِّيَغ الْمَذْكُورَة فِي الْعُمُوم (وَبِه) أَي الِاسْتِعْمَال (يعلم وَضعه) أَي وضع الْمُسْتَعْمل للمستعمل فِيهِ (فَلم يبْق إِلَّا التَّرَدُّد فِي أَنه) أَي وَضعه الْوَضع (النوعي) فَيكون مجَازًا فِيهِ (أَو الشخصي) فَيكون حَقِيقَة فِيهِ (فَيرجع) الأول (إِلَى الثَّانِي) لِأَن التَّرَدُّد فِي الْوَضع الْمُطلق بعد الِاسْتِعْمَال غير مَعْقُول والمتردد فِي الْوَضع الشخصي نفي الْجَزْم بِأَصْل الْوَضع هُوَ عين التَّرَدُّد فِي أَنه حَقِيقَة أَو مجَاز (وَلَا شكّ فِي فهمه) أَي الْعُمُوم (من) اسْم الْجمع الْمُعَرّف بِاللَّامِ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمرت أَن أقَاتل النَّاس) حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله، فَإِذا قالوها فقد حقنوا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَإِلَّا لما قرر أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ احتجاج عمر بِهِ فِي منع فَقَالَ: مانعي الزَّكَاة وَعدل إِلَى الِاحْتِجَاج بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا ذكر " إِلَّا بِحقِّهِ) وَقَالَ " وَالزَّكَاة من حَقه " فَإِن النَّاس لَو لم تعم الْكل لم يلْزم أَن يَعْنِي كل قتال بالغاية الْمَذْكُورَة، وَمن الْجمع الْمحلي فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَئِمَّة من قُرَيْش) كَمَا احْتج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ على الْأَنْصَار حَيْثُ قَالُوا: منا أَمِير ومنكم أَمِير، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء) لَا نورث وَمن الْمُفْرد الْمحلى فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة} وَقَوله تَعَالَى {لننجينه وَأَهله} فِي اسْم الْجمع الْمُضَاف وفهمه) أَي الْعُمُوم (الْعلمَاء قاطبة) فِي الْقَامُوس: جَاءُوا قاطبة جَمِيعًا، لَا تسْتَعْمل إِلَّا

حَالا من اسْم الشَّرْط (فِي من دخل) دارى فَهُوَ حر (و) اسْم الِاسْتِفْهَام كَمَا فِي (مَا صنعت وَمن جَاءَ سُؤال عَن كل جَاءَ ومصنوع، و) من النكرَة المنفية كَمَا فِي (لَا تَشْتُم أحدا إِنَّمَا هُوَ) أَي التَّرَدُّد (فِي أَنه) أَي الْعُمُوم مَفْهُوم (بِالْوَضْعِ أَو بالقرنية كَقَوْل الْخُصُوص) أَي لقَوْل من يَقُول إِنَّهَا مَوْضُوعَة للخصوص، وتستعمل مجَازًا فِي الْعُمُوم بِالْقَرِينَةِ وَهِي (كالترتيب) للْحكم (على) الْوَصْف (الْمُنَاسب) الْمشعر بعليته لَهُ (فِي نَحْو السَّارِق، وَأكْرم الْعلمَاء) لظُهُور مُنَاسبَة السّرقَة وَالْحكم بِالْقطعِ وَالْإِكْرَام من حَيْثُ الْعلية (وَالْعلم) عطف على التَّرْتِيب: أَي علم المخاطبين (بِأَنَّهُ) أَي الحكم (تمهيد قَاعِدَة) كُلية، فَعلم الْعُمُوم بِقَرِينَة الْعلم بذلك (كرجم مَاعِز) كعلم الصَّحَابَة بِأَن رجمه تشريع قَاعِدَة شَرْعِيَّة: هِيَ وجوب الرَّجْم على من أقرّ بِالزِّنَا بالشرائط الْمُعْتَبرَة شرعا من الْإِحْصَان وَغَيره (إِذْ علم أَنه) أَي الْحَاكِم يَرْجُمهُ (شَارِع) ومنصبه بَيَان الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة (و) قد روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حكمي على الْوَاحِد) حكمي على الْجَمَاعَة " كَمَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْفُقَهَاء، وَقد صَحَّ مَا يُؤدى مَعْنَاهُ عَن أُمَيْمَة أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نسْوَة نُبَايِعهُ على الْإِسْلَام، فَقلت يَا رَسُول الله هَل نُبَايِعك؟ فَقَالَ: إِنِّي لَا أُصَافح النِّسَاء، وَإِنَّمَا قولي لمِائَة امْرَأَة كَقَوْلي لامْرَأَة وَاحِدَة (أَو ضَرُورَة) مفعول لَهُ للفهم مَعْطُوف على قَوْله بِالْوَضْعِ فَإِن الْبَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة وَالْمعْنَى أَن التَّرَدُّد فِي أَن الْعُمُوم هَل هُوَ مَفْهُوم بِسَبَب الْوَضع أَو بِسَبَب الْقَرِينَة على مَا ذكر، أَو لأجل الضَّرُورَة الْحَاصِلَة (من نفي النكرَة) الْمَوْضُوعَة للفرد الْمُبْهم المستلزم انتفاؤها انْتِفَاء جَمِيع الْأَفْرَاد (وألزموا) أَي الْقَائِلُونَ بوضعها للخصوص واستعمالها فِي الْعُمُوم بالقرائن بِأَنَّهُ لَو صَحَّ مَا ذكرْتُمْ لزمكم (أَن لَا يحكم بوضعي) أَي بِمَعْنى وضعي (للفظ) من الْأَلْفَاظ (إِذا لم ينْقل قطّ عَن الْوَاضِع) التَّنْصِيص على الْوَضع (بل أَخذ) الحكم بِوَضْع هَذَا لذا (من التبادر) أَي تبادر الْمَعْنى إِلَى الذِّهْن (عِنْد الِاسْتِعْمَال) وَفِي بعض النّسخ عِنْد الْإِطْلَاق، وَالْمعْنَى وَاحِد: أَي تبادر الْمَعْنى إِلَى ذهن الْمُخَاطب بِمُجَرَّد سَماع اللَّفْظ عِنْد الِاسْتِعْمَال قبل أَن يتَأَمَّل فِي الْقَرَائِن دَلِيل كَونه مَوْضُوعا لَهُ، وَلَا مَأْخَذ للْعلم بِالْوَضْعِ سوى هَذَا (وَأَيْضًا شاع) من غير نَكِير (احتجاجهم) أَي الْعلمَاء سلفا وخلفا (بِهِ) أَي الْعُمُوم من الصِّيَغ الْمَذْكُورَة (كعمر) أَي كاحتجاج (عمر على أبي بكر فِي مانعي الزَّكَاة) حِين أَرَادَ مُقَاتلَتهمْ (بأمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله) الحَدِيث، وَقد مر آنِفا بِحمْل الْمُعَرّف بِاللَّامِ على الْعُمُوم المغيا بقول لَا إِلَه إِلَّا الله، وَتَقْرِير أبي بكر رَضِي الله عَنهُ على مَا مر، (و) كاحتجاج (أبي بكر) على الْأَنْصَار بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَئِمَّة من قُرَيْش) نقل الشَّارِح عَن بعض الْحفاظ أَنه لَيْسَ هَذَا اللَّفْظ مَوْجُودا فِي كتب الحَدِيث عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ،

وَإِنَّمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا فِي قصَّة السَّقِيفَة قَول أبي بكر أَن الْعَرَب لَا تعرف هَذَا الْأَمر إِلَّا لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش، وَذكر مَا أخرجه أَحْمد بِسَنَد رِجَاله ثِقَات، لَكِن فِيهِ انْقِطَاع: أَن أَبَا بكر قَالَ لسعد: يَعْنِي ابْن عبَادَة لقد علمت يَا سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقريش أَنْتُم وُلَاة هَذَا الْأَمر (و) كاحتجاج أبي بكر على من ظن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُورث (نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث) بِحمْل الْأَنْبِيَاء على الْعُمُوم ليدْخل فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمعاشر جمع معشر كمكسر: وَهُوَ الْجَمَاعَة (على وَجه) مُتَعَلق بالاحتجاج (يجْزم بِأَنَّهُ) أَي الِاحْتِجَاج الْمَذْكُور أَو الْعُمُوم (بِاللَّفْظِ) أَي لفهم الْعُمُوم من مُجَرّد اللَّفْظ، لَا من الْقَرَائِن وَإِلَّا لذكرت عِنْد الِاحْتِجَاج (وَاسْتدلَّ) للمختار بمزيف (بِأَنَّهُ) أَي الْعُمُوم (معنى كثرت الْحَاجة إِلَى التَّعْبِير عَنهُ فكغيره) أَي فَهُوَ كَغَيْرِهِ من الْمعَانِي كثرت الْحَاجة إِلَى التَّعْبِير عَنْهَا فَوَجَبَ الْوَضع لَهُ كَمَا وضع لغيره (وَأجِيب بِمَنْع الْمُلَازمَة) أَي لَا نسلم أَن كَثْرَة الْحَاجة إِلَى التَّعْبِير عَنهُ تَقْتَضِي الْوَضع لَهُ، بل مُطلق التَّعْبِير وَهُوَ يحصل بطرِيق الْمجَاز أَيْضا، ثمَّ شرع فِي بَيَان القَوْل الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهَا مَوْضُوعَة للخصوص مجَازًا فِي الْعُمُوم فَقَالَ (الْخُصُوص) مُسَمّى الصِّيَغ دون الْعُمُوم لِأَنَّهُ (لَا عُمُوم إِلَّا لمركب) إِذْ الْمَعْنى دَلِيل الْخُصُوص أَنه لَا عُمُوم إِلَّا لمركب: أَي لَا يُسْتَفَاد الْعُمُوم إِلَّا من الْمركب (وَلَا وضع لَهُ) أَي للمركب: يَعْنِي أَن الْمركب من حَيْثُ هُوَ مركب غير مَوْضُوع (بل) الْوَضع (لمفرداته) أَي الْمركب (وَالْقطع) أَي الْمَقْطُوع بِهِ (أَنَّهَا) أَي الْمُفْردَات كل وَاحِد مِنْهَا مَوْضُوع (لغيره) أَي الْعُمُوم فَلم يوضع مُفْرد للْعُمُوم أصلا (فَلَا وضع لَهُ) أَي الْعُمُوم لانحصار الْوَضع فِي وضع الْمُفْرد وَعدم وضع الْمُفْرد للْعُمُوم رَأْسا (فَصدق أَنَّهَا) أَي الصِّيَغ الْمَذْكُورَة (للخصوص) إِذْ لَا وَاسِطَة بَينهمَا على الْمُخْتَار، وَكَذَا سَائِر الصِّيَغ إِذْ لم يوضع للْعُمُوم لفظ (بَيَانه) أَي بَيَان مَا ذكر من أَنه لَا عُمُوم إِلَّا لمركب (أَن معنى الشَّرْط) الَّذِي فِيهِ الْعُمُوم (وأخواته) أَي الِاسْتِفْهَام، وَالنَّفْي، والموصول إِلَى آخرهَا (لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِأَلْفَاظ لكل مِنْهَا وضع على حِدته) وانفراده، وَإِذا كَانَ لكل مِنْهَا وضع مُسْتقِلّا يلْزم التَّرْكِيب فِي الْمَجْمُوع (وَإِنَّمَا يثبت) معنى كل من الْمَذْكُورَات (بالمجموع) أَي بِمَجْمُوع الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة (مثلا معنى من عَاقل) أَي عَالم لِأَنَّهُ يُطلق على الله وَالظَّاهِر الْحَقِيقَة وَالْعقل لَا يُضَاف إِلَيْهِ، وَفِي الْقَامُوس اسْم من بِمَعْنى الَّذِي، فعلى هَذَا يكون الْعَاقِل حَقِيقَة عرفا (فيضم إِلَيْهِ) أَي إِلَى اللَّفْظ (الآخر) متلبسا (بِخُصُوص من النِّسْبَة) المفهومة من الْهَيْئَة التركيبية (فَيحصل) بانضمام ذَلِك وملاحظة تِلْكَ النِّسْبَة مِنْهُمَا (معنى الشَّرْط والاستفهام وَبِهِمَا) أَي بِمَعْنى الشَّرْط والاستفهام يحصل (الْعُمُوم، وَصرح فِي) كتب (الْعَرَبيَّة بِأَن تضمن من معنى الشَّرْط والاستفهام طَارِئ على

مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ، وَالْجَوَاب) من قبل المثبتين (أَن اللَّازِم) من الدَّلِيل الْمَذْكُور مُجَرّد (التَّوَقُّف) أَي توقف حُصُول معنى الشَّرْط وأخواته (على التَّرْكِيب) لَا كَون الْمركب مُسْتَعْملا فِي الْعُمُوم (فَلَا يسْتَلْزم) الدَّلِيل (أَن الْمَجْمُوع) هُوَ (الدَّال) على الْعُمُوم (وَتقدم الْفرق) بَين كَون الْمركب دَالا وَكَون التَّرْكِيب يتَوَقَّف عَلَيْهِ الدّلَالَة (وَلَيْسَ بِبَعِيد قَول الْوَاضِع) اسْم لَيْسَ (فِي) وضع (النكرَة) ظرف القَوْل (لفرد) فَقَوله: أَي وَضَعتهَا لفرد (يحْتَمل) ذكر الْفَرد الْمَوْضُوع لَهُ (كل فَرد) من أَفْرَاد الْجِنْس الملحوظ للواضع. قَوْله يحْتَمل أَن يكون من مقوله، فعلى هَذَا يُوصف الْفَرد بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور من الْوَاضِع وَأَن يكون من كَلَام المُصَنّف بَيَانا للْوَاقِع (فَإِذا عرفت) النكرَة الْمَذْكُورَة بِشَيْء من طرق التَّعْرِيف (فللكل) أَي فوضعها للْكُلّ أَي جَمِيع الْأَفْرَاد (ضَرْبَة) أَي جملَة، من قَوْلهم ضرب الشَّيْء بالشَّيْء: أَي خلط فَهُوَ حَال عَن الْكل (وَهُوَ) أَي كَونهَا للْكُلّ إِذا عرفت هُوَ (الظَّاهِر) الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم، وَالْمَقْصُود من هَذَا الْكَلَام دفع الاستبعاد المتوهم فِي بادئ النّظر من تعلق الوضعين الْمُخْتَلِفين بِلَفْظ وَاحِد بِاعْتِبَار حَالية التنكير والتعريف الْمُقْتَضى كَون الْمُفْرد مَوْضُوعا للْعُمُوم بعد وَضعه للخصوص (لأَنا نفهمه) أَي كَونهَا للْكُلّ وعمومها (فِي أكْرم الْجَاهِل، وأهن الْعَالم، وَلَا مُنَاسبَة) بَين الْإِكْرَام وَالْجهل، وَلَا بَين الإهانة وَالْعلم حَتَّى يُقَال: يجوز أَن يكون فهم الْعُمُوم بِقَرِينَة ترَتّب الحكم على الْمَوْصُوف بِوَصْف هُوَ عِلّة مَوْجُودَة فِي كل فَرد كَمَا قيل فِي أكْرم الْعَالم كَمَا مر (فَكَانَ) الْعُمُوم (وضعيا) لتبادره من نفس اللَّفْظ من غير قرينَة (وغايته) أَي غَايَة قَول الْوَاضِع ذَلِك (أَن وَضعه) أَي الْعُمُوم فِيمَا ذكر (وضع الْقَوَاعِد اللُّغَوِيَّة كقواعد النّسَب والتصغير) الْوَضع اللّغَوِيّ على قسمَيْنِ: قسم يُلَاحظ فِيهِ خُصُوص اللَّفْظ عِنْد الْوَضع، وَقسم لَا يُلَاحظ فِيهِ خصوصيته، بل الملحوظ فِيهِ مَفْهُوم كلي ينْدَرج فِيهِ أَلْفَاظ كَثِيرَة وَيجْعَل كل مِنْهَا فِي تِلْكَ الملاحظة الإجمالية بِإِزَاءِ معنى ملحوظ إِجْمَالا كَقَوْلِه: جعلت كل وَاحِد من صِيغ النِّسْبَة لذات مَا منسوبة إِلَى مَدْلُول الأَصْل، فَالْمُرَاد بِوَضْع الْقَوَاعِد اللُّغَوِيَّة الْقسم الثَّانِي (وأفراد موضوعها) أَي مَوْضُوع الْقَوَاعِد اللُّغَوِيَّة (حقائق) لما عرفت من أَن آلَة مُلَاحظَة الْوَاضِع حِين وَضعهَا مَفْهُوم كلي أفرادها أَلْفَاظ يعين كل وَاحِد مِنْهَا للدلالة على معنى خَاص من الْمعَانِي المندرجة تَحت مَفْهُوم كلي جعل آلَة لملاحظتها فِي مُقَابلَة الْكُلِّي الأول، فالموضوع والموضوع لَهُ فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ كل فردين مِنْهُمَا، وَلَا شكّ أَن تِلْكَ الْأَلْفَاظ إِنَّمَا وضعت للدلالة بِنَفسِهَا، فَهِيَ حَقِيقَة عِنْد الِاسْتِعْمَال بِخِلَاف الْوَضع النوعي فِي المجازات، فَإِن الْمَوْضُوع فِيهَا مَا وضع للدلالة بِنَفسِهِ، بل بانضمام الْقَرِينَة كَأَنَّهُ قَالَ الْوَاضِع: كل لفظ مَوْضُوع لِمَعْنى بِإِزَاءِ مَا يُنَاسب ذَلِك الْمَعْنى بِنَوْع من العلاقات الْمُعْتَبرَة، لَكِن لَا

لِأَن يدل بِنَفسِهِ، بل بانضمام الْقَرِينَة فأفراد مَوْضُوعه مجازات (وَلذَا) أَي وَلأَجل أَن الْكَلِمَة الْوَاحِدَة من حَيْثُ أَنَّهَا نكرَة مَوْضُوعَة للفرد الْمُنْتَشِر، وَمن حَيْثُ أَنَّهَا معرفَة مَوْضُوعَة للْكُلّ ضَرْبَة بِالْوَضْعِ الْمَذْكُور (وَقع التَّرَدُّد فِي كَونه مُشْتَركا لفظيا) بَين الْخُصُوص والعموم نظرا إِلَى جَانب الِاتِّحَاد الذاتي، والتغاير الاعتباري، فَإِن الأول يَقْتَضِي الِاشْتِرَاك، وَالثَّانِي عَدمه، فَإِن الْمَوْضُوع للفرد الْمُنْتَشِر إِنَّمَا هُوَ الْمُجَرّد عَن التَّعْرِيف، وللكل الْمُعَرّف، فَلَا اشْتِرَاك، ثمَّ أَرَادَ تَحْقِيق الْمقَام بتفصيل مواد الْعُمُوم، فَقَالَ (وَالْوَجْه أَن عُمُوم غير الْمحلى) بِاللَّامِ (والمضاف) من أَسمَاء الشَّرْط والاستفهام، والموصول، والنكرة المنفية (عَقْلِي) لَا يحْتَاج إِلَى وضع الْوَاضِع إِيَّاهَا للْعُمُوم (لجزم الْعقل بِهِ) أَي الْعُمُوم (عِنْد ضم) معنى (الشَّرْط، و) معنى (الصِّلَة إِلَى مُسَمّى من) الموصولة مثلا (وَهُوَ عَاقل) أَي ذَات لَهُ الْعقل (و) إِلَى مُسَمّى (الَّذِي وَهُوَ ذَات) مُبْهمَة توضح الصِّلَة إبهامه، وَذَلِكَ لِأَن تَعْلِيق الحكم بهَا يُفِيد علية مَضْمُون الشَّرْط والصلة لَهُ والمعلول دائر مَعَ علته فَيعم جَمِيع أفرادها لتحَقّق الْعلَّة فِي الْجَمِيع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَيثبت مَا علق بِهِ) أَي بِالْمُسَمّى من الحكم (لكل متصف) بِالْمُسَمّى من أَفْرَاده (لوُجُود مَا صدق عَلَيْهِ مَا علق) الحكم (عَلَيْهِ) الْمَوْصُول الأول عبارَة عَن أَفْرَاد الْمُسَمّى، وَالثَّانِي عَن الشَّرْط والصلة: وَهُوَ فَاعل صدق، فَإِن كل فَرد من أَفْرَاد الْمُسَمّى يصدق عَلَيْهِ مَضْمُون الشَّرْط وَالصّفة وَهُوَ فَاعل صدق، فَإِن كل فَرد من أَفْرَاد الْمُسَمّى يصدق عَلَيْهِ مَضْمُون الشَّرْط أَو الصِّلَة الَّذِي هُوَ عِلّة الحكم، وَهُوَ يَدُور مَعَه (وَكَذَا النكرَة المنفية) لجزم الْعقل بِالْعُمُومِ فِيهِ أَيْضا (لِأَن نفي ذَات مَا) وَهِي الْفَرد الْمُنْتَشِر الَّذِي هُوَ مُسَمّى النكرَة (لَا يتَحَقَّق) أَي النَّفْي الْمَذْكُور (مَعَ وجود ذَات) مِمَّا يصدق عَلَيْهِ ذَات مَا فَإِن قلت لَا نسلم ذَلِك، بل يتَحَقَّق النَّفْي الْمَذْكُور عِنْد الْبَعْض مَعَ وجود الْبَعْض قلت المتحقق حِينَئِذٍ نفي ذَات فِي الْمحل الْخَاص لَا انْتِفَاء مُطلقًا، فَإِن نفي الْخَاص لَا يستلزمه نفي الْعَام والمنفي فِي النكرَة المنفية إِنَّمَا هُوَ الْفَرد الْمُنْتَشِر مُطلقًا كَمَا أَن نفي الْمَاهِيّة الْمُطلقَة يسْتَلْزم نفي كل فَرد من أفرادها (وَهَذَا) أَي كَون الْعُمُوم فِي الْمَذْكُورَات عقليا (وَإِن لم يناف الْوَضع) أَي وضع الْمَذْكُورَات للْعُمُوم لجَوَاز دلَالَة الْعقل والوضع (لَكِن يصير) الْوَضع (ضائعا، وحكمته) أَي الْوَضع (تبعده) أَي وُقُوع الْوَضع، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ فهم الْمَعْنى، وَهُوَ حَاصِل بِدُونِهِ (كَمَا لَو وضع لفظ للدلالة على حَيَاة لافظة) فَإِنَّهُ ضائع، لِأَن مُجَرّد وجود اللَّفْظ مَعَ قطع النّظر عَن كَونه مَوْضُوعا كَاف فِي الدّلَالَة على وجود لفظ عقلا (وَاعْلَم أَن الْعَرَبيَّة) أَي أهل الْعَرَبيَّة قَالُوا (النكرَة المنفية بِلَا) حَال كَونهَا (مركبة) مَعَ لَا تركيب مزج، إِمَّا لكَون تركيبه للْبِنَاء كتركيب خَمْسَة عشر، أَو لعدم انْفِصَاله عَن لَا كَمَا لَا ينْفَصل عشر عَن خَمْسَة عشر على اخْتِلَاف

الْقَوْلَيْنِ فِي اسْم لأبناء أَو أعرابا إِذا لم يكن مُضَافا وَلَا شُبْهَة (نَص فِي الْعُمُوم) قَالَ الْمُحَقق الرضى وَالْحق أَن نقُول أَنه مَبْنِيّ لتَضَمّنه معنى من الاستغراقية، وَذَلِكَ لِأَن قَوْلك لَا رجل نَص فِي نفي الْجِنْس بِمَنْزِلَة لَا من رجل، بِخِلَاف: لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ فِي سِيَاق النَّفْي يُفِيد الْعُمُوم لَكِن لَا نصا بل ظَاهر فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَغَيرهَا) أَي غير المنفية بِلَا مركبة (ظَاهر) فِي الْعُمُوم (فَجَاز) أَن يُقَال لَا رجل فِي الدَّار (بل رجلَانِ وَامْتنع) بل رجلَانِ (فِي الأول وبعلته) أَي بِسَبَب كَون المركبة نصا فِيهِ (يلْزم امْتِنَاعه) أَي امْتنَاع بل رجلَانِ (فِي لَا رجال) لكَونه نصا فِي نفي الْجِنْس وهم لَا يَقُولُونَ بامتناعه فِيهِ (فَإِن قَالُوا) فِي التفصي عَن هَذَا الْإِشْكَال (الْمَنْفِيّ) فِي لَا رجال (الْحَقِيقَة) الْمقيدَة (بِقَيْد تعدد) هُوَ مَدْلُول صِيغَة الْجمع، وَمن نفي الْجِنْس الْمُقَيد بِقَيْد لَا يلْزم نَفْيه بِدُونِ ذَلِك الْقَيْد (قُلْنَا إِذا صَحَّ) مَا ذكرْتُمْ فِي الْمُقَيد بِقَيْد الْعدَد (فَلم لَا يَصح) فِي الْمُقَيد (بِقَيْد الْوحدَة) فِي نفي الْجِنْس بِأَن يُقَال لَا رجل فِي الدَّار بل رجلَانِ أَن أَو رجال (كجوازه) أَي أَن يُقَال بل رجلَانِ (فِي الظَّاهِر) وَهُوَ غير الْمَنْفِيّ بِلَا مركبة على مَا مر آنِفا نَحْو لَا رجل بِالرَّفْع بل رجلَانِ لكَون الْمَنْفِيّ الْحَقِيقَة الْمقيدَة بِقَيْد الْوحدَة (وَحكم الْعَرَب بِهِ) أَي بِكَوْن الْمَنْفِيّ فِي رجل نصا فِي الْعُمُوم كَمَا قَالُوا (مَمْنُوع) بل هُوَ من كَلَام المولدين (والقاطع بنفيه) أَي نفي حكم الْعَرَب بِمَا ذكر من التَّنْصِيص على الْعُمُوم بِحَيْثُ لَا يجْرِي فِيهِ التَّخْصِيص (مِنْهَا مَا) روى (عَن ابْن عَبَّاس) رَضِي الله عَنْهُمَا (مَا من عَام إِلَّا وَقد خصص) أَي مَا من عَام مَوْجُود كَائِنا فِي حَال خص فِيهَا، فَمن بعض أَفْرَاده عَن تنَاول الحكم (وَقد خص) عُمُوم هَذَا الْمَرْوِيّ بِنَحْوِ - وَالله بِكُل شَيْء عليم فَلَا يرد أَن عُمُوم هَذَا من أَفْرَاد مَوْضُوعه وَلم يخصص لِأَنَّهُ خصص (بِنَحْوِ) مَا ذكر لِأَن قَوْله تَعَالَى {وَالله بِكُل شَيْء عليم} عَام لم يخصص، فَالْمُرَاد بقوله مَا من عَام مَا سوى نَحْو ذَلِك، وَإِذا ثَبت تَخْصِيص كل عَام فَلَا تنصيص فِي المنفى بِلَا المركبة على الْعُمُوم فَيجوز بل رجلَانِ فِي لَا رجل، لِأَن الْعَام إِذا خصص لَا يبْقى عُمُومه قَطْعِيا (وَلَا ضَرَر) مَعْطُوف على قَوْله عَن ابْن عَبَّاس، أَي وَأَيْضًا الْقَاطِع بنفيه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا ضَرَر وَلَا ضرار " على مَا روى كثير مِنْهُم مَالك وَصَححهُ الْحَاكِم على شَرط مُسلم فَإِنَّهُ منفي بِلَا المركبة (و) قد (أوجب) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كثيرا من الضَّرَر) من حد، وقصاص وتعزير وَغَيرهَا لمرتكب أَسبَابهَا، فَالْمُرَاد نفي ضَرَر لم يرد فِي الشَّرْع، وَقد يُقَال أَن الْوَارِد فِي الشَّرْع لَيْسَ بِضَرَر كَيفَ وَقد قَالَ الله تَعَالَى - {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} - الْآيَة، وَفِيه مَا فِيهِ (وتنتفى) بِمَا ذكرنَا من عدم الْفرق بَين المنفيات وَمنع مَا حكى عَن الْعَرَب مُسْتَندا بِمَا ذكر (منافاته) أَي مُنَافَاة كَون المركبة نصا

فِي الْعُمُوم (لإِطْلَاق) عُلَمَاء (الْأُصُول) جَوَاز تَخْصِيص (الْعَام) فِي قَوْلهم الْعَام (يجوز تَخْصِيصه) وَجه الْمُنَافَاة أَن كَون المركبة لنفي الْجِنْس والحقيقة مُطلقًا يسْتَلْزم تنَاول الحكم على كل فَرد بِحَيْثُ لَا يشذ مِنْهَا شَيْء، والتخصيص إِخْرَاج للْبَعْض عَن دَائِرَة تنَاوله فَلَا يجوز اجْتِمَاعهمَا وَوجه انتفائهما أَن حَاصِل بحثنا كَون المركبة أقوى دلَالَة على الِاسْتِغْرَاق من غَيرهَا، لَا كَونهَا نصا فِيهِ بِحَيْثُ لَا يجوز إِخْرَاج فَرد مِنْهُ، وَنقل عَن المُصَنّف أَن قَول الزَّمَخْشَرِيّ أَن قِرَاءَة النصب فِي لَا ريب فِيهِ يُوجب الِاسْتِغْرَاق، وَقِرَاءَة الرّفْع تجوزه غير حسن، لِأَنَّهُ أطبق أَئِمَّة الْأُصُول على أَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم سَوَاء كَانَت مركبة بِلَا أَو لَا، وَلَا مَأْخَذ لَهُم فِي ذَلِك سوى اللُّغَة وهم المتقدمون فِي أَخذ الْمعَانِي من قوالب الْأَلْفَاظ، ثمَّ إِن وجدنَا الْمُتَكَلّم لم يعقب الْمَنْفِيّ بِإِخْرَاج شَيْء حكمنَا بِإِرَادَة ظَاهره من الْعُمُوم وَوَجَب الْعَمَل بِهِ، وَأَن ذكر مخرجا، نَحْو: بل رجلَانِ علمنَا أَن قَصده النَّفْي لقيد الْوحدَة، أَو مخرجا آخر مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا علمنَا أَنه أَرَادَ بِالْعَام بعضه، وكل من قراءتي النصب وَالرَّفْع يُوجب الِاسْتِغْرَاق غير أَن إِيجَاب النصب أقوى (فَإِن قيل فَهَل) فِي (بل رجلَانِ تَخْصِيص) للأرجل (مَعَ أَن حَاصله) أَي حَاصِل لَا رجل (نفي الْمُقَيد ب) قيد (الْوحدَة (وَإِذا قيد الْمَنْفِيّ بهَا (فَلَيْسَ عُمُومه) أَي النَّفْي (إِلَّا فِي الْمُقَيد بهَا) أَي الْوحدَة، وَلَا شكّ أَنه لم يخرج من أَفْرَاده الْمقيدَة شَيْء ليَكُون تَخْصِيصًا، فَإِن الْمخْرج مَوْصُوف بضد الْوحدَة (قُلْنَا التَّخْصِيص) فِيهِ (بِحَسب الدّلَالَة ظَاهِرَة لَا) بِحَسب (المُرَاد) فَإِن الدّلَالَة تتبع الْعلم بِالْوَضْعِ، وَقد علم وضع اللَّفْظ الَّذِي دخله النَّفْي بِإِزَاءِ الْمَاهِيّة الْمُطلقَة، ونفيها يسْتَلْزم نفي كل فَرد من أفرادها، وَأما المُرَاد فيفهم تَارَة بالقرائن الصارفة عَن مُقْتَضى الظَّاهِر، وبل رجلَانِ قرينَة صارفة عَن إِرَادَة نفي الْجِنْس إِلَى نفي وصف الْوحدَة، وَحِينَئِذٍ لَا تَخْصِيص فَإِن قلت هَذَا على تَقْدِير كَون اسْم الْجِنْس مَوْضُوعا للماهية الْمُطلقَة، وَأما على تَقْدِير كَونه للفرد الْمُنْتَشِر كَمَا هُوَ تَحْقِيق المُصَنّف فَلَيْسَ الْأَمر كَمَا ذكرت، لِأَن الْمَنْفِيّ حِينَئِذٍ مُقَيّد بِقَيْد الْوحدَة قُلْنَا نفي الْمُقَيد على وَجْهَيْن: أَحدهمَا تَوْجِيه النَّفْي نَحْو الْقَيْد كَمَا عرفت. وَالثَّانِي تَوْجِيهه إِلَى الْمُقَيد: يَعْنِي مَا من شَأْنه التَّقْيِيد بِقَيْد الْوحدَة الْمُطلقَة وَهُوَ مسَاوٍ للماهية الْمُطلقَة بِحَسب الصدْق، فنفيه يُفِيد الِاسْتِغْرَاق كنفي الْمُطلقَة، فقولنا: بل رجلَانِ حِينَئِذٍ يكون تَخْصِيصًا، لِأَن الْمثنى حِينَئِذٍ يصدق عَلَيْهِ الْمَاهِيّة الْمقيدَة بِقَيْد الْوحدَة، وَقد خرج من دَائِرَة عُمُوم نفي الْمُقَيد، وَلَا نعني بالتخصيص إِلَّا هَذَا وَيرد عَلَيْهِ أَن هَذَا الْمَعْنى لَيْسَ مُقْتَضى الْوَضع، وَالدّلَالَة تَابِعَة لَهُ فَالصَّوَاب أَن يُقَال مُرَاد المُصَنّف أَن الْمَنْفِيّ بِلَا: تَارَة يُرَاد بِهِ نفي الْجِنْس مُطلقًا، وَهُوَ الْمُتَبَادر، وَتارَة نَفْيه مُقَيّدا، فالعالم بهما حِين يسمعهُ يتَّصل إِلَى الأول قبل الْعلم بالمراد بِقَرِينَة، بل رجلَانِ

بعد التَّأَمُّل، فبالنظر إِلَى تِلْكَ الدّلَالَة تَخْصِيص (فَلَا شكّ) فِيمَا قُلْنَا من أَنه تَخْصِيص بِنَاء (على) اصْطِلَاح (الشَّافِعِيَّة) فَإِن قصر الْعَام على بعض مُسَمَّاهُ تَخْصِيص عِنْدهم سَوَاء كَانَ بِمُتَّصِل أَو بمنفصل مُسْتَقل أَو غير مُسْتَقل (وَأما الْحَنَفِيَّة فَهُوَ) أَي مثل: بل رجلَانِ عِنْدهم (كالمتصل) أَي كالمستثنى الْمُتَّصِل أَو الْمَعْنى، وَأما على اصْطِلَاح الْحَنَفِيَّة فَهُوَ كالمتصل (والتخصيص) عِنْدهم إِنَّمَا يكون (بمستقل) فِي التَّلْوِيح: قصر الْعَام على بعض مَا يتَنَاوَلهُ تَخْصِيص عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فَفِيهِ تَفْصِيل، وَهُوَ أَنه إِمَّا أَن يكون بِغَيْر مُسْتَقل، أَو بمستقل، وَالْأول لَيْسَ بتخصيص، بل إِن كَانَ بألا وَأَخَوَاتهَا اسْتثِْنَاء، وَإِلَّا فَإِن كَانَ بِأَن وَمَا يُؤدى مؤداها بِشَرْط، وَإِلَّا فَإِن كَانَ بإلى وَمَا يُفِيد مَعْنَاهَا فغاية وَإِلَّا فصيغة. وَالثَّانِي هُوَ التَّخْصِيص سَوَاء كَانَ بِدلَالَة اللَّفْظ، أَو الْعقل، أَو الْحس، أَو الْعَادة، أَو نُقْصَان بعض الْأَفْرَاد، أَو زِيَادَته، وَفسّر غير المستقل بِكَلَام يتَعَلَّق بصدر الْكَلَام وَلَا يكون تَاما بِنَفسِهِ انْتهى (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِأَن الصِّيَغ الْمَذْكُورَة مَوْضُوعَة للخصوص على (الْخُصُوص) أَي الْمَعْنى الْمَذْكُور اعْتِبَاره يُسمى اللَّفْظ خَاصّا، وَهُوَ هَهُنَا نفس الْمَاهِيّة من غير اعْتِبَار عدد مَعهَا من حَيْثُ تحققها فِي ضمن الْأَفْرَاد (مُتَيَقن) لوُجُوده فِي الصِّيَغ الْمَذْكُورَة بِاتِّفَاق الْكل، فَإِن الِاخْتِلَاف فِي كَونه حِين مُسَمّى اللَّفْظ وجزئه يكون اللَّفْظ مَوْضُوعا لَهُ مَعَ وصف الْعُمُوم (فَيجب) كَونه مُسَمّى لتعينه (وينفى الْمُحْتَمل) أَي الْعُمُوم لِأَنَّهُ مُشْتَرك الْوُجُود (وَأجِيب بِأَنَّهُ) أَي الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (إِثْبَات اللُّغَة بالترجيح) أَي بترجيح معنى على غَيره، وَهُوَ لَا يجوز كَمَا لَا يجوز إِثْبَاتهَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهَا لَا تثبت إِلَّا بِالنَّقْلِ كَمَا مر (وَبِأَن الْعُمُوم أرجح) من الْخُصُوص (للِاحْتِيَاط) لِأَن فِي اعْتِبَار الْخُصُوص دون الْعُمُوم مَعَ احْتِمَال كَونه مرَادا للشارع تضعيفا لأمر يحْتَمل أَن يكون حكما شَرْعِيًّا فِي نفس الْأَمر (وَفِي هَذَا) الْجَواب (إِثْبَاتهَا) أَي اللُّغَة (بالترجيح مَعَ أَن الِاحْتِيَاط) الَّذِي جعل مرجحا (لَا يسْتَمر) أَي لَا يتَحَقَّق فِي جَمِيع الْموَاد، بل فِي بَعْضهَا كالإباحة، والرخص: الِاحْتِيَاط فِي عدم الْحمل على الْعُمُوم (بل الْجَواب) الْحسن أَن يُقَال (لَا احْتِمَال) لعدم الْوُجُود (بعد مَا ذكرنَا) من أَدِلَّة الْعُمُوم (وَأما استدلالهم) أَي الْقَائِلين بِالْوَضْعِ للخصوص بِمَا ينْسب إِلَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا (مَا من عَام إِلَّا وَقد خص، ففرع دعوانا) أَن وَضعهَا للْعُمُوم فِي الأَصْل، والتخصيص لأسباب ودواع (الِاشْتِرَاك) أَي دَلِيل الِاشْتِرَاك قَوْلهم (ثَبت الْإِطْلَاق) أَي إِطْلَاق الصِّيَغ الْمَذْكُورَة على الْعُمُوم وَالْخُصُوص (وَالْأَصْل) فِي الاطلاق (الْحَقِيقَة، وَالْجَوَاب لَو لم يثبت بِمَا ذكرنَا) من أَدِلَّة الْعُمُوم لَكَانَ الْأَمر كَمَا ذكرْتُمْ لكنه ثَابت. قَالَ (الْمفصل) وَقد عرفت تَفْصِيله فِي صدر المبحث انْعَقَد (الْإِجْمَاع على عُمُوم التَّكْلِيف) وشموله جَمِيع

البحث الثالث

الْمُكَلّفين (وَهُوَ) أَي عُمُومه إِنَّمَا يحصل (بِالطَّلَبِ) على وَجه الْعُمُوم فَإِنَّهُ لَو لم يكن الطّلب عَاما لم يكن التَّكْلِيف عَاما (قُلْنَا وَكَذَا الْأَخْبَار فِيمَا) أَي فِي كَلَام (لَيْسَ فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْكَلَام (صِيغَة خُصُوص) كَمَا إِذا كَانَ فِيهِ كَاف خطاب الْمُفْرد (مثل - {نَحن نقص عَلَيْك} - لتَعَلُّقه) أَي الْأَخْبَار (بِحَال الْكل) وَإِن اخْتلف كَيْفيَّة التَّعْلِيق، فَفِي الطّلب بطرِيق الِاقْتِضَاء، وَفِي الْأَخْبَار بطرِيق الْإِرْشَاد، وَطلب الْإِيمَان بِهِ. قَالَ القَاضِي فِي شرح الْمُخْتَصر فِي هَذَا الْمقَام، وَالْجَوَاب الْمُعَارضَة بِمثلِهِ فِي الْأَخْبَار للْإِجْمَاع على أَن الْأَخْبَار بِمَا ورد فِي حق جَمِيع الْأمة وَإِنَّا مكلفون بمعرفتها (وَلَا معنى للتوقف) الْمَنْقُول عَن الْأَشْعَرِيّ وَالْقَاضِي على مَا سبق (بعد استدلالنا) بِمَا ذكر بمعرفتها لقُوته وظهوره. الْبَحْث الثَّالِث من المباحث الْمُتَعَلّقَة بِالْعَام: بحث الْجمع الْمُنكر، وَيجوز أَن يكون الْخَبَر قَوْله (لَيْسَ الْجمع الْمُنكر عَاما) إِلَى آخر المبحث (خلافًا لطائفة من الْحَنَفِيَّة) مِنْهُم فَخر الْإِسْلَام وَعَامة الْأُصُولِيِّينَ على أَن جمع الْقلَّة النكرَة لَيْسَ بعام لظُهُوره فِي الْعشْرَة فَمَا دونهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي جمع الْكَثْرَة النكرَة، فَقَوْل فَخر الْإِسْلَام: أما الْعَام بصيغته وَمَعْنَاهُ فَهُوَ صِيغَة كل جمع يُخَالف قَول الْعَامَّة (لنا الْقطع بِأَن رجَالًا لَا يتَبَادَر مِنْهُ عِنْد إِطْلَاقه) عَن قرينَة الْعُمُوم (استغراقهم) أَي استغراق رجَالًا فِي: رَأَيْت رجَالًا مثلا جَمِيع الرِّجَال (كَرجل) أَي كَمَا أَن رجلا عِنْد إِطْلَاقه عَنْهَا لَا يتَبَادَر مِنْهُ استغراق أَفْرَاد مَفْهُومه، وَلَو كَانَ حَقِيقَة الْعُمُوم لتبادر مِنْهُ ذَلِك (فَلَيْسَ) الْجمع الْمُنكر (عَاما) كَمَا أَن رجلا كَذَلِك: كَذَا فِي شرح التلميذ (فَمَا قيل الْمرتبَة المستغرقة) فَهِيَ الْجَمَاعَة الَّتِي تندرج فِيهَا كل جمَاعَة يصدق عَلَيْهَا صِيغَة الْجمع: يَعْنِي مَجْمُوع أَفْرَاد الرجل (من) جملَة (مراتبه) أَي مَرَاتِب الْجمع الْمُنكر، لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ صِيغَة الْجمع (فَيحمل) الْجمع الْمُنكر (عَلَيْهَا) أَي على الْمرتبَة المستغرقة فَيتَحَقَّق الْعُمُوم عِنْد ذَلِك، وَإِنَّمَا يحمل عَلَيْهَا (للِاحْتِيَاط) على مَا سبق آنِفا (بعد أَنه) أَي مَا قيل، والظرف مُتَعَلق بِخَبَر الْمَوْصُول: أَعنِي لَيْسَ (معَارض) خبر أَن (بِأَن غَيرهَا) أَي غير المستغرقة، وَهُوَ أقل مَرَاتِب الْجمع (أولى للتيقن) بِهِ لوجودها فِي جَمِيع الْمَرَاتِب، وَمَا سواهُ مَشْكُوك فِيهِ (و) بعد أَنه معَارض بِكَوْن الِاحْتِيَاط لَا يسْتَمر) فِي الِاسْتِغْرَاق (بل) قد (يكون) الِاحْتِيَاط (فِي عَدمه) أَي عدم الِاسْتِغْرَاق كَمَا مر و (لَيْسَ) مَا قيل (فِي مَحل النزاع لِأَنَّهُ) أَي النزاع (فِي أَنه) أَي الْعُمُوم (مَفْهُومه) أَي مَفْهُوم الْجمع الْمُنكر أم لَا (وَأَيْنَ الْحمل) أَي حمل جمع الْمُنكر (على

بعض مَا صدقاته) الَّذِي هُوَ الْمرتبَة المستغرقة (للِاحْتِيَاط) مُتَعَلق بِالْحملِ (مِنْهُ) أَي من مَحل النزاع، وَالْجَار مُتَعَلق بِمَا تعلق بِهِ خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي أَيْن، وَالْمعْنَى الْحمل الْمَذْكُور فِي أَي مَكَان من مَحل النزاع، أَي من قربه، وَالْمرَاد إبعاده عَن ساحته لعدم الْمُنَاسبَة (وَأما إِلْزَام) منكرى عُمُوم الْجمع الْمُنكر على مثبتيه بِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْك عدم عُمُوم الْجمع لعدم الْمُنَاسبَة عُمُوم (نَحْو رجل فمدفوع بِأَنَّهُ) أَي نَحْو رجل (لَيْسَ من أَفْرَاده) الْمرتبَة (المستغرقة) ليحمل عَلَيْهَا (بِخِلَاف رجال فَإِنَّهُ للْجمع) الْمُطلق (الْمُشْتَرك بَين الْمُسْتَغْرق وَغَيره) مِمَّا صدقاته (قيل مَبْنِيّ الْخلاف) فِي أَنه عَام أم لَا؟ على مَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح (الْخلاف فِي اشْتِرَاط الِاسْتِغْرَاق فِي الْعُمُوم، فَمن لَا) يشْتَرط (كفخر الْإِسْلَام وَغَيره جعله) أَي الْجمع الْمُنكر (عَاما) وَمن لَا يشْتَرط لَا يَجعله عَاما (وَإِذا) أَي وَحين يكون مبْنى الْخلاف ذَلِك (لَا وَجه لمحاولة استغراقه) أَي الْجمع الْمُنكر، فِي الْقَامُوس حاوله حوالا، ومحاولة، رامه (بِالْحملِ على مرتبَة الِاسْتِغْرَاق بل) النزاع (لَفْظِي) إضراب عَن كَون الْخلاف فِيهِ مَبْنِيا على ذَلِك الْخلاف، لِأَنَّهُ فرع وجود الْخلاف بِحَسب الْحَقِيقَة وَالْمعْنَى، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل وَاللَّفْظ فَقَط (فمراد الْمُثبت) لجمع الْمُنكر الْعُمُوم (مَفْهُوم) أَي إِثْبَات مَفْهُوم لفظ (عُمُوم) لُغَة (وَهُوَ) أَي مَفْهُومه (شُمُول مُتَعَدد) وَهُوَ (أَعم من الِاسْتِغْرَاق) والخصم لَا يَنْفِيه بِهَذَا الْمَعْنى (وَمُرَاد النَّافِي) من الْعُمُوم الَّذِي نَفَاهُ (عُمُوم الصِّيَغ الَّتِي أثبتنا كَونهَا) أَي كَون تِلْكَ الصِّيَغ (حَقِيقَة فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْعُمُوم (وَهُوَ) أَي عُمُوم الصِّيَغ الْمَذْكُورَة (الاستغراقي حَتَّى قبل) عمومها (الْأَحْكَام) الْمرتبَة على الْعُمُوم الاستغراقي (من التَّخْصِيص وَالِاسْتِثْنَاء) وَغَيرهمَا مِمَّا يقْصد الْبَحْث عَنهُ فِي مَبْحَث الْعَام (وَلَا نزاع فِي) أَن مُرَاد النَّافِي من الْعُمُوم الَّذِي نَفَاهُ هُوَ (هَذَا) الْعُمُوم الاستغراقي (لأحد) من أهل هَذَا الشَّأْن (وَلَا) نزاع أَيْضا (فِي عَدمه) أَي عدم هَذَا الْعُمُوم (فِي رجال) وَلِهَذَا (لَا يُقَال: اقْتُل رجَالًا إِلَّا زيدا) أَشَارَ بقوله (لِأَنَّهُ) أَي الِاسْتِثْنَاء ل (إِخْرَاج مالولاه) أَي الِاسْتِثْنَاء (لدخل) فِي حكم صدر الْكَلَام (وَلَو قيل) اقْتُل رجَالًا (وَلَا تقتل زيدا كَانَ) وَلَا تقتل زيدا (ابْتِدَاء) لكَلَام آخر (لَا تَخْصِيصًا) لِأَنَّهُ فرع الْعُمُوم الاستغراقي (وَإِذ بَينا أَنه) أَي الْجمع الْمُنكر مَوْضُوع (للمشترك) بَين مَرَاتِب الْجمع (وَهُوَ) أَي الْمُشْتَرك بَينهَا (الْجمع مُطلقًا، فَفِي أَقَله) أَي أقل الْجمع مُطلقًا (خلاف) فِي التَّلْوِيح: ذهب أَكثر الصَّحَابَة وَالْفُقَهَاء وأئمة اللُّغَة إِلَى أَنه ثَلَاثَة، وَفصل الْخلاف بقوله (قيل) أَقَله (ثَلَاثَة) من آحَاد مفرده (مجَاز لما دونهَا) أَي الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحد، فَإِذا أطلق على الثَّلَاثَة فَمَا فَوْقهَا أَي عدد كَانَ فَهُوَ حَقِيقَة لكَونهَا من أَفْرَاد مَا وضع لَهُ الْجمع، بِخِلَاف مَا دون الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ لَيْسَ من أَفْرَاده (وَهُوَ)

أَي هَذَا القَوْل هُوَ (الْمُخْتَار) لما سَيَجِيءُ (وَقيل حَقِيقَة فِي اثْنَيْنِ أَيْضا) لكَونه من أَفْرَاد مُسَمّى الْجمع للاكتفاء بِمَا فَوق الْوَاحِد فِيهِ، فالأقل على هَذَا اثْنَان (وَقيل) حَقِيقَة فِي الثَّلَاثَة (مجَاز فيهمَا) أَي فِي اثْنَيْنِ لَا فِيمَا دونه، وَهُوَ الْوَاحِد (وَقيل) حَقِيقَة فِي الثَّلَاثَة، وَلَا يُطلق على اثْنَيْنِ (لَا) حَقِيقَة (وَلَا) مجَازًا، فَلَزِمَ عدم إِطْلَاقه على الْوَاحِد بِالطَّرِيقِ الأول، ثمَّ شرع فِي بَيَان وَجه الْمجَاز، فَقَالَ (لقَوْل ابْن عَبَّاس) رَضِي الله عَنْهُمَا (لَيْسَ الأخوان إخْوَة) أخرج ابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَنهُ أَنه دخل على عُثْمَان، فَقَالَ أَن الأخوان لَا يرد أَن الْأُم عَن الثُّلُث، فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول - {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} - والأخوان ليسَا بإخوة بِلِسَان قَوْمك، فَقَالَ عُثْمَان: لَا أَسْتَطِيع أرد أمرا توارث عَلَيْهِ النَّاس وَكَانَ قبلي وَمضى فِي الْأَمْصَار انْتهى (أَي حَقِيقَة) أَي أَرَادَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا نفى إِطْلَاق الْأُخوة على الْأَخَوَيْنِ بطرِيق الْحَقِيقَة، لَا نفى إِطْلَاقهَا عَلَيْهِمَا بطرِيق الْمجَاز (لقَوْل زيد: الأخوان إخْوَة). قَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد عَن خَارِجَة بن زيد عَن ثَابت عَن أَبِيه أَنه كَانَ يحجب الْأُم عَن الثُّلُث بالأخوين، فَقَالَ أَبَا سعيد فَإِن الله عز وَجل يَقُول - {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} - وَأَنت تحجبها بالأخوين؟ فَقَالَ: إِن الْعَرَب تسمى الْأَخَوَيْنِ إخْوَة (أَي مجَازًا) وَإِنَّمَا جعلنَا مورد النَّفْي الْحَقِيقَة، وَمحل الْإِثْبَات الْمجَاز (جمعا) بَين كل مِنْهُمَا، وتوفيقا بَين الْأَمريْنِ الصَّحِيحَيْنِ على مَا تَقْتَضِيه قَاعِدَة الْأُصُول (وَتَسْلِيم عُثْمَان لِابْنِ عَبَّاس تمسكه، ثمَّ عدوله إِلَى الْإِجْمَاع دَلِيل على الْأَمريْنِ) أما على الأول فَظَاهر، وَأما على الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لما تمسك بِالْإِجْمَاع، وَلَا بُد لَهُ من التَّوْفِيق بَين الْكتاب وَالْإِجْمَاع تعين ارتكابه الْمجَاز فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة لِئَلَّا يلْزم مُخَالفَة الْإِجْمَاع لمفهومها، وَفِيه أَنه إِنَّمَا يتم إِذا كَانَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَائِلا بِمَفْهُوم الْعدَد فَتَأمل، ثمَّ أَشَارَ إِلَى إِطْلَاق الْجمع على الْوَاحِد مجَازًا بقوله (وَلَا شكّ فِي صِحَة الْإِنْكَار على متبرجة) أَي مظهرة زينتها (لرجل) أَجْنَبِي بقوله (أتتبرجين للرِّجَال) فقد أطلق فِي هَذَا الْإِنْكَار الرِّجَال على الرجل الْوَاحِد لِأَنَّهَا مَا تبرجت إِلَّا لوَاحِد (وَلَا يخفى أَنه) أَي لفظ الرِّجَال هُنَا (من الْعَام) الْمُسْتَعْمل (فِي الْخُصُوص) لكَونه محلى بِاللَّامِ الاستغراقية (لَا الْمُخْتَلف) فِيهِ (من نَحْو رجال الْمُنكر) صفة الْمُخْتَلف، أَو رجال لِأَنَّهُ أُرِيد بِهِ لَفظه، وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار معرفَة، الْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بمقدر حَال عَن الضَّمِير فِي الْمُخْتَلف (على أَنه) أَي الْمِثَال الْمَذْكُور (لَا يستلزمه) أَي كَون الْجمع (مجَازًا فِيهِ) أَي فِي الْوَاحِد (لجَوَاز أَن الْمَعْنى أهوَ) أَي التبرج (عادتك لَهُم) أَي للرِّجَال مُتَعَلق بالتبرج (حَتَّى تبرجت لهَذَا) الرجل (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَعْنى (مِمَّا يُرَاد فِي مثله) أَي فِي مثل هَذَا الْكَلَام (نَحْو: أتظلم الْمُسلمين) لمن ظلم وَاحِدًا

يحْتَمل أَن يُرَاد بِصِيغَة الْجمع الْجِنْس كَمَا فِي: فلَان يركب الْخَيل وَحَاصِل الجوابين مَعَ استلزام صِحَة الْإِنْكَار اسْتِعْمَال الْجمع الْمُنكر فِي الْوَاحِد مُسْتَندا بِأَن الْجمع الْمَذْكُور فِيهِ لَيْسَ بمنكر، وَبِأَن الْمَعْنى لَيْسَ كَمَا زعمت من أَن المُرَاد بِالرِّجَالِ ذَلِك الرجل (وَالْحق جَوَازه) أَي جَوَاز إِطْلَاق الْجمع على الْوَاحِد مجَازًا (حَيْثُ يثبت الْمُصَحح) من نُكْتَة بليغة محسنة لتنزيل الْوَاحِد منزلَة الْجَمَاعَة (كرأيت رجَالًا فِي رجل يقوم مقَام الْكثير) كَمَا إِذا كَانَ متفننا بصنائع يسْتَقلّ كل مِنْهَا لرجل كَامِل (وَحَيْثُ لَا) يثبت الْمُصَحح (فَلَا) يجوز (وتبادر مَا فَوق الِاثْنَيْنِ) عِنْد إِطْلَاق الْجمع (يُفِيد الْحَقِيقَة فِيهِ) على مَا مر غير مرّة وَهَذَا دَلِيل عَقْلِي، وَالْأول وَمَا بعده نقلي (واستدلال النافين) لصِحَّة إِطْلَاقه على الِاثْنَيْنِ مُطلقًا (بِعَدَمِ جَوَاز) تركيب (الرِّجَال العاقلان) لعدم صِحَة إِطْلَاق العاقلان على الرِّجَال، وَلَا بُد فِي التوصيف مِنْهَا (وَالرجلَانِ العاقلون) على عكس الأول لعكس مَا ذكرنَا (مجَازًا) لعدم جوازهما حَقِيقَة. قَوْله مجَازًا حَال عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لكَونه فَاعِلا للْجُوَاز معنى، والتجوز الْمَنْفِيّ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار النِّسْبَة التوصيفية (دفع) خبر الْمُبْتَدَأ (بمراعاتهم مُطَابقَة الصُّورَة) أَي الْمُطَابقَة بِحَسب الصُّورَة بَين الصِّيغَة والموصوف، وَعدم اكتفائهم بالمطابقة بِحَسب الْمَعْنى بِسَبَب حمل لفظ الْجمع على مَا فَوق الْوَاحِد مجَازًا مُحَافظَة على التشاكل بَينهمَا (وَنقض) الدّفع الْمَذْكُور (بِجَوَاز زيد وَعَمْرو الفاضلان، وَفِي ثَلَاثَة) نَحْو: زيد، وَعَمْرو، وَبكر (الفاضلون) وَلَا يخفى أَن الدّفع الْمَذْكُور منع، وَسَنَد: تَوْضِيحه أَنا لَا نسلم استلزام عدم جَوَاز مَا ذكر عدم صِحَة الْإِطْلَاق مُطلقًا لجَوَاز أَن يكون ذَلِك لمَانع مَخْصُوص بِبَعْض الصُّور كرعاية مُطَابقَة الصُّورَة، وَلَا يلْزم على الْمَانِع دَعْوَى لُزُوم رِعَايَة الْمُطَابقَة مُطلقًا وَإِبْطَال السَّنَد الْأَخَص غير موجه وَيُمكن الْجَواب بِأَن الْمَنْع الْمَذْكُور بِدُونِ لُزُوم رِعَايَة الْمُطَابقَة صُورَة غير موجه، لِأَن صِحَة الْمجَاز لوُجُود العلاقة يقتضى جَوَاز الرِّجَال العاقلان، وَلَا يَنْفِي الْجَوَاز الْمَذْكُور سوى اللُّزُوم الْمَذْكُور، وَالْأَصْل عدم مَانع آخر فَالسَّنَد مسَاوٍ للْمَنْع، وَإِبْطَال أحد المتساويين يسْتَلْزم إبِْطَال الآخر (وَدفعه) أَي النقيض الْمَذْكُور على مَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (بِأَن الْجمع) بَين مُتَعَدد (بِحرف الْجمع) كواو الْعَطف، وَالْمرَاد بِالْجمعِ الْمَعْنَوِيّ اللّغَوِيّ (كالجمع بِلَفْظ الْجمع) المُرَاد بِهَذَا الْمَعْنى الاصطلاحي فَتحصل الْمُطَابقَة بَين الصّفة والموصوف إِذا كَانَ الْمَوْصُوف جمعا بِالْمَعْنَى الأول، وَالصّفة بِالْمَعْنَى الثَّانِي (لَيْسَ بِشَيْء) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي دَفعه (إِذْ لَا يُخرجهُ) أَي لَا يخرج الِاشْتِرَاك فِي معنى الْجمع على مَا ذكر مَا بِهِ النَّقْض عَن عدم الْمُطَابقَة (إِلَى مُطَابقَة الصُّورَة، وَالْوَجْه) فِي الدّفع (اعْتِبَارا لمطابقة الْأَعَمّ. من الْحَقِيقِيَّة والحكمية) بَين الصّفة والموصوف بِمَا قدمنَا من رِعَايَة الْحَقِيقَة

فِي توصيف الْمثنى بالمجموع وَعَكسه، وَلذَلِك لم يجوزوه، وَمن رِعَايَة الْحكمِيَّة فِي زيد وَعَمْرو الفاضلان وَلذَلِك جوزوه، فالحقيقة مَا تكون الْمُطَابقَة بِحَسب اللَّفْظ وَالْمعْنَى مَعًا، والحكمية مَا تكون بِحَسب الْمَعْنى فَقَط (وَلَا خلاف فِي نَحْو صغت قُلُوبكُمَا) فَإِنَّهُ أطلق الْجمع فِيهِ على الِاثْنَيْنِ اتِّفَاقًا (و) لَا خلاف أَيْضا فِي لفظ (نَا) الَّذِي يعبر بِهِ الْمُتَكَلّم عَن نَفسه وَغَيره، وَإِن كَانَ ذَلِك الْغَيْر وَاحِدًا (و) لَا فِي لفظ (جمع) أَي فِي ج م ع (أَنه) أَي فِي أَن كلا مِنْهَا (لَيْسَ مِنْهُ) أَي من مَحل النزاع (وَلَا) خلاف أَيْضا فِي أَن (الْوَاو فِي ضربوا مِنْهُ) أَي من مَحل النزاع، وَكَذَا غَيرهَا من الضمائر ثمَّ أَنهم لم يفرقُوا فِي هَذَا بَين جمع الْقلَّة وَالْكَثْرَة: كَذَا فِي التَّلْوِيح وَغَيره. (تَنْبِيه: لم تزد الشَّافِعِيَّة فِي) بَيَان أَحْوَال (صِيغ الْعُمُوم) شَيْئا (على إِثْبَاتهَا) بل اكتفوا بِمُجَرَّد الْإِثْبَات من غير زِيَادَة تَفْصِيل (وفصلها الْحَنَفِيَّة إِلَى عَام بصيغته وَمَعْنَاهُ) بِكَوْن اللَّفْظ جمعا، وَالْمعْنَى مُسْتَغْرقا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَهُوَ) أَي الْعَام بصيغته وَمَعْنَاهُ (الْجمع الْمحلي) بِاللَّامِ (للاستغراق، و) إِلَى عَام (بِمَعْنَاهُ) فَقَط (وَهُوَ الْمُفْرد الْمحلي) بِاللَّامِ (كَالرّجلِ والنكرة) المستغرقة (فِي) سِيَاق (النَّفْي وَالنِّسَاء، وَالْقَوْم، والرهط، وَمن، وَمَا، وَأي مُضَافَة، وكل، وَجَمِيع) وَلَا يخفى أَنه ذكر فِيمَا سبق من الصِّيَغ مَا لَيْسَ بداخل فِي أحد الْقسمَيْنِ هَهُنَا وَالظَّاهِر من هَذَا التَّفْصِيل اسْتِيفَاء الْكل، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بقوله وَهُوَ الْجمع الْمحلي الْجمع وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْقسم الثَّانِي، فِي التَّلْوِيح مَا حَاصله، وَهِي إِمَّا لفظ عَام بصيغته وَمَعْنَاهُ بِأَن يكون اللَّفْظ مجموعا، وَالْمعْنَى مستوعبا، أَو وجد لَهُ مُفْرد من لَفظه كالرجال أَولا كالنساء، وَإِمَّا بِمَعْنَاهُ فَقَط بِكَوْنِهِ مُفردا مستوعبا، وَلَا يتَصَوَّر عَام بصيغته فَقَط إِذْ لَا بُد من تعدد الْمَعْنى، وَالْعَام بِمَعْنَاهُ فَقَط إِمَّا يتَنَاوَل مَجْمُوع الْأَفْرَاد، وَإِمَّا يتَنَاوَل كل وَاحِد بطرِيق الشُّمُول أَو الْبَدَل، فَالْأول يتَعَلَّق الحكم فِيهِ بِمَجْمُوع الْأَفْرَاد، لَا بِكُل وَاحِد إِلَّا من حَيْثُ أَنه دَاخل فِي الْمَجْمُوع كالرهط لما دون الْعشْرَة من الرِّجَال لَيْسَ فيهم امْرَأَة، وَالْقَوْم لجَماعَة الرِّجَال خَاصَّة فاللفظ مُفْرد بِدَلِيل أَنه يثنى، وَيجمع، ويوحد الضَّمِير الرَّاجِع إِلَيْهِ، وتحقيقه أَنه فِي الأَصْل مصدر قَامَ، فوصف بِهِ ثمَّ غلب على الرِّجَال خَاصَّة لقيامهم بِأُمُور النِّسَاء، وَهَذَا تَأْوِيل مَا قيل إِنَّه جمع قَائِم، وَإِلَّا فَفعل لَيْسَ من أبنية الْجمع، وكل مِنْهُمَا متناول لجَمِيع آحاده، وَلَا لكل وَاحِد من حَيْثُ أَنه وَاحِد، حَتَّى لَو قَالَ الرَّهْط أَو الْقَوْم الَّذِي يدْخل هَذَا الْحصن فَلهُ كَذَا، فَدخل جمَاعَة كَانَ النَّفْل لمجموعهم، وَلَو دخله وَاحِد لم يسْتَحق شَيْئا وَالثَّانِي يتَعَلَّق الحكم فِيهِ بِكُل وَاحِد سَوَاء كَانَ مجتمعا مَعَ غَيره أَو مُتَفَرقًا عَنهُ مثل: من دخل هَذَا

الْحصن فَلهُ دِرْهَم، فَلَو دخله وَاحِد اسْتحق درهما، وَلَو دخله جمَاعَة مَعًا أَو متعاقبين اسْتحق كل وَاحِد مِنْهُم الدِّرْهَم وَالثَّالِث يتَعَلَّق الحكم فِيهِ بِكُل وَاحِد بِشَرْط الِانْفِرَاد، وَلَا يتَعَلَّق بِوَاحِد آخر، مثل: من دخل هَذَا الْحصن أَولا فَلهُ دِرْهَم، فَلَو دخله جمَاعَة مَعًا لم يستحقوا شَيْئا، وَلَو دخلُوا متعاقبين لم يسْتَحق إِلَّا السَّابِق انْتهى، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله خَالفه بِإِدْخَال النِّسَاء فِي الْعَام بِمَعْنَاهُ فَقَط: إِمَّا لِأَن المرضي عِنْده أَنه اسْم جمع، أَو لاعتباره فِي الْعَام بصيغته وَمَعْنَاهُ أَن يكون لَهُ مُفْرد من لَفظه وَهُوَ الْأَظْهر، فَإِنَّهُ صرح فِي الْقَامُوس بِأَنَّهُ جمع الْمَرْأَة من غير لَفظهَا، هَذَا وَعُمُوم كل وَجَمِيع بِاعْتِبَار مَا أضيف إِلَيْهِ، وإنهما لمُجَرّد الِاسْتِغْرَاق (فانقسم الْعُمُوم) بِهَذَا التَّفْصِيل (إِلَى صيغي) مَنْسُوب إِلَى أصل الْوَضع لكَون الصِّيغَة مَوْضُوعَة لمتعدد ابْتِدَاء (ومعنوي) غير متبادر من نفس الصِّيغَة تبادر الْقسم الأول (أما الْجمع الْمحلي فاستغراقه كالمفرد لكل فَرد لما تقدم) من أَن لَام الْجِنْس تسلب الجمعية إِلَى الجنسية إِلَى آخِره (وَمَا قيل أَن استغراق الْمُفْرد أشمل) من استغراق الْجمع (فَفِي النَّفْي) يَعْنِي أَن أشمليته فِيمَا إِذا كَانَ فِي سِيَاق النَّفْي، لِأَنَّهُ يسلب حِينَئِذٍ الجمعية، وَنفي تَحْقِيق الْجَمَاعَة لَا يسْتَلْزم نفي تَحْقِيق الْوَاحِد والاثنين، بِخِلَاف الْعَكْس إِذا لم يَجْعَل الْوحدَة أَو الأثنينية قيد الْمَنْفِيّ موردا للنَّفْي (أَو المُرَاد) أَن استغراف الْمُفْرد أشمل (أَنه) أَي استغراقه للآحاد (بِلَا وَاسِطَة الْجمع) بِخِلَاف استغراق الْجمع لَهَا فَإِنَّهَا بواسطته، لِأَن الحكم الثَّابِت للْجمع إِنَّمَا يثبت ابْتِدَاء لما يصدق عَلَيْهِ مَفْهُوم الْجمع، ثمَّ يسري إِلَى الْآحَاد إِذا لم يكن ثُبُوته للمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع، فأشمليته بِمَعْنى أظهرية شُمُوله، لَا بِمَعْنى أوسعية دَائِرَة شُمُوله (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد أحد التَّأْويلَيْنِ (فَمَمْنُوع) أَي فكونه أشمل مَمْنُوع، ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن شَيْئا من التَّأْويلَيْنِ لَا يَصح أَيْضا بقوله (وَمَا تقدم) من سلب لَام الْجِنْس الجمعية إِلَى الجنسية، وَمن عدم الْفرق بَين: لَا رجل، وَلَا رجال فِي نفي الْجِنْس (يَنْفِي كَونه) أَي كَون استغراق الْجمع (بِوَاسِطَة الْجمع) لِأَنَّهُ لم يبْق الجمعية بعد السَّلب (و) كَذَلِك يَنْفِي (أشمليته فِي النَّفْي) لعدم الْفرق بَينهمَا بِحَسب الْحَقِيقَة على مَا مر بَيَانه (ولإجماع الصَّحَابَة على) فهم الْعُمُوم فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَئِمَّة من قُرَيْش) وَإِلَّا لم يحصل إِلْزَام الْأَنْصَار عِنْد قَوْلهم: أَمِير منا، وأمير مِنْكُم لجَوَاز الْعَمَل بِمُوجب قَوْلهم: إِذا لم يقْصد بقوله الْأَئِمَّة الِاسْتِغْرَاق، بِخِلَاف مَا إِذا قصد فَإِن الْمَعْنى حِينَئِذٍ: كل إِمَام من قُرَيْش (و) لإِجْمَاع أهل (اللُّغَة على صِحَة الِاسْتِثْنَاء) أَي اسْتثِْنَاء الْمُفْرد من الْجمع الْمحلي فَإِنَّهُ لَو لم يسْتَغْرق الْآحَاد كالجنس الْمحلي لما صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ، فَإِن استثناءه مِنْهُ يقتضى شُمُوله إِيَّاه قطعا، وَهَذَا الْقطع لَا يحصل إِلَّا بالاستغراق، وَكَونه بِحَيْثُ يتَنَاوَلهُ الحكم لَوْلَا الِاسْتِثْنَاء (كَمَا تقدم) وَلما بَين ضعف مَا قيل من

الأشملية أَرَادَ أَن يبين ضعف مَا يَبْنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ (وَعنهُ) أَي وَعَن كَون استغراق الْجمع دون استغراق الْمُفْرد لشُمُوله الجموع لَا الْآحَاد (قالوأ) أَي أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي رد اسْتِدْلَال الْمُعْتَزلَة بقوله تَعَالَى {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} على نفي الرُّؤْيَة مُطلقًا هُوَ (سلب الْعُمُوم) وَرفع الْإِيجَاب الْكُلِّي للْفرق بَينه وَبَين لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر، فَإِن الثَّانِي نفي لإدراك جنس الْبَصَر إِيَّاه. وَالْأول نفي لإدراك الْجِنْس الْمُسْتَغْرق، وَنفي الْجِنْس الْمُسْتَغْرق لَا يسْتَلْزم نَفْيه مُطلقًا لجَوَاز أَن يتَحَقَّق بِغَيْر استغراق فَإِن قلت من أَيْن لَك أَن قَوْلهم هَذَا مَبْنِيّ على كَون استغراق الْجمع دون استغراق الْمُفْرد، لم لَا يجوز أَن يكون مَبْنِيّ قَوْله: وَعنهُ عَن كَون استغراق الْجمع كالمفرد كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من السِّيَاق، لِأَنَّهُ الأَصْل الممهد، وَمَا ذكرت أَمر ذكر على وَجه الِاعْتِرَاض وَنفي قلت نعم، لَكِن يرد حِينَئِذٍ أَن الْحمل على سلب الْعُمُوم على ذَلِك التَّقْدِير خلاف الظَّاهِر لكَونه بِمَنْزِلَة لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر فِي الدّلَالَة على نفي الْجِنْس فَتَأمل (لَا عُمُوم السَّلب) وَالسَّلب الْكُلِّي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَحَقَّق على تَقْدِير نفي الْجِنْس مُطلقًا، وَقَوله (أَي لَا يُدْرِكهُ كل بصر) تَفْسِير لسلب الْعُمُوم، فالمنفي ثُبُوت رُؤْيَة الْكل (وَهُوَ) أَي سلب الْعُمُوم سلب (جزئي) لَا سلب كلي لِأَن نقيض الْإِيجَاب الْكُلِّي وَرَفعه السَّلب الجزئي (فَجَاز) ثُبُوت الرُّؤْيَة (لبعضها) أَي الْأَبْصَار، يرد عَلَيْهِ أَن حَاصِل هَذَا إبِْطَال مَذْهَب الْخصم، وَهُوَ السَّلب الْكُلِّي، لَكِن لَا يثبت بِهِ مَذْهَبنَا، وَهُوَ ثُبُوت الرُّؤْيَة لكل مُؤمن وَالْجَوَاب أَن هَذَا لمُجَرّد إبِْطَال مَذْهَب الْخصم، وَأَن للْمَذْهَب أَدِلَّة أُخْرَى (نعم إِذا اعْتبر الْجمع للْجِنْس) لسلب اللَّام جمعيته إِلَى الجنسية (كَانَ) النَّفْي الْمَذْكُور (عُمُوم السَّلب) لوروده على الْجِنْس كَقَوْلِه تَعَالَى {لَا يحب الْكَافرين} إِذْ لَا شكّ أَن المُرَاد مِنْهُ نفي الْمحبَّة عَن جنس الْكَافِر مُطلقًا، لَا الْجِنْس الْمَوْصُوف بالجمعية، وَقَوله لنفي الْجِنْس تَعْلِيل لعُمُوم السَّلب، وَيجوز أَن يكون قَوْله - {لَا يحب الْكَافرين} - مُبْتَدأ خَبره لنفي الْجِنْس، وَتَكون الْجُمْلَة تَوْطِئَة لقَوْله (وَلَو اعْتبر مثله) أَي مثل مَا فِي قَوْله - {لَا يحب الْكَافرين} - من نفي الْجِنْس (فِي الْآيَة) فِي قَوْله تَعَالَى - {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} - (ادّعى) حِينَئِذٍ فِي جَوَاب الْخصم (أَن الْإِدْرَاك) الْمَنْفِيّ فِي الْآيَة (أخص من الرُّؤْيَة) الْمُطلقَة، وَهُوَ مَا كَانَ على وَجه الْإِحَاطَة للمرئي، وَنفي الْأَخَص لَا يسْتَلْزم نفي الْأَعَمّ وَلما عد الْمحلي بِاللَّامِ من صِيغ الْعُمُوم، وَكَانَ لَهُ معَان أَرْبَعَة: الْجِنْس، والاستغراق، والعهد الْخَارِجِي، والعهد الذهْنِي، والعموم إِنَّمَا يتَحَقَّق عِنْد إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق احْتَاجَ إِلَى بَيَان ضَابِط يعرف بِهِ إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق، فَقَالَ (وَالتَّعْيِين) أَي تعْيين أحد الْمعَانِي الْمَذْكُورَة إِنَّمَا يكون (بِمعين) من قرينَة لفظية أَو حَالية بِحَسب الْمقَام (وَإِن لم يكن) ذَلِك الْمعِين (وَلَا عهد خارجي) وَلم يكن

مَعْهُود معِين من أَفْرَاد الْمحلي بِاللَّامِ بَين الْمُتَكَلّم والمخاطب قبل هَذَا التخاطب (وَأمكن أَحدهمَا) أَي الِاسْتِغْرَاق أَو الْجِنْس، وَقد سبق ذكرهمَا قَرِيبا مفرقا، وَالْمرَاد إِمْكَان أَحدهمَا بِدُونِ الآخر (تعين) الَّذِي أمكن (وَإِن أمكن كل مِنْهُمَا قيل) وقائله جمَاعَة: مِنْهُم فَخر الْإِسْلَام، وَأَبُو زيد (الْجِنْس) أَي المُرَاد عِنْد إِمْكَان كل مِنْهُمَا الْجِنْس (للتيقن) لِأَنَّهُ مَوْجُود فِي ضمن الِاسْتِغْرَاق أَيْضا، والمتيقن أولى بالإرادة عِنْد التَّرَدُّد (وَقيل) وقائله عَامَّة مَشَايِخنَا وَغَيرهم تعين (الِاسْتِغْرَاق للأكثرية) أَي لِأَنَّهُ يُرَاد فِي أَكثر استعمالات الْمحلي بِاللَّامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِنْس (خُصُوصا فِي اسْتِعْمَال الشَّارِع) على مَا يشْهد بِهِ التتبع والاستقراء (وَقرر) كَمَا صرح بِهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (أَن الْجمع الْمحلي للمعهود والاستغراق حَقِيقَة، وللجنس مجَاز) وَذَلِكَ لِأَن الْمَقْصُود من وضع الْأَلْفَاظ بِإِزَاءِ المفهومات الْكُلية أَن تسْتَعْمل فِي أَفْرَاده الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج لِأَن الْأَحْكَام تثبت لَهَا، لَا الطبائع الْكُلية، وَلذَا ذهب كثير من الْمُحَقِّقين إِلَى أَن اسْم الْجِنْس مَوْضُوع للفرد الْمُنْتَشِر لَا الْمَاهِيّة الْمُطلقَة، وَهُوَ الْأَوْجه فَإِن قلت مُرَادهم من الْجِنْس هُنَا هُوَ الْمَعْهُود الذهْنِي قلت هُوَ قريب من الْجِنْس بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور بِاعْتِبَار كَونه قَلِيل الْفَائِدَة (وَأَنه) أَي الْجِنْس (خلف) عَنْهُمَا (لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا لتعذرهما) كَمَا هُوَ شَأْن الْمجَاز مَعَ الْحَقِيقَة وَالْخلف مَعَ الأَصْل (ولدا) أَي لِأَنَّهُ لَا يُصَار إِلَيْهِ لتعذرهما (لَو حلف لَا يكلمهُ الْأَيَّام أَو الشُّهُور يَقع) الْمَذْكُور من الْأَيَّام والشهور (على الْعشْرَة) مِنْهَا (عِنْده) أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله (وعَلى الْأُسْبُوع) فِي الْأَيَّام (و) على (السّنة) فِي الشُّهُور (عِنْدهمَا لَا مَكَان) حمل الْمحلي الْمَذْكُور: وَهُوَ الْأَيَّام والشهور على (الْعَهْد) الْخَارِجِي الَّذِي هُوَ حَقِيقَة فِيهِ (غير أَنهم) أَي الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة (اخْتلفُوا فِي) مَا هُوَ (الْمَعْهُود) فِي الْأَيَّام والشهور، فَعنده الْعشْرَة من الْأَيَّام والشهور، وَعِنْدَهُمَا الْأُسْبُوع وَالسّنة. قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله فِي شرح الْهِدَايَة لقَائِل أَن يرجح قَوْلهمَا فِي الْأَيَّام والشهور بِأَن عهد هما أَعهد، وَذَلِكَ لِأَن عهدية الْعشْرَة إِنَّمَا هُوَ للْجمع مُطلقًا من غير نظر إِلَى مَادَّة خَاصَّة، فَإِذا عرض فِي خُصُوص مَادَّة من الْجمع مُطلقًا كالأيام عهدية عدد غَيره كَانَ اعْتِبَار هَذَا الْمَعْهُود أولى، وَقد عهد فِي الْأَيَّام السَّبْعَة، وَفِي الشُّهُور الاثنى عشر، فَيكون صرف خُصُوص هذَيْن الجمعين إِلَيْهِمَا أولى بِخِلَاف غَيرهمَا من الجموع كالسنين والأزمنة، فَإِنَّهُ لم يعْهَد فِي مادتهما عدد آخر فَيَنْصَرِف إِلَى مَا اسْتَقر للْجمع مُطلقًا من إِرَادَة الْعشْرَة فَمَا دونهَا انْتهى، يرد عَلَيْهِ أَن الْمَعْهُود فِي الْأَيَّام سَبْعَة: أَولهَا السبت، وَآخِرهَا الْجُمُعَة، وهما لَا يحملانها على السَّبْعَة الَّذِي يكون على هَذَا الْوَجْه، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن الْمَعْهُود يعم كَمَا قلت غير أَن تِلْكَ الخصوصية ألغيت لعدم تعلق الْقَصْد بهَا حَال الْيَمين كَمَا لَا يخفى (وخالعني على مَا فِي يَدي من الدَّرَاهِم وَلَا شَيْء) فِي يَدهَا

(لَزِمَهَا ثَلَاثَة) أَي وللأصل الْمَذْكُور فِي قَوْلهَا خالعني على مَا فِي يَدي إِلَى آخِره لَزِمَهَا ثَلَاثَة، يرد عَلَيْهِ أَن هَذَا من قبيل حمل الْجمع على أقل مراتبه لتيقنه، لَا من بَاب حمل الْجمع الْمحلي على الْعَهْد لامكانه، فَلَا وَجه لذكره هَهُنَا، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن أصل الْكَلَام إِنَّمَا كَانَ فِي أَن الْجِنْس مجَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمحلي الْمَذْكُور لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد تعذر الْحَقِيقَة، وَلَا شكّ أَن حَقِيقَة الْجمع تَقْتَضِي وجود مَا فَوق الِاثْنَيْنِ من أَفْرَاد مفرده، فَحَمله على الْجِنْس بِحَيْثُ يصدق على الْوَاحِد والاثنين، بل تَأْثِيره فِي استغراق الْآحَاد وَإِثْبَات الحكم لكل وَاحِد مِنْهَا لَا يَجْعَل الْجمع مثل الْمُفْرد من كل وَجه (وَلَا شكّ أَن تَعْرِيف الْجِنْس الَّذِي اسْتدلَّ على ثُبُوته باطباق الْعَرَب) أَي اتِّفَاقهم (على) إِرَادَة الْجِنْس من نَحْو: فلَان (يلبس البرود، ويركب الْخَيل، ويخدمه العبيد) للْقطع بِعَدَمِ الْقَصْد إِلَى عهد أَو استغراق أَو عدد، لِأَنَّهُ يُقَال فِي حق من لَا يلبس إِلَّا بردا وَاحِدًا وَلَا يركب إِلَّا فرسا وَاحِدًا، وَلَا يَخْدمه إِلَى عبد وَاحِد (هُوَ المُرَاد بالمعهود الذهْنِي) قَوْله المُرَاد الخ خَبره أَن، وَقَوله: هُوَ للفصل، والمضاف الْمَجْرُور بِالْبَاء مَحْذُوف: أَي بتعريف الْمَعْهُود الذهْنِي (إِذْ هُوَ) أَي تَعْرِيف الْمَعْهُود الذهْنِي (الْإِشَارَة إِلَى الْحَقِيقَة) الَّتِي هِيَ مُسَمّى مَدْخُول اللَّام (باعتبارها) أَي بِاعْتِبَار تِلْكَ الْحَقِيقَة، وَجعلهَا (بعض الْأَفْرَاد) أَي يشار إِلَى الْحَقِيقَة من حَيْثُ تحققها فِي ضمن فَرد مَا، لَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَلَا من حَيْثُ تحققها فِي ضمن فَرد معِين، أَو فِي ضمن كل فَرد (غير مُعينَة للعهدية الذهنية) لَا الخارجية حَيْثُ لم يعْهَد قبل بَين الْمُتَكَلّم والمخاطب ذكر فَرد وَحِصَّة مُعينَة من تِلْكَ الْحَقِيقَة، غير أَن الطبيعة الْكُلية من حَيْثُ تحققها فِي ضمن فَرد مَا أَمر مَعْلُوم مَعْهُود فِي الأذهان، فباللام يشار إِلَيْهَا من حَيْثُ أَنَّهَا مَعْلُومَة معهودة فِي ذهن الْمُخَاطب، وَلما كَانَ معلومية الْحَقِيقَة الْمُعْتَبرَة من حَيْثُ تحققها فِي ضمن الْفَرد الْمُنْتَشِر بِاعْتِبَار معلومية الطبيعة أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لجنسها) وَإِضَافَة الْجِنْس إِلَيْهَا من قبيل إِضَافَة الْمُطلق إِلَى الْمُقَيد كشجر الْأَرَاك (وَالتَّعْبِير بِالْحِصَّةِ) من الْحَقِيقَة عَن الْمَعْهُود الذهْنِي (غير جيد) لِأَن الْحصَّة إِنَّمَا هِيَ الْفَرد الْمعِين: أَو الْأَفْرَاد الْمعينَة من الطبيعة، وَأما الْفَرد الْمُنْتَشِر فَهُوَ مَفْهُوم كلي مسَاوٍ للْحَقِيقَة، كَذَا قيل وَفِيه نظر، فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه أَشَارَ إِلَى مَا قَالُوا: من أَن كل كلي بِالنِّسْبَةِ إِلَى حصصه نوع، فَأَما بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَفْرَاده فقد يكون عرضيا، فقد فرقوا بَينهمَا، وَيطْلب تَحْقِيقه فِي مَحَله من الْمَعْلُوم أَن المُرَاد هَهُنَا الْفَرد فَإِن قلت بَقِي قسم من الْمحلي لم يذكرهُ، وَهُوَ

جنس الْمشَار إِلَيْهِ من حَيْثُ هُوَ مَعَ قطع النّظر عَن تحَققه فِي ضمن فَرد قلت لم يتَعَلَّق غَرَض الأصولي بِهِ، لِأَنَّهُ من الاعتبارات الْعَقْلِيَّة الْمُنَاسبَة للاعتبارات الفلسفية، فَإِنَّهُ قد يثبت لَهُ الْأَحْكَام فِي تِلْكَ الْعُلُوم، فَلَا بَأْس بِعَدَمِ ذكره وَعدم اعْتِبَاره (وَعنهُ) أَي عَن تَعْرِيف الْجِنْس (لتعينه) أَي الْجِنْس لعدم إِمْكَان الْعَهْد والاستغراق (وَجب من) قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} جَوَاز الصّرْف لوَاحِد) يَعْنِي ثَبت الْجَوَاز الْمَذْكُور مِنْهُ ثبوتا ناشئا عَن تَعْرِيف الْجِنْس فِي الْفُقَرَاء لتعين الْجِنْس، لعدم إِمْكَان الْحمل على الْحَقِيقَة من الْعَهْد والاستغراق، أما الْعَهْد فَظَاهر، وَأما الِاسْتِغْرَاق فَلِأَنَّهُ يسْتَلْزم كَون كل صَدَقَة لكل فَقير وَلَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى جَمِيع الصَّدقَات لجَمِيع الْفُقَرَاء؟ وتقابل الْجمع بِالْجمعِ يقتضى انقسام الْآحَاد على الْآحَاد لأَنا نقُول: لَيْسَ هَذَا معنى الِاسْتِغْرَاق، إِذْ مفاده ثُبُوت الحكم لكل فَرد لَا للمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع، وَلَو سلم، فالمطلوب حَاصِل وَهُوَ جَوَاز صرف الزَّكَاة إِلَى فَقير وَاحِد، لكنه لَا يكون حِينَئِذٍ من تَعْرِيف الْجِنْس لتعينه، وَفِيه مَا فِيهِ (وتنصف الْمُوصي بِهِ لزيد وللفقراء) فَنصف لَهُ، وَنصف لَهُم مَعْطُوف على وَجب: أَي وَعَن تَعْرِيف الْجِنْس وَكَون اللَّام لَهُ لتعينه تنصف الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ يُرَاد حِينَئِذٍ جنس الْفَقِير المُرَاد مِنْهُ الْمَعْهُود الذهْنِي الَّذِي هُوَ الْفَرد الْمُنْتَشِر، فَكَأَنَّهُ أوصى للاثنين: زيد وفقير (وَأجْمع على الْحِنْث بفرد فِي الْحلف) على أَنه (لَا يتَزَوَّج النِّسَاء و) الْحلف على أَنه (لَا يَشْتَرِي العبيد) فَقَوله: وَأجْمع أَيْضا مَعْطُوف على وَجب، فَإِنَّهُ أَيْضا من فروع تَعْرِيف الْجِنْس لتعينه بِدَلِيل إِجْمَاع الْعلمَاء على حنث الْحَالِف بتزوج امْرَأَة وَاحِدَة فِي الأولى، وَشِرَاء عبد وَاحِد فِي الثَّانِيَة، فلولا المُرَاد بِالنسَاء وَالْعَبِيد الْجِنْس لما حنث (الْأَبْنِيَة الْعُمُوم) فِي المنفى لَا النَّفْي، اسْتثِْنَاء من عُمُوم الْأَحْوَال: أَعنِي أَجمعُوا على الْحِنْث بِمَا ذكر فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا عِنْد مَا يَنْوِي الْحَالِف منع نَفسه عَن تزوج كل النِّسَاء، وَشِرَاء كل العبيد لَا عَن الْبَعْض مِنْهُمَا (فَلَا يَحْنَث أبدا) لِأَن تزوج كل النِّسَاء وَشِرَاء كل العبيد محَال (قَضَاء وديانة) لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه، كَذَا قيل، وَيرد عَلَيْهِ أَن يقتضى الْكَلَام السَّابِق أَن رفع الْإِيجَاب الْكُلِّي لَيْسَ حَقِيقَة الْجمع الْمحلي الْوَاقِع فِي سِيَاق النَّفْي، لِأَن الرّفْع الْمَذْكُور فِي قُوَّة السَّلب الجزئي فَلَا استغراق حِينَئِذٍ وَلَا عهد، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن الِاسْتِغْرَاق مَوْجُود فِي الْإِيجَاب الَّذِي هُوَ مورد النَّفْي وَإِن لم يُوجد فِي النَّفْي، وَفِيه نظر (وَقيل) لَا يَحْنَث (ديانَة) وَيحنث قَضَاء (لِأَنَّهُ) أَي قَوْله لَا يتَزَوَّج النِّسَاء وَلَا يَشْتَرِي العبيد عِنْد إِرَادَة الْعُمُوم (كالمجاز) فِي الِاحْتِيَاج إِلَى الْقَرِينَة لعروض الِاشْتِرَاك إِن قُلْنَا أَن مثله يسْتَعْمل حَقِيقَة فِي عُمُوم النَّفْي، وَنفي الْعُمُوم، ومجازا إِن قُلْنَا حَقِيقَته عُمُوم النَّفْي بِدَلِيل التبادر إِلَى الْفَهم، وَلِهَذَا (لَا ينَال) الْعُمُوم الْمَذْكُور (إِلَّا بِالنِّيَّةِ) كَمَا هُوَ شَأْن الْمجَاز وَمَا يجْرِي مجْرَاه،

وَقيل المُرَاد بِالْإِجْمَاع الْمَذْكُور إِجْمَاع مَشَايِخنَا، فقد ذكر الرَّافِعِيّ رَحمَه الله فِي هذَيْن الفرعين أَنه يَحْنَث بتزوج ثَلَاث نسْوَة، وَشِرَاء ثَلَاثَة أعبد (وَمِنْه) أَي من تَعْرِيف الْجِنْس بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (لَا من) تَعْرِيف (الْمَاهِيّة) من حَيْثُ هِيَ كَمَا قيل (شربت المَاء، وأكلت الْخبز وَالْعَسَل) كَانَ (كأدخل السُّوق) لِأَن الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ اعْتِبَار عَقْلِي مَحْض، لَا تشرب وَلَا تُؤْكَل، وَلَا تدخل، وَإِنَّمَا قَالَ كأدخل السُّوق إِشَارَة إِلَى أَن كَون اللَّام فِيهِ للْعهد الذهْنِي أَمر مُسلم والمذكورات مثله، فَلَا يَنْبَغِي أَن يناقش فِيهَا أَيْضا (وَهَذَا) الَّذِي يشرع فِيهِ (اسْتِئْنَاف) وابتدأ كَلَام لَا من تَتِمَّة الْكَلَام السَّابِق وَإِن كَانَ لَهُ نوع تعلق بِهِ (اللَّام) الموضوضة (للتعريف) حَقِيقَتهَا (الْإِشَارَة إِلَى المُرَاد بِاللَّفْظِ) إِشَارَة عقلية، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله للتعريف خبر الْمُبْتَدَأ، وَقَوله الْإِشَارَة بَدَلا مِنْهُ سَوَاء كَانَ ذَلِك المُرَاد (مُسَمّى) بِأَن وضع اللَّفْظ بإزائه (أَولا) بِأَن كَانَ معنى مجازيا، وَالْمرَاد الْإِشَارَة من حَيْثُ أَنه مَعْلُوم الْمُخَاطب وَإِلَّا فالإشارة إِلَى نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن معلوميته متحققة فِي النكرَة أَيْضا بِمُقْتَضى الْوَضع أَو الْقَرِينَة، غير أَنه لَا يشار إِلَى معلوميته وَإِن كَانَ مَعْلُوما فِي نفس الْأَمر للمخاطب (فالمعرف فِي) مر عَليّ أَشْجَع النَّاس (فأكرمت الْأسد الرجل) الشجاع (وَإِنَّمَا تدخل) لَام التَّعْرِيف (النكرَة) لَا الْمعرفَة لاستغنائها عَنْهَا (ومسماها) أَي النكرَة (بِلَا شَرط فَرد) مَا من الْمَفْهُوم الْكُلِّي الَّذِي يدل عَلَيْهِ (بِلَا زِيَادَة) من أَمر وجودي أَو عدمي: يَعْنِي مَاهِيَّة الْفَرد الْمُنْتَشِر لَا بِشَرْط شَيْء لَا مَاهِيَّة بِشَرْط شَيْء أَو بِشَرْط لَا شَيْء، وَإِنَّمَا قَالَ بِلَا شَرط، لِأَن مُسَمّى النكرَة بِشَرْط كَونه فِي سِيَاق النَّفْي كل فَرد وَلَا فَرد مَا (فَعدم التَّعْيِين) فِي مُسَمّى النكرَة (لَيْسَ جُزْءا لمعناها وَلَا شرطا) كَمَا يُوهم التَّعْبِير عَنهُ بفرد مَا وبالفرد الْمُنْتَشِر، وَإِلَّا لامتنع تحَققه مَعَ التَّعْيِين (فاستعملت فِي الْمعِين عِنْد الْمُتَكَلّم لَا السَّامع حَقِيقَة لصدق) مَفْهُوم (الْمُفْرد) يَعْنِي النكرَة إِذا اسْتعْملت فِي فَردهَا الَّذِي هُوَ معِين عِنْد الْمُتَكَلّم غير معِين عِنْد السَّامع، فَهِيَ بِاعْتِبَار هَذَا الِاسْتِعْمَال حَقِيقَة لصدق مَا وضعت لَهُ على الْمُسْتَعْمل فِيهِ، لَا أَنه يسْتَعْمل دَائِما فِي الْمعِين عِنْده لجَوَاز عدم تعْيين مَا اسْتعْملت فِيهِ عِنْد الْمُتَكَلّم أَيْضا كَمَا إِذا قَالَ: جَاءَنِي رجل وَهُوَ لَا يعرفهُ بِعَيْنِه (فَإِن نسبت إِلَيْهِ بعده) أَي إِن نسبت الْمُتَكَلّم الْمَذْكُور لذَلِك الْفَرد الْغَيْر الْمعِين شَيْئا بعد ذَلِك الِاسْتِعْمَال، والمخاطب هُوَ السَّامع الْمَذْكُور (عرفت) تِلْكَ النكرَة فِي خطابه الثَّانِي بِاللَّامِ حَال كَونه (معهودا) بَين الْمُتَكَلّم والمخاطب بِمَا سبق ذكره، وَلَو على سَبِيل الْإِبْهَام، فَعلم أَن التَّعْرِيف العهدي لَا يسْتَلْزم التَّعْيِين الشخصي، بل يَكْفِي فِيهِ تعين مَا (يُقَال) للْعهد الْمَذْكُور معهودا عهدا (ذكريا وخارجيا) صفة أُخْرَى، أما كَونه ذكريا فلسبق ذكره، وَأما كَونه

خارجيا فلمعهوديته فِي خَارج هَذِه الملاحظة الكائنة فِي هَذَا التخاطب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أَي مَا عهد من السَّابِق) فَقَوله: مَا عهد تَفْسِير للمعهود، وَقَوله: من السَّابِق تَفْسِير لقَوْله خارجيا، فَإِن مَا عهد فِي الزَّمَان السَّابِق لَا جرم يكون خارجيا عَن الملاحظة الخالية، وَكلمَة من ابتدائية لبَيَان مبدأ الْعَهْد (وَلَو) كَانَ الْمشَار إِلَيْهِ بِاللَّامِ معينا عِنْد التخاطب لما يُوجب ذَلِك من قرينَة أَو دوَام حُضُور فِي الذِّهْن إِلَى غير ذَلِك (غير مَذْكُور) بَينهَا (خص) ذَلِك الْمعِين الْغَيْر الْمَذْكُور (بالخارجي) أَي بالمعهود الْخَارِجِي، وَلَا يُقَال لَهُ الذكرى الْخَارِجِي كَقَوْلِه تَعَالَى {إِذْ هما فِي الْغَار} فَإِن الْغَار مَعْلُوم مُتَعَيّن عِنْد المخاطبين من غير سبق ذكر (وَإِذا دخلت) اللَّام الِاسْم (الْمُسْتَعْمل فِي غَيره) أَي فِي الْفَرد الْغَيْر الْمعِين عِنْد الْمُتَكَلّم وَالسَّامِع (عرفت معهودا ذهنيا) لكَون الْمشَار إِلَيْهِ أمرا ذهنيا غير مُتَعَيّن فِي الْخَارِج (وَيُقَال) للتعريف الْحَاصِل مِنْهَا حِينَئِذٍ (تَعْرِيف الْجِنْس أَيْضا) كَمَا يُقَال: تَعْرِيف الْعَهْد الذهْنِي (لصدق) الْفَرد (الشَّائِع على كل فَرد) من أَفْرَاد الْجِنْس (وَإِذا أُرِيد بهَا كل الْأَفْرَاد) أَي النكرَة بِأَن يشار بِاللَّامِ إِلَى الْحَقِيقَة من حَيْثُ تحققها فِي ضمن كل فَرد (عرفت الِاسْتِغْرَاق) أَي عرفت النكرَة تَعْرِيف الِاسْتِغْرَاق، فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه فأعرب بإعرابه (أَو) أُرِيد بهَا (الْحَقِيقَة) من حَيْثُ هِيَ (بِلَا اعْتِبَار فَرد) وَقطع النّظر عَن اعْتِبَار تحققها فِي الْخَارِج فِي ضمن فَرد (فَهِيَ) أَي اللَّام (لتعريف الْحَقِيقَة والماهية كَالرّجلِ خير من الْمَرْأَة) لِأَنَّهُ لَا الْتِفَات فِي تَفْضِيل جنس الرجل على جنس الْمَرْأَة إِلَى الْفَرد، لِأَنَّهُ لَا يُرَاد أَن فَردا مَا مِنْهُ خير من فَرد مَا مِنْهَا، وَلَا أَن كل فَرد مِنْهُ خير من كل فَرد مِنْهَا فَإِن قلت إِذا قطع النّظر عَن الْفَرد مُطلقًا لزم الحكم بخيرية اعْتِبَار عَقْلِي من اعْتِبَار عَقْلِي آخر قلت لَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ تَرْجِيح لجنس مَوْجُود فِي الْخَارِج على جنس مَوْجُود فِيهِ، غَايَة الْأَمر عدم الْتِفَات الْحَاكِم إِلَى وجودهما وفردهما فِي الْخَارِج، وَعدم اعْتِبَار وجود الشَّيْء فِي نظر الْعقل لَا يسْتَلْزم عدم وجوده فِي نفس الْأَمر (غير أَنه) أَي الشَّأْن قد (يخال) أَي يظنّ (أَن الِاسْم) الَّذِي دَخلته اللَّام (حِينَئِذٍ مجَاز فيهمَا) أَي فِي الِاسْتِغْرَاق والحقيقة (لِأَنَّهُ) أَي الِاسْم الْمَذْكُور (لَيْسَ) مَوْضُوعا (للاستغراق وَلَا للماهية) من حَيْثُ هِيَ، بل للفرد والمنتشر للماهية (وَلَا اللَّام) مَوْضُوعَة للْإِشَارَة إِلَى كل فَرد، وَلَا للْإِشَارَة إِلَى الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ، لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة للْإِشَارَة إِلَى مَا وضع لَهُ مدخوله، وَقد عرفت عدم وَضعه لشَيْء مِنْهَا (وَلَكِن تبادر الِاسْتِغْرَاق) فِي الاطلاقات (عِنْد عدم الْعَهْد يُوجب وَضعه لَهُ) أَي وضع الِاسْم للاستغراق أَي (بِشَرْط اللَّام) قيد للوضع لظُهُور عدم تبادره من الِاسْم الْمَذْكُور إِذا لم يكن مَدْخُول اللَّام (كَمَا قدمنَا) فِي

ذيل الْكَلَام على تَعْرِيف الْعَام (وَأَنه) أَي عدم الْعَهْد (الْقَرِينَة) لإِرَادَة بعض الْمعَانِي الَّتِي وضع الْمحلى بِإِزَاءِ كل مِنْهَا على سَبِيل الِاشْتِرَاك (وَلَو أَرَادَهُ) أَي عدم كَون الْعَهْد قرينَة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (قَائِل أَن الِاسْتِغْرَاق) يفهم (من الْمقَام) كالسكاكي (صَحَّ) مَا أَرَادَهُ (بِخِلَاف الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ) فَإِنَّهَا (لم تتبادر) من الْمُعَرّف بِاللَّامِ (فتعريفها) أَي الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ (تَعْلِيق معنى حَقِيقِيّ للام) وَهُوَ الْإِشَارَة إِلَى مَعْلُوم مَعْهُود (بمجازى) أَي بِمَعْنى مجازى (للاسم، فَاللَّام فِي الْكل) أَي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة (حَقِيقَة لتحَقّق مَعْنَاهَا الْإِشَارَة) بِالْجَرِّ بدل من مَعْنَاهَا (فِي كل) من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة (واختلافه) أَي تنوع مَعْنَاهَا على الْوُجُوه الْأَرْبَعَة (لَيْسَ إِلَّا لخُصُوص) من (الْمُتَعَلّق) الْمشَار إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي معنى حرفي وَنسبَة فيختلف باخْتلَاف الْمُتَعَلّق (فَظهر) من هَذَا الْبَيَان (أَي خصوصيات التعريفات) الْحَاصِلَة من اللَّام كل وَاحِد مِنْهَا (تَابع لخصوصيات المرادات ب) مَدْخُول (اللَّام) من الْفَرد الْمعِين، أَو الشَّائِع، أَو كل الْأَفْرَاد أَو الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ (والمعين) لوَاحِد مِنْهَا بِخُصُوصِهِ (الْقَرِينَة) بِحَسب المقامات (فَمَا قيل الرَّاجِح مُطلقًا) الْعَهْد (الْخَارِجِي ثمَّ الِاسْتِغْرَاق لندرة إِرَادَة الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ، والمعهود الذهْنِي يتَوَقَّف على قرينَة) للبعضية والاستغراق هُوَ الْمَفْهُوم من الاطلاق حَيْثُ لَا عهد فِي الْخَارِج، وَالْقَائِل الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَغَيره (غير مُحَرر) خبر مَا قيل، فِي الْقَامُوس تَحْرِير الْكتاب وَغَيره: تقويمه وَالْمعْنَى غير مُبين على وَجه يَسْتَقِيم بخلوصه عَن الِاعْتِرَاض الَّذِي يُوجب العوج (فَإِن الْمُرَجح عِنْد إِمْكَان كل من اثْنَيْنِ فِي الْإِرَادَة الأكثرية) لأَحَدهمَا (اسْتِعْمَالا) يَعْنِي إِذا أطلق لفظ لَهُ مَعْنيانِ، وَيصِح فِي ذَلِك الْمقَام إِرَادَة كل مِنْهُمَا فَلَا يتَعَيَّن أَحدهمَا مرَادا، فَإِن كَانَ أَحدهمَا بِحَيْثُ يسْتَعْمل اللَّفْظ فِيهِ أَكثر تكون أكثريته بِحَسب الِاسْتِعْمَال مرجحا لإرادته (أَو فَائِدَة) مَعْطُوفًا على قَوْله اسْتِعْمَالا، فهما تمييزان عَن نِسْبَة الأكثرية أَحدهمَا، فَإِن أصل التَّرْكِيب أكثرية أَحدهمَا، حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَعوض عَنهُ اللَّام (وَلَا خَفَاء فِي أَن نَحْو: جَاءَنِي عَالم، فَأكْرم الْعَالم زِيَادَة الْفَائِدَة) فِيهِ إِنَّمَا يتَحَقَّق (فِي الِاسْتِغْرَاق، حَيْثُ يكرم الجائي) الْمَذْكُور الْمَقْصُود إكرامه أَصَالَة (ضمن الْعُمُوم) حَال عَن الجائي وَإِن كَانَ الْأَظْهر كَونه ظرفا ليكرم، لِأَن تَقْدِير فِي فِي ظروف الْمَكَان مَحْدُود بِمَا عرف فِي مَحَله وَحَاصِله أَن إِرَادَة الْعُمُوم والاستغراق يُفِيد أَمر الْمُخَاطب بإكرام الجائي مَعَ زِيَادَة أمره بإكرام كل عَالم سواهُ (بِخِلَاف تَقْدِيم) الْعَهْد (الْخَارِجِي) وترجيحه بِأَن يحمل الْعَالم على الْعَالم الْمَذْكُور الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الجيئية (فَإِنَّهُ) أَي الْكَلَام الْمَذْكُور (يكون) حِينَئِذٍ (أمرا بإكرام الجائي فَقَط) دون غَيره من الْعلمَاء (وَلذَا) أَي لأكثرية الْفَائِدَة (قدم)

الِاسْتِغْرَاق (على) الْعَهْد (الذهْنِي إِذا أمكنا) أَي الِاسْتِغْرَاق والعهد الذهْنِي (وَظهر مِمَّا ذكرنَا) من أَن اللَّام للْإِشَارَة إِلَى المُرَاد بِاللَّفْظِ، وَمن أَن خصوصيات التعريفات تَابع لخصوصيات المرادات من مَدْخُول اللَّام إِلَى آخِره (أَن لَيْسَ تَعْرِيف الِاسْتِغْرَاق والعهد الذهْنِي من فروع) تَعْرِيف (الْحَقِيقَة كَمَا قيل) إِذْ لَو كَانَ من فروعها لم تكن الْإِشَارَة بهَا إِلَى المُرَاد بِاللَّفْظِ على الْإِطْلَاق، إِذْ المُرَاد بِهِ قد يكون نفس الْحَقِيقَة وَقد يكون نفس الْحَقِيقَة من حَيْثُ تحققها فِي ضمن الْأَفْرَاد كلا أَو بَعْضًا على مَا سبق وَلم يكن تَابعا لتِلْك الخصوصيات، بل كَانَ تَابعا لنَفس الْحَقِيقَة لكَون الْإِشَارَة فِي الْكل إِلَى نفس الْحَقِيقَة على ذَلِك التَّقْدِير، فَإِن معنى تبعيتها للخصوصيات أَن يكون تعين كل خُصُوصِيَّة مِنْهَا بِاعْتِبَار كَونهَا إِشَارَة إِلَى خُصُوصِيَّة المُرَاد (وَلَا أَن اللَّام لَيست إِلَّا لتعريف الْحَقِيقَة) وَبَاقِي الْأَقْسَام من فروعه (كَمَا نسب إِلَى الْمُحَقِّقين) قَوْله كَمَا قيل كَمَا نسب خبران لمَحْذُوف تَقْدِيره: وَهَذَا القَوْل كَمَا قيل كَمَا نسب (غير أَن حاصلها) أَي حَاصِل التعريفات الْحَاصِلَة بِاللَّامِ (أَرْبَعَة أَقسَام فذكروها) أَي هَذِه الْأَقْسَام على وَجه يُوهم أَنَّهَا أَقسَام تَعْرِيف الْحَقِيقَة (تسهيلا) للضبط (بل الْمُعَرّف لَيْسَ إِلَّا المُرَاد بِالِاسْمِ) سَوَاء اسْتعْمل فِيهِ حَقِيقَة أَو مجَازًا (وَلَيْسَت الْمَاهِيّة مُرَادة دَائِما، وَكَونهَا جُزْء المُرَاد لَا يُوجب أَنَّهَا المُرَاد الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الْأَحْكَام فِي التَّرْكِيب) وَهُوَ الملتفت بِالذَّاتِ، والجزء إِنَّمَا يقْصد ضمنا بالتبع، أَشَارَ بقوله دَائِما فِي سِيَاق النَّفْي إِلَى أَنَّهَا قد ترَاد فِي بعض الاستعمالات مجاراة للخصم، ثمَّ نفى كَونهَا مُرَادة بِالْكُلِّيَّةِ بقوله (على أَنَّهَا) أَي الْمَاهِيّة (لم ترد) من حَيْثُ كَونهَا (جُزْءا) من الْمُسَمّى لتَكون اللَّام إِشَارَة إِلَى الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ، إِذْ التَّحْقِيق أَن الْمُسَمّى إِنَّمَا هِيَ الْحَقِيقَة الْمقيدَة بالوحدة الْمُطلقَة كَمَا سيشير إِلَيْهِ (بل) إِنَّمَا أريدت عِنْد كَون اللَّام للْحَقِيقَة على أَنَّهَا كل) أَي تَمام مَا وضع لَهُ اللَّفْظ (فَإِنَّهَا إِنَّمَا أريدت) عِنْد ذَلِك (مُقَيّدَة بِمَا يمْنَع الِاشْتِرَاك، وَهُوَ) التعين الْمُطلق، وَمنعه الِاشْتِرَاك بِاعْتِبَار مَا صدق عَلَيْهِ، وَذَلِكَ: أَي الْمقيدَة بِمَا يمْنَع الِاشْتِرَاك (نفس الْفَرد، وَهُوَ) أَي الْفَرد (المُرَاد بالتعريف) الْمشَار إِلَيْهِ بأدلته (وَالِاسْم) أَي وَأَيْضًا هُوَ المُرَاد بِالِاسْمِ الْمَدْخُول للام (وَالْمَجْمُوع) من الْمَاهِيّة والقيد (غير أَحدهمَا) فَلَا يكون المُرَاد بالتعريف وَالِاسْم الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ فحاصل هَذَا التَّحْقِيق ردقولهم فِي لَام الْحَقِيقَة إِنَّهَا إِشَارَة إِلَى الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ، فَإِن الْإِشَارَة فِي الرجل خير من الْمَرْأَة إِلَى الْمَاهِيّة الْمقيدَة بِالتَّعْيِينِ الْمُطلق، لَا الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ، والماهية من حَيْثُ هِيَ من الاعتبارات الْعَقْلِيَّة لَا تُوصَف بالخيرية، وَمثل الْإِنْسَان نوع من الاعتبارات الفلسفية لَا يلْتَفت إِلَيْهَا فِي كَلَام الْعَرَب، وَالْفرق حِينَئِذٍ بَين لَام الْحَقِيقَة وَلَام الِاسْتِغْرَاق، والعهد الذهْنِي أَنَّهَا ساكتة عَن بَيَان كَون الْمَاهِيّة

متحققة فِي ضمن الْكل أَو الْبَعْض وَالله أعلم. (هَذَا وَحين صَار الْجمع مَعَ اللَّام كالمفرد) لإبطال اللَّام الجنسي معنى الجمعية على مَا مر (كَانَ تقسيمه) أَي الْجمع (مثله) أَي مثل تَقْسِيم الْمُفْرد (إِلَّا أَن كَونه) أَي الْجمع (مجَازًا عَن الْجِنْس يبعد، بل) هُوَ (حَقِيقَة لكل) من الِاسْتِغْرَاق وَالْجِنْس للْفرق بَين صِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْمُفْرد بِاعْتِبَار أصل الْوَضع. فَإِن الْمُفْرد فِي الأَصْل مَوْضُوع للفرد، وَالْجمع للأفراد، فَنَاسَبَ كَونه حَقِيقَة عِنْد إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق، لِأَن جَمِيع الْأَفْرَاد مِمَّا يصدق عَلَيْهِ حَقِيقَته الْأَصْلِيَّة، وَعند إبِْطَال جمعيته ناسب إِرَادَة الْجِنْس مِنْهُ مُجَردا عَن قيد الْوحدَة لتجرده عَن الْعدَد بِاعْتِبَار وضع ثَان لَهُ عِنْد دُخُول اللَّام، ثمَّ أَشَارَ إِلَى دَلِيل الْحَقِيقَة بقوله (للفهم) يَعْنِي يفهم مِنْهُ كل من الْمَعْنيين من غير حَاجَة إِلَى قرينَة، وَهَذَا عَلامَة الْحَقِيقَة (كَمَا ذكرنَا فِي نَحْو الْأَئِمَّة من قُرَيْش) من إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق (و) فِي نَحْو (يَخْدمه العبيد) من إِرَادَة الْجِنْس (وَمَا لَا يُحْصى) من الْأَمْثِلَة (وَأما النكرَة فعمومها فِي النَّفْي ضَرُورِيّ) وَقد سبق بَيَانه (وَكَذَا) عمومها ضَرُورِيّ (فِي الشَّرْط الْمُثبت) حَال كَونه (يَمِينا) (لِأَن الْحلف) فِي الشَّرْط الْمَذْكُور (على نَفْيه) أَي نفي مَضْمُون الشَّرْط، فَفِي قَوْله إِن كلمت رجلا، فَأَنت طَالِق الْمَحْلُوف عَلَيْهِ نفي الْكَلَام، لِأَنَّهُ الْمَطْلُوب من الْحلف، فَبِهَذَا الِاعْتِبَار قَوْله رجلا نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي (لَا الْمَنْفِيّ) عطف على الْمُثبت فَلَا عُمُوم لَهَا فِيهِ (كَأَن لم أكلم رجلا) فَهِيَ طَالِق (لِأَنَّهُ) أَي الْحلف فِي الشَّرْط الْمَنْفِيّ (على الْإِثْبَات) أَي إِثْبَات مَضْمُون الشَّرْط، وَلَا عُمُوم لَهَا فِي الْإِثْبَات من غير قرينَة الْعُمُوم كَأَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْمِثَال (لأُكلمَن رجلا) وَلذَا قَالُوا: الْيَمين فِي الْإِثْبَات للْمَنْع وَالنَّهْي: وَهُوَ كالنفي، وَفِي النَّفْي للْحَمْل على إِيقَاع مَضْمُون الشَّرْط، وَهُوَ لَا يقتضى الْعُمُوم (وَلَا يبعد فِي غير الْيَمين قصد الْوحدَة) إِذا وَقعت فِيهِ فَإِن الْوحدَة مُعْتَبرَة فِي مَفْهُوم النكرَة لِأَنَّهَا الْمَاهِيّة الْمقيدَة بالوحدة الْمُطلقَة، فقد يكون منَاط الحكم الْمُقَيد فِي الْمُقَيد بِهِ كَمَا (فِي مثل إِن جَاءَك رجل فأطعمه فَلَا تعم) فِيهِ إِذْ حَال كَون الْوحدَة مرَادا للمتكلم فَلَا يطعم إِذا جَاءَ أَكثر من رجل وَاحِد (وَفِي غَيرهمَا) أَي فِي غير الْمَنْفِيّ الصَّرِيح وَالشّرط الْمُثبت الَّذِي بِمَعْنَاهُ (إِن وصفت بِصفة عَامَّة) وَفسّر عمومها بقوله (أَي لَا تخص فَردا) بِأَن تحققت فِي أَكثر من وَاحِد نَحْو: جَالس رجلا يدْخل دَاره وَحده قبل كل أحد (عَمت كلعبد مُؤمن خير، وَقَول مَعْرُوف خير) فَإِن كلا من الصفتين لَا يخْتَص بهَا وَاحِد، ثمَّ أَنَّهَا تعم (مَا لم يتَعَذَّر) الْعُمُوم فَإِن تعذر لَا تعم (كلقيت رجلا عَالما) فَإِنَّهُ وصف بِصفة عَامَّة، لكنه مُتَعَذر لقاؤه كل عَالم عَادَة (وَوَاللَّه لَا أجالس إِلَّا رجلا عَالما) فَإِن مَا بعد الِاسْتِثْنَاء فِي غير الْمُوجب إِثْبَات، وَقد وصف بِصفة عَامَّة غير أَنه تعذر الْعُمُوم عَادَة وَلم يقْصد بِهِ الوجدة بِقَرِينَة الصّفة الْعَامَّة، فَلِذَا قَالَ (لَهُ مجالسة

كل عَالم جمعا وَتَفْرِيقًا) فَلَا يَحْنَث بمجالسته الْعَالمين أَو الْعلمَاء كَمَا لَا يَحْنَث بمجالسة عَالم وَاحِد، وَهَذَا بِخِلَاف (وَوَاللَّه لَا أجالس إِلَّا رجلا غير مُقَيّد) بِصفة عَامَّة (يَحْنَث برجلَيْن، قيل الْفرق) بَين هَاتين المسئلتين (أَن الِاسْتِثْنَاء بِمَا يصدق على الشَّخْص) الْوَاحِد (لَا يتَنَاوَل إِلَّا وَاحِدًا) لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مُسْتَغْرق جَمِيع مَا يصلح لَهُ فَلَا يحكم بِخُرُوج شَيْء مِنْهُ إِلَّا بِقدر مَا يَقْتَضِيهِ الِاسْتِثْنَاء، وَمُقْتَضَاهُ أدنى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم الْمُسْتَثْنى (فَإِذا وصف) الِاسْم النكرَة الْمُسْتَثْنى (بعام ظهر الْقَصْد إِلَى وحدة النَّوْع) كَانَ قبل الْوَصْف يحمل الْوحدَة على وحدة الشَّخْص، فصرف الْوَصْف الْعَام عَن وحدة إِلَى وحدة، وَقيل يَنْبَغِي أَن يُقَال وصف عَام لَا يزاحمه وصف يُنَافِي الْعُمُوم، نَحْو: لَا أكلم إِلَّا رجلا كوفيا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يمْتَنع فِيهِ الْعُمُوم، وَتَركه المُصَنّف لظُهُوره (وَزِيَادَة) قيد آخر على الْوَصْف الْعَام كَمَا فِي التَّلْوِيح، وَهُوَ (بِقَرِينَة كَونه) أَي الْوَصْف (مِمَّا يَصح تَعْلِيل الحكم بِهِ نقص) خبر زِيَادَة وَلَا يخفى لطفه، بل الصَّوَاب أَن لَا يُزَاد، لِأَن هَذَا الحكم بِعَيْنِه ثَابت فِيمَا لَو قَالَ: لَا أجالس إِلَّا جَاهِلا مَعَ أَنه لَا يصلح التَّعْلِيل بِهِ عِنْد الْعقل (وَحَاصِله) أَي حَاصِل اسْتِعْمَالهَا فِي غير النَّفْي (أَنَّهَا فِي الْإِثْبَات تعم بِقَرِينَة لَا تَنْحَصِر فِي الْوَصْف) صفة للقرينة أَو اسْتِئْنَاف لبيانها (بل يكثر) أَي يكثر تحققها فِي ضمن الْوَصْف (وَقد يظْهر عمومها من الْمقَام وَغَيره: كعلمت نفس، وَتَمْرَة خير من جَرَادَة) فَإِن الْمقَام قرينَة على أَنه لَيْسَ علم النَّفس بِمَا قدمت وأخرت أمرا يخْتَص بِأحد دون أحد، وَكَذَا: خيريه تَمْرَة، وَهُوَ أثر رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم (وَأكْرم كل رجل) وَهَذَا مِثَال لغير الْمقَام، وَهُوَ لفظ كل (و) أكْرم (رجلا لَا امْرَأَة) فَإِن نفى الْمَرْأَة فِي الْمُقَابلَة يدل على أَن الْإِكْرَام مَنُوط بِوَصْف الرجلية أَيْنَمَا وجد، والتخصيص بِالْبَعْضِ تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح (وَهِي) أَي النكرَة (فِي غير هَذِه) الْمَوَاضِع (مُطلقَة) أَي دَالَّة على فَرد غير معِين على سَبِيل الْبَدَل كَأَن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة كَمَا يقتضية الْوَضع لَا تعرض فِيهَا لعُمُوم وَلَا خُصُوص (وَمن فروعها إِعَادَتهَا) أَي مِمَّا يفرع على النكرَة أَحْكَام إِعَادَتهَا معرفَة: أَي ونكرة (وَكَذَا الْمعرفَة) أَي من فروعها إِعَادَتهَا معرفَة ونكرة، فَالْمُرَاد بِالْإِعَادَةِ تَكْرِير اللَّفْظ الأول إِمَّا مَعَ كَيْفيَّة من التَّعْرِيف والتنكير أَو بِدُونِهَا (وَيلْزم كَون تَعْرِيفهَا) أَي تَعْرِيف الْمعرفَة (بِاللَّامِ أَو الْإِضَافَة فِي إِعَادَتهَا) أَي فِي إِعَادَة تِلْكَ الْمعرفَة (نكرَة) مفعول للإعادة. قَالَ الشَّارِح وَفِي إِعَادَة النكرَة معرفَة أَيْضا، ثمَّ الْأَقْسَام الممكنة أَرْبَعَة: إِعَادَة الْمعرفَة معرفَة، والنكرة نكرَة، والمعرفة نكرَة، وَعَكسه (وَضَابِط الْأَقْسَام) بِاعْتِبَار الْأَحْكَام أَن يُقَال (أَن نكر الثَّانِي فَغير الأول) أَي فَالْمُرَاد بِالثَّانِي غير المُرَاد بِالْأولِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُنَاسب تَعْرِيفه بِاللَّامِ

أَو الْإِضَافَة بِنَاء على كَونه معهودا سَابِقًا ذكره (أَو عرف فعينه) كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا} -، وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لن يغلب عسر يسرين فَإِن مَعَ الْعسر يسرا ". (وَهُوَ) أَي الضَّابِط الْمَذْكُور (أكثري) لَا كلي، لِأَنَّهُ قد تُعَاد النكرَة نكرَة عين الأولى كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} -، وتعاد النكرَة معرفَة غير الأولى كَقَوْلِه تَعَالَى - {زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب} - كَذَا قيل، وَفِيه نظر، وتعاد الْمعرفَة معرفَة غير الأولى كَقَوْلِه تَعَالَى - {وأنزلنا إِلَيْك الْكتاب مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من الْكتاب} -، ونكرة عين الأول كبيت الحماسة: صفحنا عَن بني ذهل وَقُلْنَا الْقَوْم إخْوَان عَسى الْأَيَّام أَن يرجع ن قوما كَالَّذي كَانُوا (فينبني عَلَيْهِ) أَي على هَذَا الأَصْل (إِقْرَاره بِمَال مُقَيّد بالصك) وَهُوَ كتاب الْإِقْرَار بِالْمَالِ وَغَيره، مُعرب (و) إقراه بِمَال (مُطلق) كل من المسئلتين (مَعْرُوفَة عِنْد الْحَنَفِيَّة غير إِقْرَاره بمقيد) أَي غير مَعْرُوف عِنْدهم إِقْرَاره بِمَال مُقَيّد بالصك فِي مجْلِس (ثمَّ) إِقْرَاره (فِي) مجْلِس (آخر) مُقَيّدا بالصك (بِهِ) أَي بِالْمَالِ (مُنْكرا وَقَلبه) أَي وَغير مَعْرُوف أَيْضا إِقْرَاره بِمَال مُنكر فِي مجْلِس، ثمَّ بِهِ فِي مجْلِس آخر مُقَيّدا بالصك، فَإِن حكم هَاتين المسئلتين غير مَعْرُوف نقلا عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله وصاحبيه، وَإِنَّمَا (خرج وجوب مالين عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله) فِي الأولى (و) وجوب (مَال) وَاحِد فِي الثَّانِيَة (اتِّفَاقًا) نقل عَن المُصَنّف أَنه لخص شرح هَذِه الْجُمْلَة، فَقَالَ: فالمنقول أَنه إِذا أقرّ بِأَلف فِي هَذَا الصَّك ثمَّ أقرّ بهَا كَذَلِك فِي مجْلِس آخر عَن شُهُود آخَرين كَانَ اللَّام ألفا وَاحِدَة بِنَاء على إِعَادَة الْمعرفَة، وَلَو أقرّ بِأَلف مُطلق عَن الصَّك غير مُقَيّد بِسَبَب، ثمَّ فِي مجْلِس آخر بِأَلف كَذَلِك قَالَ أَبُو حنيفَة تلْزمهُ أَلفَانِ بِنَاء على إِعَادَة النكرَة نكرَة كَمَا لَو كتب صكين كلا بِأَلف وَأشْهد على كل شَاهِدين، وَعِنْدَهُمَا تلْزمهُ ألف وَاحِدَة للْعُرْف على تكْرَار الْإِقْرَار للتَّأْكِيد، وَلَو اتَّحد الْمجْلس فِي هَذِه لزمَه ألف وَاحِدَة اتِّفَاقًا فِي تَخْرِيج الْكَرْخِي لجمع الْمجْلس المتفرقات، وَلَو أقرّ بِأَلف مُقَيّد بالصك عِنْد شَاهِدين، ثمَّ فِي آخر عِنْد آخَرين بِأَلف مُنكر خرج لُزُوم أَلفَيْنِ على قَول أبي حنيفَة بِنَاء على إِعَادَة الْمعرفَة نكرَة، وَفِي عكسها يَنْبَغِي وجوب ألف اتِّفَاقًا، لِأَن النكرَة أُعِيدَت معرفَة، ثمَّ التَّقْيِيد بالشاهدين فِي الصُّور، لِأَنَّهُ لَو أقرّ بِأَلف عِنْد شَاهد وَألف عِنْد آخر، أَو بِأَلف عِنْد شَاهِدين وَألف عِنْد القَاضِي لزمَه ألف وَاحِدَة اتِّفَاقًا انْتهى، وَذَلِكَ لِأَن الشَّاهِد الْوَاحِد لَا يتم بِهِ الْحجَّة فالإعادة للْأَحْكَام والإتمام، والإعادة عِنْد القَاضِي لإِسْقَاط مُؤنَة الْإِثْبَات بِالْبَيِّنَةِ، وَفِيه الِاتِّفَاق بتخريج الْكَرْخِي، لِأَنَّهُ على الِاخْتِلَاف فِي تَخْرِيج الرَّازِيّ، وَلَو أقرّ بِأَلف عِنْد شَاهِدين فِي

مجْلِس، ثمَّ بِأَلف عِنْد آخَرين فِي مجْلِس أَو عَكسه يلْزمه المالان، وَعِنْدَهُمَا يدْخل الْأَقَل فِي الْأَكْثَر (وَأما من فعلى الْخُصُوص) أَي فوصفها على الْخُصُوص (كَسَائِر الموصولات) فَهِيَ لَيست بِالْوَضْعِ، بل بِالْوَصْفِ الْمَعْنَوِيّ الَّذِي هُوَ مَضْمُون الصِّلَة، لِأَن الْمَوْصُول مَعَ الصِّلَة فِي حكم اسْم مَوْصُوف على مَا هُوَ الْمُخْتَار عِنْد المُصَنّف رَحمَه الله (والنكرة) أَي وكالنكرة فِي كَونهَا مَوْضُوعَة فِي الْخُصُوص (وأخص مِنْهَا) أَي من النكرَة (لِأَنَّهَا) أَي من وضعت (لعاقل ذكر أَو أُنْثَى عِنْد الْأَكْثَر) فعلى هَذَا إِطْلَاقهَا على الله يجوز، وَلَو قيل الْعَالم لَكَانَ أَعم، وَقد يُطلق على غير الْعَالم مُنْفَردا، أَو مَعَ غَيره، وَقيل يخْتَص بالمذكر (وَنصب الْخلاف فِي) من (الشّرطِيَّة) خَاصَّة كَمَا فعل ابْن الْحَاجِب (غير جيد) إِذْ الموصولة، والموصوفة والاستفهامية كَذَلِك (وَالِاسْتِدْلَال) للْأَكْثَر ثَابت (بِالْإِجْمَاع على عتقهن) أَي إمائه (فِي من دخل) دَاري فَهُوَ حر، إِذْ لَوْلَا ظُهُور تنَاوله لَهُنَّ لما أجمع عَلَيْهِ (والنكرة بِحَسب الْمَادَّة قد تكون لغيره) لما قَالَ أَن من أخص لاختصاصها بالعاقل فهم أَن النكرَة للعاقل وَغَيره، فَرُبمَا يفهم أَن وَضعهَا مُطلقًا لما يشملهما، فَبين أَن النكرَة قد تخص بالعاقل، وَقد تكون لغير الْعَاقِل، وَالَّذِي لَيْسَ بِحَسب الْمَادَّة كَلَفْظِ: عَاقل وَمَجْنُون فِي ضِدّه، وَفرس لنَوْع غير عَاقل، فالأعم بعض النكرَة (وتساويها) أَي النكرَة (الَّذِي) وَبَقِيَّة الموصولات فِي أَنَّهَا على الْخُصُوص والشيوع (وضعا وَإِنَّمَا لَزِمَهَا) أَي من الموصولة، وَكَذَا بَقِيَّة الموصولات (التَّعْرِيف فِي الِاسْتِعْمَال وعمومها) أَي من (بِالصّفةِ) المعنوية على مَا ذكر، فَإِن كَانَت الصّفة بِحَيْثُ تعم جَمِيع مَا تصلح لَهُ تعين عمومها (وَيلْزم عمومها فِي الشَّرْط والاستفهام، وَقد تخص مَوْصُولَة وموصوفة) وَهَذَا لَا تَحْرِير فِيهِ، فَإِن من كَمَا تخص مَوْصُولَة وموصوفة لعدم عُمُوم مَضْمُون صلتها وصفتها تخص شَرْطِيَّة، واستفهامية لما يُوجب تخصيصها، وكما يلْزم عمومها شَرْطِيَّة أَو استفهامية بِوَاسِطَة الشَّرْط، والاستفهام قد يلْزم عمومها مَوْصُولَة وموصوفة لعُمُوم مضمونها، ثمَّ لَا يلْزم من كَونهَا مرَادا بهَا الْخُصُوص فِي بعض الْأَحْوَال وَضعهَا لَهُ، وَمَا ذكره المُصَنّف مَذْكُور فِي غير مَوضِع فَهُوَ مختاره لما بدا لَهُ من الاستعمالات وَغَيرهَا، وَإِذا تقرر مَا ذكر (فَفِي من شَاءَ من عَبِيدِي عتقه) فَهُوَ حر فشاءوا عتقهم (يعتقون، وَكَذَا من شِئْت) من عَبِيدِي عتقه فَأعْتقهُ (عِنْدهمَا) أَي عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد: إِذا شَاءَ عتقهم (يعتقهم) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك (لِأَن من للْبَيَان، و) من للْعُمُوم فَيتَنَاوَل الْجَمِيع (عِنْده) أَي أبي حنيفَة إِذا شَاءَ يعْتق الْكل (إِلَّا الأخيران رتب) عتقهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرتب عتقهم، بل أعتقهم دفْعَة (فمختار الْمولى) أَي أعتقوا إِلَّا وَاحِدًا للْمولى الْخِيَار فِي تعينه (لِأَنَّهَا) أَي من (تبعيض فيهمَا) أَي من

المسئلتين (فأمكنا) أَي عُمُوم من، وتبعيض من فِي التَّعْلِيق (فِي الأولى لتعين عتق كل) من العبيد (بمشيئته، فَإِذا عتق كل مَعَ قطع النّظر عَن غَيره فَهُوَ) أَي كل مِنْهُم (بعض) من الْعُمُوم (وَفِي الثَّانِيَة) تعلق عتقهم (بِمَشِيئَة وَاحِد، فَلَو أعتقهم لَا تبعيض) بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ إِمْكَان الْعَمَل بِهِ، وبالعموم أَو بِمُجَرَّد إِخْرَاج وَاحِد، فَإِن الْقَلِيل فِي حكم الْعَدَم (وَهَذَا) الدَّلِيل (يتم فِي الدفعى) أَي فِيمَا إِذا تعلق مَشِيئَته بِالْكُلِّ دفْعَة فَإِنَّهُ لَا يبْقى حِينَئِذٍ للتَّبْعِيض تَوْجِيه (لَا) يتم (فِي التَّرْتِيب) بِأَن يتَعَلَّق مَشِيئَة الْمُخَاطب بعتقهم دفعات فَيصدق على كل وَاحِد أَنه شَاءَ الْمُخَاطب عتقه، وَهُوَ بعض من العبيد (وتوجيه قَوْله) أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله كَمَا وَجهه صدر الشَّرِيعَة وَادّعى التفرد بِهِ (بِأَن الْبَعْض مُتَيَقن) على تقديري التَّبْعِيض وَالْبَيَان، وَالْحمل على الْمُتَيَقن مُتَعَيّن (لَا يقتضيها) كَون من (تبعيضية) أَي تبعيضها فالمضاف إِلَيْهِ مَحْذُوف وَيجوز أَن تكون تبعيضية تمييزا عَن نِسْبَة الْمَنْقُول: أَي لَا يقتضى تبعيضها (لِأَنَّهَا) أَي التبعيضية (للْبَعْض الْمُجَرّد) الَّذِي يكون تَمام المُرَاد، لَا فِي ضمن الْكل، نَحْو: أكلت من الرَّغِيف (وَلَيْسَ) الْبَعْض الْمُجَرّد (هُوَ الْمُتَيَقن) على التَّقْدِيرَيْنِ (بل) الْبَعْض الْمَذْكُور الَّذِي التبعيضية عبارَة عَنهُ (ضِدّه) أَي ضد الْبَعْض المتحقق فِي ضمن البيانية، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجَرَّد بالتفسير الْمَذْكُور وَلَا يُمكن اجْتِمَاع الضدين فَكيف يتَصَوَّر وجود الْمُجَرّد على التَّقْدِيرَيْنِ وَالْجَوَاب بِأَن المُرَاد بِالْبَعْضِ فِي قَوْله: الْبَعْض مُتَيَقن مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْبَعْض غير سديد، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يلْزم أَن تكون من تبعيضية، والتوجيه مَبْنِيّ عَلَيْهِ، ثمَّ أَشَارَ إِلَى تَوْجِيه آخر لقَوْل أبي حنيفَة بقوله (وَبِأَن وصف من بِمَشِيئَة الْمُخَاطب) فِيمَن شِئْت من عَبِيدِي إِلَى آخِره (وصف خَاص) لِأَن مَا يُوصف بِهِ خَاص لكَونه مُسْندًا إِلَى خَاص (وعمومها) أَي عُمُوم من إِنَّمَا يحصل (بِالْعَام) أَي بِالْوَصْفِ الْعَام وَلم يُوجد فَلَا عُمُوم، فَوَجَبَ الْعَمَل بِمُوجب التَّبْعِيض من غير معَارض، وَلزِمَ اسْتثِْنَاء الْوَاحِد تَحْقِيقا لِمَعْنى التَّبْعِيض. وَقَالَ الشَّارِح: أَن عُمُوم الْمَشِيئَة بإسنادها إِلَى الْعَام الَّذِي هُوَ من وَلَا يخفى فَسَاده، إِذْ قد مر أَن عُمُوم من بِالصّفةِ فَكيف يكون عُمُوم الصّفة بهَا؟ وَلَئِن سلم فَمَا معنى التَّوْجِيه حِينَئِذٍ فَافْهَم (كمن شَاءَ من عَبِيدِي إِلَى آخِره) تَمْثِيل للوصف الْعَام لعدم إِسْنَاد الْمَشِيئَة إِلَى خَاص (دفع) التَّوْجِيه الْمَذْكُور (بِأَن حَقِيقَة وصفهَا) أَي وصف من (فِيهِ) أَي فِيمَن شِئْت إِلَى آخِره (بِكَوْنِهَا) أَي من (مُتَعَلق مَشِيئَة) الْمُخَاطب (وَهُوَ) أَي مُتَعَلق مَشِيئَته: يَعْنِي كَونهَا بِحَيْثُ أضيف إِلَيْهَا الْمَشِيئَة (عَام) فَانْدفع ادِّعَاء كَون الْوَصْف خَاصّا (وَأما مَا فلغير الْعَاقِل) وَحده: نَحْو - {فاقرءوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} -، (وللمختلط) بِمن يعقل وَمن لَا يعقل: نَحْو - {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض}، والمتبادر من

هَذَا كَونهَا مُشْتَركَة بَين غير الْعَاقِل والمختلط (فَلَو ولدت غُلَاما وَجَارِيَة فِي) مُدَّة التَّعْلِيق بقوله (إِن كَانَ مَا فِي بَطْنك غُلَاما) فَأَنت طَالِق (لَا يَقع) الطَّلَاق. قَالَ الشَّارِح لِأَن الشَّرْط إِنَّمَا يكون جَمِيع مَا فِي بَطنهَا غُلَاما بِنَاء على عُمُوم مَا، فَلَا يتَحَقَّق مَضْمُون الشَّرْط (وَفِي طَلِّقِي نَفسك من الثَّلَاث مَا شِئْت لَهَا الثَّلَاث) أَي لَهَا الْخِيَار فِي إِيقَاع الثَّلَاث (عِنْدهمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد (وَعِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة (ثِنْتَانِ، وَهِي) أَي هَذِه المسئلة (كَالَّتِي قبلهَا) أَي من شِئْت من عَبِيدِي إِلَى آخِره من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا بَيَانِيَّة عِنْدهمَا تبعيضية عِنْده أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله (وَقَوله أحسن، لِأَن تَقْدِيره) أَي الْكَلَام (على الْبَيَان) طَلِّقِي نَفسك (مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاث). وَفِي شرح الْهِدَايَة: طَلِّقِي نَفسك مَا شِئْت الَّذِي هُوَ الثَّلَاث: هَذَا إِذا كَانَ مَا معرفَة، فَإِن كَانَ نكرَة فَالْمَعْنى عددا شِئْت هُوَ الثَّلَاث، وَضَابِط البيانية صِحَة وضع الَّذِي مَكَانهَا، وَوَصلهَا بضمير مَرْفُوع مُنْفَصِل مَعَ مدخولها إِذا كَانَ الْمُبين معرفَة، وَصِحَّة وضع الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُنْفَصِل موضعهَا ليَكُون مدخولها إِذا كَانَ الْمُبين نكرَة، فَفِي - {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} -: الرجس هُوَ الْأَوْثَان، ثمَّ هَذَا تَفْوِيض الثَّلَاث إِلَيْهَا (وطلقي مَا شِئْت واف بِهِ) فَلَا حَاجَة إِلَى قَوْله: من الثَّلَاث (فالتبعيض) أَي فكون التَّبْعِيض مرَادا مِنْهُ (مَعَ زِيَادَة من الثَّلَاث) عَلَيْهِ (أظهر) احْتِرَازًا عَن المستغنى عَنهُ (وَأما كل فلاستغراق أَفْرَاد مَا دَخلته) فحال مدخولها حِينَئِذٍ (كَانَ لَيْسَ مَعَه غَيره) أَي كحاله وَقت عدم غَيره مَعَه (فِي الْمُنكر) أَي فِيمَا إِذا كَانَ مدخولها نكرَة، وَذَلِكَ لِأَن النكرَة عبارَة عَن الْفَرد الْمُنْتَشِر، واستغراقه عبارَة عَنهُ من حَيْثُ تحققها فِي ضمن كل مَا يصدق عَلَيْهِ من أشخاصه، وَهَذِه الْحَيْثِيَّة وَإِن كَانَت زَائِدَة على ذَاته لَكِنَّهَا من حَيْثُ أَنَّهَا حصلت بِاعْتِبَار مُلَاحظَة أُمُور متحدة مَعَه بِحَسب الْمَاهِيّة كَالْعدمِ، بِخِلَاف مُقَابلَة الْمشَار إِلَيْهِ بقوله (وأجزائه) أَي ولاستغراق أَجْزَائِهِ (فِي الْمُعَرّف) فِيمَا إِذا كَانَ مدخوله معرفَة فَإِن أَجزَاء الشَّيْء أُمُور مباينة لذَلِك الشَّيْء بِحَسب الْحَقِيقَة (فكذب كل الرُّمَّان مَأْكُول) لِأَن قشره مثلا من جملَة أَجْزَائِهِ، وَهُوَ غير مَأْكُول فَإِنَّهُ صَادِق لعدم استغراق أَجْزَائِهِ الَّتِي لَا تُؤْكَل، وَإِنَّمَا يسْتَغْرق كل رمان ومأكوليته (دون كل رمان) مَا هُوَ الْمُتَعَارف أكله من أَجْزَائِهِ (وَوَجَب لكل من الداخلين) مَعًا الْحصن (فِي كل من دخل) هَذَا الْحصن (أَولا) فَلهُ كَذَا مَا سَمَّاهُ (بِخِلَاف: من دخل أَولا) فَلهُ كَذَا فَدخل أَكثر من وَاحِد (لَا شَيْء لأحد، لِأَن عمومها) أَي من (لَيْسَ ك) عُمُوم (جَمِيع) من حَيْثُ الشُّمُول على سَبِيل الِاجْتِمَاع ليَكُون للمجموع مَجْمُوع الْمُسَمّى، فَيقسم عَلَيْهِم (وَلَا ككل) من حَيْثُ الشُّمُول على سَبِيل الِانْفِرَاد، فَيكون لكل وَاحِد مَا سَمَّاهُ (بل) عمومها ثَابت (ضَرُورَة الْإِبْهَام)

أَي لأجل ضَرُورَة ناشئة من الْإِبْهَام (كالنكرة فِي النَّفْي) أَي كعموم النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي ضَرُورَة الْإِبْهَام، فَإِن مدلولها فَرد لَا على التَّعْيِين، وانتفاؤه بِالنَّفْيِ يسْتَلْزم انْتِفَاء كل فَرد بِعَيْنِه، إِذْ لَو بَقِي فَرد وَاحِد لتحَقّق الْفَرد لَا على التَّعْيِين فِي ضمنه الْمَفْرُوض انتفاؤه رَأْسا، هَذَا فِي النكرَة وَأما كلمة من فَمن حَيْثُ أَنَّهَا من المبهمات مدلولها فَرد من الْمَوْصُوف بصلتها لَا على التَّعْيِين فشاركت النكرَة الْمَذْكُورَة فِي الْإِبْهَام غير أَن الْعُمُوم هُنَاكَ من سِيَاق النَّفْي، وَهَهُنَا بِسَبَب أَن إِرَادَة الْبَعْض دون الآخر تَرْجِيح بِغَيْر مُرَجّح فَيعم الْكل، لَكِن لَا على سَبِيل الشُّمُول كَمَا فِي مَدْخُول كل، بل على سَبِيل الْبَدَل كَمَا هُوَ مُقْتَضى أصل وَضعهَا، وَوُجُوب الْمُسَمّى على أحد الْوَجْهَيْنِ مَوْقُوف على أحد العمومين المنفيين (فَلَا شركَة) بَين من، ومدخول كل فِي كَيْفيَّة الْعُمُوم (تصحح) تِلْكَ الشّركَة (التَّجَوُّز) بِكَلِمَة من عَن جَمِيع أَو كل، وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ فِيهَا صَارف قوي عَن الْحَقِيقَة إِلَى الِاسْتِعَارَة لأَحَدهمَا لَا مَكَان الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ، وَتعذر الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ إِذا دخل أَكثر من الْوَاحِد مَعًا (وَقيل) فِي الْفرق بَين المسئلتين، وَالْقَائِل صدر الشَّرِيعَة، فِي نسختين من الْمَتْن: فَخر الْإِسْلَام، وَنقل هَذَا أَخذ مِنْهُ (الأول فَرد سَابق على كل من سواهُ) من الْأَفْرَاد (بِلَا تعدد) فَلَا يصدق على مَا فَوق الْوَاحِد، (وَإِضَافَة كل) إِلَى من (توجبه) أَي التَّعَدُّد فِيهِ (فَجعل) الأول بِقَرِينَة الأول (مجَازًا عَن جزئه وَهُوَ السَّابِق) على الْغَيْر (فَقَط) بِلَا قيد الْوحدَة فَيصح إِضَافَة كل الافرادي إِلَيْهِ، وَيكون من فِيهِ نكرَة مَوْصُوفَة بَقِي شَيْء، وَهُوَ أَنه لَا يَكْفِي مُجَرّد التَّجْرِيد عَن قيد الْوحدَة، بل لَا بُد من تصرف آخر فِي معنى الأول بِأَن يُرَاد بِهِ من لَا يسْبقهُ من سواهُ، وَإِلَّا لم يصدق على شَيْء من المتعدد، إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ أَنه سَابق على من سواهُ فَافْهَم (فَفِي التَّعَاقُب) أَي تعاقب الداخلين (يسْتَحق الأول فَقَط، لِأَن من بعده مَسْبُوق) فَلَا يصدق عَلَيْهِ أَنه أول كَمَا هُوَ مَفْهُوم السَّابِق الْمُتَبَادر عِنْد الاطلاق (وَكَمَال السَّابِق) إِنَّمَا يتَحَقَّق (بِعَدَمِهِ) أَي بِعَدَمِ كَونه مَسْبُوقا بِالْغَيْر (خُصُوصا فِي مقَام التحريض) على التشجيع (فَلَا يعْتَرض بِأَن مُقْتَضَاهُ) أَي مُقْتَضى عُمُوم السَّابِق بِحَيْثُ يعم من لَهُ سبق من وَجه، وَإِن كَانَ مَسْبُوقا من وَجه آخر (اسْتِحْقَاق كل من الْمُتَعَاقدين إِلَّا الآخر) فَإِنَّهُ مَسْبُوق غير سَابق بِوَجْه (بِعُمُوم الْمجَاز) بِإِرَادَة معنى مجازي يصدق على الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَغَيره (وَأما جَمِيع فللعموم على الِاجْتِمَاع، فللكل نفل) وَاحِد يقسم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ إِذا دخلُوا جَمِيعًا لعدم صدق مَفْهُوم من جعل لَهُ النَّفْل على كل وَاحِد مُنْفَردا (فِي جَمِيع من دخل أَولا فَلهُ كَذَا) عملا (بحقيقته) أَي بِحَقِيقَة لفظ جَمِيع، وَهِي الْعُمُوم الاحاطي على سَبِيل الِاجْتِمَاع (وللأول فَقَط فِي) صُورَة (التَّعَاقُب: بدلالته) أَي بِدلَالَة قَوْله لجَمِيع من دخل

إِلَى آخِره فَإِن هَذَا التَّنْفِيل للتشجيع والحث على المسارعة إِلَى الدُّخُول، فَإِذا اسْتَحَقَّه السَّابِق بِصفة الِاجْتِمَاع: فَلِأَن يسْتَحقّهُ بِصفة الِانْفِرَاد أولى، لِأَن الشجَاعَة فِيهِ أقوى (لَا بمجازه) أَي لَيْسَ للْأولِ فَقَط فِي التَّعَاقُب بِسَبَب الْعَمَل بمجاز لفظ جَمِيع اسْتِعْمَاله (فِي) معنى (كل) الإفرادي (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك وَاسْتحق الأول بمجازه الْمَذْكُور (لزم الْجمع بَين) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ و) الْمَعْنى (الْمجَازِي فِي الْإِرَادَة) بِأَن يُرَاد مِنْهُ مَا وضع لَهُ، وَهُوَ الْعُمُوم الاجتماعي، وَمعنى كل الإفرادي مَعًا، لَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يُرَاد لَهُ معنى مجازي يعم الْحَقِيقِيّ، وَهَذَا الْمجَازِي أَيْضا (لتعذر عُمُوم الْمجَاز هُنَا) فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد بِجَمِيعِ معنى كل الإفرادي مجَازًا اندرج دُخُول الْجَمَاعَة أَولا مَعًا تَحت هَذَا التَّنْفِيل على غير الْوَجْه الَّذِي تَقْتَضِيه الْحَقِيقَة، وَهُوَ أَن يكون للْكُلّ نفل وَاحِد لِأَن الْمَعْنى الْمجَازِي يَقْتَضِي أَن يكون لكل وَاحِد من الْجَمَاعَة مَا سَمَّاهُ كَامِلا، فَلَو أُرِيد بِهَذَا اللَّفْظ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ كَانَ ذَلِك بعلاقة الْوَضع لَهُ، فَإِذا فرض مَعَ هَذَا اندراج الأول فِي التَّعَاقُب تَحْتَهُ كَانَ هَذَا بعلاقة الْوَضع لَهُ المجازية عَن كل، فَلَزِمَ الْجمع الْمَذْكُور، وَظهر تعذر عُمُوم الْمجَاز الْمَذْكُور فَإِن قلت لم لَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ معنى مجازي آخر يندرجان تَحْتَهُ، وَلَا يلْزم الْجمع بَينهمَا قلت وجود مَفْهُوم شَامِل للْجَمَاعَة الْمَذْكُورَة على الْوَجْه الْمَذْكُور، وللفرد الأول فِي التَّعَاقُب على الْكَيْفِيَّة الْمَذْكُورَة مِمَّا يكَاد أَن يحملهُ الْعقل فَتدبر (وَأما أَي فلبعض مَا أضيف إِلَيْهِ) حَال كَون مَا أضيف إِلَيْهِ (كلا) ذَا أبعاض (معرفَة) فَلَا ينْتَقض بِمثل: أَي النقطة كَذَا الانتفاء الْكُلية بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور: نعم إِن جعل اللَّام للْعهد الذهْنِي كَانَ: أَي الجزئي دَاخِلا فِي الْقسم الْآتِي (وَلَو) كَانَ تَعْرِيفه (بِاللَّامِ) فَعلم أَنه إِذا كَانَ بِغَيْر اللَّام فكونها لبَعض مَا أضيف إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأولى، وَذَلِكَ لِأَن مَدْخُول اللَّام إِنَّمَا يكون مفهوما كليا، فيتبادر من إضافتها إِلَيْهِ إِرَادَة الجزئيات، بِخِلَاف غَيره من المعارف كَالْعلمِ فَإِن الْمُتَبَادر من إضافتها إِلَيْهِ إِرَادَة الْبَعْض، مثل: أَي زيد أحسن (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مَا أضيف إِلَيْهِ كلا معرفَة (فلجزئيه) أَي فَأَي لجزئي مَا أضيف إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون كليا نكرَة أَو معرفَة لفظا كالمعهود الذهْنِي: كَذَا نَقله الشَّارِح عَن المُصَنّف، وَفِيه أَنه يجوز أَن يكون معهودا خارجيا غير ذِي أبعاض لاندراجه تَحت قَوْله: وَإِلَّا، وَيجوز أَن يكون ضمير كَذَا إِلَى غير ذَلِك فَتَأمل، (وبحسب) حَال (مدخولها) من الْكُلية والتعريف وَمَا يقابلهما (يتَعَيَّن وصفهَا) أَي وصف أَي (الْمَعْنَوِيّ) وَهُوَ مَضْمُون مَا ينْسب إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مُعَرفا يكون المُرَاد بِأَيّ الْبَعْض مِنْهُ، فَيتَعَيَّن أَن يكون الْوَصْف الْمَعْنَوِيّ مِمَّا يجوز أَن ينْسب إِلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَامْتنعَ أَي الرجل عنْدك لعدم الصِّحَّة) لِأَن العندية الْمَخْصُوصَة مِمَّا لَا يجوز توصيف بعض الرجل

مُنْفَردا بهَا (وَجَاز) أَي الرجل (أحسن) لجَوَاز انْفِرَاد بعضه بالأحسنية (وَهِي) أَي أَي (فِي الشَّرْط والاستفهام) أَي فِيمَا إِذا كَانَت شَرْطِيَّة أَو استفهامية (ككل فِي النكرَة) أَي هِيَ ككل فِيمَا إِذا دخل على النكرَة فِي كَونه لاستغراق أَفْرَاد مدخوله (فَتجب الْمُطَابقَة) أَي مُطَابقَة الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى أَي: إفرادا، وتثنية، وجمعا: تذكيرا وتأنيثا (لما أضيفت) أَي (إِلَيْهِ) لِأَن المُرَاد بهَا حِينَئِذٍ فَرد من أَفْرَاد مَا أضيف، لَا بعض من أَبْعَاضه (كأي رجلَيْنِ تكرم) أَي تكرمهما (أكرمهما) فَإِن الضَّمِير فِي الْحَقِيقَة رَاجع للرجلين (وَأي رجال تكرم أكْرمهم) وَأي رجل تكرم أكْرمه، وَأي امْرَأَة تكرم أكرمها، وَأي امْرَأَة قَامَت، وَهَكَذَا (و) هِيَ فِي الشَّرْط والاستفهام مثل (بعض فِي الْمعرفَة فيتحد) الضَّمِير الرَّاجِع إِلَيْهَا مثنى كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ أَو مجموعا: مذكرا أَو مؤنثا، لِأَن الرَّاجِع إِلَى أَي حِينَئِذٍ رَاجع إِلَى الْمُفْرد، إِذْ المُرَاد بهَا بعض مِمَّا أضيف إِلَيْهِ، وَلَا فرق بَين الْمُذكر، والمؤنث، والمفرد، وَالْجمع (كأي الرجلَيْن) أَو الْمَرْأَتَيْنِ، أَو الرِّجَال، أَو النِّسَاء (تضرب أضربه، وتعم) أَي (بِالْوَصْفِ) الْعَام كَمَا نَص عَلَيْهِ مُحَمَّد فِي الْجَامِع الْكَبِير (فَيعتق الْكل إِذا ضربوا فِي) تَعْلِيق (أَي عَبِيدِي ضربك) فَهُوَ حر، فَإِن الْوَصْف وَهُوَ الضَّرْب بِاعْتِبَار إِسْنَاده إِلَى كل وَاحِد من العبيد عَام (ومنعوه) أَي عتق الْكل (فِي) أَي عَبِيدِي (ضَربته) لِأَن الْوَصْف بِاعْتِبَار إِسْنَاده إِلَى الْخَاص خَاص (إِلَّا الأول) اسْتثِْنَاء من منع الْكل: يَعْنِي إِذا ضَربهمْ على التَّرْتِيب لعدم المزاحم بِخِلَاف غَيره فَإِنَّهُ يزاحمه انْتِهَاء عَن التَّعْلِيق بِعِتْق الأول (أَو مَا يُعينهُ الْمولى فِي الْمَعِيَّة) أَي فِيمَا إِذا ضَربهمْ دفْعَة وَاحِدَة، لِأَن عتق الْوَاحِد لَا بُد مِنْهُ عملا بِمُوجب التَّعْلِيق، وَذَلِكَ غير مُتَعَيّن، فالتعيين إِلَيْهِ وَإِن كَانَ الِاخْتِيَار فِي الضَّرْب (لِأَن الْوَصْف) الَّذِي هُوَ الضَّرْب (لغَيْرهَا) أَي لغير العبيد: وَهُوَ الْمُخَاطب، وَهُوَ خَاص فَالْحَاصِل أَن الْعُمُوم فِي المسئلة السَّابِقَة إِنَّمَا جَاءَ من قبيل الصّفة وَلم يتَحَقَّق هَهُنَا. قَالَ صدر الشَّرِيعَة هَهُنَا: وَهَذَا الْفرق مُشكل من جِهَة النَّحْو لِأَن فِي الأول وَصفا بالضاربية، وَفِي الثَّانِي بالمضروبية، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَمنع) كَونهَا غير مَوْصُوفَة بِصفة عَامَّة هَهُنَا أَيْضا مُسْتَندا (بِأَنَّهَا) يَعْنِي أيا (مَوْصُوفَة بالمضروبية) ثمَّ أَشَارَ إِلَى دفع مَا أُجِيب بِهِ عَن هَذَا الْمَنْع بقوله (وَكَون المفعولية) أَي مفعولية العبيد فِي أَي عَبِيدِي ضَربته (فضلَة) وَفِيه مُسَامَحَة لِأَن الفضلة هُوَ الْمَفْعُول لَا المفعولية، والفضلة (تثبت ضَرُورَة التحقق) أَي ضَرُورَة تحقق الْفِعْل الْمُتَعَدِّي، وَالثَّابِت ضَرُورَة يتَقَدَّر بِقَدرِهَا، فَلَا يظْهر أَثَره فِي التَّعْمِيم (لَا يُنَافِيهِ) أَي لَا يُنَافِي الْعُمُوم بِالصّفةِ، لِأَن الْمَدْلُول على عُمُوم الصّفة سَوَاء كَانَت الصّفة حَاصِلَة بِاعْتِبَار نِسْبَة الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول (وَالْفرق) بَين الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة

(بِكَوْن الثَّانِي) وَهُوَ: أَي عَبِيدِي ضَربته (لاختيار أحدهم عرفا) أَي لتخيير الْمُخَاطب فِي تعْيين وَاحِد من العبيد فِي الْعرف (ككل أَي خبر تُرِيدُ) فَإِن المُرَاد مِنْهُ تَخْيِير الْمُخَاطب فِي أكل خبز وَاحِد (وَالْأَوْجه) الْأَحْسَن أَن يُقَال فِي التنظير (أَي خبزي ليطابق الْمِثَال) وَهُوَ: أَي عَبِيدِي (لَيْسَ لَهُ) أَي للمخاطب (أكل الْكل، بل تعْيين وَاحِد يختاره بِخِلَاف الأول) وَهُوَ: أَي عَبِيدِي ضربك، فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِيهِ ذَلِك، وَقَوله وَالْفرق مُبْتَدأ خَبره (لَا يدْفع) الِاعْتِرَاض (بِنَحْوِ أَي عَبِيدِي وطئته دابتك) فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْفرق الْمَذْكُور (لِأَن مَحل الْفرق) الْمَذْكُور (مَا يَصح فِيهِ التَّخْيِير) وَهَذَا الْمِثَال مِمَّا لَا يتَصَوَّر فِيهِ ذَلِك مَعَ أَنه مندرج فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة، ثمَّ إِن المُصَنّف رَحمَه الله قد حقق أَن عُمُوم أَي بِاعْتِبَار عُمُوم الْوَصْف، وَمِنْهُم من ادّعى أَنه بِاعْتِبَار الْوَضع، فَأَرَادَ رده صَرِيحًا فَقَالَ (وَأما ادِّعَاء وَضعهَا) أَي أَي (ابْتِدَاء للْعُمُوم الاستغراقي) قيد الْعُمُوم بِهِ لِئَلَّا يتَوَهَّم إِرَادَة الْعُمُوم الَّذِي يكون فِي النكرات، فَإِن الْفَرد الْمُنْتَشِر يعم جَمِيع الْأَفْرَاد على سَبِيل الِاحْتِمَال (بادعاء الْفرق بَين أعتق عبدا من عَبِيدِي ضربك، وَأي عبد) من عَبِيدِي ضربك: كَمَا فِي التَّلْوِيح، فَإِنَّهُ لَيْسَ للْمَأْمُور إِلَّا إِعْتَاق وَاحِد متصف بالضاربية فِي الأول، وَله أَن يعْتق كل عبد ضربه من عبيده فِي الثَّانِي (فَمَمْنُوع) خبر للمبتدأ، وَجَوَاب لأما، يَعْنِي لَا نسلم أَن الْفرق بَينهمَا بِمَا ذكر، بل الْعُمُوم فيهمَا للوصف، كَذَا نَقله الشَّارِح عَن المُصَنّف (ورد أَخذ خصوصها) يَعْنِي كَون أَي خَاصّا (وضعا من إِفْرَاد الضَّمِير فِي) نَحْو (أَي الرِّجَال أَتَاك) فَإِن الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى أَي على تَقْدِير عمومها إِنَّمَا يكون على طبق عمومها، فَيُقَال: أَي الرِّجَال أتوك؟ (و) من (صِحَة الْجَواب) عَنْهَا (بِالْوَاحِدِ) كزيد أَو عَمْرو (بِالنَّقْضِ) مُتَعَلق بِالرَّدِّ: يَعْنِي رد الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور بِالنَّقْضِ (بِمن وَمَا: يَعْنِي لِأَنَّهُمَا استغراقيان وضعا مَعَ إِفْرَاد ضميرهما و) إِفْرَاد (جوابهما) كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّلْوِيح (مَمْنُوع) \ خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي ورد (بل وضعهما أَيْضا على الْخُصُوص كالنكرة وعمومهما بِالصّفةِ كَمَا مر) ثمَّ لما ورد على الْقَوْلَيْنِ بعمومها بِعُمُوم الصّفة عدم عمومها فِي بعض الصُّور مَعَ عُمُوم الصّفة دَفعه بقوله (وَعدم عتق أحد) من العبيد (فِي أَيّكُم حمل هَذِه) العدلة (وَهِي حمل وَاحِد) مِنْهُم (فحملوها) مَعًا (لعدم الشَّرْط) لِلْعِتْقِ بِحمْل وَاحِد) لَهَا بكمالها عطف بَيَان للشّرط يَعْنِي أَن شَرط الْعتْق أَن يحمل الْوَاحِد بِانْفِرَادِهِ تَمامهَا فَعِنْدَ حمل الْجَمِيع إِيَّاهَا لم يتَحَقَّق ذَلِك (وَلذَا) أَي وَلكَون الشَّرْط مَا ذكر (عتق الْكل فِي التَّعَاقُب) أَي فِيمَا إِذا حمل كل وَاحِد مِنْهُم مُنْفَردا تَمامهَا على سَبِيل التَّعَاقُب إِلَّا الْمَعِيَّة (وَكَذَا) يعْتق الْكل (إِذا لم يكن) الْمشَار إِلَيْهِ (حمل وَاحِد) بِأَن لَا يُطيق الْوَاحِد حملهَا فحلمها وَاحِد وَجَمَاعَة، لِأَن الْمَقْصُود صيرورتها مَحْمُولَة إِلَى

مسئلة

مَوضِع حَاجَة بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ يُطيق حملهَا وَاحِد، إِذْ الْمَقْصُود حِينَئِذٍ معرفَة جلادتهم: وَهِي تحصل بِحمْل الْوَاحِد مُنْفَردا، وعَلى هَذَا لَو انحرقت الْعَادة فحملها كل وَاحِد مِنْهُم على التَّعَاقُب لَا يسْتَحق إِلَّا الأول لانْتِهَاء حُصُول الْمَقْصُود بِحمْلِهِ فينتهي حكم التَّعْلِيق بِهِ، وَظَاهر الْكَشْف الْكَبِير عتق الْكل، كَذَا ذكر الشَّارِح. مسئلة (لَيْسَ الْعَام مُجملا خلافًا لعامة الأشاعرة) على مَا فِي التَّلْوِيح (وَنقل بَعضهم) وَهُوَ صدر الشَّرِيعَة (دَلِيله) أَي دَلِيل الْإِجْمَال: وَهُوَ قَوْله (أعداد الْمَجْمُوع) أعداد أَفْرَاد كل جمع (مُخْتَلفَة) فَإِن جمع الْقلَّة يَصح أَن يُرَاد بِهِ كل عدد من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَجمع الْكَثْرَة إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ (فَوَجَبَ التَّوَقُّف) فِي تعْيين المُرَاد بِهِ (إِلَى) تعْيين (معِين) على صِيغَة الْفَاعِل (يُفِيد) النَّقْل الْمَذْكُور (أَن الْخلاف فِي الْجمع الْمُنكر) عَن القَوْل بِعُمُومِهِ (لَا الْعَام مُطلقًا) لعدم جَرَيَان مَا نقل فِي غَيره (ومعممه) أَي من يَقُول بِعُمُوم الْجمع الْمُنكر (من الْحَنَفِيَّة يُصَرح بنفيه) أَي بِنَفْي إجماله (وجوابهم) أَي المعممين عَن هَذَا الدَّلِيل قَوْلهم (وَجب الْحمل) أَي حمل الْجمع الْمُنكر (على) الْمرتبَة (المستغرقة) لكل عدد من مراتبه (على مَا تقدم عَنْهُم) فِي المسئلة الْخَاصَّة بِهِ (فَلَا إِجْمَال، و) أجابوا أَيْضا (ب) أَن (الْحمل على) الْعدَد (الْمُتَيَقن) وَهُوَ أقل مَرَاتِب الْجمع (فَلَا إِجْمَال) أَيْضا (وَقد ينْقل) لدَلِيل الْإِجْمَال قَوْلهم (الْعَام مُشْتَرك بَين الْوَاحِد وَالْكثير للإطلاق) أَي لِأَنَّهُ يُطلق على صِيغَة الْعَام على كل مِنْهُمَا (وَالْأَصْل) فِي الْإِطْلَاق (الْحَقِيقَة) فَأشبه المُرَاد بِهِ (فَوَجَبَ التَّوَقُّف إِلَى دَلِيل الْعُمُوم) أَو الْخُصُوص فَيعْمل بِهِ حِينَئِذٍ (فَيُفِيد) هَذَا النَّقْل (أَنه) القَوْل بالإجمال (قَول الْقَائِل باشتراك الصِّيغَة) بَين الْعُمُوم وَالْخُصُوص (وَهُوَ) أَي القَوْل بالإجمال (أحد قولي الْأَشْعَرِيّ، ونسبته) أَي الْإِجْمَال (إِلَى الأشعرية غير وَاقع بل) هُوَ مَنْسُوب (إِلَى الْأَشْعَرِيّ لتوقفه فِي الصِّيَغ) المستعملة فِي الْعُمُوم فِي أَنَّهَا مَوْضُوعَة للْعُمُوم خَاصَّة، وَهَذَا التَّوَقُّف (للاشتراك) فِي قَول (لَهُ) بِأَنَّهَا مُشْتَركَة بَين الْعُمُوم وَالْخُصُوص (أَو لَا لَهُ) أَي أَو لتوقفه فِيهَا لَا لاشتراك، بل لكَونه لَا يدْرِي كَونهَا مَوْضُوعَة للْعُمُوم أَو الْخُصُوص (فِي) قَول (آخر) للأشعري (وَإِذن فمعلوم تَفْرِيع التَّوَقُّف) فِي الْعَمَل بِالْعَام إِلَى تعْيين أحد الْمَعْنيين (على مَذْهَب الِاشْتِرَاك) أَي وَإِذا علل توقف الْأَشْعَرِيّ فِي الصِّيَغ بالاشتراك على قَوْله: لَهُ علم أَن القَوْل بالاشتراك كَائِنا من كَانَ قَائِله يلْزمه التَّوَقُّف فِيهَا (وَالْوَقْف) فِي الْعَمَل بهَا مَعْطُوف على تَفْرِيع (إِلَى الْمعِين وَقد أفرد الْمَبْنِيّ) لهَذَا الْخلاف: وَهُوَ أَن الصِّيَغ هِيَ للْعُمُوم أَو

مسئلة

الْخُصُوص أَولهمَا (بالبحث) كَمَا مر مَعَ إبِْطَال الِاشْتِرَاك والتوقف (فيستغني بِهِ) أَي بإفراد الْمَبْنِيّ بالبحث (عَن هَذِه) المسئلة، لِأَنَّهُ قد بَين فِيهَا أَن لَا اشْتِرَاك فَلَا وقف (وتفارق مسئلة) التَّوَقُّف للاشتراك مسئلة (منع الْعَمَل بِهِ) أَي بالعالم (قبل الْبَحْث عَن الْمُخَصّص بِأَن الْبَحْث) فِي هَذِه المسئلة (يظْهر المُرَاد من المفاهيم) الْمُشْتَرك فِيهَا اللَّفْظ (وَهُنَاكَ) أَي فِي مسئلة منع الْعَمَل إِلَى آخِره يظْهر (إِرَادَة الْمَفْهُوم المتحد) فِي الْوَضع: وَهُوَ الْعُمُوم من حَيْثُ أَنه ثَابت (لَا الْمجَاز) لم يرد الْمجَاز أَو بِالْعَكْسِ (وَلَو جعلت هَذِه) الْمَسْأَلَة (إِيَّاهَا) أَي مسئلة وجوب الْبَحْث عَن الْمُخَصّص (أشكل بِنَقْل الْإِجْمَاع فِيهَا) أَي فِي مسئلة وجوب الْبَحْث عَن الْمُخَصّص (بِخِلَاف هَذِه) فَإِنَّهُ نقل فِيهَا الْخلاف، وَالْمجْمَع عَلَيْهِ لَا يكون مُخْتَلفا فِيهِ (فَإِن قيل) الْإِجْمَاع الْمَذْكُور كَيفَ يَصح فَإِنَّهُ (إِن اشْتهر الْمجَاز: أَعنِي الْخُصُوص) فَإِن اللَّفْظ الْمَوْضُوع للْعُمُوم إِذا أُرِيد بِهِ الْبَعْض كَانَ مجَازًا لَا محَالة (فَلَا إِجْمَاع على التَّوَقُّف) حِينَئِذٍ، بل يعْمل بالخصوص بِلَا توقف (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يشْتَهر ذَلِك فِيهِ (فَكَذَلِك) لَا إِجْمَاع على التَّوَقُّف أَيْضا لوُجُوب الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ حِينَئِذٍ، وَهِي الْعُمُوم (فَالْجَوَاب قد يَقع التَّرَدُّد فِيهِ) أَي فِي الْخُصُوص باشتباه الْقَرَائِن (والمزاحمة) أَي مزاحمة مَا يُوجب الِاحْتِمَال (فَيلْزم حكم الْمُجْمل) وَهُوَ التَّوَقُّف إِلَى أَن يظْهر المُرَاد مِنْهُ بطريقه (وَهُوَ) أَي التَّرَدُّد بِاعْتِبَار احْتِمَال الْخُصُوص (ثَابت فِي خُصُوص هَذِه الْحَقِيقَة بِسَبَب) مَا تقرر من أَنه (مَا من عَام إِلَّا وَقد خص) حَتَّى هَذَا الْعَام أَيْضا بقوله - {إِن الله بِكُل شَيْء عليم} - وَنَحْوه (وَجَوَابه) أَي جَوَاب الْإِجْمَال بِنَاء على القَوْل بالاشتراك أَو الْوَقْف فِي ذَلِك (بطلَان الِاشْتِرَاك وَالْوَقْف كَمَا تقدم) فِي الْبَحْث الثَّانِي وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُوفق. مسئلة (نقل الْإِجْمَاع على منع الْعَمَل بِالْعَام قبل الْبَحْث عَن الْمُخَصّص) وَمن ناقليه الْغَزالِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب (وَهُوَ) أَي النَّقْل الْمَذْكُور صِحَّته (إِمَّا لعدم اعْتِبَار قَول الصَّيْرَفِي) وَهُوَ أَنه يتَمَسَّك بِهِ ابْتِدَاء مَا لم يظْهر مُخَصص (لقَوْل إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه) أَي قَول الصَّيْرَفِي (لَيْسَ من مبَاحث الْعُقَلَاء، بل صدر عَن غباوة وعناد، وَأما لتأويله) أَي قَول الصَّيْرَفِي كَمَا ذكر الْعَلامَة الشِّيرَازِيّ (بِوُجُوب اعْتِقَاد الْعُمُوم قبل ظُهُور الْمُخَصّص، فَإِن ظهر) الْمُخَصّص (تغير) اعْتِقَاد الْعُمُوم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يظْهر (اسْتمرّ) اعْتِقَاد الْعُمُوم، وَاعْترض عَلَيْهِ المُصَنّف رَحمَه الله بقوله (وَقد يُقَال الْفرق) بَين الِاعْتِقَاد وَالْعَمَل بِإِيجَاب الِاعْتِقَاد قبل الْبَحْث وَعدم تَجْوِيز

مسئلة

الْعَمَل قبله (تحكم) كَيفَ والاعتقاد إِنَّمَا هُوَ هُوَ للْعَمَل، وَيُمكن أَن يكون الْمَعْنى أَن الْفرق بَين الْعَام وَغَيره من النُّصُوص بِإِيجَاب اعْتِقَاد ظَاهره من غير بحث تحكم فَتَأمل (وَكَلَام الْبَيْضَاوِيّ) فِي نقل مذْهبه من أَنه يسْتَدلّ بِالْعَام مَا لم يظْهر الْمُخَصّص وَابْن سُرَيج أوجب طلبه (لَا يحْتَمل ذَلِك التَّأْوِيل فَلَا ينْصَرف عَنهُ) أَي عَن قَول الصَّيْرَفِي (قَول الإِمَام) من أَنه لَيْسَ من مبَاحث الْعُقَلَاء إِلَى آخِره (وَمثله) أَي الْعَام فِي منع الْعَمَل بِهِ قبل الْبَحْث (كل دَلِيل يُمكن معارضته) فَلَا يجوز الْعَمَل بِدَلِيل مَا قبل الْبَحْث عَن وجود الْمعَارض (وَهَذَا لِأَنَّهُ) أَي الدَّلِيل (لَا يتم دَلِيلا) مُوجبا للْعَمَل (إِلَّا بِشَرْط عَدمه) أَي الْمعَارض (فَيلْزم الِاطِّلَاع على الشَّرْط) وَهُوَ عدم الْمعَارض (فِي الحكم بالمشروط) وَهُوَ الْعَمَل بِهِ هَذَا، وَنقل الشَّارِح عَن السُّبْكِيّ منع الْإِجْمَاع الْمَنْقُول وَإِن الْأُسْتَاذ أَبَا إِسْحَاق الإسفرايني وَالشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام الرَّازِيّ حكوا الْخلاف فِي هَذِه المسئلة، وَأَن الْأُسْتَاذ حكى الِاتِّفَاق على التَّمَسُّك بِالْعَام فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْبَحْث عَن تَخْصِيص لتأكد انْتِفَاء احْتِمَال الْمُخَصّص ثمَّة (وَالْخلاف فِي قدر الْبَحْث، وَالْأَكْثَر) على أَنه يبْحَث (إِلَى أَن يغلب ظن عَدمه) أَي الْمُخَصّص (وَعَن القَاضِي أبي بكر إِلَى الْقطع بِهِ) أَي بِعَدَمِهِ (لنا لَو شَرط) الْقطع بِهِ (بَطل) الْعَمَل بِهِ بِأَكْثَرَ العمومات الْمَعْمُول بهَا اتِّفَاقًا إِذْ الْقطع لَا سَبِيل إِلَيْهِ غَايَة الْأَمر عدم الوجدان بعد بذل الْجهد فِي الْبَحْث (قَالُوا) أَي القَاضِي وَمن تبعه (إِذا كثر بحث الْمُجْتَهد) عَن الْمُخَصّص (وَلم يجد قَضَت الْعَادة بِعَدَمِ الْوُجُوب) أَي بِالْقطعِ بِعَدَمِهِ (أُجِيب بِالْمَنْعِ، فقد يجد) الْمُجْتَهد الْمُخَصّص (بعد الْكَثْرَة) أَي بعد كَثْرَة بَحثه عَنهُ، وَحكمه بِالْعُمُومِ (ثمَّ يزِيد) فِي الْبَحْث (فَيرجع) إِلَى الْعُمُوم. مسئلة (صِيغَة جمع الْمُذكر) السَّالِم، لم يُقَيِّدهُ بِهِ، لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر مِنْهُ عرفا (وَنَحْو الْوَاو فِي فعلوا) ويفعلون، وافعلوا (هَل يَشْمَل النِّسَاء وضعا، نَفَاهُ) أَي نفي الشُّمُول وضعا إيامن (الْأَكْثَر) أَي أَكثر الْأُصُولِيِّينَ (إِلَّا فِي تَغْلِيب) الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع، لِأَن الشُّمُول فِي التغليب على سَبِيل الْمجَاز (خلافًا للحنابلة) وَاتَّفَقُوا على أَن مثل الرِّجَال بِمَا يخص الذُّكُور بِحَسب الْمَادَّة لَا يشملهن كَمَا أَن النِّسَاء تخص الأناث (للْأَكْثَر) قَوْله تَعَالَى {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات} إِذْ لَو دخلت المسلمات فِي الْمُسلمين للَزِمَ التّكْرَار ثمَّ إِنَّه لما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه لم لَا يجوز أَن ذكر المسلمات من قبيل التَّأْكِيد وَالتَّصْرِيح بِمَا علم ضمنا؟ قَالَ (وَفَائِدَة الِابْتِدَاء) أَي الإفادة ابْتِدَاء (أولى فِي النصوصية بعد التَّنَاوُل) من حَيْثُ الْعُمُوم تناولا (ظَاهرا)

يَعْنِي سلمنَا أَن مَا ذكرت لَهُ وَجه، لَكِن حمل الْكَلَام البليغ على الْوَجْه الأبلغ أولى، وَلَا شكّ أَن الإفادة خير من الْإِعَادَة، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهرا لِأَن تنَاول الْعَام لجَمِيع الْأَفْرَاد لَيْسَ على سَبِيل النصوصية، بل بِحَسب الظُّهُور (وَسَببه) أَي وللأكثر أَيْضا سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة (وَهُوَ قَول أم سَلمَة: يَا رَسُول الله إِن النِّسَاء قُلْنَ مَا نرى الله ذكر إِلَّا الرِّجَال، فأنزلت) على مَا روى (فِي مُسْند أَحْمد من طَرِيق أم سَلمَة) أَي من طَرِيق يَنْتَهِي إِلَى رِوَايَة أم سَلمَة (وَمن طَرِيق أم عمَارَة وَحسنه) أَي الحَدِيث الْمَذْكُور (التِّرْمِذِيّ) وَتعقبه الشَّارِح بِأَن ظَاهر عبارَة المُصَنّف أَن لفظ الحَدِيث هَكَذَا فِي مسئلة أَحْمد من الطَّرِيقَيْنِ، وَحسنه التِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْمَذْكُور فِي مُسْنده بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، وَبَينه غير أَن الْمَذْكُور فِيهِ حَاصله أَنَّهُنَّ نفين ذكرهن مُطلقًا (فقرر) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (النَّفْي) وَلَو كن داخلات لم يقررهن عَلَيْهِ بِكُل مَنعهنَّ مِنْهُ، ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن نفيهن مَعَ قطع النّظر عَن تَقْرِيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة بقوله (وَهن أَيْضا من أهل اللِّسَان) كَمَا أَن الرِّجَال من أَهله، فَلَو كَانَت النِّسَاء دَاخِلَة فِي صِيغَة جمع الْمُذكر وضعا لما نفين (قَالُوا) أَي الْحَنَابِلَة (صَحَّ) إِطْلَاقه (للمذكر والمؤنث) كاهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا: خطابا لآدَم، وحواء، وإبليس (كَمَا للمذكر فَقَط، وَالْأَصْل) فِي الْإِطْلَاق (الْحَقِيقَة أُجِيب بِلُزُوم الِاشْتِرَاك) اللَّفْظِيّ على هَذَا التَّقْدِير، وَفِيه نظر لجَوَاز الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ بَين الرِّجَال فَقَط، وَبينهمْ وَالنِّسَاء مختلطين (وَالْمجَاز خير) مِنْهُ (وَاعْلَم أَن من الْمُحَقِّقين) وَهُوَ ابْن الْحَاجِب (من يُورد دليلهم) أَي الْحَنَابِلَة (هَكَذَا: الْمَعْرُوف) من أهل اللِّسَان (تَغْلِيب الذُّكُور) على الأناث، وَهَكَذَا إِنَّمَا يتَصَوَّر بِدُخُول النِّسَاء فِيهِ (ثمَّ يُجيب بِكَوْنِهِ) أَي بِكَوْن لفظ الْجمع (إِذن) أَي إِذْ كَانَ دخولهن على سَبِيل التغليب (مجَازًا، وَأَنه خير الخ) أَي من الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ (وَهُوَ) أَي إِيرَاد دليلهم هَكَذَا (بعيد) مِنْهُم (إِذْ اعترافهم بالتغليب اعْتِرَاف بالمجاز) لِأَنَّهُ نوع مِنْهُ (وعَلى كل تَقْدِير) من إِيرَاد دليلهم هَكَذَا، وإيراده على مَا ذكر قبل (فالانفصال) أَي الْجَواب عَن دليلهم سمى بِهِ لِأَنَّهُ ينْفَصل بِهِ الْمُجيب عَن الْمُنَازعَة (بِكَوْن الْمجَاز خيرا إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظِيّ) أَي فِيمَا إِذا كَانَ مُرَاد الْمُسْتَدلّ الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ (وَيُمكن ادعاؤهم) أَي الْحَنَابِلَة الِاشْتِرَاك (الْمَعْنَوِيّ: أَي هُوَ) أَي جمع الْمُذكر وَنَحْوه (للأحد الدائر فِي عقلاء المذكرين منفردين أَو مَعَ الأناث، فَلَا يتم) الِانْفِصَال الْمَذْكُور لِأَن الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ خير من الْمجَاز (وَيدل عَلَيْهِ) أَي على كَونه للمشترك الْمَعْنَوِيّ (شُمُول الْأَحْكَام الْمُعَلقَة بالصيغة) لَهُنَّ أَيْضا كوجوب الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام إِلَى غير ذَلِك، وتساويهم فِي الْأَحْكَام يُنَاسب ويلائم تساويهم فِي كَيْفيَّة شُمُول اللَّفْظ (فَإِن قيل) شمولها لَهُنَّ

(بِخَارِج) أَي بِدَلِيل خَارج عَن تِلْكَ النُّصُوص كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِنَّمَا النِّسَاء شقائق الرِّجَال " وَالْإِجْمَاع (منع) ذَلِك فَإِن قلت هَذَا منع على الْمَنْع فَلَا يسمع قُلْنَا المُرَاد مِنْهُ الْإِبْطَال وَحَاصِله أَنه علم بالتتبع عدم دَلِيل خارجي، إِذْ لَا يُوجد معِين من الْخَارِج فِي كل مَادَّة يُفِيد الشُّمُول (فَإِن اسْتدلَّ) على عدم الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ (بِعَدَمِ دخولهن) فِي الجموع الْوَارِدَة (فِي الْجِهَاد وَالْجُمُعَة وَغَيرهمَا) كحل الِاسْتِمْتَاع بِملك الْيَمين فِي قَوْله تَعَالَى - {وَجَاهدُوا فِي الله}، {واسعوا إِلَى ذكر الله}، {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} - (لعدمه) أَي لعدم، دخولهن فِيهَا، وَهَذَا يدل على عدم دخولهن وضعا فِي الصِّيَغ الْمَذْكُورَة، ودخولهن فِيهَا فِي بعض الْأَحْكَام بِخَارِج (فقد يُقَال) فِي الْجَواب عَن الاستذلال الْمَذْكُور (بل ذَلِك) أَي عدم دخولهن فِيمَا إِذا لم يدخلن فِيهِ (بِخَارِج) عَنْهَا (وَهُوَ) أَي عدم دخولهن فِيمَا ذكر بِخَارِج (أولى من دخولهن) فِيمَا دخلن فِيهِ (بِهِ) أَي بِخَارِج (لِأَنَّهُ) أَي عدم دخولهن (أقل، وَإسْنَاد الْأَقَل إِلَى الْخَارِج أولى) من إِسْنَاد الْأَكْثَر تعليلا لخلاف الظَّاهِر (خُصُوصا بعد تَرْجِيح) الِاشْتِرَاك (الْمَعْنَوِيّ) على اللَّفْظِيّ وَالْمجَاز، ثمَّ الْخَارِج الْمخْرج لَهُنَّ مِمَّا ذكر الْإِجْمَاع وَالسّنة (وَلَا حَاجَة بعد ذَلِك) أَي بعد تَرْجِيح الْمَعْنَوِيّ بِمَا ذكر من دلَالَة شُمُول الْأَحْكَام، وَإسْنَاد الْأَقَل إِلَى الْخَارِج (إِلَى الِاسْتِدْلَال) لدخولهن حَقِيقَة (بالإيصاء لرجال وَنسَاء) أَي بِأَن يوصى شخص بِمَال لرجال وَنسَاء، وَفِي بعض النّسخ لِنسَاء وَرِجَال (ثمَّ قَوْله أوصيت لَهُم) فَإِن الضَّمِير فِي لَهُم عبارَة عَن مَجْمُوع مَا صرح بِهِ أَولا إِجْمَاعًا على أَنه يرد عَلَيْهِ أَن تقدم الجمعين الخاصين قرينَة إرادتهما جَمِيعًا، فَلَا يثبت دخولهن حَقِيقَة بِهِ (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين يرجح قَول الْحَنَابِلَة (فقولها) أَي أم سَلمَة نقلا عَنْهُن (مَا نرى الله ذكرهن) مؤول (أَي) مَا نرى الله ذكرهن (باستقلال وَلَا يخفى عدم تحقق الْخلاف) بَين الْفَرِيقَيْنِ (فِي نَحْو زيدون) من صِيغ جمع الْمُذكر للاتفاق على عدم دخولهن فِيهِ، لِأَنَّهُ مَوْضُوع بِحَسب الْمَادَّة للذكور خَاصَّة (إِلَّا بِفَرْض امْرَأَة مُسَمَّاة بزيد) فَإِن الْعلم إِذا ثني أَو جمع ثمَّ نكر وأبيد بِهِ الْمُسَمّى، وَإِلَّا مرأة الْمَذْكُورَة مِمَّن سمي بِهِ (وَأما أَسمَاء الْأَجْنَاس كمسلمون) مِمَّا يخص بِالذكر وضعا (فقد يسْتَدلّ بِهِ) للْأَكْثَر على عدم دخولهن فِيهَا وضعا (للاتفاق على أَنه جمع الْمُذكر، وَالْجمع لتضعيف الْوَاحِد، وَهُوَ مُسلم) فِي هَذَا الْمِثَال لَا مسلمة (وَلَهُم) أَي الْحَنَابِلَة (دَفعه) أَي الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (بِأَن الْجمع للتضعيف الْوَاحِد (لَكِن الْكَلَام فِي كَونه) أَي فِي كَون ذَلِك (الْوَاحِد الْمُذكر لَيْسَ غير) أَو والمؤنث أَيْضا، وَفِيه أَنه لَا بُد لذَلِك الْوَاحِد الَّذِي الْجمع تَضْعِيفه من لفظ معِين وضعا، وَإِذا اعْتبر

معنى دائر بَين الْمُذكر والمؤنث لم يُوجد لَهُ لفظ كَذَا وَجعل الجموع كلهَا مِمَّا لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه مِمَّا لَا يَقُول بِهِ أحد، غير أَن الْمَفْهُوم من كَلَامه الْآتِي أَن كل وَاحِد من الْمُسلم والمسلمة مُفْرد لَهُ، وَفِيه مَا فِيهِ ثمَّ لما توجه عَلَيْهِ إطباقهم على التَّسْمِيَة بِجمع الْمُذكر لَا الْمُذكر والمؤنث: أجَاب عَنهُ بقوله (وتسميته بِجمع الْمُذكر اصْطِلَاح) لأهل الْعَرَبيَّة، لَا للْعَرَب فَلَا يقوم بِهِ الْحجَّة (فَإِن قيل) لَو كَانَ الْمُسلمُونَ جمعا لمسلمة أَيْضا وَهُوَ جمع سَلامَة (فَأَيْنَ تذْهب التَّاء فِي مسلمة الَّتِي هِيَ من آحاده قيل) فِي جَوَاب هَذِه الأشكال ذهبت (مذهبها) أَي مثل ذهابها، فعلى هَذَا مصدر ميمي، وَيجوز أَن يكون اسْم مَكَان: أَي ذهبت فِي مَذْهَب مثل مذهبها (فِي صَوَاحِب أَو طلحون على رَأْي أَئِمَّة الْكُوفَة) وَابْن كيسَان إِلَّا أَنه فتح اللَّام فِي طلحون قِيَاسا على أرضون، وَمنعه البصريون وَقَالُوا إِنَّمَا يجمع على طلحات كَمَا هُوَ المسموع، والخلو من تَاء التَّأْنِيث الْمُغَايرَة لما فِي عدَّة، وثبة علمين شَرط لهَذَا الْجمع، فَالْقَوْل بِأَنَّهَا ذهبت مذهبها فِي طلحون أولى، لِأَن كلا مِنْهُمَا تَصْحِيح، بِخِلَاف صَوَاحِب (وَالْوَجْه أَن الِاسْتِدْلَال بِتَسْمِيَة جمع الْمُذكر من كل أَئِمَّة اللُّغَة اسْتِدْلَال بإجماعهم) على أَنه تَضْعِيف الْوَاحِد الْمُذكر لَا الْمُخْتَلط (وَإِلَّا لقالوا جمع الْمُخْتَلط وَالْأَصْل عدم التغليب فِي التَّسْمِيَة) فَلَا يرد أَنه لم لَا يجوز أَن يكون عِنْدهم جمع الْمُخْتَلط غير أَنهم غلبوا جَانب الذُّكُور فِي التَّسْمِيَة على الأناث، فَإِن التغليب خلاف الظَّاهِر (بل يجب) عَدمه على تَقْدِير كَونه جمع الْمُخْتَلط (دفعا للوهم) الْحَاصِل من التَّسْمِيَة (فَحَيْثُ قَالُوهُ) أَي جمع الْمُذكر (كَانَ) هَذَا الْجمع (ظَاهرا فِي الْخُصُوص) أَي فِي الذُّكُور (وَيدْفَع) هَذَا بِأَنَّهُ (لما لزمَه الذُّكُور) لفظ جمع الْمُذكر كَانَ هَذَا الْجمع ظَاهرا فِي الْخُصُوص (حَيْثُ كَانَ) مَوْضُوعا (للأعم مِنْهُم) أَي من الذُّكُور خَاصَّة بِأَن يُرَاد بِهِ الذُّكُور مُطلقًا حَال كَونهم (منفردين أَو مختلطين كَانَ نسبته) أَي جمع الْمُذكر حَيْثُ كَانَ مَوْضُوعا للأعم مِنْهُم: أَي من الذُّكُور خَاصَّة بِأَن يُرَاد بِهِ الذُّكُور مُطلقًا حَال كَونهم منفردين، أَو مختلطين كَانَ نسبته: أَي جمع الْمُذكر (إِلَيْهِم) أَي لذكور (أولى من) هَا: أَي من نسبته إِلَى (الْمُخْتَلط، إِذْ لَا يلْزمه) أَي الْمُخْتَلط لفظ الْجمع لمفارقته إِيَّاه فِيمَا إِذا أُرِيد بِهِ الذُّكُور منفردين (وَحِينَئِذٍ ترجح الْحَنَابِلَة) أَي قَوْلهم (وَهُوَ) أَي قَوْلهم (قَول الْحَنَفِيَّة، وَعَلِيهِ) أَي على القَوْل بتناول جمع الْمُذكر الأناث (فرع) قَول الْمُسْتَأْمن: (أمنوني على بني) فَأعْطى الْأمان على بنيه (تدخل بَنَاته) تَحت عُمُوم لفظ بني، فيشملهن الْأمان (وَالْأَظْهَر خصوصه) أَي اخْتِصَاص بني بالذكور (لتبادر خصوصهم) أَي الذُّكُور فِي خُصُوص هَذَا الْجمع (عِنْد الْإِطْلَاق) من غير قرينَة، والتبادر عِنْده بِدُونِهَا أَمارَة الْحَقِيقَة (وَدخُول

مسئلة

الْبَنَات) فِي الْأمان على الْبَنِينَ، للِاحْتِيَاط فِي الْأمان (حَيْثُ كَانَ) الْعُمُوم (مِمَّا تصح إِرَادَته) مجَازًا. مسئلة (هَل الْمُشْتَرك عَام استغراقي فِي) أَفْرَاد كل وَاحِد من (مفاهيمه) أَي مسمياته مَعًا فِي إِطْلَاق وَاحِد بِاعْتِبَار أوضاعه المتعددة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى ثَمَرَة هَذَا الِاسْتِغْرَاق بقوله (فَالْحكم عَلَيْهِ) أَي الْمُشْتَرك (يتَعَلَّق بِكُل مِنْهَا) أَي من أَفْرَاد تِلْكَ المفهومات، فَكَأَنَّهُ مَدْخُول كل الإفرادي (لَا الْمَجْمُوع) أَي الحكم عَلَيْهِ لَا يتَعَلَّق بِمَجْمُوع تِلْكَ المفاهيم من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع ليَكُون مثل مَدْخُول كل الْمَجْمُوع نَحْو: كلهم يحمل هَذِه الصَّخْرَة فَلَا يكون حِينَئِذٍ كل فَرد من مفاهيمه مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِمَا حكم بِهِ عَلَيْهِ (فَعَن الشَّافِعِي نعم) أَي يعم الْمُشْتَرك أَفْرَاد كل وَاحِد من مفاهيمه حَقِيقَة: نَقله إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزالِيّ، والآمدي وَفِي الشَّرْح العضدي عَنهُ أَنه ظَاهر فيهمَا دون أَحدهمَا خَاصَّة، فَيحمل على التجرد عَن الْقَرَائِن عَلَيْهِمَا، وَهُوَ عَام فيهمَا، وَالْعَام عِنْده قِسْمَانِ: مُتَّفق الْحَقِيقَة، ومختلف الْحَقِيقَة (و) عَن (الْحَنَفِيَّة لَا) يعم حَقِيقَة (وَلَا مجَازًا) وَوَافَقَهُمْ البصريان: أَبُو الْحُسَيْن، وَأَبُو عبد الله، وَأَبُو هَاشم وَغَيرهم (فَقيل) لَا يَصح (لُغَة) وَيصِح عقلا (كالغزالي) أَي كَمَا قَالَ هُوَ وَأَبوهُ الْحُسَيْن، وَالْإِمَام الرَّازِيّ (وَقيل) لَا يَصح (عقلا): اخْتَارَهُ صدر الشَّرِيعَة. قَالَ (الْآمِدِيّ يَصح مجَازًا) وَإِلَيْهِ ذهب إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب (وَقيل) يَصح (فِي النَّفْي فَقَط حَقِيقَة وَعَلِيهِ) أَي على هَذَا القَوْل (فرع فِي وَصَايَا الْهِدَايَة. وَفِي الْمَبْسُوط حلف: لَا أكلم مَوْلَاك) وَهُوَ مُشْتَرك بَين الْمُعْتق وَالْمُعتق (وَله) موَالِي (أعلون) يشملهم اللَّفْظ بِالْمَعْنَى الأول (و) موَالِي (أسفلون) يشملهم بِالْمَعْنَى الثَّانِي (أَيهمْ) أَي أَي وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ (كلم) هم الْحَالِف (حنث، لِأَن الْمُشْتَرك فِي النَّفْي يعم) كل فَرد من كل وَاحِد من مفاهيمه (وَهُوَ الْمُخْتَار، وَالْقَاضِي، والمعتزلة). قَالُوا (يَصح حَقِيقَة، فَإِن) كَانَت صِحَة إِطْلَاقه حَقِيقَة (للْعُمُوم) أَي لعمومه فِي مفاهيمه من غير أَن يكون مَوْضُوعا للْكُلّ بِوَضْع مُسْتَقل غير وَضعه لكل مِنْهُمَا بِوَضْع على حِدة (فكقول الشَّافِعِي) رَحمَه الله: أَي فَقَوْلهم كَقَوْلِه (أَو) كَانَت صِحَّته (للاشتراك فِي كلهَا وكل مِنْهَا) بِأَن يكون مَوْضُوعا للمجموع بِوَضْع مُسْتَقل، وَلكُل مِنْهَا بأوضاع مُتعَدِّدَة، فَعِنْدَ اسْتِعْمَاله فِي الْكل يكون الملحوظ وَضعه للْكُلّ، لَا وَضعه للْكُلّ وَلكُل وَاحِد، لِأَنَّهُ الأول: يَعْنِي وَالْفرق بَين هَذَا، وَقَول الشَّافِعِي أَن الشَّافِعِي

رَحمَه الله لَا يَقُول باشتراكه بَين الْكل وكل مِنْهَا، بل يَقُول بِالْعُمُومِ الاستغراقي والحقيقة بِمُجَرَّد اشتراكه بَين مَعَانِيه (أَو لَيْسَ) الْأَمر (كَذَلِك) أَي لَا الْعُمُوم وَلَا للاشتراك فِي كلهَا، وكل مِنْهُمَا (فمباين لَهُ) أَي فَقَوْلهم مباين لقَوْل الشَّافِعِي رَحمَه الله (فَلَيْسَ مَذْهَب الشَّافِعِي أخص مِنْهُ) أَي من قَول القَاضِي (كَمَا قيل) قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (وَلِأَنَّهُ) أَي الْمُشْتَرك (حَقِيقَة) فِي كل من مَعَانِيه (يتَوَقَّف السَّامع فِي المُرَاد بهَا) أَي بِتِلْكَ الْحَقِيقَة (إِلَى الْقَرِينَة) الْمعينَة لإجماله فِي مَعَانِيه (ومذهبه) أَي الشَّافِعِي أَنه (لَا يتَوَقَّف) السَّامع فِي المُرَاد بهَا إِلَى الْقَرِينَة لظُهُوره فِي الْعُمُوم، وَالْمذهب الْمُخْتَار لنا وللقاضي فِي الْمُشْتَرك هُوَ الْمَجْمُوع من كَونه حَقِيقَة وَكَونه بِحَيْثُ يتَوَقَّف السَّامع فِي المُرَاد بِهِ إِلَى الْقَرِينَة، فَكيف يكون مَذْهَب الشَّافِعِي أخص من مَذْهَب القَاضِي (وَالْمذهب: هُوَ الْمَجْمُوع لَا مُجَرّد كَونه حَقِيقَة، وَوُجُود مُشْتَرك بَينهمَا) أَي بَين قَول الشَّافِعِي وَالْقَاضِي (هُوَ صِحَة إِطْلَاقه عَلَيْهِمَا لَا يُوجب الأخصية) الْمَذْكُورَة (ككل متباينين تَحت جنس) كالإنسان وَالْفرس تَحت الْحَيَوَان (وَعَن الشَّافِعِي رَحمَه الله يعم) الْمُشْتَرك جَمِيع مَعَانِيه (احْتِيَاطًا) نَقله الإِمَام الرَّازِيّ (وَهُوَ أوجه النقلين عَنهُ للاتفاق على أَنه) أَي الْمُشْتَرك (حَقِيقَة فِي أَحدهمَا) أَي اتَّفقُوا على أَن الْمُشْتَرك بَين الْمَعْنيين إِذا اسْتعْمل فِي كل مِنْهُمَا مُنْفَردا فَهُوَ حَقِيقَة فِيهِ (فظهوره فِي الْكل) على سَبِيل الِاسْتِغْرَاق الإفرادي بِحَيْثُ لَا يخرج عَنهُ فَرد من أَفْرَاد شَيْء من مفهوميه (فرع كَونه حَقِيقَة فِيهِ أَيْضا) أَي فِي الْكل، لِأَن اللَّفْظ لَا يكون ظَاهرا فِي معنى بِحَيْثُ يتَبَادَر إِلَى لذهن من غير حَاجَة إِلَى قرينَة عِنْد إِطْلَاقه، إِلَّا إِذا كَانَ حَقِيقَة فِيهِ (وَهُوَ) أَي كَونه حَقِيقَة فِي الْكل إِنَّمَا يتَحَقَّق (بِوَضْعِهِ) أَي اللَّفْظ (لَهُ) أَي للْكُلّ (أَيْضا) أَي كَمَا أَنه وضع لكل وَاحِد مِنْهُمَا (فَلَزِمَ) كَون الْكل (مفهوما آخر) لَهُ (فتعميمه) أَي الْمُشْتَرك (اسْتِعْمَال فِي أحد مفاهيمه) وَهُوَ الْكل (لِأَن فِيهِ) أَي فِي اسْتِعْمَاله فِي الْكل (الِاحْتِيَاط) لما فِيهِ من الْخُرُوج عَن الْعهْدَة يتَعَيَّن لجَوَاز لُزُوم تَعْطِيل الْبَعْض على تَقْدِير عدم إِرَادَة الْكل، وَيرد عَلَيْهِ أَنا لَا نسلم الِاحْتِيَاط فِيمَا إِذا كَانَ الأَصْل فِي الحكم المفاد بالمشترك الْحَظْر، فَإِن الِاحْتِيَاط حِينَئِذٍ تقليل ارْتِكَاب مَا هُوَ الْمَحْظُور قبل وُرُوده وَهُوَ بِحمْلِهِ على الْبَعْض (جعله) أَي الشَّافِعِي الِاحْتِيَاط (كالقرينة) لإِرَادَة الْكل، وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِي كَونه مُجملا أَو عَاما فِيمَا إِذا وقف على موَالِيه، وَلَيْسَ لَهُ موَالٍ إِلَّا من أَعلَى أَو أَسْفَل، فعلى الْإِجْمَال وجود أحد الْفَرِيقَيْنِ فَقَط قرينَة لإِرَادَة أحد الْمَعْنيين، فَلَا يدْخل فِي الْوَقْف من حدث بعد الْوَقْف من الْفَرِيق الآخر، وعَلى الْعُمُوم يدْخل وَهُوَ ظَاهر كَمَا لَو وقف على أَوْلَاده وَله أَوْلَاد، ثمَّ حدث آخر يشاركهم (وَالْجمع كالواحد عِنْد الْأَكْثَر) أَي جمع الْمُشْتَرك بِاعْتِبَار مفاهيمه كالعيون بِاعْتِبَار

الباصرة وَالْجَارِيَة، وَالشَّمْس كالمفرد الْمُشْتَرك فِي جَوَاز إِطْلَاقه على مَعَانِيه دفْعَة، وَعَدَمه عِنْد أَكثر الْأُصُولِيِّينَ، فَمن أجَاز فِي الْمُفْرد ذَلِك أجَاز جمعه باعتبارها، وَمن منع فِي الْمُفْرد منع فِي الْجمع ذَلِك، وَمن فصل ثمَّة فصل هُنَا، لِأَن الْجمع يتبع مفرده (وَأَجَازَهُ) أَي جمعه بِاعْتِبَار مَعَانِيه (آخَرُونَ مَعَ مَنعه) أَي منع جَوَاز إِطْلَاقه على مَعَانِيه دفْعَة (فِي الْمُفْرد لِأَنَّهُ) أَي الْجمع (فِي قُوَّة المتعدد بالْعَطْف) فَكَأَنَّهُ اسْتعْمل كل مُفْرد فِي معنى وَأجِيب بِالْمَنْعِ أَولا، وعَلى التَّسْلِيم لَيْسَ فِي قُوَّة المتعدد مُطلقًا، بل المتعدد من نوع وَاحِد بِشَهَادَة الِاسْتِغْرَاق والتثنية مُلْحقَة بِالْجمعِ وللنحويين فيهمَا مذهبان، الْجَوَاز وَعَدَمه: وَهُوَ الْمَشْهُور (وَشرط تعميمه) أَي الْمُشْتَرك فِي مفاهيمه (مُطلقًا) مُفردا كَانَ أَو مثنى أَو مجموعا (إِمْكَان الْجمع) بَينهَا فَلَا يعم صِيغَة أفعل فِي الْإِيجَاب والتهديد لعدم إِمْكَانه، لِأَن الْإِيجَاب يَقْتَضِي الْفِعْل، والتهديد التّرْك (والاتفاق على مَنعه) أَي منع اسْتِعْمَاله حَقِيقَة (فِي الْمَجْمُوع) أَي مَجْمُوع مَعَانِيه من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع، قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: الثَّالِث إِطْلَاقه على مَجْمُوع الْمَعْنيين بِأَن يُرَاد بِهِ فِي إِطْلَاق وَاحِد الْمَجْمُوع الْمركب من الْمَعْنيين بِحَيْثُ لَا يُفِيد أَن كلا مِنْهُمَا منَاط الحكم، وَلَا نزاع فِي امْتنَاع ذَلِك حَقِيقَة وَفِي جَوَازه مجَازًا إِن وجدت علاقَة مصححه (فَلَا يتَعَلَّق الحكم إِلَّا بِهِ) أَي بالمجموع على ذَلِك التَّقْدِير (على خلاف الْعَام) فَإِن الحكم يتَعَلَّق فِيهِ بِكُل من أَفْرَاده (و) الِاتِّفَاق أَيْضا (على منع كَونه) أَي الْمُشْتَرك مُسْتَعْملا (فيهمَا) أَي معنييه مَعًا (حَقِيقَة) فِي أَحدهمَا (ومجازا) فِي الآخر (لنا) نعني الْحَنَفِيَّة فِي عدم استغراقه مفاهيمه (يسْبق إِلَى الْفَهم إِرَادَة أَحدهمَا) أَي معنى الْمُشْتَرك عِنْد إِطْلَاقه، يَعْنِي إِذا سمعنَا الْمُشْتَرك ينْتَقل ذهننا فَوْرًا إِلَى أَن مُرَاد الْمُتَكَلّم وَاحِد من مَعَانِيه لَا الْأَكْثَر (حَتَّى تبادر) إِلَى الذِّهْن (طلب الْمعِين) بِصِيغَة الْفَاعِل يَعْنِي أَن تبادر أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين سَبَب لتبادر طلب الْمعِين بِصِيغَة الْفَاعِل، فَالثَّانِي ينور الأول (وَهُوَ) أَي تبادر الآخر لَا على التَّعْيِين الْمُوجب لطلب الْمعِين (مُوجب الحكم بِأَن شَرط اسْتِعْمَاله) أَي الْمُشْتَرك (لُغَة) ظرف للشّرط وَنصب على الْمصدر: أَي اسْتِعْمَالا يَقْتَضِيهِ وضع اللُّغَة (كَونه) أَي كَون اسْتِعْمَاله وَاقعا (فِي أَحدهمَا) أَي معنييه، وَوجه إِيجَابه الحكم الْمَذْكُور أَنه لَوْلَا أَن الْوَاضِع اللّغَوِيّ اقْتضى أَن يذكر الْمُشْتَرك، وَيُرَاد بِهِ أحد مَعَانِيه فَقَط لم يتَبَادَر إِلَى الْفَهم إِنَّمَا يتبع مَا يَقْتَضِيهِ الْوَضع، وَلذَلِك قَالُوا تبادر الْمَعْنى إِلَى الْفَهم عِنْد إِطْلَاق اللَّفْظ دَلِيل كَونه حَقِيقَة فِيهِ (فاتنفى ظُهُوره) أَي الْمُشْتَرك (فِي الْكل) لِأَنَّهُ لَو كَانَ ظَاهرا فِيهِ لتبادر هُوَ إِلَى الْفَهم لَا أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين (وَمنع سبق) ذَلِك أَي إِرَادَة أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين (مُكَابَرَة تضمحل) تِلْكَ المكابرة (بِالْعرضِ) على عرف أهل الِاسْتِعْمَال، فَيُقَال لَهُم مَا تفهمون على الْفَوْر إِذا أطلق

الْمُشْتَرك، وَيجوز أَن يُرَاد الْعرض على الوجدان، فَإِن كل أحد إِذا رَاجع وجدانه وجد ذَلِك (وإلزام كَونه) أَي الْمُشْتَرك (مُشْتَركا معنويا) لَا لفظيا، لِأَن مَفْهُوم أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين مُشْتَرك بَين الْمَعْنيين يصدق كل وَاحِد مِنْهُمَا وتبادره إِلَى الْفَهم دَلِيل كَونه مَوْضُوعا بإزائه (مَمْنُوع فَإِنَّهُ) أَي الْمُشْتَرك اللَّفْظِيّ (مَا) أَي لفظ (تعدّدت أوضاعه للمفاهيم) وَهَذَا الْمَعْنى صَادِق على لفظ الْمعِين مثلا، وَصدق التَّعْرِيف يسْتَلْزم تحقق الْمُعَرّف، وَلَيْسَ تبادر ذَلِك الْمَعْنى الْمُشْتَرك بِسَبَب وضع اللَّفْظ لَهُ، بل بِسَبَب وَضعه لكل وَاحِد من الْمَعْنيين المندرجين تَحْتَهُ على وَجه اقْتضى إِرَادَة الْبَعْض من المفاهيم: كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَشرط كَون اسْتِعْمَاله) أَي الْمُشْتَرك اللَّفْظِيّ (فِي الْإِثْبَات) أَي فِيمَا إِذا ثَبت لَهُ حكم، احْتِرَاز عَمَّا إِذا نفى عَنهُ، فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك يعم على مَا تقدم (فِي بَعْضهَا) أَي المفاهيم خبر الْكَوْن، وَقَوله فِي الْإِثْبَات ظرف للاستعمال (كالمعنوي للأفراد) أَي كَمَا شَرط كَون اسْتِعْمَال الْمُشْتَرك الْمَعْنَوِيّ الْمَوْضُوع لفرد مَا من أَفْرَاده على مَا هُوَ الْمُخْتَار فِي اسْم الْجِنْس فِي بعض تِلْكَ الْأَفْرَاد (فَلَزِمَ فيهمَا) أَي الْمَعْنَوِيّ واللفظي (تبادر الْأَحَد) غير أَن الْأَحَد فِي الْمَعْنَوِيّ أحد الْأَفْرَاد، وَفِي اللَّفْظِيّ أحد المفاهيم (والتوقف إِلَى الْمعِين) أَي توقف فهم مُرَاد الْمُتَكَلّم إِلَى مَا يعين ذَلِك الْأَحَد الْمُبْهم من الْقَرِينَة (فاشتركا) أَي الْمَعْنَوِيّ واللفظي (فِي لَازم) هُوَ التبادر والتوقف الْمَذْكُورَان (مَعَ تبَاين الحقيقتين) لما عرفت من اعْتِبَار تعدد الْوَضع فِي اللَّفْظِيّ، واتحاده فِي الْمَعْنَوِيّ وَغير ذَلِك (وَأَيْضًا اتِّفَاق المانعين لوُجُوده) أَي الْمُشْتَرك اللَّفْظِيّ (على تَعْلِيله) أَي تَعْلِيل الْمَنْع لوُجُوده (بِأَنَّهُ) أَي الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ (مخل بالفهم و) اتِّفَاق (المجيبين على أَن الْإِجْمَال مِمَّا يقْصد) فِي التخاطب (اتِّفَاق الْكل) خبر اتِّفَاق المانعين وَمَا عطف عَلَيْهِ (على نفي ظُهُوره) أَي الْمُشْتَرك (فِي الْكل) إِذْ أجمع الْفَرِيقَانِ على أَن الْمُشْتَرك إِذا أطلق مفاده الْإِجْمَال غير أَن أَحدهمَا حكم بِأَنَّهُ إخلال، وَالْآخر بِأَنَّهُ لَيْسَ بإخلال، بل هُوَ مِمَّا يقْصد (وَأَيْضًا لَو عَم) الْمُشْتَرك فِي معنييه (كَانَ مجَازًا) فِي أَحدهمَا (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَي حِين يُرَاد بِهِ أَحدهمَا (عَام مَخْصُوص) وَالْعَام الْمَخْصُوص مجَاز، لِأَنَّهُ حَقِيقَته الْعُمُوم من غير تَخْصِيص (لَا يُقَال ذَلِك) أَي لُزُوم كَونه مجَازًا عِنْد إِرَادَة أَحدهمَا مِنْهُ (لَو لم يكن مَوْضُوعا لَهُ) أَي لأَحَدهمَا أَيْضا، لكنه مَوْضُوع لَهُ غير أَنه حَقِيقَة محتاجة إِلَى الْقَرِينَة: (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَي حِين يكون مَوْضُوعا لَهُ أَيْضا (مُشْتَرك بَين الْكل وَالْبَعْض فَيلْزم التَّوَقُّف فِي المُرَاد مِنْهُمَا) أَي من الْكل وَالْبَعْض (إِلَى الْقَرِينَة) الْمعينَة لوَاحِد مِنْهُمَا بِعَيْنِه (فَلَا يكون ظَاهرا فِي الْكل) كَمَا عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله (فَلَو عَم) الْمُشْتَرك (فلغيره) أَي فهم الْكل دون أَحدهمَا فَقَط لَيْسَ لمُجَرّد تَعْبِير لكَونه مَوْضُوعا للْعُمُوم (كَمَا نقل عَن الشَّافِعِي) رَحمَه الله

(أَنه) أَي عُمُومه (احْتِيَاط للْعلم) أَي ليحصل الْعلم (بِفعل المُرَاد) للمتكلم بالمشترك (قُلْنَا لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ) إِلَى أَنه عَام فِي الْكل للِاحْتِيَاط (أَلا بِالْعلمِ بشرع مَا علم أَنه لم يشرع) يَعْنِي أَنه قد علم قبل حمل الْمُشْتَرك على الْعُمُوم أَن ذَلِك الحكم الْعَام لم يكن مَشْرُوعا، وَالنَّص الْمُشْتَمل على الْمُشْتَرك لَيْسَ بِنَصّ على الْعُمُوم، بل يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ بعض من ذَلِك الْعُمُوم، بل هُوَ الْمُتَبَادر لما مر، فالمتيقن بِمُجَرَّد ذَلِك النَّص مشروعيته للْبَعْض لَا الْكل، فالحمل على الْعُمُوم حكم بمشروعية حكم علم مشروعيته قبل الْحمل الْمَذْكُور بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال (وَهُوَ) أَي شرع مَا علم أَنه لم يشرع (حرَام) لِأَنَّهُ إِثْبَات حكم شَرْعِي من غير دَلِيل غير جَائِز إِجْمَاعًا وارتكاب الْمحرم يُنَافِي الِاحْتِيَاط فَإِن قلت قد وجدنَا فِي كثير من الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة إِيجَاب أَمر على وَجه مَعَ كَون نَصه مُحْتملا لغير إِيجَابه على ذَلِك الْوَجْه، مُعَللا بِالِاحْتِيَاطِ وَقصد خُرُوج الْمُكَلف عَن الْعهْدَة بِيَقِين فَيلْزم فِيهَا شرع مَا علم إِلَى آخِره قلت ذَلِك فِيمَا علم وجوب أصل الْفِعْل يَقِينا غير أَنه وَقع الشَّك فِي كيفيته وإيقاعه على بعض الكيفيات مُوجب لِلْخُرُوجِ عَن الْعهْدَة بِيَقِين، وَفِيمَا نَحن فِيهِ الْمُتَيَقن إِيجَاب أصل الْفِعْل فِي أَفْرَاد مَفْهُوم وَاحِد من مفاهيم الْمُشْتَرك وَبَينهمَا بون بعيد فَتَأمل (والتوقف) فِي الْعَمَل بالمشترك (إِلَى ظُهُور المُرَاد الإجمالي) وَهُوَ الْمعِين الَّذِي قصد من جملَة مفاهيمه وَلم يعلم بِمُجَرَّد إِطْلَاقه لما سبق من الدَّلِيل الْمُقْتَضى تبادر مَفْهُوم أحد الْمعَانِي لَا على التَّعْيِين (وَاجِب) فالحمل على الْعُمُوم من غير توقف إِلَى ظُهُور قرينَة دَالَّة على تعْيين المُرَاد ترك الْوَاجِب فَلَا يجوز (وَأما بُطْلَانه) أَي بطلَان عُمُومه فِي مَعَانِيه (مجَازًا، فلعدم العلاقة) بَين الْكل وَبَين أحد مَعَانِيه الَّذِي هُوَ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَهُ وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه لَا نسلم عدم العلاقة، فَإِن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ جُزْء من الْمجَازِي: وَهُوَ من العلاقات الْمُعْتَبرَة قَالَ (والجزء) أَي وَاسْتِعْمَال اسْم الْجُزْء (فِي الْكل مَشْرُوط بالتركب الْحَقِيقِيّ) بِأَن يكون الْكل مركبا مِنْهُ وَمن غَيره فِي الْخَارِج بِحَيْثُ يصير شخصا وَاحِدًا وَلَا غَيره بالتركيب الاعتباري بِمُجَرَّد اعْتِبَار الْعقل (وَكَونه) أَي وبكون التَّرْكِيب بِحَيْثُ (إِذا انْتَفَى الْجُزْء انْتَفَى الِاسْم) أَي اسْم الْكل (عَن الْكل عرفا كالرقبة) أَي كإطلاق اسْم الرَّقَبَة (على الْكل) وَهُوَ الْإِنْسَان (بِخِلَاف الظفر) فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي الْإِنْسَان بِانْتِفَاء الظفر أَو الْأصْبع، بل الْيَد وَإِنَّمَا قَالَ عرفا، لِأَنَّهُ لَا شكّ فِي انْتِفَاء الْمَجْمُوع الْمركب من الظفر مثلا بشخصه فِي نفس الْأَمر (و) بِخِلَاف إِطْلَاق (نَحْو الأَرْض لمجموع السَّمَوَات وَالْأَرْض) فَإِنَّهُ لَا يَصح لعدم التَّرْكِيب الْحَقِيقِيّ (على أَنه) أَي تَعْمِيم الْمُشْتَرك فِي مَعَانِيه (لَيْسَ مِنْهُ) أَي من اسْتِعْمَال لفظ الْجُزْء فِي الْكل (لِأَنَّهُ) أَي الشَّأْن (لم يوضع لمجموعها) أَي المفاهيم: أَي لم يَقع بِإِزَاءِ الْمَجْمُوع وضع، وَلَا بُد

فِي اسْتِعْمَال لفظ الْجُزْء فِي الْكل أَن يكون للْكُلّ اسْم وضع بإزائه (ليَكُون كل مَفْهُوم جُزْء مَا) أَي كل (وضع لَهُ اسْم خُصُوصا على قَول الْمجَاز) فَإِن الْقَائِل بِهِ معترف بِعَدَمِ وَضعه للْكُلّ، وَعدم وضع لفظ آخر لَا نزاع فِيهِ (وَأما صِحَّته) أَي صِحَة عُمُومه (فِي النَّفْي) كَمَا هُوَ الْمُخْتَار (فَإِن الْمَنْفِيّ) أَي الْمَفْهُوم الَّذِي أُرِيد بالمشترك فنفى فِي سِيَاق النَّفْي (مَا يُسمى بِاللَّفْظِ) أَي لفظ الْمُشْتَرك، فَإِنَّهُ يتَنَاوَل كل وحد من مسمياته، وَعَن الْفَاضِل الْأَبْهَرِيّ أَنه لَا خلاف فِي صِحَة هَذَا ومجازيته كَمَا يؤول الْعلم بِمَا يقْضِي بِهِ عِنْد إِرَادَة تكبره وتثنيته وَجمعه، وَهَذَا التَّحْقِيق بِخِلَاف مَا نَقله عَن الْبَعْض أَنه حَقِيقَة. قَالَ (المصححون) عُمُوم الْمُشْتَرك فِي مَعَانِيه (حَقِيقَة) وَمَا (وضع) الْمُشْتَرك (لكل) من المفاهيم (فَإِذا قصد الْكل) أَي جَمِيعهَا بِهِ مَعًا (كَانَ) مُسْتَعْملا (فِيمَا وضع لَهُ قُلْنَا اسْم الْحَقِيقَة) إِنَّمَا يثبت بِاللَّفْظِ (بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بِالْوَضْعِ) أَي لَا بِمُجَرَّد الْوَضع (فَإِذا شَرط فِي الِاسْتِعْمَال) أَي اسْتِعْمَال الْمُشْتَرك (عدم الْجمع) بَين مفاهيمه فِي الْإِرَادَة مِنْهُ دفْعَة لُغَة (امْتنع) اسْتِعْمَاله فِي الْجَمِيع (لُغَة) وَالْعلم بِالشّرطِ الْمَذْكُور إِنَّمَا حصل بالمتبع والاستقراء للغة فَحَيْثُ لم يَجدوا اسْتِعْمَاله فِي الْكل أصلا عمِلُوا بِهِ وَبِمَا سيشير إِلَيْهِ (فَلَو اسْتعْمل) فِي الْجَمِيع (كَانَ خطأ فضلا عَن كَونه حَقِيقَة) فِيهِ (فَيمْتَنع وجوده) أَي وجود اسْتِعْمَاله فِي الْجَمِيع (فِي لِسَان الشَّرْع واللغة) أما اللُّغَة فقد عرفت، وَأما الشَّرْع فَلِأَنَّهُ لَا يكون الِاسْتِعْمَال الشَّرْعِيّ على خلاف الِاسْتِعْمَال اللّغَوِيّ فِيمَا شَرط فِي مُطلق الِاسْتِعْمَال، وَهُوَ ظَاهر (وَدَلِيل الِاشْتِرَاط) بِالشّرطِ الْمَذْكُور (مَا قدمنَا) من تبادر الْأَحَد لَا على التَّعْيِين عِنْد إِطْلَاقه (قَالُوا) أَي المجوزون فِي دفع الِامْتِنَاع (وَقع) اسْتِعْمَاله كَذَلِك فِي كَلَام الله تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ، ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ} الْآيَة، وَهِي) أَي الصَّلَاة (من الله الرَّحْمَة وَمن غَيره الدُّعَاء، فَهُوَ) أَي لفظ يصلونَ (مُشْتَرك) وَقد اسْتعْمل فِي كلا معنييه فِي هَذِه الْآيَة (وَالسُّجُود فِي الْعُقَلَاء بِوَضْع الْجَبْهَة) على الأَرْض (وَمن غَيرهم الخضوع) والانقياد (قُلْنَا إِذا لزم كَونه) أَي اللَّفْظ (حَقِيقَة فِي مَعْنيين) مُخْتَلفين بِالْحَقِيقَةِ بِأَن يسْتَعْمل فِي كل مِنْهُمَا بِلَا قرينَة الْمجَاز (وَأمكن جعله) أَي جعل ذَلِك اللَّفْظ مَوْضُوعا (لمشترك) أَي لِمَعْنى مُشْتَرك (بَينهمَا). أَي الْمَعْنيين بِأَن يكون ثمَّة معنى يعمها وَيصْلح لِأَن يَجْعَل الْمَوْضُوع لَهُ بِاعْتِبَار تبادره من اللَّفْظ عِنْد الْإِطْلَاق (لزم) كَونه كَذَلِك لَا مُشْتَركا لفظيا لما تقرر عِنْدهم من أَن التواطؤ خير من الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ، وَهنا كَذَلِك (فالسجود) أَي مَعْنَاهُ (الْمُشْتَرك) من سُجُود الْعُقَلَاء وَغَيرهم هُوَ (الخضوع الشَّامِل) للاحتياري والقهري من قَول، وَفعل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (قولا وفعلا) وَمِنْه انقياد الْمَخْلُوق لأمر الله وتصرفه فِيهِ (فَهُوَ) أَي الخضوع الْمُطلق (متواطئ)

مسئلة

أَي ككلي بَين سُجُود الْعُقَلَاء (فَيسْجد لَهُ) أَي فَقَوله تَعَالَى - {يسْجد لَهُ} - مَعْنَاهُ (يخضع لَهُ من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ) أَي الخضوع (لجنسيته تخْتَلف صوره) كَمَا أَن سَائِر الماهيات الجنسية قَابِلَة لحلول صور نوعية مُخْتَلفَة (فَفِي الْعُقَلَاء) يتَحَقَّق (بِالْوَضْعِ) أَي بِوَضْع الْجَبْهَة على الأَرْض إِظْهَارًا لكَمَال التذلل والانقياد (وَفِي غَيرهم بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر وضع الْجَبْهَة مِمَّا يدل على الخضوع كقبول التَّصَرُّف من غير إباء (فَانْدفع الِاعْتِرَاض بِأَنَّهُ إِن أُرِيد) بِالسُّجُود الخضوع والانقياد (القهري شَمل الْكل) أَي الموجودات الممكنة (فَلَا وَجه لتخصيص كثير من النَّاس) بِالذكر (أَو) أُرِيد الخضوع (الِاخْتِيَارِيّ لم يتأت فِي غَيرهم) أَي غير الْعُقَلَاء: لأَنا نَخْتَار شقا ثَالِثا وَهُوَ الْمَعْنى الْأَعَمّ من القهري والاختياري فَإِن قلت إِذا أُرِيد الْأَعَمّ أَيْضا لَا مغنى لوجه التَّخْصِيص الْمَذْكُور لِأَنَّهُ يعم الْكل قلت وجهة الْإِشَارَة إِلَى أَن الْعُقَلَاء تميزوا بِنَوْع من ذَلِك الْجِنْس غير أَنه خَاصَّة غير شَامِلَة لكلهم، وَفِيه إِيهَام أَن بَعضهم خارجون عَن دَائِرَة الخضوع الْمُطلق بِالْكُلِّيَّةِ (وَكَذَا الصَّلَاة مَوْضُوعَة للاعتناء) بالمصلى عَلَيْهِ (بِإِظْهَار الشّرف) وَرفع الْقدر لَهُ (ويتحقق) الاعتناء الْمَذْكُور (مِنْهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ) عَلَيْهِ (وَمن غَيره بدعائه لَهُ) وَإِنَّمَا اختير هَذَا (تَقْدِيمًا للاشتراك الْمَعْنَوِيّ على) الِاشْتِرَاك (اللَّفْظِيّ، أَو يَجْعَل) مَعْطُوف على الشّرطِيَّة الْمَذْكُورَة بعد قُلْنَا: أَي يَجْعَل الْمَذْكُور من السُّجُود وَالصَّلَاة (مجَازًا فِيهِ) أَي الْمَعْنى الْمَذْكُور من الخضوع والاعتناء لعلاقة اللُّزُوم (فَيعم) الْمَعْنى الْمجَازِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فيهمَا: أَعنِي وضع الْجَبْهَة وَالدُّعَاء (وَأما أهل التَّفْسِير فعلى) أَي فاتفقوا على (إِضْمَار خبر للْأولِ) فِي آيَة الصَّلَاة، تَقْدِيره إِن الله يُصَلِّي وَمَلَائِكَته يصلونَ، فَحذف يُصَلِّي لدلَالَة يصلونَ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَول الْقَائِل: (نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف) وَإِذا تكَرر اللَّفْظ حمل كل وَاحِد على معنى آخر فَلَا حجَّة فِيهِ (وَعَلِيهِ) أَي وعَلى منع تَعْمِيم الْمُشْتَرك (تفرع بطلَان الْوَصِيَّة لمواليه وهم) أَي الموَالِي موجودون (لَهُ من الطَّرفَيْنِ) على مَا تقدم لِأَنَّهُ لما لم يعمها وَلَيْسَ أَحدهمَا أولى من الآخر بَقِي الْمُوصى لَهُ مَجْهُولا فبطلت. مسئلة (الْمُقْتَضى) بِصِيغَة الْمَفْعُول هُوَ (مَا استدعاه صدقه الْكَلَام: كرفع الْخَطَأ وَالنِّسْيَان) أَي كَمَا اقْتضى، لَا صدق رفع الْخَطَأ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان ":

الحَدِيث (أَو) مَا استدعاه (حكم لزمَه شرعا) أَي لزم الْكَلَام: كاعتق عَبدك عني بِأَلف، وَالْمرَاد بِهِ الْمَفْهُوم الْكُلِّي وَمنع عُمُومه: أَي عُمُوم الْمُقْتَضى، فَالْحكم اللَّازِم للْكَلَام ولَايَة الاعتاق للمخاطب عِنْده من قبل الْمُتَكَلّم، وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك إِلَّا بِاعْتِبَار بيع بَينهمَا سَابق على الْوكَالَة اللَّازِمَة للْكَلَام الْمَذْكُور، فإنشاء البيع الْمَذْكُور مَا استدعاه الحكم الْمَذْكُور، وَيجوز أَن يكون قَوْله أَو حكم مَعْطُوفًا على الْمَوْصُول، وَالْمعْنَى والمقتضى حكم لزم الْكَلَام لتوقف صِحَة حكمه الْمَنْطُوق عَلَيْهِ، لَكِن قَوْله (فَإِن توقفا) يُؤَيّد الأول: أَي توقف الصدْق وَالْحكم الْمَذْكُورَان على مَا هُوَ الْمُتَبَادر (على خَاص بِعَيْنِه أَو عَام لزم) ذَلِك الْخَاص أَو الْعَام، وَالْمرَاد بِهِ الْمَفْهُوم الْكُلِّي (وَمنع عُمُومه) أَي عُمُوم الْمُقْتَضى أَو الْعَام (هُنَا) أَي فِيمَا توقفه على عَام (لعدم كَونه) أَي الْعَام هُنَا (لفظا) إِذْ الْعُمُوم من أَوْصَاف اللَّفْظ كَمَا ذكره جمَاعَة: مِنْهُم صدر الشَّرِيعَة (لَيْسَ بِشَيْء) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي منع (لِأَن الْمُقدر كالملفوظ) فِي إِفَادَة الْمَعْنى (وَقد تعين) الْمُقدر بِصفة الْعُمُوم بِالدَّلِيلِ الْمعِين لَهُ فَيكون عَاما (وَأَيْضًا هُوَ) أَي عُمُوم الْمُقدر (ضرري لفرض التَّوَقُّف) أَي توقف الْكَلَام صدقا أَو صِحَة شَرْعِيَّة (عَلَيْهِ) أَي على عُمُومه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَوَقَّف عَلَيْهِ (فَغير الْمَفْرُوض) أَي فالمقدر الَّذِي لَا يتَوَقَّف على عُمُومه غير الْمُقدر الْمَفْرُوض (وَلَو كَانَ) التَّوَقُّف (على أحد أَفْرَاده) أَي الْعَام (لَا يقدر مَا يعمها) أَي أَفْرَاده كلهَا (بل إِن اخْتلفت أَحْكَامهَا) أَي أَحْكَام أَفْرَاد تِلْكَ الْعَام فيترتب على تَقْدِير بَعْضهَا حكم يُخَالف الحكم الْمُتَرَتب على الْبَعْض الآخر (وَلَا معِين) فِي الْمقَام يعين الْبَعْض الَّذِي يحصل بِهِ الْمَقْصُود (فمجمل) فالمقدر حِينَئِذٍ مُجمل (أَولا) تخْتَلف أَحْكَامهَا (فالدائر) أَي فَيقدر الْفَرد الْمُنْتَشِر الَّذِي يَدُور مَعَ كل فَرد لصدقه عَلَيْهِ، وَنسب إِلَى الشَّافِعِيَّة أَنهم يقدرُونَ فِي هَذَا الْمقَام مَا يعمها (لنا) فِي أَنه لَا يقدر مَا يعمها أَن تَقْدِيره (إِضْمَار الْكل) أَي تَقْدِيره فِي الْكَلَام (بِلَا مُقْتَض) فَلَا يجوز، لِأَن التَّقْدِير إِنَّمَا يكون بِحَسب الضَّرُورَة. (قَالُوا) أَي المعممون إِضْمَار الْكل كتعميم رفع حكم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان، بِحَيْثُ يَشْمَل الدنيوي، وَهُوَ الصِّحَّة وَالْفساد، والأخروي وَهُوَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب (أقرب إِلَى الْحَقِيقَة) كرفع ذَات الْخَطَأ وَالنِّسْيَان من سَائِر المجازات إِلَيْهَا لِأَن فِي رفع أَحْكَامهَا مُطلقًا رَفعهَا، وَالْمجَاز الْأَقْرَب أولى من غَيره (قُلْنَا) نعم (إِذا لم ينفه) أَي الْمجَاز الْأَقْرَب (الدَّلِيل) وَلَكِن هُنَا نَفَاهُ، وَهُوَ إِضْمَار الْكل بِلَا مُقْتَض (وَكَون الْمُوجب للإضمار) حَاصِلا (فِي الْبَعْض) أَي فِي بعض أَفْرَاد الْعَام (يَنْفِي الْكل) أَي إِضْمَار الْكل (لما قُلْنَا) من كَونه بِلَا مُقْتَض، فَإِن مُقْتَضى التَّبْعِيض لَا يكون مُقْتَضى الْكل، (فَفِي الحَدِيث أُرِيد حكمهمَا) أَي حكم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان (ومطلقه) أَي الحكم الْمُطلق (يعم حكمي

الدَّاريْنِ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (وَلَا تلازم) بَين الْحكمَيْنِ (إِذْ ينتفى الْإِثْم) وَهُوَ حكم الْآخِرَة (وَيلْزم الضَّمَان) وَهُوَ حكم الدُّنْيَا كَمَا فِي إِتْلَاف مُحْتَرم مَمْلُوك للْغَيْر خطأ (فلولا الْإِجْمَاع على أَن الأخروي مُرَاد توقف) عَن الْعَمَل بِهِ لإجماله فِيهَا (وَإِذ أجمع) على أَن الأخروي مُرَاد (انْتَفَى الآخر) وَهُوَ الدنيوي (ففسدت الصَّلَاة بنسيان الْكَلَام وخطئه) أَي بنسيان وَخطأ أوقع الْمصلى فِي التَّكَلُّم، فالإضافة لأدنى مُلَابسَة، وَالْكَلَام مُفسد مُطلقًا عِنْد أَصْحَابنَا، ولغيرهم تفاصيل تعرف فِي فروعهم (و) فسد (الصَّوْم بِالثَّانِي) أَي بالمفسد الثَّانِي، وَهُوَ الْأكل أَو الشّرْب خطأ لوصول المَاء إِلَى الْجوف خطأ فِي الْمَضْمَضَة (لَا الأول) أَي لَا بالمفسد الأول، وَهُوَ الْأكل وَالشرب نِسْيَانا (بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من نسى وَهُوَ صَائِم فَأكل أَو شرب فليتم صَوْمه، فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه " (وَلَو صَحَّ قِيَاسه) أَي الْخَطَأ (عَلَيْهِ) أَي النسْيَان فِي غير إِفْسَاد الصَّوْم بِجَامِع عدم الْقَصْد إِلَى الْجِنَايَة كَمَا هُوَ القَوْل الْأَصَح للشَّافِعِيّ رَحمَه الله إِذا لم يُبَالغ فِي الْمَضْمَضَة، وَالِاسْتِنْشَاق، وَقَول أَحْمد رَحمَه الله إِذا لم يسرف فيهمَا خلافًا لِأَصْحَابِنَا وَمَالك، بل وَأكْثر الْفُقَهَاء على مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ (فدليل آخر) أَي فموجبه دَلِيل آخر، لَا حَدِيث " رفع الْخَطَأ ". وَإِنَّمَا قَالَ لَو، لِأَن صِحَّته مَحل نظر لكَونه قِيَاسا مَعَ الْفَارِق الْمُؤثر لندرة الْأكل اَوْ الشّرْب مَعَ التَّذَكُّر، ولكثرة الْوُجُود دخل فِي الْعذر (وَأما الصَّلَاة) أَي قياسها (على الصَّوْم) فِي عدم الْفساد بِفعل الْمُفْسد نِسْيَانا (فبعيد، لِأَن عذره) أَي الْمُكَلف (وَلَا مُذَكّر) حَال عَن الضَّمِير: أَي كَونه مَعْذُورًا فِي حَال لَا مُذَكّر لَهُ فِيهَا كَمَا فِي الصَّوْم (لَا يستلزمه) أَي لَا يسْتَلْزم كَونه مَعْذُورًا حَال كَونه (مَعَه) أَي مَعَ الْمُذكر كَمَا فِي الصَّلَاة لانْتِفَاء التَّقْصِير مِنْهُ فِي الأول دون الثَّانِي (وَلذَا) أَي لعدم الاستلزام الْمَذْكُور (وَجب الْجَزَاء بقتل الْمحرم الصَّيْد نَاسِيا) لوُجُود الْمُذكر لَهُ، وَهُوَ هَيْئَة الْإِحْرَام (وَفِي الثَّانِي) من قسمي الْمُقْتَضى فِي نَحْو: أعتق عَبدك عني بِأَلف (لزم التَّرْكِيب) من حكمين (شرعا) إِلَّا إِذا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة (حكم) هُوَ (صِحَة الْعتْق) عَن الْأَمر (و) حكم هُوَ (سُقُوط الْكَفَّارَة) عَنهُ إِن نوى عتقه فِيهَا فَيَقْتَضِي سبق وجود الْملك للْآمِر فِي العَبْد ليَصِح الاعتاق عَنهُ، وَالْملك يقتضى سَببا، وَهُوَ هَهُنَا البيع بِدَلِيل قَوْله: عني بِأَلف، فَالْبيع لَازم مُتَقَدم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (ويقتضى) هَذَا اللَّازِم (سبق تَقْدِير: اشْتريت عَبدك بِأَلف فِي الْمُتَقَدّم) أَي فِي قَول الْآمِر: أعتق عَبدك إِلَى آخِره (و) سبق تَقْدِير (بِعته فِي الْمُتَأَخر) أَي فِي قَول الْمَأْمُور أَعتَقته عَنْك على هَذَا (أما) الْمُتَقَدّم (بِعَيْنِه) أَي بِالنّظرِ إِلَى نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن لَازمه (فتوكيل) أَي فَهُوَ تَوْكِيل (للْبَائِع) بالاعتاق (فَقَط) أَي لَا يتَعَدَّى عَن هَذَا الْمِقْدَار

بِاعْتِبَار منطوقه وَإِن كَانَ مستلزما لركني البيع، وهما: اشْتريت فِي الْمُتَقَدّم، وبعت فِي الْمُتَأَخر وَهَذَا (لَا يُجزئ) فِي انْعِقَاد البيع لِأَنَّهُ لَا بُد من التَّلَفُّظ بشرَاء العَبْد، وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ مُقْتَضى الْقيَاس إِلَّا أَنا تَرَكْنَاهُ لما أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لَوْلَا أَنه) أَي انْعِقَاده (ضمني) وَكم من شَيْء يثبت ضمنا وَلَا يثبت قصدا فَلَا يصير فِي ثُبُوته بِدُونِ التَّلَفُّظ بهما، إِذْ كل مِنْهُمَا ركن يقبل السُّقُوط فِي الْجُمْلَة كَمَا فِي بيع التعاطي: أَلا ترى أَنه لم يشْتَرط فِي الضمني مَا اشْترط فِي القصدي من كَون الْمَبِيع مَقْدُور التَّسْلِيم حَتَّى يَصح هَذَا فِي الْآبِق فَيعتق عَن الْآمِر وَلم يثبت لَهُ خِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب، غير أَنه يشْتَرط فِيهِ أَهْلِيَّة الاعتاق، فَلَو لم يكن أَهلا لَهُ لَا يثبت البيع بِهِ، فَلَا يعْتق، وَلَا يسْتَشْكل كَون الْمُقْتَضى لَا عُمُوم لَهُ بِوُقُوع الثَّلَاث بطلقي نَفسك إِذا طلقت نَفسهَا ثَلَاثًا، وَقد نَوَاهَا الزَّوْج لِأَنَّهُ لَيْسَ من مَحل النزاع كَمَا أَفَادَ بقوله (وَلَيْسَ من الْمُقْتَضى) على صِيغَة الْفَاعِل (طَلِّقِي) أَو على صِيغَة الْمَفْعُول، وَالْمعْنَى وَلَيْسَ من الْمُقْتَضى مَا اقْتَضَاهُ طَلِّقِي (لِأَن الْجِنْس) وَهُوَ الطَّلَاق (مَذْكُور لُغَة) والمقتضى يلْزمه عدم الذّكر (إِذْ هُوَ) أَي طَلِّقِي مَعْنَاهُ (أوجدي طَلَاقا) كَمَا عرف فِي علم الْمعَانِي من أَن الْفِعْل الْمُتَعَدِّي قد يحذف مَفْعُوله، وَيُرَاد بِهِ هَذَا (فَصحت نِيَّة الْعُمُوم) لِأَن الْمصدر مِمَّا يصلح للْعُمُوم وَقد نَوَاه (وَنقض) هَذَا (بطالق) فَإِن اسْم الْفَاعِل يتَضَمَّن الْمصدر، فَيَنْبَغِي أَن يَصح فِيهِ نِيَّة الثَّلَاث، لَكِن الْحَنَفِيَّة لم يصححوه حَتَّى لَو نوى الثَّلَاث لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة (وَأجِيب بِأَن الْمَذْكُور) فِي أَنْت طَالِق (طَلَاق هُوَ وصفهَا) أَي الْمُطلقَة، لَا الموصوفة بطالق (وتعدده) أَي تعدد وصفهَا بِهِ (بِتَعَدُّد فعله) أَي فعل الْمُطلق (تطليقه) وَلَا يتَكَرَّر الْأَثر إِلَّا بِتَكَرُّر الْمُؤثر فَإِن قلت فعلى هَذَا لَا يَتَّصِف بِالطَّلَاق الثَّلَاث فِي طَلِّقِي، وَإِن نَوَاهَا لعدم تعدد التَّطْلِيق المستلزم لعدم تعدد الْوَصْف قلت المُرَاد وصفهَا بِحَيْثُ يسْتَلْزم الْأَخْبَار عَن كَونهَا مَوْصُوفَة بالمتعدد من الطَّلَاق فَإِن لَهُ تَأْثِيرا فِي الْفرق كَمَا ستعرف (وثبوته) أَي التَّطْلِيق (مُقْتَضى حكم شَرْعِي هُوَ الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق، فَإِنَّهُ يقتضى سبق تطليق (تَصْدِيقًا لَهُ) أَي لمن قَالَ: أَنْت طَالِق، فَإِن إِيقَاعه هَذَا الحكم الشَّرْعِيّ إِنَّمَا وَقع على وَجه استلزام الْأَخْبَار عَن وُقُوع الطَّلَاق، ووقوعه مَوْقُوف على التَّطْلِيق توقف الْأَثر على الْمُؤثر، فَصدقهُ فِي هَذَا الاخبار يتَوَقَّف على سبق التَّطْلِيق، بِخِلَاف طَلِّقِي فَإِنَّهُ انشاء مَحْض لَا يسْتَلْزم إِخْبَارًا مقتضيا لسبق تطليق، وَإِذا عرفت أَن ثُبُوت التَّطْلِيق فِي أَنْت طَالِق على سَبِيل الِاقْتِضَاء (فَلَا يقبل الْعُمُوم) وَفِيه أَنه لَو سلم أَن الْمُقْتَضى لَا عُمُوم لَهُ، لَكِن عدم قبُوله للْعُمُوم بانضمام مَا يَقْتَضِيهِ من النِّيَّة غير مُسلم (وَيدْفَع) هَذَا الْفرق (بِأَنَّهُ) أَي أَنْت طَالِق (إنْشَاء شرعا) وَإِن كَانَ إِخْبَارًا لُغَة (يَقع بِهِ) الطَّلَاق

(وَلَا مُقَدّر أصلا) فِي أَنْت طَالِق، أَي لَا يقدر فِيهِ تطليق سَابق مصدرا قَالَه (لِأَنَّهُ) أَي التَّقْدِير (فرع الخبرية الْمَحْضَة) إِذْ الْكَلَام الَّذِي هُوَ خبر من وَجه وإنشاء من وَجه يجوز أَن يعْتَبر فِيهِ حيثية الإنشائية، وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا تَقْتَضِيه حيثيته الْأُخْرَى (وَلَا تصح فِيهِ) أَي فِي أَنْت طَالِق (الجهتان) الإنشائية والخبرية مَعًا كَمَا قيل (لتنافي لازمي الْخَبَر والإنشاء) يَعْنِي احْتِمَال الصدْق وَالْكذب وَعدم احتمالهما (وَالثَّابِت لَهُ) أَي لأَنْت طَالِق (لَازم الانشاء) لعدم احْتِمَاله الصدْق وَالْكذب فَقَط، دون لَازم الْخَبَر فَهُوَ إنْشَاء مَحْض (وَقد يلْتَزم) كَونه إنْشَاء وَيُجَاب عَن عدم صِحَة نِيَّة الثَّلَاث بِأَنَّهُ نقل من الْأَخْبَار إِلَى الْإِنْشَاء إِلَى وُقُوع وَاحِدَة فَقَط، فإرادة التَّعَدُّد خلاف مَا عين لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (غير أَن المتحقق) عِنْد النَّقْل عَن الْأَخْبَار إِلَى الْإِنْشَاء (تَعْيِينه) أَي تعْيين أَنْت طَالِق (برمتِهِ) أَي بجملته ومجموع أَجْزَائِهِ لَا يكون (إنْشَاء لوُقُوع) طَلْقَة (وَاحِدَة فتعديها) أَي الْوَاحِدَة إِلَى مَا فَوْقهَا يكون (بِلَا لفظ) مُفِيد لذَلِك، وَهُوَ غير جَائِز اتِّفَاقًا (بِخِلَاف طَلِّقِي) لعدم تعينه إنْشَاء لوُقُوع وَاحِدَة (لِأَنَّهُ) أَي طَلِّقِي (طلب لإيقاع الطَّلَاق) مُطلقًا (فَتَصِح) نِيَّة الثَّلَاث فِيهِ (وَفِي) وُقُوع (الثَّلَاث) إِذا نَوَاهَا (بطالق) أَي بأنت طَالِق (طَلَاقا رِوَايَة) عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله (بِالْمَنْعِ) أَي بِمَنْع وُقُوعهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِر لكَونه كَأَنْت طَالِق (وعَلى) تَقْدِير (التَّسْلِيم) لوقوعها بِهِ كَمَا (هُوَ) الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة هُوَ: أَي وُقُوعهَا بِهِ مَبْنِيّ (على إِرَادَة التَّطْلِيق بطلاقا) حَال كَونه (مصدرا لمَحْذُوف) فَإِنَّهُ قد يُرَاد بِهِ التَّطْلِيق كالسلام والبلاغ بِمَعْنى التَّسْلِيم والتبليغ، فَيصح حِينَئِذٍ إِرَادَة الثَّلَاث لكَونه مَعْمُولا لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره طَالِق، لَا فِي طَلقتك طَلَاقا: يَعْنِي ثَلَاثًا (وَإِنَّمَا يتم) القَوْل بوقوعها بطلاقا (بإلغاء طَالِق مَعَه) أَي مَعَ طَلَاقا فِي حق الْإِيقَاع: أَي (كَمَا) ألغى طَالِق (مَعَ الْعدَد) فِي أَنْت طَالِق ثَلَاثًا، فَإِن الْوَاقِع هُوَ الْعدَد (وَإِلَّا) أَي لم يلغ (وَقع بِهِ) أَي بطالق (وَاحِدَة لزم ثِنْتَانِ بِالْمَصْدَرِ) عِنْد نِيَّة الثَّلَاث (وَهُوَ) أَي وُقُوع ثِنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ (مُنْتَفٍ عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة فِي الْحرَّة لما عرف مِنْهُ أَن معنى التَّوْحِيد مراعى فِيهِ، وَهُوَ بالفردية، والجنسية، والمثنى بمعزل عَنْهُمَا وَأَيْضًا يلْزم فِي غير المدخولة الْبَيْنُونَة بالواحدة، وَعدم وُقُوع شَيْء بِالْمَصْدَرِ الْمَنوِي بِهِ بِالثلَاثِ (وَفِي أَنْت الطَّلَاق) يَصح نِيَّة الثَّلَاث (بِتَأْوِيل وَقع عَلَيْك) الطَّلَاق لعدم صِحَة ظَاهره، وصيانة لكَلَام الْعَاقِل عَن الْبطلَان (وَمَا قيل فَمَا يمْنَع مثله فِي أَنْت طَالِق) بِأَن يُقَال: أَنْت ذَات وَقع عَلَيْك التَّطْلِيق فَيصح فِيهِ نِيَّة الثَّلَاث أَيْضا (يُجَاب بِعَدَمِ إِمْكَان التَّصَرُّف فِيهِ) أَي فِي أَنْت طَالِق (إِذْ نقل) من الْأَخْبَار (للإنشائية) أَي إِلَيْهَا شرعا (فَكَانَ عين اللَّفْظ) أَي لفظ أَنْت طَالِق مَوْضُوعا (لعين

الْمَعْنى الْمَعْلُوم نَقله إِلَيْهِ، وَهُوَ) أَي الْمَعْنى الْمَنْقُول إِلَيْهِ الطَّلقَة (الْوَاحِدَة) عِنْد عدم ذكر الْعدَد (والثنتان، وَالثَّلَاث مَعَ الْعدَد، وَلَيْسَ من الْمُقْتَضى الْمَفْعُول) بِهِ المطوي ذكره لفعل مُتَعَدد بعد نفي أَو شَرط كَمَا (فِي نَحْو لَا آكل وَإِن أكلت) فَعَبْدي حر (إِذْ لَا يحكم بكذب مُجَرّد أكلت) وَلَا أكل كَمَا يحكم بكذب رفع الْخَطَأ، لِأَن نَفسه غير مَرْفُوع، لِأَن أكلت من غير أَن يذكر لَهُ مُتَعَلق خَاص لَا يلْزم كذبه (فَلم يتَوَقَّف صدقه) أَي أكلت (عَلَيْهِ) أَي الْمَفْعُول بِهِ (و (لَا) يحكم (بِعَدَمِ صِحَة شَرْعِيَّة) لأكلت بِدُونِ الْمَفْعُول بِهِ (فتخصه) أَي الْمَفْعُول بِهِ (باسم الْمَحْذُوف، وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَحْذُوف (وَإِن قبل الْعُمُوم لَا يقبل عُمُومه التَّخْصِيص، إِذْ لَيْسَ) هَذَا الْمَحْذُوف أمرا (لفظيا وَلَا فِي حكمه) أَي اللَّفْظِيّ لتناسبه وَعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ الْأَخْبَار إِلَّا بِمُجَرَّد الْفِعْل على مَا عرف فِي تَنْزِيل المتعدى منزلَة اللَّازِم (فَلَو نوى مَأْكُولا دون) مَأْكُول (آخر لم تصح) نِيَّته قَضَاء بالِاتِّفَاقِ وَلَا (ديانَة خلافًا للشَّافِعِيَّة) وَفِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف اخْتَارَهَا الْخصاف (والاتفاق عَلَيْهِ) أَي على عدم قبُول التَّخْصِيص (فِي بَاقِي المتعلقات من الزَّمَان وَالْمَكَان) حَتَّى لَو نوى لَا يَأْكُل فِي زمَان أَو مَكَان دون آخر لم تصح نِيَّته اتِّفَاقًا (والتزام الْخلاف) فِي قبُول التَّخْصِيص) (فِيهَا) أَي فِي بَاقِي المتعلقات أَيْضا بِجَامِع المفعولية كَمَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب (غير صَحِيح) قَالَ السُّبْكِيّ أَنه لَو قَالَ وَالله لَا آكل وَنوى زَمَانا أَو مَكَانا صحت يَمِينه: يَعْنِي نِيَّته، وَدَعوى الإِمَام الرَّازِيّ الْإِجْمَاع على خِلَافه مَمْنُوعَة وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَنه لَو قَالَ: إِن كلمت زيدا فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ: أردْت التَّكَلُّم شهرا يَصح فَيحْتَاج إِلَى الْفرق (وَالْفرق) بَين الْمَفْعُول بِهِ وظرفي الزَّمَان وَالْمَكَان (بِأَن الْمَفْعُول بِهِ فِي حكمه) أَي الْمَذْكُور (إِذْ لَا يعقل) معنى الْفِعْل الْمُتَعَدِّي (إِلَّا بعقليته) أَي إِلَّا بتعقل الْمَفْعُول بِهِ، فَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْبَعْض، بِخِلَاف الظرفين إِذْ ليسَا فِي حكم الْمَذْكُور لِأَن الْفِعْل قد يعقل مَعَ الذهول عَنْهُمَا وَإِن لم يَنْفَكّ عَنْهُمَا فِي الْوَاقِع، فَلَا يدخلَانِ تَحت الْإِرَادَة، والتخصيص فرع الدُّخُول تحتهَا (مَمْنُوع) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي الْفرق، ومرجع الْمَنْع قَوْله إِذْ لَا يعقل إِلَى آخِره (ونقطع بتعقل معنى) الْفِعْل (الْمُتَعَدِّي من غير إخطاره) أَي الْمَفْعُول بالبال، إِن أَرَادَ من غير اخطار خُصُوص الْمَفْعُول بِهِ فَمُسلم، وَإِن أَرَادَ من غير اخطار مفعول مَا فَغير مُسلم، بل الوجدان يحكم بِأَن الضَّرْب لَا يتعقل بِدُونِ تعقل مَضْرُوب مَا، وَلذَا صَرَّحُوا بِأَن نِسْبَة الْمَفْعُول بِهِ جُزْء من الْمُتَعَدِّي لنسبة الْفَاعِل (فَإِنَّمَا هُوَ) أَي الْمَفْعُول (لَازم لوُجُوده) أَي وجود الْمُتَعَدِّي (لَا) لتعقل مَعْنَاهُ فَلَيْسَ بِلَازِم (مَدْلُول اللَّفْظ) فِي التعقل ليتجزى بالإرادة فَلم يكن كالمذكور (بَقِي أَن يُقَال لَا آكل) مَعْنَاهُ (لَا أوجد أكلا) وأكلا عَام لِأَنَّهُ نكرَة

مسألة

فِي سِيَاق النَّفْي (فيقبله) أَي التَّخْصِيص إِذْ لَا مَانع مِنْهُ غير أَن لَا يقبل مِنْهُ قَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر (وَالنَّظَر يقتضى أَنه إِن لاحظ الْأكل الجزئي الْمُتَعَلّق بالمأكول الْخَاص) الَّذِي لم يردهُ (إخراجا) أَي مخرجا لَهُ من الْأكل الْعَام لَا الْمَأْكُول نَفسه (صَحَّ) الْإِخْرَاج والتخصيص، لِأَن الْمخْرج جزئي من جزئيات الْأكل الْعَام (أَو) لاحظ (الْمَأْكُول) الْخَاص من الْمَأْكُول الْمُطلق من حَيْثُ هُوَ (فَلَا) يَصح لِأَنَّهُ من المتعلقات الَّتِي يعقل الْفِعْل بِدُونِهَا (غير أَنا نعلم بِالْعَادَةِ فِي مثله) أَي مثل هَذَا الْكَلَام (عدم مُلَاحظَة الْحَرَكَة الْخَاصَّة) الَّتِي هِيَ بعض أَفْرَاد الْفِعْل الْمُطلق الَّذِي هُوَ الْأكل (وإخراجها) أَي الْحَرَكَة الْخَاصَّة من الْأكل الْمُطلق (بل) المُرَاد إِخْرَاج (الْمَأْكُول) الْخَاص من الْمَأْكُول الْمُطلق (وعَلى مثله) أَي مَا هُوَ مَعْلُوم عَادَة (يبْنى الْفِقْه فَوَجَبَ الْبناء عَلَيْهِ) أَي على أَنه لاحظ الْمَأْكُول الْخَاص إخراجا لَهُ من الْمَأْكُول الْمُطلق: وَهُوَ غير عَام فَلَا يقبل التَّخْصِيص بِخِلَاف الْحلف: أَي (بِخِلَاف مَا إِذا حلف لَا يخرج) حَال كَونه (مخرجا للسَّفر مثلا) من الْخُرُوج بِالنِّيَّةِ (حَيْثُ يَصح) إِخْرَاجه مِنْهَا تَخْصِيصًا (لِأَن الْخُرُوج متنوع إِلَى) خُرُوج (سفر و) خُرُوج (غَيره) أَي غير السّفر متنوع إِلَى (قريب وبعيد) بِدَلِيل اخْتِلَاف أَحْكَامهَا (وَالْعَادَة ملاحظته) أَي النَّوْع مِنْهُ (فنية بعضه) أَي نِيَّة خُرُوج نوع مِنْهُ (نِيَّة نوع) فَصحت (كَأَنْت بَائِن ينوى بِهِ الثَّلَاث) حَيْثُ يَصح بنيتها، لِأَنَّهَا أحد نَوْعي الْبَيْنُونَة. مَسْأَلَة الْمَذْكُور فِي عبارَة كثير الْفِعْل الْمُثبت هَل هُوَ عَام أَولا؟ نبه المُصَنّف على أَنه لَيْسَ المُرَاد مَا يُقَابل القَوْل، بل الْفِعْل المصطلح فَقَالَ (إِذا نقل فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصِيغَة لَا عُمُوم لَهَا كصلى فِي الْكَعْبَة) كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ (لَا يعم) فعله الْمعبر عَنهُ بِتِلْكَ الصِّيغَة (بِاعْتِبَار) من الاعتبارات (لِأَنَّهُ) أَي نقل فعله بِتِلْكَ الصِّيغَة (أَخْبَار عَن دُخُول) فعل (جزئي فِي الْوُجُود) وَلَا يتَصَوَّر الْعُمُوم فِي الجزئي الْحَقِيقِيّ (فَلَا يدل) قَول الْمخبر صلى (على) تحقق (الْفَرْض وَالنَّفْل) كِلَاهُمَا مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لشخصيته) أَي الْفِعْل الْمَذْكُور (وَأما نَحْو صلى الْعشَاء بعد غيبوبة الشَّفق، فَإِنَّمَا يعم) فعله الْمعبر عَنهُ بصلى، لَكِن لَا بِاعْتِبَار نَفسه بل بِاعْتِبَار وُقُوعه بعد كل وَاحِد من معنى الشَّفق الَّذِي يعم (الْحمرَة وَالْبَيَاض) لاشتراكه فِيهَا (عِنْد من يعمم الْمُشْتَرك وَلَا يسْتَلْزم) تعميمه (تكْرَار الصَّلَاة بعد كل) من الْحمرَة وَالْبَيَاض (كَمَا فِي تَعْمِيم الْمُشْتَرك حَيْثُ يتَعَلَّق) أَي حكم الْمُشْتَرك (بِكُل) من مَعَانِيه (على الِانْفِرَاد لخُصُوص

الْمَادَّة) مُتَعَلق بقوله يعم الْحمرَة وَالْبَيَاض (وَهُوَ) أَي خُصُوص الْمَادَّة (كَون الْبيَاض دَائِما بعد الْحمرَة) يَعْنِي إِنَّمَا يعمها مَعَ شخصية الصَّلَاة للخصوصية المتحققة فِي الْمخبر عَنهُ، فَإِنَّهُ لَوْلَا لُزُوم بعدية الْبيَاض للحمرة لم يحسن إِرَادَة الْعُمُوم الْمَذْكُور لجَوَاز وُقُوع تِلْكَ الصَّلَاة بعد غيبوبة الشَّفق الْأَحْمَر من غير أَن يَقع بعد غيبوبة الشَّفق الْأَبْيَض، بِأَن لَا يعقب الْأَبْيَض الْأَحْمَر، بِخِلَاف مَا إِذا لم يُفَارق أَحدهمَا الآخر، فَإِن الظَّاهِر عدم افتراقهما فِي استعقاب الصَّلَاة الْمَذْكُورَة، فِيهِ مَا فِيهِ (فصح أَن يُرَاد صلى بعدهمَا صَلَاة وَاحِدَة فَلَا يعم) لفظ صلى الْمَذْكُور (فِي الصَّلَاة بطرِيق التّكْرَار) لعدم دَلِيل التّكْرَار (فَلَا يلْزم جَوَاز صلَاتهَا) أَي صَلَاة الْعشَاء والتأنيث بِاعْتِبَار الْعَتَمَة (بعد الْحمرَة فَقَط، وَمَا يتَوَهَّم من نَحْو كَانَ يُصَلِّي الْعَصْر وَالشَّمْس بَيْضَاء) مُرْتَفعَة حَيَّة (وَكَانَ يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر من التّكْرَار) بَيَان لما (فَمن إِسْنَاد الْمُضَارع) لَا من الْفِعْل من حَيْثُ هُوَ، وَقيل من كَانَ وَمَشى عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب (وَقيل من الْمَجْمُوع مِنْهُ) أَي من إِسْنَاد الْمُضَارع (وَمن قرَان كَانَ، لَكِن نَحْو بَنو فلَان يكرمون الضَّيْف ويأكلون الْحِنْطَة يُفِيد أَنه) أَي الْإِكْرَام وَالْأكل (عَادَتهم) والتكرار يُسْتَفَاد من الْعَادة (وَلَا يخفى أَن الإفادة) أَي إِفَادَة إِسْنَاد الْمُضَارع (التّكْرَار استعمالية لَا وضعية) وأكثرية أَيْضا لَا كُلية، وَقيل إِن كَانَ وَإسْنَاد الْمُضَارع إِذا اجْتمعَا كَانَ متعاضدين على إِفَادَة التّكْرَار غَالِبا (وَمِنْه) أَي وَمن أجل مَا ذكر من عدم عُمُوم فعله الْمَذْكُور (أَن لَا يعم) عدم عُمُوم حكم فعله (الْأمة وَلَو) اقْترن (بِقَرِينَة) تفِيد الْعُمُوم (كنقل الْفِعْل خَاصّا بعد اجمال فِي عَام بِحَيْثُ يفهم أَنه) أَي ذَلِك الْفِعْل الْمَنْقُول (بَيَان) لاجمال ذَلِك الْعَام (فَإِن الْعُمُوم للمجمل لَا لنقل الْفِعْل) أَي لَا للْفِعْل الْمَنْقُول خَاصّا، وَفِيه رد لما فِي الشَّرْح العضدي كَمَا قَالَ الرَّاوِي: قطع يَد السَّارِق من الْكُوع بعد اقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا بَيَان لإجمال فِي مَحل الْقطع، وَهَذَا إِذا أطلق الْيَد حَقِيقَة على مَجْمُوع مَا من الْمنْكب إِلَى الْأَصَابِع وعَلى مَا من الْكُوع إِلَيْهَا، وَأما إِذا خص بِالْأولِ فَهُوَ إِرَادَة دَلِيل الْمَعْنى الْمجَازِي فعموم يَد السَّارِق يُسْتَفَاد من اقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا، لَا من قَول الرَّاوِي الْمَذْكُور، وَكَقَوْلِه صلي فَقَامَ وَركع وَسجد بعد قَوْله أقِيمُوا الصَّلَاة (وَكَذَا نَحْو صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) أَي وكما أَن الْقَرِينَة الْمَذْكُورَة لَا تَسْتَلْزِم عُمُوم الْفِعْل الْمَنْقُول كَذَلِك قَوْله صلي إِلَى آخِره لَا يستدعى عُمُوم قَول الرَّاوِي صلي كَذَا بعد قَوْله الْمَذْكُور (وتوجيه الْمُخَالف) الْقَائِل بِعُمُومِهِ للْأمة للتمسك (بِعُمُوم نَحْو سَهَا فَسجدَ) عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم فَسَهَا فِي صلَاته فَسجدَ سَجْدَتي السَّهْو (و) قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا (فعلته أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغتسلنا) بعد قَوْلهَا إِذا جَاوز الْخِتَان وَجب الْغسْل، فَإِن كلا مِنْهُمَا يعم الْأمة (مَدْفُوع بِأَنَّهُ)

أَي الْعُمُوم لَهُم (من خَارج) عَن مَفْهُوم اللَّفْظ المحكى كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكل سَهْو سَجْدَتَانِ بعد السَّلَام رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، وَإِذا التقى الختانان وَجب الْغسْل رَوَاهُ مُسلم وَغَيره أَيْضا عُمُوم السُّجُود لعُمُوم علته: وَهُوَ السَّهْو حَيْثُ رتب عَلَيْهِ بَقَاء التعقب: وَهُوَ دَلِيل الْعلية (وَأما حِكَايَة قَول لَهُ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يدْرِي عُمُومه بِلَفْظ عَام) مُتَعَلق بحكاية يَعْنِي أَن فِي الْحِكَايَة مَا يدل على الْعُمُوم، والمحكى لَا يدْرِي هَل فِيهِ مَا يدل على الْعُمُوم أَولا (كقضى بِالشُّفْعَة للْجَار، وَنهى عَن بيع الْغرَر) فَإِن الْجَار محلى بلام الِاسْتِغْرَاق، وَكَذَا إِضَافَة البيع استغراق، وَلَا يدْرِي حَال مَا أخبر عَنهُ بِاعْتِبَار الْعُمُوم وَعَدَمه (وَهِي) أَي هَذِه المسئلة (مَسْأَلَة أُخْرَى) ذكرت للمناسبة (فَيجب الْحمل) أَي حمل المحكى عَنهُ (على الْعُمُوم) فَالشُّفْعَة لكل جَار، وَالنَّهْي عَن كل بيع فِيهِ غرر كَبيع الْآبِق والمعدوم (خلافًا لكثير) من أهل الْعلم، وَإِنَّمَا يجب الْحمل على الْعُمُوم (لِأَنَّهُ) أَي الصَّحَابِيّ (عدل عَارِف باللغة وَالْمعْنَى) فبعرفان عِبَارَته فَيُفِيد الْعُمُوم، فلولا أَن حقق الْعُمُوم فِي المسئلة لمنعته الْعَدَالَة عَن التَّعْبِير بِمَا يُفِيد الْعُمُوم الَّذِي يَنْبَنِي عمل الْأمة عَلَيْهِ (فَالظَّاهِر) من حَالَة (الْمُطَابقَة) أَي مُطَابقَة مَا يُسْتَفَاد من كَلَامه مَا هُوَ الثَّابِت فِي نفس الْأَمر (وَقَوْلهمْ) أَي الْكثير (يحْتَمل غررا وجارا خاصين كجار شريك فاجتهد) الحاكي (فِي الْعُمُوم) فِي مأخذه فَانْتهى اجْتِهَاده إِلَيْهِ (فحكاه) أَي الْعُمُوم بِحَسب مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (أَو أَخطَأ فِيمَا سَمعه) بِأَن توهم أَن مسموعه بِصفة الْعُمُوم، وَلم يكن فِي الْوَاقِع كَذَلِك (احْتِمَال) خلاف الظَّاهِر (لَا يقْدَح) فِي الِاحْتِجَاج بِهِ على الْعُمُوم، لِأَن الظَّاهِر كَاف فِي الظَّن وَالظَّاهِر من علمه وعدالته الْمُطَابقَة (وجعلهما) أَي قضى بِالشُّفْعَة، وَنهى عَن بيع الْغرَر (من حِكَايَة فعل) لَا من حِكَايَة قَول على مَا ذكر بِلَفْظ (ظَاهر فِي الْعُمُوم) فعلى الأول المحكى قَول والحاكي عَام نصا، وعَلى هَذَا فعل والحاكي عَام ظَاهر (مُنْتَفٍ) أَي مُنْتَفٍ مصداق الْجعل الْمَذْكُور (لِأَن الْقَضَاء وَالنَّهْي) اللَّذين قَول الحاكي قضي وَنهى أَخْبَار عَنْهُمَا لَيْسَ بِفعل لَا يكون مَعَه عُمُوم، بل هُوَ (قَول يكون مَعَه عُمُوم وخصوص) يَعْنِي يصلح للْعُمُوم وَالْخُصُوص كَسَائِر الْأَقْوَال وَيحمل على الْعُمُوم لتطابقه الْحِكَايَة الصادرة عَن الْعدْل الْعَارِف باللغة فَإِن قلت سلمنَا أَن الْقَضَاء قَول لكَونه عبارَة عَن حكمت عَلَيْك وَنَحْوه، وَكَذَا النَّهْي كَقَوْلِه: لَا تبع كَذَا لَكِن لَا يحْتَمل مثل هَذَا القَوْل الْعُمُوم كالفعل لشخصيته قلت مثل هَذَا لَا يصلح لِأَن يخبر عَنهُ بِمَا يُفِيد الْعُمُوم، بل لَا بُد أَن يكون منشأ الْأَخْبَار قولا دَالا على الْعُمُوم أَو قَضَاء ونهيا مكررا يحصل بِهِ الْعَمَل بِالْعُمُومِ وَالله أعلم.

مسألة

مَسْأَلَة (قيل) وَالْقَائِل ابْن الْحَاجِب (نفى الْمُسَاوَاة فِي لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة يدل على الْعُمُوم) لجَمِيع وُجُوه الْمُسَاوَاة نَحْو قَوْله تَعَالَى - {لَا يَسْتَوِي} - الْآيَة هَل يَقْتَضِي الْعُمُوم: أَي يدل على عدم جَمِيع وُجُوه الْمُسَاوَاة فَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَلَا ذمِّي، الْمُخْتَار أَنه يَقْتَضِي الْعُمُوم وَكَذَلِكَ غير الْمُسَاوَاة من الْأَفْعَال (وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَقْتَضِيهِ) فَمن ثمَّ جور قتل الْمُسلم بالذمي (وَلَيْسَ) كَذَلِك (بل لَا يخْتَلف) على صِيغَة الْمَجْهُول (فِي دلَالَته) أَي نفي الْمُسَاوَاة (عَلَيْهِ) أَي على الْعُمُوم (وَكَذَا) يدل على الْعُمُوم (نفي كل فعل) عَام فِي وجوهه (كلا آكل) فَإِنَّهُ عَام على وُجُوه الْأكل (وَلَا) يخْتَلف أَيْضا (فِي عدم صِحَة إِرَادَته) أَي الْعُمُوم فِي نفي الْمُسَاوَاة (لقَولهم) أَي مخالفي الْحَنَفِيَّة (فِي جَوَاب قَول الْحَنَفِيَّة) أَن عُمُوم نفي الْمُسَاوَاة قَول (لَا يصدق إِذْ لَا بُد) بَين كل أَمريْن (من مُسَاوَاة) من وَجه أقلهما فِي سلب مَا عداهما عَنْهُمَا (المُرَاد) مقول قَول الْمُخَالفين: أَي المُرَاد من عُمُوم الْمُسَاوَاة (مُسَاوَاة يَصح نَفيهَا وَمَا سواهُ) أَي سوى مَا يَصح نَفيهَا (مَخْصُوص) من عُمُوم نَفيهَا (بِالْعقلِ) أَي بِدَلِيل الْعقل، فَعلم اتِّفَاق للْكُلّ على دلَالَة الْعُمُوم وعَلى عدم إِرَادَته للمصارف الْمَذْكُورَة، وَإِذا كَانَ دلَالَة الْعُمُوم وَعدم إِرَادَته مُتَّفقا عَلَيْهِ والنزاع فِيمَا هُوَ المُرَاد (فالاستدلال) على عُمُوم نفي الْمُسَاوَاة (بِأَنَّهُ) أَي النَّفْي الْمَذْكُور (نفي) دَاخل (على نكرَة: يَعْنِي الْمصدر) الَّذِي تضمنه الْمَنْفِيّ كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب (فِي غير مَحل النزاع، إِنَّمَا هُوَ) أَي النزاع (فِي أَن المُرَاد من عُمُومه بعد تَخْصِيص الْعقل مَا لَا بُد مِنْهُ) أَي من تَخْصِيصه (هَل يخص أَمر الْآخِرَة فَلَا يُعَارض) المُرَاد (آيَات الْقصاص الْعَامَّة) كَقَوْلِه تَعَالَى - {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} - الْآيَة (فَيقْتل الْمُسلم بالذمي أَو يعم الدَّاريْنِ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (فيعارض) المُرَاد آيَات الْقصاص فيخص (فَلَا يقتل الْمُسلم بالذمي. قَالَ الشَّارِح. قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله: وَحَاصِله أَنه هَل ثمَّ قرينَة تصرف نفي الْمُسَاوَاة إِلَى خُصُوص أَمر الْآخِرَة أَو لَا فَيعم الدَّاريْنِ (قَالَ بِهِ) أَي بِالْعُمُومِ (الشَّافِعِيَّة، وَالْحَنَفِيَّة) خصوه (بِالْأولِ) أَي بِأَمْر الْآخِرَة (لقَرِينَة تعقيبه) أَي النَّفْي الْمَذْكُور (بِذكر الْفَوْز) قَالَ الله تَعَالَى - {لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة} - (أَصْحَاب الْجنَّة هم الفائزون ثمَّ فِي الْآثَار مَا يُؤَيّدهُ) أَي قَول الْحَنَفِيَّة: مِنْهَا (حَدِيث) عبد الرَّحْمَن (بن الْبَيْلَمَانِي) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام المفتوحتين بَينهمَا يَاء تَحْتَانِيَّة من مشاهير التَّابِعين، روى عَن ابْن عمر، وَعنهُ ابْنه قَالَ أَبُو حَاتِم ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف لَا تقوم بِهِ الْحجَّة قَالَ (قتل

مسئلة

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسلما بمعاهد، الحَدِيث) يَعْنِي قَوْله وَقَالَ: أَنا أَحَق من وفى بِذِمَّتِهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَعبد الرَّزَّاق وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وَأعله (وَنَحْوه) مَا روى الْمَشَايِخ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ (إِنَّمَا بذلوا الْجِزْيَة لتَكون دِمَاؤُهُمْ كدمائنا الخ) وَأَمْوَالهمْ كأموالنا وَلم يجده المخرجون بِهَذَا اللَّفْظ، وَإِنَّمَا روى الشَّافِعِي وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد فِيهِ أَبُو الْجنُوب وَهُوَ مضعف، عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: من كَانَت لَهُ ذمتنا فذمته كذمتنا وديته كديتنا (فَظهر أَن الْخلاف فِي تطبيق كل من المذهبين على دَلِيل تفصيلي) فَهِيَ مسئلة فقهية لَا أَصْلِيَّة كَمَا عرفت من عدم الِاخْتِلَاف فِي دلَالَة قَوْله تَعَالَى - {لَا يَسْتَوِي} - إِلَى آخِره على الْعُمُوم إِلَى آخِره. مسئلة (خطاب الله تَعَالَى للرسول) بتوجيه الْخطاب إِلَيْهِ (بِخُصُوصِهِ) كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا أَيهَا الرَّسُول، لَئِن أشركت}: قد نصب فِيهِ خلاف) وَمن ناصبيه ابْن الْحَاجِب (فالحنفية) وَأحمد قَالُوا (يتَنَاوَل الْأمة) وَالْمُصَنّف رَحمَه الله لم يلْتَفت إِلَى مَا ذكره الأسنوي من أَن ظَاهر كَلَام الشَّافِعِيَّة يوافقهم فَقَالَ (وَالشَّافِعِيَّة لَا) يتناولهم (مستدلين) أَي الشَّافِعِيَّة (بِالْقطعِ من) أَن (اللُّغَة بِأَن مَا للْوَاحِد لَا يتَنَاوَل غَيره) أَي غير ذَلِك الْوَاحِد (وَبِأَنَّهُ لَو عمهم) أَي الْأمة كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّة (كَانَ إخراجهم) أَي الْأمة فِيمَا إِذا دلّ الدَّلِيل على أَنهم لم يرادوا (تَخْصِيصًا، وَلَا قَائِل بِهِ) أَي التَّخْصِيص (وَلَيْسَ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (فِي مَحل النزاع فَإِن مُرَاد الْحَنَفِيَّة) بِعُمُوم إيَّاهُم (أَن أَمر مثله) أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مِمَّن لَهُ منصب الِاقْتِدَاء والمتبوعية يفهم مِنْهُ) أَي من أمره (أهل اللُّغَة شُمُول أَتْبَاعه عرفا) لَا وضعا كَمَا إِذا قيل لأمير اركب للمناجزة) بِالْجِيم وَالزَّاي الْمُعْجَمَة الْمُحَاربَة، وَبِالْحَاءِ وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمُقَاتلَة (غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ منصب الِاقْتِدَاء بِهِ) والمتبوعية يفهم مِنْهُ: أَي من أمره (فِي كل شَيْء) مِمَّا يُخَاطب بِهِ (إِلَّا) مَا يخص بِهِ (بِدَلِيل) يُفِيد اخْتِصَاصه (لِأَنَّهُ بعث ليؤتسى بِهِ، فَكل حكم خُوطِبَ هُوَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِهِ عَم) الْأمة (عرفا) فِي خطاباته (وَإِن كَانَ فعله) أَي ذَلِك الحكم (لَا يتَوَقَّف على أعوان كالمناجزة) أَي كتوقف الْمُقَاتلَة الْمَأْمُور بهَا الْأَمِير (واذن) أَي وَإِذا كَانَ عَاما عرفا (يلتزمون) أَي الْحَنَفِيَّة (أَن إخراجهم) أَي الْأمة من خطابه بِخُصُوصِهِ (تَخْصِيص فَإِنَّهُ) أَي التَّخْصِيص (كَمَا يرد على الْعَام لُغَة يرد على الْعَام عرفا، واستدلالهم) أَي الْحَنَفِيَّة للْعُمُوم الْمَذْكُور {بِنَحْوِ يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} - فطلقوهن لعدهن - مِمَّا أفرد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

مسئلة

بِالْخِطَابِ وَأمر بِصِيغَة الْعُمُوم الدَّالَّة على إِرَادَة الْعُمُوم فِي صدر الْكَلَام (وَبِأَنَّهُ لَو لم يعمهم لَكَانَ خَالِصَة لَك) بعد قَوْله - {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} - إِلَى قَوْله - {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها} - (غير مُفِيد) لِأَن الِاخْتِصَاص والخلوص على تَقْدِير عدم الْعُمُوم ثَابت بِالْخِطَابِ الْخَاص (و) قَوْله تَعَالَى {زَوَّجْنَاكهَا لكيلا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج} - فِي أَزوَاج أدعيائهم - فَأخْبر أَنه إِنَّمَا أَبَاحَ تَزْوِيجه إِيَّاهَا ليَكُون شَامِلًا للْأمة، وَلَو كَانَ خطابه خَاصّا لما حصل الْمَقْصُود (لبَيَان التَّنَاوُل الْعرفِيّ) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي واستدلالهم (لَا) لبَيَان التَّنَاوُل (اللّغَوِيّ، فأجوبتهم) أَي الشَّافِعِيَّة عَن هَذِه الاستدلالات (الَّتِي حاصلها أَن الْفَهم) أَي فهم الْأمة من هَذِه النُّصُوص (بِغَيْر الْوَضع اللّغَوِيّ طائحة) أَي سَاقِطَة لِأَن الْحَنَفِيَّة معترفون، بِعَدَمِ الْعُمُوم لُغَة، ثمَّ تعقب الْحَنَفِيَّة فِي استدلالهم ب {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك} الْآيَة فَقَالَ (غير أَن نفي الْفَائِدَة مُطلقًا) على ذَلِك التَّقْدِير (مِمَّا يمْنَع لجَوَاز كَونهَا) أَي الْفَائِدَة (منع الْإِلْحَاق) أَي إِلْحَاق الْأمة بِهِ قِيَاسا (وَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ) أَي نفي الْفَائِدَة مُطلقًا (فِي الْوَجْه) أَي وَجه الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ (وَيَكْفِي) فِي الِاسْتِدْلَال لَهُم بهَا (أَن خَالِصَة لَك ظَاهر فِي فهم الْعُمُوم) للْأمة من قَوْله - {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك} - (لولاه) أَي لفظ خَالِصَة لَك وظهوره عَلامَة كَونه عَاما عرفا، ثمَّ أَن الشَّافِعِيَّة قد ذكرُوا فِي نفي إِرَادَة الْعُمُوم أَنه يُنَافِي كَون أَفْرَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالذكر للتشريف فَأجَاب عَنهُ بقوله (وَكَون إِفْرَاده بِالذكر للتشريف لَا يُنَافِي الْمَطْلُوب) وَهُوَ الْعُمُوم عرفا (فَمن التشريف أَن خصّه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِهِ) أَي الْخطاب بِحَسب الذّكر (وَالْمرَاد أَتْبَاعه مَعَه) وَإِلَّا لَكَانَ مُقْتَضى هَذِه الْإِرَادَة أَن يُقَال: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا وَنَحْو ذَلِك (وَعرف) من هَذَا التَّقْدِير (أَن وَضعهَا) أَي هَذِه المسئلة معنونة بعنوان (الْخطاب لوَاحِد من الْأمة هَل يعم لَيْسَ بحيد) لِأَن الْحَنَفِيَّة لَا يَقُولُونَ خطاب من لَيْسَ لَهُ منصب الِاقْتِدَاء يعم الْأمة عرفا، بل هَذَا مَوْضُوع مَا يَلِي هَذِه: أَعنِي قَوْله. مسئلة (خطاب الْوَاحِد لَا يعم غَيره لُغَة، وَنقل عَن الْحَنَابِلَة عُمُومه، ومرادهم خطاب الشَّارِع لوَاحِد بِحكم يعلم عِنْده) أَي عِنْد ذَلِك الْخطاب (تعلقه) أَي ذَلِك الحكم (بِالْكُلِّ إِلَّا بِدَلِيل) يَقْتَضِي التَّخْصِيص (كَقَوْلِه حكمي على الْوَاحِد حكمي على الْجَمَاعَة) وَقد مر فِي الْبَحْث الثَّانِي من مبَاحث الْعَام، وَتكلم فِي سَنَده (وَفهم الصَّحَابَة ذَلِك) أَي أَن حكمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْوَاحِد حكمه على الْجَمَاعَة (حَتَّى حكمُوا على غير مَا عز بِمَا حكم بِهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

مسئلة

من الرَّجْم (عَلَيْهِ) أَي على مَا عز حَتَّى قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ خشيت أَن يطول بِالنَّاسِ زمَان حَتَّى يَقُول قَائِل لَا نجد الرَّجْم فِي كتاب الله فيضلوا بترك فَرِيضَة أنزلهَا الله، أَلا وَإِن الرَّجْم حق على من زنا وَقد أحصن إِذا قَامَت الْبَيِّنَة أَو كَانَ الْحَبل أَو الِاعْتِرَاف: رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَقَالَ أَيْضا كَمَا فِي البُخَارِيّ، وحكوا على ذَلِك إِجْمَاع الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ ليعتد بِالْجَمَاعَة (ولعموم الرسَالَة بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بعثت إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود) رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان وَأَبُو دَاوُد لَكِن بِتَقْدِيم الْأَحْمَر على الْأسود: أَي إِلَى الْعَرَب والعجم، وَقيل إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} وَإِذا كَانَ مُرَاد الْحَنَابِلَة هَذَا (فَكَلَام الخلافيين فِيهَا) أَي فِي هَذِه المسئلة (كَالَّتِي قبلهَا) من حَيْثُ عدم التوارد على مَحل وَاحِد. مسئلة (الْخطاب الَّذِي يعم العبيد لُغَة) كيا أَيهَا النَّاس: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا (هَل يتناولهم شرعا فيعمهم حكمه) أَي حكم الْخطاب الْمَذْكُور إيَّاهُم (الْأَكْثَر نعم) أَي قَالَ أَكثر الْأُصُولِيِّينَ يعم بتناولهم شرعا ويعم حكمه إيَّاهُم (وَقيل لَا) يتناولهم شرعا وَلَا يعمهم حكمه. (و) قَالَ (الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ) يتناولهم شرعا (فِي حقول الله تَعَالَى فَقَط). قَالَ الْكرْمَانِي لَا كَلَام فِي أَن مثل هَذَا إِذا لم يتَضَمَّن حكما يحْتَاج فِي قِيَامه إِلَى صرف زمَان يتناولهم، بل فِيمَا إِذا تضمن مَا يمنعهُ من الِاشْتِغَال بِقِيَام مهمات السادات (وَحَاصِله) أَي هَذَا الْخلاف (أَن الْخلاف فِي إرادتهم) أَي العبيد (بِاللَّفْظِ الْعَام وَعدمهَا) أَي عدم إرادتهم بِهِ (واستدلال النَّافِي) لتناولهم (بِمَا ثَبت شرعا من كَون مَنَافِعه) أَي العَبْد (مَمْلُوكَة لسَيِّده فَلَو تناولهم) الْخطاب الْمَذْكُور (نَاقض) الْخطاب الْمَذْكُور (دَلِيل عدم الْإِرَادَة) يَعْنِي مِمَّا يدل على مملوكية منافعهم المستلزمة عدم مُطَالبَته سُبْحَانَهُ إيَّاهُم بصرفها فِي خدمته سُبْحَانَهُ لغناه عَنْهُمَا، وحاجة الْعباد إِلَيْهِ (وَأما قَوْلهم) أَي النافين (خرج) العَبْد (من) خطاب (نَحْو الْجِهَاد، وَالْجُمُعَة، وَالْحج) والتبرعات وَبَعض الأقارير مِمَّا دلّ عَلَيْهِ من النَّص وَالْإِجْمَاع (فَلَو كَانَ دَاخِلا) فِي تِلْكَ العمومات قبل الْإِخْرَاج (أَي مرَادا) من حَيْثُ الْإِرَادَة وَإِنَّمَا قيد بِهِ، لِأَن الدُّخُول من حَيْثُ التَّنَاوُل بِحَسب الْمَفْهُوم اللّغَوِيّ لَا نزاع فِيهِ (كَانَ) ذَلِك الْإِخْرَاج بعد الدُّخُول مرَادا (تَخْصِيصًا، وَالْأَصْل عَدمه) أَي عدم التَّخْصِيص (فَتجوز بالتخصيص عَن النّسخ) جَوَاب أما: أَي قَوْلهم الْمَذْكُور بِاعْتِبَار تعبيرهم بالتخصيص تجوزا أُرِيد بِهِ الْمَعْنى الْمجَازِي للتخصيص وَهُوَ النّسخ، لِأَن إِرَادَة الْعُمُوم مُسْتَلْزم

مسئلة

لتشريفه، ثمَّ إِفَادَة مَا يُخَالف الْعُمُوم نسخ لَهُ (وَالْجَوَاب) عَن قَوْلهم الَّذِي حَاصله النّسخ (بِأَن خُرُوجه) أَي العَبْد من تِلْكَ العمومات (بِالدَّلِيلِ) الْمُفِيد لَهُ (يلْزم أَن مَعْنَاهُ) أَي كَون مَعْنَاهُ أَنه (لم يرد) العَبْد من ذَلِك الْعُمُوم (لدَلِيل) يدل على عدم إِرَادَته (فضلا عَن إِرَادَته، ثمَّ نُسْخَة) يَعْنِي إِذا لم يكن أَرَادَهُ أصلا لزم بِالطَّرِيقِ الأولى أَن لَا يكون ثمَّة مَجْمُوع الْأَمريْنِ من الْإِرَادَة والنسخ الْمَوْقُوف على الْإِرَادَة، وَالضَّمِير فِي نُسْخَة رَاجع إِلَى الحكم الْمُتَعَلّق بِالْعَبدِ على تَقْدِير الْإِرَادَة (عَنهُ) أَي عَن العَبْد الْمُتَعَلّق بالنسخ (وَحَاصِله) أَي حَاصِل الْجَواب (أَن اللَّازِم) فِي نفس الْأَمر (التَّخْصِيص الاصطلاحي بدليله لَا النّسخ) وَهُوَ أَن الْخَارِج عَن حكم الْعَام فِي نفس الْأَمر لم يكن مرَادا من اللَّفْظ الدَّال على الْعُمُوم (وَقد يُقرر) تَوْجِيه المسئلة هَكَذَا (دلّ) الدَّلِيل (على عدم إِرَادَته) أَي العَبْد (فِي بَعْضهَا) أَي فِي الْأَحْكَام (وَعَلَيْهَا فِي بَعْضهَا) أَي وعَلى إِرَادَته فِي بعض الْأَحْكَام (فالمثبت (للتناول شرعا (يعْتَبر بالتناول) لُغَة لِأَن الأَصْل مطابقته) أَي التَّنَاوُل (الْإِرَادَة، والنافي) بقول (عرض الِاشْتِرَاك فِي الِاسْتِعْمَال) لَا يُرَاد فِي بعض الاستعمالات، وَلَا يُرَاد فِي بعض الآخر (فتوقف دُخُولهمْ) أَي العبيد (إِلَى الدَّلِيل لِأَن الأَصْل عدم الدُّخُول (أَو قَامَ) الدَّلِيل مَعْطُوف على عرض (على عدمهَا) أَي الْإِرَادَة (وَهُوَ) أَي الدَّلِيل الْقَائِم على عدم الْإِرَادَة (مالكية السَّيِّد لَهَا) أَي لمنافعه (والرازي يمنعهُ) أَي عدم إرادتهم (فِي حُقُوقه) تَعَالَى (وَالدَّلِيل) على إرادتهم فِيهَا (الأكثرية) لدخولهم فِي الخطابات الْوَارِدَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى على وفْق اللُّغَة، وأكثرية إرادتهم فِي الِاسْتِعْمَال إِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا مَا تَقْتَضِيه اللُّغَة يصلح دَلِيلا للإرادة (فَوَجَبَ التَّفْصِيل) بَين حق الله وَغَيره (و) بِهَذَا التَّفْصِيل (انتظم) أَي صَحَّ (منع عُمُوم مملوكية مَنَافِعه) للسَّيِّد فِي جَمِيع الْأَوْقَات، بل يسْتَثْنى مِنْهَا أَوْقَات الْأَعْمَال الْمَطْلُوبَة مِنْهُ عِنْد الضّيق حَتَّى لَو أمره فِي آخر وَقت الصَّلَاة بِحَيْثُ لَو أطاعه لفاتته وَجب عَلَيْهِ صرف ذَلِك الْوَقْت فِي الصَّلَاة، وَلَا يجوز للسَّيِّد استخدامه (فَانْدفع الأول) أَي التَّنَاقُض الْمَذْكُور فرجح قَول الشَّيْخ أبي بكر الرَّازِيّ. مسئلة (خطاب الله سُبْحَانَهُ الْعَام: ك {يَا عبَادي} - {يَا أَيهَا النَّاس} - شَمله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِرَادَته) بِالرَّفْع فَاعل شَمل، وإضافته إِلَى ضمير الْخطاب لأدنى مُلَابسَة (كَمَا تنَاوله) أَي الْخطاب الْمَذْكُور الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لُغَة) وَلَو قَالَ شَمله إِرَادَة كَمَا شَمله لُغَة لَكَانَ أظهر (عِنْد الْأَكْثَر) سَوَاء صدر بالْقَوْل أَو التَّبْلِيغ أَولا، والظرف مُتَعَلق بشمله (وَقيل لَا)

مسألة

يَشْمَلهُ إِرَادَته (لِأَن كَونه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مبلغه) أَي الْخطاب للْأمة (مَانع) من ذَلِك، وَإِلَّا لَكَانَ مبلغا ومبلغا بخطاب وَاحِد، وَلَا يظْهر امْتنَاع اجْتِمَاعهمَا فِي شخص وَاحِد من جِهَتَيْنِ فَتَأمل (وَلذَا) أَي ولكونه مَانِعا من شُمُوله الْإِرَادَة (خرج) رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أَحْكَام عَامَّة) أَي لم يدْخل فِيهَا (كسنية الضُّحَى) فَإِنَّهَا مَنْدُوبَة للْأمة على القَوْل الْأَشْبَه، وَقد ذهب غير وَاحِد من أَعْيَان الْمُتَأَخِّرين: مِنْهُم النَّوَوِيّ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ. قَالَ الشَّارِح وَالْأَوْجه عَدمه فَإِن الخصوصية لَا تثبت إِلَّا بِدَلِيل صَحِيح وَهُوَ مَقْصُود، وَقد جَاءَ مِمَّا هُوَ أقوى مِنْهُ مَا يُعَارضهُ، وَقد نقل فِي شرح الْمُهَذّب عَن الْعلمَاء أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يداوم على صَلَاة الضُّحَى مَخَافَة أَن تفرض على الْأمة فيعجزوا عَنْهَا، وَكَانَ يَفْعَلهَا فِي بعض الْأَوْقَات (وَحل أَخذ الصَّدَقَة) فَرضهَا وتطوعها تَشْرِيفًا لَهُ فَإِنَّهَا أوساخ النَّاس على مَا فِي الْأَحَادِيث الصِّحَاح (و) حُرْمَة (الزِّيَادَة على أَربع) من الزَّوْجَات بِالْإِجْمَاع وَأما الْكَلَام فِي الزِّيَادَة على التسع، فَالْأَصَحّ الْجَوَاز عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أحل لَهُ النِّسَاء ". قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح، وَالْحَاكِم صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلَفظه " حَتَّى أحل لَهُ من النِّسَاء مَا شَاءَ " (وَالْجَوَاب الْمبلغ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام للْأَحْكَام الْعَامَّة إِلَى وَاحِد من الْعباد) حَال كَون ذَلِك الْوَاحِد (مشمولا بهَا) أَي بِتِلْكَ الْأَحْكَام (ليسمعهم) أَي الْعباد (إِيَّاهَا) أَي الْأَحْكَام وَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ حَال تَبْلِيغ جِبْرِيل الْخطاب الَّذِي هُوَ دَاخل فِيهِ (فَلَا مُوجب لِخُرُوجِهِ، وَهُوَ مشمول بِهِ لُغَة فَمَا تحقق خُرُوجه مِنْهُ لزم كَونه لدَلِيل خَاص فِيهِ، فتفصيل الْحَلِيمِيّ) والصيرفي (بَين أَن يكون) الْخطاب الْعَام (مُتَعَلق قَول: كقل يَا عبَادي، فَيمْنَع) شُمُوله إِيَّاه (وَإِلَّا) أَي وَإِن يكن مُتَعَلق قَول (فَلَا) يمْنَع (مُنْتَفٍ) خبر تَفْصِيل الْحَلِيمِيّ، وَقد عرفت وَجه الانتفاء من التَّنَاوُل بِحَسب اللُّغَة فِي الْكل وَعدم الْمُوجب لعدم الْإِرَادَة سوى دَلِيل التَّخْصِيص فِي الْبَعْض على أَن الخطابات كلهَا مقدرَة بِنَحْوِ: قل، أَو بلغ على مَا قَالَ بَعضهم، ورد بِالْمَنْعِ، وَلَو سلم فَلَيْسَ الْمُقدر كالملفوظ من كل وَجه. مَسْأَلَة (الْخطاب الشفاهي كيا أَيهَا الَّذين آمنُوا: لَيْسَ خطابا لمن بعدهمْ) أَي الَّذين سيوجدون بعد الْمَوْجُودين فِي زمَان الْخطاب (وَإِنَّمَا يثبت حكمه) أَي الْخطاب الشفاهي (لَهُم) أَي لمن سيوجد (بِخَارِج) من الْخطاب من نَص أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس (دلّ) ذَلِك (على أَن كل

مسئلة

خطاب علق بالموجودين حكما فَإِنَّهُ يلْزم من بعدهمْ. وَقَالَت الْحَنَابِلَة وَأَبُو الْيُسْر من الْحَنَفِيَّة هُوَ) أَي الْخطاب الشفاهي (خطاب لَهُم) أَي لمن بعدهمْ أَيْضا (لنا الْقطع بِعَدَمِ التَّنَاوُل) أَي تنَاول الْخطاب الشفاهي لَهُم (لُغَة) على مَا هُوَ التَّحْقِيق. (قَالُوا: لم تزل عُلَمَاء الْأَمْصَار فِي الْأَعْصَار يستدلون بِهِ) أَي بِالْخِطَابِ الشفاهي (على الْمَوْجُودين) فِي أعصارهم، وَهُوَ إِجْمَاع لَهُم على الْعُمُوم (أُجِيب لَا يتَعَيَّن كَونه) أَي كَون الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَيْهِم (لتناولهم) أَي لتناول الْخطاب الْمَذْكُور إيَّاهُم (لجَوَاز كَونه) أَي استدلالهم بِهِ عَلَيْهِم (لعلمهم) أَي الْعلمَاء (بِثُبُوت حكم مَا تعلق بِمن قبلهم عَلَيْهِم) أَي على من بعدهمْ بِنَصّ، أَو إِجْمَاع، أَو قِيَاس (وَأما استدلالهم) أَي الْحَنَابِلَة بِأَنَّهُ (لَو لم يتَعَلَّق) الْخطاب الْمَذْكُور (بهم) أَي بِمن سيوجد (لم يكن) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مُرْسلا إِلَيْهِم) إِذْ لَا معنى للإرسال إِلَيْهِم إِلَّا أَن يُقَال لَهُ بلغ أحكامي إِلَيْهِم، وَلَا تَبْلِيغ بِهَذِهِ العمومات (فَظَاهر الضعْف) للْمَنْع الظَّاهِر للملازمة الْمَذْكُورَة، إِذْ الْإِرْسَال إِلَيْهِم لَا يسْتَلْزم الْخطاب الشفاهي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكل، بل يتَحَقَّق بِحُصُول الْخطاب للْبَعْض، وللبعض بِنصب الدَّلَائِل على أَن حكمهم حكم الَّذِي شافههم (وَاعْلَم أَنه إِذا نصر الْخطاب فِي الْأَزَل للمعدوم) كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَة تَكْلِيف الْمَعْدُوم نَصره على مَا ذهب إِلَيْهِ الأشاعرة (وَمَعْلُوم أَن النّظم القرآني يُحَاذِي دلاله) أَي من حَيْثُ الدّلَالَة الْمَعْنى (الْقَائِم بِهِ تَعَالَى قوي قَوْلهم) أَي الْحَنَابِلَة جَوَاب إِذا، نقل عَن الْعَلامَة أَنه ذكر فِي الْكتب الْمَشْهُورَة أَن الْحق أَن الْعُمُوم مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ من دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَهُوَ قريب (وَيُجَاب بِأَن التَّعَلُّق) أَي تعلق الْخطاب بالمعدومين (فِي الْأَزَل يدْخلهُ) أَي التَّعْلِيق الأزلي (معنى التَّعْلِيق على مَا عرف) من أَن مَعْنَاهُ أَن الْمَعْدُوم الَّذِي علم الله أَنه يُوجد مَطْلُوب مِنْهُ فِي الْأَزَل طلبا غير تنجيزي، بِمَعْنى أَنه إِذا وجد بِصفة التَّكْلِيف يَأْتِي بذلك الْفِعْل كَمَا تَجِد فِي نَفسك طلب صَلَاح ولد سيوجد، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع الطّلب التنجيزي من الْمَعْدُوم فِي صُورَة الْأَمر وَالنَّهْي على مَا تبين فِي مَحَله (وَالْكَلَام) أَي الْكَلَام المنازع فِيهِ إِنَّمَا هُوَ (فِي النّظم الْخَالِي عَنهُ) أَي عَن معنى التَّعْلِيق، وَهُوَ تَوْجِيه الْكَلَام اللَّفْظِيّ التنجيزي نَحْو الْغَيْر للتفهيم، وَهَذَا لَا بُد فِيهِ من وجود الْمُخَاطب، فَهَذَا يُقَوي قَول الْأَكْثَرين. مسئلة (الْمُخَاطب) بِالْكَسْرِ (دَاخل فِي عُمُوم مُتَعَلق خطابه عِنْد الْأَكْثَر: مثل) قَوْله تَعَالَى {(وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم، وَأكْرم من أكرمك وَلَا تهنه} فَالله عَالم بِذَاتِهِ}، والآمر الناهي إِذا أكْرم غَيره

مسئلة

كَانَ الْغَيْر مَأْمُورا بإكرامه، مَنْهِيّا عَن إهانته لوُجُود الْمُقْتَضى وَانْتِفَاء الْمَانِع (وَقيل كَونه) أَي الْمُتَكَلّم (الْمُخَاطب يُخرجهُ) من ذَلِك (وَالْجَوَاب منع الْمُلَازمَة) بَين كَونه مُخَاطبا، وَخُرُوجه عَن ذَلِك الْخطاب (وَأما) عُمُوم قَوْله (الله خَالق كل شَيْء فمخصوص بِالْعقلِ) لِامْتِنَاع خلق الْقَدِيم، وَلَا سِيمَا الْوَاجِب لذاته: وَهَذَا جَوَاب احتجاج المانعين لدُخُوله، تَقْرِيره لَو كَانَ دَاخِلا لزم كَونه تَعَالَى خَالِقًا لنَفسِهِ بقوله تَعَالَى - {خَالق كل شَيْء} - فحاصل الْجَواب أَنه لَوْلَا الْمُخَصّص الْعقلِيّ لَكَانَ دَاخِلا، وَقيل أَن التَّخْصِيص خُرُوج مَا يقتضى ظَاهر اللَّفْظ دُخُوله، وَالله سُبْحَانَهُ وَإِن كَانَ شَيْئا، لَكِن عِنْد ذكر الْأَشْيَاء لَا يفهم دُخُوله، وَفِيه مَا فِيهِ. مسئلة (الْعَام فِي معرض الْمَدْح والذم كَانَ الْأَبْرَار) لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم (يعم) اسْتِعْمَالا كَمَا هُوَ عَام وضعا (خلافًا للشَّافِعِيّ حَتَّى منع بَعضهم) أَي الشَّافِعِيَّة (الِاسْتِدْلَال بالذين يكنزون) الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله الْآيَة (على وُجُوبهَا) أَي الزَّكَاة (فِي الْحلِيّ) لِأَن الْقَصْد بَيَان الكانز، لَا بَيَان التَّعْمِيم، وَإِثْبَات الحكم فِي جَمِيع المتناولات اللُّغَوِيَّة (لنا عَام بصيغته) من غير معَارض فَوَجَبَ الْعَمَل. (قَالُوا) أَي الشَّافِعِيَّة (عهد فيهمَا) أَي الْمَدْح والذم (ذكر الْعَام مَعَ عدم إِرَادَته) أَي الْعُمُوم (مُبَالغَة) فِي الْحَث على الطَّاعَة، والزجر عَن الْمعْصِيَة، فالقصد من صِيغَة الْعُمُوم فيهمَا التَّأْكِيد والاهتمام فِي الْحَث والزجر، لَا لعُمُوم (وَأجِيب بِأَنَّهَا) أَي الْمُبَالغَة (لَا تنافيه) أَي الْعُمُوم (إِذْ كَانَت الْمُبَالغَة (للحث) لَا مَكَان الْجمع بَين المصلحتين، فَلَا صَارف عَن الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة (بِخِلَاف) الْمُبَالغَة (فِي نَحْو: قتلت النَّاس كلهم) فَإِن معنى الْمُبَالغَة على تَنْزِيل قتل الْبَعْض منزلَة قتل الْكل لكَوْنهم كبنيان وَاحِد على أَن الْقَرِينَة الصارفة عَن إِرَادَة الْعُمُوم فِيهِ وَاضِحَة لعدم إِمْكَان قتل الْكل، وَعدم إِرَادَة الْعُمُوم فِي أَمْثَاله كَمَا لَا يخفى. مسئلة (مثل خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة لَا يُوجِبهُ) أَي الْأَخْذ (من كل نوع) من أَنْوَاع المَال (عِنْد الْكَرْخِي وَغَيره) كالآمدي وَابْن الْحَاجِب (خلافًا للْأَكْثَر، لَهُ) أَي للكرخي (يصدق بِأخذ صَدَقَة) وَاحِدَة بالنوع (مِنْهَا) أَي من جملَة أَمْوَالهم (أَنه أَخذ صَدَقَة من أَمْوَالهم)

إِذْ الْمَأْمُور بِهِ أَخذ صَدَقَة مَا، وَقد تحقق فِي ضمن تِلْكَ الْوَاحِدَة (وهم) أَي الْأَكْثَر (يمنعونه) أَي صدق ذَلِك (لِأَنَّهُ) أَي لفظ أَمْوَال (جمع مُضَاف، فَالْمَعْنى) خُذ (من كل مَال) صَدَقَة (فَيعم) الْمَأْخُوذ (بِعُمُومِهِ) أَي الْمَأْخُوذ مِنْهُ (أُجِيب بِأَن عُمُوم كل تفصيلي) أَي لاستغراق كل وَاحِد وَاحِد مفصلا (بِخِلَاف الْجمع) فَإِن عُمُومه لَيْسَ بتفصيلي (للْفرق الضَّرُورِيّ: بَين للرِّجَال عِنْدِي دِرْهَم، وَلكُل رجل) عِنْدِي دِرْهَم حَتَّى يلْزم فِي الأول دِرْهَم وَاحِد للْجَمِيع، وَفِي الثَّانِي دِرْهَم لكل رجل (وَهَذَا) الْجَواب (يُشِير إِلَى أَن استغراق الْجمع الْمحلي لَيْسَ كالمفرد، وَهُوَ) أَي كَون استغراقه لَيْسَ كالمفرد (خلاف) الْمَذْهَب (الْمَنْصُور، بل هُوَ) أَي الْجمع الْمحلي (كالمفرد، وَإِن صَحَّ إِرَادَة الْمَجْمُوع بِهِ) أَي الْمحلي (لَا كل فَرد بِالْقَرِينَةِ) الصارفة عَن كل فَرد أَلْبَتَّة لإِرَادَة الْمَجْمُوع من حَيْثُ هُوَ كهذه الدَّار لَا تسع الرِّجَال (وَقد ينصر) كَونه لَيْسَ كالمفرد (بِالْفرقِ: بَين للْمَسَاكِين عِنْدِي دِرْهَم، وللمسكين) عِنْدِي دِرْهَم عِنْد قصد الِاسْتِغْرَاق تتبادر إِرَادَة الْمَجْمُوع فِي الْجمع، وكل وَاحِد وَاحِد فِي الْمُفْرد (قبل مُلَاحظَة اسْتِحَالَة انقسامه) أَي الدِّرْهَم الْوَاحِد (على الْكل) فَإِنَّهُ بعد ملاحظتها يتَعَيَّن إِرَادَة خلاف الظَّاهِر، وَهُوَ الْمَجْمُوع فَيكون الْمَعْنى: لكل وَاحِد عِنْدِي دِرْهَم (و) ينصر أَيْضا (بتبادر صدق مَا تقدم) من أَخذ صَدَقَة من أَمْوَالهم على أَخذ صَدَقَة وَاحِدَة مِنْهَا (فَالْحق أَن عمومها) أَي الجموع المحلاة (مجموعي) بِمَعْنى أَن الحكم الْمَنْسُوب إِلَيْهَا يثبت للمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع لَا لكل وَاحِد من آحادها (وَإِن قُلْنَا أَن أَفْرَاد الْجمع الْعَام الواحدان) أَي أَفْرَاد مَفْهُوم مفرده، لَا أَفْرَاد مَفْهُومه: أَعنِي الْجَمَاعَات كَمَا سبق (فَإِنَّهُ) أَي كَونه مُسْتَغْرقا لآحاد الْمُفْرد (لَا يُنَافِيهِ) أَي كَون عمومها مجموعيا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (وَلُزُوم الحكم الشَّرْعِيّ أَو) لُزُوم الحكم (مُطلقًا) شَرْعِيًّا كَانَ أَو غَيره (لكل) من الْآحَاد (ضَرُورَة عدم تجزؤ الْمَطْلُوب) فِيمَا إِذا لم يكن الحكم الْمُتَعَلّق بِالْجمعِ الْمحلي أمرا قَابلا للتجزئة ليتصور أَن يكون الْمَطْلُوب من الجموع فعلا وَاحِدًا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يتَعَيَّن أَن يكون الْمَطْلُوب من كل وَاحِد فعلا آخر، وَقَوله ضَرُورَة مفعول لمَحْذُوف هُوَ خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي لُزُوم الحكم (وَغَيره) من الْقَرَائِن الدَّالَّة على أَن الحكم ثَابت لكل وَاحِد من آحَاد الْجمع الْمَذْكُور مَعْطُوف على عدم تجزؤ (كيحب الْمُحْسِنِينَ) للْعلم بحب كل محسن (وَالْحَاصِل أَنه) أَي عُمُوم الْجمع فِي الْآحَاد على وَجه الِانْفِرَاد (مُقْتَضى أَمر آخر غير اللُّغَة) وَالتَّحْقِيق الْمَذْكُور مَبْنِيّ على الْوَضع اللّغَوِيّ (وَصُورَة هَذِه المسئلة) يَعْنِي عنوانها (عِنْد الْحَنَفِيَّة الْجمع الْمُضَاف لجمع) أَي إِلَى جمع (كمن أَمْوَالهم لَا يُوجب إِثْبَات الحكم لَهُ) أَي إثْبَاته لَهُ مُضَافا إِلَى كل فَرد من آحَاد الْجمع

حتى يكون المعنى: خذ من كل مال كل واحد منهم صدقة، ويعتبر استغراق أموال كل واحد كاستغراق الجمع المحلي على المذهب المنصور (خلافا لزفر) فإن عنده يوجب الجمع بالمعنى المذكور (وجه قوله: إن المضاف إلى الجمع مضاف إلى كل فرد، وهو) أي المضاف هنا (جمع فيلزم) أن يضاف الجمع الأول (في حق كل) من آحاد الجمع الثاني (فيؤخذ من كل مال لكل) من أفراد الجمع المضاف إليه لما عرفت. (ومفزعهم) أي ملجأ الحنفية (في دفعه) أي دفع وجه زفر (الاستعمال المستمر) المفيد، خلاف ما ذكره (نحو - جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم -، وركبوا دوابهم) فإن كل واحد منها (يفيد نسبة آحاده) أي الجمع المضاف (إلى آحاده) أي الجمع المضاف إليه (ففي الآية يؤخذ من مال كل، لا من كل مال كل، ويدفع) هذا الدفع (بأنه) أي بكون مقابلة الجمع بالجمع يفيد انقسام الآحاد على الآحاد فيما ذكر (لخصوص المادة) بحسب القرينة: ألا ترى أن قوله تعالى - يحملون أوزارهم على ظهورهم -: إخبار بحمل كل واحد أوزاره (لكنه) أي دفع المانع (إبطال دليل معين لا يدفع المطلوب) قوله لا يدفع خبر بعد خبر، ويحتمل أن يكون ضمير لكنه للشأن (وقد بقي ما قلنا) من أن الحق أن عمومها مجموعي إلى آخره (وعليه) أي على أن مقابلة الجمع بالجمع تفيد انقسام الآحاد على الآحاد (فرع) ذكر في الجامع الكبير (إذا دخلتما هاتين الدارين، أو ولدتما ولدين فطالقتان، فدخلت كل دارا، وولدت كل ولدا طلقت). مسئلة (إذا علل) الشارع (حكما) في محل بعلة (عم) الحكم (في محالها) أي العلة شرعا (بالقياس) وهو الصحيح عن الشافعي رحمه الله (وقيل) عم عنه لغة (بالصيغة: قال القاضي أبو بكر لا يعم) أصلا، وإليه قال الغزالي، (لنا) تعليل الشارع حكما بعلة (ظاهر في استقلال الوصف) بالعلية، فوجب اتباعه لوجوب الحكم بالظاهر، (فتجويز كون المحل جزءا) من العلة التي علل بها الشارع الحكم في ذلك المحل (فلا يتعدى) إلى محل آخر لانعدام الجزء (كقول القاضي احتمال) لا يقدح في الظهور، فلا يترك به الظاهر (ثم) الفرض أنه (لا صيغة عموم) لتعم الصيغة (فانفرد التعميم بعلة. قالوا) أي المعممون بالصيغة (حرمت الخمر لأنها مسكرة كحرمت المسكر) فإن المفهوم منهما واحد، والثاني وهو كل مسكر بالصيغة، فكذا الأول (قلنا) إنما الأول مثل الثاني (في أصل الحكم) لا مثله في عمومه بالصيغة، ولا يستلزم كونه مثل الثاني في أصل العموم (كونه) مثله في العموم (بالصيغة لانتفائها)

أي لانتفاء الصيغة الدالة على العموم في الأوّل. مسئلة (الاتفاق على عموم مفهوم الموافقة دلالة النص) عطف بيان لمفهوم الموافقة، وقد تفسيرهما (وكذا إشارة النص عند الحنفية لأنهما) أي دلالة النص، وإشارة النص (دلالة اللفظ) وقد مر بيانه (واختلف في عموم مفهوم المخالفة) وقد سبق تفسيره في المباديء اللغوية (عند قائليه) لأن من لم يقل لا يبحقث عن عمومه وعدمه، إذ هو فرع ثبوته (نفاه) أي عمومه (الغزالي خلافا للأكثر) حيث أثبتوه (فقيل) الخلاف (لفظي) ذكره ابن الحاجب وغيره (لثبوت نقيض الحكم) أي حكم المنطوق (في كل ما سوى محل النطق اتفاقا) من القائلين بمفهوم المخالفة، ومنهم الغزالي (ومراد الغزالي أنه) أي عمومه (لم يثبت بالمنطوق) إذ لا يتصور ثبوت عمومه بالمنطوق مع عدم ثبوت نفسه به (ولا يختلف فيه) أي في عدم ثبوته بالمنطوق وإذا اتفقوا في أصل العموم في عدم ثبوته بالمنطوق لم يبق منهم خلاف، في الشرح العضدي: والحاصل أنه نزاع لفظي يعود إلى تفسير العام بأنه ما يستغرق في الجملة (لكن قول الغزالي) في المستصفى (من يقول بالمفهوم قد يظن له) أي للمفهوم (عموما ويتمسك به) أي بعمومه (وفيه) أي في أن له عمومًا (نظر لأن العموم) أي العام (لفظ) أو المضاف محذوف: أي صفة لفظ تتشابه دلالته بالاضافة إلى المسميات (والتمسك بالمفهوم تمسك بمسكوت) أي بمعنى غير منطوق يفهم من الفحوى (ظاهر في تحققه) أي الخلاف خبر لكن (وبناؤه) أي النظر بل الخلاف (على أنه) أي العموم (من عوارض الألفاظ خاصة أولا) بل يعرضها وغيرها كما ذهب إليه غير الغزالي (وحقق) أي أثبت على وجه التحقيق (تحقق في العموم) في المفهوم (وإن النزاع في أنه) أي العموم (ملحوظ للمتكلم) فينزل منه منزلة المعبر عنه بصيغة العموم (فيقبل حكمه) أي العموم (من التخصيص) وتجزء الإرادة (أولا) أي غير ملحوظ له (بل هو لازم عقلي ثبت تبعا لملزومه) وهو المنطوق (فلا يقبله) أي التخصيص والتجزئة في الإرادة، لأنه إنما يكون فيما هو ملحوظ ومقصود (وهو) أي كونه غير ملحوظ للمتكلم لكونه لازما عقليا (مراد الغزالي) من نفي العموم فمنفيه في الحقيقة العموم الذي يترتب عليه الحكم المذكور (فيحمل قوله ويتمسك به إلى آخره) أي وفيه نظر، لأن العموم لفظ على مضمون هذا التحقيق، فالمطلب الذي يتمسك به العموم في إثباته إنما هو حكم العموم وهو التخصيص كما أشار إليه بقوله (أي في اثبات حكمه ذلك لاستبعاد أن لا يثبت نقيض حكم

مسئلة

الْمَنْطُوق لكل مَا صدق عَلَيْهِ الْمَفْهُوم) ثمَّ تعقب هَذَا التَّحْقِيق بقوله (وَعلمت أَن لفظ الْغَزالِيّ) الْمَذْكُور (ظَاهر فِي خِلَافه) أَي خلاف تَحْقِيق هَذَا الْمُحَقق: يَعْنِي شَارِح الْمُخْتَصر. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَظَاهر كَلَام الْمُسْتَصْفى أَن النزاع عَائِد إِلَى أَن الْعُمُوم من عوارض الْأَلْفَاظ خَاصَّة أم لَا قَالَ من يَقُول بِالْمَفْهُومِ قد يظنّ للمفهوم عُمُوما ويتمسك بِهِ، وَفِيه نظر لِأَن الْعُمُوم لفظ متشابه دلَالَته بِالْإِضَافَة إِلَى مسمياته، والتمسك بِالْمَفْهُومِ والفحوى لَيْسَ بتمسك بِلَفْظ بل بمسكوت (وَجَاز أَن يَقُول) الْغَزالِيّ (بِثُبُوت النقيض) أَي نقيض حكم الْمَنْطُوق (على الْعُمُوم وينسبه) أَي الْعُمُوم (إِلَى الأَصْل) فَإِن الأَصْل فِي كل مَا صدق عَلَيْهِ مَا يُقَابل الْمَنْطُوق إِلَّا أَن يكون فِيهِ حكم الْمَنْطُوق، إِذْ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْعَدَم والاستصحاب إبْقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ (لَا للمفهوم) أَي لَا ينْسبهُ إِلَى الْمَفْهُوم ليسلم عَن النزاع (كطريق الْحَنَفِيَّة) أَي ويختار مثل طريقهم (فِيهِ) أَي فِي الْمَفْهُوم (على مَا تقدم) فِي بحث الْمَفْهُوم. مسئلة (قَالَت الْحَنَفِيَّة يقتل الْمُسلم بالذمي فرعا فقهيا) أَي حَال كَون مقولهم متفرعا على أصل أثبتوه بحجته لَا مثبتا بِنَصّ فِيهِ (مَعَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَلَا) يقتل (ذُو عهد) من الْكفَّار (فِي) مُدَّة (عَهده، فَاخْتلف فِي مبناه) أَي مبْنى هَذَا الْفَرْع (فالآمدي) وَالْغَزالِيّ قَالَا: مبناه مَا أَفَادَهُ بقوله (عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ يسْتَلْزم عُمُوم الْمَعْطُوف عِنْد الْحَنَفِيَّة خلافًا لَهُم) أَي الشَّافِعِيَّة (وَلَا بُد من تَقْدِير بِكَافِر مَعَ ذُو عهد، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يقدر بِكَافِر (لم يقتل) ذُو عهد (بِمُسلم) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يدل على نفي قَتله مُطلقًا بِوَجْه من الْوُجُوه: وَهُوَ بَاطِل إِجْمَاعًا (فإمَّا) أَن يكون وَجه استلزام عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عُمُوم الْمَعْطُوف (لُغَة) أَي أمرا يَقْتَضِيهِ عرف اللُّغَة (على مَا قَالَ الْحَنَفِيَّة الْمَعْطُوف جملَة نَاقِصَة) فِي أَدَاء المُرَاد (فَيقدر خبر الأول فِيهَا) أَي فِي الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة، وَإِنَّمَا عبروا عَن هَذَا الْمُقدر بِلَفْظ خبر (تجوزا بِهِ) أَي بالْخبر (عَن المتعلقات) بعلاقة التَّعْلِيق بصدر الْكَلَام (فنحو ضربت زيدا يَوْم الْجُمُعَة وعمرا يلْزم تَقْيِيد ضرب عَمْرو بِهِ) أَي بِيَوْم الْجُمُعَة (ظَاهرا) أَي رِعَايَة لظَاهِر الْكَلَام (وَوَجهه) أَي وَجه هَذَا اللُّزُوم لُغَة (أَن الْعَطف) فِي اللُّغَة (لتشريك الثَّانِي) مَعَ الأول (فِي الْمُتَعَلّق) قَالَ الشَّارِح بِفَتْح اللَّام، وَالْأَظْهَر بِكَسْرِهَا (وَهُوَ) أَي الْمُتَعَلّق فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِي (عدم قَتله) أَي ذُو عهد (بِكَافِر وَإِن شركه) بالمعطوف مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (النجَاة فِي الْعَامِل وَلم يَأْخُذُوا الْقَيْد) أَي قيد الْعَامِل (فِيهِ) أَي فِي جَانب الْمَعْطُوف (لَكِن هَذَا)

أَي أَخذ الْقَيْد فِي الْمَعْطُوف وتشريكه مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِيهِ أَيْضا (حق وَهُوَ لازمهم) أَي النُّحَاة (فَإِن الْعَامِل مُقَيّد بِالْفَرْضِ) لِأَن فرض الْكَلَام فِي الْعَامِل الْمُقَيد (فشركته) أَي الثَّانِي للْأولِ (فِيهِ) أَي فِي الْعَامِل الْمُقَيد (توجب تَقْيِيده) أَي الثَّانِي (مثله) أَي الأول (وَإِمَّا) يكون ذَلِك حَاصِلا (بمنفصل) أَي بِأَمْر مُنْفَصِل عَن اللَّفْظ (شَرْعِي) أَي يَقْتَضِيهِ الشَّرْع (هُوَ) أَي ذَلِك الْمُنْفَصِل الشَّرْعِيّ (لُزُوم عدم قتل الذِّمِّيّ بِمُسلم لولاه) أَي شركَة الْمَعْطُوف مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي الْمُتَعَلّق الْمَذْكُور (ثمَّ هُوَ) أَي الْكَافِر فِي جَانب الْمَعْطُوف (مَخْصُوص بالحربي لقَتله) أَي ذِي الْعَهْد (بالذمي) إِجْمَاعًا (فَانْتفى اللَّازِم) وَهُوَ عُمُوم الثَّانِي (فينتفى الْمَلْزُوم، وَهُوَ عُمُوم الأول) فَلَا يحمل على عدم قتل الْمُسلم بِكَافِر مُطلقًا، بل بِكَافِر حَرْبِيّ (وَقيل) قَالَه الإِمَام الرَّازِيّ والبيضاوي وَغَيرهمَا (تَخْصِيص الْمَعْطُوف يُوجِبهُ) أَي التَّخْصِيص بذلك الْوَجْه (فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (وَهَذَا) القَوْل (لَازم للْأولِ أَي لِلْقَوْلِ الأول الَّذِي قَالَه الْآمِدِيّ (لِأَن تَخْصِيصه) أَي الْمَعْطُوف (نفي عُمُومه، وَهُوَ) أَي نفي عُمُومه (انْتِفَاء اللَّازِم (فِي) القَوْل (الأول) يَعْنِي عُمُوم الْمَعْطُوف، لِأَن قَول الْآمِدِيّ عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ يسْتَلْزم عُمُوم الْمَعْطُوف حَاصله أَن عُمُوم الْمَعْطُوف لَازم عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ ملزوم، فَلَو لم يخص الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بتخصيص الْمَعْطُوف لَكَانَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عَاما، والمعطوف عَلَيْهِ خَاصّا وَلزِمَ انْتِفَاء اللَّازِم (وَنفي اللَّازِم) وَهُوَ عُمُوم الْمَعْطُوف (ملزوم لنفي الْمَلْزُوم) وَهُوَ عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَ انْتِفَاء عُمُوم الْمَعْطُوف مستلزما لانْتِفَاء عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ ثَبت قَوْلنَا تَخْصِيص الْمَعْطُوف يُوجب تَخْصِيص الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (وَقد يُقَال) فِي تَقْرِير هَذَا تَخْصِيص الثَّانِي بِوَجْه (يسْتَلْزم تَخْصِيص الأول بِمَا خص بِهِ) الثَّانِي (وَلَا شكّ أَنه) أَي تَخْصِيص الثَّانِي بالحربي (مُرَاد) لما عرفت، فَالْأول كَذَلِك (فَيصير الحَدِيث دَلِيلا للحنفية على قتل الْمُسلم بالذمي) لِأَنَّهُ صَار الْمَعْنى: لَا يقتل مُسلم بحربي، وَلَا يقتل ذمِّي بحربي، وَيلْزمهُ أَن يقتل الْمُسلم بِغَيْر حَرْبِيّ، وَيدخل فِي غير الْحَرْبِيّ الذِّمِّيّ، ثمَّ رده بقوله (وَهَذَا إِنَّمَا يتم لَو قَالُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (بِمَفْهُوم الْمُخَالفَة) نَحوه يجوز إِيرَاده إلزاميا على الْقَائِل بِهِ (وَقيل قلبه) أَي تَخْصِيص الأول يسْتَلْزم تَخْصِيص الثَّانِي (غير أَنه) أَي هَذَا القَوْل (لَا يصلح لمبني الْفَرْع) الْمَذْكُور لعدم دَلِيل التَّخْصِيص فِي الأول (نعم لَا تلازم) بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ من جِهَة الْعُمُوم وَالْخُصُوص (فقد يعمان) أَي الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ (وَقد يعم أَحدهمَا لَا الآخر، وَكَون الْعَطف للتشريك يصدق إِذا شركت بعض أَفْرَاد الْمَعْطُوف فِي الْمُقَيد الْمُتَعَلّق بِكُل أَفْرَاد الأول) وتأنيث شركت بِاعْتِبَار تعدد ذَلِك الْبَعْض (فَظهر) مِمَّا تبين (أَن

مسئلة

الحَدِيث) وَإِن لم يدل على قتل الْمُسلم بالذمي لَا دلَالَة لَهُ على عدم قَتله بِهِ أَن الحَدِيث الْمَذْكُور (لَا يُعَارض آيَات الْقصاص الْعَامَّة) كَقَوْلِه تَعَالَى - {أَن النَّفس بِالنَّفسِ} - مِمَّا يدل على أَن كل قَاتل يقْتَصّ مِنْهُ سَوَاء كَانَ مقتوله مُسلما أَو كَافِرًا إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْإِجْمَاع، بل صَار من ضروريات الدّين من عدم قتل الْمُسلم بالحربي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِن خص مِنْهَا) أَي من عُمُوم تِلْكَ الْعَامَّة (الْحَرْبِيّ لتخصيص) لفظ (كَافِر الأول) فِي الحَدِيث الْمَذْكُور (بالحربي) تَعْلِيل لعدم الْمُعَارضَة (والمحققون) من الْحَنَفِيَّة (على أَن المُرَاد بالكافر) الْمَذْكُور فِي الحَدِيث (الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن) لَا الْحَرْبِيّ مُطلقًا (ليُفِيد) قَوْله: لَا يقتل مُسلم بِكَافِر (إِذْ غَيره) أَي غير الْمُسْتَأْمن من الْحَرْبِيّ (مِمَّا عرف) عدم قتل الْمُسلم بِهِ (بِالضَّرُورَةِ من الدّين كَالصَّلَاةِ) أَي كَمَا عرف بِالضَّرُورَةِ فرضيته فَإِن قلت لَا نسلم عدم الْفَائِدَة على تَقْدِير إِرَادَة الْحَرْبِيّ مُطلقًا إِذْ تحصل الْفَائِدَة بِاعْتِبَار بعض أَفْرَاده، وَهُوَ الْمُسْتَأْمن قُلْنَا كفى بِعَدَمِ الْفَائِدَة بِاعْتِبَار الْأَكْثَر محذورا (فَلَا يقتل الذِّمِّيّ بالمستأمن) كَمَا لَا يقتل الْمُسلم بِهِ لما مر من وجوب تَقْدِير بِكَافِر فِي الْمَعْطُوف، وَعدم إِمْكَان حمله على الْعُمُوم، لِأَن عدم قتل ذِي الْعَهْد بالذمي مُخَالف لآيَات الْقصاص، وبالحربي غير الْمُسْتَأْمن غير مُفِيد لما مر (وَالَّذِي فِي هَذِه) المسئلة (من مبَاحث الْعُمُوم كَون الْعَطف على عَام لعامله) أَي لعامل ذَلِك الْعَام (مُتَعَلق عَام) قَوْله لعامله إِلَى هُنَا صفة عَام (يُوجب تَقْدِير لَفظه) أَي لفظ الْمُتَعَلّق الْعَام (فِي الْمَعْطُوف) وَقَوله يُوجب إِلَى آخِره خبر الْكَوْن (ثمَّ يخص أَحدهمَا) سَوَاء كَانَ الْمَعْطُوف أَو الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (بِخُصُوص الآخر، وَإِلَّا) وَإِن لم يخص أَحدهمَا بِخُصُوص الآخر (اخْتلف الْعَامِل، وَفِيه) أَي فِي لُزُوم اختلافه (مَا سَمِعت) يُشِير إِلَى قَوْله: نعم لَا يلْزم إِلَى آخِره: مسئلة (الْجَواب) عَن السُّؤَال حَال كَونه (غير المستقل) بِأَن لَا يكون مُفِيدا بِدُونِ السُّؤَال كنعم، وَلَا (يُسَاوِي السُّؤَال فِي الْعُمُوم اتِّفَاقًا، وَفِي الْخُصُوص قيل كَذَلِك) أَي يُسَاوِيه فِي الْخُصُوص أَيْضا اتِّفَاقًا، قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَته على الشَّرْح العضدي: ظَاهر الْكَلَام أَنه لَا نزاع فِي كَونه تَابعا للسؤال فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص حَتَّى لَو قيل هَل يجوز الْوضُوء بِمَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ نعم كَانَ عَاما، وَلَو قيل: هَل يجوز لي الْوضُوء بِمَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ نعم كَانَ خَاصّا بِهِ إِلَّا أَن صَرِيح كَلَام الْآمِدِيّ والشارحين، وَبِه تشعر عبارَة الْمَتْن أَن الِاتِّفَاق إِنَّمَا هُوَ فِي الْعُمُوم، وَأما فِي الْخُصُوص، فخلاف الشَّافِعِي رَحمَه الله حَيْثُ ذهب إِلَى دلَالَة الْجَواب على جَوَاز التَّوَضُّؤ بِمَاء

الْبَحْر لكل أحد، مصيرا مِنْهُ إِلَى ترك الاستفصال فِي حِكَايَة الْحَال مَعَ قيام الِاحْتِمَال ينزل منزلَة الْعُمُوم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقد يعم) الْجَواب فِي الْخُصُوص (عِنْد الشَّافِعِي) رَحمَه الله (لترك الاستفصال) يَعْنِي أَن الرَّاوِي لما ترك التَّفْصِيل وَلم يُقيد الْجَواب بِبَعْض الْأَحْوَال مَعَ احْتِمَال كَونه مُقَيّدا بِهِ، وَحكى الْوَاقِعَة من غير تَفْصِيل علم أَنه فهم الْعُمُوم من الشَّارِع وَإِلَّا لَكَانَ يجب عَلَيْهِ التَّفْصِيل، وَقيل إِنَّمَا ذكر الشَّافِعِي رَحمَه الله ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ الْجَواب مُسْتقِلّا (وَالظَّاهِر الأول) وَهُوَ كَون غير المستقل تَابعا للسؤال فِي الْخُصُوص (وَلَا معنى للُزُوم الْعُمُوم) فِي الْجَواب (لتَركه) أَي الاستفصال إِن قَالَ بِهِ قَائِل (إِلَّا) الْعُمُوم (فِي الْأَحْوَال والأوقات وَالْمرَاد عُمُوم الْمُكَلّفين) أَي لَكِن النزاع فِي أَن المُرَاد عُمُوم الْجَواب للمكلفين، أَو خصوصه ببعضهم (وَالْقطع أَنه) أَي الْعُمُوم للمكلفين (إِن ثَبت فِي نَحْو) نعم جَوَابا لقَوْل الْقَائِل (أَيحلُّ لي كَذَا، فبقياس) أَي فثبوته بِقِيَاس نعم عَلَيْهِ لاشتراكهم فِي الْعلَّة (أَو بِنَحْوِ حكمي على الْوَاحِد) حكمي على الْجَمَاعَة (لَا من نعم) فَقَط (وَأما) الْجَواب (المستقل الْعَام) الْوَارِد (على سَبَب خَاص، فللعموم) عِنْد الْأَكْثَر، وَالْمرَاد بالمستقل: الوافي بِالْمَقْصُودِ مَعَ قطع النّظر عَن السَّبَب سَوَاء كَانَ سؤالا كَمَا روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ، وَقيل يَا رَسُول الله: أَنَتَوَضَّأُ من بِئْر بضَاعَة، وَهِي بِئْر يلقى فِيهَا الْحيض، وَالنَّتن وَلحم الْكلاب؟ فَقَالَ: إِن المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء، أَو حَادِثَة كَمَا لَو شَاهد من رمى شَاة ميتَة، فَقَالَ: " أَيّمَا أهاب دبغ فقد طهر ": (خلافًا للشَّافِعِيّ) على مَا نَقله الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا، وَقَالَ الأسنوي رَحمَه الله: نَص الإِمَام فِي الْأُم على أَن السَّبَب لَا يضيع شَيْئا إِنَّمَا بِصِيغَة الْأَلْفَاظ (لنا أَن التَّمَسُّك) فِي إِثْبَات الْعُمُوم وَالْخُصُوص إِنَّمَا يكون (بِاللَّفْظِ وَهُوَ) لفظ الْأَجْوِبَة الْمُتَنَازع فِيهَا (عَام) وَلَا مَانع من حملهَا على مقتضيها (وخصوص السَّبَب لَا يَقْتَضِي إِخْرَاج غَيره) أَي غير السَّبَب من دَائِرَة تنَاول اللَّفْظ (وَتمسك الصَّحَابَة) عطف على أَن التَّمَسُّك إِلَى آخِره (وَمن بعدهمْ) من الْمُجْتَهدين (فِي جَمِيع الْأَعْصَار بهَا) أَي بالأجوبة التَّامَّة الْوَارِدَة على سَبَب خَاص (كآية السّرقَة وَهِي) وَارِدَة (فِي) سَرقَة (رِدَاء صَفْوَان) بن أُميَّة (أَو) فِي سَرقَة (الْمِجَن) على اخْتِلَاف الرِّوَايَة، وَذكر بعض الْحفاظ أَنَّهَا نزلت فِي ابْن أُبَيْرِق سَارِق الدرْع، وَقطع سَارِق رِدَاء صَفْوَان بعد فتح مَكَّة، وَصَفوَان أسلم بعد الْفَتْح (وَآيَة الظِّهَار فِي سَلمَة بن صَخْر البياضي) وَتعقب بِأَنَّهَا نزلت فِي أَوْس ابْن الصَّامِت وَزَوجته (وَآيَة اللّعان فِي هِلَال بن أُميَّة، أَو عُوَيْمِر) وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا، وَلَا شكّ فِي عُمُوم هَذِه الْأَحْكَام مَعَ خُصُوص أَسبَابهَا (قَالُوا) أَي المانعون لعمومها (لَو كَانَ) الْجَواب عَاما للسبب وَغَيره (لجَاز تَخْصِيص السَّبَب بِالِاجْتِهَادِ) من عُمُوم الْجَواب

كَغَيْرِهِ من أَفْرَاده لتساويهما فِي الْعُمُوم (وَأجِيب) بِمَنْع الْمُلَازمَة (بِأَنَّهُ) أَي تَخْصِيص السَّبَب بِالِاجْتِهَادِ (خص من جَوَاز التَّخْصِيص للْقطع بِدُخُولِهِ) أَي دُخُول السَّبَب فِي إِرَادَة الْمُتَكَلّم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن دَاخِلا فِيهَا (لم يكن) الْجَواب (جَوَابا) لَهُ (وَأجِيب أَيْضا بِمَنْع بطلَان اللَّازِم) أَي لَا نسلم عدم جَوَاز تَخْصِيص السَّبَب بِالِاجْتِهَادِ (فَإِن أَبَا حنيفَة أخرج ولد الْأمة) الْمَوْطُوءَة (من عُمُوم) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْوَلَد للْفراش) فَلم يثبت نسبه مِنْهُ إِلَّا بِدَعْوَاهُ (مَعَ وُرُوده) أَي النَّص الْمَذْكُور (فِي) ولد (وليدة زَمعَة) وَكَانَت أمة مَوْطُوءَة لَهُ على مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ عتبَة بن أبي وَقاص عهد إِلَى أَخِيه سعد بن أبي وَقاص: أَن ابْن وليدة زَمعَة مني فاقبضه إليم، فَلَمَّا كَانَ عَام الْفَتْح أَخذه سعد، فَقَالَ ابْن أخي عهد إِلَيّ فِيهِ، فَقَامَ عبد بن زَمعَة، فَقَالَ أخي وَابْن أبي ولد على فرَاشه فتساوقا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ كل مِنْهُمَا مَا قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر، ثمَّ قَالَ لسودة بنت زَمعَة: احتجبي مِنْهُ لما رَأْي من شبهه عتبَة فَمَا رَآهَا حَتَّى لحق بِاللَّه تَعَالَى " (وَلَيْسَ) هَذَا الْجَواب (بِشَيْء فَإِن السَّبَب الْخَاص ولد زَمعَة وَلم يُخرجهُ) أَبُو حنيفَة من الْوَلَد للْفراش، وَإِنَّمَا أخرج مُطلق ولد الْأمة الْمَوْطُوءَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فالمخرج نوع السَّبَب) أَي الْمخْرج مَفْهُوم عَام ينْدَرج تَحْتَهُ السَّبَب الْمَذْكُور من عُمُوم هَذَا النَّوْع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (مَخْصُوصًا مِنْهُ) أَي من النَّوْع الْمَذْكُور (السَّبَب) الْخَاص وَهُوَ ولد زَمعَة (وَالتَّحْقِيق أَنه) أَي أَبَا حنيفَة (لم يخرج نَوعه أَيْضا لِأَنَّهَا) أَي الْأمة (مَا لم تصر أم ولد عِنْده لَيست بفراش) أَي عِنْد أبي حنيفَة، فالأمة الْمَوْطُوءَة الَّتِي لم تثبت نسب وَلَدهَا بِغَيْر دَعْوَة السَّيِّد لَيست بفراش عِنْده، والإخراج فرع الدُّخُول (فالفراش الْمَنْكُوحَة) وَهِي الْفراش الْقوي يثبت فِيهِ النّسَب بِمُجَرَّد الْولادَة وَلَا ينتفى إِلَّا بِاللّعانِ (وَأم الْوَلَد) وَهِي فرَاش ضَعِيف إِن لم تكن حَامِلا فَيجوز تَزْوِيجهَا، وفراش متوسط إِن كَانَت حَامِلا فَيمْتَنع تزَوجهَا وَيثبت وَلَدهَا بِلَا دَعْوَة، وينتفى بِمُجَرَّد نَفْيه فِي الْحَالين. قَالَ الشَّارِح: وَهَذَا أوجه من قَوْلهم الْقوي الْمَنْكُوحَة، والمتوسط أم الْوَلَد، والضعيف الْأمة الْمَوْطُوءَة (وَإِطْلَاق الْفراش على وليدة زَمعَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الْوَلَد للْفراش بعد قَول عبد بن زَمعَة ولد على فرَاش أبي لَا يسْتَلْزم كَون الْأمة مُطلقًا فراشا لجَوَاز كَونهَا) أَي وليدة زَمعَة (كَانَت أم ولد) ذكر كَانَت بعد كَونهَا لِئَلَّا يتَوَهَّم كَونهَا أم ولد بِاعْتِبَار هَذَا الْوَلَد الْمُتَنَازع فِيهِ (وَقد قيل بِهِ) أَي بِكَوْنِهَا كَانَت أم وَلَده (وَدلّ عَلَيْهِ بِلَفْظ وليدة) فَإِنَّهَا (فعيلة بِمَعْنى فاعلة، على أَنه منع أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثبت نسبه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ لَك) أَي مِيرَاث من أَبِيك، وَلذَا لم يقل هُوَ أَخُوك

فمعارض بِهِ، وَهَذَا أرجح لشهرتها (وَقَوله احتجبي مِنْهُ يَا سَوْدَة) إِذْ لَو كَانَ أخاها شرعا لم يجب احتجابها، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة أَحْمد، وَأما أَنْت فاحتجبي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخ (قَالُوا لَو عَم) الْجَواب فِي السَّبَب وَغَيره (كَانَ نقل الصَّحَابَة السَّبَب بِلَا فَائِدَة) إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ سوى التَّخْصِيص (وَهُوَ) أَي نقلهم بِلَا فَائِدَة (بعيد أُجِيب بِأَن مَعْرفَته) أَي السَّبَب (ليمنع تَخْصِيصه) من عُمُوم الْجَواب بِالِاجْتِهَادِ (أجل فَائِدَة، وَنَفس معرفَة الْأَسْبَاب ليحترز عَن الأغاليط) فَائِدَة جليلة أَيْضا، فِي الْقَامُوس الْغَلَط محركة أَن يَعْنِي بالشَّيْء فَلَا تعرف وَجه الصَّوَاب فِيهِ، هَذَا، وَالتَّعْلِيل بالاحتراز عَنْهَا لم يذكر فِي الشَّرْح العضدي، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَن الرَّاوِي قد يحمل اللَّفْظ على غير مَا أَرَادَ بِهِ الشَّارِع، وَهَذَا غلط مِنْهُ وببيان السَّبَب يرْتَفع ذَلِك الِاحْتِمَال (قَالُوا لَو قَالَ لَا أتغدى جَوَاب تغد عِنْدِي لم يعم) قَوْله لَا أتغدى كل تغدى وَنزل على التغدي عِنْده (إِذْ لم يعد كَاذِبًا بتغدية عِنْد غَيره أُجِيب بِأَن تَخْصِيصه بعرف فِيهِ) فِي الشَّرْح العضدي الْجَواب خرج ذَلِك عَن الْعُمُوم دليلنا الْعرف خَاص فِيهِ والتخلف لمَانع لَا يقْدَح فِيهِ: أَي الدَّلِيل وَلَا يعرفهُ عَمَّا لَا يتَحَقَّق فِيهِ الْمَانِع انْتهى: يَعْنِي أَن دليلنا وَهُوَ أَن الْمُعْتَبر عُمُوم اللَّفْظ (لَا ب) خُصُوص (السَّبَب) عَام خص مِنْهُ مثل الصُّورَة الْمَذْكُورَة لما عرف فِيهِ من إِرَادَة الْخُصُوص فِي عرف المحاورات وَالْأَظْهَر أَن الْمَعْنى تَخْصِيص مثل جَوَاب الْمَذْكُور: أَعنِي لَا أتغدى بالتغدي عِنْد السَّائِل، وَقَالَ زفر بِعُمُوم مثله أَيْضا، حَتَّى لَو كَانَ حَالفا على ذَلِك حنث عِنْده وَلَو زَاد الْيَوْم لَا يَحْنَث عِنْد الشَّافِعِي أَيْضا إِن تغدى عِنْد غَيره، وَعِنْدنَا يَحْنَث لظُهُور إِرَادَة الِابْتِدَاء، لَا الْجَواب (قَالُوا لَو عَم) الْجَواب السَّبَب الْمَسْئُول عَنهُ وَغَيره (لم يكن) الْجَواب (مطابقا) للسؤال لِأَنَّهُ خَاص، وَالْجَوَاب عَام، وَهَذَا لَا يَلِيق بالشارع (قُلْنَا) بل (طابق) بِبَيَان حكم (وَزَاد) عَلَيْهِ حكم بِبَيَان حكم نَظَائِره أَيْضا (قَالُوا لَو عَم) أَي لَو حكم بِعُمُوم الْجَواب الْمَسْئُول عَنهُ وَغَيره (كَانَ) الحكم بِعُمُومِهِ (تحكما بِأحد مجازات مُحْتَملَة) أَي بِسَبَب حمله على أحد معَان مجازية مُتَسَاوِيَة الْأَقْدَام فِي الِاحْتِمَال وَهُوَ تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح، ثمَّ بَين تِلْكَ الْمعَانِي المجازية بقوله (نصوصية على السَّبَب فَقَط أَو مَعَ الْكل أَو) مَعَ (الْبَعْض) فالمفهوم المردد بدل من مجازات بدل الْبَعْض، فِي الشَّرْح العضدي بَيَان الْمُلَازمَة أَن طهوره فِي الْعُمُوم قد فَاتَ بنصوصية فِي صُورَة السَّبَب حَيْثُ تنَاولهَا بخصوصها بعد أَن لم يكن فَصَارَ مصروفا عَمَّا وضع لَهُ غير مَا وضع لَهُ وَالسَّبَب خَاص مَعَ سَائِر الخصوصيات وَمَعَ بَعْضهَا مجازات لَهُ فَكَانَ الْحمل على السَّبَب مَعَ سَائِر الخصوصيات على التَّعْيِين تحكما، وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: لِأَن ظُهُور اللَّفْظ فِي الْعُمُوم عبارَة عَن تَسَاوِي نسبته إِلَى جَمِيع مَا يتَنَاوَلهُ من غير تنَاول للْبَعْض بِخُصُوصِهِ

البحث الرابع

(قُلْنَا لَا مجَاز أصلا لِأَنَّهُ) أَي الْمجَاز إِنَّمَا يتَحَقَّق (بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنى) الَّذِي لم يوضع اللَّفْظ لَهُ (لَا بكيفية الدّلَالَة) يَعْنِي لَا يتَحَقَّق الْمجَاز بِمُجَرَّد كَون دلَالَته على الْبَعْض أظهر بِقَرِينَة وُرُوده فِيهِ من غير أَن يسْتَعْمل فِيهِ (وَقد اسْتعْمل) اللَّفْظ الْعَام (فِي الْكل) فَرده السببي وَغَيره (فَهُوَ حَقِيقَة) فِي الْعُمُوم (وَأَيْضًا نمْنَع نصوصيته) أَي اللَّفْظ الْعَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّبَب (بل تنَاوله للسبب كَغَيْرِهِ) من الْأَفْرَاد (وَإِنَّمَا يثبت بِخَارِج) عَن اللَّفْظ، وَهُوَ لُزُوم انْتِفَاء الْجَواب (الْقطع بِعَدَمِ خُرُوجه) أَي الْفَرد السببي (من الحكم وَلَا يخفى أَن الْخَارِج حِينَئِذٍ) أَي حِين كَونه سَببا للْقطع بِعَدَمِ خُرُوجه (مُحَقّق للنصوصية لِأَنَّهَا) أَي النصوصية (أبدا لَا تكون من ذَات اللَّفْظ إِلَّا إِن كَانَ) اللَّفْظ (علما إِن لم يتجوز بهَا) أَي بالأعلام، فَإِن تجوز بهَا كَغَيْرِهَا إِنَّمَا يكون نصوصيتها بِخَارِج وَالله أعلم. الْبَحْث الرَّابِع (الِاتِّفَاق على إِطْلَاق قَطْعِيّ الدّلَالَة على الْخَاص) وَاقع، وَيحْتَمل أَن يكون الْبَحْث الرَّابِع مُبْتَدأ خَبره الِاتِّفَاق إِلَى آخِره، لَعَلَّه لم يقل اتَّفقُوا على أَن الْخَاص قَطْعِيّ الدّلَالَة مَعَ كَونه أخص فِي المُرَاد وَأظْهر لعدم تَصْرِيح الْأَئِمَّة بذلك، وَإِنَّمَا يفهم من إطلاقاتهم (وعَلى احْتِمَاله) أَي الْخَاص (الْمجَاز) أَي تجوز بِهِ غير مَا وضع لَهُ (وَيلْزمهُ) أَي الِاتِّفَاق على احْتِمَاله الْمجَاز (الِاتِّفَاق على عدم الْقطع) الْمُتَعَلّق بِدلَالَة الْخَاص (بِنَفْي الْقَرِينَة الصارمة عَن) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ) لَهُ، لِأَن الْقطع بِنَفسِهَا يسْتَلْزم الْقطع بِعَدَمِ احْتِمَال الْمجَاز لِامْتِنَاع الْمجَاز بِدُونِ الْقَرِينَة الصارفة عَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ (و) يلوم الِاتِّفَاق الثَّانِي، بعد اتِّفَاق الأول (أَن هَذَا الْقطع) الْمُتَعَلّق بِدلَالَة الْخَاص (لَا يُنَافِي الِاحْتِمَال مُطلقًا) كَمَا يعْتَبر فِي العقائد، بل يُنَافِي الِاحْتِمَال النَّاشِئ عَن دَلِيل كَمَا هُوَ مصطلح الْفُقَهَاء (وَاخْتلف فِي إِطْلَاقه) أَي إِطْلَاق لفظ قَطْعِيّ الدّلَالَة (على الْعَام فالأكثر) من الْفُقَهَاء والمتكلمين (على نَفْيه) أَي نفي إِطْلَاقه عَلَيْهِ (وَأكْثر الْحَنَفِيَّة) من جُمْهُور الْعِرَاقِيّين وَعَامة الْمُتَأَخِّرين، قَالُوا (نعم) يُطلق عَلَيْهِ، بل ذكر عبد القاهر الْبَغْدَادِيّ من الْمُحدثين أَنه مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله، يُقَال وَأَصْحَابه، وَقواهُ فَخر الْإِسْلَام كَذَا ذكره الشَّارِح (وَأَبُو مَنْصُور) الماتريدي (وَجَمَاعَة) وهم مَشَايِخ سَمَرْقَنْد (كالأكثر) قَالُوا لَا يُطلق عَلَيْهِ (لِكَثْرَة إِرَادَة بعضه) أَي بعض الْعَام من الْعَام عِنْد إِطْلَاقه (سَوَاء سمي) كَون بعضه مرَادا (تَخْصِيصًا اصطلاحيا أَو لَا كَثْرَة تجَاوز الْحَد وتعجز عَن الْعد حَتَّى اشْتهر) بَين الْعلمَاء قَوْلهم

(مَا من عَام إِلَّا وَقد خص، وَهَذَا) الْعَام يَعْنِي مَا من عَام إِلَى آخِره أَيْضا (مِمَّا خص بِنَحْوِ وَالله بِكُل شَيْء عليم) إِذْ لم يخرج من تَحت إحاطته شَيْء مِمَّا يخص، وَكَذَا {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} فِي قلَّة مِمَّا لَا يُحْصى) يَعْنِي نَحْو مَا ذكر وَاقع فِي مواد قَلِيله ممتازة من مواد كَثِيرَة لَا تعد وَلَا تحصى (وَمثله) أَي مثل وجود هَذِه الْكَثْرَة من التخصيصات فِي العمومات (يُورث الِاحْتِمَال (فِي) الْعَام (الْمعِين) أَي فِي خُصُوص كل عَام (فَيصير) كَون المُرَاد جَمِيع الْأَفْرَاد (ظنيا فَبَطل منع كَثْرَة تَخْصِيصه) كَمَا فعله صدر الشَّرِيعَة (لِأَنَّهُ) أَي تَخْصِيصه عِنْد الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا يكون (بمستقل مُقَارن، وَهُوَ) أَي المستقل الْمُقَارن (قَلِيل) فَلَا كَثْرَة لتخصيص الْعَام (لأَنهم) أَي الْأَكْثَر (يمْنَعُونَ اقْتِصَاره) أَي التَّخْصِيص على المستقل الْمُقَارن، بل يتَحَقَّق بِغَيْرِهِ (وَلَو سلم) اقْتِصَاره (فالمؤثر فِي ظنيته) أَي ظنية الْعَام من حَيْثُ الدّلَالَة على الْعُمُوم (كَثْرَة إِرَادَة الْبَعْض فَقَط، لَا مَعَ اعْتِبَار تَسْمِيَته تَخْصِيصًا فِي الِاصْطِلَاح) إِذْ لَا دخل فِي التَّسْمِيَة فِي هَذَا الْمَعْنى (قَالُوا) أَي القطعيون (وضع) الْعَام (لمسمى فالقطع) حَاصِل (بلزومه) أَي الْمُسَمّى لَهُ (عِنْد الْإِطْلَاق، فَإِن قيل إِن أُرِيد) بلزومه (لُزُوم تنَاوله) أَي تنَاول لَفظه من حَيْثُ الدّلَالَة اللَّازِمَة للوضع (فَمُسلم وَلَا يُفِيد) لِأَن الْكَلَام فِي إِرَادَة الْعُمُوم من غير تَخْصِيص، والتناول بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور حَاصِل فِي صُورَة التَّخْصِيص أَيْضا (أَو) أُرِيد لُزُوم (إِرَادَته) أَي الْمُسَمّى (فَمَمْنُوع، إِذْ تَجْوِيز إِرَادَة الْبَعْض قَائِم فَيمْنَع) تجويزها (الْقطع) وَإِن كَانَ احْتِمَالا مرجوحا (قيل المُرَاد) بِالْقطعِ بِلُزُوم إِرَادَته (مَا) أَي قطع (كقطعية الْخَاص) وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ احْتِمَال نَاشِئ عَن الدَّلِيل (لَا مَا يَنْفِي احْتِمَاله) أَي الْعَام أصلا (لتحققه) فِي الِاحْتِمَال فِي الْجُمْلَة (فِي الْخَاص مَعَ قطعيته اتِّفَاقًا، فحقيقة الْخلاف) فِي قَطْعِيَّة لعام (أَنه) أَي الْعَام (كالخاص) فِي إِفَادَة الْعلم (أَو أحط) رُتْبَة مِنْهُ فِيهَا (فَلَا يُفِيد الِاسْتِدْلَال) على قَطْعِيَّة الْعَام (بِأَنَّهُ لَو جَازَ إِرَادَة بعضه بِلَا قرينَة كَانَ) الْخطاب بِهِ (تلبيسا) للاشتباه بَين الْعُمُوم وَالْخُصُوص (وتكليفا بِغَيْر الْمَقْدُور) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الوسع الْوُقُوف على الْإِرَادَة الْبَاطِنَة (للُزُوم مثله) أَي مثل مَا ذكر من التلبيس والتكليف (فِي الْخَاص) لتحَقّق مُطلق الِاحْتِمَال وَجَوَاز إِرَادَة غير مُسَمَّاهُ مجَازًا (مَعَ أَن الْمُلَازمَة) بَين جَوَاز إِرَادَة الْبَعْض وَحُصُول التلبيس والتكليف الْمَذْكُور (مَمْنُوعَة) بِاعْتِبَار كل من الْأَمريْنِ (أما الأول) أَي منعهَا بِاعْتِبَار التلبيس فِي إِطْلَاق الْعَام (فَلِأَن الْمُدعى) وَالْمرَاد بِنَفْي الْقَرِينَة فِي قَول من يثبت احْتِمَال الْخُصُوص عِنْد إِطْلَاق الْعَام بِلَا قرينَة (خفاؤها) أَي الْقَرِينَة (لَا نَفيهَا) كَأَنَّهُ يَقُول يجوز أَن الْمُتَكَلّم أَرَادَ بِهِ الْبَعْض وَنصب قرينَة خفيت علينا، وَلَا تلبيس بعد نصبها (وَأما الثَّانِي) وَهُوَ منعهَا بِاعْتِبَار التَّكْلِيف بِغَيْر

الْمَقْدُور (فَإِنَّمَا يلْزم) ذَلِك (لَو كلف) بِالْعَمَلِ (بالمراد) الْعَام (لكنه) لم يُكَلف بِهِ بل (بِمَا ظهر من اللَّفْظ) عِنْد الْمُجْتَهد مرَادا كَانَ فِي نفس الْأَمر أَو لَا (وَالِاسْتِدْلَال) على ظنية الْعَام (بِكَثْرَة الِاحْتِمَال فِي الْعَام، إِذْ فِيهِ) أَي فِي الْعَام (مَا فِي الْخَاص) من احْتِمَال الْمجَاز (مَعَ احْتِمَال إِرَادَة الْبَعْض مَدْفُوع) كَمَا ذكر صدر الشَّرِيعَة (بِأَن كَون حَقِيقَة لَهَا مَعْنيانِ مجازيان) (و) الْحَال أَن (لأخرى) أَي لحقيقة أُخْرَى معنى (وَاحِد لَا يحطه) أَي صَاحب الْمَعْنيين كَونه كَذَلِك (عَنهُ) أَي عَن رُتْبَة صَاحب معنى وَاحِد (لِأَن الثَّابِت فِي كل مِنْهُمَا) أَي مِمَّا لَهُ مجازان وَمَا لَهُ مجَاز وَاحِد (حَال إِطْلَاقه احْتِمَال مجَاز وَاحِد فتساويا) أَي ذُو المجازين وَذُو الْمجَاز الْوَاحِد فِي الدّلَالَة على الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ حَيْثُ لَا قرينَة للمجاز، وَفِيه مَا فِيهِ (قُلْنَا) نَحن معشر الظنيين (حِين آل) الِاخْتِلَاف بَيْننَا وَبَيْنكُم (إِلَى أَنه) أَي الْعَام (كالخاص) فِيمَا ذكر (أَو دونه فَإِنَّمَا ترجح) الْخَاص على الْعَام (بِقُوَّة احْتِمَال الْعَام إِرَادَة الْبَعْض لتِلْك الْكَثْرَة) أَي كَثْرَة إِرَادَة الْبَعْض عِنْد إِطْلَاقه (وندرة مَا فِي الْخَاص) من إِرَادَة الْمجَاز (كندرة) إِرَادَة (كتاب زيد بزيد) فِي جَاءَ زيد (فَصَارَ التَّحْقِيق أَن إِطْلَاق القطعية على) دلَالَة (الْخَاص لعدم اعْتِبَار ذَلِك الِاحْتِمَال لندرته فِيهِ (بِخِلَاف الْعَام) لما عرفت (قَوْلهم) أَي القطعيين (لَا عِبْرَة بِهِ) أَي بِاحْتِمَال التَّخْصِيص فِي الْعَام (أَيْضا إِذْ لم ينشأ) ذَلِك الِاحْتِمَال (عَن دَلِيل قُلْنَا، بل نَشأ عَنهُ) أَي عَن دَلِيل (وَهُوَ) أَي الدَّلِيل (غَلَبَة وُقُوعه) أَي التَّخْصِيص فِي الْعَام الْمُطلق (فتوجب) غَلَبَة الْوُقُوع فِي الْمُطلق (الظنية فِي) الْعَام (الْمعِين) لِأَن كَون هَذَا الْمعِين على وفْق أَكثر أَفْرَاد الْمُطلق، إِذْ لم يكن احْتِمَالا راجحا لعدم ظُهُور الْقَرِينَة، فَلَا أقل من أَن يكون احْتِمَالا مرجوحا لاحْتِمَال وجود الْقَرِينَة الْخفية على مَا سبق وَلَيْسَ فِيهِ مَا يلْحقهُ بِالْعدمِ كالندرة، (وَإِن أُرِيد) بِالدَّلِيلِ فِي: لم ينشأ عَن دَلِيل (دَلِيل إِرَادَة الْبَعْض فِي) الْعَام (الْمعِين خرج) هَذَا المُرَاد (عَن مَحل النزاع، وَهُوَ) أَي مَحَله (ظنية إِرَادَة الْكل) أَو قطعيتها (إِلَى الْقطع بِإِرَادَة الْبَعْض) مُتَعَلق بخرج، وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض، لِأَنَّهُ إِذا تحقق دَلِيل إِرَادَة الْبَعْض صَارَت قَطْعِيَّة (وَالْجَوَاب) أَي جَوَاب القطعيين عَن ظنيته (منع تَجْوِيز إِرَادَة الْبَعْض بِلَا مُخَصص مُقَارن) مُسْتَقل (لاستلزامه) أَي هَذَا التجويز (مَا سَيذكرُ فِي اشْتِرَاط مُقَارنَة الْمُخَصّص) من الْإِيقَاع فِي الْكَذِب، أَو طلب الْجَهْل الْمركب (وَمثله) أَي مثل هَذَا الْجَواب يُقَال (فِي الْخَاص) عَن ظنية نظرا إِلَى احْتِمَال الْمجَاز (وَقَوْلهمْ) أَي القطعيين (حِينَئِذٍ) أَي حِين منع تَجْوِيز إِرَادَة الْبَعْض بِلَا قرينَة لما ذكر (يحْتَمل) الْعَام (الْمجَاز) مؤول (أَي) يحْتَملهُ (من حَيْثُ) هُوَ عَام مَعَ قطع النّظر عَن عدم الْقَرِينَة (أما) الْعَام (الْوَاقِع

فِي الِاسْتِعْمَال) من حَيْثُ هُوَ وَاقع فِي الِاسْتِعْمَال (فَلَا يحْتَمل غَيره) أَي غير مُسَمَّاهُ (إِلَّا بِقَرِينَة تظهر) عِنْد السَّامع (فتوجب) تِلْكَ الْقَرِينَة (غَيره) أَي غير مُسَمَّاهُ (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ الْحَال فِي احْتِمَال الْعَام الْمجَاز هَذَا لتفصيل (فكون الِاتِّفَاق على عدم الْقطع نفي الْقَرِينَة) الصارفة عَن الْحَقِيقِيّ إِلَى الْمجَازِي فِي الْخَاص (مَمْنُوع، بل إِذا لم تظهر) الْقَرِينَة (قطع بنفيها) لما سَمِعت فِي الْعَام من أَن الْوَاقِع فِي الِاسْتِعْمَال لَا يحْتَمل، بل ذَلِك فِي الْخَاص أولى، وَعدم احْتِمَال فِيهِ مُسْتَلْزم للْقطع بنفيها (وثمرته) أَي ثَمَرَة الْخلاف فِي أَن الْعَام أحط رُتْبَة من الْخَاص فِي الدّلَالَة أَو مثله تظهر (فِي الْمُعَارضَة) بَينهمَا (وَوُجُوب نسخ الْمُتَأَخر مِنْهُمَا الْمُتَقَدّم) فالقائل بِكَوْن الْخَاص أقوى يقدمهُ عِنْد الْمُعَارضَة وَلم يجوز نسخ الْخَاص بِهِ، وَمن يسوى بَينهمَا لَا يقدم أَحدهمَا على الآخر عِنْد التَّعَارُض إِلَّا بمرجح، وَيجوز نسخ كل مِنْهُمَا بِالْآخرِ (وَلذَا) أَي لتساويهما (نسخ طَهَارَة بَوْل الْمَأْكُول) الْمُسْتَفَاد مِمَّا عَن أنس أَن رهطا من عكل، أَو قَالَ عرينة قدمُوا فاجتووا الْمَدِينَة، فَأمر لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلقاح، وَأمرهمْ أَن يشْربُوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا مُتَّفق عَلَيْهِ، لِأَن النَّجس يحرم التَّدَاوِي بِهِ (وَهُوَ) النَّص الْمُفِيد طَهَارَته (خَاص باستنزهوا الْبَوْل) " عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " استنزهوا من الْبَوْل فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ ": رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ على شَرطهمَا وَلَا أعرف لَهُ عِلّة، وَهُوَ عَام وَهَذَا إِذا كَانَ مُتَأَخِّرًا عَن حَدِيث العرنيين كَمَا قيل (أَو رجح) حَدِيث الاستنزاه (بعد الْمُعَارضَة للِاحْتِيَاط) فِي الْعَمَل بالمحرم إِن لم يعلم تَأَخره (وَأما وجوب اعْتِقَاد الْعُمُوم فَبعد الْبَحْث) والتفحص (عَن الْمُخَصّص) إِلَى الْقطع، أَو غَلَبَة الظَّن بِعَدَمِهِ (اتِّفَاق) خبر الْمُبْتَدَأ: أَي يجب بعد مَا ذكر أَن يعْتَقد عُمُومه إِجْمَاعًا (لبعد وجوب الْعَمَل بِمَا لم يَعْتَقِدهُ) يَعْنِي أَن الْعَمَل بِالْعُمُومِ بعد ذَلِك أَمر مُقَرر، وَيبعد أَن يجب الْعَمَل بِشَيْء لم يَعْتَقِدهُ اعتقادا (مطابقا لَهُ) أَي لعلمه كَمَا أَن ذَلِك الشَّيْء تعلق بِهِ عمله بِصفة الْعُمُوم كَذَلِك يجب أَن يتَعَلَّق بِهِ اعْتِقَاده بِصفة الْعُمُوم، وَفسّر الشَّارِح قَوْله بقوله: أَي لاعْتِقَاده، وَلَا معنى لَهُ إِذْ لَا يُمكن أَن يعْتَقد الْإِنْسَان شَيْئا لَا يكون مطابقا لاعْتِقَاده (وَأما) وجوب اعْتِقَاد الْعُمُوم (قبله) أَي الْبَحْث عَن الْمُخَصّص (فَمَا تقدم) فِي مسئلة نقل الْإِجْمَاع على منع الْعَمَل بِالْعَام قبل الْبَحْث عَن الْمُخَصّص (من حمل كَلَام الصَّيْرَفِي) أَي مِمَّا حمل عَلَيْهِ كَلَامه: وَهُوَ وجوب الْعَمَل بِالْعَام قبل الْبَحْث من وجوب اعْتِقَاد الْعُمُوم قبل ظُهُور الْمُخَصّص، فَإِن ظهر تغير، وَإِلَّا اسْتمرّ بعد مَا نقل كَلَام أَمَام الْحَرَمَيْنِ فِيهِ من أَنه لَيْسَ من مبَاحث الْعُقَلَاء (يُفِيد) خبر الْمَوْصُول (أَنه كَذَلِك) أَي مثل وجوب اعْتِقَاد الْعُمُوم بِهَذَا الْبَحْث عَنهُ، وَالشَّارِح فسر قَوْله كَذَلِك بِكَوْنِهِ مُتَّفقا عَلَيْهِ أَيْضا،

البحث الخامس

وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مَا تقدم لَا يُفِيد إِلَّا أصل الْوُجُوب، لَا كَونه مُتَّفقا عَلَيْهِ (وَالنَّظَر يقتضى) أَن يُقَال (إِذا توقف وجوب الْعَمَل على الْبَحْث توقف اعْتِقَاده) أَي الْعُمُوم على الْبَحْث، لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُطَالب بِالْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُوم، كَذَلِك لَا يُطَالب بالاعتقاد لما لَيْسَ بِمَعْلُوم، إِذْ كل مِنْهُمَا تَكْلِيف بِمَا لَيْسَ فِي الوسع، وَزعم الشَّارِح أَن ظَاهر كَلَام مَشَايِخنَا يُوَافق مَا حمل عَلَيْهِ كَلَام الصَّيْرَفِي، وَالْوَجْه مَا ذكر المُصَنّف فَيجب حمل كَلَامهم عَلَيْهِ (وَقَول مُحَمَّد) رَحمَه الله فِي الزِّيَادَات (فِيمَن أوصى بِخَاتم لإِنْسَان ثمَّ) أوصى مَفْصُولًا (بفصه لآخران الفص بَينهمَا) وَالْحَلقَة للْأولِ خَاصَّة (من بَاب الْخَاص لَا الْعَام) لِأَن الْمُعْتَبر إِمَّا لخاتمي أَو هَذَا الْخَاتم أَو تَجْوِيز الفص مِنْهُ كجزء من الْإِنْسَان، فَلَا شكّ أَن الْإِنْسَان لَا يكون عَاما بِاعْتِبَار أَجْزَائِهِ، فَكَذَا الْخَاتم (غير أَنه) أَي الْخَاتم (نَظِير) للعام فِي أَنه يَشْمَل الفص كشمول الْعَام مَا يتَنَاوَلهُ فَأطلق عَلَيْهِ توسعا (وَخَالفهُ) أَي مُحَمَّدًا (أَبُو يُوسُف) رحمهمَا الله (فَجعله) أَي الفص (للثَّانِي) كَمَا فِي الْهِدَايَة والإيضاح والمنظومة وغالب شُرُوح الزِّيَادَات وَظَاهر التَّقْوِيم وأصول فَخر الْإِسْلَام: أَن قَول مُحَمَّد قَول الْكل فَيحمل على أَن لأبي يُوسُف فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا خلاف فِي أَن الْحلقَة للْأولِ والفص للثَّانِي إِذا كَانَ مَوْصُولا، وَجه مَا عَن أبي يُوسُف أَن الْوَصِيّ لَا يلْزمه شَيْء فِي الْحَيَاة، وَالْكَلَام الثَّانِي بَيَان المُرَاد من الأول، فالموصول والمفصول فِيهِ سَوَاء كَمَا فِي الْوَصِيَّة بِالرَّقَبَةِ لإِنْسَان والخدمة أَو الْغلَّة لآخر، وَوجه الظَّاهِر أَن اسْم الْخَاتم يتناولهما مَعًا لِأَنَّهُ مركب مِنْهُمَا، فَالْكَلَام الثَّانِي تَخْصِيص: وَهُوَ إِنَّمَا يَصح مَوْصُولا، وَإِذا كَانَ مَفْصُولًا لَا يُعَارض الأول، وهما سيان فِي إِيجَاب الحكم فثبتت الْمُسَاوَاة بَينهمَا، وَلَيْسَ الثَّانِي رُجُوعا عَن الأول، لِأَن اللَّفْظ لَا يُنبئ عَنهُ فَصَارَ كَمَا لَو أوصى بِمعين لإِنْسَان، ثمَّ أوصى بِهِ لآخر الْبَحْث الْخَامِس (يرد على الْعَام التَّخْصِيص، فَأكْثر الْحَنَفِيَّة) عِنْدهم التَّخْصِيص (بَيَان أَنه) أَي الْعَام (أُرِيد بعضه بمستقل) وَهُوَ مَا كَانَ مُبْتَدأ بِنَفسِهِ غير مُتَعَلق بصدر الْكَلَام، احْتَرز بِهِ عَن نَحْو الِاسْتِثْنَاء وَالصّفة (مُقَارن: أَي مَوْصُول) بِالْعَام: أَي مَذْكُور عقبه، فسره بِهِ لِئَلَّا يتَوَهَّم إِرَادَة الْمَعِيَّة من الْمُقَارنَة فَإِن قلت هَذَا غير مُتَصَوّر قُلْنَا يتَصَوَّر فِي فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ قَوْله، وَإِنَّمَا اشْترط الْمُقَارنَة (فِي) الْمُخَصّص (الأول، فَإِن تراخي) الْبَيَان الْمَذْكُور عَن الْعَام (فناسخ لَا) فِي الْمُخَصّص (الثَّانِي) وَمَا بعده (وَالْوَجْه أَن الثَّانِي) إِذا ترَاخى فَهُوَ (نَاسخ

أَيْضا) فالمقارنة شَرط فِيهِ أَيْضا (إِلَّا الْقيَاس) اسْتثِْنَاء من قَوْله: فَإِن تراخي فناسخ فَإِنَّهُ بَيَان لَا يتَصَوَّر ناسخيته وَإِن تراخي بِحَسب الظَّاهِر (إِذْ لَا يتَصَوَّر تراخيه) بِحَسب الْحَقِيقَة وَبِاعْتِبَار وضع الشَّارِع لعُمُوم علته الْمَوْجُودَة فِي الْمَنْصُوص عَلَيْهِ للمقيس الْمُوجبَة لمشاركته الْمَقِيس عَلَيْهِ فِي الحكم وَإِن خَفِي ذَلِك قبل الِاجْتِهَاد، فعلى مَا ذكر يجوز التَّخْصِيص بالمخصص الثَّانِي الْمُتَأَخر وَلَا نسخ، وعَلى مَا ذكر المُصَنّف بحثا لَا يجوز لِأَنَّهُ نَاسخ (وَصرح الْمُحَقِّقُونَ بِأَن تفرع عدم جَوَاز ذكر بعض) من المخصصات (دون بعض على منع تَأْخِير تَخْصِيص الْمُخَصّص ضَرُورِيّ) فَإِن عِلّة منع تَأَخره لُزُوم النّسخ، فَتبين مِنْهُ إِذا كَانَ للعام عدَّة مخصصات وَجب ذكر الْكل وَلم يجز ذكر بَعْضهَا دون بعض فَإِنَّهُ لَا بُد أَن يذكر الْمَتْرُوك ثَانِيًا مَفْصُولًا فَيلْزم النّسخ، وَهَذَا يدل على مَا ذكره المُصَنّف من أَن تراخي الْمُخَصّص الثَّانِي أَيْضا يُوجب النّسخ كَمَا لَا يخفى (أَو جهل) تراخيه كَمَا جهل مقارنته مَعْطُوف على قَوْله تراخي (فَحكم التَّعَارُض) يجْرِي بَين الْعَام وَمَا جهل تراخيه فِي الْقدر الَّذِي اخْتلف فِيهِ الحكم (كترجيح الْمَانِع) مِنْهُمَا: أَي الْمحرم على الْمُبِيح (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتأت التَّرْجِيح فَالْحكم (الْوَقْف) كَمَا فِي البديع، أَو التساقط كَمَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب، وحاصلهما وَاحِد (وَوَجَب نسخ الْخَاص بِالْعَام الْمُتَأَخر عَنهُ) كقلبه، وَبِه قَالَ القَاضِي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَفِي البديع جعل هَذَا قَول الْعِرَاقِيّين من الْحَنَفِيَّة، ثمَّ قَالَ وَالشَّافِعِيّ وَالْقَاضِي أَبُو زيد وَجمع من مَشَايِخنَا الْخَاص مُبين مُطلقًا: يَعْنِي سَوَاء كَانَ الْخَاص مُتَقَدما أَو مُتَأَخِّرًا، أَو مَجْهُولا، أَو وردا مَعًا (وَالشَّافِعِيَّة) قَالَ الشَّارِح: أَي أَكْثَرهم (وَبَعض الْحَنَفِيَّة) قَالُوا: التَّخْصِيص (قصر الْعَام على بعض مُسَمَّاهُ، وَقيل) على بعض (مسمياته) كَمَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب والبديع بِنَاء (على إِرَادَة أَجزَاء مُسَمَّاهُ) تَنْزِيلا لأجزائه منزلَة مسميات لَهُ، إِذْ لَا مسميات للفظ الْوَاحِد غير أَن مَا يتَنَاوَلهُ الْعَام الْمُسْتَغْرق لما يصلح لَهُ أَجزَاء لَهُ (وَهُوَ) أَي كَون المُرَاد هَذَا (يُحَقّق مَا أسلفناه) فِي الْكَلَام على تَعْرِيف الْعَام من (أَن دلَالَته) أَي الْعَام (على الْأَفْرَاد تضمنية أَو) على إِرَادَة (الْآحَاد الْمُشْتَركَة فِي الْمُشْتَرك) بِكَسْر الرَّاء فِي الأول وَفتحهَا فِي الثَّانِي، وَهُوَ الْمَعْنى الْكُلِّي الَّذِي يصدق على الآخر كل وَاحِد من تِلْكَ الْآحَاد، وَهِي جزئيات لَهُ كَمَا مَشى عَلَيْهِ الْفَاضِل الْأَبْهَرِيّ (وَإِضَافَة المسميات إِلَيْهِ) أَي الْعَام (حِينَئِذٍ) أَي حِين يكون المُرَاد هَذَا (بِعُمُوم نسبته) لِأَن الْمُتَبَادر من الْإِضَافَة الْمَذْكُورَة أَن تكون مسميات اللَّفْظ الْعَام، وَلَا يَصح ذَلِك لِأَن أَفْرَاد الْكُلِّي لَا يكون مسميات اللَّفْظ الْمَوْضُوع لَهُ فَلَا بُد من صرفهَا عَن تِلْكَ النِّسْبَة الْخَاصَّة إِلَى نِسْبَة عَامَّة، وَهِي مُلَاحظَة كَونهَا مسميات فِي الْجُمْلَة لَا بِالنّظرِ إِلَى لفظ الْعَام، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَإِنَّهَا) أَي تِلْكَ الْآحَاد (مسميات فِي نفس الْأَمر) لأساميها

(لَا بِهِ) أَي لَيْسَ بمسميات بِلَفْظ الْعَام، وَهَذَا التَّعْرِيف يصدق على الْقصر الْكَائِن فِي الْعَام المُرَاد بِهِ الْخُصُوص ابْتِدَاء: وَهُوَ لَيْسَ بِمُرَاد عُمُومه لَا حكما وَلَا تناولا، والمخصوص من عُمُومه مُرَاد تناولا حكما (وَيكون) التَّخْصِيص (بمستقل كالعقل والسمعي الْمُنْفَصِل، ومتصل) مَعْطُوف على مُسْتَقل (وَالْعَام فِيهِ) أَي فِي تَعْرِيف التَّخْصِيص (حَقِيقَة لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص (حكم على الْمُسْتَغْرق) بِأَنَّهُ أُرِيد مِنْهُ الْبَعْض، تَعْرِيض بِنَفْي مَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَن المُرَاد بِهِ مَا هُوَ عَام على تَقْدِير عدم الْمُخَصّص فَإِن قلت أَنكُمْ اعتبرتم الْمُقَارنَة فِي الْمُخَصّص، فَلَا يُمكن إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق لما يصلح لَهُ مَعَ وجود مَا يدل على خُرُوج الْبَعْض قلت عَام بِحَسب التَّنَاوُل وَمُقْتَضى الْوَضع فَقبل بَيَان إِرَادَة الْبَعْض يفهم مِنْهُ إِرَادَة الْكل، وَقد عرفت أَن المُرَاد من الْمُقَارنَة أَن يكون مَوْصُولا بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ اسْتعْمل فِي الْعُمُوم من غير أَن يحكم عَلَيْهِ من حَيْثُ الْعُمُوم كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاء، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله حكم على الْمُسْتَغْرق فَتدبر (فمخرج الْبَعْض مُطلقًا) سَوَاء كَانَ مُتَّصِلا أَو لَا، من عقل أَو حس، أَو لفظ، أَو عَادَة (مُخَصص) على هَذَا الِاصْطِلَاح (وَيُقَال) التَّخْصِيص (لقصر اللَّفْظ مُطلقًا) أَي عَاما كَانَ أَو غَيره (على بعض مُسَمَّاهُ) فتحقق فِي خَاص مُسْتَعْمل فِي بعض أَجزَاء مُسَمَّاهُ (وَلَا يخفى مَا فِي) لفظ (قصر) من الْقُصُور فِي أَدَاء الْمَقْصُود (إِذْ لَا ينفى النّسخ) فِيمَا إِذا نسخ بعض مَا يتَنَاوَلهُ الْعَام، وَالْمرَاد بِعَدَمِ نَفْيه إِيَّاه عدم إِخْرَاجه عَن التَّعْرِيف وَأجَاب الْأَبْهَرِيّ بِمَنْع وُرُوده لِأَن الْعَام إِذا ورد عَلَيْهِ النّسخ فِي الْبَعْض لم يكن مَقْصُورا على بعض مسمياته حِين أطلق، بل أُرِيد بِهِ الْكل أَولا، ثمَّ رفع الْبَعْض أَو انْتهى حكمه، بِخِلَاف التَّخْصِيص، فَإِنَّهُ لم يرد بِالْعَام حِين أطلق إِلَّا الْبَعْض، أما بِحَسب الحكم كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاء، وَأما بِحَسب الذَّات كَمَا فِي غَيره انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن قَوْله أُرِيد بِهِ الْكل أَولا، ثمَّ رفع اعْتِرَاف بورود النَّقْض بِاعْتِبَار الْحَالة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ بعد نسخ لفظ مَقْصُور على بعض أَفْرَاد مُسَمَّاهُ، لِأَنَّهُ بعد ذَلِك لم يبْق ذَلِك الْبَعْض مرَادا من الْعَام فَتَأمل (وَمنعه) أَي التَّخْصِيص (شذوذ بِالْعقلِ لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص بِالْعقلِ (لَو صَحَّ صحت إِرَادَته) أَي إِرَادَة مَا قضى الْعقل بِإِخْرَاجِهِ من الْعَام، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ، أما الْمُلَازمَة فَلِأَن الْخَارِج بِالْعقلِ من مسمياته، وَأما الانتفاء فَلِأَنَّهُ لَا يَصح لعاقل إِرَادَة مَا يُخَالف الْعقل (ولكان) التَّخْصِيص بِالْعقلِ (مُتَأَخِّرًا) عَن الْعَام ضَرُورَة تَأْخِير الْبَيَان عَن الْمُبين (وَالْعقل مُتَقَدم) والتخصيص بِهِ فِي رتبته (ولصح نسخه) أَي كَون الْعقل نَاسِخا، لِأَنَّهُ بَيَان والنسخ قسم من الْبَيَان (أُجِيب بِمَنْع الْمُلَازمَة) فِي الأول (بل اللَّازِم) فِي الأول (دلَالَته) أَي لَا نسلم أَنه لَو صَحَّ التَّخْصِيص بِالْعقلِ صَحَّ أَن يُرَاد

مَا أخرجه الْعقل، فَإِن التَّخْصِيص فرع الْعُمُوم، والعموم دلَالَة اللَّفْظ على الِاسْتِغْرَاق، لَا فرع صِحَة إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق (وَهِي) أَي الدّلَالَة الْمَذْكُورَة (ثَابِتَة بعد الْإِخْرَاج) فضلا عَمَّا قبله فَإِن الدّلَالَة على مَا وضع لَهُ اللَّفْظ من لَوَازِم الْوَضع، والإخراج لَا ينفى الْوَضع (و) فِي الثَّانِي اللَّازِم (تَأَخّر بَيَانه) أَي بَيَان الْعقل (لَا ذَاته) أَي لَا تَأَخّر الْعقل نَفسه، وَبَيَانه مُتَأَخّر عَن الْعَام (و) فِي الثَّالِث عدم لُزُوم صِحَة النّسخ من صِحَة التَّخْصِيص (لعجز الْعقل عَن دَرك الْمدَّة الْمقدرَة للْحكم) فالعقل يصلح مُخَصّصا لعدم عَجزه عَن معرفَة عدم صَلَاحِية مَا يُخرجهُ الحكم الْمَنْسُوب إِلَى الْعَام، وَلَا يصلح نَاسِخا لعَجزه عَمَّا ذكره والنسخ لَا يتَحَقَّق بِدُونِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا تلازم بَين الصلاحيتين، وَمَا ذكره سَنَد لمنع الْمُلَازمَة (وَأجِيب عَن الأول أَيْضا بِأَن التَّخْصِيص للمفرد، وَهُوَ كل شَيْء) مثلا فِي قَوْله تَعَالَى - {خَالق كل شَيْء} -، (وَيصِح إِرَادَة الْجَمِيع) أَي جَمِيع مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ شَيْء (بِهِ) أَي بِكُل شَيْء، وَلَا مَحْذُور إِذا قطع النّظر عَن نِسْبَة الْخلق إِلَيْهِ (إِلَّا أَنه إِذا وَقع) كل شَيْء (فِي التَّرْكِيب، وَنسب إِلَيْهِ مَا يمْتَنع) نسبته (إِلَى الْكل) أَي إِلَى كل أَفْرَاده (منعهَا) أَي منع الْعقل إِرَادَته (وَهُوَ معنى تَخْصِيص الْعقل، وَدفع) الأول (أَيْضا) كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (بِأَن التَّحْقِيق صِحَّتهَا) أَي إِرَادَة الْكل (فِي التَّرْكِيب أَيْضا لُغَة غير أَنه يكذب) أَي يصير التَّرْكِيب كَاذِبًا حِينَئِذٍ لعدم مطابقته الْوَاقِع (وَهُوَ) أَي وَكذبه (غَيرهَا) أَي غير صِحَة الْإِرَادَة لُغَة (وَلَا يخفى أَن المُرَاد) من تَخْصِيص الْعقل (حكم الْعقل بِإِرَادَة الْبَعْض لامتناعه) أَي الحكم (فِي الْكل فِي نفس الْأَمر مِمَّن يمْتَنع عَلَيْهِ الْكَذِب) فَلم يَصح إِرَادَة الْكل فِي التَّرْكِيب لُغَة أَيْضا لِامْتِنَاع الحكم، لِأَن أصل اللُّغَة أَيْضا من حَيْثُ أَنه عَاقل مُمْتَنع أَن يقْصد مَا يحيله الْعقل، وَلقَائِل أَن يَقُول مَقْصُود الْمُحَقق صِحَّتهَا فِي التَّرْكِيب لُغَة فِي الْجُمْلَة بِالنّظرِ إِلَى نفس الْكَلَام من غير مُلَاحظَة حَال الْمُتَكَلّم وَغَيره فِيمَا إِذا لم يكن اسْتِحَالَة النِّسْبَة إِلَى الْكل بديهيا كَمَا إِذا قيل كل مفهومين يَجْتَمِعَانِ حَتَّى النقيضين، ويكفيه هَذَا الْمِقْدَار، لِأَن الْمُسْتَدلّ يدعى السَّلب الْكُلِّي، فالإيجاب الجزئي يصلح سندا لمنع بطلَان الثَّانِي، وَهُوَ انْتِفَاء صِحَة إِرَادَة مَا قضى الْعقل بِإِخْرَاجِهِ مُطلقًا فَتدبر. (قَالُوا) أَي المانعون من التَّخْصِيص بِالْعقلِ (تَعَارضا) أَي الْعَام، وَالْعقل (فتساقطا) احْتِرَازًا عَن التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح (أَو يقدم الْعَام، لِأَن أَدِلَّة الْأَحْكَام النَّقْل لَا الْعقل قُلْنَا فِي إِبْطَاله) أَي الْعقل (إِبْطَاله) أَي النَّقْل (لِأَن دلَالَته) أَي النَّقْل (فرع حكمه) أَي الْعقل (بهَا) أَي بدلالته (فَإِذا حكم) الْعقل (بِأَنَّهَا) أَي دلَالَته (على وَجه كَذَا) كالخصوص هُنَا (لزم) حكمه وَهُوَ الْمَطْلُوب (وَأَيْضًا يجب تَأْوِيل

الْمُحْتَمل) إِذا عَارضه مَا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل (وَهُوَ) أَي الْمُحْتَمل هُنَا (النَّقْل) لِأَنَّهُ يحْتَمل غير ظَاهره، وَهُوَ الْخُصُوص، بِخِلَاف الْعقل فَإِنَّهُ قَاطع فَتعين تَأْوِيل النَّقْل بالتخصيص، وَذكر السُّبْكِيّ أَنه لَا نزاع فِي أَن مَا يُسمى مُخْتَصًّا بِالْعقلِ خَارج، وَإِنَّمَا النزاع فِي أَن اللَّفْظ هَل يَشْمَلهُ، فَمن قَالَ يَشْمَلهُ سَمَّاهُ تَخْصِيصًا، وَمن قَالَ لَا كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يُسَمِّيه تَخْصِيصًا وَدَعوى الْغَزالِيّ الْإِجْمَاع على أَن الْعقل مُخَصص مَحْمُول على أَن مَا يُسمى مُخَصّصا خَارج (و) منع التَّخْصِيص قوم (آخَرُونَ مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ بِالْعقلِ أَو غَيره (لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص (كذب) إِشَارَة إِلَى مَا ذكرنَا فِي نفي الْمجَاز فِي الْكتاب وَالسّنة من أَنه كذب، لِأَنَّهُ يصدق نفي رُؤْيَة حَقِيقَة الْحَيَوَان المفترس فِي قَوْلك: رَأَيْت أسدا، فَيكون إِثْبَاتهَا كذبا، وَكَذَلِكَ هَهُنَا يصدق نفي رُؤْيَة حَقِيقَة التَّخْصِيص نظرا إِلَى مَا أَفَادَهُ الْعَام: أَي الِاسْتِغْرَاق، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا ذكر فِي الْجَواب ثمَّة من أَن الْكَذِب إِنَّمَا يلْزم إِذا أُرِيد رُؤْيَة حَقِيقَة لفظ الْأسد، لَا الرجل الشجاع بقوله (قُلْنَا يصدق) التَّخْصِيص إِذا كَانَ الْعَام (مجَازًا) وَمعنى قَوْله كذب أَنه مُسْتَلْزم للكذب الْعَام الْمُفِيد للاستغراق (قيل) الْقَائِل الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (يُزَاد) فِي الدَّلِيل بعد قَوْله كذب (أَو بداء) بِالدَّال الْمُهْملَة وَالْمدّ، وَهُوَ ظُهُور الْمصلحَة بعد خفائها ليشْمل الْإِنْشَاء (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد (خص) الِامْتِنَاع (الْخَبَر) لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَذِب (وَلَيْسَ) الْأَمر كَذَلِك (لَكِن صرح بِأَن الْخلاف لَيْسَ إِلَّا فِي الْخَبَر) والمصرح الْآمِدِيّ وَغَيره (وَاعْترض أَبُو إِسْحَاق). قَالَ الشَّارِح: وَالظَّاهِر أَنه الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي الْمَشْهُور، والاعتراض الْمَنْع، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الطَّرِيق إِذا اعْترض فِيهِ بِنَاء أَو غَيره منع السابلة من سلوكه كَذَا فِي الْقَامُوس، وَلذَا تعدى إِلَى (من أوهم كَلَامه أَنه) أَي الْخلاف (فِي الْأَمر أَيْضا) وَإِذا لم يكن الْخلاف إِلَّا فِي الْخَبَر، فَذكر الْكَذِب كَاف فِي الِاسْتِدْلَال (والقاطع فِيهَا) أَي فِي هَذِه المسئلة (الله خَالق كل شَيْء، وَهُوَ على كل شَيْء قدير) للْقطع بِأَن ذَاته تَعَالَى، وتقدس منزه عَن المخلوقية والمقدورية، وَكَذَلِكَ الممتنعات كاجتماع النقيضين، فالتخصيص مَقْطُوع بِهِ، وَقد مر أَن الْمُتَكَلّم يدْخل فِي عُمُوم خطابه إِذا كَانَ من أَفْرَاد الْعَام (وَلنَا فِي) منع (التَّرَاخِي أَن إِطْلَاقه) أَي الْعَام (بِلَا مخرج إِفَادَة إِرَادَة الْكل) أَي مُفِيد إِرَادَته على الْإِسْنَاد الْمجَازِي، أَو الْمجَاز فِي الظّرْف (فَمَعَ عدمهَا) أَي عدم إِرَادَة الْكل فِي نفس الْأَمر (يلْزم أَخْبَار الشَّارِع) فِي الْخَبَر (وإفادته) الْإِنْشَاء لثُبُوت (مَا لَيْسَ بِثَابِت) صلَة الإفادة، وصلَة الْأَخْبَار مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور (وَذَلِكَ كذب) فِي الْخَبَر (وَطلب للْجَهْل الْمركب من

الْمُكَلّفين) فِي الْإِنْشَاء: أما الْكَذِب فِي الاخبار فَظَاهر، وَأما طلب الْجَهْل الْمركب فِي الْإِنْشَاء فَلِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِم أَن يعتقدوا عُمُوم ذَلِك الْمُكَلف بِهِ من حَيْثُ أَنه يتَعَلَّق بِهِ حكم الله، وَهُوَ غير وَاقع فِي نفس الْأَمر، فالجهل بِاعْتِبَار عدم علمهمْ لما هُوَ مَطْلُوب فِي نفس الْأَمر، وَهُوَ الْمَخْصُوص وَأما التَّرْكِيب فالاعتقاد مَا هُوَ خلاف نفس الْأَمر (وَهَذَا) الدَّلِيل بِعَيْنِه (يجْرِي فِي الْمُخَصّص الثَّانِي) وهلم جرا (كَالْأولِ، وَمُقْتَضى هَذَا) الدَّلِيل (وجوب وصل أحد الْأَمريْنِ) بِالْعَام (من) الْبَيَان (الإجمالي كَقَوْل أبي الْحُسَيْن، أَو التفصيلي، ثمَّ يتَأَخَّر) الْبَيَان التفصيلي (فِي) الْمُخَصّص (الأول) أَي الإجمالي إِذا وَقع (إِلَى) وَقت (الْحَاجة) إِلَيْهِ لتمكن الْإِمْسَاك (بعده) أَي الْبَيَان الإجمالي (لِأَنَّهُ) أَي الْبَيَان التفصيلي (حِينَئِذٍ) أَي حِين الإجمالي مَوْصُولا بِالْعَام (بَيَان الْمُجْمل) وَهُوَ جَائِز التَّأَخُّر إِلَى وَقت الْحَاجة إِلَى الْفِعْل كَمَا هُوَ الْمُخْتَار (وَلَا يبعد إرادتهموه) بإشباع ضم الْمِيم لإلحاق الضَّمِير الْمَنْصُوب الْمُتَّصِل: أَي إِرَادَة الْحَنَفِيَّة وجوب وصل أحد الْأَمريْنِ من الْبَيَان الإجمالي، والتفصيلي بِالْعَام باشتراطهم مُقَارنَة الْمُخَصّص الأول للعام (كَهَذا الْعَام مرَادا بعضه) تَصْوِير للمخصص الإجمالي (وَبِه) أَي بِلُزُوم وصل أحد الْأَمريْنِ (تَنْتفِي اللوازم الْبَاطِلَة) من الْكَذِب وَطلب الْجَهْل الْمركب على تَقْدِير تراخي الْمُخَصّص مُطلقًا (وإلزام الْآمِدِيّ) وَغَيره الْحَنَفِيَّة بِنَاء على امْتنَاع تَأَخّر الْمُخَصّص (امْتنَاع تَأْخِير النّسخ بِجَامِع الْجَهْل بالمراد) من الْعَام قبل الْعلم بالمخصص وبدء الْمَنْسُوخ قبل الْعلم بالناسخ، وَلَا يمْتَنع تَأَخّر النّسخ اتِّفَاقًا (لَيْسَ) أَي إِلْزَامه (لَازِما، لِأَن) الْجَهْل (الْبَسِيط غير مَذْمُوم على) الْإِطْلَاق (وَلذَا طلب) الْبَسِيط (عندنَا فِي الْمُتَشَابه) فَقُلْنَا يجب اعْتِقَاد حَقِيقَته إِجْمَالا، وَترك طلب تَأْوِيله كَمَا قرر فِي مَوْضِعه (بِخِلَاف) الْجَهْل (الْمركب) فَإِنَّهُ مَذْمُوم مُطلقًا، وَاللَّازِم فِي تَأْخِير بَيَان التَّخْصِيص طلب الْجَهْل الْمركب فَافْتَرقَا (وللتمكن من الْعَمَل المطابق) لما فِي نفس الْأَمر بالمنسوخ فِي تَأْخِير النّسخ (إِلَى سَماع النَّاسِخ) بِخِلَاف تَأْخِير الْمُخَصّص فَإِنَّهُ لَا يتَمَكَّن أَن يعْمل بِالْعَام من غير الْعلم المُرَاد مِنْهُ (وَقَوْلهمْ) أَي المجوزون للتراخي كالشافعية لَا يلْزم من إِطْلَاق الْعَام بِلَا مخرج إِفَادَة إِرَادَة وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ على مَا مر (بل) إِنَّمَا يُطلق (لتفهيم إِرَادَة الْعُمُوم) حَالَة كَونه مُشْتَمِلًا (على احْتِمَال الْخُصُوص أَن أُرِيد الْمَجْمُوع) من فهم إِرَادَة الْعُمُوم مَعَ تَجْوِيز التَّخْصِيص (معنى الصِّيغَة) أَي صِيغَة الْعَام، الْقَائِم مقَام فَاعل أُرِيد الْجُمْلَة بِاعْتِبَار مضمونها أَو لفظ الْمَجْمُوع، وَمعنى الصِّيغَة حَال عَنهُ (فَبَاطِل) لِأَن الصِّيغَة لم تُوضَع للمجموع قطعا (أَو) أُرِيد (هُوَ) أَي معنى الصِّيغَة (الأول) أَي كالعموم (وَالِاحْتِمَال ب) ثَابت (خَارج) أَي بِقَرِينَة خارجية، نَحْو كَثْرَة تَخْصِيص العمومات

(لزم) ذَلِك الْخَارِج وجود الْعَام فِي الْخَارِج (وَإِن لم يلْزم تعقله) أَي الْعَام (لَا يُفِيد. وَفِي نُسْخَة الشَّارِح لزم أَن تعينه: أَي هَذَا الِاحْتِمَال قرينَة لَازِمَة وَإِن لم يلْزم تعقله، وَقَوله لزم إِلَى آخِره جَزَاء الشَّرْط على ثَانِي شقي الترديد (ولزومها) فِي ذَلِك الْخَارِج (مَمْنُوع) لَا دَلِيل عَلَيْهِ (إِلَّا إِن كَانَ) أَي تحقق وَثَبت وَالْأَظْهَر أَن الْمَعْنى إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك الْخَارِج (مَا تقدم من غَلَبَة التَّخْصِيص) ومجاوزة الْحَد (فِي بحث القطعية) أَي قَطْعِيَّة دلَالَة الْعَام فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يحصل لَهُ دَلِيل (وعملت) مِمَّا تقدم (أَنَّهَا إِنَّمَا تفِيد) عدم الْقطع بِسَبَبِهِ احْتِمَال التَّخْصِيص (فِي الْعَام فِي الْجُمْلَة) وَقد سبق أَن قَوْلهم أَن الْعَام يحْتَمل الْمجَاز مَعْنَاهُ أَن الْعَام من حَيْثُ هُوَ عَام من قطع النّظر عَن عدم الْقَرِينَة يحْتَملهُ، وَأما إِذا علم عدمهَا فِي الْعَام الْمعِين فَلَا يحْتَملهُ التَّخْصِيص مجَازًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا فِي خُصُوص) الْعَام (الْمُسْتَعْمل) فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مَقْرُونا بِالْقَرِينَةِ الصارفة عَن الْحَقِيقَة تعين الْمجَاز وَإِن لم يكن هُنَاكَ قرينَة، كَذَا تعين الْحَقِيقَة فَلَا يحْتَمل التَّخْصِيص وَلَا الْمجَاز (قَالُوا) أَي المجيزون للتراخي (وَقع) التَّرَاخِي (فَإِن وَأولَات الْأَحْمَال) أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ (خص بِهِ) عُمُوم قَوْله تَعَالَى - {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} -، فَإِنَّهُ يعم أولات الْأَحْمَال وَغَيره، فأولات الْأَحْمَال مَعَ كَونه مُتَأَخِّرًا خصصه، وَبَين أَن المُرَاد بِهِ غير أولات الْأَحْمَال (قُلْنَا الأولى) وَهِي أولات الْأَحْمَال (مُتَأَخِّرَة) فِي النُّزُول عَن الثَّانِيَة (لقَوْل ابْن مَسْعُود من شَاءَ باهلته أَن سُورَة النِّسَاء) يُرِيد سُورَة الطَّلَاق (الْقصرى) نزلت (بعدالتي فِي سُورَة الْبَقَرَة) ذكره مُحَمَّد فِي الأَصْل، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من شَاءَ لَاعَنته لأنزلت سُورَة النِّسَاء الْقصرى بعد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَفِي البُخَارِيّ مَا يُفِيد هَذَا (فَيكون) مَا فِي الْقصرى (نسخا) لما فِي الْبَقَرَة لَا تَخْصِيصًا، وَفِي البُخَارِيّ عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ مَا يُقرر النّسخ الْمَذْكُور (وَكَذَا وَالْمُحصنَات من الَّذين) أُوتُوا الْكتاب (بعد وَلَا تنْكِحُوا المشركات) كَمَا ذكره جمَاعَة من الْمُفَسّرين فإخراج الكتابيات نسخ، وَهَذَا يدل على كَون أهل الْكتاب من الْمُشْركين، وتأويله أَن يُقَال أَن مِنْهُم من قَالَ ثَالِث ثَلَاثَة، وَنَحْو هَذَا، أَو يُقَال المُرَاد من الْمُشرك الْكَافِر، وَفِيه مَا فِيهِ (وَكَذَا جعل السَّلب للْقَاتِل مُطلقًا) أَي سَوَاء نفله الإِمَام أم لَا إِذا كَانَ الْقَاتِل من أهل السهْم كَمَا هُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد (أَو بِرَأْي الإِمَام) كَمَا هُوَ قَول أَصْحَابنَا وَمَالك، وسلب الْمَقْتُول ثِيَابه وسلاحه، ومركبه بِمَا عَلَيْهِ من الْآلَة وَمَا مَعَه من مَال (بعد) قَوْله تَعَالَى - {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء (فَأن لله خمسه}} - الْآيَة، فَيكون اخْتِصَاص الْقَاتِل بالسلب نسخا (وكل متراخ) مخرج لبَعض الْعَام السَّابِق يكون نَاسِخا لذَلِك الْبَعْض لَا مُخْتَصًّا (قَالُوا) أَيْضا، قَالَ تَعَالَى لنوح - {فاسلك فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} - (وَأهْلك

وتراخى إِخْرَاج ابْنه) كنعان بقوله - {يَا نوح إِنَّه لَيْسَ من أهلك} (قُلْنَا هُوَ) أَي تراخي إِخْرَاج ابْنه تراخي (بَيَان الْمُجْمل) لَا تراخي مُخَصص الْعَام (لِأَنَّهُ) أَي لفظ الْأَهْل (شاع فِي النّسَب وَغَيره كَالزَّوْجَةِ، والأتباع الموافقين) قَالَ تَعَالَى - {فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل وَسَار بأَهْله} - الْآيَة (وَبَين تَعَالَى بقوله - {لَيْسَ من أهلك} - إِرَادَته أحد المفهومين: وَهُوَ المتبعون، أَو هُوَ) أَي هَذَا الْبَيَان الْمُتَأَخر (لاستثناء مَجْهُول مِنْهُ) أَي من عُمُوم أهلك، وَهُوَ (إِلَّا من سبق عَلَيْهِ) القَوْل مِنْهُم، فَهُوَ بَيَان مُجمل، وعَلى اصْطِلَاح أَكثر الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْحَنَفِيَّة من بَيَان بعض المُرَاد بالتخصيص الإجمالي للْعُمُوم (وَقَوله) أَي قَول نوح عَلَيْهِ السَّلَام (إِن ابْني من أَهلِي لظن إيمَانه عِنْد مُشَاهدَة الْآيَة) أَي طغيان المَاء وغزارة فيضة من السَّمَاء وَالْأَرْض، أَو ظن إيمَانه مُطلقًا، لِأَنَّهُ لم يعلم كفره، لِأَنَّهُ كَانَ من الْمُنَافِقين على مَا قيل، ويناسبه - {فَلَا تسألن مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} - وَهَذَا على تَقْدِير فهم إِرَادَة المتبعين من الْأَهْل (أَو ظن إِرَادَة النّسَب) بالأهل (وَأما - {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم} - (فعمومه فِي معبود المخاطبين بِهِ) وهم قُرَيْش وَهُوَ الْأَصْنَام كَمَا ذكره السُّهيْلي (فَلم يتَنَاوَل عِيسَى وَالْمَلَائِكَة) حَتَّى يُقَال أَنهم أخرجُوا متراخيا بقوله تَعَالَى - {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} - فَيكون فِيهِ حجَّة لجَوَاز تراخي الْمُخَصّص (وَاعْتِرَاض ابْن الزبعري) بِكَسْر الزاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُهْملَة، وَعَن أبي عُبَيْدَة فتح الزاء، وأصل الزبعري الْكثير الشّعْر فِي الرَّأْس والأذنين، وَقَالَ الْفراء: السَّيئ الْخلق، واسْمه عبد الله كَانَ من أَعْيَان قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وفحول الشُّعَرَاء، وَكَانَ يهاجي للْمُسلمين ثمَّ أسلم عَام الْفَتْح وَحسن إِسْلَامه، وَله أشعار يعْتَذر فِيهَا مَا سبق مَذْكُورَة فِي السِّيرَة لِابْنِ إِسْحَاق (جدل متعنت): روى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه جَاءَ عبد الله بن الزبعري إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد تزْعم أَن الله أنزل عَلَيْك - {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} - قَالَ نعم، قَالَ فقد عبدت الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمَلَائِكَة وَعِيسَى وعزير، فَكل هَؤُلَاءِ فِي النَّار مَعَ آلِهَتنَا، فَنزلت - {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون، وَلما ضرب ابْن مَرْيَم مثلا} - إِلَى قَوْله - {خصمون} - وَهَذَا حَدِيث حسن، وَمَا قيل من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " مَا أجهلك بلغته، مَا لما لَا يعقل فشيء لَا يعرف وَلَا أصل لَهُ " كَذَا ذكره الْحفاظ: كالسبكي وَغَيره، وَهَهُنَا رِوَايَات أخر طويناها وَمَا ذكرنَا أصح (قَالُوا فِيهِ) أَي

فِي نسخ مَا ذكر بِمَا ذكر (إبِْطَال الْقَاطِع بالمحتمل) وَهُوَ مُمْتَنع فَتعين تَخْصِيص الْعَام بِهِ فَإِن قلت كَيفَ حكم بقطعية الأول وَاحْتِمَال الثَّانِي مَعَ اشتراكهما فِي الْعُمُوم وَاحْتِمَال التَّخْصِيص قلت الأول لَا صَارف لَهُ عَن ظَاهره، وَالثَّانِي لَهُ صَارف وَهُوَ الأول (قُلْنَا) هَذَا: أَعنِي كَونه مُحْتملا (مَبْنِيّ على ظنية دلَالَة الْعَام، وَهُوَ) أَي كَونه ظَنِّي الدّلَالَة (مَمْنُوع)، بل هُوَ قَطْعِيّ الدّلَالَة أَيْضا كَمَا هُوَ فَهُوَ إبِْطَال الْقَاطِع بالقاطع، وَلَا خلاف فِي جَوَازه (وَلَو سلم) أَن الْعَام ظَنِّي الدّلَالَة (فَلَا مُخَصص فِي الشَّرْع بخاص) من كل وَجه (بل) التَّخْصِيص (بالاستقراء) لَا يكون إِلَّا (بعام خصوصه بِالنِّسْبَةِ) إِلَى مَا هُوَ مُخْتَصّ بِهِ: يَعْنِي خُصُوصِيَّة الْمُخَصّص لكَونه جزئيا إضافيا لما خصص بِهِ لَا بِاعْتِبَار أَنه خَاص اصْطِلَاحا، فَيلْزم عَلَيْكُم إبِْطَال الْقَاطِع بالمحتمل فِي الْقدر الَّذِي أخرج من الأول (كلا تقتلُوا النِّسَاء) أَي كَمَا لَو قَالَ الشَّارِع هَذَا مَعَ قَوْله: - {اقْتُلُوا الْمُشْركين} - فَإِن ذَلِك عَام فِي نَفسه خَاص بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآيَة، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن قتل النِّسَاء (وَمَا استدلوا بِهِ من وَأولَات الْأَحْمَال، وَالْمُحصنَات) على تَخْصِيص الْعَام بالمخصص المتراخي على مَا سبق ذكره مَعْطُوف على قَوْله لَا تقتلُوا فَإِن كلا مِنْهُمَا خَاص بِالنِّسْبَةِ (فاللازم) على تَقْدِير التَّسْلِيم 0 إبِْطَال ظَنِّي بظني) لكَون كل من الْمُتَقَدّم والمتأخر عَاما، لَا إبِْطَال قَطْعِيّ بقطعي كَمَا زعمتم (وَأما اشْتِرَاط الِاسْتِقْلَال) فِي الْمُخَصّص (فلتغير دلَالَته) أَي لتغيير دلَالَة الْعَام من الْقطع (إِلَى الظَّن) فَإِنَّهُ لَو لم يكن مُسْتقِلّا كالاستثناء وَبدل الْبَعْض لَا يتَغَيَّر، بل يتقى على قطعيته، فَدلَّ الْكَلَام على أَن المستقل بِغَيْر إِلَى الظَّن، وَغير المستقل غير مغير وَمنع كل مِنْهُمَا، وَقيل الْمخْرج لبَعض مِنْهُ معِين قَابل للتَّعْلِيل إِذا كَانَ مقترنا يُغَيِّرهُ إِلَى الظَّن مُسْتقِلّا كَانَ أَولا، وَأما المتراخي فَغير المستقل مِنْهُ لَا يُغير، والمستقل نَاسخ، وَيلْزمهُ عدم التَّغْيِير إِلَى الظَّن (لَا يَحْتَاجهُ) أَي لَا يحْتَاج إِلَى الشَّرْط الْمَذْكُور (الْقَائِل بظنيته من الْحَنَفِيَّة) كَأبي مَنْصُور وَمن مَعَه، لِأَن ظنية دلَالَة الْعَام مَوْجُودَة بِلَا مغير (وَلَا خلاف فِي عدم تغيره) أَي الْعَام (بِالْعقلِ) أَي بالمخصص الْعقلِيّ من الْقطع (إِلَى الظَّن كخروج الصَّبِي وَالْمَجْنُون من خطاب الشَّرْع إِلَّا أَن يخرج الْعقل (مَجْهُولا) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تبطل حجيته فِي الْبَاقِي لعدم تعينه بِنَاء على مجهولية الْمخْرج فضلا عَن الْقطع إِلَى الظَّن (تَفْصِيل) الْمخْرج لبَعض أَفْرَاد الْعَام (الْمُتَّصِل) بِهِ أَقسَام يرتقى عَددهَا (إِلَى خَمْسَة: الأول الشَّرْط) وَهُوَ (مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوُجُود) أَي وجود الشَّيْء بِأَن لَا يُوجد بِدُونِ وجوده (وَلَا دخل لَهُ فِي التَّأْثِير والإفضاء، فَخرج جُزْء السَّبَب) لِأَنَّهُ وَإِن توقف عَلَيْهِ السَّبَب لَكِن لَا دخل لَهُ فِي الْإِفْضَاء إِلَيْهِ، وَقد علم بذلك خُرُوج سَبَب الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأولى (و) خرج (الْعلَّة) لِأَنَّهَا وَإِن توقف عَلَيْهَا الْوُجُود: لَكِنَّهَا مُؤثرَة (وَقَول الْغَزالِيّ) فِي تَعْرِيف

الشَّرْط (مَا لَا يُوجد الْمَشْرُوط دونه، وَلَا يلْزم أَن يُوجد الْمَشْرُوط عِنْده) أَي الشَّرْط أورد عَلَيْهِ أَنه دوري لتعقل تعقل الْمَشْرُوط على الشَّرْط: لَا أَنه مُشْتَقّ مِنْهُ (دفع دوره بِإِرَادَة مَا صدق عَلَيْهِ الْمَشْرُوط) بِلَفْظِهِ (أَي الشَّيْء) الَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ الشَّرْط، وَيُقَال شَرط الشَّيْء كَذَا: وَهُوَ لَا يتَوَقَّف فِي تعقله على تعقل الشَّرْط، وَإِنَّمَا الْمَوْقُوف على تعقله مَفْهُوم الشَّرْط (وَيرد عَلَيْهِ) أَي على طرده (جُزْء السَّبَب المتحد) لِأَن الْمُسَبّب لَا يُوجد بِدُونِهِ وَلَا يلْزم أَن يُوجد عِنْده، وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْط، (وَقيل مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ تَأْثِير الْمُؤثر كَالْوضُوءِ يتَوَقَّف عَلَيْهِ تَأْثِير الْمُؤثر فِي الصَّلَاة). قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: إِذا كَانَ الْوضُوء شرطا فِي الصَّلَاة لم يزدْ أَنه يتَوَقَّف عَلَيْهِ تَأْثِير الصَّلَاة فِي الشَّيْء، بل تَأْثِير الْمُؤثر فِي الصَّلَاة. وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ: يحْتَمل أَن يُقَال أَنه شَرط لتأثير الصَّلَاة فِي الحكم وَهُوَ الصِّحَّة (وَيرد عَلَيْهِ) أَي على الْعَكْس عَكسه (الْحَيَاة للْعلم الْقَدِيم) فَإِنَّهَا شَرط لتحققه لَا لتأثيره، لِأَنَّهُ لَيْسَ للْعلم تَأْثِير، إِذْ لَيْسَ هُوَ صفة مُؤثرَة: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال المُرَاد تَعْرِيف شَرط الْمُؤثر، لَا الشَّرْط مُطلقًا (وَهُوَ) أَي الشَّرْط (عَقْلِي: كالحياة للْعلم) إِذْ الْعقل يحكم بِأَن الْعلم لَا يُوجد بِدُونِ الْحَيَاة (وشرعي: كالطهارة) للصَّلَاة، فَإِن الشَّرْع هُوَ الْحَاكِم بذلك (وَأما اللّغَوِيّ) وَهُوَ مثل قَوْلنَا: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق، فَإِن أهل اللُّغَة وضعُوا هَذَا التَّرْكِيب ليدل على أَن مَا دخلت عَلَيْهِ إِن شَرط، وَالْمُعَلّق بِهِ جَزَاء (فَإِنَّمَا هُوَ الْعَلامَة) بِكَوْنِهِ دَلِيلا على ظُهُور الحكم عِنْد ظُهُوره، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَتَسْمِيَة نَحْو: إِن جَاءَ فَأكْرمه، وَإِن دخلت فطالق بِهِ) أَي بِالشّرطِ (مَعَ أَنه سَبَب جعلي) للثَّانِي (لصيرورته عَلامَة على الثَّانِي) أَي الْجَزَاء (وَإِنَّمَا يسْتَعْمل) هَذَا الشَّرْط (فِيمَا لَا يتَوَقَّف الْمُسَبّب بعده على غَيره). وَفِي الشَّرْح العضدي وَيسْتَعْمل فِي شَرط يشبه بِالسَّبَبِ من حَيْثُ أَنه يستتبع الْوُجُود: وَهُوَ الشَّرْط الَّذِي لم يبْق للمسبب أَمر يتَوَقَّف عَلَيْهِ، فَإِذا وجد ذَلِك الشَّرْط فقد وجدت الْأَسْبَاب والشروط كلهَا فيوجد الْمَشْرُوط، فَإِذا قيل: إِن طلعت الشَّمْس فالبيت مضيء: فهم مِنْهُ أَنه لَا يتَوَقَّف إضاءته إِلَّا على طُلُوعهَا (وَقد يتحد) أَي يكون الشَّرْط أمرا وَاحِدًا (وَقد يَتَعَدَّد) الشَّرْط (معنى) أَي تعددا بِحَسب الْمَعْنى لَا بِحَسب اللَّفْظ (جمعا) أَي حَال كَونه ذَلِك المتعدد الْمَعْنَوِيّ يتَوَقَّف الْمَشْرُوط على اجْتِمَاع آحاده فِي التحقق (وبدلا) بِأَن يتَوَقَّف على وَاحِد من ذَلِك المتعدد على سَبِيل الْبَدَلِيَّة، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام (وَكَذَا الْجَزَاء) يتحد ويتعدد جمعا وبدلا، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أُخْرَى (فَهِيَ) أَي جَمِيع الْأَقْسَام الْحَاصِلَة من ضرب ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة (تِسْعَة بِلَا توقف) أَي تَتَعَدَّد بِغَيْر توقف فِي تعدده الْمَعْنَوِيّ (على) تكْرَار (أَدَاة) أَي أَدَاة الشَّرْط لفظا (بل) يَكْفِي تعددها (معنى، وَلذَا) أَي وَلعدم توقف التَّعَدُّد على الْمَعْنَوِيّ تكَرر الْأَدَاء (اخْتلف) الْجَواب (لَو دخلت إِحْدَاهمَا فِي قَوْله: إِن دخلتما)

الدَّار (فطالقان) أَي فأنتما طالقان، ثمَّ صور الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور بقوله (أتطلق) الدَّاخِلَة (للاتحاد عرفا) أَي لِأَن الْمَفْهُوم فِي الْعرف من التَّعْلِيق الْمَذْكُور كَون شَرط طَلَاق كل مِنْهُمَا متحدا وَهُوَ دخولهما فِي الدَّار من غير أَن يشْتَرط فِي طلاقهما اجْتِمَاع دُخُولهَا مَعَ دُخُول الْأُخْرَى فَكَأَنَّهُ قَالَ لكل مِنْهُمَا: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق (أَولا) تطلق وَاحِدَة مِنْهُمَا (حَتَّى يدخلا، لِأَن الشَّرْط دخولهما) جَمِيعًا كَمَا هُوَ ظَاهر اللَّفْظ (أَو يطلقان) جَمِيعًا وَإِن لم تدخل الْأُخْرَى (لِأَنَّهُ أَي دخولهما الَّذِي هُوَ (الشَّرْط) مُتَعَدد (بَدَلا) فتحقق كل من الدخولين كَاف فِي تحقق الْجَزَاء الَّذِي هُوَ طالقان، وَهَذَا ثَالِث الْأَقْوَال (وَنَحْو) أَنْت (طَالِق إِن دخلت الدَّار) إِن دخلت (شَرط للمتقدم) أَي أَنْت طَالِق (معنى للْقطع بتقييده) أَي لأَنا نعلم قطعا أَن قَوْله طَالِق الْمُتَقَدّم يتَقَيَّد (بِهِ) أَي بِأَن دخلت: وَلَا يَعْنِي بِالشّرطِ إِلَّا مَا يتَقَيَّد بِهِ الحكم (وَعند النُّحَاة) إِن دخلت فِي هَذَا التَّعْلِيق شَرط (لمَحْذُوف مَدْلُول على لَفظه) بالمتقدم (فَلم يجْزم) الْمُتَقَدّم (بِهِ) أَي بِالشّرطِ أَشَارَ إِلَى أَنه دعاهم إِلَى ذَلِك أَمر لَفْظِي، وَهُوَ الْعَمَل (على تَقْيِيده) أَي مَعَ تَقْيِيد الْمُتَقَدّم بِالشّرطِ، فَلَا خلاف بَين النَّحْوِيين والأصوليين بِحَسب الْمَعْنى (وَإِن أطلق) الْمُتَقَدّم (لفظا) أَولا، فَإِن التَّقْيِيد يلْحقهُ ثَانِيًا لتقدم جَوَاب من حَيْثُ الْمَعْنى هَذَا بِنَاء على مَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَمن وَافقه بِنَاء على مَذْهَب الْبَصرِيين وَأما عِنْد الْكُوفِيّين فَهُوَ جَوَاب فِي اللَّفْظ أَيْضا لم يجْزم وَلم يصدر بِالْفَاءِ لتقدمه وَعند البصرية لَا يقدر مَعَ هَذَا الْمُقدم جَوَاب آخر للشّرط وَإِن لم يكن جَوَابا لَهُ، فَإِنَّهُ يغنى عَنهُ مثل استجارك الَّذِي هُوَ كالعوض من الْمُقدر (وَإِذا تعقب) الشَّرْط (جملا) متعاطفة، كلا آكل، وَلَا أشْرب إِن فعلت كَذَا (قيدها) جَمِيعًا (عِنْد الْحَنَفِيَّة بِخِلَاف الِاسْتِثْنَاء) فَإِنَّهُ يخْتَص بالأخيرة (عِنْدهم) إِلَّا بِدَلِيل فِيمَا قبلهَا، وَجه الْفرق بِنَاء على أَن الْجَزَاء هُوَ الْجُمْلَة الأولى أَن الشَّرْط مقدم عَلَيْهَا معنى، وَالْبَاقِي مَعْطُوف على الْجَزَاء بِخِلَاف الِاسْتِثْنَاء، فَإِنَّهُ مُتَأَخّر لفظا وَمعنى فَهُوَ قيد لما يتَّصل بِهِ، وتفصيله مَذْكُور فِي مَحَله (الثَّانِي) من الْأَقْسَام الْخَمْسَة من الْبَيَان الْمُتَّصِل (الْغَايَة) ولفظها: إِلَى، وَحَتَّى، نَحْو (أكْرم بني تَمِيم إِلَى أَن يدخلُوا وَلَا يخفى عدم صدق تَعْرِيف التَّخْصِيص) وَهُوَ مَا سبق قصر اللَّفْظ مُطلقًا على بعض مُسَمَّاهُ (على إِخْرَاج الشَّرْط والغاية) لعدم إِخْرَاج شَيْء مِنْهُمَا بعض الْمُسَمّى، فَإِن مفادهما عدم ثُبُوت حكم الْعَام لَهُ على بعض التقادير على مَا سيشير إِلَيْهِ (لِأَنَّهُ) أَي الْإِكْرَام مثلا (لكل بني تَمِيم على تَقْدِير و) هُوَ تَقْدِير عدم دُخُولهمْ (لَا قصر) أَي لَا قصر الْإِكْرَام (على بَعضهم دَائِما) بِأَن يَنْفِي الْبَعْض الآخر عَنْهُم دَائِما (وَحَقِيقَته) أَي حَقِيقَة إِخْرَاج الشَّرْط والغاية (تَخْصِيص عُمُوم التقادير عَن أَن يثبت مَعهَا) أَي مَعَ التقادير كلهَا (الحكم) وَكلمَة عَن مُتَعَلقَة بالتخصيص بِاعْتِبَار

تضمنه معنى التجاوز، فَإِنَّهُ إِذا خصص الْعُمُوم تجَاوز التقادير عَن أَن يثبت مَعهَا الحكم عُمُوما (وَقد يتَّفق) عُمُوم التقادير (تَخْصِيص الآخر) وَهُوَ تَخْصِيص عُمُوم الْأَفْرَاد: أَي تصاريفه مُوَافقَة، وَيجوز أَن يكون تَخْصِيص الآخر يتَّفق، وَيقدر مَعَ تَخْصِيص عُمُوم التقادير كَقَوْلِك: أكْرم بني تَمِيم إِن دخلُوا، أَو إِلَى أَن يدخلُوا، وَأَرَدْت بِهِ الْمُسلمين مِنْهُم (وَقد لَا) يتَّفق تَخْصِيص الْعُمُوم الآخر: كأكرم بني تَمِيم إِذا دخلُوا (وَقد يتضادان) أَي الشَّرْط والغاية (تَخْصِيصًا) بِأَن يخرج الشَّرْط بعض التقادير عَن الحكم، وتقتضي الْغَايَة دُخُول ذَلِك الْبَعْض فِيهِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِر من هَذِه الْعبارَة، وَكَيف يتَصَوَّر وُقُوع مثل هَذَا فِي كَلَام الْعَاقِل: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون هَذَا الِاقْتِضَاء بِحَسب اللوازم الْخفية فَتَأمل، وَيحْتَمل كَون ضمير ويتضادان للعمومين، وَوَجهه أَيْضا غير ظَاهر (وتجري أَقسَام الشَّرْط) التِّسْعَة الْمَذْكُورَة: أَي أَمْثَالهَا (فِي الْغَايَة) فقد يكون متحدا ومتعددا جمعا وبدلا فتأتي الْأَقْسَام التِّسْعَة: وَهِي كالاستثناء فِي الْعود إِلَى الْجَمِيع أَو إِلَى الْأَخِيرَة، والمذاهب الْمذَاهب، وَالْمُخْتَار الْمُخْتَار: كَذَا فِي الشَّرْح العضدي (الثَّالِث) من الْأَقْسَام الْخَمْسَة (الصّفة) نَحْو (أكْرم الرِّجَال الْعلمَاء) قصر الْعلمَاء الرِّجَال على بعض أَفْرَاده فَخرج غَيرهم، وَيجب فِيهِ الِاتِّصَال بالموصوف، كالغاية بِمَا هِيَ غَايَة لَهُ (وَفِي تعقبه) أَي الْوَصْف (مُتَعَددًا كتميم وقريش الطوَال) فعلوا كَذَا خلاف فِي تَقْيِيده الْأَخير أَو الْمَجْمُوع (كالاستثناء، وَالْأَوْجه الِاقْتِصَار) على الْأَخير كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاء (وَلَا يخفى أَن الْإِخْرَاج بِالصّفةِ وَالشّرط والغاية، وَالْبدل) واللقب (يُسمى تَخْصِيصًا) كَمَا تَقول الشَّافِعِيَّة وَمن وافقهم (أَولا) يُسمى تَخْصِيصًا (لَا يتَصَوَّر من الْحَنَفِيَّة لنفي الْمَفْهُوم) الْمُخَالف عِنْدهم (وَلَيْسَ) الْإِخْرَاج بأحدها (تَخْصِيصًا إِلَّا بِهِ) أَي بِاعْتِبَار الْمَفْهُوم. (الرَّابِع بدل الْبَعْض) من الْكل، نَحْو: أكْرم بني تَمِيم (الْعلمَاء مِنْهُم): ذكره ابْن الْحَاجِب. وَقَالَ السُّبْكِيّ: وَلم يذكرهُ الْأَكْثَرُونَ، لِأَن الْمُبدل مِنْهُ فِي نِيَّة الطرح، فَلَا يتَحَقَّق فِيهِ لمحل يخرج مِنْهُ فَلَا تَخْصِيص بِهِ، وَفِيه نظر، لِأَن الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ: كالزمخشري أَن الْمُبدل مِنْهُ فِي غير بدل الْغَلَط لَيْسَ فِي حكم المهدر، بل هُوَ للتمهيد والتوطئة، وليفاد بمجموعها فضل تَأْكِيد وتبيين لَا يكون فِي الْإِفْرَاد. (الْخَامِس: الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل، وَالْمرَاد) بِهِ هَهُنَا (أدوات الْإِخْرَاج لَا الْإِخْرَاج الْخَاص وَإِن كَانَ) الْإِخْرَاج الْخَاص قد (يُرَاد بِهِ) أَي بِلَفْظ الِاسْتِثْنَاء (كالمستثنى) أَي كَمَا يُرَاد بِهِ الْمُسْتَثْنى، وَهُوَ الْمخْرج، وَمِنْه تَفْسِيره بالمذكور بعد إِلَّا (إِذْ الْكَلَام فِي تَفْصِيل مَا هُوَ) أَي الْإِخْرَاج الْخَاص يتَحَقَّق (بِهِ، لَا) فِي نفس (التَّخْصِيص الْخَاص) الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاج الْخَاص (وَهُوَ) أَي مَا بِهِ الْإِخْرَاج (إِلَّا غير

الصّفة وَأَخَوَاتهَا) وَهِي: غير، وَسوى، وَعدا، وخلا، وحاشا، وَلَيْسَ، وَلَا يكون، وَإِلَّا، وسيما، وبيد، وبله، وَلما. وَفِي بَعْضهَا خلاف بَين أهل الْعَرَبيَّة، قيد إِلَّا بِغَيْر الصّفة، لِأَنَّهَا صفة تدخل فِي الْمُخَصّص الوضعي (وَأَنَّهَا) أَي إِلَّا وَأَخَوَاتهَا (تسْتَعْمل فِي إِخْرَاج مَا بعْدهَا) حَال كَونه (كَائِنا بعض مَا قبلهَا عَن حكمه) أَي حكم مَا قبلهَا (وَهَذَا الْإِخْرَاج يُسمى اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا) وَيسْتَعْمل (فِي إِخْرَاجه) أَي مَا بعْدهَا حَال كَونه (كَائِنا خِلَافه) أَي خلاف مَا ذكر بِأَن لَا يكون بعض مَا قبلهَا (عَن حكمه) أَي حكم مَا قبلهَا (وَيُسمى) هَذَا الْإِخْرَاج اسْتثِْنَاء (مُنْقَطِعًا)، وَلَا يسْتَعْمل فِي الْمُنْقَطع سوى: إِلَّا، وَغير، وَسوى، وبيد (وَشَرطه) أَي الْمُنْقَطع (كَونه) أَي الْمُسْتَثْنى (مِمَّا يقارنه) أَي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (كثيرا) ليَكُون من توابعه حَتَّى يستحضره بِذكرِهِ (كجاءوا) أَي الْقَوْم (إِلَّا حمارا، وَمِنْه) أَي الْمُنْقَطع قَول الشَّاعِر: (وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس (إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس) لِأَنَّهُ حصر الأنيس) فيهمَا وهما ليسَا فِيهِ، والحصر فيهمَا بعد نفي مَا عداهما يشْعر بِأَنَّهُمَا قد خلفتا أهل الْبَلَد وصارتا بِمَنْزِلَة أَهلهَا، واليعافير جمع يَعْفُور: وَهُوَ الْحمار الوحشي، وَقيل تَيْس من تيوس الظباء، والعيس بِالْكَسْرِ: الْإِبِل الْبيض يخالط بياضها شقرة، وَقيل الْجَرَاد (بِخِلَاف إِلَّا الْأكل) فَلَا يُقَال: جَاءُوا إِلَّا الْأكل (أَو) كَون الْمُسْتَثْنى بِحَيْثُ (يَشْمَلهُ حكمه) أَي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (كصونت الْخَيل إِلَّا الْحمير) أَو الْبَعِير، لِأَن التصويت يَشْمَل الْحَيَوَانَات (بِخِلَاف الصهيل أَو) كَون الْمُسْتَثْنى بِحَيْثُ (ذكر) قبله (حكم) مَعْنَاهُ (يضاده) أَي الْمُسْتَثْنى (كَمَا نفع إِلَّا مَا ضرّ، وَمَا زَاد إِلَّا مَا نقض). قَالَ سِيبَوَيْهٍ: مَا الأولى نَافِيَة، وَالثَّانيَِة مَصْدَرِيَّة، وفاعل زَاد ونفع مُضْمر، وَالتَّقْدِير: مَا زَاد فلَان شَيْئا إِلَّا نُقْصَانا، وَمَا نفع إِلَّا مضرَّة، فالمستثنى، وَهُوَ النُّقْصَان والمضرة حكم مُخَالف للمستثنى مِنْهُ، وَهُوَ الزِّيَادَة والنفع، فالاستثناء مُنْقَطع انْتهى، وَفِيه أَيْضا الْمُقَارنَة بَين الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ بِاعْتِبَار أَنه يفهم أحد الضدين عِنْد ذكر الآخر. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي الْمِثَال الثَّانِي: لَكِن النُّقْصَان فعل، أَو لَكِن النُّقْصَان أمره وشأنه، وَلَيْسَ الْمَعْنى: مَا زَاد شَيْئا غير النُّقْصَان ليَكُون مُتَّصِلا عرفا أهـ. فَبين الْكَلَامَيْنِ تدافع، لِأَن سِيبَوَيْهٍ فسره بِهَذَا الْمَعْنى وَحكم بالانقطاع، وَلَك أَن تَقول: يحْتَمل أَن يكون مُرَاد سِيبَوَيْهٍ: مَا زَاد شَيْئا غير النُّقْصَان مِمَّا يقْصد، أَو زِيَادَة كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر، فَلَا شكّ فِي انْقِطَاعه حِينَئِذٍ: غير أَنه يحْتَمل الِاتِّصَال كَمَا أَفَادَهُ المُصَنّف رَحمَه الله بقوله (أما مَا زَاد إِلَّا مَا نقص فَيحْتَمل الِاتِّصَال، لِأَنَّهُ) أَي النُّقْصَان (زِيَادَة حَال بعد التَّمام) وَيقرب مِنْهُ مَا عَن

ابْن مَالك: إِذا قلت مَا زَاد فكأنك قلت مَا عرض لَهُ عَارض ثمَّ استثنيت من الْعَارِض النَّقْص: هَذَا، وَالْمرَاد من التَّمام تِلْكَ الْحَالة الَّتِي كَانَت لَهُ قبل النَّقْص وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مثل هَذَا الِاعْتِبَار فِي الْمِثَال الأول رَكِيك، لِأَنَّهُ يُرَاد بِمَا زَاد أَنه على حَاله عرفا، وَلَا يُرَاد بِمَا نفع كَونه على حَاله فَقَوْل الشَّارِح: إنَّهُمَا شَيْئَانِ لَيْسَ بِشَيْء (وَالْمرَاد من الْإِخْرَاج إفادته) أَي الْمخْرج (عدم الدُّخُول) أَي دُخُول الْمُسْتَثْنى (فِي الحكم اشْتهر) لفظ الْإِخْرَاج (فِيهِ) أَي فِي عدم الدُّخُول (اصْطِلَاحا) فَلَا ضير فِي ذكره فِي التَّعْرِيف، وَإِنَّمَا احْتِيجَ لبَيَان المُرَاد (إِذْ حَقِيقَته) أَي حَقِيقَة الْإِخْرَاج إِنَّمَا تتَحَقَّق (بعد الدُّخُول، وَهُوَ) أَي الْإِخْرَاج حَقِيقَة (من الْإِرَادَة) صلَة الْإِخْرَاج: أَي إِخْرَاج الْمُسْتَثْنى من المُرَاد (بِحكم الصَّدْر) مُتَعَلق بالإرادة (مُنْتَفٍ) إِذْ لَا يُمكن أَن يُرَاد تنَاول الحكم الْوَاقِع فِي صدر الْكَلَام الْمُسْتَثْنى، ثمَّ يخرج مِنْهُ للُزُوم التَّنَاقُض (و) الْإِخْرَاج (من التَّنَاوُل) أَي تنَاول اللَّفْظ، وَالدّلَالَة عَلَيْهِ (لَا يُمكن) لِأَن التَّنَاوُل بَاقٍ بعد الاسثتناء أَيْضا، لِأَنَّهُ بعلة الْوَضع، فَلَا يَنْقَطِع عَن الْمَوْضُوع (فَقيل) لفظ الِاسْتِثْنَاء (مُشْتَرك فيهمَا) أَي الْمُتَّصِل والمنقطع (لَفْظِي) لَا طَلَاقه على كل مِنْهَا حَقِيقَة من غير أَن يشْتَرك بَينهمَا معنى، وَعدم تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر ليَكُون حَقِيقَة ومجازا (وَقيل متواطئ) أَي مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا كَمَا سَيَجِيءُ، والتواطؤ خير من الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ، وَالْمجَاز (وَالْمُخْتَار) أَنه فِي الْمُتَّصِل حَقِيقَة، و (فِي الْمُنْقَطع مجَاز) وَنَقله الْآمِدِيّ عَن الْأَكْثَرين (قَالُوا) وَمِنْهُم ابْن الْحَاجِب (فعلى التواطؤ أمكن حَده) أَي الْمُنْقَطع (مَعَ الْمُتَّصِل بِحَدّ وَاحِد بِاعْتِبَار) الْمَعْنى (الْمُشْتَرك بَينهمَا) أَي الْمُتَّصِل والمنقطع (مُجَرّد الْمُخَالفَة) بِالْجَرِّ عطف بَيَان للمشترك (الْأَعَمّ من الْإِخْرَاج وَعَدَمه) قيل الْأَعَمّ أفعل التَّفْضِيل، وَهُوَ معرف بِاللَّامِ، وَقد أجْرى على الْمُخَالفَة فَيجب تأنيثه، وَيمْتَنع فِيهِ من أُجِيب بِأَنَّهُ صفة لمُجَرّد، وَمن لبَيَان الْمُخَالفَة، لَا صلَة الْأَعَمّ. وَقَالَ الشَّارِح فِيهِ تَأمل (فَيُقَال مَا دلّ على الْمُخَالفَة بإلا غير الصّفة إِلَى آخِره) أَي وَأَخَوَاتهَا، وَقَوله بإلا غير الصّفة إِخْرَاج سَائِر أَنْوَاع التَّخْصِيص (وعَلى أَنه) أَي لفظ الِاسْتِثْنَاء (مُشْتَرك) لَفْظِي بَينهمَا (أَو مجَاز فِي الْمُنْقَطع لَا يُمكن) حد الْمُنْقَطع مَعَ الْمُتَّصِل بِحَدّ وَاحِد (لِأَن مفهومية) أَي الِاسْتِثْنَاء (حِينَئِذٍ حقيقتان مُخْتَلِفَتَانِ، فَيحد كل) من الْمُتَّصِل والمنفصل (بِخُصُوصِهِ، فيزاد) على الْحَد الْوَاحِد السَّابِق (فِي) حد (الْمُنْقَطع) قيد (من غير إِخْرَاج لإِخْرَاج الْمُتَّصِل وَلَا شكّ أَن هَذَا) أَي امْتنَاع الْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ فِي تَعْرِيف وَاحِد (إِنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيف ماهيتين مختلفتين كَمَا لَو كَانَ التَّعْرِيف للاستثناء بِمَعْنى الاخراجين المسميين بالمتصل والمنقطع) فَإِن الْإِخْرَاج فِي الْمُتَّصِل إِخْرَاج بعض مَا تنَاوله صدر الْكَلَام من حكمه.

وَفِي الْمُنْقَطع إِخْرَاج مَا لَا يتَنَاوَلهُ الصَّدْر من حكمه وَلَا شكّ أَنَّهُمَا حقيقتان بِمَعْنى ماهيتان مُخْتَلِفَتَانِ مُمْتَنع اجْتِمَاعهمَا فِي حد وَاحِد فَإِن قلت قد يجمع بَين الماهيات الْمُخْتَلفَة فِي تَعْرِيف وَاحِد كتعريف الْحَيَوَان المندرج تَحْتَهُ الْحَيَوَان: الْإِنْسَان، وَالْفرس وَغَيرهمَا بالجسم النامي الحساس إِلَى آخِره قلت المُرَاد: تَعْرِيف الماهيتين بِحَيْثُ يتَمَيَّز كل مِنْهُمَا على جَمِيع مَا عداهُ لَا يُقَال يجوز أَن يذكر كل مِنْهُمَا بِجَمِيعِ قيوده بِأَو الترديدية، لِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن حِينَئِذٍ اخْتِصَاص شَيْء من الترديد بِشَيْء مِنْهُمَا بِعَيْنِه من نفس التَّعْرِيف وَالْحق أَن الْكَلَام فِي الْحَد الأسمى فَلَا يتَصَوَّر وحدته إِلَّا بِأَن يُوجد مُسَمّى وَاحِد، وضع الِاسْم بإزائه، والمفروض فِيمَا نَحن فِيهِ خِلَافه فَافْهَم (وَبِأَن وضع لفظ مرَّتَيْنِ لشيئين) حَتَّى كَانَ مُشْتَركا لفظيا بَينهمَا (أَو) وضع لفظ (مرّة لمشترك بَينهمَا) أَي بَين شَيْئَيْنِ حَتَّى كَانَ متواطئا (أَو) وضع (لأَحَدهمَا ويتجوز بِهِ فِي الآخر لَا يتَعَذَّر تَعْرِيفه على تَقْدِير تَقْدِير) بِأَن يُقَال فِيمَا نَحن فِيهِ الِاسْتِثْنَاء على تَقْدِير وَضعه للمتصل مَعْنَاهُ، وَكَذَا قَوْله على تَقْدِير مكررا، مثل قَوْلهم: رتبته بَابا بَابا، وَجَاءُوا وَاحِدًا وَاحِدًا: فَهُوَ حَال عَن تَعْرِيفه: يَعْنِي مفصلا على هَذَا الْوَجْه. قَالَ الرضي وصابطه أَن يَتَأَتَّى للتفصيل بعده كَمَا ذكر الْمَجْمُوع بجزئه مكررا (وَالْكَلَام) هَهُنَا (إِنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى الأداة) يَعْنِي أَن لفظ الِاسْتِثْنَاء يُطلق على الْإِخْرَاج الْمَذْكُور وعَلى اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ، وَكَلَام الْأُصُولِيِّينَ فِي هَذَا الْمقَام إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَخِيرَة، فالأداة إِمَّا مُشْتَرك وَإِمَّا متواطئ إِلَى آخِره، وَيجوز تَعْرِيفهَا على كل تَقْدِير تَقْدِير (فَيُقَال مَا دلّ على عدم إِرَادَة مَا بعده) حَال كَون مَا بعده (كَائِنا بعض مَا قبله، أَو) كَائِنا (خِلَافه) أَي خلاف مَا ذكر بِأَن لَا يكون بعض مَا قبله (بِحكمِهِ) مُتَعَلق الْإِرَادَة: أَي لم يقْصد بِحكمِهِ أَن يَشْمَل مَا بعده ناشئة دلَالَته على الْمَعْنيين (عَن وضعين) وضع مرّة لِأَن يدل على عدم إِرَادَة مَا بعده كَائِنا إِلَى آخِره، وَمرَّة لمقابله (على الِاشْتِرَاك، وَيتْرك لفظ الْوَضع) الْمَذْكُور فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور بِصِيغَة التَّثْنِيَة (على) تَقْدِير (التواطؤ) وَالْبَاقِي على حَاله، فَيُقَال مَا دلّ على عدم إِرَادَة مَا بعده كَائِنا بعض مَا قبله أَو خِلَافه (و) يُقَال على أَنه حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل مجَاز فِي الْمُنْقَطع مَا دلّ على عدم إِرَادَة مَا بعده (كَائِنا بعضه) أَي بعض مَا قبله (بِحكمِهِ بِوَضْعِهِ) أَي بِسَبَب وضع مَا دلّ على هَذَا الْمَعْنى (لَهُ) أَي لهَذَا الْمَعْنى (فَقَط، وخلافه بِالْقَرِينَةِ) أَي وَدلّ على عدم إِرَادَة مَا بعده كَائِنا خِلَافه مَا قبله بِأَن لَا يكون بعضه بِحكمِهِ بِالْقَرِينَةِ: أَي دلَالَته على هَذَا الْمَعْنى بِالْقَرِينَةِ لَا بِالْوَضْعِ (ثمَّ لَا يخفى صدق تعريفنا) وَهُوَ قَوْلنَا مَا دلّ الخ بِبَعْض تصرف (عَلَيْهَا) أَي على الأداة (على التقادير) الثَّلَاثَة (بِلَا حَاجَة إِلَى خِلَافه) من التعاريف على

مَا تكلفوا فِي هَذَا الْمقَام (وَقَوله) أَي الَّذِي جوز حَده على التواطؤ، فَقَالَ مَا دلّ على الْمُخَالفَة (بإلا) غير الصّفة (إِلَى آخِره يُفِيد أَن إِلَّا وَأَخَوَاتهَا مَعَ مَا دلّ غيران) أَي متغايران، لِأَن الدَّال بِوَاسِطَة شَيْء غير ذَلِك الشي (وَلَيْسَ) كَذَلِك لِأَن الدَّال إِنَّمَا هُوَ إِلَّا وَأَخَوَاتهَا غير أَن الْحُرُوف لَا تستقل بِالدّلَالَةِ بِدُونِ متعلقها (وَقَوله فِي الْمُنْقَطع من غير إِخْرَاج أَن) أَرَادَ بِهِ نفي الْإِخْرَاج (مُطلقًا) من حَيْثُ تنَاول الصَّدْر، وَمن حَيْثُ تنَاول الحكم (لم يصدق) التَّعْرِيف (على شَيْء من أَفْرَاد الْمَحْدُود لِأَنَّهَا) أَي أَفْرَاده (مخرجة من الحكم) فَإِن قلت الْإِخْرَاج مِنْهُ فِي الْمُتَّصِل بِاعْتِبَار شُمُول صدر الْكَلَام الْمُسْتَثْنى، فَإِنَّهُ بِحَسب الظَّاهِر يُفِيد دُخُوله فِي الحكم، وَإِن كَانَ بِحَسب الْحَقِيقَة لَا حكم قبل الِاسْتِثْنَاء على مَا بَين فِي مَحَله دفعا للتناقض، فَمَا معنى الْإِخْرَاج مِنْهُ فِي الْمُنْقَطع قلت قد مر أَن المُرَاد من الْإِخْرَاج إِفَادَة عدم الدُّخُول فِي الحكم (والإخراج فِي الِاسْتِثْنَاء بقسميه) الْمُتَّصِل والمنقطع (لَيْسَ إِلَّا مِنْهُ) أَي من الحكم (وَحمله) أَي الْإِخْرَاج (على أَنه من الْجِنْس فَقَط، وَأَنه) أَي كَون الْإِخْرَاج هَذَا (الِاصْطِلَاح) أَي مُوجب الِاصْطِلَاح (بَاطِل للْقطع بِأَن زيدا لم يخرج من الْقَوْم، وَلَا يصطلح على بَاطِل، وَإِن أُرِيد التَّجَوُّز بِالْجِنْسِ عَن حكمه) ليَكُون الْمجَاز لغويا، (أَو أضمر) الحكم ليَكُون من مجَاز الْحَذف (صَار الْمَعْنى من غير إِخْرَاج من حكم الْجِنْس، وَعَاد الأول، وَهُوَ أَن الْوَاقِع إِخْرَاج مَا بعد إِلَّا مُطلقًا) أَي مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْقَطِعًا (من حكم مَا قبلهَا، وَعَدَمه) أَي الْإِخْرَاج (من نفس الْجِنْس) أما فِي الْمُتَّصِل فَلِأَن التَّنَاوُل بَاقٍ، وَأما فِي الْمُنْقَطع فلعدم الدُّخُول الَّذِي الْإِخْرَاج فَرعه فَإِن قلت قد مر أَن المُرَاد من الْإِخْرَاج إِفَادَة عدم الدُّخُول قلت إِفَادَة الدُّخُول بِاعْتِبَار الحكم لَهُ وَجه إِذْ يتَوَهَّم ذَلِك، وَلَا وَجه لإِفَادَة عدم دُخُوله خلاف الْجِنْس فِي الْجِنْس، فَإِنَّهُ لَا يتَوَهَّم بِجِنْس (وَوجه الْمُخْتَار) وَهُوَ كَون أَدَاة الِاسْتِثْنَاء حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل مجَاز فِي المقطع (بِأَن عُلَمَاء الْأَمْصَار ردُّوهُ) أَي الْمَذْكُور: يَعْنِي أَدَاة الِاسْتِثْنَاء (إِلَى الْمُتَّصِل، وَإِن) كَانَ الْمُتَّصِل (خلاف الظَّاهِر، فحملوا لَهُ: ألف إِلَّا كرا) من الْبر عَليّ (على قِيمَته) صلَة لحملوا، وَلَوْلَا أَنهم قصدُوا حمل إِلَّا على حَقِيقَته مَا صرفُوا اللَّفْظ عَن ظَاهره، فَإِن ذكر الْكر وَإِرَادَة قِيمَته خلاف الظَّاهِر فَإِن قلت اخْتَارُوا التَّجَوُّز فِي الْكر على التَّجَوُّز فِي إِلَّا، وَلم يعكسوا ليَكُون الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا قلت الطَّرِيق الجادة فِي إِخْرَاج شَيْء من حكم صدر الْكَلَام مَسْلَك الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل لَا الْمُنْقَطع فِيمَا أمكن حمل الْكَلَام على الِاتِّصَال لَا يعدل عَنهُ إِلَى الِانْقِطَاع، وَإِلَيْهِ يُشِير قَوْله (وَلِأَنَّهُ يتَبَادَر من، نَحْو: جَاءَ الْقَوْم إِلَّا قبل ذكر زيد، أَو حمَار أَنه يُرِيد أَن يخرج بعض الْقَوْم عَن حكمهم، فيشرأب) أَي فَيطلع، فِي الْقَامُوس اشرأب إِلَيْهِ مد عُنُقه

لينْظر، أَو ارْتَفع، وَالِاسْم الشرأبية كالطمأنية (إِلَى أَنه أَيهمْ، وَلَو كَانَت) إِلَّا (حَقِيقَة فِي إِخْرَاج الْأَعَمّ مِنْهُ) مِمَّا تنَاوله الصَّدْر (من حكمه) أَي من حكم الصَّدْر (لم يتَبَادَر معِين) وَهُوَ مَا تنَاوله صدر الْكَلَام (لَا يُقَال جَازَ) تبادر الْمعِين (لعروض شهرة أوجبت الِانْتِقَال إِلَيْهِ) أَي الْمعِين، فالتبادر لأمر عَارض لأصل الْوَضع، وَمثله لَا يكون عَلامَة الْحَقِيقَة (لِأَنَّهُ) أَي عرُوض الشُّهْرَة فِي أحد الْمَعْنيين الحقيقيين (نَادِر لَا يعْتَبر بِهِ) بِمُجَرَّد الْإِمْكَان (قبل فعليته) أَي تحَققه بِالْفِعْلِ (وَإِلَّا) لَو اعْتبر جَوَاز عرُوض الشُّهْرَة مُوجبا للتبادر (بَطل الْحمل على الْحَقِيقَة عِنْد إمكانهما) أَي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، لِأَن الْحَقِيقَة لَا تعرف إِلَّا بالتبادر عِنْد الْإِطْلَاق، وَإِذا جوز كَون التبادر لعروض عَن الشُّهْرَة على سَبِيل الِاحْتِمَال انسد بَاب إِثْبَات الْحَقِيقَة (وَغير ذَلِك) من الْحمل على الِاشْتِرَاك إِذا ثَبت تبادر المفاهيم على السوَاء بتجويز كَون تبادر أَحدهمَا لعروض الشُّهْرَة. (وَقَالَ الْغَزالِيّ) وَالْقَاضِي (فِي) تَعْرِيف الِاسْتِثْنَاء (الْمُتَّصِل قَول ذُو صِيغ مَخْصُوصَة دَال على أَن الْمَذْكُور) الْمُتَّصِل (بِهِ لم يرد بالْقَوْل الأول أَفَادَ جنسه) وَهُوَ قَول (أَنه) أَي التَّعْرِيف (لغير الْمَعْنى المصدري) الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاج، بل للأداة (ومخصوصة أَي معهودة، وَهِي إِلَّا وَأَخَوَاتهَا، فالأنسب أَن يُقَال يرد على طرده) أَي على مانعية التَّعْرِيف (الشَّرْط) نَحْو: أكْرم النَّاس أَن علمُوا، لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ قَول إِلَى آخِره، لِأَن لَهُ صيغا هِيَ أدوات الشَّرْط، وَسَيذكر الْقَيْد الآخر (لَا) أَن يُقَال يرد على طرده (التَّخْصِيص بِهِ) أَي بِالشّرطِ كَمَا قَالَ ابْن الْحَاجِب: إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ قَول، وَإِنَّمَا قَالَ الْأَنْسَب لِأَنَّهُ يُمكن تَأْوِيل مَا قَالَ (و) يرد عَلَيْهِ (الْمَوْصُول) حَال كَونه (وَصفا) مُخَصّصا، نَحْو: أكْرم النَّاس الَّذين علمُوا (والمستقل) نَحْو: لَا تكرم زيدا بعد أكْرم الْقَوْم (وَدفع الْأَوَّلَانِ) أَي الايردان بِالشّرطِ والموصول، والدافع ابْن الْحَاجِب (بِأَنَّهُمَا) أَي الشَّرْط والموصول (لَا يخرجَانِ الْمَذْكُور) وَهُوَ الْعلمَاء فِي المثالين (بل) يخرجَانِ (غَيره) أَي غير الْمَذْكُور، وَهُوَ من عداهم (وَتقدم التَّحْقِيق فِيهِ) من أَن الشَّرْط مخرج بعض التقادير، وَكَذَلِكَ الْوَصْف (والمستقل لم يوضع لإِفَادَة الْمُخَالفَة، وَإِنَّمَا تفهم) الْمُخَالفَة (بملاحظتهما) أَي المستقل، وَمَا خص بِهِ وَالْمرَاد من الدّلَالَة فِي التَّعْرِيف مَا بِالْوَضْعِ (و) أورد (على عَكسه) أَي على جامعية التَّعْرِيف (شخص جَاءُوا إِلَّا زيدا، وسائرها) أَي خُصُوص إِلَّا، وكل من أدوات الِاسْتِثْنَاء، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْهَا ذَا صِيغ، فَلَا يصدق الْحَد على شَيْء مِنْهَا (ورد) هَذَا الْإِيرَاد (بِظُهُور أَن المُرَاد) بالْقَوْل الْمَذْكُور فِي التَّعْرِيف (جنس الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل) فَإِنَّهُ ذُو صِيغ، وكل فَرد مِنْهُ ذُو صِيغَة وَلَا يخفى مَا فِيهِ من أَن التَّعْرِيف لَا يكون إِلَّا للْجِنْس، وَمَعَ هَذَا لَا بُد من صدق التَّعْرِيف على

كل فَرد (وَلَا يخفى مَا فِيهِ، وَعدم وُرُوده) أَي هَذَا الْإِيرَاد (على) تَقْدِير (كَونه) أَي كَون التَّعْرِيف (تعريفا للأدوات يُفِيد الْعُمُوم) بِأَن يكون الْمُعَرّف جنس الأدوات لَا من حَيْثُ هُوَ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارف فِي التعريفات، بل من حَيْثُ تحققها فِي ضمن كل من الْأَفْرَاد، فَكل خُصُوصِيَّة من خصوصيات الأدوات لَيست من أَفْرَاد الْمُعَرّف، فَلَا ينْتَقض بهَا التَّعْرِيف جمعا (وعَلى) تَقْدِير (كَونه) أَي التَّعْرِيف تعريفا (لما يصدق عَلَيْهِ أَدَاة الِاسْتِثْنَاء) بِأَن يكون الْمُعَرّف الْفَرد الْمُنْتَشِر لجنس أَدَاة الِاسْتِثْنَاء (ليَكُون الْمِثَال) الْمَذْكُور، وَهُوَ قَوْله: إِلَّا زيد الَّذِي هُوَ شخص من ذَلِك الْجِنْس (من أَفْرَاد الْمُعَرّف بِخِلَاف الأول) وَهُوَ فرض كَون التَّعْرِيف للأدوات يُفِيد الْعُمُوم، فَإِن الْمِثَال الْمَذْكُور لَيْسَ من أَفْرَاد الْمُعَرّف: أَي بِنَاء عَلَيْهِ (صَادِق عَلَيْهِ) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره والتعريف صَادِق على الْمِثَال الْمَذْكُور بِنَاء على كَونه لما يصدق عَلَيْهِ إِلَى آخِره (إِذْ الْجِنْس) أَي جنس الْفَرد الْمُنْتَشِر (قَول كلي لَا يتَحَقَّق خَارِجا إِلَّا فِي ضمن أَدَاة) فَهُوَ بِاعْتِبَار كل تحقق ذُو صِيغَة وَاحِدَة، وَلَكِن بِاعْتِبَار تحققاته ذُو صِيغ كَثِيرَة (وَهُوَ) أَي الْجِنْس (نَفسه ذُو الصِّيَغ) وَإِن كَانَ شخصه ذَا صِيغَة وَاحِدَة (وَيصدق على الْكُلِّي الْكَائِن فِي ضمن إِلَّا فِي الْمِثَال) الْمَذْكُور (ذَلِك) أَي قَول ذُو صِيغ إِلَى آخِره وَالْحَاصِل أَن الْفَرد الْمُنْتَشِر وَإِن لم يصدق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار تحَققه فِي ضمن هَذَا الْخَاص أَنه قَول ذُو صِيغ إِلَى آخِره، لَكِن يصدق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار تحققاته فِي ضمن الخصوصيات أَنه قَول ذُو صِيغ (وَقيل) فِي التَّعْرِيف (لفظ مُتَّصِل بجملة لَا يسْتَقلّ) صفة لفظ، وَكَذَا قَوْله (دَال على أَن مَدْلُوله) الضَّمِير رَاجع إِلَى لفظ (غير مُرَاد بِمَا اتَّصل) اللَّفْظ الْمَذْكُور (بِهِ) وَهُوَ الْجُمْلَة (لَيْسَ) ذَلِك اللَّفْظ (بِشَرْط وَلَا صفة وَلَا غَايَة) احْتِرَاز بِلَفْظ من المخصصات الحسية أَو الْعَقْلِيَّة، وبمتصل عَن الْمُنْفَصِلَة، وَبلا يسْتَقلّ عَن مثل قَامَ الْقَوْم وَلم يقم زيد، وبعدم إِرَادَة مَدْلُوله عَن الْأَسْمَاء الْمُؤَكّدَة مثل: جَاءَ الْقَوْم كلهم، وَالْبَاقِي ظَاهر (و) يرد (على طرده قَامُوا لَا زيد) لصدق الْحَد عَلَيْهِ، وَلَيْسَ باستثناء (وَدفع بِمَا ذكرنَا) من أَنه لم يوضع لإِفَادَة عدم الْإِرَادَة، وَإِنَّمَا لَزِمت من ملاحظته مَعَ مَا قبله لُزُوما عقليا لَا وضعيا بِدَلِيل جَاءَ زيد لَا عَمْرو، لِامْتِنَاع إِرَادَة عَمْرو من زيد (و) يرد (على عَكسه) الِاسْتِثْنَاء (المفرغ للْفَاعِل) نَحْو: مَا جَاءَ إِلَّا زيد، إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ الْحَد لعدم اتِّصَاله بِالْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِل، وَالْفِعْل وَحده مُفْرد (وَدفع بِأَن مَا قبله) أَي مَا قبل إِلَّا زيد (فِي تقديرها) أَي الْجُمْلَة، فَالْمُرَاد بِالْجُمْلَةِ مَا يعم الْجُمْلَة تَقْديرا (وعَلى هَذَا) مَشى (من يقدر فَاعِلا عَاما) وَيجْعَل مَا بعد إِلَّا بَدَلا مِنْهُ فَنَقُول التَّقْدِير: مَا جَاءَ أحد إِلَّا زيد (وَلَعَلَّ الْمُعَرّف) الَّذِي عرف بالتعريف الْمَذْكُور (يرَاهُ) أَي التَّقْدِير على الْوَجْه الْمَذْكُور (ثمَّ يفْسد) عَكسه أَيْضا (بِأَن كل مُسْتَثْنى مُتَّصِل مُرَاد بِالْأولِ) بِحَسب

مسئلة

دلَالَة لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ على إِرَادَة الْمُتَكَلّم إِيَّاه (وَيدْفَع بِمَنْعه) أَي بِمَنْع كَون الْمُسْتَثْنى مرَادا بِالْأولِ، وَإِن كَانَ مدلولا (وَلَو سلم) كَونه مرَادا فِي الْجُمْلَة (فَغير مُرَاد بالحكم وَهَذَا) التَّعْرِيف (أَيْضا لما لَهُ) التَّعْرِيف فِي (الأول) أَي تَعْرِيف الْغَزالِيّ: وَهُوَ الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى الأداة (فَلَا يكون الأولى) من كل مِنْهُمَا أَن يُقَال فِي تَعْرِيفه كَمَا قَالَ ابْن الْحَاجِب (إِخْرَاج بَالا أَو إِحْدَى أخواتها، وَهُوَ) أَي هَذَا التَّعْرِيف (على غير مهيعة) أَي طَرِيق كل من التعريفين السَّابِقين أَي لَا يكون هَذَا أولى، وَالْحَال أَنه على غير مهيعهما، فَإِن الْأَوْلَوِيَّة فرع الِاتِّحَاد فِيمَا صدق التعريفات الثَّلَاثَة عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ (إِلَّا معنى الأول تَعْرِيف) الِاسْتِثْنَاء بِالْمَعْنَى (المصدري الَّذِي هُوَ التَّخْصِيص الْخَاص) وَهُوَ مَا يكون بألا وَإِحْدَى أخواتها (وَترك مَا بِهِ) التَّخْصِيص (وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك) أَي أولى هَهُنَا (فَإِن الْكَلَام فِي ذَلِك) أَي الْمُخَصّص الْمُتَّصِل الْمُسَمّى بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي نفس التَّخْصِيص إِذْ الْكَلَام فِي بَيَان المخصصات (وَاعْلَم أَنه قد يعرف مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الِاسْتِثْنَاء من ماهيتي الْمُتَّصِل والمنقطع غير أَنه) أَي لفظ الِاسْتِثْنَاء (لَيْسَ حَقِيقَة فيهمَا) أَي الماهيتين (مُشْتَركا) بِأَن يكون مَوْضُوعا بِإِزَاءِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِوَضْع على حِدة (أَو متواطئا) بِأَن يكون مَوْضُوعا بِإِزَاءِ مَفْهُوم يعمهما (إِلَّا اصْطِلَاحا) نحويا اسْتثِْنَاء من قَوْله متواطئا: أَي لَيْسَ حَقِيقَة فيهمَا على التواطؤ فِي وضع إِلَّا فِي الْوَضع الاصطلاحي (وَنظر الأصولي فِي معنى الِاسْتِثْنَاء) إِنَّمَا هُوَ (من جِهَة اللُّغَة، وَيُمكن تعريفهما) أَي ماهيتي الْمُتَّصِل والمنفصل (لَا من حَيْثُ هما مدلولا لفظ أصلا، أَو مدلولا لفظ لغَوِيّ) يَعْنِي تعريفهما إِنَّمَا يتَصَوَّر على أحد الْوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَن يَقع النّظر عَن كَونهمَا مدلولي لفظ، لَا لُغَة وَلَا اصْطِلَاحا إِن لم يكن فِي نفس الْأَمر هَهُنَا اصْطِلَاح كَمَا أَنه لَيْسَ هَهُنَا لُغَة، وَالثَّانِي أَن يَقع النّظر عَن كَونهمَا مدلولي لُغَة وَإِن فرض وجود اصْطِلَاح (هُوَ) أَي ذَلِك اللَّفْظ اللّغَوِيّ (الأدوات، فالاستثناء: أَي مَا تفيده إِلَّا وَأَخَوَاتهَا) حَقِيقَة أَو مجَازًا (الْمَعْرُوفَة) صفة لأخواتها (إِخْرَاج بهَا) أَي بِإِحْدَى الْمَذْكُورَات، ثمَّ فسر الْإِخْرَاج بقوله (أَي منع) أحد الْمَذْكُورَات مدخوله (من الدُّخُول اشْتهر) لفظ الْإِخْرَاج فِي هَذَا الْمحل (فِيهِ) أَي فِي الْمَنْع الْمَذْكُور (من الحكم أَو الصَّدْر مَعَه) أَي مَعَ الحكم على مَا ذكر من الْوَجْهَيْنِ. مسئلة (الِاتِّفَاق أَن مَا بعد إِلَّا مخرج من حكم الصَّدْر: أَي لم يرد بِهِ) أَي بِحكم الصَّدْر (فالمقر بِهِ لَيْسَ إِلَّا سَبْعَة، فِي على عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة، وَاخْتلف فِي تَقْدِير دلَالَته) أَي فِي تَوْجِيه دلَالَة الْكَلَام الْمَذْكُور على سَبْعَة (فالأكثر) على أَنه (أُرِيد سَبْعَة) بِعشْرَة مجَازًا (وَإِلَّا)

مَعَ دُخُولهَا (قرينته) أَي قرينَة هَذَا المُرَاد الَّذِي هُوَ جُزْء الْمُسَمّى (والاتفاق أَن التَّخْصِيص كَذَلِك) أَي الْمُخَصّص فِيهِ قرينَة على أَن المُرَاد بالمخصص مَا بَقِي بعد التَّخْصِيص (وَقيل أُرِيد عشرَة ثمَّ أخرج) ثَلَاثَة بإلا ثَلَاثَة، فَدلَّ إِلَّا على الْإِخْرَاج وَثَلَاثَة على الْعدَد الْمُسَمّى بهَا (ثمَّ حكم على الْبَاقِي، وَالْمرَاد أُرِيد عشرَة وَحكم على سَبْعَة فإرادة الْعشْرَة) بِلَفْظ عشرَة (بَاقٍ بعد الحكم) على سَبْعَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن المُرَاد هَذَا (رَجَعَ إِلَى إِرَادَة سَبْعَة بِهِ) أَي بِلَفْظ عشرَة (مَعَ الحكم عَلَيْهَا) أَي على سَبْعَة (فَلم يزدْ على الأول إِلَّا) مَا حصل (بتكلف لَا فَائِدَة لَهُ وَاخْتَارَهُ) أَي هَذَا القَوْل (بعض الْمُتَأَخِّرين) وَهُوَ ابْن الْحَاجِب، وَاسْتدلَّ (بِالْقطعِ باستثناء نصفهَا فِي: اشْتريت الْجَارِيَة إِلَّا نصفهَا فَكَانَ) جَمِيع الْجَارِيَة (مرَادا) من الْجَارِيَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد مِنْهَا جَمِيعًا، بل نصفهَا (كَانَ) الِاسْتِثْنَاء لنصفها (من نصفهَا فَهُوَ) أَي الِاسْتِثْنَاء (مُسْتَغْرق) جمع الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَهُوَ بَاطِل (أَو) كَانَ (الْمخْرج الرّبع لِأَن الْبَاقِي من النّصْف بعد إِخْرَاج النّصْف مِنْهُ) أَي من النّصْف (الرّبع ويتسلسل: أَي يَنْتَهِي إِلَى إِخْرَاج الْجُزْء غير المتجزئ مِنْهُ) أَي من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَفِي تَفْسِير التسلسل بالانتهاء إِلَى مَا ذكر مُسَامَحَة: يَعْنِي لَيْسَ المُرَاد التسلسل إِلَى غير النِّهَايَة، يل إِلَى حد لَا يتَصَوَّر بعده الْمخْرج والمخرج مِنْهُ (وَعلمت أَن الْإِخْرَاج مجَاز عَن عدم الْإِرَادَة) أَي عَن عدم إِرَادَة الْمُسْتَثْنى مِنْهُ بالمستثنى مِنْهُ (عِنْدهم، وَإِلَّا نصفهَا بَيَان إِرَادَة النّصْف بلفظها) أَي الْجَارِيَة فَلَا يكون إِلَّا نصفهَا مُسْتَغْرقا، وَإِنَّمَا كَانَ يلْزم ذَلِك لَو أُرِيد بِلَفْظ الْجَارِيَة نصفهَا قبل ذكرا، ثمَّ أخرج نصفهَا من ذَلِك المُرَاد (وَلَا يتسلسل) الإخراجيات (لعدم حَقِيقَة الْإِخْرَاج) فَإِن مبْنى التسلسل على أَن الِاسْتِثْنَاء يخرج بعض المُرَاد من لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَالْمرَاد مِنْهُ يتَعَيَّن بعده الْإِخْرَاج بِالِاسْتِثْنَاءِ، فتعقب كل اسْتثِْنَاء اسْتثِْنَاء، وَهَذَا إِذا كَانَ هُنَاكَ حَقِيقَة الْإِخْرَاج، وَأما إِذا كَانَ الْإِخْرَاج عبارَة عَن عدم إِرَادَة الْبَعْض بِسَبَب الِاسْتِثْنَاء، وَبعد مَا تعين المُرَاد بِسَبَبِهِ فقد انْتهى عمل الِاسْتِثْنَاء قبله، وَلَا إِخْرَاج بعد ذَلِك فَافْهَم (و) ابْن الْحَاجِب قَالَ (أَيْضا الضَّمِير) فِي نصفهَا (لِلْجَارِيَةِ) إِذْ المُرَاد نصف جَمِيعهَا قطعا، وَيلْزم من كَون المُرَاد من الْجَارِيَة نصفهَا أَن يرجع الضَّمِير إِلَى نصفهَا، لِأَن الْمَذْكُور على هَذَا التَّقْدِير لَا جَمِيعهَا (وَيدْفَع) هَذَا (بِأَن الْمرجع) لضمير نصفهَا (اللَّفْظ) أَي لفظ الْجَارِيَة (لِأَنَّهُ) أَي الضَّمِير (لربط لفظ بِلَفْظ بِاعْتِبَار مَعْنَاهُمَا) حَقِيقِيًّا كَانَ أَو مجازيا لَا الْمُسَمّى: أَي (لَا) بِاعْتِبَار (الْمُسَمّى) خَاصَّة (فَيرجع) ضمير نصفهَا (إِلَى لفظ الْجَارِيَة مرَادا بِهِ بَعْضهَا) الَّذِي هُوَ النّصْف (وَأَيْضًا إِجْمَاع) أهل (الْعَرَبيَّة أَنه) أَي الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل (إِخْرَاج بعض من كل) وَلَو أُرِيد الْبَاقِي من الْجَارِيَة

لم يكن ثمَّة كل وَلَا بعض وَلَا إِخْرَاج، فَأجَاب عَنهُ بقوله (وَعرفت أَنه) أَي الْإِخْرَاج (منع دُخُوله) أَي الْمُسْتَثْنى (فِي الْكل) وَهُوَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (فالإجماع على هَذَا الْمَعْنى) وَهُوَ مَوْجُود على قَول الْأَكْثَر، ثمَّ قَالَ ابْن الْحَاجِب (وَأَيْضًا تبطل النُّصُوص) لِأَنَّهُ إِذا حمل على الْمَعْنى الْمجَازِي لم تبْق نصوصية فِي مَعْنَاهُ (قُلْنَا: النَّص وَالظَّاهِر سَوَاء بِاعْتِبَار ذاتهما) فَإِن كَون اللَّفْظ نصا فِي معنى بِحَيْثُ لَا يحْتَمل خِلَافه لَا يتَحَقَّق قطّ بِمُجَرَّد ذَاته، بل باقتران أَمر آخر من لفظ وَغَيره، فَلَا أثر لذات اللَّفْظ فِي منع التَّجَوُّز بِهِ، وَلَوْلَا انضمام كلهم أَجْمَعُونَ للفظ الْمَلَائِكَة، ويطير بجناحيه للفظ الطَّائِر لما نَص الأول فِي الْعُمُوم، وَالثَّانِي فِيمَا أُرِيد بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَا نصوصية بِمَعْنى رفع الِاحْتِمَال مُطلقًا إِلَّا بِخَارِج، وَلَيْسَ الْعدَد بِمُجَرَّدِهِ) أَي مُجَرّد لَفظه (مِنْهُ) أَي من النَّص بِمَعْنى نفي الِاحْتِمَال (فالملازمة) بَين إِرَادَة السَّبْعَة من الْعشْرَة وَبطلَان النُّصُوص (مَمْنُوعَة) وَقد عرفت سَنَد الْمَنْع (وَأما إِسْقَاط مَا بعْدهَا) أَي وَأما الدَّلِيل الْخَامِس لِابْنِ الْحَاجِب، وَهُوَ أَنا نعلم فِي الِاسْتِثْنَاء أَنه يسْقط مَا بعد إِلَّا مِمَّا قبلهَا (فَيبقى الْبَاقِي) من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، فيسند إِلَيْهِ الحكم (وَهُوَ) أَي إِسْقَاط مَا بعْدهَا مِمَّا قبلهَا (فرع إِرَادَة الْكل) مِمَّا قبلهَا (فَقَوْل الْأَكْثَر يقتضى أَن الْإِسْقَاط) الْمَذْكُور (ذكر مَا لم يرد) بالحكم، وَهُوَ الثَّلَاثَة بعْدهَا كَمَا أَن الْإِخْرَاج عبارَة عَن عدم الدُّخُول ابْتِدَاء وهما متقاربان معنى، وَقد مر أَنه شاع فِي عدم الدُّخُول، فشيوع تِلْكَ الْإِرَادَة قرينَة لهَذِهِ (ونسبته) أَي نِسْبَة مَا لم يرد بِهِ (للمسمى) أَي الْمَوْضُوع لَهُ لفظ الْعشْرَة من حَيْثُ أَنه يفهم من ذكر إِلَّا ثَلَاثَة أَن الثَّلَاثَة هِيَ من أَجزَاء الْعشْرَة، وَلم يتَنَاوَلهُ حكم مَا عده من أَجْزَائِهَا مَعَ أَن لفظ الْعشْرَة مستعملة فِي السَّبْعَة لَا فِي الْعشْرَة (ليعرف الْبَاقِي) المُرَاد من الْمُسَمّى لَا لِأَن الْمُسَمّى قد اسْتعْمل فِيهِ اللَّفْظ (أَو) الْإِسْقَاط (بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَدْلُوله) أَي اللَّفْظ، فَإِنَّهُ لما كَانَت الثَّلَاثَة مَعَ السَّبْعَة مُشَاركَة فِي المدلولية من اللَّفْظ بِمُوجب الْوَضع وَلم ينلها الحكم كَمَا نَالَ السَّبْعَة قبل لَهَا أسقط مَا قبلهَا (وَإِذا لم يبطل الأول) أَي قَول الْأَكْثَر (وَهُوَ أقل تكلفا) من الثَّانِي (تعين) الأول للاعتبار (وَلِأَن الثَّانِي خَارج عَن قانون الِاسْتِعْمَال، وَهُوَ) أَي قانون الِاسْتِعْمَال (إِيقَاع اللَّفْظ فِي التَّرْكِيب ليحكم على وضعيه) أَي الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ اللَّفْظ (أَو مُرَاده) أَي وعَلى الْمَعْنى المُرَاد بِهِ مجَازًا (أَو بهما) أَي وليحكم بِالْمَعْنَى الْمَوْضُوع لَهُ اللَّفْظ أَو بالمراد، لِأَن اللَّفْظ إِمَّا مَأْخُوذ فِي جَانب الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، أَو فِي جَانب الْمَحْكُوم بِهِ (وَلَا مُوجب) لِلْخُرُوجِ عَن قانون الِاسْتِعْمَال (فَوَجَبَ نَفْيه) أَي نفي القَوْل الثَّانِي لِخُرُوجِهِ عَن القانون (وَعَن القَاضِي أبي بكر عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة) مَوْضُوعَة (لمدلول سَبْعَة كسبعة) أَي كَمَا وضع لفظ سَبْعَة لَهُ، وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ (ورد بِأَنَّهُ خَارج

عَن اللُّغَة، إِذْ لَا تركيب من) أَلْفَاظ (ثَلَاثَة فِي غير المحكي، وَالْأول غير مُضَاف وَلَا مُعرب وَلَا حرف) فَعلم أَنه يُوجد مركب من ثَلَاثَة أَلْفَاظ إِذا كَانَ محكيا كبرق نَحره، وشاب قرناها، وَإِذا كَانَ غير المحكى إِذا كَانَ الأول مِنْهُ غير جَامع السُّكُوت الثَّلَاثَة كَأبي عبد الله. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: إِنَّمَا الْكَلَام فِي التَّسْمِيَة بِثَلَاثَة أَلْفَاظ فَصَاعِدا إِذا جعلت اسْما وَاحِدًا على طَرِيق حَضرمَوْت وبعلبك من غير أَن يُلَاحظ فِيهَا الْإِعْرَاب وَالْبناء الأصليان، بل يكون بِمَنْزِلَة زيد وَعَمْرو، وَيجْرِي الْإِعْرَاب الْمُسْتَحق على حرفه الْأَخير، وَهَذَا لَيْسَ من لُغَة الْعَرَب بِلَا نزاع صرح بِهِ صَاحب الْكَشَّاف انْتهى وَحَاصِل كَلَام المُصَنّف رَحمَه الله: نفى مركب من ثَلَاثَة أَلْفَاظ يكون أَولهَا جَامع السُّكُوت الثَّلَاثَة وَقَوْلنَا عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة يصدق على أَولهَا أَنه لَيْسَ بمضاف، وَلَا حرف، وَلَا مُعرب لِأَنَّهُ على طَريقَة القَاضِي مَحل الْإِعْرَاب الْحَرْف الْأَخير لَا الأول (و) رد أَيْضا (بِلُزُوم عود الضَّمِير) فِي نَحْو إِلَّا نصفهَا (على جُزْء الِاسْم) الَّذِي هُوَ الْجَارِيَة فِي: اشْتريت الْجَارِيَة إِلَّا نصفهَا (وَهُوَ) جُزْء الِاسْم (كزاي زيد لعدم دلَالَته) أَي جُزْء الِاسْم على الْمَعْنى، فَيمْتَنع عود الضَّمِير إِلَيْهِ (وَالْحق أَنه) أَي قَول القَاضِي (أحد المذهبين) الْمَذْكُورين (للْقطع بِأَن مفرداته) أَي مُفْرَدَات عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة بَاقِيَة (فِي مَعَانِيهَا) الافرادية (وَقَوله بِإِزَاءِ سَبْعَة) إِنَّمَا هُوَ (بِاعْتِبَار الْحَاصِل) من التَّرْكِيب سَوَاء قُلْنَا أَن الْعشْرَة اسْتعْملت مجَازًا فِي السَّبْعَة بِقَرِينَة إِلَّا ثَلَاثَة، أَو اسْتعْملت فِي الْعشْرَة ثمَّ أخرج الثَّلَاثَة، فَإِنَّهُ على التَّقْدِيرَيْنِ لَا بُد من مُلَاحظَة معنى إِلَّا وَمعنى ثَلَاثَة، وَبعد إِخْرَاج ثَلَاثَة من عشرَة يصير كَأَنَّهُ اسْتعْمل أَولا فِي السَّبْعَة وَلَا يخفى أَن معنى اسْتِعْمَال عشرَة فِي سَبْعَة ذكر عشرَة وَإِرَادَة سَبْعَة، وَلَا تتمّ هَذِه الْإِرَادَة على وَجه يفهمها الْمُخَاطب إِلَّا بعد تعقل معنى إِلَّا وَثَلَاثَة، فالتركيب الْمَذْكُور بعد أحد التصرفين محصوله محصول السَّبْعَة من حَيْثُ الْمَآل (وَلذَا شبه) فَقَالَ كسبعة على مَا نقل عَنهُ (فَانْتفى مَا بناه بَعضهم) وَهُوَ صدر الشَّرِيعَة (عَلَيْهِ) أَي على قَول القَاضِي (من أَن تَخْصِيصه) أَي الِاسْتِثْنَاء بِنَاء على مَا ذهب إِلَيْهِ (كمفهوم اللقب) أَي كتخصيص مَفْهُوم اللقب على مَا ذهب إِلَيْهِ بعض النَّاس: يَعْنِي أَن تَخْصِيص الِاسْتِثْنَاء أَمر مُتَّفق عَلَيْهِ، وتخصيض مَفْهُوم اللقب نَفَاهُ الْكل إِلَّا بعض الْحَنَابِلَة وشذوذا وَهُوَ إِضَافَة نقيض حكم مَا عبر عَنهُ باسمه علما أَو جِنْسا إِلَى مَا سواهُ على مَا سبق، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة بِمَنْزِلَة سَبْعَة، فنفى الحكم عَمَّا عدا سَبْعَة كنفي الزَّكَاة عَمَّا عدا الْغنم فِي قَوْلنَا: فِي الْغنم زَكَاة، وَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْء من الْإِخْرَاج، وَلذَا قَالَ (الْمُقْتَضى أَن لَا إِخْرَاج أصلا) صفة لمَفْهُوم اللقب (وَجهه) أَي وَجه مَا قُلْنَا من أَن قَوْله بِإِزَاءِ سَبْعَة بِاعْتِبَار الْحَاصِل (أَن

الحكم لَيْسَ إِلَّا على السَّبْعَة فَأَما باعتبارها) أَي بِاعْتِبَار كَون السَّبْعَة (مدلولا مجازيا للتركيب) فَإِن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَهُ الْعشْرَة المخرجة مِنْهَا الثَّلَاثَة كَمَا هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور (أَو) بِاعْتِبَار كَون السَّبْعَة (مَا) أَي شَيْئا (يصدق على السَّبْعَة، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ حَاصِل التَّرْكِيب حَاصِل السَّبْعَة فَلَا يخرج القَاضِي على المذهبين (هَذَا) أَي خُذ هَذَا، أَو الشَّأْن هَذَا (وَبَعض الْحَنَفِيَّة قَالُوا إِخْرَاج الِاسْتِثْنَاء عِنْد الشَّافِعِي بطرِيق الْمُعَارضَة) لِأَنَّهُ أثبت للمستثنى حكم مُخَالف لصدر الْكَلَام كَمَا فِي الْعَام إِذا خص مِنْهُ بعضه من حَيْثُ أَنه يثبت لذَلِك الْبَعْض حكم مُخَالف لحكمه، فتحقق الْمُعَارضَة بَين الْحكمَيْنِ (وَعِنْدنَا بَيَان مَحْض) لكَون الحكم الْمَذْكُور فِي الصَّدْر واردا على الْبَعْض، وَهُوَ مَا عدا الْمُسْتَثْنى (ثمَّ أبطلوه) أَي الْحَنَفِيَّة المذكورون مَا قَالَه الشَّافِعِي رَحمَه الله (بِأَنَّهُ لَو كَانَ) إِخْرَاجه بطرِيق الْمُعَارضَة (وَهُوَ) أَي وَالْحَال أَن الْإِقْرَار الْمَذْكُور (لَا يُوجب) حكمه (إِلَّا فِي سَبْعَة ثَبت مَا لَيْسَ من محتملات اللَّفْظ، فَإِن الْعشْرَة لَا يَقع عَلَيْهَا) أَي السَّبْعَة فَقَط (حَقِيقَة) وَهُوَ ظَاهر (وَلَا مجَازًا) وَلَا نِسْبَة بَينهَا وَبَين الْعشْرَة سوى العددية، وَهِي عَامَّة لَا تصلح للتجوز، وَشرط التَّجَوُّز بِالْكُلِّيَّةِ والجزئية كَون الْجُزْء مُخْتَصًّا بِالْكُلِّ كاختصاص الرَّقَبَة بالإنسان (بِخِلَاف الْعَام) الْمَخْصُوص (إِذْ لَا يستلزمه) أَي ثُبُوت مَا لَيْسَ من محتملات اللَّفْظ، لِأَنَّهُ لَا يُقَال فِي الْعَام لَا يُطلق على بعض أَفْرَاده لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا لوُجُود العلاقة المصححة للتجوز (وَلَو سلم) جَوَاز التَّجَوُّز بِالْعشرَةِ عَن السَّبْعَة كَمَا يشْعر قَوْلهم عشرَة كَامِلَة رفعا لتوهم الْمجَاز (فالمجاز مَرْجُوح) لكَونه خلاف الأَصْل (فَلَا يحمل عَلَيْهِ) مَعَ إِمْكَان الْحَقِيقَة بِأَن يُرَاد الْعشْرَة، ثمَّ يخرج مِنْهَا الْبَعْض (كَذَا نَقله) أَي هَذَا الْإِبْطَال (مُتَأَخّر) يَعْنِي صدر الشَّرِيعَة (من الْحَنَفِيَّة، وَأَنه) أَي وأبطلوه بِأَنَّهُ: أَي قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله مَبْنِيّ (على) قَول (الْقَائِل) بِأَن قَوْله (عشرَة) فِي الْإِقْرَار الْمَذْكُور (مُسْتَعْمل (فِي سَبْعَة) وَالْحكم عَلَيْهَا فَقَط من غير أَن يحكم على الثَّلَاثَة بِنَفْي وَلَا إِثْبَات (فَتكون الثَّلَاثَة مسكوتة) وَهَذَا يُنَافِي مَا سبق من أَن إِخْرَاج الِاسْتِثْنَاء عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله بطرِيق الْمُعَارضَة (وَكَأن هَذَا مِنْهُ) أَي من الْمُبْطل (إِلْزَام) للشَّافِعِيّ (وَإِلَّا فالشافعي) رَحمَه الله (لَا يَجْعَلهَا) أَي الثَّلَاثَة (مسكوتة) بل يَجْعَل لَهَا ضد حكم الصَّدْر لما عرفت (وَغَيره) أَي غير هَذَا الْمُتَأَخر (مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة كصاحب التَّحْقِيق، وَصَاحب الْمنَار وشارحيه، والبديع (نَقله) أَي الْإِبْطَال (بِالْآيَةِ هَكَذَا: لَو كَانَ) عمل الِاسْتِثْنَاء بِنَاء (على الْمُعَارضَة ثَبت فِي قَوْله تَعَالَى) - (فَلبث فيهم

(ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما)} - حكم الْألف بجملتها) قَوْله ألف فَاعل ثَبت (ثمَّ عَارضه) أَي الِاسْتِثْنَاء حكم االألف (فِي الْخمسين) إِلَّا خمسين (فَيلْزم كذب الْخَبَر فِي أَحدهمَا، وَهَذَا) التَّوْجِيه (هُوَ الْأَلْيَق بِمَعْنى الْمُعَارضَة) وَهُوَ الْمُنَافَاة المستلزم كذب أحد المتنافيين (وَإِلَّا فَالْحكم على سَبْعَة) فِي عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة (و) على (تِسْعمائَة وَخمسين) فِي الْآيَة (بالإثبات لَا يُعَارضهُ) أَي الحكم الْمَذْكُور (نَفْيه) أَي الحكم (عَن ثَلَاثَة وَخمسين) لعدم توارد الْإِثْبَات وَالنَّفْي على مَحل وَاحِد (وَبَنوهُ) أَي الْحَنَفِيَّة كَون إِلَّا ثَلَاثَة وَإِلَّا خمسين نفيا على الثَّلَاثَة والخمسة (على أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَقَلبه) أَي وعَلى أَن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي (مَنْقُولًا عَن أهل اللُّغَة، وعَلى أَن التَّوْحِيد) وَهُوَ الْإِقْرَار بِوُجُود الْبَارِي ووحدته (فِي كَلمته) أَي التَّوْحِيد وَهِي: لَا إِلَه إِلَّا الله إِنَّمَا يحصل (بِالنَّفْيِ) للألوهية عَمَّا سوى الله (وَالْإِثْبَات) أَي إِثْبَاتهَا لله وَحده (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِي هَذِه الْكَلِمَة مَجْمُوع النَّفْي وَالْإِثْبَات (كَانَت) كلمة التَّوْحِيد (مُجَرّد نفي الألوهية عَن غَيره) أَي عَن غير الله تَعَالَى، فَلَا يحصل بِهِ التَّوْحِيد على مَا عرفت (فالتزمته) أَي أَنَّهَا لَا تفِيد إِلَّا نفي الألوهية عَن غَيره تَعَالَى (الطَّائِفَة الْقَائِلُونَ مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة (مَا بعد إِلَّا مسكوت) عَن مَحْكُوم عَلَيْهِ بِحكم (وَإِن التَّوْحِيد) الْمركب من النَّفْي وَالْإِثْبَات يحصل (من النَّفْي القولي) الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِلَا إِلَه إِلَّا الله (وَالْإِثْبَات العلمي لأَنهم) أَي الْكفَّار (لم ينكروا ألوهيته تَعَالَى) كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى - {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض} - الْآيَة ونظائره (بل أشركوا، فبالنفي عَن غَيره ينتفى) الشّرك (وَيحصل التَّوْحِيد فَلَا تكون) كلمة التَّوْحِيد (من الدهري إِيَّاه) أَي توحيده، لإنكاره وجود الْبَارِي تَعَالَى سَوَاء كَانَ قَائِلا بصانع هُوَ الدَّهْر والأفلاك، أَو الأنجم، أَو الْفُصُول الْأَرْبَعَة أَو غير ذَلِك أَولا (وَالْجُمْهُور وَمِنْهُم طَائِفَة من الْحَنَفِيَّة) كفخر الْإِسْلَام وَمن وَافقه ذَهَبُوا إِلَى الحكم (فِيمَا بعد إِلَّا بالنقيض) يَعْنِي أَنه لَا يدل على أَن مَا بعْدهَا لم يثبت لَهُ مَا ثَبت لما قبلهَا، وَيلْزم مِنْهُ أَن يثبت لَهُ نقيض مَا ثَبت لذَلِك: وَإِلَّا يلْزم ارْتِفَاع النقيضين، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى وَالْجُمْهُور إِلَى آخِره حكم فِيمَا بعد إِلَّا بالنقيض بِمُوجب اللُّغَة (وَهُوَ) مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور (الْأَوْجه، لنقل الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات إِلَى آخِره) أَي إِثْبَات وَقَلبه عَن أهل اللُّغَة (وَلَا يسْتَلْزم) هَذَا (كَون الْإِخْرَاج بطرِيق الْمُعَارضَة لعدم اتِّحَاد مَحل النَّفْي وَالْإِثْبَات كَمَا ذكرنَا آنِفا) من أَن الحكم على سَبْعَة وعَلى تِسْعمائَة وَخمسين بالإثبات وَلَا يُعَارضهُ نَفْيه عَن ثَلَاثَة وَعَن خمسين (وَنقل أَنه) أَي الِاسْتِثْنَاء (تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا) بِالضَّمِّ وَالْقصر اسْم من الِاسْتِثْنَاء من أهل اللُّغَة أَيْضا (لَا يُنَافِيهِ) أَي كَونه من الْإِثْبَات نفيا وَقَلبه (فَجَاز اجْتِمَاعهمَا) أَي النقلين (فَيصدق أَنه تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا بِاعْتِبَار الْحَاصِل من

مَجْمُوع التَّرْكِيب، وَنفي وَإِثْبَات بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء) يَعْنِي إِذا فصلنا أَجزَاء الْكَلَام وجدنَا نفيا وإثباتا، وَإِذا نَظرنَا إِلَى محصله ومآله وجدنَا تكلما بِالْبَاقِي فَإِن قلت الْمَفْهُوم من أَنه تكلم بِالْبَاقِي إِلَى آخِره الِاقْتِصَار على حكم الصَّدْر وَتَعْيِين مَحَله، وَهُوَ الْبَاقِي بعد إِخْرَاج مَا بعد إِلَّا من غير تعرض لحكم مَا بعْدهَا فَكيف لَا يُنَافِيهِ قلت الظَّاهِر من الْعبارَة مَا ذكرت لَكِن التَّوْفِيق بَين النقلين يقتضى صرفه عَن الظَّاهِر، وَحمله على عدم دُخُول الثَّلَاثَة مثلا فِي الحكم الْمُثبت على عشرَة فالقائل لَهُ عَليّ عشرَة كَأَنَّهُ لم يتَكَلَّم إِلَّا بسبعة، وَذَلِكَ قَوْله إِلَّا ثَلَاثَة، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه لم يتَكَلَّم إِلَّا بهَا حَقِيقَة حَتَّى يلْزم انْتِفَاء الحكم فِيمَا بعد إِلَّا كَمَا سيشير إِلَيْهِ (وَنَحْو لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور يُفِيد ثُبُوتهَا) أَي صِحَة الصَّلَاة (مَعَ الظُّهُور فِي الْجُمْلَة) جَوَاب عَمَّا قيل فِي إِثْبَات كَون مَا بعد إِلَّا فِي حكم الْمَسْكُوت عَنهُ، وَأَنه لَو لم يكن كَذَلِك يلْزم صِحَة الصَّلَاة بالطهور وَلَيْسَ كَذَلِك لاشتراطها بِشُرُوط أخر وَحَاصِل الْجَواب أَن اللَّازِم من اعْتِبَار الحكم فِيمَا بعد إِلَّا هَهُنَا الْإِيجَاب الجزئي لَا الْإِيجَاب الْكُلِّي، وَلَا شكّ أَن الصَّلَاة الجامعة لبَقيَّة الشُّرُوط تصح بِطهُور فَصحت الْمُوجبَة فِي الْجُمْلَة (وغايته) أَي غَايَة مَا يلْزم من كَلَام من قَالَ أَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا أَن الِاسْتِثْنَاء بِاعْتِبَار صدر الْكَلَام (تكلم بعام مَخْصُوص) بِمَا عدا الْمُسْتَثْنى إِذا كَانَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ عَاما، وَهَذَا لَا يُنَافِي التَّكَلُّم بِمَا خرج عَنهُ من أَفْرَاده ثَانِيًا مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِحكم مُخَالف للْأولِ، هَذَا وَالشَّارِح حمله على الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور فِي لَا صَلَاة إِلَى آخِره وتكلف فِي تَحْصِيل عُمُومه بِكَوْنِهِ نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي، وَأَن هَذَا الْمُقْتَضى للْعُمُوم مُنْتَفٍ فِي الْإِثْبَات، وَلم يتَعَرَّض لبَيَان الْخُصُوص، ثمَّ أَفَادَ أَن الْمَعْنى لَا جَوَاز للصَّلَاة فِي حَال من الْأَحْوَال إِلَّا فِي حَال من الاقتران بالطهور، فَإِن لَهَا فِي هَذِه الْحَال جَوَازًا فِي الْجُمْلَة على مَا عرفت (غير أَن قَول الطَّائِفَة الثَّانِيَة) الحكم (الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي بعد الْإِشَارَة، فَقَوْل الثَّانِي (إِشَارَة) خبر أَن (وَهُوَ) أَي الحكم الإشاري (مَنْطُوق) فِي الْكَلَام (غير مَقْصُود بِالسوقِ على مَا مر) فِي التَّقْسِيم الأول (وَقَول الْهِدَايَة) وَهُوَ (فِيمَا أَنْت إِلَّا حر يعْتق لِأَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات على وَجه التَّأْكِيد كَمَا فِي كلمة الشَّهَادَة ظَاهر فِي الْعبارَة) فِي شرح الْهِدَايَة: هَذَا هُوَ الْحق الْمَفْهُوم من تركيب الِاسْتِثْنَاء لُغَة، ثمَّ قَالَ: وَأما كَونه إِثْبَاتًا مؤكدا فلوروده بعد النَّفْي بِخِلَاف الْإِثْبَات الْمُجَرّد انْتهى، كَأَنَّهُ يُرِيد أَن الْإِثْبَات بعد النَّفْي يسْتَلْزم تكْرَار الأَصْل النِّسْبَة أَو يُنبئ عَن زِيَادَة تَحْقِيق فِي الْمحل، وَأما كَونه ظَاهرا فِي الْعبارَة، فَلِأَن الْمَعْنى الَّذِي لم يكن سوق الْكَلَام لَهُ لَا يُؤَكد وَالله أعلم (وَالْأَوْجه أَنه مَنْطُوق إِشَارَة تَارَة وَعبارَة) تَارَة (أُخْرَى بِأَن يقْصد) بِالسوقِ كَمَا هُوَ حَال سَائِر المنطوقات وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه مَنْطُوق (لما ذكرنَا) مِمَّا يدل على منطوقيته (وَلِأَن النَّفْي عَمَّا بعد إِلَّا يفهم

من اللَّفْظ) وَلَا يَعْنِي بالمنطوقية إِلَّا هَذَا وَالْمرَاد بِالنَّفْيِ خلاف حكم مَا قبلهَا (وَأما الِاتِّفَاق على أَن إِلَّا لمُخَالفَة مَا بعْدهَا لما قبلهَا وضعا فَلَا يُفِيد) الْمَقْصُود (لصدق الْمُخَالفَة) بَين مَا بعْدهَا وَمَا قبلهَا (بِعَدَمِ الحكم عَلَيْهِ) أَي على مَا بعد إِلَّا (فَلَا يسْتَلْزم الحكم) على مَا بعد إِلَّا (بنقيضه) أَي بنقيض حكم مَا قبلهَا شَيْء (إِلَّا فهمه) أَي فهم الحكم بنقيضه من اللَّفْظ (كَمَا سَمِعت) إِذْ فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ دَلِيل إفادته إِيَّاه (ثمَّ قد يقصدان) أَي الْإِثْبَات وَالنَّفْي (ككلمة التَّوْحِيد) أَي كَمَا قصدا فِي كلمة التَّوْحِيد (والمفرغ) أَي وكما قصدا فِي الِاسْتِثْنَاء المفرغ كَمَا جَاءَ إِلَّا زيد وَفِي نَحْو مَا جَاءَ الْقَوْم إِلَّا زيدا للْقطع بِأَن سياقها لإِثْبَات الألوهية، ومجيء زيد بِالْمَنْعِ وَجه (فعبارة) أَي فَالْحكم بعد إِلَّا فِيهَا عبارَة (أَو) يقْصد (غير الثَّانِي) وَهُوَ الحكم على مَا قبلهَا لَا غير (كعلي عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لفهم أَن الْغَرَض السَّبْعَة) أَي الْإِقْرَار بهَا وَلم يقْصد أَن الثَّلَاثَة لَيست عَليّ وَإِن كَانَ يلْزم ضمنا (فإشارة) أَي فَالْحكم على مَا بعد الْأَخير إِشَارَة (وَلما بعد أَن يَقُول بِحَقِيقَة الْمُعَارضَة) فِي الِاسْتِثْنَاء الْوَاقِع فِي الْكتاب وَالسّنة (مُسلم لِأَنَّهَا) أَي الْمُعَارضَة تكون (بِثُبُوت الْحكمَيْنِ) المتناقضين (وَهُوَ) أَي ثبوتهما (التَّنَاقُض صرح الْمُحَقِّقُونَ) جَوَاب لما (بِنَفْي الْخلاف الْمَذْكُور) وَهُوَ أَن الْإِخْرَاج فِي الِاسْتِثْنَاء بطرِيق الْمُعَارضَة أَولا (وباتفاق أهل الدّيانَة أَنه) أَي الِاسْتِثْنَاء (بَيَان مَحْض كَسَائِر التخصيصات، وَإِنَّمَا هُوَ) أَي الِاسْتِثْنَاء (صورتهَا) أَي الْمُعَارضَة (نظرا إِلَى ظَاهر إِسْنَاد الصَّدْر) مَعَ مَا يُخَالِفهُ فِيمَا بعد إِلَّا (وَلَا يخْتَلف فِيهِ) أَي فِيمَا ذكر من أَنه بَيَان مَحْض، وَلَيْسَ الْمُعَارضَة إِلَّا بِحَسب الصُّورَة (كالتخصيص بِغَيْرِهِ) أَي كَمَا لَا يخْتَلف فِي التَّخْصِيص بِغَيْر الِاسْتِثْنَاء. (تَنْبِيه: جَوَاز) بيع (مَا لَا يدْخل تَحت الْكَيْل) من المكيلات (قلَّة) بِأَن يكون مَا دون نصف صَاع على مَا قَالُوا (بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا عِنْد الْحَنَفِيَّة، لَا الشَّافِعِيَّة مَعَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء، قيل) قَالَه فَخر الْإِسْلَام وَمن وَافقه (للمعارضة عِنْده) أَي الشَّافِعِي (فَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاء لكم بيع طَعَام) بِطَعَام (مسَاوٍ، فَمَا سواهُ) أَي مَا سوى الْمسَاوِي مِنْهُ قَلِيلا أَو كثيرا. (منع) أَي مَمْنُوع (بالصدر) أَي لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ، لِأَن الِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج الْمكيل الْمسَاوِي خَاصَّة من عُمُوم الطَّعَام ضَرُورَة ثُبُوت الْمُعَارضَة فِيهِ، إِذْ المُرَاد التَّسَاوِي فِي الْكَيْل فنفى غير الْمكيل مُتَحَقق بِلَا مُعَارضَة، فَيحرم بيع حفْنَة من الْبر بحفنتين مِنْهُ مثلا (و) قَالَ (الْحَنَفِيَّة لَا حكم) مُتَحَقق (فِي الثَّانِي) أَي الْمُسْتَثْنى (وَهُوَ اسْتثِْنَاء حَال الْمُسَاوَاة من) الْأَحْوَال (الثَّلَاثَة) أَي (المجازفة وأخويها) المفاضلة والمساواة بِنَاء على أَنه تكلم بِالْبَاقِي: فَكَأَنَّهُ نهى عَن المجازفة والمفاضلة فَقَط (وَالْكل) أَي المجازفة وأخواها (يسْتَند إِلَى الْكَيْل) لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ

مسئلة

طَعَام يحْتَمل المفاضلة والمساواة، وَلَا يحتملها إِلَّا مَا يدْخل تَحت الْكَيْل عَادَة فَمَا لَا يدْخل فِي الْكَيْل عَادَة غير مَذْكُور فِي النَّص، وَالْأَصْل فِي الْبياعَات الْإِبَاحَة على مَا يَقع بِهِ التَّرَاضِي، هَذَا وَلم يظْهر وَجه بِنَاء هَذَا على عدم الحكم فِي الثَّانِي، وَلَو فرض الحكم بِجَوَاز البيع فِي صُورَة الْمُسَاوَاة يحصل الْمَقْصُود أَيْضا لِأَن مَا لَا يدْخل فِي الْمكيل خَارج عَن النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَا يلْزم) كَون هَذَا الِاخْتِلَاف مَبْنِيا على الْمُعَارضَة وَعدمهَا (بل لَا يشكل على أحد أَنه) أَي الِاسْتِثْنَاء فِي هَذَا الحَدِيث (مفرغ للْحَال) يَعْنِي حَال الْمُسَاوَاة من جملَة أَحْوَال الطَّعَام الْمَبِيع بِالطَّعَامِ، وَلزِمَ حمل صدر الْكَلَام على عُمُوم الْأَحْوَال ليَصِح الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَزِمَ الِاتِّصَال) أَي فَلَزِمَ حمل الْكَلَام على مَا يحصل بِهِ الِاتِّصَال (فالمبني) لهَذَا الْخلاف (تَقْدِير نوع) الْمُسْتَثْنى (المفرغ لَهُ أَو) تَقْدِير مَا هُوَ (أَعلَى) مِنْهُ يَعْنِي جنسه، ثمَّ لما كَانَ لفظ التَّقْدِير موهما لتقدير لفظ وَإِعْرَابه، وَذَلِكَ يُنَافِي تَفْرِيغ الْعَامِل للمستثنى فسر مُرَاده فَقَالَ (أَي تَقْدِير معنى لَا) تَقْدِير ذِي (إِعْرَاب، فَمَا فِيهَا) أَي الدَّار (إِلَّا زيد) أَي فَمَعْنَى هَذَا التَّرْكِيب وَتَقْدِيره (أَي إِنْسَان) لِأَنَّهُ نوع لزيد (لَا حَيَوَان) لِأَنَّهُ جنسه (والمساواة) الَّتِي هِيَ الْمُسْتَثْنى المفرغ هَهُنَا لَا يتَحَقَّق إِلَّا (بِالْكَيْلِ) فَلَزِمَ أَن يقدر نوعها وَهُوَ أَعم أَحْوَال الْمكيل (فَلَا تَبِيعُوا) أَي فَالْمَعْنى حِينَئِذٍ لَا تَبِيعُوا (طَعَاما يُكَال إِلَّا مُسَاوِيا، فالحل فِيمَا دونه) أَي دون مَا يُكَال (بِالْأَصْلِ) فَإِن الأَصْل فِي البيع الْحل (وقدروا) أَي كالشافعية مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ فَقَالُوا (طَعَاما فِي حَال فَشَمَلَ) النَّهْي (الْقلَّة) أَي الطَّعَام الْقَلِيل (أما ذَلِك) الْمَبْنِيّ الأول: وَهُوَ عدم الحكم فِي الثَّانِي ووجوده فِيهِ (فمبني كَون الْحل فِي التَّسَاوِي) عِنْد الْفَرِيقَيْنِ (بِالْأَصْلِ أَو بالمنطوق) فَإِن قَوْلنَا بِعَدَمِ الحكم فِيمَا بعد، وَإِلَّا فالحل فِي صُورَة الْمُسَاوَاة بِالْأَصْلِ وَإِن قُلْنَا بِوُجُودِهِ فِيهِ فبالمنطوق (ثمَّ هُوَ) أَي كَون ذَلِك هُوَ الْمَبْنِيّ فِي كَونه بِالْأَصْلِ أَو بالمنطوق (على) قَول (الطَّائِفَة الأولى) من الْحَنَفِيَّة لَيْسَ فِيمَا بعد إِلَّا حكم، أما على قَول الطَّائِفَة الْأُخْرَى فِيهِ حكم بالنقيض، فالحل فِيهِ بالمنطوق أَيْضا. مسئلة (يشْتَرط فِيهِ) أَي الِاسْتِثْنَاء (الِاتِّصَال) بالمستثنى مِنْهُ لفظا عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء (إِلَّا لتنفس أَو سعال أَو أَخذ فَم وَنَحْوه) كعطاس أَو جشاء (وَعَن ابْن عَبَّاس جَوَاز الْفَصْل بِشَهْر وَسنة و) عَنهُ جَوَازه (مُطلقًا) وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام الْأَكْثَرين فِي النَّقْل عَنهُ، كَذَا ذكره الشَّارِح وَقَالَ السُّبْكِيّ رَحمَه الله: هِيَ رِوَايَات شَاذَّة لم تثبت عَنهُ، لَكِن رِوَايَة الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَنهُ

إِذا حلف الرجل على يَمِين فَلهُ أَن يسْتَثْنى وَلَو إِلَى سنة وَفِيه نزل - {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} - قَالَ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ (وَحمل) مَا عَن ابْن عَبَّاس من جَوَاز الْفَصْل (على مَا إِذا كَانَ) الِاسْتِثْنَاء (منويا حَال التَّكَلُّم) فَيكون مُتَّصِلا قصدا مُتَأَخِّرًا لفظا (ويدين) الناوي لَهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فِي صِحَة دَعْوَى نِيَّة الِاسْتِثْنَاء. قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ نقل عَن ابْن عَبَّاس جَوَاز تَأْخِير الِاسْتِثْنَاء، وَلَعَلَّه لَا يَصح النَّقْل عَنهُ إِذْ لَا يَلِيق ذَلِك بمنصبه وَإِن صَحَّ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ إِذا نوى الِاسْتِثْنَاء أَولا، ثمَّ أظهر نِيَّته بعده فيدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فِيمَا يرَاهُ وَأما جَوَاز التَّأْخِير بِدُونِ هَذَا التَّأْوِيل فَيردهُ اتِّفَاق أهل اللُّغَة على خِلَافه لِأَنَّهُ جُزْء من الْكَلَام يحصل بِهِ الْإِتْمَام، فَإِذا انْفَصل لم يكن إتماما كالشرط وَخبر الْمُبْتَدَأ (وَهُوَ) أَي جَوَاز فصل الِاسْتِثْنَاء إِذا كَانَ منويا حَال التَّكَلُّم بالمستثنى مِنْهُ (قَول أَحْمد، وَعَن طَاوس وَالْحسن تَقْيِيده) أَي جَوَاز الْفَصْل (بِالْمَجْلِسِ) وَأَنت خَبِير بِأَن الْمجْلس قد يطول وَكَونه إتماما لما قبله بِاتِّفَاق أهل اللُّغَة يُنَافِيهِ، نعم لَا يبعد عَن اعتبارات الْفُقَهَاء، وَقَوْلهمْ أَن الْمجْلس جَامع المتفرقات (لنا لَو تَأَخّر) أَي لَو جَازَ تَأْخِير الِاسْتِثْنَاء (لم يعين تَعَالَى لبر أَيُّوب صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه أَخذ الضغث) وَهِي الحزمة الصَّغِيرَة من الْحَشِيش وَنَحْوه وَضرب زَوجته بِهِ فِي حلفه أَي يضْربهَا مائَة سَوط ضَرْبَة لما ذهبت لِحَاجَتِهِ فأبطأت على مَا روى، بل كَانَ يَقُول لَهُ استثن من غير هَذِه الْحِيلَة، وَقد يُقَال إِن ذكر مخلص مَخْصُوص عَن الْحِنْث لَا يُنَافِي جَوَاز مَا عداهُ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال ترك مَا هُوَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى لَا يَلِيق بِهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ حِيلَة الِاسْتِثْنَاء، وَالِاسْتِثْنَاء لَيْسَ بحيلة، وَفِيه مَا فِيهِ (وَلم يقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا (فليكفر) عَن يَمِينه وليفعل الَّذِي هُوَ خير، رَوَاهُ مُسلم (مُقْتَصرا) على الْأَمر بالتفكير مَعَ أَنه كَانَ يحب لأمته مَا هُوَ الْأَيْسَر كَمَا سيصرح بِهِ (إِذْ لم يتَعَيَّن) التَّكْفِير (مخلصا) من عُهْدَة الْيَمين خُصُوصا (مَعَ اخْتِيَاره الْأَيْسَر لَهُم دَائِما) على مَا يدل عَلَيْهِ صِحَاح الْأَخْبَار، مَعَ أَن الِاسْتِثْنَاء أولى لعدم الْحِنْث فِيهِ (بِلَا تَفْصِيل بَين) اسْتثِْنَاء (منوي) وَغير منوي (وَمُدَّة) أَي وَبَين مُدَّة قَصِيرَة وَمُدَّة طَوِيلَة (وَغَيرهمَا) أَي الْمَنوِي والمدة مِمَّا هُوَ من وَظِيفَة الشَّارِع بَيَانه كَكَوْنِهِ يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله وَلَا يصدق قَضَاء (وَأَيْضًا لم يجْزم بِطَلَاق، وعتاق، وَكذب، وَصدق، وَلَا عقد) أَي وَلم يجْزم بانعقاد عقد بيع وَنِكَاح وَغَيرهمَا لَا مَكَان لُحُوق الِاسْتِثْنَاء وَدَعوى الحاقة (وَدفع أَبُو حنيفَة رَحمَه الله عتب الْمَنْصُور) أبي جَعْفَر الدوانيقي ثَانِي خلفاء العباسية فِي مُخَالفَة جده ابْن عَبَّاس فِي جَوَاز الِانْفِصَال (بِلُزُوم عدم لُزُوم عقد الْبيعَة) فَقَالَ هَذَا يرجع عَلَيْك أفترضي لمن يُبَايِعك بِالْإِيمَان أَن يخرج من عنْدك فيستثنى، فَاسْتَحْسَنَهُ، ذكره فِي الْكَشَّاف وَغَيره، وَقيل أَن

الَّذِي أغراه مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب الْمَغَازِي وَأَنه لما أَجَابَهُ الإِمَام بذلك قَالَ: نعم مَا قلت وَغَضب على ابْن إِسْحَاق وَأخرجه من عِنْده (قَالُوا) أَي المجيزون للانفصال (ألحق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شَاءَ الله تَعَالَى بقوله لأغزون قُريْشًا بعد سنة قُلْنَا بِتَقْدِير اسْتِئْنَاف لأغزون) ثَانِيًا جمعا بَين هَذَا وَبَين أدلتنا (وَحمله) أَي الْفَصْل (على السُّكُوت الْعَارِض مَعَ نقل هَذِه الْمدَّة مُمْتَنع) كَمَا حمله على هَذَا الْمحمل ابْن الْحَاجِب بِنَاء على الِاحْتِجَاج بِهِ بِلَفْظ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لأغزون قُريْشًا " ثمَّ سكت ثمَّ قَالَ " إِن شَاءَ الله " حَدِيث غَرِيب اخْتلف فِي وَصله وإرساله، هَذَا وَإِنَّمَا يتم الِاسْتِدْلَال بِهِ إِذا لم يغزهم كَمَا فِي رِوَايَة لأبي دَاوُد ثمَّ لم يغزهم (قَالُوا) أَيْضا (سَأَلَهُ الْيَهُود عَن مُدَّة أهل الْكَهْف، فَقَالَ غَدا أُجِيبكُم بتأخر الْوَحْي بضعَة عشر يَوْمًا، ثمَّ أنزل - {وَلَا تقولن لشَيْء} - الْآيَة فَقَالَهَا) أَي كلمة إِن شَاءَ الله وَلم يكن هُنَاكَ مَا يرتبط بِهِ هَذَا الِاسْتِثْنَاء إِلَّا قَوْله: غَدا أُجِيبكُم وَلَوْلَا صِحَة الِانْفِصَال لما قَالَهَا (قُلْنَا) يجوز أَن يلْحق بمستأنف نَحْو: أُجِيبكُم (كَالْأولِ جمعا) بَين الْأَدِلَّة (وَيجوز فِيهِ) أَي فِي هَذَا (أمتثل إِن شَاءَ الله تَعَالَى) أَي أعلق كلما أَقُول إِنِّي فَاعل بِمَشِيئَة الله تَعَالَى (وَكَون ابْن عَبَّاس عَرَبيا) فصيحا، وَقد قَالَ بِهِ فَيمْتَنع (معَارض بعلي وَغَيره من الصَّحَابَة) الفصحاء حَيْثُ لم يَقُولُوا بِهِ: وَإِلَّا ثقل عَنْهُم كَمَا عَنهُ (أَو مُرَاده) أَي ابْن عَبَّاس بِجَوَاز الِانْفِصَال فِي الِاسْتِثْنَاء جَوَاز انْفِصَال الِاسْتِثْنَاء (الْمَأْمُور بِهِ) يَعْنِي التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى الْمَدْلُول لِلْآيَةِ بِأَن يَقُول أَولا أفعل، ثمَّ يَقُول بعد حِين إِن شَاءَ الله ليَكُون إِثْبَاتًا بِالسنةِ، لَا أَن يكون هَذَا القَوْل رَافعا للإثم وَمُسْقِطًا لِلْكَفَّارَةِ إِذا قَالَ وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَلم يَفْعَله، ثمَّ قَالَ بعد حِين إِن شَاءَ الله تَعَالَى، والمحقق التَّفْتَازَانِيّ لَهُ فِي هَذَا الْجَواب تَفْصِيل: ذكره فِي حَاشِيَته على الْمُخْتَصر (وَقيل لم يقلهُ) أَي جَوَاز الْفَصْل (ابْن عَبَّاس) وَيُؤَيِّدهُ مَا روى عَنهُ من أَنه مَخْصُوص برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْله تَعَالَى - {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} - أَي إِذا نسيت الِاسْتِثْنَاء إِن ذكرت، وَلَيْسَ لغيره الِاسْتِثْنَاء إِلَّا مَوْصُولا بِيَمِينِهِ (وحكاية) مَا جرى بَين أبي حنيفَة رَحمَه الله و (الْمَنْصُور تبعدهما) أَي كَون المُرَاد الِاسْتِثْنَاء الْمَأْمُور بِهِ وَعدم القَوْل وَهُوَ ظَاهر (وَاعْلَم أَن الْتِزَام الْجَواب عَن فَصله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِمَا ذكر (بِنَاء) أَي مبْنى (على أَن الْمَعْنى) أَي معنى إِن شَاءَ الله تَعَالَى (إِلَّا أَن يَشَاء الله خِلَافه) قَالَ الْعَلامَة الْبَيْضَاوِيّ: الِاسْتِثْنَاء من النَّهْي: أَي وَلَا تقولن لشَيْء تعزم عَلَيْهِ إِنِّي فَاعله فيام يسْتَقْبل إِلَّا أَن يَشَاء الله: أَي متلبسا بمشيئته، فَالْمَعْنى قَائِلا إِن شَاءَ الله انْتهى فَالْمَعْنى لَا تقل ذَلِك فِي حَال من الْأَحْوَال إِلَّا فِي حَال كونك قَائِلا إِن شَاءَ الله، وَلَا شكّ أَن مَنْطُوق إِن شَاءَ الله لَيْسَ إِلَّا أَن يَشَاء خِلَافه فَلَا يكون بِمَعْنَاهُ إِلَّا بطرِيق اللُّزُوم، فَإِنَّهُ إِذا علق فعله بِالْمَشِيئَةِ الْمُتَعَلّقَة بذلك

مسئلة

الْفِعْل يلْزم أَن لَا يتَحَقَّق عِنْد تعلق الْمَشِيئَة بِخِلَافِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَفعلهُ إِلَّا أَن يَشَاء خِلَافه وَهَذَا الِاعْتِبَار يكون مِمَّا نَحن فِيهِ، وَإِذا كَانَ الْمَعْنى على هَذَا (فَهُوَ) اسْتثِْنَاء (من الْأَحْوَال) وَقد عرفت تَفْسِيره (أَو) بِنَاء على أَنه (لَا فرق) بَين الشَّرْط وَالِاسْتِثْنَاء فِي وجوب الِاتِّصَال وَعَدَمه (وَإِلَّا) أَي لم يكن أحد الْوَجْهَيْنِ (فَلَيْسَ) إِن شَاءَ الله (من مَفْهُوم مَحل النزاع) أَي من جزئياته، فَإِن الْمُتَنَازع فِيهِ فصل الِاسْتِثْنَاء كَمَا إِذا قُلْنَا أَن معنى الْآيَة إِلَّا وَقت أَن يَشَاء الله أَن يَقُوله بِمَعْنى أَن يَأْذَن لَك فِيهِ على مَا ذكره الْعَلامَة، فَإِن الْمَعْنى حِينَئِذٍ لَا تقل إِنِّي فَاعل ذَلِك إِلَّا وَقت إِذْنه بالْقَوْل الْمَذْكُور، وَلَا يدل هَذَا على لُزُوم الِاسْتِثْنَاء، غير أَنه لَا يلائم هَذَا مَا روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَنه لما نزل قَالَ: إِن شَاءَ الله فَتَأمل. مسئلة الِاسْتِثْنَاء (الْمُسْتَغْرق بَاطِل) لِأَنَّهُ لَا يبْقى بعده شَيْء يصير متكلما، وتركيب الِاسْتِثْنَاء وضع للمتكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا وَحكى ابْن الْحَاجِب وَغَيره فِيهِ الِاتِّفَاق. قَالَ الشَّارِح: وَهُوَ مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ الصَّدْر أَو مساويه (وفصله) أَي الْمُسْتَغْرق (الْحَنَفِيَّة إِلَى مَا) أَي مُسْتَغْرق ملبس (بِلَفْظ الصَّدْر) بِأَن يكون لفظ الْمُسْتَثْنى عين لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (أَو مساويه) فِي الْمَفْهُوم، وَقد اتحدا فِيمَا يصدقان عَلَيْهِ: كعبيدي أَحْرَار إِلَّا عَبِيدِي، أَو مماليكي (فَيمْتَنع و) إِلَى (مَا بِغَيْرِهِمَا: كعبيدي أَحْرَار إِلَّا هَؤُلَاءِ، أَو إِلَّا سالما، وغانما، وراشدا، وهم) أَي الْمشَار إِلَيْهِم بهؤلاء فِي الشق الأول لمسمين فِي الشق الثَّانِي (الْكل، وَكَذَا نسَائِي) طَوَالِق (إِلَّا فُلَانَة، وفلانة، وفلانة، فَلَا) يمْتَنع: فَلَا يعْتق وَاحِد مِنْهُم، وَلَا تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ (وَالْأَكْثَر على جَوَاز) اسْتثِْنَاء (الْأَكْثَر) فَيبقى الْأَقَل من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (و) على جَوَاز اسْتثِْنَاء (النّصْف) فَيبقى النّصْف (ومنعهما) أَي الْأَكْثَر وَالنّصف (الْحَنَابِلَة، وَالْقَاضِي، وَقيل إِن كَانَ (الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (عددا صَرِيحًا) يمْتَنع فِيهِ اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَالنّصف كعشرة إِلَّا سِتَّة، أَو إِلَّا خَمْسَة، وَإِن كَانَ غير صَرِيح فَلَا يمتنعان فِيهِ: كأكرم بني تَمِيم إِلَّا الْجُهَّال، وهم النّصْف أَو الْأَكْثَر، فَعلم مِنْهُ أَن مَبْنِيّ الِامْتِنَاع ظَاهر العنوان وَالْعرْف، وَمن هُنَا يعلم وَجه قَول الْحَنَفِيَّة فِي تَجْوِيز الِاسْتِغْرَاق بِعَين لفظ الصَّدْر ومساويه فَافْهَم (لنا فِي غير الْعدَد - {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك} - وهم) أَي متبعوه (أَكثر) مِمَّن لم يتبعهُ (لقَوْله تَعَالَى - {وَمَا أَكثر النَّاس} - الْآيَة) وَالْمرَاد بعبادي الْإِنْس فَلَا يرد أَن الْعباد بِاعْتِبَار الْمَلَائِكَة أَكْثَرهم غير متبعين، وَلَا يُقَال المُرَاد بِأَكْثَرَ النَّاس الموجودون فِي زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

مسئلة

فَلَا يسْتَلْزم كَون المتبعين أَكثر لجَوَاز أَن يكون الموجودون فِي غير زَمَانه أَكْثَرهم مُؤمنُونَ لأَنا نقُول: لَيْسَ اللَّام فِي النَّاس للْعهد، بل للْجِنْس بِدَلِيل مَا صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَن حِصَّة الْجنَّة من كل ألف وَاحِد، وَالْبَاقِي حِصَّة النَّار (وكلكم جَائِع إِلَّا من أطعمته) كَمَا فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره، فَإِن من أطْعمهُ الله أَكثر مِمَّن لم يطعمهُ (وَمن الْعدَد إِجْمَاع) فُقَهَاء (الْأَمْصَار على لُزُوم دِرْهَم فِي عشرَة دَرَاهِم إِلَّا تِسْعَة) فَهَذَا دَلِيل على جَوَاز اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر، لِأَنَّهُ لَو لم يجز كَانَ يلْزم الْكل بِمُوجب الْإِقْرَار بِالْعشرَةِ من غير اسْتثِْنَاء صَحِيح (قَالُوا) عَليّ (عشرَة إِلَّا تِسْعَة، وَنصف، وَثلث، وَثمن دِرْهَم مستقبح عَادَة) إِذْ جعل الدِّرْهَم أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْءا، وَنصفه اثْنَا عشر، وَثلثه ثَمَانِيَة، وثمنه ثَلَاثَة، وَالْمَجْمُوع ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ فِيمَا يبْقى فِي جَانب الْمُسْتَثْنى مِنْهُ إِلَّا ثلث ثمن دِرْهَم، وَفِي بعض النّسخ مستهجن (أُجِيب استقباجه لَا يُخرجهُ عَن الصِّحَّة كعشرة إِلَّا دانقا، ودانقا إِلَى عشْرين) دانقا، وَهُوَ سدس الدِّرْهَم فَإِنَّهُ مستقبح وَلَيْسَ استقباحه لأجل أَن الْمُسْتَثْنى أَكثر، لِأَنَّهُ ثلث الْكل، بل لأجل التَّطْوِيل وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالْحَاصِل صرف الْقبْح إِلَى كَيْفيَّة اسْتِعْمَال اللَّفْظ، لَا إِلَى مَعْنَاهُ). مسئلة (الْحَنَفِيَّة) قَالُوا (شَرط إِخْرَاجه) أَي المستنثى من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (كَونه) أَي الْمُسْتَثْنى بَعْضًا (من الْمُوجب) أَي مِمَّا أوجبه الصَّدْر وتناوله (قصدا لَا ضمنا) وتبعا (فَلِذَا) الشَّرْط (أبطل أَبُو يُوسُف اسْتثِْنَاء الْإِقْرَار من الْخُصُومَة فِي التَّوْكِيل بهَا) أَي بِالْخُصُومَةِ بِأَن يَقُول: وكلت بِالْخُصُومَةِ إِلَّا الْإِقْرَار (لِأَن ثُبُوته) أَي ثُبُوت الْإِقْرَار للْوَكِيل (بتضمن الْوكَالَة) بِالْخُصُومَةِ (إِقَامَته) أَي الْمُوكل الْوَكِيل (مقَام نَفسه) لَا لِأَن الْإِقْرَار يدْخل فِي الْخُصُومَة قصدا وبالذات (إِذْ الْخُصُومَة لَا تنتظمه) أَي لَا يتَنَاوَل الْإِقْرَار بِمُوجب مَفْهُومه لِأَنَّهُ مسَاوٍ لَهُ وموافقه، وَالْخُصُومَة مُنَازعَة وإنكار (وَإِنَّمَا أجَازه) أَي اسْتثِْنَاء الْإِقْرَار مِنْهَا (مُحَمَّد) لوَجْهَيْنِ: الأول (لاعتبارها) أَي الْخُصُومَة (مجَازًا فِي الْجَواب) مُطلقًا لِأَن حَقِيقَة الْخُصُومَة مهجورة شرعا لقَوْله تَعَالَى - {وَلَا تنازعوا} -: فيصار إِلَى الْمجَاز، والعلاقة كَون الْخُصُومَة سَببا إِلَى الجوانب (فَكَانَ) الاقرار (من أَفْرَاده) أَي الْجَواب الْمُطلق قَالُوا وَالِاسْتِثْنَاء على هَذَا بَيَان تَغْيِير فَيصح مَوْصُولا لَا مَفْصُولًا وَالْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ يملك الْإِقْرَار عِنْد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة الْوَجْه الثَّانِي أَن اسْتثِْنَاء الْإِقْرَار عمل بِحَقِيقَة اللُّغَة، فَيكون اسْتِثْنَاؤُهُ تقريرا مُوجب التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ. فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ بَيَان تَقْرِير لَا اسْتثِْنَاء فَيصح مَوْصُولا ومفصولا: كَذَا ذكره الشَّارِح وَفِي الْوَجْه

مسئلة

الثَّانِي مَا لَا يخفى (وعَلى هَذَا) الَّذِي ذكر لمُحَمد (صَحَّ اسْتثِْنَاء الْإِنْكَار أَيْضا عِنْده) أَي عِنْد مُحَمَّد من التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ لشمُول الْمَعْنى الْمجَازِي إِيَّاه، وَعدم لُزُوم الِاسْتِغْرَاق (وَبَطل عِنْد أبي يُوسُف لِأَنَّهُ) أَي اسْتثِْنَاء الْإِنْكَار (مُسْتَغْرق) لِأَنَّهُ لم يبْق بعده لُزُوم شَيْء بعد استثنائه من الْخُصُومَة لما عرفت. مسئلة (إِذا تعقب) الِاسْتِثْنَاء (جملا) متعاطفة (بِالْوَاو وَنَحْوهَا) وَهِي الْفَاء، وَثمّ، وَحَتَّى، وَمِنْهُم من قيد بِالْوَاو كإمام الْحَرَمَيْنِ والآمدي وَابْن الْحَاجِب، وَمِنْهُم من أطلق العاطف، كَالْقَاضِي أبي بكر، وَمِنْهُم من أطلق كَونه عقب الْجمل من غير ذكر للْعَطْف كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ (فالشافعية قَالُوا يتَعَلَّق) الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور (بِالْكُلِّ) أَي بِكُل وَاحِد من تِلْكَ الْجمل (ظَاهرا) لَا نصا إِذْ لَا دَلِيل للْقطع، فِي الشَّرْح العضدي لَا خلاف فِي إِمْكَان رده إِلَى الْجَمِيع وَلَا إِلَى الْأَخير خَاصَّة، إِنَّمَا الْخلاف فِي الظُّهُور، فَقَالَ الشَّافِعِي ظَاهر فِي رُجُوعه إِلَى الْجَمِيع خَاصَّة، وَالْحَنَفِيَّة إِلَى الْأَخِيرَة، وَالْقَاضِي الْغَزالِيّ وَغَيرهمَا بِالْوَقْفِ بِمَعْنى لَا يدْرِي أَنه حَقِيقَة فِي أَيهمَا. وَقَالَ المرتضى: أَنه مُشْتَرك بَينهمَا، فَيتَوَقَّف إِلَى ظُهُور الْقَرِينَة، وَهَذَانِ: يَعْنِي مَذْهَب الْوَقْف والاشتراك موافقان الْحَنَفِيَّة فِي الحكم وَإِن خالفا فِي المأخذ: يَعْنِي أَنه يُفِيد الْإِخْرَاج عَن مَضْمُون الْجُمْلَة الْأَخِيرَة دون غَيرهَا، لَكِن عِنْدهمَا لعدم الدَّلِيل فِي الْغَيْر، وَعِنْدهم لدَلِيل الْعَدَم، وَهَذَا مُقْتَضى اخْتِلَاف المأخذ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن: إِن تبين اسْتِقْلَال الثَّانِيَة عَن الأولى بالاضراب عَن الأولى فللأخيرة، وَإِلَّا فللجميع، وَظُهُور الاضرابات بِأَن يختلفا نوعا أَو اسْما مَعَ أَنه لَيْسَ فيهمَا الِاسْم الثَّانِي ضمير الِاسْم الأول أَو يختلفا حكما مَعَ أَن الجملتين فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة غير مشتركتين فِي غَرَض. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بِأَن يختلفا نوعا من جِهَة الخبرية والإنشائية، وكونهما أمرا ونهيا وَنَحْو ذَلِك، أَو اسْما بِأَن يكون الِاسْم الَّذِي يصلح مستترا مِنْهُ فِي أَحدهمَا غير الَّذِي فِي الْأُخْرَى أَو حكما بِأَن يكون مَضْمُون هَذِه مُخَالفا لمضمون الْأُخْرَى (وَقَول أبي الْحُسَيْن) وَعبد الْجَبَّار وَفِي الْمَحْصُول أَنه حق (إِن ظهر الإضراب عَن الأول) وَقد عرفت تَفْسِيره (فللأخير) أَي فالاستثناء مُتَعَلق بالأخير فَقَط (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يظْهر الإضراب عَن الأول (فللكل) أَي فَيتَعَلَّق بِكُل مِنْهُمَا، وَعدم الظُّهُور (ككون الثَّانِي ضمير الأول) كَانَ الظَّاهِر فِي مثله رُجُوع الِاسْتِثْنَاء إِلَيْهِمَا جَمِيعًا (وَلَو اخْتلفَا) أَي الكلامان (فِيمَا يذكر) أَي فِي النَّوْع، وَالْحكم، وَالِاسْم (أَو اشْتَركَا) أَي الكلامان (فِي الْغَرَض) المسوق لَهُ الْكَلَام (وَمِنْه) أَي من هَذَا الْقَبِيل (قَوْله تَعَالَى (وَلَا تقبلُوا لَهُم

شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ}) فَإِنَّهُمَا اخْتلفَا نوعا إنْشَاء، وخبرا واشتركا فِي الْغَرَض، وَهُوَ الإهانة والانتقام. وَقَول أبي الْحُسَيْن مُبْتَدأ خَبره (لَا يزِيد عَلَيْهِ) أَي على قَول الشَّافِعِي (إِلَّا بتفصيل الْقَرِينَة) لموافقته إِيَّاه فِي كَونه ظَاهرا فِي الرُّجُوع إِلَى الْكل مُحْتَاجا فِي الصّرْف إِلَى الْأَخير إِلَى الْقَرِينَة غير أَنه فصل الْقَرِينَة الدَّالَّة على تعْيين الْأَخير بِظُهُور الإضراب وَقسم مَا بِهِ يظْهر (إِلَى اخْتِلَافهمَا) أَي الْكَلَامَيْنِ (نوعا بالإنشائية، والخبرية، وَالْأَمر، وَالنَّهْي، ويقتضى) قَول أبي الْحُسَيْن (فِي أكْرم بني تَمِيم، وَبَنُو تَمِيم مكرمون إِلَّا زيدا أَن إكرامه) أَي زيد (مَطْلُوب غير وَاقع) لوُجُود الِاخْتِلَاف نوعا (أَو) عدم رُجُوع الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجُمْلَة الطلبية أَو اخْتِلَافهمَا (اسْما بِوُجُود الِاسْم الصَّالح لتَعَلُّقه) أَي الِاسْتِثْنَاء (فِي) الْجُمْلَة (الثَّانِيَة غير) الِاسْم (الأول) فِي الْجُمْلَة الأولى (أَو) اخْتِلَافهمَا (حكما) وَقد مر تَفْسِيره، وَإِنَّمَا لم يزدْ قَول أبي الْحُسَيْن على قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله (إِذْ حَاصله) أَي قَول أبي الْحُسَيْن (تعلقه) أَي الِاسْتِثْنَاء (بِالْكُلِّ إِلَّا بقاصر) على الْأَخِيرَة (غير أَنه) أَي أَبَا الْحُسَيْن (جعل ذَلِك) الِاخْتِلَاف بَينهمَا (قاصرا) للاستثناء على الْأَخِيرَة (فَإِن لم يُوَافق) أَبُو الْحُسَيْن على صِيغَة الْمَجْهُول (عَلَيْهِ) أَي على جعل ذَلِك قاصرا بِأَن لم يَجعله الشَّافِعِي رَحمَه الله قاصرا (فَالْخِلَاف فِي شَيْء آخر) وَهُوَ خُصُوص هَذَا الْقَاصِر بعد الِاتِّفَاق على أَنه إِن لم يكن قاصرا على الْأَخِيرَة، فَهُوَ رَاجع إِلَى الْكل (وَالْحَنَفِيَّة، وَالْغَزالِيّ، والباقلاني، والمرتضى) على أَن الِاسْتِثْنَاء يتَعَلَّق (بالأخيرة إِلَّا بِدَلِيل فِيمَا قبلهَا، قيل) كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (فالحنفية لظُهُور الِاقْتِصَار) على الْأَخِيرَة كَمَا سَيَأْتِي (وَالْآخرُونَ لعدم ظُهُور الشُّمُول) للْكُلّ (أما للاشتراك) اشتراكا لفظيا (بَين إِخْرَاجه) أَي الِاسْتِثْنَاء (مِمَّا يَلِيهِ) وَهُوَ الْأَخير (فَقَط و) بَين إِخْرَاجه من (الْكل) فَإِنَّهُ ثَبت عوده إِلَى مَا يَلِيهِ فَقَط كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا أمرأتك} -، وَقد يتَعَيَّن عوده إِلَى مَا عدا الْأَخِيرَة، نَحْو قَوْله تَعَالَى - {فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني إِلَّا من اغترف غرفَة بِيَدِهِ} - وَعوده إِلَى الْكل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} - إِلَى قَوْله - {إِلَّا من نَاب} -، وَالْأَصْل فِي الْإِطْلَاق الْحَقِيقَة (أَو لعدم الْعلم بِأَنَّهُ) أَي الِاسْتِثْنَاء (كَذَلِك) أَي مُشْتَرك كَمَا ذكر، أَو رَاجع إِلَى مَا يَلِيهِ، أَو الْمَعْنى رَاجع إِلَى الْكل (أَو) إِلَى (مَا يَلِيهِ) لَا غير لُغَة كَمَا هُوَ قَول الباقلاني وَالْغَزالِيّ، (فَلَزِمَ مَا يَلِيهِ) أَي فَلَزِمَ رُجُوعه إِلَى مَا يَلِيهِ على قَول الْكل وَلَا يخفى أَنه لَا يلْزم على تَقْدِير الِاشْتِرَاك، لَا على تَقْدِير عدم الْعلم تعين مَا يَلِيهِ، بل اللَّازِم التَّوَقُّف إِلَى أَن تتَحَقَّق الْقَرِينَة الْمعينَة فَإِن قلت الْقرب قرينَة مرجحة قُلْنَا سبق الأولى فِي قابلية الرُّجُوع إِلَيْهِ ليعارضه

كَمَا ذهب إِلَيْهِ كثير من الْمُفَسّرين: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال الْقرب أقوى (وَمَا قيل) وقائله ابْن الْحَاجِب (الْمُخْتَار أَنه مَعَ قرينَة الِانْقِطَاع) أَي انْقِطَاع الْأَخِيرَة عَمَّا قبلهَا (للأخيرة و) مَعَ قرينَة (الِاتِّصَال) بِمَا قبلهَا تكون (للْكُلّ، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن إِحْدَى القرينتين (فالوقف) فِيمَا عدا الْأَخير لَازم، فَقَوله مَا قيل مُبْتَدأ وَمَا بعده مقول القَوْل، وَالْخَبَر قَوْله (مَذْهَب الْوَقْف) بِحَذْف الْمُضَاف: أَي أهل الْوَقْف، أَو الْإِضَافَة بَيَانِيَّة، ثمَّ أثبت كَونه مَذْهَب الْوَقْف بقوله (للاتفاق) الْكَائِن بَين هَذَا الْقَائِل والذاهبين إِلَى الْوَقْف (على أَن إِخْرَاجه) أَي الِاسْتِثْنَاء (من) الْجُمْلَة (الْأَخِيرَة) عِنْد عدم الْقَرِينَة لما عرفت (وَالْعَمَل بِالْقَرِينَةِ) عِنْد وجودهَا، فالمآل وَاحِد (وَاعْلَم أَن الْمُدَّعِي فِي كتب الْحَنَفِيَّة أَنه من الْأَخِيرَة، وَمَا زيد) على هَذَا الْقدر (من) قيد (ظُهُور الْعَدَم) أَي عدم الْإِخْرَاج مِمَّا قبل الْأَخِيرَة الْمشَار إِلَيْهِ بِظُهُور الِاقْتِصَار على مَا مر لم يصرحوا بِهِ بل (أَخذ من استدلالهم) أَي الْحَنَفِيَّة (بِأَن شَرطه) أَي الِاسْتِثْنَاء من شَيْء (الِاتِّصَال) بذلك (وَهُوَ) أَي الِاتِّصَال (مُنْتَفٍ فِي غير لأخيرة) لتخلل الْأَخِيرَة بَين الِاسْتِثْنَاء وَمَا قبلهَا (وَمُقْتَضَاهُ) أَي هَذَا الِاسْتِدْلَال (عدم الصِّحَّة مُطلقًا) فِيمَا عدا الْأَخِيرَة (وَهُوَ) أَي عدمهَا فِيمَا عَداهَا (بَاطِل، إِذْ لَا يمْتَنع) الِاسْتِثْنَاء بالِاتِّفَاقِ (فِي الْكل) بِأَن يكون من كل وَاحِدَة من تِلْكَ الْجمل (بِالدَّلِيلِ) على مَا ذكر (وَأما دَفعه) أَي دفع هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَن الْجَمِيع كالجملة) الْوَاحِدَة (ف) هُوَ (قَول الشَّافِعِيَّة: الْعَطف يصير المتعدد) أَي الْجمل الْمَعْطُوف بَعْضهَا على بعض (إِلَى آخِره) أَي كالمفرد، وَلَا شكّ أَنه لَا يعود فِيهِ إِلَى جزئه، فَكَذَا فِي الْجمل لَا يعود إِلَى بَعْضهَا (وسنبطل) هَذَا القَوْل (و) من استدلالهم (بقَوْلهمْ عمله) أَي الِاسْتِثْنَاء (ضَرُورِيّ لعدم استقلاله) بِنَفسِهِ، إِذْ لَا بُد لَهُ من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، والضرورة تدفع بِالْعودِ إِلَى وَاحِدَة مِنْهَا (والأخيرة منتفية اتِّفَاقًا، وَمَا) يثبت (بالضررة) يقدر (بِقَدرِهَا) أَي بِقدر الضَّرُورَة فَتعين الْأَخِيرَة (وَمنع) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَي عمله (وضعي) لَا ضَرُورِيّ (قُلْنَا لَو سلم) أَنه وضعي (فَلَمَّا يَلِيهِ فَقَط) أَي فَإِن أردتم أَنه مَوْضُوع لما يَلِيهِ فَقَط فَهُوَ الْمَطْلُوب (أَو الْكل) أَي أَو أَنه مَوْضُوع للْكُلّ (فَمَمْنُوع) أَي بَاطِل للاتفاق على أَنه يسْتَعْمل فِيمَا يَلِيهِ فَقَط، وَالْأَصْل فِيهِ الْحَقِيقَة (فاللازم) بِمُوجب الدَّلِيل (لُزُومه) أَي لُزُوم كَون الِاسْتِثْنَاء (من الْأَخِيرَة والتوقف فِيمَا قبلهَا) أَي فِي كَونه اسْتثِْنَاء مِمَّا قبل الْأَخِيرَة (إِلَى الدَّلِيل) أَي إِلَى وجود الدَّال على عوده إِلَيْهِ (وَأَيْضًا بِدفع الدَّلِيل الْمعِين لَا ينْدَفع الْمَطْلُوب) لجَوَاز ثُبُوته بِغَيْرِهِ (فَلْيَكُن الْمَطْلُوب مَا ذكرنَا) من أَنه يثبت فِي الْأَخِيرَة إِلَّا بِدَلِيل فِيمَا قبلهَا من غير ادِّعَاء ظُهُور فِي عدم تعلقه بِمَا قبلهَا، إِذْ الْغَرَض لم يتَعَلَّق إِلَّا بِعَدَمِ رُجُوعه إِلَى الْكل إِلَّا بِدَلِيل فِي

خُصُوص موارده، كَذَا نقل عَن المُصَنّف (وَمن أدلتهم) أَي الْحَنَفِيَّة (حكم الأولى مُتَيَقن وَرَفعه) أَي حكمهَا (عَن الْبَعْض) أَي عَن بعض الأولى (بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوك للشَّكّ فِي تعلقه) أَي الِاسْتِثْنَاء (بِهِ) أَي الْبَعْض، إِمَّا (لوجه الِاشْتِرَاك) أَي لما يُفِيد كَون الِاسْتِثْنَاء مُشْتَركا بَين أَن يكون للأخيرة فَقَط، وَبَين أَن يكون للْكُلّ: وَهُوَ أَنه (اسْتعْمل فيهمَا) لما علم بالاستقراء (وَالْأَصْل) فِي الِاسْتِعْمَال (الْحَقِيقَة، وَهُوَ) أَي هَذَا الْوَجْه (إِنَّمَا يُفِيد لُزُوم التَّوَقُّف فِيهَا) أَي فِيمَا قبل الْأَخِيرَة، بل فِي الْكل، لَوْلَا تَيَقّن الْأَخِيرَة لما ذكر (لَا ظُهُور الْعَدَم) فِيمَا قبل الْأَخِيرَة (أَو دافعه) أَي لوجه دَافع الِاشْتِرَاك الْقَائِل (الْمجَاز خير) من الِاشْتِرَاك فَلْيَكُن فِيمَا قبل الْأَخِيرَة مجَازًا (فيفيده) أَي ظُهُور الْعَدَم فِيمَا قبل الْأَخِيرَة إِلَى ظُهُور الدَّلِيل على تعلقه فِيمَا قبلهَا (وإبطاله) أَي هَذَا الدَّلِيل من قبل الشَّافِعِيَّة (بقَوْلهمْ: لَا يَقِين) فِي حكم الأولى (مَعَ تجويزه) أَي تَجْوِيز كَون الِاسْتِثْنَاء (للْكُلّ يدْفع بِمَا تقدم فِي اشْتِرَاط اتِّصَال الْمُخَصّص) من أَن إِطْلَاق الْعَام بِلَا مخرج إِفَادَة إِرَادَة الْكل، فَلَو لم يكن المُرَاد فِي نفس الْأَمر يلْزم إِخْبَار الشَّارِع وإفادته لثُبُوت مَا لَيْسَ بِثَابِت، ودلك كذب وَطلب للْجَهْل الْمركب من الْمُكَلّفين (أَو) يدْفع (بِإِرَادَة الظُّهُور بِهِ) أَي بِالْيَقِينِ (وَمَا قيل) فِي معارضتهم (الْأَخِيرَة أَيْضا كَذَلِك) أَي حكمهَا مُتَيَقن وَرَفعه عَن الْبَعْض بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوك (لجَوَاز رُجُوعه) أَي الِاسْتِثْنَاء (إِلَى الأولى بِالدَّلِيلِ قُلْنَا الرّفْع) أَي رفع الحكم عَن الْبَعْض (ظَاهر فِي الْأَخِيرَة، وَلذَا) أَي ولظهوره فِيهَا (لزم) أَي الِاسْتِثْنَاء، أَو الرّفْع (فِيهَا) أَي الْأَخِيرَة (اتِّفَاقًا) كَمَا مر (فَلَو تمّ) مَا قيل فِي الْمُعَارضَة (توقف) الِاسْتِثْنَاء (فِي الْكل، وَهُوَ) أَي التَّوَقُّف فِي الْكل (بَاطِل وَحَاصِله) أَي حَاصِل مَا قُلْنَا من ظُهُور الرّفْع فِي الْأَخِيرَة، لَا حَاصِل قَول الشَّافِعِيَّة كَمَا توهمه الشَّارِح فَإِنَّهُ مَعَ بعده لَا معنى لَهُ (تَرْجِيح الْمجَاز) أَي تَرْجِيح كَون الِاسْتِثْنَاء إِذا رَجَعَ إِلَى الْكل مجَازًا على كَونه حَقِيقَة كَمَا زعم الْخصم (فَفِيمَا يَلِيهِ) أَي فالاستثناء فِيمَا يَلِيهِ (حَقِيقَة وَفِي الْكل مجَاز وَأما فِي غَيرهمَا) أَي فِي غير مَا يَلِيهِ وَالْكل (فَيمْتَنع للفصل) بَينه وَبَين الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (حَقِيقَة) وَهُوَ ظَاهر (وَحكما) لِأَن الْفَاصِل، وَهُوَ مَا يَلِيهِ لَا حَظّ لَهُ من حكم الِاسْتِثْنَاء فَهُوَ فصل حَقِيقَة وَحكما، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء من الْكل، فَإِن مَا يَلِيهِ وَإِن كَانَ فصلا بَينه وَبَين مَا قبله من حَيْثُ الْحَقِيقَة لكنه لَيْسَ بفصل من حَيْثُ الحكم لشمُول الِاسْتِثْنَاء لَهُ (وَفِي الْمجَاز) عِنْد رُجُوعه إِلَى الْكل (يتَوَقَّف) رُجُوعه إِلَيْهِ (على الْقَرِينَة) فَإِن لم تكن تتَعَيَّن الْحَقِيقَة (والعلاقة) بَين الْمَعْنى الْمجَازِي، وَهُوَ الصّرْف إِلَى الْكل، والحقيقي وَهُوَ الْعود إِلَى مَا يَلِيهِ (تشبيهه) أَي الْكل (بِهِ) أَي بِمَا يَلِيهِ (لجمع

الْعَطف) أَي لِأَن الْعَطف جمع بَين المتعاطفات، فَجَعلهَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة من حَيْثُ الْمَعْنى فاشتراكها فِي تِلْكَ الرُّتْبَة وَجه الشّبَه (بِخِلَاف الِاتِّصَال الصُّورِي) بَينهَا بِحَسب التَّكَلُّم لعدم الْفَصْل فَإِنَّهُ لَا يصلح علاقَة للمجاز (لِأَنَّهُ) أَي الِاتِّصَال الصُّورِي (يتَحَقَّق) فِي الْجمل المتعاقبة (بِلَا عطف) وَهُنَاكَ يتَعَيَّن الِاسْتِثْنَاء للأخيرة اتِّفَاقًا من غير تَجْوِيز لما قبلهَا وَلَو مجَازًا (و) يتَحَقَّق أَيْضا (مَعَ الاضراب) الْمعِين كَونه للأخيرة على مَا سبق فَلَا يصلح علاقَة (وَمَا قيل فِي وَجهه) أَي وَجه التَّوَقُّف فِي غير الْأَخِيرَة (الأشكال) بِفَتْح الْهمزَة جمع شكل (يُوجب الْإِشْكَال) بِكَسْر الْهمزَة الِاشْتِبَاه، فِي الشَّرْح العضدي: الِاتِّصَال يَجْعَلهَا كالواحدة، والانفصال يَجْعَلهَا كالأجانب، والأشكال بِمُوجب الشَّك انْتهى، فَكل شبه مِنْهُمَا شكل، وَلِهَذَا تعَارض الِاشْتِبَاه يُوجب التَّوَقُّف (فَمَعْنَاه) أَن الِاشْتِبَاه (يخرج من) الْجُمْلَة (الأولى) نظرا إِلَى الِاتِّصَال (وَلَا) يخرج) مِنْهَا نظرا إِلَى الِانْفِصَال، أَو الْمَعْنى أَنه يخرج من الأولى فِي بعض الاستعمالات وَلَا يخرج مِنْهَا فِي الْأُخَر (فتوقف فِيهِ) أَي فِي إِخْرَاجه فِي غير الْأَخِيرَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مَعْنَاهُ هَذَا، بل يعْتَبر الْإِشْكَال بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَخِيرَة أَيْضا (اقْتضى) مَا قيل (أَن يتَوَقَّف فِي الْأَخِيرَة أَيْضا) وَهُوَ بَاطِل لما عرفت (الشَّافِعِيَّة) قَالُوا: أَولا (الْعَطف يصير المتعدد كالمفرد) وَقد مر (أُجِيب) بِأَن ذَلِك (فِي) عطف (الْمُفْردَات) بَعْضهَا على بعض، لِأَن الْعَطف فِي الْأَسْمَاء الْمُخْتَلفَة كالجمع فِي الْأَسْمَاء المتفقة، فَيصير الْمَجْمُوع كصيغ الْجمع الْوَاحِدَة، وَهَذَا هُوَ الْإِبْطَال الْمَوْعُود (وَمَا يُقَال هِيَ) أَي الْجمل (مثلهَا) أَي الْمُفْردَات (إِذْ الِاسْتِثْنَاء فِيهَا) أَي الْجمل (من المتعلقات) أَي متعلقات الْمسند إِلَيْهِ، أَو الْمسند (أَو) من (الْمسند إِلَيْهِ) فَإِذا قطع النّظر عَن سَائِر أَجزَاء الْجمل المتعاطفة مَا عدا مَا اسْتثْنى مِنْهُ صَارَت مثل الْمُفْردَات، فِي الشَّرْح العضدي: لَا فرق بَين الَّذين قتلوا، وسرقوا، وزنوا إِلَّا من تَابَ، وَبَين اضْرِب الَّذين هم قتلة، وسراق وزناة إِلَّا من تَابَ، وَلَا شكّ أَنه لَا يعود من الْمُفْرد إِلَى جُزْء، فَكَذَا فِي الْجمل المعطوفة، ثمَّ أجَاب عَنهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَن ذَلِك فِي الْمُفْردَات، أَو مَا فِي حكمهَا الَّتِي لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب أَو الَّتِي وَقعت صلَة للموصول أَو نَحْو ذَلِك انْتهى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي كَونهَا مثلهَا (إِذا اتّحدت جِهَة النِّسْبَة فِيهَا) أَي الْجمل بِأَن تكون نِسْبَة تِلْكَ الْجمل متشاركة فِي جِهَة وَاحِدَة ككونها خَبرا، أَو صفة، أَو صلَة إِلَى غير ذَلِك (وَهُوَ) أَي اتِّحَاد جِهَة النِّسْبَة فِيهَا (الدَّلِيل) على تعلقه بِالْكُلِّ (ككونها) أَي الْجمل (صلَة) للموصول كَمَا مر آنِفا (للْقطع بِأَن نَحْو: ضرب بَنو تَمِيم، وَبكر شجعان لَيْسَ فِي حكمه) أَي الْمُفْرد (قَالُوا) ثَانِيًا (لَو قَالَ) وَالله (لَا أكلت وَلَا شربت إِن شَاءَ الله تَعَالَى تعلق) إِن شَاءَ الله (بهما) أَي بالجملتين

اتِّفَاقًا (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي إِن شَاءَ الله (شَرط) لَا اسْتثِْنَاء، وَهُوَ يتَعَلَّق بِغَيْر المتعدد بِخِلَاف الِاسْتِثْنَاء (فَإِن ألحق) الِاسْتِثْنَاء (بِهِ) أَي بِالشّرطِ (فَقِيَاس فِي اللُّغَة) وَهُوَ غير صَحِيح (وَلَو سلم صِحَّته) أَي صِحَة الْإِلْحَاق (فَالْفرق) بَين الشَّرْط وَالِاسْتِثْنَاء (أَن الشَّرْط مُقَدّر تَقْدِيمه) أَي تعْيين تَقْدِيمه معنى لتقدمه رُتْبَة بِحَسب التحقق (وَلَو سلم عدم لُزُومه) أَي تَقْدِيم الشَّرْط (فلقرينة الِاتِّصَال) أَي فَتعلق الشَّرْط بِكُل مِنْهُمَا لوُجُود الْقَرِينَة الدَّالَّة على اتِّصَاله بِكُل مِنْهَا (وَهُوَ) تِلْكَ الْقَرِينَة والتأنيث بِاعْتِبَار الْخَبَر (الْحلف) الْوَاقِع (على الْكل) على مَا هُوَ الْعَادة فِي مثله (قَالُوا) ثَالِثا (قد يتَعَلَّق الْغَرَض بِهِ) أَي الِاسْتِثْنَاء (كَذَلِك) أَي بِأَن يكون مُتَعَلقا بِالْكُلِّ (وتكراره) أَي الِاسْتِثْنَاء للْكُلّ (يستهجن) وَلَوْلَا أَنه يعود إِلَى الْكل بِدُونِ التّكْرَار لما استهجن لتعينه طَرِيقا (فَلَزِمَ ظُهُوره) أَي الِاسْتِثْنَاء (فِيهَا) أَي فِي الْجمل كلهَا (قُلْنَا الْمُلَازمَة) بَين تكراره والاستهجان (مَمْنُوعَة لمنع الاستهجان إِلَّا مَعَ اتِّحَاد الحكم الْمخْرج مِنْهُ) وَالْحكم الْمخْرج مِنْهُ فِي مَحل النزاع مُتَعَدد (وَلَو سلم) أَن التّكْرَار يستهجن مُطلقًا (لم يتَعَيَّن) التّكْرَار (طَرِيقا) لإِفَادَة المُرَاد (فلينصب قرينَة الْكل، أَو يُصَرح بِهِ) أَي بِالِاسْتِثْنَاءِ من الْكل (بعده) أَي بعد الْكل، أَو الِاسْتِثْنَاء كَأَن يَقُول إِلَّا كَذَا فِي الْجَمِيع (قَالُوا) رَابِعا هُوَ (صَالح) للْجَمِيع (فالقصر على الْأَخِيرَة تحكم قُلْنَا إرادتها) أَي الْأَخِيرَة (اتِّفَاق، والتردد فِيمَا قبلهَا) والاتفاق مُرَجّح فَلَا تحكم (والصلاحية لَا توجب ظُهُوره) أَي الِاسْتِثْنَاء (فِيهِ) أَي فِي الْكل (كالجمع الْمُنكر فِي الِاسْتِغْرَاق) فَإِنَّهُ صَالح للْجَمِيع، وَلَيْسَ بِظَاهِر فِيهِ (قَالُوا) خَامِسًا (لَو قَالَ عَليّ خَمْسَة، وَخَمْسَة إِلَّا سِتَّة، فبالكل) أَي فَيتَعَلَّق بِالْجَمِيعِ اتِّفَاقًا (قُلْنَا بعد كَونه) أَي كل مِمَّا اسْتثْنى مِنْهُ فِي الْمِثَال (مُفردا) وكلامنا فِيمَا إِذا كَانَ جملا (أوجبه) أَي أوجب كَون الِاسْتِثْنَاء من الْجَمِيع (تعينه للصِّحَّة) إِذْ لَو رَجَعَ إِلَى الْأَخِيرَة لم يستقم، فَهُوَ قرينَة الِاتِّصَال بِالْكُلِّ وَأَيْضًا مدعاكم الْعود إِلَى كل وَاحِدَة لَا إِلَى الْجَمِيع. وَفِي الشَّرْح العضدي النزاع فِيمَا يصلح للْجَمِيع وللأخيرة، وَهَذَا لَا يصلح لكل وَاحِدَة. (تَنْبِيه: بنى على الْخلاف) الْمَذْكُور (وجوب رد شَهَادَة الْمَحْدُود فِي قذف عِنْد الْحَنَفِيَّة) إِذا تَابَ من ذَلِك بِأَن أكذب نَفسه عِنْد من قذفه وَأصْلح عمله (لقصر) الِاسْتِثْنَاء الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى {إِلَّا الَّذين تَابُوا} على مَا يَلِيهِ) هُوَ {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} فينتفى عَنهُ الْفسق لَا غير، وَيبقى عدم قبُول شَهَادَته مُؤَبَّدًا (خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله) وَمَالك وَأحمد رَحِمهم الله (ردا لَهُ) أَي للاستثناء (إِلَيْهِ) أَي مَعَ مَا يَلِيهِ (مَعَ لَا تقبلُوا) فينتفى عَنهُ الْفسق وَتقبل

مسئلة

شَهَادَته (وَلَوْلَا منع الدَّلِيل) الدَّال على اخْتِصَاصه بالأخير (من تعلقه) أَي الِاسْتِثْنَاء (بِالْأولِ) أَي فَاجْلِدُوهُمْ (تعلق بِهِ) أَيْضا عِنْدهم، لِأَنَّهُ على تَقْدِير عدم دَلِيل الْقصر كَانَ الظَّاهِر رُجُوعه إِلَى الْكل (ثمَّ قيل الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع) قَالَه القَاضِي أَبُو زيد، وفخر الْإِسْلَام، وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ (لِأَن الْفَاسِقين لم يتَنَاوَل التائبين) لِأَن التائب لَا يبْقى فَاسِقًا بعد التَّوْبَة، وَالْحمل على الْمجَاز بِاعْتِبَار مَا كَانَ بعيد، وَأَنت خَبِير بِأَن الْفَاسِقين لَيْسَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، بل أُولَئِكَ قطعا فَمَا معنى (وَالْأَوْجه أَنه مُتَّصِل) مخرج (من أُولَئِكَ) لَا من الْفَاسِقين، ثمَّ فسر الْمشَار إِلَيْهِ بقوله (أَعنِي الَّذين يرْمونَ) لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ مَفْهُوم الدّين يرْمونَ بعد التَّوْبَة فَيخرج مِنْهُ بِاعْتِبَار حكم الْفسق لتوبتهم. مسئلة (إِذا خص الْعَام كَانَ مجَازًا فِي الْبَاقِي عِنْد الْجُمْهُور) من الأشاعرة ومشاهير الْمُعْتَزلَة (وَبَعض الْحَنَفِيَّة) كصاحب البديع، وَصدر الشَّرِيعَة (إِلَّا أَنه لَا تَخْصِيص لأكثرهم) أَي الْحَنَفِيَّة (إِلَّا بمستقل على مَا سبق) فَهُوَ بعد إِخْرَاج بعضه بِغَيْر مُسْتَقل حَقِيقَة على قَوْلهم كَمَا صرح بِهِ صدر الشَّرِيعَة (وَبَعْضهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (كالسرخسي والحنابلة) وَأكْثر الشَّافِعِيَّة، بل جَمَاهِير الْفُقَهَاء على مَا ذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ (حَقِيقَة) فِي الْبَاقِي (وَبَعْضهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ حَقِيقَة فِي الْبَاقِي مجَاز فِي الِاقْتِصَار) عَلَيْهِ (وَالشَّافِعِيَّة) نقلوا (عَن الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة، وَهُوَ) الشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد (الْجَصَّاص إِن كَانَ الْبَاقِي كَثْرَة يعسر ضَبطهَا فحقيقة وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْبَاقِي كَذَلِك (فمجاز). وَقَالَ الْغَزالِيّ كل عدد لَو اجْتَمعُوا فِي صَعِيد يعسر على النَّاظر عَددهمْ بِمُجَرَّد النّظر كالألف فَهُوَ غير مَحْصُور، وَإِن سهل كالعشرة وَالْعِشْرين فمحصور، وَمن الطَّرفَيْنِ أوساط يلْحق أَحدهمَا بِالظَّنِّ، وَمَا وَقع فِيهِ الشَّك استفت فِيهِ الْقلب كَذَا ذكره الشَّارِح (وَالْحَنَفِيَّة) نقلوا (عَنهُ) أَي الْجَصَّاص (إِن كَانَ جمعا فَقَط) أَي من غير تَقْيِيد بالقيد السَّابِق فحقيقة وَإِلَّا بمجاز (وَأَبُو الْحُسَيْن إِن خص بِمَا لَا يسْتَقلّ) من شَرط، أَو صفة، أَو اسْتثِْنَاء) أَو غَايَة (فحقيقة) وَإِن خص بمستقل من سمع أَو عقل فمجاز (القَاضِي إِن خص بِشَرْط أَو اسْتثِْنَاء) فحقيقة وَإِلَّا فمجاز (وَقيل إِن خص بلفظي) مُتَّصِل أَو مُنْفَصِل فحقيقة وَإِلَّا فمجاز (عبد الْجَبَّار أَن خص بِشَرْط أَو صفة) فحقيقة وَإِلَّا فمجاز، فَهَذِهِ ثَمَانِيَة مَذَاهِب (لنا) على الْمُخْتَار، وَهُوَ الأول (الْفَرْض أَنه) أَي الْعَام (حَقِيقَة فِي الِاسْتِغْرَاق على الْخُصُوص) أَي من غير اشْتِرَاك بكنه وَبَين الْبَعْض (فَلَو كَانَ للْبَاقِي فَقَط) أَي من غير انضمام مَا عدا الْبَاقِي إِلَيْهِ (حَقِيقَة) أَيْضا

(كَانَ مُشْتَركا) لفظيا (وَهُوَ) أَي كَونه مُشْتَركا بَين الْكل وَالْبَعْض (غير الْمَفْرُوض، وَدفع) هَذَا الِاسْتِدْلَال كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (بِأَنَّهُ) أَي الْعَام (فِي صُورَة التَّخْصِيص للاستغراق، لِأَن أكْرم بني تَمِيم الطوَال على تَقْدِير من بني تَمِيم: أَي بَعضهم) فَإِن من للتَّبْعِيض وَالتَّقْيِيد فِي معنى من (فَلَزِمَ إِرَادَة كلهم) من قَوْلهم بني تَمِيم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مرَادا (كَانَ الْمَعْنى) أكْرم (بعض بَعضهم) لِأَن لَازم من التبعيضية صِحَة وضع بعض مَكَانهَا، وَالْفَرْض أَن المُرَاد ببني تَمِيم الْبَعْض (ثمَّ عرض الحكم) مَعْطُوف على لزم: أَي عرض لعمومه مصحح الحكم وَهُوَ الْوَصْف الْمُخْتَص (فَخرج) الْبَعْض (الآخر) وَهُوَ الَّذِي لم ويصف بِهِ (وَهَذَا) التَّوْجِيه هُوَ (لَازم فِي الْمُسْتَثْنى على مَا قيل) من أَن المُرَاد بالمستثنى مِنْهُ الِاسْتِغْرَاق والعموم، ثمَّ يخرج مِنْهُ الْمُسْتَثْنى، ثمَّ يحكم على الْبَاقِي (وَيُمكن اعْتِبَاره) أَي اعْتِبَار كَون المُرَاد جَمِيع مَا يتَنَاوَلهُ، ثمَّ إِخْرَاج غير المُرَاد بالحكم ثمَّ الحكم (فِي الْكل) أَي فِي جَمِيع العمومات المخصصة بِأَيّ تَخْصِيص كَانَ (غير أَن وضع الْمُفْرد واستعماله لَيْسَ إِلَّا للتركيب) لِأَن الْمَقْصُود إِفَادَة الْمعَانِي التركيبية (وَيبعد أَن يركبه) أَي الْمُتَكَلّم الْمُفْرد مَعَ غَيره (مرِيدا الْمَجْمُوع ليحكم على الْبَعْض، لِأَنَّهُ) أَي قصد الْمَجْمُوع (حِينَئِذٍ) أَي حِين يُرِيد الحكم على الْبَعْض (بِلَا فَائِدَة لصِحَّة أَن يُرَاد مِنْهُ) أَي من اللَّفْظ الْمَوْضُوع (لُغَة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَقَط) وَهُوَ الْبَعْض بِقَرِينَة الْمُخَصّص (وَلَو كَانَ عددا) فَانْتفى الدّفع (وَقَول السَّرخسِيّ صِيغَة الْعُمُوم) مَوْضُوعَة (للْكُلّ وَمَعَ ذَلِك حَقِيقَة فِيمَا وَرَاء الْمَخْصُوص لِأَنَّهَا) أَي صيغته (إِنَّمَا تتناوله) أَي مَا وَرَاء الْمَخْصُوص (من حَيْثُ أَنه كل لَا بعض) بِمَعْنى أَن حَقِيقَتهَا كل الْأَفْرَاد، وَعند التَّخْصِيص يصير مَا وَرَاء الْمَخْصُوص كل الْأَفْرَاد فَيصدق أَن تنَاولهَا إِيَّاه من حَيْثُ أَنه كل لَا من حَيْثُ أَنه كل لَا من حَيْثُ أَنه بعض (كالاستثناء يصير الْكَلَام) يَعْنِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (عبارَة عَمَّا وَرَاء الْمُسْتَثْنى بطرِيق أَنه) أَي مَا وَرَاء الْمُسْتَثْنى (كل، لَا بعض) فَقَوْل السَّرخسِيّ مُبْتَدأ خَبره (إِن أَرَادَ) أَن تنَاوله لما وَرَاء الْمَخْصُوص (بِوَضْع آخر خَاص لزم الِاشْتِرَاك) اللَّفْظِيّ، والمفروض خِلَافه (أَو وضع الْمجَاز فنقيض مَطْلُوبه) وَهُوَ أَنه أَي حَقِيقَته فِيهِ (فَإِن قيل لم لم تحمله) أَي كَلَام السَّرخسِيّ (على أَنه لَا يشْتَرط الِاسْتِغْرَاق) فِي الْعَام: وَهُوَ حَقِيقَة مَا لم يسْتَعْمل فِي غير أَفْرَاده، والمخصوص من أَفْرَاده فَهُوَ حَقِيقَة فِيهِ (قُلْنَا الْكَلَام فِي الْعَام إِذا خص) وَكَانَ الِاخْتِصَاص مرَادا بِهِ وَهُوَ أَمر زَائِد على مَا وضع لَهُ (وَإِنَّمَا يقبله) أَي التَّخْصِيص (الصِّيَغ الْمُتَقَدّمَة: كالجمع الْمحلي وَنَحْوه) من الموصولات وَأَسْمَاء الشَّرْط والاستفهام إِلَى غير ذَلِك (مِمَّا اتّفق على استغراقه وَالْخلاف فِي اشْتِرَاطه) أَي الِاسْتِغْرَاق إِنَّمَا هُوَ (فِي مُسَمّى لفظ عَام) يَعْنِي هَل يشْتَرط فِيمَا

وضع لفظ الْعَام اصْطِلَاحا الِاسْتِغْرَاق أم لَا (وَمن لم يَشْتَرِطه) أَي الِاسْتِغْرَاق فِيهِ (وَإِن جعل من صيغته) أَي الْعَام (الْجمع الْمُنكر لَا يصحح اعْتِبَاره) أَي اعْتِبَار مَا لَيْسَ بمستغرق (هُنَا) أَي فِيمَا قبل التَّخْصِيص (إِذْ لَا يقبل) غير الْمُسْتَغْرق (الْإِخْرَاج مِنْهُ) إِذْ إِخْرَاج بعض أَفْرَاد الْمَفْهُوم فرع الْعلم باندراجه تَحْتَهُ من حَيْثُ الْإِرَادَة، وَلَا علم بذلك فِيمَا لَا استغراق فِيهِ (وَلذَا لَا يسْتَثْنى مِنْهُ) كَمَا مر فِي بَحثه (وَمَا قيل إِرَادَته) أَي الْبَاقِي (لَيْسَ بِالْوَضْعِ الثَّانِي والاستعمال) فِيهِ (بل) الْبَاقِي مُرَاد (بِالْأولِ) أَي بِالْوَضْعِ الأول، فِي الشَّرْح العضدي وَأَيْضًا فَلم يرد الْبَاقِي بِوَضْع وَاسْتِعْمَال ثَان، بل بِالْوَضْعِ وَاسْتِعْمَال الأول، وَإِنَّمَا طَرَأَ عَلَيْهِ عدم إِرَادَة الْمخْرج بِخِلَاف الْمجَاز (مَمْنُوع) أَي إِرَادَة الْبَاقِي بِالْوَضْعِ الأول وَكَونه حَقِيقَة بذلك الِاعْتِبَار (بل الْحَقِيقَة) إِنَّمَا يتَحَقَّق ب (بإرادته) أَي بِالْبَاقِي (الأول) أَي بِمُوجب الْوَضع الأول (من حَيْثُ هُوَ) أَي الْبَاقِي (دَاخل فِي تَمام) الْمَعْنى (الوضعي المُرَاد) بِاللَّفْظِ (لَا) بإرادته (بِمُجَرَّد كَونه تَمام المُرَاد بالحكم) وَالْأَظْهَر لَا من حَيْثُ كَونه تَمام المُرَاد، فَكَأَنَّهُ قصد أَن مُجَرّد الْبَاقِي لَا يَكْفِي فِي الْحَقِيقَة، بل لَا بُد من الْمَجْمُوع، أما إِذا أُرِيد مُجَرّد كَونه تَمام المُرَاد حَقِيقَة (فَهُوَ) أَي فَهَذَا المُرَاد إِنَّمَا يحصل (بِالثَّانِي) أَي بِالْوَضْعِ الثَّانِي (الْحَنَابِلَة تنَاوله) أَي تنَاول الْعَام للْبَاقِي بعد التَّخْصِيص (كَمَا كَانَ) قبله (وَكَونه) أَي تنَاوله بعض التَّخْصِيص (مَعَ قرينَة الِاقْتِصَار) عَلَيْهِ (لَا يُغَيِّرهُ) أَي لَا يُغير كَيْفيَّة تنَاوله (فَهُوَ حَقِيقَة قُلْنَا الْحَقِيقَة بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنى) الْمَوْضُوع لَهُ بِأَن يكون مَجْمُوع الْمُسَمّى مرَادا (لَا) بِمُجَرَّد (التَّنَاوُل) لَهُ من حَيْثُ الدّلَالَة على مَا يَقْتَضِيهِ الْوَضع (لِأَنَّهُ) أَي التَّنَاوُل (لتبعيته للوضع ثَابت للمخرج) بِفَتْح الرَّاء (بعد التَّخْصِيص) فَلَا فرق فِي هَذَا التَّنَاوُل بَين الْبَاقِي والمخرج (و) كَذَلِك ثَابت (لَكِن وضعي) سَوَاء كَانَ عين الْمَوْضُوع لَهُ أَو جزءه (حَال التَّجَوُّز بِلَفْظِهِ) واستعماله فِي الْمَعْنى الْمجَازِي، لِأَن الْعَالم بِالْوَضْعِ ينْتَقل إِلَى مَا وضع لَهُ لَا محَالة وَإِن كَانَ المُرَاد غَيره بِمُوجب الْقَرِينَة الصارفة (الرَّازِيّ إِذا بَقِي) من الْعَام مِقْدَار (غير منحصر) فِي عدد (فَهُوَ) أَي ذَلِك الْبَاقِي (معنى الْعُمُوم) فِيهِ مُسَامَحَة لِأَنَّهُ كَون اللَّفْظ دَالا على أَمر غير منحصر فِي عدد فَتكون فِيهِ حَقِيقَة (نَقله الشَّافِعِيَّة عَنهُ وَالْحَنَفِيَّة بِنَقْل مذْهبه أَجْدَر) من الشَّافِعِيَّة لِأَنَّهُ مِنْهُم (وَهُوَ) أَي مذْهبه على النقلين (بِنَاء على عدم اشْتِرَاط الِاسْتِغْرَاق) فِي الْعُمُوم، فِي الشَّرْح العضدي الرَّازِيّ قَالَ معنى الْعُمُوم حَقِيقَة كَون اللَّفْظ دَالا على أَمر غير منحصر فِي عدد، فَإِذا كَانَ الْبَاقِي غير منحصر كَانَ عَاما الْجَواب منع كَون مَعْنَاهُ ذَلِك، بل مَعْنَاهُ تنَاوله للْجَمِيع وَكَانَ للْجَمِيع وَقد صَار لغيره فَكَانَ مجَازًا، وَلَا يخفى أَن هَذَا منشؤه اشْتِبَاه كَون النزاع فِي لفظ الْعَام أَو فِي الصِّيَغ

انْتهى، وَقَوله هَذَا إِمَّا إِشَارَة إِلَى مَا قَالَه الرَّازِيّ، وَإِمَّا إِلَى نقل هَذَا عَنهُ لإِثْبَات كَون الصِّيغَة حَقِيقَة فِي الْبَاقِي وَالثَّانِي مُتَعَيّن إِذْ هُوَ لم يفرع على بَقَاء غير المنحصر كَونهَا حَقِيقَة فِيهِ، بل وجود معنى الْعُمُوم فِيهَا وَهُوَ لَا يسْتَلْزم كَونهَا حَقِيقَة، وَنسبَة الِاشْتِبَاه إِلَى ناقل الْمَذْهَب أولى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَغلط) نقلهم عَنهُ على الْوَجْه الْمَذْكُور، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَالْحَنَفِيَّة إِلَى آخِره، وَزعم الشَّارِح أَن الْمَعْنى غلط الرَّازِيّ، وَقَوله (بِأَن مُقْتَضَاهُ كَون الْخلاف) بَين الرَّازِيّ وَغَيره (فِي لفظ الْعُمُوم لَا فِي الصِّيغَة) يرد عَلَيْهِ، إِذْ مَعْنَاهُ أَن مَذْهَب الرَّازِيّ إِذا كَانَ مَبْنِيا على تَفْسِير الْعُمُوم بِمَا ذكر لزم مُخَالفَته فِيمَا وضع لَهُ للفظ الْعُمُوم، وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ قد تقدر أَن خِلَافه فِي الصِّيغَة الموصوفة بِالْعُمُومِ هَل إِذا خصص وَالْبَاقِي غير منحصر يكون حَقِيقَة أم لَا، عِنْده نعم، وَعند غَيره مَا عرفت وَهل يغلط الرَّازِيّ بِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْك أَن تخالفهم فِي لفظ الْعُمُوم لَا فِي الصِّيغَة، لَا يُقَال معنى تغليطه أَن دخولك فِي هَذَا النَّوْع بَين الْقَوْم، فَهَذَا الْوَجْه يدل على أَنَّك زعمت أَن خلافهم فِي لفظ الْعَام، لأَنا نقُول لَا يُنَاسب هَذَا فِي حق الْأَئِمَّة وَالله أعلم (أَبُو الْحُسَيْن لَو كَانَ الْإِخْرَاج بِمَا لَا يسْتَقلّ يُوجب تجوزا) فِي اللَّفْظ (لزم كَون) لفظ (الْمُسلم للمعهود مجَازًا) إِذا خرج من مَفْهُومه غير الْمَعْهُود بِمَا هُوَ كالجزء لَهُ، وَهُوَ اللَّام وَقد صَار بِهِ لِمَعْنى غير مَا وضع لَهُ إِذا لم يكن فِيهِ الْعَهْد (وَالْجَوَاب) عَنهُ كَمَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب (بِأَن الْمَجْمُوع) من مُسلم وَاللَّام هُوَ (الدَّال) فالجنس مَدْخُول اللَّام، وَالتَّقْيِيد بالمعهود الْمخْرج لغيره اللَّام، فَلَا يلْزم الْمجَاز وَلَا كَون الْعَام مُسْتَعْملا فِي غير مَا وضع لَهُ وَهُوَ الْجِنْس (مندفع) خبر، وَالْجَوَاب (بِأَنَّهُ) أَي بِكَوْن الْمَجْمُوع دَالا على الْوَجْه الْمَذْكُور (بعد الْعلم بِأَنَّهُمَا) أَي اللَّام وَمُسلمًا (كلمتان) متلبسان (بوضعين) لمعنييهما (ركبتا) لإِفَادَة التَّقْيِيد (مُجَرّد اعْتِبَار يُمكن مثله فِي الْعَام الْمُقَيد بِمَا يسْتَقلّ) إِذْ لَا تَأْثِير لعدم الِاسْتِقْلَال لإحدى الْكَلِمَتَيْنِ من حَيْثُ الحرفية فِي هَذَا الِاعْتِبَار (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر مثله فِي الْمُقَيد بِمَا يسْتَقلّ (فتحكم مَحْض) أَي فتخصيص الِاعْتِبَار الْمَذْكُور بِأَحَدِهِمَا دون الآخر تحكم لعدم الْفرق بَينهمَا، فالمخلص أَن يُقَال للمعرف للْعهد وضعان، وضع للْجِنْس قبل دُخُول اللَّام عَلَيْهِ فِي حَال النكارة، وَآخر للمعهود كوضع المبهمات، فَإِن مَا وضعت لَهُ خصوصيات، وَآلَة الملاحظة عِنْد الْوَضع مَفْهُوم عَام كَمَا هُوَ رَأْي الْمُتَأَخِّرين، وَلَيْسَ الْعَام الْمَخْصُوص بِمَا لَا يسْتَقلّ كَذَلِك، بل هُوَ كالمخصوص بِمَا يسْتَقلّ مُسْتَعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ، وَهُوَ الْبَاقِي بعد التَّخْصِيص (القَاضِي وَعبد الْجَبَّار مثله) أَي أبي الْحُسَيْن (فِيمَا لم يخرجَاهُ) مَا لم يسْتَقلّ، وَهُوَ الصّفة والغاية عِنْد القَاضِي، وَالِاسْتِثْنَاء والغاية عِنْد عبد الْجَبَّار من حَيْثُ الدَّلِيل، وَهُوَ لُزُوم كَون نَحْو الْمُسلم مجَازًا فِي الْمَعْهُود، وَمن حَيْثُ الْجَواب، وَهُوَ منع لُزُومه لما ذكر (الْمُخَصّص بِاللَّفْظِ مثله) أَي أبي الْحُسَيْن دَلِيلا وجوابا على مَا عرفت

(وَهُوَ) أَي دَلِيل هَذَا (أَضْعَف) لشمُول اللَّفْظِيّ الْمُتَّصِل والمنفصل، وَدَلِيله لَا يُنَاسب إِلَّا الْمُتَّصِل (الإِمَام الْجمع كتعداد الْآحَاد). قَالَ أهل الْعَرَبيَّة: معنى الرِّجَال فلَان، وَفُلَان، وَفُلَان إِلَى أَن يستوعب، وَإِنَّمَا وضع الرِّجَال اختصارا (وَفِيه) أَي فِي تعدادها (إِذا بَطل إِرَادَة الْبَعْض لم يصر الْبَاقِي مجَازًا) فَكَذَا الْجمع (أُجِيب أَن الْحَاصِل) من التعداد فِي الْجمع أَمر (وَاحِد) وَهُوَ مَجْمُوع مَا يصلح لَهُ الْعَام لوضعه (للاستغراق، فَفِي بعضه) أَي فاستعماله فِي بعض ذَلِك الْحَاصِل (فَقَط) من غير أَن يُرَاد بِهِ الْبَعْض الآخر (مجَاز) بِخِلَاف الْآحَاد المتعددة فَإِنَّهُ لم يرد بِلَفْظ مِنْهَا بعض مَا وضع لَهُ، وَإِذا بطلت بعض الْحَقَائِق لم يلْزم بطلَان حَقِيقَة أُخْرَى، على أَنه قد منع كَون الْجمع كتكرار الْآحَاد من كل وَجه، وَلَيْسَ مُرَاد أهل الْعَرَبيَّة ذَلِك، بل بَيَان أهل الْحِكْمَة فِي وَضعه (وَمَا قيل) من أَنه (يُمكن) أَن يكون (اللَّفْظ) الْوَاحِد حَقِيقَة ومجازا (بحيثيتين) أَي باعتبارهما، فَلْيَكُن الْعَام الْمَخْصُوص كَذَلِك، فَيكون مجَازًا من حَيْثُ أَنه لَيْسَ مَوْضُوعه الأَصْل حَقِيقَة من حَيْثُ أَنه بَاقٍ على أصل وَضعه وَلم ينْقل نقلا كليا كَمَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيّ (فتانك) الحيثيتان إِنَّمَا هما (بِاعْتِبَار وضعي الْحَقِيقِيّ والمجازي) يَعْنِي أَن الحيثيتين إِنَّمَا هُوَ كَون اللَّفْظ بِحَيْثُ إِذا اسْتعْمل فِي هَذَا كَانَ حَقِيقَة لوضعه لَهُ عينا، وَهُوَ الْوَضع الْحَقِيقِيّ، وَإِن اسْتعْمل فِي ذَلِك كَانَ مجَازًا لوضعه لَهُ بالنوع، لَا أَنه فِي اسْتِعْمَال وَاحِد يكون اللَّفْظ حَقِيقَة ومجازا كل ادَّعَاهُ الإِمَام: كَذَا ذكره الشَّارِح وَالْوَجْه أَن يعْتَبر بِالنِّسْبَةِ إِلَى معنى وَاحِد كَالشَّمْسِ إِذا وضعت بِإِزَاءِ الصُّورَة أَيْضا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ ذَات حيثيتين بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لكَونهَا مَوْضُوعَة لَهُ بِالْوَضْعِ النوعي الْمجَازِي لكَونه لَازم مَا وضعت لَهُ أَولا، وَهُوَ الْجَزْم (وَلَا يلْزم) من اجْتِمَاع هَاتين الحيثيتين (اجْتِمَاعهمَا) أَي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي اسْتِعْمَال وَاحِد (على أَنه نقل اتِّفَاق نَفْيه) أَي الِاتِّفَاق على نفي كَون اللَّفْظ حَقِيقَة ومجازا فِي اسْتِعْمَال وَاحِد، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي صِحَة إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي مَعًا فِي اسْتِعْمَال وَاحِد، ثمَّ يكون حَقِيقَة ومجازا: (هَذَا) مَا ذكر (وَلم يسْتَدلّ) الإِمَام (على شقَّه الآخر، وَهُوَ أَنه مجَاز فِي الِاقْتِصَار) على الْبَاقِي (لظَنّه ظُهُوره) أَي ظُهُور كَونه مجَازًا فِيهِ (وَهُوَ غلط لِأَنَّهُ لَا يكون) الْعَام (مجَازًا بِاعْتِبَار الِاقْتِصَار إِلَّا لَو اسْتعْمل فِي معنى الِاقْتِصَار، وانتفاؤه) أَي اسْتِعْمَاله فِيهِ (ظَاهر، بل الِاقْتِصَار إِنَّمَا يلْزم اسْتِعْمَاله فِي الْبَاقِي بِلَا زِيَادَة، فَهُوَ) أَي الِاقْتِصَار (لَازم لوُجُوده) أَي وجود الِاسْتِعْمَال فِي الْبَاقِي (لَا مُرَاد إفادته) أَي الِاقْتِصَار (بِهِ) أَي بِالْعَام الْمَخْصُوص (وَلَو أَرَادَ بالاقتصار اسْتِعْمَاله) أَي الْعَام (فِي الْبَاقِي بِلَا زِيَادَة، فَهُوَ شقَّه الأول، وَعلمت مجازيته فِيهِ) أَي فِي الْبَاقِي.

مسألة

مَسْأَلَة قَالَ (الْجُمْهُور الْعَام الْمَخْصُوص بمجمل) أَي بمبهم غير معِين، من الْإِجْمَال اللّغَوِيّ (لَيْسَ حجَّة، كلا تقتلُوا بَعضهم) مَعَ اقْتُلُوا الْمُشْركين (وبمبين حجَّة) وَقَالَ (فَخر الْإِسْلَام حجَّة فيهمَا) أَي فِي الْوَجْهَيْنِ (ظنية الدّلَالَة بعد أَن كَانَ قطعيها) أَي الدّلَالَة قبل التَّخْصِيص بِأَحَدِهِمَا (وَقيل يسْقط الْمُجْمل) الَّذِي خص بِهِ الْعَام عَن دَرَجَة الِاعْتِبَار (وَالْعَام) يَنْفِي (كَمَا كَانَ) قبل لُحُوقه بِهِ، وَعَلِيهِ أَبُو الْمعِين من الْحَنَفِيَّة وَابْن برهَان من الشَّافِعِيَّة (وَفِي الْمُبين) قَالَ (أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ إِن كَانَ الْعَام منبئا عَنهُ) أَي عَن الْبَاقِي بعد التَّخْصِيص (بِسُرْعَة) فَهُوَ حجَّة (كالمشركين من أهل الذِّمَّة) أَي فِيمَا إِذا خصوا بِأَهْل الذِّمَّة بِلَفْظ مُتَّصِل، أَو مُنْفَصِل، أَو بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُنبئ عَن الْحَرْبِيّ: أَي ينْتَقل الذِّهْن إِلَيْهِ إِذا أطلق الْمُشْركُونَ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يُنبئ عَنهُ (فَلَيْسَ حجَّة كالسارق لَا يُنبئ عَن سَارِق نِصَاب و) عَن سَارِق (من حرز لعدم الِانْتِقَال) أَي انْتِقَال الذِّهْن (إِلَيْهِمَا) أَي النّصاب والحرز من إِطْلَاق السَّارِق قبل بَيَان الشَّارِع، فَإِذا أبطل الْعَمَل فِي صُورَة انتفائهما لم يعْمل بِهِ فِي صُورَة وجودهما. قَالَ (عبد الْجَبَّار، وَإِن لم يكن) الْعَام (مُجملا) قبل التَّخْصِيص (فَهُوَ حجَّة)، نَحْو الْمُشْركين (بِخِلَاف) الْمُجْمل قبله، نَحْو أقِيمُوا (الصَّلَاة فَإِنَّهُ بعد تَخْصِيص الْحَائِض) أَي بعد إِخْرَاج صَلَاة الْحَائِض (مِنْهُ) أَي من الصَّلَاة بِالنَّصِّ الآخر (يفْتَقر) إِلَى الْبَيَان كَمَا كَانَ مفتقرا قبله، وَلذَلِك بَينه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ " صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ". قَالَ (الْبَلْخِي من مجيزي التَّخْصِيص بِمُتَّصِل) أَي غير مُسْتَقل كالشرط وَالصّفة (حجَّة أَن خص بِهِ) أَي بالمتصل لَيْسَ بِحجَّة أَن خص بمنفصل كالدليل الْعقلِيّ (وَقيل حجَّة فِي أقل الْجمع) وَهُوَ اثْنَان أَو ثَلَاثَة على الْخلاف، لَا فِيمَا زَاد عَلَيْهِ. وَقَالَ (أَبُو ثَوْر لَيْسَ بِحجَّة مُطلقًا) سَوَاء خص بِمُتَّصِل أَو بمنفصل أنبأ عَن الْبَاقِي أَو لَا، احْتَاجَ إِلَى الْبَيَان أَولا (وَقيل عَنهُ) أَي عَن أبي ثَوْر لَيْسَ حجَّة (إِلَّا فِي أخص الْخُصُوص) أَي الْوَاحِد (إِذا علم) أَي إِذا كَانَ الْمَخْصُوص مَعْلُوما (كالكرخي والجرجاني وَعِيسَى بن أبان أَي يصير) الْعَام الْمَخْصُوص (مُجملا فِيمَا سواهُ) أَي أخص الْخُصُوص، فَيتَوَقَّف الِاحْتِجَاج وَالْعَمَل بِهِ (إِلَى الْبَيَان) قَالَ الشَّارِح: أَن أخص الْخُصُوص وَهُوَ الْوَاحِد غير معِين، فَلَا يُمكن الْعَمَل بِهِ قبل الْبَيَان أَيْضا انْتهى؛ وَهُوَ لَا يُنَافِي كَلَام المُصَنّف، لِأَن الْمَفْهُوم مِنْهُ ثُبُوت الحكم فِي أخص الْخُصُوص بِغَيْر توقف إِلَى الْبَيَان وَلَو على سَبِيل الْإِبْهَام، فَلْيَكُن الْعَمَل بِهِ على سَبِيل التَّعْيِين مُحْتَاجا إِلَى الْبَيَان (لنا) على الأول (اسْتِدْلَال الصَّحَابَة بِهِ) أَي بِالْعَام الْمَخْصُوص

بمبين مَعَ التّكْرَار والشيوع، وَعدم النكير من أحد مِنْهُم فَكَانَ إِجْمَاعًا (وَلَو قَالَ: أكْرم بني تَمِيم، وَلَا تكرم فلَانا وَفُلَانًا فَترك) إكرام أحد مِمَّن عداهما (قطع بعصيانه) فَدلَّ على ظُهُوره فِي الْعُمُوم (وَلِأَن تنَاول الْبَاقِي بعده) أَي التَّخْصِيص (بَاقٍ، وحجيته) أَي الْعَام (فِيهِ) أَي الْبَاقِي (كَانَ بِاعْتِبَارِهِ) أَي التَّنَاوُل (وَبِهَذَا) الدَّلِيل الْأَخير: كَذَا ذكره الشَّارِح وَالصَّوَاب أَن الْمَعْنى وَبِهَذَا الْمَجْمُوع كَمَا سَيظْهر (اسْتدلَّ الْمُطلق) لحجيته (وَيدْفَع) اسْتِدْلَال الْمُطلق بِهِ (باستدلالهم) أَي الصَّحَابَة (والعصيان) بترك مَا علق بِالْعَام الْمَخْصُوص كِلَاهُمَا (فِي الْمُبين، وَالْحجّة فِيهِ) أَي الْبَاقِي (قبله) أَي التَّخْصِيص إِنَّمَا كَانَ (لعدم الْإِجْمَال) فَلَا يكون حجَّة فِي الْمَخْصُوص بمجمل لتحَقّق الْإِجْمَال حِينَئِذٍ (وبقاؤه) أَي التَّنَاوُل إِنَّمَا هُوَ أَيْضا (فِي الْمُبين لَا الْمُجْمل). قَالَ (فَخر الْإِسْلَام: وَالْعَام عِنْده كالخاص) فِي قَطْعِيَّة الدّلَالَة كَمَا تقدم قَالَ وَالْحَالة هَذِه (للمخصص شبه الِاسْتِثْنَاء لبيانه) أَي الْمُخَصّص (عدم إِرَادَة الْمخْرج) مِمَّا تنَاوله الْعَام كَمَا أَن الِاسْتِثْنَاء كَذَلِك (و) شبه (النَّاسِخ) بصيغته (لاستقلاله) بِنَفسِهِ فِي الإفادة (فَيبْطل) الْمُخَصّص (إِذا كَانَ مَجْهُولا). قَالَ الشَّارِح: أَي متناولا لما هُوَ مَجْهُول عِنْد السَّامع (للثَّانِي) أَي لشبه النَّاسِخ (وَيبقى الْعَام على قطعيته لبُطْلَان النَّاسِخ الْمَجْهُول) وَعدم تعدِي جهالته إِلَى الْمَعْلُوم لكَونه مُسْتقِلّا، بِخِلَاف الِاسْتِثْنَاء فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة وصف قَائِم بصدر الْكَلَام فهما بِمَنْزِلَة كَلَام وَاحِد فيؤثر جَهَالَة الْمُسْتَثْنى فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، فَيتَوَقَّف على الْبَيَان للإجمال (وَيبْطل الأول) أَي الْعَام (للْأولِ) أَي لشبهه بِالِاسْتِثْنَاءِ لتعدي جهالته إِلَيْهِ كَمَا فِي اسْتثِْنَاء الْمَجْهُول (وَفِي) الْمُخَصّص (الْمَعْلُوم شبه النَّاسِخ) من حَيْثُ كَونه مُسْتقِلّا (يُبطلهُ) أَي الْعَام (لصِحَّة تَعْلِيله) أَي الْمُخَصّص الْمَعْلُوم شبه النَّاسِخ من هَذِه الْحَيْثِيَّة كَمَا هُوَ الأَصْل فِي النُّصُوص المستقلة وَإِن كَانَ النَّاسِخ لَا يُعلل (وَجَهل قدر الْمُتَعَدِّي إِلَيْهِ) بِالتَّعْلِيلِ (فيجهل الْمخْرج) بِهَذَا السَّبَب (وَشبه الِاسْتِثْنَاء) من حَيْثُ إِثْبَات الحكم فِيمَا وَرَاء الْمَخْصُوص وَعدم دُخُول الْمَخْصُوص تَحت حكم الْعَام (يبْقى قطعيته) فَلَا يبطل الْعَام فِي الْوَجْهَيْنِ، وَيتْرك إِلَى الظنية للشبهين (وَهُوَ) أَي هَذَا الدَّلِيل (ضَعِيف، لِأَن إِعْمَال الشبهين عِنْد الْإِمْكَان، وَهُوَ) إِمْكَان إعمالها (مُنْتَفٍ فِي الْمَجْهُول) لِأَن الْعَمَل بالمخصوص بِالْمَجْهُولِ مَوْقُوف على الْبَيَان، فِيهِ أَن توقف الْعَمَل بِهِ على الْبَيَان لَا يسْتَلْزم عدم حجيته، أَلا ترى أَن أقِيمُوا الصَّلَاة كَانَ قبل الْبَيَان حجَّة غير أَن احْتِيَاجه بِاعْتِبَار الْكَيْفِيَّة، واحتياج هَذَا من حَيْثُ الكمية فَتَأمل (بل الْمُعْتَبر الأول) أَي الشبة بِالِاسْتِثْنَاءِ (لِأَنَّهُ) أَي الشّبَه بِهِ (معنوي) فَإِن الِاسْتِثْنَاء يخرج من الْعَام كالمستقل غير أَنه لم يسم تَخْصِيصًا اصْطِلَاحا (وَشبه النَّاسِخ طرد) وَهُوَ مشاركتهما فِي أَمر لَفْظِي على سَبِيل الِاتِّفَاق من غير مُنَاسبَة

معنوية يعْتد بهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَنَّهُ فِي مُجَرّد اللَّفْظ) أَي كَون كل مِنْهُمَا لَا يحْتَاج فِي صِحَة التَّكَلُّم بِهِ إِلَى غَيره (وعَلى هَذَا) يَعْنِي كَون الْمُعْتَبر فِيهِ شبه الِاسْتِثْنَاء (تبطل حجيته) فِي الْمَجْهُول (كالجمهور) أَي كَمَا قَالَ الْجُمْهُور (وصيرورته ظنيا فِي الْمَعْلُوم لما تحقق من عدم إِرَادَة مَعْنَاهُ) أَي الْعَام بالتخصيص بالمعلوم (مَعَ احْتِمَال قِيَاس آخر مخرج) مِنْهُ بَعْضًا آخر (وَهَذَا) الِاحْتِمَال لتَضَمّنه) أَي الْمُخَصّص (حكما) شَرْعِيًّا، وَالْأَصْل فِي النُّصُوص التَّعْلِيل للتضمن للْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة (لَا لشبه النَّاسِخ باستقلال صيغته) لكَونه طرديا كَمَا ذكر (وَكَون السمعي حجَّة) فِي إِثْبَات حكم (فرع معلومية مَحل حكمه، وَالْقطع) حَاصِل (بنفيها) أَي معلومية مَحل حكمه (فِي نَحْو: لَا تقتلُوا بَعضهم، فَإِن دفع) هَذَا (بثبوتها) أَي الحجية مَعَ انْتِفَاء معلومية مَحل حكم الْمُخَصّص (فِي نَحْو: وَحرم الرِّبَا) من قَوْله - {وَأحل الله البيع} - (للْعلم بِحل البيع قُلْنَا أَن علموه) أَي المخاطبين الرِّبَا (نوعا مَعْرُوفا من البيع) كَمَا يعرفهُ الْيَوْم (فَلَا إِجْمَال) لمعلوميته (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعلموه إِلَى آخِره (فكحرم بعض البيع) أَي فَهُوَ مُجمل يتَوَقَّف الْعَمَل بِهِ على الْبَيَان مَعَ اعْتِبَار حَقِيقَة المُرَاد بِهِ (وَإِخْرَاج سَارِق أقل من) مِقْدَار قيمَة (الْمِجَن) الْمشَار إِلَيْهِ فِي حَدِيث أَيمن لم تقطع الْيَد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا فِي عَن الْمِجَن، وثمنه يَوْمئِذٍ دِينَار كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (مدعى كل معلومية كمية ثَلَاثَة أَو عشرَة) عطف بَيَان لكمية (فَلَيْسَ) تَخْصِيص عُمُوم الْآيَة بِهِ (مِنْهُ) أَي من التَّخْصِيص بالمجمل فَلَا يسْقط الِاحْتِجَاج بِآيَة السّرقَة على قطع السَّارِق (أَو) سلمنَا أَنه مِنْهُ لكِنهمْ (توقفوا أَولا) فِي الْعَمَل بِآيَة السّرقَة (حَتَّى بَان) مِقْدَار قيمَة الْمِجَن (على الِاخْتِلَاف) فعملوا بهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رَحِمهم الله فِي أظهر رواياته يقطع إِذا سرق ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ربع دِينَار، وَعِنْدنَا بِعشْرَة دَرَاهِم (وَقَوله) أَي قَول فَخر الْإِسْلَام فِي التَّخْصِيص بالمعلوم يبطل الْعُمُوم لصِحَّة تَعْلِيله (وبالتعليل لَا يدْرِي قدر الْمُتَعَدِّي إِلَيْهِ إِن أَرَادَ) بِهِ لَا يدْرِي ذَلِك (بِالْفِعْلِ) أَي وَقت التَّعْلِيل (لَيْسَ بضائر) الأولى فَلَيْسَ: أَي لَا يضر شَيْء من الْأَحْوَال (إِلَّا إِذا لزم فِي حجيته) أَي الْكَلَام الْمَخْصُوص (فِي الْبَاقِي تعين عدده) أَي الْبَاقِي (لَكِن اللَّازِم) فِي حجيته فِيهِ (تعين النَّوْع وَالتَّعْلِيل يفِيدهُ) أَي يعين النَّوْع (لِأَنَّهَا) أَي الْعلَّة لإِخْرَاج الْبَعْض حِينَئِذٍ (وصف ظَاهر منضبط، فَمَا تحققت فِيهِ) من المندرج تَحت الْعَام (ثَبت خُرُوجه، وَمَا لَا) يتَحَقَّق فِيهِ (فتحت الْعَام) بَاقٍ (أَو) أَرَادَ أَنه (قبله) أَي قبل التَّعْلِيل (أَي بِمُجَرَّد علم الْمُخَصّص) أَي بِالْعلمِ بِهِ من غير أَن يتَعَيَّن الْوَصْف الْمُعَلل بِهِ بعد (يجب التَّوَقُّف) فِي الْبَاقِي (للْحكم بِأَنَّهُ) أَي الْمخْرج (مُعَلل ظَاهرا) إِذْ الأَصْل فِي الْأَحْكَام التَّعْلِيل (وَلَا يدْرِي إِلَى آخِره) أَي

مسئلة

قدر الْمُتَعَدِّي إِلَيْهِ نوعا، وَفِي نسخ الْمَتْن هَهُنَا أَو لَا يدْرِي وَهُوَ سَهْو من النَّاسِخ: إِذْ لَا معنى لَهُ إِلَّا بتكلف رَكِيك لَا يحْتَاج إِلَيْهِ (فَقَوْل الْكَرْخِي وَغَيره من الواقفية) كالجرجاني وَعِيسَى ابْن أبان على مَا سبق ذكره مَعَ تَفْسِير لمرادهم، وَقَول الْكَرْخِي خبر مَحْذُوف: أَي فَهَذَا قَول الْكَرْخِي، وَالْجُمْلَة جَزَاء الشَّرْط على الشق الْأَخير من الترديد (لِأَن مَعْنَاهُ) أَي معنى قَول الْكَرْخِي (يتَوَقَّف) الْعَمَل بِالْعَام الْمَذْكُور (لذَلِك) أَي لِأَنَّهُ لَا يدْرِي قدر المتعدى إِلَيْهِ (إِلَى أَن يستنبط) الْوَصْف المناط لإِخْرَاج الْبَعْض (فَيعلم الْمخْرج بِالْقِيَاسِ حِينَئِذٍ لما ذكرنَا فِي الْمَجْهُول). قَوْله لما ذكرنَا إِلَى آخِره تَعْلِيل لما فهم ضمنا من سُقُوط الحجية قبل الْعلم بِمِقْدَار المتعدى إِلَيْهِ، والموصول إِشَارَة إِلَى قَوْله: وَكَون السّمع حجَّة فرع معلومتيه بنفيها الخ (وَزِيَادَة الْعَمَل) الْإِضَافَة بَيَانِيَّة (بِالْعَام) صلَة الْعَمَل (قبل الْبَحْث عَن الْمُخَصّص) ظرف للْعَمَل، ثمَّ فسر الْمُخْتَص بقوله أَعنِي (أَعنِي الْقيَاس الَّذِي حكم بِهِ) أَي الَّذِي تضمنه الْمُخَصّص (للْحكم بمعلولية التَّخْصِيص) لما ذكر من الأَصْل فِي الْأَحْكَام التَّعْلِيل، قَوْله للْحكم تَعْلِيل القَوْل لقَوْله حكم بِهِ، وَقَوله وَزِيَادَة الْعَمَل مَعْطُوف على مَا ذكرنَا: أَي ولزيادة أَمر آخر: وَهُوَ عدم جَوَاز الْعَمَل بِالْعَام قبل الْبَحْث عَن الْمُخَصّص على مَا سبق أَنه أجمع عَلَيْهِ لعدم الِاعْتِدَاد بقول الصَّيْرَفِي، وَقَوله أَعنِي تَفْسِير للمخصص فَمَا نَحن فِيهِ (وَهُوَ) أَي قَول فَخر الْإِسْلَام (حِينَئِذٍ) أَي حِين فسر بِمَا ذكر (أحسن) لكنه لم يردهُ وَإِلَّا لم يعسر لكَونه حجَّة ظنية (وَقَول الْإِسْقَاط) للعام الْمَخْصُوص (مُطلقًا) أَي فِي أخص الْخُصُوص وَغَيره (إِن صَحَّ) أَن أحدا ذهب إِلَيْهِ (وَهُوَ) أَي القَوْل بِهِ (بعيد) وَإِن نَقله الْآمِدِيّ وَغَيره (سَاقِط لقطعيته) أَي الْعَام (فِي أخص الْخُصُوص) مَعْلُوما كَانَ الْمُخْتَص أَو مَجْهُولا للْقطع بتناوله بعد التَّخْصِيص لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ احْتِمَال الْخُرُوج (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك وَجَاز إِخْرَاجه (كَانَ) التَّخْصِيص (نسخا) لَا تَخْصِيصًا. مسئلة (الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالف (خصوا بِهِ) أَي بِالْمَفْهُومِ (الْعَام) فِي الشَّرْح العضدي من قَالَ بِالْمَفْهُومِ جوز تَخْصِيص الْعَام بِالْمَفْهُومِ كَمَا جوزه بالمنطوق (كفى الْغنم زَكَاة) فَإِن الْغنم عَام مُسْتَغْرق لما يصلح لَهُ إِذا ضم (مَعَ فِي الْغنم السَّائِمَة زَكَاة) فَإِن هَذَا بمفهومه يدل على أَنه لَيْسَ فِي المعلوفة الزَّكَاة، وَبِهَذَا الْمَفْهُوم يخص عُمُوم الأول، وَفِي الشَّرْح الْمَذْكُور، فَإِن قيل لَا نسلم الْمُعَارضَة، فَإِن الْمَنْطُوق أقوى، والأضعف يمحى مَعَ الْأَقْوَى فَلَا يُعَارضهُ قُلْنَا الْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ أولى من إبِْطَال أَحدهمَا وَإِن كَانَ أَضْعَف كَغَيْرِهِ من المخصصات: فَإنَّا نعمل بهما جمعا بَين الْأَدِلَّة

مسألة

وَلَا يشْتَرط التَّسَاوِي: أَي بَين الْعَام وَالْمَفْهُوم، لِأَن كلا مِنْهُمَا ظَنِّي الدّلَالَة عِنْد الْقَائِلين بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لجمع الظنية إيَّاهُمَا) أَي الْعَام وَالْمَفْهُوم، لِأَن كلا مِنْهُمَا ظَنِّي الدّلَالَة (ومساواتهما) أَي الْمَخْصُوص والمخصوص بِهِ (ظنا) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الْمُسَاوَاة إِلَى الضَّمِير: أَي مُسَاوَاة ظنيهما قُوَّة (لَيْسَ شرطا) فِي التَّخْصِيص حَتَّى لَا يصلح الأضعف لِأَن تَخْصِيص الْأَقْوَى من خبر الْوَاحِد (للاتفاق عَلَيْهِ) أَي التَّخْصِيص (بِخَبَر الْوَاحِد للْكتاب بعد تَخْصِيصه) أَي اتَّفقُوا على أَنه يجوز تَخْصِيص الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد بعد أَن خصص بقطعي، مَعَ أَن الْكتاب إِن خصص أقوى من خبر الْوَاحِد، وَإِنَّمَا ارتكبوا ذَلِك (للْجمع) بَين الْأَدِلَّة المتعارضة، وَإِنَّمَا قَالَ بعد تَخْصِيصه ليَصِح دَعْوَى الِاتِّفَاق، فَإِنَّهُ لَا يجوز عندنَا تَخْصِيص الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد ابْتِدَاء كَمَا سَيَأْتِي (وَالتَّحْقِيق أَن مَعَ ظنية الدّلَالَة فيهمَا) أَي الْعَام وَالْمَفْهُوم الْمُخَالف (يُقَوي ظن الْخُصُوص) فِي الْعَام (لغلبته) أَي الْخُصُوص (فِي الْعَام) فَلَا يكون الْعَام أقوى من الْمَفْهُوم ظنا. مَسْأَلَة (الْعَادة) وَهِي الْأَمر المتكرر وَلَو من غير علاقَة عقلية وَالْمرَاد هُنَا (الْعرف العملي) لقوم (مُخَصص) للعام الْوَاقِع فِي تخاطبهم (عِنْد الْحَنَفِيَّة، خلافًا للشَّافِعِيَّة كحرمت الطَّعَام، وعادتهم) أَي المخاطبين (أكل الْبر انْصَرف) الطَّعَام (إِلَيْهِ) أَي الْبر (وَهُوَ) قَول الْحَنَفِيَّة (الْوَجْه، إِمَّا) تَخْصِيص الْعَام (بِالْعرْفِ القولي) وَهُوَ أَن يتعارف عِنْد قوم فِي إِطْلَاق لفظ إِرَادَة بعض أَفْرَاده مثلا بِحَيْثُ لَا يتَبَادَر عِنْد سَمَاعه إِلَّا ذَلِك (فاتفاق) أَي فتخصيص الْعَام بِهِ عِنْد ذَلِك مُتَّفق عَلَيْهِ (كالدابة على الْحمار، وَالدِّرْهَم على النَّقْد الْغَالِب لنا الِاتِّفَاق على فهم) لحم (الضَّأْن بِخُصُوصِهِ فِي: اشْتَرِ لَحْمًا وَقصر الْأَمر) بشرَاء اللَّحْم (عَلَيْهِ) أَي الضَّأْن (إِذا كَانَت الْعَادة أكله فَوَجَبَ) كَون الْعرف العملي مُخَصّصا (كالقولي لِاتِّحَاد الْمُوجب) وَهُوَ تبادره بِخُصُوصِهِ من من إِطْلَاق اللَّفْظ (وإلغاء الْفَارِق) بَينهمَا (بِالْإِطْلَاقِ والعموم) مَحل الِاتِّفَاق، فَإِن لَحْمًا فِي اشْتَرِ لَحْمًا مُطلق، وَلَيْسَ بعام وَهُوَ ظَاهر والعموم فِي الْمُبْتَاع فِيهِ فِي حرمت الطَّعَام لظُهُور أَنه لَا أثر لهَذَا الْفَارِق (وَكَون دلَالَة الْمُطلق على الْمُقَيد دلَالَة الْجُزْء على الْكل و) دلَالَة (الْعَام على الْفَرد قلبه) فَإِن لَحْمًا جُزْء من لحم الضَّأْن، وَالطَّعَام الدَّال على كل طَعَام لاستغراقه الْأَفْرَاد كل وَالْبر جُزْء مِنْهُ (كَذَلِك) أَي فَارق ملغى، إِذْ لَا أثر لَهُ بعد اشتراكهما فِي تبادر الْخُصُوص (تَنْبِيه: مثل جمع من الْحَنَفِيَّة) مِنْهُم فَخر الْإِسْلَام (لذَلِك) أَي للتخصيص بِالْعَادَةِ (بِالنذرِ بِالصَّلَاةِ وَالْحج ينْصَرف إِلَى الشَّرْعِيّ) مِنْهُمَا (وَقد يخال) أَي يظنّ كل مِنْهُمَا (غير مُطَابق)

لَهُ، وَإِنَّمَا هما مثالان للتخصيص بِالْعرْفِ القولي (وَالْحق صدقهما) أَي التَّخْصِيص بِكُل من العرفين (عَلَيْهِمَا) أَي المثالين، وَلَا يُقَال وضع الْحَنَفِيَّة لهَذِهِ المسئلة يُشِير إِلَى مَا يخال (إِذْ وضعهم) لَهَا هَكَذَا (تتْرك الْحَقِيقَة) بِخَمْسَة أَشْيَاء (عَاما) كَانَ اللَّفْظ (أَو غَيره بِدلَالَة الْعَادة) هَذَا أحد الْخَمْسَة (وبدلالة اللَّفْظ فِي نَفسه) هَذَا ثَانِيهمَا، وفسروه كَمَا قَالَ (أَي إنباء الْمَادَّة) أَي مَادَّة اللَّفْظ (عَن كَمَال فيخص) اللَّفْظ (بِمَا فِيهِ) من الْكَمَال (كحلفه لَا يَأْكُل لَحْمًا: وَلَا نِيَّة معممة) أَي وَالْحَال لَيْسَ هُنَاكَ نِيَّة تَقْتَضِي عُمُوم اللَّحْم لما يصلح لَهُ (لَا يدْخل السّمك) فِي حلفه إِلَّا فِي رِوَايَة شَاذَّة عَن أبي يُوسُف لقَوْله تَعَالَى - {لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طريا} - أَي من الْبَحْر سمكًا، وَإِنَّمَا لم يدْخل (لإنبائه) أَي اللَّحْم (عَن الشدَّة بِالدَّمِ) لدلَالَة مادته على الشدَّة وَالْقُوَّة، فَإِنَّهُ سمى لَحْمًا لقُوَّة فِيهِ لتولده من الدَّم الَّذِي هُوَ أقوى الأخلاط فِي الْحَيَوَان، وَلَيْسَ للسمك دم لعيشه فِي المَاء وحله بِلَا ذَكَاة، فَإِن الدموي لَا يعِيش فِيهِ وَلَا يحل بِدُونِهَا (وَقد يدْخل) هَذَا (فِي الْعرفِيّ) فِي التَّحْقِيق عَامَّة الْعلمَاء تمسكوا فِي هَذِه المسئلة بِالْعرْفِ (نعم لَو انْفَرد) إنباء اللَّفْظ بِالْإِخْرَاجِ من الْعَام أَو الْمُطلق (أخرج) يَعْنِي إِمْكَان حُصُول الْخُرُوج بالإنباء لَا يَنْفِي دُخُوله فِي الْعرفِيّ، غَايَته أَنه إِذا انْفَرد أخرج (وَلَو عَارضه) أَي الإنباء عرف (قدم الْعرف) على الإنباء لرجحان اعْتِبَاره عَلَيْهِ (وَقَوله كل مَمْلُوك لي حر لَا يعْتق مكَاتبه) وَيعتق مدبره وَأم وَلَده لنُقْصَان الْملك فِي الْمكَاتب لعدم مملوكيته يدا لَا رَقَبَة، وَلِهَذَا لَا يحل وَطْء الْمُكَاتبَة وَلم يتَنَاوَل الْملك عِنْد الْإِطْلَاق إِلَّا الْكَامِل عرفا، (أَو) إنباء الْمَادَّة (عَن نقص) فِي الْمُسَمّى (فِي يتَنَاوَل) اللَّفْظ الْمُسَمّى (ذَا كَمَال كحلفه لَا يَأْكُل فَاكِهَة لَا يَحْنَث بالعنب، لِأَن التَّرْكِيب دَال على التّبعِيَّة والقصور فِي الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ) من المأكولات: وَهُوَ التغذي، لِأَن الْفَاكِهَة اسْم من التفكه، وَهُوَ التنعم، وَهُوَ إِنَّمَا يكون بِأَمْر زَائِد على الْمُحْتَاج إِلَيْهِ أَصَالَة مِمَّا يكون بِهِ القوام فَإِنَّهُ لَا يُسمى منعما، وَالْعِنَب مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ القوام حَتَّى يَكْتَفِي بِهِ فِي بعض الْمَوَاضِع، وَمثله الرطب وَالرُّمَّان، وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله، وَقَالا: يَحْنَث لوُجُود معنى التفكه فِيهِ، بل هِيَ أعز الْفَوَاكِه والتنعم بهَا يفوق التنعم بغَيْرهَا من الْفَوَاكِه، وَقَالَ الْمَشَايِخ هَذَا اخْتِلَاف زمَان فَفِي زَمَانه مَا كَانَت تعد من الْفَوَاكِه، وَفِي زَمَاننَا تعد مِنْهَا (وَبِمَعْنى من الْمُتَكَلّم) هَذَا ثَالِث الْخَمْسَة: أَي وبدلالة معنى من صِفَات الْمُتَكَلّم (كَانَ خرجت فطالق عقيب تهيئها لخرجة لجت فِيهَا) أَي حرصت على تِلْكَ الخرجة (لَا يَحْنَث بِهِ) أَي بخروجها (بعد سَاعَة، وَتسَمى يَمِين الْفَوْر) هُوَ مَأْخُوذ من فوران الْقدر، سميت بِاعْتِبَار صدورها من فوران الْغَضَب، أَو لِأَن الْفَوْر استعير للسرعة، ثمَّ سمى بِهِ الْحَالة الَّتِي لَا لبث فِيهَا، يُقَال أخرج من فوره: أَي من سَاعَته، وَأول من استخرجها أَبُو حنيفَة

مسئلة

وَكَانُوا قبل ذَلِك يَقُولُونَ بتأييده كلا أفعل كَذَا، وَلَا أفعل الْيَوْم كَذَا: وَهِي مُؤَبّدَة لفظا مُؤَقَّتَة معنى لتقييده بِالْحَال لكَونهَا جَوَابا لكَلَام يتَعَلَّق بِالْحَال كَذَا قَالُوا (وَحَقِيقَته) أَي حَقِيقَة الْمُخَصّص فِي هَذَا الْقسم (دلَالَة حَالهمَا) أَي الْمُتَكَلّم، والمخاطب ككونها ملحة على الْخُرُوج فِي تِلْكَ الْحَالة، وَكَونه ملحا على الْمَنْع حِينَئِذٍ (وبدلالة مَحل الْكَلَام) لكَون الْمحل غير قَابل للْحَقِيقَة، فَإِن الْعَاقِل لَا يقْصد مَا لَا يقبله الْمحل صِيَانة لكَلَامه من اللَّغْو وَالْكذب، فَتعين إِرَادَة الْمَعْنى الْمجَازِي، وَهَذَا رَابِع الْخَمْسَة (كَأَنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَرفع الْخَطَأ) فَإِن نفس الْعَمَل يُوجد بِدُونِ النِّيَّة وَنَفس الْخَطَأ لم يرفع فَتعذر إِرَادَة الْحَقِيقَة (وَقد يدرج هَذَا فِي) الْمُخَصّص (الْعقلِيّ) فَإِن الْعقل يحِيل إِرَادَة الْحَقِيقَة لما ذكر قيل لَا نسلم هَذَا فِي الْأَعْمَال، إِذْ لَا يلْزم تَقْدِير الْمُتَعَلّق الْعَام كالحصول لجَوَاز تَقْدِيره مُتَعَلق خَاص بِقَرِينَة الْمقَام، نَحْو: مَا الْأَعْمَال مُعْتَبرَة لشَيْء من الْأَشْيَاء إِلَّا بِالنِّيَّاتِ. قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله: بل التَّقْدِير مَا الْأَعْمَال محسوبة بِشَيْء من الْأَشْيَاء كالشروع فِيهَا والتلبس بهَا إِلَّا بِالنِّيَّاتِ (وبالسياق) أَي وبدلالة سوق الْكَلَام على أَن المُرَاد غير الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ بِأَن يكون هُنَاكَ قرينَة لفظية سَابِقَة عَلَيْهِ أَو مُتَأَخِّرَة عَنهُ، والسباق بِالْبَاء الْمُوَحدَة مُخْتَصّ بالمتقدمة، وَهَذَا خَامِس الْخَمْسَة (كطلق امْرَأَتي إِن كنت رجلا، فَإِنَّهُ لَا يُفِيد التَّوْكِيل بِهِ) أَي بتطليقها الَّذِي هُوَ حَقِيقَة طلق امْرَأَتي لقَرِينَة السِّيَاق على مَا يدل عَلَيْهِ قَوْله إِن كنت رجلا عرفا (وَيَأْتِي التَّخْصِيص بِفعل الصَّحَابِيّ) فِي المسئلة الثَّالِثَة وَفِي مبَاحث السّنة. مسئلة (إِفْرَاد فَرد من الْعَام بِحكمِهِ) أَي الْعَام: يَعْنِي إِذا علق على عَام حكم ثمَّ علق على فَرد من أَفْرَاد ذَلِك الْعَام ذَلِك الحكم (لَا يخصصه) أَي الْفَرد الْمَذْكُور ذَلِك الْعَام (وَهُوَ) أَي كَون إِفْرَاد فَرد مِنْهُ بِحكمِهِ مُخَصّصا (قلب الْمُتَعَارف فِي التَّخْصِيص، وَهُوَ) أَي الْمُتَعَارف فِيهِ (قصره) أَي الحكم (على غير مُتَعَلق دَلِيله) فَإِن مُتَعَلق دَلِيل التخصص هُوَ الْفَرد الَّذِي يخرج من الْعَام وَيقصر الحكم على غَيره، وَهُوَ الْبَاقِي بعد إِخْرَاجه من الْأَفْرَاد، وَذَلِكَ دَلِيل التَّخْصِيص يدل على أَنه خَارج من حكم الْعَام، فَهُوَ مُتَعَلّقه (بل) حَاصِل (هَذَا) الْإِفْرَاد (قصره) أَي الحكم (عَلَيْهِ) أَي على مُتَعَلق دَلِيل التَّخْصِيص، وَهُوَ الْفَرد الَّذِي أفرد بِحكمِهِ، فَلَو جعل مَا أفرد بالحكم مُخَصّصا، وَهَذَا الْإِفْرَاد دَلِيلا للتخصيص وَلَا شكّ أَن الْمَقْصُور عَلَيْهِ حِينَئِذٍ هُوَ عين مَا أفرد لزم الْمَقْصُور عَلَيْهِ مُتَعَلق دَلِيل التَّخْصِيص، وَهُوَ قلب الْمُتَعَارف (مِثَاله أَيّمَا أهاب) دبغ فقد طهر (مَعَ قَوْله فِي شَاة مَيْمُونَة دباغها طهورها) فَلَا يخص حكم الطّهُورِيَّة

مسئلة

بالدباغ جلد شَاة مَيْمُونَة من بَين الأهب، وَتكلم الشَّارِح فِي الحَدِيث الثَّانِي وَذكر مَا يُفِيد مَعْنَاهُ (وَمِنْه) أَي من إِفْرَاد فَرد من الْعَام بِحكمِهِ (أَو شبهه) مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا مَعَ) مَا فِي رِوَايَة لمُسلم رَوَاهُ. " وَجعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا (وتربتها) لنا طهُورا إِذا لم تَجِد المَاء ". قَالَ الشَّارِح إِنَّمَا قَالَ أَو شبهه لجَوَاز أَن يُقَال التُّرَاب جُزْء من الأَرْض لَا جزئي لَهَا، وَإِنَّمَا بَينهمَا شبه من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا بعض من الْمُسَمّى (لنا لَا تعَارض) بَين إِثْبَات الحكم للْكُلّ وإثباته للْبَعْض (فَوَجَبَ اعتبارهما فَلَا يخص الطّهُورِيَّة التُّرَاب من أَجزَاء الأَرْض قَالُوا الْمَفْهُوم مُخَصص) للعام كَمَا مر، وَمَفْهُوم مَا أفرد بالحكم نفى الحكم عَن سَائِر أَفْرَاده إِذا لَا فَائِدَة لذكره إِلَّا ذَلِك فَيخْتَص حكم الطّهُورِيَّة بِشَاة مَيْمُونَة فِي عُمُوم أَيّمَا أهاب (قُلْنَا) دلَالَة الْمَفْهُوم (مَمْنُوع عِنْد الْحَنَفِيَّة، وَلَو سلم فَهَذَا) أَي مَفْهُوم إِفْرَاد فَرد من الْعَام بِحكمِهِ (مَفْهُوم لقب مَرْدُود) عِنْد الْجُمْهُور كَمَا تقدم، وَفَائِدَة ذكر ذَلِك الْفَرد نفى احْتِمَال تَخْصِيصه من الْعَام، وَهَذَا إِذا لم يكن لَهُ مَفْهُوم مُخَالفَة إِلَّا اللقب وَأما إِذا كَانَ لَهُ غَيره فَلَا يتم الْجَواب على التَّسْلِيم كَذَا ذكره الشَّارِح، وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَن النزاع فِي أَن مُجَرّد إِفْرَاد فَرد من الْعَام بِحكمِهِ هَل يخصص أَولا، وَاعْتِبَار الْمَفْهُوم أمرا زَائِدا على الْإِفْرَاد بالحكم فَتَأمل. مسئلة (رُجُوع الضَّمِير) الْوَاقِع بعد الْعَام (إِلَى الْبَعْض) من أَفْرَاده (لَيْسَ تَخْصِيصًا، مثل والمطلقات) يَتَرَبَّصْنَ (مَعَ وبعولتهن) أَحَق بردهن، فَإِن المطلقات يعم البائنات والرجعيات وَالضَّمِير للرجعيات فَقَط لعدم إِمْكَان الرَّد فِي البائنات (فَلَا يخص التَّرَبُّص الرجعيات) بل يتَعَلَّق بِهن وبالبائنات عِنْد أَكثر الشَّافِعِيَّة وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب والبيضاوي (وَأَبُو الْحُسَيْن وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ) قَالَا (تَخْصِيص) لَهُ، قيل وَعَلِيهِ أَكثر الْحَنَفِيَّة وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْمُعْتَزلَة، وعزى إِلَى الشَّافِعِي رَحمَه الله (وَهُوَ الْأَوْجه، وَقيل بِالْوَقْفِ) عزى إِلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره (لنا) على الْمُخْتَار: وَهُوَ أَنه تَخْصِيص لَهُ (حَقِيقَته) أَي الضَّمِير (رابط لِمَعْنى مُتَأَخّر بمتقدم أَعم من مَذْكُور أَو مُقَدّر بِدَلِيل) يدل على تَقْدِيره (على أَنه) أَي الرابط مُتَعَلق بربط (هُوَ) أَي الْمُتَقَدّم (فَلَا يتَصَوَّر الِاخْتِلَاف) بَينهمَا (وَمَا قيل) فِي وَجه أَنه لَا يخص (التَّجَوُّز فِيهِ) أَي الضَّمِير (غير ملزوم للتجوز فِي الأول) أَي الْعَام: يَعْنِي لَا يلْزم من كَون الضَّمِير مجَازًا فِي الْبَعْض كَون الْعَام مجَازًا فِيهِ (فبعيد إِذْ رُجُوعه) أَي الضَّمِير (إِلَى لفظ الأول بِاعْتِبَار

مسئلة

مَعْنَاهُ فَلَا يتَصَوَّر كَونه) أَي الضَّمِير (مجَازًا) فِي الْبَعْض ومرجعه الَّذِي هُوَ الْعَام على حَقِيقَته وَهُوَ الْعُمُوم (فَإِذا خص) الضَّمِير (الرجعيات) من المطلقات (مَعَ كَونه) أَي الضَّمِير (عبارَة عَن المطلقات فهن) أَي الرجعيات (المُرَاد بِهِ) أَي الْعَام (وَهُوَ) المطلقات وَهُوَ أَي كَونه المُرَاد بالمطلقات الرجعيات لَا غير هُوَ (التَّخْصِيص) للمطلقات (وَبِه) أَي بِهَذَا الْجَواب (ظهر أَن قَوْلهم) أَي الْقَائِلين بِعَدَمِ التَّخْصِيص (فِي جَوَاب قَول الْوَاقِف) لزم تَخْصِيص الظَّاهِر وَالضَّمِير، دفعا للمخالفة، وَتَخْصِيص أَحدهمَا دون الآخر تحكم إِذْ (لَا ترجح لاعْتِبَار الْخُصُوص فِي أَحدهمَا بِعَيْنِه) فَوَجَبَ التَّوَقُّف ومقول قَوْلهم (ان دلَالَة الضَّمِير أَضْعَف) من دلَالَة الظَّاهِر لتوقف الضَّمِير عَلَيْهِ (فالتغيير فِيهِ) أَي الضَّمِير (أسهل) من التَّغْيِير فِي الظَّاهِر فترجح اعْتِبَار الْخُصُوص فِي الضَّمِير (لَا يُفِيد) خبران، وَذَلِكَ لما ظهر من بَيَان حَقِيقَة الضَّمِير المستدعى اتحادهما (وَامْتنع الْخلاف) وَفِي نُسْخَة الِاخْتِلَاف بَين الضَّمِير ومرجعه (فِي الْآيَة) (فَبَطل تَرْجِيحه) أَي تَرْجِيح قَول الْقَائِلين بِعَدَمِ التَّخْصِيص (بِأَنَّهُ) أَي تَخْصِيص الضَّمِير (لَا يسْتَلْزم تَخْصِيص الأول، بِخِلَاف قلبه) فَإِنَّهُ يسْتَلْزم تَخْصِيص الأول تَخْصِيص الضَّمِير إِذْ يسْتَلْزم تَخْصِيص كل مِنْهُمَا تَخْصِيص الآخر لما عرفت من وجوب الِاتِّحَاد بَينهمَا (وَاللَّازِم فِي الْآيَة إِمَّا عوده) أَي الضَّمِير (على مُقَدّر هُوَ المتضمن) على صِيغَة الْمَفْعُول: وَهُوَ الرجعيات (مدلولا) تضمنيا (للمتضمن) على صِيغَة الْفَاعِل: وَهُوَ المطلقات (وَأما عَلَيْهِ) أَي المتضمن على صِيغَة الْفَاعِل: وَهُوَ المطلقات مرَادا بِهن الرجعيات (مجَازًا) عَن إِطْلَاق الْكل وَإِرَادَة الْبَعْض (وَوُجُوب تربص غير الرجعيات بِدَلِيل آخر) كالإجماع وَالْقِيَاس. مسئلة لما كَانَت الْمقَالة فِي المبادئ اللُّغَوِيَّة، وَكَانَ كل مَا ذكر من الْمسَائِل مُتَعَلقَة بالألفاظ الْمَوْضُوعَة بِاعْتِبَار ذَاتهَا، أَو دلالتها، أَو مقايستها إِلَى لفظ آخر أَو مدلولها أَو اسْتِعْمَالهَا على التَّفْصِيل الَّذِي سبق، وَلم تكن هَذِه المسئلة من هَذَا الْقَبِيل، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَلَيْسَت لغوية) وَالتَّقْدِير: هَذِه مسئلة (مبدئية) بل استطرادية، فَإِن ذكرهَا فِي هَذِه الْمقَالة على سَبِيل الاستطراد، لِأَنَّهَا لَو كَانَت مِمَّا تتَعَلَّق باللغة كَانَت مثل غَيرهَا مَذْكُورَة أَصَالَة، لَا على سَبِيل التّبعِيَّة والاستطراد، وَيجوز أَن يُرَاد بمبدئها مَا أُشير إِلَيْهِ فِي عنوان الْمقَالة. قَالَ (الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة) والأشعري وَأَبُو هَاشم وَأَبُو الْحُسَيْن (يجوز التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ) قَطْعِيا كَانَ أَو ظنيا (إِلَّا أَن الْحَنَفِيَّة) قيدوا جَوَاز التَّخْصِيص بِهِ

(بِشَرْط تَخْصِيص) الْعَام (بِغَيْرِهِ) أَي غير الْقيَاس من سَمْعِي أَو عَقْلِي (وتقييده) أَي التَّخْصِيص بِغَيْرِهِ (بالقبلية) أَي بِأَن يكون قبل التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ كَمَا وَقع فِي عبارَة كثير (لَا يتَصَوَّر) وَذَلِكَ لِأَن تَخْصِيص الْقيَاس بِإِخْرَاجِهِ بعض أَفْرَاد الْعَام عَن حكمه إِلْحَاق لَهُ بِأَصْل مَنْصُوص فِي حكم مُخَالف لحكم الْعَام لاشْتِرَاكهمَا فِي الْعلَّة، فالمخصص حَقِيقَة ذَلِك النَّص، وَالْقِيَاس إِنَّمَا هُوَ مظهر لذَلِك التَّخْصِيص، وَلَا شكّ أَن ذَلِك النَّص مُقَارن للعام، وَإِذن لَا يتَصَوَّر مُخَصص آخر قبله، وَهُوَ ظَاهر (وَتَقَدَّمت إِشَارَة إِلَيْهِ) فِي الْبَحْث الْخَامِس من الْعَام حَيْثُ قَالَ عِنْد اشْتِرَاط الْحَنَفِيَّة مُقَارنَة الْمُخَصّص الأول للُزُوم النّسخ على تَقْدِير تراخيه وَالْوَجْه أَن الثَّانِي نَاسخ أَيْضا لَا الْقيَاس إِذْ لَا يتَصَوَّر تراخيه (فَالْمُرَاد بالقبلية) فِي التَّخْصِيص بِالْغَيْر (ظُهُور الْغَيْر سَابِقًا) على ظُهُوره. وَقَالَ (ابْن سُرَيج إِن كَانَ) الْقيَاس (جليا) جَازَ تَخْصِيصه، وَإِن كَانَ خفِيا لَا يجوز، وَفِي تَفْسِير الْجَلِيّ مَذَاهِب، وَالرَّاجِح أَنه قِيَاس الْمَعْنى وَهُوَ الْمَشْهُور، والخفي قِيَاس الشّبَه، وَالَّذِي مَشى عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب أَنه الَّذِي قطع فِيهِ بِنَفْي تَأْثِير الْفَارِق بَين الأَصْل وَالْفرع، والخفي مَا ظن فِيهِ ذَلِك (وَقيل إِن كَانَ أَصله) أَي الْقيَاس: يَعْنِي الْمَقِيس عَلَيْهِ (مخرجا من ذَلِك الْعُمُوم) أَي الْعُمُوم الَّذِي يُرَاد تَخْصِيصه بِالْقِيَاسِ الْمَذْكُور (بِنَصّ) خصص وَإِلَّا فَلَا، وَالْجَار مُتَعَلق بمخرجا، فَإِن الْمخْرج بِالْقِيَاسِ حِينَئِذٍ مخرج بذلك النَّص، فَإِن حكمه مُعَلل بعلة الْقيَاس الْمَذْكُور: وَهِي مستنبطة من ذَلِك النَّص فَيلْزم ثُبُوت الحكم فِي الْفَرْع أَيْضا مِنْهُ (والجبائي يقدم الْعَام مُطلقًا) جليا كَانَ الْقيَاس أَو خفِيا مخرجا أَصله من ذَلِك الْعُمُوم أَولا، وَنَقله القَاضِي عَن الْأَشْعَرِيّ وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ، فَلَا يخصصون الْعَام بِالْقِيَاسِ مُطلقًا (وَتوقف إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي، وَقيل إِن كَانَ أَصله مُخَصّصا) أَي مخرجا من الْعُمُوم (أَو) ثَبت (الْعلَّة بِنَصّ أَو إِجْمَاع) خصص (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَحَقَّق شَيْء مِنْهَا (اعْتبرت قَرَائِن التَّرْجِيح) فَإِن ظهر مَا يرجح الْقيَاس خص الْعَام وَإِلَّا عمل بِعُمُومِهِ (وَاخْتَارَهُ بَعضهم) وَهُوَ ابْن الْحَاجِب، وَإِن تَسَاويا فالوقف، وَهُوَ رَأْي الْغَزالِيّ. وَقَالَ الرَّازِيّ أَنه حق كَذَا قيل. قَالَ السُّبْكِيّ مَذْهَب ابْن الْحَاجِب آيل إِلَى اتِّبَاع أرجح الظنين، وَإِن تَسَاويا فالوقف. وَقَالَ الشَّارِح لَيْسَ كَذَلِك، إِذْ لَا وقف فِي هَذَا الْمُخْتَار لِابْنِ الْحَاجِب (لنا) على الأول (الِاشْتِرَاك) للعام وَالْقِيَاس (فِي الظنية، أما الثَّلَاثَة) مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رَحِمهم الله (فمطلقا) أَي ظَنِّي مُطلقًا فعندهم، يخص سَوَاء خص الْعَام أَولا إِلَى آخِره، وَقد سبق أَنه قَول طَائِفَة من الحنبلية (وَأما الطَّائِفَة من الْحَنَفِيَّة) الْقَائِلُونَ بِأَن الْعَام قَطْعِيّ (فبالتخصيص) صَار ظنيا عِنْدهم أَيْضا لعدم إِرَادَة مَعْنَاهُ وَاحْتِمَال إِخْرَاج بعض آخر مِنْهُ (والتفاوت فِي الظنية غير مَانع) من تَخْصِيص

الأضعف للأقوى (كَمَا تقدم) فِي التَّخْصِيص بِالْمَفْهُومِ (وَوَجهه) أَي وَجه عدم اعْتِبَار التَّفَاوُت أَو التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ وَإِن كَانَ أَضْعَف (أعمالهما) أَي الدَّلِيلَيْنِ الْعَام وَالْقِيَاس (مَا أمكن) فَإِنَّهُ أولى من إبِْطَال أَحدهمَا، فرعاية هَذَا الْمَعْنى أهم من الِاحْتِرَاز عَن كَون الأضعف مُخَصّصا للأقوى (أَو) أَن يُقَال (ترجح الْمُخَصّص) على صِيغَة الْفَاعِل، وَإِن كَانَ الْمُخَصّص على صِيغَة الْمَفْعُول أقوى مِنْهُ (هُوَ الْوَاقِع) بالِاتِّفَاقِ (كَمَا تقدم) فِي بحث التَّخْصِيص بِالْمَفْهُومِ بالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ بِخَبَر الْوَاحِد للْكتاب بعد تَخْصِيصه بقطعي (فَبَطل تَوْجِيه الْأَخير) أَي مُخْتَار ابْن الْحَاجِب (بِكَوْن الْعلَّة كَذَلِك) أَي ثَابِتَة بِنَصّ أَو إِجْمَاع (توجب كَون الْقيَاس كالنص وَالْإِجْمَاع) وَإِنَّمَا بَطل (لِأَن) الْعلَّة (المستنبطة دَلِيل، وَوُجُوب الْأَعْمَال عَام) لكل دَلِيل فَوَجَبَ أَعمال المستنبطة كالمنصوصة (وَمَا قيل) فِي وَجه عدم أَعمالهَا إِذا عارضت عَاما (المستنبطة إِمَّا راجحة، أَو مُسَاوِيَة، أَو مرجوحة) بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَام (فالتخصيص على تَقْدِير) وَهُوَ تَقْدِير كَون المستنبطة راجحة (وَعَدَمه) أَي التَّخْصِيص (على تقديرين) وهما تَقْدِير الْمُسَاوَاة والمرجوحية (فيترجح) عدم التَّخْصِيص، لِأَن وُقُوع وَاحِد من اثْنَيْنِ أقرب من وُقُوع وَاحِد معِين وَقَوله مَا قيل مُبْتَدأ خَبره (يُوجب بطلَان الْمُخَصّص مُطلقًا) إِذْ يُقَال كل مُخَصص إِمَّا رَاجِح على الْعَام الْمخْرج مِنْهُ، أَو مسَاوٍ، أَو مَرْجُوح فالتخصيص على تَقْدِير إِلَى آخِره (بل الرجحان) الْمُخَصّص على الْعُمُوم (دائمي بأعمالهما) أَي أَعمال الدَّلِيلَيْنِ الْقيَاس، وَالْعَام حَيْثُ أمكن (وَلما تقدم) من أَن الْوَاقِع تَرْجِيح الْمُخَصّص وَإِن كَانَ الْمُخَصّص فِي الظَّن (ولتخصيص الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد) وَهَذَا لَيْسَ بتكرار لِأَن مَا تقدم على وَجه الْعُمُوم، وَهَذَا على وَجه الْخُصُوص. قَالَ (الجبائي يلْزم) على تَقْدِير تَخْصِيص الْعَام بِالْقِيَاسِ (تَقْدِيم الأضعف) وَهُوَ الْقيَاس على الْأَقْوَى، وَهُوَ الْعَام (على مَا يَأْتِي) تَقْرِيره فِي مسئلة تعَارض الْقيَاس وَالْخَبَر (فِي الْخَبَر، وَيَأْتِي جَوَابه، و) يُجَاب (بِأَن ذَلِك) أَي لُزُوم مَا ذكر من تَقْدِيم الأضعف (عِنْد إبِْطَال أَحدهمَا) من الْعَام وَالْقِيَاس (وَهَذَا) أَي تَخْصِيص الْعَام بِالْقِيَاسِ (أعمالهما، وَبِأَنَّهُ) أَي الجبائي (يخصص الْكتاب بِالسنةِ وبالمفهوم) الْمُخَالف وَالسّنة أَيْضا مَعَ قصورهما فِي الْقُوَّة عَن الْكتاب وقصور الْمَفْهُوم عَن السّنة (قَالُوا) للجبائي (أخر معَاذ الْقيَاس) عَن السّنة (وَأقرهُ) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك. أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بَعثه إِلَى الْيمن: قَالَ كَيفَ تقضي إِذا عرض لَك أَمر؟ قَالَ أَقْْضِي بِمَا فِي كتاب الله، قَالَ فَإِن لم يكن فِي كتاب الله؟ قَالَ فبسنة رَسُول الله، قَالَ فَإِن لم يكن فِي سنة رَسُول الله؟ قَالَ أجتهد رَأْيِي فَلَا آلو: قَالَ فَضرب فِي صَدْرِي وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول

رَسُول الله لما يرضى رَسُول الله، وَهَذَا التَّقْدِير على تَقْدِيم الْخَبَر على الْقيَاس يدل على وجوب تَقْدِيمه على الْقيَاس إِذا خَالفه أَو وَافقه (أُجِيب أخر السّنة أَيْضا عَن الْكتاب وتخصيصه) أَي الْكتاب (بهَا) أَي بِالسنةِ (اتِّفَاق) فَمَا هُوَ جوابكم فَهُوَ جَوَابنَا (وَأَيْضًا لَيْسَ فِيهِ) أَي فِي حَدِيث معَاذ (مَا يمْنَع الْجمع) بَين الْقيَاس وَالْعَام (عِنْد التَّعَارُض، والتخصيص مِنْهُ) أَي من الْجمع بَينهمَا، غَايَة مَا فِيهِ عدم إبِْطَال السّنة بِالْقِيَاسِ، وَنحن قَائِلُونَ بِهِ على أَن حَدِيثه. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ غَرِيب، وَإِسْنَاده لَيْسَ عِنْدِي بِمُتَّصِل. وَقَالَ البُخَارِيّ لَا يَصح لَكِن شهرته وتلقى الْعلمَاء لَهُ بِالْقبُولِ لَا يقعده عَن دَرَجَة الحجية، وَمن ثمَّ أطلق جمَاعَة من الْفُقَهَاء كالباقلاني والطبري وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِ الصِّحَّة، وَأخرج لَهُ شَوَاهِد من الصَّحِيح وَالْحسن (وَله) أَي الجبائي (أَيْضا دَلِيل اعْتِبَار الْقيَاس الْإِجْمَاع، وَلَا إِجْمَاع عِنْد مُخَالفَته) أَي الْقيَاس (الْعُمُوم) وَاخْتلف الْعلمَاء فِي وجوب الْعَمَل بِهِ فَامْتنعَ الْعَمَل بِهِ، إِذْ لَا يثبت حكم بِلَا دَلِيل (وَالْجَوَاب إِذا ثبتَتْ حجيته) أَي الْقيَاس (بِهِ) أَي الْإِجْمَاع (ثَبت حكمهَا) أَي جَمِيع أَحْكَام تترتب على حجيته (وَمِنْه) وَمن حكمهَا (الْجمع) بَين مُقْتَضى الْقيَاس وَالْعَام الْمعَارض لَهُ (مَا أمكن) وَقد أمكن كَمَا ذكرنَا (و) الْحجَّة (للمفصل الثَّانِي) على الْمفصل الأول وَهُوَ الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله، وَقيل إِن كَانَ أَصله مخرجا أَن الْعلَّة (المؤثرة) أَي مَا ثَبت تأثيرها بِنَصّ أَو إِجْمَاع فِيهِ مُسَامَحَة وَالْمرَاد الْقيَاس الْمُشْتَمل على المؤثرة (والمخصص) بِصِيغَة الْمَفْعُول أَي الْقيَاس الَّذِي خص أَصله من الْعَام (تَرْجِعَانِ إِلَى النَّص) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حكمي على الْوَاحِد) حكمي على الْجَمَاعَة، فَإِذا ثَبت الْعلية، أَو الحكم فِي حق وَاحِد ثَبت فِي حق الْجَمَاعَة بِهَذَا النَّص، وَلزِمَ تَخْصِيص الْعَام بِهِ، وَكَانَ بِالْحَقِيقَةِ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ بمحض الْكَلَام أَن الْمفصل الثَّانِي يَقُول للْأولِ: وَأَنَّك خصصت الْعَام بِقِيَاس آخر أَصله من حكمه بِنَصّ نظرا إِلَى أَنه يرجع إِلَى كَون النَّص مُخَصّصا وَلم يخصص بِقِيَاس ثَبت تَأْثِير علته بِالنَّصِّ أَو الْإِجْمَاع وَهُوَ تحكم، لِأَن تَخْصِيص هَذَا رَاجع إِلَى النَّص، وَفسّر هَذَا النَّص فِي الشَّرْح العضدي بحكمي على الْوَاحِد إِلَى آخِره، وَيثبت بِمَا ذكر، وتوضيحه أَن الشَّارِع إِذا أثبت حكما لشَيْء لَهُ نَظَائِر من حَيْثُ الاشتمال على منَاط الحكم فقد أثْبته لنظائره وَأَيْضًا فَمُقْتَضى هَذَا النَّص ثُبُوت حكم الأَصْل فِي الصُّورَتَيْنِ لما تحققت فِيهِ عِلّة من أَفْرَاد الْعَام، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالنَّصِّ الْمَذْكُور مَا ثَبت بِهِ أصل الْقيَاس فيهمَا، وَيكون قَوْله حكمي إِلَى آخِره بَيَانا لكَون تَخْصِيص الْقيَاس فيهمَا بِمُوجب النَّص (وَإِذا ترجح ظن التَّخْصِيص) لما كَانَ فِي هَذَا التَّفْصِيل ثَلَاث صور: كَون أصل الْقيَاس مخرجا من ذَلِك الْعُمُوم، وَثُبُوت الْعلَّة بِنَصّ أَو إِجْمَاع، وَأَن لَا يتَحَقَّق

شَيْء مِنْهُمَا، وَذكر حكم الأولى وَالثَّانيَِة، وَهُوَ اعْتِبَار التَّخْصِيص فيهمَا لرجوع الْقيَاس إِلَى النَّص لما ذكر بَين حكم الثَّالِثَة بِأَنَّهُ إِذا ترجح ظن اعْتِبَار التَّخْصِيص بمرجح على ظن الْعُمُوم (فبالإجماع على اتِّبَاع الرَّاجِح) أَي فَيجب تَخْصِيص الْعَام بِهِ لرجحان ظَنّه وَالْإِجْمَاع على اتِّبَاع الرَّاجِح (وَهَذَا) الْكَلَام بِنَاء (على اعْتِبَار رُجْحَان ظن الْقيَاس) واشتراطه (فِي تَخْصِيصه) أَي فِي تَخْصِيص الْقيَاس للعام (وَعلمت انتفاءه) أَي انْتِفَاء اعْتِبَاره حَيْثُ قُلْنَا التَّفَاوُت فِي الظنية غير مَانع عَن التَّخْصِيص بِهِ (أَو لُزُومه بِلَا تِلْكَ الْقُيُود) فسر الشَّارِح بِلُزُوم التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ من غير اعْتِبَار ثُبُوت الْعلَّة بِنَصّ، أَو إِجْمَاع، أَو مُرَجّح خَاص لِأَنَّهُ دَلِيل، وكل دَلِيل يجب إعماله مَا أمكن انْتهى، وَلَا يظْهر حِينَئِذٍ وَجه أَو الترديدية وَالْأَوْجه أَن يُقَال: أَو بِمَعْنى بل، كَقَوْلِه تَعَالَى - {أَو يزِيدُونَ} -، وَضمير لُزُومه لرجحان الظَّن، فَإِن غَلَبَة التَّخْصِيص فِي الْعَام مَعَ وجوب أَعمال الدَّلِيلَيْنِ يسْتَلْزم رُجْحَان ظن الْقيَاس والتخصيص وَالله أعلم. قَالَ (الْوَاقِف: فِي كل مِنْهُمَا) أَي الْعَام وَالْقِيَاس (جِهَة قطع) فِي الْعَام بِاعْتِبَار الثُّبُوت، وَفِي الْقيَاس بِاعْتِبَار الحجية (وَظن) فِي الْعَام بِاعْتِبَار الدّلَالَة، وَفِي الْقيَاس بِاعْتِبَار الحكم فِي الْفُرُوع (فَيتَوَقَّف قُلْنَا لَو لم يكن مُرَجّح وَهُوَ أعمالهما) بِحَسب الْإِمْكَان فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك لَا يجوز إبِْطَال أَحدهمَا فضلا عَن إبطالهما مَعًا، وَفِي التَّوَقُّف إبطالهما (وَأما تَخْصِيص الْقُرْآن بِخَبَر الْوَاحِد، وتقييده) أَي الْقُرْآن (بِهِ) أَي بِخَبَر الْوَاحِد (و) تَخْصِيص (الْكتاب بِالْكتاب وَالْإِجْمَاع، فَفِي موَاضعهَا) تَأتي مفصلة (وَأما) تَخْصِيص الْعَام (بالتقرير) أَي تَقْرِير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما يسْتَلْزم خُرُوج بعض الْعَام من حكمه (كعلمه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِفعل مُخَالف للعام وَلم يُنكره) أَي ذَلِك الْفِعْل مَعْطُوف على علمه بِتَأْوِيل وَعدم إِنْكَاره، وَيحْتَمل أَن يكون حَالا من الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول (بِكَوْن) أَيهمَا (الْفَاعِل مُخَصّصا) من ذَلِك الْعَام مُتَعَلق بِعَدَمِ الْإِنْكَار أَي عدم إِنْكَاره على ذَلِك الْفَاعِل بِسَبَب كَونه مُخَصّصا مِنْهُ (فَوَاجِب عِنْد الشَّافِعِيَّة) وَمن يشْتَرط مُقَارنَة الْمُخَصّص من الْحَنَفِيَّة (مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ فعل ذَلِك الْفَاعِل عقب ذكر الْعَام فِي مجْلِس ذكره أَولا (لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص (أسهل من النّسخ وَأكْثر، وبشرط كَون الْعلم) بِفعل ذَلِك الْفَاعِل (عقيب ذكر الْعَام فِي مَجْلِسه) أَي مجْلِس ذكره (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِي مَجْلِسه بل بعده (فنسخ) لذَلِك الْعُمُوم (عِنْد شارطي الْمُقَارنَة) فِي الْمُخَصّص (من الْحَنَفِيَّة) ثمَّ على كَونه مُخَصّصا (فَإِن علل ذَلِك) أَي تَخْصِيص الْفَاعِل من الْعَام بِمَعْنى (تعدِي) ذَلِك التَّخْصِيص (إِلَى غير الْفَاعِل) إِذا تحقق ذَلِك الْمَعْنى فِي ذَلِك الْغَيْر،

مسئلة

لَكِن بِشَرْط أَن لَا يستوعب ذَلِك الْمَعْنى جَمِيع أَفْرَاد الْعَام وَإِلَّا يكون نسخا، وَإِن لم يُعلل فالمختار عدم تعدِي حكمه إِلَى غَيره لتعذر دَلِيل التَّعْدِيَة. قَالَ السُّبْكِيّ وَلقَائِل أَن يَقُول: إِذا ثَبت حكمي على الْوَاحِد الحَدِيث لم يحْتَج إِلَى الْعلم بالجامع، بل يَكْفِي عدم الْعلم بالفارق، وَالْأَصْل بعد ثُبُوت هَذَا الحَدِيث أَن الْخلف فِي الشَّرْع شرع، فالمختار عندنَا التَّعْمِيم وَإِن لم يظْهر الْمَعْنى مَا لم يظْهر مَا يقتضى التَّخْصِيص انْتهى، وَفِيه نظر لِأَن عُمُوم الْعَام يمْنَع ثُبُوت حكم ذَلِك الْفَاعِل فِي غَيره فَتَأمل (وَيَأْتِي تَمَامه) فِي مسئلة قبل فصل التَّعَارُض بِثَلَاث مسَائِل (وَيتَصَوَّر كَون فعل الصَّحَابِيّ) الْمُخَالف للْعُمُوم (عِنْد الْحَنَفِيَّة مُخَصّصا إِذا عرف علمه) أَي الصَّحَابِيّ (بِالْعَام) (إِذْ قَالُوا) أَي الْحَنَفِيَّة، وَوَافَقَهُمْ الْحَنَابِلَة (بحجيته) أَي فعل الصَّحَابِيّ (حملا على علمه) أَي الصَّحَابِيّ (بالمقارن) أَي الْمُخَصّص الْمُقَارن للْعُمُوم (وَهُوَ) أَي حمل علمه فِي هَذِه الصُّورَة على الْعلم بالمخصص (أسهل من حملهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة تَركه أَي الصَّحَابِيّ (مرويه على علمه) مُتَعَلق بحملهم (بالناسخ) لِأَن التَّخْصِيص أخف من النّسخ، فَتعين حَيْثُ أمكن. مسئلة (الْأَكْثَر) على (أَن مُنْتَهى التَّخْصِيص) أَي الَّذِي يجب أَن يبْقى بعد التَّخْصِيص من أَفْرَاد الْعَام (جمع يزِيد على نصفه) أَي على نصف أَفْرَاد الْعَام سَوَاء كَانَ جمعا كالرجال أَو غَيره كمن وَمَا (وَلَا يَسْتَقِيم) اعْتِبَار النّصْف (إِلَّا فِي نَحْو عُلَمَاء الْبَلَد مِمَّا ينْحَصر) وينضبط عدده ليعلم النّصْف مِنْهُ، أورد عَلَيْهِ أَن امْتنَاع تعْيين النّصْف فِيمَا لم يعلم عدده مُسلم، لَكِن لَا حَاجَة إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يُمكن أَن يعلم أَن الْبَاقِي أَكثر من النّصْف إِذا علم قدر مَا خرج بالتخصيص كَمَا إِذا كَانَ أهل الْبَلَد غير مَحْصُورين وَأخرج مِنْهُم عدد قَلِيل يقطع بِكَوْنِهِ دون النّصْف، وَقد يُجَاب بِأَن المُرَاد مَا ينْحَصر أَو مَا يقوم مقَام الانحصار فِي إفادته كَون الْبَاقِي أَكثر من النّصْف (وَقيل) منتهاه (ثَلَاثَة، وَقيل اثْنَان، وَقيل وَاحِد) قَالَ الشَّارِح: وَنَقله ابْن السَّمْعَانِيّ عَن سَائِر الشَّافِعِيَّة (وَهُوَ مُخْتَار الْحَنَفِيَّة، وَمَا قيل) كَمَا ذكره صَاحب الْمنَار وَصدر الشَّرِيعَة (الْوَاحِد فِيمَا) أَي الْعَام الَّذِي (هُوَ جنس وَالثَّلَاثَة فِيمَا هُوَ جمع، فمرادهم) أَي الْحَنَفِيَّة بِالْجمعِ الْجمع (الْمُنكر صرح بِهِ) حَيْثُ قَالُوا كعبيد وَنسَاء (و) صرح (بِإِرَادَة نَحْو الرجل وَالْعَبِيد وَالنِّسَاء والطائفة بِالْجِنْسِ) وصرحوا أَيْضا بِأَن كلا من الرجل وَمَا بعده مُفْرد دلَالَة وَإِن كَانَ بَعْضهَا جمعا صِيغَة كالعبيد (وَهُوَ) أَي الْجِنْس (مُعظم) الْعَام (الاستغراقي، وَفِيه) أَي وَفِي الْعَام الاستغراقي (الْكَلَام) فَالْمَعْنى أَن مُنْتَهى تَخْصِيص صِيغ الْعُمُوم الاستغراقي الْوَاحِد (وَأما) الْجمع (الْمُنكر فَمن الْخَاص

خُصُوص جنس على مَا أسلفناه) فِي أول التَّقْسِيم الثَّانِي من التَّقْسِيم الثَّالِث من هَذَا الْفَصْل (حَقِيقَة فِي كل مرتبَة) من مَرَاتِب الْجمع وَمَا دخله التَّخْصِيص لَا يكون حَقِيقَة فِي الْبَاقِي (ثَلَاثَة أَو أَكثر) عطف بَيَان لكل مرتبَة (لِأَنَّهَا) أَي كل مرتبَة من مراتبه (مَا صدقاته كَرجل فِي كل فَرد زيد أَو غَيره) أَي نِسْبَة الْجمع الْمُنكر إِلَى تِلْكَ الْمَرَاتِب كنسبة رجل إِلَى زيد وَعَمْرو وَغَيره (وَلَو سلم) كَونه عَاما كَمَا هُوَ قَول من لم يشْتَرط الِاسْتِغْرَاق فِي الْعُمُوم (فعمومه) أَي عُمُوم الْجمع الْمُنكر (لَا يقبل حكم) هَذِه (المسئلة إِذْ لَا يقبل التَّخْصِيص) وَهَذِه المسئلة فرع قبُول التَّخْصِيص (كعموم الْمَعْنى) من غير تَبَعِيَّة اللَّفْظ (وَالْمَفْهُوم) الْمُخَالف فَإِنَّهُمَا عمومان لَا يقبلان التَّخْصِيص (على مَا قيل) أَشَارَ إِلَى أَن التَّحْقِيق أَنَّهُمَا يقبلانه كالألفاظ على مَا بَين فِي مَحَله (وَكَونه) أَي الشَّأْن (قد يدْخل عَلَيْهِم) أَي يُورد على الْحَنَفِيَّة (أَن الِاسْتِغْرَاق) أَي الْجمع الْمُسْتَغْرق بِاللَّامِ (لَيْسَ مسلوبا) عَنهُ (معنى الجمعية) إِلَى الجنسية (بِاللَّامِ) مُتَعَلق بالسلب، وَهَذَا يُنَافِي مَا سبق آنِفا (بل الْمَعْهُود الذهْنِي) هُوَ الَّذِي يسلب عَنهُ معنى الجمعية يَعْنِي إِذا كَانَ جمعا محلى بِاللَّامِ: أَي الجنسية (شَيْء آخر) غَايَته أَنه لَا يتم مَا سبق فِي الْجمع الاستغراقي بِاللَّامِ على ذَلِك التَّقْدِير، هَذَا وَقَوله وَكَونه إِلَى هَذَا وجد فِي نُسْخَة الشَّارِح وَلَيْسَ فِي غَيره من النّسخ المصححة (وَاخْتَارَ بعض من يجوز التَّخْصِيص بالمتصل) وَهُوَ ابْن الْحَاجِب (أَنه) أَي مُنْتَهى التَّخْصِيص (بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْبدل وَاحِد، وبالصفة وَالشّرط اثْنَان، وبالمنفصل فِي المحصور الْقَلِيل إِلَى اثْنَيْنِ، كقتلت كل زنديق وهم ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة) وَقد قيل اثْنَيْنِ وَعلم ذَلِك بِكَلَام أَو حس (وَفِي غير المحصور، وَالْعدَد الْكثير الأول) أَي جمع يزِيد على نصفه فَإِنَّهُ يقرب من مَدْلُوله (وَعلمت أَن لَا ضَابِط لَهُ إِلَّا أَن يُرَاد) بِعَدَمِ الْحصْر (كَثْرَة كَثِيرَة عرفا قَالُوا) أَي الْأَكْثَر (لَو قَالَ قتلت كل من فِي الْمَدِينَة، وَقد قتل ثَلَاثَة عد لاغيا فَبَطل) مَذْهَب الثَّلَاثَة ثمَّ (مَذْهَب الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحد) بطرِيق أولى (وَالْجَوَاب أَنه) أَي عدَّة لاغيا (إِذا لم يذكر دَلِيل التَّخْصِيص مَعَه فَإِن ذكر) دَلِيل التَّخْصِيص مَعَ الْعَام (منعناه) أَي عدَّة لاغيا إِذا لم يذكر دَلِيل التَّخْصِيص مَعَه (إِلَّا أَن يُرَاد انحطاط رُتْبَة) الْكَلَام عَن دَرَجَة البلاغة (وَلَيْسَ فِيهِ الْكَلَام وَتعين الِاثْنَيْنِ فِي الْقَلِيل كقتلت كل زنديق) عِنْد قَتله (لاثْنَيْنِ وهم أَرْبَعَة حَتَّى امْتنع) كَون مُنْتَهى التَّخْصِيص (مَا دونهمَا) أَي الِاثْنَيْنِ فِيهِ (وَفِي الصّفة وَالشّرط بِلَا دَلِيل) وَكَيف لَا (وَمن الْبَين صِحَة أكْرم النَّاس الْعلمَاء أَو إِن كَانُوا عُلَمَاء، وَلَيْسَ فِي الْوُجُود إِلَّا عَالم لزم إكرامه وَهُوَ) أَي حمل الْكَلَام على ذَلِك الْوَاحِد المستلزم لإكرامه لُزُوما مَعَ عدم إِرَادَة مَا عداهُ (معنى التَّخْصِيص) بهما (ومعين الْجمع) أَي الثَّلَاثَة (والاثنين مَا قيل فِي الْجمع) من إزاء قلَّة ثَلَاثَة

أَو اثْنَان (وَلَيْسَ بِشَيْء) لِأَن الْكَلَام فِي أقل مرتبَة يخص إِلَيْهَا الْعَام لَا فِي أقل مرتبَة يُطلق عَلَيْهِ الْجمع الْمُنكر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ لَا تلازم) بَين هذَيْن الأقلين (وَلنَا) مَا هُوَ مُخْتَار الْحَنَفِيَّة (الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس، وَالْمرَاد نعيم) بن مَسْعُود بِاتِّفَاق الْمُفَسّرين وَغَيرهم (فَإِن أُجِيب بِأَن النَّاس للمعهود فَلَا عُمُوم، فمدفوع بِأَن كَون النَّاس الْمَعْهُود لوَاحِد مثله) أَي مثل النَّاس الْعَام، فَإِذا جَازَ أَن يُرَاد بِالنَّاسِ الْمَعْهُود وَاحِد من مَعْنَاهُ وَالْكثير جَازَ فِي النَّاس غير الْمَعْهُود إِرَادَة وَاحِد من مَعْنَاهُ الْكثير، (وَأَيْضًا لَا مَانع لغَوِيّ) أَي من حَيْثُ اللُّغَة (من الْإِرَادَة) أَي إِرَادَة وَاحِد بِالْعَام (بِالْقَرِينَةِ وَإِنَّمَا يعد لاغيا) بِإِرَادَة وَاحِد بِهِ (إِذا لم ينصبها) أَي الْقَرِينَة (وَنحن اشترطنا الْمُقَارنَة) أَي مُقَارنَة الْقَرِينَة (فِي التَّخْصِيص) فَلَا مَحْذُور (وَأما الْخَاص فَعلمت) فِي أَوَائِل هَذَا التَّقْسِيم (أَنه يَنْتَظِم الْمُطلق وَمَا بعده) من الْعدَد، وَالْأَمر وَالنَّهْي. (أما الْمُطلق فَمَا دلّ على بعض أَفْرَاد). قَالَ الشَّارِح إِنَّمَا قَالَ بعض وَلم يقل فَرد ليشْمل الْوَاحِد وَالْأَكْثَر فَيدْخل فِي الْمُطلق الْجمع الْمُنكر، وَأَنت خَبِير بِأَن كلا من مَا صدقَات الْجمع الْمُنكر فَرد بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِن اشْتَمَل على أَفْرَاد لمفرده (شَائِع) صفة بعض احْتِرَاز عَن الْعَام وَعَن المعارف كلهَا إِلَّا الْمَعْهُود الذهْنِي (لَا قيد مَعَه) أَي مَعَ ذَلِك الْبَعْض فَخرج نَحْو - {رَقَبَة مُؤمنَة} - فَإِنَّهُ مُقَيّد وَأَنه يصدق عَلَيْهِ أَنه دَال على بعض شَائِع (مُسْتقِلّا لفظا) فَلَا يخرج الْمَعْهُود الذهْنِي، فَإِن اللَّام فِيهِ قيد غير مُسْتَقل لفظا لعدم استقلالها فِي الدّلَالَة: وَهُوَ من الْمُطلق، وَقَوله مُسْتقِلّا حَال من الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى اسْم لَا المستكن فِي الظّرْف، ولفظا تَمْيِيز عَن نِسْبَة مُسْتقِلّا إِلَى ذِي الْحَال (فَوَضعه) أَي الْمُطلق (لَهُ) أَي للدال على بعض أَفْرَاد إِلَى آخِره، كَذَا قَالَ الشَّارِح، وَالصَّوَاب لبَعض أَفْرَاده إِلَى آخِره كَمَا لَا يخفى، تمهيد لدفع من قَالَ أَنه مَوْضُوع للْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ (لِأَن الدّلَالَة) أَي فهم الْبَعْض الشَّائِع من اللَّفْظ بِغَيْر قرينَة (عِنْد الْإِطْلَاق دَلِيله) أَي الْوَضع، فَإِن التبادر أَمارَة الْحَقِيقَة (وَلِأَن الْأَحْكَام) الْمُتَعَلّقَة بالمطلق إِنَّمَا هِيَ (على الْأَفْرَاد والوضع للاستعمال) الْمَقْصُود مِنْهُ إِثْبَات الْأَحْكَام للمستعمل فِيهِ، فالمستعمل فِيهِ يَنْبَغِي أَن يكون الْمُثبت لَهُ الحكم: وَهُوَ الْفَرد لَا الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ (فَكَانَت) الْأَحْكَام المثبتة للأفراد (دَلِيله) أَي دَلِيل وضع الْمُطلق للْبَعْض الشَّائِع لَا للماهية، نعم قد يسْتَعْمل اللَّفْظ فِي الْمَاهِيّة الْمُطلقَة كَمَا فِي القضايا الطبيعية، وَذَلِكَ قَلِيل، وارتكاب التَّجَوُّز فِي الْقَلِيل أَهْون، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والقضايا الطبيعية لَا نِسْبَة لَهَا بمقابلها) من غَايَة قلتهَا وَكَمَال كَثْرَة مقابلها، أَلا ترى أَنَّهَا لَا تسْتَعْمل فِي الْعُلُوم (فاعتبارها) أَي الطبيعية دون المتعارفة (دَلِيل الْوَضع) مفعول ثَان للاعتبار لتَضَمّنه معنى الْجعل (عكس الْمَعْقُول) الَّذِي هُوَ اعْتِبَار المتعارفة دون الطبيعية (و) عكس (الْأُصُول) من رِعَايَة جَانب

الْأَحْكَام والاستعمالات وَغير ذَلِك (فالماهية فِيهَا) أَي فإرادة الْمَاهِيّة فِي القضايا الطبيعية (إِرَادَة) من الْمُتَكَلّم بِإِقَامَة قرينَة (لَا دلَالَة) من اللَّفْظ بِمُوجب الْوَضع (قرينتها) أَي قرينَة تِلْكَ الْإِرَادَة (خُصُوص الْمسند) من حَيْثُ أَنه وصف ثَابت للطبيعة لَا للفرد كَقَوْلِك: الْإِنْسَان نوع (وَنَحْوه) مِمَّا يدل على أَن المُرَاد نفس الطبيعة لَا الْفَرد (فَلَا دَلِيل على وضع اللَّفْظ للماهية من حَيْثُ هِيَ إِلَّا علم الْجِنْس إِن قُلْنَا بِالْفرقِ بَينه وبن اسْم الْجِنْس النكرَة، وَهُوَ) أَي الْفرق بَينهمَا (الْأَوْجه إِذْ اخْتِلَاف أَحْكَام اللَّفْظَيْنِ) اسْم الْجِنْس وَعلم الْجِنْس: كأسد وَأُسَامَة (يُؤذن بفرق فِي الْمَعْنى) بَينهمَا، فَإِن أُسَامَة يمْتَنع من دُخُول لَام التَّعْرِيف وَالْإِضَافَة وَالصرْف ويوصف بالمعرفة إِلَى غير ذَلِك بِخِلَاف أَسد، فَكَذَا قَالُوا علم الْجِنْس مَوْضُوع للْحَقِيقَة المتحدة فِي الذِّهْن الْمشَار إِلَيْهَا من حَيْثُ معلوميتها للمخاطب، وَاسم الْجِنْس للفرد الشَّائِع (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يفرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن مَالك، وَهُوَ غير الْأَوْجه (فَلَا) وضع للْحَقِيقَة أصلا (فقد سَاوَى) الْمُطلق (النكرَة مَا لم يدخلهَا عُمُوم، والمعرف لفظا فَقَط) كَمَا فِي (اشْتَرِ اللَّحْم) لِأَن كلا من هَذِه الْمَذْكُورَات يدل على شَائِع فِي جنسه وَلَا قيد مَعَه مُسْتقِلّا، لفظا وَلذَا جَازَ توصيف الْمُعَرّف لفظا بالنكرة وتوصيفه بالمعرفة بِاعْتِبَار لَفظه، وَكَذَا جَازَ كَون الْجُمْلَة الخبرية حَالا مِنْهُ نظرا إِلَى اللَّفْظ، وَصفَة لَهُ نظرا إِلَى الْمَعْنى، وَالْمرَاد بمساواته لَهما أَن كل مَا صدق عَلَيْهِ أَحدهمَا يصدق عَلَيْهِ الآخر (فَبين الْمُطلق والنكرة عُمُوم من وَجه) لصدقهما فِي نَحْو: تَحْرِير رَقَبَة، وانفراد النكرَة عَنهُ إِذا كَانَت عَامَّة كَمَا إِذا وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي، وانفراد الْمُطلق عَنْهَا فِي نَحْو: اشْتَرِ اللَّحْم (وَدخل الْجمع الْمُنكر) فِي الْمُطلق لصدق تَعْرِيفه عَلَيْهِ (وَمن خَالف الدَّلِيل) الدَّال على كَون اسْم الْجِنْس للفرد الشَّائِع: كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ، والبيضاوي، والسبكي (فَجعل النكرَة للماهية) فَلَزِمَ الْفرق بَينهَا وَبَين علم الْجِنْس (أَخذ فِي) مُسَمّى (علم الْجِنْس حُضُورهَا الذهْنِي فَكَانَ جُزْء مُسَمَّاهُ) أَي علم الْجِنْس (وَمُقْتَضَاهُ) أَي هَذَا الْأَخْذ (أَن الحكم على أُسَامَة يَقع على مَا صدق عَلَيْهِ) أُسَامَة (من أَسد) بَيَان للموصول، وَالْمرَاد بِهِ الْمَاهِيّة بِنَاء على مذْهبه (وَحُضُور ذهني) أَن جعل الْحُضُور جُزْءا من الْمَوْضُوع لَهُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من كَلَامهم، وَلذَا قَالَ فَكَانَ جُزْء أمسماه أولى (أَو) على مَا صدق عَلَيْهِ من أَسد (مُقَيّدا بِهِ) أَي بالحضور الذهْنِي أَن جعل قيدا خَارِجا عَن الْمَوْضُوع لَهُ، فَكَانَ التَّقْيِيد دَاخِلا فِيهِ (وَهُوَ) أَي كَون الحكم على أحد الْوَجْهَيْنِ (مُنْتَفٍ) فَإِن الْمُثبت لَهُ الحكم فِي نفس الْأَمر: إِنَّمَا هُوَ ذَات الْأسد لَا مَعَ وصف الْحُضُور، وَاعْتِبَار الْعقل على طبق مَا فِي نفس الْأَمر، والوجدان يُؤَيّدهُ (وَلَو سلم)

مسئلة

عدم الانتفاء (فقد اسْتَقل مَا تقدم) من تبادر الْبَعْض الشَّائِع من الْإِطْلَاق (بنفيه) أَي بِنَفْي وضع الْمُطلق للماهية من حَيْثُ هِيَ (فَالْحق الأول) وَهُوَ أَن لَا وضع للْحَقِيقَة إِلَّا علم الْجِنْس إِن قُلْنَا إِلَى آخِره (وَكَذَا) خَالف الدَّلِيل (من جعلهَا) أَي النكرَة (قسيم الْمُطلق فَهِيَ) أَي النكرَة (للفرد) الشَّائِع (وَهُوَ) أَي الْمُطلق (للماهية) من حَيْثُ هِيَ كَمَا ذكر فِي التَّحْقِيق عَن بَعضهم فَإِنَّهُ (مَعَ كَونه) أَي وضع الْمُطلق لَهَا (بِلَا مُوجب يَنْفِيه اتِّفَاقهم على أَن رَقَبَة) فِي تَحْرِير رَقَبَة (من مثله) أَي الْمُطلق (وَلَا ريب) فِي (أَنه) أَي لفظ رَقَبَة (نكرَة والمقيد مَا) أَي لفظ دلّ على بعض شَائِع (مَعَه) أَي مَعَ قيد ملفوظ مُسْتَقل كرقبة مُؤمنَة، والرقبة المؤمنة (فالمعارف بِلَا قيد) مَعهَا مُسْتَقل لفظا (ثَالِث) أَي لَا مُطلق وَلَا مُقَيّد (وَقد يتْرك) فيهمَا الْقَيْد فِي تعريفهما، فَيُقَال مَا دلّ على بعض شَائِع، مَا دلّ لَا على شَائِع (فَتدخل) فِيهِ المعارف بِلَا قيد (فِي الْمُقَيد، وَلَيْسَ) دُخُولهَا فِيهِ (بِمَشْهُور): كَذَا ذكره التَّفْتَازَانِيّ. مسئلة (إِذا اخْتلف حكم مُطلق ومقيده) كأطعم فَقِيرا، واكس فَقِيرا عَارِيا (لم يحمل) الْمُطلق على الْمُقَيد (إِلَّا ضَرُورَة) كَأَن يمْتَنع الْعَمَل بالمطلق مَعَ الْعَمَل بالمقيد بِدُونِ الْحمل الْمَذْكُور (كأعتق رَقَبَة، وَلَا تملك إِلَّا رَقَبَة مُؤمنَة) فَإِن النَّهْي عَن تملك مَا عدا المؤمنة مَعَ الْأَمر بِعِتْق الرَّقَبَة يُوجب تَقْيِيد الْمُعتقَة بالمؤمنة ضرور أَن الْعتْق فرع التَّمَلُّك وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّارِح بِأَن النَّهْي عَن التَّمَلُّك لَا يَقْتَضِي امْتنَاع تحقق عتق غير المؤمنة لجَوَاز تحقق ملكهَا قبل النَّهْي، وَإِنَّمَا يمْنَع حُدُوث ملك الْكَافِرَة بعد النَّهْي، ولجواز أَن يتَمَلَّك بِالْإِرْثِ فَإِن الْمنْهِي عَنهُ الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ وَلَا اخْتِيَار فِي الْإِرْث انْتهى. وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ يُمكن أَن يفْرض الْخطاب فِي حق شخص لم يملك رَقَبَة أصلا أَو غير المؤمنة والآمر عَالم بِهِ، فَأمره بِعِتْق الرَّقَبَة وَنَهْيه عَن تملك الْكَافِرَة دَلِيل على أَنه يطْلب مِنْهُ إِعْتَاق المؤمنة، ويفرض أَيْضا أَنه يُرِيد الِامْتِثَال مِنْهُ على الْفَوْر، وَلَيْسَ هُنَاكَ احْتِمَال حُدُوث الْملك بِالْإِرْثِ فَلَا إِشْكَال فِي التَّمْثِيل (أَو اتحدا) حكم الْمُطلق وَحكم مقيده حَال كَونهمَا (منفيين) كلاتعتق رَقَبَة كَافِرَة (فَمن بَاب آخر) أَي من بَاب إِفْرَاد فَرد من الْعَام بِحكم الْعَام، وَتقدم أَنه لَيْسَ بتخصيص للعام على الْمُخْتَار، لَا من بَاب وَالْمُطلق على الْمُقَيد (أَو) حَال كَونهمَا (مثبتين متحدي السَّبَب وردا مَعًا حمل الْمُطلق عَلَيْهِ) أَي الْمُقَيد حَال كَون الْمُقَيد (بَيَانا) للمطلق (ضَرُورَة

أَن السَّبَب الْوَاحِد لَا يُوجب المتنافيين فِي وَقت وَاحِد) فَإِنَّهُ لَو حمل الْمُطلق على إِطْلَاقه كَانَ لَازمه الْخُرُوج عَن الْعهْدَة بِدُونِ الْقَيْد وَمُقْتَضى الْمُقَيد أَن الْقَيْد مَطْلُوب أَيْضا فَيلْزم اقْتِضَاء السَّبَب الْوَاحِد مطلوبية الْقَيْد، وَعدم مطلوبيته فِي وَقت وَاحِد (كَصَوْم) كَفَّارَة (الْيَمين على التَّقْدِير) أَي تَقْدِير وُرُود الْمُطلق، وَهُوَ قِرَاءَة الْجُمْهُور، وَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود: فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات فِيهَا مَعًا، وَمن ثمَّ قَالَ أَصْحَابنَا بِوُجُوب التَّتَابُع فِيهِ (أَو جهل) ورودهما مَعًا (فَالْأَوْجه عِنْدِي كَذَلِك) أَي حمل الْمُطلق على الْمُقَيد (حملا) لَهما (على الْمَعِيَّة تَقْدِيمًا للْبَيَان على النّسخ عِنْد التَّرَدُّد) بَينهمَا، إِذْ لم يحمل على الْمَعِيَّة: إِمَّا لكَون الْمُطلق مقدما فَينْسَخ الْمُقَيد إِطْلَاقه، أَو بِالْعَكْسِ: فَينْسَخ الْمُطلق تَقْيِيد الْمُقَيد، وَإِنَّمَا يحمل على الْمَعِيَّة (للأغلبية) إِذْ الْبَيَان أَكثر وقوعا من النّسخ فَهُوَ أغلب (مَعَ أَن قَوْلهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي التَّعَارُض) من أَن الدَّلِيلَيْنِ المتعارضين إِذا لم يعلم تاريخهما يجمع بَينهمَا (يؤنسه) أَي يُؤَيّد مَا عِنْدِي ويجعله مأنوسا (وَإِلَّا أَي وَإِن لم يجهل، بل علم تَأَخّر أَحدهمَا عَن الآخر فَإِن كَانَ الْمُطلق فَسَيَأْتِي وَإِن كَانَ الْمُقَيد (فالمقيد الْمُتَأَخر نَاسخ عِنْد الْحَنَفِيَّة: أَي أُرِيد الْإِطْلَاق) أَي أَرَادَهُ أَولا وَجعله مَشْرُوعا (ثمَّ رفع) أَي الْإِطْلَاق (بالقيد، فَلِذَا) أَي فلكون الْمُقَيد الْمُتَأَخر نَاسِخا عِنْدهم (لم يُقيد خبر الْوَاحِد عِنْدهم الْمُتَوَاتر، وَهُوَ) أَي تَقْيِيد الْخَبَر الْوَاحِد الْمُتَوَاتر هُوَ (الْمُسَمّى بِالزِّيَادَةِ على النَّص) عِنْدهم: لِأَنَّهُ ظَنِّي، والمتواتر قَطْعِيّ، وَلَا يجوز نسخ الْقطعِي بالظني (وَهُوَ) أَي كَون الْمُقَيد الْمُتَأَخر نَاسِخا لَهُ (الْأَوْجه، وَالشَّافِعِيَّة) قَالُوا: وُرُود الْمُقَيد بعد الْمُطلق (تَخْصِيص) للمطلق (أَي بَين الْمُقَيد أَنه) هُوَ (المُرَاد بالمطلق، وَهُوَ) أَي الْبَيَان الْمَذْكُور (معنى حمل الْمُطلق على الْمُقَيد، وَقَوْلهمْ) أَي الشَّافِعِيَّة (أَنه) حمل الْمُطلق على الْمُقَيد (جمع بَين الدَّلِيلَيْنِ) الْمُطلق والمقيد (مغالطة قَوْلهم) أَي الشَّافِعِيَّة فِي بَيَان وَجه الْجمع (لِأَن الْعَمَل بالمقيد عمل بِهِ) أَي بالمطلق من غير عكس (قُلْنَا) لَا نسلم أَنه عمل بالمطلق مُطلقًا (بل بالمطلق الْكَائِن فِي ضمن الْمُقَيد من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك) أَي فِي ضمن الْمُقَيد (وَهُوَ) أَي الْمُطلق من حَيْثُ هُوَ فِي ضمن الْمُقَيد (الْمُقَيد فَقَط، وَلَيْسَ الْعَمَل بالمطلق كَذَلِك) أَي الْعَمَل بِهِ فِي ضمن الْمُقَيد فَقَط (بل) الْعَمَل بِهِ (أَن يُجزئ كل مَا صدق عَلَيْهِ) الْمُطلق (من المقيدات) بَيَان لما، يَعْنِي أَن يحمل على إِطْلَاقه بِحَيْثُ أمكن للمكلف أَن يَأْتِي بِمَا شَاءَ من أَفْرَاده سَوَاء كَانَ ذَلِك الْمُقَيد الْمَنْصُوص أَو غَيره، فَيكون كل فَرد من أَفْرَاد الْمُطلق مجزئا عَمَّا هُوَ الْوَاجِب عَلَيْهِ فَيُجزئ تَحْرِير كل من المؤمنة والكافرة عَن الْكَفَّارَة (ومنشأ المغلطة أَن الْمُطلق باصطلاح) وَهُوَ اصْطِلَاح المنطقيين (الْمَاهِيّة لَا بِشَرْط شَيْء) يَعْنِي نفس الطبيعة من

غير أَن يعْتَبر مَعهَا غَيرهَا سَوَاء كَانَ ذَلِك الْغَيْر وجود أَمر خَارج عَنْهَا أَو عَدمه وَلَا شكّ أَن مَاهِيَّة الْمُطلق بِهَذَا الْمَعْنى متحققة فِي الْمُقَيد، فَالْعَمَل بالمقيد عمل بِهِ فِي الْجُمْلَة (لَكِن) لَيْسَ المُرَاد بِالْعَمَلِ (هُنَا) الْعَمَل بِهِ بِهَذَا الْمَعْنى، بل المُرَاد هُنَا الْعَمَل بِهِ (بِشَرْط الْإِطْلَاق) يَعْنِي بِهِ تَعْمِيم جَوَاز الْعَمَل بِهِ على وَجه يعم جَمِيع أَفْرَاده، فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَنَازع فِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّة أَيْضا (وَلِأَن فِيهِ) أَي فِي حمله على الْمُقَيد (احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قد يكون) أَي يحْتَمل أَن يكون الْمُكَلف (مُكَلّفا بالمقيد) فِي لأمر بالمطلق، بِأَن يكون هُوَ المُرَاد مِنْهُ (وَاعْتِبَار الْمُطلق) أَي اعْتِبَار الشَّارِع إِيَّاه (لَا يتَيَقَّن مَعَه) أَي مَعَ احْتِمَال التَّكْلِيف بِهِ (بِفِعْلِهِ) أَي بِالْعَمَلِ بالمطلق فِي ضمن غير: يَعْنِي أَن الْمُكَلف إِذا أَتَى بالمطلق فِي ضمن غير الْمُقَيد لَا يجْزم بِأَن الشَّارِع يعتبره بِنَاء على وجود ذَلِك الِاحْتِمَال (قُلْنَا قضينا عهدته) أَي عُهْدَة الِاحْتِيَاط وعهدة التَّكْلِيف بالمقيد (بِإِيجَاب الْمُقَيد، وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي أَنه) أَي إِيجَاب الْمُقَيد هَل هُوَ (حمل) هُوَ (بَيَان) أَي مُوجب هَذَا الْإِيجَاب حمل الْمُطلق على الْمُقَيد بِجعْل الْمُقَيد بَيَانا للمطلق كَمَا فِي قَوْلهم (أَو نسخ) كَمَا هُوَ قَول أَصْحَابنَا (فالمقيد) للشَّافِعِيَّة (فِي مَحل النزاع إِثْبَات أَنه بَيَان، وَلَهُم) أَي الشَّافِعِيَّة (فِيهِ) أَي فِي إِثْبَات (أَنه) بَيَان أَنه: أَي الْبَيَان (أسهل من النّسخ) لِأَن الدّفع أسهل من الرّفْع (فَوَجَبَ الْحمل عَلَيْهِ) أَي الْبَيَان أسهل من النّسخ (قُلْنَا) اعْتِبَار الأسهل (إِذْ لَا مَانع) من الْحمل عَلَيْهِ (وَحَيْثُ كَانَ الْإِطْلَاق مِمَّا يُرَاد) شرعا (قطعا وَثَبت) الْإِطْلَاق (غير مقرون بِمَا يَنْفِيه وَجب اعْتِبَاره) أَي الْإِطْلَاق (كَذَلِك) أَي على صرافته (على نَحْو مَا قدمْنَاهُ فِي تَخْصِيص الْمُتَأَخر، وَمَا قيل) كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب من أَنه (لَو لم يكن الْمُقَيد الْمُتَأَخر بَيَانا لَكَانَ كل تَخْصِيص نسخا) للعام بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا مخرج لبعضه من الحكم (مَمْنُوع الْمُلَازمَة، بل اللَّازِم كَون كل) لفظ مُسْتَقل مخرج لبَعض مَا يتَنَاوَلهُ الْعَام (مُتَأَخّر) عَن الْعَام (نَاسِخا) لمحكمه فِي ذَلِك الْبَعْض (لَا تَخْصِيصًا، وَبِه نقُول، على أَن فِي عِبَارَته) أَي الْقَائِل الْمَذْكُور (مناقشة) تظهر (بِقَلِيل تَأمل) إِذْ لَا يتَصَوَّر أَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد نسخا وتخصيصا مَعًا: غير أَن الْمَقْصُود ظَاهر: يَعْنِي كل مَا هُوَ تَخْصِيص فِي نفس الْأَمر يلْزم أَن يكون نسخا على ذَلِك التَّقْدِير لَا تَخْصِيصًا (ثمَّ أُجِيب) عَن هَذَا (فِي أصولهم) أَي الشَّافِعِيَّة كَمَا فِي شرح العضدي (بِأَن فِي التَّقْيِيد حكما شَرْعِيًّا لم يكن ثَابتا قبل): أَي قبل التَّقْيِيد كوجوب الْإِيمَان فِي الرَّقَبَة: أَي لَا بُد فِي النّسخ من كَون الْمُتَأَخر حكما شَرْعِيًّا، وَهَذَا يتَحَقَّق فِي التَّقْيِيد دون التَّخْصِيص، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بِخِلَاف التَّخْصِيص، فَإِنَّهُ دفع لبَعض حكم الأول) فَقَط لَا إِثْبَات لحكم آخر (وينبو) أَي يبعد هَذَا الْجَواب (عَن الْفَرِيقَيْنِ) الشَّافِعِيَّة، وَالْحَنَفِيَّة لاستلزامه عدم ثُبُوت الحكم

الشَّرْعِيّ فِي شَيْء من التقيدات قبل وُرُود الْمُقَيد، وَلم يقل بِهِ أحد مِنْهُمَا، أما الشَّافِعِيَّة فَإِنَّهُم يجْعَلُونَ التَّقْيِيد بَيَانا فِي جَمِيع صور النزاع والاتفاق وَيلْزمهُ ثُبُوت الحكم قبل وَإِن كَانَ ظُهُوره بعد، وَأما الْحَنَفِيَّة فقد وافقوا الْخصم فِي صُورَة الِاتِّفَاق، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَإِن الْمُطلق مُرَاد بِحكم الْمُقَيد إِذا وَجب الْحمل) للمطلق على الْمُقَيد (اتِّفَاقًا) لِأَن الْبَيَان يقْصد بِهِ حكم الْمُبين، وَقد يُقَال مُرَاد الْمُجيب بالتقييد مَحل النزاع، فَمحل الْوِفَاق خَارج المبحث فَلَا ينبو عَن الْحَنَفِيَّة، وَالْجَوَاب رد على الشَّافِعِيَّة فَلَا يضر النبو عَنْهُم فَتَأمل (وإلزامهم) أَي الشَّافِعِيَّة للحنفية (كَون الْمُطلق الْمُتَأَخر نسخا) للمقيد على تَقْدِير كَون الْمُتَأَخر نَاسِخا للمطلق، لِأَن التَّقْيِيد اللَّاحِق كَمَا يُنَافِي الْإِطْلَاق السَّابِق وَيَرْفَعهُ كَذَلِك الْعَكْس، وَأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ (لَا أعلم فِيهِ تَصْرِيحًا من الْحَنَفِيَّة، وَعرف) من قواعدهم (ايجابهم وصل بَيَان المُرَاد بالمطلق) صلَة المُرَاد، وصلَة الْوَصْل محذوفة، وَيصِح الْعَكْس، وَهَذَا إِذا لم يكن الْإِطْلَاق مرَادا (كَقَوْلِهِم فِي تَخْصِيص الْعَام) يجب وصل الْمُخَصّص بِهِ إِذا لم يرد الْعُمُوم بِهِ (بذلك الْوَجْه) الْمُتَقَدّم بَيَانه فَليرْجع إِلَيْهِ (وَيَجِيء فِيهِ) أَي فِي تَأْخِير الْمُقَيد (مَا قدمْنَاهُ من وجوب إرادتهم مثل قَول أبي الْحُسَيْن من) وصل الْبَيَان (الإجمالي كَهَذا الْإِطْلَاق مُقَيّد وَيصير) الْمُطلق حِينَئِذٍ (مُجملا أَو التفصيلي، وَلنَا أَن نلتزمه) عِنْدهم أَي كَون الْمُطلق الْمُتَأَخر نَاسِخا الْمُقَيد (على قِيَاس نسخ الْعَام الْمُتَأَخر الْخَاص الْمُتَقَدّم) على الْمُقَيد (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (وَمعنى النّسخ فِيهِ) أَي فِي نسخ الْمُطلق الْمُتَأَخر الْمُقَيد (نسخ الْقصر على الْمُقَيد، أَو مختلفي السَّبَب كإطلاق الرَّقَبَة فِي كَفَّارَة الظِّهَار) حَيْثُ قَالَ تَعَالَى - {فَتَحْرِير رَقَبَة} - (وتقييدها فِي) كَفَّارَة (الْقَتْل) حَيْثُ قَالَ تَعَالَى - {فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} - (فَعَن الشَّافِعِي يحمل) الْمُطلق على الْمُقَيد فَيجب كَونهَا مُؤمنَة فِي الظِّهَار كَمَا فِي الْقَتْل (فَأكْثر أَصْحَابه) أَي الشَّافِعِي يَقُولُونَ (يَعْنِي) الشَّافِعِي حمل مَا ورد فِيهِ الْمُطلق بِمَا ورد فِيهِ الْمُقَيد قِيَاسا (بِجَامِع) بَينهمَا وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدهم وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب وَهُوَ فِي هَذَا حُرْمَة سببهما: وَهُوَ الظِّهَار وَالْقَتْل (وَالْحَنَفِيَّة يمنعونه) أَي وجود جَامع يصلح مبْنى لقياس صَحِيح (لانْتِفَاء شَرط الْقيَاس عدم مُعَارضَة مُقْتَضى نَص) عطف بَيَان لشرط الْقيَاس، وَذَلِكَ لِأَن الْمُطلق نَص يدل على إِجْزَاء الْمُقَيد وَغَيره، وَالْقِيَاس يَقْتَضِي عدم إِجْزَاء الْغَيْر (وَبَعْضهمْ) أَي الشَّافِعِيَّة نقل عَن الشَّافِعِي أَنه يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد (مُطلقًا) من غير اشْتِرَاط جَامع بَينهمَا (لوحدة كَلَام الله تَعَالَى فَلَا يخْتَلف) بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيد (بل يُفَسر بعضه بَعْضًا، وَهُوَ) أَي هَذَا القَوْل (أَضْعَف) من الأول (إِذا نَظرنَا) لاستنباط الْأَحْكَام وَفهم المُرَاد (فِي مقتضيات الْعبارَات) من حَيْثُ الْعَرَبيَّة: وَهِي لَا تخْتَلف بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيد قطعا لَا فِي وحدة الْكَلَام الأزلي الْقَائِم، فَإِن تِلْكَ الْوحدَة بِحَسب ذَات الصّفة: وَهُوَ لَا تنَافِي الِاخْتِلَاف بِحَسب

مبحث الأمر

التعلقات كَمَا عرف فِي مَحَله، كَيفَ وَإِلَّا يرْتَفع اخْتِلَاف الْأَحْكَام مُطلقًا (وَلَو كَانَ الِاخْتِلَاف بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيد فِي سَبَب الحكم الْوَاحِد كأدوا عَن كل حر وَعبد) عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة قَالَ: خطب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] النَّاس قبل الْفطر بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ فَقَالَ: أَدّوا صَاعا من بر أَو قَمح بَين اثْنَيْنِ أَو صَاعا من تمر، أَو شعير عَن كل حر وَعبد صَغِير أَو كَبِير، وَلَيْسَ فِيهِ تَقْيِيد لسَبَب وجوب صَدَقَة الْفطر: وَهُوَ الْمخْرج عَنهُ بِقَيْد الْإِسْلَام (مَعَ رِوَايَة من الْمُسلمين) على مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر بِلَفْظ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر فِي رَمَضَان على النَّاس صَاعا من تمر، أَو صَاعا من شعير عَن كل حر وَعبد ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين (فَلَا حمل) للمطلق على الْمُقَيد فِي هَذَا عِنْد الْحَنَفِيَّة (خلافًا للشَّافِعِيّ) رَحمَه الله (لما تقدم) من أَن الْحمل عِنْد الْحَنَفِيَّة لأحد أَمريْن: إِمَّا الضَّرُورَة أَو اتِّحَاد السَّبَب مَعَ اتِّحَاد الحكم، وَعند الشَّافِعِيَّة بالجامع أَو وحدة الْكَلَام وَتَفْسِير بعضه الْبَعْض (وَالِاحْتِيَاط الْمُتَقَدّم لَهُم) أَي الشَّافِعِيَّة فِي الْعَمَل بالمقيد (يَنْقَلِب عَلَيْهِم) فِي حملهمْ الْمُطلق فِي هَذَا على الْمُقَيد (إِذْ هُوَ) أَي الِاحْتِيَاط (فِي جعل كل) من الْمُطلق والمقيد من السَّبَب لِأَنَّهُ أَن جعل الْمُقَيد (سَببا) دون الْمُطلق على إِطْلَاقه يفوت الْعَمَل بِحكم الله على احْتِمَال اعْتِبَار الشَّارِع سَببه الْمُطلق لوُجُوب الصَّدَقَة فِي غير صُورَة الْمُقَيد أَيْضا، وَقد يكون لشَيْء وَاحِد أَسبَاب مُتعَدِّدَة، ثمَّ بَقِي شَيْء للشَّافِعِيَّة: وَهُوَ مَا إِذا أطلق الحكم فِي مَوضِع وَقيد فِي موضِعين بقيدين متضادين، قَالُوا من قَالَ بِالْحملِ مُطلقًا قَالَ بِبَقَاء الْمُطلق على إِطْلَاقه، إِذْ لَيْسَ التَّقْيِيد بِأَحَدِهِمَا بِأولى من الآخر، وَمن قَالَ بِالْحملِ قِيَاسا على مَا كَانَ الْحمل عَلَيْهِ أولى، فَإِن لم يكن قِيَاس رَجَعَ إِلَى الأَصْل الْإِطْلَاق. مَبْحَث الْأَمر (وَأما الْأَمر فلفظه) أَي أَمر (حَقِيقَة فِي القَوْل الْمَخْصُوص) أَي صِيغَة افْعَل ونظائرها (اتِّفَاقًا) ثمَّ قيل (مجَاز فِي الْفِعْل) أَي الْفِعْل الَّذِي يعزم عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى - وشاورهم فِي الْأَمر - (وَقيل مُشْتَرك لَفْظِي فيهمَا) أَي مَوْضُوع لكل وَاحِد من القَوْل الْمَخْصُوص، وَالْفِعْل بِوَضْع على حِدة (وَقيل) مُشْتَرك (معنوي) بَينهمَا (وَقيل) مَوْضُوع (للْفِعْل الْأَعَمّ من اللساني) وَغَيره (ورد) هَذَا (بِلُزُوم كَون الْخَبَر وَالنَّهْي أمرا) حِينَئِذٍ، لِأَن كلا مِنْهُمَا فعل اللِّسَان (وَقيل) مَوْضُوع (لأَحَدهمَا الدائر) بَين القَوْل الْخَاص وَالْفِعْل (وَدفع بِلُزُوم كَون اللَّفْظ الْخَاص لَيْسَ أمرا لِأَنَّهُ) أَي اللَّفْظ الْخَاص (لَيْسَ إِيَّاه) أَي الْأَحَد الدائر، بل هُوَ وَاحِد معِين (وَإِنَّمَا يتم) هَذَا الدّفع

بِنَاء (على أَن الْأَعَمّ مجَاز فِي فَرده مَا لم يؤول) فِي الْأَعَمّ بِأَن يُقَال لَيْسَ الْمُسْتَعْمل فِيهِ اللَّفْظ لَا الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ والخصوصية تفهم من الْقَرِينَة، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من التَّكَلُّف (وَيدْفَع) كَون الْأَعَمّ مجَازًا إِلَّا بالتأويل (بِأَنَّهُ تَكْلِيف لَازم للوضع) أَي لوضع اسْم الْجِنْس (للماهية) من حَيْثُ هِيَ (فيؤيد) لُزُوم هَذَا التَّكْلِيف (نَفْيه) أَي نفي الْوَضع للماهية (وَقد نفيناه) أَي الْوَضع لَهَا قَرِيبا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك (فَمَعْنَى) وضع لفظ الْأَمر (لأَحَدهمَا) وَضعه (لفرد مِنْهُمَا على الْبَدَل) وَهُوَ معنى الْوَضع الْمُفْرد الشَّائِع (وَدفع) كَون الْأَعَمّ مجَازًا فِي فَرده أَيْضا (على تَقْدِيره) أَي تَقْدِير الْوَضع للماهية (بِأَنَّهُ) أَي كَون الْأَعَمّ مجَازًا فِي أَفْرَاده (غلط) نَاشِئ (من ظن كَون الِاسْتِعْمَال فِيمَا وضع لَهُ) اللَّفْظ فِي تَعْرِيف الْحَقِيقَة اسْتِعْمَاله (فِي الْمُسَمّى دون أَفْرَاده وَلَا يخفى ندرته) أَي ندرة هَذَا الِاسْتِعْمَال، وَيلْزم مِنْهُ ندرة الْحَقَائِق، وَكَون كل الْأَلْفَاظ مجازات بِدُونِ التَّأْوِيل إِلَّا النَّادِر (لنا) على الْمُخْتَار: وَهُوَ لفظ الْأَمر حَقِيقَة فِي القَوْل الْمَخْصُوص مجَاز فِي الْفِعْل أَنه (يسْبق القَوْل الْمَخْصُوص) إِلَى الْفَهم عِنْد إِطْلَاق لفظ الْأَمر على أَنه مُرَاد دون الْفِعْل (فَلَو كَانَ كَذَلِك) أَي لفظ الْأَمر مُشْتَركا لفظيا أَو معنويا بَينهمَا (لم يسْبق معِين) مِنْهُمَا إِلَى الْفَهم الْمُتَبَادر، بل يتَبَادَر كل مِنْهُمَا على طَرِيق الِاحْتِمَال (وَاسْتدلَّ) أَيْضا على الْمُخْتَار (لَو كَانَ) لفظ الْأَمر (حَقِيقَة فيهمَا لزم الِاشْتِرَاك) أَيْضا (فيخل بالفهم) للتردد بَينهمَا (فعورض بِأَن الْمجَاز) أَيْضا (مخل) بالفهم لتجويز الْمُخَاطب كَونه مرَادا بِاللَّفْظِ (وَلَيْسَ بِشَيْء، لِأَن الحكم بِهِ) أَي بالمجاز (بِالْقَرِينَةِ) الظَّاهِرَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تظهر (فبالحقيقة) أَي فَيحكم الْعقل بِالْحَقِيقَةِ فَإِنَّهَا المُرَاد (فَلَا إخلال وَالْأَوْجه أَنه) أَي الِاسْتِدْلَال (لَا يبطل التواطؤ) أَي الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ، لِأَنَّهُ غير مخل بالفهم كَسَائِر أَسمَاء الْأَجْنَاس الْمُشْتَركَة بَين الْأَفْرَاد (فَلَا يلْزم الْمَطْلُوب) وَهُوَ أَن لفظ الْأَمر مجَاز فِي الْفِعْل (فَإِن نظمه) أَي الْمُسْتَدلّ التواطؤ (فِي الِاشْتِرَاك) بِإِرَادَة الْأَعَمّ من اللَّفْظِيّ والمعنوي (قدم) أَي النّظم الْمَذْكُور (الْمجَاز على التواطؤ، وَهُوَ) أَي تَقْدِيم الْمجَاز عَلَيْهِ (مُنْتَفٍ) لمُخَالفَته الأَصْل بِلَا مُوجب، بِخِلَاف تَقْدِيم التواطؤ عَلَيْهِ (قد صرح بِهِ) أَي بالانتفاء الِاشْتِرَاك (اللَّفْظِيّ) دَلِيله أَن لفظ الْأَمر (يُطلق لَهما) أَي القَوْل وَالْفِعْل (وَالْأَصْل) فِي الْإِطْلَاق (الْحَقِيقَة قُلْنَا أَيْن لُزُوم) الِاشْتِرَاك (اللَّفْظِيّ) من هَذَا الدَّلِيل: أَي لَا يسْتَلْزم أَصَالَة الْحَقِيقَة خُصُوص الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ لتحققهما فِي الِاشْتِرَاك (الْمَعْنَوِيّ) أَي الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ، دَلِيله أَنه (يُطلق لَهما) وَالْإِطْلَاق إِمَّا على الْحَقِيقَة، وَهِي إِمَّا بالاشتراك اللَّفْظِيّ أَو الْمَعْنَوِيّ، وَإِمَّا على الْمجَاز (وَهُوَ) أَي الْمَعْنَوِيّ (خير من اللَّفْظِيّ وَالْمجَاز أُجِيب لَو صَحَّ) هَذَا على إِطْلَاقه (ارتفعا) أَي

الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ وَالْمجَاز (لجَرَيَان مثله) أَي مثل هَذَا الِاسْتِدْلَال (فِي كل مَعْنيين للفظ) وَاللَّازِم مُنْتَفٍ (والحل أَن ذَلِك) أَي كَون الْمَعْنَوِيّ خيرا (عِنْد التَّرَدُّد) بَينه وَبَينهمَا (لَا مَعَ دَلِيل أَحدهمَا كَمَا ذكرنَا) من تبادر القَوْل الْمَخْصُوص (وَاسْتدلَّ) على الْمُخْتَار أَيْضا (لَو كَانَ) لفظ الْأَمر (حَقِيقَة فِي الْفِعْل اشتق بِاعْتِبَارِهِ) أَي الْفِعْل، فَيُقَال: أَمر وآمر (مثلا كَأَكْل وآكل) أَي كَمَا اشتق أكل وآكل من الْأكل لما كَانَ مَوْضُوعا للْفِعْل (وَيُجَاب إِن اشتق فَلَا إِشْكَال) يَعْنِي عدم الِاشْتِقَاق لَيْسَ بمجزوم بِهِ، فعلى تَقْدِير وجود الِاشْتِقَاق بطلَان اللَّازِم غير مُسلم (وَإِلَّا) وَإِن لم يشتق، وَهُوَ الظَّاهِر (فكالقارورة) أَي فلمانع من الِاشْتِقَاق كَمَا امْتنع أَن تطلق القارورة على غير الزّجاج مِمَّا يصلح مقرا للمائعات مَعَ أَن الْقيَاس يَقْتَضِي صِحَة إِطْلَاقهَا نظرا إِلَى الْمُنَاسبَة الاشتقاقية، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك (لدليلنا) على أَنه حَقِيقَة فِي الْفِعْل وَاعْترض الشَّارِح عَلَيْهِ بِأَن الْمَانِع من إِطْلَاق القارورة على غير الظّرْف الزّجاج انْتِفَاء الزّجاج الَّذِي الظَّاهِر اشْتِرَاطه فِي إِطْلَاقهَا على الْغَيْر، وَالْمَانِع من إِطْلَاق أَمر وآمر على مَدْلُول أكل وآكل، وَلَا دَلِيل على مخدوش يُفِيد تَقْدِير الْمَانِع فِي هَذَا، وَمن ادَّعَاهُ فَعَلَيهِ الْبَيَان انْتهى وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه كَلَام على السَّنَد الْأَخَص بِمَنْع الْمُلَازمَة بَين صِحَة الِاشْتِقَاق وتحقيقه، إِذْ يَكْفِي فِيهِ أَن يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون عدم التحقق لمَانع كَمَا أَن الْقيَاس يَقْتَضِي صِحَة إِطْلَاق القارورة المشتقة من الْقَرار لما يقر فِيهِ الْمَائِع على الزجاجي وَغَيره وَلم يتَحَقَّق لمَانع وَإِن كَانَ مُجَرّد عدم الِاسْتِعْمَال، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَانِع قصد الِاخْتِصَاص إِلَى غير ذَلِك، وَانْتِفَاء الزّجاج لَا دخل لَهُ فِي الْمَقْصُود، إِذْ لَيْسَ هُوَ مُعْتَبرا فِي مبدأ الِاشْتِقَاق. (و) اسْتدلَّ أَيْضا للمختار (بِلُزُوم اتِّحَاد الْجمع) أَي جمع أَمر بِمَعْنى القَوْل الْمَخْصُوص، وَالْفِعْل لَو كَانَ حَقِيقَة فيهمَا (وَهُوَ) أَي اتِّحَاد الْجمع (مُنْتَفٍ، لِأَنَّهُ) أَي الْجمع (فِي الْفِعْل أُمُور، و) فِي (القَوْل أوَامِر) قيل عَلَيْهِ أَن كَون أوَامِر جمع أَمر مَمْنُوع، لِأَن فعلا لَا يجمع على فواعل، بل هِيَ جمع آمرة كضوارب جمع ضاربة، وَهَذَا بحث لَا يضرّهُ، لِأَن الِاخْتِلَاف ثَابت على حَاله، لِأَن كَونه حَقِيقَة فيهمَا يَسْتَدْعِي وجود جمع وَاحِد مُسْتَعْمل فيهمَا وَلَيْسَ كَذَلِك (وَيُجَاب بِجَوَاز اخْتِلَاف جمع لفظ وَاحِد بِاعْتِبَار معنيية) وللشارح هَهُنَا مَا يقْضِي مِنْهُ الْعجب حَيْثُ فسر معنييه بالحقيقي والمجازي وَمثل بِالْأَيْدِي والأيادي بِاعْتِبَار الْجَارِحَة وَالنعْمَة، وَالْمَقْصُود فِي الْجَواب تَجْوِيز الِاخْتِلَاف بِاعْتِبَار الْمَعْنيين الحقيقيين، فَإِن الِاخْتِلَاف بِاعْتِبَار الْحَقِيقِيّ والمجازي هُوَ مطلب الْمُسْتَدلّ، وَهَذَا الْجَواب رد عَلَيْهِ من قبل الْقَائِل بالاشتراك اللَّفْظِيّ (و) اسْتدلَّ أَيْضا للمختار (بِلُزُوم إنصاف من قَامَ بِهِ فعل بِكَوْنِهِ) أَي من قَامَ بِهِ ذَلِك الْفِعْل (مُطَاعًا) إِذا لم يُخَالف (أَو مُخَالفا) إِذا خُولِفَ كَمَا فِي قَول الْقَائِل

بِأَن الْأَمر بقوله افْعَل يُوصف بهما، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ (وَيُجَاب بِأَنَّهُ) أَي اللُّزُوم الْمَذْكُور إِنَّمَا يثبت (لَو كَانَ) الاتصاف بالكون مُطَاعًا أَو مُخَالفا (لَازِما عَاما) لِلْأَمْرِ بِاعْتِبَار كل مَا يُطلق عَلَيْهِ حَقِيقَة (لكنه) لَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا هُوَ (لَازم أحد المفهومين) وَهُوَ القَوْل الْمَخْصُوص لَا غير (و) اسْتدلَّ للمختار أَيْضا (بِصِحَّة نَفْيه) أَي الْأَمر عَن (الْفِعْل) فَيُقَال أَن الْفِعْل لَيْسَ بِأَمْر وأفراد الْحَقِيقَة لَا يَصح نفي الْحَقِيقَة عَنْهَا (وَهُوَ) أَي هَذَا الدَّلِيل (مصادرة) على الْمَطْلُوب، إِذْ صِحَة نفي مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْأَمر حَقِيقَة عَن الْفِعْل فرع تَسْلِيم أَن الْفِعْل لَيْسَ أحد معنييه، وَهَذَا عين الْمُتَنَازع فِيهِ، ومنشأ الْغَلَط صِحَة نفي الْأَمر بِمَعْنى القَوْل الْمَخْصُوص عَن الْفِعْل (وحد) الْأَمر (النَّفْسِيّ) هُوَ نوع تعلق من أَنْوَاع تعلق الْكَلَام النَّفْسِيّ بِأَنَّهُ (اقْتِضَاء فعل غير كف على جِهَة الاستعلاء) وَهَذَا الْحَد لِابْنِ الْحَاجِب، فالاقتضاء جنس يَشْمَل الْأَمر وَالنَّهْي والالتماس وَالدُّعَاء، وَغير كف يخرج النَّهْي، وعَلى جِهَة الاستعلاء بِمَعْنى طلب الْعُلُوّ وعد نَفسه عَالِيا على الْمَطْلُوب مِنْهُ يخرج الالتماس لِأَنَّهُ على سَبِيل التَّسَاوِي، وَالدُّعَاء لِأَنَّهُ على سَبِيل التسفل (وسيتحقق فِي) مبَاحث (الحكم أَنه) أَي الْأَمر النَّفْسِيّ (معنى الْإِيجَاب فَيفْسد طرده بالندب النَّفْسِيّ) وَهُوَ لَيْسَ بِإِيجَاب (فَيجب زِيَادَة حتما) فِي التَّعْرِيف لإخراجه، وَكَون الْأَمر النَّفْسِيّ الْإِيجَاب بِنَاء على كَون الْأَمر حَقِيقَة فِي الْوُجُوب دون غَيره (وَأورد اكفف) وَنَحْوه كانته وذروا ترك (على عَكسه) فَإِنَّهَا أوَامِر، وَلَا يصدق عَلَيْهَا الْحَد لعدم اقْتِضَاء الْفِعْل غير الْكَفّ فِيهَا (وَلَا تتْرك) وَلَا تَنْتَهِ إِلَى آخِره (على طرده) فَإِنَّهَا نواهي وَيصدق عَلَيْهَا الْحَد (وَأجِيب بِأَن الْمَحْدُود النَّفْسِيّ، فيلتزم أَن معنى لَا تتْرك مِنْهُ) أَي من الْأَمر النَّفْسِيّ (واكفف وذروا البيع نهي) فاطرد وانعكس (وَإِذا كَانَ معنى أطلب فعل كَذَا الْحَال) خبر كَانَ: أَي الِاسْتِقْبَال (دخل) فِي الْأَمر النَّفْسِيّ لصدقه وَإِن كَانَ خَبرا صِيغَة لِأَنَّهُ اقْتِضَاء فعل غير كف (وَإِنَّمَا يمْتَنع) دُخُوله (فِي الصيغي) لِأَن الْمُعْتَبر فِيهِ القَوْل الْمَخْصُوص صِيغَة افْعَل وَنَحْوه (فَلَا يحْتَاج) إِلَى (أَن) المُرَاد من الْكَفّ فِي التَّعْرِيف (الْكَفّ عَن مَأْخَذ الِاشْتِقَاق) لِأَن الِاحْتِيَاج إِلَى أَفعَال (7) اكفف فرع كَونه دَاخِلا عَن الْمُعَرّف (والأليق بالأصول تَعْرِيف الصيغي، لِأَنَّهُ بَحثه) أَي علم الْأُصُول (عَن) الْأَدِلَّة (السمعية) وَهِي الْأَلْفَاظ من حَيْثُ يُوصل الْعلم بأحوالها من عُمُوم وخصوص وَغَيرهمَا إِلَى قدرَة إِثْبَات الْأَحْكَام (وَهُوَ) أَي الْأَمر الصيغي (اصْطِلَاحا) لأهل الْعَرَبيَّة (صيغته الْمَعْلُومَة) سَوَاء كَانَت على سَبِيل الاستعلاء أَو لَا (ولغة هِيَ) أَي صيغته الْمَعْلُومَة مستعملة (فِي الطّلب الْجَازِم أَو اسْمهَا) أَي اسْم تِلْكَ الصِّيغَة كصيغة نزال (مَعَ الاستعلاء) وَهَذَا الَّذِي ذكره إِنَّمَا هُوَ لفظ الْأَمر: أَعنِي أَمر

(بِخِلَاف فعل الْأَمر) نَحْو: اضْرِب فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ مَا ذكر (فَيصدق) هُوَ أَي الْأَمر بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ (مَعَ الْعُلُوّ وَعَدَمه، وَعَلِيهِ) أَي على عدم اشْتِرَاط الْعُلُوّ، وَهُوَ كَون الطَّالِب أَعلَى مرتبَة من الْمَطْلُوب مِنْهُ (الْأَكْثَر) أَي أَكثر الْأُصُولِيِّينَ (وأهدرهما) أَي الاستعلاء والعلو (الْأَشْعَرِيّ) وَبِه قَالَ أَكثر الشَّافِعِيَّة (وَاعْتبر الْمُعْتَزلَة الْعُلُوّ) أَي اشترطوه إِلَّا أَبَا الْحسن مِنْهُم، وَوَافَقَهُمْ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَابْن الصّباغ، والسمعاني من الشَّافِعِيَّة (وَلَا أَمر عِنْدهم) أَي الْمُعْتَزلَة (إِلَّا الصِّيغَة) لإنكارهم الْكَلَام النَّفْسِيّ (وَرجح نفي الْأَشْعَرِيّ الْعُلُوّ بذمهم) أَي الْعُقَلَاء (الْأَدْنَى بِأَمْر الْأَعْلَى) إِذْ لَو كَانَ الْعُلُوّ شرطا لما تحقق الْأَمر من الْأَدْنَى فلازم (و) رجح أَيْضا نَفْيه (الاستعلاء بقوله تَعَالَى عَن فِرْعَوْن) مُخَاطبا لِقَوْمِهِ (فَمَاذَا تأمرون) فَإِنَّهُ أطلق على قَوْلهم الْمُقْتَضى لَهُ فعلا غير كف، وَلم يكن لَهُم استعلاء عَلَيْهِ، بل كَانُوا يعبدونه (وَمِنْهُم من جعله) أَي مَاذَا تأمرون متمسكا بِهِ (لنفي الْعُلُوّ) وَهُوَ ظَاهر (وَالْحق اعْتِبَار الاستعلاء) كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَصحح فِي الْمَحْصُول (وَنفى) اشْتِرَاط (الْعُلُوّ لذمهم الْأَدْنَى بِأَمْر الْأَعْلَى). وَقد مر آنِفا (وَالْآيَة) مَاذَا تأمرون (وَقَوله) أَي عَمْرو ابْن الْعَاصِ لمعاوية: (أَمرتك أمرا جَازِمًا فعصيتني ... وَكَانَ من التَّوْفِيق قتل ابْن هَاشم) لما خرج هَذَا من الْعرَاق على مُعَاوِيَة مرّة بعد مرّة، وَقد أمْسكهُ فِيهَا، وَأَشَارَ عَلَيْهِ عَمْرو بقتْله فخالفه وَأطلق لحلمه، أَي حضين بن الْمُنْذر يُخَاطب يزِيد بن الْمُهلب أَمِير خُرَاسَان وَالْعراق إِلَّا أَن تَمَامه فِي هَذَا: (فَأَصْبَحت مسلوب الْإِمَارَة نَادِما ...) (مجَاز عَن تشيرون وأشرت للْقطع بِأَن الصِّيغَة فِي التضرع، والتساوي لَا تسمى أمرا) وَفِي الْكَشَّاف: تأمرون من المؤامرة، وَهِي الْمُشَاورَة، أَو من الْأَمر الَّذِي هُوَ ضد النَّهْي: جعل العبيد آمرين وربهم مَأْمُورا لما استولى عَلَيْهِ فِي فرط الدهش والحيرة. وَقَالَ (القَاضِي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ) وَالْغَزالِيّ (القَوْل الْمُقْتَضى) بِنَفسِهِ (طَاعَة الْمَأْمُور بِفعل الْمَأْمُور بِهِ) فَالْقَوْل جنس والمقتضى احْتِرَاز عَمَّا عدا الْأَمر من أَقسَام الْكَلَام، وبنفسه لقطع وهم حمل الْأَمر على الْعبارَة، وَأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي بِنَفسِهَا، بل بمعناها، وَالطَّاعَة احْتِرَاز عَن الدُّعَاء، وَالرَّغْبَة من غير جزم فِي طلب الطَّاعَة كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه مَا فِيهِ (ويستلزم) هَذَا الْحَد (الدّور من ثَلَاث أوجه) ذكر الطَّاعَة، والمأمور، والمأمور بِهِ: لِأَن الطَّاعَة مُوَافقَة الْأَمر، والمأمور مُشْتَقّ من الْأَمر فَيتَوَقَّف معرفَة كل مِنْهُمَا على معرفَة الْأَمر (وَدفعه) أَي الدّور على مَا فِي الشَّرْح العضدي (بِأَنا إِذا علمنَا الْأَمر من حَيْثُ هُوَ كَلَام علمنَا الْمُخَاطب بِهِ، وَهُوَ الْمَأْمُور وَمَا يتضمنه، وَهُوَ الْمَأْمُور بِهِ

وَفعله) أَي الْمَأْمُور بِهِ (وَهُوَ الطَّاعَة وَلَا يتَوَقَّف) الْعلم بِشَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء (على معرفَة حَقِيقَة الْأَمر الْمَطْلُوبَة بالتعريف، فَإِن أَرَادَ) بقوله: إِذا علمنَا الْأَمر من حَيْثُ هُوَ كَلَام الْمَعْنى (الْحَاصِل من الْجِنْس) أَي القَوْل، وَهُوَ الْمَعْنى الْمُقَيد (لم يلْزمه غير الْأَوَّلين) وهما الْمُخَاطب بِهِ وَمَا يتضمنه الْكَلَام، وَفِيه أَن لُزُوم اللَّفْظ الْمُخَاطب فِي القَوْل اللَّفْظِيّ لكَونه مَوْضُوعا للإفادة، وَأما لُزُومه فِي النَّفْسِيّ فَغير ظَاهر: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال لما كَانَ بَين اللَّفْظِيّ والنفسي شدَّة ارتباط بِمَا ينْتَقل الذِّهْن فِيهِ إِلَى مَا هُوَ لَازمه على أَنه كَلَام على السَّنَد الْأَخَص (ثمَّ لم يفد) القَوْل (حَقِيقَة) لفظ (الْمَأْمُور) أَي الْمَعْنى الَّذِي وضع بإزائه، وَقصد بِهِ فِي التَّعْرِيف (من مُجَرّد فهم الْمُخَاطب) الْمَدْلُول عَلَيْهِ بالْقَوْل (وَلَا) حَقِيقَة (الْمَأْمُور بِهِ من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك) أَي الْمَأْمُور بِهِ: أَي لَا يفهم ذَاك الْمَأْمُور ملحوظا يُوصف المأمورية من فهم الْمُخَاطب، وَلَا ذَات الْمَأْمُور بِهِ بِوَصْف كَونه مَأْمُورا بِهِ (من معرفَة أَن للْكَلَام معنى تضمنه) كل ذَلِك ظَاهر (وَأما فعله) أَي وَأما إفادته لفعل مضمونه (وَكَونه) أَي كَون فعله (طَاعَة فأبعد) من كل من الْأَوَّلين (أَو) أَرَادَ الْحَاصِل من الْجِنْس (بقيوده) أَي بقيود الْجِنْس الْمَذْكُور فِي التَّعْرِيف (فعين الْحَقِيقَة) أَي فَهَذَا المُرَاد حَقِيقَة الْأَمر (وَيعود الدّور) وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن حَاصِل الدّفع منع كَون معرفَة كل مِنْهَا مَوْقُوفا على معرفَة حَقِيقَة الْأَمر لجَوَاز أَن يتَصَوَّر كل مِنْهَا على وَجه يميزه من غَيره من غير أَن يُوجد فِي ذَلِك التَّصَوُّر حَقِيقَة الْأَمر الَّتِي صَارَت مَطْلُوبَة من التَّعْرِيف: لكنه يرد عَلَيْهِ أَن سَنَده لَا يصلح للسندية (وَيبْطل طرده بأمرتك بِفعل كَذَا) فَإِنَّهُ خبر، وَلَيْسَ بِأَمْر مَعَ صدق الْحَد عَلَيْهِ، وَهَذَا بِنَاء على أَن الْمُعَرّف الصيغي لَا النَّفْسِيّ كَمَا هُوَ الظَّاهِر من اللَّفْظ الْمُوَافق لغَرَض الأصولي، فَزِيَادَة فِيهِ بِنَفسِهِ فِي التَّعْرِيف لدفع الْوَهم الْمَذْكُور على مَا ذكره الشَّارِح غير حسن (وَقيل هُوَ الْخَبَر عَن اسْتِحْقَاق الثَّوَاب، وَفِيه) أَي فِي هَذَا الْحَد (جعل المباين) للمحدود، وَهُوَ الْخَبَر (جِنْسا لَهُ) وَهُوَ بَاطِل لما بَينهمَا من التَّنَافِي: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ مَا يسْتَلْزم الْإِخْبَار عَنهُ ضمنا فَتَأمل. (و) قَالَ (الْمُعْتَزلَة) أَي جمهورهم (قَول الْقَائِل لمن دونه افْعَل) أَي مَا وضع لطلب الْفِعْل من الْفَاعِل (وَإِبْطَال طرده) أَي هَذَا التَّعْرِيف (بالتهديد وَغَيره) مِمَّا لم يرد بِهِ الطّلب من هَذِه الصِّيغَة، نَحْو - اعْمَلُوا مَا شِئْتُم، {وَإِذا حللتم فاصطادوا} -: للْإِبَاحَة لصدق الْحَد عَلَيْهِ مَعَ أَنه لَيْسَ بِأَمْر (مَدْفُوع بِظُهُور أَن المُرَاد) قَول الْقَائِل (افْعَل) حَال كَونه (مرَادا بِهِ مَا يتَبَادَر مِنْهُ) عِنْد الْإِطْلَاق، وَهُوَ الطّلب (و) إبِْطَال طرده (بالحاكي) لأمر غَيره لمن دونه (والمبلغ) لِلْأَمْرِ من دونه مَدْفُوع أَيْضا (بِأَنَّهُ) أَي قَول كل مِنْهُمَا (لَيْسَ قَول الْقَائِل) أَي الَّذِي هُوَ الحاكي والمبلغ

فَاللَّام للْعهد (عرفا، يُقَال للتمثيل) بِشعر أَو غَيره لغيره (لَيْسَ) مَا تمثل بِهِ (قَوْله، وَلَيْسَ الْقُرْآن قَوْله) أَي النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَإِن كَانَ مبلغه فَلَا يبطل الطَّرْد (نعم الْعُلُوّ غير مُعْتَبر) على الصَّحِيح عندنَا (و) قَالَت (طَائِفَة) مِنْهُم: الْأَمر هُوَ (الصِّيغَة) الْمَعْلُومَة (مُجَرّدَة عَن الصَّارِف عَن الْأَمر، وَهُوَ) أَي هَذَا الْحَد تَعْرِيف الشَّيْء (بِنَفسِهِ، وَلَو أسْقطه) أَي لفظ مُجَرّدَة عَن الصَّارِف عَن الْأَمر (صَحَّ) التَّعْرِيف (لفهم الصَّارِف عَن المبادر) لِأَنَّهُ يفهم اشْتِرَاط التجرد عَن الصَّارِف عَمَّا هُوَ الْمُتَبَادر من الصِّيغَة الْمَعْلُومَة، وَهُوَ الطّلب، وَمَا يشار إِلَيْهِ الذِّهْن لَا حَاجَة إِلَى التَّصْرِيح بِهِ، وَالشَّارِح جعل ضمير أسقط للفظ عَن الْأَمر، وَذكر بعد قَول المُصَنّف عَن التبادر قَوْله الَّذِي هُوَ الطّلب من إِطْلَاق الصَّارِف، وَهُوَ الْأَظْهر (و) قَالَت (طَائِفَة) من معتزلة الْبَصْرَة (الصِّيغَة بِإِرَادَة وجود اللَّفْظ ودلالته على الْأَمر والامتثال) فِي الشَّرْح العضدي قَالَ قوم: صِيغَة افْعَل بارادات ثَلَاث: إِرَادَة وجود اللَّفْظ، وَإِرَادَة دلالتها على الْأَمر، وَإِرَادَة الِامْتِثَال، وَاحْترز بِالْأولَى عَن النَّائِم: إِذْ يصدر عَنهُ صِيغَة افْعَل من غير إِرَادَة وجود اللَّفْظ، وبالثانية عَن التهديد، والتخيير، وَالْإِكْرَام، والإهانة وَنَحْوهَا، وبالثالثة عَن الصِّيغَة تصدر عَن الْمبلغ والحاكي فَإِنَّهُ لَا يُرِيد الِامْتِثَال، وَإِلَى بعضه أَشَارَ بقوله (ويحترز بالأخير) أَي الِامْتِثَال (عَنْهَا) أَي الصِّيغَة صادرة (من نَائِم، ومبلغ، وَمَا سوى الْوُجُوب) من التهديد إِلَى آخِره، وَفِيه اعْتِرَاض على مَا فِي الشَّرْح الْمَذْكُور حَيْثُ لم يتَعَرَّض بِأَن الْأَخير مغن من حَيْثُ الِاحْتِرَاز عَن غَيره مِمَّا قبله (و) أَن (مَا قبله) أَي الْأَخير (تنصيص على الذاتي) وتصريح بأجزاء حَقِيقَة (وَأورد) على الْحَد الْمَذْكُور أَنه (إِن أُرِيد بِالْأَمر الْمَحْدُود اللَّفْظ) أَي الْأَمر الصيغي (أفْسدهُ) أَي الْحَد (إِرَادَة دلالتها) أَي الصِّيغَة (على الْأَمر) لِأَن اللَّفْظ غير مَدْلُول عَلَيْهِ (أَو) أُرِيد بِالْأَمر الْمَحْدُود (الْمَعْنى) النَّفْسِيّ (أفْسدهُ) أَي الْحَد (جنسه) فَاعل أفسد لِأَن الْمَعْنى لَيْسَ بِصِيغَة (وَأجِيب بِأَنَّهُ) أَي المُرَاد بالمحدود (اللَّفْظ) وَبِمَا فِي الْحَد الْمَعْنى الَّذِي هُوَ الطّلب (وَاسْتعْمل الْمُشْتَرك) الَّذِي هُوَ نفس الْأَمر (فِي معنييه) الصِّيغَة الْمَعْلُومَة، والطلب (بِالْقَرِينَةِ) الْعَقْلِيَّة فَإِن قلت الْمَذْكُور فِي صدر التَّعْرِيف لفظ الصِّيغَة، وَفِي أثْنَاء التَّعْرِيف لفظ الْأَمر وَلَيْسَ هَذَا من بَاب اسْتِعْمَال الْمُشْتَرك فِي معنييه قلت مَعْلُوم أَن صَاحب التَّعْرِيف قَالَ: الْأَمر الصِّيغَة إِلَى آخِره، غَايَة الْأَمر أَنه لم يذكرهُ المُصَنّف هَهُنَا اعْتِمَادًا على مَا سبق (وَقَالَ قوم) آخَرُونَ من الْمُعْتَزلَة الْأَمر (إِرَادَة الْفِعْل (وَأورد) أَنه (غير جَامع لثُبُوت الْأَمر وَلَا إِرَادَة) كَمَا (فِي أَمر عَبده بِحَضْرَة من توعده) أَي السَّيِّد بالإهلاك أَن ظهر أَنه لَا يُخَالِفهُ مثلا (على ضربه) أَي ضرب الْآمِر عَبده،

مسئلة

(فَاعْتَذر) المتوعد عَن ضربه (بمخالفته) أَي بمخالفة العَبْد إِيَّاه فِي أمره فِي حَضرته وَلم يرد مِنْهُ الْفِعْل، بل عَدمه ليثبت عذره فيتخلص العَبْد من وعيده (وألزم تَعْرِيفه) أَي الْأَمر (بِالطَّلَبِ النَّفْسِيّ مثله) أَي مثل الْإِيرَاد الْمَذْكُور: أَي كَمَا يرد على تَعْرِيف الْأَمر بِإِرَادَة الْفِعْل أَنه غير جَامع إِلَى آخِره كَذَلِك يرد على تَعْرِيفه بِأَنَّهُ طلب النَّفْسِيّ الْفِعْل لثُبُوت الْأَمر وَلَا طلب كَمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور بِعَيْنِه، إِذْ الْعَاقِل لَا يطْلب هَلَاك نَفسه كَمَا يُريدهُ (وَدفعه) على مَا فِي الشَّرْح العضدي (بتجويز طلبه) أَي طلب الْعَاقِل الْهَلَاك لغَرَض (إِذا علم عدم وُقُوعه) أَي الْهَلَاك (إِنَّمَا يَصح فِي اللَّفْظِيّ: أما النَّفْسِيّ فكالإرادة) أَي فالطب النَّفْسِيّ كالإرادة النفسية (لَا يَطْلُبهُ أَي سَبَب هَلَاكه بِقَلْبِه كَمَا لَا يُريدهُ، وَمَا قيل) على مَا ذكره الْآمِدِيّ، وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْحَاجِب (لَو كَانَ) الْأَمر (إِرَادَة لوقعت المأمورات) أَي الَّتِي أمرهَا (بِمُجَرَّدِهِ) أَي الْأَمر (لِأَنَّهَا) أَي الْإِرَادَة (صفة تخصص الْمَقْدُور بِوَقْت وجوده) أَي الْمَقْدُور (فوجدوها) أَي الْإِرَادَة (فرع) وجود مَقْدُور (مُخَصص) وَالثَّانِي بَاطِل لِأَن إِيمَان الْكفَّار الْمَعْلُوم عَدمه عِنْد الله لَا شكّ أَنه مَأْمُور بِهِ، فَيلْزم أَن يكون مرَادا، وَهُوَ يسْتَلْزم وجوده مَعَ أَنه محَال (لَا يلْزمهُم) أَي الْمُعْتَزلَة خبر مَا قيل (لِأَنَّهَا) أَي الْإِرَادَة (عِنْدهم) أَي الْمُعْتَزلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعباد (ميل يتبع اعْتِقَاد النَّفْع أَو دفع الضَّرَر) فِي الْفِعْل (وبالنسبة إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعلم بِمَا فِي الْفِعْل من الْمصلحَة) وَهَذَا تَحْقِيق مَذْهَبهم فِي الإفادة. مسئلة (صِيغَة الْأَمر خَاص) أَي حَقِيقَة على الْخُصُوص (فِي الْوُجُوب) فَقَط (عِنْد الْجُمْهُور) وَصَححهُ ابْن الْحَاجِب والبيضاوي، وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ هُوَ الْحق، الْآمِدِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله، وَقيل هُوَ الَّذِي أملاه الْأَشْعَرِيّ على أَصْحَابه فَقَالَ (أَبُو هَاشم) فِي جمَاعَة من الْفُقَهَاء مِنْهُم الشَّافِعِي رَحمَه الله على قَول، وَعَامة الْمُعْتَزلَة قَالُوا حَقِيقَة (فِي النّدب) فَقَط (وَتوقف الْأَشْعَرِيّ وَالْقَاضِي فِي أَنه) مَوْضُوع (لأيهما) أَي الْوُجُوب وَالنَّدْب (وَقيل) توقفا فِيهِ (بِمَعْنى لَا يدْرِي مَفْهُومه) أصلا، قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَهُوَ الْمُوَافق لكَلَام الْآمِدِيّ (وَقيل مُشْتَرك) لَفْظِي (بَينهمَا) أَي الْوُجُوب وَالنَّدْب، وَهُوَ مَنْقُول عَن الشَّافِعِي (وَقيل) مُشْتَرك لَفْظِي بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب (وَالْإِبَاحَة، وَقيل) مَوْضُوع (للمشترك بَين الْأَوَّلين) أَي الْوُجُوب، وَالنَّدْب وَهُوَ الطّلب: أَي تَرْجِيح الْفِعْل على التّرْك: وَهُوَ مَنْقُول عَن أبي مَنْصُور الماتريدي وعزى إِلَى مَشَايِخ سَمَرْقَنْد (وَقيل) مَوْضُوع (لما) أَي للقدر الْمُشْتَرك (بَين الثَّلَاثَة من الْأذن) وَهُوَ رفع الْحَرج

عَن الْفِعْل بَيَان للموصول، قيل وَهُوَ مَذْهَب المرتضى من الشِّيعَة، وَقَالَ (الشِّيعَة مُشْتَرك) لَفْظِي (بَين الثَّلَاثَة) أَي الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة (والتهديد) وَقيل غير ذَلِك (لنا) على الْمُخْتَار وَهُوَ أَنه حَقِيقَة فِي الْوُجُوب أَنه (تكَرر اسْتِدْلَال السّلف بهَا) أَي بِصِيغَة الْأَمر مُجَرّدَة عَن الْقَرَائِن (على الْوُجُوب) اسْتِدْلَالا (شَائِعا بِلَا نَكِير فَأوجب الْعلم العادي باتفاقهم) على أَنَّهَا لَهُ (كالقول) أَي كإجماعهم القَوْل: يَعْنِي أَن عدم نكيرهم مَعَ شيوع الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور يدل على إِجْمَاعهم على ذَلِك كَمَا يدل تصريحهم بذلك قولا (وَاعْترض بِأَنَّهُ) أَي استدلالهم على الْوُجُوب إِنَّمَا (كَانَ بأوامر مُحَققَة بقرائن الْوُجُوب) يَعْنِي أَن إِرَادَة الْوُجُوب بِتِلْكَ الْأَوَامِر لم يكن بطرِيق الْحَقِيقَة، بل بالمجاز بقرائن تدل على خُصُوص الْوُجُوب (بِدَلِيل استدلالهم بِكَثِير مِنْهَا) أَي من صِيغ الْأَمر (على النّدب قُلْنَا تِلْكَ) الصِّيَغ أُرِيد بهَا النّدب (بقرائن) صارفة عَن الْحَقِيقَة وَهُوَ الْوُجُوب مُعينَة للنَّدْب، علم ذَلِك (باستقراء الْوَاقِع مِنْهُمَا) أَي من الصِّيَغ الْمَنْسُوب إِلَيْهَا الْوُجُوب، والصيغ الْمَنْسُوب إِلَيْهَا النّدب فِي الْكتاب وَالسّنة وَالْعرْف: يَعْنِي علمنَا بالتتبع أَن فهم الْوُجُوب لَا يحْتَاج إِلَى الْقَرِينَة لتبادره إِلَى الذِّهْن بِخِلَاف النّدب فَإِنَّهُ يحْتَاج (قَالُوا) فِي الرَّد على الْمُخْتَار مَا يفِيدهُ هَذَا الدَّلِيل (ظن فِي الْأُصُول لِأَنَّهُ) أَي الْإِجْمَاع الْمَذْكُور (سكوتي) اخْتلف فِي حجيته، وَمثله يكون ظنيا (وَلما قُلْنَا من الِاحْتِمَال) أَي احْتِمَال كَون فهم الْوُجُوب بقرائن وَالظَّن لَا يَكْفِي، لِأَن الْمَطْلُوب فِيهَا الْعلم (قُلْنَا لَو سلم) أَنه ظَنِّي (كفى) فِي الْأُصُول (وَإِلَّا تعذر الْعَمَل بِأَكْثَرَ الظَّوَاهِر) لِأَنَّهَا لَا تفِيد إِلَّا الظَّن، وَالْقطع لَا سَبِيل إِلَيْهِ كَمَا لَا يخفى على المتتبع لمسائل الْأُصُول (لَكنا نمنعه) أَي كَون المفاد بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُور الظَّن (لذَلِك الْعلم) أَي لحُصُول الْعلم العادي باتفاقهم على أَنَّهَا للْوُجُوب بِسَبَب تكْرَار الِاسْتِدْلَال وَعدم النكير وَحُصُول الْعلم بِسَبَب الدَّلِيل يدل على كَون مفاده الْعلم إِلَّا الظَّن (ولقطعنا بتبادر الْوُجُوب من) الْأَوَامِر (الْمُجَرَّدَة) عَن الْقَرَائِن الصارفة عَنهُ (فَأوجب) الْقطع بتبادره (الْقطع بِهِ) أَي الْوُجُوب (من اللُّغَة، وَأَيْضًا) قَوْله تَعَالَى لإبليس - {مَا مَنعك أَن لَا تسْجد} - (إِذْ أَمرتك، يَعْنِي) قلت لَك فِي ضمن خطابي الْمَلَائِكَة {اسجدوا لآدَم} الْمُجَرّد) عَن الْقَرَائِن صفة للفظ اسجدوا، دلّ على أَن مَدْلُول الْأَمر الْمُجَرّد عَن الْقَرِينَة الصارفة للْوُجُوب، وَإِنَّمَا لزمَه اللوم المستعقب للطرد لَا مَكَان حمله على النّدب الَّذِي لَا حرج فِي تَركه، وَالْقَوْل بِأَن الْوُجُوب لَعَلَّه فهم من قرينَة حَالية أَو مقالية لم يحكها الْقُرْآن أَو من خُصُوصِيَّة تِلْكَ اللُّغَة الَّتِي وَقع الْأَمر بهَا احْتِمَال غير قَادِح فِي الظُّهُور، وَقَوله تَعَالَى {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} يدل على ذَلِك لِأَنَّهُ تَعَالَى (ذمهم على مُخَالفَة ارْكَعُوا) الْمُجَرّد، وَلَوْلَا أَن حَقِيقَته الْوُجُوب لما ترَتّب عَلَيْهَا الذَّم (وَأما) الِاسْتِدْلَال على الْوُجُوب كَمَا ذكره

ابْن الْحَاجِب وَغَيره بِمَا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعلمَاء وَهُوَ (تَارِك الْأَمر عَاص) مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن خطاب مُوسَى لهارون عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام - {أفعصيت أَمْرِي} - بِتَرْكِهِ مُقْتَضَاهُ (وَهُوَ) أَي العَاصِي مُطلقًا (متوعد) لقَوْله تَعَالَى - {وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} - (فنمنع كَونه) أَي العَاصِي (تَارِك) الْأَمر (الْمُجَرّد) عَن الْقَرَائِن الْمُجَرَّدَة للْوُجُوب (بل) العَاصِي (تَارِك مَا) هُوَ مقرون من الْأَوَامِر (بِقَرِينَة الْوُجُوب) وَإِضَافَة أَمْرِي عهدية أُشير بهَا إِلَى أَمر كَذَا (فَإِذا اسْتدلَّ) لعصيان تَارِك الْأَمر الْمُجَرّد (بأفعصيت أَمْرِي: أَي اخلفني) تفسر لقَوْله أَمْرِي إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى - {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون اخلفني فِي قومِي} - (منعنَا تجرده) أَي تجرد هَذَا الْأَمر عَن الْقَرِينَة المفيدة للْوُجُوب، فَإِن فِي السِّيَاق مَا يُفِيد ذَلِك (فَأَما) الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} أَي يعرضون عَنهُ بترك مُقْتَضَاهُ - {أَن تصيبهم فتْنَة} - أَي محنة الدُّنْيَا - {أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} - لِأَنَّهُ رتب على ترك مُقْتَضى أمره أحد العذابين (فَصَحِيح، لِأَن عُمُومه) أَي عُمُوم أمره (بِإِضَافَة الْجِنْس الْمُقْتَضى كَون لفظ أَمر لما يُفِيد الْوُجُوب خَاصَّة يُوجِبهُ للمجردة) يَعْنِي أَن لفظ أمره عَام لكَون إِضَافَته جنسية فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله الْأَمر بِاللَّامِ الاستغراقية، فَلَزِمَ ترَتّب الْوَعيد على مُخَالفَة كل فَرد من أَفْرَاد مَا وضع لَهُ لفظ أَمر من الصِّيَغ الْمَعْلُومَة كاسجد، واركع إِلَى غير ذَلِك، وَهَذَا الْعُمُوم يقتضى كَون لفظ أَمر مَوْضُوعا لما يُفِيد الْوُجُوب فَقَط، وَإِلَّا لم يَتَرَتَّب الْوَعيد على مُخَالفَة كل فَرد، إِذْ من الْجَائِز على تَقْدِير عدم لُزُوم موضوعية كل صِيغَة مِنْهَا للْوُجُوب وَقع مُخَالفَته لمقْتَضى صِيغَة مُجَرّدَة عَن الْقَرِينَة الْمعينَة للْوُجُوب، فالعموم الْمَذْكُور مُوجب لكَون الصِّيغَة الْمُجَرَّدَة عَن الْقَرَائِن للْوُجُوب: فَحِينَئِذٍ يَصح الْعُمُوم لكَون جَمِيع أَفْرَاده حِينَئِذٍ مَوْضُوعا للْوُجُوب وَالله أعلم. (والاستلال) للْوُجُوب أَيْضا (بِأَن الِاشْتِرَاك خلاف الأَصْل) لَا خلاله بالفهم (فَيكون) الْأَمر (لأحد الْأَرْبَعَة) الْوُجُوب، وَالنَّدْب، وَالْإِبَاحَة والتهديد حَقِيقَة. وَفِي الْبَاقِي مجَازًا، وَلم يذكر غير الْأَرْبَعَة للاتفاق على كَونه مجَازًا فِيمَا سواهَا (وَالْإِبَاحَة والتهديد بعيد للْقطع بفهم تَرْجِيح الْوُجُوب) يَعْنِي أَنا نقطع بِأَنَّهُ يفهم من صِيغَة الْأَمر أَن الْأَمر طَالب لوُجُوب الْفِعْل بِمَعْنى أَنه رَاجِح عِنْدهم وَعَن تَركه أَعم من أَن يكون مجوزا للترك أَو لَا، وَهَذَا الْفَهم لَا يحْتَاج إِلَى قرينَة لتبادره إِلَى الذِّهْن (وَانْتِفَاء النّدب) أَي كَونه حَقِيقَة أَيْضا ثَابت (للْفرق بَين) قَوْلنَا (اسْقِنِي وندبتك) إِلَى أَن تسقيني، وَلَو كَانَ لَهُ لم يكن بَينهمَا فرق (ضَعِيف لمنعهم) أَي النادبين (الْفرق) بَينهمَا (وَلَو سلم) الْفرق (فَيكون ندبتك نصا) فِي النّدب (واسقني) لَيْسَ بِنَصّ فِيهِ، بل (يحْتَمل الْوُجُوب) وَالنَّدْب (وَأَيْضًا لَا ينتهض) أَي لَا يقوم بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُور حجَّة بِنَاء

(على) احْتِمَال الِاشْتِرَاك (الْمَعْنَوِيّ إِذْ نفى) الِاشْتِرَاك (اللَّفْظِيّ لَا يُوجب تَخْصِيص الْحَقِيقَة بأحدها) أَي الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة وَإِذا لم يُوجب تخصيصها بأحدها يبطل نَفْيه الدَّلِيل أَيْضا لِأَنَّهَا فرع ذَلِك الْإِيجَاب (وَلَو أَرَادَ) الْمُسْتَدلّ بالاشتراك (مُطلق الِاشْتِرَاك) أَي مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الِاشْتِرَاك ليشْمل اللَّفْظِيّ والمعنوي (منعنَا كَون) الِاشْتِرَاك (الْمَعْنَوِيّ بِخِلَاف الأَصْل، وَلَو قَالَ) الْمُسْتَدلّ (الْمَعْنَوِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى معنوي أخص مِنْهُ خلاف الأَصْل: إِذْ الإفهام بِاللَّفْظِ) وَالْأَصْل فِيهِ الْخُصُوص لإفادته الْمَقْصُود من غير مُزَاحم، فَيكون الْأَمر مَوْضُوعا للْوُجُوب الْمُشْتَرك بَين أَفْرَاده مثلا أَدخل فِي الإفهام من كَونه لما يعم الْوُجُوب وَالنَّدْب إِلَى غير ذَلِك لقلَّة المزاحم (اتجه) جَوَاب لَو: يَعْنِي كَانَ كلَاما موجها، ثمَّ مثل للمعنوي الْأَعَمّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَخَص بقوله (كالمعنوي الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب) وَهُوَ الطّلب (بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَوِيّ الَّذِي هُوَ وجوب فَإِنَّهُ) أَي الْمُشْتَرك بَينهمَا (جنس بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوُجُوب، إِذْ هُوَ) أَي الْوُجُوب (نوع) من الطّلب (فدار) معنى الْأَمر (بَين خُصُوص الْجِنْس وخصوص النَّوْع) وخصوص النَّوْع أولى لما فِيهِ من تقليل الِاشْتِرَاك وَاحْتج (النادب) بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) فَإِن رد الْأَمر إِلَى مشيئتنا عَلامَة أَن المُرَاد بِالْأَمر مَا يُفِيد النّدب (قُلْنَا) إفادته رد الْأَمر إِلَى مشيئتنا مَمْنُوع، بل هُوَ رد إِلَى استطاعتنا و (هُوَ دَلِيل الْوُجُوب) لِأَن السَّاقِط عَنَّا حِينَئِذٍ مَا لَا استطاعة لنا فِيهِ وَفِي الْمَنْدُوب المستطاع أَيْضا سَاقِط لَا حرج فِيهِ، وَاسْتدلَّ (الْقَائِل بِالطَّلَبِ) هُوَ الَّذِي يَقُول: حَقِيقَة الطّلب الْأَعَمّ من الْوُجُوب وَالنَّدْب فَإِنَّهُ (ثَبت رُجْحَان) جَانب (الْوُجُود) أَي وجود الْفِعْل على تَركه فِي قصد الْآمِر، وَهُوَ الْمَعْنى الْمُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب (وَلَا مُخَصص) لَهُ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِه ليتعين كَونه مَطْلُوبا لَهُ دون الآخر (فَوَجَبَ كَونه) أَي الْوُجُوب (الْمَطْلُوب مُطلقًا) حَال إِمَّا عَن الضَّمِير أَو عَن الْخَبَر، ومآلهما وَاحِد، وَإِذا ثَبت كَون الْوُجُوب الْمُطلق مرَادا وَجب كَونه حَقِيقَة فِيهِ (دفعا للاشتراك) على تَقْدِير كَونه مَوْضُوعا لكل مِنْهُمَا (وَالْمجَاز) على تَقْدِير وَضعه لأَحَدهمَا فَقَط وَلَا يخفى عَلَيْك أَن أول الْكَلَام يدل على أَن وجوب كَونه الْمَطْلُوب مُطلقًا لثُبُوت رُجْحَان الْوُجُود مَعَ عدم الْمُخَصّص، وَآخره يدل على أَنه وجوب لدفع لُزُوم الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ وَالْمجَاز فبينهما تدافع، وَقد أَشَرنَا إِلَى جَوَابه وتوضيحه أَن قَوْله دفعا إِلَى آخِره تَعْلِيل لنفي احْتِمَال يفهم ضمنا، وَذَلِكَ لِأَن ثُبُوت رُجْحَان الْوُجُود كَمَا يجوز أَن يكون بِسَبَب وضع الْأَمر لمُطلق الطّلب كَذَلِك يجوز أَن يكون بِسَبَب اسْتِعْمَاله فِي كل من نَوْعي الطّلب على سَبِيل الِاشْتِرَاك، أَو الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، ورجحان الْوُجُوب لَازم على الْوَجْهَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَجب كَون حَقِيقَته للطلب الْمُطلق لَا غير دفعا إِلَى آخِره

مسئلة

(قُلْنَا) بل هُوَ لأَحَدهمَا، وَهُوَ الْوُجُوب (بمخصص وَهِي) الْمُخَصّص، والتأنيث بِاعْتِبَار الْخَبَر وَهُوَ (أدلتنا على الْوُجُوب مَعَ أَنه) أَي جعله للطلب (إِثْبَات اللُّغَة بِلَازِم الْمَاهِيّة) وَهُوَ الرجحان الْمَذْكُور: وَهُوَ غير جَائِز لجَوَاز كَون اللَّازِم أَعم، فَيكون مَاهِيَّة الْمُسَمّى أخص من الطّلب الْمُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب (الِاشْتِرَاك بَين الْأَرْبَعَة و) الِاشْتِرَاك بَين (الِاثْنَيْنِ) والاشتراك بَين الثَّلَاثَة، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ (ثَبت الْإِطْلَاق) على الْأَرْبَعَة، وعَلى الِاثْنَيْنِ، وعَلى الثَّلَاثَة (وَالْأَصْل الْحَقِيقَة قُلْنَا الْمجَاز خير) من الِاشْتِرَاك (وَتَعْيِين) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ) وَهُوَ الْوُجُوب ثَابت (بِمَا تقدم) من أدلته قَالَ (الْوَاقِف كَونهَا) أَي الصِّيغَة (للْوُجُوب أَو غَيره بِالدَّلِيلِ) لاستعمالها فِيهِ وَفِي غَيره (وَهُوَ) الدَّلِيل على التَّعْيِين (مُنْتَفٍ، إِذْ الْآحَاد) أَي أَخْبَار الْآحَاد على كَونهَا للمعين (لَا تفِيد الْعلم) وَهُوَ الْمَطْلُوب فِي هَذِه المسئلة (وَلَو تَوَاتر) الْأَخْبَار (لم يخْتَلف) فِيهِ: أَي فِي التَّعْيِين، لَكِن الِاخْتِلَاف فِيهِ ثَابت فَلَا تَوَاتر، وَالْعقل الصّرْف بمعزل عَن إِثْبَات هَذَا الطّلب (قُلْنَا) لَا نسلم أَنه لم يتواتر، إِذْ (تَوَاتر استدلالات عدد التَّوَاتُر من الْعلمَاء وَأهل اللِّسَان تَوَاتر أَنَّهَا) أَي الصِّيغَة (لَهُ) أَي للْوُجُوب فَقَوله تَوَاتر أَولا مُبْتَدأ وَقَوله تَوَاتر ثَانِيًا خَبره، وَالْحمل على الْمُسَامحَة (وَلَو سلم) أَنه لم يتواتر (كفى الظَّن) الْمُسْتَفَاد من تتبع موارد اسْتِعْمَال هَذِه الصِّيغَة (الْقَائِل بِالْإِذْنِ كالقائل بِالطَّلَبِ) فِي أَنه يَقُول مثل قَوْله تَعَالَى ثَبت الْإِذْن بِالضَّرُورَةِ اللُّغَوِيَّة، وَلم يُوجد مُخَصص لَهُ بِأحد الثَّلَاثَة من الْوُجُوب، وَالنَّدْب، وَالْإِبَاحَة، فَوَجَبَ جعله للمشترك بَينهمَا وَهُوَ الْإِذْن بِالْفِعْلِ، وَيُجَاب بِمثل جَوَابه. مسئلة لَيست مبدئية لغوية، بل شَرْعِيَّة (مستطردة: أَكثر المتفقين على الْوُجُوب) لصيغة الْأَمر على مَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره، وَمِنْهُم الشَّافِعِي والماتريدي على قَول متفقون على (أَنَّهَا) أَي صِيغَة الْأَمر (بعد الْحَظْر) أَي الْمَنْع (فِي لِسَان الشَّرْع للْإِبَاحَة) علم هَذَا (باستقراء استعمالاته) أَي الشَّرْع لَهَا (فَوَجَبَ الْحمل) أَي حملهَا (عَلَيْهِ) أَي على الْمَعْنى الإباحي (عِنْد التجرد) عَن الْمُوجب لغيره (لوُجُوب الْحمل على الْغَالِب) لِأَن الظَّاهِر كَون هَذَا الْخَاص مُلْحقًا بالغالب (مَا لم يعلم) بِدَلِيل (أَنه) أَي هَذَا الْأَمر الْخَاص (لَيْسَ مِنْهُ) أَي هَذَا (نَحْو: فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم فَاقْتُلُوا) الْمُشْركين فَإِنَّهُ للْوُجُوب وَإِن كَانَ بعد الْحَظْر للْعلم بِوُجُوب قتل الْمُشرك إِلَّا لمَانع (وَظهر) من استناد الْإِبَاحَة إِلَى الاستقراء الْمَذْكُور (ضعف قَوْلهم) أَي الْقَائِلين بِالْوُجُوب بعد الْحَظْر: كَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ، وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَالْإِمَام الرَّازِيّ والبيضاوي وفخر الْإِسْلَام

وَعَامة الْمُتَأَخِّرين من الْحَنَفِيَّة (لَو كَانَ) الْأَمر للْإِبَاحَة بعد الْحَظْر (امْتنع التَّصْرِيح بِالْوُجُوب) بعد الْحَظْر، وَلَا يمْتَنع إِذْ لَا يلْزم من إِيجَاب الشَّيْء بعد التَّحْرِيم محَال، وَوجه الضعْف أَنا مَا ادعينا الْمُنَافَاة بَين الْإِيجَاب اللَّاحِق وَالتَّحْرِيم السَّابِق، بل الاستقراء دَعَانَا إِلَى ذَلِك (وَلَا مخلص) من كَونه للْإِبَاحَة (إِلَّا بِمَنْع صِحَة الاستقراء إِن تمّ) منع صِحَّته: وَهُوَ مَحل نظر (وَمَا قيل أَمر الْحَائِض وَالنُّفَسَاء) بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم بعد تحريمهما عَلَيْهِمَا فِي الْحيض وَالنّفاس (بِخِلَافِهِ) أَي يُفِيد الْوُجُوب بعد الْحَظْر لَا الْإِبَاحَة (غلط لِأَنَّهُ) أَي أَمرهمَا بهما (مُطلق) عَن التَّرْتِيب على سبق الْحَظْر (وَالْكَلَام) المنازع فِيهِ من أَن الْأَمر بعد الْحَظْر للْإِبَاحَة: إِنَّمَا هُوَ (فِي) الْأَمر (الْمُتَّصِل بِالنَّهْي إِخْبَارًا) كَمَا روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قد كنت نَهَيْتُكُمْ) عَن زِيَارَة الْقُبُور فقد أذن لمُحَمد فِي زِيَارَة قبر أمه فزوروها فَإِنَّهَا تذكر الْآخِرَة: رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ حسن صَحِيح (و) فِي الْأَمر (الْمُعَلق بِزَوَال سَببه) أَي سَبَب الْحَظْر نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَإِذا حللتم فاصطادوا}، فالصيد كَانَ حَلَالا على الْإِطْلَاق ثمَّ حرم بِسَبَب الْإِحْرَام، ثمَّ علق الْحل بِالْإِذْنِ فِيهِ بِالْحلِّ المستلزم زَوَال السَّبَب الْمَذْكُور (وَيدْفَع) هَذَا التغليط (بوروده) أَي الْأَمر للحائض فِي الصَّلَاة (كَذَلِك) أَي مُعَلّقا بِسَبَب زَوَال الْحَظْر (فَفِي الحَدِيث) الْمُتَّفق عَلَيْهِ (فَإِذا أَدْبَرت عَنْك الْحَيْضَة فاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي) إِلَّا أَن الْحَيْضَة لم تذكر بهَا صَرِيحًا بعد أَدْبَرت اكْتِفَاء بضميرها الْمُسْتَتر فِيهِ لتقدم ذكرهَا فِي قَوْله: فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعى الصَّلَاة، وَهَذَا الْمِقْدَار كَاف فِي دفع التغليط، لِأَن المغلط غلط بِاعْتِبَار أَمرهمَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم جَمِيعًا (وَالْحق أَن الاستقراء دلّ على أَنه) أَي الْأَمر (بعد الْحَظْر لما اعْترض) أَي طَرَأَ الْحَظْر (عَلَيْهِ، فَإِن) اعْترض (على الْإِبَاحَة) بِأَن كَانَ ذَلِك الْمَحْظُور مُبَاحا، قبل الْحَظْر ثمَّ اتَّصل بِهِ الْأَمر (كاصطادوا) فَإِن الصَّيْد كَانَ مُبَاحا قبل الْإِحْرَام فَصَارَ مَحْظُورًا بِهِ، فَأمر بِهِ بعد التَّحَلُّل (فلهَا) جَوَاب أَن: أَي فَالْأَمْر حِينَئِذٍ للْإِبَاحَة (أَو) اعْترض (على الْوُجُوب: كاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي فَلهُ) أَي فَالْأَمْر للْوُجُوب، لِأَن الصَّلَاة كَانَت وَاجِبَة ثمَّ حرمت بِالْحيضِ (فلنختر ذَلِك) أَي التَّفْصِيل الْمَذْكُور، وَفِي الشَّرْح العضدي وَهُوَ غير بعيد، وَمَا اخْتَارَهُ المُصَنّف أقرب إِلَى التَّحْقِيق (وَقَوْلهمْ) أَي الْقَائِلين بِأَنَّهُ للْوُجُوب بعد الْحَظْر (الْإِبَاحَة فِيهَا) أَي فِي هَذِه الْأَشْيَاء من الِاصْطِيَاد وَنَحْوه (ل) دَلِيل وَهُوَ (أَن الْعلم بِأَنَّهَا) أَي الْمَذْكُورَات (شرعت لنا) أَي لمصْلحَة انتفاعنا بهَا (فَلَا تصير) وَاجِبَة (علينا) بِالْأَمر فَإِنَّهُ يَنْقَلِب علينا حِينَئِذٍ لنقل الْوَاجِب وَاحْتِمَال الْفَوات الْمُوجب للعقوبة، وَهَذَا لَا يَلِيق بشأن مَا شرع للِانْتِفَاع بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِه الْأمة (لَا يدْفع استقراء أَنَّهَا) أَي صِيغَة الْأَمر (لَهَا) أَي للْإِبَاحَة (فَإِنَّهُ) أَي هَذَا الاستقراء (مُوجب للْحَمْل على الْإِبَاحَة فِيمَا لَا قرينَة مَعَه) تدل على

مسئلة

الْحمل على الْوُجُوب (و) مُوجب للْحَمْل بِنَاء (على مَا اخترنا على مَا اعْترض عَلَيْهِ) من الْإِبَاحَة وَالْوُجُوب، هَذَا من تَمام المسئلة على مَا فِي نُسْخَة اعتمدنا عَلَيْهَا، وَفِي نُسْخَة الشَّارِح زِيَادَة: وَهِي (ثمَّ إِنَّمَا يلْزم من قدم الْمجَاز الْمَشْهُور لَا أَبَا حنيفَة إِلَّا أَن تَمام الْوَجْه عَلَيْهِ فِيهَا) انْتهى، وَفسّر من قدم بِأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمن وافقهما، وَفسّر الْوَجْه بِوَجْه هَذِه المسئلة، وَفسّر ضمير عَلَيْهِ بِأبي حنيفَة وَلم يبين المُرَاد بِهَذَا الْكَلَام وَلَا يخفى عَلَيْك أَن حمل الْأَمر بعد الْحَظْر على الْإِبَاحَة لَا يلْزم أَن يكون بطرِيق التَّجَوُّز لجَوَاز كَونه فِي لِسَان الشَّرْع فِي خُصُوص هَذَا الْمحل حَقِيقَة على أَنه لَو سلم لَيْسَ من بَاب تَقْدِيم الْمجَاز الْمَشْهُور، بل من بَاب الْحمل على الْمجَاز بِالْقَرِينَةِ وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم غير الْمَتْن فِي هَذَا الْمحل وَكَانَ قد كتب عَلَيْهِ الشَّرْح قبل التَّغْيِير وَلم يُغَيِّرهُ وَرَأَيْت أَن الصَّوَاب تَركه. مسئلة (لَا شكّ فِي تبادر كَون الصِّيغَة) أَي صِيغَة الْأَمر (فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب مجَازًا بِتَقْدِير أَنَّهَا خَاص فِي الْوُجُوب) فِي التَّوْضِيح: اعْلَم أَن الْأَمر إِذا كَانَ حَقِيقَة فِي الْوُجُوب فَإِنَّهُ إِذْ أُرِيد بِهِ الْإِبَاحَة أَو النّدب يكون بطرِيق الْمجَاز لَا محَالة، لِأَنَّهُ أُرِيد بِهِ غير مَا وضع لَهُ فقد ذكر فَخر الْإِسْلَام فِي هَذِه المسئلة اخْتِلَافا، فَعِنْدَ الْكَرْخِي والجصاص مجَاز فيهمَا، وَعند الْبَعْض حَقِيقَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَحكى فَخر الْإِسْلَام على التَّقْدِير) الْمَذْكُور وَهُوَ تَقْدِير كَونهَا خَاصّا فِي الْوُجُوب (خلافًا فِي أَنَّهَا مجَاز) فيهمَا (أَو حَقِيقَة فيهمَا) وَلَعَلَّ ذكر التبادر فِي كَلَام المُصَنّف يكون إِشَارَة إِلَى احْتِمَال كَونهَا حَقِيقَة فيهمَا بالتأويل الْآتِي، وَحَيْثُ كَانَ القَوْل بِكَوْنِهَا حَقِيقَة فيهمَا مُحْتَاجا إِلَى التَّأْوِيل كَونهَا حَقِيقَة فيهمَا بالتأويل الْآتِي، وَحَيْثُ كَانَ القَوْل بِكَوْنِهَا حَقِيقَة فيهمَا مُحْتَاجا إِلَى التَّأْوِيل (فَقيل أَرَادَ) فَخر الْإِسْلَام، أَو الَّذِي حكى عَنهُ بِمحل الْخلاف (لفظ أَمر) يَعْنِي أَمر (وَبعد) أَي نسب إِلَى الْبعد كَونه مُرَاده (بنظمه الْإِبَاحَة) أَي بِسَبَب أَنه نظم الْإِبَاحَة مَعَ النّدب فِي سلك وَاحِد، وَلَا مُنَاسبَة بَين لفظ الْأَمر وَالْإِبَاحَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالْمَعْرُوف) بَين الْأُصُولِيِّينَ (كَون الْخلاف فِي النّدب فَقَط) وَصُورَة الْخلاف (هَل يصدق أَنه) أَي الْمَنْدُوب (مَأْمُور بِهِ حَقِيقَة) أم لَا (وَسَيذكر) فِي فصل الْمَحْكُوم بِهِ (وَقيل) أَرَادَ بِالْأَمر (الصِّيغَة) كافعل، لَا لفظ الْأَمر (وَالْمرَاد) أَي مُرَاد الْقَائِل حَقِيقَة فيهمَا (أَنَّهَا) أَي الصِّيغَة (حَقِيقَة خَاصَّة للْوُجُوب عِنْد التجرد) عَن الْقَرِينَة الصارفة لَهَا عَنهُ (وللندب وَالْإِبَاحَة مَعهَا) أَي الْقَرِينَة المفيدة أَنَّهَا لَهما كَمَا أَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ حَقِيقَة فِي الْكل بِدُونِ الِاسْتِثْنَاء، وَفِي الْبَاقِي مَعَ الِاسْتِثْنَاء (وَدفع) هَذَا القَوْل فِي التَّلْوِيح (باستلزامه رفع الْمجَاز) بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَون اللَّفْظ حَقِيقَة فِي الْمَعْنى

المجازى عِنْد الْقَرِينَة المفيدة أَنه المُرَاد (وَبِأَنَّهُ يجب فِي الْحَقِيقَة اسْتِعْمَاله) أَي اللَّفْظ (فِي) الْمَعْنى (الوضعي بِلَا قرينَة) وَلَا يسْتَعْمل صِيغَة الْأَمر فيهمَا بِلَا قرينَة (وَقيل بل الْقِسْمَة) للفظ بِاعْتِبَار اسْتِعْمَاله فِي الْمَعْنى (ثلاثية) وَهِي أَنه إِن اسْتعْمل فِي معنى خَارج عَمَّا وضع لَهُ فَجَاز وَإِلَّا فَإِن اسْتَعْملهُ فِي عين مَا وضع لَهُ فحقيقة، وَإِلَّا فحقيقة قَاصِرَة، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله (بِإِثْبَات الْحَقِيقَة القاصرة: وَهِي مَا) أَي اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل (فِي الْجُزْء) أَي جُزْء مَا وضع لَهُ لوُجُوب اسْتِعْمَال الْمجَاز فِي غير الْمَعْنى الوضعي والجزئي لَيْسَ غيرا وَلَا عينا. قَالَ صدر الشَّرِيعَة: الْجُزْء عِنْد فَخر الْإِسْلَام لَيْسَ عينا وَلَا غيرا على مَا عرف من تَفْسِير الْغَيْر فِي علم الْكَلَام، فَإِذا تقرر هَذَا (فالكرخي والرازي وَكثير) على أَنَّهَا فِي النّدب وَالْإِبَاحَة (مجَاز إِذْ ليسَا) أَي النّدب وَالْإِبَاحَة (جزئي الْوُجُوب لمنافاته) أَي الْوُجُوب (فصلهما) أَي فصل النّدب وَالْإِبَاحَة، وَمَا يُنَافِي فصل الْمَاهِيّة لَا يكون جُزْءا مِنْهَا (وَإِنَّمَا بَينهمَا) أَي بَين الْوُجُوب وَبَين الْإِبَاحَة وَالنَّدْب قدر (مُشْتَرك هُوَ الْإِذْن) فِي الْفِعْل، ثمَّ امتاز الْوُجُوب بفصل هُوَ امْتنَاع التّرْك، وَالنَّدْب بِجَوَازِهِ مرجوحا، وَالْإِبَاحَة بِجَوَازِهِ مُسَاوِيا (وَالْقَائِل) بِأَن صِيغَة الْأَمر فيهمَا (حَقِيقَة) يَقُول (الْأَمر فِي الْإِبَاحَة إِنَّمَا يدل على الْمُشْتَرك الْإِذْن) فِي الْفِعْل عطف بَيَان للمشترك (وَهُوَ) أَي الْمُشْتَرك (الْجُزْء) من الْوُجُوب (فحقيقة قَاصِرَة) أَي فيهمَا حَقِيقَة قَاصِرَة (وَثُبُوت إِرَادَة مَا بِهِ المباينة) للْوُجُوب من جَوَاز التّرْك مرجوحا وتساويا (وَهُوَ) أَي مَا بِهِ المباينة (فصلهما) أَي النّدب وَالْإِبَاحَة إِنَّمَا تدل عَلَيْهِ (بِالْقَرِينَةِ لَا بِلَفْظ الْأَمر) أَي صيغته، وَفِي التَّلْوِيح للْقطع بِأَن الصِّيغَة لطلب الْفِعْل، وَلَا دلَالَة لَهَا على جَوَاز التّرْك أصلا، وَإِنَّمَا يثبت جَوَاز التّرْك بِحكم الأَصْل، إِذْ لَا دَلِيل على حُرْمَة التّرْك (ومبناه) أَي هَذَا الْكَلَام (على أَن الْإِبَاحَة رفع الْحَرج عَن الطَّرفَيْنِ) الْفِعْل وَالتّرْك (وَكَذَا النّدب) رفع الْحَرج عَن الطَّرفَيْنِ (مَعَ تَرْجِيح الْفِعْل، وَالْوُجُوب) رفع الْحَرج (عَن أَحدهمَا) أَي أحد الطَّرفَيْنِ: وَهُوَ الْفِعْل، لِأَنَّهَا لَو فسرت بمعان أخر على مَا فصلت فِي التَّلْوِيح لَا يَتَأَتَّى بِمَا ذكر (وَمن ظن جزئيتهما) أَي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب للْوُجُوب (فَبنى الْحَقِيقَة) أَي كَونه حَقِيقَة قَاصِرَة (عَلَيْهِ) أَي على كَونهمَا جُزْءا (غلط لترك) الظَّان الْمَذْكُور فِي جَعلهمَا جُزْءا من الْوُجُوب (فصلهما) المنافى للْوُجُوب إِذْ لَو لم يتْركهُ لما حكم بالجزئية وَقد عرفت أَن مَا حَكَاهُ فَخر الْإِسْلَام من القَوْل بِكَوْن صِيغَة الْأَمر حَقِيقَة فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب لما كَانَ مُحْتَاجا إِلَى التَّأْوِيل تصدى لتوجيهه صدر الشَّرِيعَة وَثلث الْقِسْمَة كَمَا سَمِعت وَجعل صِيغَة الْأَمر فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب حَقِيقَة قَاصِرَة لكَون مَدْلُول الصِّيغَة هُنَاكَ إِنَّمَا هُوَ جنس حقيقتهما: وَهُوَ الْإِذْن الْمَذْكُور على مَا مر بَيَانه عَن التَّلْوِيح. وَقَالَ هَذَا بحث دَقِيق مَا مَسّه إِلَّا خاطري، وَقَررهُ

الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَبَالغ فِي مساعدته حَتَّى قَالَ: فَإِن قلت قد صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَال الْأَمر فِي النّدب وَالْإِبَاحَة وإرادتهما مِنْهُ، وَلَا ضَرُورَة فِي حمل كَلَامهم على أَن المُرَاد أَنه يسْتَعْمل فِي جنسهما عُدُولًا عَن الظَّاهِر: وَمَا ذكر من أَن الْأَمر لَا يدل على جَوَاز التّرْك أصلا، إِن أَرَادَ بِحَسب الْحَقِيقَة فَغير مُفِيد، وَإِن أَرَادَ بِحَسب الْمجَاز فمحال، لم لَا يجوز أَن يسْتَعْمل اللَّفْظ الْمَوْضُوع لطلب الْفِعْل جزما فِي طلبه مَعَ إجَازَة التّرْك وَالْإِذْن فِيهِ مرجوحا أَو مُسَاوِيا بِجَامِع اشتراكهما فِي جَوَاز الْفِعْل جرما فِي طلبه مَعَ إجَازَة التّرْك قلت هُوَ كَمَا صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَال الْأسد فِي الْإِنْسَان الشجاع من حَيْثُ أَنه من أَفْرَاد الشجاع لَا من حَيْثُ أَنه مَدْلُول بِهِ على ذاتيات الْإِنْسَان، فاستعماله صِيغَة الْأَمر فِي النّدب وَالْإِبَاحَة من حَيْثُ أَنَّهُمَا من أَفْرَاد جَوَاز الْفِعْل وَالْإِذْن وَتثبت خُصُوصِيَّة كَونه مَعَ جَوَاز التّرْك بِالْقَرِينَةِ كَمَا أَن الْأسد يسْتَعْمل فِي الشجاع، وَيعلم كَونه إنْسَانا بِالْقَرِينَةِ انْتهى، وَتعقب المُصَنّف صدر الشَّرِيعَة بقوله (وَلَا يخفى أَن الدّلَالَة على الْمَعْنى وَعدمهَا) أَي عدم الدّلَالَة على الْمَعْنى (لَا دخل لَهَا فِي كَون اللَّفْظ مجَازًا، وَعَدَمه) أَي عدم كَونه مجَازًا بِأَن تكون حَقِيقَة قَاصِرَة أَو غير قَاصِرَة (بل) مدَار كَونه مجَازًا أَو حَقِيقَة (اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِيهِ) أَي فِي الْمَعْنى (وإرادته) أَي الْمَعْنى (بِهِ) أَي بِاللَّفْظِ، فَإِن كَانَ الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ مَا وضع لَهُ أَو جزءه كَانَ حَقِيقَة على الِاصْطِلَاح الْمَذْكُور، وَإِن كَانَ غَيرهمَا كَانَ مجَازًا، وَكم بَين الدّلَالَة والاستعمال: أَلا ترى أَن اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيمَا وضع لَهُ يدل على الْجُزْء اللَّازِم وَلَيْسَ بمستعمل فِي شَيْء مِنْهُمَا حِينَئِذٍ (وَلَا شكّ أَنه) أَي الْأَمر (اسْتعْمل فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب بِالْفَرْضِ) على مَا هُوَ الْمَفْرُوض، فَإِن المنازع فِيهِ إِنَّمَا هُوَ الْأَمر الْمُسْتَعْمل فيهمَا مَعَ تَسْلِيم كَونه مَوْضُوعا للْوُجُوب هَل حَقِيقَة فيهمَا أَو مجَاز؟ وَصدر الشَّرِيعَة بصدد تَوْجِيه كَونه حَقِيقَة فيهمَا: فَقَوله أَن لأمر يدل على جُزْء من الْإِبَاحَة، وَهُوَ جَوَاز الْفِعْل لَا يُغْنِيه، لِأَن ذَلِك الْجُزْء مَدْلُول لَهُ وَلَيْسَ بمستعمل فِيهِ حَتَّى يكون حَقِيقَة قَاصِرَة فِي الْجُزْء، وَلَا يلْزم مِنْهُ كَونه حَقِيقَة فِي الْإِبَاحَة والنزاع فِيهَا (فَيكون) الْأَمر (مجَازًا) فيهمَا (وَإِن لم يدل الْأَمر حِينَئِذٍ) أَي حِين اسْتعْمل فيهمَا (إِلَّا على جزئه) أَي جُزْء كل من الْإِبَاحَة وَالنَّدْب (إِطْلَاق الْفِعْل) عطف وَبَيَان لفعله، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا أجَاب بِهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ عَنهُ بقوله (وَكَون اسْتِعْمَاله) أَي الْأَمر (فيهمَا) أَي النّدب وَالْإِبَاحَة (من حَيْثُ هما) النّدب وَالْإِبَاحَة (من أَفْرَاد الْجَامِع) بَينهمَا وَبَين الْوُجُوب (وَهُوَ) أَي الْجَامِع (الْإِذْن) فِي الْفِعْل (كاستعمال الْأسد فِي الرجل الشجاع من حَيْثُ هُوَ) أَي الرجل الشجاع (من أَفْرَاده) أَي من أَفْرَاد الشجاع الْمُطلق كَمَا تقرر من أَن الْمُسْتَعَار لَهُ فِي اسْتِعْمَاله إِنَّمَا هُوَ شخص من أَفْرَاد الشجاع الْمُطلق، وخصوصية كَونه رجلا يفهم

من الْقَرَائِن كَمَا سَيَجِيءُ، وَفسّر الشَّارِح ضمير أَفْرَاده بالأسد وَلَا معنى لَهُ (وَيعلم أَنه) أَي الْمُسْتَعْمل فِيهِ (إِنْسَان بِالْقَرِينَةِ لَا يصرف عَنهُ) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي قَوْله، وَكَون اسْتِعْمَاله إِلَى آخِره، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع للكون الْمَذْكُور، وَالْمَجْرُور للاستعمال فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب (إِلَى كَون الِاسْتِعْمَال فِي جُزْء مَفْهُومه) أَي مَفْهُوم الْأَمر وَهُوَ جَوَاز الْفِعْل: إِذْ فرق بَين أَن يكون الْمُسْتَعْمل فِيهِ فَردا من أَفْرَاد مَفْهُوم وَبَين أَن يكون عين ذَلِك الْمَفْهُوم (وَلَا) يصرف أَيْضا (كَون دلَالَته على مُجَرّد الْجُزْء) بِحَيْثُ لَا يتَعَدَّى إِلَى ماهو فَرد لَهُ عَن اسْتِعْمَاله فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب إِلَى اسْتِعْمَاله فِي جُزْء مَفْهُومه (بل هُوَ) أَي الْجُزْء الْمَذْكُور (لمُجَرّد تسويغ الِاسْتِعْمَال فِي تَمَامه) أَي تَمام الْمَعْنى الْمجَازِي الْمُسْتَعْمل فِيهِ: لِأَنَّهُ العلاقة بَينه وَبَين الْمَوْضُوع لَهُ، وَلَا ينافى دلَالَة اللَّفْظ بمعونة الْقَرِينَة على غير ذَلِك الْجُزْء أَيْضا، وَهَذِه إِشَارَة إِلَى مَا فِي التَّلْوِيح من منع كَون الْأَمر بِحَيْثُ لَا يدل إِلَّا على الطّلب (وَهُوَ) أَي الِاسْتِعْمَال فِي تَمام الْمَعْنى الْمجَازِي (منَاط المجازية دون الدّلَالَة لثبوتها) أَي الدّلَالَة (على) الْمَعْنى (الوضعي) أَي تَمام مَا وضع لَهُ اللَّفْظ (مَعَ مجازيته) أَي مجازية اللَّفْظ وَكَونه مُسْتَعْملا فِي غير مَا وضع لَهُ، كَيفَ لَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَاسِطَة فِي الِانْتِقَال إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي (كَمَا قدمنَا، والقرينة) إِنَّمَا هِيَ (للدلالة على أَن اللَّفْظ لم يرد بِهِ الْمَعْنى الوضعي) لَا للدلالة على الوضعي أَو جزئه (وَالْمرَاد بحيوان فِي قَوْلنَا: يكْتب حَيَوَان إِنْسَان اسْتِعْمَالا لاسم الْأَعَمّ فِي الْأَخَص بِقَرِينَة يكْتب) إِشَارَة إِلَى مَا فِي التَّلْوِيح من قَوْله: فَإِن قلت فعلى هَذَا لَا فرق بَين قَوْلنَا هَذَا الْأَمر للنَّدْب، وَقَوْلنَا هُوَ للْإِبَاحَة: إِذْ المُرَاد أَنه يسْتَعْمل فِي جَوَاز الْفِعْل مَعَ قرينَة دَالَّة على أَوْلَوِيَّة الْفِعْل، وَالْمرَاد بِكَوْنِهِ للْإِبَاحَة أَنه خَال عَن ذَلِك كَمَا إِذا قُلْنَا: يَرْمِي حَيَوَان، ويطير حَيَوَان، فَإِنَّهُ مَدْلُول اللَّفْظ إِلَّا أَن الأول مُسْتَعْمل فِي الْإِنْسَان، وَالثَّانِي فِي الطير انْتهى. (وَتقدم) فِي أَوَائِل الْكَلَام فِي الْأَمر (أَنه) اسْتِعْمَال الْأَعَمّ فِي الْأَخَص (حَقِيقَة) لِأَن الخصوصية لَيست مِمَّا اسْتعْمل فِيهِ اللَّفْظ: بل هِيَ مَدْلُول عَلَيْهَا بِالْقَرِينَةِ وَلَا يخفى أَنه إِذا كَانَ الْأَمر مُسْتَعْملا على هَذَا المنوال فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب كَانَ بِهَذَا الِاعْتِبَار حَقِيقَة قَاصِرَة فيهمَا: فغاية مَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ أَنه خلاف مَا هُوَ الْوَاقِع بِحَسب الظَّاهِر الْمُتَبَادر وَهُوَ أَن اسْتِعْمَاله فيهمَا إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار خصوصيتهما لَا بِاعْتِبَار كَونهمَا فردين لجَوَاز الْفِعْل، والخصوصية تُوجد من الْقَرِينَة، وَصدر الشَّرِيعَة إِنَّمَا قصد نوع تَأْوِيل لكَلَام ذَلِك الْقَائِل إِلَّا أَن يَجعله مذهبا لنَفسِهِ، كَيفَ وَقد صرح بِخِلَافِهِ وارتكاب خلاف الظَّاهِر لِئَلَّا يكون الْكَلَام فَاسِدا مَحْضا لَيْسَ ببدع فِي الْأَمر: فَالْأولى أَن يحمل تغليط المُصَنّف فِيمَا سبق على من ظن جزئية الْإِبَاحَة وَالنَّدْب من الْوُجُوب من غير ذَلِك الْقَائِل، وَيَبْنِي كَون الْأَمر حَقِيقَة قَاصِرَة عَلَيْهِ

مسئلة

وَقَوله لَا يخفى إِلَى هُنَا على إِرَادَة تَحْقِيق على كَلَام الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ. مسئلة (الصِّيغَة أَي الْمَادَّة) لم يقل ابْتِدَاء الْمَادَّة: لِأَن الْمَذْكُور فِي كَلَام الْقَوْم لفظ الصِّيغَة، فَأَرَادَ تَفْسِيرهَا (بِاعْتِبَار الْهَيْئَة الْخَاصَّة) مَوْضُوعَة (لمُطلق الطّلب، لَا بِقَيْد مرّة) أَي لَيست لطلب الْفِعْل مَعَ قيد هُوَ إِيقَاعه مرّة وَاحِدَة (وَلَا تكْرَار) وَلَيْسَت لَهُ مَعَ كَونه يُوقع مكررا (وَلَا يحْتَملهُ) أَي التّكْرَار أَيْضا بِأَن يُرَاد بهَا لعدم دلالتها عَلَيْهِ، وَفِيه إِن أُرِيد عدم دلالتها بِمُوجب أهل الْوَضع فَمُسلم لَكِن الْخصم لَا يَدعِيهِ، وَلَا حَاجَة إِلَى ذكره بعد بَيَان مَا وضعت لَهُ، وَإِن أُرِيد عدمهَا بمعاونة الْقَرِينَة، فَغير مُسلم (وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد الْحَنَفِيَّة) والآمدي وَابْن الْحَاجِب وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ والبيضاوي، وَقَالَ السُّبْكِيّ وَأرَاهُ رَأْي أَكثر أَصْحَابنَا، (و) قَالَ (كثير) مِنْهُم أَنَّهَا (للمرة) وَعَزاهُ أَبُو إِسْحَق الاسفرايني إِلَى أَكثر الشَّافِعِيَّة، وَقَالَ أَنه مُقْتَضى كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله، وَأَنه الصَّحِيح الْأَشْبَه بمذاهب الْعلمَاء (وَقيل للتكرار أبدا) أَي مُدَّة الْعُمر مَعَ الْإِمْكَان كَمَا ذكره أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَغَيره ليخرج أزمنة ضروريات الْإِنْسَان، وعَلى هَذَا جمَاعَة من الْفُقَهَاء والمتكلمين: مِنْهُم أَبُو إِسْحَق الاسفرايني (وَقيل) الْأَمر (الْمُعَلق) على شَرط أَو صفة للتكرار لَا الْمُطلق، وَهُوَ معزو إِلَى بعض الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (وَقيل) الْأَمر الْمُطلق للمرة (ويحتمله) أَي التّكْرَار، وَهُوَ معزو إِلَى الشَّافِعِي رَحمَه الله (وَقيل بِالْوَقْفِ) إِمَّا على أَن مَعْنَاهُ (لَا نَدْرِي) أَو وضع للمرة أَو للتكرار أَو للمطلق (أَو) على أَن مَعْنَاهُ (لَا يدْرِي مُرَاده) أَي مُرَاد الْمُتَكَلّم بِهِ (للاشتراك) بَينهمَا، وَهُوَ قَول القَاضِي أبي بكر وَجَمَاعَة، وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ (لنا) على الْمُخْتَار وَهُوَ الأول (إطباق الْعَرَبيَّة على أَن هَيْئَة الْأَمر لَا دلَالَة لَهَا إِلَّا على الطّلب فِي خُصُوص زمَان وخصوص الْمَطْلُوب) من قيام وقعود وَغَيرهمَا، إِنَّمَا هُوَ (من الْمَادَّة وَلَا دلَالَة لَهَا) إِلَّا (على غير مُجَرّد الْفِعْل) أَي الْمصدر (فَلَزِمَ) من مَجْمُوع الْهَيْئَة والمادة (أَن تَمام مَدْلُول الصِّيغَة طلب الْفِعْل فَقَط والبراءة) أَي الْخُرُوج عَن عُهْدَة الْأَمر تحصل (بِمرَّة) أَي بِفعل الْمَأْمُور بِهِ مرّة وَاحِدَة (لوُجُوده) أَي لتحَقّق مَا هُوَ الْمَطْلُوب بإدخاله فِي الْوُجُود مرّة (فَانْدفع دَلِيل الْمرة) وَهُوَ أَن الِامْتِثَال يحصل بِمرَّة فَيكون لَهَا، وَذَلِكَ لِأَن حُصُوله بهَا لَا يستدعى اعْتِبَارهَا جُزْءا من مَدْلُول الْأَمر، لِأَن هَذَا حَاصِل على تَقْدِير الْإِطْلَاق، لِأَنَّهُ لَا يُوجد الْمَأْمُور بِهِ بِدُونِ الْمرة، وَالزِّيَادَة عَلَيْهَا غير مَطْلُوبَة بِهِ (وَاسْتدلَّ) للمختار أَيْضا (مدلولها) أَي الصِّيغَة (طلب حَقِيقَة الْفِعْل فَقَط والمرة والتكرار

خارجان) عَن حَقِيقَته، فَيجب أَن يحصل الِامْتِثَال بِهِ فِي أَيهمَا وجد وَلَا تتقيد بِأَحَدِهِمَا (وَدفع) كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (بِأَنَّهُ) (اسْتِدْلَال بالنزاع) أَي بِالْأَمر الْمُتَنَازع فِيهِ بَين الْقَوْم فَإِن مِنْهُم من يَقُول هِيَ الْحَقِيقَة الْمقيدَة بالوحدة، وَمِنْهُم من يَقُول الْمقيدَة بالتكرار (وبأنهما من صِفَاته) أَي وَاسْتدلَّ أَيْضا بِأَن الْمرة والتكرار من صِفَات الْفِعْل: كالقلة وَالْكَثْرَة (وَلَا دلَالَة للموصوف على خُصُوص صفته بِالصِّفَاتِ الْمُقَابلَة (على الصّفة) الْمعينَة مِنْهَا (وَدفع) هَذَا أَيْضا على مَا فِي الشَّرْح الْمَذْكُور (بِأَنَّهُ إِنَّمَا يقتضى) مَا ذكر (انْتِفَاء دلَالَة الْمَادَّة: أَي الْمصدر على ذَلِك) أَي الْمرة والتكرار (وَالْكَلَام فِي الصِّيغَة) هَل هِيَ تدل على شَيْء مِنْهُمَا أم لَا، وَاحْتِمَال الصِّيغَة لَهما لَا يمْنَع ظُهُور أَحدهمَا، وَالْمُدَّعِي الدّلَالَة ظَاهرا لَا نصا (قَالُوا) أَي المكررون (تكَرر) الْمَطْلُوب (فِي النَّهْي فَعم) فِي الْأَزْمَان (فَوَجَبَ) التّكْرَار أَيْضا (فِي الْأَمر لِأَنَّهُمَا) أَي الْأَمر وَالنَّهْي (طلب قُلْنَا) هَذَا (قِيَاس فِي اللُّغَة لِأَنَّهُ فِي دلَالَة اللَّفْظ) وَقد تقدم بُطْلَانه (و) أُجِيب أَيْضا (بِالْفرقِ) بَينهمَا (بِأَن النَّهْي لتَركه) أَي الْفِعْل (وتحققه) أَي التّرْك (بِهِ) أَي التّرْك (فِي كل الْأَوْقَات) لَا يُقَال كَمَا أَن الْفِعْل يتَحَقَّق فِي بعض الْأَوْقَات كَذَلِك التّرْك يتَحَقَّق فِي بَعْضهَا لِأَن الْمصلحَة غَالِبا فِي انتفائه رَأْسا، وَذَلِكَ لَا يحصل فِي تَركه فِي بعض الْأَوْقَات (وَالْأَمر لَا يُنَافِيهِ) أَي الْفِعْل (ويتحقق) الْفِعْل (بِمرَّة، وَيَأْتِي) فِي هَذَا أَيْضا (أَنه مَحل النزاع) لِأَن كَونه لمُجَرّد إثْبَاته الْحَاصِل بِمرَّة عين النزاع، إِذْ الْمُخَالف يَقُول بل لإثباته دَائِما (وَأما) الْفرق بَينهمَا كَمَا فِي الْمُخْتَصر وَغَيره (بِأَن التّكْرَار مَانع من) فعل (غير الْمَأْمُور بِهِ) لِأَنَّهُ يسْتَغْرق وقته، وَمن شَأْن الْبشر أَنه يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن آخر عَادَة (فيتعطل) مَا سواهُ من الْمَأْمُور بِهِ والمصالح (بِخِلَاف النَّهْي) فَإِن دوَام التّرْك لَا يشْغلهُ عَن شَيْء من الْأَفْعَال (فمدفوع بِأَن الْكَلَام فِي مَدْلُوله) أَي لفظ الْأَمر، وَفِي أَنه هَل يدل على التّكْرَار أم لَا (وَلَيْسَ) مَدْلُوله (ملزوم الْإِرَادَة للتكرار) أَي إِرَادَة الْمُتَكَلّم التّكْرَار لَيْسَ بِلَازِم لكَون التكرارمدلولا للفظ فَيجوز أَن يكون اللَّفْظ دَالا على التّكْرَار، لَكِن الْمُتَكَلّم لَا تتَعَلَّق بِهِ إِرَادَته (فَيجب انتفاؤها) أَي إِرَادَة التّكْرَار على تَقْدِير كَونه مدلولا (للمانع) مِنْهَا: وَهُوَ مَا ذكر من لُزُوم التعطيل، فالدليل الْمَذْكُور يدل على عدم الْإِرَادَة، لَا الدّلَالَة (قَالُوا) أَي المكررون أَيْضا الْأَمر (نهى عَن أضداده) وَهِي كل مَا لَا يجْتَمع مَعَ الْمَأْمُور بِهِ، وَمِنْه تَركه (وَهُوَ) أَي النَّهْي (دائمي) أَي يمْنَع من الْمنْهِي عَنهُ دَائِما (فيتكرر) الْأَمر (فِي الْمَأْمُور) بِهِ إِذا لم يتَكَرَّر، ويكتفي بإيقاعه مرّة وَاحِدَة فِي وَقت وَاحِد لم يمْنَع من أضداده فِي سَائِر الْأَوْقَات (قُلْنَا تكَرر) النَّهْي (الْمَضْمُون فرع تكَرر) الْأَمر (المتضمن فإثبات تكرره) أَي تكْرَار الْأَمر المتضمن (بِهِ) أَي

بتكرار النَّهْي الْمَضْمُون (دور) لتوقف كل من التكررين على الآخر (وَلَيْسَ) هَذَا الْجَواب (بِشَيْء) لأَنا نقُول (بل إِذا كَانَ) تكَرر النَّهْي الْمَضْمُون (فَرعه) أَي فرع تكَرر الْأَمر المتضمن (وتحققنا ثُبُوته) أَي ثُبُوت تكَرر الْفَرْع (استدللنا بِهِ) أَي بتكرره (على أَن الأَصْل كَذَلِك) أَي متكرر أَيْضا (من قبيل) الْبُرْهَان (الانىّ) وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بالأثر على الْمُؤثر (بل) يلْزم (للفرعية) أَي لفرعية تكَرر النَّهْي لتكرر الْأَمر (إِذا كَانَ) الْأَمر (دَائِما كَانَ) نهيا عَن أضداده (دَائِما أَو) كَانَ الْأَمر (فِي) وَقت (معِين فَفِيهِ) نفى ذَلِك الْوَقْت الْمعِين (نهى الضِّدّ) لَا فِي سَائِر الْأَوْقَات (أَو) كَانَ الْأَمر (مُطلقًا فَفِي وَقت الْفِعْل) نهى الضِّدّ (الْمُعَلق) أَي الْقَائِل بِأَن الْأَمر الْمُعَلق على شَرط أَو صفة يدل على التّكْرَار. قَالَ (تكَرر) الْمَأْمُور (فِي نَحْو: وَإِن كُنْتُم جنبا) فاطهروا: فتكرر وجوب التَّطْهِير بِتَكَرُّر الْجَنَابَة (قُلْنَا الشَّرْط هُنَا عِلّة فيتكرر) الْمَأْمُور بِهِ (بتكررها اتِّفَاقًا) ضَرُورَة تكَرر الْمَعْلُول بِتَكَرُّر علته (لَا) يثبت عِنْد ذَلِك التّكْرَار (بالصيغة، وَأما غَيره) أَي مَا لَا يكون عِلّة (كاذا دخل الشَّهْر فَأعتق: فخلاف) أَي فَفِيهِ خلاف فِي كَونه للتكرار (وَالْحق النَّفْي) أَي نفي التّكْرَار فِيهِ (فَإِن قلت: فَكيف نَفَاهُ) أَي تكَرر الحكم بتكرار الْوَصْف الَّذِي هُوَ علته (الْحَنَفِيَّة فِي وَالسَّارِق والسارقة) فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا (فَلم يقطعوا فِي) الْمرة (الثَّالِثَة) يَد السَّارِق الْيُسْرَى إِذا كَانَ قد قطع فِي الأولى يَده الْيُمْنَى. وَفِي الثَّانِيَة رجله الْيُسْرَى مَعَ أَن السّرقَة عِلّة الْقطع (وجلدوا فِي الزَّانِي بكرا أبدا) أَي كلما زنى ليَكُون الزِّنَا عِلّة للجلد (فَالْجَوَاب) أَن يُقَال (أما مانعو تَخْصِيص الْعلَّة فَلم يعلق) الْقطع عِنْدهم (بعلة) من السّرقَة وَنَحْوهَا (لِأَن عدم قطع يَده فِي الثَّانِيَة إِجْمَاعًا نقض) لكَونهَا عِلّة لتخلف الحكم عَنْهَا (فَوَجَبَ عدم الِاعْتِبَار) أَي عدم اعْتِبَار علية السّرقَة للْقطع (فَبَقيَ مُوجبه) أَي النَّص (الْقطع مرّة مَعَ السّرقَة) بِخِلَاف الْجلد فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ علق بعلة هِيَ الزِّنَا فيكرر بتكرره (وَالْوَجْه الْعَام) أَي على القَوْل بِجَوَاز تَخْصِيص الْعلَّة وبعدم جَوَازه (أَنه) أَي نَص الْقطع (مؤول إِذْ حَقِيقَته قطع الْيَدَيْنِ بِسَرِقَة وَاحِدَة) فَإِن منطوقه قطع أَيدي كل من السَّارِق والسارقة إطلاقا للْجمع على مَا فَوق الْوَاحِد، وَهُوَ غير مَعْمُول بِهِ إِجْمَاعًا (بل صرف) النَّص (عَنهُ) أَي عَن قطع الْيَدَيْنِ (إِلَى وَاحِدَة هِيَ الْيُمْنَى بِالسنةِ) فَإِنَّهُ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسارق فَقطع يَمِينه، فَإِنَّهُ يدل على تعْيين الْيَمين للْقطع وَإِلَّا فقد كَانَ عَادَته طلب الْأَيْسَر للْأمة (وَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود) فَاقْطَعُوا أيمانهما، وَالْقِرَاءَة الشاذة حجَّة على الصَّحِيح (وَالْإِجْمَاع) وَلَا عِبْرَة فِي نقل عَن

شذوذ من الِاكْتِفَاء بِقطع الْأَصَابِع لِأَن بهَا الْبَطْش (فَظهر) بِهَذِهِ الْأَدِلَّة (أَن المُرَاد) من النَّص (انقسام الْآحَاد على الْآحَاد: أَي كل سَارِق فَاقْطَعُوا يَده الْيُمْنَى بِمُوجب حمل الْمُطلق) وَهُوَ أَيْدِيهِمَا (عَلَيْهِ) أَي الْمُقَيد: وَهُوَ الْيُمْنَى لما ذكرنَا (فَلَو فرضت) السّرقَة (عِلّة) للْقطع (تعذر) الْقطع (لفَوَات مَحل الحكم) وَهُوَ الْيُمْنَى (فِي الثَّانِيَة) مُتَعَلق بتعذر، وَذَلِكَ بقطعها فِي الأولى (بِخِلَاف الْجلد) لعدم فَوت مَحَله وَهُوَ الْبدن بِالْجلدِ السَّابِق (وَقطع الرجل فِي الثَّانِيَة بِالسنةِ ابْتِدَاء) فقد روى الشَّافِعِي رَحمَه الله وَالطَّبَرَانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ " إِذا سرق السَّارِق فَاقْطَعُوا يَده، ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله إِلَى غير ذَلِك وبالإجماع وَقَالَ (الْوَاقِف) لَو ثَبت كَونه للمرة أَو للتكرار (فَأَما بالآحاد) وَهِي إِنَّمَا تفِيد الظَّن، والمسئلة علمية، أَو بالتواتر وَهُوَ يمْنَع الْخلاف، وَالْفِعْل الصّرْف لَا مدْخل لَهُ فِيهِ، فَلَزِمَ الْوَقْف (وَتقدم مثله) فِي مسئلة: صِيغَة الْأَمر خَاص فِي الْوُجُوب للْوَاقِف فِي إمهاله أَو لغيره وَجَوَابه (وسؤال) الْأَقْرَع بن حَابِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحَج بقوله (ألعامنا هَذَا أم لِلْأَبَد) يَعْنِي أوجوب الْحَج الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى - {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} - فِي حَقنا مَخْصُوص بِهَذَا الْعَام، بِمَعْنى أَنه إِذا أَتَيْنَا بِهِ فِي هَذِه السّنة لَا يجب علينا فِي سَائِر السنين، أم يجب علينا كل سنة؟. وَفِي التَّلْوِيح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " يَا أَيهَا النَّاس: قد فرض عَلَيْكُم الْحَج فحجوا، فَقَالَ الْأَقْرَع بن حَابِس: أكل عَام يَا رَسُول الله؟ فَسكت حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا: فَقَالَ لَو قلت نعم لوَجَبَ وَلما اسْتَطَعْتُم " (أوردهُ فَخر الْإِسْلَام) دَلِيلا (لاحْتِمَال التّكْرَار) فَقَالَ: لَو لم يحْتَمل اللَّفْظ لما أشكل عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَي السُّؤَال الْمَذْكُور كَونه دَلِيلا (للْوَقْف بِالْمَعْنَى الثَّانِي) وَهُوَ أَنه لَا يدْرِي مُرَاد الْمُتَكَلّم بِهِ أهوَ الْمرة أَو التّكْرَار (أظهر) من كَونه دَلِيلا لاحْتِمَال التّكْرَار: لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يحْتَمل التّكْرَار يلْزم أَن يكون ظَاهرا فِي الْمرة، فَيلْزم كَون السُّؤَال فِي غير مَحَله لِأَنَّهُ مُوجبه للْعَمَل بِالظَّاهِرِ وَترك السُّؤَال بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ مُرَاد الْمُتَكَلّم خفِيا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون السُّؤَال فِي مَحل الْحَاجة (وإيراده) دَلِيلا (لإِيجَاب التّكْرَار وَجه بِعِلْمِهِ) أَي السَّائِل (بِدفع الْحَرج) بِنَفْي الْحَرج فِي الدّين وَفِي حمله على التّكْرَار حرج عَظِيم فأشكل عَلَيْهِ فَسَأَلَ (وَإِنَّمَا يصحح) هَذَا التَّوْجِيه (السُّؤَال) على تَقْدِير كَون الْأَمر للتكرار فَإِنَّهُ إِذا علم من الْخَارِج أَن الْأَمر للتكرار، أَو يُقَال لم يكن للسؤال وَجه: فيتعذر بِهَذَا (لَا) أَنه يصحح (كَونه دَلِيلا لوُجُوب التّكْرَار أَو احْتِمَاله) أَي أَو كَونه دَلِيلا لاحْتِمَال التّكْرَار لجَوَاز أَن يكون مُتَسَاوِيا السُّؤَال عدم درايته لمراد الْمُتَكَلّم كَمَا ذكرنَا فَلَا يتَعَيَّن كَون السُّؤَال لعلمه بِدفع الْحَرج مَعَ علمه بِكَوْن الْأَمر للتكرار (ثمَّ

صيغة الأمر لا تحتمل التعدد المحض

الْجَواب) لِلْجُمْهُورِ عَن الِاسْتِدْلَال بالسؤال الْمَذْكُور (أَن الْعلم بتكرير) الحكم (الْمُتَعَلّق بِسَبَب متكرر ثَابت فَجَاز كَونه) أَي سُؤال السَّائِل الْمَذْكُور (لإشكال أَنه) أَي سَبَب الْحَج (الْوَقْت فيتكرر) وجوب الْحَج بتكريره (أَو) أَن سَببه (الْبَيْت فَلَا) يتَكَرَّر لعدم تكرره. قَالَ الشَّارِح: فِي أَكثر الْكتب أَن السَّائِل هُوَ سراقَة، فَقَالَ فِي حجَّة الْوَدَاع: ألعامنا هَذَا أم لِلْأَبَد؟ (وَبنى بعض الْحَنَفِيَّة) كفخر الْإِسْلَام، وَصدر الشَّرِيعَة (على التّكْرَار وَعَدَمه، واحتماله) حكم (طَلِّقِي نَفسك أَو طَلقهَا يملك) الْمَأْمُور أَن يُطلق (أَكثر من الْوَاحِدَة) جملَة ومتفرقة (بِلَا نِيَّة على الأول) أَي على أَن الْأَمر للتكرار، فَإِن لفظ طلق إِذا كَانَ مَوْضُوعا لطلب التَّطْلِيق مكررا كَانَ التَّوْكِيل بِأَكْثَرَ من الْوَاحِدَة فَيملكهُ من غير الْتِفَات إِلَى نِيَّة الْمُوكل، لِأَن الشَّرْع يحكم بِالظَّاهِرِ (وَبهَا) أَي وَيملك أَكثر من الْوَاحِدَة بِالنِّيَّةِ (على الثَّالِث) أَي احْتِمَاله التّكْرَار مطابقا لنيته من اثْنَيْنِ وَثَلَاث، فَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة أَو نوى وَاحِدَة فَوَاحِدَة لَا غير (وعَلى الثَّانِي) أَي عدم احْتِمَاله التّكْرَار (وَهُوَ) أَي الثَّانِي (قَوْلهم) أَي الْحَنَفِيَّة يملك (وَاحِدَة) سَوَاء نَوَاهَا أَو اثْنَتَيْنِ أَو لم ينْو شَيْئا (وَالثَّلَاث بِالنِّيَّةِ لَا الثِّنْتَيْنِ) وَإِن نواهما (وَلَا يخفى أَن المتفرع) فِي الْمَذْكُورَات بزعمهم (تعدد الْأَفْرَاد) للطَّلَاق وَعدم تعددها (وَلَيْسَ التّكْرَار) تعددها للْفِعْل (وَلَا ملزومه) أَي التّكْرَار (للتعدد) أَي لتحَقّق التَّعَدُّد بِحَسب الْأَفْرَاد (وَالْفِعْل وَاحِد فِي) إِيقَاع (التَّطْلِيق) دفْعَة وَاحِدَة (ثِنْتَيْنِ) تَارَة (وَثَلَاثًا) أُخْرَى فَإِن فِيهِ تعدد الطَّلَاق مَعَ عدم تكَرر فعل التَّطْلِيق (فَهُوَ) أَي تعدد الْأَفْرَاد (لَازم التّكْرَار أَعم) مِنْهُ لتحققه بِدُونِ التّكْرَار أَيْضا (فَلَا يلْزم من ثُبُوت التَّعَدُّد ثُبُوته) أَي التّكْرَار، لِأَن وجود الْأَعَمّ لَا يسْتَلْزم وجود الْأَخَص (وَلَا من انْتِفَاء التّكْرَار انتفاؤه) أَي التَّعَدُّد، لِأَن انْتِفَاء الْأَخَص لَا يسْتَلْزم انْتِفَاء الْأَعَمّ (فَهِيَ) أَي الصُّور الْمَذْكُورَة بِاعْتِبَار التَّعَدُّد وَعَدَمه، ونظائرها غير مَبْنِيَّة على الْمَذْكُور لتحققها بِدُونِ الْخلاف فِي كَون الْأَمر للتكرار أَو لَا، بل هِيَ مسئلة (مُبتَدأَة) هَكَذَا: (صِيغَة الْأَمر لَا تحْتَمل التَّعَدُّد الْمَحْض) بِأَن لَا يكون هُنَاكَ جِهَة وَاحِدَة (لأفراد مفهومها) مُتَعَلق بالتعدد (فَلَا تصح إِرَادَته) أَي التَّعَدُّد الْمَحْض من صيغته (كَالطَّلَاقِ) أَي كَمَا لَا تصح إِرَادَة الطَّلَاق (من اسقنى خلافًا للشَّافِعِيّ) رَحمَه الله فَإِنَّهُ ذهب إِلَى أَنَّهَا تحتمله، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تحتمله (لِأَنَّهَا مختصرة من طلب الْفِعْل بِالْمَصْدَرِ النكرَة) حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: طلق أَو وَقع طَلَاقا (وَهُوَ) أَي الْمصدر النكرَة (فَرد) من

مسئلة

حَيْثُ أَنه لَا تركيب فِيهِ من جِهَة مَعْنَاهُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ (فَتجب مُرَاعَاة فردية مَعْنَاهُ) (فَلَا تحْتَمل ضد مَعْنَاهُ) وَهُوَ التَّعَدُّد الْمَحْض، وَالْعدَد فِيهِ تركيب من الْأَفْرَاد (وَصِحَّة إِرَادَة الثِّنْتَيْنِ فِي الْأمة، وَالثَّلَاث فِي الْحرَّة للوحدة الجنسية) لِأَن الثِّنْتَيْنِ كل جنس طَلَاق الْأمة وَتَمَامه كَمَا أَن الثَّلَاث كَذَلِك فِي الْحرَّة فَإِنَّهُ لوحدته كل مِنْهُمَا فَرد وَاحِد من أَجنَاس التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة فَيَقَع بِالنِّيَّةِ (بِخِلَاف الثِّنْتَيْنِ فِي الْحرَّة) فَإِنَّهُ (لَا جِهَة لوحدته) فيهمَا لَا حَقِيقَة وَلَا حكما (فَانْتفى) كَونه مُحْتَمل اللَّفْظ فَلَا ينَال بِالنِّيَّةِ وَالْحَاصِل أَن الْفَرد الْحَقِيقِيّ مُوجبه والفرد الاعتباري محتمله، وَالْعدَد الْمَحْض لَا مُوجبه وَلَا يحْتَملهُ، وَمُوجب اللَّفْظ يثبت بِاللَّفْظِ من غير افتقار إِلَى النِّيَّة، ومحتمله لَا يثبت إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَمَا لَا يحْتَملهُ لَا يثبت وَإِن نوى، لِأَن النِّيَّة لتعيين مُحْتَمل اللَّفْظ، لَا لإِثْبَات مَا لَا يحْتَملهُ (وَبعد أَنه لَا يلْزم اتِّحَاد مَدْلُول الصِّيغَة وتعدده) أَي تعدد مدلولها، بل قد يكون وَاحِدًا، وَقد يكون مُتَعَددًا (فقد يبعد نفي الِاحْتِمَال) أَي احْتِمَال التَّعَدُّد (لثُبُوت الْفرق لُغَة بَين أَسمَاء الْأَجْنَاس الْمعَانِي، وَبَعض) أَسمَاء الْأَجْنَاس (الْأَعْيَان) إِذْ لَا يُقَال لِرجلَيْنِ رجل، وَيُقَال للْقِيَام الْكثير قيام كالأعيان المتماثلة الْأَجْزَاء كَالْمَاءِ وَالْعَسَل، فَإِذا صدق الطَّلَاق على طَلْقَتَيْنِ كَيفَ لَا يحْتَملهُ) أَي الطَّلَاق هَذَا الْعدَد (لكِنهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (استمروا على مَا سَمِعت) من عدم الِاحْتِمَال (فِي الْكل) أَي كل أَسمَاء الْأَجْنَاس الْمعَانِي والأعيان حَتَّى قَالُوا تَفْرِيعا على ذَلِك (فَلَو حلف لَا يشرب مَاء انْصَرف) حلفه (إِلَى أقل مَا يصدق عَلَيْهِ) مَاء وَهُوَ قَطْرَة عِنْد الْإِطْلَاق (وَلَو نوى مياه الدُّنْيَا صَحَّ فيشرب مَا شَاءَ) مِنْهَا، وَلَا يَحْنَث لصدق أَنه لم يشْربهَا (أَو) قدرا من الأقدار المتخللة بَين الحدين كَمَا لَو نوى (كوزا لَا يَصح) ذَلِك مِنْهُ لخلو الْمَنوِي عَن صفة الفردية حَقِيقَة وَحكما. مسئلة (الْفَوْر) وَهُوَ امْتِثَال الْمَأْمُور بِهِ عقبه (ضَرُورِيّ للقائل بالتكرار) لِأَنَّهُ يلْزم استغراق الْأَوْقَات بِالْفِعْلِ الْمَأْمُور بِهِ على مَا مر (وَأما غَيره) أَي غير الْقَائِل بالتكرار (فإمَّا) أَي فَيَقُول الْمَأْمُور بِهِ لَا يَخْلُو من أَنه إِمَّا (مُقَيّد بِوَقْت يفوت الْأَدَاء) أَي أَدَاؤُهُ (بفوته) أَي بفوت ذَلِك الْوَقْت وَيَأْتِي تَفْصِيله فِي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ (أَولا) أَي أَو غير مُقَيّد بِوَقْت كَذَا، وَإِن كَانَ وَاقعا فِي وَقت لَا محَالة (كالأمر بالكفارات وَالْقَضَاء) للصَّوْم وَالصَّلَاة (فَالثَّانِي) أَي غير الْمُقَيد بِمَا ذكر (لمُجَرّد الطّلب فَيجوز التَّأْخِير) على وَجه لَا يفوت الْمَأْمُور بِهِ كَمَا يجوز البدار بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد الْحَنَفِيَّة، وعزى إِلَى الشَّافِعِي وَأَصْحَابه، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب،

والبيضاوي. وَقَالَ ابْن برهَان لم ينْقل عَن الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة رحمهمَا الله نَص، وَإِنَّمَا فروعهما تدل على ذَلِك (وَقيل يُوجب الْفَوْر) والامتثال بِهِ (أول أَوْقَات الْإِمْكَان) للْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ، وعزى إِلَى الْمَالِكِيَّة والحنابلة وَبَعض الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة. وَقَالَ (القَاضِي) الْأَمر يُوجب (إِمَّا إِيَّاه) أَي الْفَوْر (أَو الْعَزْم) على الْإِتْيَان بِهِ فِي ثَانِي حَال (وَتوقف إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي أَنه لُغَة للفور أم لَا، فَيجوز التَّرَاخِي) تَفْرِيع على الشق الثَّانِي (وَلَا يحْتَمل وُجُوبه) أَي التَّرَاخِي (فيمتثل) الْمَأْمُور (بِكُل) من الْفَوْز والتراخي لعدم رُجْحَان أَحدهمَا عِنْده (مَعَ التَّوَقُّف فِي أثمه بالتراخي) لَا بالفوز لعدم احْتِمَال وجوب التَّرَاخِي (وَقيل بِالْوَقْفِ فِي الِامْتِثَال) أَي لَا يدْرِي أَنه إِن بَادر يَأْثَم، أَو إِن أخر (لاحْتِمَال وجوب التَّرَاخِي لنا) على الْمُخْتَار، وَهُوَ أَنه لمُجَرّد الطّلب أَنه (لَا تزيد دلَالَته على مُجَرّد الطّلب) بفور أَو تزاخ لَا بِحَسب الْمَادَّة وَلَا بِحَسب الصِّيغَة (بِالْوَجْهِ السَّابِق) وَهُوَ أَن هَيْئَة الْأَمر لَا دلَالَة لَهَا إِلَّا على مُجَرّد الْفِعْل، فَلَزِمَ أَن تَمام مَدْلُول الصِّيغَة طلب الْفِعْل فَقَط (وَكَونه) أَي الْأَمر دَالا (على أَحدهمَا) أَي الْفَوْر أَو التَّرَاخِي (خَارج) عَن مَدْلُوله (يفهم بِالْقَرِينَةِ كاسقني) فَإِنَّهُ يدل على الْفَوْر لِأَن طلب السَّقْي عَادَة إِنَّمَا يكون عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ عَاجلا (وَافْعل بعد يَوْم) يدل على التَّرَاخِي بقوله بعد يَوْم (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بالفور (كل مخبر) بِكَلَام خبري: كزيد قَائِم (ومنشئ كبعت وَطَالِق يقْصد الْحَاضِر) عِنْد الْإِطْلَاق عَن الْقَرَائِن حَتَّى يكون موجدا للْبيع وَالطَّلَاق بِمَا ذكر (فَكَذَا الْأَمر) وَالْجَامِع بَينه وَبَين الْخَبَر كَون كل مِنْهُمَا من أَقسَام الْكَلَام، وَبَينه وَبَين سَائِر الإنشاءات الَّتِي يقْصد بهَا الْحَاضِر كَون كل مِنْهُمَا إنْشَاء (قُلْنَا) مَا ذكرت (قِيَاس فِي اللُّغَة) إِذْ قست الْأَمر فِي إفادته الْفَوْر على الْخَبَر والإنشاء للجامع الْمَذْكُور: وَهُوَ مَعَ اتِّحَاد الحكم غير جَائِز سِيمَا (مَعَ اخْتِلَاف حكمه فَإِنَّهُ) أَي الحكم (فِي الأَصْل) وَهُوَ الْخَبَر والإنشاء (تعين) الزَّمَان (الْحَاضِر) للظرفية (وَيمْتَنع فِي الْآمِر غير الِاسْتِقْبَال فِي) إِيقَاع (الْمَطْلُوب) لِأَن الْحَاصِل لَا يطْلب (والحاضر الطّلب) الْقَائِم بالآمر (وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ) أَي فِي الطّلب، بل فِي الْمَطْلُوب (فَإِن كَانَ) الزَّمَان الْمَطْلُوب فِيهِ إِيجَاد الْمَأْمُور بِهِ (أول زمَان يَلِيهِ) أَي يَلِي زمَان الطّلب مُتَّصِلا بِهِ (فالفور) أَي فَوَجَبَ الْفَوْر (أَو) الْمَطْلُوب فِيهِ (مَا بعده) أَي مَا بعد أول زمَان يَلِي الطّلب (فوجوب التَّرَاخِي، أَو) إِن كَانَ الْمَطْلُوب فِيهِ (مُطلقًا) غير مُتَعَيّن من قبل الْآمِر (فَمَا يعنيه) الْمَأْمُور من الْوَقْت (لَا على أَنه) أَي التَّرَاخِي (مَدْلُول الصِّيغَة قَالُوا) ثَالِثا (النَّهْي يُفِيد الْفَوْر، فَكَذَا الْأَمر) وَالْجَامِع بَينهمَا كَونهمَا طلبا (قُلْنَا) قِيَاس فِي اللُّغَة وَأَيْضًا الْفَوْر (فِي النَّهْي ضَرُورِيّ) لِأَن الْمَطْلُوب التّرْك مستمرا على مَا مر (بِخِلَاف الْأَمر،

وَالتَّحْقِيق أَنه تحقق الْمَطْلُوب بِهِ) أَي بِالنَّهْي (وَهُوَ الِامْتِثَال بالفور) مُتَعَلق بتحقق الْمَطْلُوب فالفوز ثَبت لضَرُورَة الِامْتِثَال (لَا أَنه) أَي النَّهْي (يفِيدهُ) أَي الْفَوْر (وَقَوْلنَا ضَرُورِيّ فِيهِ أَي فِي امتثاله قَالُوا) ثَالِثا (الْأَمر نهي عَن الأضداد: وَهُوَ) أَي النَّهْي (للفور فَيلْزم فعل الْمَأْمُور بِهِ على الْفَوْر ليتَحَقَّق امْتِثَال النَّهْي عَنْهَا (أَي أضداد الْمَأْمُور بِهِ (وَتقدم نَحوه) من قَوْله: الْأَمر نفي عَن أضداده وَهُوَ دائمي فتكرر فِي الْمَأْمُور بِهِ (وَمَا هُوَ التَّحْقِيق فِيهِ) من أَنه إِذا كَانَ الْأَمر فِيهِ دَائِما كَانَ نهيا عَن أضداده دَائِما أَو فِي وَقت معِين فَفِيهِ نهي الضِّدّ لَا فِي سَائِر الْأَوْقَات، أَو مُطلقًا فَفِي وَقت الضِّدّ: أَي ضد، وَيُقَال هَهُنَا إِن كَانَ الْأَمر فوريا كَانَ النَّهْي كَذَلِك إِلَى آخِره (قَالُوا) رَابِعا (ذمّ) الله تَعَالَى إِبْلِيس (على عدم الْفَوْر) بقوله {مَا مَنعك أَلا تسْجد إِذْ أَمرتك} حَيْثُ قَالَ - {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} - فَدلَّ على أَنه على الْفَوْر وَإِلَّا لما اسْتحق الذَّم لِأَنَّهُ لم يضيق عَلَيْهِ (قُلْنَا) هَذَا الْأَمر (مُقَيّد) وَفِي نُسْخَة " ذَلِك مُقَيّد بِوَقْت " أَي وَقت نفخ الرّوح فِيهِ بعد تسويته (فَوته) صفة وَقت: أى ابليس الِامْتِثَال متجاوزا (عَنهُ بِدَلِيل: فاذا سويته) ونفحت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين، إِذْ التَّقْدِير فقعوا لَهُ ساجدين وَقت تسويتي إِيَّاه ونفخي فِيهِ الرّوح، إِذْ الْعَامِل فِي إِذا فقعوا (قَالُوا) خَامِسًا (لَو جَازَ التَّأْخِير) للْمَأْمُور بِهِ (لوَجَبَ) انتهاؤه (إِلَى) وَقت (معِين أَو إِلَى آخر أزمنة الْإِمْكَان، وَالْأول) أَي وجوب التَّأْخِير إِلَى وَقت معِين (مُنْتَفٍ) لِأَن الْكَلَام فِي غير الموقت شرعا، وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ من الْخَارِج، وَكبر السن، وَالْمَرَض الشَّديد لَا يعين، إِذْ كم من شباب يَمُوت فَجْأَة، وشيح ومريض يعِيش مُدَّة. (وَالثَّانِي) أَي وجوب التَّأْخِير إِلَى آخر أزمنة الْإِمْكَان تَكْلِيف (مَا لَا يُطَاق) لكَونه غير معِين عِنْد الْمُكَلف، فالتكليف بإيقاع الْفِعْل فِي وَقت مَجْهُول تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق (أُجِيب بِالنَّقْضِ) الإجمالي (بِجَوَاز التَّصْرِيح بِخِلَافِهِ) بِأَن يَقُول الشَّارِع افْعَل وَلَك التَّأْخِير فَإِنَّهُ جَائِز إِجْمَاعًا وَمَا ذكر من الدَّلِيل جَار فِيهِ (و) بِالنَّقْضِ التفصيلي (بِأَنَّهُ إِنَّمَا يلْزم) تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق (بِإِيجَاب التَّأْخِير إِلَيْهِ) أَي إِلَى آخر أزمنة الْإِمْكَان (أما جَوَازه) أَي التَّأْخِير (إِلَى وَقت يُعينهُ الْمُكَلف فَلَا) يلْزم مِنْهُ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق (لتمكنه من الِامْتِثَال) فِي أَي وَقت شَاءَ إِيقَاع الْفِعْل فِيهِ (قَالُوا) سادسا (وَجَبت المسارعة) إِلَى الْمَأْمُور بِهِ لقَوْله تَعَالَى {وسارعوا} إِلَى مغْفرَة من ربكُم: أَي إِلَى سَببهَا، لِأَن نَفسهَا لَيست فِي قدرَة العَبْد، وَمن سَببهَا فعل الْمَأْمُور بِهِ، وَإِنَّمَا تتَحَقَّق المسارعة بالفور وَقَوله تَعَالَى (فاستبقوا) الْخيرَات، وَالْكَلَام فِي الْمُسَابقَة مثله فِي المسارعة (الْجَواب جَازَ) كَونه فيهمَا (تَأْكِيدًا لإيجابه) أَي الْفَوْر بِأَن يكون أَصله مفادا (بالصيغة) كَمَا قَالُوا (و) جَازَ كَونه فيهمَا (تأسيسا) بِنَاء على أَن الصِّيغَة غير متعرضة لإيجابه، وَيكون الْإِيجَاب مفادا

بهما كَمَا قُلْنَا (فَلَا يُفِيد) شَيْء مِنْهُمَا (أَنه) أَي الْفَوْر (مُوجبهَا) أَي الصِّيغَة كَمَا هُوَ مطلبهم لعدم انتهاض الِاسْتِدْلَال مَعَ احْتِمَال خلاف الْمَقْصُود (فَكيف والتأسيس مقدم) على التَّأْكِيد (فَانْقَلَبَ) دليلهم لِأَن حمل الْآيَتَيْنِ على التأسيس الَّذِي هُوَ الأَصْل يسْتَلْزم عدم إِفَادَة الصِّيغَة الْفَوْر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ أَفَادَ) دليلهم (حِينَئِذٍ نَفْيه) أَي نفى كَون الصِّيغَة دَالَّة على الْفَوْر قَالَ (القَاضِي ثَبت حكم خِصَال الْكَفَّارَة) وَهُوَ أَنه لَو أَتَى بأحدها أجر وَلَو أخل بهَا عصى (فِي الْفِعْل والعزم) مُتَعَلق بثبت، وَمعنى ثُبُوت حكمهَا فِيهَا أَنه كَمَا يجب هُنَاكَ الْإِتْيَان بأحدها يجب هَهُنَا الْإِتْيَان بِأَحَدِهِمَا (وَهُوَ) أَي حكمهَا فِيهَا (الْعِصْيَان بتركهما) أَي الْفِعْل والعزم (وَعَدَمه) أَي عدم الْعِصْيَان بإتيانه (بِأَحَدِهِمَا فَكَانَ) الْفِعْل على الْفَوْر أَو الْعَزْم عَلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَال فَوْرًا (مُقْتَضَاهُ) أَي الْأَمر وَأورد عَلَيْهِ عدم تأثيم من أَتَى بالعزم وَلم يَأْتِ بِالْفِعْلِ أصلا، وَهُوَ خلاف الاجماع وَأجِيب بِأَن مُرَاده التَّخْيِير بَينهمَا مَا لم يتضيق الْوَقْت فَإِنَّهُ إِذا أضَاف تعين الْوَقْت (وَالْجَوَاب الْجَزْم بِأَن الطَّاعَة) الَّتِي هِيَ الِامْتِثَال إِنَّمَا هِيَ (بِالْفِعْلِ بِخُصُوصِهِ) فَهُوَ مُقْتَضى أذ (فوجوب الْعَزْم لَيْسَ مُقْتَضَاهُ) أَي الْأَمر (على التَّخْيِير) بَينه وَبَين الْفِعْل (بل هُوَ) أَي الْعَزْم (على) فعل (مَا ثَبت وُجُوبه من أَحْكَام الْإِيمَان) ثَبت مَعَ ثُبُوت الْإِيمَان، لَا الِاخْتِصَاص لَهُ بِصِيغَة الْأَمر قَالَ (الإِمَام الطّلب مُحَقّق وَالشَّكّ فِي جَوَاز التَّأْخِير فَوَجَبَ الْفَوْر) ليخرج عَن الْعهْدَة بِيَقِين (وَاعْترض) على هَذَا بِأَنَّهُ (لَا يلائم مَا تقدم لَهُ) أَي للْإِمَام (من التَّوَقُّف فِي كَونه) أَي الْأَمر (للفور، وَأَيْضًا وجوب الْمُبَادرَة يُنَافِي قَوْله) أَي الإِمَام (أقطع بِأَنَّهُ) أَي الْمُكَلف (مهما أَتَى بِهِ) أَي الْمَأْمُور بِهِ فَهُوَ (موقع بِحكم الصِّيغَة للمطلوب) كَذَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ، فَأجَاب عَنهُ المُصَنّف بقوله (وَأَنت إِذا وصلت قَوْله) أَي الإِمَام (للمطلوب) مَعَ مَا قبله (يُنَافِي قَوْله) وَهُوَ (وَإِنَّمَا التَّوَقُّف فِي أَنه لَو أخر) الْمُكَلف عَن أول زمَان الْإِمْكَان (هَل يَأْثَم بِالتَّأْخِيرِ مَعَ أَنه ممتثل لأصل الْمَطْلُوب) قطعا وَإِن احْتمل عدم الِامْتِثَال بِاعْتِبَار وَصفه، وَهُوَ كَونه على الْفَوْر نظرا إِلَى احْتِمَال كَونه مُوجب الْأَمر (لم تقف عَن الْجَزْم بالمطابقة) بَين كَلَامه جَوَاب إِذا، ومجموع الشَّرْط وَالْجَزَاء خبر أَنْت ثمَّ بَين وَجه التَّوْفِيق بقوله (فَإِن وجوب الْفَوْر بعد مَا قَالَ) من الشَّك فِي جَوَاز التَّأْخِير (لَيْسَ إِلَّا احْتِيَاطًا، لاحْتِمَال الْفَوْر لَا أَنه مُقْتَضى الصِّيغَة فَإِن الشَّك فِي جَوَاز التَّأْخِير) إِنَّمَا حصل (بِالشَّكِّ فِي الْفَوْر) أَي كَون الْأَمر حِينَئِذٍ مُفِيدا للفور (ثمَّ كَونه ممتثلا بِحكم الصِّيغَة يُنَافِي الْإِثْم) لِأَن الصِّيغَة دلّت على إِيقَاع الْفِعْل قطعا وَقد أَتَى بِهِ، ودلالتها على الْفَوْر غير مَعْلُوم وَلَا مظنون، وَلَا يُؤَاخذ العَبْد بترك مثله فَلم يكن حكم الصِّيغَة إِلَّا إِيقَاع الْفِعْل فَلَا وَجه لاحْتِمَال الْإِثْم (إِلَّا أَن يُرَاد)

بالإثم الْمَذْكُور فِي كَلَامه (إِثْم ترك الِاحْتِيَاط). قَالَ الشَّارِح وَبعد تَسْلِيم أَن الْفَوْر احْتِيَاط فكون تَركه مؤثما مَحل نظر انْتهى، وَفِي قَوْله وَبعد تَسْلِيم إِشَارَة إِلَى منع كَون الِاحْتِيَاط فِي الْفَوْر، وَلَا وَجه لمَنعه إِلَّا بِاعْتِبَار وجوب التَّأْخِير وَقد علمت أَنه لَا يُقيد بِهِ (نعم لَو قَالَ) الإِمَام (الْقَضَاء بالصيغة لَا بِسَبَب جَدِيد أمكن) هَذَا فِي نُسْخَة الشَّارِح وَلَيْسَ فِي النُّسْخَة الَّتِي اعتمادي عَلَيْهَا " نعم لَو قَالَ إِلَى آخِره " وَذكر فِي تَوْجِيهه مَا حَاصله إرجاع ضمير أمكن إِلَى عدم الْمُنَافَاة بَين الِامْتِثَال والتأثيم بِالتَّأْخِيرِ لجَوَاز جعله ممتثلا بِحكم الصِّيغَة من حَيْثُ الْقَضَاء، وآثما بِتَرْكِهِ الِامْتِثَال بِحكم الصِّيغَة من حَيْثُ الْأَدَاء، ثمَّ رد هَذَا التَّوْجِيه أَولا وَثَانِيا، وَالَّذِي يظْهر أَنه كَانَت هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ غيرت وَلم يطلع الشَّارِح على التَّغْيِير وَهُوَ الصَّوَاب (وَأجِيب) عَن اسْتِدْلَال الإِمَام بِأَنَّهُ (لَا شكّ) فِي جَوَاز التَّأْخِير (مَعَ) وجود (دليلنا) الْمُفِيد لَهُ الرافع للشَّكّ. (تَنْبِيه: قيل مسئلة الْأَمر للْوُجُوب شَرْعِيَّة لِأَن محمولها الْوُجُوب، وَهُوَ) حكم (شَرْعِي، وَقيل لغوية وَهُوَ ظَاهر) كَلَام (الْآمِدِيّ وَأَتْبَاعه) وَالصَّحِيح عَن أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ (إِذْ كرروا قَوْلهم فِي الْأَجْوِبَة قِيَاس فِي اللُّغَة، وَإِثْبَات اللُّغَة بلوازم الْمَاهِيّة، وَهُوَ) أَي كَونهَا لغوية (الْوَجْه، إِذْ لَا خلل) فِي ذَلِك وَإِن كَانَ محمولها الْوُجُوب (فَإِن الْإِيجَاب لُغَة الْإِثْبَات والإلزام، وإيجابه سُبْحَانَهُ لَيْسَ إِلَّا إِلْزَامه، وإثباته على المخاطبين بِطَلَبِهِ الحتم، فَهُوَ) أَي الْوُجُوب الشَّرْعِيّ (من أَفْرَاد) الْوُجُوب (اللّغَوِيّ) وَلما كَانَ هُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه يَنْبَغِي أَن تكون شَرْعِيَّة لِأَنَّهُ مَأْخُوذ فِي مَفْهُوم الْوُجُوب (وَاسْتِحْقَاق الْعقَاب بِالتّرْكِ لَيْسَ جُزْء الْمَفْهُوم) للْوُجُوب (بل) لَازم (مُقَارن بِخَارِج) أَي دَلِيل خَارج من مَفْهُوم الْوُجُوب (عَقْلِي أَو عادي لأمر كل من لَهُ ولَايَة الْإِلْزَام، وَهُوَ) أَي الْخَارِج الْمَذْكُور (حسن عِقَاب مخالفه) أَي كَالَّذي يُخَالف أَمر من لَهُ ولَايَة الْإِلْزَام (وتعريف الْوُجُوب) لَهُ بِأَنَّهُ (طلب) للْفِعْل (ينتهض تَركه سَببا للعقاب) كَمَا هُوَ الْمَذْكُور فِي كَلَام الْقَوْم (تجوز لإيجابه تَعَالَى: أَو) لإِيجَاب (من لَهُ ولَايَة إِلَّا لزام بِقَرِينَة ينتهض إِلَى آخِره فَيصدق إِيجَابه تَعَالَى فَردا من مطلقه) أَي الْوُجُوب اللّغَوِيّ تَقْدِيره فَيصدق على إِيجَابه: فَيكون مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض، وَيجوز أَن يكون يصدق بِمَعْنى يَشْمَل، وَقَوله فَردا حَال عَن إِيجَابه (وَظهر أَن الِاسْتِحْقَاق) للعقاب بِالتّرْكِ (لَيْسَ لَازم التّرْك) مُطلقًا (بل) هُوَ لَازم (لصنف مِنْهُ) أَي من الْوُجُوب (لتحَقّق الْأَمر مِمَّن لَا ولَايَة لَهُ مُفِيدا للْإِيجَاب (فَيتَحَقَّق هُوَ) أَي الْوُجُوب فِيهِ (وَلَا اسْتِحْقَاق) للعقاب (بِتَرْكِهِ) لِأَنَّهُ (بِلَا ولَايَة) لِلْأَمْرِ عَلَيْهِ.

مسئلة

مسئلة (الْآمِر) لشخص (بِالْأَمر) لغيره (بالشَّيْء لَيْسَ آمرا بِهِ) أَي بذلك الشَّيْء (لذَلِك الْمَأْمُور) بالواسطة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْمَأْمُور بالواسطة مَأْمُورا للْآمِر الأول بذلك الشَّيْء (كَانَ مر عَبدك بِبيع ثوبي تَعَديا) على صَاحب العَبْد بِالتَّصَرُّفِ فِي عَبده بِغَيْر إِذْنه (وناقض) أَمر السَّيِّد بِالْأَمر لعَبْدِهِ (قَوْلك للْعَبد لَا تبعه) لوُرُود الْأَمر وَالنَّهْي على فعل وَاحِد وَنقل الشَّارِح عَن السُّبْكِيّ منع لُزُوم التَّعَدِّي بِأَن التَّعَدِّي أَمر عبد الْغَيْر بِغَيْر أَمر سَيّده، وَهنا أمره بِأَمْر سَيّده: فَإِن أمره للْعَبد مُتَوَقف على أَمر سَيّده انْتهى، وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن النزاع فِي أَن مُجَرّد قَوْله: مر عَبدك إِلَى آخِره هَل هُوَ أَمر للْعَبد بِبيع الثَّوْب أم لَا؟ فَإِن السَّيِّد إِذا أَمر عَبده بِمُوجب مر عَبدك هَل يتَحَقَّق عِنْد ذَلِك أَمر العَبْد من قبل الْقَائِل مر عَبدك بِجعْل السَّيِّد سفيرا أَو وَكيلا فَافْهَم وَأما الْكَلَام فِي المناقضة فَمَا أَفَادَهُ بقوله: (وَلَا يخفى منع بطلَان التَّالِي، إِذْ لَا يُرَاد بالمناقضة هُنَا إِلَّا مَنعه) أَي الْمَأْمُور من البيع (بعد طلبه) أَي الْمَبِيع (مِنْهُ) أَي الْمَأْمُور بِالْبيعِ (وَهُوَ) أَي مَنعه مِنْهُ بعد طلبه مِنْهُ (نسخ) لطلبه على مَا هُوَ الْمُخْتَار: هَذَا، وَقيل الْأَمر بالشَّيْء أَمر بِهِ (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ أَمر بِهِ (فهم ذَلِك) أَي مَا ذكر من أَنه أَمر بِهِ (من أَمر الله تَعَالَى رَسُوله بِأَن يَأْمُرنَا) فَإِنَّهُ يفهم مِنْهُ أَن الله تَعَالَى أمرنَا بِمَا يَأْمر بِهِ الرَّسُول (و) من أَمر (الْملك وزيره) بِأَن يَأْمر فلَانا بِكَذَا فَإِنَّهُ يفهم مِنْهُ أَن الْآمِر هُوَ الْملك (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي فهم ذَلِك فيهمَا (من قرينَة أَنه) أَي الْمَأْمُور أَولا (رَسُول) ومبلغ عَن الله وَالْملك (لَا من لفظ الْأَمر الْمُتَعَلّق بِهِ) أَي بالمأمور الأول، وَمحل النزاع إِنَّمَا هُوَ هَذَا مَا لَو قَالَ: قل لفُلَان افْعَل كَذَا فَالْأول آمُر، وَالثَّانِي مبلغ بِلَا نزاع: كَذَا نقل عَن ابْن السُّبْكِيّ وَابْن الْحَاجِب، وَاخْتَارَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ التَّسْوِيَة بَينهمَا. مَسْأَلَة (إِذا تعاقب أَمْرَانِ) غير متعاطفين (بمتماثلين) أَي بفعلين من نوع وَاحِد، نَحْو: صل رَكْعَتَيْنِ صل رَكْعَتَيْنِ (فِي قَابل للتكرار) ظرفان للتماثلين: أَي يكون تماثلهما فِي فعل قَابل للتكرار، احْتِرَازًا من نَحْو مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (بِخِلَاف: صم الْيَوْم) صم الْيَوْم فَإِنَّهُ لَا يعود التّكْرَار فِي صَوْم الْيَوْم الْمعِين (وَلَا صَارف عَنهُ) أَي عَن التّكْرَار (من تَعْرِيف) الْمَأْمُور بِهِ بعد ذكره مُنْكرا (كصل الرَّكْعَتَيْنِ) بعد صل رَكْعَتَيْنِ (أَو) من (عَادَة كاسقني مَاء) اسْقِنِي

مسئلة

مَاء (فَإِنَّهُ) أَي حكم مَا ذكره وَهُوَ كَون الثَّانِي مؤكدا للْأولِ فِي مثلهَا (اتِّفَاق) أما فِي الأولى فَلَمَّا ذكر، وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَن دفع الْحَاجة بِمرَّة وَاحِدَة غَالِبا، وستظهر فَائِدَة مَا فِي الْقُيُود (قيل بِالْوَقْفِ) فِي كَونه تأسيسا أَو تَأْكِيدًا، وَهُوَ لأبي بكر الصَّيْرَفِي وَأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ (وَقيل تَأْكِيد) وَهُوَ لبَعض الشَّافِعِيَّة والجبائي (وَقيل تأسيس) وَهُوَ للأكثرين (لِأَنَّهُ) أَي التأسيس (أفود، وَوضع الْكَلَام للإفادة وَلِأَنَّهُ الأَصْل: وَالْأول) وَهُوَ أَنه أفود وَوضع الْكَلَام للإفادة (يُغني عَن هَذَا) أَي لِأَنَّهُ الأَصْل (وَالْكل) أَي كل مِنْهُمَا (لَا يُقَاوم الأكثرية) للتكرير فِي التَّأْكِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى التأسيس معَارض بِمَا فِي التَّأْكِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى التأسيس وَالْحمل على الْمَعْنى الْأَغْلَب (ومعارض بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّة) أَي التأسيس معَارض بِمَا فِي التَّأْكِيد من الْمُوَافقَة للْأَصْل: وَهِي بَرَاءَة ذمَّة الْمُكَلف من تعلق التَّكْلِيف بهَا مرّة ثَانِيَة (بعد منع الإصالة) أَي أَن الأَصْل فِي الْكَلَام الإفادة (فِي التّكْرَار) إِنَّمَا ذَلِك فِي غير التّكْرَار بِشَهَادَة الْكَثْرَة (فيتزجح) التَّأْكِيد (وَإِذا منع كَون التأسيس أَكثر فِي مَحل النزاع) وَهُوَ تعاقب أَمريْن بمتماثلين فِي قَابل للتكرار لَا صَارف عَنهُ (سقط مَا قيل) أَي مَا قَالَه الْوَاقِف (تعَارض التَّرْجِيح) فِي التأسيس والتأكيد (فالوقف) لثُبُوت أرجحية التَّأْكِيد عَلَيْهِ لما عرفت (وَفِي الْعَطف كوصل رَكْعَتَيْنِ) بعد صل رَكْعَتَيْنِ (يعْمل بهما) أَي الْأَمريْنِ، لِأَن التَّأْكِيد بالْعَطْف لم يعْهَد أَو يقل، وَقيل يكون الثَّانِي عين الأول، وَالْأول هُوَ الْوَجْه (إِلَّا أَن ترجح التَّأْكِيد) فِي الْعَطف بمرجح (فبه) أَي فَيعْمل بالتأكيد (أَو) يُوجد (التعادل) بَين المرجحات من الْجَانِبَيْنِ (فبمقتضى خَارج) أَي فَالْعَمَل بِمُقْتَضى خَارج عَن المعادلين إِن وجد، وَإِلَّا فالوقف، قيل بترجيح التأسيس لما فِيهِ من الِاحْتِيَاط وَأجِيب بِأَن الِاحْتِيَاط قد يكون فِي الْحمل على التَّأْكِيد لاحْتِمَال الْحُرْمَة فِي الْمرة الثَّانِيَة: هَذَا فِي الْأَمريْنِ بمتماثلين، فَإِن كَانَا مُخْتَلفين عمل بهما اتِّفَاقًا، ثمَّ هَذَا كُله فِي المتعاقبين فَإِن تراخي أَحدهمَا عَن الآخر عمل بهما سَوَاء تماثلا أَو اخْتلفَا بعطف أَو بِغَيْر عطف. مسئلة (اخْتلف الْقَائِلُونَ بالنفسي) أَي بِالْأَمر النَّفْسِيّ، وَهُوَ الَّذِي حد فِيمَا سبق باقتضاء فعل غير كف على جِهَة الاستعلاء، وستظهر فَائِدَة تَقْيِيد الِاخْتِلَاف بهم (فاختيار الإِمَام وَالْغَزالِيّ وَابْن الْحَاجِب أَن الْأَمر بالشَّيْء فَوْرًا لَيْسَ نهيا عَن ضِدّه) أَي ضد ذَلِك الشَّيْء (وَلَا يَقْتَضِيهِ) أَي لَا يَقْتَضِي الْأَمر بالشَّيْء النَّهْي عَن ضِدّه (عقلا، والمنسوب إِلَى الْعَامَّة) أَي عَامَّة الْعلمَاء

وجماهيرهم (من الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة والمحدثين أَنه) أَي الْأَمر بالشَّيْء (نهى عَنهُ) أَي عَن ضد ذَلِك الشَّيْء (إِن كَانَ) الضِّدّ (وَاحِدًا) فَالْأَمْر بِالْإِيمَان نهى عَن الْكفْر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن وَاحِدًا (فَعَن الْكل) أَي فَهُوَ نهى عَن كلهَا، فَالْأَمْر بِالْقيامِ نهى عَن الْقعُود، والاضطجاع، وَالسُّجُود وَغَيرهَا (وَقيل) نهى (عَن وَاحِد غير معِين) من أضداده (وَهُوَ بعيد) جدا (وَأَن النَّهْي) عَن الشَّيْء (أَمر بالضد المتحد) فِي الضدية، فالنهي عَن الْكفْر أَمر بِالْإِيمَان (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ لَهُ أضداد (فَقيل) قَالَه بعض الْحَنَفِيَّة والمحدثين هُوَ أَمر (بِالْكُلِّ) أى بأضدادها كلهَا (وَفِيه بعد، والعامة) من الحنيفة وَالشَّافِعِيَّة والمحدثين هُوَ أَمر (بِوَاحِد غير معِين) من أضداده (وَالْقَاضِي) قَالَ (أَولا كَذَلِك) أَي الْأَمر بالشَّيْء نهى عَن ضِدّه، وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده (وآخرا يتضمنان) أَي يتَضَمَّن الْأَمر بالشَّيْء النَّهْي عَن ضِدّه، ويتضمن النَّهْي عَن الشَّيْء الْأَمر بضده (وَمِنْهُم من اقْتصر على الْأَمر) أَي قَالَ الْأَمر بالشَّيْء نهى عَن ضِدّه، وَسكت عَن النَّهْي وَهُوَ معزو للأشعري ومتابعيه (وعمم) الْأَمر فِي أَنه نهى عَن الضِّدّ (فِي) الْأَمر (الإيجابي و) الْأَمر (الندبى، فهما نهيا تَحْرِيم وَكَرَاهَة فِي الضِّدّ) نشر على تَرْتِيب اللف (وَمِنْهُم من خص أَمر الْوُجُوب) بِكَوْنِهِ نهيا عَن الضِّدّ دون أَمر النّدب (وَاتفقَ الْمُعْتَزلَة لنفيهم) الْكَلَام (النَّفْسِيّ على نفي العينية فيهمَا) أَي على أَن الْأَمر بالشَّيْء لَيْسَ نهيا عَن ضِدّه وَلَا بِالْعَكْسِ لعدم إِمْكَان ذَلِك لفظا فيهمَا (وَاخْتلفُوا هَل يُوجب كل من الصيغتين) أَي صِيغَة الْأَمر وَالنَّهْي (حكما فِي الضِّدّ: فَأَبُو هَاشم وَأَتْبَاعه) قَالُوا (لَا) يُوجب شَيْئا مِنْهُمَا حكما فِيهِ (بل) الضِّدّ (مسكوت) عَنهُ (وَأَبُو الْحُسَيْن وَعبد الْجَبَّار) قَالَا الْأَمر (يُوجب حرمته) أَي الضِّدّ (وَعبارَة) طَائِفَة (أُخْرَى) الْأَمر (يدل عَلَيْهَا) أَي حُرْمَة ضِدّه (و) عبارَة طَائِفَة (أُخْرَى) الْأَمر (يقتضيها) أَي حُرْمَة ضِدّه: فَمن قَالَ يُوجب أَشَارَ إِلَى ثُبُوتهَا ضَرُورَة تحقق حكم الْأَمر كَالنِّكَاحِ أوجب الْحل فِي حق الزَّوْج بصيغته، وَالْحُرْمَة فِي حق الْغَيْر بِحكمِهِ دون صيغته، وَمن قَالَ يدل أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا تثبت بطرِيق الدّلَالَة كالنهي عَن التأفيف يدل على حُرْمَة الضَّرْب، وَمن قَالَ يقتضى أَشَارَ إِلَى ثُبُوتهَا بِالضَّرُورَةِ المنسوبة إِلَى غير لفظ الْأَمر: كَذَا ذكره الشَّارِح. (وفخر الْإِسْلَام وَالْقَاضِي أَبُو زيد وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ رَحِمهم الله، وَصدر الْإِسْلَام (وأتباعهم) من الْمُتَأَخِّرين قَالُوا: الْأَمر (يَقْتَضِي كَرَاهَة الضِّدّ وَلَو كَانَ) الْأَمر (إِيجَابا، وَالنَّهْي) يَقْتَضِي (كَونه) أَي الضِّدّ (سنة مُؤَكدَة وَلَو) كَانَ النَّهْي (تَحْرِيمًا، وحرر أَن المسئلة فِي أَمر الْفَوْر لَا التَّرَاخِي) ذكره شمس الْأَئِمَّة وَصدر الْإِسْلَام وَصَاحب القواطع وَغَيرهم: كَذَا ذكره الشَّارِح (وَفِي الضِّدّ) الوجودي (المستلزم للترك

لَا التّرْك) ثمَّ قَالُوا (وَلَيْسَ النزاع فِي لَفْظهمَا) أَي الْأَمر وَالنَّهْي بِأَن يُقَال: لفظ النَّهْي أَمر، وَبِالْعَكْسِ للْقطع بِأَن الْأَمر مَوْضُوع لصيغة افْعَل وَنَحْوه، وَالنَّهْي للا تفعل وَنَحْوه (وَلَا المفهومين) وَلَيْسَ النزاع فِي أَن مَفْهُوم أَحدهمَا، وَهُوَ الصِّيغَة الْمَخْصُوصَة لَيْسَ مَفْهُوم الآخر، وَهُوَ الصِّيغَة الْأُخْرَى (للتغاير) بَين المفهومين (بل) النزاع (فِي أَن طلب الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْأَمر عين طلب ترك ضِدّه الَّذِي هُوَ النَّهْي، وَقَول فَخر الْإِسْلَام وَمن مَعَه) وَالْأَمر بالشَّيْء يقتضى كَرَاهَة ضِدّه إِلَى آخِره كَمَا مر آنِفا (لَا يسْتَلْزم) كَون المُرَاد بِالْأَمر أوالنهي (اللَّفْظِيّ) حَتَّى يلْزم أَن تكون صِيغَة الْأَمر صِيغَة الْمنْهِي عَنهُ وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ صِيغَة الْأَمر مستلزما للكراهة مَعَ قطع النّظر عَن مُلَاحظَة الضَّرُورَة كَانَت الْكَرَاهَة مدلولا التزاميا بِصِيغَة (بل هُوَ) أَي أحد قوليه وَمن مَعَه (كالتضمن فِي قَول القَاضِي آخرا) فِي أَن مآلهما وَاحِد: وَهُوَ أَنه يسْتَلْزم الْأَمر بالشَّيْء النَّهْي عَن ضِدّه ضَرُورَة، وَكَذَلِكَ النَّهْي عَن الشَّيْء يسْتَلْزم كَون ضد ذَلِك الشَّيْء مَأْمُورا بِهِ ضَرُورَة وَلذَا اقتصروا على كَونه سنة مُؤَكدَة: إِذْ لَا ضَرُورَة فِي إِثْبَات الْوُجُوب لَهُ، لِأَن حرمته تَسْتَلْزِم تَركه، وَتَركه لَا يسْتَلْزم فعل ضِدّه الوجودي لجَوَاز أَن لَا يفعل شَيْئا من الضدين، لكنه علم من عَادَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يعْمل بضد مَا نهى عَنهُ أَلْبَتَّة فَيكون سنة مُؤَكدَة (وَمرَاده) أَي فَخر الْإِسْلَام من الْأَمر الَّذِي يقتضى كَرَاهَة الضِّدّ (غير أَمر الْفَوْر لتنصيصه) أَي فَخر الْإِسْلَام (على تَحْرِيم الضِّدّ المفوت) إِذا كَانَ الْأَمر للْوُجُوب حَيْثُ قَالَ: التَّحْرِيم إِذا لم يكن مَقْصُودا بِالْأَمر لم يعْتَبر إِلَّا من حَيْثُ يفوت الْأَمر، فَإِن لم يفوتهُ كَانَ مَكْرُوها: كالأمر بِالْقيامِ لَيْسَ بنهي عَن الْقعُود قصدا، حَتَّى لَو قعد ثمَّ قَامَ لم تفْسد صلَاته بِنَفس الْقعُود وَلكنه يكره انْتهى، وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَة تَفْصِيل، وَجه التَّعْلِيل أَن الِاشْتِغَال بالضد فِي الْأَمر الفوري مفوت لَهُ، فضد كل أَمر فوري حرَام لَا مَكْرُوه (وعَلى هَذَا) الَّذِي تحرر مُرَاد فَخر الْإِسْلَام (يَنْبَغِي تَقْيِيد الضِّدّ) فِيمَا إِذا قيل الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه (بالمفوت، ثمَّ إِطْلَاق الْأَمر عَن كَونه) أَي الْأَمر (فوريا) فَيُقَال: الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه المفوت لَهُ، وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده المفوت عَدمه لَهُ، وَلذَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة: أَن الضدان فَوت الْمَقْصُود بِالْأَمر يحرم، وَإِن فَوت عَدمه الْمَقْصُود بِالنَّهْي يجب، وَإِن لم يفوت فِي الْأَمر يَقْتَضِي الْكَرَاهَة، وَفِي النَّهْي كَونه سنة مُؤَكدَة (وَفَائِدَة الْخلاف) فِي كَون الْأَمر بالشَّيْء نهيا عَن ضِدّه (اسْتِحْقَاق الْعقَاب بترك الْمَأْمُور بِهِ فَقَط) إِذا قيل بِأَنَّهُ لَيْسَ بنهي عَن ضِدّه (أَو بِهِ) أَي بترك الْمَأْمُور بِهِ (وبفعل الضِّدّ حَيْثُ عصى أمرا ونهيا) إِذا قيل بِأَنَّهُ نهي عَن ضِدّه، وعَلى هَذَا الْقيَاس فِي جَانب النَّهْي (للنافين) كَون الْأَمر نهيا عَن ضِدّه وَبِالْعَكْسِ (لَو كَانَا) أَي النَّهْي عَن الضِّدّ وَالْأَمر بالضد (إيَّاهُمَا) أَي عين الْأَمر

بالشَّيْء وَالنَّهْي عَن الشَّيْء (أَو) لم يَكُونَا عينهما بل كَانَا (لازميهما لزم تعقل الضِّدّ فِي الْأَمر وَالنَّهْي و) تعقل (الْكَفّ) فِي الْأَمر وَالْأَمر فِي النَّهْي (لاستحالتهما) أَي لِاسْتِحَالَة الْأَمر وَالنَّهْي عل ذَلِك التَّقْدِير (مِمَّن لم يتعقلهما) أَي الضِّدّ والكف فِي الْأَمر والضد وَالْأَمر فِي النَّهْي (وَالْقطع بتحققهما) أَي الْأَمر وَالنَّهْي (وَعدم خطورهما) أَي الضِّدّ والكف فِي الْأَمر والضد وَالْأَمر فِي النَّهْي حَاصِل (وَاعْترض) على هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَن مَا لَا يخْطر) بالبال إِنَّمَا هُوَ (الأضداد الْجُزْئِيَّة) كلهَا وتعقله أَي الضِّدّ وَلَيْسَت مرَادا للقائل بِكَوْنِهَا نهيا عَن الضِّدّ (وَالْمرَاد) بالضد فِي كَلَامه (الضِّدّ الْعَام) وَهُوَ مَا لَا يُجَامع الْمَأْمُور بِهِ الدائر فِي الأضداد الْجُزْئِيَّة كلهَا (وتعقله) أَي الضِّدّ الْعَام (لَازم) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي (إِذْ طلب الْفِعْل مَوْقُوف على الْعلم بِعَدَمِهِ) أَي الْفِعْل (لانْتِفَاء طلب الْحَاصِل) أَي الْمَعْلُوم حُصُوله، وَفِيه أَن هَذَا يَقْتَضِي عدم الْعلم بحصوله، لَا الْعلم بِعَدَمِهِ (وَهُوَ) أَي الْعلم بِعَدَمِهِ (ملزوم الْعلم بالخاص) أَي بالضد الْخَاص (وَهُوَ) أَي الضِّدّ الْخَاص (ملزوم للعام) أَي للضد الْعَام فَلَا بُد من تعقل الضِّدّ الْعَام فِي الْأَمر بالشَّيْء، وَكَذَلِكَ لَا بُد مِنْهُ فِي النَّهْي عَن الشَّيْء لانْتِفَاء طلب التّرْك مِمَّن لم يعلم بِوُجُود الْفِعْل وَالْعلم بِوُجُودِهِ ملزوم للْعلم بالضد الْخَاص: وَهُوَ ملزوم للعام، وَلما كَانَ تَقْرِير الِاعْتِرَاض فِي جَانب النهى نَظِير تَقْرِيره فِي جَانب الْأَمر بتغيير يسير اكْتفى بِمَا فِي جَانب الْأَمر وَترك الآخر للمقايسة، وَفِيه أَن لُزُوم الضِّدّ الْخَاص فِي الأول غير بعيد، لِأَن الْعَالم بِعَدَمِ الْفِعْل عَادَة لم يشغل الْمَأْمُور بضده بِخِلَاف الْعَالم بِوُجُودِهِ: فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك (وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا الِاعْتِرَاض من عدم التوارد أَولا) لِأَن شَرط التوارد الَّذِي هُوَ مدَار الِاعْتِرَاض كَون مورد الْإِيجَاب وَالسَّلب للمتخاصمين بِحَيْثُ يكون قَول كل مِنْهُمَا على طرف النقيض لقَوْل الآخر، والمستدل نفي خطور الضِّدّ الْخَاص على الْإِطْلَاق، فَقَوْل الْمُعْتَرض أَولا أَن مَا لَا يخْطر بالبال: إِنَّمَا هُوَ الأضداد الْجُزْئِيَّة مُوَافقَة مَعَه فِيهَا، فَلَا تتَحَقَّق المناظرة بَينهمَا بِاعْتِبَارِهِ: نعم يُجَاب عَنهُ بِأَن مُرَاد الْمُعْتَرض من ذَلِك بَيَان غلط الْمُسْتَدلّ من حَيْثُ أَنه اشْتبهَ عَلَيْهِ مُرَاد الْقَائِل بِأَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن الضِّدّ، فَزعم أَن مُرَاده الأضداد الْجُزْئِيَّة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الضِّدّ الْعَام، وَلَا يَصح نفي خطور الضِّدّ الْعَام لما ذكر، فَحِينَئِذٍ تَنْعَقِد المناطرة بَينهمَا ويتحقق التوارد، فمقصود المُصَنّف أَنه إِذا نَظرنَا إِلَى أول كَلَام الْمُعْتَرض لم نجد التوارد، وَإِذا نَظرنَا إِلَى آخر كَلَامه وجدنَا التَّنَاقُض فَلَا خير فِي أول كَلَامه مَعَ قطع النّظر عَن آخِره وَلَا فِي آخِره إِذا انْضَمَّ مَعَ أَوله لوُجُود التَّنَاقُض، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وتناقضه فِي نَفسه ثَانِيًا) ثمَّ بَين التَّنَاقُض بقوله (إِذْ فرضهم) أَي الْقَائِلين بِأَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه، فَإِن الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور من قبلهم لَا يخْطر أَن مَا فِي كَلَام النافين

هُوَ الأضداد (الْجُزْئِيَّة فَلَا تخطر) أَي فَقَوْلهم لَا تخطر (تَسْلِيم) لعدم خطورها بالبال أصلا (وَقَوله) أَي الْمُعْتَرض الْعلم بِعَدَمِ الْفِعْل (ملزوم الْعلم بالخاص) أَي بالضد الْخَاص وَهُوَ أَي الضِّدّ الْخَاص ملزوم للعام: أَي للضد الْخَاص (يُنَاقض مَا لَا يخْطر إِلَى آخِره) أَي الأضداد الْجُزْئِيَّة. لِأَن الْإِيجَاب الجزئي نقيض السَّلب الْكُلِّي عِنْد اتِّحَاد النِّسْبَة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا فِي الشَّرْح العضدي وَغَيره فِي جَوَاب هَذَا الِاعْتِرَاض بقوله (وَأجِيب بِمَنْع التَّوَقُّف) لِلْأَمْرِ بِالْفِعْلِ (على الْعلم بِعَدَمِ التَّلَبُّس) بذلك الْفِعْل فِي حَال الْأَمر بِهِ (لِأَن الْمَطْلُوب مُسْتَقْبل فَلَا حَاجَة لَهُ) أَي للطَّالِب (إِلَى الِالْتِفَات إِلَى مَا فِي الْحَال) أَي حَال الطّلب من وجود الْفِعْل وَعَدَمه (وَلَو سلم) توقف الْأَمر بِالْفِعْلِ على الْعلم بِعَدَمِ التَّلَبُّس بِهِ (فالكف) عَن الْفِعْل الْمَطْلُوب (مشَاهد) مَخْصُوص فقد تحقق مَا توقف عَلَيْهِ الْأَمر بِالْفِعْلِ من الْعلم بِعَدَمِ التَّلَبُّس بِهِ (وَلَا يسْتَلْزم) شُهُود الْكَفّ عَن الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ (الْعلم بِفعل ضد خَاص لحصوله) أَي لحُصُول شُهُود الْكَفّ (بِالسُّكُونِ) عَن الْحَرَكَة اللَّازِمَة لمباشرة الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ (وَلَو سلم) لُزُوم تعقل الضِّدّ فِي الْجُمْلَة (فمجرد تعقله الضِّدّ لَيْسَ ملزوما ل) تعلق ال (طلب بِتَرْكِهِ) الَّذِي هُوَ معنى النَّهْي عَن الضِّدّ (لجَوَاز الِاكْتِفَاء) فِي الْأَمر بالشَّيْء (بِمَنْع ترك الْفِعْل) الْمَأْمُور بِهِ فَترك الْمَأْمُور بِهِ ضد لَهُ، وَقد تعقل حَيْثُ منع عَنهُ، لكنه فرق بَين الْمَنْع عَن التّرْك وَبَين طلب الْكَفّ عَن التّرْك تَوْضِيحه أَن الْأَمر بِفعل غير مجوز تَركه قد يخْطر بِبَالِهِ تَركه من حَيْثُ أَنه لَا يجوزه ملحوظا بالتبع لَا قصدا، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يُقَال منع تَركه، وَلَا يُقَال: طلب الْكَفّ عَن تَركه، لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى توجه قصدي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِمَّا لما قيل لَا نزاع فِي أَن الْأَمر بِشَيْء نهى عَن تَركه) اللَّام فِي لما قيل مُتَعَلق بِجَوَاز الِاكْتِفَاء كَأَن قَائِلا يَقُول من أَيْن لَك الحكم بِجَوَاز الِاكْتِفَاء بِمَا ذكر من غير تعلق الطّلب بِتَرْكِهِ، فَيَقُول لَوْلَا جَوَاز ذَلِك لم يتَّفق الْكل على أَن الْأَمر بِشَيْء إِلَى آخِره، لِأَن عدم جَوَاز الِاكْتِفَاء يسْتَلْزم تعلق الطّلب بِالتّرْكِ قصدا، وَهُوَ ضد الْمَأْمُور بِهِ، فَيثبت أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه وَهُوَ عين المنازع فِيهِ، فَلَزِمَ تَأْوِيل قَوْلهم لَا نزاع إِلَى آخِره بِأَن المُرَاد مِنْهُ الْمَنْع عَن ترك الْفِعْل وَهُوَ كَاف فِي الْأَمر بالشَّيْء (وَإِمَّا لِأَنَّهُ) أَي منع تَركه (بِطَلَب آخر) غير طلب الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ (لخطور التّرْك عَادَة) فَإِن من يطْلب الْفِعْل من غير تَجْوِيز تَركه يخْطر التّرْك بِبَالِهِ غَالِبا من حَيْثُ كَونه مَطْلُوب التّرْك (وَطلب ترك تَركه) أَي ترك الْمَأْمُور بِهِ إِنَّمَا يكون امتثاله (الْكَائِن بِفِعْلِهِ) أَي بِأَن يفعل الْمَأْمُور بِهِ حَال كَونه طلب ترك التّرْك (وزان) قَوْله (لَا تتْرك) فَإِن قَوْله افْعَل هَذَا وَلَا تتْرك بِمَعْنى افعله واترك تَركه، وَحَاصِل طلب الْفِعْل وَطلب ترك تَركه وَاحِد فَإِن قلت إِمَّا الثَّانِيَة عديل أما الأولى، فَمَا وَجه تَعْلِيل جَوَاز الِاكْتِفَاء بِهِ مَعَ أَنه أثبت هُنَا

طلبان قلت الثَّانِيَة فِي معنى الأولى بِاعْتِبَار اشتراكهما فِي عدم ملزومية الطّلب الأول للطلب الثَّانِي كَمَا هُوَ الْخصم فَتَأمل (وَكَذَا الضِّدّ المفوت) أَي مثل ترك الْفِعْل للضد المفوت للْفِعْل مَطْلُوب بِطَلَب آخر لخطور تَركه عَادَة وَطلب تَركه بِفعل الْمَأْمُور بِهِ (فَالْأَوْجه أَن الْأَمر بالشَّيْء مُسْتَلْزم النَّهْي عَن تَركه غير مَقْصُود) استلزاما بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ فَإِن اللَّازِم (بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ) هُوَ أَن يكون تصور الْمَلْزُوم وَاللَّازِم مَعًا كَافِيا فِيهِ للجزم باللزوم، بِخِلَاف اللَّازِم بِالْمَعْنَى الْأَخَص، فَإِن الْعلم بالملزوم هُنَاكَ يسْتَلْزم الْعلم باللازم (وَكَذَا) الْأَمر بالشَّيْء نهي (عَن الضِّدّ المفوت لخطوره كَذَلِك) أَي إِذا لوحظ معنى الْأَمر بالشَّيْء ولوحظ معنى النَّهْي عَن ضِدّه المفوت لَهُ حكم الْعقل باللزوم بَينهمَا (فَإِنَّمَا التعذيب بِهِ) أَي بالضد المفوت (لتفويته) أَي تَفْوِيت الْمَأْمُور بِهِ، لَا من حَيْثُ ترك الِامْتِثَال لحكم آخر غير الْمَأْمُور بِهِ (فَأَما ضد) أَي خطور ضد (بِخُصُوصِهِ) إِذا كَانَ للْمَأْمُور بِهِ أضداد (فَلَيْسَ لَازِما عَادَة) لِلْأَمْرِ بالشَّيْء (للْقطع بِعَدَمِ خطور الْأكل من تصور الصَّلَاة) عِنْد الْأَمر بهَا (فِي الْعَادة). قَالَ (القَاضِي: لَو لم يكن) الْأَمر بالشَّيْء (إِيَّاه) أَي نهيا عَن ضِدّه (فضده أَو مثله أَو خِلَافه) أَي لَكَانَ إِمَّا مثله أَو ضِدّه أَو خِلَافه، وَاللَّازِم بأقسامه بَاطِل كَمَا فِي الشَّرْح العضدي، أما الْمُلَازمَة فَلِأَن كل متغايرين إِمَّا أَن يتساويا فِي صِفَات النَّفس أَو لَا، وَالْمعْنَى بِصِفَات النَّفس: مَا لَا يحْتَاج الْوَصْف بِهِ إِلَى تعقل أَمر زَائِد كالإنسانية للْإنْسَان، والحقيقة، والوجود، والشبيه لَهُ، بِخِلَاف الْحَدث والتحيز، فَإِن تَسَاويا فمثلان: كسوادين أَو بياضين، وَإِلَّا فإمَّا أَن يتنافيا بأنفسهما أَي يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا فِي مَحل وَاحِد بِالنّظرِ إِلَى ذاتهما أَولا، فَإِن تنافيا بأنفسهما: كالسواد وَالْبَيَاض فضدان، وَإِلَّا فخلافان: كالسواد والحلاوة انْتهى، وَأما بطلَان اللَّازِم فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (والأولان) أَي كَونهمَا ضدين، وكونهما مثلين (باطلان) أَي منفيان (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَكُونَا كَذَلِك بِأَن يَكُونَا ضدين أَو مثلين (امْتنع اجْتِمَاعهمَا) لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع الضدين والمثلين (واجتماع الْأَمر بالشَّيْء مَعَ النَّهْي عَن ضِدّه لَا يقبل التشكيك) أَي لَا شكّ فِيهِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ كَمَا فِي تحرّك، وَلَا تسكن (وَكَذَا الثَّالِث) أَي كَونهمَا خلافين بَاطِل أَيْضا (وَإِلَّا) بِأَن يَكُونَا خلافين (جَازَ كل) أَي اجْتِمَاع كل من الْأَمر بالشَّيْء وَالنَّهْي عَن ضِدّه (مَعَ ضد الآخر كالحلاوة وَالْبَيَاض) إِذْ يجوز أَن تَجْتَمِع الْحَلَاوَة مَعَ ضد الْبيَاض وَهُوَ السوَاد وَبِالْعَكْسِ (فيجتمع الْأَمر بالشَّيْء مَعَ ضد النَّهْي عَن ضِدّه وَهُوَ) أَي ضد النَّهْي عَن ضِدّه (الْأَمر بضده وَهُوَ) أَي الْأَمر بالشَّيْء مَعَ الْأَمر بضد ذَلِك الشَّيْء (تَكْلِيف بالمحال لِأَنَّهُ) أَي الْأَمر بالشَّيْء حِينَئِذٍ (طلبه) أَي طلب ذَلِك الشَّيْء (فِي وَقت طلب فِيهِ عَدمه) أَي عدم ذَلِك الشَّيْء فقد طلب مِنْهُ الْجمع بَين الضدين

فتعينت العينية (أُجِيب بِمَنْع كَون لَازم كل خلافين ذَلِك) أَي جَوَاز اجْتِمَاع كل مَعَ ضد الآخر (لجَوَاز تلازمهما) أَي الخلافين على مَا هُوَ التَّحْقِيق من عدم اشْتِرَاط جَوَاز الانفكاك فِي المتغايرين كالجوهر مَعَ الْعرض وَالْعلَّة مَعَ الْمَعْلُول (فَلَا يُجَامع) أحد الخلافين على تَقْدِير تلازمهما (الضِّدّ) للْآخر، لِأَن أحد المتلازمين إِذا اجْتمع مَعَ ضد آخر لزم اجتماعه مَعَ الضدين جَمِيعًا، وَهُوَ ظَاهر (وَإِذن) أَي وَإِذا كَانَ الْأَمر على مَا حققناه فِي الخلافين (فالنهي) الَّذِي ادّعى كَون الْأَمر إِيَّاه (إِذا كَانَ ترك ضد الْمَأْمُور بِهِ اخترناهما) أَي اخترنا كَونه وَالْأَمر بالشَّيْء (خلافين) من شقوق الترديد (وَلَا يجب اجتماعه) أَي اجْتِمَاع النَّهْي اللَّازِم لِلْأَمْرِ (مَعَ ضد طلب الْمَأْمُور بِهِ) على مَا زَعمه القَاضِي (كَالصَّلَاةِ مَعَ إِبَاحَة الْأكل) أَي كالأمر بِالصَّلَاةِ وَالنَّهْي عَن الْأكل فَإِنَّهُمَا خلافان، وَلَا يلْزم من كَونهمَا خلافين اجْتِمَاع الصَّلَاة الْمَأْمُور بهَا مَعَ إِبَاحَة الْأكل الَّتِي هِيَ ضد النَّهْي عَن الْأكل (وَبعد تَحْرِير مَحل (النزاع) وَبَيَان المُرَاد من الْمنْهِي عَنهُ بِحَيْثُ لَا يشْتَبه (لَا يتَّجه الترديد) فِي المُرَاد بِالنَّهْي عَن الضِّدّ على مَا فِي الشَّرْح العضدي (بَينه) أَي بَين مَا ذكر (وَبَين فعل ضد ضِدّه الَّذِي) فعل ضِدّه، الَّذِي صفة فعل ضد ضِدّه (يتَحَقَّق بِهِ ترك ضِدّه) أَي ضد الْمَأْمُور بِهِ (وَهُوَ) أَي وَفعل ضد ضِدّه (عينه) أَي عين فعل الْمَأْمُور بِهِ (فحاصله) أَي حَاصِل الْمَجْمُوع أَعنِي الْأَمر بالشَّيْء نهى عَن ضِدّه و (طلب الْفِعْل طلب عينه) أَي عين الْفِعْل، فَإِن ضد ضِدّه المفوت هُوَ عينه (وَأَنه) أَي الْحَاصِل الْمَذْكُور (لعب) إِذْ لَا يُقَال بَين الشَّيْء ونفيه مثل هَذَا الْكَلَام إِلَّا بطرِيق اللّعب وَاللَّهْو (ثمَّ إِصْلَاحه) أَي إصْلَاح الترديد على وَجه لَا يكون لعبا (بِأَن يُرَاد بِأَن طلب الْفِعْل لَهُ اسمان، أَمر بِالْفِعْلِ، وَنهى عَن ضِدّه وَهُوَ) أَي النزاع (حِينَئِذٍ لغَوِيّ) رَاجع إِلَى تَسْمِيَة الْأَمر بالشَّيْء نهيا عَن ضِدّه هَل هِيَ ثَابِتَة فِي اللُّغَة أم لَا؟ (وَلَهُم) أَي الْقَائِلين الْأَمر بالشَّيْء غير النَّهْي عَن ضِدّه، وهم القَاضِي وموافقوه (أَيْضا فعل السّكُون عين ترك الْحَرَكَة وَطَلَبه) أَي فعل السّكُون (استعلاء وَهُوَ الْأَمر طلب تَركهَا) أَي الْحَرَكَة (وَهُوَ) أَي طلب تَركهَا (النَّهْي، وَهَذَا) الدَّلِيل (كَالْأولِ يعم النَّهْي) إِذْ يُقَال أَيْضا بِالْقَلْبِ (وَالْجَوَاب بِرُجُوع النزاع لفظيا) كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره فِي الشَّرْح العضدي رَجَعَ النزاع لفظيا فِي تَسْمِيَة فعل الْمَأْمُور بِهِ تركا لضده وَفِي تَسْمِيَة طلبه نهيا، وَكَانَ طَرِيق ثُبُوته النَّقْل لُغَة وَلم يثبت (مَمْنُوع بل هُوَ) أَي النزاع (فِي وحدة الطّلب الْقَائِم بِالنَّفسِ) بِأَن يكون طلب الْفِعْل عين طلب ترك ضِدّه (وتعدده) بِأَن يَكُونَا متغايرين بِالذَّاتِ (بِنَاء على أَن الْفِعْل) الْمَأْمُور بِهِ (أَعنِي الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ) فَإِنَّهُ الْمَطْلُوب إِيقَاعه من الْمُكَلف لَا الْمصدر الْمَبْنِيّ

للْفَاعِل وَلَا الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول إِذْ هما نسبتان عقليتان لازمتان للحاصل بِالْمَصْدَرِ فَإِنَّهُ إِذا صدر عَن الْفَاعِل وَتعلق بالمفعول ثَبت بِالضَّرُورَةِ للْفَاعِل وصف اعتباري: وَهُوَ كَونه بِحَيْثُ صدر عَنهُ ذَلِك الْحَدث، وَآخر للْمَفْعُول وَهُوَ كَونه بِحَيْثُ وَقع عَلَيْهِ وَلَا شَيْء مِنْهُمَا بموجود فِي الْخَارِج، وَإِنَّمَا الْمَوْجُود فِيهِ نفس ذَلِك الْحَدث الْمُسَمّى بالحاصل بِالْمَصْدَرِ، وَإِن أردْت زِيَادَة تَحْقِيق لَهُ فَعَلَيْك برسالة الْفُقَهَاء فِي تَحْقِيقه (وَترك أضداده) أَي الْمَأْمُور بِهِ (وَاحِد فِي الْوُجُود) أَي يوجدان (بِوُجُود وَاحِد أَو لَا) فعلى الأول يلْزم اتِّحَاد الطّلب الْمُتَعَلّق بِالْفِعْلِ مَعَ الطّلب الْمُتَعَلّق بترك أضداده، وعَلى الثَّانِي يلْزم تغاير الطلبين بِالذَّاتِ لتغاير متعلقيهما بِالذَّاتِ (بل الْجَواب مَا تضمنه دَلِيل النافين من الْقطع بِطَلَب الْفِعْل مَعَ عدم خطور الضِّدّ) وَهَذَا فِي غير نَحْو الْحَرَكَة والسكون (وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يتم) الِاسْتِدْلَال بِمَا ذكر من قَوْله: أَي فعل السّكُون عين ترك الْحَرَكَة إِلَى آخِره (فِيمَا أَحدهمَا) أَي الْمَأْمُور بِهِ وَالنَّهْي عَنهُ (ترك الآخر) وَفِي نُسْخَة عدم للْآخر (كالحركة والسكون، لَا) فِي (الأضداد الوجودية) يَعْنِي إِذا كَانَ للْمَأْمُور بِهِ ضد وَاحِد مسَاوٍ النقيضه وَهُوَ فِي الْمَعْنى لَيْسَ بوجودي لكَونه مُسَاوِيا لعدم الْمَأْمُور بِهِ، فَحِينَئِذٍ طلب تَركه طلب للْمَأْمُور بِهِ فِي الْحَقِيقَة، وَأما إِذا كَانَ لَهُ أضداد لَيْسَ أَحدهَا على الْوَجْه الْمَذْكُور وَهِي حِينَئِذٍ وجودية، فَطلب ترك أَحدهَا لَا يكون طلبا للْمَأْمُور بِهِ لنحقق تَركه فِي ضمن ضد آخر لَهُ (فَلَيْسَ) مَا أَحدهمَا ترك الآخر (مَحل النزاع عِنْد الْأَكْثَر) لاتفاقهم على أَن الْأَمر بالشَّيْء فِيهِ نهي عَن ضِدّه (وَلَا تَمَامه) أَي مَحل النزاع (عندنَا) لِأَنَّهُ أَعم من ذَلِك، هَكَذَا فِي نُسْخَة الشَّارِح وَلَيْسَ فِي النُّسْخَة الَّتِي اعتمدنا عَلَيْهَا عِنْد الْأَكْثَر إِلَى آخِره وَهُوَ الصَّوَاب، لِأَن نفي كَون مَا ذكر تَمام مَحل النزاع يدل على أَنه من جملَة مَحَله، وَلَا وَجه للنزاع فِيهِ كَمَا لَا يخفى إِلَّا أَن يتَكَلَّف، وَيُقَال فرق بَين طلب الشَّيْء وَطلب ترك نقيضه من حَيْثُ التَّعْبِير وَإِن اتحدا مَآلًا. وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّب على هَذَا النزاع بِمرَّة (وللمعمم) الْقَائِل (فِي النَّهْي) أَنه أَمر بالضد كَمَا أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن الضِّدّ (دَلِيلا القَاضِي) وهما لَو لم يكن نَفسه لَكَانَ مثله أَو ضِدّه أَو خِلَافه إِلَى آخِره، والسكون ترك الْحَرَكَة إِلَى آخِره (وَالْجَوَاب) عَنْهُمَا (مَا تقدم) آنِفا من جَوَاز تلازم الخلافين وَالْقطع بِطَلَب الْفِعْل مَعَ عدم خطور الضِّدّ (وَأَيْضًا يلْزم فِي نهي الشَّارِع كَون كل من الْمعاصِي المضادة) للنَّهْي عَنهُ (مَأْمُور بِهِ مُخَيّرا) فَيكون النَّهْي عَن الزِّنَا أَمر باللواط (وَلَو التزموه لُغَة) فَقَالُوا سلمنَا أَنه يلْزم ذَلِك من حَيْثُ الدّلَالَة اللُّغَوِيَّة (غير أَنَّهَا) أَي الْمعاصِي (مَمْنُوعَة بشرعي) أَي بِدَلِيل شَرْعِي فَهُوَ قرينَة دَالَّة على أَنَّهَا لَيست مُرَاد

الشَّارِع (كالمخرج من الْعَام) من حَيْثُ أَن الْعَام (يتَنَاوَلهُ) لُغَة (وَيمْتَنع فِيهِ) أَي فِي الْمخْرج (حكمه) أَي الْعَام بِدَلِيل شَرْعِي (أمكنهم) جَوَاب لَو، وَلَا يخفى سماجة هَذَا الِالْتِزَام (وعَلى اعْتِبَاره) أَي الِالْتِزَام الْمَذْكُور (فالمطلوب ضد لم يمنعهُ الدَّلِيل، وَأما إِلْزَام نفي الْمُبَاح) على المعمم بِأَن يُقَال مَا من مُبَاح إِلَّا وَهُوَ ضد الْحَرَام مَنْهِيّ عَنهُ، وَلِهَذَا ذهب الكعبي إِلَى أَنه مَا من مُبَاح إِلَّا هُوَ ترك حرَام فَيلْزم كَون ذَلِك الْمُبَاح مَأْمُورا بِهِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ منع شَرْعِي حَتَّى يكون كالمخرج من الْعَام (فَغير لَازم) إِذْ كَون الْمُبَاح تركا لِلْحَرَامِ لَا يسْتَلْزم كَونه ضدا لَهُ إِذْ الضدان هما المتنافيان بأنفسهما، على أَنه إِن قَامَ دَلِيل على إِبَاحَته كَانَ قرينَة لعدم إِرَادَته على مَا ذكر آنِفا (المضمن) أَي الْقَائِل بِأَن الْأَمر بالشَّيْء يتَضَمَّن النَّهْي عَن ضِدّه وَنقض هَذَا الدَّلِيل قَالَ (أَمر الْإِيجَاب طلب فعل يذم بِتَرْكِهِ فاستلزم النَّهْي عَنهُ) أَي عَن تَركه (وَعَما يحصل) التّرْك (بِهِ وَهُوَ) أَي مَا يحصل بِهِ التّرْك (الضِّدّ) للْمَأْمُور بِهِ فاستلزم الْأَمر الْمَذْكُور النَّهْي عَن ضِدّه (وَنقض) هَذَا الدَّلِيل بِأَنَّهُ (لَو تمّ لزم تصور الْكَفّ عَن الْكَفّ) عَن الْمَأْمُور بِهِ (لكل أَمر إِيجَابا) لِأَن الْمُسْتَدلّ ادّعى استلزام الْأَمر النَّهْي عَن تَركه، لِأَن تَركه هُوَ الْكَفّ عَنهُ، وَالنَّهْي عَن الشَّيْء هُوَ طلب الْكَفّ عَن الْكَفّ لَازم لطلب الْكَفّ عَن ذَلِك الشَّيْء، فالنهى عَن الْكَفّ الْمَأْمُور بِهِ هُوَ طلب الْكَفّ عَن الْكَفّ عَنهُ، وتصور الْكَفّ عَن الْكَفّ، وَاللَّازِم بَاطِل للْقطع بِطَلَب الْفِعْل مَعَ عدم خطور الْكَفّ عَن الْكَفّ (وَلَو سلم) عدم لُزُوم تصور الْكَفّ عَن الْكَفّ (منع كَون الذَّم بِالتّرْكِ جُزْء الْوُجُوب) أَي جُزْء الْأَمر الإيجابي أَو لَازم مَفْهُومه لُزُوما عقليا واستلزام الْأَمر الإيجابي النَّهْي عَن تَركه فرع كَون الذَّم بِالتّرْكِ جُزْءا أَو لَازِما (وَإِن وَقع) الذَّم بِالتّرْكِ (جُزْء التَّعْرِيف) الرسمي لَهُ (بل هُوَ) أَي الْوُجُوب يَعْنِي الْأَمر الإيجابي (الطّلب الْجَازِم) الَّذِي لم يجوز طَالبه ترك الْمَطْلُوب بِهِ (ثمَّ يلْزم تَركه) أَي ترك مَطْلُوبه (ذَلِك) أَي الذَّم فَاعل يلْزم قدم مَفْعُوله (إِذا صدر) الْأَمر (مِمَّن لَهُ حق الْإِلْزَام) أَي ولَايَة الْإِلْزَام واللزوم بِحَسب التحقق فِي الْخَارِج لَا يسْتَلْزم اللُّزُوم بِحَسب التعقل، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوب (وَلَو سلم) كَون الذَّم بِالتّرْكِ جُزْء الْوُجُوب (فَجَاز كَون الذَّم عِنْد التّرْك لِأَنَّهُ لم يفعل) مَا أَمر بِهِ لَا لِأَنَّهُ فعل الضِّدّ المستلزم للترك، وَكَون الضِّدّ مَنْهِيّا عَنهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِكَوْن الذَّم لأَجله (وَلَا يخفى أَنه لَا يتَوَجَّه الذَّم على الْعَدَم) أَي على عدم الْفِعْل (من حَيْثُ هُوَ عدم بل من حَيْثُ هُوَ فعل الْمُكَلف) يَعْنِي لَو توجه إِنَّمَا يتَوَجَّه من حَيْثُ أَنه فعل الْمُكَلف لَكِن هَذِه الْحَيْثِيَّة غير مَوْجُودَة فِيهِ، فَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَيْسَ الْعَدَم فعله بل) فعله إِنَّمَا هُوَ (التّرْك المبقى للعدم) الأَصْل (على الأَصْل) وَحَاصِله كف النَّفس عَمَّا يقطع الْعَدَم الْأَصْلِيّ من فعل

ضِدّه فَتَأمل (وَمَا قيل لَو سلم) أَن الْأَمر بالشَّيْء مُتَضَمّن للنَّهْي عَن ضِدّه (فَلَا مُبَاح) إِذْ ترك الْمَأْمُور بِهِ وضده يعم الْمُبَاحَات، والمفروض أَن الْأَمر يسْتَلْزم النَّهْي عَنْهَا، والمنهي عَنهُ لَا يكون مُبَاحا (فَغير لَازم) إِذْ المُرَاد من الضِّدّ الْمنْهِي عَنهُ المفوت لِلْأَمْرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِلَّا) أَي وَلَو كَانَ مستلزما نفي الْمُبَاح بِأَن يكون مُرَاد المضمن من الضِّدّ كلما يتَحَقَّق فِيهِ ترك الْمَأْمُور بِهِ وَلم يُقيد بِمَا يفوتهُ (امْتنع) للمضمن المعمم (التَّصْرِيح فَلَا تعقل الضِّدّ المفوت) للْمَأْمُور بِهِ بعد الْأَمر لِأَن لَازم الْأَمر عِنْده على ذَلِك التَّقْدِير لَا بِفعل مُطلق الضِّدّ، فَبين لَازم الْكَلَام وَمَفْهُومه تدافع، وَمن الْمَعْلُوم عدم امْتنَاع تصريحه بذلك (والحل) أَي حل الشُّبْهَة (أَن لَيْسَ كل ضد) بِمَعْنى مَا يحصل بِهِ التّرْك (مفوتا) للْمَأْمُور بِهِ (وَلَا كل مُقَدّر) من الْمُبَاحَات (ضدا كَذَلِك) أَي مفوتا (كخطوه فِي الصَّلَاة، وابتلاع رِيقه، وَفتح عينه وَكثير) من نظائرها فَإِنَّهَا أُمُور مغايره بِالذَّاتِ للصَّلَاة، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يُطلق عَلَيْهَا الضِّدّ وَلكنهَا لَا تفوت الصَّلَاة (وَأَيْضًا لَا يسْتَلْزم) هَذَا الدَّلِيل (مَحل النزاع، وَهُوَ) أَي مَحل النزاع (الضِّدّ) الجزئي لِلْأَمْرِ وَهُوَ فعل خَاص وجودي مفوت للْمَأْمُور بِهِ (غير التّرْك) أَي ترك الْمَأْمُور بِهِ مُطلقًا، فَإِنَّهُ لَا نزاع فِي كَونه نهيا عَنهُ، غير أَنه لَا يلْزم بِهِ إِثْم عدم امْتِثَال الْأَمر، وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا أَفَادَهُ الدَّلِيل خَارج عَن مَحل النزاع (لِأَن مُتَعَلق النَّهْي اللَّازِم) لِلْأَمْرِ ضَرُورَة (أحد الْأَمريْنِ: من التّرْك والضد) يَعْنِي النَّهْي الَّذِي يحكم الْعقل بلزومه لِلْأَمْرِ مُتَعَلّقه أحد الْأَمريْنِ لَا على التَّعْيِين، فللمانع أَن يَقُول لم لَا يجوز أَن يكون تحَققه فِي ضمن التّرْك؟ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فنختار الأول) فَيكون النَّهْي اللَّازِم إِنَّمَا هُوَ النَّهْي عَن ترك الْمَأْمُور بِهِ لَا النَّهْي عَن الضِّدّ، وَهُوَ لَيْسَ من مَحل النزاع لما عرفت فَإِن قلت قد ادّعى المُصَنّف استلزام الْأَمر للنَّهْي عَن ترك الْمَأْمُور بِهِ وَعَما يحصل بِهِ التّرْك وَهُوَ الضِّدّ مَعًا، فَمَا وَجه تَسْلِيم استلزامه لَهما جَمِيعًا قلت بالِاتِّفَاقِ لَيْسَ النَّهْي اللَّازِم لِلْأَمْرِ مُتَعَددًا، وَإِلَّا يلْزم إِثْبَات أَفْرَاد كَثِيرَة للمنهي بِعَدَد الأضداد الْجُزْئِيَّة وَاعْتِبَار ترك الْمَأْمُور بِهِ مُتَعَلقا بِالنَّهْي مغن عَن الْكل، لِأَنَّهُ يتَحَقَّق فِي ضمن كل ضد فَتعين لكَونه مُتَعَلقا للنَّهْي (وَزَاد المعممون فِي النَّهْي) الْقَائِلُونَ بِأَن النَّهْي عَن الشَّيْء يتَضَمَّن الْأَمر بضده كَمَا أَن الْأَمر يتَضَمَّن النَّهْي عَنهُ (أَنه) أَي النَّهْي (طلب ترك فعل وَتَركه) أَي الْفِعْل (بِفعل أحد أضداده) أَي الْفِعْل (فَوَجَبَ) أحد أضداده: وَهُوَ الْأَمر، لِأَن مَا لَا يحصل الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب (وَدفع) هَذَا (بِلُزُوم كَون كل من الْمعاصِي إِلَى آخِره) أَي المضادة مَأْمُورا بِهِ مُخَيّرا (وَبِأَن لَا مُبَاح) أَي وبلزوم أَن لَا يُوجد مُبَاح أصلا لما مر من أَن كل مُبَاح ترك الْمحرم وضد لَهُ فَإِن قلت غَايَة مَا يلْزم وجود أحد الْمُبَاحَات المضادة لَا كلهَا قلت وجوب أحد الْأَشْيَاء لَا على التَّعْيِين

بِحَيْثُ يحصل مَا هُوَ الْوَاجِب بأَدَاء كل وَاحِد مِنْهَا يُنَافِي الْإِبَاحَة كَمَا فِي خِصَال الْكَفَّارَة (وبمنع وجوب مَا لَا يتم الْوَاجِب أَو الْمحرم) أَي الاجتناب من الْمحرم (إِلَّا بِهِ، وَفِيهِمَا) أَي فِي لُزُوم كَون كل من الْمعاصِي إِلَى آخِره، وَأَن لَا مُبَاح (مَا تقدم) من أَنهم لَو التزموا الأول لُغَة أمكنهم غير أَنه غير مُرَاد بِدَلِيل شَرْعِي وَأَن الثَّانِي غير لَازم (وَأما الْمَنْع) لوُجُوب مَا لَا يتم الْوَاجِب أَو الْمحرم إِلَّا بِهِ (فَلَو لم يجب) أَي فَدفعهُ أَن يُقَال لَو لم يجب مَا لَا يتم الْوَاجِب أَو الْمحرم إِلَّا بِهِ (لجَاز تَركه) أَي ترك مَا لَا يتم إِلَّا بِهِ (ويستلزم جَوَاز) تَركه جَوَاز (ترك الْمَشْرُوط) فِي الْوَاجِب (أَو جَوَاز فعله) أَي الْمَشْرُوط فِي الْمحرم (بِلَا شَرطه الَّذِي لَا يتم إِلَّا بِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامه) فِي مسئلة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ، فَلَا يمْنَع ذَلِك (بل يمْنَع أَنه) أَي الْمَطْلُوب بِالنَّهْي (لَا يتم إِلَّا بِهِ) أَي بِفعل أحد اضداده (بل يحصل) الْمَطْلُوب بِهِ بِهِ (بالكف) عَن الْفِعْل المنهى عَنهُ (الْمُجَرّد) عَن فعل الضِّدّ (والمخصص فِي العينية واللزوم) أَي المقتصر على أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه أَو يستلزمه، وَلَيْسَ النَّهْي عَن الشَّيْء أمرا بضده وَلَا يستلزمه (فإمَّا لِأَن النَّهْي طلب نفي) أَي فإمَّا لِأَن مذْهبه: أَي النَّهْي نفي الْفِعْل: وَهُوَ عدم مَحْض كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي هَاشم، لَا طلب الْكَفّ عَن الْفِعْل الَّذِي هُوَ ضِدّه فَلَا يكون أمرا بالضد وَلَا يستلزمه، إِذْ لَا مَطْلُوب حِينَئِذٍ سوى النَّفْي الْمَحْض (مَعَ منع أَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَى آخِره) أَي إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب، وَقد عرفت دَفعه، وَأَن مَحل الْمَنْع أَنه لَا يتم إِلَّا بِهِ (وَإِمَّا لظن وُرُود الْإِلْزَام الفظيع) وَهُوَ كَون الزِّنَا وَاجِبا لكَونه تركا للواط على تَقْدِير كَون النَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده أَو يستلزممه (أَو لظن أَن أَمر الايجاب استلزم النهى) إِلَى آخِره (باستلزام ذمّ التّرْك) أى بِسَبَب استلزام أَمر الايجاب الذَّم على تَركه (والنهى لَا) يسْتَلْزم الْأَمر لِأَنَّهُ طلب الْكَفّ عَن الْفِعْل، والذم إِنَّمَا يَتَرَتَّب على الْفِعْل، فَلَو استلزم الْأَمر بشئ لَكَانَ ذَلِك الشئ هُوَ الْكَفّ، والكف لَا يصلح مُتَعَلقا لِلْأَمْرِ: إِذْ الْأَمر طلب فعل غير الْكَفّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَنَّهُ طلب كف عَن فعل مَعَ منع أَن مَا لَا يتم إِلَى آخِره) وَقد عرفت دَفعه، وَمحل الْمَنْع هَهُنَا كَون ضد الْمنْهِي عَنهُ بِحَيْثُ لَا يتم الِانْتِهَاء عَنهُ إِلَّا بِهِ يحصل الِانْتِهَاء بِمُجَرَّد الْكَفّ عَن الْمنْهِي عَنهُ (وَإِمَّا لظن وُرُود إبِْطَال الْمُبَاح كالكعبي) على تَقْدِير كَون النَّهْي عَن الشَّيْء أمرا بضده، لِأَن كل مُبَاح ترك الْمنْهِي عَنهُ: فَيلْزم كَونه مَأْمُورا بِهِ، لِأَن ترك الشَّيْء ضد لَهُ، وَقَوله كالكعبي: أَي كمذهب الكعبي على مَا مر من قَوْله: كل مُبَاح ترك لحرام (ومخصص أَمر الْإِيجَاب) بِكَوْنِهِ نهيا عَن ضِدّه، أَو مستلزما لَهُ دون أَمر النّدب ذهب إِلَيْهِ (لظن وُرُود الْأَخيرينِ) على تَقْدِير كَون أَمر النّدب نهيا عَن الضِّدّ، وَهُوَ أَن استلزام الذَّم للترك المستلزم للنَّهْي إِنَّمَا هُوَ فِي أَمر الْوُجُوب وَلُزُوم إبِْطَال الْمُبَاح: إِذْ مَا من وَقت إِلَّا

وَندب فِيهِ فعل، فَإِن استغراق الْأَوْقَات بالمندوبات مَنْدُوب، بِخِلَاف الْوَاجِب فَإِنَّهُ لَا يستغرقها، فَيكون الْفِعْل فِي غير وَقت لُزُوم أَدَاء الْوَاجِب مُبَاحا وَلَا يلْزم نفي الْمُبَاح (وَعلمت) أَن (مرجع) قَول (فَخر الْإِسْلَام) وَهُوَ أَن الْأَمر يَقْتَضِي كَرَاهَة الضِّدّ وَلَو إِيجَابا وَالنَّهْي كَونه سنة مُؤَكدَة وَلَو تَحْرِيمًا (إِلَى) قَول (الْعَامَّة) من أَن الْأَمر بالشَّيْء نهى عَن ضِدّه إِن كَانَ وَاحِدًا وَإِلَّا فَعَن الْكل وَأَن الْأَمر بالضد المتحد، وَفِي بعض النّسخ المتعدد بِوَاحِد غير معِين، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِرُجُوعِهِ إِلَيْهِم عدم الْمُخَالفَة بَينهم: وَإِنَّمَا علم ذَلِك بتقييد الضِّدّ فِي الْمُتَنَازع فِيهِ بالمفوت، وَحمل كَلَامه على المفوت، فعلى هَذَا ذكر الْكَرَاهَة فِي جَانب الْأَمر وَالسّنة فِي جَانب النَّهْي لَا يُوجب الِاخْتِلَاف بَين قَوْله وَقَوْلهمْ (وَلَا يخفى أَن مَا مثل بِهِ) فَخر الْإِسْلَام (لكَرَاهَة الضِّدّ من أَمر قيام الصَّلَاة) بَيَان للموصول مُبينًا لَهُ بقوله (لَا يفوت) امْتِثَال الْأَمر الْمَذْكُور (بالقعود فِيهَا) أَي فِي الصَّلَاة: إِذْ لَيْسَ الْقعُود ضدا مفوتا للْقِيَام لجَوَاز أَن يعود إِلَيْهِ لعدم تعْيين الزَّمَان (وَيكرهُ) عطف على قَوْله لَا يفوت (اتفاقي) خبر أَن: يَعْنِي إِنَّمَا أجتمع كَرَاهَته مَعَ الْأَمر بِالْقيامِ اتِّفَاقًا (لَا من مُقْتَضى الْأَمر) لِأَن مُقْتَضى الْأَمر النَّهْي عَن الضِّدّ المفوت، وَالْقعُود بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقيام لَيْسَ كَذَلِك لما عرفت (بل مَبْنِيّ الْكَرَاهَة) أَمر (خَارج) عَن مُقْتَضى الْأَمر (وَهُوَ التَّأْخِير) عَن وقته الْمسنون لَهُ (وَإِلَّا) لَو كَانَ الْقعُود مفوتا لَهُ (فَسدتْ) وَكَانَ ذَلِك الْقعُود حَرَامًا (وَكَذَا قَول أبي يُوسُف بِالصِّحَّةِ) أَي بِصِحَّة السَّجْدَة الْمَأْمُور بهَا فِي الصَّلَاة (فِيمَن سجد) أَي فِي حق من سجد (على مَكَان نجس فِي الصَّلَاة وَأعَاد) السَّجْدَة (على) مَكَان (طَاهِر) لَيْسَ من مُقْتَضى الْأَمر (لِأَنَّهُ) أَي سُجُوده على نجس (تَأْخِير السَّجْدَة الْمُعْتَبرَة) وَهِي المستجمعة شَرَائِط الصِّحَّة (عَن وَقتهَا لَا تَفْوِيت) لَهَا (وَهُوَ) أَي تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا الْمسنون لَهَا (مَكْرُوه وفسدت) الصَّلَاة (عِنْدهمَا) أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله (للتفويت) لأمر الطَّهَارَة (بِنَاء على أَن الطَّهَارَة فِي الصَّلَاة) وصف (مَفْرُوض الدَّوَام) أَي فِي جَمِيع أَجزَاء الْوَقْت الَّذِي هُوَ فِي الصَّلَاة، وَقد فَاتَ فِي جُزْء مِنْهَا فَإِن قلت أَبُو يُوسُف رَحمَه الله لَا يعْتَبر ذَلِك الْجُزْء من أَجزَاء الصَّلَاة: بل هُوَ خَارج فاصل بَين الْأَجْزَاء قلت بل هُوَ من الْأَجْزَاء بِدَلِيل ترَتّب الْأَحْكَام اللَّازِمَة على الْمُصَلِّي بِالتَّحْرِيمِ لَهَا فِي ذَلِك الجزيء من الْوَقْت وَذكر الشَّارِح أَن حِكَايَة الْخلاف بَينهم هَكَذَا مَذْكُورَة فِي عير وَاحِد من الْكتب، وَذكر الْقَدُورِيّ أَن النَّجَاسَة إِن كَانَت فِي مَوضِع سُجُوده فروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَن صلَاته لَا تُجزئ إِلَّا أَن يُعِيد السُّجُود على مَوضِع طَاهِر، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وروى عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنَّهَا تُجزئ بِغَيْر إِعَادَة، وَجه الأولى أَن السُّجُود كالقيام فِي

عدم الِاعْتِدَاد بِهِ مَعَ النَّجَاسَة، وَوجه الْأُخْرَى أَن الْوَاجِب عِنْده أَن يسْجد على طرف أَنفه، وَهُوَ أقل من قدر الدِّرْهَم، وَهَذَا الْقدر لَا يمْنَع جَوَاز الصَّلَاة وَأما عِنْدهمَا فالسجود على الْجَبْهَة وَاجِب، وَهُوَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم فَيمْنَع جَوَاز الصَّلَاة، ثمَّ ذكر أَنه إِذا افْتتح على مَوضِع طَاهِر ثمَّ نقل قدمه إِلَى مَوضِع نجس ثمَّ أَعَادَهُ صحت صلَاته إِلَى أَن يَتَطَاوَل حَتَّى يصير فِي حكم الْفِعْل الَّذِي إِذا زيد فِي الصَّلَاة أفسدها انْتهى، وَفِي آخر كَلَامه نظر يظْهر بملاحظة فرض دوَام الطَّهَارَة فَتَأمل (وَأما قَوْله) أَي فَخر الْإِسْلَام (النَّهْي يُوجب فِي أحد الأضداد السّنيَّة كنهي الْمحرم عَن الْمخيط سنّ لَهُ الْإِزَار والرداء فَلَا يخفى بعده عَن وَجه الاستلزام). قَالَ الشَّارِح قلت فِي هَذَا سَهْو، فَإِن لفظ فَخر الْإِسْلَام، وَأما النَّهْي عَن الشَّيْء فَهَل لَهُ حكم فِي ضِدّه؟ قَالَ بَعضهم يُوجب أَن يكون ضِدّه فِي معنى سنة وَاجِبَة، وعَلى القَوْل الْمُخْتَار يحتملان نقيض ذَلِك انْتهى، ثمَّ فسر ذَلِك بقوله: أَي كَون الضِّدّ فِي معنى سنة مُؤَكدَة إِذا كَانَ النَّهْي لتَحْرِيم وَوجه بِأَن النَّهْي الثَّابِت فِي ضمن الْأَمر لما اقْتضى الْكَرَاهَة الَّتِي هِيَ أدنى من الْحُرْمَة بِدَرَجَة، وَجب أَن يَقْتَضِي الْأَمر الثَّابِت فِي ضمن النهى سنية الضِّدّ الَّتِى هى أدنى من الْوَاجِب بِدَرَجَة، ثمَّ قَالَ وَهَذَا التلازم غير لَازم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف، ثمَّ قَالَ فِي التَّحْقِيق وَغَيره وَلم يرد بِالسنةِ مَا هُوَ المصطلح بَين الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا هُوَ قريب من الْوُجُوب وَقَالَ يحْتَمل لِأَنَّهُ لم ينْقل هَذَا القَوْل نصا عَن السّلف لكنه مُقْتَضى الْقيَاس، ثمَّ ذكر من الحَدِيث مَا يدل على النَّهْي عَن لبس الْقَمِيص والعمائم والبرانس والخفاف، وَذكر أَن هَذَا النَّهْي ذُو ضد مُتحد، لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَة بَين لبس الْمخيط وَلبس غَيره، فَيلْزم وجوب لبس الْإِزَار، والرداء لَا سنيته، على أَن لبسهما لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ لما يدل عَلَيْهِ الحَدِيث من الْأَمر بلبسهما وَأَطْنَبَ فِي غير طائل، وَإِذا تَأَمَّلت فِي كَلَامه وجدته إِلَى السَّهْو أقرب، لِأَن استبعاد المُصَنّف بِسَبَب أَن أحد الأضداد إِذا كَانَ مِمَّا لَا بُد مِنْهُ فِي الِامْتِثَال بِالنَّهْي يلْزم كَونه وَاجِبا وَإِلَّا فَلَا يدل على سنيته أَيْضا، وَقَوله لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ غير مُوجبَة لجَوَاز تعدد دَلِيل السّنيَّة، فسبحان من جرأ الضَّعِيف على الْقوي لعدم مَعْرفَته مقَامه (وَأما النَّهْي) بالتفسير الْمُقَابل لِلْأَمْرِ (فالنفسي طلب كف عَن فعل) فَخرج الْأَمر لِأَنَّهُ طلب فعل غير كف (على جِهَة الاستعلاء) فَخرج بِهِ الالتماس وَالدُّعَاء (وإيراد كف نَفسك) عَن كَذَا طرده لصدقه عَلَيْهِ (إِن كَانَ) مورده مَادَّة للنقض (لَفظه) أَي لفظ كف نَفسك كَذَا (فَالْكَلَام فِي النَّفْسِيّ) أَي فَنَقُول لَا مَحْذُور لعدم صدقه عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَب كف، بل لَيْسَ بِطَلَب (أَو) كَانَ مورده (مَعْنَاهُ التزامناه) أَي صدق التَّعْرِيف عَلَيْهِ حَال كَونه (نهيا) نفسيا من جملَة أَفْرَاد الْمُعَرّف (وَكَذَا معنى أطلب الْكَفّ) نهى

نَفسِي: أَي مَعْنَاهُ التضمني، وَهُوَ الطّلب. لَا المطابقي، لِأَنَّهُ إِخْبَار، وَالنَّهْي مَضْمُون إنشائي (لوحدة معنى اللَّفْظَيْنِ) أَي كف نَفسك، وأطلب الْكَفّ، وَمعنى كل وَاحِد من الْمَذْكُورين لدلالتها على قيام طلب الْكَفّ بالقائل (وَهُوَ) أَي ذَلِك الْمَعْنى هُوَ (النَّهْي النَّفْسِيّ واللفظي، وَهُوَ غَرَض الأصولي) لِأَنَّهُ يبْحَث عَن الدّلَالَة اللفظية السمعية (مَبْنِيّ تَعْرِيفه) أَي اللَّفْظِيّ (أَن لذَلِك الطّلب) الْمَذْكُور (صِيغَة تخصه) أَي لَا تسْتَعْمل فِي غير حَقِيقَة، إِذْ لَو لم يكن هَذَا الِاخْتِصَاص لم يقصدوا تَعْرِيفه (وَفِي ذَلِك) أَي فِي أَن لَهُ صِيغَة تخصه من الْخلاف (مَا فِي الْأَمر) وَالصَّحِيح فِي كليهمَا نعم (وَحَاصِله) تَعْرِيف النَّهْي اللَّفْظِيّ ذكر (مَا يعينها) أَي يُمَيّز تِلْكَ الصِّيغَة من غَيرهَا من الصِّيَغ (فسميت) الْمَذْكُورَات لذَلِك (حدودا، وَالأَصَح) مِنْهَا صِيغَة (لَا تفعل) كَذَا ونظائرها (أَو اسْمه) أَي اسْم لَا تفعل من أَسمَاء الْأَفْعَال (كمه) فَإِنَّهُ بِمَعْنى لَا تفعل (حتما) حَال من لَا تفعل بِمَعْنى وجوبا، وَحَقِيقَة كَونه لطلب الْكَفّ من غير تَجْوِيز الْفِعْل، وَكَذَا (استعلاء) وَقد مر تَفْسِيره، وَالْخلاف فِي اشْتِرَاطه كالأمر وَأَنه الْمُخْتَار (وَهِي) أَي هَذِه الصِّيغَة خَاص (للتَّحْرِيم) لَا للكراهة (أَو الْكَرَاهَة) دون التَّحْرِيم، أَو مُشْتَرك لَفْظِي بَين التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة، أَو معنوي، أَو وضع للقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا، وَهُوَ طلب الْكَفّ استعلاء، أَو مُتَوَقف فيهمَا بِمَعْنى لَا نَدْرِي لأيهما وضعت (كالأمر) أَي كصيغة الْأَمر اكْتفى بِهِ عَن التَّفْصِيل الْمَذْكُور لما مر فِي الْأَمر. قَالَ الشَّارِح: ثمَّ يزِيد إِلَّا من يُنَافِي الْمذَاهب الْمَذْكُورَة ثمَّة (وَالْمُخْتَار) أَنَّهَا حَقِيقَة (للتَّحْرِيم لفهم الْمَنْع الحتم) أَي بِغَيْر تَجْوِيز الْفِعْل (من) الصِّيغَة (الْمُجَرَّدَة) عَن الْقَرَائِن، وَهُوَ أَمارَة الْحَقِيقَة (ومجاز فِي غَيره) أَي التَّحْرِيم لعدم التبادر وَالْحَاجة إِلَى الْقَرِينَة، ثمَّ هَذَا الْحَد النَّفْسِيّ غير منعكس لصدقه على الْكَرَاهَة النفسية، فَلِذَا قَالَ (فمحافظة عكس) حد النَّهْي (النَّفْسِيّ بِزِيَادَة) قيد (حتم) بعد قَوْله طلب كف. وَالْمرَاد بِالْعَكْسِ هَهُنَا المانعية (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يزدْ (دخلت الْكَرَاهَة النفسية فالنهي) النَّفْسِيّ (نفس التَّحْرِيم وَإِذا قيل مُقْتَضَاهُ) أَي إِذا قيل التَّحْرِيم مُقْتَضى النَّهْي (يُرَاد) بِالنَّهْي النَّهْي (اللَّفْظِيّ، وَتَقْيِيد الْحَنَفِيَّة التَّحْرِيم بقطعي الثُّبُوت و) تقييدهم (كَرَاهَته) أَي كَرَاهَة التَّحْرِيم (بظنيه) أَي بظني الثُّبُوت (لَيْسَ خلافًا) فِي أَن النَّهْي النَّفْسِيّ نفس التَّحْرِيم (وَلَا تعدد) فِي حَقِيقَة النَّهْي (فِي نفس الْأَمر) فَإِن الثَّابِت فِي نفس الْأَمر إِنَّمَا هُوَ طلب التّرْك حتما لَا غَيره، وَهَذَا الطّلب قد يُسْتَفَاد بطرِيق قَطْعِيّ فَهُوَ قَطْعِيّ وَقد يُسْتَفَاد بطرِيق ظَنِّي فظني (وَكَون تقدم الْوُجُوب) للمنهي عَنهُ قبل النَّهْي عَنهُ (قرينَة الْإِبَاحَة) أَي كَون النَّهْي للْإِبَاحَة (حكى الْأُسْتَاذ) أَبُو إِسْحَاق الاسفراني

مسئلة

(نَفْيه) أَي نفي كَونه قرينَة لَهَا (إِجْمَاعًا، وَتوقف الإِمَام) أَي إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي ذَلِك (لَا يتَّجه إِلَّا بالطعن فِي نَقله) أَي فِي نقل الْأُسْتَاذ الْإِجْمَاع (وَنقل الْخلاف) أَي وَنقل الْموقف الَّذِي لم يقبل حِكَايَة الْإِجْمَاع الْخلاف فِي كَونه قرينَة. قَالَ الشَّارِح: وَظَاهر كَلَام الإِمَام أَنه لم يُقَلّد إِلَّا تخمينا فَلَا يقْدَح (إِذْ بِتَقْدِير صِحَّته) أَي الْإِجْمَاع على ذَلِك (يلْزم استقراؤهم) أَي أهل الْإِجْمَاع (ذَلِك) أَي تتبعهم مواقع تحقق النَّهْي بعد الْوُجُوب استقراء مُفِيدا لنفي كَون تقدم الْوُجُوب قرينَة لكَون النَّهْي للْإِبَاحَة بوجدانهم كَون للْإِبَاحَة تَارَة وللتحريم، أَو الْكَرَاهَة أُخْرَى (وموجبها) أَي مُوجب صِيغَة النَّهْي (الْفَوْر والتكرار: أَي الِاسْتِمْرَار خلافًا لشذوذ) ذَهَبُوا إِلَى أَن مُوجبهَا مُطلق الْكَفّ من غير دلَالَة على الدَّوَام والمرة. قَالَ الشَّارِح: وَنَصّ فِي الْمَحْصُول على أَنه الْمُخْتَار وَفِي الْحَاصِل أَنه الْحق، لِأَنَّهَا قد تسْتَعْمل لكل مِنْهُمَا، وَالْمجَاز والاشتراك اللَّفْظِيّ خلاف الأَصْل، فَيكون الْمُقدر الْمُشْتَرك، وأجيبوا بِأَن الْعلمَاء لم يزَالُوا يستدلون بِالنَّهْي على وجوب التّرْك مَعَ اخْتِلَاف الْأَوْقَات من غير تَخْصِيص بِوَقْت دون وَقت، وَلَوْلَا أَنه للدوام لما صَحَّ ذَلِك. مسئلة قَالَ (الْأَكْثَر إِذا تعلق) النَّهْي (بِالْفِعْلِ) بِأَن طلب الْكَفّ عَنهُ (كَانَ) النَّهْي (لعَينه) أَي لذات الْفِعْل أَو جزئه بِأَن يكون منشأ النَّهْي قبيحا ذاتيا (مُطلقًا) أَي حسيا كَانَ ذَلِك الْفِعْل كَالزِّنَا وَالشرب، أَو شَرْعِيًّا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم (وَيَقْتَضِي) النَّهْي (الْفساد شرعا وَهُوَ) أَي الْفساد شرعا) (الْبطلَان) وَهُوَ (عدم سببيته لحكمه) بِأَن لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ثَمَرَته الْمَقْصُودَة مِنْهُ (وَقيل) يَقْتَضِي الْفساد (لُغَة) أَي اقْتِضَاء بِحَسب اللُّغَة، بِمَعْنى أَن من يعرف اللُّغَة إِذا سمع النَّهْي اللَّفْظِيّ يفهم أَن مُتَعَلّقه بَاطِل لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكمه (وَقيل) يَقْتَضِي الْفساد (فِي الْعِبَادَات فَقَط) فَحِينَئِذٍ لَا يكون الِاقْتِضَاء لُغَة بل شرعا، وَعَلِيهِ أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ وَالْغَزالِيّ والرازي (وَالْحَنَفِيَّة كَذَلِك) أَي ذَهَبُوا إِلَى أَن النَّهْي الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين دون اعتقاداتهم على مَا فِي التَّلْوِيح يكون لعين الْفِعْل (فِي الْحسي) وَهُوَ (مَا لَا يتَوَقَّف مَعْرفَته على الشَّرْع كَالزِّنَا وَالشرب) أَي شرب الْخمر فَإِنَّهُ لَا تتَوَقَّف معرفَة حقيقتهما على الشَّرْع: إِذْ يعرفهما من يعلم الشَّرْع وَمن لَا يعلم، فِي التَّلْوِيح فسر الشَّرْعِيّ بِمَا يتَوَقَّف تحَققه على الشَّرْع، والحسي بِخِلَافِهِ وَاعْترض بِأَن مثل الصَّلَاة وَالْبيع يتَحَقَّق من غير توقف على الشَّرْع وَأجِيب بِأَن المستغني عَن الشَّرْع نفس الْفِعْل، وَأما مَعَ وصف كَونه عبَادَة أَو عقدا يتَوَقَّف على شَرَائِط

وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام فَلَا يتَحَقَّق بِدُونِ الشَّرْع، ورد بِأَن المتوقف حِينَئِذٍ وصف كَونه عبَادَة فَفِي الْحسي أَيْضا وصف كَون الزِّنَا مثلا مَعْصِيّة لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِالشَّرْعِ، ففسره المُصَنّف بِمَا يكون لَهُ مَعَ تحَققه الْحسي تحقق شَرْعِي بأركان وشرائط اعتبرها الشَّرْع بِحَيْثُ لَو انْتَفَى بَعْضهَا لم يحل الشَّارِع ذَلِك الْفِعْل وَلم يحكم بتحققه كَالصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَة، وَالْبيع الْوَارِد على مَا لَيْسَ بِمحل انْتهى، وَيُمكن أَن يحمل عَلَيْهِ مَا ذكره المُصَنّف بِأَن يُرَاد بمعرفته معرفَة تحَققه على وَجه يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الحكم فمعرفة تحقق الصَّلَاة على وَجه يَتَرَتَّب عَلَيْهَا أَنَّهَا مجزئة يتَوَقَّف على معرفَة شرائطها الشَّرْعِيَّة، بِخِلَاف الزِّنَا فَإِن الْعلم بتحققه الْحسي الْمُتَرَتب عَلَيْهِ الحكم لَا يتَوَقَّف على الشَّرْع (إِلَّا بِدَلِيل أَنه) أَي الْمنْهِي عَنهُ (لوصف ملازم أَو) منفك عَنهُ (مجاور) لَهُ فَيكون النَّهْي حِينَئِذٍ لغيره، وَهُوَ ذَلِك المجاور (كنهي قرْبَان الْحَائِض) فَإِن النَّهْي عَن وَطئهَا إِنَّمَا هُوَ لِمَعْنى الْأَذَى، وَهُوَ مجاور للْوَطْء غير مُتَّصِل بِهِ، وَلَيْسَ بِلَازِم لَهُ: إِذْ قد يَنْفَكّ عَنهُ مَا فِي حَالَة الطُّهْر (أما) الْفِعْل (الشَّرْعِيّ) وَهُوَ مَا تتَوَقَّف مَعْرفَته على الشَّرْع (فلغيره) أَي فالنهي عَنهُ لغيره من جِهَة كَونه (وَصفا لَازِما للتَّحْرِيم أَو كَرَاهَته) أَي كَرَاهَة التَّحْرِيم (بِحَسب الطَّرِيق) الموصلة لَهُ إِلَيْنَا من قطع أَو ظن (للُزُوم الْمنْهِي) تَعْلِيل للُزُوم ذَلِك الْوَصْف التَّحْرِيم الَّذِي هُوَ مثار النَّهْي للمنهي (كَصَوْم) يَوْم (الْعِيد) فَإِن الصَّوْم الشَّرْعِيّ لَا يعرف إِلَّا من قبل الشَّرْع وَقد نهى لِمَعْنى اتَّصل بِالْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مَحل الْأَدَاء وَصفا لَازِما لَهُ وَهُوَ كَونه يَوْم ضِيَافَة الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَفِي الصَّوْم إِعْرَاض عَنْهَا فَكَانَ حَرَامًا للْإِجْمَاع عَلَيْهِ لَا أَنه مَكْرُوه تَحْرِيمًا لثُبُوته بِخَبَر الْآحَاد (أَو) فلغيره من جِهَة كَونه وَصفا (مجاورا) لَهُ (مُمكن الانفكاك) عَنهُ (فالكراهة) أَي فالنهي عَن الْفِعْل لمجاور كَذَا نفس الْكَرَاهَة كَمَا قَالَ نفس التَّحْرِيم (وَلَو) كَانَ طَرِيق ثُبُوت النهى (قطيعا كَالْبيع وَقت النيداء) أى أَذَان الْجُمُعَة بعد زَوَال الشَّمْس، فان النهى عَنهُ لوصف مجاور مُمكن الانفكاك مشار إِلَيْهِ بقوله (لترك السَّعْي) أَي للإخلال بالسعي الْوَاجِب، أما الانفكاك فَلِأَن البيع يُوجد بِدُونِ الْإِخْلَال بالسعي بِأَن يتبايعا فِي الطَّرِيق ذَاهِبين إِلَيْهَا، والإخلال بالسعي يُوجد بِدُونِ البيع بِأَن يمكثا فِي الطَّرِيق من غير بيع، وَلما لم يكن البيع الْمنْهِي عَنهُ للمجاور الْمُمكن الانفكاك منافيا لحكم الْخطاب الأول: أَعنِي وجوب السَّعْي وَكَانَ مخلا بِهِ فِي الْجُمْلَة فتنزل عَن مرتبَة الْحُرْمَة والبطلان إِلَى الْكَرَاهَة فهم ضمنا إِذا كَانَ الْمنْهِي عَنهُ منافيا لحكم الْخطاب الأول كَانَ بَاطِلا وَصرح بِمَا علم ضمنا فَقَالَ (فَإِن نافى) الْمنْهِي عَنهُ الشَّرْعِيّ بِاعْتِبَار حكمه حكم (الأول فَبَاطِل) أَي فَذَلِك الْمنْهِي عَنهُ بَاطِل إِن فعل لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ثَمَرَة (كَنِكَاح الْمَحَارِم) فَإِنَّهُ (لَيْسَ حكمه) أَي حكم هَذَا النِّكَاح (إِلَّا الْحل المنافى

لمقتضاه أَي لمقْتَضى الْخطاب الأول، وَهُوَ التَّحْرِيم المؤبد فنكاحهن بَاطِل وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ بَاطِلا كَيفَ يسْقط بِهِ الْحَد وَيثبت بِهِ النّسَب أجَاب بقوله (وَعدم الْحَد وَثُبُوت النّسَب حكم الشُّبْهَة) أَي صُورَة العقد عَلَيْهِنَّ، وَعدم الْحَد قَول أبي حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَزفر، وَثُبُوت النّسَب، وَوُجُوب الْعدة قَول الْمَشَايِخ تَفْرِيعا على هَذَا القَوْل، وَمِنْهُم من منع ثُبُوته لَا وُجُوبهَا، لِأَن أقل مَا يبتنى عَلَيْهِ كِلَاهُمَا وجود الْحل من وَجه، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمَحَارِم فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ وَأما على قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة فَلَا إِشْكَال أَيْضا إِذا علم بِالتَّحْرِيمِ لإيجابهم الْحَد عَلَيْهِ، وَعدم وجوب الْغرَّة، وَعدم ثُبُوت النّسَب (وَيجب مثله) أَي مثل هَذَا الْبطلَان (فِي الْعِبَادَات) سَوَاء كَانَ الْمنْهِي عَنهُ لوصف ملازم أَولا لعدم سببيتها لحكمها الَّذِي شرعت لَهُ، وَهَذَا بحث المُصَنّف، وَاخْتَارَهُ ورتب عَلَيْهِ خلافًا لَهُم فِي بعض الْفُرُوع (كَصَوْم الْعِيد) فَإِن النَّهْي عَنهُ لِمَعْنى ملازم، وَهُوَ الْإِعْرَاض عَن ضِيَافَة الله تَعَالَى، فَكَانَ بَاطِلا لما ذكر، وَالْإِجْمَاع العقد على حرمته، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لعدم الْحل وَالثَّوَاب) وَمَا انْتَفَى فِيهِ صفة الْحل إِجْمَاعًا وَلم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الثَّوَاب، وَالَّذِي لم يشرع إِلَّا لَهُ فَهُوَ حقيق بِأَن يحكم بِبُطْلَانِهِ، ثمَّ فِيهِ على عدم حل الشُّرُوع فِيهِ عدم لُزُوم الْقَضَاء بالإفساد، فَقَالَ (فَوَجَبَ عدم الْقَضَاء بالإفساد، لِأَن وُجُوبه) أَي الْقَضَاء بالإفساد (يتبعهُ) أَي يتبع حل الشُّرُوع فِيهِ فَإِن قيل فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يَصح نَذره: إِذْ لَا يَصح نذر فِي مَعْصِيّة الله تَعَالَى كَمَا فِي صَحِيح مُسلم فَالْجَوَاب مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَصِحَّة نَذره لِأَنَّهُ) أَي نَذره (غير مُتَعَلّقه) بِفَتْح اللَّام، وَهُوَ مُبَاشرَة الصَّوْم فِي يَوْم الْعِيد: كَذَا فِي التَّلْوِيح وَالْحَاصِل أَن للصَّوْم جِهَة طَاعَة وجهة مَعْصِيّة، وانعقاد النّذر بِاعْتِبَار الْجِهَة الأولى حَتَّى قَالُوا: لَو صرح بِذكر الْمنْهِي عَنهُ، بِأَن يَقُول: لله عَليّ صَوْم يَوْم النَّحْر لم يَصح نَذره فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة كَمَا لَو قَالَت: لله عَليّ أَن أَصوم أَيَّام حيضي، بِخِلَاف مَا لَو قَالَت غَدا، وَكَانَ الْغَد يَوْم نحر أَو حيض وَأما ضرب أَبِيه أَو شَتمه فَلَا جِهَة فِيهِ لغير الْمعْصِيَة، فَلَا يَصح النّذر بِهِ أصلا وَتَحْقِيق ذَلِك أَن النّذر إِيجَاب بالْقَوْل وبالفعل أمكن التَّمْيِيز بَين الْمنْهِي عَنهُ والمشروع، والشروع إِيجَاب بِالْفِعْلِ، وَفِي الْفِعْل لَا يُمكن التَّمْيِيز بَين الْجِهَتَيْنِ انْتهى، وَإِنَّمَا ارتكبوا ذَلِك (ليظْهر) أَثَره (فِي الْقَضَاء تحصيلا للْمصْلحَة) وَهُوَ أَن ينْعَقد النّذر واضطر إِلَى الْقَضَاء لتعذر الْأَدَاء (فَيجب) على هَذَا (أَن لَا يبرأ) النَّاذِر (بصومه) لكِنهمْ يَقُولُونَ بِخُرُوجِهِ عَن نَذره بصيامه مَعَ الْعِصْيَان، لِأَنَّهُ نذر مَا هُوَ نَاقص وَأَدَّاهُ كَمَا الْتَزمهُ، وَلما كَانَ الْقَضَاء مَبْنِيا على أَن مُوجب النّذر وجوب أَدَائِهِ قَالَ. (فَإِن لزم فِيهَا) أَي صِحَة هَذَا النّذر (وجوب الْأَدَاء) للمنذور (أَولا) بِأَن يكون الْخطاب

الْمُتَعَلّق بِمُوجب النّذر ابْتِدَاء طلب فعل عين الْمَنْذُور، فَإِذا لم يؤده حِينَئِذٍ يجب خَلفه من الْقَضَاء كَمَا هُوَ الْمُتَعَارف فِي الْقَضَاء، وَلَا يكون المنظور أَولا ظُهُور الْأَثر فِي الْقَضَاء بِحَيْثُ لَا يبرأ بصومه (وَجب نَفيهَا) أَي صِحَة النّذر، لِأَنَّهُ نذر بِمَعْصِيَة وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ، وَمَا ذكر من وجوب بطلَان مثل صَوْم يَوْم الْعِيد، وَوُجُوب عدم الْقَضَاء بالإفساد لما عَرفته، وَعدم صِحَة النّذر بِمُجَرَّد ظُهُور الْأَثر فِي الْقَضَاء وَعدم وجوب الْأَدَاء أَولا، وَعدم الْبَرَاءَة بصومه إِنَّمَا هُوَ مُقْتَضى رَأْي المُصَنّف رَحمَه الله بِمُوجب الدَّلِيل (خلافًا لَهُم) أَي للحنفية فِي ذَلِك كُله، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ بأضداد ذَلِك على مَا هُوَ الْمَذْكُور فِي المطولات من كتبهمْ. وَفِي الشَّرْح تَفْصِيل لَهَا (وَمَا خَالف) مَا ذكرنَا من وجوب بطلَان الْعِبَادَات الَّتِي تعلق بهَا نهي التَّحْرِيم (فلدليل) يَقْتَضِي مُخَالفَة ذَلِك (كَالصَّلَاةِ) النَّافِلَة (فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة على ظنهم) أَي الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهُم حكمُوا بِصِحَّتِهَا مَعَ النَّهْي الْمحرم أَو الْمُوجب لكَرَاهَة التَّحْرِيم، فَفِي صَحِيح مُسلم وَالسّنَن الْأَرْبَع " ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينهانا أَن نصلي فِيهِنَّ وَأَن نقبر فِيهِنَّ مَوتَانا: حِين تطلع الشَّمْس بازغة حَتَّى ترْتَفع، وَحين يقوم قَائِم الظهيرة حَتَّى تَزُول، وَحين تضيف الشَّمْس للغروب حَتَّى تغرب " وَفِي قَوْله إِلَى ظنهم إِشَارَة إِلَى أَنه خلاف مَا يرضيه، ثمَّ أَشَارَ إِلَى رفع منشأ ظنهم بقوله (وَكَون مسماها) أَي الصَّلَاة (لَا يتَحَقَّق إِلَّا بالأركان) وَالنَّهْي عَن مُسَمّى الصَّلَاة فرع تحَققه، وَإِلَّا فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يتَحَقَّق على تَقْدِير الْإِتْيَان بصورته يلْزم عدم الْفَائِدَة للنَّهْي، فَثَبت أَنه إِذا أَتَى بِصُورَة الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة يتَحَقَّق هُنَاكَ حَقِيقَة الصَّلَاة بأركانها والشروع فِي النَّفْل يلْزم، فَعِنْدَ الْإِفْسَاد يجب الْقَضَاء، فَأَشَارَ إِلَى دفع هَذَا بقوله (لَا يقتضى) أَي الْكَوْن الْمَذْكُور (وجوب الْقَضَاء) عِنْد الْإِفْسَاد (لِأَنَّهُ) أَي وجوب الْقَضَاء عِنْده (بِوُجُوب الْإِتْمَام قبل الْإِفْسَاد، وَالثَّابِت) بِالنَّهْي الْمَذْكُور (نقيضه) أَي نقيض وجوب الْإِتْمَام وَهُوَ حرمته، بل حُرْمَة الشُّرُوع فِيهِ وَلَا بُد فِي إتْمَام هَذَا الْبَحْث من الْتِزَام أحد الْأَمريْنِ: منع اقْتِضَاء النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَذْكُورَة تحقق أَرْكَانهَا عِنْد الْإِتْيَان بصورتها على وَجه تتَحَقَّق حَقِيقَتهَا. أَو منع كَون الشُّرُوع فِي النَّفْل ملزما على الْإِطْلَاق: بل إِذا لم يكن مَنْهِيّا عَنهُ (وَيلْزم) كَون مسماها لَا يتَحَقَّق إِلَّا بالأركان (أَن تفْسد) الصَّلَاة (بعد رَكْعَة) لِأَنَّهُ قبل الرَّكْعَة لَا تتَحَقَّق أَرْكَان الصَّلَاة من الْقيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود، وَبعد مَا تتَحَقَّق الرَّكْعَة فَيتَحَقَّق مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الصَّلَاة بتحقق ارْتِكَاب الْمنْهِي الْمُوجب للإفساد (وَهُوَ) أَي الْفساد بعد رَكْعَة (مُنْتَفٍ عِنْدهم) وَحِينَئِذٍ (فَالْوَجْه أَن لَا يَصح الشُّرُوع لانْتِفَاء فَائِدَته) أَي الشُّرُوع (من الْأَدَاء وَالْقَضَاء) لما قُلْنَا (وَلَا مخلص) مِمَّا أوردنا عَلَيْهِم من بطلَان الصَّلَاة وَعدم وجوب الْقَضَاء

(إِلَّا بجعلها) أَي كَرَاهَة الصَّلَاة النَّافِلَة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة (تنزيهية، وَهُوَ) أَي جعلهَا تنزيهية (مُنْتَفٍ إِلَّا عِنْد شذوذ) من النَّاس لَا يعْتد بهم فَلَا يخلص وَالله أعلم أما البيع فَحكمه الْملك، وَيثبت) الْملك (مَعَ الْحُرْمَة فَيثبت) البيع مَعَ النَّهْي (مستعقبا لَهُ) أَي للْملك حَال كَونه (مَطْلُوب التفاسخ رفعا للمعصية إِلَّا بِدَلِيل الْبطلَان) اسْتثِْنَاء من ثُبُوت البيع مَعَ النَّهْي، وَذَلِكَ لعدم قابلية الْمحل (وَهُوَ) أَي كَون ثُبُوت الْملك مَطْلُوب التفاسخ (فَسَاد الْمُعَامَلَة عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة فِيهِ مُسَامَحَة، فَإِن فَسَادهَا سَبَب لطلب التفاسخ لَا عينه، وَإِنَّمَا قيد بالمعاملة، فَإِن الْعِبَادَة فَسَادهَا وبطلانها سَوَاء، وَإِنَّمَا الْفرق بَين الْفساد والبطلان فِي الْمُعَامَلَات (بِخِلَاف بيع المضامين) جمع مَضْمُون، من ضمن الشَّيْء بِمَعْنى تضمنه، وَهُوَ مَا تضمنه صلب الْفَحْل من الْوَلَد، فَيَقُول: بِعْت الْوَلَد الَّذِي يحصل من هَذَا الْفَحْل فَإِنَّهُ (بَاطِل) لقِيَام الدَّلِيل على ثُبُوت الْبطلَان فِيهِ مَعَ النَّهْي عَنهُ، وَقد صَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع المضامين، ثمَّ بَين سَبَب الْبطلَان بقوله (لعدم الْمحل) أَي محليته الشَّرْعِيَّة للْبيع، لِأَن المَاء قبل أَن يخلق مِنْهُ الْحَيَوَان لَيْسَ بِمَال، وَالْمحل شَرط لصِحَّة البيع فَكَانَ بَاطِلا بِالضَّرُورَةِ (أما الأول) أَي ثُبُوت حكم البيع، وَهُوَ الْملك مَعَ الْحُرْمَة (فلعدم النَّافِي) لَهُ كَمَا هُوَ الأَصْل (وَوُجُود الْمُقْتَضى) لَهُ (وَهُوَ الْوَضع الشَّرْعِيّ) لِأَن الشَّرْع وضع الْإِيجَاب وَالْقَبُول لإِثْبَات الْملك غير أَنه نهى عَنهُ إِذا كَانَ بِصفة كَذَا، وَهَذَا الْقدر لَا يُوجب تخلف مُقْتَضى ذَلِك الْوَضع (للْقطع بِأَن الْقَائِل لَا تَفْعَلهُ) أَي لَا تفعل مَا جعلته سَببا لكذا (على هَذَا الْوَجْه، فَإِن فعلت) ذَلِك على هَذَا الْوَجْه (ثَبت حكمه وعاقبتك) لعدم امْتِثَال النَّهْي (لم يُنَاقض) نَفسه فِي الحكم بِأَن التَّصَرُّف الْوَاقِع على هَذَا الْوَجْه مَنْهِيّ عَنهُ ومنتهض سَببا لكذا، وَقد يُقَال أَن مَا ذكرْتُمْ إِنَّمَا يتم إِذا جعله الشَّارِع سَببا للْحكم مُطلقًا سَوَاء وَقع على الْوَجْه الْمنْهِي الَّذِي يرتضيه: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتَحَقَّق فِي خصوصيات المُرَاد مَا يدل على جعله سَببا على الْإِطْلَاق فَتَأمل (وَقَوْلهمْ) أَي الشَّافِعِيَّة النَّهْي عَن البيع (ظَاهر فِي عدم ثُبُوته) أَي الْملك فِي البيع الْوَاقِع على الْوَجْه الْمنْهِي عَنهُ (شرعا) أَي ثبوتا شَرْعِيًّا، أَو فِي الشَّرْع (مَمْنُوع) فَإِن أثر النَّهْي لَيْسَ إِلَّا فِي التَّحْرِيم، وَقد ذكر أَنه لَا يضاد ثُبُوت حكمه وَلَا يخفى أَن الْمَنْع إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ مقصودهم بِهَذَا إِثْبَات لطلب: أَعنِي بطلَان البيع، وَأما إِذا قصدُوا بِهِ تَقْوِيَة مَعَ وجود الْمُقْتَضى وَهُوَ الْوَضع الشَّرْعِيّ، وَعدم تَسْلِيم جعله سَببا على الْإِطْلَاق بِقَرِينَة النَّهْي: فَلَا يتَّجه الْمَنْع (فَيثبت الْملك شرعا فِي بيع الرِّبَا) أَي فِي بيع مُشْتَمل على اشْتِرَاط زِيَادَة بِلَا عوض حَقِيقَة أَو شُبْهَة (وَالشّرط) أَي وَفِي البيع الْمَشْرُوط بِشَرْط مُخَالف لما يَقْتَضِيهِ العقد حَال كَونه (مَطْلُوب

الْفَسْخ) رفعا للمعصية (وَيلْزمهُ) أَي بيع الرِّبَا وَالشّرط (الصِّحَّة) وَهُوَ أَن يرجع إِلَى الصِّحَّة وَلَا يبْقى مَطْلُوب الْفَسْخ (بِإِسْقَاط الزِّيَادَة فِي) بيع الرِّبَا وَإِسْقَاط (الشَّرْط) الْمُفْسد فِي البيع الْمَشْرُوط بِهِ (لِأَنَّهُ) أَي كل وَاحِد مِنْهُمَا (الْمُفْسد) للْبيع (وَأما الثَّانِي) أَي لُزُوم التفاسخ (فلرفع الْمعْصِيَة وَيُصَرح بِثُبُوت الاعتبارين) استعقاب الحكم وَطلب الْفَسْخ (طَلَاق الْحَائِض) الْمَدْخُول بهَا وَقت الْحيض (ثَبت حكمه) وَهُوَ وُقُوع الطَّلَاق (وَأمر) الزَّوْج الْمُطلق فِي الْحيض (بالرجعة رفعا) للمعصية (بِالْقدرِ الْمُمكن) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر " أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض فَذكر ذَلِك عمر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتغيظ مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ ليراجعها ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ تحيض فتطهره فَإِن بدا لَهُ أَي يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا قبل أَن يَمَسهَا فَتلك الْعدة كَمَا أَمر الله تَعَالَى " وَإِنَّمَا قَالَ بِالْقدرِ الْمُمكن لِأَن رفع الطَّلَاق الْوَاقِع حَال الْحيض بِالْكُلِّيَّةِ غير مُمكن لِأَنَّهُ نقص بِهِ عدد الطَّلَاق إِجْمَاعًا، لكنه لما كَانَ منشأ النَّهْي إطالة الْعدة بِالرُّجُوعِ يرْتَفع ذَلِك جعلت الرّجْعَة رفعا لَهُ بِاعْتِبَار ارْتِفَاع محذوره (بِخِلَاف مَا لَا يُمكن) رَفعه (كحل مَذْبُوح ملك الْغَيْر) صفة مَذْبُوح لعدم إِفَادَة إِضَافَة ملك إِلَى الْغَيْر التَّعْرِيف، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا قدرَة للْعَبد على رفع الْمعْصِيَة اللَّازِمَة من ذبحه مَمْلُوك الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه بإعادته ملك الْغَيْر وَبِه الرّوح " وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه زار قوما من الْأَنْصَار فِي دَرَاهِم فذبحوا لَهُ شَاة فصنعوا لَهُ مِنْهَا طَعَاما فَأخذ من اللَّحْم شَيْئا فلاكه فمضغه سَاعَة لَا يسيغه: فَقَالَ مَا شَأْن هَذَا اللَّحْم؟ قَالُوا شَاة لفُلَان ذبحناها حَتَّى يَجِيء فنرضيه من ثمنهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطعموها الأسرى " فَقَوله أطعموها دلّ على أَنهم ملكوها بالإهلاك ولزمهم الضَّمَان غير أَنه ملك خَبِيث لمَكَان الْمعْصِيَة فِي طَرِيق ثُبُوته، وَمثل ذَلِك لَا يَلِيق بِغَيْر الأسرى (قَالُوا) أَي الذاهبون إِلَى أَنه يدل على الْبطلَان مُطلقًا (لم تزل الْعلمَاء) فِي الْأَعْصَار (يستدلون بِهِ) أَي بِالنَّهْي (على الْفساد: أَي الْبطلَان) من غير إِنْكَار عَلَيْهِم، فَهُوَ إِجْمَاع مِنْهُم على أَنه يدل على الْبطلَان (قُلْنَا) مَا ذكرْتُمْ من الِاسْتِدْلَال إِنَّمَا هُوَ (فِي الْعِبَادَات) على الْإِطْلَاق لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا الثَّوَاب وَلَا ثَوَاب مَعَ النَّهْي (و) يسْتَدلّ على الْبطلَان بِالنَّهْي (مَعَ) وجود (الْمُقْتَضى) للبطلان (فِي غَيرهَا) أَي الْعِبَادَات من الْمُعَامَلَات: يَعْنِي لَا يثبت فِي الْمُعَامَلَات الْبطلَان بِمُجَرَّد النَّهْي لعدم انحصار فائدتها فِي الثَّوَاب، فَلَا يلْزم عدم الثَّوَاب الْبطلَان لوُجُود فَائِدَة أُخْرَى غير الثَّوَاب غير مُنَافِيَة للنَّهْي (وَإِلَّا) أَي لم يُوجد الْمُقْتَضِي فِي غير الْمُعَامَلَات (فعلى مُجَرّد التَّحْرِيم) أَي فالإجماع على أَنه يدل على مُجَرّد التَّحْرِيم، أَو فَإِنَّمَا يستدلون بِهِ على مُجَرّد تَحْرِيم الْمنْهِي عَنهُ (وَلَو صرح بَعضهم بِالْبُطْلَانِ) أَي بِأَنَّهُ يدل على الْبطلَان (فكقولكم) أَي الشَّافِعِيَّة يرد عَلَيْهِ مَا يرد عَلَيْكُم فَلَا يصلح لِأَن

يحتجوا بِهِ علينا (وَبِه) أَي بِهَذَا الدَّلِيل (اسْتدلَّ للغة) أَي لِأَنَّهُ يدل على الْبطلَان لُغَة (وَمنع بِأَن فهمه) أَي الْبطلَان مِنْهُ إِنَّمَا يكون (شرعا) لِأَن بُطْلَانه عبارَة عَن سلب أَحْكَامه وَلَيْسَ فِي لفظ النَّهْي مَا يدل على هَذَا لُغَة قطعا (قَالُوا) أَي الذاهبون إِلَى أَنه يدل على الْبطلَان لُغَة (لأمر يَقْتَضِي الصِّحَّة فضده) وَهُوَ النَّهْي يَقْتَضِي (ضدها) أَي ضد الصِّحَّة: وَهُوَ الْفساد والبطلان (أُجِيب بِمَنْع اقتضائه) أَي الْأَمر الصِّحَّة (لُغَة وَلَو سلم) اقْتِضَاء الْأَمر الصِّحَّة (فَيجوز اتِّحَاد أَحْكَام المتقابلات) لجَوَاز اشتراكها فِي لَازم وَاحِد وَلَا يخفى بعده هَهُنَا: إِذْ كَون الْأَمر مقتضيا للصِّحَّة إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار كَون الْمَأْمُور بِهِ مَطْلُوبا لِلْأَمْرِ وَالظَّاهِر كَون الْمَطْلُوب غير مسلوب الحكم، وَهَذَا الِاعْتِبَار لَا يتَصَوَّر فِيمَا هُوَ مَطْلُوب الْكَفّ، بل الظَّاهِر كَونه مسلوب الحكم فَتَأمل (وَلَو سلم) أَي أَحْكَام المتقابلة متقابلة (فاللازم عدم اقْتِضَاء الصِّحَّة لَا اقْتِضَاء عدمهَا) أَي الصِّحَّة، وَالْأول أَعم، والأعم لَا يسْتَلْزم الْأَخَص (وَدَلِيل تفصيلهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِيمَا) يكون النهى عَنهُ لقبح (لعَينه وَغَيره) أَي وَفِيمَا يكون النَّهْي عَنهُ لقبح غَيره (أما فِي الْحسي) وَقد مر (فَالْأَصْل) أَي فالقبح فِيهِ لعَينه، لِأَن الأَصْل فِي الْقبْح أَن يكون قبحه لعَينه مَا لم يصرف عَنهُ صَارف، وَلَيْسَ فِيهِ، أَو لِأَن الأَصْل أَن يثبت الْقبْح باقتضاء النَّهْي فِي الْمنْهِي عَنهُ فِي غَيره فَلَا يتْرك الأَصْل من غير ضَرُورَة وَلَا ضَرُورَة: وَهَذَا أظهر (وَأما فِي الشَّرْعِيّ) وَقد مر تَفْسِيره أَيْضا فالقبح فِيهِ لغيره، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَو) كَانَ الْمنْهِي عَنهُ (لعَينه) أَي لقبحه الذاتي (امْتنع الْمُسَمّى شرعا) لِامْتِنَاع وجود الْقبْح شرعا، وَالنَّهْي دلّ على وجوده إِذْ لَا ينْهَى عَن الْمَعْدُوم (فَحرم نفس الصَّوْم) فِي الْأَيَّام المنهية (وَالْبيع) وَقت النداء (لكنهما ثابتان) شرعا (فَكَانَ) الشَّرْعِيّ (مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ، لَا وَصفه بِالضَّرُورَةِ، وَقيل لَو كَانَ) الْقبْح فِي الْمنْهِي عَنهُ الشَّرْعِيّ لعَينه (امْتنع النَّهْي لِامْتِنَاع الْمنْهِي عَنهُ حِينَئِذٍ لَكِن النَّهْي وَاقع، فَكَذَا الْمنْهِي عَنهُ (وَدفع بِأَن امْتِنَاعه) أَي الْمنْهِي عَنهُ شرعا (لَا يمْنَع تصَوره) أَي إِمْكَان وجود الْمنْهِي عَنهُ (حسا وَهُوَ) أَي تصَوره حسا (مصحح النَّهْي وَهُوَ) أَي هَذَا الدّفع (بِنَاء على أَن الِاسْم الشَّرْعِيّ) مَوْضُوع (للصورة) سَوَاء تحقق مَعَ صور الْحَقِيقِيَّة الشَّرْعِيَّة مَا اعْتَبرهُ الشَّارِع من الْأَركان والشرائط أَولا (وهم) أَي الْحَنَفِيَّة (يمنعونه) أَي ينفون كَونه للصورة مُطلقًا (بل) هُوَ عِنْدهم لَهَا (بِقَيْد الِاعْتِبَار) يَعْنِي مُسَمّى الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة لَيْسَ مُجَرّد صورها، بل يُقيد اعْتِبَار الشَّارِع إِيَّاهَا بِأَن يكون مستجمعا للأركان والشرائط (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ للصورة مُطلقًا (النَّهْي عَن صَلَاة الْحَائِض و) النَّهْي عَن (صَوْم الْعِيد وَلُزُوم كَون مثل الطَّهَارَة) من شُرُوط الصَّلَاة (جُزْء مَفْهُوم الْمَشْرُوط) الَّذِي هُوَ الصَّلَاة لما ذكر من أَن الِاسْم

الشَّرْعِيّ مَوْضُوع للصورة بِقَيْد الِاعْتِبَار واندراج الْمَشْرُوط فِي الِاعْتِبَار والاندراج فِي الْمُسَمّى يسْتَلْزم كَون المندرج جُزْءا مِنْهُ (و) لُزُوم (بطلَان صَلَاة فَاسِدَة) للتنافي بَين كَونهَا صَلَاة وَكَونهَا فَاسِدَة، لِأَن الِاعْتِبَار الْمَذْكُور مخرج لما فسد من مُسَمّى لفظ الصَّلَاة (يُوجِبهُ) خبر الْمُبْتَدَأ: أَي يُوجب مَا ذكر أَن الِاسْم بِإِزَاءِ الْهَيْئَة مُطلقًا (الْجَواب) أَنه (إِنَّمَا يُوجب) النَّهْي عَن الصَّلَاة وَالصَّوْم، وَقَوْلهمْ صَلَاة فَاسِدَة (صِحَة التَّرْكِيب) أَي تركيب لَا تصلي الْحَائِض وَلَا تصم يَوْم الْعِيد إِلَى غير ذَلِك (وَلَا يسْتَلْزم) صِحَة التَّرْكِيب (الْحَقِيقَة) أَي كَون الِاسْم حَقِيقَة فِي الصُّورَة فَقَط (فالاسم مجَاز شَرْعِي فِي الْجُزْء الَّذِي هُوَ الصُّورَة للْقطع بِصدق لم يصم للمسك) عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع (حمية) مَعَ وجود الصُّورَة والمنفي عدم الْمجَاز وللزوم اتِّحَاد مسماها: أَي الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة لُغَة وَشرعا فِي بَعْضهَا: أَي فِي بعض تِلْكَ الْأَسْمَاء: وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْمَعْنى اللّغَوِيّ عين صُورَة الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ وَهُوَ أَي الِاتِّحَاد الْمَذْكُور مُنْتَفٍ لما مر (والوضع لما وجد شَرطه لَا يسْتَلْزم اعْتِبَار الشَّرْط جُزْءا) مِنْهُ فَانْتفى لُزُوم جزئية الشَّرْط من الْمَشْرُوط (وَلَا يخفى أَنه آل كَلَامهم) أَي الْحَنَفِيَّة على هَذَا الْجَواب (إِلَى أَن مصحح النَّهْي جُزْء الْمَفْهُوم) أَي اسْتِعْمَال لفظ الصَّلَاة وَالصَّوْم فِي جُزْء مفهومهما (وَهُوَ) أَي جُزْء الْمَفْهُوم (مُجَرّد الْهَيْئَة فَسَلمُوا قَول الْخصم) لموافقتهم لَهُ على أَن الْمُصَحح النَّهْي الْوُجُود الْحسي للمنهي وَإِن اخْتلفُوا فِي أَن الِاسْم حَقِيقَة شَرْعِيَّة للصورة فَقَط أَو بِقَيْد الِاعْتِبَار (غير أَن ضعف الدَّلِيل) الْمعِين (لَا يبطل الْمَدْلُول) لجَوَاز ثُبُوته بِغَيْرِهِ (ويكفيهم) أَي الْحَنَفِيَّة (مَا ذَكرْنَاهُ لَهُم) من أَنه لَو كَانَ لعَينه لامتنع الْمُسَمّى لِامْتِنَاع مشروعيته مَعَ كَونه قبيحا لعَينه. (تَنْبِيه: لما قَالَت الْحَنَفِيَّة بِحسن بعض الْأَفْعَال وقبحها لنَفسهَا وَغَيرهَا كَانَ تعلق النَّهْي الشَّرْعِيّ بِاعْتِبَار الْقبْح مَسْبُوقا بِهِ) أَي الْقبْح (ضَرُورَة حِكْمَة الناهي) لِأَن الْحَكِيم لَا يُنْهِي عَن الشَّيْء إِلَّا لقبحه، والقبح إِنَّمَا يعرف بِهَذَا الْوَجْه (لَا) أَنه يكون (مَدْلُول الصِّيغَة، فانقسم مُتَعَلّقه) أَي النَّهْي (إِلَى حسي فقبحه لنَفسِهِ إِلَّا بِدَلِيل) يدل على أَنه لغيره (وَلَا جِهَة محسنة) لذَلِك الْحسي الْقَبِيح لنَفسِهِ (فَلَا تقبل حرمته النّسخ) لِأَن نسخ حرمتهَا مُسْتَلْزم شرعيتها، والمفروض انه لَيْسَ لَهَا جِهَة حسن أصلا، وَمَا لَيْسَ فِيهِ جِهَة حسن لَا يصلح للمشروعية (وَلَا يكون سَبَب نعْمَة) وكل مَشْرُوع لَا بُد أَن يكون سَبَب نعْمَة (كالعبث) أَي اللّعب لخلوه عَن الْفَائِدَة (وَالْكفْر) لما فِيهِ من الكفران الْمنَافِي لشكر النعم الْوَاجِب عقلا قبح مَا لَا فَائِدَة فِيهِ وكفران الْمُنعم مركوز فِي الْعقل بِحَيْثُ لَا يتَصَوَّر جَرَيَان النّسخ فِيهِ (بِخِلَاف الْكَذِب الْمُتَعَيّن طَرِيقا لعصمة نَبِي) فَإِن فِيهِ جِهَة محسنة (أَو) قبحه (لجِهَة لم يرجح عَلَيْهَا غَيرهَا) من الْجِهَات

(فَكَذَلِك) أَي لَا تقبل حرمته النّسخ وَلَا يكون سَبَب نعْمَة (وَيُقَال فِيهِ قبح لعَينه شرعا كَالزِّنَا للتضييع) فَإِنَّهُ فعل حسي مَنْهِيّ عَنهُ لجِهَة فِيهِ لم يرجح عَلَيْهَا غَيرهَا: وَهِي تَضْييع النَّسْل، لِأَن الشَّرْع قصر انْتِفَاء النَّسْل بِالْوَطْءِ على مَحل مَمْلُوك (فَلم يبحه) الله تَعَالَى (فِي مِلَّة) من الْملَل فَإِن قيل ثُبُوت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة نعْمَة، لِأَنَّهَا تلْحق الأجنبيات بالأمهات والأجانب بِالْآبَاءِ، وَقد ثبتَتْ مسببة عَن الزِّنَا عِنْد الْحَنَفِيَّة فَتعلق بِهِ خطاب الْوَضع من حَيْثُ جعله سَببا لَهَا فَلَزِمَ مشروعيته من هَذَا الْوَجْه وَأجِيب بِأَنَّهَا لم تثبت مسببة عَن الزِّنَا من حَيْثُ ذَاته، بل من حَيْثُ أَنه سَبَب للْمَاء الَّذِي هُوَ سَبَب الْمعْصِيَة الْحَاصِلَة بِالْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحقّ للكراهة، وَمِنْهَا حُرْمَة الْمَحَارِم إِلَى آخر مَا ذكرُوا فِي مَحَله، وَفِيه مَا فِيهِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَثُبُوت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة عِنْده) أَي الزِّنَا (بِأَمْر آخر) لَا بِالزِّنَا (كثبوت ملك الْغَاصِب عِنْد زَوَال الِاسْم وتقرر الضَّمَان فِيمَا يجب بِملك) شُبْهَة، جَوَاب هَذَا الْإِشْكَال بِجَوَاب إِشْكَال آخر: وَهُوَ أَن الْغَصْب تعد على الْغَيْر فَلهُ جِهَة قبح لم يرجح عَلَيْهَا غَيرهَا وَقد جَعَلُوهُ مَشْرُوعا بعد النَّهْي حَيْثُ جَعَلُوهُ سَببا للْملك الْمَغْصُوب إِذْ تصرف فِيهِ الْغَاصِب تَصرفا بِهِ تغير بِحَيْثُ زَالَ اسْمه، وَكَانَ ذَلِك الْمَغْصُوب مِمَّا يَصح تملكه احْتِرَازًا عَن نَحْو الْمُدبر وَالْملك نعْمَة، وَذَلِكَ أَنه لم يثبت بِعَين الْغَصْب، بل بِأَمْر آخر وَهُوَ أَن لَا يلْزم اجْتِمَاع الْبَدَلَيْنِ فِي ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ إِن قُلْنَا يبْقى ملكه فِي عين الْمَغْصُوب عِنْد تقرر الضَّمَان وصيرورة قِيمَته دينا فِي ذمَّة الْغَاصِب، وَفِي الْمَبْسُوط وَلَكِن هَذَا غلط، لِأَن الْملك عندنَا يثبت من وَقت الْغَصْب، وَلِهَذَا يَقع بيع الْغَاصِب وَيسلم الْكسْب لَهُ انْتهى، وَقد يُقَال ثُبُوته من وَقت الْغَصْب بطرِيق الِاسْتِنَاد وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوته عِنْد زَوَال الِاسْم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ المُصَنّف رَحمَه الله إِلَى رد مَا ذكر من أَن سَبَب الْملك غير الْغَصْب أَمر آخر بقوله (وَالْمُخْتَار) أَن (الْغَصْب عِنْد الْفَوات سَبَب الضَّمَان مَقْصُودا جبرا) للفائت رِعَايَة للعدل: يَعْنِي لَا نقُول سَبَب الْملك أَمر آخر غير الْغَصْب، بل إِنَّمَا هُوَ الْغَصْب لَكِن عِنْد الْفَوات، فالفوات شَرط، وَالسَّبَب هُوَ الْغَصْب، وَطَرِيق سببيته أَنه قصد أَولا سببيته للضَّمَان جبرا (فاستدعى) كَون سَبَب الضَّمَان (تقدم الْملك) أَي ملك الْمَغْصُوب للْغَاصِب، لِأَنَّهُ مَعَ بَقَائِهِ فِي ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ لَا يُمكن إِثْبَات الضَّمَان فِي ذمَّة الْغَاصِب لما ذكر (فَكَانَ) الْغَصْب (سَببا لَهُ) أَي للْملك (غير مَقْصُود) سببيته بِالذَّاتِ (بل بِوَاسِطَة سببيته) أَي الْغَصْب (لمستدعيه) أَي الْملك وَهُوَ الضَّمَان (وَهَذَا قَوْلهم) أَي حَاصِل قَول الْحَنَفِيَّة (فِي الْفِقْه هُوَ) أَي الْغَصْب (بعرضية) أَي فِي معرض (أَن يصير سَببا) لملك الْمَغْصُوب، لِأَنَّهُ مستبعد للإفضاء إِلَى الْملك غير أَنه مُتَوَقف على تحقق الْفَوات الَّذِي هُوَ شَرط الضَّمَان (لَا يُقَال لَا أثر لِلْعِلَّةِ الْبَعِيدَة) فِي الحكم (فَيصدق نفي سببيته) أَي الْغَصْب (للْملك) لِأَنَّهُ سَبَب بعيد لَهُ (فَالْحق الأول (

أَي كَون السَّبَب للْملك أمرا آخر وَهُوَ الضَّمَان لَا نفس الْغَصْب، لأَنا نقُول لَيْسَ الْحق الأول (لِأَن) نفي سببيته (الصَّادِق) نَفيهَا (الْمُطلق) المتحقق فِي ضمن انْتِفَاء سَبَبِيَّة مَقْصُودَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وسببيته) أَي الْغَصْب للْملك مُقَيّدَة (بِقَيْد كَونه) أَي الْملك (غير مَقْصُود مِنْهُ) أَي الْغَصْب، بل لثُبُوته لضَرُورَة الْقَضَاء بِالْقيمَةِ، وَكَون الْحق هُوَ الأول إِنَّمَا يَتَأَتَّى بالسلب الْكُلِّي لسببيته مُطلقًا، كَيفَ (ولولاه) أَي سببيته: أَي الْغَصْب لملك الْغَاصِب للْمَغْصُوب (لم يَصح) أَي لم ينفذ (بيع الْغَاصِب) للْمَغْصُوب قبل الضَّمَان لانْتِفَاء مَا عدا وجوب السَّبَب من شُرُوط النّفُوذ فَإِن قيل يشكل بِعَدَمِ نُفُوذ عتقه قيل لَا، لِأَن الْمُسْتَند ثَابت من وَجه دون وَجه فَيكون نَاقِصا، والناقص يَكْفِي لنفوذ البيع لَا الْعتْق كَالْمكَاتبِ يَبِيع وَلَا يعْتق (وَلم يسلم لَهُ الْكسْب السَّابِق) أَي مَا كسب العَبْد الْمَغْصُوب قبل الضَّمَان، وَاسْتشْكل أَيْضا بِعَدَمِ ملك الْغَاصِب زوائده الْمُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَعدم ملك زوائده الْمُنْفَصِلَة لِأَنَّهُ) أَي ملك الْمَغْصُوب ملك (ضَرُورِيّ) لما ذكر أَنه ثَبت شرطا لوُجُود الضمأن، وَمَا ثَبت ضَرُورَة يقْتَصر على قدر الضَّرُورَة (والمنفصل) من الزِّيَادَة (لَيْسَ تبعا) للْمَغْصُوب (بِخِلَاف الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة) كالسمن وَالْجمال (وَالْكَسْب) فَإِن كلا مِنْهَا تبع مَحْض: أما الْمُتَّصِلَة فَظَاهر، وَأما الْكسْب فَلِأَنَّهُ بدل الْمَنْفَعَة وَالْحكم يثبت فِي التبع بِثُبُوتِهِ فِي الأَصْل سَوَاء ثَبت فِي الْمَتْبُوع مَقْصُودا بِسَبَبِهِ أَو شرطا لغيره، و (بِخِلَاف الْمُدبر) إِنَّمَا كرر قَوْله بِخِلَاف مَعَ أَن كسب الْمُدبر مثل مَا قبله فِي مُخَالفَة حكمه للمنفصل لِأَنَّهُ يسْتَشْكل بِهِ إِذْ لَا يثبت للْملك فِي الْمُدبر للْغَاصِب وَإِن أدّى الضَّمَان لَكِن تحقق فِيهِ معنى فقهي أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَإِنَّهُ) أَي الْغَاصِب إِنَّمَا (يملك كَسبه) أَي الْمُدبر (إِن كَانَ) لَهُ كسب (بِنَاء على أَنه) أَي الْمُدبر (خرج عَن) ملك (الْمولى تَحْقِيقا) شَرط (الضَّمَان بِقدر الْإِمْكَان) تَعْلِيل لملك الْكسْب وَالْخُرُوج من الْمولى على سَبِيل التَّنَازُع: إِذْ الضَّمَان يُنَافِي اجْتِمَاع الْبَدَلَيْنِ وَعدم حُصُول ملك الْغَاصِب، وَاسْتشْكل أَيْضا على الأَصْل الْمَذْكُور بِملك الْكَافِر مَال الْمُسلم إِذا أحرزه بدار الْحَرْب، فَإِن الِاسْتِيلَاء فعل حسي مَنْهِيّ عَنهُ لذاته فَلَا يكون مَشْرُوعا بعد النَّهْي وَقد خَالفه الْحَنَفِيَّة حَيْثُ جَعَلُوهُ بعد النَّهْي سَببا للْملك، وَأَشَارَ إِلَى الْجَواب عَنهُ بقوله (وَأما الْكَافِر) الْمَالِك مَال الْمُسلم (بالإحراز) بدار الْحَرْب (فإمَّا لعدم النَّهْي) أَي فاعتبار الشَّرْع سَببه إحرازه واستيلاؤه للْملك إِمَّا لِأَنَّهُ لم يتَوَجَّه لَهُ خطاب وَنهي بِنَاء على عدم خطابهم بالفروع) على مَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْحَنَفِيَّة، وَإِذا اختير هَذَا التَّأْوِيل (فَلَيْسَ) كَون إحرازهم سَببا للْملك (من الْبَاب) المبحوث عَنهُ فِي هَذَا الْمقَام (وَأما) لِأَنَّهُ يملك ذَلِك بِالِاسْتِيلَاءِ (عِنْد ثُبُوت الْإِبَاحَة) أَي

إِبَاحَة ذَلِك المَال لَهُ (بانتهاء ملك الْمُسلم) أَي بِسَبَب انْتِهَاء ملكه الْمُوجب رُجُوع المَال إِلَى الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة (بِزَوَال ملك الْمُسلم بِزَوَال الْعِصْمَة) مُتَعَلق بالانتهاء فَإِن مالكية الْمُسلم لمَاله ملزوم للعصمة الملزومة للإحراز بدار الْإِسْلَام، وَزَوَال اللَّازِم يسْتَلْزم زَوَال الْمَلْزُوم، وَزَوَال الْعِصْمَة (بالإحراز بِدَرَاهِم) أَي بِسَبَب إِحْرَاز الْكَافِر مَال الْمُسلم بدار الْحَرْب، وَإِنَّمَا كَانَ إحرازهم لَهُ بهَا مزيلا للعصمة (لانْقِطَاع الْولَايَة) أَي ولَايَة التَّبْلِيغ والإلزام: فَكَانَ استيلاؤهم على هَذَا المَال وعَلى الصَّيْد سَوَاء، وَإِذا كَانَ انْتهى سقط النَّهْي فَلم يكن الِاسْتِيلَاء مَحْظُورًا فصلح أَن يكون سَببا للْملك، ثمَّ يتَخَلَّص من هَذَا أَن مَا هُوَ مَحْظُور وَهُوَ ابْتِدَاء الِاسْتِيلَاء بدار الْإِسْلَام لَيْسَ بِسَبَب الْملك وَهُوَ سَبَب الْملك، وَهُوَ حَال الْبَقَاء والإحراز بدار الْكفْر لَيْسَ بمحظور فَلَا يرد النَّقْض، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والاستيلاء ممتد فبقاؤه كابتدائه) فَصَارَ بعد الْإِحْرَاز بدار الْحَرْب كَأَنَّهُ استولى على مَال غير مَعْصُوم ابْتِدَاء بدار الْحَرْب فصلح سَببا للْملك فَإِن قيل سفر الْمعْصِيَة بِقطع الطَّرِيق وَإِلَّا بَاقٍ فعل حسي مَنْهِيّ عَنهُ لذاته فَكَانَ مُقْتَضى هَذَا أَن لَا يَجْعَل سَببا للرخصة الَّتِي هِيَ نعْمَة وَقد جعلتموه سَببا، فَالْجَوَاب منع كَونه مَنْهِيّا عَنهُ لذاته كَمَا قَالَ (والترخص بسفر الْمعْصِيَة للْعلم بِأَنَّهُ) أَي النَّهْي (فِيهِ) أَي سفر الْمعْصِيَة (لغيره) أَي لغير ذَات السّفر (مجاورا) للسَّفر (من الْقَصْد للمعصية) وَهَذَا الْقَصْد لَيْسَ بِلَازِم لذاته (إِذْ قد لَا تفعل) الْمعْصِيَة، بِلَا يتبدل بِقصد الطَّاعَة (وَيدْرك الْآبِق الْأذن) بِالسَّفرِ من مَوْلَاهُ، فَيخرج عَن الْعِصْيَان، فَلَا يُؤثر هَذَا المجاور فِي كَونه سَببا للرخصة من حَيْثُ هُوَ سير مديد، لِأَنَّهُ من هَذِه الْحَيْثِيَّة مُبَاح (وَكَذَا وَطْء الْحَائِض عرف) كَونه مَنْهِيّا عَنهُ (للأذى) لقَوْله تَعَالَى - {قل هُوَ أَذَى} - وَهُوَ مجاور فِي الْمحل قَابل للانفكاك (فاستعقب الْإِحْصَان، وَتَحْلِيل الْمُطلقَة) ثَلَاثًا وَصَارَ كَمَا إِذا حرم بِالْيَمِينِ ثمَّ عطف على قَوْله إِلَى حسي قَوْله (وَإِلَى شَرْعِي فالقطع بِأَنَّهُ) أَي الْقبْح فِيهِ (لغيره) أَي غير الْمنْهِي عَنهُ، وَإِلَّا لم يشرع قطيعا (وَلَا ينتهض) الْمنْهِي عَنهُ الشَّرْعِيّ (سَببا) للنعمة (إِذا رتب) الشَّارِع عَلَيْهِ (حكما يُوجب كَونه) أَي الْمنْهِي عَنهُ (لعينة) أَي الْمنْهِي عَنهُ (أَيْضا كَنِكَاح الْمَحَارِم) فَإِنَّهُ فعل (شَرْعِي عقل قبحه: لِأَنَّهُ طَرِيق القطيعة) للرحم الْمَأْمُور بصلتها لما فِيهِ من الامتهان بالاستفراش وَغَيره (فحين أخرجن عَن الْمَحَلِّيَّة) لنكاحه (صَار) نِكَاحه إياهن (عَبَثا، فقبح لعَينه فَبَطل) فَقَوله إِذا رتب إِلَى آخِره بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء من كَون النَّهْي فِي الشَّرْعِيّ لغيره، وَقَوله أَيْضا إِلْحَاق لهَذِهِ الصُّورَة بالحسي الْمَذْكُور (ثمَّ الْإِخْرَاج) عَن محلية إنكاحه (لَيْسَ) وَاقعا على وَجه (وَإِلَّا لَازِما) أَي على وَجه اللُّزُوم (لما مهدناه من أَنه) أَي الشَّارِع (لم يَجْعَل لَهُ) أَي للنِّكَاح (حكما إِلَّا الْحل فنافى) حكمه (مُقْتَضى النَّهْي) وَهُوَ

التَّحْرِيم المؤبد فَكَانَ الْمنْهِي عَنهُ بَاطِلا (وَكَذَا الصَّلَاة بِلَا طَهَارَة بَاطِلَة لمثله) أَي لانْتِفَاء أَهْلِيَّة العَبْد لَهَا بِلَا طَهَارَة شرعا فَصَارَ فعلهَا بِدُونِ الطَّهَارَة عَبَثا فقبح لعَينه (وَكَانَ يجب مثله) أَي بطلَان الصَّلَاة (فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة لَكِن الظَّن الْمُتَقَدّم) أوجب خِلَافه إِشَارَة إِلَى مَا سبق من قَوْله وَمَا خَالف فلدليل كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة على ظنهم: أَي الْحَنَفِيَّة، فَإِنَّهُم حكوا بِصِحَّتِهَا مَعَ النَّهْي الْمحرم، أَو الْمُوجب لكَرَاهَة التَّحْرِيم للْحَدِيث الْمَذْكُور فِيمَا سبق، وَذَلِكَ لِأَن مُقْتَضى النَّهْي التَّحْرِيم الْمنَافِي للْجُوَاز (وروى عَن أبي حنيفَة بُطْلَانهَا كَمَا اخترناه وَهُوَ قَول زفر) والدراية تقَوِّي هَذِه الرِّوَايَة، فَلْيَكُن التعويل عَلَيْهَا (فَإِن لم يرتب) الشَّارِع على الْمنْهِي عَنهُ حكما يُوجب كَون النَّهْي عَن الْمنْهِي عَنهُ لعَينه (ظهر أَنه لم يعْتَبر فِيهِ جِهَة توجب قبحا فِي عينه كَالْبيع) الْفَاسِد فِي وَقت النداء للْجُمُعَة (على مَا تقدم فَينْعَقد سَببا) لحكمه كالملك (فَظهر أَن الِاخْتِلَاف) فِي المنهيات الشرعيات من حَيْثُ الانتهاض سَببا وَعَدَمه (لَيْسَ مُرَتبا على أَن النَّهْي عَن الشَّرْعِيّ يدل على الصِّحَّة) للمنهي عَنهُ كَمَا هُوَ معزو إِلَى الْحَنَفِيَّة وَإِلَّا لما اخْتلفت فِي انتهاضها مسَائِل على أَن النَّهْي إخْرَاجهَا عَن الْمَحَلِّيَّة لما ذكر لم تنتهض إِلَّا وانتهضت (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة النَّهْي فِي المشروعيات (يدل على مشروعيته) أَي الْفِعْل الْمنْهِي عَنهُ (بِأَصْلِهِ لَا بوصفه إِنَّمَا يُفِيد صِحَة الأَصْل) أَي أصل الْفِعْل (وَلَا يخْتَلف فِيهِ) أَي فِي كَون الأَصْل صَحِيحا (لِأَنَّهُ) أَي الأَصْل (غير الْمنْهِي عَنهُ) الَّذِي هُوَ مَجْمُوع الأَصْل وَالْوَصْف (فَلَا يستعقب) كَون الْمنْهِي عَنهُ يدل على مَشْرُوعِيَّة الْفِعْل بِأَصْلِهِ (صِحَّته) أَي الأَصْل (بِوَصْف يلازمه) أَي الأَصْل، لَا يُقَال دلّ على صِحَة الأَصْل، وَالْوَصْف الملازم لَا يُفَارق الأَصْل فِي الْوُجُود فَلَا يُفَارِقهُ فِي الصِّحَّة أَيْضا لجَوَاز أَن يكون الشَّيْء بِالنّظرِ إِلَى نَفسه صَحِيحا، وبالنظر إِلَى وَصفه فَاسِدا وَإِن كَانَ ذَلِك الْوَصْف لَازِما لذاته، وَالله أعلم. تمّ الْجُزْء الأول ويليه الْجُزْء الثَّانِي، وأوله: الْفَصْل الْخَامِس فِي الْمُفْرد بِاعْتِبَار اسْتِعْمَاله.

الجزء 2

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْفَصْل الْخَامِس فِي الْمُفْرد بِاعْتِبَار اسْتِعْمَاله (هُوَ) أَي الْمُفْرد (بِاعْتِبَار اسْتِعْمَاله يَنْقَسِم إِلَى حَقِيقَة ومجاز فالحقيقة) فعيلة بِمَعْنى فَاعل، من حق: إِذا ثَبت، أَو مفعول، من حققت الشَّيْء أحقه بِالضَّمِّ: إِذا أثْبته: فَالْمَعْنى الْكَلِمَة الثَّابِتَة أَو المثبتة فِي مَكَانهَا الْأَصْلِيّ، وَالتَّاء للنَّقْل من الوصيفه إِلَى الاسمية الصرفة، وللتأنيث عِنْد السكاكي: أما إِذا كَانَ بِمَعْنى فَاعل فَظَاهر لِأَنَّهُ يذكر وَيُؤَنث حِينَئِذٍ جرى على موصوفه أَولا وَأما إِذا كَانَ بِمَعْنى مفعول، فالتأنيث بِاعْتِبَار مَوْصُوف مؤنث لَهَا: أَي الْكَلِمَة غير مجراة هِيَ عَلَيْهِ، وَفِيه تكلّف مُسْتَغْنى عَنهُ، وَهِي اصْطِلَاحا (اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيمَا وضع لَهُ أَو مَا صدق) مَا وضع لَهُ (عَلَيْهِ) فالمستعمل فِيهِ حِينَئِذٍ فَرد من أَفْرَاد الْمَوْضُوع لَهُ (فِي عرف بِهِ) أَي بذلك الْعرف (ذَلِك الِاسْتِعْمَال) أَي بِنَاء الِاسْتِعْمَال على ذَلِك الْعرف، والظرف مُتَعَلق بِالْوَضْعِ، فَخرج بِالْمُسْتَعْملِ المهمل والموضوع قبل الِاسْتِعْمَال، وَبِقَوْلِهِ فِيمَا وضع لَهُ الْمجَاز والغلط كَمَا سَيَأْتِي (وتنقسم) الْحَقِيقَة (بِحَسب ذَلِك) الْوَضع (إِلَى لغوية) بِأَن يكون الْوَاضِع أهل اللُّغَة (وشرعية) بِأَن يكون الشَّارِع (كَالصَّلَاةِ) حَقِيقَة لغوية: فالدعاء شَرْعِيَّة فِي الْأَركان الْمَخْصُوصَة (وعرفية عَامَّة) بِأَن يكون يكون أهل الْعرف الْعَام (كالدابة) فِي ذَوَات الْأَرْبَع والحافر (وخاصة) بِأَن يكون أهل الْعرف الْخَاص (كالرفع) للحركة والحرف المخصوصين: فَإِن أهل الْعَرَبيَّة وضعوه لَهما (وَالْقلب) كجعل الْمَعْلُول عِلّة وَعَكسه فَإِن الْأُصُولِيِّينَ وضعوه لَهُ (وَيدخل) فِي الْحَقِيقَة اللَّفْظ (الْمَنْقُول) وَهُوَ (مَا وضع لِمَعْنى بِاعْتِبَار مُنَاسبَة لما كَانَ) اللَّفْظ مَوْضُوعا (لَهُ أَولا) وَسَيَأْتِي تَفْصِيله (والمرتجل) وَهُوَ الْمُسْتَعْمل فِي وضعي لم يسْبق بآخر (والأعم) الْمُسْتَعْمل (فِي الْأَخَص كَرجل فِي زيد) نقل عَن المُصَنّف أَنه قَالَ: لِأَن الْمَوْضُوع للأعم حَقِيقَة فِي كل فَرد من أَفْرَاده كالإنسان فِي زيد، لَا يعرف القدماء غير هَذَا إِلَى أَن أحدث التَّفْصِيل بَين أَن يُرَاد بِهِ خُصُوص الشَّخْص

يَجْعَل خُصُوص عوارضه الشخصية مرَادا مَعَ الْمَعْنى الْأَعَمّ، فَيكون مجَازًا، أَو لَا فَيكون حَقِيقَة وَكَأن هَذِه الْإِرَادَة قَلما تخطر عِنْد الْإِطْلَاق حَتَّى ترك الأقدمون ذَلِك التَّفْصِيل، بل الْمُتَبَادر من مُرَاد من يَقُول لزيد يَا إِنْسَان: يامن صدق عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظ لَا يُلَاحظ أَكثر من ذَلِك انْتهى (وَزِيَادَة أَولا) بعد قَوْله فِيمَا وضع لَهُ كَمَا ذكره الْآمِدِيّ وَغَيره (تخل بعكسه) أَي التَّعْرِيف (لصدق الْحَقِيقَة) فِي نفس الْأَمر (على الْمُشْتَرك) الْمُسْتَعْمل (فِي) الْمَعْنى (الْمُتَأَخر وَضعه لَهُ) وَهَذِه الزِّيَادَة تمنع صدق الْحَد عَلَيْهِ (وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ) دلَالَة على (أَنه) أَي الْقَيْد الَّذِي زيد (بِاعْتِبَار وضع الْمجَاز) أَي إِنَّمَا أَتَى بِهِ بِسَبَب اعْتِبَار الْوَضع فِي الْمجَاز لما ذكرُوا من أَن اللَّفْظ مَوْضُوع بِإِزَاءِ الْمَعْنى الْمجَازِي وضعا نوعيا لكنه وضع ثانوي وَلَا بُد لَهُ من تقدم وضع عَلَيْهِ فَذكر أَولا ليخرج الْمجَاز، كَذَا ذكره بعض الأفاضل، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَن لَا يكون من شَأْنه الثانوية فَلَا يشكل بِالْمَعْنَى الثَّانِي للمشترك، لِأَن الثانوية لَيست لَازِمَة لحقيقته وَإِن تحققت فِيهِ غير أَن هَذَا التَّأْوِيل مِمَّا لَا يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ كَمَا ذكره المُصَنّف رَحمَه الله (على أَنه لَو فرض) وضع الْمجَاز (جَازَ أولية وضع الْمجَاز كاستعماله) أَي كَمَا يجوز أولية اسْتِعْمَال الْمجَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى اسْتِعْمَال الْحَقِيقَة بِأَن يوضع اللَّفْظ فيستعمل فِيمَا بَينه وَبَين مَا وضع لَهُ علاقَة قبل أَن يسْتَعْمل فِيمَا وضع لَهُ، كَذَلِك يجوز أولية وضع الْمجَاز قبل وَضعه لمعناه بِأَن يَقُول وضعت هَذَا اللَّفْظ لِأَن يَسْتَعْمِلهُ فِيمَا بَينه وَبَين مَا سأضعه لَهُ مُنَاسبَة مُعْتَبرَة، كَذَا نقل عَن المُصَنّف فِي تَوْجِيه هَذَا الْمحل (وَبلا تَأْوِيل) أَي وَزِيَادَة السكاكي بِلَا تَأْوِيل بعد ذكر الْوَضع ليحترز بِهِ عَن الِاسْتِعَارَة لعد الْكَلِمَة مستعملة فِيمَا هِيَ مَوْضُوعَة لَهُ، لَكِن بالتأويل فِي الْوَضع: وَهُوَ أَن يستعار الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ لغيره بطرِيق الادعاء مُبَالغَة ثمَّ يُطلق عَلَيْهِ اللَّفْظ فَيكون مُسْتَعْملا فِيمَا وضع لَهُ بِتَأْوِيل، وَهَذِه الزِّيَادَة وَاقعَة (بِلَا حَاجَة) إِلَيْهَا فِي صِحَة الْحَد (إِذْ حَقِيقَة الْوَضع لَا تَشْمَل الادعائي) كَمَا سيتضح قَرِيبا وَقد يعْتَذر عَنهُ فِي ذَلِك بِأَنَّهُ أَرَادَ دفع الْوَهم لمَكَان الِاخْتِلَاف فِي الِاسْتِعَارَة هَل هُوَ مجَاز لغَوِيّ أَو حَقِيقَة لغوية (وَالْمجَاز) فِي الأَصْل مفعل: أما مصدر بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل من الْجَوَاز بِمَعْنى العبور والتعدي، سميت بِهِ الْكَلِمَة المستعملة فِي غير مَا وضعت لَهُ لما فِيهَا من التَّعَدِّي من محلهَا الْأَصْلِيّ. أَو اسْم مَكَان سميت بِهِ لكَونهَا مَحل التَّعَدِّي للمعنى الْأَصْلِيّ أَو من جعلت كَذَا مجَازًا إِلَى حَاجَتي أَو طَرِيقا لَهَا، على أَن معنى جَازَ الْمَكَان سلكه، فَإِن الْمجَاز بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ طَرِيق إِلَى مَعْنَاهُ الْمُسْتَعْمل فِيهِ (مَا اسْتعْمل لغيره) أَي لفظ مُسْتَعْمل لغير مَا وضع لَهُ وَمَا صدق عَلَيْهِ (لمناسبة) بَينه وَبَين ذَلِك الْغَيْر (اعْتِبَار) بَين أهل الْعَرَبيَّة (نوعها) أَي نوع تِلْكَ الْمُنَاسبَة، وَسبب اعْتِبَار النَّوْع أَنه وجد فِي كَلَام الْعَرَب اسْتِعْمَال الْكَلِمَة فِي معنى وجد فِيهِ فَرد من أَفْرَاد ذَلِك

النَّوْع من الْمُنَاسبَة (وينقسم) الْمجَاز إِلَى لغَوِيّ وشرعي، وعرفي عَام وخاص (كالحقيقة لِأَن الِاسْتِعْمَال فِي غير مَا وضع لَهُ، إِمَّا لمناسبة لما وضع لَهُ لُغَة أَو شرعا، أَو عرفا خَاصّا أَو عَاما (وَتدْخل الْأَعْلَام فيهمَا) أَي فِي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، فالمرتجل فِي الْحَقِيقَة وَهُوَ ظَاهر وَالْمَنْقُول إِن لم يكن مَعْنَاهُ الثَّانِي من أَفْرَاد الْمَعْنى الأول: فَهُوَ حَقِيقَة فِي الأول مجَاز فِي الثَّانِي من جِهَة الْوَضع الثَّانِي وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ الثَّانِي من أَفْرَاد مَعْنَاهُ الأول، فَإِن كَانَ إِطْلَاقه عَلَيْهِ بِاعْتِبَار أَنه من أَفْرَاد الأول فَهُوَ حَقِيقَة من جِهَة الْوَضع الأول مجَاز فِي الثَّانِي من جِهَة الْوَضع الأول ومجاز فِي الأول حَقِيقَة فِي الثَّانِي من جِهَة الْوَضع الثَّانِي وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ الثَّانِي من أَفْرَاد مَعْنَاهُ الأول، فَإِن كَانَ إِطْلَاقه عَلَيْهِ بِاعْتِبَار أَنه من أَفْرَاد الأول، فَهُوَ حَقِيقَة من جِهَة الْوَضع الأول، مجَاز من جِهَة الْوَضع الثَّانِي، وَإِن كَانَ بِاعْتِبَار أَنه من أَفْرَاد الثَّانِي فحقيقة من جِهَة الْوَضع الثَّانِي، مجَاز من جِهَة الْوَضع الأول، كَذَا ذكره الشَّارِح من غير تَنْقِيح وَلَا يخفى أَن الْأَعْلَام على تَقْدِير دُخُولهَا فِي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز كَغَيْرِهَا إِن اسْتعْملت فِيمَا وضعت لَهُ فِي عرف ذَلِك الِاسْتِعْمَال فحقيقة، وَإِن اسْتعْملت فِي غير ذَلِك فمجاز، سَوَاء كَانَت مرتجلة أَو منقولة إِلَى فَرد من أَفْرَاد الْمَعْنى الأول أَو إِلَى غَيره، فَإِذا كَانَ مدَار الِاسْتِعْمَال على الْوَضع الثَّانِي، وَأُرِيد بِالْعلمِ الْمَنْقُول مَا وضع لَهُ أَولا، أَو فَرد مَا وضع أَولا من حَيْثُ أَنه فَرد فَجَاز ايضا، وَإِن كَانَ مَدَاره على الْوَضع الأول وَأُرِيد بِهِ مَا وضع لَهُ ثَانِيًا من حَيْثُ انه وضع لَهُ ثَانِيًا من حَيْثُ أَنه وَله ضع لَهُ ثَانِيًا فمجاز أَيْضا، وَإِن كَانَ فَردا لما وضع لَهُ أَولا فَردا فالمدار على الِاسْتِعْمَال فِيمَا وضع لَهُ فِي عرف التخاطب وجودا وعدما فِي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي الْعلم وَغَيره (و) لزم (على من أخرجهَا) أَي الْأَعْلَام مِنْهُمَا كالآمدي والرازي (تَقْيِيد الْجِنْس) الْمَأْخُوذ فِي تعريفهما بِغَيْر الْعلم، قَالَ الشَّارِح وَاقْتصر الْبَيْضَاوِيّ على أَنَّهَا لَا تُوصَف بالمجاز بِالذَّاتِ لِأَنَّهَا لم تنقل لعلاقة، وَفِيه نظر انْتهى (وَخرج عَنْهُمَا) أَي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز (الْغَلَط) كخذ هَذَا الْفرس مُشِيرا إِلَى الْكتاب أما عَن الْحَقِيقَة فَظَاهر، وَأما عَن الْمجَاز فَلِأَنَّهُ لم يسْتَعْمل فِي غير الوضعي لعلاقة، لِأَن الِاسْتِعْمَال عبارَة عَن ذكر اللَّفْظ وَإِرَادَة الْمَعْنى بِهِ وَلم يتَحَقَّق، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ الْمَعْنى تعلّقت بِهِ إِرَادَة الْمُتَكَلّم لَكِن من حَيْثُ أَنه جرى الْفرس على لِسَانه خطأ فَهُوَ حَال الْإِعْرَاب أَو اللَّفْظ بِاعْتِبَار تغير حكم إعرابه والتعريف للْأولِ، فَلَا ينْتَقض بِخُرُوج الْمجَاز بِالنُّقْصَانِ، وَالزِّيَادَة كَقَوْلِه - {واسئل الْقرْيَة} - وَلَيْسَ كمثله ذكره الشَّارِح، وَقَالَ المُصَنّف (ومجاز الْحَذف حَقِيقَة) مستعملة فِيمَا وضع لَهُ (لِأَنَّهُ) أَي مجَاز الْحَذف إِنَّمَا هُوَ (الْمَذْكُور) الْمُسْتَعْمل فِي مَعْنَاهُ كَلَفْظِ الْقرْيَة المُرَاد بِهِ الْمَكَان الَّذِي وَضعه بإزائه، وَإِنَّمَا سمي مجَازًا (بِاعْتِبَار تغير إعرابه) وَهُوَ الْجَرّ إِلَى النصب لِأَن التَّقْدِير اسئل أهل الْقرْيَة (وَلَو أُرِيد بِهِ) أَي بالمذكور وَهُوَ الْقرْيَة فِي هَذَا الْمِثَال (الْمَحْذُوف) بِذكر الاثْنَي

الْمحل وَإِرَادَة الْحَال (كَانَ) الْمَذْكُور هُوَ الْمجَاز (الْمَحْدُود) ويشمله التَّعْرِيف الْمَذْكُور (ومجاز الزِّيَادَة قيل) فِي تَعْرِيفه هُوَ (مَا لم يسْتَعْمل لِمَعْنى) كالكاف فِي كمثله، لِأَن الْمَعْنى لَيْسَ مثله من غير زِيَادَة فِيهِ (وَمُقْتَضَاهُ) أَي مُقْتَضى هَذَا القَوْل (أَنه لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا) لِأَن الِاسْتِعْمَال فِي الْمَعْنى مَأْخُوذ فِي كل مِنْهُمَا (وَلما لم ينقص) مجَاز الزِّيَادَة (عَن التَّأْكِيد قيل لَا زَائِد) فِي كَلَام الْعَرَب، فَالْمُرَاد بِنَفْي الزِّيَادَة نفي كَونه لَغوا لَا فَائِدَة لَهُ أصلا فِي الْمَعْنى، وبإثباتها عدم اسْتِعْمَاله فِي معنى حَقِيقَة أَو مجَازًا، فَلَا تدافع بَينهمَا، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا هُوَ التَّحْقِيق عِنْده بقوله (وَالْحق أَنه) أَي مجَاز الزِّيَادَة (حَقِيقَة لوضعه لِمَعْنى التَّأْكِيد) واستعماله فِيهِ كَمَا وضع لغيره من التَّشْبِيه وَغَيره وَاسْتعْمل فِيهِ (لَا مجَاز لعدم العلاقة) الَّتِي هِيَ شَرط فِي الْمجَاز بَين مَعْنَاهُ الْمَشْهُور وَبَين التَّأْكِيد (فَكل مَا اسْتعْمل زَائِدا مُشْتَرك) بَين التَّأْكِيد وَغَيره (وزائد باصطلاح النَّحْوِيين) عطف على قَوْله حَقِيقَة، ومرادهم من الزِّيَادَة عدم إفادته غير التاكيد، لَا عدم إفادته مُطلقًا، فَإِنَّهُ يُنَافِي بلاغة الْكَلَام (وَاعْلَم أَن الْوَضع يكون لقاعدة) لَيست اللَّام صلَة الْوَضع لِأَن الْقَاعِدَة لَيست مَا وضع لَهُ، بل هِيَ لَام الْغَرَض، فَإِن الْمَقْصد من هَذَا النَّوْع من الْوَضع تَحْصِيل قَاعِدَة كُلية يعلم مِنْهَا وضع أَلْفَاظ كَثِيرَة بِإِزَاءِ معَان كَثِيرَة كَقَوْلِه: وضعت كل اسْم فَاعل بِإِزَاءِ ذَات ثَبت لَهَا مبدأ الِاشْتِقَاق بِمَعْنى الْحُدُوث وَقَوله (كُلية) صفة كاشفة، لِأَنَّهُ لَا تكون الْقَاعِدَة إِلَّا كُلية (جزئيات موضوعها) أَي مَوْضُوع تِلْكَ الْقَاعِدَة وَهُوَ فِي الْمِثَال الْمَذْكُور كل اسْم فَاعل (أَلْفَاظ مَخْصُوصَة) كضارب وناصر وكل وَاحِد مِنْهُمَا مَوْضُوع لِمَعْنى مَخْصُوص (ولمعنى خَاص) مَعْطُوف على قَوْله لقاعدة: أَي الْغَرَض من الْقسم الثَّانِي من الْوَضع إِفَادَة معنى خَاص وضع اللَّفْظ بإزائه بِخِلَاف الأول، فَإِن الْغَرَض مِنْهُ إِفَادَة معَان كَثِيرَة بِأَلْفَاظ كَثِيرَة (وَهُوَ) أَي الْوَضع لمُعين خَاص (الْوَضع الشخصي، وَالْأول) أَي الْوَضع لقاعدة إِلَى آخِره الْوَضع (النوعي) لكَون كل من الْمَوْضُوع لَهُ فِيهِ مفهوما كليا ينْدَرج تَحْتَهُ أَفْرَاد كَثِيرَة بِخِلَاف الأول (وينقسم) النوعي (إِلَى مَا) أَي إِلَى وضع نَوْعي (يدل جزئي مَوْضُوع مُتَعَلقَة) قد عرفت أَن الْوَضع النوعي مُتَعَلقَة الْقَاعِدَة الْكُلية وَأَن لَهَا مَوْضُوعا، لِأَنَّهَا قَضِيَّة كُلية وَأَن لموضوعها جزئيات: أَي أفرادا هى أَلْفَاظ مَخْصُوصَة، فَإِن كَانَ جزئي مَوْضُوع مُتَعَلّقه دَالا (بِنَفسِهِ) فَهُوَ الْقسم الْمشَار إِلَيْهِ بقوله (وَهُوَ) مَا يدل إِلَى آخِره (وضع قَوَاعِد التراكيب) الْقَوَاعِد مُتَعَلقَة بالتراكيب كَقَوْلِه: وضعت هَذِه الْهَيْئَة التركيبية للنسبة الإسنادية، وَهَذِه للنسبة الإضافية إِلَى غير ذَلِك (والتصاريف) أَي وقواعد مُتَعَلقَة بالتصاريف، والتصريف تَحْويل مبدأ الِاشْتِقَاق إِلَى أَمْثِلَة مُخْتَلفَة كالفعل وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَغَيرهَا (و) إِلَى مَا يدل جزئي مَوْضُوع مُتَعَلّقه (بِالْقَرِينَةِ وَهُوَ) أَي مَا يَد بِالْقَرِينَةِ (وضع الْمجَاز كَقَوْل الْوَاضِع: كل مُفْرد

بَين مُسَمَّاهُ و) بَين (غَيره) من الْمعَانِي الْمُنَاسبَة لَهُ أَمر (مُشْتَرك) يَعْنِي علاقَة ذَات نِسْبَة إِلَى كل من الْمُسَمّى وَذَلِكَ الْغَيْر (اعتبرته) صفة لمشترك، ثمَّ فسر اعْتِبَاره لذَلِك الْمُشْتَرك بقوله (أَي استعملته) أَي الْفَرد (فِي الْغَيْر بِاعْتِبَارِهِ) أَي اسْتِعْمَاله فِي ذَلِك الْغَيْر بِاعْتِبَار ذَلِك الْمُشْتَرك الْمُوجب للمناسبة بَينهمَا (فَلِكُل) من النَّاس أَن يسْتَعْمل (ذَلِك) الْمُفْرد فِي ذَلِك الْغَيْر // بِاعْتِبَار الْمُشْتَرك بَينهمَا (مَعَ قرينَة) صارفة عَن الْمُسَمّى مُعينَة لذَلِك الْمَعْنى (وَلَفظ الْوَضع حَقِيقَة عرفية فِي كل من الْأَوَّلين) الشخصي والنوعي الدَّال جُزْء مَوْضُوع مُتَعَلّقه بِنَفسِهِ لتبادر كل مِنْهُمَا إِلَى الْفَهم من إِطْلَاق لفظ الْوَضع، توصيف الشخصي بالأولوية بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّالِث فَلَا يُنَافِي ثانويته فِي التَّقْسِيم الأول (مجَاز فِي الثَّالِث) النوعي الدَّال جزئي مَوْضُوع مُتَعَلّقه بِالْقَرِينَةِ (إِذْ لَا يفهم) من إِطْلَاق الْوَضع (بِدُونِ تَقْيِيده) أَي الْوَضع بالمجاز كَأَن يُقَال: وضع الْمجَاز (فَانْدفع) بِهَذَا التَّحْقِيق (مَا قيل) على حد الْحَقِيقَة، وقائله الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (أَن أُرِيد بِالْوَضْعِ) الْوَضع (الشخصي خرج من الْحَقِيقَة) كثير من الْحَقَائِق (كالمثنى والمصغر) وكل مَا تكون دلَالَته بِحَسب الْهَيْئَة لَا الْمَادَّة لِأَنَّهَا، مَوْضُوعَة بالنوع لَا بالشخص (أَو) أُرِيد بِهِ مُطلق الْوَضع (الْأَعَمّ) من الشخصي والنوعي (دخل الْمجَاز) فِي تَعْرِيف الْحَقِيقَة لِأَنَّهُ مَوْضُوع بالنوع وَحَاصِل الدّفع اخْتِيَار الشق الثَّالِث، وَهُوَ الْمَعْنى الْعرفِيّ الَّذِي يعم الْأَوَّلين: أَعنِي تعْيين اللَّفْظ للدلالة على الْمُسَمّى بِنَفسِهِ (وَظهر اقْتِضَاء الْمجَاز وضعين) وضعا (للفظ) لمسماه الَّذِي يسْتَعْمل فِيهِ حَقِيقَة (و) وضعا (لِمَعْنى نوع العلاقة) أَي لِمَعْنى بَينه وَبَين الْمُسَمّى نوع من العلاقة الْمُعْتَبرَة عِنْد أَرْبَاب الْعَرَبيَّة، والعلاقة بِكَسْر الْعين مَا ينْتَقل الذِّهْن بواسطته عَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِلَى الْمجَازِي، وَهِي فِي الأَصْل مَا يعلق الشَّيْء بِغَيْرِهِ، وَأما بِفَتْحِهَا فَهُوَ تعلق الْخصم بخصمه، والمحب بمحبوبه: كَذَا قيل، وَفِي الْقَامُوس العلاقة بِالْكَسْرِ: الْحبّ اللَّازِم للقلب، وبالفتح، الْمحبَّة وَنَحْوهَا، وبالكسر فِي السَّوْط وَنَحْوه (وَهِي) أَي العلاقة (بالاستقراء) خَمْسَة: (مشابهة صورية) بَين مَحل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز (كإنسان للمنقوش) أَي كمشابهة الْإِنْسَان للصورة المنقوشة فِي الْجِدَار وَغَيره (أَو) مشابهة بَينهمَا (فِي معنى مَشْهُور) أَي صفة غير الشكل ظَاهِرَة الثُّبُوت بِمحل الْحَقِيقَة، لَهَا بِهِ مزِيد اخْتِصَاص وشهرة لينتقل الذِّهْن عِنْد إِطْلَاق اللَّفْظ من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِلَى تِلْكَ الصّفة فِي الْجُمْلَة: فيفهم الْمَعْنى الْمجَازِي بِاعْتِبَار ثُبُوت الصّفة لَهُ (كالشجاعة للأسد) فَإِنَّهَا صفة مَشْهُورَة لَهُ (بِخِلَاف البخر) فَإِنَّهُ غير مَشْهُور بِهِ فَلَا يَصح إِطْلَاق الْأسد على الرجل الأبخر للاشتراك فِي البخر (ويخص) هَذَا النَّوْع من الْمجَاز (بالاستعارة) أَي باسم الِاسْتِعَارَة (فِي عرف) لأهل علم الْبَيَان وَإِن كَانَ كل مجَاز فِيهِ اسْتِعَارَة للفظ من مَحَله الْأَصْلِيّ بِحَسب اللُّغَة بِخِلَاف

ذِي اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيمَا شبه بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ لعلاقة المشابهة: وَكَثِيرًا مَا يُطلق على اسْتِعْمَال الْمُشبه بِهِ فِي الْمُشبه، وَمَا عدا هَذَا النَّوْع يُسمى مجَازًا مُرْسلا (والكون) عَلَيْهِ أَي (كَون) الْمَعْنى (الْمجَازِي سَابِقًا) أَي فِي زمَان سَابق متلبسا (بالحقيقي) أَي بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيّ بِنَاء (على اعْتِبَار الحكم) وَإِن لم يكن كَذَلِك بِنَاء على اعْتِبَار حَال الْمُتَكَلّم (كآتوا الْيَتَامَى) أَمْوَالهم، فَإِنَّهُم موصوفون باليتم حَال الْخطاب بِهَذَا الْكَلَام، لكِنهمْ لَيْسُوا بموصوفين بِهِ حَال تعلق الإيتاء بهم: بل هم بالغون راشدون عِنْد ذَلِك، فَالْمُعْتَبر فِي اسْتِعْمَال اللَّفْظ حَال الحكم لِأَنَّهُ لم يذكر إِلَّا ليثبت الحكم لمعناه، فَالْمَعْنى الْمجَازِي لِلْيَتَامَى نظرا إِلَى اعْتِبَار الحكم الْمبلغ، وَقد كَانُوا متلبسين بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيّ وَهُوَ الْيُتْم قبل زمَان الحكم بالإيتاء، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله سَابِقًا خبر الْكَوْن، وَقَوله بالحقيقي حَالا، وعَلى اعْتِبَار الحكم صلَة لسابقا (وَالْأول) أَي كَون الْمَعْنى الْمجَازِي (آيلا إِلَيْهِ) أَي إِلَى الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ (بعده) أَي بعد اعْتِبَار الحكم (وَإِن كَانَ) أَي تحقق الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ حَال التَّكَلُّم) بِالْجُمْلَةِ الْمُشْتَملَة على هَذَا الْمجَاز (كقتلت قَتِيلا، وَإِنَّمَا لم يكن) هَذَا (حَقِيقَة لِأَن المُرَاد) قتلت (حبا) يصير قَتِيلا بعد الْقَتْل، فَكَانَ مجَازًا بِاعْتِبَار أَوله بعد الْقَتْل إِلَى الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، ثمَّ ظَاهر هَذَا الْكَلَام أَنه لَا بُد من الصيرورة إِلَيْهِ فَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّد توهمها، وَبِه جزم كثير. وَقَالَ بَعضهم يَكْفِي توهمها، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَكفى) فِي مجَاز الأول (توهمه) أَي الأول إِلَيْهِ (وَإِن لم يكن) أَي وَإِن لم يتَحَقَّق الأول إِلَيْهِ (كعصرت خمرًا فأريقت فِي الْحَال، وَكَونه) أَي الْحَقِيقِيّ الَّذِي يؤول إِلَيْهِ ثَانِيًا (لَهُ) أَي للمعنى الْمجَازِي ثبوتا (بِالْقُوَّةِ) حَاصله (الاستعداد) أَي كَون الْمَعْنى الْمجَازِي مستعدا لحُصُول الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَهُ (فيساوي) هَذَا الْكَوْن الْمعِين بالاستعداد (الأول على) سَبِيل (التَّوَهُّم) على قَول من يَكْتَفِي بِهِ، إِذْ لَا يلْزم من مُجَرّد الاستعداد الْحُصُول والمناقشة بِأَن توهم إتصاف الشَّيْء بالشَّيْء لَا يسْتَلْزم استعداده فِي نفس الْأَمر لَا يلائم هَذَا الْمقَام (وعَلى اعْتِبَار حَقِيقَة الْحُصُول لَا) يُسَاوِي الاستعداد الأول: بل الاستعداد أَعم (فَهُوَ) أَي اعْتِبَار تحقق الصيرورة إِلَيْهِ فِي الأول (أولى) لِأَنَّهُ من العلاقات وَالْأَصْل فِيهَا عدم الِاتِّحَاد (وَيصرف الْمِثَال) أَي عصرت خمرًا فأريقت فِي الْحَال (للاستعداد) لَا للْأولِ لوُجُود التَّوَهُّم فِيهِ، دون التحقق (والمجاورة) وَهَذِه هِيَ العلاقة الْخَامِسَة (وَمِنْهَا) أَي من الْمُجَاورَة (الْجُزْئِيَّة للمنتفى عرفا بانتفائه) أَي كَون الشَّيْء جُزْءا للشَّيْء الَّذِي يَنْتَفِي عرفا بِانْتِفَاء ذَلِك الْجُزْء، وَإِنَّمَا قَالَ عرفا، لِأَن انْتِفَاء الْمركب من الشَّيْء وَغَيره بِانْتِفَاء ذَلِك الشَّيْء ضرورى غير أَنه لَا يُقَال عرفا بِانْتِفَاء بعض الْأَجْزَاء انْتَفَى ذَلِك الشئ كَمَا إِذا انْتَفَى ظفر زيد مثلا لَا يُقَال انْتَفَى زيد عرفا (كالرقبة) فَإِنَّهَا جُزْء للذات وَهِي تَنْتفِي بانتفائها، فَيجوز ذكرهَا وَإِرَادَة

الذَّات كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فَتَحْرِير رَقَبَة} - (لَا الظفر) أَي وَلَيْسَ الظفر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذَّات كَذَلِك لما ذكر فَلَا يَصح إِطْلَاقه عَلَيْهَا (بِخِلَاف) اسْتِعْمَال (الْكل فِي الْجُزْء) فَإِنَّهُ يَصح مُطلقًا، وَلَا يشْتَرط فِيهِ أَن يكون الْجُزْء بِهَذِهِ المثابة (وَمِنْه) أَي من إِطْلَاق اسْم الْكل على الْجُزْء (الْعَام لفرده) أَي ذكر الْعَام لإِرَادَة فَرد مِنْهُ كَقَوْلِه تَعَالَى {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس} بِنَاء على أَن المُرَاد بِالنَّاسِ نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ كَمَا ذكره ابْن عبد الْبر عَن طَائِفَة من الْمُفَسّرين وَابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَجزم بِهِ السُّهيْلي، وَمَا قيل من أَنه من بَاب الْكُلِّي والجزئي لَا من بَاب الْكل والجزء مَدْفُوع بِمَا ذكر فِي أول مبَاحث الْعَام (و) مِنْهُ (قلبه) أَي إِطْلَاق فَرد من الْعَام على الْعَام نَحْو (علمت نفس) فَإِن المُرَاد كل نفس (والذهنية) أَي وَمن الْمُجَاورَة الْمُجَاورَة الْجُزْئِيَّة الذهنية (كالمقيد على الْمُطلق كالمشفر) بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ شفة الْبَعِير (على الشّفة مُطلقًا ولاجتماع الاعتبارين) التَّشْبِيه والمجاورة الذهنية من حَيْثُ الْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد (صَحَّ) إِطْلَاق المشفر على شفة الْإِنْسَان (اسْتِعَارَة) إِذا قصد تشبيهها بمشفر الْإِبِل فِي الْغَلَط كَمَا صَحَّ أَن يكون مجَازًا مُرْسلا من بَاب إِطْلَاق الْمُقَيد على الْمُطلق (وَقَلبه) أَي إِطْلَاق الْمُطلق على الْمُقَيد (وَالْمرَاد أَن يُرَاد خُصُوص الشَّخْص) كزيد (باسم الْمُطلق) كَرجل (وَهُوَ) أَي القَوْل بِأَن هَذَا مجَاز لبَعض الْمُتَأَخِّرين (مستحدث، والغلط) فِيهِ جَاءَ (من ظن) أَن المُرَاد بِوُقُوع (الِاسْتِعْمَال فِيمَا وضع لَهُ) وُقُوعه (فِي نفس الْمُسَمّى) الْكُلِّي (لَا) فِي (أَفْرَاده) فاستعماله فِي فَرد الْمُسَمّى من حَيْثُ الخصوصية الشخصية اسْتِعْمَال فِيمَا وضع لَهُ مَعَ زِيَادَة أَمر آخر، وَهُوَ الشَّخْص والمركب مِمَّا وضع لَهُ وَغَيره مُغَاير لما وضع لَهُ، فَيكون مجَازًا (ويلزمهم أَن أَنا) حَال كَونه صادرا (من مُتَكَلم خَاص وَهَذَا) حَال كَونه مُشْتَمِلًا (لمُعين مجَاز) خبر أَن، لِأَن كلا مِنْهُمَا مَوْضُوع لِمَعْنى كلي فاستعماله فِي جُزْء من حَيْثُ إِنَّه جُزْء اسْتِعْمَال فِي غير مَا وضع لَهُ، وعَلى هَذَا رَأْي الْمُتَقَدِّمين وَأما على رَأْي الْمُتَأَخِّرين فَهُوَ مَوْضُوع لكل وَاحِد من خصوصيات الْمَفْهُوم الْكُلِّي فالوضع عَام لكَون آلَة مُلَاحظَة الْأَشْخَاص مفهوما عَاما، والموضوع لَهُ خَاص على مَا حقق فِي مَوْضِعه (وَكثير) مَعْطُوف على مَحل اسْم أَن الْمُتَقَدّم الْمَبْنِيّ، وَذَلِكَ كَسَائِر الْمُضْمرَات والموصولات (والاتفاق) أَي اتِّفَاق الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين (على نَفْيه) أَي نفي كَون اسْتِعْمَال الْمَذْكُورَات فِي الخصوصيات مجَازًا، أما فِي المبهمات على رَأْي الْمُتَأَخِّرين فَظَاهر، وَأما على رَأْي غَيرهم فَلَمَّا سيشير إِلَيْهِ بقوله (فَإِنَّمَا هُوَ) أَي اسْتِعْمَال الْمُطلق فِي فَرد مِنْهُ (حَقِيقَة كَمَا ذكرنَا أول الْبَحْث، و) من الْمُجَاورَة (كَونهمَا) أَي الْحَقِيقِيّ والمجازي (عرضين فِي مَحل) وَاحِد (كالحياة للْعلم) أَي المستعملة فِي الْعلم بِهَذِهِ العلاقة (أَو) كَونهمَا عرضين (فِي محلين متشابهين ككلام السُّلْطَان) الْمُسْتَعْمل (لكَلَام

وزيره) فَإِن مَحل الْكَلَامَيْنِ وَإِن لم يَكُونَا متحدين: لكنهما متشابهان فِي نَفاذ الحكم وَغَيره (أَو) كَونهمَا (جسمين فيهمَا) أَي فِي محلين متشابهين (كالرواية للمزادة) وَهِي فِي الأَصْل اسْم للبعير الَّذِي يحمل المزادة: أَي المزود الَّذِي يَجْعَل فِيهِ الزَّاد: أَي الطَّعَام للسَّفر كَذَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ. وَقَالَ السَّيِّد الشريف: والمزادة ظرف المَاء يستقى بِهِ على الدَّابَّة الَّتِي تسمى راوية. قَالَ أَبُو عبيد: لَا تكون المزادة إِلَّا من جلدين تفأم بجلد ثَالِث بَينهمَا لتتسع وَجَمعهَا المزاود والمزايد، وَأما الظّرْف الَّذِي يَجْعَل فِيهِ الزَّاد فَهُوَ المزود وَجمعه المزاود (وكونهما) أَي الْحَقِيقِيّ والمجازي (متلازمين ذهنا) بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ (كالسبب للمسبب) نَحْو: رعينا الْغَيْث مرَادا بِهِ النَّبَات الَّذِي سَببه الْغَيْث (وَقَلبه) أَي إِطْلَاق اسْم الْمُسَبّب على السَّبَب (وَشَرطه) أَي شَرط قلبه (عِنْد الْحَنَفِيَّة الِاخْتِصَاص) أَي اخْتِصَاص الْمُسَبّب بِالسَّبَبِ (كإطلاق الْمَوْت على الْمَرَض) المهلك (والنبت على الْغَيْث) والاختصاص بِحَسب الْأَغْلَب، فَلَا يرد أَن الْمَوْت قد يَقع بِدُونِ الْمَرَض والنبت قد ينْبت بِدُونِ الْغَيْث (والملزوم على اللَّازِم كنطقت الْحَال) أَي دلّت فَإِن النُّطْق ملزوم الدَّالَّة وَقَلبه كشد الْإِزَار الاعتزال النِّسَاء كَقَوْلِه: (قوم إِذا حَاربُوا شدو مآزرهم ... دون النِّسَاء وَلَو باتت باطهار) (أَو) متلازمين (خَارِجا: كالغائط على الفضلات) لِأَن الْغَائِط وَهُوَ الْمَكَان المنخفض من الأَرْض مِمَّا يقْصد عَادَة لإزالتها (وَهُوَ) أَي إِطْلَاق الْغَائِط عَلَيْهَا (الْمحل) أَي إِطْلَاق الْمحل (على الْحَال، وَقَلبه) أَي الْحَال على الْمحل كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَأما الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم فَفِي رَحْمَة الله} - الَّتِي هِيَ الْجنَّة الَّتِي تحل فِيهَا الرَّحْمَة (وأدرج فِي) التجاور (الذهْنِي أحد المتقابلين فِي الآخر) فَإِن بَينهمَا مجاورة فِي الْجنان، حَتَّى أَن الذِّهْن ينْتَقل من مُلَاحظَة السوَاد مثلا إِلَى الْبيَاض (وَمنع) الإدراج الْمَذْكُور (بامتناع إِطْلَاق الْأَب على الابْن) مَعَ أَن بَينهمَا تقَابل التضايف ومجاورة فِي الْوُجُود ذهنا وخارجا (وَإِنَّمَا هُوَ) أَي إِطْلَاق أحد المتقابلين على الآخر (من قبيل الِاسْتِعَارَة بتنزيل التضاد منزلَة التناسب لتمليح) أَي إتْيَان بِمَا فِيهِ ملاحة وظرافة (أَو تهكم) أَي سخرية واستهزاء (أَو تفاؤل كالشجاع على الجبان) فَإِنَّهُ إِن كَانَ الْغَرَض مِنْهُ مُجَرّد الملاحة، لَا السخرية فتمليح، وَإِلَّا فتهكم (والبصير على الْأَعْمَى) وَهُوَ صَالح للْكُلّ، وَالْفرق بَينهمَا بِحَسب الْمقَام (أَو) متلازمين (لفظا) بِمَعْنى إِذا ذكر الْمَوْضُوع لَهُ معبرا عَنهُ باسمه ذكر الْمَعْنى الْمجَازِي معبرا عَنهُ باسم الْمَوْضُوع لَهُ غَالِبا على سَبِيل المشاكلة، فَيكون بَين اللَّفْظَيْنِ تلازم والتغاير بَينهمَا اعتباري بِاعْتِبَار الْمُسْتَعْمل فِيهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة} أطلق السَّيئَة على الْجَزَاء مَعَ أَنه حسن لوُقُوعه فِي صحبتهَا، وَقد يُقَال إِنَّمَا سمى جزاؤها سَيِّئَة لِأَنَّهُ يسوء من ينزل بِهِ، فعلى

هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ (وَمَا ذكر من) كَون (الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان من العلاقة مُنْتَفٍ) لما مر من أَنه حَقِيقَة (وَالْمجَاز) أَي إِطْلَاق لفظ الْمجَاز (فِي متعلقهما) أَي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان (مجَاز) لعدم اسْتِعْمَاله فِي غير مَا وضع لَهُ، والعلاقة المشابهة فِي التَّعَدِّي من أَمر أُصَلِّي إِلَى غير أُصَلِّي (ويجمعها) أَي العلاقات (قَول فَخر الْإِسْلَام اتِّصَال) بَينهمَا (صُورَة أَو معنى) لِأَن كل مَوْجُود لَهُ صُورَة وَمعنى، لَا ثَالِث لَهما والعلاقة اتِّصَال: وَهُوَ إِمَّا بَين الصُّورَتَيْنِ وَإِمَّا بَين الْمَعْنيين (زَاد) فَخر الْإِسْلَام فِي نُسْخَة (فِي الصورى) أَي قَالَ بعد قَوْله اتِّصَال صُورَة (لَا تدخله شُبْهَة الِاتِّحَاد) بَين طرفِي الِاتِّصَال (فَانْدفع) بِهَذَا (لُزُوم إِطْلَاق بعض الْأَعْضَاء على بعض) فَإِن الِاتِّصَال بَينهمَا تدخله شُبْهَة الِاتِّحَاد بِاعْتِبَار الصُّورَة الاجتماعية، حَتَّى يُقَال للمجموع شخص وَاحِد (وَلم يحققوا علاقَة التغليب). قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَأما بَيَان مجازية التغليب والعلاقة فِيهِ وَأَنه من أَي أَنْوَاعه فَمَا لم أر أحدا حام حوله (ولعلها) أَي العلاقة (فِي العمرين) لأبي بكر وَعمر (المشابهة سيرة) فِيمَا يتَعَلَّق بخلافة النُّبُوَّة (وخصوص الْمُغَلب) أَي تعْيين كَون الْمُغَلب اسْم عمر مَعَ أَن العلاقة الْمَذْكُورَة لَا تعين أحد الاسمين بِخُصُوصِهِ للتغليب (للخفة) فَإِن لفظ عمر أخف من لفظ أبي بكر (وَهُوَ) أَي تَغْلِيب لفظ عمر على لفظ أبي بكر (عكس التَّشْبِيه) فَإِن شَأْن التَّشْبِيه أَن يُغير اسْم مَا هُوَ أَعلَى فِي وَجه التَّشَبُّه عَمَّا هُوَ أدنى فِيهِ (و) العلاقة (فِي القمرين الإضاءة، وَالْخُصُوص) أَي وخصوص الْمُغَلب وَهُوَ تَخْصِيص لفظ الْقَمَر، فَإِن كَانَ لفظ الْقَمَر أخف (للتذكير) فَإِن الْقَمَر مُذَكّر وَالشَّمْس مؤنث (منكوسا) أَي معكوسا بِالنّظرِ إِلَى التَّشْبِيه فَإِن الشَّمْس هِيَ الْمُشبه بِهِ (وَأما الخافقان فَلَا تَغْلِيب) فِيهِ بِنَاء (على أَنه) أَي الخافق مَوْضُوع (للضدين وَقد نقل) كَونه لَهما. قَالَ ابْن السّكيت: الخافقان أفقا الْمشرق وَالْمغْرب لِأَن اللَّيْل وَالنَّهَار يخفقان فيهمَا: أَي يضطربان وَهُوَ معنى مَا قيل هما الهوا آن المحيطان بجانبي الأَرْض جَمِيعًا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هما طرفا السَّمَاء وَالْأَرْض، وَأما من جعل الخافق حَقِيقَة فِي الْمغرب، من خَفَقت النُّجُوم إِذا غَابَتْ، لِأَنَّهُ تحقق مِنْهُ الْكَوَاكِب تلمع فقد غلب أَحدهمَا على الآخر. (تَنْبِيه: يُقَال) أَي يُطلق (الْحَقِيقَة وَالْمجَاز على غير الْمُفْرد بالاشتراك الْعرفِيّ، فعلى الْإِسْنَاد) أَي فَيُقَال عَلَيْهِ (عِنْد قوم) كصاحب التَّلْخِيص (وعَلى الْكَلَام على) اصْطِلَاح (الْأَكْثَر) مِنْهُم الشَّيْخ عبد القاهر والسكاكي (وَهُوَ) أَي إطلاقهما على الْكَلَام (أقرب) من إطلاقهما على الْإِسْنَاد، وَيَأْتِي وَجهه (فالحقيقة الْجُمْلَة الَّتِي أسْند فِيهَا الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ) من الْمصدر وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَالصّفة المشبهة، وَاسم التَّفْضِيل والظرف (إِلَى مَا) أَي شَيْء (هُوَ) أَي الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ (لَهُ) أَي لذَلِك الشَّيْء: كالفاعل فِيمَا بني لَهُ وَالْمَفْعُول فِيمَا بني لَهُ، وَمعنى كَونه أَن يكون

مَعْنَاهُ قَائِما بِهِ ووصفا لَهُ وَحقه أَن يسند إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ بِاخْتِيَارِهِ كضرب أَولا كمات (عِنْد الْمُتَكَلّم) مُتَعَلق لَهُ: أَي فِي اعْتِقَاده وَزَادُوا على هَذَا قيد فِي الظَّاهِر ليدْخل فِيهِ مَا يفهم من كَلَام ظَاهر كَلَامه أَي اعْتِقَاده أَنه لَهُ، وَلَيْسَ فِي نفس الْأَمر اعْتِقَاده كَذَلِك كَمَا دخل بقوله عِنْد الْمُتَكَلّم مَا لَيْسَ لَهُ فِي نفس الْأَمر، لكنه لَهُ عِنْد الْمُتَكَلّم، وَعند المُصَنّف رَحمَه الله أَنه لَا حَاجَة إِلَى زِيَادَة هَذَا الْقَيْد وَلذَا قَالَ (وَلَا حَاجَة إِلَيّ فِي الظَّاهِر لِأَن الْمُعَرّف) على صِيغَة الْمَجْهُول (الْحَقِيقَة فِي نَفسهَا) يَعْنِي الْمَذْكُور فِي التَّعْرِيف بِدُونِ قيد فِي الظَّاهِر كَاف فِي تَصْوِير مَاهِيَّة الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ، وَإِنَّمَا الْحَاجة إِلَى الْقَيْد الْمَذْكُور فِي الحكم بِأَن الْإِسْنَاد الَّذِي دلّ عَلَيْهِ كَلَام الْمُتَكَلّم هَل هُوَ مُعْتَقد الْمُتَكَلّم ليتَحَقَّق هُنَاكَ فَرد من الْحَقِيقَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (ثمَّ الحكم بوجودها) أَي الْحَقِيقَة (بدليله) أَي الْوُجُود فشيء آخر (غير ذَلِك) أَي غير الْحَقِيقَة فِي نَفسهَا، وَيلْزم من هَذَا أَنه إِذا ظهر لنا من ظَاهر حَال الْمُتَكَلّم أَن الْفِعْل لهَذَا الْفَاعِل فِي اعْتِقَاده وَلَيْسَ كَذَلِك فِي نفس الْأَمر لم يتَحَقَّق هُنَاكَ فَرد الْحَقِيقَة فِي نفس الْأَمر، وَإِن كَانَ فِي ظننا أَنه تحقق ويلتزمه المُصَنّف رَحمَه الله، لكنه بَقِي شَيْء: وَهُوَ أَن نَحْو زيد إِنْسَان جسم خَارج، مَعَ أَن ظَاهر كَلَام الشَّيْخ عبد القاهر والسكاكي أَنه حَقِيقَة لَا تدخل فِي التَّعْرِيف، وَذهب صَاحب التَّلْخِيص إِلَى أَنه لَيْسَ بِحَقِيقَة وَلَا مجَاز (وَالْمجَاز) الْجُمْلَة الَّتِي أسْند فِيهَا الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ (إِلَى غَيره) أَي غير مَا هُوَ لَهُ عِنْد الْمُتَكَلّم (لمشابهة الملابسة) بَين الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ، وَبَين غير مَا هُوَ لَهُ: يَعْنِي ينزل غير مَا هُوَ لَهُ فِي مَوضِع مَا هُوَ لَهُ لِكَوْنِهِمَا متشاركين فِي معنى الملابسة: يَعْنِي كَمَا أَن الْفِعْل أَو مَا فِي مَعْنَاهُ ملابس لما هُوَ لَهُ كَذَلِك ملابس لذَلِك الْغَيْر (أَو الْإِسْنَاد كَذَلِك) مَعْطُوف على قَوْله الْجُمْلَة الخ: أَي الْحَقِيقَة أما أَن تفسر بِالْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَة، وَإِمَّا أَن تفسر بِإِسْنَاد الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ إِلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْد الْمُتَكَلّم، وعَلى هَذَا الْقيَاس تَعْرِيف الْمجَاز (وَالْأَحْسَن فيهمَا) أَي فِي تعريفي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز أَن يُقَال (مركب) نسب فِيهِ أَمر إِلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْد المتكل، أَو إِلَى غير مَا هُوَ لَهُ عِنْده لمشابهة الملابسة (وَنسبَة ليدْخل) الْمركب (الإضافي) فِي نَحْو (إنبات الرّبيع) فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي تعريفهم لعدم الْإِسْنَاد فِيهِ، وَمِنْه - شقَاق بَينهمَا} - ومكر اللَّيْل وَالنَّهَار، وَذَلِكَ لشمُول النِّسْبَة التَّامَّة وَغير التَّامَّة بِخِلَاف الْإِسْنَاد، وَإِنَّمَا قَالَ الْأَحْسَن، لجَوَاز سهل الْإِسْنَاد على الْمَعْنى الْأَعَمّ وَإِن كَانَ خلاف الظَّاهِر، وَأَيْضًا لَا مساحة فِي الِاصْطِلَاح، وَزَاد السكاكي فِي تَعْرِيف الْمجَاز قَوْله بِضَرْب من التَّأْوِيل لِئَلَّا ينْتَقض بِمَا إِذا قصد الْمُتَكَلّم صُدُور الْكَذِب عَنهُ فيسند إِلَى غير مَا هُوَ لَهُ عِنْده من غير مُلَاحظَة الملابسة الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُ لَيْسَ بمجاز، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله أخرجه بقوله لمشابهته الملابسة وَلَا يخفى أَنه غير دَاخل فِي الْحَقِيقَة أَيْضا فَيبقى وَاسِطَة بَينهمَا (ويسميان) أَي هَذِه الْحَقِيقَة وَهَذَا الْمجَاز (عقليين) لِأَن

الْحَاكِم بِأَنَّهُ ثَابت فِي مَحَله أَو مجَاز عَنهُ إِنَّمَا هُوَ الْعقل لَا الْوَضع كَمَا فِي اللغوين (وَوجه الأقربية) أَي أقربية إِطْلَاق الْحَقِيقَة وَالْمجَاز على الْكَلَام من إطلاقهما على الْإِسْنَاد (اسْتِقْرَار أَنه) أَي الْوَصْف بهما (للفظ) يَعْنِي قد اسْتَقر فِي الأذهان أَنَّهُمَا من أَوْصَاف اللَّفْظ (والمركب) بِاعْتِبَار هَيئته النوعية (مَوْضُوع للتركيبي) أَي للمعنى التركيبي وضعا (نوعيا) لِأَن الْمَوْضُوع والموضوع لَهُ لَو حظا فِي هَذَا الْوَضع: يَعْنِي أَنه كلي (بدل أَفْرَاده) يَعْنِي أَن الْمركب الْمَذْكُور كلي، وكل مركب خَاص فَرد من أَفْرَاده وَكَذَلِكَ الْمَعْنى التركيبي، وَالْمَقْصُود وضع كل مركب خَاص بِإِزَاءِ معنى تركيبي خَاص، وتفصيل هَذِه الأوضاع غير مُمكن، فَجعل آلَة مُلَاحظَة الخصوصيات عنوان الْمركب الْكُلِّي وَآلَة مُلَاحظَة الْمعَانِي التركيبية عنوانا آخر مثله، فوضعوا ذَلِك لأفراد هَذَا دفْعَة وَاحِدَة، فَصَارَ هَذَا الْوَضع الْكُلِّي الإجمالي بدل وضع الْأَفْرَاد للإفراد تَفْصِيلًا (بِلَا قرينَة) مُتَعَلق بِالْوَضْعِ الْمَذْكُور: أَي وضع الْمركب الْمَذْكُور للدلالة على الْمَعْنى التركيبي بِنَفسِهِ بِلَا قرينَة، وَفِي نُسْخَة الشَّارِح تدل إِفْرَاده بِلَا قرينَة من الدّلَالَة وَهُوَ الأوفق بِمَا سبق، فالمجاز مُتَعَلق بِالدّلَالَةِ (فَهِيَ) أَي تِلْكَ المركبات من المستعملة فِيمَا وضعت لَهَا بِلَا قرينَة (حقائق فَإِذا اسْتعْمل) الْمركب (فِيمَا) أَي فِي معنى غير مَا وضع لَهُ حَال كَونه متلبسا (بهَا) أَي بِالْقَرِينَةِ (فمجاز) أَي فَذَلِك الْمركب مجَاز (و) يُسمى (الْأَوَّلَانِ) أَي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي الْمُفْرد (لغويين تعميما للغة فِي الْعرف) بِأَن يُرَاد بهَا معنى عَام يتَحَقَّق فِي عرف أَرْبَاب الْعَرَبيَّة وَغَيرهم أَو الْمَعْنى أَن التَّعْمِيم إِنَّمَا هُوَ فِي الْعرف (وتوصف النِّسْبَة بهما) أَي بِالْحَقِيقَةِ وَالْمجَاز فَيُقَال: نِسْبَة حَقِيقَة وَنسبَة مجَاز (وتنسب) النِّسْبَة إِلَيْهِمَا، فَيُقَال نِسْبَة حَقِيقِيَّة وَنسبَة مجازية (لنسبتها) أَي لأجل نِسْبَة النِّسْبَة (إِلَى الْحَقِيقَة وَالْمجَاز) لَا يظْهر وَجه لوضع الْمظهر مَوضِع الْمُضمر إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد بهما هَهُنَا غير مَا أُرِيد بهما أَولا: أَي الثَّابِت فِي مَحَله والمجاوز عَنهُ فَيكون نِسْبَة النِّسْبَة إِلَيْهِمَا من قبيل نِسْبَة الْأَخَص إِلَى الْأَعَمّ (واستبعاده) قَالَ الشَّارِح: أَي الْمجَاز الْعقلِيّ والأولي: أَي وصف النِّسْبَة بهما (باتحاد جِهَة الْإِسْنَاد) كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب من أَنه لَيْسَ للإسناد جهتان: جِهَة الْحَقِيقَة، وجهة الْمجَاز كالأسد، وَالْمجَاز لَا يتَحَقَّق إِلَّا عِنْد اخْتِلَاف الْجِهَتَيْنِ، وَفِي الشَّرْح العضدي: فَإِن قلت فقد قَالَ عبد القاهر فِي نَحْو أحياني اكتحالي بطلعتك: أَن الْمجَاز فِي الْإِسْنَاد فَإِن موجد الشرور هُوَ الله قُلْنَا هَذَا بعيد لِاتِّحَاد جِهَة الْإِسْنَاد، فَإِنَّهُ لَا فرق فِي اللُّغَة بَين قَوْلك سرني رؤيتك، وَمَات زيد وَضرب عَمْرو، فَإِن جِهَة الْإِسْنَاد وَاحِدَة لَا يخْطر بالبال عِنْد الِاسْتِعْمَال غَيرهَا. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَة عَلَيْهِ فِي منع كَون أَمْثَال هَذِه الصُّور من قبيل الْمجَاز إِلَّا بِاعْتِبَار الْمُفْردَات، وَهَذَا حق فِي مثل: شابت لمة اللَّيْل، لِأَن اللمة مجَاز عَن سَواد أَجزَاء اللَّيْل، والشيب الْبيَاض فِيهِ

بِخِلَاف قَامَت الْحَرْب على سَاق، فَإِنَّهُ تَمْثِيل لحَال الْحَرْب بِحَال من يقوم على سَاقه لَا يقْعد وَلَا مجَاز فِي شَيْء من مفرداته وَبِالْجُمْلَةِ المركبات مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا التركيبة وضعا نوعيا بِحَيْثُ يدل عَلَيْهَا بِلَا قرينَة، فَإِن اسْتعْملت فِيهَا فحقائق وَإِلَّا فمجازات، وَهَذَا غير الْإِسْنَاد الْمجَازِي الَّذِي يَقُول بِهِ عبد القاهر وَمن تبعه من الْمُحَقِّقين، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْء من اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ، بل مَعْنَاهُ أَن حق الْفِعْل بِحكم الْعقل أَن يسند إِلَى مَا هُوَ لَهُ فإسناده إِلَى غير مَا هُوَ لَهُ مجَاز عَقْلِي واتحاد جِهَة الْإِسْنَاد بِحَسب الْوَضع، واللغة لَا يُنَافِي ذَلِك وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ اتِّحَاد جِهَته بِحَسب الْعقل وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى مَا هُوَ متصف بِهِ محلا لَهُ فِي الْمَبْنِيّ للْفَاعِل ومتعلقا لَهُ فِي الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول فَمَا يَقْتَضِيهِ الْعقل ويرتضيه، وَفِي غير ذَلِك مِمَّا يأباه إِلَّا بِتَأْوِيل، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق وَالَّذِي يزِيل الْوَهم بِالْكُلِّيَّةِ أَن يَجْعَل الْفِعْل مجَازًا وضعيا عَمَّا يَصح عِنْد الْعقل إِسْنَاده إِلَى الْفَاعِل الْمَذْكُور: وَهُوَ التَّسَبُّب العادي فَيكون أنبت مجَازًا عَن تسبب فِي الإنبات، وَصَامَ عَن تسبب فِي الصَّوْم إِلَى غير ذَلِك، وَهَذَا مُشكل فِيمَا أسْند إِلَى الْمصدر مثل جد جده، وَبِالْجُمْلَةِ كَلَام المُصَنّف فِي هَذَا الْمقَام يدل على قصر بَاعه فِي علم الْبَيَان انْتهى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بعيد إِذْ لَا يمْنَع اتحاده) أَي الْإِسْنَاد (بِحَسب الْوَضع) اللّغَوِيّ (انقسامه) أَي الْإِسْنَاد (عقلا إِلَى مَا هُوَ للمسند إِلَيْهِ) فَيكون حَقِيقَة (و) إِلَى (مَا لَيْسَ لَهُ) أَي للمسند إِلَيْهِ فَيكون مجَازًا (ثمَّ) لَا يمْنَع (وضع الِاصْطِلَاح) كَذَلِك بِأَن يُسمى الْإِسْنَاد إِلَى مَا هُوَ لَهُ حَقِيقَة، وَإِلَى غير مَا هُوَ لَهُ مجَازًا (والطرفان أَي الْمسند والمسند إِلَيْهِ، أَو الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ فِي الْمجَاز الْعقلِيّ (حقيقان كأشاب الصَّغِير الْبَيْت) أَي وأفنى الْكَبِير كرّ الْغَدَاة وَمر العشى، فَإِن كلا من الإشابة والإفناء مُسْتَعْمل فِي حَقِيقَته (أَو مجازان كأحياني اكتحالي بطلعتك) فَإِن المُرَاد بِالْإِحْيَاءِ: السرُور وبالاكتحال الرُّؤْيَة (أَو أَحدهمَا) نَحْو أَحْيَا الرّبيع الأَرْض، فَإِن المُرَاد بِالْإِحْيَاءِ الْمَعْنى الْمجَازِي وَهُوَ تهييج القوى النامية فِيهَا وأحداث نضارتها بالنبات كَمَا أَن الْحَيَاة صفة تَقْتَضِي الْحس وَالْحَرَكَة وبالربيع حَقِيقَته وكسا الْبَحْر الْفَيَّاض الْكَعْبَة: يَعْنِي الشَّخْص الْجواد وكسا مُسْتَعْمل فِي حَقِيقَته (وَقد يرد) الْمجَاز الْعقلِيّ (إِلَى التَّجَوُّز بالمسند) حَال كَونه مُسْتَعْملا (فِيمَا تصح نسبته) إِلَى الْمسند إِلَيْهِ بِقَرِينَة صارفة عَن كَونه مُسْندًا إِلَى مَا هُوَ لَهُ وقرينة مُعينَة لما اسْتعْمل فِيهِ مَا يَصح إِسْنَاده إِلَى الْفَاعِل الْمَذْكُور لكَونه وَصفا لَهُ أَو مُتَعَلقا بِهِ فِي نفس الْأَمر، والراد هُوَ ابْن الْحَاجِب (وَإِلَى كَون الْمسند إِلَيْهِ اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ) مَعْطُوف على قَوْله إِلَى التَّجَوُّز، وَالتَّقْدِير وَقد يرد الْمجَاز الْعقلِيّ إِلَى كَون الْمسند إِلَيْهِ اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ على مَا هُوَ مصطلح السكاكي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (كالسكاكي) أَي كرد السكاكي (وَلَيْسَ) الرَّد إِلَى كَونه اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ على اصْطِلَاحه مغنيا) عَن الرَّاد شَيْئا فِيمَا هُوَ

بصدده من رد الْإِسْنَاد الْمجَازِي إِلَى الْحَقِيقِيّ (لِأَنَّهَا) أَي الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ عَن رَأْيه (إِرَادَة الْمُشبه بِهِ بِلَفْظ الْمُشبه) فِيهِ مُسَامَحَة، وَالْمرَاد لفظ الْمُشبه المُرَاد بِهِ الْمُشبه بِهِ (بادعائه) أَي بادعاء كَون الْمُشبه (من أَفْرَاده) أَي الْمُشبه بِهِ فيدعي أَن اسْم الْمنية فِي أنشبت الْمنية أظفارها اسْم للسبع مرادف لَهُ بِتَأْوِيل، وَهُوَ أَن الْمنية يَدعِي دُخُولهَا فِي جنس السبَاع مُبَالغَة فِي التَّشْبِيه: فَالْمُرَاد بِالنِّيَّةِ السَّبع بادعاء سبعيتها (فَلم يخرج) الْإِسْنَاد الْمَذْكُور (عَن كَون الْإِسْنَاد إِلَى غير من هُوَ لَهُ) عِنْد الْمُتَكَلّم إِلَى كَونه إِلَى من هُوَ لَهُ: فَإِن نِسْبَة إنشاب الْأَظْفَار إِلَى الْمنية لَا تصير نسبته إِلَى من هُوَ لَهُ بِمُجَرَّد أَن يَدعِي لَهَا السبعية: لِأَن السَّبع الادعائي لَيْسَ بِسبع حَقِيقِيّ وَلَا تصير نسبته إِلَى مَا هُوَ لَهُ إِلَّا بِكَوْن الْمنية سبعا حَقِيقِيًّا، وَذَلِكَ محَال (وَقد يعْتَبر) الْمجَازِي الْعقلِيّ (فِي الْهَيْئَة التركيبية الدَّالَّة على التَّلَبُّس الفاعلي، وَلَا مجَاز فِي الْمُفْردَات) كَمَا نسب إِلَى الشَّيْخ عبد القاهر، وَأنكر الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَن يكون قولا لأحد من عُلَمَاء الْبَيَان اعْتِبَار الْمجَاز الْعقلِيّ فِيمَا ذكر إِنَّمَا كَانَ فِي النِّسْبَة والمركب، وَهَهُنَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة الْعَارِضَة على الْمركب الدَّالَّة على النِّسْبَة الْقَائِمَة بَين الْفِعْل وَمَا قَامَ بِهِ من حَيْثُ أسْند فِيهِ إِلَى غير مَا يَقْتَضِي الْعقل إِسْنَاده إِلَيْهِ تَشْبِيها لَهُ بالفاعل الْحَقِيقِيّ، فَشبه تلبس الْغَيْر الفاعلي بالتلبس الفاعلي (فَهُوَ) أَي الْمجَاز (اسْتِعَارَة تمثيلية) وَهِي أَن يستعار الدَّال على هَيْئَة منتزعة من أُمُور من تِلْكَ الْهَيْئَة لهيئة أُخْرَى منتزعة من أُمُور أخر كَمَا إِذا شبهت هَيْئَة تردد الْمَعْنى فِي حكم بهيئة تردد من قَامَ ليذْهب، وَقلت أَرَاك أَيهَا الْمُفْتِي تقدم رجلا وتؤخر أُخْرَى لَيْسَ فِي شَيْء من هَذِه الْمُفْردَات تجوز، وَإِنَّمَا وَقع التَّجَوُّز فِي مَجْمُوع الْمركب الدَّال على الصُّورَة الأولى حَقِيقَة باستعارة للصورة الثَّانِيَة مُبَالغَة فِي كَمَال مشابهة الْمُسْتَعَار لَهُ بالمستعار مِنْهُ حَتَّى كَأَنَّهُ دخل تَحت جنسه فَسُمي باسمه فَإِن قلت هَذَا يدل على أَن التَّجَوُّز إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظ الْمركب، وَالْكَلَام فِي اعْتِبَار الْمجَاز للهيئة التركيبية الدَّال على التَّلَبُّس الفاعلي بِأَن يستعار للتلبس الْغَيْر الفاعلي قلت مَا ذَكرْنَاهُ إِنَّمَا هُوَ تَفْسِير للاستعارة التمثيلية على مَا ذكره الْقَوْم وَالْمُصَنّف أَرَادَ إِدْخَال الْمجَاز فِي الْهَيْئَة التركيبية تحتهَا: إِذْ الدَّال فِي الْمركب الْمَذْكُور بِالْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ الْهَيْئَة الْعَارِضَة على مَجْمُوع مفرداتها، والتلبس الفاعلي هَيْئَة منتزعة من أُمُور، وَكَذَا التَّلَبُّس الْغَيْر الفاعلي فَيصدق عَلَيْهِ أَنه اسْتِعَارَة الدَّال على هَيْئَة لأخرى فَافْهَم (وَلم يقولوه) أَي عُلَمَاء الْبَيَان بِاعْتِبَار الْمجَاز الْعقلِيّ فِي الْهَيْئَة الْمَذْكُورَة (هُنَا) أَي فِي مَحل النزاع الَّذِي ذكر فِيهِ هَذِه الْوُجُوه هُنَا، نَحْو: أنبت الرّبيع البقل وَالْمعْنَى: لم يقل عُلَمَاء الْأُصُول هَذَا الِاعْتِبَار فِي هَذَا الْبَحْث (وَلَيْسَ) هَذَا الِاعْتِبَار (بِبَعِيد) كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (فَإِنَّمَا هِيَ) أَي هَذِه الإرادات المجازية (اعتبارات) وتصرفات عقلية للمتكلم (قد

مسئلة

يَصح الْكل فِي مَادَّة) وَاحِدَة (وَقد لَا) يَصح الْكل فِي مَادَّة وَاحِدَة: بل يَصح الْبَعْض دون الْبَعْض (فَلَا حجر) فِي اعْتِبَارهَا عِنْد وجود مَا يصحح ذَلِك، وَمن ثمَّة اعْتبر صَاحب الْكَشَّاف التَّجَوُّز فِي قَوْله تَعَالَى - {ختم الله على قُلُوبهم} - من أَرْبَعَة أوجه. مسئلة (لَا خلاف أَن) الْأَسْمَاء (المستعملة لأهل الشَّرْع من نَحْو الصَّلَاة وَالزَّكَاة) فِي غير مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّة (حقائق شَرْعِيَّة يتَبَادَر مِنْهَا مَا علم) لَهَا من مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّة (بِلَا قرينَة) سَوَاء كَانَ ذَلِك لمناسبة بَين الشَّرْعِيّ واللغوي فَيكون مَنْقُولًا، أَو لَا فَيكون مَوْضُوعا مُبْتَدأ (بل) الْخلاف (فِي أَنَّهَا) أَي الْأَسْمَاء المستعملة لأهل الشَّرْع فِي مَعَانِيهَا حَقِيقَة (عرفية للفقهاء) بسب وضعهم إِيَّاهَا لتِلْك الْمعَانِي، فَهِيَ فِي تخاطبهم تدل عَلَيْهَا بِلَا قرينَة، وَأما الشَّارِع فَإِنَّمَا استعملها فِيهَا مجَازًا عَن مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّة بمعونة الْقَرَائِن فَلَا تحمل عَلَيْهَا إِلَّا بِقَرِينَة (أَو) حَقِيقَة شَرْعِيَّة (بِوَضْع الشَّارِع) حَتَّى تدل فِي كَلَامه على تِلْكَ الْمعَانِي بِلَا قرينَة (فالجمهور) أَي قَالَ جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ الْوَاقِع هُوَ (الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّهَا حَقِيقَة شَرْعِيَّة بِوَضْع الشَّارِع (فَعَلَيهِ) أَي فعلى الْمَعْنى الشَّرْعِيّ (يحمل كَلَامه) أَي الشَّارِع إِذا وَقعت مُجَرّدَة عَن الْقَرَائِن (وَالْقَاضِي أَبُو بكر) الْوَاقِع هُوَ (الأول) أَي أَنَّهَا حَقِيقَة عرفية للفقهاء لَا للشارع (فعلى اللّغَوِيّ) يحمل كَلَام الشَّارِع إِذا لم يكن صَارف عَنهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِلَّا بِقَرِينَة) صارفة عَن اللّغَوِيّ إِلَى الشَّرْعِيّ. قَالَ الشَّارِح: قَالَ المُصَنّف فَإِن قلت كَيفَ يتَفَرَّع الْحمل على الْمَعْنى اللّغَوِيّ الْحَقِيقِيّ على كَونهَا مجازات قُلْنَا: مَعْنَاهُ أَنَّهَا مجازات عِنْد وجود الْقَرَائِن، وَيحمل على اللّغَوِيّ عِنْد عَدمه انْتهى قلت بَيَان الْمَتْن مغن عَن هَذَا الإطناب، وَقيل مُرَاده أَنَّهَا تسْتَعْمل فِي الدُّعَاء، ثمَّ شَرط فِيهِ الْأَفْعَال الرُّكُوع وَالسُّجُود وَغَيرهمَا فَتكون خَارِجَة عَن الصَّلَاة شرطا وَلَا يخفى بعده (وَفِيه) أَي فِيمَا ذهب إِلَيْهِ القَاضِي (نظر لِأَن كَونهَا) أَي الصَّلَاة مثلا مَوْضُوعَة (للأفعال) الْمَعْلُومَة شرعا (فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقبل التشكيك، وَأشهر) مَعْطُوف على قَوْله لَا يقبل فَهُوَ خبر أَن: يَعْنِي أَن أحد الْأَمريْنِ مُتَحَقق بِلَا شُبْهَة: أما الْعلم بِكَوْنِهَا للصَّلَاة بِوَضْع الشَّارِع، وَإِمَّا بِكَوْنِهَا مجَازًا فِي الْأَفْعَال أشهر من الْحَقِيقَة فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وهم) أَي القَاضِي وَالْجُمْهُور (يقدمونه) أَي الْمجَاز الْأَشْهر من الْحَقِيقَة (على الْحَقِيقَة) فَكيف يحمل على اللّغَوِيّ فِي كَلَام الشَّارِع عِنْد الْقَرِينَة (فَمَا قيل) قَائِله الْبَيْضَاوِيّ (الْحق أَنَّهَا مجازات) لغوية (اشتهرت يَعْنِي فِي لفظ الشَّارِع) لَا مَوْضُوعَات مُبتَدأَة لَيْسَ قولا

آخر: بل هُوَ (مَذْهَب القَاضِي) بِعَيْنِه كَمَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: إِذْ لَا شكّ فِي حُصُول الاشتهار بعد تَجْوِيز الشَّارِع (وَقَول فَخر الْإِسْلَام) وَالْقَاضِي ابي زيد وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ (بِأَنَّهَا) أَي الصَّلَاة (اسْم للدُّعَاء، سمي بهَا عبَادَة مَعْلُومَة) مجَازًا (لما أَنَّهَا) أَي الصَّلَاة (شرعت للذّكر) أَي لذكر الله تَعَالَى بنعوت جَلَاله وصفات كَمَاله قَالَ الله تَعَالَى - {أقِم الصَّلَاة لذكري} - أَي لتذكرني فِيهَا لاشتمالها على الْأَذْكَار الْوَارِدَة فِي أَرْكَانهَا فسميت الْعِبَادَة الْمَعْلُومَة بهَا مجَازًا من إِطْلَاق اسْم الْجُزْء على الْكل (يُرِيد) كَونهَا (مجَازًا لغويا هجرت حقائقها: أَي مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّة لُغَة) فَلَيْسَ مذهبا آخر كالبديع) أَي كَمَا يدل عَلَيْهِ كَلَام صَاحب البديع (لنا) على أَنَّهَا حَقِيقَة شَرْعِيَّة بِوَضْع الشَّارِع (الْقطع بفهم الصَّحَابَة قبل حُدُوث الاصطلاحات فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ظرف لفهم الصَّحَابَة ومفعوله (ذَلِك) أَي الْمَعْنى الشَّرْعِيّ لَهَا (وَهُوَ) أَي فهمهم ذَلِك (فَرعه) أَي فرع الْوَضع لَهَا (نعم لَا بُد أَولا) أَي فِي أول خطاب الشَّارِع لمن هُوَ عَالم بِالْوَضْعِ اللّغَوِيّ دون الشَّرْعِيّ (من نصب قرينَة النَّقْل) عَن الْمَعْنى اللّغَوِيّ إِلَى الشَّرْعِيّ دفعا لتبادر اللّغَوِيّ (فمدار التَّوْجِيه) فِي مَحل الِاشْتِبَاه (على أَنه إِذا لزم تَقْدِير قرينَة غير اللّغَوِيّ) على تَقْدِير النَّقْل وَتَقْدِير قرينَة الْمجَاز على تَقْدِير عدم النَّقْل، فَإِنَّهُ لَا بُد من وجود الْقَرِينَة على الْوَجْهَيْنِ (فَهَل الأولى) فِي هَذِه الْقَرِينَة (تقديرها) واعتبارها (قرينَة تَعْرِيف النَّقْل) وتثبيته (أَو) تقديرها قرينَة تَعْرِيف (الْمجَاز) وتعيينه (وَالْأَوْجه الأول) أَي تقديرها قرينَة النَّقْل على اللّغَوِيّ إِلَى الشَّرْعِيّ كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور (إِذْ علم استمراره) أَي الشَّارِع (على قَصده) أَي الشَّرْعِيّ (من اللَّفْظ أبدا إِلَّا لدَلِيل) وقرينة صارفة عَن الشَّرْعِيّ إِلَى غَيره، واستمرار الْقَصْد الْمَذْكُور أَمارَة نسخ إِرَادَة الأول: وَهُوَ معنى النَّقْل (وَالِاسْتِدْلَال) للمختار كَمَا فِي الْمُخْتَصر والبديع (بِالْقطعِ بِأَنَّهَا) فِي الشَّرْع مَوْضُوعَة (للركعات وَهُوَ) أَي الْقطع بِأَنَّهَا لَهَا فِي الشَّرْع هُوَ (الْحَقِيقَة) أَي دَلِيل الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة (لَا يُفِيد) الْمَطْلُوب (لجَوَاز) كَونهَا فِي الأَصْل مجَازًا فِيهَا، ثمَّ (طروه) أَي الْقطع بذلك (بالشهرة) أَي بشهرة التَّجَوُّز بهَا للشرعي، فَإِن الْمجَاز إِذا شاع يصير الْمَعْنى الْمجَازِي بِحَيْثُ يفهم بِلَا قرينَة فَيصير حَقِيقَة (أَو بِوَضْع أهل الشَّرْع) وهم الْفُقَهَاء إِيَّاهَا لَهَا (قَالُوا) أَي القَاضِي وموافقوه اذا أمكن عدم النَّقْل تعين وَأمكن) عدم النَّقْل هَهُنَا (باعبارها) أى الصَّلَاة مثلا بَاقِيَة (فِي اللُّغَوِيَّة والزيادات) الَّتِي جَاءَت من قبل الشَّرْع على اللُّغَوِيَّة (شُرُوط اعْتِبَار الْمَعْنى شرعا وَهَذَا) الدَّلِيل جَار (على غير مَا حررنا عَنهُ) أَي القَاضِي من أَنَّهَا مجَاز أشهر من الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة (مخترع باختراع أَنه) أَي القَاضِي (قَائِل بِأَنَّهَا) مستعملة (فِي حقائقها اللُّغَوِيَّة) وَتقدم النّظر فِيهِ وَذكر الْأَبْهَرِيّ أَن للْقَاضِي قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا مَا حَرَّره المُصَنّف، وَالْآخر هَذَا وَعَن الإِمَام أَنه

قَالَ: وَأما القَاضِي فاستمر على لجاج ظَاهر فَقَالَ: الصَّلَاة الدُّعَاء والمسمى بهَا فِي الشَّرْع هُوَ الدُّعَاء لَكِن إِنَّمَا يعْتَبر عِنْد وُقُوع أَفعَال وأحوال، وطرد ذَلِك فِي الْأَلْفَاظ الَّتِي فِيهَا الْكَلَام (وَأجِيب باستلزامه) أَي هَذَا القَوْل (عدم السُّقُوط) للصَّلَاة الْمَفْرُوضَة عَن الْمُكَلف (بِلَا) قرينَة (دُعَاء لافتراضه) أَي الدُّعَاء (بِالذَّاتِ و) باستلزامه (السُّقُوط) بهَا عَن الذِّمَّة (بِفعل الشَّرْط) أَي بِمُجَرَّد أَن يفعل الشَّرْط من غير فعل الرُّكْن (مطردا) أَي دَائِما (فِي) حق (الْأَخْرَس الْمُنْفَرد) لصِحَّة صلَاته مَعَ انْتِفَاء الْمَشْرُوط الَّذِي هُوَ الدُّعَاء وَإِنَّمَا قيد بالمنفرد، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ لَهُ إِمَام فدعاء الإِمَام دُعَاء لَهُ وَمنع السُّبْكِيّ هَذَا بِأَن الدُّعَاء هُوَ الطّلب الْقَائِم بِالنَّفسِ وَهُوَ يُوجد من الْأَخْرَس وَفِيه نظر، إِذْ مُجَرّد الطّلب إِذا قَامَ بِنَفس شخص لم يصدر عَنهُ مَا يدل عَلَيْهِ لَا يُقَال أَنه دُعَاء (ثمَّ لَا يَتَأَتَّى) هَذَا التَّوْجِيه (فِي بَعْضهَا) أَي فِي بعض الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة كَالزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ لُغَة النَّمَاء وَالزِّيَادَة، وَشرعا تمْلِيك قدر مَخْصُوص من مَال مَخْصُوص لشخص مَخْصُوص، وَلَا يُمكن أَن تحمل الزَّكَاة على النَّمَاء وَيجْعَل الْمَذْكُور شرطا كَمَا لَا يخفى (قَالُوا) أَيْضا (لَو نقلهَا) أَي الشَّارِع الْأَسْمَاء عَن الْمعَانِي اللُّغَوِيَّة إِلَى الشَّرْعِيَّة (فهمها) أَي الْمعَانِي المنقولة (لَهُم) أَي الصَّحَابَة لأَنهم كلفوا بهَا، والفهم شَرط التَّكْلِيف (وَلَو وَقع) التفهيم (نقل) إِلَيْنَا لأننا مكلفون بهَا أَيْضا (وَلزِمَ تواتره) أَي النَّقْل (عَادَة) لتوفر الدَّوَاعِي عَلَيْهِ وَلم يُوجد وَإِلَّا لما وَقع الْخلاف فِي النَّقْل (وَالْجَوَاب الْقطع بفهمهم) أَي الصَّحَابَة الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة من الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة (كَمَا ذكرنَا وفهمنا) أَي وَالْقطع يفهمنا تِلْكَ الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة أَيْضا مِنْهَا (وَبعد حُصُول الْمَقْصُود) وَهُوَ الْفَهم (لَا يلْزم تعْيين طَرِيقه) أَي طَرِيق الْمَقْصُود من التفهيم قصدا بالعبارة وَنَحْوهَا (وَلَو التزمناه) أَي تعْيين طَرِيقه (جَازَ) أَن يكون ذَلِك التفهيم (بالترديد) أَي بطرِيق التّكْرَار (بالقرائن) عِنْد سَماع تِلْكَ الْأَسْمَاء لَهُم: أَي للصحابة ثمَّ لنا مِنْهُم (كالأطفال) يتعلمون اللُّغَات من غير تَصْرِيح لَهُم بِوَضْع اللَّفْظ لمسماه، بل إِذا ردد اللَّفْظ وَكرر يفهمون مَعْنَاهُ بِالْقَرِينَةِ ويحفظونه (أَو) أَن يكون (أَصله) أَي أصل التفهيم (بإخباره) أَي الشَّارِع (ثمَّ اسْتغنى عَن إخبارهم) أَي أَخْبَار الصَّحَابَة (لمن يليهم) مِمَّن تلقى عَنْهُم (أَنه) أَي الشَّارِع (أخْبرهُم) أَي الصَّحَابَة فَقَوله ثمَّ اسْتغنى على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَوله عَن أخبارهم قَائِم مقَام فَاعله، وَقَوله من يليهم مفعول أَولا لأخبارهم، وَقَوله أَنه أخْبرهُم مَفْعُوله الثَّانِي: يَعْنِي لَا يلْزم على الصَّحَابَة أَن يخبروا من يليهم أَنه أخبرنَا الشَّارِع بِوَضْع الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة لمعانيها الشَّرْعِيَّة، وَذَلِكَ لِأَن من يليهم فَهموا من استعمالاتهم وَضعهَا كَمَا يفهم الْأَطْفَال من غير أَن يُقَال لَهُم هَذَا مَوْضُوع لذا أَو بأخبارهم بِالْوَضْعِ

من غير أَن يَقُولُوا أخبرنَا الشَّارِع بِهِ، وَيُمكن أَن يناقش فِيهِ بِأَن شَأْن الصَّحَابَة يَقْتَضِي أَن لَا يسكتوا عَن أَخْبَار الشَّارِع إيَّاهُم فِي مثله، وَفِي قَوْله (لحُصُول الْقَصْد) إِشَارَة إِلَى دَفعه: يَعْنِي أَن الْمَقْصد معرفَة الْوَضع سَوَاء حصلت بالأخبار أَو بالقرائن كالأطفال (قَالُوا) أَي القَاضِي وَمن تبعه ثَالِثا (لَو نقلت) الْأَسْمَاء عَن مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّة إِلَى الشَّرْعِيَّة (كَانَت) الْأَسْمَاء المنقولة إِلَيْهَا (غير عَرَبِيَّة لأَنهم) أَي الْعَرَب (لم يضعوها) على ذَلِك التَّقْدِير، بل الشَّارِع (وَيلْزم أَن لَا يكون الْقُرْآن عَرَبيا) لاشْتِمَاله على غير الْعَرَبِيّ، فَإِن الْمركب من الْعَرَبِيّ وَغَيره لَيْسَ بعربي، وَقد قَالَ الله تَعَالَى - {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} - (أُجِيب بِأَنَّهَا) أَي الْأَسْمَاء المنقولة (عَرَبِيَّة إِذْ وضع الشَّارِع لَهَا ينزلها) ويصيرها (مجازات لغوية) إِذا كَانَ التخاطب بلغَة الْعَرَب فَإِن العلاقة بَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ والشرعي مَوْجُودَة: لِأَن النَّقْل يقتضيها (وَيَكْفِي فِي الْعَرَبيَّة كَون اللَّفْظ مِنْهَا) أَي من الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة للْعَرَب (و) كَون (الِاسْتِعْمَال على شَرطهَا) أَي شَرط الْعَرَبيَّة بِأَن يكون الْمُسْتَعْمل فِيهِ إِمَّا عين الْمَوْضُوع لَهُ، أَو مَا بَينه وَبَين الْمَوْضُوع لَهُ نوع من العلاقات الْمُعْتَبرَة مَعَ وجود الْقَرِينَة الصارفة والمعينة (وَلَو سلم) أَنه لَا يَكْفِي ذَلِك فِي كَونهَا عَرَبِيَّة (لم يخل) كَونهَا غير عَرَبِيَّة (بعربيته) أَي الْقُرْآن (إِمَّا لكَون الضَّمِير) فِي قَوْله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ (لَهُ) أَي لِلْقُرْآنِ (وَهُوَ) أَي الْقُرْآن (مِمَّا يصدق الِاسْم) أَي اسْمه (على بعضه) أَي بعض الْقُرْآن (ككله) أَي كَمَا يصدق على كُله (كالعسل) فَإِنَّهُ يصدق على القلل مِنْهُ وَالْكثير حَتَّى لَو حلف لَا يقْرَأ الْقُرْآن فَقَرَأَ جُزْء مِنْهُ حنث، فَيجوز أَن يُرَاد بالضمير بعض الْقُرْآن، وَلَا ريب فِي عربيته (بِخِلَاف) نَحْو (الْمِائَة والرغيف) مِمَّا لَا يُشَارك الْجُزْء الْكل فِي الْحَقِيقَة وَالِاسْم: فَلَا تطلق الْمِائَة والرغيف على بعض مِنْهَا (أَو) لكَون الضَّمِير (للسورة) بِاعْتِبَار الْمنزل، أَو الْمَذْكُور، وَهَذَا إِنَّمَا يتم إِذا لم يكن فِي تِلْكَ السُّورَة اسْم شَرْعِي (وَاعْلَم أَن الْمُعْتَزلَة سموا قسما من) الْحَقَائِق (الشَّرْعِيَّة) حَقِيقَة (دينية وَهُوَ مَا دلّ على الصِّفَات الْمُعْتَبرَة فِي الدّين وَعَدَمه) أَي عدم الدّين (اتِّفَاقًا) أَي اعْتِبَار اتّفق عَلَيْهِ الْمذَاهب (كالإيمان، وَالْكفْر، وَالْمُؤمن) وَالْكَافِر (بِخِلَاف الْأَفْعَال) أَي مَا هِيَ من فروع الدّين كَمَا يتَعَلَّق بالجوارح فَإِن فِي اعْتِبَارهَا فِي الدّين خلافًا (كَالصَّلَاةِ والمصلى وَلَا مشاحة) فِي الِاصْطِلَاح (وَوجه الْمُنَاسبَة) فِي تَسْمِيَة مَا ذكر دينية (أَن الْإِيمَان) على قَوْلهم (الدّين لِأَنَّهُ) أَي الدّين اسْم (لمجموع التَّصْدِيق الْخَاص) بِكُل مَا علم مَجِيئه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ من عِنْد الله ضَرُورَة (مَعَ المأمورات والمنهيات لقَوْله تَعَالَى - {وَذَلِكَ دين الْقيمَة} - بعد ذكر الْأَعْمَال) أَي قَوْله تَعَالَى - {ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة} - بعد قَوْله - {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين} -

تتمة

فَذَلِك إِشَارَة إِلَى الْمَذْكُور من الْعِبَادَات إِجْمَالا وتفصيلا، فَإِن يعبدوا فِي تَأْوِيل الْمصدر الْمُضَاف لتقدير أَن المصدرية بعد لَام كي، والمصدر الْمُضَاف إِلَى الْمعرفَة يُفِيد الْعُمُوم، ويقيموا الصَّلَاة وَمَا بعده من عطف الْخَاص على الْعَام لزِيَادَة الاهتمام فَيكون جَمِيع الْعِبَادَات الْوَاجِبَة دين الْملَّة المستقيمة، وَكَانَ يُوجب هَذَا أَن لَا يكون الدّين إِلَّا الْأَعْمَال، غير أَن الْإِجْمَاع على اعْتِبَار الْإِيمَان فِي حَقِيقَة الدّين، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والاتفاق على اعْتِبَار التَّصْدِيق فِي مُسَمَّاهُ) أَي الدّين بِخِلَاف الْأَفْعَال (فَنَاسَبَ تَمْيِيز الِاسْم الْمَوْضُوع لَهُ) أَي للتصديق الْخَاص (شرعا بالدينية وَهَذِه) الْمُنَاسبَة (على رَأْيهمْ) أَي الْمُعْتَزلَة (فِي اعْتِبَار الْأَعْمَال جُزْء مَفْهُومه) أَي الْإِيمَان (وعَلى) رَأْي (الْخَوَارِج) الْمُنَاسبَة فِي هَذِه التَّسْمِيَة (أظهر) مِنْهَا على رَأْي الْمُعْتَزلَة لجعل الْمُعْتَزلَة مرتكب الْكَبِيرَة لَيْسَ بِمُؤْمِن وَلَا كَافِر، وَجعل الْخَوَارِج مرتكبها كَافِرًا: فَكلما زَاد اعْتِبَار الْعَمَل فِي الْإِيمَان زَاد الِاحْتِيَاج إِلَى التَّمْيِيز (وَلَا يلْزم من نفي ذَلِك) أَي كَون الْأَعْمَال جزم مَفْهُوم الْإِيمَان كَمَا هُوَ قَول أَصْحَابنَا (نَفيهَا) أَي الْحَقِيقَة الدِّينِيَّة: لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي مَا يصلح مُنَاسبَة بِوَضْع الِاصْطِلَاح (إِذْ يَكْفِي) فِي وَجه التَّسْمِيَة (أَنَّهَا) أَي الدِّينِيَّة (اسْم لأصل الدّين وأساسه أَعنِي التَّصْدِيق فَظهر أَن الْكَلَام فِي ذَلِك) أَي فِي نفي كَون الْأَعْمَال من الْإِيمَان (مَعَ أَنه) أَي الْكَلَام فِي ذَلِك (يخرج) من فن الْأُصُول (إِلَى فن آخر) أَي علم الْكَلَام (وَلَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ) أَي على ذَلِك (مَطْلُوب أصولي: بل اصطلاحي و) أَن الْكَلَام فِي ذَلِك كَلَام (فِي غَرَض سهل وَهُوَ إِثْبَات مُنَاسبَة تَسْمِيَة اصطلاحية لَا يُفِيد نَفيهَا: فعلى الْمُحَقق تَركه). قَالَ الشَّارِح وَفِي هَذَا تَعْرِيض بِابْن الْحَاجِب قلت لَو كَانَ التَّعْرِيض بِهِ بترك التَّعْرِيض لَكَانَ تَتِمَّة (كَمَا يقدم) الْمَعْنى (الشَّرْعِيّ فِي لِسَانه) أَي فِي خطاب أهل الشَّرْع (على مَا سلف) أَي اللّغَوِيّ (كَذَا الْعرفِيّ فِي لسانهم) أَي أهل الْعرف خَاصّا كَانَ أَو عَاما تقدم على اللّغَوِيّ (فَلَو حلف لَا يَأْكُل بيضًا كَانَ) الْمَحْمُول عَلَيْهِ (ذَا القشر) فِي الْمَبْسُوط فَهُوَ على بيض الطير من الدَّجَاج والأوز وَغَيرهمَا، وَلَا يدْخل فِيهِ بيض السّمك إِلَّا أَن ينويه: لأَنا نعلم أَنه لَا يُرَاد بِهِ بيض كل شَيْء فَإِن بيض الدُّود لَا يدْخل فِيهِ: فَيحمل على مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْبيض ويؤكل عَادَة (فَيدْخل النعام) أَي بيضه تَفْرِيع على كَون الْبيض مَحْمُولا على ذِي القشر، وَذَاكَ مُفَرع على تَقْدِيم الْعرفِيّ: فَعلم أَن المُرَاد دُخُوله فِيمَا إِذا كَانَ عرف خطاب الْحَالِف بِحَسب معتادهم فِي الاطلاقات مَا يعم بيض النعام، وَأما إِذا كَانَ الْعرف مَا هُوَ أخص من ذَلِك فَلَا يدْخل فِيهِ فيدور ذَلِك مَعَ التعارف وَلَا شكّ أَنه مِمَّا يخْتَلف فيختلف الْجَواب باختلافه (أَو) لَا يَأْكُل

مسئلة

(طبيخنا فَمَا طبخ من اللَّحْم فِي المَاء ومرقه) إِذا كَانَ الْمُتَعَارف بَينهم مَا ذكر بِحَيْثُ لَا يفهم فِي إِطْلَاقهم غَيره بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمُتَعَارف مَا هُوَ أَعم من ذَلِك فَإِنَّهُ يَحْنَث على ذَلِك التَّقْدِير بِأَكْل كل مَا يُؤْكَل عَادَة فِي الطبائخ سَوَاء كَانَ من اللَّحْم (أَو) غَيره أَو لَا يَأْكُل (رَأْسا فَمَا يكبس) فِي التنانير عرف الْحَالِف وَيُبَاع مشويا من الرُّءُوس (بقرًا وَغنما) عِنْد أبي حنيفَة آخر لِأَنَّهُمَا الْمُتَعَارف فِي زَمَنه آخر لَا غير، وإبلا أَيْضا عِنْده أَولا إِذْ كَانَ متعارفا لأهل الْكُوفَة ثمَّ تَرَكُوهُ (وَلَو تعورف الْغنم فَقَط تعين) محلا لإِطْلَاق الرَّأْس بِاعْتِبَار ذَلِك الْعرف: فَالْخِلَاف خلاف زمَان لَا برهَان (أَو) لَا يَأْكُل (شواء خص اللَّحْم) فَلَا يَحْنَث بالمشوي من الْبيض والباذنجان وَغَيرهمَا: لِأَن الْمُتَعَارف مُخْتَصّ بِهِ (وَقَول فَخر الْإِسْلَام) فِي تَوْجِيه ترك الْحَقِيقَة بِالْعرْفِ (لِأَن الْكَلَام مَوْضُوع لاستعمال النَّاس وحاجتهم فَيصير الْمجَاز باستعمالهم كالحقيقة يحمل على ذَلِك الْمحمل) قَوْله يحمل الخ خبر الْمُبْتَدَأ لما بَين أَن إِطْلَاق اللَّفْظ فِي الْإِيمَان يحمل على مَا هُوَ الْمُتَعَارف فِي زمن الْحَالِف، لَا على مَا يَقْتَضِيهِ أصل وَضعه أَفَادَ أَن فَخر الْإِسْلَام أَرَادَ بِمَا ذكر هَذَا الْمَعْنى فَهُوَ مجَاز لغَوِيّ مهجور الْحَقِيقَة، فَصَارَ حَقِيقَة عرفية، وَلَا يخفى أَن مجازية مَا ذكر بِاعْتِبَار إِرَادَة بعض أَفْرَاد الْحَقِيقَة خَاصَّة بِمُوجب الْعرف. مسئلة (لَا شكّ أَن الْمَوْضُوع قبل الِاسْتِعْمَال لَيْسَ حَقِيقَة وَلَا مجَازًا لانْتِفَاء جنسهما) أَي جنس تعريفي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، وَهُوَ الْمُسْتَعْمل (وَلَا) شكّ أَيْضا (فِي عدم استلزام الْحَقِيقَة مجَازًا) لجَوَاز أَن لَا يسْتَعْمل اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ (وَاخْتلف فِي قلبه) أَي استلزام الْمجَاز الْحَقِيقَة (وَالأَصَح نَفْيه) أَي نفي قلبه (وَيَكْفِي فِيهِ) أَي فِي نفى استلزامه إِيَّاهَا (تَجْوِيز التَّجَوُّز بِهِ) أَي بِاللَّفْظِ لما يُنَاسِبه (بعد الْوَضع قبل الِاسْتِعْمَال) لَهُ فِيمَا وضع لَهُ (لكِنهمْ استدلوا بِوُقُوعِهِ) أى الْمجَاز وَلَا حَقِيقَة (بِنَحْوِ ثَابت لمة اللَّيْل) إِذا ظهر فِيهِ تباشير الصُّبْح، فَإِن هَذَا مجَاز لَا حَقِيقَة لَهُ (وَدفع) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ مُشْتَرك الْإِلْزَام) يَعْنِي أَن الِاسْتِدْلَال فرع تحقق الْمُسْتَعْمل فِيهِ، وَبِهَذَا الدَّلِيل يُمكن نفي الْوَضع لِأَن مَا لَا تحقق لَهُ لَا يصلح لِأَن يوضع لَهُ، لِأَن الْوَضع لمصْلحَة الِاسْتِعْمَال فَلَا يُمكن إِثْبَات مجَاز بِدُونِ الْحَقِيقَة بِهَذَا الدَّلِيل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لاستلزامه) أَي الْمجَاز (وضعا) إِذْ الِاسْتِعْمَال فِي غير مَا وضع لَهُ فرع تحقق الْوَضع، وَقد عرفت أَن امْتنَاع الِاسْتِعْمَال لما ذكر يسْتَلْزم امْتنَاع الْوَضع، ثمَّ أَفَادَ أَن نَحْو مَا ذكر لَا يصلح للاستدلال بِهِ فِي مَحل النزاع بقوله (والاتفاق) على (أَن الْمركب لم يوضع)

مسئلة

وضعا (شخصيا وَالْكَلَام فِيهِ) أَي فِي الْوَضع الشخصي (وَأَيْضًا إِن اعْتبر الْمجَاز فِيهِ) أَي فِي شابت لمة اللَّيْل (فِي الْمُفْرد) أَي فِي شابت بِأَن أُرِيد بالشيب حُدُوث بَيَاض الصُّبْح فِي آخر سَواد اللَّيْل، وَفِي لمة بِأَن أُرِيد بهَا سَواد آخر اللَّيْل وَهُوَ الْغَلَس (منعنَا عدم حَقِيقَة شابت أَو لمة) لاستعمالهما فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَهَا من بَيَاض الشّعْر، وَالشعر المجاور على شحمة الْأذن فِي غير هَذَا الْمركب (أَو) اعْتبر الْمجَاز فِيهِ (فِي نسبتهما) أَي النِّسْبَة الإسنادية للشيب إِلَى اللمة، وَالنِّسْبَة الإضافية للمة إِلَى اللَّيْل (فَلَيْسَ) الْمجَاز فيهمَا (النزاع) لِأَنَّهُ مجَاز عَقْلِي، والنزاع إِنَّمَا هُوَ فِي الْمجَاز فِي الْمُفْرد (وَأما منع الثَّانِي) أَي الْمجَاز فِي النِّسْبَة بِأَن يُقَال: لَا مجَاز فِي النِّسْبَة (لِاتِّحَاد جِهَة الْإِسْنَاد) كَمَا سبق فِي تَنْبِيه قَول الْحَنَفِيَّة: وَالْمجَاز على غير الْمُفْرد (فَغير وَاقع لما تقدم) هُنَاكَ وأوضحناه فَليُرَاجع (وَأَيْضًا) وضع (الرَّحْمَن لمن لَهُ رقة الْقلب وَلم يُطلق) إطلاقا (صَحِيحا إِلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى) وَالله منزه عَن الْوَصْف بهَا (فَلَزِمَ) أَن يكون إِطْلَاقه عَلَيْهِ تَعَالَى (مجَازًا بِلَا حَقِيقَة بِخِلَاف قَوْلهم) أَي بني حنفية فِي مُسَيْلمَة الْكذَّاب (رَحْمَن الْيَمَامَة). وَقَول شَاعِرهمْ: (وَأَنت غيث الورى لَا زلت رحمانا ...) فَإِنَّهُ لم يُطلق عَلَيْهِ إطلاقا صَحِيحا لمُخَالفَته اللُّغَة إِذا انفق أَهلهَا أَن لَا يُطلق إِلَّا على الله سُبْحَانَهُ، أوقعهم فِيهِ لحاجهم فِي الْكفْر (وَلِأَنَّهُم لم يُرِيدُوا بِهِ) أَي بِلَفْظ رَحْمَن فِي إِطْلَاقه على مُسَيْلمَة الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ من رقة الْقلب) بل أَرَادوا أَن يثبتوا لَهُ مَا يخْتَص بالإله بعد مَا أثبتوا لَهُ مَا يخْتَص بالأنبياء وَهُوَ النُّبُوَّة وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُم لم يستعملوا الرَّحْمَن الْمُعَرّف بِاللَّامِ، وَإِنَّمَا استعملوه مُعَرفا بِالْإِضَافَة من رَحْمَن الْيَمَامَة، ومنكرا فِي لازلت رحمانا، ودعوانا فِي الْمُعَرّف بِاللَّامِ (قَالُوا) أَي الملزمون (لَو لم يسْتَلْزم) الْمجَاز الْحَقِيقَة (انْتَفَت فَائِدَة الْوَضع) وَهِي الِاسْتِعْمَال فِيمَا وضع لَهُ (وَلَيْسَ) هَذَا (بِشَيْء) يعْتد بِهِ (لِأَن التَّجَوُّز) بِاللَّفْظِ (فَائِدَة لَا تستدعى غير الْوَضع) أَي تتَحَقَّق هَذِه الْفَائِدَة بِمُجَرَّد الْوَضع، وَلَا تتَوَقَّف على الِاسْتِعْمَال فِيمَا وضع لَهُ: فَإِذا كَانَت هَذِه الْفَائِدَة حَاصِلَة بِمُجَرَّد الْوَضع كفى بِهِ فَائِدَة للوضع وَالله أعلم. مسئلة (الْمجَاز وَاقع فِي اللُّغَة وَالْقُرْآن والْحَدِيث خلافًا للاسفرايني فِي الأول) أَي اللُّغَة، وَحكى السُّبْكِيّ النَّفْي لوُقُوعه مُطلقًا عَنهُ وَعَن الْفَارِسِي، وَحكى الأسنوي عَنهُ وَعَن جمَاعَة (لِأَنَّهُ قد يُفْضِي إِلَى الْإِخْلَال بغرض الْوَضع) وَهُوَ فهم الْمَعْنى: يَعْنِي وُقُوعه يُفْضِي إِلَى الْإِخْلَال فِي الْجُمْلَة فِي بعض الصُّور (لخفاء الْقَرِينَة) الدَّالَّة على الْمَعْنى الْمجَازِي، وَمَا يُفْضِي إِلَى الْإِخْلَال لَا وُقُوع لَهُ فِيمَا يقْصد بِهِ الإفادة

والاستفادة (وَهُوَ) أَي خِلَافه فِي وُقُوعه (بعيد) لَا يشْتَبه وُقُوعه (على بعض المميزين) وَذكر لفظ الْبَعْض الَّذِي يعم من لَهُ أدنى تَمْيِيز مُبَالغَة، فَالْمَعْنى لَا يشْتَبه على من لَهُ أدنى تَمْيِيز وَلَا يصدر عَنهُ (فضلا عَنهُ) أَي فضلا عَن صدوره عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق، ثمَّ علل الْبعد بقوله (لِأَن الْقطع بِهِ) أَي بِوُقُوع الْمجَاز فِي اللُّغَة (أثبت من أَن يُورد لَهُ مِثَال) أَي الْقطع الْحَاصِل بِوُجُودِهِ بِدُونِ إِيرَاد الْمِثَال لَهُ أثبت من الْقطع الْحَاصِل بِوُجُودِهِ بسب إِيرَاد الْمِثَال أَو الْمَعْنى الْقطع بِهِ متجاوز عَن إيرادا لمثال لكَونه مغنيا عَنهُ، فَإِن أفعل التَّفْضِيل يلْزمه تجَاوز الْمفضل عَن الْمفضل عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لكثرته وَكَمَال ظُهُوره (وَيلْزمهُ) أَي يلْزم دَلِيل النَّافِي (نفي) وُقُوع (الْإِجْمَال مُطلقًا) فِي اللُّغَة، وَالْكتاب، وَالسّنة للإفضاء إِلَى الْإِخْلَال بفهم الْمَعْنى المُرَاد، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ (و) خلافًا (للظاهرية فِي الثَّانِي) أَي الْقُرْآن. قَالَ الشَّارِح وَكَذَا فِي الثَّالِث إِلَّا أَنهم غير مطبقين على إِنْكَار وُقُوعه فيهمَا، وَإِنَّمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو بكر بن دَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ الظَّاهِرِيّ فِي طَائِفَة مِنْهُم (لِأَنَّهُ) أَي الْمجَاز (كذب لصدق نقيضه) إِذْ يَصح أَن يُقَال لمن قَالَ للبليد أَنه حمَار كذبت: إِذْ البليد لَيْسَ بِحِمَار (فيصدقان) أَي النقيضان إِذا وَقع فِي الْقُرْآن، أما صدق الْكَلَام الْمُشْتَمل على الْمجَاز فلاستحالة الْكَذِب فِي حق الله تَعَالَى، وَأما صدق نقيضه فلصدق نفي مَدْلُول اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل مجَازًا بِحَسب نفس الْأَمر (قُلْنَا جِهَة الصدْق مُخْتَلفَة) فمتعلق الْإِثْبَات الْمَعْنى الْمجَازِي ومتعلق النَّفْي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ. فزيد حمَار صَادِق من جِهَة الْمَعْنى الْمجَازِي، وَزيد لَيْسَ بِحِمَار صَادِق من جِهَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَلَا مَحْذُور فِيهِ لما ذكر أَن الْمجَاز صَادِق أَرَادَ أَن يُحَقّق منَاط صدقه فَقَالَ (وتحقيقي صدق الْمجَاز التَّشْبِيه وَنَحْوه من العلاقة) فَإِذا صدق كَون زيد شَبِيها بالأسد بِأَن يكون شبهه بِهِ متحققا فِي نفس الْأَمر بِأَن يكون شجاعا صدق قَوْلنَا زيد أَسد، وَإِذا صدق كَون زيد منعما عَلَيْك، صدق قَوْلك: لَهُ على يَد (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ منَاط صدق الْمجَاز صدق التَّشْبِيه هِيَ مبناه ومآله (وَهُوَ) أَي الْمجَاز (أبلغ) من الْحَقِيقَة لما فِيهِ من تصرف عَقْلِي لَيْسَ للْحَقِيقَة مثله (وَقَوْلهمْ) أَي الظَّاهِرِيَّة (يلْزم) على تَقْدِير وُقُوع الْمجَاز فِي كَلَامه تَعَالَى (وَصفه تَعَالَى بالمتجوز) لِأَن من قَامَ بِهِ فعل اشتق لَهُ مِنْهُ اسْم فَاعل وَاللَّازِم بَاطِل لِامْتِنَاع إِطْلَاقه عَلَيْهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا (قُلْنَا إِن) أدرتم لُزُومه (لُغَة منعنَا بطلَان اللَّازِم) إِذْ لَا مَانع لَهُ مِنْهُ لُغَة (أَو) أردتم لُزُومه (شرعا منعنَا الْمُلَازمَة) لِأَن كَونه مَوْصُوفا بالْكلَام الْمُشْتَمل على الْمجَاز لَا يَقْتَضِي صِحَة إِطْلَاق المتجوز عَلَيْهِ شرعا، لِأَن صِحَة إِطْلَاق الِاسْم عَلَيْهِ مَشْرُوط بِأَن لَا يكون موهما لما لَا يَلِيق بِهِ، وَلَفظ المتجوز يُوهم أَنه يتسمح ويتوسع فِيمَا لَا يَنْبَغِي من الْأَفْعَال والأقوال، وَهُوَ نقص (وَلنَا الله نور السَّمَوَات) فَإِن النُّور فِي الأَصْل: كَيْفيَّة

تدركها الْأَبْصَار أَولا وبواسطتها سَائِر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لَهما، وَالله سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك فَهُوَ على التَّجَوُّز بِمَعْنى منور السَّمَوَات وَقد قرئَ بِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى نورها بالكواكب وَمَا يفِيض عَنْهَا من الْأَنْوَار وبالملائكة والأنبياء إِذْ عَم النُّور، أَي بِمَعْنى مدبرها، من قَوْلهم للرئيس الْفَائِق فِي التَّدْبِير: نور الْقَوْم، لأَنهم يَهْتَدُونَ بِهِ فِي الْأُمُور أَو موجدها: فَإِن النُّور ظَاهر بِذَاتِهِ مظهر لغيره، وأصل الظُّهُور: هُوَ الْوُجُود كَمَا أَن أصل الخفاء هُوَ الْعَدَم وَهُوَ تَعَالَى مَوْجُود بِذَاتِهِ موجد لما عداهُ إِلَى غير ذَلِك (ومكر الله) لِأَن الْمَكْر فِي الأَصْل يجلب بهَا مضرَّة الْغَيْر وَهُوَ منزه سُبْحَانَهُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يسند إِلَيْهِ على سَبِيل الْمُقَابلَة والازدواج (الله يستهزئ بهم) لِأَن الِاسْتِهْزَاء السخرية ينْسب إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ مشاكلة، أَو اسْتِعَارَة لما ينزل إِلَيْهِم من الحقارة والهوان الَّذِي هُوَ لَازم الِاسْتِهْزَاء إِلَى غير ذَلِك (فاعتدوا عَلَيْهِ) بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم (و) جَزَاء (سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا) وَلَيْسَ جَزَاء الاعتداء اعتداء، بل هُوَ عدل، وَلَا جَزَاء السَّيئَة سَيِّئَة، فهما من إِطْلَاق اسْم أحد الضدين على الآخر بِجَامِع الْمُجَاورَة فِي التخيل (وَكثير) مِمَّا لَا يُحْصى عدده، فَلَا يَنْفَعهُمْ التَّأْوِيل فِي بعض الْأَمْثِلَة، كَأَن يُقَال: النُّور حَقِيقَة هُوَ الظَّاهِر فِي نَفسه الْمظهر لغيره، لَا الْعرض الْمَذْكُور فإطلاقه عَلَيْهِ تَعَالَى حَقِيقَة، وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ: الْمَكْر إِيصَال الْمَكْرُوه خُفْيَة، والاستهزاء إِظْهَار الْإِكْرَام وإخفاء الأهانة فَيجوز صدورهما مِنْهُ تَعَالَى، وَقَوله - {أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين} - لَا يدل على أَن كل استهزاء جهل، والاعتداء إِيقَاع الْفِعْل المؤلم، أَو هتك حرمه الشَّيْء، والسيئة مَا يسوء من ينزل بِهِ، وَلَا مجَاز فِي شَيْء مِنْهَا، (وَأما واسئل الْقرْيَة فَقيل) الْقرْيَة (حَقِيقَة) وَأمر بَنو يَعْقُوب أباهم أَن يسْأَلهَا (فتجيبه) أَي الْقرْيَة بإنطاق الله إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ كَانَ زمَان النُّبُوَّة وخرق العوائد، وَضعف بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقع للنَّبِي عِنْد التحدي وَإِظْهَار المعجزة، وَفِي غير ذَلِك لَا يَقع عَادَة وَإِن أمكن (وَقد مناه) أَي بَيَان مَا يتَعَلَّق بِهِ وَأَن لفظ الْقرْيَة (حَقِيقَة مَعَ حذف الْأَهْل) وَفِي قَوْلهم كنافيها إِشْعَار بِأَن المُرَاد سُؤال الْأَهْل أَن جَمِيع الجمادات مُتَسَاوِيَة فِي الشَّهَادَة عِنْد الْإِطْلَاق خرقا للْعَادَة إِظْهَارًا لصدقهم (وَلَيْسَ كمثله شَيْء) لَيْسَ (من مَحل النزاع) وَهُوَ مجَاز العلاقة لِأَنَّهُ من مجَاز الزِّيَادَة، أَلا ترى إِلَى تَعْلِيلهم: أَي الظَّاهِرِيَّة بِأَنَّهُ كذب، إِذْ لَا كذب فِي مجَاز الزِّيَادَة (وَقد أُجِيب) أَيْضا من قبلهم بِغَيْر هَذَا، فَأُجِيب (تَارَة بِأَنَّهُ) أَي لَيْسَ كمثله شَيْء لنفي التَّشْبِيه (حَقِيقَة) فالكاف مستعملة فِي مفهومها الوضعي (والمثل يُقَال لنَفسِهِ) أَي لنَفس الشَّيْء وذاته فَيُقَال (لَا يَنْبَغِي لمثلك) كَذَا: أَي لَك، قَالَ الله تَعَالَى - {فَإِن آمنُوا} - (بِمثل مَا آمنتم بِهِ) أَي بِمَا آمنتم بِهِ: وَهُوَ الْقُرْآن وَدين الْإِسْلَام، فَالْمَعْنى لَيْسَ كذاته شَيْء (وَتَمَامه) أَي تَمام هَذَا الْجَواب (باشتراك) لفظ (مثل) بَين النَّفس والتشبيه

إِذْ لَا ريب فِي كَونه حَقِيقَة فِي التَّشْبِيه، فَإِن كَانَ حَقِيقَة فِي النَّفس أَيْضا ثَبت الِاشْتِرَاك (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِي النَّفس حَقِيقَة بل كَانَ مجَازًا (ثَبت نقيض مطلوبهم) أَي الظَّاهِرِيَّة، وَهُوَ وجود الْمجَاز فِي الْقُرْآن (وَهُوَ) أَي الِاشْتِرَاك (مَمْنُوع) أَي غير وَاقع عَدمه وَالْمجَاز أولى مِنْهُ (وَتارَة) بِأَن لَيْسَ كمثله شَيْء (حَقِيقَة) على أَن الْكَاف بِمَعْنى مثل وكل مِنْهُمَا غير زَائِد (إِمَّا لنفي مثل مثله وَيلْزمهُ) أَي وَيلْزم (نفي) مثل (مثله وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يلْزمه (تنَاقض لِأَنَّهُ) تَعَالَى (مثل مثله) تَوْضِيحه أَنه على تَقْدِير نفي مثل مثله لَو تحقق مثله لزم اجْتِمَاع النقيضين: انْتِفَاء وجود مثل الْمثل، وَوُجُود مثل الْمثل، أما الأول فَلِأَنَّهُ الْمَنْطُوق الْمَدْلُول لقَوْله - {لَيْسَ كمثله} - وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مَوْجُود وَهُوَ مثل مثله الْمَفْرُوض وجوده (وللزوم التَّنَاقُض) على تَقْدِير أَن لَا يلْزمه نفي مثله (انْتَفَى ظُهُوره) أَي ظُهُور نفي مثل مثله) (فِي إِثْبَات مثله) دفع لما قيل من أَنه يلْزم على تَقْدِير كَون الْكَاف بِمَعْنى الْمثل إِثْبَات الْمثل من حَيْثُ دلَالَة اللَّفْظ ظَاهر إِذْ لَا يَنْفِي عَادَة نَظِير الشَّيْء الا اذا كَانَ ذَلِك الشئ مَعْلُوم الْوُجُود، وَإِنَّمَا جعل دلَالَته ظَاهرا لَا نصا لجَوَاز عقلا نفى نَظِير الشئ مَعَ كَون ذَلِك الشَّيْء مَعْدُوما (وَبِه) أَي بِلُزُوم التَّنَاقُض على تَقْدِير وجود الْمثل مَعَ نفي الْمثل (ينْدَفع دَفعه) أَي دفع هَذَا الْجَواب الْقَائِل أَن الْكَاف بِمَعْنى الْمثل، وَلَيْسَ زَائِدا والدافع ابْن الْحَاجِب (باقتضائه) أَي الْجَواب الْمَذْكُور: وَهُوَ صلَة الدّفع (إِثْبَات الْمثل فِي مقَام نَفْيه) أَي نفي الْمثل (و) إِذْ قد عرفت أَن لُزُوم التَّنَاقُض صرف عَن حمل التَّرْكِيب على إِثْبَات الْمثل بِهِ ينْدَفع (ظُهُوره) أَي ظُهُور لَيْسَ كمثله على تَقْدِير كَون الْكَاف بِمَعْنى الْمثل (فِيهِ) أَي فِي إِثْبَات الْمثل (وَجعل هَذَا) الدّفع (مُرَتبا على الْجَواب الأول) كَون الْمثل بِمَعْنى الذَّات على مَا وَقع فِي حَوَاشِي الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (سَهْو) لِأَن نفي مثل ذَاته لَا يَقْتَضِي إِثْبَات الْمثل فِي مقَام نَفْيه (وَأما لنفي شبه الْمثل) مَعْطُوف على قَوْله: أما لنفي مثل مثله لَا فرق بَينهمَا بِاعْتِبَار إِرَادَة الْمثل من الْكَاف لَكِن الثَّانِي اعْتبر فِيهِ الْمَعْنى الكوني وَحَاصِله أَنه تَارَة ينْسب إِلَى مثل الشَّيْء أَمر إِذا نظرت فِيهِ وجدته أليق انتسابا إِلَى ذَلِك الشَّيْء فَيكون الحكم بِهِ على الْمثل كِنَايَة عَن الحكم بِهِ على ذَلِك الشَّيْء كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فينتفى الْمثل بِأولى) أَي بطرِيق أولى (كمثلك لَا يبخل) فَإِن مثله من حَيْثُ أَنه مثله إِذا انْتَفَى عَنهُ الْبُخْل كَانَ ذَاته أولى بانتفائه، وَهَهُنَا إِذا فرض لذاته المقدسة نَظِير تَعَالَى شَأْنه كَانَ ذَلِك الْمَفْرُوض عديم النظير، فَكيف يتَصَوَّر أَن لَا يكون هُوَ تَعَالَى عديم النظير (وَلَا شكّ أَن اقْتِضَاء شبه صفته انْتِفَاء الْبُخْل) إِنَّمَا أضَاف اقْتِضَاء انْتِفَاء الْبُخْل إِلَى شبه صفته، لَا إِلَى شبهه كَمَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِر، لِأَن الْبُخْل الْمَنْفِيّ عَن شبهه إِنَّمَا هُوَ مُقْتَضى صفة كَمَال فِي ذَات الْمُشبه وَتلك الصّفة شَبيهَة صفة من قصد انْتِفَاء بخله أَصَالَة فَافْهَم (أولى) خبر أَن (مِنْهُ)

أَي من قصد اقْتِضَاء شبه صفته انْتِفَاء الْبُخْل (اقْتِضَاء صفته) انْتِفَاء الْبُخْل، وَقَوله اقْتِضَاء فَاعل أولى، هَذَا على رَأْي بعض النُّحَاة، وَأما على رَأْي الْأَكْثَر، فَالْخَبَر الْجُمْلَة اقْتِضَاء صفته مُبْتَدأ وَأولى خَبره أَو الْعَكْس كَمَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ (لَكِن لَيْسَ مِنْهُ) أَي من بَاب مثلك لَا يبخل (مَا نَحن فِيهِ من نفي مثل الْمثل) لينتفي الْمثل، كلمة من لبَيَان الْمَوْصُول (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يكون مَا نَحن فِيهِ من ذَلِك الْبَاب (لم يَصح نفي مثل لِثَابِت) مُتَعَلق بِمثل الثَّانِي: أَي لشخص ثَابت لَهُ مثل فَاعل ثَابت وَاحِد فضلا عَن الْأَكْثَر لكنه: أَي نفي مثل لما هُوَ ثَابت (لَهُ مثل وَاحِد لكنه) أَي نفي مثل هُوَ لما ثَابت لَهُ مثل (صَحِيح فَإِذا قيل لَيْسَ مثل مثل زيد أحد) اسْم لَيْسَ قدم عَلَيْهِ خَبره (اقْتضى ثُبُوت مثل لزيد) وَلقَائِل أَن يَقُول يجوز أَن يكون لَيْسَ كمثله من قبيل مثلك لَا يبخل وَلَا يلْزم مِنْهُ عدم صِحَة نفي مَا ذكره لجَوَاز أَن يسْتَعْمل لَيْسَ مثل مثله تَارَة لنفي الْمثل وَتارَة لنفي مثل الْمثل مَعَ وجود الْمثل وَيتَعَيَّن كل مِنْهُمَا بِحَسب الْقَرَائِن، فَفِي مثلك لَا يبخل الْعلم بِوُجُود الْمثل حَاصِل، والقرينة دَالَّة على أَن المُرَاد نفي الْبُخْل عَمَّن أضيف إِلَيْهِ الْمثل بطرِيق أولى، فَعِنْدَ اسْتِعْمَال لَيْسَ كمثله إِن كَانَ الْعلم بِوُجُود الْمثل حَاصِلا لم يكن المُرَاد نفي الْمثل بطرِيق أولى، وَإِن لم يعلم وجود الْمثل وَكَانَ سوق الْكَلَام لنفي الْمثل كَانَ المُرَاد نَفْيه بطرِيق أولى، نعم يتَّجه أَن يُقَال هَذَا التَّأْوِيل وَإِن جَازَ على سَبِيل التَّكْلِيف، لَكِن الْمُتَبَادر من اللَّفْظ نفي مثل الْمثل مَعَ وجود الْمثل كَمَا لَا يخفى على من لَهُ ذوق الْعَرَبيَّة، وسيشير إِلَيْهِ (وَصرف) مَا حققناه من أَن مُقْتَضى لَيْسَ مثل زيد ثُبُوت مثل لزيد وَأَنه يسْتَلْزم ثُبُوت زيد أَيْضا (لُزُوم التَّنَاقُض) اللَّازِم من نفي مثل مثله على مَا بَيناهُ (إِلَى نفي مثل) آخر (غير زيد) أَي صرف مَا ذكر انصراف النَّفْي عَمَّا يسْتَلْزم التَّنَاقُض من نفي مُطلق مثل الْمثل إِلَى نفي الْمثل الْخَاص (فَلم يتحد مَحل النَّفْي وَالْإِثْبَات) فَمحل النَّفْي مثل الْمثل الذى غير زيد، وَمحل الْإِثْبَات مثل الْمثل الَّذِي هُوَ زيد، وَيحْتَمل أَن يكون لُزُوم التَّنَاقُض فَاعل صرف، الْمَعْنى صَار لُزُوم التَّنَاقُض الْمَذْكُور قرينَة صارفة لحمل النَّفْي عَن الْإِطْلَاق إِلَى التَّخْصِيص (وَهُوَ) أَي الصّرْف الْمَذْكُور (أظهر من صرفه) أَي من صرف لُزُوم التَّنَاقُض (السَّابِق) أَي الَّذِي سبق ذكره القَوْل الْمَذْكُور، يَعْنِي لَيْسَ كمثله (عَن ظُهُوره) أَي القَوْل الْمَذْكُور (فِي إِثْبَات الْمثل) إِلَى نفي الْمثل مُطلقًا (لأسبقية هَذَا) أَي إِثْبَات الْمثل إِلَى الْفَهم (من التَّرْكِيب) الْمَذْكُور غير أَن الصّرْف السَّابِق بِهِ يفتح جَوَاب الظَّاهِرِيَّة وَهَذَا يُبطلهُ كَمَا لَا يخفى (فَالْوَجْه ذَلِك الدّفع) أَي دفع دفع ابْن الْحَاجِب كَون التَّرْكِيب لنفي مثل مثله وَيلْزمهُ نفي مثله باقتضائه إِثْبَات الْمثل فِي مقَام نَفْيه بِجعْل لُزُوم التَّنَاقُض قرينَة صارفة عَن ظُهُور التَّرْكِيب فِي إِثْبَات الْمسند.

مسئلة

مسئلة (اخْتلف فِي كَون الْمجَاز نقليا) فَقَائِل قَالَ لَيْسَ نقليا وَآخر قَالَ نقلي، ثمَّ اخْتلفُوا (فَقيل) يشْتَرط النَّقْل (فِي آحاده) فَلَا بُد فِي كل فَرد من الْمجَاز من نقل عَن الْعَرَب أَنهم استعملوه فِي خُصُوص ذَلِك الْمَعْنى الْمجَازِي (وَقيل) يشْتَرط (فِي نوع العلاقة) فَيشْتَرط فِي كل مجَاز أَن ينْقل عَن الْعَرَب اعْتِبَار نوع علاقته (وَهُوَ) أَي هَذَا القَوْل هُوَ (الْأَظْهر) وَمن قَالَ لَا يشْتَرط ذَلِك قَالَ يَكْفِي وجود علاقَة مصححة للانتقال عَمَّا وضع لَهُ إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي بمعاونة الْقَرِينَة (فالشارط) للنَّقْل فِي نوع العلاقة يَقُول معنى اشْتِرَاطه للعلاقة (أَن يَقُول) الْوَاضِع (مَا) أَي معنى (بَينه وَبَين) معنى (آخر) وَهُوَ مَا وضع لَهُ اللَّفْظ (اتِّصَال كَذَا) كِنَايَة عَن العلاقة (إِلَى آخِره) أَي أجزت أَن يسْتَعْمل فِيهِ من غير احْتِيَاج إِلَى نقل آحاده، والشارط للنَّقْل فِي الْآحَاد يشْتَرط سَمَاعه مِنْهُم فِي عين كل صُورَة (وَالْمُطلق) للْجُوَاز من غير اشْتِرَاط نقل فِي الْآحَاد وَلَا فِي النَّوْع يَقُول (الشَّرْط) فِي صِحَة التَّجَوُّز أَن يكون (بعد وضع التَّجَوُّز) أَي بعد تعْيين الْوَاضِع اللَّفْظ للاستعمال فِي غير مَا وضع لَهُ عِنْد الْقَرِينَة الصارفة والمعينة (اتِّصَال) بَين المتجوز بِهِ والمجوز عَنهُ (فِي ظَاهر) الْأَوْصَاف المختصة بالمتجوز عَنهُ، فَحَيْثُ وجد لم يتَوَقَّف على غَيره (وعَلى النَّقْل) أَي على القَوْل بِاشْتِرَاط النَّقْل نوعا (لَا بُد من الْعلم بِوَضْع نوعها) أَي بِتَعْيِين الْوَاضِع اللَّفْظ للاستعمال فِي غير مَا وضع لَهُ مِمَّا لَهُ نوع اتِّصَال بالموضوع لَهُ من الْأَنْوَاع الْمُعْتَبرَة: وَإِلَّا لَكَانَ اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي ذَلِك وضعا جَدِيدا أَو غير مُعْتَد بِهِ (وَاسْتدلَّ) للمطلق بِأَنَّهُ (على التَّقْدِيرَيْنِ) أَي تَقْدِير شَرط نقل الْآحَاد، وَتَقْدِير شَرط نقل الْأَنْوَاع (لَو شَرط) أَحدهمَا (توقف أهل الْعَرَبيَّة) فِي كل تجوز على التَّقْدِير الأول، وَفِي كل نوع من التَّجَوُّز على التَّقْدِير الثَّانِي (وَلَا يتوقفون أَي فِي) أَحْدَاث (الْآحَاد و) لَا فِي (أَحْدَاث أَنْوَاعهَا) أَي العلاقة، وَمن ثمَّة لم يدونوا المجازات تدوينهم الْحَقَائِق (وَهُوَ) أَي هَذَا الدَّلِيل (منتهض) أَي قَائِم ثَابت (فِي الأول) أَي فِي عدم اشْتِرَاط النَّقْل فِي الْآحَاد (مَمْنُوع) بطلَان (التَّالِي) أَي لَا نسلم عدم التَّوَقُّف (فِي الثَّانِي) وَهُوَ عدم اشْتِرَاط النَّقْل فِي الْأَنْوَاع، تَقْرِيره وَلَو اشْترط النَّقْل فِي الْأَنْوَاع لتوقفوا فِيهَا، لكِنهمْ لَا يتوقفون، فاستثناء نقيض التَّالِي مَمْنُوع (وعَلى الْآحَاد) أَي وَاسْتدلَّ على عدم اشْتِرَاط النَّقْل فِي الْآحَاد بِأَنَّهُ (لَو شَرط النَّقْل فِيهَا (لم يلْزم الْبَحْث عَن العلاقة) لِأَن النَّقْل بِدُونِهَا مُسْتَقلَّة بِتَصْحِيحِهِ حِينَئِذٍ فَلَا معنى للبحث فِيهَا لكنه لَازم بإطباق أهل الْعَرَبيَّة فَلَا يشْتَرط النَّقْل فِي الْآحَاد (وَدفع أَن أُرِيد نفي التَّالِي) أَي عدم لُزُوم الْبَحْث عَن العلاقة (فِي) حق (غير الْوَاضِع منعناه) أَي نفي التَّالِي لِأَنَّهُ

المعرفات للمجاز

لَا يلْزم عَلَيْهِ الْبَحْث عَنْهَا (بل يَكْفِيهِ) أَي غير الْوَاضِع (نَقله) أَي نقل كل وَاحِد من الْآحَاد عِنْد اسْتِعْمَاله (وبحثه) عَن العلاقة (للكمال) وَهُوَ الِاطِّلَاع على الْحِكْمَة الباعثة لاستعمال من نقل عَنهُ اللَّفْظ فِي ذَلِك الْمعِين (أَو) أُرِيد نفي التَّالِي (فِيهِ) أَي حق الْوَاضِع (منعنَا الْمُلَازمَة) فَإِن الْوَاضِع مُحْتَاج إِلَى معرفَة الْمُنَاسبَة بَين الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي المسوغة للتجوز (و) الْوَاضِع (غير) مَحل (النزاع) فَإِن النزاع فِي غير الْوَاضِع (قَالُوا) أَي الشارطون للنَّقْل (لَو لم يشْتَرط) النَّقْل فِيهَا (جَازَ) أَن يسْتَعْمل (نَخْلَة لطويل غير إِنْسَان) للمشابهة فِي الطول كَمَا جَازَت للْإنْسَان الطَّوِيل (وشبكة للصَّيْد) للمجاورة بَينهمَا (وَابْن لِأَبِيهِ) إطلاقا للمسبب على السَّبَب (وَقَلبه) أَي أَب لِابْنِهِ إطلاقا للسبب على الْمُسَبّب (وَهَذَا) الدَّلِيل (للْأولِ) أَي الْقَائِل بِاشْتِرَاط نقل فِي الْآحَاد (وَالْجَوَاب وجوب تَقْدِير الْمَانِع) فِي أَمْثَال هَذِه الصُّور (للْقطع بِأَنَّهُم) أَي أهل الْعَرَبيَّة (لَا يتوقفون) عَن استعمالات مجازات لم تسمع أعيانها بعد تحقق نوع عَن العلاقات الْمُعْتَبرَة وتخلف الصِّحَّة عَن الْمُقْتَضى فِي بعض الصُّور لمَانع مَخْصُوص بهَا لَا يقْدَح فِي الِاقْتِضَاء، إِذْ عدم الْمَانِع لَيْسَ جُزْءا من الْمُقْتَضى، وَقَالَ صدر الشَّرِيعَة: إِنَّمَا لم يجز نَخْلَة لطويل غير إِنْسَان لانْتِفَاء المشابهة فِيمَا لَهُ مزِيد اخْتِصَاص بالنخلة وَهُوَ الطول مَعَ فروع وأغصان فِي أعاليها وطراوة وتمايل فِيهَا، وَفِيه أَنه لَو فرض مَا يشاركها فِيمَا ذكر لَا يسْتَعْمل فِيهَا أَيْضا فَتَأمل. المعرفات للمجاز (يعرف الْمجَاز بتصريحهم) أَي أهل اللُّغَة (باسمه) أَي الْمجَاز كَهَذا اللَّفْظ مجَاز فِي كَذَا (أَو حَده) بِأَن يُصَرح بِحَدّ الْمجَاز كَهَذا اللَّفْظ مُسْتَعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ (أَو بعض لوازمه) كاستعماله فِي كَذَا يتَوَقَّف على العلاقة (وبصحة نفي مَا) أَي معنى (لم يعرف) معنى حَقِيقِيًّا (لَهُ) أَي للفظ، وَهُوَ الْمُسْتَعْمل فِيهِ عَن الْمَعْنى الْمَعْرُوف كَونه حَقِيقِيًّا لَهُ (فِي الْوَاقِع) مُتَعَلق بِالصِّحَّةِ كَقَوْلِك: للبليد حمَار فَإِنَّهُ يَصح فِيهِ أَن يُقَال الْحمار لَيْسَ ببليد، وَغَيره جعل العلاقة صِحَة نفي الْحَقِيقِيّ عَن الْمُسْتَعْمل فِيهِ وهما متلازمان، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْوَاقِع لصِحَّة سلب الْإِنْسَان لُغَة وَعرفا عَن الفاقد بعض الصِّفَات الإنسانية المعتد بهَا، وَعَكسه بِنَاء على اعتبارات خطابية (قيل) وَالْقَائِل ابْن الْحَاجِب (وَعَكسه) وَهُوَ عدم صِحَة نفي مَا لم يعرف حَقِيقِيًّا لَهُ (دَلِيل الْحَقِيقَة) كَعَدم صِحَة نفي الإنسانية عَن البليد وَعَكسه فَإِنَّهُ دَلِيل على أَنه إِنْسَان حَقِيقَة (وَاعْترض) والمعترض الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (بِالْمُسْتَعْملِ فِي الْجُزْء وَاللَّازِم) الْمَحْمُول كاسنان

(من قَوْلنَا عِنْد نفي خَواص الإنسانية) عَن زيد مقول القَوْل (مَا زيد بِإِنْسَان أَي كَاتب) إِن اسْتعْمل فِي اللَّازِم (أَو نَاطِق) إِن اسْتعْمل فِي الْجُزْء حَاصِل الِاعْتِرَاض أَنكُمْ قُلْتُمْ صِحَة النَّفْي دَلِيل الْحَقِيقَة وَلَفظ إِنْسَان فِي الْمِثَال الْمَذْكُور سَوَاء اسْتعْمل فِي كَاتب أَو نَاطِق مجَاز بِلَا شُبْهَة مَعَ أَنه (لَا يَصح النَّفْي) فِيهِ فقد وجد الدَّلِيل (وَلَا حَقِيقَة) فَتخلف الْمَدْلُول عَن الدَّلِيل وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصح نفي الْإِنْسَان عَن الْكَاتِب وَلَا عَن النَّاطِق، لِأَن كل كَاتب إِنْسَان، وَكَذَا كل نَاطِق إِنْسَان، ورد عَلَيْهِ المُصَنّف بقوله: (وَالْحق الصِّحَّة) أَي صِحَة النَّفْي (فيهمَا) أَي فِي كَاتب وناطق فَيصح أَن يُقَال: الْكَاتِب لَيْسَ بِإِنْسَان، وَكَذَا النَّاطِق لَيْسَ بِإِنْسَان على أَن تكون الْقَضِيَّة طبيعية: إِذْ لَيْسَ مَفْهُوم الْإِنْسَان غير شَيْء مِنْهُمَا وَإِن كَانَ مَحْمُولا على أَفْرَاد كل مِنْهُمَا على أَن تكون الْقَضِيَّة متعارفة (قيل) على مَا فِي شرح العضدي (وَأَن يعرف لَهُ مَعْنيانِ) مَعْطُوف على مَدْخُول الْبَاء فِي قَوْله بتصريحهم: أَي وَيعرف الْمجَاز بِأَن يعرف للفظ مَعْنيانِ (حَقِيقِيّ ومجازي) بدل من مَعْنيانِ (ويتردد فِي المُرَاد) مِنْهُمَا فِي مورده فَكل من الْمَعْنيين بِخُصُوصِهِ مَعْلُوم، وَهَذَا حَقِيقِيّ، وَهَذَا مجازي، غير أَنه لَا يعرف المُرَاد بِخُصُوصِهِ، وَيعرف أَن أَحدهمَا مُرَاد (فصحة) نفي (الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ) عَن الْإِرَادَة فِي مثل هَذَا المورد (دَلِيله) أَي دَلِيل كَون اللَّفْظ مُسْتَعْملا فِي الْمَعْنى الْمجَازِي (وَلَيْسَ) هَذَا القَوْل (بِشَيْء) يعْتد بِهِ (لِأَن الحكم بِالصِّحَّةِ) أَي بِصِحَّة نفي الْحَقِيقِيّ عَن الْإِرَادَة فِي هَذَا المورد (يحِيل الصُّورَة) الْمَذْكُورَة أَي يحِيل كَونهَا مِمَّا يعرف بِهِ كَون اللَّفْظ مجَازًا (لِأَنَّهُ) أَي الحكم بِأَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ غير مُرَاد فِيهَا (فرع عدم التَّرَدُّد) فِي المُرَاد بِخُصُوصِهِ، وَالْعلم بِأَن الْمَعْنى الْمجَازِي مُرَاد: فالعلم بمجازية اللَّفْظ على هَذَا مقدم على الحكم بِالصِّحَّةِ، فَكيف يكون الحكم بهَا دَلِيل المجازية (وَإِن أُرِيد) بِكَوْن صِحَة نفي الْحَقِيقِيّ دَلِيلا إِثْبَات الدّلَالَة (لظُهُور الْقَرِينَة) الْمقيدَة للمجازية (بِالآخِرَة) بعد التَّرَدُّد بِسَبَب التَّأَمُّل إِسْنَادًا لوصف الشَّيْء إِلَى سَببه (فقصور) أَي فَهَذَا التَّأْوِيل قُصُور عَن فهم مَا يلْزمه من الْوُقُوع فِيمَا هُوَ أوهن (إِذْ حَاصله) أَي حَاصِل هَذَا التَّأْوِيل أَنه (إِذا دلّت الْقَرِينَة على أَن اللَّفْظ مجَاز فَهُوَ مجَاز) وَلَا طائل تَحْتَهُ: إِذْ حَاصله أَنه إِذا قَامَ دَلِيل المجازية يحكم بِمُوجبِه (وَمَعْلُوم وجوب الْعلم بِالدَّلِيلِ، و) يعرف الْمجَاز (بِأَن يتَبَادَر) من اللَّفْظ إِلَى الْفَهم (غَيره) أَي غير الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ (لَوْلَا الْقَرِينَة) فَلَو كَانَ حَقِيقَة لما تبادر غَيره (وَقَلبه) أَي قلب مَا ذكر وَهُوَ لَا يتَبَادَر غير الْمُسْتَعْمل فِيهِ لَوْلَا الْقَرِينَة الدَّالَّة على المُرَاد غَيره (عَلامَة الْحَقِيقَة) فَمَا ذكره مطردَة منعكسة (وإيراد الْمُشْتَرك) نفضا على عَلامَة الْحَقِيقَة (إِذْ لَا يتَبَادَر فِيهِ الْمَعْنى (الْمعِين) الْمُسْتَعْمل فِيهِ، وَعدم تبادر غير الْمُسْتَعْمل فِيهِ يدل على كَون الْمُسْتَعْمل فِيهِ

متبادرا عرفا (وَهُوَ) أَي الْمُشْتَرك (حَقِيقَة فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْمعِين (مَبْنِيّ على) اشْتِرَاط (انعكاس الْعَلامَة وَهُوَ) أَي اشْتِرَاط انعكاسها (مُنْتَفٍ) بل الشَّرْط اطرادها فَقَط (واصلاحه) أَي تَوْجِيه إِيرَاد الْمُشْتَرك على عَلامَة الْمجَاز، وَهُوَ أَن يُقَال الْمُشْتَرك على عَلامَة الْمجَاز، وَهُوَ أَن يُقَال الْمُشْتَرك لَيْسَ بمجاز، وعلامة الْمجَاز مَوْجُودَة فِيهِ: إِذْ الْمُتَبَادر مِنْهُ غير مَا اسْتعْمل فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (تبادر غَيره) خبر اصلاحه على الْمُسَامحَة (وَهُوَ) أَي غير الْمُسْتَعْمل فِيهِ (الْمُبْهم) يعين أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين (إِلَّا بِقَرِينَة) تعين أَحدهمَا بِعَيْنِه، اسْتثِْنَاء من أَعم الْأَحْوَال أَي تبادر غَيره فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا حَال كَونه متلبسا بِقَرِينَة (وَدفعه) أَي دفع الْإِيرَاد الْمَذْكُور (بِأَن فِي معنى التبادر) أَي تبادر الْغَيْر مَأْخُوذ (أَنه) أَي الْغَيْر (مُرَاد، وَهُوَ) أَي الْمَعْنى الْمَذْكُور (مُنْتَفٍ بالمبهم، واندفع مَا) ذكر من إِيرَاد الْمُشْتَرك (إِذا قرر) بِوَجْه آخر مشار إِلَيْهِ بقوله (بِمَا إِذا اسْتعْمل) الْمُشْتَرك (فِي) معنى (مجازي) مَا مَصْدَرِيَّة، وَإِذا زَائِدَة (فَإِنَّهُ لَا يتَبَادَر) حِينَئِذٍ (غَيره) أَي غير ذَلِك الْمجَاز لما عرفت من أَن المُرَاد تبادر الْغَيْر من حَيْثُ أَنه مُرَاد (فَبَقيت عَلامَة الْحَقِيقَة فِي الْمجَاز) ثمَّ أَفَادَ وَجه الاندفاع بقوله (بِأَن عَلامَة الْحَقِيقَة تبادر الْمَعْنى) الْمُسْتَعْمل فِيهِ (لَوْلَا الْقَرِينَة وَهُوَ المُرَاد بِعَدَمِ تبادر غَيره) أَي لَا يَكْفِي فِي الْحَقِيقَة مُجَرّد عدم تبادر غير الْمُسْتَعْمل فِيهِ: بل لَا بُد مَعَ ذَلِك من تبادر الْمُسْتَعْمل فِيهِ بِدُونِ الْقَرِينَة (فَلَا وُرُود لهَذَا) الْإِيرَاد (إِذْ لَيْسَ يتَبَادَر) الْمَعْنى (الْمجَازِي) من لفظ الْمُشْتَرك حَتَّى يكون حَقِيقَة (ثمَّ هُوَ) أَي هَذَا التَّقْرِير (يُنَاقض مناضلة الْمُقَرّر) أَي مباراته ومجادلته: يَعْنِي القَاضِي عضد الدّين (فِيمَا سلف) فِي مسئلة عُمُوم الْمُشْتَرك بتنصيصه (على أَن الْمُشْتَرك ظَاهر فِي كل معِين ضَرْبَة) أَي دفْعَة وَاحِدَة (عِنْد عدم قرينَة معِين، و) يعرف الْمجَاز أَيْضا (بِعَدَمِ اطراده) أَي اللَّفْظ (بِأَن اسْتعْمل) فِي مَحل (بِاعْتِبَار، وَامْتنع) اسْتِعْمَاله (فِي) مَحل (آخر مَعَه) أَي مَعَ ذَلِك الِاعْتِبَار (كاسأل الْقرْيَة دون) اسْأَل (الْبسَاط) فَإِن لفظ اسْأَل اسْتعْمل فِي سُؤال الْقرْيَة بِاعْتِبَار نسبته إِلَى أَهلهَا، وَلم يسْتَعْمل فِي سُؤال الْبسَاط بِاعْتِبَار نسبته إِلَى أَهلهَا، فَلَو كَانَ اسْتِعْمَاله بذلك الِاعْتِبَار على مَا يَقْتَضِيهِ وَضعه الْأَصْلِيّ لما اخْتلف بِاعْتِبَار الْمجَاز (وَلَا تنعكس) هَذِه الْعَلامَة: أَي لَيْسَ الاطراد دَلِيل الْحَقِيقَة فَإِن الْمجَاز قد يطرد كالأسد للشجاع (وَأورد) على هَذِه الْعَلامَة: أَعنِي عدم الاطراد (السخي والفاضل امتنعا فِيهِ تَعَالَى مَعَ) وجود (المناط) أَي منَاط إطلاقهما، وَهُوَ الْجُود وَالْعلم فِي حَقه تَعَالَى، فقد تحقق فيهمَا عدم الاطراد وَلم يتَحَقَّق الْمجَاز (والقارورة) امْتنع اسْتِعْمَاله (فِي الدن) أَي لَا يُسمى قَارُورَة مَعَ وجود المناط فقد تحقق فِيهَا عدم الاطراد

وَهُوَ كَونه مقرا للمائع (وَأجِيب بِأَن عَدمه) أَي عدم اسْتِعْمَال هَذِه الْأَلْفَاظ فِيمَا ذكر (لُغَة عرف تقييدها) أَي الْمَذْكُورَات (بِكَوْنِهِ) أَي الْجُود (مِمَّن شَأْنه أَن يبخل و) الْعلم مِمَّن شَأْنه أَن (يجهل و) الْمقر (بالزجاجية) فَانْتفى منَاط الْإِطْلَاق فِيمَا امْتنع اسْتِعْمَالهَا فِيهِ، ثمَّ تعقب هَذَا الْجَواب بقوله (وَيَجِيء مثله) أَي مثل هَذَا الْجَواب (فِي الْكل) أَي فِي كل مَادَّة يَجْعَل فِيهَا عدم الاطراد عَلامَة للمجاز (إِذْ لَا بُد من خُصُوصِيَّة) لذَلِك الْمحل الْمُسْتَعْمل فِيهِ (فتجعل) تِلْكَ الخصوصية (جُزْءا) من المناط (و) يعرف المناط أَيْضا (بجمعه) أَي اللَّفْظ (على خلاف مَا عرف لمسماه) أَي إِذا كَانَ للاسم جمع بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ، وَقد اسْتعْمل فِي معنى آخر لَا يعلم كَونه حَقِيقَة فِيهِ غير أَنه جمعه بِاعْتِبَار ذَلِك الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ الآخر مُخَالف لجمعه بِاعْتِبَار الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَاف دَلِيلا على أَنه مجَاز فِي الْمَعْنى الآخر كالأمر فان جمعه بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ وَهُوَ الصِّيغَة الْمَخْصُوصَة أوَامِر، وَبِاعْتِبَار الْفِعْل أُمُور فَدلَّ على أَنه مجَاز فِيهِ (دفعا للاشتراك) اللَّفْظِيّ لِأَنَّهُ خير مِنْهُ (وَهَذَا) الَّذِي علل بِهِ كَون الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور عَلامَة للمجاز (فِي التَّحْقِيق يُفِيد أَن لَا أثر لاخْتِلَاف الْجمع) إِذْ الْمُؤثر إِنَّمَا هُوَ الِاحْتِرَاز عَن الِاشْتِرَاك، فَإِن الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور كَمَا يتَحَقَّق بِاعْتِبَار الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، كَذَلِك يتَحَقَّق بِاعْتِبَار الِاشْتِرَاك فَلَا اخْتِصَاص لَهُ بِأَحَدِهِمَا دون الآخر (وَلَا تنعكس) هَذِه الْعَلامَة، إِذْ لَيْسَ كل مجَاز يُخَالف جمعه جمع الْحَقِيقَة فَإِن الْأسد بِمَعْنى الشجاع، وَالْحمار بِمَعْنى البليد يجمعان على أَسد وحمر، وَهَذَا الْكَلَام يُؤَيّد مَا قبله. قَالَ الشَّارِح لَا حَاجَة إِلَى قَوْله (كَالَّتِي قبلهَا) لتصريحه بِهِ ثمَّة قلت لَعَلَّه أَشَارَ بِهِ إِلَى وَجه إيرادها متصلين (و) يعرف الْمجَاز أَيْضا (بِالْتِزَام تَقْيِيده) أَي اللَّفْظ عِنْد اسْتِعْمَاله فِي الْمَعْنى المتردد فِيهِ بِشَيْء من لوازمه كجناح الذل، ونار الْحَرْب، وَنور الْإِيمَان، فَإِنَّهَا فِي مَعَانِيهَا الْحَقِيقَة تسْتَعْمل مُطلقَة، وَفِي هَذِه بِهَذِهِ الْقُيُود، فَهَذَا الِالْتِزَام دَلِيل التَّجَوُّز: إِذْ لَو كَانَت حَقِيقَة فِيهَا لاستعملت فِيهَا مُطلقَة كَمَا تسْتَعْمل فِي مَعَانِيهَا الْمَشْهُورَة كَمَا هُوَ أصل اللُّغَة فِي الاستعمالات الْحَقِيقِيَّة، وَهَذِه الْعَلامَة قد لَا تُوجد فِي بعض المجازات اعْتِمَادًا على الْقَرَائِن، وَإِنَّمَا اعْتبر الِالْتِزَام احْتِرَازًا عَن الْمُشْتَرك، فَإِنَّهُ رُبمَا يُقيد كرأيت عينا جَارِيَة، لَكِن من غير الْتِزَام (و) يعرف الْمجَاز أَيْضا (بتوقف إِطْلَاقه) أَي اللَّفْظ للمعنى المتردد فِيهِ الَّذِي هُوَ وصف مُتَعَلق بموصوف (على) ذَلِك (مُتَعَلقَة) صلَة للتوقف حَال كَونه فِي ذَلِك الْإِطْلَاق (مُقَابلا للْحَقِيقَة) بِأَن يسْتَعْمل قبيل هَذَا الْإِطْلَاق فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ نَحْو قَوْله تَعَالَى {ومكروا ومكر الله} فَإِن إِطْلَاق الْمَكْر على الْمَعْنى اللَّائِق بجناب الْحق سُبْحَانَهُ مقرون بِذكر مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ، وَهُوَ الذَّات الْمُقَدّس الْمُتَعَلّق

مسئلة

بذلك الْمَعْنى، وَقد قَابل إِطْلَاقه لهَذَا الْمَعْنى إِطْلَاقه لمعناه الْحَقِيقِيّ الْقَائِم بِمَا عبر عَنهُ بضمير الْجمع، وَصِحَّة هَذَا التَّمْثِيل مَبْنِيّ (على أَنه) أَي الْمجَاز لفظ (مكر الْمُفْرد وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر التَّجَوُّز فِي لفظ مكر، بل فِي نِسْبَة مكر الذَّات الْمُقَدّس (فَلَيْسَ) الْمِثَال على ذَلِك التَّقْدِير (الْمَقْصُود) أَي مطابقا لما قصد من الْمجَاز اللّغَوِيّ (كالتمثيل لعدم الاطراد باسأل الْقرْيَة) فَإِنَّهُ غير مُطَابق للقصد، لِأَن الْمجَاز فِي النِّسْبَة، لَا فِي الْمُفْرد الَّذِي هُوَ الْمَقْصد، ثمَّ علل قَوْله فَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصد بقوله، (فَإِن الْكَلَام فِي) الْمجَاز (اللّغَوِيّ لَا) الْمجَاز (الْعقلِيّ) الَّذِي هُوَ الْمجَاز فِي النِّسْبَة. مسئلة (إِذا لزم) كَون اللَّفْظ (مُشْتَركا) بَين مُسَمَّاهُ الْمَعْرُوف، والمتردد فِيهِ لم يكن مجَازًا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مُشْتَركا لزم كَونه (مجَازًا) فِي المتردد فِيهِ (لزم مجَازًا) أَي لزم اعْتِبَار كَونه مجَازًا فِيهِ، وَهُوَ جَزَاء الشَّرْط وَحَاصِله أَنه إِذا دَار الْأَمر بَين الِاشْتِرَاك والتجوز تعين اخْتِيَار التَّجَوُّز (لِأَنَّهُ) أَي الْحمل على التَّجَوُّز (لَا يخل بالحكم) بِمَا هُوَ المُرَاد مِنْهُ بِعَيْنِه سَوَاء وجد قرينَة الْمجَاز أَولا (إِذْ هُوَ) أَي الحكم (عِنْد عدمهَا) أَي الْقَرِينَة (بالحقيقي) أَي بِكَوْن المُرَاد الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ للفظ (وَمَعَهَا) أَي الْقَرِينَة (بالمجازي) أَي بِكَوْنِهِ الْمَعْنى الْمجَازِي لَهُ (أما الْمُشْتَرك فَلَا) يحكم بِأَن المُرَاد بِهِ معِين من معنييه (إِلَّا مَعهَا) أَي الْقَرِينَة الْمعينَة لَهُ: كَذَا قَالُوا، ورد عَلَيْهِم المُصَنّف بقوله (وَلَا يخفى عدم الْمُطَابقَة) أَي عدم مُطَابقَة مَا ذكر من الْإِخْلَال بالحكم على تَقْدِير الِاشْتِرَاك وَعدم الْقَرِينَة للْوَاقِع لِأَنَّهُ إِن لم يُمكن اجْتِمَاعهمَا أَو لم يقل بِالْعُمُومِ الاستغراقي للمشترك يحكم بإجماله، والإجمال مِمَّا يقْصد فِي الْكَلَام فَلَا إخلال، وَإِن أمكن وَقُلْنَا بِهِ تعين المُرَاد فَلَا إخلال على التَّقْدِيرَيْنِ (وَقَوْلهمْ) أَي المرجحين للْحَمْل على الْمجَاز (يحْتَاج) الْمُشْتَرك (إِلَى قرينتين) بِاعْتِبَار معنييه كل مِنْهُمَا تعين فِي مَحل بِاعْتِبَار الاستعمالات (بِخِلَاف الْمجَاز) فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى وَاحِدَة فبعيد إِنَّمَا يتمشى على عدم تعميمه فِي مفاهيمه ظَاهره (لَيْسَ بِشَيْء) إِذْ لَا يَقْتَضِي وجود القرنيتين فِي كل اسْتِعْمَال (بل كل) من الْمُشْتَرك وَالْمجَاز (فِي الْمَادَّة) أَي فِي كل مَادَّة مَخْصُوصَة من مواد الِاسْتِعْمَال (يحْتَاج) فِي إِفَادَة المُرَاد (إِلَى قرينَة) وَاحِدَة (وتعددها) أَي الْقَرِينَة فِي الْمُشْتَرك (لتعدده) أَي فِي الْمَعْنى المُرَاد مِنْهُ (على) سَبِيل (الْبَدَل) إِذْ المُرَاد مِنْهُ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَال فَرد يدل على فَرد أُرِيد مِنْهُ فِي ذَلِك الِاسْتِعْمَال: فالتعدد فِي الْقَرِينَة على هَذَا القَوْل (كتعددها) أَي الْقَرِينَة فِي الْمجَاز (لتَعَدد) الْمعَانِي (المجازيات) للفظ وَاحِد بِاعْتِبَار الاستعمالات (كَذَلِك) أَي على الْبَدَل

فهما سيان بِاعْتِبَار وحدة الْقَرِينَة وتعددها على هَذَا الْوَجْه الْمَذْكُور، وَإِن اخْتلفَا من حَيْثُ أَن قرينَة الِاشْتِرَاك لتعيين الدّلَالَة وقرينة الْمجَاز لنَفس الدّلَالَة (وَلَعَلَّ مُرَادهم لُزُوم الِاحْتِيَاج إِلَى قرينتين (دَائِما على تَقْدِير الِاشْتِرَاك دون الْمجَاز لتعيين المُرَاد،) من الْمَعْنيين (وَنفى الآخر) يعْنى أَن القرينتين إِحْدَاهمَا لتعيين المُرَاد، وَالْأُخْرَى لنفي مَا لَيْسَ بِمُرَاد وَلَا يخفى أَن الْمعِين لأحد الْمَعْنيين لَا بُد أَن يكون نافيا للْآخر، فالتعدد بِاعْتِبَار الْحَيْثِيَّة، لَا بِاعْتِبَار الذَّات (وَهَذَا) أَي احْتِيَاج الْمُشْتَرك إِلَيْهِمَا بِنَاء (على) مَذْهَب (معممه) أَي الْمُشْتَرك فِي مفاهيمه إِنَّمَا هُوَ (فِي حَالَة عدم التَّعْمِيم) فَإِنَّهُ عِنْد قصد استغراقه لكل مَا يصلح لَهُ لَا يتَصَوَّر وجود الْقَرِينَة الْمعينَة لبَعض مفاهيمه (وَالْمجَاز كَذَلِك) أَي يلْزم كَونه مُحْتَاجا إِلَى القرينتين: إِحْدَاهمَا لتعيين المُرَاد، وَهُوَ الْمَعْنى الْمجَازِي، وَالْأُخْرَى لنفي الْحَقِيقَة بِنَاء (على الْجمع) على قَول من يُجِيز الْجمع بَين الْحَقِيقِيّ والمجازي فِي اسْتِعْمَال وَاحِد فِي حَال عدم التَّعْمِيم، فَإِنَّهُ عِنْد التَّعْمِيم يحْتَاج إِلَى قرينَة إردة الْمجَاز لَا إِلَى قرينَة نفي الْحَقِيقَة، بل هِيَ حِينَئِذٍ تفِيد خلاف مَقْصُوده: هَذَا وَقد يفرق بَينهمَا بِأَن الْمجَاز قد يسْتَعْمل فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فَيصير حِينَئِذٍ حَقِيقَة وَلَا يحْتَاج إِلَى قرينَة بِخِلَاف الْمُشْتَرك، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِعْمَال لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْقَرِينَة إِلَّا عِنْد المعمم حَال التَّعْمِيم، وَهُوَ قَلِيل (وأبلغ) مَعْطُوف على قَوْله لَا يخل بالحكم فَهُوَ دَلِيل آخر على اخْتِيَار الْمجَاز إِلَى الْمجَاز أبلغ من الْحَقِيقَة، لِأَن اشتماله على نكت البلاغة أَكثر، وَاعْترض عَلَيْهِ المُصَنّف بقوله (وإطلاقه) أَي إِطْلَاق كَونه أبلغ (بِلَا مُوجب) يُفِيد ذَلِك (لِأَنَّهُ) أَي قَوْلهم أبلغ إِن كَانَ (من البلاغة) فَهُوَ (مَمْنُوع) كَيفَ (و) قد (صرح بأبلغية الْحَقِيقَة) من الْمجَاز (فِي مقَام الْإِجْمَال) مُطلقًا الدَّاعِي للأبهام على السَّامع أَولا ثمَّ التَّفْصِيل ثَانِيًا فَإِن ذَلِك أوقع فِي نفس (فَإِن الْمُشْتَرك) فِي مثل هَذَا الْمقَام (هُوَ المطابق لمقْتَضى الْحَال) لاقتضائها الْإِجْمَال الْحَاصِل فِي الْمُشْتَرك (بِخِلَاف الْمجَاز) فَإِن اللَّفْظ مَعَ عدم الْقَرِينَة يحمل على الْحَقِيقَة، وَمَعَهَا على الْمجَاز فَلَا إِجْمَال (و) إِن كَانَ (بِمَعْنى تَأْكِيد إِثْبَات الْمَعْنى) أَي , وَإِن كَانَ من الْمُبَالغَة بِمَعْنى كَونه أكمل وَأقوى فِي الدّلَالَة على مَا أُرِيد بِهِ من الْحَقِيقَة على مَا أُرِيد بهَا (كَذَلِك) أَي فَهُوَ مَمْنُوع أَيْضا (للْقطع بمساواة رَأَيْت أسدا ورجلا هُوَ والأسد سَوَاء) فِي الأَسدِية، وَقَالَ الشَّارِح الشجَاعَة وَحِينَئِذٍ يرد منع الْمُسَاوَاة بِفَوَات ادِّعَاء كَونه أسدا فَتَأمل (نعم هُوَ) أَي الْمجَاز (كَذَلِك) أَي يُفِيد التَّأْكِيد (فِي) رَأَيْت أسدا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَأَيْت (رجلا كالأسد) فَإِن فِي ادِّعَاء الأَسدِية تَأْكِيدًا لإِثْبَات الشجَاعَة (وَكَونه) أَي الْمجَاز، بل التَّعْبِير عَن المُرَاد بطرِيق التَّجَوُّز (كدعوى الشَّيْء بَيِّنَة) أَي متلبسا بَيِّنَة فِي كَون كل مِنْهُمَا

أَعنِي الْمَعْنى الْمجَازِي وَالشَّيْء الْمَدْلُول عَلَيْهِ بَيِّنَة مَقْرُونا بِمَا يستلزمه ويوضحه (بِنَاء على أَن الِانْتِقَال إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي دَائِما من الْمَلْزُوم) وَهُوَ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِلَى اللَّازِم كالانتقال من الْغَيْث الى النبت (ولزومه) أى لُزُوم الِانْتِقَال فِيهِ دَائِما من الْمَلْزُوم الى اللَّازِم (تكلّف) وَفِي نُسْخَة مصححة " وَإِنَّمَا يتَحَقَّق بتكلف " وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرَاد باللزوم الِانْتِقَال فِي الْجُمْلَة سَوَاء كَانَ هُنَاكَ لُزُوم عَقْلِي حَقِيقِيّ، أَو عادي أَو اعتقادي أَو ادعائي (وَهُوَ) أَي التَّكَلُّف الْمَذْكُور (مُؤذن بحقية انتفائه) أَي انْتِفَاء لُزُوم الِانْتِقَال الْمَذْكُور الْمُسْتَند إِلَيْهِ الأبلغية الْمَذْكُورَة (مَعَ أَنه إِنَّمَا يلْزم) هَذَا التَّرْجِيح (فِي) اللُّزُوم (التحقيقي لَا الادعائي وَأما الأوجزية) أَي وَأما تَرْجِيح الْمجَاز على الْمُشْتَرك بِأَن الْمجَاز أوجز فِي اللَّفْظ من الْحَقِيقَة، فَإِن أسدا يقوم مقَام رجل شُجَاع (والأخفية) أَي وَبِأَن الْمجَاز أخف لفظا من الْحَقِيقَة كالحادثة والخنفقيق للداهية (والتوصل إِلَى السجع) أَي وَبِأَن الْمجَاز أخف لفظا من الْحَقِيقَة كَمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى تواطؤ الفاصلتين من النثر على الْحَرْف الآخر نَحْو الْحمار ثرثار إِذا وَقعا فِي أَوَاخِر القوافي بِخِلَاف بليد ثرثار: أَي كثير الْكَلَام (والطباق) أَي وَبِأَنَّهُ يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْجمع بَين مَعْنيين مُتَقَابلين فِي الْجُمْلَة أَو مَا هُوَ مُلْحق بِهِ نَحْو: (لَا تعجبي يَا سلم من رجل ... ضحك المشيب بِرَأْسِهِ فَبكى) فَضَحِك مجَاز عَن ظهر، وَلَو ذكره مَكَانَهُ لفات هَذَا التحسين البديعي (والجناس) أَي وَبِأَن يتَوَصَّل بِهِ إِلَى تشابه اللَّفْظَيْنِ لفظا مَعَ تغايرهما معنى (والروي) وَبِأَن يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمُحَافظَة على الْحَرْف الَّذِي تبنى عَلَيْهِ القصيدة (فمعارض بِمثلِهِ فِي الْمُشْتَرك) فقد يكون أوجز وأخف كَالْعَيْنِ للجاسوس أَو للينبوع ويتوصل بِهِ إِلَى السجع والروي نَحْو: لَيْث مَعَ غيث دون أَسد، والمطابقة نَحْو حسننا خير من خياركم والجناس نَحْو: رحبة رحبة، بِخِلَاف وَاسِعَة، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَلَا يخفى مَا فِيهِ، فَالْوَجْه أَن يُعَارض بنكات أخر مُخْتَصَّة بالمشترك كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (ويترجح) الْمُشْتَرك (بالاستغناء عَن العلاقة وَمُخَالفَة الظَّاهِر وَهُوَ) أَي الظَّاهِر (الْحَقِيقَة، وَهَذَا) أَي كَون الْحَقِيقَة هُوَ الظَّاهِر (إِن عمم فِي غير الْمُنْفَرد) وَهُوَ الْمُشْتَرك (فَمَمْنُوع) لِأَن الْمُشْتَرك حَقِيقَة وَلَيْسَ بِظَاهِر فِي شَيْء من مَعَانِيه إِلَّا بِقَرِينَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعمم فِيهِ (لَا يُفِيد) لِأَن الْكَلَام فِيهِ (و) أَيْضا ترجح الْمُشْتَرك بالاستغناء (عَن ارْتِكَاب الْغَلَط) يَعْنِي أَن الْحمل على الِاشْتِرَاك مخلص عَن ارْتِكَاب احْتِمَال الْغَلَط (للتوقف) أَي لتوقف الْمُخَاطب عَن تعْيين المُرَاد مِنْهُ (لعدمها) أَي عِنْد عدم الْقَرِينَة الْمعينَة لأحد معنييه، والغلط إِنَّمَا يَقع فِي التَّعْيِين، وَهَذَا على رَأْي من لَا يعممه فِي مفاهيمه، وَأما عِنْد المعمم فَحكمه مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو للتعميم) يَعْنِي اسْتغْنَاء عَن ارْتِكَاب

الْغَلَط لكَونه علما فِي جَمِيع مَا يصلح لَهُ فَلَا يبْقى للغلط مجَال، وَفِيه مَا سَنذكرُهُ (بِخِلَافِهِ) أَي بِخِلَاف الْحمل على الْمجَاز فَإِنَّهُ ارْتِكَاب للغلط إِذْ لَا يتَوَقَّف فِيهِ عَن تعْيين المُرَاد عِنْد عدم الْقَرِينَة بل يحكم بِإِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ (و) الْحَال أَنه (قد لَا يُرَاد) من اللَّفْظ عِنْد عدمهَا الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ) وَقد أقيم على إِرَادَة الْمجَازِي قرينَة خُفْيَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وتخفى الْقَرِينَة) على الْمُخَاطب فَيَقَع فِي الْغَلَط بِحمْلِهِ على الْحَقِيقِيّ (وَالْوَجْه أَن جَوَاز اللَّفْظ) المتحقق (فيهمَا) أَي فِي الْمُشْتَرك وَالْمجَاز كِلَاهُمَا (بتوهمها) أَي بِسَبَب توهم الْقَرِينَة وهما فِي توهمهما سَوَاء، أما فِي الْمُشْتَرك فيتوهم قرينَة مُعينَة لأحد الْمَعْنيين وَلم يقصدها الْمُتَكَلّم فَيَقَع فِي الْغَلَط، وَأما فِي الْمجَاز فيتوهما مُعينَة للمجازي وَلم يقصدها بل قصد الْحَقِيقَة فَيَقَع أَيْضا فِي الْغَلَط (وَلَا أثر لاحتياج) أَي لاحتياج الْمجَاز (إِلَى علاقته) المسوغة للتجوز بِهِ عَن الْحَقِيقِيّ فِي حُصُول هَذَا التَّوَهُّم كَمَا يظْهر (بِقَلِيل تَأمل) قَالَ الشَّارِح لِأَن الْكَلَام فيهمَا بعد تحقق كل مِنْهُمَا وَلَا تحقق للمجاز بِدُونِ علاقته الْمَذْكُورَة انْتهى، وَفِيه أَن التَّأْثِير لَا ينْحَصر اعْتِبَاره فِي أَن يكون بعد تحققهما فَالْوَجْه أَن يُقَال أَن من أثبت لَهُ تَأْثِيرا زعم أَن الْمجَاز لكَونه مُحْتَاجا إِلَيْهَا لَا يَخْلُو عَنْهَا، ووجودها يُفْضِي إِلَى توهم الْقَرِينَة، وَيظْهر بِأَدْنَى تَأمل أَن وجود العلاقة فِي نفس الْأَمر لَا يَسْتَدْعِي تعقله ومدارا لتوهم الْمَذْكُور على التعقل لَا الْوُجُود فَتدبر، وَهَذَا مَبْنِيّ على جعل الْكَلَام من تَتِمَّة جَوَاز الْغَلَط فيهمَا، وَأما إِذا جَعَلْنَاهُ جَوَابا على تَرْجِيح الْمُشْتَرك باحتياج الْمجَاز إِلَى العلاقة وَالْمعْنَى لَا أثر لَهُ فِي التَّرْجِيح كَمَا يظْهر بِقَلِيل من التَّأَمُّل، إِذْ غَايَته قلَّة الْمُؤْنَة فِي جَانب الْمُشْتَرك وَلَا عِبْرَة بِهَذِهِ فِي مُقَابلَة مَا يحصل للْكَلَام من البلاغة فِي مُلَاحظَة العلاقة، فَهَذَا الْأَثر مَعْدُوم فِي جنب ذَلِك الْأَثر (و) أَيْضا يتَرَجَّح الْمُشْتَرك (بِأَنَّهُ يطرد) فِي كل وَاحِد من مَعَانِيه لِأَنَّهُ حَقِيقَة فِيهِ، بِخِلَاف الْمجَاز فَإِن من علاماته عدم الاطراد (وَتقدم مَا فِيهِ) من أَن الْمجَاز قد يطرد كالأسد الشجاع (و) أَيْضا يتَرَجَّح الْمُشْتَرك (بالاشتقاق من مفهوميه) إِذا كَانَ مِمَّا يشتق مِنْهُ، لِأَنَّهُ حَقِيقَة فِي كل مِنْهُمَا وَهُوَ من خواصها (فيتسع) الْكَلَام وتكثر الْفَائِدَة، وَهَذَا على رَأْي مانعي الِاشْتِقَاق من الْمجَاز كَالْقَاضِي وَالْغَزالِيّ (وَالْحق أَن الِاشْتِقَاق يعْتَمد المصدرية) أَي مَدَاره على كَون اللَّفْظ مصدرا (حَقِيقَة كَانَ) الْمصدر (أَو مجَازًا كالحال ناطقة ونطقت الْحَال) من النُّطْق بِمَعْنى الدّلَالَة (وَقد تَتَعَدَّد) الْمعَانِي (المجازية للمنفرد) تعددا (أَكثر من) تعدد مَعَاني (مُشْتَرك) ويشتق من ذَلِك الْمُنْفَرد إِذا كَانَ مصدرا بِاعْتِبَار كل وَاحِد من تِلْكَ الْمعَانِي المجازية (فَلَا يلْزم أوسعيته) أَي الْمُشْتَرك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمجَاز (فَلَا يَنْضَبِط) الاتساع الْمُقْتَضى للترجيح (وَعَدَمه) أَي عدم الِاشْتِقَاق (من الْأَمر بِمَعْنى الشَّأْن) جَوَاب سُؤال مُقَدّر، وَهُوَ أَنه لَو كَانَ يشتق من اللَّفْظ بِاعْتِبَار الْمَعْنى الْمجَازِي لاشتق من

مسئلة

لفظ الْأَمر بِمَعْنى الشَّأْن وَحَاصِل الْجَواب أَن عدم الِاشْتِقَاق فِيهِ (لعدمها) أَي المصدرية لَا للمجازية كَمَا زعم الْبَعْض وَعدم الِاشْتِقَاق (من) الإقبال والإدبار فِي قَوْلهم: (فَإِنَّمَا هِيَ إقبال وإدبار) مَعَ وجود الْمصدر بِأَن يُقَال هِيَ مقبلة ومدبرة (لفوت غَرَض الْمُبَالغَة) أَي غَرَض هُوَ الْمُبَالغَة الْحَاصِلَة من حمل الْمصدر على النَّاقة لِكَثْرَة مَا تقبل وتدبر، كَأَنَّهَا تجسمت من الإقبال والإدبار لَا للمجازية (وترجح أكثرية الْمجَاز للْكُلّ) أَي جَمِيع مرجحات الِاشْتِرَاك فَإِن من تتبع كَلَام الْعَرَب علم أَن الْمجَاز فِيهِ أَكثر من الْمُشْتَرك حَتَّى ظن بعض الْأَئِمَّة أَن أَكثر اللُّغَة مجَاز فيترجح الْحمل على الْأَعَمّ الْأَغْلَب. مسئلة (يعم الْمجَاز فِيمَا تجوز بِهِ فِيهِ فَقَوله) أَي فَلفظ الصَّاع فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا تَبِيعُوا الدِّينَار بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ (وَلَا الصَّاع بالصاعين) إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم الرِّبَا " (يعم فِيمَا يُكَال بِهِ) وَهُوَ مَوْضُوع للمكيال الْخَاص مُسْتَعْمل مجَازًا فِيمَا يُكَال بِهِ مُسْتَغْرق جَمِيع أَفْرَاده (فَيجْرِي الرِّبَا فِي نَحْو الجص) مِمَّا لَيْسَ بمطعوم (ويفيد مناطه) أَي عِلّة الرِّبَا، لِأَن الحكم علق بالمكيل فَيُفِيد عَلَيْهِ مبدأ الِاشْتِقَاق (وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة لَا) يعم، وَعَزاهُ غير وَاحِد إِلَى الشَّافِعِي (لِأَنَّهُ) أَي الْمجَاز (ضَرُورِيّ) أَي لضَرُورَة التَّوسعَة فِي الْكَلَام إِذْ الأَصْل فِيهِ الْحَقِيقَة (فَانْتفى) الرِّبَا (فِيهِ) أَي فى نَحْو الجص وَجه التَّفْرِيع أَن الثَّابِت ضَرُورَة يقْتَصر على قدر الضَّرُورَة والعموم زَائِد على قدرهَا، وَالْإِجْمَاع على أَن الطَّعَام مُرَاد، فَصَارَ المُرَاد بالصاع من أجمع عَلَيْهِ لَا غير (فَسلم عُمُوم الطَّعَام) يَعْنِي لَو ثَبت عَلَيْهِ الْكَيْل بِعُمُوم الصَّاع فِي مَعْنَاهُ الْمجَازِي بِحَيْثُ دخل تَحت عُمُومه نَحْو الجص لما سلم عُمُوم الطَّعَام، لِأَن عليته تَقْتَضِي عدم تحقق الحكم عِنْد عدم الْكَيْل، فالطعام لَا يدْخل تَحت الحكم عِنْد عدم الْكَيْل: كالطعام الَّذِي لَا يدْخل تَحت الْكَيْل، لَا يجْرِي فِيهِ الرِّبَا: فَعِنْدَ ذَلِك لم يسلم عُمُومه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لانْتِفَاء علية الْكَيْل) وَعند انْتِفَاء عليته تتَعَيَّن عَلَيْهِ الطّعْم على مَا يفهم من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء ". أخرج مَعْنَاهُ الشَّافِعِي فِي مُسْنده، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَامْتنعَ) أَن تبَاع (الحفنة بالحفنتين مِنْهُ) أَي من الطَّعَام (ولزمت عليته) أَي الطّعْم عِنْدهم (قيل) على مَا يفهم من كَلَام الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (لم يعرف) نفي عُمُوم الْمجَاز (عَن أحد وَيبعد) أَن يَقُول بِهِ أحد (لِأَنَّهَا) أَي الضَّرُورَة الْمَدْلُول عَلَيْهَا بقوله لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ (بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَكَلّم مَمْنُوع) يَعْنِي فَقَوْل مَانع عُمُوم الْمجَاز: أَن الْمجَازِي إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ للضَّرُورَة غير مُسلم (للْقطع بتجويز

مسئلة

الْعُدُول) عَن الْحَقِيقَة (إِلَيْهِ) أَي الْمجَاز (مَعَ قدرَة الْحَقِيقَة) أَي الْقُدْرَة على جَوَازًا وقوعيا (لفوائده) أَي الْمجَاز لما فِيهِ من لطائف الاعتبارات، ومحاسن الاستعارات الْمُوجبَة أَعلَى دَرَجَة الْكَلَام فِي البلاغة على أَنه وَاقع فِي كَلَام من يَسْتَحِيل عَلَيْهِ الْعَجز عَن اسْتِعْمَال الْحَقِيقِيَّة (و) بِالنِّسْبَةِ (إِلَى السَّامع: أَي لتعذر الْحَقِيقَة) تَفْسِير لموجب الضَّرُورَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّامع فَإِنَّهُ إِذا تعذر الْحمل على الْحَقِيقَة للقرينة الصارفة عَنْهَا، واضطر إِلَى الْحمل على الْمجَاز تحققت الضَّرُورَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا لَكِنَّهَا (لَا تَنْفِي الْعُمُوم) وَحَاصِل الْكَلَام أَن الضَّرُورَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَكَلّم تستدعى نفى الْعُمُوم لما ذكر لَكِنَّهَا لَيست بموجودة، وبالنسبة إِلَى السَّامع بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور مَوْجُودَة لَكِنَّهَا لَا تستدعي نَفْيه: بل الْمُتَكَلّم لما أَرَادَ الْعُمُوم لعدم تحقق الضَّرُورَة بِالنِّسْبَةِ اليه لزم حمل السَّامع اللَّفْظ على الْعُمُوم وَهُوَ ظَاهر (وَلَا) تتَحَقَّق الضَّرُورَة الْمُوجبَة لنفي الْعُمُوم أَيْضا (بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَاضِع) ثمَّ بَين كَيْفيَّة تحقق الضَّرُورَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بقوله (بِأَن اشْترط فِي اسْتِعْمَاله) أَي الْمجَاز (تعذرها) أَي الْحَقِيقَة وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الْمُسَامحَة إِذْ لم يتَحَقَّق فِي حق الْوَاضِع إِلَّا اعْتِبَار الضَّرُورَة فِي الِاسْتِعْمَال لَا نَفسهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ (لما ذكرنَا) من الْمَنْع فَإِن وُقُوع الِاشْتِرَاط مِنْهُ مَمْنُوع، وَمن أَنه لَا يَنْفِي الْعُمُوم فَإِنَّهُ على تَقْدِير وُقُوعه مِنْهُ لَا يَقْتَضِي عدم إِرَادَة الْعُمُوم إِذا اسْتعْمل بعد تعذر الْحَقِيقَة فِي الْمَعْنى الْمجَازِي (وَلِأَن الْعُمُوم للْحَقِيقَة بِاعْتِبَار شُمُول المُرَاد) بِاللَّفْظِ (بِمُوجبِه) أَي الشُّمُول بِأَسْبَاب زَائِدَة على ذَاتهَا كأداة التَّعْرِيف، ووقوعها فِي سِيَاق النَّفْي (لَا) بِاعْتِبَار (ذَاتهَا) فَإِذا وجدت تِلْكَ الْأَسْبَاب فِي الْمجَاز أَيْضا أوجبته (قيل) وقائله الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (وَلَا يَتَأَتَّى نزاع لأحد فِي صِحَة قَوْلنَا جَاءَنِي الْأسود الرُّمَاة إِلَّا زيد لَكِن الْوَاجِد) للْخلاف (مقدم) على نافيه للعجز النَّافِي عَن إِقَامَة الدَّلِيل على أَنه لم يقل بِعَدَمِ صِحَة عُمُوم الْمجَاز أحد (واندرج الْوَجْه) أَي وَجه صِحَة عُمُوم الْمجَاز الْمَذْكُور فِي المسئلة الْمُتَنَازع فِيهَا بَين الْفَرِيقَيْنِ تَحت مَا ذكر على وَجه الْإِجْمَال (ولزمت الْمُعَارضَة) بَين عِلّة وصف الطّعْم وَوصف الْكَيْل، ويترجح الْأَعَمّ، وَهُوَ الْكَيْل لتعديه إِلَى مَا لَيْسَ بمطعوم، وَهُوَ الْأَحْوَط الْأَنْسَب بِبَاب الرِّبَا. مسئلة (الْحَنَفِيَّة وفنون الْعَرَبيَّة) أَي عَامَّة عُلَمَاء الْعَرَبيَّة والمحققون من الشَّافِعِيَّة (وَجمع من الْمُعْتَزلَة) مِنْهُم أَبُو هَاشم (لَا يسْتَعْمل) اللَّفْظ (فيهمَا) أَي فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي حَال كَونهمَا (مقصودين بالحكم) بِأَن يُرَاد كَون كل مِنْهُمَا ظرفا للنسبة الْمُعْتَبرَة فِي الْكَلَام فِي

إِطْلَاق وَاحِد (وَفِي الْكِنَايَة البيانية) إِنَّمَا يسْتَعْمل اللَّفْظ فيهمَا لَا لِأَن يكون كل مِنْهُمَا مَقْصُودا بالحكم بل (لينتقل) الذِّهْن (من) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ الْوَاقِع بَينه إِلَى) الْمَعْنى (الْمجَازِي) فَقَوْلهم كثير الرماد أُرِيد بِهِ كَثْرَة الرماد ليَكُون سلما لفهم الْجُود الَّذِي هُوَ منَاط صدق الْكَلَام، فَيصدق زيد كثير الرماد إِذا كَانَ لَهُ جود وَإِن لم يكن لَهُ ذرة من الرماد، فَلَيْسَ الْمَقْصد بالحكم إِلَّا الْجُود (وَأَجَازَهُ) أَي اسْتِعْمَاله فيهمَا مقصودين بالحكم فِي إِطْلَاق وَاحِد (الشَّافِعِيَّة وَالْقَاضِي وَبَعض الْمُعْتَزلَة) كَعبد الْجَبَّار وَأبي عَليّ الجبائي (مُطلقًا إِلَّا أَن لَا يُمكن الْجمع) بَينهمَا (كالفعل أمرا وتهديدا) فَإِن الْأَمر طلب الْفِعْل والتهديد يَقْتَضِي التّرْك فَلَا يَجْتَمِعَانِ مَعًا (وَالْغَزالِيّ وَأَبُو الْحُسَيْن يَصح) اسْتِعْمَاله فيهمَا (عقلا لَا لُغَة، وَهُوَ الصَّحِيح إِلَّا فِي غير الْمُفْرد) أَي مَا لَيْسَ بمثنى وَلَا مَجْمُوع اسْتثِْنَاء من قَوْله لَا لُغَة (فَيصح) الِاسْتِعْمَال فيهمَا فِي غير الْفَرد (لُغَة) أَيْضا (لتَضَمّنه) أَي غير الْمُفْرد (المتعدد) من اللَّفْظ، وَفِيه أَن تضمن الْمثنى وَالْمَجْمُوع للمتعدد من الْمَعْنى مُسلم، وَأما من حَيْثُ اللَّفْظ فَلَا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد تعدده حكما، وَلذَا قَالُوا التَّثْنِيَة وَالْجمع اخْتِصَار الْعَطف (فَكل لفظ) من المتعددين مُسْتَعْمل (لِمَعْنى، وَقد ثَبت) فِي الْكَلَام لفصيح (الْقَلَم أحد اللسانين، وَالْخَال أحد الْأَبَوَيْنِ) فقد تعدد لفظ اللِّسَان، وَأُرِيد بِأَحَدِهِمَا الْقَلَم، وبالآخر الْجَارِحَة، وَكَذَلِكَ تعدد لفظ الْأَب، وَأُرِيد بِأَحَدِهِمَا الْخَال وبالآخر الْوَالِد: فَجمع بَين الْمجَازِي والحقيقي فيهمَا فِي اسْتِعْمَال وَاحِد (والتعميم فِي المجازية) أَي وَاسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي مَعَانِيه المجازية (قيل على الْخلاف كلا أَشْتَرِي) مُسْتَعْملا (بشرَاء الْوَكِيل والسوم) فَإِن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَا يشترى مُبَاشَرَته بِنَفسِهِ لحقيقة الشِّرَاء فشراء الْوَكِيل مَعْنَاهُ الْمجَازِي، وَكَذَلِكَ السّوم على الشِّرَاء فَإِنَّهُ مُبَاشرَة لأسبابه كتعيين الثّمن وَنَحْوه (و) قَالَ (الْمُحَقِّقُونَ لَا خلاف فِي مَنعه) أَي التَّعْمِيم فِي المجازية، فَيحكم بخطأ من قَالَ لَا أَشْتَرِي وَأَرَادَ شِرَاء الْوَكِيل والسوم (وَلَا) خلاف أَيْضا (فِيهِ) أَي منع تعميمه فِي الْحَقِيقِيّ والمجازي (على أَنه حَقِيقَة ومجاز) على أَن يكون اللَّفْظ الَّذِي عمم فيهمَا حَقِيقَة ومجازا بِحَسب هَذَا الِاسْتِعْمَال (وَلَا) خلاف أَيْضا (فِي جَوَازه) أَي اسْتِعْمَال اللَّفْظ (فِي) معنى (مجازي ينْدَرج فِيهِ الْحَقِيقِيّ) بِأَن يعم الْحَقِيقِيّ وَغَيره (لنا فِي الأول) أَي فِي صِحَّته عقلا (صِحَة إِرَادَة مُتَعَدد بِهِ) أَي بِاللَّفْظِ (قطعا) للإمكان وَانْتِفَاء الْمَانِع (وَكَونه) أَي اللَّفْظ مَوْضُوعا (لبعضها) أَي الْمعَانِي المتعددة، وَهُوَ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ دون الْبَعْض (لَا يمْنَع عقلا إِرَادَة غَيره) أَي غير ذَلِك الْبَعْض الَّذِي هُوَ لَهُ (مَعَه) أَي مَعَ الَّذِي هُوَ لَهُ (بعد صِحَة طَرِيقه) أَي غير الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ (إِذْ حَاصله) أَي حَاصِل مَا ذكر من إِرَادَة الْمَعْنيين مَعًا بطرِيق صَحِيح عقلا (نصب مَا يُوجب الِانْتِقَال من لفظ) وَاحِد

إِلَى الْحَقِيقِيّ والمجازي (بِوَضْع) أَي بوساطة علاقَة الْوَضع بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا وضع لَهُ (و) بوساطة قرينه) دَالَّة على إِرَادَة الْمجَازِي مَعَ الْحَقِيقِيّ (فَقَوْل بعض الْحَنَفِيَّة) على مَا نقل عَن كثير مِنْهُم (يَسْتَحِيل) الْجمع بَينهمَا (كَالثَّوْبِ) الْوَاحِد يَسْتَحِيل أَن يكون (ملكا وعارية فِي وَقت) وَاحِد (تهافت) أَي تساقط (إِذْ ذَاك) أَي اسْتِحَالَة كَون الشَّيْء الْوَاحِد ظرفا لجسمين مُخْتَلفين مالئا لكل مِنْهُمَا إِيَّاه إِنَّمَا يكون (فِي الظّرْف الْحَقِيقِيّ) وَاللَّفْظ لَيْسَ بظرف حَقِيقِيّ للمعنى، وَإِنَّمَا يُقَال الْمَعْنى فِي اللَّفْظ تَنْزِيلا لَهُ منزلَة الظّرْف بِضَرْب من التَّشْبِيه وإلحاق الْمَعْقُول بالمحسوس فِي حكم يتَوَقَّف على وجود عِلّة جَامِعَة، وَهِي مَقْصُودَة هَهُنَا. وَقَول الشَّارِح هَهُنَا كَالثَّوْبِ الْوَاحِد يَسْتَحِيل أَن يكون على اللابس الْوَاحِد ملكا وعارية فِي مَحَله لعدم كَون اللَّفْظ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنى الْوَاحِد حَقِيقَة ومجازا حَتَّى يكون نظرا لما قَالَ، وَإِنَّمَا ذكر المُصَنّف الْملك وَالْعَارِية ليدل على تعدد اللابس الْمَالِك وَالْمُسْتَعِير (لَا يُقَال) الْمَعْنى (الْمجَازِي يسْتَلْزم معاند) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ) فيستحيل اجْتِمَاعهمَا، فأعني بالمعاند (قرينَة عدم إِرَادَته) أَي الْحَقِيقِيّ (لِأَنَّهُ) أَي ادِّعَاء الاستلزام الْمَذْكُور (بِلَا مُوجب) لَهُ (بل ذَاك) أَي استلزامه إِيَّاه (عِنْد عدم قصد التَّعْمِيم، أما مَعَه) أَي مَعَ قصد التَّعْمِيم بِهِ (فَلَا يُمكن) وجود قرينَة عدم إِرَادَة الْحَقِيقِيّ (نعم يلْزم عقلا كَونه) أَي اللَّفْظ (حَقِيقَة ومجازا فِي اسْتِعْمَال وَاحِد وهم) أَي المصححون عقلا (ينفونه) أَي كَون اللَّفْظ حَقِيقَة ومجازا مَعًا، (لَا يُقَال بل) هُوَ (مجَاز للمجموع) فِي التَّلْوِيح، بل يَجعله مجَازًا قَطْعِيا لكَونه مُسْتَعْملا فِي الْمَجْمُوع الَّذِي هُوَ غير الْمَوْضُوع لَهُ (لِأَنَّهُ) أَي اللَّفْظ (لكل) من الْحَقِيقِيّ والمجازي (إِذْ كل) مِنْهُمَا (مُتَعَلق الحكم لَا الْمَجْمُوع) يرد عَلَيْهِ أَنه أَرَادَ بِنَفْي كَون الْمَجْمُوع مُتَعَلق الحكم عدم تعلقه بالمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع فَهُوَ لَا يسْتَلْزم عدم كَون الْمَجْمُوع مُسْتَعْملا فِيهِ إِذْ كل عَام مُسْتَغْرق لأفراده بِحَيْثُ ينشأ الحكم لكل مِنْهُمَا لَا يتَعَلَّق حكمه بِمَجْمُوع أَفْرَاده من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع مَعَ أَنه لَا شكّ فِي أَنه مُسْتَعْمل فِي الْمَجْمُوع وَإِن أَرَادَ بِهِ عدم تعلقه بِكُل فَرد من الْمَجْمُوع فَهُوَ بِخِلَاف مَا يَقُوله المعمم فَإِنَّهُ يَقُول بِثُبُوت الحكم لكل فَرد من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي (لَكِن نفيهم) أَي الْحَنَفِيَّة جَوَاز الْجمع بَينهمَا (غير عَقْلِي) وَإِنَّمَا هُوَ لغَوِيّ إِذْ الْعقل لَا يَنْفِي ذَلِك وَإِن نَفَاهُ الِاسْتِعْمَال اللّغَوِيّ (بل يَصح عقلا) أَي يسْتَعْمل فيهمَا مَعًا (حَقِيقَة لإِرَادَة الْحَقِيقِيّ ومجازا لنحوه) أَي لنَحْو مَا ذكر: يَعْنِي لإِرَادَة الْمَعْنى الْمجَازِي (وَلنَا فِي الثَّانِي) أَي نفي صِحَّته لُغَة (تبادر) الْمَعْنى (الوضعي فَقَط) من غير أَن يُشَارِكهُ غَيره فِي التبادر عِنْد إِطْلَاق اللَّفْظ، هَذَا عَلامَة كَونه مُقْتَضى الْوَضع (يَنْفِي غير الْحَقِيقِيّ) وَهُوَ الْمَجْمُوع الْمركب من الْحَقِيقِيّ والمجازي

أَن يكون اللَّفْظ فِيهِ (حَقِيقَة) لِأَن عدم تبادره دَلِيل على ذَلِك، وَوضع الظَّاهِر مَوضِع الضَّمِير لزِيَادَة التَّمَكُّن فِي ذهن السَّامع والوضعي والحقيقي وَاحِد (وَعدم العلاقة) بَين غير الْحَقِيقِيّ وَبَينه (يَنْفِيه) أَي بِنَفْي غير الْحَقِيقِيّ أَن يكون اللَّفْظ فِيهِ (مجَازًا بِمَا قدمْنَاهُ فِي الْمُشْتَرك) من أَنه لَا يجوز إِرَادَة مَجْمُوع معنييه مِنْهُ لعدم العلاقة بَينه وَبَين كل وَاحِد مِنْهُمَا وَصِحَّة إِطْلَاق لفظ الْجُزْء على الْكل مَشْرُوط بالتركيب الْحَقِيقِيّ وَكَون الْجُزْء بِحَيْثُ إِذا انْتَفَى انْتَفَى الِاسْم عَن الْكل عرفا: كالرقبة بِخِلَاف الظفر وَنَحْو الأَرْض لمجموع السَّمَوَات وَالْأَرْض (وعَلى النَّفْي) أَي نفي الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز (اخْتصَّ الموَالِي بِالْوَصِيَّةِ) الْوَاقِعَة (لَهُم) أَي للموالي (دون مواليهم) أَي موَالِي الموَالِي فِيمَا إِذا أوصى من لَا ولَايَة عَلَيْهِ بِشَيْء لمواليه وَله عُتَقَاء وعتقاء عُتَقَاء، لِأَن العتقاء موَالِيه حَقِيقَة لمباشرته عتقهم وعتقاء العتقاء موَالِيه مجَازًا لتسببه فِي عتقهم بِإِعْتَاق معتقهم وَالْجمع منفي فتعينت الْحَقِيقَة (إِلَّا أَن يكون) أَي يُوجد (وَاحِد) من الموَالِي لَا غير (فَلهُ النّصْف) أَي نصف الْمُسَمّى (وَالْبَاقِي للْوَرَثَة) لِأَنَّهُ لما تعيّنت الْحَقِيقَة وَيسْتَحق الِاثْنَان مِنْهُم ذَلِك، لِأَن لَهما حكم لجمع فِي الْوَصِيَّة كَمَا فِي الْمِيرَاث صَار النّصْف للْوَاحِد ضَرُورَة وَالنّصف للْوَرَثَة لَا لعتقاء الْعَتِيق لِئَلَّا يلْزم الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز لَا يُقَال إِذا لم يكن لَهُ من العتقاء الأواحد، فَالظَّاهِر من إِطْلَاق لفظ الْجمع إِرَادَة الْوَاحِد لأَنا نقُول هَذَا إِذا لم يكن عِنْد الْوَصِيَّة وجود وَاحِد آخر منتظر (وَكَذَا لأبناء فلَان مَعَ حفدته عِنْده) أَي وَمثل حكم الموَالِي مَعَ موَالِي الموَالِي فِي الْوَصِيَّة حكم الْأَبْنَاء مَعَ أَبنَاء الْأَبْنَاء عِنْد أبي حنيفَة، لِأَن الْأَبْنَاء حَقِيقَة وَأَبْنَاء الْأَبْنَاء مجَاز وَالْجمع منفي إِلَّا ان يُوجد ابْن صلبي لَا غير فَلهُ النّصْف، وَالنّصف للْوَرَثَة (وَقَالا) أَي صَاحِبَاه (يدْخلُونَ) أَي موَالِي الموَالِي والحفدة فِي الْوَصِيَّة (مَعَ الْوَاحِد) من الموَالِي وَالْأَبْنَاء (فيهمَا) أَي فِي المسئلتين (بِعُمُوم الْمجَاز) لِأَن الموَالِي يُطلق عرفا على الْفَرِيقَيْنِ وَكَذَا الْأَبْنَاء (والاتفاق دُخُولهمْ فيهمَا إِن لم يكن أحد) من الموَالِي وَالْأَبْنَاء (لتعيين الْمجَاز حِينَئِذٍ) احْتِرَازًا عَن الإلغاء (وَأما النَّقْض) لنفي الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز (بِدُخُول حفدة الْمُسْتَأْمن على بنيه) مَعَ بني بنيه فِي الْأمان (وبالحنث بِالدُّخُولِ) وَلَو دخل (رَاكِبًا) أَو منتعلا (فِي حلفه لَا يضع قدمه فِي دَار فلَان) وَلَا نِيَّة كَمَا لَو دَخلهَا حافيا مَعَ أَنه حَقِيقَة فِيهِ حَتَّى لَو نَوَاه صدق ديانَة وَقَضَاء مجَاز فِي دُخُوله رَاكِبًا ومنتعلا، (وَبِه) أَي وبالبحث (بِدُخُولِهِ دَار سكناهُ) أَي فلَان (إِجَارَة) أَو إِعَارَة (فِي حلفه لَا يدْخل دَاره) وَلَا نِيَّة لَهُ كَمَا لَو دخل دَار سكناهُ الْمَمْلُوكَة مَعَ أَنَّهَا حَقِيقَة فِي الْمَمْلُوكَة بِدَلِيل عدم صِحَة نَفيهَا عَنهُ مجَاز فِي الْمُسْتَأْجرَة والمستعارة بِدَلِيل صِحَة نَفيهَا عَنهُ (وبالعتق) لعَبْدِهِ (فِي إِضَافَته إِلَى يَوْم يقدم) فلَان (فَقدم لَيْلًا) وَلَا نِيَّة لَهُ مَعَ أَنه حَقِيقَة فِي النَّهَار حَتَّى لَو نَوَاه صدق

قَضَاء وديانة مجَاز فِي اللَّيْل لصِحَّة نَفْيه (وَيجْعَل لله عَليّ صَوْم كَذَا بنية النّذر وَالْيَمِين يَمِينا ونذرا حَتَّى وَجب الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة بمخالفته) خلافًا لأبي يُوسُف مَعَ أَن الْكَلَام حَقِيقِيَّة للنذر حَتَّى لَا يتَوَقَّف على النِّيَّة مجَاز للْيَمِين حَتَّى يتَوَقَّف على نِيَّتهَا لَا على قَول أبي يُوسُف، فَإِنَّهُ يَقُول نذر فَقَط (فَأُجِيب عَن الأول) أَي النَّقْض بِدُخُول حفدته فِي الاستئمان على بنيه (بِأَن الِاحْتِيَاط فِي الحقن) أَي حفظ الدَّم وصيانته عَن السفك (أوجبه) أَي دُخُول الحفدة (تبعا لحكم) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ) أَي حقن دِمَاء الْأَبْنَاء (عِنْد تحقق شبهته) أَي شُبْهَة الْحَقِيقِيّ فَإِن فِي الحفدة شُبْهَة الْبُنُوَّة (للاستعمال) أَي لِأَن لفظ الْبَنِينَ يسْتَعْمل فيهم كَمَا فِي (نَحْو بني هَاشم وَكثير) من نَظَائِره، أَلا ترى أَنه يثبت الْأمان بِمُجَرَّد صُورَة المسالمة بِأَن أَشَارَ مُسلم إِلَى كَافِر بالنزول من حصن، أَو قَالَ انْزِلْ إِن كنت رجلا وتريد الْقِتَال أَو ترى مَا أفعل بك وَظن الْكَافِر مِنْهُ الْأمان، بِخِلَاف الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا لَا تسْتَحقّ بِصُورَة الِاسْم والشبهة (ففرعوا) على (عَدمه) أَي عدم الدُّخُول (فِي الأجداد والجدات بالاستئمان على الْآبَاء والأمهات بِنَاء على كَون الْأَصَالَة فِي الْخلق) فِي الأجداد والجدات (تمنع التّبعِيَّة فِي الدُّخُول فِي اللَّفْظ) لِأَن الصالة الخلقية لَا تناسبها التّبعِيَّة بِحَسب تنَاول اللَّفْظ (وَإِعْطَاء الْجد السُّدس لعدم الْأَب لَيْسَ بإعطائه) أَي السُّدس (الْأَبَوَيْنِ) أَي بطرِيق التّبعِيَّة فِي تنَاول لفظ الْأَب لتخالف مُقْتَضى اصالته الخلقية (بل بِغَيْرِهِ) أى بِدَلِيل آخر: وَهُوَ اقامة الشَّرْع اياه مقَام الْأَب عِنْد عَدمه كَمَا فِي بنت الابْن عِنْد عدم الْبِنْت (إِلَّا أَنه) أَي هَذَا الْجَواب (يُخَالف قَوْلهم الْأُم الأَصْل لُغَة وَقَول بَعضهم الْبَنَات الْفُرُوع لُغَة) فَإِن هَذَا يُفِيد استواءهم فِي الدُّخُول (وَأَيْضًا إِذا صرف الِاحْتِيَاط عَن الِاقْتِصَار فِي الْأَبْنَاء) على الْأَبْنَاء (عِنْد شُبْهَة الْحَقِيقَة بِالِاسْتِعْمَالِ فَعَنْهُ) أَي فَيصْرف الِاحْتِيَاط على الِاقْتِصَار فِي الْأَبْنَاء) على الْآبَاء (لذَلِك) أَي لشُبْهَة الْحَقِيقَة بِالِاسْتِعْمَالِ (كَذَلِك) أَي كَمَا فِي الْأَبْنَاء (بِعُمُوم الْمجَاز فِي الْأُصُول كَمَا هُوَ فِي الْفُرُوع إِن لم يكن حَقِيقَة فَيدْخلُونَ) أَي الأجداد والجدات فِي الْآبَاء والأمهات (ومانعية الْأَصَالَة خلقَة مَمْنُوع) لعد اقْتِضَاء عقل أَو نقل ذَلِك (هَذَا وَالْحق أَن هَذَا من مَوَاضِع جَوَاز الْجمع عندنَا) قَالَ الشَّارِح: أَي عِنْد المُصَنّف، وَلَا يخفى أَن قَوْله عندنَا مَعْنَاهُ عِنْد الْحَنَفِيَّة (لِأَن الْآبَاء وَالْأَبْنَاء جمع) وَقد جَوَّزنَا الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز عقلا ولغة فِي غير الْمُفْرد كَمَا قدمْنَاهُ (وَعَن) النَّقْض (الثَّانِي) بِالْحِنْثِ بِالدُّخُولِ رَاكِبًا فِي حلفه لَا يضع قدمه فِي دَار فلَان (بهجر) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ) لوضع الْقدَم، لِأَنَّهُ لَو اضْطجع خَارِجهَا وَوضع قَدَمَيْهِ فِيهَا لَا يُقَال عرفا وضع الْقدَم فِي الدَّار وَلَا يَحْنَث بذلك كَمَا فِي الْخَانِية (لفهم صرف الْحَامِل) إِلَى مَا ذكر أَي لِأَنَّهُ فهم الْمُجْتَهد أَن مَا حمل الْحَالِف على الْحلف من المنافرة صَارف عَن إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ

إِلَى مَا ذكر من الْمَعْنى الْعرفِيّ وَهُوَ الدُّخُول الْمُطلق على أَي كَيْفيَّة كَانَ (وَالْجَوَاب عَن الثَّالِث) أَي النَّقْض بِالْحِنْثِ بِدُخُول دَار سُكْنى فلَان إِجَارَة أَو إِعَارَة فِي حلفه لَا يدْخل دَاره (بِأَن حَقِيقَة إِضَافَة الدَّار) إِنَّمَا تتَحَقَّق (بالاختصاص) الْكَامِل الْمُصَحح لِأَن يخبر عَن الْمُضَاف بِأَنَّهُ للمضاف إِلَيْهِ (بِخِلَاف نَحْو كَوْكَب الخرقاء) فِي قَوْله: (إِذا كَوْكَب الخرقاء لَاحَ بسحرة ... سُهَيْل أذاعت غزلها فِي القرائب) فَإِن المُرَاد بكوكب الخرقاء سُهَيْل: وَهُوَ كَوْكَب بِقرب القطب الجنوبي يطلع عِنْد ابْتِدَاء الْبرد، وإضافته إِلَى الخرقاء وَهِي الَّتِي فِي عقلهَا هوج وَبهَا حَمَاقَة مجازية لاخْتِصَاص مجازي غير كَامِل وَهُوَ كَون زمَان طلوعه وَقت ظُهُور جَسدهَا فِي تهيئة ملابس الشتَاء بتفريقها قطنها فِي قرائها ليغزل لَهَا، فَجعلت هَذِه الملابسة بِمَنْزِلَة الِاخْتِصَاص الْكَامِل (وَهُوَ) أَي اخْتِصَاصه الْكَامِل بِالدَّار يكون (بِالسُّكْنَى وَالْملك فَيحنث) بِكُل مِنْهُمَا حَتَّى يَحْنَث (بالمملوكة غير مسكونة كفاضيحان) أَي كَمَا ذكره لوُجُود الِاخْتِصَاص الْكَامِل (خلافًا للسرخسي) وَوَافَقَهُ صَاحب الْكَافِي بِنَاء على انْقِطَاع نِسْبَة السُّكْنَى إِلَيْهِ بِفعل غَيره على أَن الْبَاعِث على هَذَا الْحلف عرفا قَصده الْبعد عَن فلَان وَكَون غيظه بِحَيْثُ يحملهُ على أَن يَحْنَث عَن الدُّخُول فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ مُطلقًا وَإِن كَانَ مُحْتملا، لَكِن الْمُتَبَادر هُوَ الأول (وَعَن) النَّقْض (الرَّابِع) بِعِتْق من أضَاف عتقه إِلَى يَوْم يقدم فلَان فَقدم لَيْلًا (بِأَنَّهُ) أَي الْيَوْم (مجَاز فِي الْوَقْت) الْمُطلق (عَام لثُبُوت الِاسْتِعْمَال) لَهُ كَذَلِك (عِنْد ظرفيته لما لَا يَمْتَد) من الْأَفْعَال وَهُوَ مَالا يقبل التأفيت نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَمن يولهم} يَوْمئِذٍ دبره فَإِن التولي عَن الزَّحْف حرَام لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا (فَيعْتَبر) الْمجَازِي الْعَام (إِلَّا لموجب) يَقْتَضِي كَون المُرَاد بَيَاض لنهار خَاصَّة (كطالق يَوْم أَصوم) فَإِن الطَّلَاق مِمَّا لَا يَمْتَد، والموجب لإِرَادَة بَيَاض النَّهَار أَن الصَّوْم إِنَّمَا يكون فِيهِ (بِخِلَاف) مَا كَانَ ظرف (مَا يَمْتَد) من الْأَفْعَال يقبل التأفيت (كالسير والتفويض) فَإِنَّهُ يكون المُرَاد بِهِ حِينَئِذٍ بَيَاض النَّهَار (لاا بِمُوجب) يَقْتَضِي كَون المُرَاد مُطلق الْوَقْت (كأحسن الظَّن يَوْم تَمُوت) فَإِن إِحْسَان الظَّن مِمَّا يَمْتَد، والموجب لإِرَادَة مُطلق الْوَقْت إِضَافَته إِلَى الْمَوْت (وَلَو لم يخْطر هَذَا) الْفرق للقائل (فقرينة) إِرَادَة (الْمجَاز) فِي مَادَّة النَّقْض (علم أَنه) أَي الْعتْق إِنَّمَا هُوَ (للسرور وَلَا يخْتَص بِالنَّهَارِ) فَاسْتعْمل فِي مجَاز عَام تندرج فِيهِ الْحَقِيقَة (وَعَن) النَّقْض (الْخَامِس) يكون لله عَليّ صَوْم كَذَا نذرا ويمينا بنيتهما (تَحْرِيم الْمُبَاح) الَّذِي هُوَ فطر الْأَيَّام الْمَنْذُور صيامها (وَهُوَ) أَي تَحْرِيمه (معنى الْيَمين) هَذَا لما عرف من أَن تَحْرِيم الْمُبَاح يَمِين بِالْكتاب وَالسّنة (يثبت مدلولا التزاميا للصيغة) أَي لله عَليّ صَوْم كَذَا، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا إِيجَاب الْمَنْذُور لما عرف من أَن الْمَنْذُور لَا بُد أَن يكون

قبل النّذر مُبَاح الْفِعْل وَالتّرْك ليَصِح الْتِزَامه بِالنذرِ، فَيصير تَركه الَّذِي كَانَ مُبَاحا حَرَامًا بِهِ لَازِما لَهُ بِمَعْنى أَنه مَمْنُوع عَنهُ بِسَبَب لُزُوم الْفِعْل بالتزامه وَأما كَونه مدلولا التزاميا فَظَاهر، لِأَن منطوقه الْتِزَام الصَّوْم، وَيلْزم عدم جَوَاز الْفطر (ثمَّ يُرَاد بِهِ) أَي بالمدلول الالتزامي (الْيَمين) أَي مَعْنَاهُ (فَأُرِيد) معنى الْيَمين (بِلَازِم مُوجب اللَّفْظ) وَهُوَ النّذر (لَا بِهِ) أَي لَا بِنَفس اللَّفْظ، على أَنه قد علم مِمَّا سبق تَحْرِيم الْمُبَاح عين معنى الْيَمين، وَهُوَ الْمَدْلُول الالتزامي بِعَيْنِه، وَقَوله يُرَاد بِهِ الْيَمين إِلَى آخِره يدل على أَن الْمَدْلُول الالتزامي وَسِيلَة لإِرَادَة الْيَمين، وَهُوَ الْمَدْلُول الالتزامي بِعَيْنِه لَا عينه: فبينهما تدافع وَيُجَاب عَنهُ بِأَن المُرَاد بِكَوْنِهِ معنى الْيَمين أَنه يقْصد بِهِ إنشاؤه، لَا أَنه عينه كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر فَلَا تدافع تَوْضِيحه أَن وجوب الصَّوْم يسْتَلْزم حُرْمَة ضِدّه المفوت لَهُ، وَهُوَ الْفطر، وَهَذَا معنى ثُبُوته، وَلَا شكّ أَنه يتعقل حُرْمَة الْفطر عِنْد تعقل وجوب الصَّوْم، وَهَذَا معنى كَونه مدلولا التزاميا، ثمَّ إِن التَّحْرِيم الْمَذْكُور لَا يصير يَمِينا مُوجبَة لِلْكَفَّارَةِ إِلَّا بِإِرَادَة كَونه يَمِينا، وَهَذَا إنشاؤه، وَإِنَّمَا سميناه معنى الْيَمين قبل الْإِنْشَاء لما فِيهِ من الْمَنْع عَن الْفِعْل كَمَا فِي الْيَمين (وَلَا جمع) بَين الْحَقِيقَة الْمجَاز: يَعْنِي الْجمع الْمُتَنَازع فِيهِ (دون الِاسْتِعْمَال فيهمَا) أَي الْحَقِيقِيّ والمجازي، وَقد عرفت أَن الِاسْتِعْمَال فِي النّذر فَقَط وَالْيَمِين مُرَاد بالمدلول الالتزامي (وَمَا قيل لَا عِبْرَة لإِرَادَة النّذر) لِأَنَّهُ ثَابت بِنَفس الصِّيغَة من غير تَأْثِير للإرادة (فَالْمُرَاد الْيَمين فَقَط) أَي فَكَأَنَّهُ لم يرد إِلَّا الْمَعْنى الْمجَازِي (غلط إِذْ تحَققه) أَي النّذر (مَعَ الْإِرَادَة وَعدمهَا) أَي الْإِرَادَة (لَا يسْتَلْزم عدم تحققها وَإِلَّا) لَو استلزم عدم تحقق الْإِرَادَة (لم يمْتَنع الْجمع) بَين الْحَقِيقِيّ والمجازي (فِي صُورَة) من الصُّور أصلا، لِأَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فِي كل صُورَة من الصُّور أصلا يثبت بِاللَّفْظِ من غير تَأْثِير للإرادة (وَقد فرض إرادتهما) أَي الْحَقِيقِيّ والمجازي (وَفِيه) أَي فِي الْجَواب عَن هَذَا النَّقْض (نظر، إِذْ ثُبُوت) التَّحْرِيم (الالتزامي) حَال كَونه (غير مُرَاد) وَهُوَ (خطورة عِنْد فهم ملزومه) الَّذِي هُوَ مَدْلُول اللَّفْظ حَال كَونه (مَحْكُومًا) عَلَيْهِ (بِنَفْي إِرَادَته) أَي بِنَفْي كَونه مرَادا للمتكلم (وَهُوَ) أَي الحكم بذلك أَو خطوره على الْوَجْه الْمَذْكُور (يُنَافِي إِرَادَة الْيَمين الَّتِي هِيَ إِرَادَة التَّحْرِيم (حَال كَونه ملحوظا (على وَجه) هُوَ بِاعْتِبَارِهِ (أخص مِنْهُ) أَي من نَفسه حَال كَونه (مدلولا التزاميا) يَعْنِي التَّحْرِيم من حَيْثُ أَنه مَدْلُول التزامي يحْتَمل أَن يكون ملحوظا قصدا ومرادا فالتزامي يعم الْوَجْهَيْنِ وَأحد وجهيه أخص مِنْهُ مُطلقًا، ثمَّ اسْتدلَّ على الأخصية الْمَذْكُورَة بقوله (لِأَنَّهُ) أَي التَّحْرِيم الْمُعْتَبر عِنْد إِرَادَة الْيَمين (تَحْرِيم يلْزم بخلقه) وَالْعَمَل بِخِلَاف مُوجبه (الْكَفَّارَة) وَمثل هَذَا التَّحْرِيم لَا يتَحَقَّق بِمُجَرَّد الخطور من غير قصد وَإِرَادَة فَلَا بُد فِيهِ من تحقق الْإِرَادَة، ثمَّ اسْتدلَّ على التَّنَافِي بقوله (وَعدم إِرَادَة الْأَعَمّ)

الَّذِي هُوَ الْمَدْلُول الالتزامي على مَا بَيناهُ (يُنَافِيهِ إِرَادَة الْأَخَص) لِأَن إِرَادَة الْأَخَص تَسْتَلْزِم إِرَادَة الْأَعَمّ، وَلَو فِي ضمن الْأَخَص لَا يُقَال يجوز أَن يخْطر التَّحْرِيم غير مُرَاد فِي ضمن النّذر، ثمَّ يَجْعَل وَسِيلَة للتَّحْرِيم الملحوظ مرَادا أَو قصدا لِأَن الملحوظ بالتبع من حَيْثُ هُوَ ملحوظ بالتبع لَا يصلح لِأَن يكون وَسِيلَة للمقصد بِالذَّاتِ: إِذْ الْوَسِيلَة لَا بُد أَن تجْعَل آلَة لملاحظته، وَعند ذَلِك يلْزم الْقَصْد إِلَيْهِ فَتدبر، وَقد يُقَال: الْمَنْفِيّ الْإِرَادَة من اللَّفْظ وَهُوَ لَا يُنَافِي أصل الْإِرَادَة فَتَأمل (وَظَاهر) كَلَام (بَعضهم إِرَادَته) أَي معنى الْيَمين (بِالْمُوجبِ) أَي بِمُوجب النّذر بِفَتْح الْجِيم (بِعَيْنِه) لَا بلازمه على مَا ذكر (إِلْحَاقًا لإِيجَاب الْمُبَاح) الَّذِي هُوَ معنى النّذر (بتحرميه) أَي بِتَحْرِيم الْمُبَاح الَّذِي هُوَ معنى الْيَمين (فِي الحكم وَهُوَ) أَي الحكم (لُزُوم الْكَفَّارَة) بِالْحلف، (وَيَتَعَدَّى اسْم الْيَمين) إِلَى مَا ألحق بِهِ (ضمنه) أَي فِي ضمن هَذَا الْإِلْحَاق بالتبع (لَا لتعدية الِاسْم ابْتِدَاء) فَإِنَّهُ غير جَائِز، نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه فِيهِ نظر أَيْضا، لِأَن إِرَادَة الْإِيجَاب على أَنه يَمِين إِرَادَته على وَجه يستعقب الْكَفَّارَة بِالْحلف وإرادته على أَنه ندر إِرَادَته على وَجه لَا يستعقبها بِهِ، بل الْقَضَاء فبينهما تناف انْتهى: يَعْنِي فيكف يُرَاد معنى الْيَمين بِمُوجب النّذر، وَيجْعَل لله عَليّ صَوْم كَذَا بنية الْيَمين مَعَ النّذر يَمِينا ونذرا (وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ ذهب إِلَى أَنه (أُرِيد الْيَمين بِاللَّه) لِأَن قَوْله لله بِمَنْزِلَة بِاللَّه (و) أُرِيد (النّذر بعلي أَن أَصوم رَجَب) (وَجَوَاب الْقسم) حِينَئِذٍ (مَحْذُوف مَدْلُول عَلَيْهِ بِذكر الْمَنْذُور) أَي (كَأَنَّهُ قَالَ لله لأصومن وَعلي أَن أَصوم) رَجَب (وعَلى هَذَا لَا يرادان) النّذر وَالْيَمِين (بِنَحْوِ عَليّ أَن أَصوم) لعدم وجود مَا يُرَاد بِهِ الْيَمين فِيهِ، وعَلى مَا قبله وَهُوَ لله عَليّ أَن أَصوم يرادان لوُجُود مَا يُرَاد بِهِ الْيَمين وَهُوَ لله، وَمَا يُرَاد بِهِ النّذر، وَهُوَ عَليّ أَن أَصوم غير أَنه لَيْسَ من الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز لِأَنَّهُمَا لم يرادا بِلَفْظ وَاحِد (وَالْأَوْجه أَن يكون الْمَعْنى (وعَلى مَا قبله) من الْأَقْوَال السَّابِقَة (يرادان) بعلي أَن أَصوم ليظْهر التَّفَاوُت بَين قَوْله وَقَوْلهمْ بِاعْتِبَار المُرَاد كَمَا بَين التَّفَاوُت بَين قَوْله وَقَول الْبَعْض بِاعْتِبَار آخر بقوله (وَهَذَا) الَّذِي ذهب إِلَيْهِ السَّرخسِيّ (يُخَالف الأول) أَي أول الْأَقْوَال (باتحاد الْمَنْذُور والمحلوف) فِيهِ فَإِنَّهُ فِيهِ ناذر للصيام حَالف عَلَيْهِ (وَالْأول) لَيْسَ كَذَلِك، بل فِيهِ (الْمَحْلُوف تَحْرِيم التّرْك والمنذور الصَّوْم) قَالَ الشَّارِح فِيمَا ذكره السَّرخسِيّ نظر لِأَن اللَّام إِنَّمَا تكون للقسم إِذا كَانَت للتعجب أَيْضا كَمَا صرح بِهِ النحويون عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا " دخل آدم الْجنَّة فَللَّه مَا غربت الشَّمْس حَتَّى خرج " وَمَا أُجِيب بِهِ من أَن نذر الْإِنْسَان وإيجابه على نَفسه صَالح لِأَن يتعجب مِنْهُ فَمَا يتعجب مِنْهُ انْتهى، وَلَعَلَّ المُصَنّف لم يتَعَرَّض لهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْر لَازم من حَيْثُ النَّحْو: كَيفَ وَبَاب الِاسْتِعَارَة وَاسع

هَذَا وَعَن أبي يُوسُف أَن لله على أَن أَصوم نذر فَقَط وَإِن نوى بِهِ الْيَمين وَلم يخْطر لَهُ النّذر يكون نذرا أَو يَمِينا على قَوْلهمَا خلافًا لَهُ حَيْثُ قَالَ: هُوَ يَمِين لَا غير، وللمسئلة زِيَادَة تَفْصِيل فِي الشَّرْح (تَنْبِيه: لما لم يشرط نقل الْآحَاد) لأنواع العلاقة فِي خصوصيات المجازات عَن الْعَرَب فِي الْأَلْفَاظ اللُّغَوِيَّة، بل اكْتفى بِنَقْل أَنْوَاعهَا فِي صِحَة التَّجَوُّز (جَازَ فِي) الْأَلْفَاظ (الشَّرْعِيَّة) بِالْقَرِينَةِ الصارفة عَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ الْمعينَة للمجازي إِذا وجدت العلاقة الْمُعْتَبرَة معنوية كَانَت أَو صورية (فالمعنوية فِيهَا) أَي فِي الشَّرْعِيَّة (أَن يشْتَرك التصرفان) الْمُسْتَعَار مِنْهُ والمستعار لَهُ (فِي الْمَقْصُود من شرعيتهما) ثمَّ بَين الْمَقْصُود بقوله (علتهما الغائبة) عطف بَيَان للمقصود (كالحوالة وَالْكَفَالَة) مِثَال للتصرفين (الْمَقْصُود مِنْهَا التَّوَثُّق فيطلق كل) أَي لفظ كل مِنْهُمَا (على الآخر (كَلَفْظِ الْكفَالَة) المقرون (بِشَرْط بَرَاءَة الْأَصِيل) يُطلق على الْحِوَالَة مجَازًا بعلاقة اشتراكهما فِي الْمَقْصُود من شرعيتهما (وَهُوَ) أَي شَرط بَرَاءَة الْأَصِيل (الْقَرِينَة فِي جعله) أَي لفظ الْكفَالَة (مجَازًا فِي الْحِوَالَة وَهِي) أَي الْحِوَالَة (بشر مُطَالبَته) أَي الْأَصِيل (كَفَالَة) والقرينة فِي هَذَا التَّجَوُّز شَرط مُطَالبَة الْأَصِيل (وَقَول مُحَمَّد) أَي وَكَقَوْلِه فِيمَا إِذا فرق الْمضَارب وَرب المَال وَلَيْسَ فِي المَال ربح وَبَعض رَأس المَال دين لَا يجْبر الْمضَارب على نَقده (وَيُقَال لَهُ) أَي للْمُضَارب (أحل رب المَال) على المدينين (أَي وَكله) بِقَبض الدُّيُون (لاشْتِرَاكهمَا) أَي الْوكَالَة وَالْحوالَة (فِي إِفَادَة ولَايَة الْمُطَالبَة) للمديون لاشْتِرَاكهمَا (لَا فِي النَّقْل الْمُشْتَرك الدَّاخِل) فِي مفهومهما فَإِنَّهُ مُشْتَرك (بَين الْحِوَالَة الَّتِي هِيَ نقل الدّين) من ذمَّة الْمُحِيل إِلَى ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ على مَا هُوَ الصَّحِيح (و) بَين (الْكفَالَة على أَنَّهَا نقل الْمُطَالبَة) من ذمَّة الْمَكْفُول فِي ذمَّة الْكَفِيل (و) بَين (الْوكَالَة على أَنَّهَا نقل الْولَايَة) من الْمُوكل إِلَى الْوَكِيل على مَا ذكرُوا (إِذْ الْمُشْتَرك) بَين الْحَقِيقِيّ والمجازي (الدَّاخِل) فِي مفهومهما (غير مُعْتَبر) علاقَة للتجوز (لَا يُقَال لإِنْسَان فرس وَقَلبه لَهُ) أَي وَلَا يُقَال للْفرس إِنْسَان لاشْتِرَاكهمَا فِي الْمُشْتَرك الدَّاخِل وَهُوَ الحيوانية (فَكيف وَلَا نقل فِي الْأَخيرينِ) أَي الْكفَالَة: إِذْ هِيَ ضم ذمَّة إِلَى ذمَّة فِي الْمُطَالبَة على الْأَصَح وَقيل فِي الدّين، وَالْوكَالَة، إِذْ هِيَ إِقَامَة الْإِنْسَان غَيره مقَام نَفسه فِي تصرف مَعْلُوم (والصورية الْعلية والسببية) إِذْ الْمُجَاورَة بَين الْعلَّة وَالْحكم وَبَين الْمُسَبّب وَالسَّبَب شَبيهَة بالاتصال الصُّورِي فِي المحسوسات (فالعلية كَون الْمَعْنى وضع شرعا لحُصُول الآخر فَهُوَ) أَي الآخر (علته الغائية كالشراء) وضع شرعا (للْملك فصح كل) من الشِّرَاء وَالْملك مجَازًا (فِي الآخر لتعاكس الافتقار) أَي افتقار الْعلَّة إِلَى حكمهَا من حَيْثُ الْغَرَض وَلذَا لم يشرع فِي مَحل لَا يقبله كَشِرَاء الْحر وافتقار الحكم إِلَى علته من حَيْثُ الثُّبُوت، فَإِنَّهُ لَا يثبت بِدُونِهَا (وَإِن كَانَ) الافتقار (فِي الْمَعْلُول) إِلَى علته (على) طَرِيق

(الْبَدَل مِنْهُ) أَي من علته والتذكير بِاعْتِبَار عنوان مَا وضع لحصوله شرعا كالشراء (وَمن نَحْو الْهِبَة) كالصدقة مَعْطُوف على ضمير مِنْهُ، فَإِن الْملك يحصل بِكُل مِنْهُمَا فَلَا يفْتَقر إِلَى خُصُوص الشِّرَاء بل إِلَى أَحدهمَا على سَبِيل الْبَدَل (فَلَو عني بِالشِّرَاءِ الْملك فِي قَوْله: إِن اشْتَرَيْته فَهُوَ حر فَاشْترى نصفه وَبَاعه وَاشْترى) النّصْف (الآخر لَا يعْتق هَذَا النّصْف) وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا النّصْف إِذْ لَا وَجه لِلْعِتْقِ عِنْد شِرَاء النّصْف الأول لعدم تحقق ملك العَبْد الَّذِي هُوَ عبارَة عَن مَجْمُوعَة بِخِلَاف النّصْف الْأَخير، إِذْ عِنْد شِرَائِهِ يتَحَقَّق ملك الْكل وَلَو على التدريج، غير أَن النّصْف الأول خرج عَن ملكه فَلم يبْق محلا لِلْعِتْقِ (إلاقضاء) أَي لَا يعْتق هَذَا النّصْف ديانَة تَخْفِيفًا عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون مُرَاده ملك الْكل دفْعَة أَو تدريجا، وَإِمَّا أَنه يعْتق قَضَاء فَلِأَن الْملك للْكُلّ كَمَا يكون دفْعَة كَذَلِك يكون تدريجا فَالشَّرْط عَام والاهتمام بِالْحُرِّيَّةِ أَكثر (وَفِي قلبه) وَهُوَ أَن يَقُول إِن ملكته وَيَعْنِي بِهِ الشِّرَاء ثمَّ يَشْتَرِي النّصْف ثمَّ يَبِيعهُ ثمَّ يَشْتَرِي النّصْف الآخر يعْتق (مُطلقًا) أَي قَضَاء وديانة (لتغليظه) على نَفسه حَتَّى تجوز بِالْملكِ عَن الشِّرَاء إِذْ لَو أرد الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ كَانَ أرْفق بِهِ لما أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَإِنَّهُ) أَي العَبْد (لَا يعْتق فِيهِ) أَي فِي الْملك إِذا أُرِيد بِهِ حَقِيقَته (مَا لم يجْتَمع) جَمِيع العَبْد (فِي الْملك قَضِيَّة لعرف الِاسْتِعْمَال فيهمَا) أَي عملا بِمَا يَقْتَضِيهِ عرف الِاسْتِغْنَاء بِملكه، وَهُوَ إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا كَانَ بِصفة الِاجْتِمَاع، بِخِلَاف الشِّرَاء إِذْ لَيْسَ فِيهِ ذَلِك الْمَعْنى عرفا حَتَّى لَو قَالَ إِن اشْتريت عبدا فامرأته طَالِق، ثمَّ اشْترى عبدا لغيره يَحْنَث، وَهَذَا إِذا كَانَ مُنْكرا فَإِن كَانَ معينا بِأَن قَالَ لعبد إِن اشتريتك أَو مَلكتك فَأَنت حر والمسئلة بِحَالِهَا يعْتق النّصْف الْبَاقِي فِي الْوَجْهَيْنِ، لِأَن الْعرف إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُنكر لَا الْمعِين إِذْ فِي الْمعِين يقْصد نفي ملكه عَن الْمحل، وَقد تحقق ملكه فِيهِ وَإِن كَانَ فِي أزمنة مُتَفَرِّقَة، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَظَاهر الْمَتْن يأباه ثمَّ هَذَا إِذا كَانَ الشِّرَاء صَحِيحا، وَأما إِذا كَانَ فَاسِدا فَلَا يعْتق قَالَ الشَّارِح: أَن القَوْل بِعِتْق النّصْف فِي هَذِه الْمسَائِل ماش على قَول أبي حنيفَة، أما عِنْدهمَا فَيَنْبَغِي أَن يعْتق كُله وَتجب السّعَايَة أَو الضَّمَان للِاخْتِلَاف الْمَعْرُوف فِي تجزؤ الْإِعْتَاق (وَالسَّبَب) الْمَحْض (لَا يقْصد) حُصُول الْمُسَبّب (بِوَضْعِهِ وَإِنَّمَا يثبت) الْمُسَبّب (عَن الْمَقْصُود) فِي السَّبَب اتِّفَاقًا (كزوال ملك الْمَنْفَعَة، بِالْعِتْقِ لم يوضع) الْعتْق (لَهُ) أَي للزوال الْمَذْكُور (بل يستتبعه) أَي بل يتبع زَوَاله (مَا هُوَ) أَي الَّذِي الْعتْق مَوْضُوع (لَهُ) وَهُوَ زَوَال ملك الرَّقَبَة فالسبب الْعتْق والمسبب زَوَال ملك الْمَنْفَعَة، وَالْعِتْق لم يوضع لحصوله وَإِنَّمَا يثبت عَن زَوَال ملك الرَّقَبَة الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود بِالْعِتْقِ وَوضع لَهُ (فيستعار) السَّبَب (للمسبب لافتقاره) أَي الْمُسَبّب (إِلَيْهِ) أَي السَّبَب (على الْبَدَل مِنْهُ) أَي من السَّبَب الَّذِي هُوَ الْعتْق (وَمن الْهِبَة وَالْبيع) وَالصَّدَََقَة إِذْ كل

مسئلة

مِنْهَا سَبَب لزوَال ملك الرَّقَبَة (فصح الْعتْق) أَي فِي إِطْلَاقه مجَازًا (للطَّلَاق) حَتَّى لَو قَالَ لامْرَأَته أَعتَقتك وَنوى الطَّلَاق بِهِ وَقع، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى النِّيَّة لتعيين الْمجَاز (وَالْبيع وَالْهِبَة) مجَازًا (للنِّكَاح) لِأَن كلا مِنْهُمَا سَبَب مفض لملك الْمُتْعَة (وَمنع الشَّافِعِي هَذَا) التَّجَوُّز بهما عَنهُ (لانْتِفَاء) العلاقة (المعنوية) بَينه وَبَينهمَا (لَا يَنْفِي غَيرهمَا) وَهُوَ السَّبَبِيَّة الْمَحْضَة الَّتِي هِيَ أحد نَوْعي العلاقة الصورية (وَلَا عكس) أَي لَا يتجوز بالمسبب عَن السَّبَب (خلافًا لَهُ) أَي للشَّافِعِيّ فَإِنَّهُ جوزه (فصح عِنْده الطَّلَاق) مجَازًا (لِلْعِتْقِ لشمُول الْإِسْقَاط) فيهمَا لِأَن فِي الْإِعْتَاق إِسْقَاط ملك الرَّقَبَة، وَفِي الطَّلَاق إِسْقَاط ملك الْمُتْعَة والاتصال الْمَعْنَوِيّ علاقَة مجوزة للمجاز (وَالْحَنَفِيَّة تَمنعهُ) أَي التَّجَوُّز بِالطَّلَاق عَن الْعتْق (والمجوز) للتجوز الْمَعْنى الْمُشْتَرك بَين المتجوز بِهِ والمتجوز عَنهُ على وَجه يكون المتجوز عَنهُ أقوى مِنْهُ فِي المتجوز، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَهُوَ غير تَعْلِيل المُصَنّف ويناسب مَا ذكر فِي الْبَيَان من إِلْحَاق النَّاقِص بالكامل، وَأما اعْتِبَاره فِي الْأُصُول فَغير مَعْلُوم، وَقد بَين المُصَنّف المجوز بقوله (الْمَشْهُور الْمُعْتَبر) أَي الثَّابِت اعْتِبَاره عَن الْوَاضِع نوعا بِاسْتِعْمَالِهِ اللَّفْظ بِاعْتِبَار جزئي من جزئياته أَو ينْقل اعْتِبَاره عَنهُ (وَلم يثبت) التَّجَوُّز (بالفرع) يَعْنِي الْمُسَبّب عَن الأَصْل وَهُوَ السَّبَب (بل) ثَبت (بِالْأَصْلِ) عَن الْفَرْع (إِذا لم يجيزوا الْمَطَر للسماء بِخِلَاف قلبه) أَي أَجَازُوا السَّمَاء للمطر فَنقل عَنْهُم " مَا زلنا نَطَأ السَّمَاء حَتَّى أَتَيْنَاكُم " أَي الْمَطَر (مَعَ اشتراكهما) أَي السَّبَب والمسبب (فِي) الِاتِّصَال (الصُّورِي فَلَا يَصح طَالِق أَو بَائِن أَو حرَام لِلْعِتْقِ) عِنْد أَصْحَابنَا (إِلَّا أَن يخْتَص) الْمُسَبّب (بِالسَّبَبِ) بِأَن لَا يُوجد بِدُونِهِ (فكالمعلفول) أَي فَيجوز التَّجَوُّز بِكُل مِنْهُمَا عَن الآخر فِي الْعلَّة والمعلول لِأَنَّهُمَا يصيران حِينَئِذٍ فِي مَعْنَاهُمَا كالنبت للغيب وَبِالْعَكْسِ. مسئلة (الْمجَاز خلف) عَن الْحَقِيقَة (اتِّفَاقًا) بِمَعْنى أَن الْحَقِيقَة هِيَ الأَصْل الرَّاجِح الْمُقدم فِي الِاعْتِبَار، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي جِهَة الخلفية (فَأَبُو حنيفَة) يَقُول هُوَ خلف عَنْهَا (فِي التَّكَلُّم) فِي التَّوْضِيح فبعض الشَّارِحين فسروه بِأَن لفظ هَذَا ابْني خلف عَن لفظ هَذَا حر، فَيكون التَّكَلُّم بِاللَّفْظِ الَّذِي يُفِيد هَذَا الْمَعْنى بطرِيق الْمجَاز خلفا عَن التَّكَلُّم بِاللَّفْظِ الَّذِي يفِيدهُ بطرِيق الْحَقِيقَة، وَبَعْضهمْ فسره بِأَن لفظ هَذَا الْمَعْنى ابْني إِذا أُرِيد بِهِ الْحُرِّيَّة خلف عَن لفظ هَذَا الْمَعْنى ابْني، اذا أُرِيد بِهِ الْبُنُوَّة، وَفِيه أَيْضا أَن الْخلف مَا يقوم مقَام الأَصْل، وَأَن الأَصْل إِذا كَانَ صَحِيحا لفظا أَو حكما كَانَ الْخلف كَذَلِك، وَأَن الْوَجْه الثَّانِي أليق، لِأَن الْخلاف حِينَئِذٍ لَا يكون إِلَّا فِي وَجه

الخلفية لَا فِي الْخلف، وَالْأَصْل بِخِلَاف الْوَجْه الأول وَلِأَن الأَصْل إِذا كَانَ هَذَا ابْني يتَحَقَّق شَرط الْمصير إِلَى الْمجَاز من صِحَة الأَصْل من حَيْثُ أَنه مُبْتَدأ وَخبر مَوْضُوع للْإِيجَاب بصيغته وَتعذر الْعَمَل بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيّ بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الأَصْل هَذَا حرَام لعدم تعذر الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ حِينَئِذٍ وَحَاصِل الْخلاف هَل يشْتَرط فِي صِحَة إِرَادَة الْمَعْنى الْمجَازِي إِمْكَان الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ؟ عِنْدهمَا نعم، وَعِنْده لَا، بل يَكْفِي صِحَة اللَّفْظ من حَيْثُ الْعَرَبيَّة، وَإِذا عرفت هَذَا (فالمتكلم بِهَذَا ابْني) مجَازًا (فِي التَّحْرِير) الَّذِي هُوَ معنى مجازي لَهُ خلف (عَن التَّكَلُّم بِهِ) أَي بِهَذَا ابنى حَقِيقَة (فِي النّسَب) أَي فِي إِرَادَة الْبُنُوَّة الَّذِي هُوَ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَهُ من غير نظر إِلَى ثُبُوت الخلفية فِي الحكم بِأَن يكون ثُبُوت التَّحْرِير بالمجازي فرع ثُبُوت إِمْكَان ثُبُوت النّسَب بِالْأَصْلِ (وهما) أَي صَاحِبَاه قَالَا: الْمجَاز خلف عَن الْحَقِيقَة (فِي حكمهَا فَأَنت ابنى) خطابا (لعَبْدِهِ الْأَكْبَر مِنْهُ) سنا مجَاز (على عتق على من وَقت ملكته عِنْده) أَي أبي حنيفَة اسْتِعْمَالا لاسم الْمَلْزُوم فِي لَازمه (وَقَالا لَا) يعْتق (لعدم إِمْكَان الْحَقِيقِيّ) إِذْ الْمَفْرُوض كَون العَبْد أكبر، وَشرط صِحَة الْخلف إِمْكَان الأَصْل (فلغا) قَوْله أَنْت ابنى، وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم، وَإِنَّمَا اعْتبر الخلفية فِي الحكم (لِأَن الحكم) هُوَ (الْمَقْصُود، فالخلفية بِاعْتِبَارِهِ أولى، وَقد يلْحق) عدم الْعتْق فِي هَذِه (بِعَدَمِ انْعِقَاد الْحلف) فِي قَوْله (لبشر بن مَاء الْكوز وَلَا مَاء) فِيهِ فَإِنَّهُ غير مُنْعَقد (لعدم تصَوره) أَي تصور الْمَحْلُوف عَلَيْهِ، وَهُوَ شرب المَاء الْكَائِن فِي الْكوز الْمشَار إِلَيْهِ عِنْد الْحلف وَإِمْكَان الْمَحْلُوف عَلَيْهِ شَرط الِانْعِقَاد كَمَا أَن شَرط الخلفية للمعنى الْمجَازِي لقَوْله: أَنْت بَائِن إِمْكَان الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَهُ (وَعَن هَذَا) أَي اشْتِرَاط تصور حكم الأَصْل للخلف (لَغَا قطعت يدك) خطأ (إِذا أخرجهُمَا) أَي الْمُخَاطب يَدَيْهِ (صحيحتين) بعد الْإِقْرَار بقطعهما (وَلم يَجْعَل مجَازًا عَن الْإِقْرَار بِالْمَالِ) أَي دِيَة الْيَد لعدم إِمْكَان مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ، ثمَّ تعقب عَلَيْهِ بقوله (لَكِن لَا يلْزم من لُزُوم إِمْكَان مَحل حكم شَرْعِي) يُرِيد بِالْمحل مَاء الْكوز فَإِنَّهُ مَحل وجوب الْبر (لتَعلق الحكم) أَي الْخطاب مُتَعَلق بِلُزُوم (بخلفه) أَي بخلف ذَلِك الحكم الشَّرْعِيّ، وَهُوَ وجوب الْكَفَّارَة لعَجزه عَن الْبر، وفاعل لَا يلْزم (لُزُوم صدق معنى لفظ) يَعْنِي حَقِيقَة قَوْله: أَنْت ابْني (لاستعماله) أَي ذَلِك (مجَازًا) إِذْ لَا يظْهر بَينهمَا مُلَازمَة فَلَا يَصح الْإِلْحَاق بِهِ (وَالثَّانِي) أَي ولغو الْإِقْرَار بِقطع الْيَد أَي إِذا أخرجهُمَا صحيحتين لَيْسَ (لتعذر) الْحَقِيقِيّ فَقَط: بل لَهُ ولتعذر (الْمجَازِي أَيْضا فَإِن الْقطع سَبَب مَال مَخْصُوص) على الْعَاقِلَة (فِي سنتَيْن) لما عرف فِي مَحَله (وَلَيْسَ) هَذَا المَال الْمَخْصُوص هُوَ (المتجوز عَنهُ) بِالْقطعِ: إِذْ لَو تجوز بِهِ عَنهُ لما لزم فِي ذمتهم، لِأَن لُزُوم المَال عَلَيْهِم فِي سنتَيْن مَخْصُوص بِمَاذَا تحقق الْقطع وَلَا يلْزم بِمُجَرَّد قَوْله: قطعت يَده من غير تحقق الْقطع،

ثمَّ إِنَّه لَا علاقَة بَين الْمجَازِي والحقيقي هَهُنَا إِلَّا المسببية والسببية، وَهَذِه العلاقة لَيست مَوْجُودَة بَين الْمَعْنى الْمجَازِي الَّذِي هُوَ المَال الْمُطلق وَالْقطع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالْمُطلق) أَي وَالْمَال الْمُطلق الَّذِي يُمكن إثْبَاته بِالْإِقْرَارِ (لَيْسَ مسببا عَنهُ) أَي عَن الْقطع (وَله) أَي لأبي حنيفَة (أَنه) أَي التَّجَوُّز (حكم لغَوِيّ يرجع للفظ) أَي إِلَى اللَّفْظ (هُوَ) أَي الحكم (صِحَة اسْتِعْمَاله) أَي اللَّفْظ (لُغَة فِي معنى) مجازى (بِاعْتِبَار صِحَة اسْتِعْمَاله) أَي اللَّفْظ (فِي) معنى (آخر وضعي) أَي حَقِيقِيّ (لمشاكلته) مُتَعَلق بِصِحَّة الِاسْتِعْمَال: أَي لمشاكلة ذَلِك الْمَعْنى الْمجَازِي للمعنى الوضعي بِاعْتِبَار العلاقة المصححة للتجوز (ومطابقته) أَي وَكَون الوضعي مطابقا للْوَاقِع (لَيست جُزْء الشَّرْط) أَي جُزْء شَرط الِاسْتِعْمَال فِي الْمَعْنى الْمجَازِي (فَكل) من اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل حَقِيقَة، والمستعمل مجَازًا (أصل فِي إِفَادَة حكمه) وَإِن كَانَ الثَّانِي فرعا للْأولِ بِاعْتِبَار الِاسْتِعْمَال لُغَة (فَإِذا تكلم) الْمُتَكَلّم بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور (وَتعذر) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ وَجب مجازيته فِيمَا ذكر من الْإِقْرَار) أَي الْإِخْبَار بحريَّته لِأَنَّهَا لَازِمَة للبنوة 0 فَتَصِير أمه أم ولد) لِأَنَّهُ كَمَا جعل إِقْرَارا بحريَّته جعل إِقْرَارا بأمومية الْوَلَد لأمه بِاعْتِبَار مَا يلْزمهَا من اسْتِحْقَاق الْحُرِّيَّة بعد الْمَوْت (وَقيل) بل وَجب مجازيته (فِي إنشائه) التَّحْرِير وإحداثه (فَلَا تصير) أم ولد لَهُ: يَعْنِي اسْتِحْقَاق الْحُرِّيَّة لَهَا إِذا كَانَت فِي ملكه، لِأَن ذَلِك يثبت مسببا عَن الْإِقْرَار لَا الْإِنْشَاء (وَالأَصَح الأول) أَي مجازيته فِي الْإِخْبَار عَن عتقه (لقَوْله) أَي مُحَمَّد (فِي) كتاب (الْإِكْرَاه إِذا أكره على هَذَا ابْني لعَبْدِهِ لَا يعْتق) عَلَيْهِ (وَالْإِكْرَاه يمْنَع صِحَة الْإِقْرَار بِالْعِتْقِ لَا إنشاءه) أَي الْإِكْرَاه لَا يمْنَع صِحَة إنْشَاء الْعتْق: فَعلم أَنه جعل قَوْله هَذَا ابْني مجَازًا فِي الْإِخْبَار بِالْعِتْقِ، وَإِلَّا لما قَالَ بِعَدَمِ الْعتْق فِيهِ (فَإِن تحقق) الْمَعْنى الْمجَازِي من الْإِقْرَار بِثُبُوت الْحُرِّيَّة (عتق مُطلقًا) أَي قَضَاء وديانة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَحَقَّق بِأَن لم يكن الْإِخْبَار بِالْحُرِّيَّةِ مطابقا للْوَاقِع لعدم صُدُور التَّحْرِير مِنْهُ بعد حُدُوث الْملك (فقضاء) أَي فَعتق قَضَاء مُؤَاخذَة لَهُ بِإِقْرَارِهِ لَا ديانَة (لكذبه حَقِيقَة ومجازا) أما حَقِيقَة فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْن لَهُ، كَيفَ وَهُوَ أكبر مِنْهُ، وَأما مجَازًا فَلِأَنَّهُ لم يصدر مِنْهُ تَحْرِير وَلم يَقع مَا يُوجِبهُ (إِلَّا أَنه قد يمْنَع تعين الْمجَازِي) أَي (الْعتْق لجَوَاز) إِرَادَة (معنى الشَّفَقَة) من قَوْله: هَذَا ابْني (وَدفعه) أَي دفع منع تعْيين الْمجَازِي (بتقدم الْفَائِدَة الشَّرْعِيَّة) وَهِي الْعتْق (عِنْد إمكانها) أَي الْفَائِدَة الشَّرْعِيَّة (وَغَيرهَا) يَعْنِي أَن الْحمل على مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ التَّحْرِير مُتَعَيّن لِأَنَّهُ فَائِدَة شَرْعِيَّة، بِخِلَاف الْحمل على الشَّفَقَة، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَة شَرْعِيَّة وَإِذا تعَارض احْتِمَالَانِ فِي أجدهما فَائِدَة شَرْعِيَّة دون الآخر تعين مَا فِيهِ الْفَائِدَة لترجحه (معَارض) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي دَفعه (بِإِزَالَة الْملك الْمُحَقق) وَالْأَصْل فِي الشَّيْء الثَّابِت الْبَقَاء (مَعَ احْتِمَال عَدمه

أَي عدم زَوَال الْملك، والمتيقن لَا يَزُول بِالِاحْتِمَالِ (وَعَدَمه) أَي ومعارض أَيْضا بِمَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة من عدم وُقُوع الْعتْق (فِي هَذَا أخي) فَإِنَّهُم (بنوه) أَي بنوا عدم تحقق وُقُوع الْعتْق بِهَذَا أخي (على اشتراكه) أَي اشْتِرَاك لفظ الْأَخ (اسْتِعْمَالا فاشيا فِي المشارك نسبا ودينا، وقبيلة، ونصيحة فتوقف) الْعَمَل بِهِ (إِلَى قرينَة) مُعينَة لأحد الْمعَانِي الْأَرْبَعَة (كمن أبي) أَي كَمَا إِذا وصل بقوله: هَذَا أخي قَوْله: من أبي وَأمي، أَو من النّسَب إِلَى غير ذَلِك (فَيعتق) لكَونه ملك ذَا رحم محرم مِنْهُ (و) بنوه (على أَن الْعتْق بعلة الولاد) بِأَن يكون الْمَمْلُوك والدا أَو مولودا بِوَاسِطَة أَو بِغَيْر وَاسِطَة (وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ) مَا يدل عَلَيْهِ الولاد ليَكُون مجَازًا عَن لَازمه فَامْتنعَ طَرِيقه (وَعَلِيهِ) أَي وعَلى أَن الْعتْق بعلة الولاد (بنى عَدمه) أَي عدم الْعتْق (فِي جدي لعَبْدِهِ الصَّغِير) فَإِن حَقِيقَة هَذَا الْكَلَام لَا وجود لَهَا إِلَّا بِوَاسِطَة الْأَب وَلَا وجود لَهُ فِي اللَّفْظ (وَيرد أَنَّهَا) أَي عِلّة عتق الْقَرِيب (الْقَرَابَة الْمُحرمَة) لَا خُصُوص الولاد (وَلذَا) أَي وَلكَون الْعلَّة فِيهِ مَا ذكر (عتق بعمى وخالى) بِلَا خلاف: ذكر فِي الْبَدَائِع وَغَيره (فترجح رِوَايَة الْحسن) عَن أبي حنيفَة الْعتْق فِي جدي وَأخي (وَعَدَمه) أَي الْعتْق (بيابني لِأَنَّهُ) أَي النداء (لإحضار الذَّات وَلم يفْتَقر هَذَا الْقدر) الَّذِي قصد بالنداء (لتحقيق الْمَعْنى) أَي لَا يحْتَاج إِفَادَة هَذَا الْمَقْصُود إِلَى أَن يتَحَقَّق لفظ الابْن يَعْنِي (فِيهَا) أَي فِي الذَّات (حَقِيقِيًّا) كَانَ ذَلِك الْمَعْنى (أَو مجَازًا) يَعْنِي الْقَصْد من هَذَا اللَّفْظ مُجَرّد إِحْضَار الذَّات، وَفِي هَذَا الْقَصْد يَكْفِي التَّلَفُّظ المستلزم مُجَرّد تصور الْمَعْنى من غير التَّصْدِيق بِثُبُوتِهِ للذات (بِخِلَاف يَا حر) حَيْثُ يعْتق بِهِ (لِأَن لَفظه صَرِيح فِي الْمَعْنى) الَّذِي هُوَ الْعتْق لكَونه مَوْضُوعا لَهُ وعلما لإِسْقَاط الرّقّ فَيقوم عينه مقَام مَعْنَاهُ (فَيثبت) الْعتْق (بِلَا قصد) حَتَّى لَو قصد التَّسْبِيح فَجرى على لِسَانه: عَبدِي حر يعْتق (وَقيل إِذا كَانَ الْوَصْف الْمعبر بِهِ عَن الذَّات) فِي مقَام النداء (يُمكن تَحْقِيقه من جِهَته) أَي الْمُتَكَلّم بِأَن يكون قَادِرًا على إنشائه (بِاللَّفْظِ حكم بتحقيقه) أَي الْوَصْف (مَعَ الاستحضار) تَصْدِيقًا لَهُ (كيا حر) فَإِن الْحُرِّيَّة مِمَّا يقدر على إنشائه فِي اللَّفْظ وَلَو كَانَ ذَلِك الْوَصْف اسْمه فناداه بِهِ لما عتق لِأَن المُرَاد حِينَئِذٍ مُجَرّد إِعْلَامه باسمه الْعلم: لِأَن الْإِعْلَام لَا يُرَاعِي فِيهَا الْمعَانِي عِنْد الِاسْتِعْمَال (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْمعبر بِهِ عَن الذَّات مِمَّا يُمكن تَحْقِيقه من جِهَته (لَغَا) ذَلِك الْوَصْف (ضَرُورَة) إِذْ لَا يُمكن حِينَئِذٍ تَصْدِيقه بإنشائه فيتمحض للإعلام (كيا بني إِذا تحقق الْأَبْنِيَة غير مُمكن لَهُ بِهَذَا اللَّفْظ لِأَنَّهُ إِن تخلق من مَاء غَيره فَظَاهر، وَكَذَا مِنْهُ لِأَن النّسَب) حِينَئِذٍ (إِنَّمَا يثبت بِهِ لَا بِاللَّفْظِ وَأما إلزامهما) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد

مسئلة

(المناقضة بالانعقاد) أَي بالِاتِّفَاقِ مَعَه فِي انْعِقَاد النِّكَاح (بِالْهبةِ فِي الْحرَّة وَلَا يتَصَوَّر) معنى التَّمْلِيك (الْحَقِيقِيّ) الَّذِي هُوَ (الرّقّ) فِيهَا (فَلَا يلْزمهُمَا إِذْ لم يشرطاه) أَي إِمْكَان الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ (إِلَّا عقلا) وَهُوَ مُمكن عقلا، كَيفَ وَقد وَقع فِي شَرِيعَة يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي أول الْإِسْلَام (وَلم تذكر الشَّافِعِيَّة هَذَا الأَصْل) وَهُوَ أَن خلفية الْمجَاز فِي التَّكَلُّم أَو فِي الحكم (وموافقتهما) أَي مُوَافقَة الشَّافِعِيَّة لَهما (فِي الْفَرْع) أَي فِي قَوْله لعَبْدِهِ الْأَكْبَر سنا مِنْهُ: أَنْت ابْني (لَا يُوجِبهَا) أَي الْمُوَافقَة (فِي أَصْلهَا) كَمَا يفهم من كَلَام صَاحب الْكَشْف وَغَيره، وَصرح بَعضهم بِأَن الأَصْل فِيهِ عِنْد الشَّافِعِيَّة عدم ثُبُوت النّسَب. مسئلة (يتَعَيَّن) وَفِي نُسْخَة يتَفَرَّع (على الخلفية) أَي خلفية الْمجَاز عَن الْحَقِيقَة (تعينها) أَي الْحَقِيقَة (إِذا أمكنا) أَي صَحَّ إِرَادَة كل من الْحَقِيقَة وَالْمجَاز (بِلَا مُرَجّح) أَي حَال كَونهمَا متلبسين بِعَدَمِ مُرَجّح خارجي لرجحانها فِي نَفسهَا عَلَيْهِ (فَتعين الْوَطْء) أَي إِرَادَته (من قَوْله) تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم} لِأَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ للنِّكَاح على مَا هُوَ الصَّحِيح وَهُوَ هَهُنَا مُمكن مَعَ الْمجَاز الَّذِي هُوَ العقد (فَحرمت مزنية الْأَب) على فروعه بِالنَّصِّ وَأما حُرْمَة الْمَعْقُود لَهُ عَلَيْهَا عقدا صَحِيحا عَلَيْهِم فبالإجماع (وَتعلق بِهِ) أَي بِالْوَطْءِ الْجَزَاء (فِي قَوْله لزوجته: إِن نكحتك) فَأَنت طَالِق (فَلَو تزَوجهَا بعد إبانة قبل الْوَطْء) ظرف لإبانة، قيد بِهِ لِأَنَّهُ لَو تزَوجهَا بعد إبانة بعد الْوَطْء لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْجَزَاء بِالْوَطْءِ بعد هَذَا التَّزْوِيج لانحلال الْيَمين قبله (طلقت بِالْوَطْءِ) لَا بِالْعقدِ كَمَا ذكرنَا (وَفِي الْأَجْنَبِيَّة) أَي وَفِي قَوْله للأجنبية: أَن نكحتك فَعَبْدي حر يتَعَلَّق الحكم (بِالْعقدِ) لِأَن وَطأهَا لما حرم عَلَيْهِ شرعا كَانَت الْحَقِيقَة مهجورة شرعا فَتعين الْمجَاز، وَفِيه أَنه مَا تمّ هجران الْحَقِيقَة لجَوَاز إِرَادَة الْوَطْء الْحَلَال لَا مَكَان أَن يعْقد عَلَيْهَا (وَأما المنعقدة) أَي إِرَادَة الْيَمين المنعقدة، وَهِي الْحلف على ان يفعل أمرا أَو يتْركهُ فِي الْمُسْتَقْبل (بعقدتم) فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} - (لِأَن العقد) حَقِيقَة (لما ينْعَقد (أَي للفظ يرْبط بآخر لايجاب حكم كَمَا قَالَ (وَهُوَ مَجْمُوع اللَّفْظ المستعقب حكمه) كمجموع الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي النِّكَاح وَالْبيع فَإِن قلت كَانَ الْوَاجِب أَن يَقُول فَلِأَن العقد الخ لِأَن الْفَاء فِي جَوَاب أما لَازم قلت: قَالَ الْمُحَقق الرضي وَلَا يحذف الْفَاء فِي جَوَاب أما إِلَّا لضَرُورَة نَحْو قَوْله: (فَأَما الصدود لَا صدود لديكم ...) أَو مَعَ قَول مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ محكية كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَأَما الَّذين كفرُوا أفلم تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم} -

أَي فَيُقَال لَهُم أفلم تكن آياتي انْتهى، وَهَهُنَا كَذَلِك فَإِن تَقْدِير الْكَلَام: وَأما إِرَادَة المنعقدة بعقدتم: فَيُقَال لَهُم فِي بَيَانهَا لِأَن العقد إِلَى آخِره، فَقَوله لِأَن العقد محكية، وَيدل عَلَيْهِ (مجَاز) خبر بعد خبر لِأَن (فِي الْعَزْم) أَي الْقَصْد القلبي (السَّبَب) صفة للعزم (لَهُ) أَي لمجموع اللَّفْظ الْمَذْكُور: إِذْ لَا يعْتَبر بِدُونِهِ (فَلَا كَفَّارَة فِي الْغمُوس) وَهِي الْحلف على أَمر مَاض تعمد الْكَذِب فِيهِ (لعدم الِانْعِقَاد) الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَة فِي الْغمُوس، وَإِنَّمَا نَفينَا الِانْعِقَاد عَنهُ (لعدم استعقابها) أَي استعقاب الْيَمين الْغمُوس (وجوب الْبر) الَّذِي هُوَ حكم عقد الْيَمين (لتعذره) أَي الْبر فِيهَا: لِأَن الْبر إِنَّمَا يكون فِي أَمر استقبالي عزم عَلَيْهِ من الْفِعْل أَو التّرْك الْمُؤَكّد بالقسم، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْمَعْنى الْمجَازِي أَيْضا لَا يتَصَوَّر فِي الْغمُوس: لِأَن الْعَزْم أَيْضا إِنَّمَا يكون فِي أَمر كَذَا على أَن الْعَزْم الْمَذْكُور إِنَّمَا وصف بِكَوْنِهِ سَببا لحكم العقد وَهُوَ الْبر، وَحَيْثُ تعذر سَببه من حَيْثُ هُوَ سَببه فَالْحَاصِل أَن الْغمُوس لَا يتَصَوَّر فِيهَا حَقِيقَة العقد وَلَا مجازه، فَتعين إِرَادَة المنعقدة غير أَنه سَيَجِيءُ مَا يدل عَلَيْهِ أَن الْخصم يحملهُ على الْعَزْم، ويظن أَنه مَوْجُود فِي الْغمُوس أَيْضا. وَفِي بعض النّسخ فقد يُقَال بِالْفَاءِ، وعَلى هَذَا لَا حَاجَة إِلَى مَا ذكر فِي ترك الْفَاء (وَقد يُقَال) فَيكون مَا قبل هَذَا كَلَام غَيره تعليلا لإِرَادَة المنعقدة بعقدتم (كَونهَا) أَي المنعقدة (حَقِيقَة فِيهِ) أَي فِيمَا ينْعَقد (فِي عرف أهل الشَّرْع لَا يستلزمه) أَي لَا يسْتَلْزم كَونهَا حَقِيقَة (فِي عرف الشَّارِع وَهُوَ) أَي عرف الشَّارِع (المُرَاد) هَاهُنَا (لِأَنَّهُ) أَي الْكَلَام (فِي لَفظه) أَي الشَّارِع (وَيدْفَع هَذَا بِأَن الْوَاجِب فِي مثله) مِمَّا لَا يعرف لَهُ غير الْمَعْنى اللّغَوِيّ معنى فِي الشَّارِع (اسْتِصْحَاب) أَي إبْقَاء (مَا) كَانَ (قبله) أَي قبل هَذَا الِاسْتِعْمَال من الشَّارِع على مَا كَانَ (إِلَّا بناف) أَي بِدَلِيل يدل على أَن المُرَاد غير مَا قبله فالمرجع هَهُنَا اللُّغَة الَّتِي هِيَ مدَار الخطابات القرآنية غَالِبا. وَفِي الْقَامُوس عقد الْحَبل وَالْبيع والعهد وَذكر فِيهِ مَعَاني غير هَذَا، وَلَا يُوجد شَيْء من ذَلِك فِي الْغمُوس (وَأَيْضًا) يُقَال فِي بَيَان كَون المُرَاد هُوَ المنعقدة أَنه (إِن كَانَ) العقد الْمُسْتَعْمل فِي مَجْمُوع اللَّفْظ المستعقب حكمه حَقِيقَة فَالْأَمْر كَمَا عرفت (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن حَقِيقَة فِيهِ (فالمجاز الأول) أَي فَهُوَ الْمجَاز الأول عَن الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة الَّتِي هِيَ شدّ بعض الْحَبل بِبَعْض على مَا قيل (بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَزْم لقُرْبه) إِلَيْهَا أَكثر من الْعَزْم، وَالْمجَاز الْأَقْرَب مقدم (وَمِنْه) أَي من الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ لإمكانها وَلَا مُرَجّح قَوْله هَذَا (ابْني لممكن) أَي لعبد لَهُ يُولد مثله (لمثله مَعْرُوف النّسَب) من غَيره (لجوازه) أَي لجَوَاز كَونه (مِنْهُ) بِكَوْنِهِ من منكوحته أم أمته (مَعَ اشتهاره) أَي نسبته (من غَيره) فَيصدق الْمقر فِي حق نَفسه، لَا فِي إبِْطَال حق الْغَيْر فَحِينَئِذٍ (عتق وَأمه أَو وَلَده على ذَلِك) أَي

على تعين الْحَقِيقَة لإمكانها وَلَا مُرَجّح للمجاز (فرع فَخر الْإِسْلَام قَول أبي حنيفَة بِعِتْق ثلث كل من الثَّلَاثَة) الْأَوْلَاد (إِذا أَتَت بهم الْأمة فِي بطُون ثَلَاثَة) بِأَن يَتَخَلَّل بَين كل اثْنَيْنِ مِنْهُم سِتَّة أشهر فَصَاعِدا (بِلَا نسب) مَعْرُوف لَهُم (فَقَالَ) الْمولى فِي صِحَّته (أحدهم ابْني وَمَات) الْمولى مجهلا) أَي قبل الْبَيَان (خلافًا لقولهما) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد (بِعِتْق الْأَصْغَر وَنصف الْأَوْسَط وَثلث الْأَكْبَر نظرا إِلَى مَا يُصِيبهَا من الْأُم) فسر الشَّارِح ضمير شَأْن التَّثْنِيَة بالأوسط والأكبر للقرب، وَلَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ لَا يُصِيب الْأَكْبَر من الْأُم شَيْء كَمَا ستعرفه: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَا يُصِيبهُ عدما، وَفِيه سماجة، فَالْوَجْه أَن يُفَسر بِالْأَصْغَرِ والأوسط فَإِنَّهُ يُصِيب كلا مِنْهُمَا من الْأُم نصيب من الْعتْق، وَذَلِكَ لِأَن الْإِقْرَار الْمَذْكُور لَهُ ثَلَاثَة احتمالات لجَوَاز أَن يكون ذَلِك الْأَحَد هُوَ الْأَكْبَر، أَو الْأَوْسَط، أَو الْأَصْغَر: فالأكبر لَا يثبت نسبه إِلَّا بالدعوة وَيثبت نسب كل من الْأَخيرينِ بِلَا دَعْوَة إِذا لم ينفه على تَقْدِير كَون الْمقر بِهِ من قبله، وَهَذَا يعين مَا يصيبهما من الْأُم: فالأصغر جزئي من جَمِيع الِاحْتِمَالَات، أما إِذا كَانَ هُوَ الْمقر بِهِ فَظَاهر: إِذْ تثبت جزئيته حِينَئِذٍ بالدعوة وَأما إِذا كَانَ من عداهُ فَيثبت من قبل ثُبُوت أمومية الْأُم وَأما الْوسط فَتثبت حُرِّيَّته فِي الِاحْتِمَالَيْنِ فِيمَا إِذا كَانَت الدعْوَة لَهُ أَو للأكبر وَلَا يثبت على احْتِمَال كَون الْمقر بِهِ الْأَصْغَر غير أَن أَحْوَال الْإِصَابَة وَإِن كثرت تعْتَبر وَاحِدَة: إِذْ الشَّيْء لَا يصاب إِلَّا من جِهَة وَاحِدَة كالملك إِذا أُصِيب بِالشِّرَاءِ لَا يصاب بِالْهبةِ فَتثبت جزئيته فِي حَال فانتصف الْعتْق فِي حَقه وَأما الْأَكْبَر فَتثبت جزئيته على احْتِمَال كَونه الْمقر بِهِ وَلَا يثبت فِي الِاحْتِمَالَيْنِ، والحرمان يجوز أَن تَتَعَدَّد جهانه: إِذْ يُقَال لم يثبت ملكه بِالشِّرَاءِ وَلَا باهلبة وَلَا بِالْإِرْثِ فَيعتق ثلثه كَذَا قَالُوا، فَقَوله نظرا تَعْلِيل لقولهما وَأما تَعْلِيل قَوْله فَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لِأَنَّهُ) أَي مَا يصيبهما من الْأُم (كالمجاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِقْرَاره) يَعْنِي إِقْرَاره بأبنية أحدهم حَقِيقَة فِي إِثْبَات النّسَب غير أَنه لَا يُمكن إثْبَاته بِاعْتِبَار نَفسه فِي غير الْمعِين فَأثْبت بِاعْتِبَار لَازمه: وَهُوَ الْمعِين على سَبِيل التَّوْزِيع على السوية لَهُم، وَأما الْعتْق الْحَاصِل من قبل الْأُم فكالمجاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى نفس الْإِقْرَار: فَكَمَا أَن الْمجَاز يثبت بِوَاسِطَة الْحَقِيقَة لعلاقة بَينهمَا كَذَلِك الْعتْق بِالْأُمِّ يثبت بِوَاسِطَة الدعْوَة الْمُتَعَلّقَة بِالْوَلَدِ الْمُتَقَدّم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (للواسطة) فَكَمَا لَا يعْتَبر الْمجَاز مَعَ إِمْكَان الْحَقِيقَة كَذَلِك لَا يعْتَبر مَا هُوَ كالمجاز مَعَ إمكانها (و) فرع (البديع) أَي صَاحبه قَول أبي حنيفَة بِعِتْق ثلث الْكل إِلَى آخِره (على) مسئلة (تَقْدِيم حكم الْمجَاز بِلَا وَاسِطَة عَلَيْهِ) أَي على الْمجَاز (بهَا) أَي بِوَاسِطَة (لقُرْبه) أَي الْمجَاز بِلَا وَاسِطَة (إِلَى الْحَقِيقَة، وَتَقْرِيره) أَي تَقْرِير كَلَام البديع هَكَذَا (تعذر) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ) الَّذِي هُوَ الْإِقْرَار بِالنِّسْبَةِ لعدم إِثْبَات النّسَب بِهَذَا اللَّفْظ (لِامْتِنَاع) ثُبُوت (نسب الْمَجْهُول)

من شخص لِأَنَّهُ لَا يثبت من الْمَجْهُول إِلَّا مَا يحْتَمل التَّعْلِيق بِالشّرطِ ليتعلق بخطر الْبَيَان، وَالنّسب لَا يحْتَمل التَّعْلِيق بِالشّرطِ (فَلَزِمَ مجازيته) أَي الْإِقْرَار الْمَذْكُور (فِي اللَّازِم) أَي لَازم الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ (إِقْرَاره بحريَّته) عطف بَيَان للازم (فَيعتق) أَي فَيَقَع الْعتْق (كَذَلِك) أَي أَثلَاثًا (بِاللَّفْظِ) وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أحدهم حر، وَلَا تَرْجِيح لأحد. وَلَا يلغى إِقْرَاره فَيقسم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ فالمجاز حِينَئِذٍ بِلَا وَاسِطَة (وقولهما) أَي وَيثبت الْعتْق على قَوْلهمَا بِعِتْق الْأَصْغَر إِلَى آخِره (بِوَاسِطَة) أَي بمجاز بِوَاسِطَة هُوَ الْمعِين من جِهَة الْأُم كَمَا فِي الِاثْنَيْنِ (مَعَه) أَي مَعَ اللَّفْظ كَمَا فِي الْأَكْبَر: إِذْ لَا يُصِيبهُ من قبل الْأُم عتق كَمَا عرفت (وَالْأول) وَهُوَ الْعتْق بِلَا وَاسِطَة وَمَا يثبت بِاللَّفْظِ (أقرب) إِلَى الْحَقِيقَة من الْعتْق بِوَاسِطَة فَتعين (مُنْتَفٍ) خبر تَقْرِيره: أَي غير مُطَابق للْوَاقِع (إِذْ لَا مُوجب حِينَئِذٍ) أَي حِين لم يرد بِاللَّفْظِ إِلَّا الْإِقْرَار بِالْحُرِّيَّةِ (للأمومة) إِذْ ثُبُوت الأمومة فرع ثُبُوت النّسَب: وَهُوَ فرع إِرَادَة الْحَقِيقَة فَلَا وجود للمجاز بالواسطة وَغَيرهَا (وَهِي) أَي وَالْحَال أَن الأمومة (ثَابِتَة) فَهَذَا التَّقْرِير غير مُسْتَقِيم من وَجْهَيْن: أَحدهمَا عدم وجود الْمجَاز، وَالْكَلَام مَبْنِيّ عَلَيْهِ، الثَّانِي عدم ثُبُوت الأمومة وَهِي ثَابِتَة اتِّفَاقًا (وَأَيْضًا لَا صَارف للحقيقي) عَن الْحَقِيقَة (إِذْ الْحَقِيقِيّ مُرَاد) وَإِن لم يكن إثْبَاته من جَمِيع الْوُجُوه (فَتثبت لوازمه من الأمومة وحرية أحدهم وانتفى مَا تعذر) إثْبَاته (من النّسَب) بَيَان للموصول (فتنقسم) الْحُرِّيَّة (بِالسَّوِيَّةِ لَا بِتِلْكَ الملاحظة) الْمُعْتَبرَة عِنْدهمَا من اعْتِبَار الْعتْق بِوَاسِطَة الْأُم (لِأَنَّهَا) أَي تِلْكَ الملاحظة (مَبْنِيَّة على ثُبُوت النّسَب) وَهُوَ مُنْتَفٍ كَمَا عرفت (وَعرف) مِمَّا ذكرنَا (تَقْدِيم مجَاز على) مجَاز (آخر بِالْقربِ) إِلَى الْحَقِيقَة، وَذَلِكَ لِأَن الْحَقِيقَة هِيَ الْمَطْلُوب الأولى فَإِن لم تتيسر فَالْأَقْرَب مِنْهَا ثمَّ الْأَقْرَب كَمَا لَا يخفى (وَأما قَوْله فِي صِحَّته لِابْني ابْن عَبده) الكائنين (لبطنين) بِأَن تخَلّل بَين ولادتيهما سِتَّة أشهر فَصَاعِدا (وأبيهما) مَعْطُوف على الْمَجْرُور فِي لِابْني وَالْمرَاد بِهِ الْأَب وَالْجد بِقَرِينَة ذكرهمَا، وَبِنَاء المسئلة على إرادتهما. وَقَالَ الشَّارِح: فَبنى الْأَب على لُغَة النَّقْص فِيهِ (أحدهم ابْني وَهُوَ) أَي كَون كل مِنْهُم ابْنا لَهُ (مُمكن) بِأَن يجوز أَن يُولد مثله لمثله (وَمَات) الْمولى (مجهلا فَفِي الْكَشْف الْكَبِير الْأَصَح الْوِفَاق) للأئمة الثَّلَاثَة (على عتق ربع عَبده) لعتقه (ان عناه لَا) إِن عَنى (أحد الثَّلَاثَة) البَاقِينَ فقد عتق فِي حَال ورق فِي ثَلَاثَة أَحْوَال فَيعتق ربعه (وَثلث ابْنه) وعَلى عتق ثلث ابْن عَبده (لعتقه إِن عناه أَو أَبَاهُ) لَا بِسَبَب عتق الْأَب، لِأَن حريَّة الْأَب لَا توجب حريَّة الابْن بِخِلَاف الْأُم، بل لِأَنَّهُ يصير حِينَئِذٍ ابْن الابْن، وَالْجد إِذا ملك حافده يعْتق عَلَيْهِ (لَا) إِن عني (أحد الِابْنَيْنِ) الآخرين (وأحوال الْإِصَابَة حَالَة) وَاحِدَة لما سبق آنِفا

مسئلة

فقد عتق فِي حَالَة ورق فِي حالتين لما عرفت من أَن الحرمان يجوز أَن يَتَعَدَّد جهاله فَيعتق ثلثه (و) على عتق (ثَلَاثَة أَربَاع كل مِنْهُمَا) أَي الِابْنَيْنِ (لعتق أَحدهمَا) وَهُوَ الَّذِي ولد آخرا مِنْهُمَا فِي نفس الْأَمر (فِي الْكل) أَي كل الْأَحْوَال بِيَقِين بِأَن عَنى هُوَ وَأَبوهُ أَو جده أَو أَخُوهُ ضَرُورَة ثُبُوت نسبه بِغَيْر دَعْوَة بصيرورة أمه أم ولد (و) عتق (الآخر فِي ثَلَاث) من الْأَحْوَال بِأَن عَنى هُوَ وَأَبوهُ أَو جده (لَا إِن عَنى أَخَاهُ وَلَا أَوْلَوِيَّة) أَي لَيْسَ أَحدهمَا بِعَيْنِه أولى بِأَن يَجْعَل معتقا فِي كل الْأَحْوَال، لِأَن الْمَفْرُوض عدم الْعلم بِخُصُوص الْمُتَأَخر ولادَة، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر هَذَا الْقَيْد فِي تَصْوِير المسئلة وَلم يتَنَبَّه الشَّارِح لهَذَا وَلم يبين وَجه عدم الْأَوْلَوِيَّة وَلم يذكر فِي تَفْسِير كل من الْأَحْوَال احْتِمَال كَون الْمقر بِهِ أَخَاهُ، وَفِيه اعْتِبَار الْإِصَابَة من قبل الْأُم فَلَا تغفل. وَفِي بعض النّسخ المصححة وَلَا أولويته بدل وَلَا أَوْلَوِيَّة: يَعْنِي عدم الْعلم بِخُصُوص الأول ولادَة (فبينهما) أَي الْأَخَوَيْنِ (عتق) الْأَصْغَر فِي نفس الْأَمر (وَنصف) للْأَكْثَر فِي نفس الْأَمر فوزع مَجْمُوع الْعتْق وَالنّصف (وَلَو كَانَ) ابْن ابْن عَبده (فَردا أَو توءمين يعْتق كُله) لعتقه فِي كل حَال سَوَاء عني هُوَ أَو أَخُوهُ أَو أَبوهُ أَو جده، فَإِن ثُبُوت نسب وَاحِد من التوءمين يسْتَلْزم ثُبُوت نسب الآخر وَهُوَ ظَاهر (وَثلث الأول) لِأَنَّهُ عتق فِي حَاله: وَهُوَ مَا إِذا الخ (وَنصف الثَّانِي) لِأَن أَحْوَال الْإِصَابَة تجْعَل وَاحِدَة: وَهُوَ مَا إِذا عناه أَو أَبَاهُ، وَكَذَا الحرمان أَو هُوَ مَا إِذا عَنى ابْنه فيتنصف (وَجزم فِي الْكَشْف الصَّغِير بِعِتْق ربع كل) من الْأَرْبَعَة (عِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة كَمَا لَو قَالَ أحدهم لآخر (وَهُوَ الأقيس بِمَا قبله: إِذْ الْكل مُضَافا إِلَى الإيحاب بِلَا وَاسِطَة) على هَذَا التَّقْدِير كَمَا هُوَ قَول أبي حنيفَة (وبواسطة) كَمَا هُوَ قَوْلهمَا، غَايَة الْأَمر أَن الْوَاسِطَة فِيمَا سبق اعْتِبَار الْأَمر، وَهَهُنَا ملك الْجَزَاء (وَلذَا) أَي لكَون عتق الْكل مُضَافا إِلَى الْإِيجَاب (لَو اسْتعْمل) قَوْله: أحدهم ابْني (مجَازًا فِي الْإِعْتَاق) أَي التَّحْرِير ابْتِدَاء (عتق فِي) المسئلة (الثَّانِيَة) أَي فِيمَا إِذا قَالَ ذَلِك لعَبْدِهِ وَابْنه وَابْن ابْنه وَاحِدًا أَو توءمين (ثلث كُله) أَي كل وَاحِد مِنْهُم كَمَا لَو قَالَ أحدهم حر (و) عتق (ربعه) أَي ربع كل من الْأَرْبَعَة (فِي الأولى) أَي فِيمَا إِذا قَالَ ذَلِك لعَبْدِهِ وَابْنه وَابْني ابْنه فِي بطنين، وَقيد بِكَوْنِهِ فِي الصِّحَّة لِأَنَّهُ لَو قَالَ فِي مَرضه وَلَا مَال لَهُ غَيرهم وَلَا تجز الْوَرَثَة عتقوا من الثُّلُث بِحِسَاب حَقهم، وَذَلِكَ فِيهِ تَفْصِيل فِي الشَّرْح: هَذَا وَفِي الزِّيَادَات اعْتِبَارا أَحْوَال الْإِصَابَة كاعتبار أَحْوَال الحرمان، وَقد عرفت أَن مَا فِي الْجَامِع الصَّغِير هُوَ الْأَصَح وَالله أعلم. مسئلة (يلْزم الْمجَاز لتعذر) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ كحلفه وَلَا نِيَّة) لَهُ (لَا يَأْكُل كل من هَذَا الْقدر فَلَمَّا يحله)

أَي فَينْعَقد الْحلف لما يحل الْقدر بِتَأْوِيل: وَإِلَّا فالقدر مؤنث سَمَاعي يَعْنِي مَا يطْبخ فِيهَا لتعذر أكل عينهَا عَادَة، تجوز باسم الْمحل عَن الْحَال، بِخِلَاف مَا إِذا نوى حَقِيقَتهَا أَو غَيرهَا من الْمعَانِي المجازية فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يحمل عَلَيْهَا (ولعسره) أَي الْحَقِيقِيّ مَعْطُوف على قَوْله لتعذره (كمن الشَّجَرَة) أَي كحلفه لَا يَأْكُل من الشَّجَرَة الَّتِي لَا تُؤْكَل عَادَة (فَلَمَّا تخرج) الشَّجَرَة من الثَّمر وَغَيره حَال كَونه (مَأْكُولا بِلَا كَبِير صنع) بِخِلَاف مَا يخرج مِنْهَا بصنع كَبِير كالعصر الشَّديد وَغَيره تجوزا باسم السَّبَب عَن الْمُسَبّب (وَمِنْه) أَي مِمَّا تخرجه مَأْكُولا (الْجمار) وَهُوَ شَحم النّخل والعصير (والخل لأبي الْيُسْر) الْبزورِي أَي لقَوْله وَأبي اللَّيْث. وَفِي فتح الْقَدِير وفَاقا لكثير لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يخرج كَذَلِك وَلم يذكرَا فِيهِ نقلا عَن الْمُتَقَدِّمين (لَا ناطفها) يسيل من الرطب (ونبيذها) لِأَن الْمُتَبَادر بِحَسب الْمُتَعَارف مَا يخرج مِنْهَا من غير توقف على الصنع كَمَا يُسْتَفَاد من قَوْله تَعَالَى - {ليأكلوا من ثمره وَمَا عملته أَيْديهم} - (وَلَو لم تخرج) الشَّجَرَة الْمَحْلُوف عَلَيْهَا (مَأْكُولا فلثمنها) أَي فَيحنث بِأَكْل مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ (وللهجر) أَي لكَون الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ مَهْجُورًا (عَادَة وَأَن سهل) تنَاوله (كمن الدَّقِيق) أَي كحلفه لَا يَأْكُل مِنْهُ (فلمآ لَهُ) أَي ينْعَقد لما يؤول إِلَيْهِ كالعصيدة فَيحنث بأكلها، لَا بِسَفَه لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَل هَكَذَا عَادَة خلافًا للشَّافِعِيّ (و) حلفه (لَا يشرب من الْبِئْر) وَهِي غير ملأى (فلمائه) أَي الْمَكَان الْمُسَمّى بالبئر، وَإِلَّا فَهِيَ مؤنث سَمَاعي (اغترافا اتِّفَاقًا فَلَا يَحْنَث بالكرع) أَي بتناوله بِفِيهِ من مَوْضِعه من غير أَن يشرب بكفيه أَو بِإِنَاء. وَفِي الفتاوي الظَّهِيرِيَّة تَفْسِير الكرع عِنْد أبي حنيفَة أَن يَخُوض الْإِنْسَان فِي المَاء ويتناوله بِفِيهِ من مَوْضِعه، وَلَا يكون إِلَّا بعد الْخَوْض فِي المَاء فَإِنَّهُ من الكراع وَهُوَ من الْإِنْسَان مَا دون الرّكْبَة، وَمن الدَّوَابّ مَا دون الكعب انْتهى، وَالْأول هُوَ الْمَعْرُوف، وَيَكْفِي فِي التَّسْمِيَة أَن الدَّابَّة لَا تكَاد تشرب إِلَّا بِإِدْخَال أكارعها فِيهِ: فحين شاركها الْإِنْسَان فِي هَذَا النَّوْع من الشّرْب سمي شَرّ بِهِ بالكرع (فِي الْأَصَح) وَفِي الذَّخِيرَة فِي الصَّحِيح (وَلَو) كَانَت (ملأى فعلى الْخلاف الْمَشْهُور فِي: لَا يشرب من هَذَا النَّهر) فَعنده على الكرع، وَعِنْدَهُمَا على الاغتراف أَيْضا (وأفادوا أَن مجازي الْبِئْر الاغتراف) فقولهما مَبْنِيّ على حمل الشّرْب من الْبِئْر على الْمَعْنى الْمجَازِي وَهُوَ الِاعْتِرَاف، وَقَوله على الْحَقِيقِيّ وَهُوَ الكرع. قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَإِنَّمَا قُلْنَا أَن الكرع حَقِيقَة اللَّفْظ، لِأَن من هَهُنَا لابتداء الْغَايَة: فَالْمَعْنى ابْتِدَاء الشّرْب من نفس رجله، وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بِوَضْع الْفَم عَلَيْهَا نَفسهَا، فَإِذا وضع الْفَم على يَدَيْهِ وكوز وَنَحْوه، وَفِيه مَاؤُهَا لم يصدق حَقِيقَة اللَّفْظ (وَفِيه بعد) لَا لعدم العلاقة الثَّابِتَة الِاعْتِبَار كَمَا قَالَ الشَّارِح: بل لما نقل فِي شرح الْهِدَايَة عَن أبي سُهَيْل من أَن الْبِئْر إِذا كَانَ ملآن فعندهما يَمِينه على الاغتراف

ثمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يُقَال على مَا هُوَ أَعم من الاغتراف (وَالْأَوْجه أَن تَعْلِيق الشّرْب بهَا) أَي بالبئر (على حذف مُضَاف) أَي من مَائِهَا (فَهِيَ) أَي الْبِئْر (حَقِيقَة) والحنث بالكرع لتحَقّق الشّرْب من مَاء الْبِئْر فِيهِ، وَذكر الشَّارِح وَجها آخر، وَهُوَ التَّجَوُّز باسم الْمحل عَن الْحَال، وَجعله أوجه لأكثرية مجَاز العلاقة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مجَاز الْحَذف، ثمَّ قَالَ وأياما كَانَ يلْزم تَرْجِيح الْحِنْث بالكرع وَإِن كَانَت غير ملأى انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن مجَاز الْحَذف فِي التَّحْقِيق حَقِيقَة كَمَا تقدم، والحقيقة خير من الْمجَاز إِذا لم يكن صَارف (وَمِنْه) أَي من لُزُوم الْمجَاز للهجر عَادَة حلفه (لَا يضع قدمه) فِي دَار فلَان فَإِنَّهُ مجَاز (عَمَّا تقدم) وَهُوَ دُخُولهَا على مَا أوضحه ثمَّة (و) للهجر (شرعا) حلفه (لينكحن أَجْنَبِيَّة فَلَا يَحْنَث بِالزِّنَا إِلَّا بنيته) أَي بنية الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ الْوَطْء: إِذْ كالمهجور شرعا كالمجهور عرفا لمنع الْعقل وَالدّين مِنْهُ ظَاهرا، وَإِنَّمَا يَحْنَث بِالْعقدِ كَمَا تقدم، ثمَّ أَن الْمَوْجُود فِي نُسْخَة الشَّارِح وَغَيرهَا مِمَّا رَأَيْته لينكحن وَالظَّاهِر أَنه سَهْو من النَّاسِخ وَالصَّوَاب لَا ينكحن (وَالْخُصُومَة فِي التَّوْكِيل بهَا) أَي بِالْخُصُومَةِ، لِأَن حَقِيقَتهَا وَهِي الْمُنَازعَة مهجورة شرعا فِيمَا عرف الْخصم فِيهِ محقا لِأَنَّهَا حرَام لقَوْله تَعَالَى - {وَلَا تنازعوا} - وَغَيره فَهِيَ (للجواب) مجَازًا إطلاقا لاسم السَّبَب على الْمُسَبّب (عِنْد القَاضِي) لَا غير لِأَن إِقْرَاره إِنَّمَا يَصح بِاعْتِبَار أَنه جَوَاب الْخُصُومَة، وَالْخُصُومَة تخْتَص بِمَجْلِس الْقَضَاء كالبينة والاستحلاف وَغَيرهمَا، فَكَذَا جوابها. وَفِي بعض النّسخ على اسْم السَّبَب فِي الْمُسَبّب أَي بِنَاء على اسْتِعْمَاله (فتعم) الْخُصُومَة المستعملة فِي الْجَواب (الْإِقْرَار) كالإنكار، لِأَن الْجَواب كَلَام يستدعيه كَلَام الْغَيْر ويطابقه، مَأْخُوذ من جَانب الفلاة إِذا قطعهَا، فَإِن كَلَام الْغَيْر يقطع بِهِ، وَذَلِكَ كَمَا يكون بِلَا، يكون بنعم (وَلَا يكلم الصَّبِي فَيحنث بِهِ شَيخا) أَي وَمن المهجور شرعا إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ بِالصَّبِيِّ فِي حلفه: لَا يكلم هَذَا الصَّبِي، لِأَن الصَّبِي من حَيْثُ هُوَ صبي مَأْمُور فِيهِ بالمرحمة شرعا، فَانْصَرف الْيَمين عِنْد الْإِشَارَة إِلَى ذَات الصَّبِي إِلَى خُصُوص الذَّات من غير اعْتِبَار وصف الصِّبَا فَيحنث بِكَلَامِهِ حَال كَونه شَيخا لوُجُود الذَّات (بِخِلَاف الْمُنكر) كَأَن حلف لَا يكلم صَبيا لِأَنَّهُ لم يشر إِلَى خُصُوص ذَات كَأَن الصِّبَا نَفسه مثير الْيَمين، وَإِن كَانَ على خلاف الشَّرْع كحلفه ليشربن خمرًا (وَقد يتَعَذَّر حكمهمَا) أَي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز (فيتعذران) أَي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فَيكون ذَلِك لَغوا (كبنتي لزوجته المنسوبة) أَي كَقَوْلِه لزوجته الثَّابِت نَسَبهَا من غَيره هَذِه بِنْتي (فَلَا تحرم) عَلَيْهِ حُرْمَة أبدية سَوَاء كَانَت أكبر مِنْهُ أَو أَصْغَر، أصر على ذَلِك أم رَجَعَ، فَقَالَ: غَلطت أَو وهمت، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِن أصر) أَي دَامَ على هَذَا الْكَلَام (فَفرق) أَي حَتَّى فرق القَاضِي بَينهمَا (منعا من الظُّلم) بترك قربانها، وَإِنَّمَا قُلْنَا تَعَذَّرَتْ

مسئلة

الْحَقِيقَة هَهُنَا (للاستحالة فِي الْأَكْبَر مِنْهُ وَصِحَّة رُجُوعه) عَن كَونهَا بنته (فِي الممكنة) أَي فِي الْأَصْغَر مِنْهُ سنا (وَتَكْذيب الشَّرْع) لَهُ فِي هَذَا الْإِقْرَار لكَونه مُبْطلًا حق الْغَيْر (بدله) أَي قَائِم مقَام رُجُوعه لِأَن تَكْذِيب الشَّرْع لَا يكون أدنى من تَكْذِيب نَفسه (فَكَأَنَّهُ رَجَعَ وَالرُّجُوع عَن الْإِقْرَار بِالنّسَبِ صَحِيح) وَعند الرُّجُوع لَا يبْقى الْإِقْرَار فَلَا يثبت النّسَب مُطلقًا وَلَا فِي حق نَفسه (بِخِلَافِهِ) أَي الْإِقْرَار بِالنُّبُوَّةِ (فِي عَبده الْمُمكن) كَونه مِنْهُ من حَيْثُ السن الثَّابِت نسبه من الْغَيْر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِقْرَار على الْغَيْر لِأَنَّهُ صَار مجَازًا عَن الْحُرِّيَّة، وَالْعَبْد وَالْأَب لَا يتصوران بهَا، وَذَلِكَ بِنَاء على مَا هُوَ الأَصْل من أَن الْكَلَام إِذا كَانَ لَهُ حَقِيقَة وَلها حكم يُصَار إِلَى إِثْبَات حكم تِلْكَ الْحَقِيقَة مجَازًا عِنْد تعذر الْحَقِيقَة، وَحَيْثُ لزم أَن يكون المُرَاد بِهِ دلك لَا يَصح رُجُوعه عَنهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لعدم صِحَة الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار بِالْعِتْقِ وَلِأَن ثُبُوته) أَي التَّحْرِيم الَّذِي هُوَ الْمَعْنى الْمجَازِي لهَذِهِ بِنْتي (إِمَّا حكما للنسب وَهُوَ) أَي النّسَب قد ثَبت (من الْغَيْر) فَيثبت للْغَيْر، لَا لَهُ (أَو بِالِاسْتِعْمَالِ) لهَذِهِ بِنْتي (فِيهِ) أَي فِي التَّحْرِيم (وَهُوَ) أَن التَّحْرِيم الَّذِي هُوَ حكم النّسَب: أَعنِي الأبدي (منَاف لسبق الْملك) بِالنِّكَاحِ لانْتِفَاء صِحَة نِكَاح الْمُحرمَات (لَا أَنه) أَي التَّحْرِيم الْمَذْكُور (من حُقُوقه) أَي حُقُوق ملك النِّكَاح (وَالَّذِي من حُقُوقه) أَي التَّحْرِيم الَّذِي من حُقُوق ملك النِّكَاح وَهُوَ إنْشَاء التَّحْرِيم الْكَائِن بِالطَّلَاق (لَيْسَ اللَّازِم) للمعنى الْحَقِيقِيّ (ليتجوز بِهِ) أَي بِهَذِهِ بِنْتي (فِيهِ) أَي فِي التَّحْرِيم الْكَائِن بِالطَّلَاق. مسئلة (الْحَقِيقَة المستعملة أولى من الْمجَاز الْمُتَعَارف الأسبق) إِلَى الْفَهم (مِنْهَا) أَي من الْحَقِيقَة المستعملة (عِنْده) أَي أبي حنيفَة (وَعِنْدَهُمَا، وَالْجُمْهُور قلبه) أَي الْمجَاز الْمُتَعَارف الأسبق أولى من الْحَقِيقَة المستعملة (وَتَفْسِير التعارف بالتفاهم) كَمَا قَالَ مَشَايِخ الْعرَاق بِأَن يكون الْمَعْنى الْمجَازِي مَشْهُورا فِي إطلاقات اللَّفْظ، فالتعارف بِاعْتِبَار تفاهم النَّاس عِنْد الاستعمالات (أولى مِنْهُ) أَي من تَفْسِيره (بالتعامل) كَمَا قَالَ مَشَايِخ بَلخ: أَن يكون الْمُتَعَارف هُوَ الْعَمَل بِالْمَعْنَى الْمجَازِي لَا الْحَقِيقِيّ كَمَا سيشير إِلَيْهِ (لِأَنَّهُ) أَي التَّعَامُل (فِي غير مَحَله) أَي الْمجَاز، أَو مَحَله مواقع الِاسْتِعْمَال والتفاهم، ثمَّ بَين كَونه فِي غير مَحَله بقوله (لِأَنَّهُ) أَي التَّعَامُل هُوَ (كَون الْمَعْنى الْمجَازِي مُتَعَلق عَمَلهم) أَي أهل الْعَرَب، تَفْسِير باللازم: إِذْ حَقِيقَته مَا يَقع فِيمَا بَينهم من الْعَمَل الْمُتَعَلّق بِالْمَعْنَى الْمجَازِي (وَهَذَا) أَي عَمَلهم على هَذَا الْوَجْه (سَببه) أَي سَبَب التفاهم، لِأَن الأذهان عِنْد سَماع اللَّفْظ تنْتَقل إِلَى مَا هُوَ المتداول فِيمَا بَينهم من حَيْثُ الْعَمَل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ بِهِ) أَي بالتعامل (يصير)

الْمجَاز (أسبق) إِلَى الْفَهم. قَالَ الشَّارِح هَهُنَا فَمحل التَّعَامُل الْمَعْنى، وَمحل الِاسْتِعْمَال والحقيقة وَالْمجَاز اللَّفْظ انْتهى: فَعلم أَنه فهم أَن المُرَاد أَوْلَوِيَّة التَّفْسِير الأول على الثَّانِي بِاعْتِبَار أَن الأول يتَعَلَّق بِاللَّفْظِ، وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى، وَلَا يخفى ضعفه (ثمَّ هَذَا) التَّقْرِير فِي وضع المسئلة بِنَاء (على تَسْمِيَة الْمَعْنى بهما) أَي بِالْحَقِيقَةِ وَالْمجَاز، وإطلاقهما عَلَيْهِ مُسَامَحَة لإِجْمَاع أهل اللُّغَة على أَنَّهُمَا من أَوْصَاف اللَّفْظ، وَهَذَا بِنَاء على الظَّاهِر: إِذْ يبعد أَن يُرَاد بِالْحَقِيقَةِ المستعملة اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي الْمَوْضُوع لَهُ، وَالْمجَاز الْمُتَعَارف اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي الْمجَازِي الْمُتَعَارف، وَيكون الْمَعْنى: حمل اللَّفْظ على الْحَقِيقِيّ الَّذِي قد يسْتَعْمل فِيهِ أولى من حمله على الْمجَازِي الْمُتَعَارف (والتحرير) أَي تَقْرِير الْمحل على وَجه التَّحْقِيق (أَنه) أَي الْمجَاز الْمُتَعَارف هُوَ (الْأَكْثَر اسْتِعْمَالا فِي الْمجَازِي مِنْهُ فِي الْحَقِيقِيّ) أَي اللَّفْظ الَّذِي اسْتِعْمَاله فِي الْمَعْنى الْمجَازِي أَكثر من اسْتِعْمَاله فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَمَا يُقَابله ظَاهر فمدار الْمجَاز الْمُتَعَارف على أكثرية اسْتِعْمَاله فِي الْمجَازِي، ومدار مُقَابِله على عدمهَا الْمُتَعَارف بالتفاهم والتعامل، وَبَيَان الْأَوْلَوِيَّة حِينَئِذٍ على الْوَجْه الَّذِي ذكر آنِفا لَا يتَّجه (وَمَا قيل) على مَا روى عَن مَشَايِخ مَا وَرَاء النَّهر من قَوْلهم (الثَّانِي) وَهُوَ التَّفْسِير بالتعامل (قَوْلهمَا وَالْأول) وَهُوَ التَّفْسِير بالتفاهم (قَوْله للحنث عِنْده بِأَكْل آدَمِيّ وخنزير) إِذا حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا لِأَن التفاهم يَقع عَلَيْهِ: إِذْ الْمُتَبَادر مِنْهُ مَا يُطلق عَلَيْهِ اللَّحْم وَعدم الْحِنْث عِنْدهمَا: لِأَن التَّعَامُل لَا يَقع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَل عَادَة (غير لَازم: بل) الْحِنْث عِنْده فيهمَا (لاستعمال اللَّحْم فيهمَا) أَي فِي لحم الْآدَمِيّ وَالْخِنْزِير فَهُوَ يعْمل بِأَصْلِهِ، وَهُوَ الْحمل على الْحَقِيقَة عِنْد تَحْقِيق الِاسْتِعْمَال نعم لَو لم يسْتَعْمل فيهمَا وَكَانَ الْمصير إِلَى الْمجَاز لَكَانَ للتَّعْلِيل وَجه (فَيقدم) الِاعْتِبَار للْحَقِيقَة وَعدم الْحِنْث عِنْدهمَا كَمَا أَفَادَ بقوله (ولأسبقية مَا سواهُمَا) أَي مَا سوى لحم الْآدَمِيّ وَالْخِنْزِير إِلَى الأفهام عِنْد الْإِطْلَاق (عِنْدهمَا، وَيشكل عَلَيْهِ) أَي على أبي حنيفَة (مَا تقدم من التَّخْصِيص بِالْعَادَةِ بِلَا خلاف) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اقْتِصَار الْحِنْث على مَا اُعْتِيدَ أكله من اللحوم، فَإِذا كَانَ الْحَالِف مُسلما كَانَ فِي حَقه الْمُتَعَارف عدم أكلهما، ومبني الْأَيْمَان على الْعرف، فِي العتابي هُوَ الصَّحِيح، وَفِي الْكَافِي وَعَلِيهِ الْفَتْوَى (وَكَون هَذِه) المسئلة (فرع جِهَة الخلفية فرجح) أَبُو حنيفَة (التَّكَلُّم بهَا) أَي بِالْحَقِيقَةِ على التَّكَلُّم بالمجاز (ورجحا الحكم بأعميته) أَي بِسَبَب أعمية حكم الْمجَاز وشموله (لحكمهما) أَي لحكم الْحَقِيقَة وَغَيره فتكثر فَائِدَته، فَفِيهِ عمل بِالْحَقِيقَةِ من وَجه لدخولها فِيهِ وَلَا يخفى عَلَيْك أَن فرعية هَذِه المسئلة لمسئلة الخلفية لَا يُنَاسب القَوْل بترجيح أبي حنيفَة التَّكَلُّم وترجيحهما الحكم، لِأَن التَّرْجِيح إِنَّمَا يعْتَبر إِذا كَانَ كل من المتخاصمين يجوز كلا من الْأَمريْنِ: اعْتِبَار التَّكَلُّم، وَاعْتِبَار الحكم وفرعيتها لجِهَة

الخلفية ملزمة لاعْتِبَار التَّكَلُّم بِالنِّسْبَةِ إِلَى أبي حنيفَة وَاعْتِبَار الحكم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا: إِذْ كل مِنْهُمَا برهن على مَا ذهب إِلَيْهِ فِي الأَصْل، وَالْفرع يتبع الأَصْل. وَأَنت خَبِير بِأَن مُقْتَضى ذَلِك الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِذا أمكن إِرَادَته لَا يُصَار إِلَى الْمجَازِي بِلَا مُرَجّح وَهَهُنَا يُمكن: إِذْ الْمَفْرُوض أَن الْحَقِيقَة مستعملة وَلَا مُرَجّح: إِذْ الأعمية مُعَارضَة بأصالة الْحَقِيقَة فَكيف تكون هَذِه فرعا لتِلْك (لَا يتم) خبر الْمُبْتَدَأ: أعنى قَوْله كَون هَذِه (إِذْ الْغَرَض يتَعَلَّق بالخصوص كضده) أَي كَمَا يتَعَلَّق بِالْعُمُومِ (والمعين) لمتعلق الْغَرَض مِنْهُمَا (الدَّلِيل) مَعَ أَن حكم الْمجَاز الْمُتَعَارف قد لَا يعم حكم الْحَقِيقَة (فالمبنى) لهَذِهِ المسئلة (صلوح غَلَبَة الِاسْتِعْمَال) فِي الْمَعْنى الْمجَازِي لِأَن يكون (دَلِيلا) على رُجْحَان إِرَادَته على الْحَقِيقِيّ (فأثبتاه) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الصلوح الْمَذْكُور (ونفاه) أَي أَبُو حنيفَة إِيَّاه محتجا (بِأَن الْعلَّة لَا ترجح بِالزِّيَادَةِ من جِنْسهَا) يَعْنِي أَن أصل الِاسْتِعْمَال الْوَاقِع على قانون الْعَرَبيَّة غَلَبَة إِرَادَة الْمَعْنى الْمجَازِي، وَغَلَبَة الِاسْتِعْمَال زِيَادَة من جنس الِاسْتِعْمَال، وَقد تقرر أَن إِحْدَى العلتين الكائنتين من جنس وَاحِد لَا ترجح على الْأُخْرَى بِالزِّيَادَةِ من ذَلِك الْجِنْس (فتكافآ) أَي فتساوي الْحَقِيقِيَّة وَالْمجَاز فِي الِاعْتِبَار (ثمَّ تترجح) الْحَقِيقَة عِنْده لرجحانها لذاتها عَلَيْهِ (لَا ذَلِك) أَي لَا أَن الرجحان بِسَبَب كَون حكم الْمجَاز أَعم كَمَا ذكر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْمَبْنِيّ على مَا ذكرنَا، وَكَانَ سَبَب التَّرْجِيح الأعمية (اطرد) التَّرْجِيح بِالْعُمُومِ عِنْدهمَا (فرجحا) الْمجَاز (الْمسَاوِي) للْحَقِيقَة فِي التبادر إِلَى الْفَهم (إِذا عَم) حكم الْحَقِيقَة، وَقد يُقَال: يجوز أَن يكون مُرَاد من رجح بالأعمية أَن الْمُرَجح مَجْمُوع الْأَمريْنِ التبادر مَعَ الأعمية غير أَنه ترك ذكر التبادرلظهوره فَتَأمل (وَقَالا العقد) الْمَذْكُور فِي - {عقدتم} - (الْعَزْم لعمومه) أَي الْعَزْم (الْغمُوس) والمنعقدة. قَوْله: وَقَالا مَعْطُوف على قَوْله رجحا إِذْ هُوَ أَيْضا يتَفَرَّع على الاطراد الْمَذْكُور، وهما مَعَ أبي حنيفَة فِي الْحمل على المنعقدة، لَا الْعَزْم (ونظائره) مِمَّا يَقْتَضِيهِ الاطراد (كثير وَلَيْسَ) شَيْء مِنْهَا كَذَلِك (و) الْمجَاز (الْمسَاوِي) للْحَقِيقَة فِي التبادر (اتِّفَاق) أَي مَحل اتِّفَاق بَين الْأَئِمَّة فَإِنَّهُم أَجمعُوا على تَقْدِيم الْحَقِيقَة عَلَيْهِ (وفرعها) أَي هَذِه المسئلة حلف (لَا يشرب من الْفُرَات) بِالتَّاءِ الممدودة فِي الْخط فِي حالتي الْوَصْل، وَالْوَقْف: النَّهر الْمَعْرُوف بَين الشَّام والجزيرة، وَرُبمَا قيل بَين الشَّام وَالْعراق حلف (لَا يَأْكُل الْحِنْطَة) وَلَا نِيَّة لَهُ (انْصَرف) الْحلف (عِنْده إِلَى الكرع) فِي الشّرْب من الْفُرَات (وَإِلَى عينهَا) أَي إِلَى كل عين الْحِنْطَة (وَإِلَى مَا يتَّخذ مِنْهَا) أَي من الْحِنْطَة (ومائه) أَي الْفُرَات (عِنْدهمَا، و) يرد (على) مسئلة (الْحِنْطَة التَّخْصِيص بِالْعَادَةِ) بِلَا خلاف كَمَا مر آنِفا: فَإِن مُقْتَضَاهُ اقْتِصَار الْحِنْث على مَا يتَّخذ مِنْهَا

تتمة

عَادَة، لِأَن الْعرف الْعَمَل مُخَصص (وَأجِيب بِأَنَّهَا). قَالَ الشَّارِح: أَي الْعَادة أَو المسئلة الخلافية (فِي) الْحِنْطَة (غير الْمعينَة) وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه على تَقْدِير إرجاع الضَّمِير إِلَى الخلافية كَمَا يشْعر بِهِ قَوْله (أما فِيهَا) أَي الْمعينَة (فَقَوله مثلهمَا) لَا يتم الْكَلَام: إِذْ الْجَواب عَن الْإِيرَاد لَا يحصل إِلَّا بِنَفْي الْعَادة الْمَحْضَة، بِأَن يُقَال: أَبُو حنيفَة إِنَّمَا خالفهما فِي غير الْمعِين، وَلَا عَادَة فِيهِ: بل فِي الْمعينَة، وَفِي الْمعينَة قَوْله كقولهما: وعَلى تَقْدِير إرجاعه إِلَى الْعَادة يرد أَن الْفرق بَين الصُّورَتَيْنِ بِإِثْبَات الْعَادة فِي إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى تحكم: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مَقْصُود الْمُجيب تقليل الِاعْتِرَاض لَا دَفعه بِالْكُلِّيَّةِ، وَالضَّمِير رَاجع إِلَى الخلافية: وَفِيه مَا فِيهِ، هَذَا وَقيل الْخلاف فِي الْمعينَة، وَأما فِي غير الْمعينَة فَيَنْبَغِي أَن يكون جَوَابه كجوابهما: كَذَا ذكره شيخ الْإِسْلَام وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة (وَيُمكن ادعاؤه) أَي أبي حنيفَة (أَن الْعَادة فِيهَا) أَي فِي الْحِنْطَة (مُشْتَركَة) بَين تنَاول عينهَا وَمَا يتَّخذ مِنْهَا (وَإِن غلبت) الْعَادة (فِيمَا) يتَّخذ (مِنْهَا كالكرع) فَإِن الْعَادة فِي الشّرْب مُشْتَركَة بَينه وَبَين الشّرْب بِالْإِنَاءِ وَنَحْوه (وَتقدم بَقِيَّة الصوارف) عَن الْحَقِيقَة (فِي التَّخْصِيص) فِي مسئلة: الْعَادة للْعُرْف الْعَمَل مُخَصص فَليُرَاجع. (تَتِمَّة) (يَنْقَسِم كل من الْحَقِيقَة وَالْمجَاز بِاعْتِبَار تبادر المُرَاد) عِنْد إِطْلَاقه (للغلبة اسْتِعْمَالا) فِي ذَلِك المُرَاد (وَعَدَمه) أَي وَبِاعْتِبَار عدم تبادره لعدم الْعلَّة الْمَذْكُورَة (إِلَى صَرِيح يثبت حكمه الشَّرْعِيّ بِلَا نِيَّة، وكناية) لَا يثبت حكمه إِلَّا بنية أَو مَا يقوم مقَامهَا (وَمِنْه) أَي من هَذَا الْقسم الَّذِي هُوَ الْكِنَايَة (أَقسَام الخفاء) أَي الْخَفي والمشكل والمجمل وَقد مر تَفْسِيرهَا (وَالْمجَاز غير المشتهر وَيدخل الصَّرِيح الْمُشْتَرك المشتهر فِي أَحدهمَا) أَي أحد معنييه (بِحَيْثُ تبادر) ذَلِك الْأَحَد عِنْد إِطْلَاقه (و) يدْخل الصَّرِيح (الْمجَاز كَذَلِك) أَي الْمجَاز المشتهر فِي الْمَعْنى الْمجَازِي بِحَيْثُ يتَبَادَر عِنْد إِطْلَاقه (مَعَ الهجر) أَي حَال كَون مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ مَهْجُورًا لَا يسْتَعْمل فِيهِ (اتِّفَاقًا) أَي اتِّفَاق الْأَئِمَّة (وَمَعَ اسْتِعْمَال الْحَقِيقَة) هُوَ صَرِيح أَيْضا (عِنْدهمَا و) يدْخل الصَّرِيح (الظَّاهِر وَبَاقِي الْأَرْبَعَة) من أَقسَام الظُّهُور: وَهُوَ النَّص، والمفسر، والمحكم (إِن اشتهرت) فِي المُرَاد مِنْهُ بِحَيْثُ تبادر (فإخراج شَيْء مِنْهَا) أَي من الظَّاهِر وَبَاقِي الْأَرْبَعَة (مُطلقًا) من الصَّرِيح كَمَا فعله صَاحب الْكَشْف وَغَيره (لَا يتَّجه) أَي غير موجه، بل يخرج مِنْهَا مَا لَيْسَ بمشتهر (لَكِن مَا لَا يشْتَهر مِنْهَا لَا يكون كِنَايَة وَالْحَال) أَي وَحَال مَا لَا يشْتَهر مِنْهَا (تبادر) مَعْنَاهُ (الْمعِين) عِنْد إِطْلَاقه (وَإِن كَانَ) تبادره (لَا للغلبة) الاستعمالية (بل) تبادره (للْعلم بِالْوَضْعِ) أَي وضع اللَّفْظ لَهُ (وقرينة النَّص) من كَون الْكَلَام مسوقا لَهُ (وأخويه) أَي وقرينة

الْمُفَسّر من السُّوق لَهُ وَعدم احْتِمَاله التَّخْصِيص والتأويل، وقرينة الحكم مِنْهُ وَكَونه غير قَابل للنسخ (فَيلْزم تثليث الْقِسْمَة إِلَى مَا لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَة، لَكِن حكمه) أَي حكم هَذَا الْقسم (إِن اتَّحد بِالصَّرِيحِ أَو بِالْكِنَايَةِ فَلَا فَائِدَة) فِي التَّثْلِيث (فليترك مَا مَال إِلَيْهِ كثير من) ذكر (قيد الِاسْتِعْمَال ويقتصر) فِي تَعْرِيف الصَّرِيح (على مَا تبادر خُصُوص مُرَاده) سَوَاء كَانَ (لغَلَبَة أَو غَيرهَا) من سوق وتنصيص وَتَفْسِير وإحكام كَمَا مَال إِلَيْهِ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وَالْقَاضِي أَبُو زيد (لَكِن أخرجُوا) من الصَّرِيح (الظَّاهِر على هَذَا) التَّعْرِيف لِأَن الظُّهُور فِيهِ لَيْسَ بتام لعدم السُّوق لَهُ (وَلَا فرق) بَين الظَّاهِر والصريح (إِلَّا بِعَدَمِ الْقَصْد الْأَصْلِيّ) فِي الظَّاهِر: إِذْ هُوَ غير الْمَقْصد الْأَصْلِيّ الَّذِي سيق الْكَلَام لَهُ بِخِلَافِهِ فِي النَّص: وَهُوَ غير مُؤثر فِي التبادر (ثمَّ من) صور (ثُبُوت حكمه) أَي الصَّرِيح (بِلَا نِيَّة جَرَيَانه) على لِسَانه كَأَنْت طَالِق وَأَنت حر (غَلطا فِي نَحْو سُبْحَانَ الله اسْقِنِي) بِأَن أَرَادَ أَن يَقُول هَذَا فَقَالَ ذَلِك فَيثبت الطَّلَاق وَالْعِتْق قَضَاء وديانة (أما قَصده) إِلَى الصَّرِيح (مَعَ صرفه) أَي الصَّرِيح الْإِضَافَة فيهمَا إِلَى الْمَفْعُول، وَفِي الأول احْتِرَاز عَن الْغَلَط، فَإِن الذِّهْن غافل عَن اللَّفْظ فِيهِ (بِالنِّيَّةِ إِلَى محتمله) أَي مُحْتَمل لفظ الصَّرِيح مِمَّا يسْتَعْمل فِيهِ فِي الْجُمْلَة (فَلهُ) أَي للناوي (ذَلِك) الْمعِين الَّذِي قَصده (ديانَة) أَي فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى (كقصد الطَّلَاق) أَي الْإِطْلَاق (من وثاق) فِي قَوْله أَنْت طَالِق (فَهِيَ زَوجته ديانَة) لاحْتِمَال اللَّفْظ لَهُ، لَا قَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر وَفِيه تَخْفيف عَلَيْهِ (وَمُقْتَضى النّظر كَونه) أَي كَون ثُبُوت حكمه بِلَا نِيَّة (فِي الْكل) فِيمَا قصد اللَّفْظ وَلم يقْصد حكمه وَفِيمَا لم يقْصد اللَّفْظ وَلَا ثُبُوت الحكم وَفِيمَا قصد اللَّفْظ وَقصد بِهِ غير مَا هُوَ سَبَب لَهُ شرعا (قَضَاء فَقَط) لَا ديانَة، لِأَن القَاضِي يحكم بِالظَّاهِرِ، وَظَاهر الْحَال يدل على ثُبُوته الْمُتَبَادر من مُبَاشرَة الْعقل الْمُخْتَار السب الْمَوْضُوع شرعا لنَوْع من التَّصَرُّف عَالما بالسببية أَنه قصد السب وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ، فَلَا يصدق فِي عدم قصد شَيْء من السَّبَب أَو الْمُسَبّب وَقصد أَمر آخر غير السَّبَب لمَكَان التُّهْمَة، وَأما الْعَالم الْخَبِير بأسرار الْعباد فَلَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُم، فَلَا يؤاخذهم بِمَا لَا قصد لَهُم فِيهِ، ثمَّ اسْتدلَّ على مَا ادَّعَاهُ بقوله (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْأَمر كَذَلِك بِأَن يثبت الحكم فِي نفس الْأَمر: أَعنِي عِنْد الله سُبْحَانَهُ بِمُجَرَّد مُبَاشرَة السَّبَب قصد حكم أَولا (أشكل بِعْت واشتريت: إِذْ لَا يثبت حكمهمَا فِي الْوَاقِع مَعَ الْهزْل و) ثُبُوت الحكم (فِي نَحْو الطَّلَاق وَالنِّكَاح) بِمُجَرَّد الْمُبَاشرَة قصدا وَلَا على خلاف الْقيَاس (بِخُصُوصِهِ دَلِيل) وَهُوَ الحَدِيث الْآتِي (وَكَذَا فِي الْغَلَط) يثبت الحكم قَضَاء فَقَط ذكره ثَانِيًا مَعَ اندراجه فِي لفظ الْكل لمزيد الاهتمام: إِذْ ثُبُوت الحكم فِيهِ قَضَاء مَعَ أَنه مِمَّا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ مِمَّا يستبعده الْعقل (لما

ذكرته فِي فتح الْقَدِير) وَهُوَ قريب كَمَا ذكرنَا من قَوْله وَالْحَاصِل انه إِذا قصد السَّبَب عَالما بِأَنَّهُ سَبَب رتب الشَّرْع حكمه عَلَيْهِ، أَرَادَهُ أَو لم يردهُ إِلَّا أَن أَرَادَ مَا يحْتَملهُ، وَأما أَنه إِذا لم يَقْصِدهُ أَو لم يدر مَا هُوَ فَيثبت الحكم عَلَيْهِ شرعا: وَهُوَ غير رَاض بِحكم اللَّفْظ وَلَا بِاللَّفْظِ فِيمَا ينبو عَنهُ قَوَاعِد الشَّرْع، وَقد قَالَ تَعَالَى - {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} -، وَفسّر بأمرين: أَن يحلف على أَمر يَظُنّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنه قَاصد للسب عَالم بِحكمِهِ فألغاه لغلطه فِي ظن الْمَحْلُوف عَلَيْهِ، وَالْآخر أَن يجْرِي على لِسَانه بِلَا قصد إِلَى الْيَمين كلا وَالله، وبلى وَالله فَرفع حكمه الدنيوي من الْكَفَّارَة لعدم قَصده إِلَيْهِ: فَهَذَا تشريع لِعِبَادِهِ أَن لَا يرتبوا الْأَحْكَام على الْأَشْيَاء الَّتِي لم تقصد وَكَيف وَقد فرق بَينه وَبَين النَّائِم عِنْد الْعَلِيم الْخَبِير من حَيْثُ لَا قصد لَهُ إِلَى اللَّفْظ وَلَا حكمه، وَإِنَّمَا لم يصدقهُ غير الْعَلِيم: وَهُوَ القَاضِي (وَلَا يَنْفِيه) أَي هَذَا القَوْل (الحَدِيث الْحسن) الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل عِنْد أَهله من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم " وَغَيرهم (ثَلَاث جدهن إِلَى آخِره) أَي جد وهزلهن لَهُنَّ جد: النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة " لِأَن الهازل رَاض بِالسَّبَبِ لَا بالحكم، والغالط غير رَاض بهما فَلَا يلْزم من ثُبُوت الحكم من حق الأول ثُبُوته فِي حق الثَّانِي، ثمَّ لَا يخفى عَلَيْك أَن مُقْتَضى النّظر عدم ثُبُوت الحكم فِي الْكل ديانَة، وَمَا فِي فتح الْقَدِير من تَرْتِيب الشَّرْع الحكم إِذا قصد السَّبَب وَإِن لم يردهُ يدل على ثُبُوته ديانَة، فبينهما تدافع، وَمَا ذكر فِي تَفْسِير الْآيَة يُؤَيّد الأول، وَقد يُجَاب بِأَن مَا فِي فتح الْقَدِير مَبْنِيّ على كَلَام الْقَوْم، والمرضي عِنْده مَا يَقْتَضِيهِ النّظر (وَمَا قيل لفظ كنايات الطَّلَاق مجَاز) يَعْنِي: يُطلق لفظ الْكِنَايَة على تِلْكَ الْأَلْفَاظ مجَازًا: إِذْ هِيَ مستعملة فِي مَعَانِيهَا الْحَقِيقَة (لِأَنَّهَا) أَي كنايات الطَّلَاق (عوامل بحقائقها) للْقطع بِأَن معنى بَائِن الِانْفِصَال الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ ضد الِاتِّصَال، وَكَذَا الْبَتّ والبتل للْقطع إِلَى غير ذَلِك، والتردد إِنَّمَا هُوَ فِي متعلقهما: وَهُوَ الوصلة، وَهُوَ أَعم من وصلَة النِّكَاح وَالْخَيْر وَالشَّر، فَإِذا تعين عمل بحقيقته (غلط) لِأَنَّهُ يدل على أَن المجازية لَازِمَة للكناية، وَالْكِنَايَة لَا تكون حَقِيقَة وَلَيْسَ كَذَلِك (إِذْ لَا تنَافِي الْحَقِيقَة الْكِنَايَة) لِأَن الْكِنَايَة مَا استتر المُرَاد مِنْهَا، والاستتار قد يتَحَقَّق فِي الْحَقِيقَة كَمَا فِي الْمُشْتَرك وَغَيره (وَمَا قيل) فِي وَجه أَنه مجَاز (الْكِنَايَة الْحَقِيقَة) حَال كَونهَا (مستترة المُرَاد وَهَذِه) أَي كناياته (معلومته) أَي المُرَاد (والتردد فِيمَا يُرَاد بهَا) فيتردد مثلا فِي أَن المُرَاد بهي بَائِن (أبائن من الْخَيْر وَالنِّكَاح مُنْتَفٍ) خبر مَا قيل (بِأَن الْكِنَايَة) إِنَّمَا تتَحَقَّق (بالتردد فِي المُرَاد) من اللَّفْظ سَوَاء كَانَ ذَلِك المُرَاد معنى حَقِيقِيًّا لَهُ أَو مجازيا، وَسَوَاء كَانَ نفس الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ أَو مُتَعَلّقه الَّذِي أضيف إِلَيْهِ (و) الْكِنَايَات (إِنَّمَا هِيَ مَعْلُومَة) الْمَعْنى (الوضعي) لَهَا (كالمشترك) فَإِن مَا وضع لَهُ مَعْلُوم غير أَنه مُتَعَدد، نَشأ التَّرَدُّد من قبل تعدده، وَاحْتِمَال إِرَادَة

مسائل الحروف

هَذَا الْمَوْضُوع لَهُ أَو ذَلِك فمعلوميته وضعية مَا نفى التَّرَدُّد فِي المُرَاد مِنْهُ (وَالْخَاص) بالنوع الْمُسْتَعْمل (فِي فَرد معِين) فِي الْوَاقِع غير مَعْلُوم عِنْد السَّامع فَمَا وضع لَهُ وَهُوَ الْمَفْهُوم الَّذِي هُوَ وضعيه مَعْلُوم غير أَنه أُرِيد من حَيْثُ تحَققه فِي ضمن فَرد معِين: وَهُوَ غير مَعْلُوم (وَإِنَّمَا المُرَاد) بِكَوْنِهَا مجَازًا (مجازية إضافتها إِلَى الطَّلَاق فَإِن الْمَفْهُوم) من كنايات الطَّلَاق (أَنَّهَا كِنَايَة عَنهُ) أَي عَن مُجَرّد الطَّلَاق (وَلَيْسَ) كَذَلِك (وَإِلَّا) لَو كَانَت عَنهُ (وَقع الطَّلَاق) بهَا (رَجْعِيًا) مُطلقًا لِأَن الرّجْعَة لَازِمَة للطَّلَاق مَا لم يكن على مَال، وثالثا فِي حق الْحرَّة أَو ثَانِيًا فِي حق الْأمة وَلَيْسَت مُطلقًا كَذَلِك بل بَعْضهَا، وَقد يناقش فِيهِ بِأَنا لَا نسلم أَن الرّجْعَة لَازِمَة للطَّلَاق مُطلقًا بل لصريحه غير أَن إِطْلَاق قَوْله تَعَالَى - {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} - يُؤَيّد مَا ذكره المُصَنّف. مسَائِل الْحُرُوف (قيل) وقائله صدر الشَّرِيعَة وَغَيره (جرى فِيهَا) أَي الْحُرُوف (الِاسْتِعَارَة تبعا كالمشتق) أَي كَمَا جرى الِاسْتِعَارَة فِي المشتقات تبعا حَال كَون الْمُشْتَقّ (فعلا ووصفا بتبعية اعْتِبَار التَّشْبِيه فِي الْمصدر لاعْتِبَار التَّشْبِيه) تَعْلِيل لجَرَيَان الِاسْتِعَارَة فِي الْحُرُوف تبعا 0 أَولا فِي مُتَعَلق مَعْنَاهُ) أَي الْحَرْف (الجزئي) صفة كاشفة لمعناه: إِذْ كل حرف مَوْضُوع بِإِزَاءِ نِسْبَة جزئية غير ملحوظة قصدا بل آلَة الملاحظة غَيره (وَهُوَ) أَي مُتَعَلق مَعْنَاهُ (كليه) أَي الْمَفْهُوم الْكُلِّي الَّذِي هُوَ الْمَعْنى الجزئي فِي جزئي من جزئياته، مثلا كلمة من مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ الِابْتِدَاء الْخَاص من حَيْثُ أَنه آله لملاحظة السّير مثلا، وَهُوَ جزئي للابتداء الْمُطلق الْمَوْضُوع لَهُ لفظ الِابْتِدَاء من حَيْثُ أَنه مُسْتَقل بالمفهومية غير مَقْصُود بالتبع كَمَا فِي الْمَعْنى الْحرفِي (على مَا تحقق) فِي مَوْضِعه (فيستعمل) لفظ الْحَرْف (فِي جزئي الْمُشبه) إِذْ قد عرفت أَن التَّشْبِيه وَقع ابْتِدَاء فِي الْكل: فالمشبه والمشبه بِهِ كليان لَا محَالة، والجزئي الْمُسْتَعْمل فِيهِ الْحَرْف من جزئيات الْمُشبه كَمَا شبه ترَتّب الْعَدَاوَة والبغضاء على الِالْتِقَاط بترتب الْعلَّة الغائية على الْمَعْلُول، فَاسْتعْمل اللَّام الْمَوْضُوعَة بخصوصيات الترتب الْعلي فِي جزئيات ترَتّب الْعَدَاوَة على الِالْتِقَاط، وَهُوَ خصوصيتها ترَتّب عَدَاوَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام على خُصُوص الْتِقَاط آل فِرْعَوْن (وَهَذَا) الْكَلَام (لَا يُفِيد وُقُوع) الْمجَاز (الْمُرْسل فِيهَا) أَي فِي الْحُرُوف (ثمَّ لَا يُوجب) هَذَا الْكَلَام (الْبَحْث عَن خصوصيتها) أَي الْحُرُوف (فِي الْأُصُول لَكِن الْعَادة) جرت بالبحث عَن بعض أحوالها (تتميما للفائدة) للاحتياج إِلَيْهَا فِي بعض الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة، وَذكرت عقيب مبَاحث الْحَقِيقَة وَالْمجَاز لانقسامها إِلَيْهِمَا (وَهِي) أَي الْحُرُوف (أَقسَام) مِنْهَا:

حروف العطف

حُرُوف الْعَطف (الْوَاو للْجمع فَقَط) أَي بِلَا شَرط تَرْتِيب وَلَا معية (فَفِي الْمُفْرد) أَي فالعطف بهَا فِي الْمُفْرد اسْما كَانَ أَو فعلا حَال كَونه (مَعْمُولا) لعامل (فِي حكم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ من الفاعلية والمفعولية والحالية) إِلَى غير ذَلِك من أَحْكَام المعمولات (وعاملا) فِي حكم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (فِي مسنديته كضرب وَأكْرم وَفِي جمل لَهَا مَحل) من الْإِعْرَاب (كَالْأولِ) أَي كالعطف بهَا فِي الْمُفْرد (وَفِي مقابلها) أَي فِي الْجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب (لجمع مضمونها) أَي تِلْكَ الْجمل (فِي التحقق) أَي يُفِيد الْعَطف فِي الْجمل مُشَاركَة تِلْكَ الْجمل فِي أصل تحقق الْمَضْمُون من غير تعرض للاقتران بِحَسب الزَّمَان أَو التعقيب بمهلة وَغير مهلة كَمَا فِي الْمُفْرد (و) مسئلة (هَل يجمع) الْعَطف الْمَذْكُور الْجمل (فِي متعلقاتها) بِأَن يُشَارك المعطوفة الْمَعْطُوف عَلَيْهَا فِيمَا يتَعَلَّق بهَا (يَأْتِي) فِي المسئلة الَّتِي بعد هَذِه (وَقيل) الْوَاو (للتَّرْتِيب، وَنسب لأبي حنيفَة) وَالشَّافِعِيّ أَيْضا (كَمَا نسب إِلَيْهِمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَمَالك أَيْضا (الْمَعِيَّة) أَي كَونهَا للمعية، وَإِنَّمَا نسب إِلَيْهِ (لقَوْله فِي: إِن دخلت) الدَّار (فطالق وَطَالِق وَطَالِق لغير المدخولة تبين بِوَاحِدَة) مقول قَوْله (وَعِنْدَهُمَا) تبين (بِثَلَاث) فلولا أَنه جعلهَا للتَّرْتِيب لما أَبَانهَا بِالْأولَى: بل الثَّلَاث لوقوعها مَعًا عِنْد عدم التَّرْتِيب، وَفِيه أَن عدم كَونهَا للتَّرْتِيب لَا يسْتَلْزم كَونهَا للمعية لجَوَاز أَن تكن لمُطلق الْجمع، فَلَا يلْزم وُقُوعهَا مَعًا إِذا سبق تحقق الأولى عِنْد وجود الشَّرْط على طبق سبقها عِنْد التَّعْلِيق يسْتَلْزم تحقق حكمهَا، وبمجرد التَّحْقِيق تبين أَن لَا عدَّة لغير المدخولة، وَأما دلَالَة حكمهَا بالبينونة بِالثلَاثِ على كَونهَا للمعية فلأنهما لَو لم يجعلاها للمعية لما حكما بِالثلَاثِ لما ذكر وَفِيه أَيْضا نظر لما سَيظْهر وَجهه من قَوْله (وَلَيْسَ) كلا الْقَوْلَيْنِ بِنَاء على ذَلِك (بل لِأَن مُوجبه) أَي الْعَطف (عِنْده) أَي أبي حنيفَة (تعلق الْمُتَأَخر) أَي الْمَعْطُوف بِمَا تعلق بِهِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (بِوَاسِطَة الْمُتَقَدّم) أَي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (فينزلن) أَي الطلقات الثَّلَاث (كَذَلِك) أَي على طبق تَرْتِيب التَّعَلُّق مُرَتبا (فَيَسْبق) الطَّلَاق (الأول) بِمَا ذكر (فَيبْطل محليتها) أَي غير المدخولة فَلَا يكون مَا بعده محلا يتَعَلَّق بِهِ (وَقَالا بعد مَا اشتركت) المعطوفات (فِي التَّعْلِيق وَإِن) كَانَ اشتراكها (بِوَاسِطَة) أَي بِوَاسِطَة الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (تنزل) كلهَا (دفْعَة لِأَن نزُول كل) مِنْهَا (حكم الشَّرْط) وَحكم الشَّرْط لَازمه فَلَا يتَأَخَّر عَن ملزومه فِي التحقق شرعا، وَإِن تَأَخّر ذكرا، واذا كَانَ كل مِنْهُمَا حكماله، وَقد تقرر أَن حكم الشَّيْء لَا ينْفَصل عَنهُ (فتقترن أَحْكَامه) بِالضَّرُورَةِ (كَمَا فِي تعدد الشَّرْط) نَحْو إِن دخلت فَأَنت طَالِق، وَإِن دخلت فَأَنت طَالِق: فَإِن تعلق الطَّلَاق الثَّانِي بِالشّرطِ بعد تعلق

الأول بِهِ، ثمَّ إِذا وجد الشَّرْط بِأَن دخلت مرّة يَقع ثِنْتَانِ مَعًا (وَدفع هَذَا) الْقيَاس (بِالْفرقِ) بَين الملحق والملحق بِهِ (بِانْتِفَاء الْوَاسِطَة) فِيمَا بَين الطَّلَاق وَالدُّخُول فِي تعدد الشَّرْط. إِذْ لَيْسَ تعلق الطَّلَاق بِالشّرطِ فِي الثَّانِي بِوَاسِطَة تعلقه بِهِ فِي الشَّرْط الأول وَإِن كَانَ بعده فِي الذّكر بِخِلَاف الطَّلَاق الثَّانِي فِي: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَطَالِق فَإِنَّهُ لم يتَعَلَّق بِالشّرطِ إِلَّا بِوَاسِطَة الأول، وَعطفه عَلَيْهِ (لَا يضر) فِي الْمَطْلُوب خبر الْمُبْتَدَأ (إِذْ يَكْفِي) لَهما فِي إِثْبَات النُّزُول دفْعَة (مَا سواهُ) أَي هَذَا الْقيَاس من نزُول كل مِنْهُمَا حكما للشّرط وَلُزُوم اقتران أَحْكَامه (وَفِيه) أَي فِي الْجَواب لَهما عَن دَلِيله (ترديد آخر) فِي الْوَاسِطَة (ذَكرْنَاهُ فِي الْفِقْه). قَالَ فِي شرح الْهِدَايَة وقولهما أرجح قَوْله تعلق بِوَاسِطَة تعلق الأول، إِن أُرِيد أَنه عِلّة تعلقه فَمَمْنُوع: بل علته جمع الْوَاو ياه إِلَى الشَّرْط، وَإِن أُرِيد كَونه سَابق التَّعَلُّق سلمناه، وَلَا يُفِيد كالأيمان المتعاقبة، وَلَو سلم أَن تعلق الأول عِلّة لتَعلق الثَّانِي لم يلْزم كَون نُزُوله عِلّة لنزوله: إِذْ لَا تلازم فَجَاز كَونه عِلّة لتَعَلُّقه فَيقدم فِي التَّعَلُّق وَلَيْسَ نُزُوله عِلّة لنزوله (لنا) فِي أَن الْوَاو للْجمع فَقَط (النَّقْل عَن أَئِمَّة اللُّغَة، وتكرر من سِيبَوَيْهٍ كثيرا) ذكره فِي سَبْعَة عشر موضعا من كِتَابه (وَنقل إِجْمَاع أهل البلدين عَلَيْهِ) الْبَصْرَة والكوفة، كَذَا نَقله الصَّيْرَفِي والسهيلي والفارسي إِلَّا أَنهم نوقشوا فِيهِ بِأَن جمَاعَة مِنْهُم ثَعْلَب وَغُلَامه وقطرب وَهِشَام على أَنَّهَا للتَّرْتِيب: كَذَا ذكره الشَّارِح (وَأما الِاسْتِدْلَال) للمختار (بِلُزُوم التَّنَاقُض) على تَقْدِير التَّرْتِيب (فِي تقدم السُّجُود على قَول حطة) كَمَا فِي سُورَة الْبَقَرَة (وَقَلبه) أَي تقدم حطة على السُّجُود كَمَا فِي سُورَة الْأَعْرَاف (مَعَ الِاتِّحَاد) أَي اتِّحَاد الْقِصَّة لِأَن وجوب دُخُول الْبَاب سجدا مقدما على القَوْل ومؤخرا عَنهُ فِي حَادِثَة وَاحِدَة يسْتَلْزم التَّنَاقُض (وَامْتِنَاع تقَاتل زيد وَعَمْرو) أَي وَيلْزم امْتِنَاعه إِذْ لَا يتَصَوَّر فِي فعل يَقْتَضِي مَفْهُومه معية مَا بعده من الْمَعْطُوف عَلَيْهِ والمعطوف التَّرْتِيب (و) يلْزم امْتنَاع (جَاءَ زيد وَعَمْرو قبله) للتناقض فَإِن الْوَاو تَقْتَضِي التَّرْتِيب المستلزم لبعدية عَمْرو، وَلَفْظَة قبله عَكسه (و) بِلُزُوم (التّكْرَار) فِي (بعده) فِي جَاءَنِي زيد وَعَمْرو بعده (فمدفوع بِجَوَاز التَّجَوُّز بهَا) أَي بِالْوَاو باستعمالها (فِي الْجمع) الْمُطلق (فَصحت) للْجمع (فِي الخصوصيات) أَي فِي هَذِه الصُّور الْمَخْصُوصَة (و) الِاسْتِدْلَال للمختار (بِلُزُوم صِحَة دُخُولهَا فِي الْجَزَاء) بِأَنَّهَا لَو كَانَت للتَّرْتِيب لزم صِحَة دُخُولهَا على جَزَاء الشَّرْط الرابطة بِهِ على سَبِيل التَّرْتِيب عَلَيْهِ (كالفاء) وَلَا شكّ فِي عدم صِحَة أَن جَاءَ زيد وأكرمه وَصِحَّة فَأكْرمه فَهُوَ مَدْفُوع (بِمَنْع الْمُلَازمَة كثم) أَي لَا نسلم أَنَّهَا لَو كَانَت للتَّرْتِيب لصَحَّ دُخُولهَا على الْجَزَاء فَإِنَّهُ منقوض بثم فَإِنَّهَا للتَّرْتِيب اتِّفَاقًا، وَلَا يجوز دُخُولهَا على الْجَزَاء اتِّفَاقًا،

وَقد يُقَال ثمَّ لَا تصلح سندا للْمَنْع لِأَنَّهَا تدل على التَّرْتِيب مَعَ المهلة، وَالْجَزَاء مُرَتّب على الشَّرْط بِلَا مهلة (و) الِاسْتِدْلَال للمختار (بِحسن الاستفسار) أَي بِأَنَّهَا لَو كَانَت للتَّرْتِيب لما حسن من السَّامع أَن يستفسر الْمُتَكَلّم (عَن الْمُتَقَدّم) والمتأخر فِي نَحْو: جَاءَ زيد وَعَمْرو لِكَوْنِهِمَا مفهومين من الْوَاو فَهُوَ مَدْفُوع (بِأَنَّهُ) أَي حسن الاستفسار (لدفع وهم التَّجَوُّز بهَا) لمُطلق الْجمع، (و) الِاسْتِدْلَال للمختار (بِأَنَّهُ) أَي مُطلق الْجمع معنى (مَقْصُود) للمتكلم (فاستدعى) لفظا (مُفِيدا) لَهُ كَيْلا يقصر الْأَلْفَاظ عَن الْمعَانِي (وَلم يسْتَعْمل فِيهِ) أَي فِي الْمَعْنى الْمَذْكُور (إِلَّا الْوَاو) فَتعين وَضعه لَهُ فَلَا يكون للتَّرْتِيب، وَإِلَّا يلْزم الِاشْتِرَاك، وَهُوَ خلاف الأَصْل، فَهُوَ مَدْفُوع (بِأَن الْمجَاز كَاف فِي ذَلِك) أَي فِي إفادته فَيَكْفِي أَن يكون الْوَاو مجَازًا فِي الْجمع الْمُطلق، وَلَا يلْزم أَن يكون مَوْضُوعا لَهُ وَلَا يخفى أَن الأولى أَن يكون لَهُ لفظ مَوْضُوع (والنقض بالترتيب للبينونة بِوَاحِدَة فِي قَوْله لغير المدخولة طَالِق وَطَالِق وط طَالِق) أَي نقض دَلِيل كَونهَا لمُطلق الْجمع بِمَا اسْتدلَّ بِهِ على كَونهَا للتَّرْتِيب بِأَن يُقَال: إِنَّهَا لَو كَانَت لمُطلق الْجمع لما بَانَتْ بِوَاحِدَة، بل بِالثلَاثِ فِيمَا إِذا قَالَ لغير المدخولة: أَنْت طَالِق إِلَى آخِره (كَمَا) تبين بِوَاحِدَة فِيمَا إِذا أَتَى (بِالْفَاءِ وَثمّ) مَكَان الْوَاو فِي الْمِثَال الْمَذْكُور (مَدْفُوع بِأَنَّهُ) أَي وُقُوع الْوَاحِدَة لَا غير لَيْسَ لكَونهَا للتَّرْتِيب بل (لفَوَات الْمَحَلِّيَّة) بِوُقُوع الأولى (قبل الثَّانِيَة: إِذْ لَا توقف) للأولى على ذكر الثَّانِيَة لعدم مُوجب التَّوَقُّف، إِذْ أَنْت طَالِق تَنْجِيز لَيْسَ فِي آخِره مَا يُغَيِّرهُ من شَرط أَو غَيره فَينزل بهَا الأولى فِي الْمحل قبل التَّلَفُّظ بِالثَّانِيَةِ وَلَا تبقى الْمَحَلِّيَّة للْبَاقِي لعدم الْعدة (بِخِلَاف مَا لَو تعلّقت بمتأخر) أَي بِشَرْط مُتَأَخّر كَأَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق إِن دخلت فَإِنَّهُ يَقع الثَّلَاث حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا لتوقف الْكل على آخر الْكَلَام فتعلقت دفْعَة وَنزلت دفْعَة (وَمَا عَن مُحَمَّد) فِي صُورَة التَّنْجِيز من قَوْله (إِنَّمَا يَقع) الطَّلَاق (عِنْد الْفَرَاغ من الْأَخير مَحْمُول على الْعلم بِهِ) أَي بِوُقُوع الطَّلَاق، لَا على نَفسه، وَإِنَّمَا تَأَخّر الْعلم إِلَى ذَلِك (لتجويز إِلْحَاق المغير) من شَرط أَو نَحوه بِهِ (والا) أى وان لم يحمل عَلَيْهِ، وَحمل على عدم وُقُوع الطَّلَاق الى أَن يفرغ من الْأَخير (لم تفت الْمَحَلِّيَّة) بِالْأولِ (فَيَقَع الْكل) لوُجُود الْمَحَلِّيَّة حَال التَّكَلُّم بِالْبَاقِي (وَلِأَنَّهُ) أَي تَأْخِير حكم الأول إِلَى الْفَرَاغ من الْأَخير (قَول بِلَا دَلِيل و) النَّقْض لكَونهَا لمُطلق الْجمع بِأَنَّهَا تفِيد التَّرْتِيب (بِبُطْلَان نِكَاح الثَّانِيَة) أَي بِدَلِيل بطلَان نِكَاح الْأمة الثَّانِيَة (فِي قَوْله) أَي الْمولى لأمته (هَذِه حرَّة وَهَذِه) حرَّة (عِنْد بُلُوغه تَزْوِيج فُضُولِيّ أمتيه من وَاحِد) كَمَا لَو أعتقهما بكلامين منفصلين: إِذْ لَو لم تفد التَّرْتِيب لما بَطل نِكَاح وَاحِدَة مِنْهُمَا كَمَا لَو أعتقهما مَعًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يبطل شَيْء من الْعقْدَيْنِ الموقوفين أَيْضا مَدْفُوع بِأَنَّهُ لَيْسَ بطلَان الثَّانِيَة بِكَوْنِهَا للتَّرْتِيب بل

(بتعذر توقفه) أَي نِكَاح الثَّانِيَة (إِذْ لَا يقبل) نِكَاح الثَّانِيَة (الْإِجَازَة لِامْتِنَاع) نِكَاح الْأمة على الْحرَّة) وَهَذَا بِنَاء على أَن إِعْتَاق الْمولى عِنْد بُلُوغ تَزْوِيج الْفُضُولِيّ إجَازَة بهَا يَصح نِكَاح الْأمة إِذْ لَو لم يتم بهَا نِكَاح الأولى وتنتقل الْإِجَازَة من الْمولى إِلَيْهَا وَإِلَى وَليهَا لما بَطل نِكَاح الثَّانِيَة لجَوَاز أَن لَا تتَحَقَّق الْإِجَازَة فِي الأولى فَلَا يلْزم نِكَاح الْأمة على الْحرَّة إِن قُلْنَا بِقبُول نِكَاح الثَّانِيَة الْإِجَازَة، وَمَا ذكره الشَّارِح فِي تَعْلِيل عدم قبُوله الْإِجَازَة من أَن النِّكَاح الْمَوْقُوف مُعْتَبر بابتداء النِّكَاح وَلَيْسَت الْأمة متضمنة إِلَى الْحرَّة بِمحل الابتدائية: فَكَذَا لتوقفه فَغير موجه إِذْ لَو سلم عدم جَوَاز تَزْوِيج الْأمة مَعَ الْحرَّة كَانَ ذَلِك إِلْحَاقًا لصورة الْمعينَة بِصُورَة تَزْوِيج الْأمة بعد الْحرَّة فَصَارَ كَأَنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ حرَّة فَتزَوج بِأمة وَأما إِذْ ضم فُضُولِيّ أمة مَعَ حرَّة لوَاحِد قبل أَن يتم نِكَاح الْحرَّة لَا وَجه لبُطْلَان نِكَاح الْأمة لجَوَاز أَن لَا يتم نِكَاح الْحرَّة أَو يتم نِكَاح الْأمة قبل تَمام نِكَاح الْحرَّة (و) النَّقْض لكَونهَا لمُطلق الْجمع (بالمعية) أَي بِكَوْنِهَا لَو كَانَت لَهُ لما أفادت الْمَعِيَّة، وَقد أفادت (لبُطْلَان إنكاحه) أى الفضولى (أُخْتَيْنِ فِي عقدين من وَاحِد فَقَالَ) الزَّوْج (أجزت فُلَانَة وفلانة) أَي نِكَاح فُلَانَة وَنِكَاح فُلَانَة كَمَا لَو قَالَ أجزت نِكَاحهمَا، وَقيد بعقدين لِأَن تزويجهما فِي عقد وَاحِد لَا ينفذ بِحَال (ولعتق ثلث كل من الْأَعْبد الثَّلَاثَة إِذا قَالَ: من مَاتَ أَبوهُ عَنْهُم) أَي الْأَعْبد الثَّلَاثَة (فَقَط) أَي لم يتْرك غَيرهم شَيْئا وهم متساوون فِي الْقيمَة وَلَا وَارِث غَيره، ومقول قَوْله (أعتق) أبي (فِي مَرضه هَذَا وَهَذَا وَهَذَا مُتَّصِلا) بعضه بِبَعْض بِالْوَاو فَلَو لم يكن للمعية والمقارنة لعتق كل الأول وَنصف الثَّانِي وَثلث الثَّالِث كَمَا لَو أقرّ بِهِ مُتَفَرقًا بِأَن قَالَ: أعتق هَذَا وَسكت، ثمَّ قَالَ لآخر: أعتق هَذَا وَسكت، ثمَّ قَالَ: أعتق هَذَا لِأَنَّهُ لما أقرّ بِإِعْتَاق الأول وَهُوَ ثلث المَال عتق من غير سِعَايَة لعدم المزاحم، ثمَّ لما أقرّ بِإِعْتَاق الثَّانِي فقد زعم أَنه بَين الأول وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ فَيصدق فِي حق الثَّانِي لَا فِي حق الأول، لِأَن الْمعِين تعين بِشَرْط الْوَصْل وَلم يُوجد، ثمَّ لما أقرّ للثَّالِث فقد زعم أَنه بَينهم أَثلَاثًا فَيصدق فِي حق الثَّالِث لَا الْأَوَّلين لما ذكرنَا أَيْضا مَدْفُوع (بِأَنَّهُ) أَي كلا من بطلَان نِكَاح الثَّانِيَة وَعتق ثلث كل من إِلَّا عبد (للتوقف) لصدر الْكَلَام على آخِره (لمغيره) أَي الصَّدْر (من صِحَة إِلَى فَسَاد) يَعْنِي إِذا كَانَ فِي آخر الْكَلَام مَا يُغير حكم الأول بِسَبَب اجتماعه مَعَه بعطف أَو بِغَيْرِهِ يتَأَخَّر حكم الصَّدْر إِلَى أَن يتم، ثمَّ أَشَارَ إِلَى تعْيين منشأ التَّغْيِير بقوله (بِالضَّمِّ) أَي بِضَم إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى فِي الْإِجَازَة (فِي الأول) أَي فِي نِكَاح الْأُخْتَيْنِ (وَمن كَمَال الْعتْق إِلَى تجز) لِلْعِتْقِ (عِنْده) أَي أبي حنيفَة: إِذا الْعتْق يتَجَزَّأ عِنْده خلافًا لَهما (وَمن بَرَاءَة) لذمته (إِلَى شغل) لَهَا (عِنْد الْكل) أبي حنيفَة وصاحبيه فَإِنَّهُم

متفقون على أَنه يجب عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي ثُلثي قِيمَته غير أَنه رَقِيق فِي الْأَحْكَام عِنْده كَالْمكَاتبِ إِلَّا أَنه لَا يرد إِلَى الرّقّ بِالْعَجزِ، وَعِنْدَهُمَا كَالْحرِّ الْمَدْيُون (بِخِلَاف النقضين الْأَوَّلين) أَي النَّقْض بالبينونة بِوَاحِدَة فِي تَنْجِيز الطَّلَاق بطالق وَطَالِق وَطَالِق، والنقض بِبُطْلَان نِكَاح الْأمة الثَّانِيَة فِي هَذِه حرَّة وَهَذِه (لِأَن الضَّم) لما بعد الْوَاو إِلَى مَا قبله فيهمَا (لَا يُغير مَا قبله) يَعْنِي الطَّلَاق وَالْعتاق (من الْوُقُوع) التنجيزي إِلَى عَدمه فَلَا يتَوَقَّف شَيْء مِنْهُمَا على مَا بعده (وَلقَائِل أَن يَقُول: الضَّم الْمُفْسد لَهما) أَي لنكاح الْأُخْتَيْنِ هُوَ الضَّم (الدفعي كتزوجتهما وأجزتهما) أَي نِكَاحي الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّهُ جمع بَينهمَا (لَا) الضَّم (الْمُرَتّب لفظا لِأَنَّهُ) أَي إفسادهما فِيهِ (فرع التَّوَقُّف) أَي توقف الأول على الآخر فِي إفادته الحكم (وَلَا مُوجب لَهُ) أَي لتوقفه عَلَيْهِ (فَيصح لأولى) أَي نِكَاحهَا (دون الثَّانِيَة كَمَا لَو كَانَ) الضَّم (بمفصول) أَي بِكَلَام مُتَأَخّر عَن الأول بِزَمَان اسْتدلَّ (المرتبون) بقوله تَعَالَى - {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا واسجدوا} فَإِنَّهُ فهم مِنْهُ تَأَخّر السُّجُود فلولا أَن الْوَاو للتَّرْتِيب لم يتَعَيَّن فَكَانَت حَقِيقَة فِيهِ لِأَن الأَصْل عدم الْمجَاز (وسؤالهم) أَي الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم (لما نزل: {إِن الصَّفَا والمروة}، بِمَ نبدأ)؟ عطف بَيَان لسؤالهم، وَلَوْلَا أَنَّهَا للتَّرْتِيب لما سَأَلُوهُ، وَلما قَالَ " ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ ". وَلما وَجب الِابْتِدَاء بِهِ، إِذْ لَا مُوجب لَهُ غَيره (وإنكارهم) أَي الصَّحَابَة (على ابْن عَبَّاس تَقْدِيم الْعمرَة) على الْحَج (مَعَ وَأَتمُّوا الْحَج) وَالْعمْرَة لله}، فلولا أَنهم فَهموا التَّرْتِيب لم ينكروا عَلَيْهِ، وهم أهل اللِّسَان (وَبِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بئس الْخَطِيب أَنْت لقَائِل: وَمن يعصهما) أَي الله وَرَسُوله فقد غوى (هلا قلت وَمن يعْص الله وَرَسُوله) فَلَو لم يكن للتَّرْتِيب لما فرق بَين العبارتين بالإنكار: إِذْ لَا فرق بَينهمَا إِلَّا بِالْوَاو الدَّالَّة على التَّرْتِيب كَمَا أَفَادَ بقوله (وَلَا فرق إِلَّا بالترتيب وَبِأَن الظَّاهِر أَن التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ للتَّرْتِيب الوجودي وَالْجَوَاب عَن الأول) أَي ارْكَعُوا واسجدوا (بِأَنَّهُ) أَي التَّرْتِيب بَينهمَا (من) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صلوا (كَمَا رَأَيْتُمُونِي) أُصَلِّي، رَوَاهُ البُخَارِيّ، فَإِن ظَاهره وجوب جَمِيع خصوصيات صلَاته، غير أَنه خص مِنْهُ مَا دلّ على عدم وُجُوبه دَلِيل (وَعَن الثَّانِي) أَي عَن سُؤَالهمْ: بِمَ يبدءون؟ (بِالْقَلْبِ) أَي دليلكم يقلب عَلَيْكُم فيستدل بِهِ على نقيض مدعاكم: وَهُوَ أَن يُقَال (لَو) كَانَ (للتَّرْتِيب لما سَأَلُوا) ذَلِك لفهمهم إِيَّاه مِنْهُ إِذْ هم أهل اللِّسَان (فَالظَّاهِر أَنَّهَا للْجمع، وَالسُّؤَال لتجويز إِرَادَة الْبدَاءَة بِمعين) مِنْهُمَا وَعدم التَّخْيِير بَين أَن يبْدَأ من الصفاة والمروة (وَالتَّحْقِيق سُقُوطه) أَي الِاسْتِدْلَال بهَا لشَيْء من الْجَانِبَيْنِ (لِأَن الْعَطف فِيهَا) أَي فِي الْآيَة (إِنَّمَا يضم) أَي الْمَعْطُوف إِلَى الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (فِي الشعائر) فِي كَونهمَا شَعَائِر الله (وَلَا تَرْتِيب فِيهَا) أَي فِي الشعائر، وَلَو فرض كَون الْوَاو للتَّرْتِيب فَإِنَّهُ يجب فِي خُصُوص الْمقَام الْعُدُول عَن

مسئلة

التَّرْتِيب وَإِرَادَة مُطلق الْجمع (فسؤالهم) إِنَّمَا هُوَ (عَمَّا) أَي عَن تَرْتِيب (لم يفد بِلَفْظِهِ) أَي لم يصلح لِأَن يفاد بِلَفْظ الْوَاو وَالْمَذْكُور فِي الْآيَة لما عرفت (بل) عَمَّا أفيد (بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر لفظ الْوَاو. وَقَالَ الشَّارِح: وَهُوَ التطوف بَينهمَا وَلَا يظْهر وَجهه، إِذْ التطوف يصلح لِأَن يكون منشأ للسؤال لَا مُفِيدا للتَّرْتِيب، فَالْمُرَاد بِغَيْرِهِ مَا دلّ على التَّرْتِيب من السّنة (وَأجَاب هُوَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله (ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله) بِهِ "، وَلم يقل بِمَا أَمر الله أَن يبْدَأ بِهِ بِمُوجب الْعَطف (وَعَن الثَّالِث) أَي عَن إنكارهم على ابْن عَبَّاس تَقْدِيم الْعمرَة (أَنه) أَي إنكارهم (لتعيينه) تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ (وَالْوَاو للأعم مِنْهُ) أَي من الَّذِي عين وَهُوَ مُطلق الْجمع (وَعَن الرَّابِع) أَي إِنْكَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْخَطِيب (بِأَنَّهُ ترك الْأَدَب لقلَّة مَعْرفَته) بِاللَّه تَعَالَى، أَو بِمَا يتَعَلَّق بالخطابة، لِأَن فِي الْإِفْرَاد بِالذكر تَعْظِيمًا جَلِيلًا (بِخِلَاف مثله) أَي مثل هَذَا التَّعْبِير: أَي الْجمع بَينهمَا فِي التَّعْبِير عَنْهُمَا بضمير الْمثنى (مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا " فَإِنَّهُ أعلم الْخلق بِاللَّه، وَبِمَا يتَعَلَّق بالخطابة فَلَا يكون ذَلِك مِنْهُ إخلالا بالتعظيم أَو البلاغة، بل رِعَايَة لنكتة بليغة، وَلَا ترَتّب بَين المعصيتين حَتَّى يُؤَاخذ بترك إفادته، لِأَن عصيان كل مِنْهُمَا عصيان للْآخر (وَعَن الْخَامِس) وَهُوَ أَن التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ للتَّرْتِيب الوجودي (بِالْمَنْعِ) إِذْ لَا نسلم أَن التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ كَذَلِك (والنقض برأيت زيدا رَأَيْت عمرا) فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي صِحَّته مَعَ تقدم رُؤْيَة عَمْرو وَقد قَالَ تَعَالَى - {يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك} - (وَلَو سلم) أَن التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ للتَّرْتِيب الوجودي (فَغير مَحل النزاع) لِأَن النزاع إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَذْكُور بعد الْوَاو بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قبلهَا بِاعْتِبَار دلَالَة الْوَاو لَا بِاعْتِبَار التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ مسئلة الْوَاو (إِذا عطفت جملَة تَامَّة) أَن غير مفتقرة إِلَى مَا يتم بِهِ وسيظهر لَك فَائِدَة الْقَيْد فِي النَّاقِصَة (على) جملَة (أُخْرَى لَا مَحل لَهَا) من الْإِعْرَاب (شركت) بَينهمَا (فِي مُجَرّد الثُّبُوت) والتحقق لاستقلاها بالحكم. وَمن ثمَّة سَمَّاهَا بَعضهم وَاو الِاسْتِئْنَاف والابتداء نَحْو - {وَاتَّقوا الله ويعلمكم الله} - (وَاحْتِمَال كَونه) أَي التَّشْرِيك فِي الثُّبُوت مستفادا (من جوهرهما) أَي الجملتين من غير حَاجَة إِلَى الْوَاو (يُبطلهُ ظُهُور احْتِمَال الاضراب مَعَ عدمهَا) أَي الْوَاو: يَعْنِي لَو كَانَ التَّشْرِيك مستفادا من جَوْهَر الجملتين من غير حَاجَة إِلَى الْوَاو يُبطلهُ ظُهُور احْتِمَال الِاضْطِرَاب مَعَ عدمهَا: أَي الْوَاو، يَعْنِي لَو كَانَ للتشريك لَكَانَ فِي قَامَ زيد قَامَ عَمْرو احْتِمَال الِاضْطِرَاب عَن تحقق مَضْمُون قيام زيد إِلَى تحقق قيام عَمْرو ظَاهرا، لِأَنَّهُ يلْزم على تَقْدِير إِفَادَة

جوهرهما التَّشْرِيك مَعَ ظُهُوره المستلزم لعدم التَّشْرِيك التَّنَاقُض (و) يُبطلهُ أَيْضا (انتفاؤه) أَي انْتِفَاء احْتِمَال الإضراب (مَعهَا) أَي الْوَاو، فَإِن قَامَ زيد وَقَامَ عَمْرو لَا يحْتَمل الإضراب عَن الْإِخْبَار الأول إِلَى الْإِخْبَار الثَّانِي إِذْ بِهِ يظْهر أَن احْتِمَال الإضراب لَيْسَ من الْجَوْهَر، لِأَن مَا بِالذَّاتِ لَا يَزُول بِالْغَيْر، وَإِذا لم يكن احْتِمَال الإضراب من الْجَوْهَر لم يكن التَّشْرِيك أَيْضا مِنْهُ لتساويهما فِي الظُّهُور فَتدبر، وَلَك أَن تجْعَل الْمَجْمُوع دَلِيلا وَاحِدًا وَحَاصِله دوران التَّشْرِيك والإضراب على الْوَاو وجودا وعدما (فَلِذَا) أَي فلكون الْعَطف الْمَذْكُور يُشْرك فِي مُجَرّد الثُّبُوت (وَقعت وَاحِدَة فِي هَذِه طَالِق ثَلَاثًا وَهَذِه طَالِق) على الْمشَار إِلَيْهَا ثَانِيًا (و) إِذا عطفت جملَة تَامَّة على (مَا لَهَا) مَحل من الْأَعْرَاب (شركت المعطوفة) مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهَا (فِي موقعها إِن) كَانَ الْمَعْطُوف عَلَيْهَا (خَبرا) فِي مَوضِع (أَو جَزَاء) للشّرط فِي مَوضِع آخر (فخبر) أَي فالمعطوف خبر فِي الأول (وَجَزَاء) فِي الثَّانِي نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَن هَذَا يُفِيد أَن جملَة الْجَزَاء قد يكون لَهَا مَحل، وَبِه قَالَ طَائِفَة من الْمُحَقِّقين، وَهُوَ مَا إِذا كَانَت بعد الْفَاء وَإِذا جَوَابا لشرط جازم، ثمَّ لما بَين حكم الْجُمْلَة المعطوفة على الْجُمْلَة الَّتِي لَهَا مَحل من الْأَعْرَاب خَبرا كَانَت أَو جَزَاء أَرَادَ أَن يبين حكم جملَة عطفت على مَا لَا مَحل لَهَا من الْأَعْرَاب، لَكِن لَهَا موقع من حَيْثُ وُقُوعهَا مرتبطة بجملة أولى لِكَوْنِهِمَا شرطا وَجَزَاء فَقَالَ (وَكَذَا مَا) أَي الْجُمْلَة الَّتِي (لَهَا موقع من غير الابتدائية) بَيَان للموصول: أَي الْجُمْلَة الابتدائية لَا يكون لَهَا موقع كَذَلِك (مِمَّا لَيْسَ لَهَا مَحل) من الْأَعْرَاب بَيَان آخر لَهُ لِئَلَّا يتَوَهَّم التّكْرَار، فَعلم أَن مَا ذكر فِي صدر الْبَحْث أُرِيد بِهِ مَا لَيْسَ لَهَا موقع كَذَا، كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ، وللشارح فِي حل هَذَا الْمحل كَلَام لَا يصلح إِلَّا لِأَن يطوى (كَأَن دخلت) الدَّار (فَأَنت طَالِق وعبدي حر) فَإِن لقَوْله أَنْت طَالِق موقعا بِاعْتِبَار ارتباطه بِالْجُمْلَةِ الشّرطِيَّة، وَالْوَاو شرك قَوْله عَبدِي حر مَعهَا فِي موقعها الَّذِي هُوَ الجزائية (فَيتَعَلَّق) عَبدِي حر أَيْضا بِدُخُول الدَّار (إِلَّا بصارف) اسْتثِْنَاء من قَوْله وَكَذَا: أَي شركت فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا حَال كَونهَا متلبسة بِمَا دلّ على عدم التَّشْرِيك فِي الْموقع، أَو من قَوْله فَيتَعَلَّق نَحْو أَن دخلت فَأَنت طَالِق (وضرتك طَالِق) لِأَن طَلَاق الضرة لَا يصلح لِأَن يكون باعثا لعدم الدُّخُول بل بِشَارَة لَهَا، والبشارة إِنَّمَا تتَحَقَّق بالتنجيز (فعلى الشّرطِيَّة) أَي فَهِيَ معطوفة على الْجُمْلَة الشّرطِيَّة برمتها، لَا على الْجُزْئِيَّة فَإِن قلت إِذن يلْزم عطف الْإِنْشَاء على الاخبار قلت المعطوفة أَخْبَار صُورَة على أَن الْمَعْطُوف عَلَيْهَا إنْشَاء للتعليق (فيتنجز) طَلَاق الضرة لِأَنَّهُ غير مُعَلّق (وَمِنْه) أَي مِمَّا صرفه الصَّارِف عَن كَونه مَعْطُوفًا على الجزائية مَعَ قربهَا إِلَى الشّرطِيَّة (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ بعد وَلَا تقبلُوا بِنَاء على) الْمَذْهَب (الْأَوْجه من عدم)

جَوَاز (عطف الْأَخْبَار على الْإِنْشَاء) فَإِنَّهُ لَازم على تَقْدِير عطف - {أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} - على لَا تقبلُوا أَو فاجلدوا (و) بِنَاء على (مُفَارقَة) الجملتين (الْأَوليين) المذكورتين إِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول: يَعْنِي أَن المعطوفة فارقتهما وبعدت عَنْهُمَا (بِعَدَمِ مُخَاطبَة الْأَئِمَّة) أَي بِسَبَب أَنَّهَا مَا خُوطِبَ بمضمونها الْحُكَّام بخلافهما إِذا خوطبوا بمضمونهما، ثمَّ لما كَانَ فِي الْآيَة احْتِمَال آخر وَهُوَ أَن يكون الْجَزَاء الأولي مِنْهُمَا فَقَط وَيكون قَوْله - {وَلَا تقبلُوا} - ابتدائية فيعطف عَلَيْهِ قَوْله - {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} - على التَّأْوِيل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَبشر الَّذين} - وَكَانَ ذَلِك مفوتا لرعاية الْأَنْسَب اللَّائِق بالحكمة جعل دَلِيل مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة مَا ذكر مَعَ رِعَايَة الْأَنْسَب فَقَالَ (مَعَ الأنسبية من إِيقَاع الْجَزَاء على الْفَاعِل، أَعنِي اللِّسَان) فَإِن رد الشَّهَادَة حد فِي اللِّسَان الصَّادِر مِنْهُ جريمة الْقَذْف (كَالْيَدِ فِي الْقطع) أَي كَمَا أوقع جَزَاء السّرقَة على الْفَاعِل: وَهُوَ الْيَد إِلَّا أَنه ضم إِلَيْهَا أَلا يلام الْحسي تكميلا للزجر، فَإِن من النَّاس من لَا ينزجر بِمُجَرَّد رد الشَّهَادَة (وَأما اعْتِبَار قيود) الْجُمْلَة (الأولى فِيهَا) أَي فِي الثَّانِيَة الْمَعْطُوف عَلَيْهَا (فَإلَى الْقَرَائِن) أَي فَهُوَ مفوض إِلَى قَرَائِن الْمقَام (لَا الْوَاو وَإِن) عطفت جملَة (نَاقِصَة وَهِي) الْجُمْلَة (المفتقرة فِي تَمامهَا إِلَى مَا تمت بِهِ الأولى) بِعَيْنِه (وَهُوَ) أَي الْعَطف الْمَذْكُور (عطف الْمُفْرد) وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْله وَإِن نَاقِصَة على مَا فسرنا، إِذْ نِسْبَة عطف الْمُفْرد يحصل مَضْمُون الْجُمْلَة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (انتسب) الْمُفْرد الْمَعْطُوف (إِلَى عين مَا انتسب إِلَيْهِ) الْمُفْرد (الأول) الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (بجهته) مُتَعَلق بانتسب الأول إِشَارَة إِلَى مَا اعْتبر فِي التَّابِع مُطلقًا فِي قَوْلهم: كل ثَان بأعراب سَابِقَة من جِهَة وَاحِدَة، وَضمير جِهَته رَاجع إِلَى الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، إِن كَانَت تِلْكَ الْجِهَة الفاعلية مثلا، فانتساب الْمَعْطُوف أَيْضا على الفاعلية (مَا أمكن) تَقْيِيد للانتساب إِلَى المنتسب إِلَيْهِ بِاعْتِبَار جَمِيع قيوده مهما أمكن فِيهِ اسْتثِْنَاء لبَعض الْقُيُود الَّذِي دلّ الدَّلِيل على اخْتِصَاصه بالمعطوف عَلَيْهِ (فَإِن دخلت فطالق وَطَالِق وَطَالِق تعلق) فِيهِ طَالِق الثَّانِي (بِهِ) أى بدخلت بِعَيْنِه (لَا بِمثلِهِ كقولهما) أى كَمَا قَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد من أَنه تعلق بِمثل مَا تعلق بِهِ الأول، وَلَيْسَ المُرَاد بِمثلِهِ دُخُولا آخر مغايرا بِالذَّاتِ لما تعلق بِهِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بل مغايرا بِالِاعْتِبَارِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فيتعدد الشَّرْط) كَمَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق، ثمَّ بعد زمَان قَالَ: إِن دخلت فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ يَقع الْكل بِدُخُول وَاحِد اتِّفَاقًا غير أَنه لما كَانَ الْمُعَلق بِالثَّانِي غير الْمُعَلق بِالْأولِ صَار الْمُعَلق بِهِ فِي الثَّانِي مغايرا للمعلق بِهِ فِي الأول بِالِاعْتِبَارِ كَمَا قَالَه كَذَلِك (وَعلمت) فِي المسئلة الَّتِي قبل هَذِه (أَن لَا ضَرَر عَلَيْهِمَا فِي الِاتِّحَاد) أَي فِي اتِّحَاد مُتَعَلق الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ من اعْتِبَار التغاير الْمَذْكُور إِذْ مقصودهما وُقُوع الْكل دفْعَة عِنْد وجود الشَّرْط وَهُوَ حَاصِل فِيهِ لِأَنَّهُمَا يجعلان إِن دخلت طَالِق فطالق وَطَالِق بِمَنْزِلَة طَالِق

ثِنْتَيْنِ، والتفريق اللَّفْظِيّ لَا أثر لَهُ لِأَنَّهُ فِي حَال التَّكَلُّم بتعليق الطَّلَاق لَا فِي حَال التَّطْلِيق تَنْجِيز إِذْ لَا مُوجب للتوقف فِي التَّنْجِيز فَيَقَع بِمُجَرَّد التَّكَلُّم بتعليق الطَّلَاق لَا فِي حَال التَّعْلِيق بِالْأولِ قبل التَّكَلُّم بِالثَّانِي وَلم يبْق للمحل قابلية لوُقُوع الثَّانِي: إِذْ الْمَفْرُوض كَونهَا غير مدخوله، وَأما فِي التَّعْلِيق فالتعليق بِمُجَرَّد التَّكَلُّم لَا يتَصَوَّر لتوقفه على وجود الشَّرْط، والمتعلقات بِشَرْط وَاحِد على التَّعَاقُب يتْرك جملَة عِنْد وجوده كَمَا لَو حصل بأيمان يتحللها أزمنة على أَنه إِن أُرِيد بِكَوْن تعلق الأول وَاسِطَة فِي تعلق الثَّانِي أَنه عِلّة لَهُ فَمَمْنُوع: بل علته جمع الْوَاو إِيَّاه إِلَى الشَّرْط، وَإِن أُرِيد كَونه سَابق التَّعَلُّق سلمناه، وَلَا يُفِيد كالأيمان المتعاقبة، وَلَو سلم عَلَيْهِ تعلق الأول لم يلْزم كَون نُزُوله عِلّة نُزُوله: إِذْ لَا تلازم (وَمَا تقدم لَهما) فِي أول بحث الْوَاو من التَّعْلِيق الْمَذْكُور الْمُشبه بتعداد الشَّرْط فِي وُقُوع الْكل جملَة (تنظيره) أَي مُجَرّد تنظير لاشْتِرَاكهمَا فِيمَا ذكر (لَا اسْتِدْلَال) بِقِيَاس الأجزئة المتعاطفة المتعاقبة فِي الذّكر على المتعاقبة فِي تعليقات مُتعَدِّدَة ليرد أَنه قِيَاس مَعَ الْفَارِق (لاستقلا مَا سواهُ) أَي مَا سوى التَّعْلِيق الْمَذْكُور فِي إِثْبَات الْمَقْصُود: يَعْنِي بِهِ مَا ذكر من أَن الِاشْتِرَاك فِي التَّعَلُّق وَأَن بِوَاسِطَة يسْتَلْزم النُّزُول دفْعَة، لِأَن نزُول كل حكم الشَّرْط فتقترن أَحْكَامه (فتفريع) مَا إِذا قَالَ (كلما حَلَفت) بطلاقك (فطالق) أَي فَأَنت طَالِق (ثمَّ) قَالَ (إِن دخلت فطالق وَطَالِق على الِاتِّحَاد يَمِين، و) على (التَّعَدُّد يمينان) فَقَوله كلما حَلَفت الخ كَلَام مُفَرع، وَقَوله على الِاتِّحَاد إِلَى هُنَا خير ضمير رَاجع إِلَى قَوْله إِن دخلت الخ: يَعْنِي إِن قُلْنَا بِأَن الْمَعْطُوف تعلق بِعَين مَا تعلق بِهِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ لَا بِمثلِهِ كَانَ قَوْله: إِن دخلت الخ حلفا وَاحِدًا فَيَقَع طَلَاق وَاحِد وَإِن قُلْنَا بالتعدد بِجعْل مُتَعَلق الثَّانِي مثل الأول كَانَ القَوْل الْمَذْكُور يمينين (فَتطلق ثِنْتَيْنِ) كَمَا ذكر فِي شرح البديع للهندي، تَفْرِيع (على غير خلافية) لما عرفت من أَنه لَا خلاف بَينهمَا وَبَينه بِاعْتِبَار اتِّحَاد الْمُتَعَلّق وَعَدَمه لعدم توقف مقصودهما وَهُوَ وُقُوع الْكل جملَة على التَّعَدُّد (بل) المُرَاد بقول من فرع وحدة الْيَمين على الِاتِّحَاد وتعددها على التَّعَدُّد أَنه (لَو فرض) خلاف بَينه وَبَينهمَا فِي ذَلِك (كَانَ) التَّفْرِيع (كَذَا) أَي على هَذَا المنوال (والنقض) للضابطة الْمَذْكُورَة مَعَ أَن مُوجب الْوَاو فِي النَّاقِصَة انتساب الثَّانِي إِلَى عين مَا انتسب إِلَيْهِ الأول بجهته (بِهَذِهِ طَالِق ثَالِثا، وَهَذِه إِذْ طلقنا ثَالِثا لاثْنَتَيْنِ) تَعْلِيل للنقض: يَعْنِي وُقُوع الثَّلَاث على كل مِنْهُمَا خلاف مُقْتَضى تِلْكَ الضابطة لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وُقُوع ثِنْتَيْنِ على كل وَاحِدَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بانقسام الثَّلَاث عَلَيْهِمَا) ليحصل لكل وَاحِد وَنصف، ويكمل كل نصف (دفع) خبر الْمُبْتَدَأ (بِظُهُور الْقَصْد إِلَى إِيقَاع الثَّلَاث) على كل وَاحِدَة مِنْهُمَا (والمناقشة فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْقَصْد بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لقَالَ وَهَذِه طَالِق ثَلَاثًا،

تتمة

وَلم يقل وَهَذِه لِأَنَّهُ يحْتَمل الانقسام الْمَذْكُور (احْتِمَال لَا يدْفع الظُّهُور) أَي ظُهُور الْقَصْد الْمَذْكُور (وَفِيمَا لَا يُمكن) فِيهِ الانتساب إِلَى غير مَا انتسب الأول إِلَيْهِ (يقدر الْمثل) وَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله انتسب الخ بعد قَوْله وَهُوَ عطف الْمُفْرد (كجاء زيد وَعَمْرو بِنَاء على اعْتِبَار شخص الْمَجِيء) لِاسْتِحَالَة اشتراكهما فِي عرضي شخصي (وَإِن كَانَ الْعَامِل) وَهُوَ فعل الْمَجِيء (بكليه) أَي بِاعْتِبَار مَفْهُومه الْكُلِّي (ينصب) من حَيْثُ الْإِسْنَاد وَالْعَمَل (عَلَيْهِمَا) أَي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ والمعطوف (مَعًا لِأَن هَذَا) أَي مَا ذكرنَا من تَقْدِير الْمثل إِنَّمَا هُوَ (تَقْدِير حَقِيقَة الْمَعْنى) أَي بَيَان مَا هُوَ المتحقق فِي نفس الْأَمر من الْكَلَام: إِذْ الْكُلِّي من حَيْثُ هُوَ كلي لَا يتَحَقَّق فِي الْخَارِج إِلَّا فِي ضَرُورَة الشخصي فالمتحقق مِنْهُ فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ شخص آخر مثله (وَعنهُ) أَي عَن اعْتِبَار تعلق الْمَعْطُوف بِعَين مَا تعلق بِهِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي الْمُفْرد لَا بِمثلِهِ قُلْنَا (فِي (قَوْله لفُلَان عَليّ ألف، وَلفُلَان انقسمت) الْألف (عَلَيْهِمَا) فَيكون لكل خَمْسمِائَة (وَنقل عَن بَعضهم أَن عطفها) أَي الْوَاو الْجُمْلَة (المستقلة) على غَيرهَا (يُشْرك فِي الحكم وَبِه) أَي بِسَبَب هَذَا التَّشْرِيك (انْتَفَت الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي كَالصَّلَاةِ) أَي كَمَا أَن الصَّلَاة منتفية عَن الصَّبِي (من) دلَالَة الْعَطف فِي (أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة). قَالَ الشَّارِح بِنَاء على أَنه يجب أَن يكون الْمُخَاطب بِأَحَدِهِمَا عين الْمُخَاطب بِالْآخرِ، وَلما لم يكن الصَّبِي مُخَاطبا بأقيموا الصَّلَاة لم يكن مُخَاطبا بآتوا الزَّكَاة انْتهى. وَلم يبين مُرَادهم بالحكم الَّذِي يشركهما الْعَطف فَإِن أُرِيد بِهِ جَمِيع الْأَحْكَام وَالْأَحْوَال ففساده ظَاهر، وان أُرِيد بَعْضهَا فِي الْجُمْلَة فَلَا يُفِيد، وان أُرِيد بِهِ وَاحِد من الْأَحْكَام الْخَمْسَة فالعطف لَا يَقْتَضِيهِ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد فِي الْجُمْلَة الخبرية التحقق والحصول، وَفِي الإنشائية الطّلب وَلَا يخفى مَا فِيهِ (وَدفع) لُزُوم انْتِفَاء الزَّكَاة فِي مَاله لما ذكرنَا بِأَن الصَّبِي (خص من عُمُوم الأول) أَي أقِيمُوا الصَّلَاة (بِالْعقلِ) أَي بالمخصص الْعقلِيّ وَهُوَ مَا أَفَادَهُ بقوله (لِأَنَّهَا) أَي الصَّلَاة عبَادَة (بدنية) وَهِي مَوْضُوعَة عَن الصَّبِي (بِخِلَاف الزَّكَاة) فَإِنَّهَا عبَادَة مَالِيَّة مَحْضَة (تتأدى بالنائب فَلَا مُوجب لتخصيصه) فِيهَا. (تَتِمَّة) (تستعار) الْوَاو (للْحَال) أَي لربط الْجُمْلَة الحالية بِذِي الْحَال إِذْ هِيَ لمُطلق الْجمع وَهُوَ مَوْجُود فِي الْمُسْتَعَار لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بمصحح الْجمع) أَي يستعار للْحَال بِسَبَب العلاقة المصححة الَّتِي هِيَ وجود مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ فِيهِ حَال كَون هَذَا الْمُصَحح مُشْتَمِلًا (على مَا فِيهِ) من الْإِشْكَال إِذا أطلق الْأَعَمّ على الْأَخَص حَقِيقَة على مَا مر، وَلذَا أضْرب، فَقَالَ (بل هُوَ) أَي الْجمع بَين الْحَال وصاحبهما (مِمَّن مَا صدقاته) أَي من أَفْرَاد مُطلق الْجمع (والعطف أَكثر) أَي اسْتِعْمَالهَا

فِي الْعَطف أَكثر (فَيلْزم) الْعَطف: أَي حملهَا عَلَيْهِ (إِلَّا بِمَا) أَي بِدَلِيل (لَا مرد لَهُ) فَعنده تحمل على غَيره (فَإِن أمكنا) أَي الْعَطف وَالْحَال بِأَن تصح إِرَادَة كل مِنْهُمَا (رده) أَي الْحَال (القَاضِي) فَلَا يصدق من يَقُول أردْت بهَا الْحَال لِأَنَّهُ يحكم بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ الْعَطف (وَصَحَّ) أَن يُرَاد بهَا الْحَال ب (نِيَّته) أَي الْحَال أَو الْمُتَكَلّم (ديانَة فأد) أَي فَقَوْل الْمولى لعَبْدِهِ أد إِلَيّ ألفا (وَأَنت حر، و) الإِمَام للحربي (انْزِلْ وَأَنت آمن تعذر) الْعَطف فِيهِ (لكَمَال الِانْقِطَاع) بَين مَا قبل الْوَاو وَمَا بعده إنْشَاء وإخبار نظرا إِلَى الأَصْل، فَلَا يرد أَن قَوْله أَنْت حر قصد بِهِ إنْشَاء الْعتْق (وللفهم) أَي لفهم الْحَال من مثله أَلْبَتَّة عرفا (فللحال على الْقلب) أَي كن حرا وَأَنت مؤد، وَكن آمنا وَأَنت نَازل: أَي أَنْت حر فِي حَالَة الْأَدَاء، وآمن فِي حَالَة النُّزُول (لِأَن الشَّرْط الْأَدَاء وَالنُّزُول) لَا الْحُرِّيَّة والأمان، إِذْ الْمُتَكَلّم يتَمَكَّن من تَعْلِيق مَا يتَمَكَّن من تنجيزه وَهُوَ لَا يتَمَكَّن من تَنْجِيز الْأَدَاء وَالنُّزُول (وَقيل) للْحَال 0 على الأَصْل) لَا على الْقلب (فَيُفِيد ثُبُوت الْحُرِّيَّة مُقَارنًا لمضمون الْعَامِل وَهُوَ) أَي مضمونه (التأدية، وَبِه) أَي بِمَا ذكر من إِفَادَة ثُبُوتهَا مُقَارنًا لَهُ (يحصل الْمَقْصُود) من كَون التَّحْرِير مَشْرُوطًا بِالْأَدَاءِ فَانْدفع مَا قيل من لُزُوم الْحُرِّيَّة، والأمان قبل الْأَدَاء أَو النُّزُول، لِأَن الْحَال قيد، والقيد مقدم على الْمُقَيد (وَمُقَابِله) أَي مُقَابل تعذر الْعَطف وَهُوَ تعذر الْحَال، وَتعين الْعَطف قَول رب المَال للضارب (خُذْهُ) أَي هَذَا النَّقْد (واعمل فِي الْبَز) وَهُوَ الثِّيَاب. وَقَالَ مُحَمَّد: هُوَ فِي عرف الْكُوفَة ثِيَاب الْكَتَّان والقطن دون الصُّوف والخز (تعين الْعَطف للإنشائية) أَي لكَون كل من الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ جملَة إنشائية، وَالْأَصْل هُوَ الْعَطف، هَذَا مَا يفهم من كَلَام الشَّارِح، وَالْوَجْه أَن يُقَال مَعْنَاهُ: أَن قَوْله اعْمَلْ إنْشَاء، والإنشاء لَا يَقع حَالا (وَلِأَن الْأَخْذ لَيْسَ حَال الْعَمَل) أَي لَا يقارنه فِي الْوُجُود: إِذْ الْعَمَل بعده فَلَا يكون للْحَال، وَإِن نوى (فَلَا تتقيد الْمُضَاربَة) الْمَذْكُورَة (بِهِ) أَي الْعَمَل فِي الْبَز: بل تكون مَشْهُورَة (وَفِي أَنْت طَالِق وَأَنت مَرِيضَة أَو مصلية يحتملهما) أَي الْعَطف وَالْحَال (إِذْ لَا مَانع) فِي شَيْء مِنْهُمَا (وَلَا معِين) لوَاحِد بِخُصُوصِهِ (فتنجز) الطَّلَاق (قَضَاء) لِأَنَّهُ الظَّاهِر لأصالة الْعَطف، وَكَون حَالَة الْمَرَض وَالصَّلَاة مَظَنَّة الشَّفَقَة وَالْإِكْرَام لَا الْمُفَارقَة والإيلام، وَالْأَصْل فِي التَّصَرُّف التَّنْجِيز وَالتَّعْلِيق بِعَارِض الشَّرْط (وَتعلق) بِالْمرضِ وَالصَّلَاة (ديانَة أَن إراده) أَي التَّعْلِيق بهما لَا مَكَانَهُ، وَفِيه تَخْفيف عَلَيْهِ (وَاخْتلف فِيهَا) أَي الْوَاو (من طَلقنِي وَلَك ألف فعندهما) أَي الْإِمَامَيْنِ الْوَاو مستعارة (للْحَال) فَيجب لَهُ عَلَيْهَا الْألف إِذا طَلقهَا (للتعذر) أى لتعذر الْعَطف (بالانقطاع) لإنشائية الأولى وإخبارية الثَّانِيَة (وَفهم الْمُعَاوضَة) إِذْ مثلهَا فِي الْعرف يقْصد

مسئلة

بِهِ الْخلْع وَهُوَ مُعَاوضَة من جَانبهَا، وَلذَا صَحَّ رُجُوعهَا قبل إيقاعها، فَالْمَعْنى طَلقنِي فِي حَال يكون لَك عَليّ ألف عوضا من الطَّلَاق الْمُوجب لِسَلَامَةِ نَفسِي لي، فَإِذا قَالَ طلقت وَجب عَلَيْهَا الْألف (أَو مستعارة للإلصاق) الَّذِي هُوَ معنى الْبَاء بِدلَالَة الْمُعَاوضَة لِأَنَّهُ لَا يعْطف أحد الْعِوَضَيْنِ على الآخر، وَإِنَّمَا استعيرت لَهُ (للْجمع) أَي للتناسب بَينهمَا فِي الْجمع فَإِن كلا مِنْهُمَا يدل على الْجمع (وَعِنْده) الْوَاو (للْعَطْف) وَلَا يلْزم عطف الْأَخْبَار على الْإِنْشَاء لِأَن قَوْلهَا: لَك ألف إنْشَاء الِالْتِزَام (تَقْدِيمًا للْحَقِيقَة فَلَا شَيْء لَهُ) إِذا طَلقهَا (وصارف الْمُعَاوضَة غير لَازم فِيهِ) أَي فِي الطَّلَاق (بل عَارض) لندرة عرُوض الْتِزَام المَال فِي الطَّلَاق والبضع غير مُتَقَوّم حَالَة الْخُرُوج، والعارض لَا يُعَارض الْأَصْلِيّ (وَلذَا) أَي لعروضه (لزم) الطَّلَاق مُعَلّقا (فِي جَانِبه) أَي الزَّوْج فَصَارَ يَمِينا إِذا قَالَ طَلقتك على ألف: إِذْ لَو لم يكن عروضه وَكَانَ لَازِما لَكَانَ مُعَاوضَة وَالرُّجُوع فِي الْمُعَاوضَة بعد الْإِيجَاب قبل الْقبُول جَائِز، ثمَّ فرع على اللُّزُوم فَقَالَ (فَلَا يملك) الزَّوْج (الرُّجُوع قبل قبُولهَا) الْألف (بِخِلَاف الْإِجَارَة) أَي بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ مثل: طَلقنِي وَلَك ألف فِي عقد الْإِجَارَة وَهُوَ (احمله وَلَك دِرْهَم) لِأَن الْتِزَام المَال فِيهَا أُصَلِّي، لِأَن الْإِجَارَة بيع الْمَنَافِع بعوض فَتحمل الْوَاو بِدلَالَة صَارف الْمُعَاوضَة على الْبَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ احمله بدرهم (وَالْأَوْجه) فِي طَلقنِي وَلَك ألف (الِاسْتِئْنَاف) فِي قَوْلهَا وَلَك ألف على أَن يكون (عدَّة) مِنْهَا، والوعيد لَا يلْزم (أَو غَيره) أَي غير وعد بِأَن تُرِيدُ لَك ألف فِي بَيْتك يقدر على تَحْصِيل غَيْرِي وَنَحْو ذَلِك (للانقطاع) الْمُوجب ترك الْعَطف (فَلم يلْزم الْحَال) عِنْد عدم إِرَادَة الْعَطف (لجَوَاز) إِرَادَة معنى (مجازي آخر ترجح) لذَلِك الْمجَازِي على إِرَادَة الْحَال (بِالْأَصْلِ بَرَاءَة الذِّمَّة) عطف بَيَان للْأَصْل (وَعدم إِلْزَام المَال بِلَا معِين) لإلزامه: يَعْنِي أَن الأَصْل هُوَ الْبَرَاءَة وإلزام المَال الْمُوجب شغل الذِّمَّة خلاف الأَصْل لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيل بِعَيْنِه. مسئلة (الْفَاء للتَّرْتِيب بِلَا مُهْملَة فَدخلت فِي الأجزئة) لتعقبها الشُّرُوط بِلَا مهلة (فَبَانَت غير الملموسة) أَي غير الْمَدْخُول بهَا (بِوَاحِدَة فِي أَنْت طَالِق فطالق) لزوَال الْمَحَلِّيَّة لما بعد الْفَاء بِسَبَب وُقُوع مَا قبلهَا (و) دخلت فِي (المعلولات) لِأَنَّهَا تتعقب عليتها بِلَا تراخ (كجاء الشتَاء فتأهب) أَي هِيَ مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِيهِ مَحْمُولا (على التَّجَوُّز بجاء عَن قرب فَإِن قربه عِلّة التأهب لَهُ) يَعْنِي أَن قرينَة السِّيَاق وَالْمقَام دلّت على أَن الْفَاء دَاخِلَة على الْمَعْلُول وَالتَّأَهُّب لَيْسَ بمعلول

حَقِيقَة للشتاء بل قربه (وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) " لن يَجْزِي ولد وَالِده إِلَّا أَن يجد مَمْلُوكا " (فيشتريه فيعقته) رَوَاهُ مُسلم (لِأَن الْعتْق مَعْلُول معلوله) أَي الشِّرَاء إِذْ الشِّرَاء عِلّة للْملك، وَالْملك عِلّة لِلْعِتْقِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله أَي فيشتريه (فَيعتق بِسَبَب شِرَائِهِ) إِنَّمَا فسره بِهِ لِئَلَّا يحمل على ظَاهره: وَهُوَ أَنه بعد مَا يَشْتَرِيهِ يعتقهُ قصدا مثل مَا يعْتق غير الْقَرِيب فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يكون الْعتْق إِلَّا بِسَبَب الْإِعْتَاق لَا الشِّرَاء، وَقد علم بذلك أَن هَذَا الْمَعْلُول بالواسطة مُغَاير بِالذَّاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعلَّة (فَلَيْسَ) هَذَا الْمِثَال (من) قبيل (اتِّحَاد الْعلَّة والمعلول فِي الْوُجُود) كَمَا زعم الْبَعْض من أَن الشِّرَاء وَالْعِتْق شَيْء وَاحِد فِي الْخَارِج وَإِن تغايرا بِحَسب الْمَفْهُوم (وَلَا) من (نَحْو: سقَاهُ فأرواه) كَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة: إِذْ الإرواء يَتَرَتَّب على السَّقْي بِلَا وَاسِطَة، وَالْعِتْق إِنَّمَا يَتَرَتَّب على الشِّرَاء بِوَاسِطَة الْملك (فَلذَلِك) أَي لكَون الْفَاء لترتيب مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا (تضمن الْقبُول) للْبيع (قَوْله فَهُوَ حر) حَال كَونه (جَوَاب) من قَالَ (بعتكه بِأَلف) لِأَن تَرْتِيب الْحُرِّيَّة على هَذَا القَوْل لَا يتَصَوَّر إِلَّا بِقبُول البيع الْمُوجب للْملك الْمُصَحح للإعتاق فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: قبلت فَهُوَ حر (لَا هُوَ حر) أَي لَا يتَضَمَّن هُوَ حر الْقبُول بعد قَوْله بعتكه بِأَلف لعدم مَا يدل على مَا قبله (بل هُوَ رد للْإِيجَاب) وَهُوَ قَوْله بعتكه الخ وَمَعْنَاهُ كَيفَ تبيعه وَهُوَ حر (و) كَذَلِك (ضمن الْخياط) الثَّوْب إِذا (قَالَ لَهُ) مَالِكه (أيكفيني قَمِيصًا قَالَ) الْخياط (نعم قَالَ) مَالِكه (فاقطعه فَقَطعه فَلم يكفه) لِأَن الْفَاء دلّت على أَن الْأَمر بِالْقطعِ مُرَتّب على الْكِفَايَة مَشْرُوط بهَا لَا فِي اقطعه فَلم يكفه) أَي لَا يضمن الْخياط فِيمَا إِذا قَالَ صَاحب الثَّوْب اقطعه بدل فاقطعه والمسئلة بِحَالِهَا لعدم مَا يدل على كَون الْأَمر بِالْقطعِ مَشْرُوطًا بالكفاية (وَتدْخل) الْفَاء (الْعِلَل) حَال كَونهَا (خلاف الأَصْل) لعدم ترَتّب الْعلَّة على الْمَعْلُول وَتحقّق الْعَكْس دُخُولا (كثيرا لدوامها) أَي لكَون الْعِلَل مَوْجُودَة بعد وجود الْمَعْلُول مُدَّة مديدة (فَتَأَخر) الْعلَّة عَن الْمَعْلُول (فِي الْبَقَاء) فَبِهَذَا الِاعْتِبَار تدخل الْفَاء عَلَيْهَا (أَو بِاعْتِبَار أَنَّهَا) أَي الْعلَّة (معلولة فِي الْخَارِج) أَي فِي خَارج الذِّهْن (للمعلول) وَهَذَا إِذا كَانَ مَدْخُول الْفَاء عِلّة غائية لما قبلهَا، فَإِنَّهُ بِحَسب الْوُجُود الذهْنِي مقدم على الْمَعْلُول فَإِن تعقل الرِّبْح مقدم على تحقق التِّجَارَة فِي الْخَارِج وَتحقّق الرِّبْح مُؤخر عَن تحقق التِّجَارَة فِي الْخَارِج (وَمن الأول لَا الثَّانِي أبشر فقد أَتَاك الْغَوْث) قَالَ الشَّارِح أَي من دُخُولهَا على الْعلَّة الْمُتَأَخِّرَة فِي الْبَقَاء، لَا من دُخُولهَا على الْمَعْلُول فِي الْخَارِج، فَإِن الْغَوْث بَاقٍ بعد الإبشار كَذَا قَالُوا، وَفِيه تَأمل انْتهى. إِنَّمَا جعل هَذَا الْمِثَال مِمَّا دخلت على الْعلَّة نظرا إِلَى الظَّاهِر، إِذْ إتْيَان الْغَوْث عِلّة للبشارة لَا الْعَكْس. وَقد يُقَال أَن قَوْله أبشر عِلّة للإخبار بمضمون قد أَتَاك الْغَوْث، لِأَنَّهُ يدل إِجْمَالا على مُوجب السرُور، وَبِه يحصل قلق واضطراب لَا ينْدَفع

إِلَّا بِذكر المبشر بِهِ، فَالْمُرَاد بِالْأولِ دخلوها فِي المعلولات. وَبِالثَّانِي دُخُولهَا فِي الْعِلَل، لَا يُقَال قد دخلت فِيمَا هُوَ عِلّة فِي نفس الْأَمر، فَكيف يَنْفِي، لِأَن النَّفْي باعتبارات الْمُتَكَلّم لم يقْصد إدخالها عَلَيْهِ من حَيْثُ أَنه عِلّة، بل من حَيْثُ أَنه مَعْلُول من حَيْثُ الْإِخْبَار، لَكِن آخر الْكَلَام يمْنَع تَفْسِير الأول وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكر على مَا سَيظْهر، ثمَّ وَجه التَّأَمُّل فِي كَلَام الشَّارِح أَن إتْيَان الْغَوْث الَّذِي هُوَ عِلّة الْبشَارَة لَا بَقَاء لَهُ بعد الْبشَارَة (وَمِنْه) أَي وَمن الأول أَيْضا (أد) إِلَيّ ألفا (فَأَنت حر) فقد دخلت الْفَاء على الْعلَّة الْمُتَأَخِّرَة فِي الْبَقَاء إِذْ الْعتْق يَمْتَد. وَوجه علية الْحُرِّيَّة للْأَدَاء أَن صِحَة الْأَدَاء مَوْقُوفَة على الْحُرِّيَّة الْحَاصِلَة عِنْد قبُول العَبْد مَا علق الْمولى عتقه عَلَيْهِ إِذْ العَبْد لَا يقدر على الْأَدَاء فِي حَال مملوكيته إِذْ مَا فِي يَده ملك للْمولى فَلَا يصلح بَدَلا عَن نَفسه (_ و) مِنْهُ أَيْضا قَول الإِمَام للحربي (انْزِلْ فَأَنت آمن) فَإِن الْأمان يَمْتَد فَأشبه المتراخي عَن النُّزُول (وَتعذر الْقلب) بِأَن يكون بِمَعْنى أَنْت حر فأد وَأَنت آمن فَانْزِل لتَكون الْفَاء دَاخِلَة على الْمَعْلُول معنى (لِأَنَّهُ) أَي الْحمل على الْقلب (بِكَوْنِهِ) أَي مَا بعد الْفَاء (جَوَاب الْأَمر) لِأَنَّهُ إِذا كَانَ جَوَابه كَانَ بِمَنْزِلَة جَزَاء الشَّرْط فَإِن أنزل تصب خيرا فِي معنى أَن تنزل تصبه، وَفِي مثله قد يحصل على الْقلب فيراد إِن تصب خيرا تنزل لكَونه لَازِما للْأَصْل: إِذْ سَبَبِيَّة النُّزُول لإصابة الْخَيْر يلْزمه أَن من تقرر فِي حَقه إِصَابَة الْخَيْر ينزل فَتدبر (وَجَوَابه يخص الْمُضَارع) لِأَن الْأَمر إِنَّمَا يسْتَحق الْجَواب بِتَقْدِير إِن المختصة بِهِ: وَهِي إِذا كَانَت مقدرَة لَا تجْعَل الْمَاضِي وَالْجُمْلَة الاسمية بِمَعْنى الْمُسْتَقْبل، هَذَا غَايَة مَا تيَسّر من التَّوْجِيه، وَفِيه مَا فِيهِ، وَهَذَا كُله بِنَاء على مَا فسر بِهِ الشَّارِح الْقلب، وَالْحق أَن المُرَاد من الْقلب عكس قَوْله من الأول لَا الثَّانِي: أَي من الثَّانِي: وَهُوَ الدُّخُول على الْعلَّة بِاعْتِبَار أَنَّهَا معلولة فِي الْخَارِج لَا الأول: وَهُوَ الدُّخُول عَلَيْهَا بِاعْتِبَار تأخرها فِي الْبَقَاء، وَذَلِكَ لِأَن تعقل الْأَمْن عِلّة النُّزُول وَهُوَ مَعْلُول النُّزُول فِي الْخَارِج، لِأَن الْمَعْنى أَن تنزل تأمن فَيصير نُزُوله سَببا للأمن، وَلذَا علل تعذره بِأَن هَذَا مَبْنِيّ على كَون فَأَنت آمن جَوَاب الْأَمر، وَلَا يَصح لِأَنَّهُ يخص الْمُضَارع وَقد بَيناهُ (فَيعتق) فِي الْحَال أدّى أَو لم يؤد، لِأَن الْمَعْنى لِأَنَّك حر (و) كَذَا (يثبت الْأمان فِي الْحَال) نزل أَو لم ينزل، فَقَوله فِي الْحَال مُتَعَلق بالفعلين جَمِيعًا (وَمن الثَّانِي) أَي دُخُولهَا على الْعلَّة المعلولة فِي الْخَارِج مَا أخرج النَّسَائِيّ فِي الشُّهَدَاء عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (زملوهم الحَدِيث) أَي بدمائهم فَإِنَّهُ لَيْسَ كلم يكلم فِي سَبِيل الله إِلَّا يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يدمي، لَونه لون الدَّم وريحه ريح الْمسك، فَإِن الْإِتْيَان على هَذِه الْكَيْفِيَّة يَوْم الْقِيَامَة عِلّة تزميلهم فِي الذِّهْن، والتزميل: الْإخْفَاء واللف فِي الثَّوْب وَهُوَ معلوله فِي الْخَارِج (وَاخْتلفُوا فِي عطفها) أَي الْفَاء (الطلقات) حَال كَونهَا (معلقَة) على الشَّرْط فِي

مسئلة

غير الْمَدْخُول بهَا كَأَن دخلت فَأَنت طَالِق فطالق (قيل) هُوَ (كالواو) أَي على الْخلاف فَعنده تبين بِوَاحِدَة وَيسْقط مَا بعْدهَا لزوَال الْمَحَلِّيَّة بِالْأولَى، وَعِنْدَهُمَا يَقع الْكل جملَة على مَا ذكر (وَالأَصَح الِاتِّفَاق على الْوحدَة للتعقيب) الْمُفِيد وُقُوع الْمَعْطُوف بعد الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فَصَارَ كثم وَبعد (وتستعار الْفَاء لِمَعْنى الْوَاو فِي لَهُ عَليّ دِرْهَم فدرهم) إِذْ التَّرْتِيب فِي الْأَعْيَان لَا يتَصَوَّر، إِنَّمَا التَّرْتِيب فِي الْمعَانِي جَاءَ زيد فعمرو، وَقيل هَذَا من إِطْلَاق اسْم الْكل على الْجُزْء، لِأَن مَفْهُوم الْوَاو: وَهُوَ الْجمع الْمُطلق جُزْء مَفْهُوم الْفَاء: إِذْ هُوَ الْجمع مَعَ التَّرْتِيب، ثمَّ هَذِه الِاسْتِعَارَة مسموعة. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس (بسقط اللوى بَين الدُّخُول فحومل ...) فَإِنَّهُمَا اسمان لموضعين (يلْزمه اثْنَان) كَمَا فِي قَوْله لَهُ عَليّ دِرْهَم وَدِرْهَم، وَعَن الشَّافِعِي أَنه يلْزمه دِرْهَم وَاحِد بِجعْل قَوْله فدرهم جملَة مُبتَدأَة لتحَقّق الدِّرْهَم الأول، تَقْدِيره فَهُوَ دِرْهَم. مسئلة (ثمَّ لتراخي مدخولها عَمَّا قبله) حَال كَونهَا مدخولها (مُفردا، والاتفاق على وُقُوع الثَّلَاث على المدخولة فِي طَالِق ثمَّ طَالِق ثمَّ طَالِق فِي الْحَال بِلَا زمَان) متراخ بَينهمَا (لاستعارتها لِمَعْنى الْفَاء) إِذْ لَا فَائِدَة لاعْتِبَار التَّرَاخِي فِي المدخولة، لَا بِاعْتِبَار الحكم وَلَا بِاعْتِبَار التَّكَلُّم كَمَا لَا يحفى (وتنجيزه) أَي أبي حنيفَة (فِي غَيرهَا) أَي المدخولة (وَاحِدَة وإلغاء مَا بعْدهَا) أَي تِلْكَ الْوَاحِدَة (فِي طَالِق ثمَّ طَالِق ثمَّ طَالِق إِن دخلت و) قَوْله (فِي المدخولة تنجزا) أَي الْأَوَّلَانِ (وَتعلق الثَّالِث وَإِن تقدم الشَّرْط تعلق الأول وَوَقع مَا بعده فِي المدخولة وَفِي غَيرهَا) أَي المدخولة (تعلق الأول وتنجز الثَّانِي فَيَقَع الأول عِنْد الشَّرْط بعد التَّزَوُّج الثَّانِي) صفة التَّزَوُّج، قيد بِهِ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالثَّانِي الْمُنجز، وَذَلِكَ لِأَن زَوَال الْملك لَا يبطل الْيَمين وَهِي لم تنْحَل (ولغا الثَّالِث) لعدم الْمحل. وَقَوله تنجيزه مُبْتَدأ خَبره (لاعتباره) أَي أبي حنيفَة التَّرَاخِي الْمَدْلُول عَلَيْهِ بثم (فِي (التَّكَلُّم فَكَأَنَّهُ سكت بَين الأول وَمَا يَلِيهِ) إِنَّمَا قَالَ كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ لم يَقع مِنْهُ سكُوت بَينهمَا غير أَنه أَفَادَ بثم أَن مَا بعْدهَا متراخ عَمَّا قبلهَا، وَحمل ذَلِك على التَّرَاخِي بِاعْتِبَار التَّكَلُّم: يَعْنِي أَن التَّكَلُّم بِالثَّانِي متراخ عَن التَّكَلُّم بِالْأولِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ سكت بَينهمَا (وَحَقِيقَة) أَي السُّكُوت (قَاطِعَة لِلْعِتْقِ) بِالشّرطِ فَكَذَا مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ (كَمَا لَو قَالَ لَهَا) أَي لغير المدخولة (بِلَا أَدَاة إِن دخلت فَأَنت طَالِق طَالِق طَالِق: ذكره الطَّحَاوِيّ) ووجهة أَن الأول تعلق بِالشّرطِ، وَالثَّانِي وَقع مُنجزا، تَقْدِيره أَنْت طَالِق ولغا الثَّالِث لإبانتها إِلَى عدَّة، فالتشبيه بِاعْتِبَار الحكم لَا الْوَجْه (وعلقاها) أَي الإمامان الثَّلَاث بِالشّرطِ (فيهمَا) أَي فِي تقدم الشَّرْط وتأخره (فَيَقَع

عِنْد) وجود (الشَّرْط فِي غَيرهَا) أَي غير المدخولة (وَاحِدَة) وَهِي الأولى (للتَّرْتِيب) عِنْد الْوُقُوع على طبق التَّرْتِيب عِنْد التَّعْلِيق، وَيَلْغُو الْبَاقِي لانْتِفَاء الْمَحَلِّيَّة بالبينونة بِالْأولِ إِلَى عدَّة (وفيهَا) أَي المدخولة يَقع (الْكل مُرَتبا لِأَن التَّرَاخِي) الْمَدْلُول عَلَيْهِ بثم (فِي ثُبُوت حكم مَا قبلهَا) أَي ثمَّ (لما بعْدهَا) كَمَا تَقْتَضِيه اللُّغَة فَإِنَّهُ لَا يفهم من جَاءَ زيد ثمَّ عَمْرو إِلَّا تراخي عَمْرو عَن زيد فِي ثُبُوت حكم الْمَجِيء بِثُبُوتِهِ لعَمْرو وَبعد زمَان، وَأما كَون التَّكَلُّم بِعَمْرو بعد التَّكَلُّم بزيد فَلَيْسَ مِمَّا يقْصد مِنْهُ لُغَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا فِي التَّكَلُّم، واعتباره) أَي أبي حنيفَة التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق و (سكت) ثمَّ قَالَ وَأَنت طَالِق اعْتِبَار (بِلَا مُوجب، وَمَا خيل دَلِيلا) على اعْتِبَار التَّرَاخِي فِيهِ (من) لُزُوم (ثُبُوت تراخي حكم الإنشاءات عَنْهَا) أَي عَن الإنشاءات على تَقْدِير اعْتِبَاره فِي الحكم من غير اعْتِبَاره فِي التَّكَلُّم (وَهِي) أَي الْأَحْكَام (لَا تتأخر) عَن الإنشاءات، فِي التَّوْضِيح إِنَّمَا جعل رَاجعا إِلَى التَّكَلُّم، لِأَن التَّرَاخِي فِي الحكم مَعَ عَدمه فِي التَّكَلُّم يمْنَع فِي الإنشاءات لِأَن الْأَحْكَام لَا تتراخى عِنْد التَّكَلُّم فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ الحكم متراخيا كَانَ التَّكَلُّم متراخيا تَقْديرا كَمَا فِي التَّعْلِيق فَإِن قَوْله إِن دخلت فَأَنت طَالِق يصير كَأَنَّهُ قَالَ عِنْد الدُّخُول أَنْت طَالِق، وَلَيْسَ هَذَا القَوْل فِي الْحَال تطليقا: أَي تكلما بِالطَّلَاق: بل يصير تطليقا عِنْد الشَّرْط (فَلَزِمَ الحكم على اللُّغَة بِهَذَا الِاعْتِبَار) أَي اعْتِبَار التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم، تَفْرِيع على مَا علم ضمنا كَأَنَّهُ قَالَ إِن لم تعْتَبر هَكَذَا ثَبت تراخي الْأَحْكَام عَن الإنشاءات وَهِي لَا تتأخر فَلَزِمَ علينا أَن نحكم على لَفْظَة ثمَّ بِأَنَّهُ قد يُرَاد بِهِ لُغَة التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم، وَفِيه إِشْعَار بالاعتراض، وَهِي أَن اللُّغَة تحكم وَلَا يحكم عَلَيْهَا (مَمْنُوع الْمُلَازمَة) خبر الْمَوْصُول، وَذَلِكَ لِأَن توهم لُزُوم التَّرَاخِي الحكم، وَهُوَ وُقُوع الطَّلَاق عَن الْإِنْشَاء، وَهُوَ تَنْجِيز الطَّلَاق اللَّازِم للتعليق إِنَّمَا هُوَ عِنْد وجود الشَّرْط: إِذْ الطَّلَاق الْمُعَلق عِنْد تحقق الْمُعَلق بِهِ يصير مُنجزا فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْد دُخُول الدَّار: أَنْت طَالِق ثمَّ طَالِق ثمَّ طَالِق. وَأَنت خَبِير بِأَن تراخيه إِنَّمَا يلْزم لَو اعْتبر وجود مَا عطف بثم مُتَّصِلا بِوُجُود الشَّرْط، وَأما إِذا اعْتبر متراخيا فَلَا تراخي لحكمه عَنهُ فَإِن قلت كَيفَ يعْتَبر الْجَزَاء متراخيا عَن الشَّرْط قُلْنَا لكَونه علق على هَذَا الْوَجْه، وَقد استبان بِهَذَا أَن تَقْرِير السُّكُوت فِي زمَان التَّعْلِيق بِحَيْثُ يمْنَع عِنْد كَون مَجْمُوع المتعاطفات مُعَلّقا بِالشّرطِ فِي صُورَتي تَقْدِيم الشَّرْط وتأخيره مَعَ أَنه لَا يتَصَوَّر هُنَاكَ تَرْتِيب الحكم مَا لَا يظْهر لَهُ وَجه فَتدبر (وَلَو اكْتفى) أَبُو حنيفَة فِي اعْتِبَار التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم (بِاعْتِبَارِهِ) أَي التَّرَاخِي الْمَذْكُور (شرعا) أَي من حَيْثُ الشَّرْع لَا من حَيْثُ اللُّغَة (فَفِي محلّة تراخي حكمه) أَي فَلَا يعْتَبر حِينَئِذٍ إِلَّا فِي مَحل تراخي حكم الْإِنْشَاء (وَهُوَ) أَي مَحل تراخيه إِنَّمَا يتَحَقَّق

مسئلة

(فِي الْإِضَافَة) كَمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق غَدا (وَالتَّعْلِيق) كَمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار (دون عطفه) بعض أَجزَاء الْإِنْشَاء (بثم) على الْبَعْض (لِأَنَّهُ) أَي الْعَطف (النزاع) أَي مَحل النزاع، أَو المنازع فِيهِ (على أَنا نمنعه) أَي تراخي الحكم (فيهمَا) أَي الْإِضَافَة وَالتَّعْلِيق (أَيْضا بِمَعْنى اعْتِبَار السُّكُوت، وَمَا قيل) قَالَه غير وَاحِد (هِيَ) أَي ثمَّ (للتراخي فَوَجَبَ كَمَاله) لانصراف الْمُطلق إِلَى الْكَامِل (وَهُوَ) أَي كَمَاله (بِاعْتِبَارِهِ) أَي التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم وَالْحكم (مَمْنُوع) الْمُقدمَة (الثَّانِيَة) أَي كَمَاله بِاعْتِبَارِهِ (إِذْ الْمَفْهُوم) من التَّرَاخِي بثم (لَيْسَ غير حكم اللَّفْظ) أَي التَّرَاخِي بِاعْتِبَار حكم اللَّفْظ (فِي الْإِنْشَاء وَمَعْنَاهُ) أَي وتراخي معنى اللَّفْظ (فِي الْخَبَر، وَهَذَا) الْجَواب (يصلح) جَوَابا (عَن الأول أَيْضا) وَهُوَ مَا ظن دَلِيلا (وَكَذَا) ثمَّ للتراخي (فِي الْجمل) أَيْضا (وموهم خِلَافه) أَي خلاف كَونهَا للتراخي فِيهَا من نَحْو قَوْله تَعَالَى - {وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن وَعمل صَالحا ثمَّ اهْتَدَى}: إِذْ الاهتداء لَيْسَ بمتراخ عَن الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح، وَقَوله تَعَالَى - {فَلَا اقتحم الْعقبَة} - إِلَى قَوْله {ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا} إِذْ كَونه من الْمُؤمنِينَ الخ لَيْسَ بمتراخ عَمَّا ذكر قبله، إِذْ هُوَ أصل كل طَاعَة (تؤول بترتب الِاسْتِمْرَار) أَي ثمَّ اسْتمرّ على الْهدى، ثمَّ اسْتمرّ على الْإِيمَان كَمَا قيل: (لكل إِلَى نيل العلى حركات ... وَلَكِن عَزِيز فِي الرِّجَال ثبات) وَيجوز أَن يكون فِي نَحْوهمَا مستعار للتفاوت فِي الْمرتبَة والمنزلة، فَإِن للاهتداء الْكَامِل مرتبَة بعيدَة عَن حُدُوث أصل الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح، وَأما مرتبَة الْإِيمَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذكر قبله فَلَا تحْتَاج إِلَى الْبَيَان. مسئلة (تستعار) ثمَّ (لِمَعْنى الْوَاو) إِذْ كل مِنْهُمَا للْجمع بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ غير أَن الْجمع غير مَفْهُوم أَحدهمَا ولازم مَفْهُوم الآخر، وَذَلِكَ نَحْو قَوْله تَعَالَى - {وَإِمَّا نرينك بعض الَّذِي نعدهم أَو نتوفينك فإلينا مرجعهم (ثمَّ الله شَهِيد} على مَا يَفْعَلُونَ} - أَي وَالله شَهِيد: إِذْ لَا يُمكن حملهَا على الْحَقِيقَة: إِذْ لَا يتَصَوَّر تراخي مَضْمُون الله شَهِيد عَمَّا قبله (إِن لم يكن) قَوْله تَعَالَى شَهِيد (مجَازًا عَن معاقب) على مَا يَفْعَلُونَ، إِذْ الْعقَاب لَازم لشهادته، وَإِلَيْهِ ينْتَقل الذِّهْن (فِي مقَام التهديد فَفِي) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا (فليأت بِالَّذِي هُوَ خير ثمَّ ليكفر) عَن يَمِينه كلمة " ثمَّ (حَقِيقَة) لِأَن التَّكْفِير متراخ عَن الْإِتْيَان بِمَا يُوجب الْكَفَّارَة (ومجاز عَن الْجمع) الَّذِي هُوَ معنى الْوَاو (فِي فليكفر ثمَّ ليأت) على مَا ورد فِي بعض الرِّوَايَات،

مسئلة

وَقد يعْطف بِالْوَاو مَا هُوَ مقدم فِي الْوُجُود على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مجَازًا عَن الْجمع، وَكَانَ مَحْمُولا على الْحَقِيقَة (كَانَ الْأَمر) بالتكفير على وَجه التَّقْدِيم على الْإِتْيَان بِمَا يُوجِبهُ (للْإِبَاحَة) إِذْ لَا قَائِل بِوُجُوب التَّكْفِير قبل الْحِنْث (و) كَانَ (الْمُطلق) أَي مُطلق التَّكْفِير المفاد بقوله فليكفر (للمقيد) أَي مَا سوى الصَّوْم: أَي التَّكْفِير بِمَا سوى الصَّوْم من الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة والتحرير (فَيتَحَقَّق مجازان) كَون الْأَمر للْإِبَاحَة وَالْمُطلق للمقيد من غير ضَرُورَة (وعَلى قَوْلنَا) مجَاز (وَاحِد) هُوَ كَون ثمَّ بِمَعْنى الْوَاو ضَرُورَة الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ. مسئلة (بل قيل) مَعْطُوف (مُفْرد للإضراب فَبعد الْأَمر كاضرب زيدا بل بكرا، وَالْإِثْبَات) مَعْطُوف على الْأَمر، والتقابل بِاعْتِبَار أَن الْإِثْبَات إِخْبَار نَحْو (قَامَ زيد بل بكر لإثباته) أَي مَا قبله من الْأَمر وَالْإِثْبَات (لما بعْدهَا) وَالْمرَاد بالإثبات الثَّانِي أَن يَجْعَل الْمَعْطُوف بهَا كالمعطوف عَلَيْهِ فِي كَونه مُتَعَلق الْأَمر أَو الْإِثْبَات، وَيثبت لَهُ ذَلِك النَّوْع من النِّسْبَة فبكر مَطْلُوب الضَّرْب فِي الأول مُسْند إِلَيْهِ الْقيام فِي الثَّانِي (وَجعل الأول) وَهُوَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ: أَي ولجعل الأول (كالمسكوت فَهُوَ) أَي الأول (على الِاحْتِمَال) بَين أَن يكون مَطْلُوب الضَّرْب أَو غير مَطْلُوبه فِي الْمِثَال الأول، وَبَين أَن يكون مَوْصُوفا بِالْقيامِ أَو غير مَوْصُوف بِهِ فِي الْمِثَال الثَّانِي، وَهَذَا إِذا لم يذكر مَعَ لَا (وَمَعَ لَا) نَحْو: جَاءَنِي زيد لَا بل عَمْرو (ينص) أَي ينص حَال كَونه مَعَ لَا (على نَفْيه) الْإِضَافَة لأدني مُلَابسَة: إِذْ الأول لَيْسَ بمنفي بل نفى عَنهُ تِلْكَ النِّسْبَة الَّتِي فهم حُصُولهَا لَهَا قبل ذكر بل مَعَ لَا، هَذَا إِذا كَانَ ضمير نَفْيه للمعطوف عَلَيْهِ، وَأما إِذا كَانَ لما قبله فالإضافة ظَاهِرَة (وَهُوَ) أَي بل بِغَيْر لَا أَو الإضراب (فِي كَلَام غَيره تَعَالَى تدارك)، ثمَّ فسر كَونه تداركا بقوله (أَي كَون الْأَخْبَار الأول أولى مِنْهُ) الْأَخْبَار (الثَّانِي فَيعرض عَنهُ) أَي عَن الأول (إِلَيْهِ) أَي إِلَى الثَّانِي (لَا إِبْطَاله) أَي لَا أَنه إبِْطَال الأول وَإِثْبَات الثَّانِي (كَمَا قيل، وَبعد النَّهْي) كلا تضرب زيدا بل عمروا (وَالنَّفْي) كَمَا قَامَ زيد بل عَمْرو (لإِثْبَات ضِدّه) أَي ضد مَا قبله من النَّهْي لما بعْدهَا (وَتَقْرِير الأول) لَا لجمعه كالمسكوت عَنهُ، فَفِي الأول قررت النَّهْي عَن ضرب زيد، وَأثبت الْأَمر بِضَرْب عَمْرو، وَفِي الثَّانِي قررت نفي الْقيام عَن زيد وأثبته لعَمْرو (و) قَالَ (عبد القاهر) الْجِرْجَانِيّ وَبَعض النُّحَاة بل كَذَلِك لَكِن (يحْتَمل نقل النَّهْي وَالنَّفْي) عَن الأول (إِلَيْهِ) أَي إِلَى الثَّانِي. قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ مُخَالف لاستعمال الْعَرَب

(فَقَوْل زفر يلْزمه ثَلَاثَة فِي لَهُ عَليّ دِرْهَم بل دِرْهَمَانِ لَا يتَوَقَّف على إِفَادَة إبِْطَال الأول وَإِن قيل بِهِ) أَي بإبطاله أَو بتوقفه يَعْنِي زعم بَعضهم أَن قَول زفر مَوْقُوف على كَون بل إبطالا للْأولِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَت كَذَلِك فَفِي الاعترافات والإنشاءات يلْزم على الْمُتَكَلّم حكم مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا لعَجزه عَن إبِْطَال مَا صدر عَنهُ وَجرى على لِسَانه، وَإِن قيل بِهِ: يَعْنِي بعض النُّحَاة قَالُوا بِأَنَّهُ لإبطال الأول لَكِن زفر لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك القَوْل (بل يَكْفِي) فِي قَوْله بِلُزُوم الثَّلَاثَة (كَونه) أَي الْمقر أعرض عَن الْإِقْرَار بدرهم حَال كَونه (كالساكت عَنهُ) أَي عَن الْإِقْرَار بِهِ (بعد إِقْرَاره فِي رده) أَي فِي الإضراب عَنهُ إِلَى الْإِقْرَار بِدِرْهَمَيْنِ مُتَعَلق بِكَوْنِهِ أعرض (كالإنشاء) يَعْنِي أَن الِاعْتِرَاف الْمَذْكُور كالإنشاء إِذا عطف فِيهِ ببل فِي وُقُوع مَا بعْدهَا مَعَ مَا قبلهَا وَعدم توقفه على إفادتها إبِْطَال الأول وكفاية كَونه أعرض إِلَى آخِره نَحْو قَوْله للمدخول بهَا أَنْت (طَالِق وَاحِدَة بل ثِنْتَيْنِ يَقع ثَلَاث وَفِي غير المدخولة) تقع (وَاحِدَة لفَوَات الْمحل) بالبينونة بِتِلْكَ الْوَاحِدَة وَهَذَا الَّذِي ذكر فِي غير المدخولة من وُقُوع وَاحِدَة لَا غير لفَوَات الْمحل (بِخِلَاف تَعْلِيقه كَذَلِك فِي غير المدخولة (بقوله إِن دخلت فطالق وَاحِدَة، بل ثِنْتَيْنِ يَقع عِنْد) وجود (الشَّرْط ثَلَاث لِأَنَّهُ) أَي الإضراب ببل (كتقدير شَرط آخر) فَكَأَنَّهُ قَالَ إِن دخلت فطالق وَاحِدَة إِن دخلت فَأَنت طَالِق ثِنْتَيْنِ، وَقد عرفت أَن فِي هَذَا يَقع الثَّلَاث، فَكَذَا فِيمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَذَلِكَ لِأَن وُقُوع الْوَاحِدَة فَقَط فِي صُورَة التَّنْجِيز إِنَّمَا كَانَ لفَوَات الْمحل وَلَا فَوَات هَهُنَا (إِلَّا حَقِيقَته) أَي تَقْدِير شَرط آخر كَمَا زعم صدر الشَّرِيعَة (إِذْ لَا مُوجب) لاعتبارها (وتحميل فَخر الْإِسْلَام ذَلِك) أَي تحميل من جعله اعْتِبَار حَقِيقَة تَقْدِير شَرط آخر بِأَن عزاهُ إِلَيْهِ لقَوْله لما كَانَ بل لإبطال الأول وَإِقَامَة الثَّانِي مقَامه كَانَ من قَضيته اتِّصَاله بذلك الشَّرْط بِلَا وَاسِطَة لَكِن بِشَرْط اتِّصَال الأول، وَلَيْسَ فِي وَسعه إبِْطَال الأول، وَلَكِن فِي وَسعه إِفْرَاد الثَّانِي بِالشّرطِ ليتصل بِهِ بِغَيْر وَاسِطَة، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا بل أَنْت طَالِق ثِنْتَيْنِ إِن دخلت فَيصير كالحلف بيمينين انْتهى (غير لَازم) يَعْنِي أَنه تحميل فِي معرض السُّقُوط إِذْ لَا يلْزم من كَلَامه الْمَذْكُور اعْتِبَار حَقِيقَة شَرط آخر، كَمَا يظْهر من تَعْلِيله تَأمل (بل) قَول فَخر الاسلام (تَشْبِيه للعجز عَن إبِْطَال) الطَّلَاق (الأول فَلَا يتوسط) تَفْرِيع عَن الْإِبْطَال: يَعْنِي لَو لم يعجز عَن إبِْطَال الأول الَّذِي هُوَ مُتَّصِل بِالشّرطِ لأبطله، وَلَو أبْطلهُ لَا يتَّصل مَا بعد بل بِالشّرطِ، وَلم يَقع إِلَّا هُوَ لفرض بطلَان الأول لما عجز عَن إِبْطَاله، واتصل الأول بِالشّرطِ، ثمَّ بِهِ تَعْلِيق، ثمَّ إِنَّه لَا يلغي مَا بعد بل، وَمن الْمَعْلُوم أَنه لَيْسَ بتنجيز فَتعين إِرَادَة تَعْلِيق آخر من حَيْثُ الْمَعْنى، لَا من حَيْثُ اللَّفْظ بِأَن يقدر شَرط آخر غير أَن صَنِيعه يشبه تَقْدِير شَرط آخر، فَصَارَ التَّشْبِيه محمل قَوْله لَا التَّقْدِير (بِخِلَافِهِ) أَي الْعَطف

مسئلة

(بِالْوَاو عِنْده) أَي أبي حنيفَة كَأَن دخلت فطالق وَاحِدَة وثنتين، وَهِي غير مدخولة تبين بالواحدة، لِأَن الْوَاو للْعَطْف على سَبِيل الْمُشَاركَة، فيتصل الْمَعْطُوف بِالشّرطِ، لَكِن بِوَاسِطَة الأول مُتَقَدما فجَاء التَّرْتِيب وَلزِمَ فَوَات الْمَحَلِّيَّة بِتِلْكَ الْوَاسِطَة (وَقُلْنَا) فِي جَوَاب زفر الإضراب الَّذِي معنى بل يحصل بِالْإِعْرَاضِ عَن الدِّرْهَم الْوَاحِد (إِلَى دِرْهَمَيْنِ) حاصلين (بِإِضَافَة) دِرْهَم (آخر إِلَيْهِ) أَي إِلَى الدِّرْهَم المقربة أَولا، وَلَا يلْزم اعْتِبَار دِرْهَمَيْنِ يغاير كل مِنْهُمَا (فَلم يبطل الْإِقْرَار) بِالْأولِ ليقال لَيْسَ فِي وَسعه إِبْطَاله (وَلم يلْزمه ثلَاثه، وَأما) إِذا كَانَ بل (قبل الْجُمْلَة فالإضراب عَمَّا قبله) أَي بل (بإبطاله) أَي مَا قبله لَا لجعله كالمسكوت على الِاحْتِمَال على مَا فِي الْمُفْرد، كَقَوْلِه تَعَالَى وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ (بل عباد مكرمون: أَي بل هم) عباد مكرمون، إضراب عَن اتِّخَاذ الْوَلَد وَإِبْطَال لَهُ وَإِثْبَات لكَوْنهم أَي الَّذين زَعَمُوا الاتخاذ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم عباد مكرمون، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى - {أم يَقُولُونَ بِهِ جنَّة بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ} إضراب عَن الْجُنُون وَإِثْبَات للرسالة لما كَانَ مَا قبل بل فِي هذَيْن المثالين كَلَام من يَصح إبِْطَال كَلَامه أَفَادَ أَنه إِذا كَانَ كَلَام من لَا يُمكن إبِْطَال كَلَامه كَيفَ يَصح وُقُوع بل فِيهِ بقوله (أما فِي كَلَامه تَعَالَى فللإفاضة) والإفادة (فِي غَرَض آخر) أَي فِي بَيَان فَائِدَة أُخْرَى من غير إبِْطَال لما قبله فتجرد حِينَئِذٍ عَن الْإِبْطَال نَحْو قَوْله تَعَالَى - {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا} - وَقَوله تَعَالَى - {ولدينا كتاب ينْطَلق بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ (بل قُلُوبهم فِي غمرة} من هَذَا} - (وادعاء حصر الْقُرْآن عَلَيْهِ) أَي على أَنَّهَا للانتقال من غَرَض إِلَى آخر كَمَا زَعمه ابْن مَالك (منع بِالْأولِ) أَي بقوله بل عباد مكرمون، بل بقوله عباد مكرمون، بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَقَوله (لَا عاطفة) عطف على قَوْله للإضراب أَي بل قبل الْجُمْلَة سَوَاء كَانَت للإضراب أَو للانتقال حرف ابْتِدَاء على مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَنَصّ ابْن هِشَام على أَنه الصَّحِيح، وَظَاهر كَلَام ابْن مَالك، وَصرح بِهِ بَعضهم بِأَنَّهَا عاطفة للجملة الَّتِي بعْدهَا على مَا قبلهَا. مسئلة (لَكِن للاستدراك) حَال كَونهَا (خَفِيفَة) من الثَّقِيلَة وعاطفة كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِي الإتقان لَكِن مُخَفّفَة ضَرْبَان: أَحدهمَا مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، وَهِي حَرْب ابْتِدَاء لَا يعْمل، بل لمُجَرّد الِاسْتِدْرَاك، وَلَيْسَت عاطفة، وَالثَّانِي عاطفة إِذا تَلَاهَا مُفْرد، وَهِي أَيْضا للاستدراك فَحق الْعبارَة أَن يُقَال إِمَّا مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة أَو عاطفة (وثقيلة، وَفسّر) الِاسْتِدْرَاك (بمخالفة حكم مَا بعْدهَا لما قبلهَا) أَي لحكمه (فَقَط) حَال كَونه (ضدا) لما قبلهَا، نَحْو مَا زيد

أَبيض لَكِن أسود (أَو نقيضا) نَحْو مَا زيد سَاكِنا لَكِن متحركا (وَاخْتلف فِي الْخلاف) نَحْو (مَا زيد قَائِم) على لُغَة تَمِيم (لَكِن شَارِب، وَقيل) الِاسْتِدْرَاك مَا ذكر (بِقَيْد رفع توهم تحَققه) صفة توهم أَي توهم تثبته مَا قبل لَكِن، فِي التَّلْوِيح وَفَسرهُ الْمُحَقِّقُونَ بِرَفْع التَّوَهُّم النَّاشِئ من الْكَلَام السَّابِق، مثل مَا جَاءَنِي زيد لَكِن عمر إِذا تفهم الْمُخَاطب عدم مَجِيء عَمْرو أَيْضا بِنَاء على مُخَالطَة وملابسة بَينهَا (كليس بِشُجَاعٍ لَكِن كريم) لِأَن الشجَاعَة وَالْكَرم لَا يفترقان غَالِبا، فنفي أَحدهمَا يَوْم انْتِفَاء الآخر (وَمَا قَامَ زيد لَكِن بكر للمتلابسين، وَإِذا ولى الْخَفِيفَة جملَة) بِالرَّفْع على أَنه فَاعل ولى (فحرف ابْتِدَاء واختلفتا) أَي الجملتان مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا (كيفا وَلَو) كَانَ اخْتِلَافهمَا كيفا (معنى كسافر زيد لَكِن عَمْرو حَاضر، أَو) وَليهَا (مُفْرد فعاطفة، وَشَرطه) أَي شَرط عطفها (تقدم نفي) نَحْو مَا قَامَ زيد لَكِن عَمْرو (أَو نهي) نَحْو لَا يقم زيد لَكِن عَمْرو (وَلَو ثَبت) مَا قبلهَا فَلم يكن نفيا وَلَا نهيا (كمل مَا بعْدهَا) بِذكر مَا يتم بِهِ نسبته (كقام زيد لَكِن عَمْرو لم يقم وَلَا شكّ فِي تأكيدها) أَي تَأْكِيد لَكِن لمضمون مَا قبلهَا (فِي نَحْو لَو جَاءَ أكرمته لكنه لم يَجِيء) لدلَالَة لَو على انْتِفَاء الثَّانِي لانْتِفَاء الأول (وَلم يخصوا) أَي الأصوليون (الْمثل) أَي كلمة لَكِن فِي الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة 0 بالعاطفة إِذْ لَا فرق) بَين العاطفة وَغَيرهَا فِي الْمَعْنى الَّذِي هُوَ الِاسْتِدْرَاك، فَلَا يعْتَرض التَّمْثِيل بِغَيْر العاطفة (وفرقهم) أَي جمَاعَة من مَشَايِخنَا (بَينهَا) أَي بَين لَكِن (وَبَين بل بِأَن بل توجب نفي الأول وَإِثْبَات الثَّانِي بِخِلَاف لَكِن) فَإِنَّهَا توجب إِثْبَات الثَّانِي، فَأَما نفي الأول فَإِنَّمَا يثبت بدليله، وَهُوَ النَّفْي الْمَوْجُود فِي صدر الْكَلَام (مَبْنِيّ على أَنه) أَي إِيجَابهَا نفي الأول وَإِثْبَات الثَّانِي هُوَ (الإضراب) كَمَا هُوَ قَول بَعضهم (لَا جعله) أَي لَا على أَن الإضراب جعل الأول (كالمسكوت) كَمَا هُوَ قَول الْمُحَقِّقين (وعَلى) قَول (الْمُحَقِّقين يفرق) بَينهمَا (بإفادتها) أَي بل (معنى السُّكُوت عَنهُ) أَي الأول (بِخِلَاف لَكِن) وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّارِح بِأَن لَكِن أَيْضا تفِيد معنى السُّكُوت عَن الأول، بل الْفرق أَن بل للإضراب عَن الأول مُطلقًا نفيا كَانَ أَو إِثْبَاتًا، فَلَا يشْتَرط اخْتِلَافهمَا بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب بِخِلَاف لَكِن، فَإِنَّهُ يشْتَرط فِي عطف المفردين بهَا كَون الأول منفيا وَالثَّانِي مثبتا، وَفِي عطف الجملتين اخْتِلَافهمَا فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا الْفرق إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار الشَّرْط لَا بِاعْتِبَار نفس الْمَعْنى، وَمَا ذكره المُصَنّف إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار أصل الْمَعْنى، وَلَو كَانَ لَكِن أَيْضا يُفِيد معنى السُّكُوت عَن الأول لما كَانَ لتصريح الْمُحَقِّقين بِهَذَا الْمَعْنى فِي تَعْرِيف بل دون لَكِن كَمَا سَمِعت وَجه، وَكَأَنَّهُ زعم أَن وجود الْفرق الَّذِي ذَكرُوهُ يَنْفِي الْفرق الَّذِي ذكره المُصَنّف (و) قد (علمت) فِيمَا سبق (عدم اخْتِلَاف الْفُرُوع)

الَّتِي هِيَ اختلافها فِي مسئلة بل على إِبْطَالهَا الأول كلزوم ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي لَهُ دِرْهَم، بل دِرْهَمَانِ عِنْد زفر ودرهمين عندنَا علمت (على هَذَا التَّقْدِير) أَي تَقْدِير جعل الأول كالمسكوت (وَقَول الْمقر لَهُ بِعَين) مُتَعَلق بِالْإِقْرَارِ بِأَن يَقُول من هُوَ بِيَدِهِ هَذَا لفُلَان فَيَقُول فلَان (مَا كَانَ) لي ذَلِك الْعين (قطّ لَكِن) كَانَ (لفُلَان) حَال كَون قَوْله لَكِن لفُلَان (مَوْصُولا) بقوله مَا كَانَ لي قطّ خبر الْمُبْتَدَأ (يحْتَمل رد الْإِقْرَار) الْمَذْكُور (فَلَا يثبت) الْعين (لَهُ) أَي للْمقر إِذْ الْإِقْرَار يرْتَد برد الْمقر لَهُ فَيصير كَالْعدمِ (و) يحْتَمل (التَّحْوِيل) ثمَّ فسر التَّحْوِيل بقوله (قبُوله) أَي قبُول كَون الْعين لَهُ (ثمَّ الْإِقْرَار بِهِ) أَي بِالْعينِ لفُلَان فَلَا رد حِينَئِذٍ للإقرار، فَالْمُرَاد تَحْويل الْعين من ملكه إِلَى ملك فلَان (فَاعْتبر) هَذَا الِاحْتِمَال (صونا) لإِقْرَاره عَن الإلغاء (وَالنَّفْي) وَهُوَ قَوْله مَا كَانَ لي رد حِينَئِذٍ (مجَاز: أَي لم يسْتَمر) ملك هَذَا لي (فانتقل إِلَيْهِ) أَي إِلَى فلَان (أَو) النَّفْي الْمَذْكُور (حَقِيقَة: أَي اشْتهر) كَونه (لي وَهُوَ) فِي الْحَقِيقَة (لَهُ فَهُوَ) أَي قَوْله لَكِن لفُلَان (تَغْيِير للظَّاهِر) أَي قيد فِي الْكَلَام صَارف لَهُ عَن ظَاهره الَّذِي هُوَ الرَّد، فَكَأَنَّهُ قَالَ إقرارك صَادِق نظرا إِلَى ظَاهر الْحَال بِحَسب مَا اشْتهر بَين النَّاس، لَكِن فِي الْحَقِيقَة هُوَ ملك فلَان فَلَيْسَ برد للإقرار، وَإِذا لم يرد لزم بِمُوجب اعْتِرَاف الْمقر تَفْوِيض التَّصَرُّف فِي ذَلِك الْعين إِلَى الْمقر لَهُ فَلَا مُنَازع لَهُ فِيهِ، فَيصح إِقْرَاره لفُلَان، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فصح) قَوْله لَكِن لفُلَان قيد مغير لأوّل الْكَلَام لكَونه (مَوْصُولا) إِذْ شَرط المغير لأوّل الْكَلَام اتِّصَاله بِهِ، وَهُوَ مَوْجُود (فَيثبت النَّفْي) الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله مَا كَانَ لي قطّ (مَعَ الْإِثْبَات) يَعْنِي إِثْبَات كَون الْمعِين لفُلَان بالتأويل الْمَذْكُور لعدم حمل صدر الْكَلَام على ظَاهره وَهُوَ الرَّد (للتوقف) أَي لتوقف تعْيين المُرَاد من الْكَلَام على آخِره (للمغير) أَي لوُجُود الْقَيْد المغير فِي آخِره (وَمِنْه) أَي من هَذَا الْقَبِيل (ادّعى دَارا على جَاحد) دَعْوَى مقرونة (بَيِّنَة فَقضى) لَهُ بهَا (فَقَالَ) الْمقْضِي عَلَيْهِ، وَفسّر الشَّارِح الضَّمِير بالجاحد فأفسد (مَا كَانَت) الدَّار (لي لَكِن) كَانَت (لزيد) حَال كَون قَوْله لَكِن لزيد (مَوْصُولا) بقوله مَا كَانَ لي (فَقَالَ) زيد (كَانَ) الدَّار (لَهُ) أَي للمقضي لَهُ، وَفسّر الشَّارِح هَهُنَا أَيْضا الضَّمِير بالجاحد، فَعلم أَن التَّفْسِير الأول لم يكن سَهْو الْقَلَم (فباعنيه) الْمقْضِي لَهُ (بعد الْقَضَاء فَهِيَ) الدَّار (لزيد لثُبُوته) أَي الْإِقْرَار لزيد (مُقَارنًا للنَّفْي للوصل) إِذْ الْمَفْرُوض أَنه وصل قَوْله لَكِن لزيد بِالنَّفْيِ، وَلَو كَانَ مَفْصُولًا لكَانَتْ الدَّار للمقضي عَلَيْهِ لما سَيظْهر (والتوقف) أَي وَلكَون صدر الْكَلَام وَهُوَ النَّفْي مَوْقُوفا على مَا بعده لكَونه قيدا لَهُ مغيرا صارفا إِيَّاه عَن ظَاهره وَهُوَ الِاعْتِرَاف بِكَوْن الدَّار للمقضي عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَتَكْذيب شُهُوده) أَي تَكْذِيب

الْمقْضِي لَهُ شُهُوده (وَإِثْبَات ملك الْمقْضِي عَلَيْهِ حكمه) أَي مُوجب كَلَامه. قَالَ صدر الشَّرِيعَة لِأَنَّهُ إِذا وصل فَكَأَنَّهُ تكلم بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات مَعًا، فَثَبت موجبهما وَهُوَ النَّفْي عَن نَفسه وَثُبُوت ملك زيد، ثمَّ تَكْذِيب الشُّهُود وَإِثْبَات ملك الْمقْضِي عَلَيْهِ لَازم انْتهى (فَتَأَخر) الحكم الْمَذْكُور: أَعنِي إِثْبَات ملك الْمقْضِي عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ (عَنهُ) وَتَكْذيب الشُّهُود بِسَبَب صيرورة الدَّار لزيد (فقد أتلفهَا) أَي الْمقر الدَّار (على الْمقْضِي عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ لزيد على ذَلِك الْوَجْه) أَي بِنَفْي كَونهَا لَهُ وَوصل كَونهَا لزيد بِالنَّفْيِ بعد الْقَضَاء لَهُ (فَعَلَيهِ) أَي الْمقْضِي لَهُ الْمقر لزيد (قيمتهَا) للمقضي عَلَيْهِ (وَلَو صدقه) أَي الْمقر لَهُ، وَهُوَ زيد الْمقْضِي لَهُ (فِيهِ) أَي فِي النَّفْي أَيْضا كَمَا صدقه فِي الْإِقْرَار لَهُ (ردَّتْ) الدَّار (للمقضي عَلَيْهِ لِاتِّفَاق الْخَصْمَيْنِ) الْمقْضِي لَهُ وَالْمقر لَهُ (على بطلَان الحكم) أَي حكم القَاضِي للْمُدَّعِي الْمَذْكُور (بِبُطْلَان الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة) أما الْمقْضِي لَهُ فَلِأَنَّهُ قَالَ مَا كَانَت الدَّار لي لَكِنَّهَا لزيد، فَعلم أَنه كَانَ دَعْوَاهُ بَاطِلا، وَكَانَ شُهُوده كاذبين، وَأما الْمقر لَهُ فَكَذَلِك إِذا صدقه فِي النَّفْي الْمَذْكُور، وَقَوله بَاعَنِي بعد الْقَضَاء بعد تَصْدِيقه فِي النَّفْي اعْتِرَاف بِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يملكهُ فِي نفس الْأَمر (وَشرط عطفها) أَي لَكِن (الاتساق) هُوَ فِي الأَصْل الانتظام، وَالْمرَاد بِهِ هَاهُنَا مَا أوضحه بعطف بَيَانه، وَهُوَ قَوْله (عدم اتِّحَاد مَحل النَّفْي وَالْإِثْبَات) اللَّذين يتوسط بَينهمَا لَكِن إِذْ لَو اتَّحد لم يبْق للْكَلَام انتظام وَلم يُمكن الْجمع بَينهمَا فَلم يتَحَقَّق الْعَطف (وَهُوَ) أَي الاتساق (الأَصْل فَيحمل) الْكَلَام الْمُشْتَمل عَلَيْهَا (عَلَيْهِ) أَي الاتساق إِن احْتمل اتِّحَاد محلهَا، وَإِن كَانَ ظَاهرا فِيهِ (مَا أمكن) بِخِلَاف مَا إِذا لم يُمكن، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تكون عاطفة (فَلِذَا) أَي لوُجُوب الْحمل عَلَيْهَا مَا أمكن بِخِلَاف مَا إِذا لم يُمكن (صَحَّ) قَول الْمقر لَهُ مُتَّصِلا (لَا لَكِن غصب جَوَاب) قَول الْمقر (لَهُ عَليّ مائَة قرضا لصرف النَّفْي) يَعْنِي قَوْله (للسبب) تَعْلِيل للصِّحَّة، وَالْمرَاد بِالسَّبَبِ الْقَرْض: أَي لَيْسَ سَبَب شغل ذمَّته بِالْمِائَةِ الْقَرْض، ثمَّ تدارك بِبَيَان سَبَب آخر وَهُوَ الْغَصْب فَصَارَ الْكَلَام منتظما وَصَحَّ الْعَطف بهَا وَلَا يكون ردا لإِقْرَاره، بل لخُصُوص السَّبَب (بِخِلَاف من بلغه تَزْوِيج أمته) فضولا (بِمِائَة، فَقَالَ لَا أُجِيز النِّكَاح وَلَكِن) أجيزه (بمائتين) فَإِنَّهُ لَا يُمكن حمله على الاتساق، لِأَن اتساقه أَن لَا يَصح النِّكَاح الْمَوْقُوف بِمِائَة، لَكِن يَصح بمائتين، وَهُوَ غير مُمكن، لِأَن الَّذِي عقده الْفُضُولِيّ قد أبْطلهُ الْمولى بقوله لَا أُجِيز النِّكَاح فَلم يبْق نِكَاح آخر مَوْقُوف ليجيزه بقوله: وَلَكِن بمائتين، ثمَّ أَن الْإِجَازَة لَا تلْحق إِلَّا تعين الْمَوْقُوف، فَلَزِمَ اتِّحَاد مَحل النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (للاتحاد) أَي اتِّحَاد مَحل النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَذَلِكَ (لنفي أصل النِّكَاح) بقوله لَا أُجِيز النِّكَاح (ثمَّ ابْتِدَائه)

مسئلة

أَي ابْتِدَاء النِّكَاح (بِقدر آخر) من الْمهْر (بعد الِانْفِسَاخ) أَي انْفِسَاخ عقد الْفُضُولِيّ وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا إجَازَة العقد الْمَوْقُوف على إِجَازَته لَا إنْشَاء عقد آخر بِمهْر آخر (بِخِلَاف) قَوْله (لَا أجيزه) أَي النِّكَاح (بِمِائَة لَكِن) أجيزه (بمائتين) فَإِن النَّفْي الدَّاخِل على الْمُقَيد بتوجه على الْقَيْد وَهُوَ هَهُنَا قَوْله بِمِائَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَن التَّدَارُك) بلكن (فِي قدر الْمهْر لَا أصل النِّكَاح) فَيكون متسقا. مسئلة (أَو قبل مُفْرد لإِفَادَة أَن حكم مَا قبلهَا ظَاهر لأحد الْمَذْكُورين) اسْمَيْنِ كَانَا أَو فعلين. قَوْله ظَاهرا قيد للإفادة بِاعْتِبَار كَون المفاد ثُبُوت الحكم لأَحَدهمَا: إِذْ بِحَسب التَّحْقِيق والمآل تَارَة يُسْتَفَاد كَونه لكل مِنْهُمَا كَمَا إِذا وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي، ثمَّ بَين الْمَذْكُورين بقوله (مِنْهُ) أَي مِمَّا قبلهَا (وَمَا بعْدهَا وَلذَا) أَي ولكونها لإِفَادَة الحكم لأَحَدهمَا لَا على التَّعْيِين (عَم) الحكم كل وَاحِد مِنْهُمَا (فِي) سِيَاق (النَّفْي) لِأَن مَفْهُوم أَحدهمَا يصدق على كل وَاحِد مِنْهُمَا بِخُصُوصِهِ فَهُوَ أَعم من كل بِخُصُوصِهِ وَنفي الحكم عَن الْأَعَمّ يسْتَلْزم نَفْيه عَن الْأَخَص (و) كَذَا فِي (شبهه) أَي شبه النَّفْي وَهُوَ النَّهْي (على الِانْفِرَاد) مُتَعَلق بعم وعمومه على الِانْفِرَاد أَن يتَحَقَّق فِي كل مِنْهُمَا منتقلا فَقَوله تَعَالَى: و {لَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} وَكَذَا قَول الْحَالِف وَالله (لَا أكلم زيدا أَو بكرا منع) للمخاطب والحالف (من كل) أَي من إطاعة كل من الآثم والكفور فِي الأول، وَفِي تكليم كل من زيد وَبكر فِي الثَّانِي لِأَن التَّقْدِير والمآل لَا تُطِع (وَاحِدًا مِنْهُمَا) وَلَا أكلم وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي وَالنَّهْي فتعم (لَا) أَن التَّقْدِير لَا تُطِع وَلَا أكلم (أَحدهمَا ليَكُون معرفَة) فَلَا يعم، وَذَلِكَ لعدم الْإِضَافَة على التَّقْدِير الأول ووجودها على الثَّانِي (وَحِينَئِذٍ لَا يشكل بِلَا أقرب) أَي بوالله لَا أقرب (ذى أَو ذى) إِشَارَة إِلَى زوجيته بِأَن يُقَال أَو لأحد الْأَمريْنِ، وَمُقْتَضَاهُ أَن لَا يصير موليا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَحكم المسئلة أَنه (يصير موليا مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ فِي معنى وَاحِدَة مِنْهُمَا وَالْمعْنَى لَا يشكل بِأَن يُقَال لَا أقرب ذى أَو ذى مثل: لَا أقرب أحدا كَمَا لِأَن أَو لأحد الْأَمريْنِ، فَلم قُلْتُمْ فِي الأول يصير موليا مِنْهُمَا؟ (فتبينان) مَعًا عِنْد انْقِضَاء مُدَّة الْإِيلَاء: وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر من غير فَيْء (وَفِي) قَوْله لَا أقرب (أحدا كَمَا) يصير موليا (من إِحْدَاهمَا) لَا مِنْهُمَا، وَذَلِكَ لِأَن إِحْدَى بِسَبَب الْإِضَافَة صَارَت معرفَة فَلَا تعم فِي سِيَاق النَّفْي (بِخِلَافِهِ) أَي بِخِلَاف الْمَنْع من الْأَمريْنِ (بِالْوَاو) بدل أَو كلا أكلم زيدا وعمرا (فَإِنَّهُ) أَي الْمَنْع بِالْوَاو (من الْجمع) لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لَهُ فَيتَعَلَّق بالمجموع (لعُمُوم الِاجْتِمَاع)

خبر بعد خبر لِأَن: أَي لَيْسَ لعُمُوم الِانْفِرَاد كَمَا فِي أَو فَتبقى صور الِاجْتِمَاع كلهَا وَلَا تبقى صور الِانْفِرَاد فيكلم أَحدهمَا دون الآخر كَمَا قَالَ (فَلَا يَحْنَث بِأَحَدِهِمَا) أَي بِكَلَام أَحدهمَا (إِلَّا بِدَلِيل) يدل على أَن المُرَاد الِامْتِنَاع من كل مِنْهُمَا فَيحنث بِأَحَدِهِمَا (كلا تزن وتشرب) الْخمر فَإِنَّهُ يَأْثَم بِكُل مِنْهُمَا للقرينة الدَّالَّة على الِامْتِنَاع من كل مِنْهَا وَهِي حُرْمَة كل مِنْهُمَا (أَو يَأْتِي بِلَا) الزَّائِدَة الْمُؤَكّدَة للنَّفْي، مَعْطُوف على قَوْله بِدَلِيل، تَقْدِيره إِلَّا بِدَلِيل أَو بِأَن يَأْتِي بِلَا مثل مَا رَأَيْت (لَا زيدا وَلَا بكرا وَنَحْوه) مِمَّا يُفِيد هَذَا (وتقييده) أَي تَقْيِيد كَون الْمَنْع بِالْوَاو من الْجمع (بِمَا إِذا كَانَ للاجتماع تَأْثِير فِي الْمَنْع) أَي فِي منع الْحَالِف مثلا من تنَاول الْأَمريْنِ كَمَا إِذا حلف لَا يتَنَاوَل السّمك وَاللَّبن لما فِي اجْتِمَاعهمَا من الضَّرَر (بَاطِل) خبر تَقْيِيده (بِنَحْوِ لَا أكلم زيدا وعمرا وَكثير) مِمَّا هُوَ للْمَنْع من الْجمع مَعَ أَنه لَا تَأْثِير للاجتماع فِي الْمَنْع (والعموم) المُرَاد (بِأَو) أَي مَا يشْتَمل عَلَيْهِ (فِي الْإِثْبَات كلا أكلم أحدا إِلَّا زيدا أَو بكرا) إِذْ النَّفْي قد انْتقض بِالِاسْتِثْنَاءِ فَيحنث بِتَكْلِيم غَيرهمَا لَا بتكليمهما وَلَا بِتَكْلِيم أَحدهمَا، إِنَّمَا يفهم (من خَارج) وَهُوَ الْإِبَاحَة الْحَاصِلَة من الِاسْتِثْنَاء من الْحَظْر لِأَنَّهَا إِطْلَاق وَرفع قيد، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَالْأَظْهَر أَنه للْإِبَاحَة لِأَن الْكَلَام الْمُشْتَمل على الِاسْتِثْنَاء تكلم بِمَا بَقِي بعد الثنيا، فالمنفي إِنَّمَا هُوَ كَلَام من عداهما، وَأَيْضًا الْمُسْتَثْنى كَلَام أَحدهمَا سَوَاء كَانَ فِي ضمن الِانْفِرَاد والاجتماع وَهُوَ على سَبِيل منع الْخُلُو لَا الْجمع إِذْ علم من استثنائه أَنه لَا يكره كَلَامهمَا، وَلَيْسَ فِي الْجمع بَينهمَا مَا يُوجب كَرَاهَته (فَهِيَ) أَي أَو (للأحد فيهمَا) أَي النَّفْي وَالْإِثْبَات، غير أَنه يُسْتَفَاد الْعُمُوم تَارَة بسياق النَّفْي وَتارَة بِغَيْرِهِ كَمَا عرفت (فَمَا قيل) كَمَا ذكره فَخر الْإِسْلَام وَمن تبعه من أَن أَو (تستعار للْعُمُوم تساهل) إِذْ هِيَ لم تسْتَعْمل فِي الْعُمُوم إِذْ هُوَ يُسْتَفَاد من الْخَارِج غير أَنه لما كَانَ مُتَعَلقا فِي بعض الْموَاد محلا للْعُمُوم الْحَاصِل من غَيرهَا، قيل يستعار لَهُ مُسَامَحَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بل يثبت) الْعُمُوم (مَعهَا لَا بهَا وَلَيْسَت) أَو (فِي الْخَبَر للشَّكّ أَو التشكيك) كَمَا ذكره أَبُو زيد وَأَبُو إِسْحَاق الاسفرايني وَجَمَاعَة من النُّحَاة لانْتِفَاء كَونهَا لما ذكر (لَا لِأَن الْوَضع) أَي وضع الْأَلْفَاظ (للإفهام وَهُوَ) أَي الإفهام (مُنْتَفٍ) فِي الشَّك والتشكيك (لِأَنَّهُ إِن أُرِيد) بالإفهام الْمَذْكُور (إفهام الْمعِين) الَّذِي لَا إِبْهَام فِيهِ (منعنَا الْحصْر) وَيُقَال لَا، ثمَّ أَن الْوَضع لَيْسَ إِلَّا للإفهام كَيفَ والإجمال مِمَّا وضع لَهُ وَهُوَ غير معِين (أَو) أُرِيد بِهِ الإفهام (مُطلقًا) سَوَاء كَانَ مُبْهما أَو معينا (لم يفد) التَّعْلِيل الْمَذْكُور الْمَطْلُوب، لِأَن الإفهام الْمُطلق حَاصِل فِي الشَّك والتشكيك إِذْ رَأَيْت زيدا أَو عمرا أَفَادَ تَعْلِيق الرُّؤْيَة بِوَاحِدَة مِنْهُمَا لَا على التعين، وَالشَّكّ إِنَّمَا هُوَ فِي الْخُصُوص (بل) يَنْفِيه (لِأَن الْمُتَبَادر) من الْكَلَام الْمُشْتَمل عَلَيْهَا (أَولا إِفَادَة النِّسْبَة إِلَى أَحدهمَا)

أَي المتعاطفين بأولا على التَّعْيِين، والتبادر دَلِيل الْحَقِيقَة فَهُوَ الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ (ثمَّ ينْتَقل) الذِّهْن بعد ذَلِك (إِلَى كَون سَبَب الْإِبْهَام أَحدهمَا) أَي الشَّك من الْمُتَكَلّم إِن لم يكن عَالما والتشكيك إِن كَانَ عَالما بِطرف النِّسْبَة عينا وَأَرَادَ أَن يلبس على السَّامع (فَهُوَ) أَي الشَّك والتشكيك مَدْلُول (التزامي) للْكَلَام (عادي لَا عَقْلِي) لِإِمْكَان انفكاكهما بِأَن يَسْتَفِيد السَّامع نِسْبَة الْمَجِيء إِلَى أَحدهمَا مُبْهما من غير أَن ينْتَقل ذهنه إِلَى سَبَب الْإِبْهَام إِلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِإِمْكَان عدم إخطاره) كَذَا فِي نُسْخَة، وَفِي نُسْخَة أُخْرَى عدم إِحْضَاره (وَعنهُ) أَي وَعَن كَون الشَّك أَو التشكيك مدلولا التزاميا عاديا لأو (تجوز بِأَنَّهَا للشَّكّ) قَالَ الشَّارِح لعلاقة التلازم العادي فَكَأَنَّهُ لم يفرق بَين تجوز بهَا عَن الشَّك وَتجوز بِأَنَّهَا للشَّكّ. وَأَنت خَبِير بِأَن التَّجَوُّز على الأول فِي أَو، وعَلى الثَّانِي فِي أَنَّهَا للشَّكّ: أَي فِي هَذَا الحكم إِذْ هِيَ فِي الْحَقِيقَة لما يلْزمه الشَّك عَادَة لَا لنَفس الشَّك (وَقد يعلم بِخَارِج التَّعْيِين) أَي قد يعلم طرف النِّسْبَة بِعَيْنِه من الْخَارِج فَلَيْسَ المُرَاد إِفَادَة كَون أحد الْأَمريْنِ لَا على التَّعْيِين) طرف النِّسْبَة إِذْ لَا حاجه إِلَيْهِ كَمَا أَنه لَا حَاجَة إِلَّا إِفَادَة كَون أَحدهمَا بِعَيْنِه طرفها (فَيكون) أَو حِينَئِذٍ (للإنصاف). أَي لإِظْهَار النصفة حَتَّى أَن كل من سَمعه من موَالٍ ومخالف يَقُول لمن خُوطِبَ بِهِ قد أنصفك الْمُتَكَلّم نَحْو قَوْله تَعَالَى - (وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ الْآيَة) {لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} - قَالَ الْعَلامَة الْبَيْضَاوِيّ: أَي وَأَن أحد الْفَرِيقَيْنِ من الْمُوَحِّدين المتوحد بالرزق وَالْقُدْرَة الذاتية بِالْعبَادَة، وَالْمُشْرِكين بِهِ الجماد النَّازِل فِي أدنى الْمَرَاتِب الإمكانية لعلى أحد الْأَمريْنِ من الْهدى والضلال الْمُبين وَهُوَ بعد مَا تقدم من التَّقْرِير البليغ الدَّال على من هُوَ على الْهدى وَمن هُوَ فِي ضلال أبلغ من التَّصْرِيح لِأَنَّهُ فِي صور الْإِنْصَاف المسكت للخصم المشاغب انْتهى فَإِن قلت أَن الْإِنْصَاف إِنَّمَا يحصل بالترديد فِي جَانب الْمسند بتجويز الْهِدَايَة والضلال صُورَة فِي الموحد والمشرك فَمَا وَجه الترديد فِي جَانب الْمسند إِلَيْهِ، وَلم لم يقل إِنَّا وَإِيَّاكُم؟ وَأَيْضًا كَون أحد الْفَرِيقَيْنِ مَوْصُوفا بِأحد الْأَمريْنِ بديهي جلي فَمَا فَائِدَة الْأَخْبَار بِهِ؟ قلت فَائِدَته التَّنْبِيه على أَن الْعَامِل إِذا علم أَن أمره دَار بَين السَّعَادَة الأبدية والشقاوة السرمدية يجب عَلَيْهِ بذل الوسع جَمِيع الْعُمر فِي استكشاف طَرِيق النجَاة، والترديد فِي جَانب الْمسند إِلَيْهِ يزِيد فِي الْإِنْصَاف لما يُوهِمهُ الترديد من التَّسْوِيَة بَين شقيه بِصُورَة المعادلة بَينهمَا وَتَحْقِيق الْجَواب عَنْهُمَا أَنه قصد بِهَذَا الْكَلَام معنى لَا يحصل إِلَّا بالترديدين مَعًا، وَهُوَ أَن الْفَرِيقَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ على الْهِدَايَة وَلَا على الضَّلَالَة فَلَو قَالَ إِنَّا وَإِيَّاكُم إِلَى آخِره لَكَانَ الْمَعْنى إِنَّا لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين وَأَنْتُم كَذَلِك وَهَذَا لَا يُفِيد الْمَقْصُود لجَوَاز اجْتِمَاعهمَا على أحد شقي الترديد، بِخِلَاف وَأَنا وَإِيَّاكُم فَإِنَّهُ لَا يحْتَمل

ذَلِك، فَإِن قيل هَذَا إِذا جعل قضيتين: إِحْدَاهمَا، إِنَّا وَإِيَّاكُم لعلى هدى على سَبِيل منع الْجمع وَالْأُخْرَى إِنَّا أَو إيَّاكُمْ لفي ضلال كَذَلِك، فَحِينَئِذٍ لَا يُمكن اتِّفَاقهمَا على الْهِدَايَة وَلَا على الضَّلَالَة، وَالظَّاهِر أَنه قَضِيَّة وَاحِدَة مرددة الْمَوْضُوع والمحمول حاصلها الحكم على أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأحد الْأَمريْنِ على سَبِيل منع الْجمع، فَلَو فرض كَونهمَا جَمِيعًا على الْهِدَايَة مثلا صدقت قُلْنَا لَا نسلم أَن ظَاهره مَا ذكرت، بل هُوَ عرفا عبارَة عَن تينك القضيتين واختصار لَهما وَالله أعلم، ثمَّ عطف على قَوْله قبل مُفْرد (وَقبل جملَة لِأَن الثَّابِت) أَي لإِفَادَة أَن الثَّابِت (أحد المضمونين وَكَذَا تجوز) أَي كَمَا تجوز بِأَن لَو للتشكيك أَو الشَّك وَهُوَ تساهل كَذَلِك تجوز (بِأَنَّهَا للتَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة بعد الْأَمر) فَفِيهِ تساهل أَيْضا (وَإِنَّمَا هِيَ لإيصال معنى الْمَحْكُوم بِهِ) كالرؤية (إِلَى أَحدهمَا) كزيد أَو عَمْرو فِي رَأَيْت زيدا أَو عمرا (فَإِن كَانَ) الْمَحْكُوم بِهِ (أمرا) كالضرب زيدا أَو عمرا، وَالْمرَاد بِهِ الْمسند إِذْ لَا حكم فِي الْأَمريْنِ (لزم أَحدهمَا) أَي لزم إِيقَاع الْفِعْل مُتَعَلقا بِأَحَدِهِمَا (وَيتَعَيَّن) كل من الْإِبَاحَة والتخير (بِالْأَصْلِ فَإِن كَانَ) الأَصْل (الْمَنْع فتخيير) أَي فَلَا يتَعَيَّن تَخْيِير (فَلَا يجمع) الْمُخَاطب بَينهمَا (كبع عَبدِي ذَا أَو ذَا) فيبيع أَحدهمَا لِأَن بيع مَمْلُوك الْغَيْر مَمْنُوع، والمستفاد من اللَّفْظ الْإِذْن فِي بيع أَحدهمَا فَمَا زَاد عَلَيْهِ على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْمَنْع (أَو) كَانَ الأَصْل (الْإِبَاحَة فإلزام أَحدهمَا) أَي فَالْمُرَاد إِلْزَام إِيقَاع الْفِعْل مُتَعَلقا بِأَحَدِهِمَا (وَجَاز الآخر بِالْأَصْلِ) أَي بِمُوجب الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة (وَفِي) قَوْله لعبيده الثَّلَاثَة (هَذَا حر أَو هَذَا) بأوو (ذَا) بِالْوَاو (قيل لَا عتق إِلَّا بِالْبَيَانِ لهَذَا) أَي كَانَ يُشِير إِلَى وَاحِد بِعَيْنِه للْبَيَان وَبِقَوْلِهِ هَذَا حر (أَو هَذَانِ) أَي يُشِير إِلَى اثْنَيْنِ بعينهما وَيَقُول هَذَانِ حران وَهَذَا إِذا كَانَ قَوْله لهَذَا إِلَى آخِره تصويرا للْبَيَان، وَالْأَوْجه أَن يَجْعَل مقيسا عَلَيْهِ يَعْنِي حكم هَذِه المسئلة عدم الْعتْق إِلَّا بِالْبَيَانِ كَمَا أَن حكم مسئلة هَذَا حر وَهَذَانِ كَذَلِك بالِاتِّفَاقِ وَذَلِكَ لِأَن الْجمع بِالْوَاو بِمَنْزِلَة الْجمع بِأَلف التَّثْنِيَة فَيتَخَيَّر بَين الأول والآخرين، وَهَذَا قَول زفر وَالْفراء ذكره الشَّارِح (وَقيل يعْتق الْأَخير) فِي الْحَال وَيتَخَيَّر فِي الْأَوَّلين يعين أَيهمَا شَاءَ (لِأَنَّهُ) أَي القَوْل الْمَذْكُور (كأحدهما) أَي كَقَوْلِه أَحدهمَا حر (وَهَذَا) وَفِي القَوْل يعْتق الْأَخير وَيتَخَيَّر فِي الْأَوَّلين، فَكَذَا مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور (وَرجح) القَوْل الثَّانِي والمرجح صدر الشَّرْعِيَّة (باستدعاء) القَوْل (الأول تَقْدِير حران) لِأَن الْخَبَر الْمَذْكُور وَهُوَ حر لَا يصلح خَبرا لاثْنَيْنِ (وَهُوَ) أَي تَقْدِير حران (بِدلَالَة) الْخَبَر (الأول) وَذَلِكَ أَن الْعَطف للتشريك فِي الْخَبَر أَو لإِثْبَات خبر آخر مثله (وَهُوَ) أَي الأول (مُفْرد) فَيلْزم عدم الْمُنَاسبَة بَين الدَّال والمدلول (وَيُجَاب) والمجيب الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (بِأَنَّهَا) أَي صِحَة دلَالَة

الْخَبَر على الْمُقدر (تَقْتَضِي اتِّحَاد الْمَادَّة لَا الصِّيغَة قَالَ الشَّاعِر: (نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف) (وَلَو سلم) اقْتِضَاء اتِّحَاد الصِّيغَة (فَإِنَّمَا يلْزم) كَون الْخَبَر مثله (لَو ثنى مَا بعد أَو) لم يثن هَاهُنَا (فالمقدر مُفْرد فِي كل مِنْهُمَا) أَي هَذَا وَذَاكَ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حر أَو هَذَا حر وَذَا حر، لَا يُقَال يلْزم كَثْرَة الْحَذف لِأَنَّهُ مُشْتَرك الْإِلْزَام فَتَأمل (و) رجح أَيْضا (بِأَن أَو مُغيرَة) لِمَعْنى هَذَا حر (فتوقف عَلَيْهِ) أَي على مَا بعْدهَا (الأول) أَي حكم مَا قبلهَا وَبعد ذكره يصير مَعْنَاهُ أَحدهمَا (لَا الْوَاو) أَي لَيست بمغيرة لما قبلهَا لِأَنَّهَا (للتشريك) فَيَقْتَضِي بَقَاء حكم الأول ومشاركة مَا بعْدهَا لَهُ فِي الحكم (فَلَا يتَوَقَّف) الأول على قَوْله: وَهَذَا حر فَيتم الترديد قبلهَا (فَلَيْسَ) الثَّالِث (فِي حيّز أَو فَينزل) مَا قبل الْوَاو لعدم التَّوَقُّف على مَا بعْدهَا، وَيثبت التَّخْيِير بَين الأول وَالثَّانِي فَيصير مَعْنَاهُ: أَحدهمَا حر، وَهَذَا حر (وَيمْنَع) هَذَا التَّرْجِيح (بِأَنَّهُ) أَي قَوْله وَهَذَا (عطف على مَا بعد أَو فشرك) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي مَا بعد الْوَاو (فِي حكمه) أَي مَا بعد أَو فِي (ثُبُوت مَضْمُون الْخَبَر) وَهُوَ الْحُرِّيَّة (للأحد) ثمَّ بَين الْأَحَد الْمُثبت لَهُ الْمَضْمُون بقوله (مِنْهُ) أَي مِمَّا بعد أَو (وَمِمَّا قبله) مرجع هَذَا الضَّمِير مرجع الأول، أَو كلمة أَو بِتَأْوِيل وَالْحَاصِل أَن حكم مَا بعد أَو قبل عطف الثَّالِث عَلَيْهِ كَونه أحد شقي الترديد مُسْتقِلّا بعد مَا عطف عَلَيْهِ أَن يكون مَعَ مَا عطف عَلَيْهِ أحد شقي الترديد، فلولا هَذَا التَّشْرِيك كَانَ لَهُ أَن يخْتَار الثَّانِي وَحده وَبعده لَيْسَ لَهُ ذَلِك بل يجب عَلَيْهِ اخْتِيَار الْأَخيرينِ مَعًا (فتوقف) مَا قبل الْوَاو (عَلَيْهِ) أَي على مَا بعْدهَا لكَونه مغيرا لَهُ كَمَا عرفت (وَلم يعْتق) أحدهم (إِلَّا باختيارهما) أَي الثَّانِي وَالثَّالِث، الشق الثَّانِي فِي الترديد فيعتقان (أَو) بِاخْتِيَار (الأول) من الترديد فَيعتق وَحده (فَصَارَ كحلفه لَا يكلم ذَا أَو ذَا أَو ذَا لَا يَحْنَث بِكَلَام أحد الْأَخيرينِ) وَإِنَّمَا يَحْنَث بكلامهما أَو الأول، وروى الشَّارِح عَن مُحَمَّد من طَرِيق ابْن سَمَّاعَة كَون الطَّلَاق وَالْعتاق كاليمين فِي هَذَا الحكم، وروى أَن ظَاهر الْعبارَة عتق الآخر وَطَلَاق الْأَخِيرَة وَالْخيَار فِي الْأَوليين، ثمَّ ذكر زِيَادَة تَفْصِيل لَا يحْتَاج إِلَيْهَا حل الْمَتْن، ثمَّ لما توهم بعض الْمُعْتَزلَة منع التَّكْلِيف بِوَاحِد مُبْهَم من أُمُور مُعينَة لكَونه مَجْهُولا حَتَّى ذهب إِلَى أَن الْوَاجِب الْجَمِيع، وَيسْقط بِوَاحِد وَكَانَ هَذَا من لَوَازِم التَّخْيِير أَشَارَ المُصَنّف إِلَى رده، فَقَالَ (وَمنع صِحَة التَّكْلِيف مَعَ التَّخْيِير فَحكم بِوُجُوب خِصَال الْكَفَّارَة) وَهِي الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة والتحرير (وَيسْقط) وجوبهما بِالنّصب عطفا على الْوُجُوب بِتَقْدِير أَن (بِالْبَعْضِ) منعا (بِلَا مُوجب لِأَن صِحَّته) أَي التَّكْلِيف (بِإِمْكَان الِامْتِثَال وَهُوَ) أَي إِمْكَانه (ثَابت مَعَ التَّخْيِير لِأَنَّهُ) أَي الِامْتِثَال (بِفعل إِحْدَاهمَا) أَي

الْخِصَال، وَسَيَأْتِي تَفْصِيل الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى (والإنشاء كالأمر) فأوفيه للتَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة (فَلِذَا) أَي لكَون أَو للتَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة فِي الْإِنْشَاء (وَعدم الْحَاجة) أَي تحمل الْجَهَالَة (أبطل أَبُو حنيفَة التَّسْمِيَة وَحكم مهر الْمثل فِي التَّزَوُّج على كَذَا) أَي الْألف مثلا (أَو كَذَا) كألفين (لِأَنَّهُ) أَي كَون الْمهْر أمرا مَجْهُولا لكَونه أحد الْأَمريْنِ (جَهَالَة لَا حَاجَة إِلَى تحملهَا إِذْ كَانَ لَهُ) أَي لقعد النِّكَاح (مُوجب أُصَلِّي) مَعْلُوم يلْزم بِدُونِ الذّكر إِذا لم يكن الْمهْر مَعْلُوما، وَهُوَ مهر الْمثل، وَمعنى تحكيم مهر الْمثل هَهُنَا أَنه ينظر إِلَى مِقْدَار مهر الْمثل، فَإِن كَانَ ألفي دِرْهَم أَو أَكثر، فَإِن شِئْت أخذت الْألف الْحَالة أَو الْأَلفَيْنِ عِنْد حُلُول الْأَجَل لِأَنَّهَا التزمت أحد الْوَجْهَيْنِ، وَإِن كَانَ أقل من ألف دِرْهَم فَأَيّهمَا شَاءَ أَعْطَاهَا، وَإِن كَانَ بَينهمَا كَانَ لَهَا مهر الْمثل (وصححاه) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مَا سمى على وَجه التَّخْيِير، فَيكون الْمهْر أحد الْمَذْكُورين وَالِاخْتِيَار إِلَى الزَّوْج (إِن أَفَادَ التَّخْيِير) أَي إِن كَانَ التَّخْيِير مُفِيدا لكل من الزَّوْج وَالزَّوْجَة، أَو للزَّوْج نوع تيسير وَذَلِكَ (باخْتلَاف الْمَالَيْنِ) الْمَذْكُورين بَينهَا أَو (حلولا وأجلا) نصبهما على التَّمْيِيز عَن نِسْبَة الِاخْتِلَاف إِلَى الْمَالَيْنِ: أَي من حَيْثُ الْحُلُول والتأجيل: يَعْنِي أَن الْمُصَحح هَذَا الِاخْتِلَاف وَلَا يلْزم مِنْهُ عدم اخْتِلَافهمَا من وَجه أخر كعلي ألف حَالَة أَو أَلفَانِ إِلَى سنة، فَفِي الْألف يسر للزَّوْج بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَلفَيْنِ، وللزوجة بِالنِّسْبَةِ للحول، وَفِي الْأَلفَيْنِ يسري للزَّوْج من حَيْثُ التَّأْجِيل، وللزوجة من حَيْثُ التكثير (أَو) باخْتلَاف الْمَالَيْنِ (جِنْسا) كعلي ألف دِرْهَم أَو مائَة دِينَار إِذْ قد يكون تَحْصِيل أَحدهمَا على الزَّوْج أيسر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن التَّخْيِير مُفِيدا لما ذكر بِأَن يَقع بَين أَمريْن لَيْسَ فِي كل مِنْهُمَا نوع يسر بِأَن يتَعَيَّن الْيُسْر فِي أَحدهمَا كعلي ألف أَو أَلفَانِ (تعين الْأَقَل) لتعين اخْتِيَار مَا هُوَ الأرفق بِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَة ذكر الْأَقَل بِدُونِ الترديد، هَذَا وَذكر المَال فِي النِّكَاح لَيْسَ من تَمَامه وَمن ثمَّة لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْتِزَام مَال ابْتِدَاء من غير عقد، فَيجب الْقدر الْمُتَيَقن (كَالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّة وَالْخلْع وَالْعِتْق) بِأَن أقرّ لإِنْسَان أَو وصّى لَهُ بِأَلف أَو أَلفَيْنِ أَو خَالعهَا أَو اعْتِقْ على ألف أَو أَلفَيْنِ، فَإِن الْأَقَل مُتَعَيّن فِي الْجَمِيع (وَلُزُوم الْمُوجب الْأَصْلِيّ) فِي النِّكَاح بِغَيْر مهر الْمثل إِنَّمَا هُوَ (عِنْد عدم تَسْمِيَة مُمكنَة) من مُطَالبَة مَال معِين، وَهِي هَهُنَا متحققة وَظَاهر هَذَا الْكَلَام تَرْجِيح قَوْلهمَا (وَفِي وكلت هَذَا أَو هَذَا صَحَّ) التَّوْكِيل (لِإِمْكَان الِامْتِثَال) يَعْنِي أَن التَّوْكِيل بِالْبيعِ مثلا أَمر للْوَكِيل بِأَن يَبِيع عَبده وَصِحَّته بِإِمْكَان امْتِثَال الْمَأْمُور بِأَن يفعل مَا أَمر بِهِ، ثمَّ بَين الْإِمْكَان بقوله (بِفعل أَحدهمَا) أَي بِأَن يفعل الْمَأْمُور بِهِ أحد الشخصين إِذْ الْإِذْن لأَحَدهمَا غير معِين فِي معنى قَوْله أَيهمَا بَاعَ، فَهُوَ مَأْذُون من عِنْدِي ممتثل

لأمري (وَلَا يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا) بِأَن يُبَاشر البيع مَعًا، فَكَانَ فعلهمَا جَمِيعًا امتثالا لأمر الْمُوكل قِيَاسا على فعل أَحدهمَا، وَذَلِكَ لِأَن التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر مَمْنُوع غير مُبَاح إِلَّا بِإِذْنِهِ وَإِذا أذن لأَحَدهمَا ثَبت للأحد الْإِبَاحَة فِي التَّصَرُّف، لِأَنَّهُ رَضِي بتصرفه، وَإِذا رَضِي بِتَصَرُّف كل مِنْهُمَا مُنْفَردا دلّ ذَلِك على رِضَاهُ بتصرفهما مَعًا بِالطَّرِيقِ الأول، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَهُوَ) أَي الحكم بِإِبَاحَة تصرفهما مَعًا (تَسْوِيَة) بَين تصرفهما مَعًا وَتصرف أَحدهمَا فَقَط فِي الْإِبَاحَة الْحَاصِلَة من إِذن الْمَالِك (مُلْحق) على صِيغَة الْفَاعِل والتذكير بِاعْتِبَار الْمصدر: أَي يلْحق إِبَاحَة صُورَة الِاجْتِمَاع (بِالْإِبَاحَةِ) المنصوصة فِي صُورَة الِانْفِرَاد أَو على صِيغَة الْمَفْعُول وَالْمعْنَى فَهُوَ أَي التَّخْيِير مُلْحق بِالْإِبَاحَةِ فِي جَوَاز الِاجْتِمَاع (بِخَارِج) أَي بِدَلِيل خَارج من لفظ الْمُوكل، ثمَّ أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْخَارِج بقوله (للْعلم) بِأَنَّهُ أَي الْمُوكل إِذا رضى بِرَأْي أَحدهمَا فَهُوَ (برأيهما أرْضى) لِاجْتِمَاع الرأيين (بِخِلَاف) قَوْله (بِعْ ذَا أَو ذَا) مُشِيرا إِلَى عَبْدَيْنِ مثلا (يمْتَنع الْجمع) بَينهمَا فِي البيع (لانتفائه) أَي الرِّضَا ببيعهما جَمِيعًا (وَالْقِيَاس الْبطلَان) أَي بطلَان الطَّلَاق (فِي هَذِه طَالِق أَو هَذِه لايجابه) الطَّلَاق (فِي الْمُبْهم وَلَا يتَحَقَّق) الطَّلَاق (فِيهِ) أَي الْمُبْهم (لكنه) أَي قَوْله هَذِه طَالِق، وَكَذَا هَذِه حرَّة (شرعا إنْشَاء عِنْد عدم احْتِمَال الْأَخْبَار) وَلَا يحْتَمل هَهُنَا (بِعَدَمِ قيام طَلَاق إِحْدَاهمَا) قبل التَّكَلُّم بِهَذَا الْكَلَام (وَعدم) قيام (حريتها) أَي إِحْدَاهمَا (فِي هَذِه حرَّة أَو هَذِه مُوجب) بِالرَّفْع صفة إنْشَاء توَسط بَينهمَا الظّرْف وَمَا يتَعَلَّق بِهِ (للتعيين) صلَة مُوجب، فَيجْبر الْمُطلق وَالْمُعتق أَن يعين المُرَاد من الْمُبْهم حَال كَون التَّعْيِين (إنْشَاء من وَجه لِأَن بِهِ) أَي بِالتَّعْيِينِ ينزل (الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق وَالْعتاق، إِذْ قبل التَّعْيِين لَا يصلح الْمحل للوقوع لإبهامه، ثمَّ رتب على كَونه إنْشَاء من وَجه آخر قَوْله (فَلَزِمَ قيام أَهْلِيَّته) أَي الْموقع للطَّلَاق وَالْعتاق (ومحليتهما) أَي شقي الترديد (عِنْده) أَي التَّعْيِين، لِأَن الْإِنْشَاء لَا بُد لَهُ من أَهْلِيَّة المنشئ حَال الْإِنْشَاء وصلاحية الْمحل للمحلية (فَلَا يعين) الْمُطلق وَالْمُعتق إِذا مَاتَ إِحْدَى الزوجتين أَو الجاريتين (الْمَيِّت) بِأَن يَقُول كَانَ مرادي من أَحدهمَا هَذِه الْميتَة لانْتِفَاء محليتها للوقوع حِينَئِذٍ (و) لزم (اعْتِبَاره) أَي الْإِنْشَاء (فِي) صُورَة (التُّهْمَة) أَي فِيمَا كَانَ الْمُطلق مُتَّهمًا فِي جعله إِخْبَارًا لغَرَض يرجع إِلَيْهِ (فَلم يَصح تزوج أُخْت الْمعينَة من المدخولتين) اللَّتَيْنِ قَالَ فيهمَا هَذِه طَالِق أَو هَذِه، ثمَّ عين إِحْدَاهمَا وَأَرَادَ أَن يتَزَوَّج بأختها من غير مُضِيّ الْعدة بعد التَّعْيِين (أَخْبَارًا من وَجه) لِأَن الصِّيغَة صِيغَة أَخْبَار (فأجبر عَلَيْهِ) أَي على الْبَيَان إِذْ لأجبر فِي الإنشاءات بِخِلَاف الْإِقْرَار، فَإِنَّهُ لَو أقرّ بِمَجْهُول صَحَّ وأجبر على بَيَانه (وَاعْتبر) الْأَخْبَار (فِي

غَيرهمَا) أَي المدخولتين (فصح ذَلِك) أَي تزوج أُخْت الْمعينَة: يَعْنِي إِذا طلق إِحْدَى زوجتيه بِغَيْر عينهَا وَلم يكن دخل بهَا، ثمَّ تزوج أُخْت إِحْدَاهمَا، ثمَّ بَين الطَّلَاق فِي أُخْتهَا لعدم التُّهْمَة لقدرته على إنْشَاء الطَّلَاق فِي الَّتِي عينهَا وَعدم الْعدة لَهَا لكَونهَا غير مدخولة، وَلَا يخفى أَن فرض كَونهمَا غير مدخولتين اتفاقي وَلَا يَكْفِي كَون مَحل التَّعْيِين غير مدخولة، ثمَّ لما كَانَ يشكل على كَون أَو للتَّخْيِير فِي الْإِنْشَاء آيَة الْمُحَاربَة، فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَة على أَو، وَهِي إنْشَاء، وَلم يُؤَخر التَّخْيِير فِيمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الحكم، أَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (وَترك مقتضاها) أَي وَلُزُوم ترك مُقْتَضى أَو الْوَاقِعَة فِي الْإِنْشَاء فِي آيَة الْمُحَاربَة " إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض " (للصارف) عَن الْعَمَل (لَو لم يكن أثر) مُفِيد لمُخَالفَته أَيْضا: يَعْنِي لَو فرض عدم الْأَثر يَكْفِي الصَّارِف الْمَذْكُور (وَهُوَ) أَي الصَّارِف (أَنَّهَا) أَي آيَة الْمُحَاربَة (أجزية بِمُقَابلَة جنايات لتصور الْمُحَاربَة) أَي لِأَن الْمُحَاربَة تتَصَوَّر: أَي تتَحَقَّق (بصور) شَتَّى (أَخذ) لِلْمَالِ الْمَعْصُوم فَقَط بدل بعض من صور (أَو قتل) للنَّفس المعصومة فَقَط (أوكليهما) أى أَخذ وَقتل (أَو إخافة) للطريق فَقَط (فَذكرهَا): أَي الأجزية من حَيْثُ أَنَّهَا أجزية (مُتَضَمّن ذكرهَا) أَي الْجِنَايَات، فَكَأَنَّهَا ذكرت أَيْضا (ومقابلة مُتَعَدد بمتعدد ظَاهر فِي التَّوْزِيع، وَأَيْضًا مُقَابلَة أخف الْجِنَايَات بالأغلظ وَقَلبه) أَي مُقَابلَة أغْلظ الْجِنَايَات بالأخف (ينبو) أَي يبعد (عَن قَوَاعِد الشَّرْع) كَيفَ، وَقد قَالَ تَعَالَى {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} فَوَجَبَ الْقَتْل بِالْقَتْلِ وَقطع الْيَد) الْيُمْنَى (وَالرجل) الْيُسْرَى (بِالْأَخْذِ) لِلْمَالِ الْمَعْصُوم إِذا أصَاب كل مِنْهُم نِصَابا، وَمَالك شَرط كَون الْمَأْخُوذ نِصَابا فَصَاعِدا أصَاب كل نِصَاب أَولا، وَإِنَّمَا قطعناهما مَعًا فِي الْأَخْذ مرّة وَاحِدَة بِخِلَاف السّرقَة، لِأَنَّهُ أغْلظ من أَخذ السّرقَة، حَيْثُ كَانَ مجاهرة ومكابرة مَعَ إشهار السِّلَاح (والصلب) حَيا، ثمَّ يعج بَطْنه بِرُمْح حَتَّى يَمُوت كَمَا عَن الْكَرْخِي وَغَيره، أَو بعد الْمَوْت كَمَا عَن الطحاوى وَهُوَ الأوضح وأيا مَا كَانَ بعد قطع يَده وَرجله من خلاف أَو لَا، وَالْقَتْل بِلَا صلب وَلَا قطع على حسب اخْتِيَار الإِمَام كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَزفر، و (بِالْجمعِ) بَين الْقَتْل وَالْأَخْذ، وَقَالا لَا بُد من الصلب (وَالنَّفْي) من الأَرْض أَي الْجِنْس (بالإخافة فَقَط، فأثر أبي يُوسُف عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وادع الخ) أَي أَبَا بردة هِلَال بن عريم الْأَسْلَمِيّ، فجَاء أنَاس يُرِيدُونَ الْإِسْلَام، فَقطع عَلَيْهِم أَصْحَاب أبي بردة الطَّرِيق، فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَدِّ: أَن من قتل وَأخذ المَال صلب، وَمن قتل وَلم يَأْخُذ المَال قتل

وَمن أَخذ مَالا وَلم يقتل قطعت يَده وَرجله من خلاف، وَمن جَاءَ مُسلما هدم الْإِسْلَام مَا كَانَ مِنْهُ فِي الشّرك وَفِي رِوَايَة عَطِيَّة عَن ابْن عَبَّاس: وَمن أَخَاف الطَّرِيق وَلم يقتل وَلم يَأْخُذ المَال نفي (على وَفقه) أَي الصَّارِف، وَقَوله أثر أبي يُوسُف مُبْتَدأ خَيره (زِيَادَة) أَي زَائِد على الصَّارِف فِي دفع الْإِشْكَال (لَا يَضرهَا) أَي الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة (التَّضْعِيف) بِمُحَمد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ لاتهامه بِالْكَذِبِ: إِذْ الْأَثر وَإِن كَانَ ضَعِيفا يصلح لتقوية مَا هُوَ مُسْتَقل فِي إِفَادَة الْمَقْصد (فَكيف وَلَا يَنْفِي) أَي التَّضْعِيف (الصِّحَّة فِي الْوَاقِع) لجَوَاز إجَازَة التَّضْعِيف فِي خُصُوص مَرْوِيّ (فموافقة الْأُصُول) الْمُعْتَبرَة شرعا من رِعَايَة الْمُنَاسبَة بَين الْجِنَايَة وَالْجَزَاء والمماثلة بَينهمَا بِمُوجب قَوْله تَعَالَى - {وَجَزَاء سَيِّئَة} - الْآيَة وَغَيره (ظَاهر فِي صِحَّتهَا) أَي الزِّيَادَة الَّتِي هِيَ الْأَثر الْمَذْكُور، الْمشَار إِلَيْهِ بقوله لَو لم يكن أثر (وَإِذ قبلت) أَو (معنى التَّعْيِين) أَي معنى الْإِبْهَام فِيهِ، وقبولها إِيَّاه اسْتِعْمَالهَا فِي مَوضِع الْإِبْهَام فِيهِ لَا باستعمالها فِيهِ: إِذْ التَّعْيِين يَأْتِي من الْخَارِج كَمَا سيصرح بِهِ، غير أَنهم أَرَادوا بِالْقبُولِ استعمالهما فِيهِ كَمَا يدل عَلَيْهِ آخر الْكَلَام (كالآية) أَي آيَة الْمُحَاربَة (وَصُورَة الْإِنْصَاف) {كَانَا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} - (وَجب) الْمعِين أَي إِرَادَته مِنْهَا (فِي) صُورَة (تعذر) مَعْنَاهُ (الْحَقِيقِيّ) الَّذِي هُوَ أحد الْأَمريْنِ، لِأَنَّهُ أولى من إِلْغَاء الْكَلَام (فَعَنْهُ) أَي عَن وجوب الْمجَازِي عِنْد تعذر الْحَقِيقِيّ (قَالَ) أَبُو حنيفَة (فِي هَذَا حر أَو ذَا لعَبْدِهِ ودابته يعْتق) عَبده (وألغياه) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هَذَا الْكَلَام (لعدم تصور حكم الْحَقِيقَة) وَهُوَ عتق أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمحل للْإِيجَاب: لِأَن أَحدهمَا، وَهِي الدَّابَّة لَيْسَ بِمحل لِلْعِتْقِ شرعا، وَقَالَ الشَّارِح: أَن شمس الْأَئِمَّة أَشَارَ إِلَى أَنه لَا يعْتق العَبْد عِنْدهمَا بِالنِّيَّةِ أَيْضا، لِأَن اللَّغْو لَا حكم لَهُ أصلا (كَمَا هُوَ أَصلهمَا) من أَن خَليفَة الْمجَاز للْحَقِيقَة بِاعْتِبَار الحكم، فَلَا بُد من إِمْكَان حكم الْحَقِيقَة، وَلِهَذَا لَا يرد الْحُرِّيَّة فِي هَذَا ابْني للأكبر مِنْهُ سنا (لَكِن) لَا يرد (عَلَيْهِ) أَي على قَول أبي حنيفَة (أَنهم) أَي الْحَنَفِيَّة (يمْنَعُونَ التَّجَوُّز فِي الضِّدّ) شرعا (والمعين ضد الْمُبْهم بِخِلَاف ابْني للأكبر لَا يضاد حَقِيقَة مجازيه وَهُوَ) أَي مجازيه (الْعتْق فَالْوَجْه أَنَّهَا) أَي أَو (دَائِما للأحد) أَي أحد الْأَمريْنِ (وَفهم التَّعْيِين أَحْيَانًا بِخَارِج) من اللَّفْظ (من غير أَن يسْتَعْمل) أَو (فِيهِ) أَي فِي التَّعْيِين، فَفِي قَوْله لعَبْدِهِ ودابته هَذَا حروذا بفهم التَّعْيِين من لُزُوم صون عبارَة الْعَاقِل مهما أمكن، وَقد أمكن إِذْ عرف أَن أَو يَقع فِي موقع يتَعَيَّن فِيهِ المُرَاد.

مسئلة

مسئلة (تستعار) أَو (للغاية) أَي للدلالة على أَن مَا بعْدهَا غَايَة لما قبلهَا، وَهِي مَا يَنْتَهِي أَو يَمْتَد إِلَيْهِ الشَّيْء (قبل مضارع مَنْصُوب وَلَيْسَ قبلهَا) أَي أَو (مثله) أَي مضارع مَنْصُوب بل فعل ممتد (كلألزمنك أَو تُعْطِينِي) حَقي، فَإِن المُرَاد أَن ثُبُوت اللُّزُوم ممتد إِلَى وَقت أعطاء الْحق، وَهَذَا قَول النُّحَاة: أَن أَو هَذِه بِمَعْنى إِلَى أَن، وَجه الْمُنَاسبَة أَنَّهَا لأحد الْمَذْكُورين لَا يتَعَدَّى الحكم عَنْهُمَا كَمَا أَن الْفِعْل الممتد لَا يتَعَدَّى غَايَته، وَقيل لِأَن تعْيين كل مِنْهُمَا بِاعْتِبَار الْخِيَار قَاطع لاحْتِمَال الآخر كَمَا أَن الْوُصُول إِلَى الْغَايَة قَاطع للْفِعْل (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَي من اسْتِعْمَال أَو للغاية قَوْله تَعَالَى {أَو يَتُوب عَلَيْهِم} كَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة تبعا للفراء حَيْثُ قَالَ: أَن أَو هَاهُنَا بِمَعْنى حَتَّى لِأَنَّهُ لَو كَانَ على حَقِيقَته، فإمَّا أَن يكون مَعْطُوفًا على شَيْء أَو على لَيْسَ، وَالْأول عطف الْفِعْل على الِاسْم، وَالثَّانِي عطف الْمُضَارع على الْمَاضِي، وَهُوَ لَيْسَ بِحسن فَسقط حَقِيقَته، واستعير لما لَا يحْتَملهُ وَهُوَ الْغَايَة: أَي لَيْسَ لَك من الْأَمر فِي عَذَابهمْ أَو اصطلاحهم شَيْء حَتَّى يَقع تَوْبَتهمْ أَو تعذيبهم، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَنه يُفِيد أَن الْمَانِع عَن الْحمل على الْحَقِيقَة مُجَرّد عدم حسن الْعَطف، وَأَنت خير بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيم الْمَعْنى: إِن حملت عَلَيْهَا 0 بل عطف على يكتبهم) كَمَا صرح بِهِ الْبَيْضَاوِيّ والنسفي وَغَيرهمَا، أَو ليقطع كَمَا صرح بِهِ أَو الْقَاسِم، وَكَلَام صَاحب الْكَشَّاف يحتملها حَيْثُ قَالَ: أَو يَتُوب عطف على مَا قبله، فَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ عطف على ليقطع أَو يكْتب (وَلَيْسَ ومعمولاها) وهما لَك شَيْء مَعَ الْحَال من شَيْء، وَهُوَ من الْأَمر (اعْتِرَاض) بَين الْمَعْطُوف الَّذِي هُوَ التَّوْبَة والتعذيب الْمُتَعَلّق بالآجل والمعطوف عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْقطع والكبت، وَهُوَ شدَّة الغيظ، أَو وَهن يَقع فِي الْقلب الْمُتَعَلّق بالعاجل، ثمَّ احْتج على قَوْله لَيْسَ مِنْهُ بقوله (لما فِي ذَلِك) أَي فِي جعلهَا للغاية (من التَّكَلُّف مَعَ إِمْكَان الْعَطف) وَتَحْقِيق معنى الْآيَة يطْلب فِي التَّفْسِير وَالله أعلم. مسئلة (حَتَّى جَارة وعاطفة وابتدائية) أَي مَا بعْدهَا كَلَام مُسْتَأْنف لَا يتَعَلَّق من حَيْثُ الْأَعْرَاب بِمَا قبلهَا (بعْدهَا جملَة بقسميها) من الْمَاضِي والمضارع، نَحْو فزلزلوا - {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} - بِالرَّفْع على قِرَاءَة نَافِع - {وبدلنا مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة حَتَّى عفوا وَقَالُوا} - واسمية مَذْكُور خَبَرهَا نَحْو: (فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل)

ومحذوفة بِقَرِينَة الْكَلَام السَّابِق كَمَا سَيَأْتِي (وَصحت) الْوُجُوه الثَّلَاثَة (فِي أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا) بِالْجَرِّ، على أَنَّهَا جَارة أَو بِالنّصب على أَنَّهَا عاطفة لَهُ على السَّمَكَة، وبالرفع على أَنَّهَا مُبْتَدأ خبر مَحْذُوف أَعنِي مَأْكُول بِقَرِينَة السِّيَاق، وَقيل هَذَا على رَأْي الْكُوفِيّين، وَأما على رَأْي الْبَصرِيين فَرفع مَا بعده مَشْرُوط بِأَن يكون بعده مَا يصلح خَبرا لَهُ مثل أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا أَكلته (وَهِي) أَي حَتَّى على أَي وَجه كَانَت من الثَّلَاثَة (للغاية، وَفِي دُخُولهَا) أَي الْغَايَة الَّتِي هِيَ مدخولها فِيمَا قبلهَا حَال كَونهَا (جَارة) أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا لِابْنِ السراج وَأبي عَليّ وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين من النَّحْوِيين يدْخل مُطلقًا، ثَانِيهَا لجمهور النَّحْوِيين وفخر الْإِسْلَام وَغَيره لَا يدْخل مُطلقًا (ثَالِثهَا) للمبرد وَالْفراء والسيرافي والرماني وَعبد القاهر (إِن كَانَ) مَا جعل غَايَة (جُزْءا) مِمَّا قبله (دخل) وَإِلَّا لم يدْخل، و (رَابِعهَا لَا دلَالَة) على الدُّخُول وَلَا على عَدمه (إِلَّا للقرينة وَهُوَ) أَي هَذَا القَوْل (أحد) الْقَوْلَيْنِ (الْأَوَّلين) إِلَّا أَن يُرَاد) بهَا (أَنَّهَا) دَالَّة (على الْخُرُوج) أَي خُرُوج مَا بعْدهَا عَمَّا قبلهَا فِي بعض الاستعمالات (كَمَا) هِيَ دَالَّة (على الدُّخُول فِيمَا قبلهَا، وَفِيه) أَي فِي كَون هَذَا مرَادا (بعد) كَمَا لَا يخفى من لُزُوم الِاشْتِرَاك بَين الضدين وَلم يعرف لَهُ قَائِل، وَأظْهر الشَّارِح فرقا بَينه وَبَين الْأَوَّلين بِأَن الْمَدْلُول فِي الأول الدُّخُول مُطلقًا من غير توقف على قرينَة فَيحكم بِالدُّخُولِ من حَيْثُ لَا قرينَة، وَفِي الثَّانِي عَدمه مُطلقًا إِلَّا بِقَرِينَة فَيحكم بِعَدَمِ الدُّخُول حَيْثُ لَا قرينَة، وَمعنى الرَّابِع هُوَ أَنه لَا دلَالَة لحتى على دُخُول وَلَا على عَدمه بل الدَّال على أَحدهمَا الْقَرِينَة فَحَيْثُ لَا قرينَة يحكم بِعَدَمِ الدُّخُول بِالْأَصْلِ لَا بِاللَّفْظِ إِذا احتجنا إِلَى الحكم، وَإِلَّا لَا يحكم بِشَيْء انْتهى فحاصل الْفرق أَنه عِنْد وجود قرينَة الدُّخُول تُضَاف الدّلَالَة إِلَى الْقَرِينَة بِخِلَاف الأول إِذْ فِيهِ يُضَاف إِلَى حَتَّى، وَعند عدمهَا يُضَاف عدم الدُّخُول إِلَى عدم الْقَرِينَة لَا إِلَى حَتَّى بِخِلَاف الثَّانِي، غَايَة الْأَمر أَنه يلْزم حِينَئِذٍ عدم قرينَة الدُّخُول لِئَلَّا يلْزم الْمُعْتَبر إِلَى خلاف الْحَقِيقَة، وَكَأن المُصَنّف أَرَادَ أَن لفظ حَتَّى إِن كَانَ بِحَيْثُ يتَبَادَر مِنْهُ الدُّخُول مُطلقًا يتَعَيَّن أَن يكون المُرَاد فِي القَوْل الثَّانِي سلب دلَالَته بِنَفسِهِ على شَيْء من الدُّخُول وَالْخُرُوج، وَيكون فهم الْخُرُوج مُطلقًا من غير اللَّفْظ وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يتَبَادَر مِنْهُ الْخُرُوج فعكس مَا قُلْنَا إِذْ يبعد كل الْبعد أَن يدعى كل من الْفَرِيقَيْنِ تبادر نقيض مَا يَدعِيهِ الآخر، فعلى كل تَقْدِير يتحد أحد الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْل الرَّابِع، وَهَذَا غَايَة التَّوْجِيه، وَبعد فِيهِ مَا فِيهِ (والاتفاق على دُخُولهَا) أَي الْغَايَة فِيمَا قبلهَا (فِي الْعَطف) بحتى لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تفِيد الْجمع فِي الحكم كالواو (وَفِي الابتدائية) أَي والاتفاق على دُخُولهَا فِي حَتَّى الابتدائية حَال كَونهَا (بِمَعْنى وجود المضمونين) مَضْمُون جملَة قبلهَا ومضمون جملَة بعْدهَا (فِي

وَقت) وَاحِد، فَفِي مرض حَتَّى لَا يرجونه تخقق الْمَرَض واليأس فِي زمَان وَاحِد (وَشرط الْعَطف البعضية) أَي كَون مَا بعْدهَا بَعْضًا مِمَّا قبلهَا كقدم الْحَاج حَتَّى المشاة (أَو نَحْوهَا) أَي البعضية بِكَوْن مَا بعْدهَا كالجزء مِمَّا قبلهَا من حَيْثُ اللُّزُوم نَحْو: قتل الْجند حَتَّى دوابهم، وَخرج الصيادون حَتَّى كلابهم، فَإِن كلا من الدَّوَابّ وَالْكلاب لَازِمَة للجند والصيادين، وَكَذَا يُقَال أعجبني الْجَارِيَة حَتَّى حَدِيثهَا: وَلَا يُقَال حَتَّى وَلَدهَا، إِذْ لَيْسَ الْوَلَد من لَوَازِم الْجَارِيَة، وَخَالف فِي هَذَا الشَّرْط فَأجَاز كَلْبِي يصيد الأرانب حَتَّى الظباء، وَهَذَا خطأ عِنْد الْبَصرِيين (فَامْتنعَ جَاءَ زيد حَتَّى بكر) لعدم البعضية (وَفِي كَونهَا) أَي العاطفة (للغاية نظر وَكَونه) أَي الْمَعْطُوف (أَعلَى مُتَعَلق للْحكم) كمات النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء (أَو أحط) مُتَعَلق لَهُ كقدم الْحَاج الخ (لَيْسَ) الْكَوْن الْمَذْكُور (مَفْهُوم الْغَايَة، إِذْ لَيْسَ) مفهومها (إِلَّا مُنْتَهى الحكم وَلَا يسْتَلْزم) كَون الْمَعْطُوف أَعلَى أَو أحط كَونه مُنْتَهى، وَفِي) أكلت السَّمَكَة (حَتَّى رَأسهَا بِالنّصب) وَقع الرَّأْس (مُنْتَهى الحكم اتفاقي لَا مدلولها) أَي لِأَن حَتَّى يدل عَلَيْهِ فَلَا يطرد (وَهُوَ) أَي عدم دلَالَة حَتَّى العاطف على انْتِهَاء الحكم (ظَاهر) قَول (الْقَائِل) وَهُوَ صَاحب البديع: حَتَّى (للغاية) تَارَة (وللعطف) أُخْرَى إِذْ لَو كَانَ مُرَاده للغاية والعطف بل للْعَطْف والغاية بِدُونِ ذكر اللَّام ثَانِيًا (وَهُوَ) أَي هَذَا القَوْل (الْحق) لما عرفت (وتأويله) أَي تَأْوِيل كَون العاطفة للغاية بِأَن حكم مَا عطفت عَلَيْهِ يَنْقَضِي شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْمَعْطُوف (فِي اعْتِبَار الْمُتَكَلّم) وملاحظته لَا بِحَسب الْوُجُود نَفسه إِذْ قد يجوز ثُبُوت الحكم أَولا للمعطوف كَمَا فِي قَوْلك مَاتَ كل أَب لي حَتَّى آدم، أَو فِي الْوسط كمات وَمَات النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء (تكلّف) وَمَعَ هَذَا (يَنْفِيه الوجدان إِذْ لَا يجد الْمُتَكَلّم اعْتِبَاره كَون الْمَوْت تعلق شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن انْتهى) وَمَعَ هَذَا يَنْفِيه (إِلَى آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَاتَ الْآبَاء حَتَّى آدم وَكثير) من الْأَمْثِلَة الَّتِي لَا يجد فِيهَا الِاعْتِبَار الْمَذْكُور لَا يُحْصى عدده، فَقَوله كثير بِالْجَرِّ عطفا على مَدْخُول فِي، وَيجوز فِيهِ الرّفْع على أَن أَمْثِلَة عدم الوجدان كَثِيرَة لَا تحصى (إِلَّا أَن قَوْله) أَي الْقَائِل الْمَذْكُور (وَقد تعطف) حَتَّى (تَاما أَي جملَة) أَي مصرحة بجزئيتها، والتذكير فِي تَاما بِتَأْوِيل الْكَلَام حَال كَون الْقَائِل (ممثلا بضربت الْقَوْم حَتَّى زيد غَضْبَان خلاف الْمَعْرُوف) إِذْ الْمَعْرُوف أَنَّهَا لعطف الْمُفْرد، كَيفَ وَشَرطه الْمَذْكُور لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِيهِ، وَأَيْضًا العاطفة مَحْمُولَة على الجارة وَهِي لَا تدخل إِلَّا على الِاسْم، وَعند الْبَعْض يعْطف الْفِعْل على الْفِعْل مَاضِيا كَانَ أَو مُسْتَقْبلا إِذا كَانَ فِيهِ معنى السَّبَب نَحْو ضربت زيدا حَتَّى بَكَى أَي فَبكى ولأضربته حَتَّى يبكي: أَي فيبكي، فَهُوَ يرفع الْمُسْتَقْبل بعده وَعند الْجُمْهُور لَا يجوز فِيهِ إِلَّا النصب (وادعاؤه) أَي عطفها الْجُمْلَة (فِي حَتَّى تكل مطيهم على سريت بهم فِي قَول امْرِئ الْقَيْس:

(سريت بهم حَتَّى تكل مطيهم ... وَحَتَّى الْجِيَاد مَا يقدن بأرسان) أَي امْتَدَّ بهم السّير حَتَّى أعييت الْإِبِل وَالْخَيْل فطرحت حبالها على أعناقها لذهاب نشاطها فَلم تذْهب يَمِينا وَشمَالًا حَتَّى سَارَتْ مَعَهم فَوضع مَا يقدن مَوضِع الكلال، وَهَذَا الادعاء زَعمه ابْن السَّيِّد على رِوَايَة رفع تكل (لَا يستلزمه) أَي جَوَازه مُطلقًا قِيَاسا لِأَنَّهُ شَاذ (لَو لزم) الْعَطف فِيهِ فَكيف (وَهُوَ) أَي اللُّزُوم (مُنْتَفٍ بل) هُوَ حَتَّى فِيهِ (ابتدائية، وَصرح فِي الابتدائية بِكَوْن الْخَبَر من جنس) الْفِعْل (الْمُتَقَدّم) وَمن المصرحين الْمُحَقق الرضي (فَامْتنعَ ركب الْقَوْم حَتَّى زيد ضَاحِك بل) إِنَّمَا يُقَال حَتَّى زيد (رَاكب، وَمِنْه) أَي من قسم الابتدائية (سرت حَتَّى كلت الْمطِي ويتجوز بالجارة دَاخِلَة على الْفِعْل عِنْد تعذر) إِرَادَة (الْغَايَة) مِنْهَا (بِأَن لَا يصلح الصَّدْر) أَي مَا قبلهَا (للامتداد وَمَا بعْدهَا للانتهاء) إِمَّا بِأَن لَا يكون الصَّدْر أمرا ذَا امتداد، أَو يكون لَكِن مَا بعْدهَا لَا يصلح لِأَن يكون انْتِهَاء لَهُ (فِي سَبَبِيَّة مَا قبلهَا لما بعْدهَا إِن صلح) مَا قبلهَا لسببية مَا بعْدهَا فمدخوله هُوَ المتجوز فِيهِ (وَالْوَجْه) أَن يُقَال يتجوز بهَا فِي سَبَبِيَّة أَحدهمَا للْآخر) أَي مَا قبلهَا لما بعْدهَا أَو بِالْعَكْسِ (ذهنا) بِأَن يكون وجود الأول فِي الذِّهْن سَببا لوُجُود الثَّانِي فِيهِ كرتبت معلوماتي حَتَّى وجدت النتيجة أَو عَكسه، نَحْو علمت النتيجة حَتَّى رتبت مباديها (أَو خَارِجا) بِكَوْن وجود الأول خَارِجا كوجود الثَّانِي خَارِجا نَحْو أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة، أَو عَكسه نَحْو ربحت حَتَّى اتجرت، أَو يكون وجود الأول ذهنا سَببا لوُجُود الثَّانِي خَارِجا، نَحْو قصدت الرِّبْح حَتَّى اتجرت، أَو عَكسه كعكس الْمِثَال: هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر الْمَتْن وتصريح الشَّارِح، لَكِن دُخُول حَتَّى على سَبَب لَيْسَ بمسبب من وَجه غير مأنوس. نعم إِذا كَانَ سَببا بِاعْتِبَار وجوده الذهْنِي سَببا بِاعْتِبَار وجوده الْخَارِجِي أَو بِالْعَكْسِ، فَوجه دُخُول حَتَّى عَلَيْهِ ظَاهر (لمساعدة الْمثل) حِينَئِذٍ إِذْ الْأَمْثِلَة وَارِدَة على طبق التَّعْمِيم الْمَذْكُور بِخِلَاف مَا إِذا اقْتصر على سَبَبِيَّة مَا قبلهَا لما بعْدهَا، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي بعض صور تجوز الجارة (كأسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة) فَإِنَّهُ تعذر فِيهِ إِرَادَة الْغَايَة إِذْ (لَيْسَ) الدُّخُول (منتهاه) أَي الْإِسْلَام بِمَعْنى إحداثه لعدم امتداده (إِلَّا أَن أُرِيد) بِالْإِسْلَامِ (بَقَاؤُهُ) أَي الْإِسْلَام (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين يُرَاد بَقَاؤُهُ يتَحَقَّق لَهُ امتداد لَكِن (لَا يصلح الآخر) وَهُوَ دُخُول الْجنَّة أَن يكون (مُنْتَهى) لبَقَائه إِذْ بَقَاؤُهُ مَوْجُود بعد الدُّخُول على الْوَجْه الأتم مؤيد (وَبِه) أَي بِعَدَمِ صلوح دُخُول الْجنَّة انْتِهَاء (رد تعْيين العلاقة) أَي علاقَة التَّجَوُّز الْمَذْكُور بَين الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ الْغَايَة والمجازي وَهُوَ السَّبَبِيَّة (انْتِهَاء الحكم بِمَا بعْدهَا) إِذْ الحكم الَّذِي هُوَ السَّبَب يَنْتَهِي بِوُجُود الْمُسَبّب

كَمَا يَنْتَهِي الْفِعْل الممتد بغايته، والراد الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ، والمردود قَول صَاحب الْكَشَّاف (واختير أَنَّهَا) أَي العلاقة (مقصوديته) أَي كَون مَا بعد حَتَّى مَقْصُودا (مِمَّا قبله) بِمَنْزِلَة الْغَايَة من المغيا (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمُخْتَار (أبعد) من الأول (لِأَنَّهَا) أَي الْغَايَة (لَا تستلزمه أَي كَونهَا الْمَقْصد مِمَّا قبلهَا (كرأسها) فِي أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا: إِذْ لَيْسَ الْمَقْصد من أكلهَا (وَغَيره) أَي غير رَأسهَا مِمَّا لَيْسَ بمقصد من الغايات (وَالْأول) أَي كَون العلاقة اشتراكهما فِي انْتِهَاء الحكم بِمَا بعْدهَا (أوجه) إِذْ يُمكن تَوْجِيهه بِخِلَاف الثَّانِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالدُّخُول مُنْتَهى إِسْلَام الدُّنْيَا) أَي الانقياد لتحمل التكاليف (وَالصَّلَاة) أَي ومنتهى فعلهَا (فِي) أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة و (صليت حَتَّى أَدخل) الْجنَّة (وَمِنْه) أَي من كَونهَا للسَّبَبِيَّة قَوْلك (لآتينك حَتَّى تغديني) لعدم امتداد الْإِتْيَان وَعدم صَلَاحِية التغدي لِأَن يَجْعَل نِهَايَة الْإِتْيَان بل هُوَ دَاع الْإِتْيَان، ثمَّ الْإِتْيَان سَبَب للتغدي، فَالْمَعْنى: لَكِن تغديني (فيبر) الْحَالِف بوالله لآتينك حَتَّى تغديني إِذا أَتَاهُ (بِلَا تغد) عِنْده لتحَقّق الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بِمُجَرَّد الْإِتْيَان لَهُ (بِخِلَاف مَا إِذا صلج) الصَّدْر للامتداد (فبمعنى إِلَى) نَحْو قَوْله تَعَالَى - {قَالُوا لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} لِأَن اسْتِمْرَار عكوفهم صَالح للامتداد وَرُجُوع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيْهِم صَالح لِأَن يَجْعَل انْتِهَاء لَهُ (فَإِن لم يصلح) الصَّدْر (لَهما) أَي الْغَايَة والسببية (فلعطف مُطلق التَّرْتِيب) الْأَعَمّ من كَونه بمهلة وَبلا مهلة خلافًا لِابْنِ الْحَاجِب إِذْ جعلهَا كثم، وَلمن قَالَ لَا يسْتَلْزم التَّرْتِيب أصلا بل قد يتَعَلَّق الْعَامِل بِمَا بعْدهَا قبل تعلقه بِمَا قبلهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار فِي النَّحْو كَقَوْلِهِم: مَاتَ النَّاس حَتَّى آدم، وَإِنَّمَا يتم الِاسْتِدْلَال بِهِ إِذا ثَبت أَنه من كَلَام الْعَرَب هَذَا وَإِضَافَة عطف إِلَى مُطلق التَّرْتِيب لأدنى مُلَابسَة: إِذْ لَيْسَ مُطلق التَّرْتِيب مَعْطُوفًا بل المُرَاد أَنَّهَا تسْتَعْمل عاطفة لما بعْدهَا على مَا قبلهَا مفيدة الْمَعْطُوف مترتبا على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ ترتبا مُطلقًا (لعلاقة التَّرْتِيب) الْحَاصِل (فِي الْغَايَة) الَّتِي وضعت لَهَا الْمَوْجُود فِي الْمَعْنى الْمجَازِي الَّذِي هُوَ عطف مُطلق التَّرْتِيب (وَإِن كَانَت) الْغَايَة (بالتعقيب أنسب) مِنْهَا بالترتيب الْمُطلق الَّذِي يعم التَّرَاخِي: إِذْ الْغَايَة لَا تراخي عَن المغيا (كجئت حَتَّى أتغدى عنْدك من مَالِي) عطفت التغدي على الْمَجِيء لإِفَادَة التَّشْرِيك فِي الْحُصُول على وَجه التَّرْتِيب مُطلقًا وَلَا يصلح للصدر وَهُوَ الْمَجِيء للغاية لعدم امتداده وَلَا للسَّبَبِيَّة أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لَا عقلية) أَي لَا معقولية (لسببيته) أَي الْمَجِيء (لذَلِك) أَي عِنْد التغدي للمخاطب من مَال نَفسه (فَشرط الفعلان) أَي تحقق الْمَعْطُوف، والمعطوف عَلَيْهِ فِي الْبر (للتشريك) أَي ليتَحَقَّق التَّشْرِيك الَّذِي هُوَ معنى الْعَطف بَينهمَا (كَكَوْنِهِ غَايَة) أَي كَمَا شَرط وجود المغيا والغاية إِذا كَانَت للغاية، وتذكير الضَّمِير

لإرجاعه إِلَى مدلولها (كَأَن لم أضربك حَتَّى تصيح) فَكَذَا إِذا الضَّرْب بالتكرار يحْتَمل الامتداد فَلَا يحصل الْبر إِلَّا بتحقق الضَّرْب والصياح حَال كَون الْمَعْطُوف (معقبا) للمعطوف عَلَيْهِ تَارَة (ومتراخيا) عَنهُ أُخْرَى (فيبر بالتغدي فِي إتْيَان وَلَو) كَانَ التغدي (متراخيا عَنهُ) أَي الْإِتْيَان فِي أَن لم آتِك حَتَّى أتغدى عنْدك فَكَذَا (كَمَا) ذكر (فِي الزِّيَادَات) وشروخها وَإِنَّمَا يَحْنَث إِذا لم يتغد بعد الْإِتْيَان مُتَّصِلا أَو متراخيا فِي جَمِيع الْعُمر (إِلَّا أَن نوى الْفَوْر) والاتصال فَلَا يبر إِلَّا إِن تغدى بعد الْإِتْيَان من غير تراخ (وَفِي الْمُقَيد بِوَقْت يلْزم أَن لَا يُجَاوِزهُ) أَي ذَلِك الْوَقْت (التَّرَاخِي) فَاعل لَا يُجَاوِزهُ (كَأَن لم آتِك الْيَوْم الخ) أَي حَتَّى أتغدى عنْدك فَكَذَا، وَلما كَانَ هَا هُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَن مُطلق التَّرْتِيب لَيْسَ بمدلول لفظ أصلا، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف مَدْلُول اللَّفْظ التَّرْتِيب بِلَا مهلة أَو بمهلة كالفاء وَثمّ، فَكيف يتجوز بحتى عَنهُ، أَشَارَ إِلَى الجوب بقوله (وَإِذا كَانَ التَّجَوُّز بِاللَّفْظِ) عَن معنى (لَا يلْزم كَونه) أَي التَّجَوُّز (فِي مطابقي لفظ) بِأَن يكون الْمَعْنى الْمجَازِي معنى لعين اللَّفْظ (بل وَلَا) يلْزم كَونه (معنى لفظ أصلا) مطابقيا كَانَ أَو غير مطابقي (وَإِذا لم يشرط فِي الْمجَاز نقل) على مَا سبق من أَن الشَّرْط مُجَرّد وجود العلاقة الْمُعْتَبرَة بِاعْتِبَار نوعها لَا تقل أَن هَذَا اللَّفْظ اسْتعْمل فِي هَذَا الْمَعْنى مجَازًا (جَازَ هَذَا) الْمجَاز يَعْنِي كَون حَتَّى لعطف مُطلق التَّرْتِيب (وَإِن لم يسمع) اسْتِعْمَالهَا فِيهِ (وباعتباره) أَي الْجَوَاز الْمَذْكُور (جوزوا) أَي الْفُقَهَاء (جَاءَ زيد حَتَّى عَمْرو) إِذا جَاءَ عَمْرو بعد زيد (وَإِن مَنعه النُّحَاة) (ناء على مَا تقدم من اشْتِرَاط كَون مَا بعْدهَا بعض مَا قبلهَا أَو كبعضه (غير أَن الثَّابِت) من العلاقة بَين هَذَا الْمجَازِي والحقيقي (عِنْدهم) أَي المجوزين (التَّرْتِيب) على مَا مر (وَتقدم النّظر فِيهِ) أَي فِي تحقق التَّرْتِيب كَمَا بَين الْغَايَة والمغيا حَال كَونهَا (عاطفة كمات النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء وَحَتَّى آدم وَأَنه لَا غَايَة) بِمَعْنى الِانْتِهَاء (يلْزم فِيهِ) أَي فِي الْعَطف (بل ذَلِك الْغَايَة) لِأَن التَّرْتِيب الْكَائِن بَين مَا بعْدهَا وَمَا قبلهَا فِي العاطفة إِنَّمَا هِيَ (فِي الرّفْعَة والضعة) بَان يكون مَا بعْدهَا أقوى الْأَجْزَاء أَو أضعفها وَأَدْنَاهَا (لَا) الْغَايَة (الاصطلاحية مُنْتَهى الحكم) وَقد مر بَيَانه وَالْحَاصِل أَن هَذَا الْمجَازِي الْمُعْتَبر فِيهِ معنى الْعَطف فرع الْحَقِيقِيّ لحتى العاطفة وَالتَّرْتِيب لَيْسَ بموجود فِي أَصله، فَكيف يعْتَبر علاقَة بَينهمَا، وَجعله فرعا لغير العاطفة فِي غَايَة الْبعد (وَلم يلْزم الِاسْتِثْنَاء بهَا) أَي بحتى فِيمَا استدلوا بِهِ من قَوْله تَعَالَى - {حَتَّى يَقُولَا} - على كَونهَا فِيهِ بِمَعْنى إِلَّا على مَا ذكره ابْن مَالك وَغَيره، فَالْمَعْنى: إِلَّا أَن يَقُولَا على أَن يكون الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا، فَأَشَارَ إِلَى جوابهم بقوله (وَقَوله تَعَالَى) - {وَمَا يعلمَانِ من أحد (حَتَّى يَقُولَا صحت} حَتَّى هَهُنَا أَن تكون (غَايَة للنَّفْي) أَي لنفي عدم التَّعْلِيم (كإلى وَكَذَا لَا

حروف الجر مسئلة

أفعل حَتَّى تفعل) أَي إِلَى أَن تفعل وَأما قَول ابْن هِشَام الْمصْرِيّ كَونهَا بِمَعْنى أَلا ظَاهر فِيمَا أنْشدهُ ابْن مَالك من قَوْله (لَيْسَ الْعَطاء من الفضول سماحة ...) وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقَوله (حَتَّى تجود وَمَا لديك قَلِيل ...) وَمن قَوْله (وَالله لَا يذهب شَيْخي بَاطِلا ...) وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقَوله: حَتَّى أبير مَالِكًا وكاهلا) فقد أجَاب عَنهُ بقوله (للسَّبَبِيَّة أَو للغاية وَالله أعلم) فَمَعْنَى الْبَيْت الأول لَيْسَ إِعْطَاء الْإِنْسَان من المَال الْفَاضِل عَن حَاجته سماحة، حَتَّى يعد بِهِ الْمُعْطِي سَمحا جوادا، فَهُوَ لَا يزَال على عدم الْجُود إِلَى أَن يجود، وَلَيْسَ عِنْده إِلَّا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَمعنى الْبَيْت الثَّانِي: لَا أترك أحدا أهلك أبي وَاسْتمرّ على الأبارة والإهلاك إِلَى أَن أبير هذَيْن الْحَيَّيْنِ من أَسد فَإِنَّهُمَا تعاضدا على قَتله، هَذَا على تَقْدِير الْمحل على الْغَايَة، وَأما على السَّبَبِيَّة، فالتوجيه أَن يُقَال عدم كَون الْعَطاء من الفضول سماحة سَبَب للجود من الْقَلِيل، لِأَن الاتصاف بالجود مطلب الْكِرَام فَإِذا لم يحصل بذلك، فَلَا جرم يتَمَسَّك بِمَا يحصل، وَكَذَا إِرَادَة الانتقام إِذا غلبت على النَّفس بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي عَنْهَا بِدُونِ التشفي، فَلَا جرم يفعل مَا يحصل بِهِ وَهُوَ إهلاك الْحَيَّيْنِ، وَزعم الشَّارِح أَن التَّرَدُّد بَين السَّبَبِيَّة والغاية إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَيْت الثَّانِي، وَأما الْبَيْت الأول فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْغَايَة. حُرُوف الْجَرّ: مسئلة (الْبَاء) بِاعْتِبَار مَا وضعت لإِقْرَاره من النّسَب الْجُزْئِيَّة وَجعل آلَة لملاحظتها عِنْد الْوَضع (مشكك) بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِضَافَة الَّتِي ستذكر وَلَيْسَ بمتواطئ، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله (للالصاق) وَهُوَ تَعْلِيق الشَّيْء بالشَّيْء وإيصاله بِهِ (الصَّادِق فِي أَصْنَاف الِاسْتِعَانَة) بدل بعض، وَهُوَ طلب المعونة بِشَيْء على شَيْء، وَهِي الدَّاخِلَة على آلَة الْفِعْل نَحْو: كتبت بالقلم لالصاقك الْكِتَابَة بالقلم (والسببية) وَهِي الدَّاخِلَة على اسْم لَو أسْند الْفِعْل المعدي بهَا إِلَيْهِ صلح أَن يكون فَاعِلا لَهُ مجَازًا كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَأخْرج بِهِ من الثمرات} -: إِذْ يَصح أَن يُقَال أخرج المَاء الثمرات مجَازًا. وَقَالَ ابْن مَالك ينْدَرج فِيهَا بَاء الِاسْتِعَانَة: إِذْ يَصح أَن يُقَال كتبت الْقَلَم، نعم فِي مثل قَوْله تَعَالَى - {وأيده بِجُنُود} - اسْتِعْمَال السَّبَبِيَّة يجوز الِاسْتِعَانَة لِأَن الله تَعَالَى غنى عَن الْعَالمين انْتهى، وَفِيه أَن استغناءه كَمَا يَقْتَضِي عدم الِاسْتِعَانَة بِحَسب الْحَقِيقَة كَذَلِك يَقْتَضِي عدم السب بحسبها، وَأما بِحَسب الظَّاهِر فَلَا يمْنَع شَيْئا مِنْهُمَا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال لم يرد فِي الشَّرْع استعانته وَلَو تجوزا فَلْيتَأَمَّل (والظرفية) مَكَانا أَو زَمَانا وَهُوَ مَا يحسن فِي موضعهَا كلمة فِي - {وَلَقَد نصركم الله ببدر} {نجيناهم بِسحر} - (والمصاحبة) وَهِي مَا يحسن فِي موضعهَا مَعَ - {قد جَاءَكُم الرَّسُول بِالْحَقِّ} -، ثمَّ علل كَونهَا

مشككا بقوله (فَإِنَّهُ) أَي الالصاق (فِي الظَّرْفِيَّة مثلا كقمت بِالدَّار أتم مِنْهُ) أَي الالصاق (فِي) نَحْو (مَرَرْت بزيد فتفريع بَاء الثّمن) أَيْن الدَّاخِلَة على الْأَثْمَان كبعت هَذَا بِعشْرَة أَو بِثَوْب (عَلَيْهِ) أَي على الإلصاق بِجُزْء من جزئياته (على النَّوْع) الشَّامِل للأصناف (و) مَا فرعت عَلَيْهِ (على الْخُصُوص) أَي الصِّنْف الْخَاص فَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (الالصاق الِاسْتِعَانَة) أَي الالصاق المتحقق فِي ضمن الِاسْتِعَانَة، فَقَوله فتفريع بَاء الثّمن مُبْتَدأ، وَقَوله على النَّوْع خَبره: أَي تَفْرِيع للفرد على النَّوْع، وَقَوله على الْخُصُوص مُتَعَلق بصلَة الْمَوْصُول الْمُقدر، وَقَوله الالصاق الخ خبر الْمَوْصُول، والاستعانة صفة الالصاق (الْمُتَعَلّقَة بالوسائل) صفة الِاسْتِعَانَة (دون الْمَقَاصِد الْأَصْلِيَّة) إِذْ بالوسائل يستعان على الْمَقَاصِد، والمقصد الْأَصْلِيّ من البيع: الِانْتِفَاع، وَالثَّمَر وَسِيلَة إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِب من النُّقُود الَّتِي لَا ينْتَفع بهَا بِالذَّاتِ (فصح الِاسْتِبْدَال بالكر) من الْحِنْطَة (قبل الْقَبْض فِي) قَوْلك (اشْتريت هَذَا العَبْد بكر حِنْطَة وَصفه) بِوَصْف يزِيل الْجَهَالَة من جودة وَغَيرهَا لِأَنَّهُ ثمن لدُخُول الْبَاء عَلَيْهِ فَكَانَ كَسَائِر الْأَثْمَان فِي صِحَة الِاسْتِبْدَال بِهِ وَالْوُجُوب فِي الذِّمَّة حَالا، لِأَن الْمكيل مِمَّا يثبت فِي الذِّمَّة حَالا وَعدم اشْتِرَاط الْقَبْض: إِذْ الْمَقْصد من الْقَبْض التَّعْيِين، وَلَا يشْتَرط التَّعْيِين فِي الْأَثْمَان بل يَكْفِي فِيهَا معرفَة الْقدر المنجية عَن الْإِفْضَاء إِلَى النزاع (دون الْقلب) أَي بِعْت كرا من الْحِنْطَة الموصوفة بِكَذَا بِهَذَا العَبْد (لِأَنَّهُ) أَي القَوْل الْمَذْكُور (حِينَئِذٍ) أَي حِين قلب، وَأدْخل الْبَاء على العَبْد فَجعل ثمنا فَصَارَ الْكر مَبِيعًا (سلم) أَي بيع سلم إِذْ الْكر الْمَبِيع دين فِي الذِّمَّة، وَالْمَبِيع الدّين لَا يكون إِلَّا سلما، وَصِحَّة السّلم مفقودة هَهُنَا إِذْ هُوَ (يُوجب الْأَجَل) الْمعِين عِنْد الْجُمْهُور مِنْهُم أَصْحَابنَا (وَغَيره) أَي وَغير الْأَجَل كقبض رَأس مَال السّلم (فَامْتنعَ الِاسْتِبْدَال بِهِ) أَي بالكر (قبله) أَي قبل الْقَبْض فَإِن قلت الْمَبِيع فِي السّلم مَعْدُوم، والمعدوم غير مُتَعَيّن، وَلَا فَائِدَة للقبض سوى التعين فَمَا معنى تَفْرِيع امْتنَاع الِاسْتِبْدَال بالكر قبل الْقَبْض على مُوجب السّلم بل هُوَ متفرع على كَون الْكر مَبِيعًا قلت لَيْسَ المُرَاد من الِاسْتِبْدَال بِهِ الِاسْتِبْدَال على وَجه السّلم من الِاسْتِبْدَال الْمُطلق وَحَاصِله أَن الِاسْتِبْدَال حِينَئِذٍ إِمَّا على وَجه السّلم وَقد عرفت أَنه لَا يَصح لِانْعِدَامِ شُرُوطه، أَو على غَيره فَلَا بُد فِيهِ من التَّعْيِين، وَغير الْمَقْبُوض لَيْسَ بمتعين فَلَا يَصح الِاسْتِبْدَال مُطلقًا (وَإِثْبَات الشَّافِعِي كَونهَا) أَي الْبَاء (للتَّبْعِيض فِي امسحوا برءوسكم هُوَ الالصاق) أَي إِثْبَات الالصاق (مَعَ تبعيض مدخولها) أَي الْبَاء: أَي ألصقوا الْمسْح بِبَعْض الرَّأْس (وَأنْكرهُ) أَي التَّبْعِيض (محققو الْعَرَبيَّة) مِنْهُم ابْن جني. قَالَ ابْن برهَان النَّحْوِيّ الأصولي: من زعم أَن الْبَاء للتَّبْعِيض فقد أَتَى أهل الْعَرَبيَّة بِمَا لَا يعرفونه (وشربت بِمَاء الدحرضين) أَي وَالْبَاء فِي قَول

عنترة أَخْبَارًا عَن النَّاقة: (شربت بِمَاء الدحرضين فَأَصْبَحت ... زوراء تنفر عَن حِيَاض الديلم) (للظرفية) أى شربت النَّاقة فِي مَحل هَذَا المَاء، والدحرضان ماءان، يُقَال لأَحَدهمَا وشيع، وَللْآخر: الدحرض فغلب فِي التَّثْنِيَة، وَقيل مَاء لبني سعد، وَقيل بلد والزوراء المائلة والديلم نوع من التّرْك ضربه مثلا لأعدائه، يَقُول هَذِه النَّاقة تتخلف عَن حِيَاض أعدائه وَلَا تشرب مِنْهَا، وَقيل الديلم أَرض (و: (شربن بِمَاء الْبَحْر) ثمَّ ترفعت ... مَتى لجج خضر لَهُنَّ نئيج) وَمَتى بِمَعْنى من، والنئيج من نئج الثور إِذا خار، وَالْبَيْت فِي وصف السَّحَاب، وَالْبَاء فِيهِ (زَائِدَة وَهُوَ) أَي كَونهَا زَائِدَة (اسْتِعْمَال) مُحَقّق (كثير) يشْهد بِهِ التتبع (وإفادة البعضية لم تثبت بعد) معنى مُسْتقِلّا لَهَا (فالحمل عَلَيْهِ) أَي كَونهَا زَائِدَة (أولى) من الْحمل على البعضية (مَعَ أَنه لَا دَلِيل) على البعضية (إِذْ المتحقق) بِالْقَرِينَةِ (علم البعضية) أَي الْعلم بِأَن مُتَعَلق الحكم بِحَسب نفس الْأَمر بعض مدخولها (وَلَا يتَوَقَّف) عَملهَا (على الْبَاء لعقلية أَنَّهَا) أَي لِأَن الْعقل يحكم بِأَن النَّاقة (لم تشرب كل مَاء الدحرضين وَلَا استغرقن) أَي السحب (الْبَحْر) فَلَا حَاجَة إِلَى إِرَادَة البعضية من الْبَاء لاستقلال الْعقل بإفادتها، هَذَا. وَقَالَ ابْن مَالك: والأجود تضمين شربن معنى روين (وَمثله) أَي مثل هَذَا التَّبْعِيض (تبعيض الرَّأْس فَإِنَّهَا) أَي الْبَاء (إِذا دخلت عَلَيْهِ) أَي الرَّأْس (تعدى الْفِعْل) أَي الْمسْح (إِلَى الْآلَة العادية) للمسح (أَي الْيَد) يَعْنِي أَن الْمسْح لَا بُد لَهُ من آلَة وَمحله وَيذكر وَيقدر الآخر، وَحقّ الْبَاء أَن تدخل على الْآلَة وَلَا تستوعبها وتتعدى إِلَى الْمحل بِغَيْر وَاسِطَة وتستوعبه، وَفِي الْآيَة دخلت على الْمحل فَلَزِمَ عدم استيعابه وَلزِمَ تعديه إِلَى الْآلَة بِغَيْر وَاسِطَة فيستوعبها إِذْ كل مِنْهُمَا نزل منزلَة الآخر فيعطي حَقه وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فالمأمور) بهَا (استيعابها) أَي الْآلَة (وَلَا يسْتَغْرق) استيعابه مِقْدَار الْآلَة (غَالِبا سوى ربعه) أَي الرَّأْس، إِنَّمَا قَالَ غَالِبا لِأَنَّهُ قد يكون الْكَفّ كَبِيرا جدا، وَالرَّأْس صَغِيرا جدا فيستوعبه (فَتعين) الرّبع (فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَلُزُوم التَّبْعِيض عقلا غير مُتَوَقف عَلَيْهَا) أَي الْبَاء: أَي حكم الْعقل بِكَوْن الْمَمْسُوح بعض الرَّأْس لَيْسَ مَوْقُوفا على كَون الْبَاء للتَّبْعِيض لِئَلَّا يلْزم القَوْل بِأَن الْبَاء للتَّبْعِيض وَإِنَّمَا الْحَاجة إِلَيْهَا لتعين الْمِقْدَار. وَقد عرف (وَلَا على حَدِيث أنس فِي) سنَن (أبي دَاوُد وَسكت عَلَيْهِ) فَهُوَ حجَّة لقَوْله ذكرت فِيهِ الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه، وَقَوله: مَا كَانَ فِي كتابي من حَدِيث فِيهِ وَهن شَدِيد فقد بَينته وَمَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح وَبَعضهَا أصح من بعض. قَالَ ابْن الصّلاح: فعلى هَذَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابه مَذْكُورا مُطلقًا، وَلَيْسَ فِي وَاحِد

من الصَّحِيحَيْنِ وَلَا نَص على صِحَّته أحد مِمَّن يُمَيّز بَين الصَّحِيح وَالْحسن عَرفْنَاهُ بِأَنَّهُ من الْحسن عِنْده، وَفِي الشَّرْح زِيَادَة بسط فِيهِ وَلَفظ حَدِيثه " رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ وَعَلِيهِ عِمَامَة قطرية فَأدْخل يَده من تَحت الْعِمَامَة فَمسح مقدم رَأسه " (بل هُوَ) أَي حَدِيث أنس (مَعَ ذَلِك الدَّلِيل) الْمَذْكُور آنِفا (قَائِم على مَالك) فِي إِيجَابه مسح جَمِيع الرَّأْس (إِذْ قَوْله) أَي أنس (فَأدْخل يَدَيْهِ) قَالَ الشَّارِح وَالَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَة صَحِيحَة يَده (من تَحت الْعِمَامَة فَمسح مقدم رَأسه ظَاهر فِي الِاقْتِصَار) عَلَيْهِ: وَهُوَ الرّبع الْمُسَمّى بالناصية فَلَا يُقَال أَن مسح مقدمه لَا يُنَافِي مسح الْبَاقِي، وَفِي الأَصْل تَقْدِيره بِثَلَاثَة أَصَابِع وَفِي الْمُحِيط والتحفة أَنه ظَاهر الرِّوَايَة قَالَ الشَّارِح اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال الْمَذْكُور فِيهِ قَول مُحَمَّد (وَلُزُوم تكَرر الْإِذْن) للبر (فِي أَن خرجت إِلَّا بإذني) فَأَنت طَالِق (لِأَنَّهُ) أَي الِاسْتِثْنَاء (مفرغ للمتعلق) بِفَتْح اللَّام، يَعْنِي أَن الْمُسْتَثْنى الَّذِي فرغ الْعَامِل عَن الْعَمَل فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ للْعَمَل فِيهِ إِنَّمَا هُوَ مُتَعَلق الْبَاء وَهُوَ الْخُرُوج، إِذْ التَّقْدِير (أَي) خرجت خُرُوجًا (إِلَّا خُرُوجًا مُلْصقًا بِهِ) أَي بإذني فَمَا اسْتثْنى من دَائِرَة النَّفْي الشَّامِل لكل خُرُوج كَمَا سيصرح بِهِ إِلَّا خُرُوج ملصق بِالْإِذْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَمَا لم يكن) أَي فالخروج الَّذِي لم يكن مُلْصقًا (بِهِ) أَي بِالْإِذْنِ (دَاخل فِي الْيَمين لعُمُوم النكرَة) المفهومة من الْفِعْل وَسِيَاق النَّفْي الْحَاصِل من الْيَمين إِذْ هِيَ للْمَنْع من الْخُرُوج فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تخرجي خُرُوجًا إِلَّا خُرُوجًا مُلْصقًا بِهِ (فَيحنث بِهِ) أَي بذلك الْخُرُوج الَّذِي لَيْسَ بِإِذْنِهِ (بِخِلَاف) إِن خرجت (إِلَّا أَن آذن) لَك فَإِنَّهُ (لَا يلْزم فِي الْبر) فِيهِ (تكرره) أَي الْإِذْن (لِأَن الْإِذْن غَايَة) لِلْخُرُوجِ (تجوز بإلا فِيهَا) أَي الْغَايَة (لتعذر اسْتثِْنَاء الْأذن من الْخُرُوج) لعدم المجانسة وَلَا يحسن فِيهِ ذَلِك التَّقْدِير لاختلال أَن خرجت خُرُوجًا إِلَّا خُرُوجًا أَن آذن لَك فَإِن قلت لم لَا يجوز أَن يكون معنى إِلَّا خُرُوجًا كَائِنا فِي وَقت الْإِذْن قلت لَا يقْصد بِهَذِهِ الْعبارَة هَذَا التَّطْوِيل الممل كَمَا لَا يخفى على أَرْبَاب اللِّسَان فَلَا يحمل عَلَيْهِ مَعَ جَوَاز هَذَا التَّجَوُّز الظَّاهِر لوُجُود الْمُنَاسبَة الظَّاهِرَة بَين الْغَايَة وَالِاسْتِثْنَاء: إِذْ كل مِنْهُمَا يُفِيد انْتِهَاء شَيْء إِلَى شَيْء، أما الْغَايَة فلانتهاء المغيا إِلَيْهَا، وَأما الِاسْتِثْنَاء فلانتهاء حكم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ الى الْمُسْتَثْنى (وبالمرة) من الْإِذْن (يتَحَقَّق) الْبر (فينتهي الْمَحْلُوف عَلَيْهِ) وَهُوَ الْخُرُوج الْمَمْنُوع عَنهُ مثلا 0 وَلُزُوم تكْرَار الْإِذْن) من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي دُخُول بيوته عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ تِلْكَ الصِّيغَة) أَي إِلَّا أَن يُؤذن لكم لَيْسَ بهَا بل (بِخَارِج) عَنْهَا أَي (تَعْلِيله) تَعَالَى الدُّخُول بِغَيْر الْإِذْن (بالأذى) حَيْثُ قَالَ - {إِن ذَلِكُم كَانَ يُؤْذِي النَّبِي} - فَإِن الاجتناب عَن الْأَذَى يتَوَقَّف على طلب الْإِذْن فِي كل دُخُول فَلَا إِشْكَال.

مسئلة

(مسئلة) (على: للاستعلاء حسا) كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَعَلَيْهَا وعَلى الْفلك تحملون} - (وَمعنى) كأوجبه عَلَيْهِ وَعَلِيهِ دين (فَهِيَ فِي الْإِيجَاب وَالدّين حَقِيقَة فَإِنَّهُ) أَي الْمَذْكُور من الْإِيجَاب وَالدّين (يَعْلُو الْمُكَلف) أما فِي الدّين فَظَاهر، وَأما فِي الْإِيجَاب فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي شغل ذمَّة الْمُكَلف بِحَق مطَالب كَدين الْعباد، وَيحْتَمل إرجاع الضَّمِير إِلَى الدّين أَعم من أَن يكون دين الْحق أَو العَبْد فَيعلم بِهِ الاستعلاء فِي الْإِيجَاب المستلزم دين الْحق (وَيُقَال رَكبه دين) لِأَنَّهُ علاهُ للزومه فِيهِ لَهُ (فَيلْزم فِي عَليّ ألف) لفُلَان لِأَن باللزوم يتَحَقَّق الاستعلاء حَيْثُ يثبت للْمقر لَهُ الْمُطَالبَة (وَالْحَبْس للْمقر، وَهَذَا (مَا لم يصله) أَي قَوْله عَليّ ألف (بمغير وَدِيعَة) أَي بِمَعْنى هُوَ لفظ وَدِيعَة بِالرَّفْع على أَن يكون صفة ألف، أَو النصب على الْحَال فَإِن وَصله بهَا حمل على وجوب الْحِفْظ (لقَرِينَة الْمجَاز) وَهِي وَدِيعَة، وَإِنَّمَا اشْترط وَصله لِأَن الْبَيَان المغير لَا يعْتَبر إِلَّا عِنْد الِاتِّصَال (و) قد مر (فِي الْمُعَاوَضَات الْمَحْضَة) أَي الخالية عَن معنى الْإِسْقَاط (كَالْإِجَارَةِ) فَإِنَّهَا مُعَاوضَة الْمَنَافِع بِالْمَالِ (وَالنِّكَاح) فَإِنَّهُ مُعَاوضَة الْبضْع بِالْمَالِ وَالْبيع فَإِنَّهُ مُعَاوضَة مَال بِمَال، وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا معنى الْإِسْقَاط (مجَاز فِي الالصاق) فِي التَّوْضِيح، وَهُوَ فِي الْمُعَاوَضَات الْمَحْضَة بِمَعْنى الْبَاء إِجْمَاعًا مجَازًا، لِأَن اللُّزُوم يُنَاسب الالصاق، وَهَذَا بَيَان علاقَة الْمجَاز، وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ مجَازًا لِأَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَهُوَ الشَّرْط لَا يُمكن فِي الْمُعَاوَضَات الْمَحْضَة انْتهى. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ كَونهَا للشّرط بِمَنْزِلَة الْحَقِيقَة عِنْد الْفُقَهَاء لِأَنَّهَا فِي أصل الْوَضع للُزُوم، وَالْجَزَاء لَازم للشّرط نَحْو (احمله على دِرْهَم وَتَزَوَّجت على ألف لمناسبته) أَي الالصاق (اللُّزُوم) إِذْ اللَّازِم ملتصق بالملزوم (وَفِي الطَّلَاق للشّرط عِنْده) أَي أبي حنيفَة (فَفِي طَلقنِي ثَلَاثًا على ألف لَا شَيْء لَهُ) أَي للزَّوْج عَلَيْهَا إِذا أجباها (بِوَاحِدَة) وَإِنَّمَا يَقع عَلَيْهَا طَلْقَة رَجْعِيَّة عِنْده (لعدم انقسام على الشَّرْط الْمَشْرُوط) يَعْنِي لَو كَانَ يَنْقَسِم الْألف على الطلقات الثَّلَاث كَانَ يلْزم فِي مُقَابلَة كل طَلَاق ثلث الْألف لكنه لَيْسَ بمنقسم لِأَنَّهُ مَشْرُوط والمشروط لَا يَنْقَسِم على الشَّرْط اتِّفَاقًا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك وانقسم على الطلقات فَلَزِمَ بالواحدة ثلث الْألف (تقدم بعضه) أَي بعض الْمَشْرُوط وَهُوَ ثلث الْألف (عَلَيْهِ) أَي على الشَّرْط وَهُوَ الطلقات الثَّلَاث، وَقد يُقَال إِن كَون مَجْمُوع الْألف مَشْرُوطًا بِمَجْمُوع الطلقات الثَّلَاث لَا يسْتَلْزم كَون كل جُزْء مِنْهُ مَشْرُوطًا بمجموعها، وَإِذا لم يلْزم فَلَا مَحْذُور فِي تقدم بعض الْمَشْرُوط على الشَّرْط: نعم يُقَال حِينَئِذٍ أَن لُزُوم ثلث الْألف لَا مُوجب لَهُ، لِأَنَّهُ لَا انقسام للمشروط على الشَّرْط ليَكُون فِي مُقَابلَة كل طَلَاق ثلث الْألف كَيفَ ومقصد الزَّوْجَة هُوَ الْبَيْنُونَة

مسئلة

وَبِدُون حُصُول الْمَقْصد لَا ترْضى بِإِعْطَاء شَيْء من الْألف فِي مُقَابلَة شَيْء مِنْهَا (وَعِنْدَهُمَا) على هَهُنَا (للالصاق عوضا) أَي للالصاق الَّذِي يكون بَين الْعِوَضَيْنِ: إِذْ كل مِنْهُمَا لَا يُفَارق الآخر وَذَلِكَ لِأَن الطَّلَاق على مَال مُعَاوضَة من جَانبهَا، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الرُّجُوع قبل كَلَام الزَّوْج (فتنقسم الْألف للمعية) الثَّانِيَة بَين الْعِوَضَيْنِ المستلزمة للالصاق الْمُوجبَة للمقابلة بَين أَجْزَائِهَا، لِأَن ثُبُوت الْعِوَضَيْنِ بطرِيق الْمُقَابلَة اتِّفَاقًا (وَلمن يرجحه) أَي قَوْلهمَا أَن يَقُول (أَن الأَصْل فِيمَا علمت مُقَابلَته) بِمَال (العوضية) وَهَذَا مِنْهُ فتعينت، والاتفاق على أَن الْعِوَض تَنْقَسِم أجزاؤه على أَجزَاء المعوض فَتبين مِنْهُ بِوَاحِدَة بِثلث الْألف (وَكَونه) أَي على (مجَازًا فِيهِ) أَي الالصاق (حَقِيقَة فِي الشَّرْط) كَمَا ذكره شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ فَيتَعَيَّن الْحمل على الشَّرْط (مَمْنُوع لفهم اللُّزُوم فيهمَا) أَي الشَّرْط والالصاق: يَعْنِي أَن اللُّزُوم الْمُطلق الَّذِي يتَحَقَّق فِي ضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن فِي كل من الاطلاقين (وَهُوَ) أَي اللُّزُوم هُوَ الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ وَكَونه) أَي على مستعملة حَقِيقَة (فِي معنى يُفِيد اللُّزُوم) فِي الْمُعَاوَضَات (لَا فِيهِ) أَي لِأَنَّهَا مستعملة فِي اللُّزُوم (ابْتِدَاء يصيره) أَي على (مُشْتَركا) بَين هَذَا الْمعِين واللزوم اشتراكا لفظيا: إِذْ كَونه حَقِيقَة فِي اللُّزُوم ثَابت لما ذكر من التبادر، وَالْأَصْل عدم الِاشْتِرَاك وَإِذا تبين كَونهَا حَقِيقَة فِي اللُّزُوم (فمجاز فيهمَا) أَي الالصاق وَالشّرط كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ. مسئلة (من: تقدم مسائلها) فِي بحثي من وَمَا (وَالْغَرَض) هَهُنَا (تَحْقِيق مَعْنَاهَا فكثير من الْفُقَهَاء) كفخر الْإِسْلَام وَصَاحب البديع قَالُوا هِيَ (للتَّبْعِيض) وعلامته إِمْكَان وضع لفظ بعض فِي موضعهَا وَلَيْسَ بمرادف لَهُ، إِذْ الترادف لَا يكون بَين مختلفي الْجِنْس كالاسم والحرف (وَكثير من أَئِمَّة اللُّغَة) كالمبرد وَغَيره ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا (لابتداء الْغَايَة وَرجع مَعَانِيهَا إِلَيْهِ) أَي إِلَى ابْتِدَاء الْغَايَة، وَالْمرَاد بهَا المساقة من إِطْلَاق الِاسْم الْجُزْء على الْكل، إِذْ هِيَ فِي الأَصْل بِمَعْنى النِّهَايَة وَلَيْسَ لَهَا ابْتِدَاء وانتهاء كَذَا فِي التَّلْوِيح (فَالْمَعْنى فِي أكلت من الرَّغِيف ابْتِدَاء أكلي) الرَّغِيف، وَفِي أخذت من الدَّرَاهِم ابْتِدَاء أخذى الدَّرَاهِم (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَعْنى (معنى تعسفه) لمُخَالفَته الظَّاهِر هُوَ من غير مُوجب (لَا يَصح لِأَن ابْتِدَاء أكلي وأخذى لَا يفهم من التَّرْكِيب وَلَا) هُوَ (مَقْصُود الإفادة) مِنْهُ (بل) الْمَقْصُودَة بالإفادة مِنْهُ (تعلقه) أَي الْفِعْل كَالْأَكْلِ وَالْأَخْذ فيهمَا (بِبَعْض مدخولها) وَهُوَ الرَّغِيف وَالدَّرَاهِم (وَكَيف) يَصح هَذَا (وابتداؤه) أَي وَارِدَة ابْتِدَاء الْفِعْل (مُطلقًا) فِي جَمِيع مواردها غير صَحِيح لِأَنَّهَا (قد تكذب) فِي بعض الْمَوَاضِع كَمَا إِذا ابْتَدَأَ

الْأكل من اللَّحْم ثمَّ أكل بعض الرَّغِيف ثمَّ قَالَ: أكلت من الرَّغِيف، فَإِذا أَرَادَ كَون ابْتِدَاء أكله من الرَّغِيف كَانَ المُرَاد بِهَذَا الِاعْتِبَار كذبا (وتخصيصه) أَي الْفِعْل الْمَقْصد تعْيين ابْتِدَاء بِهِ (بذلك) الْمحل (الجزئي) كالرغيف فِي: أكلت من الرَّغِيف (غير مُفِيد) أَي يُوجب كَون الْكَلَام غير مُفِيد، جَوَاب سُؤال، وَهُوَ أَنه لَا نسلم لُزُوم الْكَذِب فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة لجَوَاز أَن يُرَاد تعْيين ابْتِدَاء الْأكل الْمُتَعَلّق بالرغيف، لَا مُطلق الْأكل فِي ذَلِك الْوَقْت ليلزم الْكَذِب وَحَاصِله أَنه حِينَئِذٍ يكون الْمَعْنى ابْتِدَاء أكل الْمُتَعَلّق بالرغيف الرَّغِيف وَلَا فَائِدَة فِيهِ (واستقراء مواقعها يُفِيد أَن متعلقها أَن تعلق بمسافة) حَال كَونه (قطعا لَهَا) أَي لتِلْك الْمسَافَة: يَعْنِي كَونه لبَيَان قطعهَا (كسرت ومشيت أَولا) يكون قطعا لَهَا (كبعت) من هَذَا الْحَائِط إِلَى هَذَا الْحَائِط (وأجرت) الدَّار من شهر كَذَا إِلَى شهر كَذَا (فلابتداء الْغَايَة أَي ذِي الْغَايَة) قصد بِهِ تَفْسِير قَوْلهم لابتداء الْغَايَة، وَقد مر آنِفا (وَهُوَ) أَي ذُو الْغَايَة (ذَلِك الْفِعْل) الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ تَفْسِير قَوْلهم لابتداء الْغَايَة، وَقد مر آنِفا (وَهُوَ) أَي ذُو الْغَايَة (ذَلِك الْفِعْل) الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ (أَو مُتَعَلّقه) وَهُوَ الْمَكَان أَو الزَّمَان الَّذِي وَقع فِيهِ (الْمُبين) أَي الَّذِي بَين (منتهاه) بإلى وَنَحْوه، (وَإِن أَفَادَ) الْفِعْل الَّذِي تعلق بِهِ من (تناولا) أَي معِين التَّنَاوُل (كأخذت وأكلت وَأعْطيت فَلَا يصاله) أَي فَمن لَا يصال مَا يتَعَلَّق بِهِ (إِلَى بعض مدخولها فَعلمت تبادر كل من المعنين) أَي الِابْتِدَاء والتبعيض (فِي مَحَله) تبادرا حَاصِلا عَن كلمة من (أَي مَعَ خُصُوص ذَلِك الْفِعْل) على الْوَجْه الَّذِي بَين (فَلم يبْق) بعد هَذَا التبادر (إِلَّا) أحد الْأَمريْنِ: أما (إِظْهَار مُشْتَرك) معنوي بَين الِابْتِدَاء والتبعيض (يكون) من مَوْضُوعا (لَهُ) أَي لذَلِك الْمُشْتَرك (أَو) الِاشْتِرَاك (اللَّفْظِيّ) بَينهمَا (أما) أَنه (حَقِيقَة فِي أَحدهمَا مجَاز فِي الآخر بعد استوائهما) أَي الْمَعْنيين (فِي المدلولية والتبادر فِي محليهما فتحكم وانتفى جعلهَا) مَوْضُوعا (للابتداء) فَقَط لعدم صِحَة إِرَادَته فِي كثير من المواقع لما عرفت (ورد التَّبْعِيض إِلَيْهِ) أَي الِابْتِدَاء وَلم يظْهر مُشْتَرك معنوي غَيره أَيْضا (فمشترك) أَي فَإِذن هُوَ مُشْتَرك (لَفْظِي) بَين مَعَانِيهَا، ومعين كل وَاحِد مِنْهَا الْمُتَعَلّق الْخَاص (وَيرد الْبَيَان) أَي كَونهَا للْبَيَان وعلامته صِحَة وضع الَّذِي موضعهَا أَو جعل مدخولها مَعَ ضمير مَرْفُوع قبله صلتها كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} -: إِذْ يَصح الرجس الَّذِي هُوَ الْأَوْثَان (إِلَى التَّبْعِيض بِأَنَّهُ) أَي التَّبْعِيض فِيهِ (أَعم من كَونه تبعيض مدخولها من حَيْثُ هُوَ مُتَعَلق الْفِعْل، أَو كَون مدخولها) فِي نَفسه (بَعْضًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُتَعَلق الْفِعْل، فالأوثان بعض الرجس) وَلَا يخفى أَن كلمة من بِمَنْزِلَة لفظ الْبَعْض، وَالْمَفْهُوم من قَوْلنَا: أكلت بعض الرَّغِيف تبعيض الرَّغِيف، وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُرَاد من قَوْله - {من الْأَوْثَان} - تبعيض الْأَوْثَان لَا تبعيض الرجس، وَلَا يَصح تبعيضها بِاعْتِبَار تعلق

مسئلة

الْفِعْل لوُجُوب الاجتناب من الْكل، وَلَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرجس بِأَن يُقَال: بعض الْأَوْثَان رِجْس إِذْ الْكل رِجْس بِخِلَاف أَن يُقَال: الْأَوْثَان بعض الرجس، فَإِن فِي إدخالها فِي دَائِرَة الرجس مُبَالغَة فِي ذمها: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: الْمَعْنى على الْقلب. مسئلة (إِلَى: للغاية أَي دَالَّة على أَن مَا بعْدهَا مُنْتَهى حكم مَا قبلهَا، وَقَوله لانْتِهَاء الْغَايَة تساهل) لَا من حَيْثُ أَن الْغَايَة لَا امتداد لَهَا لما ذكر من أَنَّهَا قد تطلق على ذِي الْغَايَة وَلما سَيذكرُ (وَكَذَا) التساهل مَوْجُود وَلم يرْتَفع (بِإِرَادَة المبدأ) بالغاية تحملا بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (إِذْ تطلق) الْغَايَة (بالاشتراك عرفا بَين مَا ذكرنَا) وَهُوَ الْمُنْتَهى (وَنِهَايَة الشَّيْء من طَرفَيْهِ) بَيَان لنهايته وهما أَوله وَآخره (وَمِنْه) أَي من هَذَا الِاشْتِرَاك الْعرفِيّ نَشأ قَوْلهم (لَا تدخل الغايتان) فِي قَوْله عَليّ من دِرْهَم إِلَى عشرَة حَتَّى تلْزم ثَمَانِيَة كَمَا هُوَ قَول زفر، وَإِنَّمَا لم يحمل على التغليب لِأَنَّهُ مجَاز، ثمَّ علل التساهل بقوله (لِأَن الدّلَالَة بهَا) أَي بإلى (على انْتِهَاء حكمه) أَي حكم مَا قبلهَا (لَا) على (انتهائه) أَي مَا قبلهَا نَفسه فَفِي قَوْلك أكلت السَّمَكَة إِلَى رَأسهَا نصفهَا يظْهر مَا قُلْنَا (وَفِي دُخُوله) أَي مَا بعْدهَا فِي حكم مَا قبلهَا. أَرْبَعَة مَذَاهِب. يدْخل مُطلقًا. لَا يدْخل مُطلقًا. يدْخل أَن كَانَ من جنس مَا قبلهَا. وَلَا يدْخل إِن لم يكن. والاشتراك: أَي يدْخل حَقِيقَة وَلَا يدْخل حَقِيقَة، كَذَا ذكره صدر الشَّرِيعَة (كحتى) أَرَادَ أَن الرَّابِع فِي حَتَّى الِاشْتِرَاك فتعقبه بقوله (وَنقل مَذْهَب الِاشْتِرَاك فِي إِلَى غير مَعْرُوف، وَمذهب يدْخل) بِالْقَرِينَةِ (وَلَا يدْخل بِالْقَرِينَةِ غَيره) أَي غير مَذْهَب الِاشْتِرَاك وَسَيَجِيءُ بَيَانه، فَلَمَّا أَفَادَ أَن الِاشْتِرَاك فِي حَتَّى من حَيْثُ النَّقْل ثَابت دون إِلَى أَرَادَ أَن يبين أَن المرضي عِنْده عدم ثُبُوته فِي شَيْء مِنْهُمَا بِحَسب نفس الْأَمر ومنشأ ذَلِك النَّقْل التباس فَقَالَ (فَلَعَلَّهُ) أَي مَذْهَب يدْخل وَلَا يدْخل بِالْقَرِينَةِ (الْتبس بِهِ) أَي بِمذهب الِاشْتِرَاك فَوضع مَوْضِعه مَذْهَب الِاشْتِرَاك (فَلَا يُفِيد حَتَّى وَإِلَى سوى) شَيْء (أَن مَا بعْدهَا مُنْتَهى الحكم) أَي حكم مَا قبل كل مِنْهُمَا (ودخوله) أَي مَا بعد كل مِنْهُمَا فِي حكم مَا قبله (وَعَدَمه) أَي عدم دُخُول مَا بعد كل فِي حكم مَا قبله إِنَّمَا هُوَ (بِالدَّلِيلِ) على ذَلِك بِحَسب الْمَوَارِد (وَإِلَيْهِ) أَي وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَب (أذهب فيهمَا) أَي فِي حَتَّى وَالِي (وَلَا يُنَافِي) هَذَا الْمَذْهَب (إِلْزَام الدُّخُول فِي حَتَّى) عِنْد عدم الْقَرِينَة كَمَا هُوَ قَول أَكثر الْمُحَقِّقين (وَعَدَمه) أَي عدم الدُّخُول (فِي إِلَى) عِنْد عدم الْقَرِينَة كَمَا هُوَ قَول أَكثر الْمُحَقِّقين أَيْضا (لِأَنَّهُ) أَي إِلْزَام الدُّخُول وَعَدَمه، أَو الضَّمِير للشأن (إِيجَاب الْحمل) أَي حمل حَتَّى وَإِلَى على الدُّخُول وَعَدَمه (عِنْد

عدم القرنية) الْمعينَة للدخول أَو عَدمه، فعلى الأول قَوْله إِيجَاب الْحمل خبر إِن، وعَلى الثَّانِي مُبْتَدأ خَبره (للأكثرية فيهمَا) يَعْنِي إِذا لم يكن حَتَّى وَإِلَى مَوْضُوعَيْنِ للدخول وَعَدَمه وَلم تكن الْقَرِينَة الْمعينَة وَالْحمل على مَا هُوَ الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال مُتَعَيّن (حملا على) الِاحْتِمَال (الْأَغْلَب) احْتِرَازًا عَن تَرْجِيح المغلوب الْمَرْجُوح (لَا) إِيجَاب حملهَا على الدُّخُول وَعَدَمه حَال كَونهمَا (مدلولا لَهما) أَي حَتَّى وَإِلَى حَتَّى يُنَافِي الْمَذْهَب الْمُخْتَار (وَالتَّفْصِيل) بَين بِالْفرقِ بَين أَن يكون مَا بعْدهَا من جنس مَا قبلهَا فَيدْخل، وَأَن لَا يكون فَلَا يدْخل (بِلَا دَلِيل) وَأَشَارَ إِلَى نفي مَا يخال دَلِيلا عَلَيْهِ بقوله (وَلَيْسَ يلْزم الْجُزْئِيَّة) أَي كَون مَا بعْدهَا من جنس مَا قبلهَا (الدُّخُول) بِالرَّفْع فَاعِلا ليلزم: أَي لَيْسَ الدُّخُول من لَوَازِم الْجُزْئِيَّة وَلَا عدم الدُّخُول من لَوَازِم عدمهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَا) يلْزم (عدمهَا) أَي الْجُزْئِيَّة (عَدمه) أَي الدُّخُول (إِلَّا أَن يثبت استقراؤه) أَي استقراء الدُّخُول وَعَدَمه فِي موارد الِاسْتِعْمَال فَوجه (كَذَلِك) أَي على التَّفْصِيل الْمَذْكُور (فَيحمل) حَتَّى وَإِلَى عَلَيْهِمَا (كَمَا قُلْنَا وَكَذَا) بِلَا دَلِيل (تَفْصِيل، فَخر الْإِسْلَام إِن كَانَت) الْغَايَة (قَائِمَة: أَي مَوْجُودَة قبل التَّكَلُّم غير مفتقرة) فِي الْوُجُود (إِلَى المغيا: أَي مُتَعَلق الْفِعْل) الَّذِي تعلّقت بِهِ من الزَّمَان وَالْمَكَان (لَا الْفِعْل لم تدخل) الْغَايَة فِي حكم المغيا (كإلى هَذَا الْحَائِط) فِي قَوْله: بعنا أَو أجرت من هَذَا الْحَائِط إِلَى هَذَا الْحَائِط (وَاللَّيْل فِي الصَّوْم) أَي فِي - {أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} - فالحائط لَا تدخل فِي حكم البيع وَالْإِجَارَة وَكَذَا اللَّيْل أَي لَا يدْخل فِي الصَّوْم (إِلَّا أَن تنَاولهَا) أَي الْغَايَة (الصَّدْر كالمرافق) فِي - {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} - لِأَن الْيَد اسْم تنَاول الْجَارِحَة من رُءُوس الْأَصَابِع إِلَى الْإِبِط، فَتدخل الْمرَافِق فِي حكم الْغسْل (فَأدْخل) فَخر الْإِسْلَام (فِي) الْغَايَة (الْقَائِمَة الْجُزْء مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ آخرا أَولا (و) كَذَا أَدخل فِيهَا (اللَّيْل) الْمَذْكُور فِي الْآيَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتثْنى من الْقَائِمَة بِنَفسِهَا مَا يتَنَاوَلهُ الصَّدْر والجزء مِمَّا يتَنَاوَلهُ آخرا كَانَ أَولا، والمستنثى دَاخل فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ لَا محَالة. وَقد صرح فِي التَّمْثِيل بِدُخُول اللَّيْل فِيهَا (وَغَيره) أَي غير فَخر الْإِسْلَام كصاحب الْمنَار وَصدر الشَّرِيعَة قَالَ (إِن قَامَت) الْغَايَة (لَا) تدخل (كرأس السَّمَكَة وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تقم (فَإِن تنَاولهَا) الصَّدْر (كالمرافق دخلت) الْغَايَة فِي حكم المغيا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَتَنَاوَلهَا الصَّدْر (لَا) تدخل (كالليل) لِأَن مُطلق الصَّوْم ينْصَرف إِلَى الْإِمْسَاك سَاعَة بِدَلِيل مسئلة الْحلف (فأخرجوهما) أَي أخرج غير فَخر الْإِسْلَام الْمرَافِق، وَاللَّيْل عَن الْقَائِمَة لادخالهما فِيمَا يُقَابل الْقَائِمَة، وَلم يذكر المُصَنّف فِي تَفْصِيل فَخر الاسلام حكم مَا يُقَابل الْقَائِمَة اكْتِفَاء بِذكرِهِ فِي تَفْصِيل غَيره: إِذْ لَا خلاف بَينهم فِي أَن غير الْقَائِمَة أَن تنَاوله الصَّدْر دخل وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهم فِي الْقَائِمَة، فَغير فَخر الْإِسْلَام

حكم بِعَدَمِ دُخُول الْقَائِمَة مُطلقًا. وَهُوَ اسْتثْنى مِنْهَا مَا تنَاوله الصَّدْر (قيل مبناه) أَي مَبْنِيّ قَول غير فَخر الْإِسْلَام (على تَفْسِيره الْقَائِمَة بِكَوْنِهَا غَايَة قبل التَّكَلُّم) أَي (غَايَة بذاتها لَا يَجْعَلهَا) غَايَة (بِإِدْخَال إِلَى عِنْدهم) أَي غير فَخر الْإِسْلَام ظرف للتفسير، وَلَا شكّ فِي عدم صدق الْقَائِمَة بِهَذَا الْمَعْنى على الْمرَافِق وَاللَّيْل: إِذْ لَا يتَحَقَّق فيهمَا معنى الْغَايَة إِلَّا بجعلهما مَدْخُول إِلَى، بِخِلَاف مَا فسر بِهِ فَخر الْإِسْلَام من كَونهَا مَوْجُودا غير مفتقر إِلَى المغيا فَإِنَّهُ يصدق عَلَيْهِمَا (وَلَا يخفى أَنه) أَي تفسيرهم بِمَا ذكر (مَبْنِيّ على إِرَادَة مُنْتَهى الشَّيْء) الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الْفِعْل على مَا مر (لَا) مُنْتَهى (الحكم) إِذْ مُنْتَهى الشَّيْء هُوَ الَّذِي يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: أَعنِي الْغَايَة بذاتها والغاية بالجعل، وَأما مُنْتَهى الحكم فَلَا يكون إِلَّا بالجعل (فَخرج اللَّيْل والجزء) الَّذِي هُوَ (غير الْمُنْتَهى) من الْقَائِمَة كالمرافق فَإِنَّهُ لَيْسَ بغاية مَعَ قطع النّظر عَن الْجعل كَمَا أَن اللَّيْل لَيْسَ بغاية للصَّوْم الْمُطلق الصَّادِق على إمْسَاك سَاعَة (واختص) كَونهَا قَائِمَة على تفسيرهم (بِنَحْوِ إِلَى الْحَائِط، وَرَأس السَّمَكَة) مِمَّا هُوَ غَايَة فِي حد ذَاتهَا مَعَ قطع النّظر عَن جعل الْجَاعِل (و) اخْتصَّ كَونهَا قَائِمَة (بالمجموع) أَي بِمَجْمُوع كَونهَا مَوْجُودَة قبل التَّكَلُّم غير مفتقرة إِلَى المغيا (عِنْده) أَي فَخر الْإِسْلَام (فدخلا) أَي الْمرَافِق وَاللَّيْل فِي الْقَائِمَة كَذَا قيل (وَفِيه) أى فِي اخْتِصَاص كَونهَا قَائِمَة بالمجموع (نظر لِأَنَّهُ) أى فَخر الاسلام (أَدخل الْمرَافِق) فِي الْقَائِمَة (مَعَ انْتِفَاء صدق الْمَجْمُوع عَلَيْهَا) أى الْمرَافِق فِي أَنَّهَا مفتقرة إِلَى الْيَد (وَالْحق أَن الِاعْتِبَار) فِي الدُّخُول وَعَدَمه (بالتناول) أَي بتناول صدر الْكَلَام للمغيا والغاية مَعًا (وَعَدَمه) أَي التَّنَاوُل (فَيرجع) الِاعْتِبَار الْمَذْكُور (إِلَى التَّفْصِيل النَّحْوِيّ) إِلَى أَن مَا بعْدهَا إِن كَانَ جُزْءا مِمَّا قبلهَا دخل وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا سبق من أَن التَّفْصِيل بِلَا دَلِيل، لِأَن المُرَاد ثمَّة نفي كَون إِلَى مَوْضُوعَة للدخول فِي صُورَة التَّنَاوُل وللخروج فِي غَيرهَا، وَاعْتِبَار التَّنَاوُل هَهُنَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الدُّخُول وَالْخُرُوج يَأْتِي من قبل وَاضع وضع إِلَى بِسَبَب أَنه إِذا كَانَ متناولا فَالظَّاهِر ثُبُوت الحكم لجَمِيع مَا تنَاوله الصَّدْر وَإِلَّا فَالْأَصْل عدم الحكم فِيمَا بعد إِلَى (وَلذَا خطئَ من أَدخل الرَّأْس) من السَّمَكَة (فِي الْقَائِمَة وَحكم بِعَدَمِ دُخُول الْقَائِمَة مُطلقًا) فِي حكم المغيا، وَهُوَ صدر الشَّرِيعَة (وَلم يزدْ التَّفْصِيل إِلَى الْقَائِمَة وَغَيرهَا سوى الشغب) فِي المُرَاد بالقائمة، وَمِمَّا يَقْتَضِيهِ تَفْسِير كل من الْفَرِيقَيْنِ، وَهُوَ بالتسكين تهييج الشَّرّ فِي الأَصْل، وَالْمرَاد هُنَا كَثْرَة القيل والقال (فَعدم دُخُول الْعَاشِر عِنْده) أَي أبي حنيفَة (فِي لَهُ) عَليّ (من دِرْهَم إِلَى عشرَة لعدم تنَاوله) أَي الدِّرْهَم الَّذِي هُوَ صدر الْكَلَام (إِيَّاه) أَي الْعَاشِر فَلَزِمَهُ تِسْعَة (وأدخلاه) أَي الْعَاشِر (بادعاء الضَّرُورَة: إِذْ لَا يقوم) الْعَاشِر غَايَة (بِنَفسِهَا) لعدم وجوده بِدُونِ تِسْعَة قبله فَلم يكن لَهُ

وجود قبل هَذَا الْكَلَام (فَلَا يكون) الْعَاشِر (إِلَّا مَوْجُودَة وَهُوَ) أَي وجودهَا (بِوُجُوبِهَا) فِي الذِّمَّة فَيجب (وَصَارَ) الْعَاشِر (كالمبدأ) وَهُوَ الدِّرْهَم الأول فِي الدُّخُول ضَرُورَة فَلَزِمَهُ عشرَة. (وَقَالَ) أَبُو حنيفَة (المبدأ) أَي دُخُوله (بِالْعرْفِ وَالْإِثْبَات) للْأولِ (لمعروض الثانوية) أَي لأجل إِثْبَات الثَّالِث بِوَصْف الثالثية وهلم جرا (إِلَى العاشرية) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمكن إِثْبَات الثَّانِي مثلا من حَيْثُ هُوَ ثَان فِي الذِّمَّة إِلَّا بِإِثْبَات الأول فِيهَا أَيْضا وَإِلَّا لَكَانَ الثَّابِت فِيهَا وَاحِدًا لَا ثَانِيًا وَهُوَ ظَاهر، وَقَوله وَالْإِثْبَات مُبْتَدأ خَبره (لَا يثبت الْعَاشِر) لعدم احْتِيَاج إِثْبَات التاسعية للتاسع إِلَى العاشرية (ووجوده) أَي الْعَاشِر فِي الْعقل إِنَّمَا هُوَ (لكَونه غَايَة فِي التعقل لتحديد الثَّابِت) أَي لتحديد مَا قصد إثْبَاته فِي الذِّمَّة مِمَّا هُوَ (دونه) أَي دون الْعَاشِرَة وَهُوَ التَّاسِع (وَإِضَافَة كل مَا) أَي عدد كَائِن (قبله) أَي الْعَاشِر (من الثَّانِي إِلَى التَّاسِع يستدعى) ثُبُوت (مَا) أَي عدد كَائِن (قبلهَا) أَي قبل تِلْكَ الْإِضَافَة فالثانوية مثلا مَفْهُوم إضافي إِذا ثَبت معروضها استدعى ثُبُوت الأول، والثالثية تستدعى ثُبُوت الأول وَالثَّانِي، وعَلى هَذَا الْقيَاس (لَا) يستدعى ثُبُوت (مَا بعْدهَا كالعاشر وَلَو استدعاه) أَي لَو فرض أَن الثَّانِي مثلا يستدعى الثَّالِث (كَانَ) ذَلِك الاستدعاء (فِي الْوُجُود) بِحَسب التعقل (لَا فِي ثُبُوت حكمه) أَي حكم الْعدَد الْمُتَقَدّم كالثبوت فِي الذِّمَّة (لَهُ) أَي لما بعده بِأَن يثبت الآخر فِي الذِّمَّة (لِأَنَّهُ) أَي الحكم بِشَيْء (على معروض وصف مضايف) لوصف آخر بِأَن يكون تعقل كل مِنْهُمَا يسْتَلْزم تعقل الآخر (لَا يُوجِبهُ) أَي الحكم بذلك الشَّيْء (على معروض) الْوَصْف (الآخر وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن أوجبه (وَجب قيام الابْن للْحكم بِهِ) أَي بِالْقيامِ (على الْأَب) فَإِن الْأُبُوَّة وصف مضايق للبنوة. وَقد فرض أَن الحكم عل معروض أحد المتضايقين بِشَيْء يُوجب الحكم بِهِ على معروض الآخر، فَيجب أَن يحكم بِكَوْن الابْن قَائِما أَيْضا (وَلذَا) أَي وَلأَجل أَن الحكم على معروض أحد المتضايفين لَا يُوجب الحكم على معروض الآخر (لم يَقع بطالق ثَانِيَة غير وَاحِدَة) وَإِن كَانَت الثَّانِيَة لَا تتَحَقَّق بِدُونِ وُقُوع الأول لَكِن يُمكن الحكم على ذَات معروض أحد المتضايقين من غير اعْتِبَار اتصافه بِالْوَصْفِ بِدُونِ الحكم على معروض الآخر، وَلَا شكّ أَن الْمَقْصد هَهُنَا إِيقَاع ذَات الطَّلَاق من غير اعْتِبَار وصف الثانوية لعدم إِمْكَان اعْتِبَاره لِأَنَّهُ فرع سبق طَلَاق وَلم يسْبق مِنْهُ لفظ إِطْلَاق، قيل وَلَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا بِاللَّفْظِ (ووقوعهما) أَي الطلقتين عِنْد أبي حنفية (فِي) أَنْت طَالِق (من وَاحِدَة إِلَى ثَلَاث بِوُقُوع الأولى للْعُرْف لَا لذَلِك) أَي التضايق بَينهَا وَبَين الثَّانِيَة (وَلَا لجَرَيَان ذكرهَا) أَي الأولى (لِأَن مجرده) أَي ذكرهَا (لَا يُوجِبهُ) أَي وُقُوعهَا

(إِذا لم تقتضه) أَي وُقُوعهَا (اللُّغَة وَبِهَذَا) الَّذِي يكون مُجَرّد ذكر الشَّيْء لَا يقتضى وُقُوعه: إِذا لم تقتضه اللُّغَة (بعد قَوْلهمَا فِي إِيقَاع الثَّالِثَة) أَي بإيقاع (وَمثله) أَي هَذَا (الْخلاف) الْخلاف (فِي دُخُول الْغَد) حَال كَونه (غَايَة للخيار وَالْيَمِين) فِي: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا على أَنِّي بِالْخِيَارِ إِلَى غَد، وَوَاللَّه لَا أُكَلِّمك إِلَى غَد (فِي رِوَايَة الْحسن) بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة (عِنْده) أَي أبي حنيفَة (للتناول) أَي تنَاول صدر الْكَلَام الْغَايَة (لِأَن مطلقه) أَي مُطلق كل وَاحِد من ثُبُوت الْخِيَار، وَنفي الْكَلَام بِأَن لَا يتَقَيَّد بغاية مُعينَة (يُوجب الْأَبَد) إِذا أَرَادَ بعض الْأَزْمِنَة دون بعض تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح فيستغرق أَوْقَات الْعُمر (فَهِيَ) أَي الْغَايَة فيهمَا (لإِسْقَاط مَا بعْدهَا) فَيدْخل الْغَد فِي الْخِيَار وَالْيَمِين فَإِن قلت كَونهَا للإسقاط مُسلم، لِأَن مد الحكم إِلَى مَا بعْدهَا حَاصِل بِدُونِ ذكرهَا، وَلَا يظْهر لذكرها فَائِدَة إِلَّا الْإِسْقَاط، غير أَنه لَا يسْتَلْزم دُخُول مَا بعْدهَا لجَوَاز أَن يَجْعَل دَاخِلا فِي الْإِسْقَاط قُلْنَا أصل التَّنَاوُل لَهَا كَانَ مَعْلُوما بِدُونِ ذكرهَا، فَعِنْدَ الذّكر وَقع التَّرَدُّد فِي بَقَائِهَا على مَا كَانَ وَفِي سُقُوطهَا، وَالْأَصْل هُوَ الْبَقَاء فَتدبر (وَمَا وَقع) فِي نسخ من أصُول فَخر الْإِسْلَام، وَكَذَلِكَ (فِي الْآجَال والأثمان) فِي رِوَايَة الْحسن عَنهُ (غلط لِاتِّفَاق الرِّوَايَة) وَفِي نُسْخَة الشَّارِح الروَاة بدل الرِّوَايَة وَهُوَ الْأَظْهر (على عَدمه) أَي دُخُول الْغَايَة (فِي أجل الدّين وَالثمن وَالْإِجَارَة) كاشتريت هَذَا بِأَلف إِلَى شهر كَذَا، وأجرتك هَذِه الدَّار بِمِائَة إِلَى كَذَا فَلَا يدْخل ذَلِك الشَّهْر فِي الْأَجَل (وَهُوَ) أَي عدم الدُّخُول هُوَ (الظَّاهِر فِي الْيَمين فَلَزِمَهُ) أَي أَبَا حنيفَة (الْفرق) بَين هَذِه وَبَين الْيَمين (فَقيل) فِي الْفرق بَينهمَا ذكر الْغَايَة (فِي الْأَوَّلين) أَي الدّين وَالثمن هُوَ (للترفيه) أَي التَّخْفِيف والتوسعة (وَيصدق) الترفيه (بِالْأَقَلِّ زَمَانا فَلم يَتَنَاوَلهَا) أَي الْكَلَام الْغَايَة (فَهِيَ) أَي الْغَايَة فيهمَا (للمد) أَي لمد الحكم إِلَيْهَا (وَالْإِجَارَة تمْلِيك مَنْفَعَة) بعوض مَالِي (وَيصدق) تمليكها (كَذَلِك) أَي بِالْأَقَلِّ زَمَانا (وَهُوَ) أَي تمليكها كَذَلِك (غير مُرَاد) لِأَن الْمَقْصد من شرعيتها دفع الْحَاجة وَهِي لَا تحصل بِهَذَا الْإِطْلَاق فَيجب أَن يكون المُرَاد مِقْدَارًا معينا وَهُوَ غير مَعْلُوم (فَكَانَ) المُرَاد مِنْهَا (مَجْهُولا) بِاعْتِبَار الْمدَّة (فَهِيَ) أَي الْغَايَة فِيهَا (لمده) أَي الحكم (إِلَيْهَا) أَي الْغَايَة (بَيَانا لقدر) مَجْهُول فَلم يدْخل لعدم مَا يقتضى دُخُوله تَحت الحكم (وَقَول شمس الْأَئِمَّة فِي وَجه: الظَّاهِر) فِي عدم دُخُول الْغَد فِي الْيَمين (فِي حُرْمَة الْكَلَام) وَوُجُوب الْكَفَّارَة بِهِ (فِي مَوضِع الْغَايَة شكّ) مقول قَوْله، وَذَلِكَ لِأَن الأَصْل عدم الْحُرْمَة للنَّهْي عَن هجران الْمُسلم وَعدم وجوب الْكَفَّارَة بِكَلَامِهِ (وَمَا نسب إِلَيْهِمَا) أَي الصاحبين من أَن الْغَايَة (لَا تدخل) فِي المغيا

(إِلَّا بِدَلِيل، وَلذَا) أَي وَلعدم دُخُولهَا فِيهِ (سيمت غَايَة لِأَن الحكم يَنْتَهِي إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا دخلت الْمرَافِق بِالسنةِ) فعلا، على مَا روى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُدِير المَاء على الْمرْفق (وَبحث القَاضِي) وَهُوَ أَنه (إِذا قرن الْكَلَام بغاية أَو اسْتثِْنَاء أَو شَرط لَا يعْتَبر بالمطلق) الْمَذْكُور فِي صدر الْكَلَام بِأَن يحمل على إِطْلَاقه أَولا (لم يخرج) من إِطْلَاقه (بالقيد) أَي الْغَايَة وَالِاسْتِثْنَاء وَالشّرط مَا يَقْتَضِي إِخْرَاجه أحد هَذِه الْمَذْكُورَات (بل) يعْتَبر الْكَلَام (بجملته) ابْتِدَاء يَعْنِي يُؤَخر الحكم إِلَى آخر الْكَلَام فيلاحظ بعد ذكر الْغَايَة وَمَا عطف عَلَيْهِ مَا يبْقى من إِطْلَاقه فَيحكم عَلَيْهِ ابْتِدَاء (فالفعل مَعَ الْغَايَة كَلَام وَاحِد) سيق (للْإِيجَاب) وَإِثْبَات الحكم للمغيا (إِلَيْهَا) أَي الْغَايَة (لَا للْإِيجَاب) أَي لإثباته للمغيا والغاية أَولا (والإسقاط) ثَانِيًا بِأَن يخرج الْغَايَة عَن الحكم بعد دُخُولهَا (فِيهِ فَإِنَّهُ مُنَاقض (وَيجب أَن لَا اعْتِبَار بذلك التَّفْصِيل) الرَّاجِع إِلَى التَّفْصِيل النَّحْوِيّ، فَقَوله وَقَول شمس الْأَئِمَّة مُبْتَدأ عطف عَلَيْهِ كل من قَوْله مَا نسب إِلَيْهَا إِلَى آخِره، وَمن قَوْله: وَبحث القَاضِي إِلَى آخِره، وَقَوله يُوجب إِلَى آخِره خَبره: إِذْ حَاصِل التَّفْصِيل إِدْخَال الْغَايَة فِي بعض الصُّور وإخراجها فِي الْبَعْض وَحَاصِل هَذِه عدم الإدخال مُطلقًا بِنَفس الْكَلَام (بل الإدخال) للغاية مُطلقًا فِي حكم المغيا (بِالدَّلِيلِ) ثمَّ بَين الدَّلِيل بقوله (من وجوب احْتِيَاط) إِذا كَانَ الِاحْتِيَاط فِي الإدخال احْتِرَاز عَن إهمال الحكم الشَّرْعِيّ وَذَلِكَ إِذا لم يكن الأَصْل فِيهِ الْحَظْر (أَو قرينَة) دَالَّة على دُخُولهَا فِي الحكم (وَهُوَ) أَي الدَّلِيل على الإدخال (فِي الْخِيَار كَونه) أَي الْخِيَار شرع (للتروي، وَقد ضرب الشَّرْع لَهُ) أَي للتروي (ثَلَاثَة) من الْأَيَّام بلياليها (حَيْثُ ثَبت) التروي (كَالْبيع) فِي الْمُسْتَدْرك عَن ابْن عمر أَنه قَالَ كَانَ حبَان بن منقذ رجلا ضَعِيفا، وَكَانَ قد أَصَابَته فِي رَأسه مأمومة فَجعل لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخِيَار إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فِيمَا اشْتَرَاهُ، وَعنهُ غير هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْمَعْنى (وَالرِّدَّة) فِي الْمُوَطَّأ عَن عمر أَن رجلا أَتَاهُ من قبل أبي مُوسَى قَالَ رجل ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فقلناه، فَقَالَ: هلا حبستموه فِي بَيت ثَلَاثَة أَيَّام وأطعمتموه كل يَوْم رغيفا لَعَلَّه يَتُوب، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لم أحضر وَلم آمُر وَلم أَرض (لِأَنَّهَا) أَي الثَّلَاثَة (مَظَنَّة إتقانه) أَي التروي إتقانا (تَاما، فَالظَّاهِر إِدْخَال مَا عين غَايَة) للتروي (دونهَا) أَي ثَلَاثَة أَيَّام: يَعْنِي إِذا كَانَ مَا عين غَايَة للتروي مَعَ مغياها ثَلَاثَة أَيَّام أَو أقل مِنْهَا كَانَ دَاخِلا فِي حكمه فبالضرورة يكون مَا قبل الْغَايَة حِينَئِذٍ دون الثَّلَاثَة (وعَلى هَذَا) التَّحْقِيق (انْتَفَى بِنَاء إِيجَاب) غسل (الْمرَافِق عَلَيْهِ) أَي على تنَاول الصَّدْر إِيَّاهَا: إِذْ لَا تَأْثِير لَهُ فِي الإدخال، وَإِنَّمَا التَّأْثِير للدليل على مَا تبين (وَمَا قيل) أَي وانتفى أَيْضا مَا قَالَه بعض الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة من ابتناء

وجوب غسل الْمرَافِق (على اسْتِعْمَالهَا) أَي إِلَى (للمعية) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} - (بعد قَوْلهم: الْيَد) من رُءُوس الْأَصَابِع (إِلَى الْمنْكب) وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّهُ) أَي هَذَا القَوْل إِن صَحَّ (يُوجب الْكل) أَي غسل الْأَيْدِي إِلَى الْمنْكب حِينَئِذٍ (لِأَنَّهُ كاغسل الْقَمِيص وكمه وغايته) أَي غَايَة، ذكر الْمرَافِق حِينَئِذٍ (كأفراد فَرد من الْعَالم) بِحكم الْعَام (إِذْ هُوَ) أَي ذكر الْمرَافِق (تنصيص على بعض مُتَعَلق الحكم) وَهُوَ الْيَد (بتعليق عين ذَلِك الحكم) بذلك الْبَعْض (وَذَلِكَ) أَي وإفراد فَرد من الْعَام بِحكم الْعَام (لَا يخرج غَيره) أَي غير ذَلِك الْفَرد عَن حكم الْعَام فَكَذَا التَّنْصِيص على الْمرَافِق لَا يخرج مَا وَرَاءَهَا عَن وجوب الْغسْل الْمُتَعَلّق بِالْأَيْدِي (وَلَو أخرج) التَّنْصِيص على الْفَرد مِنْهُ غَيره عَن حكمه (كَانَ) إخراجا (بِمَفْهُوم اللقب) وَقد مر تَفْسِيره فِي أَوَائِل الْمقَالة وَهُوَ مَرْدُود فَكَذَا هُنَا (وَمَا قيل) وانتفى أَيْضا مَا ذكره صَاحب الْمُحِيط فِي تَوْجِيه افتراض غسل الْمرَافِق من أَنه (لضَرُورَة غسل الْيَد، إِذْ لَا يتم) غسلهَا (دونه) أَي دون غسل الْمرْفق (لتشابك عظمى الذِّرَاع والعضد) وَعدم إِمْكَان التَّمْيِيز بَينهمَا فَتعين لِلْخُرُوجِ من عُهْدَة افتراض غسل الذِّرَاع بتعين غسل الْمرَافِق، وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّهُ لم يتَعَلَّق الْأَمر بِغسْل الذِّرَاع ليجب غسل مَا لَازمه) وَهُوَ طرف عظم الْعَضُد (بل) تعلق وجوب الْغسْل (بِالْيَدِ إِلَى الْمرْفق وَمَا بعد إِلَى لما لم يدْخل) على مَا هُوَ الْمَفْرُوض (لم يدْخل جزآهما) أَي الذِّرَاع والعضد (الملتقيان) فِي الْمرْفق (وَمَا قيل) أَي وانتفى أَيْضا مَا قيل فِي تَوْجِيه افتراض غسله من أَنه افْترض لاشتباه المُرَاد بِغسْل الْيَد إِلَى الْمرَافِق (للاجمال وغسله) عَلَيْهِ السَّلَام أى الْمرْفق (فالتحق) غسله (بِهِ) أى بِالنَّصِّ الْمُجْمل الْمَذْكُور (بَيَانا) لما هُوَ المُرَاد مِنْهُ، وانما انْتَفَى (لِأَن عدم دلَالَة اللَّفْظ) يعْنى وَأَيْدِيكُمْ الى الْمرَافِق على دُخُول الْمرْفق فِي الْغسْل (لَا يُوجب الْإِجْمَال) فِيمَا هُوَ المُرَاد إِذْ وجوب غسل الْيَد إِلَى الْمرْفق مَنْطُوق والمرفق مسكوت عَنهُ وبالسكوت لَا يلْزم عدم الْوُجُوب كَمَا لَا يلْزم الْوُجُوب، فَالْمُرَاد وجوب غسل مَا فَوق الْمرْفق، وَلَا إِجْمَال فِي هَذَا المُرَاد، وَلَا سِيمَا (وَالْأَصْل الْبَرَاءَة) أَي بَرَاءَة ذمَّة الْمُكَلف عَن الْوُجُوب فَيُؤْخَذ عدم وجوب غسل الْمرَافِق بالاستصحاب (بل) الَّذِي يُوجب الْإِجْمَال (الدّلَالَة المشتبهة) بِأَن يكون الْمَدْلُول مُحْتملا لوجوه شَتَّى وَلم يتَعَيَّن أَحدهَا بِحَيْثُ لَا يدْرك إِلَّا بِبَيَان من قبل الْمُتَكَلّم وَهِي مَقْصُودَة هَهُنَا، وَإِن كَانَ الْأَمر على هَذَا (فَبَقيَ مُجَرّد فعله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دَلِيل السّنة) أَي يدل على مسنونية غسله كَقَوْلِه زفر (وَمَا قيل) أَي وانتفى أَيْضا مَا قيل فِي تَوْجِيه افتراضه من أَن الْغَايَة (تدخل) تَارَة كَمَا فِي حفظت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره (وَلَا) تدخل أُخْرَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فنظرة إِلَى ميسرَة} - (فَتدخل) من الإدخال بِقَرِينَة قَوْله (احْتِيَاطًا)

هَهُنَا لِأَن الحَدِيث مُتَيَقن فَلَا يَزُول بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَن الحكم إِذا توقف على الدَّلِيل لَا يجب) أَي لَا يثبت (مَعَ عَدمه) أَي عدم الدَّلِيل لِامْتِنَاع ثُبُوت الْمَوْقُوف بِدُونِ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَمن الْمَعْلُوم توقفه والمفروض عدم الدَّلِيل هَهُنَا (وَالِاحْتِيَاط) إِنَّمَا هُوَ (الْعَمَل بأقوى الدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ) أَي الْعَمَل بأفواهما (فرع تجاذبهما) بِأَن يتَحَقَّق دَلِيل يجذب الحكم إِلَيْهِ وَدَلِيل آخر يجذب نقيضه إِلَيْهِ جذب الْمُقْتَضى للمقتضى (وَهُوَ) أَي تجاذبهما (مُنْتَفٍ) لعدم وجودهما (وَمَا قيل) أَي وانتفى أَيْضا مَا قيل فِي تَوْجِيهه من أَن قَوْله إِلَى الْمرَافِق غَايَة (لمسقطين مُقَدّر) صفة مسقطين لِأَنَّهُ لم يرد بِهِ خُصُوصِيَّة لفظ مسقطين، بل مَا يعمه وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاغْسِلُوا أَيْدِيكُم حَال كونكم مسقطين الْمنْكب إِلَى الْمرْفق، وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر بِلَا ملجئ) إِلَيْهِ، إِذْ الظَّاهِر تعلقه بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور (وَمَا قيل) أَي وانتفى أَيْضا مَا قيل من أَن قَوْله إِلَى الْمرَافِق (مُتَعَلق باغسلوا مَعَ أَن الْمَقْصُود مِنْهُ) أَي من اغسلوا (الْإِسْقَاط) فَهُوَ غَايَة لاغسلوا، لَكِن لأجل إِسْقَاط مَا وَرَاء الْمرَافِق عِنْد حكم الْغسْل، وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَنَّهُ) أَي اللَّفْظ (لَا يُوجِبهُ) أَي لَا يُوجب كَون الْمَقْصد مِنْهُ الْإِسْقَاط مَعَ تعلقه باغسلوا (وَكَونه مُتَعَلقا باغسلوا مَعَ أَن الْمَقْصُود مِنْهُ الْإِسْقَاط) على تَقْدِير تَسْلِيمه (لَا يُوجِبهُ) أَي الْإِسْقَاط (عَمَّا وَرَاء الْمرْفق بل) إِنَّمَا يُوجب الْإِسْقَاط (عَمَّا قبله) أَي الْمرْفق تَوْضِيحه أَن الْإِسْقَاط الَّذِي يتضمنه الْغسْل إِنَّمَا هُوَ إِسْقَاط الْوَاجِب فِي الذِّمَّة بأَدَاء الْمَأْمُور بِهِ وَلَا يتَحَقَّق ذَلِك إِلَّا فِيمَا قبل الْمرْفق لَا الْإِسْقَاط بِمَعْنى عدم وجوب الْغسْل ابْتِدَاء ليتَحَقَّق فِيمَا فَوْقه (بِاللَّفْظِ مَعَ أَنه) أَي هَذَا التَّوْجِيه (بِلَا قَاعِدَة) أَي لَا ينْدَرج تَحت قَاعِدَة من قَوَاعِد الْعَرَبيَّة (وَالْأَقْرَب) من الْكل أَن يُقَال أَن الحكم بِوُجُوب غسل إِنَّمَا هُوَ (الِاحْتِيَاط لثُبُوت الدُّخُول) أَي دُخُول الْغَايَة فِي حكم المغيا (وَعَدَمه) أَي الدُّخُول (كثيرا وَلم يرو عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطّ تَركه) أَي غسل الْمرَافِق (فَقَامَتْ قرينَة إِرَادَته) أَي الدُّخُول (من النَّص ظنا فَأوجب) هَذَا الْمَجْمُوع: أَعنِي كَثْرَة الدُّخُول وَعَدَمه مَعَ الْقَرِينَة الْمَذْكُورَة (للِاحْتِيَاط) بِالْغسْلِ كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَن كل وَاحِد من الكثرتين بِمَنْزِلَة دَلِيل، وَكَثْرَة الدُّخُول مَعَ الْقَرِينَة الْمَذْكُورَة أقوى الدَّلِيلَيْنِ فيطابق مَا سبق أَن الِاحْتِيَاط الْعَمَل بأقوى الدَّلِيلَيْنِ (إِلَّا أَن مُقْتَضَاهُ) أَي هَذَا الدَّلِيل (وجوب إدخالهما) أَي الْمرْفقين فِي غسل الْيَدَيْنِ (على أصلهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَنَّهُ ثَبت بِدَلِيل ظَنِّي لَا افتراض دخولهما وَلَكِن كَلَامهم صَرِيح فِي الافتراض وَإِن أطلق بَعضهم الْوُجُوب عَلَيْهِ، وَيُؤَيّد الْوُجُوب عدم تكفيرهم الْمُخَالف فِي ذَلِك (أَو يثبت) من الْإِثْبَات على صِيغَة الْمَجْهُول أقيم مقَام فَاعله (استقراء التَّفْصِيل) بَين أَن يكون جُزْءا فَيدْخل وَبَين أَن لَا يكون فَلَا (فَتحمل) الْغَايَة (عَلَيْهِ) أَي على التَّفْصِيل (عِنْد عدم الْقَرِينَة

مسئلة

فِي الْآيَة) فَتدخل افتراضا إِن كَانَ الاستقراء تَاما، وَقَوله أَو يثبت مَعْطُوف على مَا قبله بِحَسب الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ: يحكم بِوُجُوبِهِ مِمَّا ذكر أَو ثَبت الاستقراء فَيحكم بِأَقَلّ مِنْهُ. مسئلة (فِي للظرفية) أَي وضع للدلالة على أَن مجرورها ظرف لمتعلقها زَمَانا أَو مَكَانا (حَقِيقَة) ككون المَاء فِي الْكَوْن وَالصَّلَاة فِي يَوْم الْجُمُعَة (فلزما) أَي الظّرْف والمظروف (فِي غصبته) أَي مِنْهُ (ثوبا فِي منديل) أَو الضَّمِير كِنَايَة عَن الْمَغْصُوب وثوبا حَال عَنهُ، وَجه اللُّزُوم أَنه اقر بِغَصب مظروف فِي ظرف وَهُوَ لَا يتَحَقَّق بِدُونِ غصب الظّرْف (ومجازا كَالدَّارِ فِي يَده و) هُوَ (فِي نعْمَة) جعلت يَده ظرفا للدَّار لاقتداره على التَّصَرُّف فِيهَا اقتدار الْإِنْسَان على مَا فِي يَده، وَالنعْمَة ظرفا لصَاحِبهَا لغمرها وإحاطتها إِيَّاه (وَعم متعلقها) أَي فِي (مدخولها) باستيعابه إِيَّاه حَال كَونهَا (مقدرَة لَا ملفوظة لُغَة) أَي عُمُوما تَقْتَضِيه اللُّغَة (للْفرق) بل وَعرفا (بَين صمت سنة وَفِي سنة) كَانَ الأول يُفِيد اسْتِيعَاب السّنة بِالصَّوْمِ وَهُوَ يصدق بِوُقُوعِهِ فِي بعض يَوْم مِنْهَا (فَلم يصدق قَضَاء فِي نِيَّته آخر النَّهَار فِي) أَنْت (طَالِق غَدا) وَيصدق ديانَة عِنْد الْكل (وَصدق) فِي أَنْت طَالِق (فِي غَد) قَضَاء وديانة فِي نِيَّته آخر النَّهَار عِنْده (خلافًا لَهما) فَإِنَّهُ يصدق عِنْدهمَا ديانَة لَا غير، لِأَنَّهُ وصفهَا بِالطَّلَاق فِي جَمِيع الْغَد كَالْأولِ لِأَن حذفهَا مَعَ إرادتها وإثباتها سَوَاء، فَكَانَ حذفهَا يُفِيد عُمُوم الزَّمَان كَذَلِك إِثْبَاتهَا يفِيدهُ، وَكَذَا يَقع فِي إِثْبَاتهَا عِنْد عدم النِّيَّة فِي أول جُزْء من الْغَد اتِّفَاقًا، فَأجَاب عَن هَذَا بقوله (وَإِنَّمَا يتَعَيَّن أول أَجْزَائِهِ) أَي الْغَد (مَعَ عدمهَا) أَي النِّيَّة (لعدم المزاحم) لسبقه: يَعْنِي أَن وُقُوع متعلقها فِي بعض أَجزَاء الْغَد مَدْلُول قطعا عِنْد ذكرهَا، وكل جُزْء يحْتَمل ذَلِك فاشتركت الْأَجْزَاء فِي هَذَا الِاحْتِمَال، وترجح الْجُزْء الأول لعدم الْمُزَاحمَة: إِذْ الْمُزَاحمَة فرع الْوُجُود وَلم يُوجد فِي يَدَيْهِ سوى الْجُزْء الأول فَيتَعَيَّن (وتنجز نَحْو) أَنْت (طَالِق فِي الدَّار، و) أَنْت طَالِق فِي (الشَّمْس لعدم صلاحيته) أَي كل من الدَّار وَالشَّمْس (للإضافة) أَي إِضَافَة الطَّلَاق إِلَيْهِ لِأَنَّهَا تَعْلِيق معنى، وَالتَّعْلِيق إِنَّمَا يكون بمعدوم على خطر الْوُجُود، وَالْمَكَان الْمعِين وَمَا فِي مَعْنَاهُ مَوْجُود فَيَقَع فِي الْحَال (إِلَّا أَن يُرَاد) بقوله فِي الدَّار (نَحْو دخولكها) أَي فِي دخولك الدَّار حَال كَون الدُّخُول (مُضَافا) إِلَى الدَّار محذوفا للاختصار (أَو) يرد (الْمحل) أَي اسْتِعْمَال الْمحل، وَهُوَ الدَّار، أَو الشَّمْس (فِي الْحَال) وَهُوَ الدُّخُول مجَازًا (أَو) يُرَاد (اسْتِعْمَالهَا) أَي فِي (فِي الْمُقَارنَة) أَي بمعونة مَعَ لِأَن فِي الظّرْف معنى الْمُقَارنَة للمظروف (كالتعليق) أَي فَهُوَ حِينَئِذٍ كالتعليق (توقفا) لتوقف الطَّلَاق على الْمُقَارنَة كتوقف الْمُعَلق على

الْمُتَعَلّق بِهِ كالتعلق (لَا ترتبا) إِذْ لَا يَتَرَتَّب الطَّلَاق على الْمُقَارنَة كترتبه على الشَّرْط كَمَا زعم الْبَعْض غير أَنه لَا يَقع بِدُونِهَا (فَعَنْهُ) أَي عَن كَونه كالتعليق توقفا لَا ترتبا (لَا تطلق أَجْنَبِيَّة قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فِي نكاحك) ثمَّ تزَوجهَا كَمَا لَو قَالَ مَعَ نكاحك: أَي إِيجَاب الطَّلَاق الْمُقَارن للنِّكَاح لَغْو بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن تَزَوَّجتك: إِذْ حِينَئِذٍ يكون الطَّلَاق مُرَتبا على النِّكَاح، وَهَكَذَا شَأْن الطَّلَاق يكون بعد النِّكَاح لَا مَعَه، وَحذف الْمُضَاف والتجوز خلاف الظَّاهِر، وَلذَا لم يصدق فِيهِ قَضَاء، وَيصدق ديانَة لاحْتِمَال اللَّفْظ، ثمَّ إِن ظرفية الدَّار وَالشَّمْس للدخول على سَبِيل التَّجَوُّز بتنزيل الْمَعْنى منزلَة الْجِسْم المتمكن، وَمثل هَذَا التَّجَوُّز شَائِع (وَتعلق طَالِق فِي مَشِيئَة الله) أَي تعلق الطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق فِي مَشِيئَة الله كَانَ شَاءَ الله: إِذْ الْمَشِيئَة بِاعْتِبَار تعلقهَا بِالطَّلَاق لَيست من الْأَشْيَاء الثَّابِتَة لِئَلَّا يصلح لكَونهَا فِي معنى التَّعْلِيق كَالدَّارِ وَالشَّمْس (فَلم يَقع) الطَّلَاق (لِأَنَّهُ) أَي وُقُوعه فِي مَشِيئَة الله غيب لَا سَبِيل إِلَى الِاطِّلَاع عَلَيْهِ (لاختصاصها) أَي لاخْتِصَاص الْعلم بِالْمَشِيئَةِ بِاللَّه لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ، وَالْأَصْل عدم الْوُقُوع (وتنجز) الطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق (فِي علم الله لشُمُوله) أَي شُمُول علمه جَمِيع المعلومات لِأَنَّهُ بِكُل شَيْء عليم (فَلَا خطر) فِي التَّعْلِيق بِهِ لما مر من أَن الْخطر إِنَّمَا يكون فِي أَمر يحْتَمل الْوُجُود وَالْعلم (بل) التَّعْلِيق بِهِ (تَعْلِيق بكائن) لَا محَالة لِأَنَّهُ لَا يَصح نَفْيه عَنهُ تَعَالَى بِحَال فَكَانَ تَعْلِيقا بموجود فَكَانَ تنجيزا فَإِن قلت: علم الله على نَوْعَيْنِ على وزان الْعلم التصوري، وَهُوَ مُتَعَلق بِكُل شَيْء مُحِيط بِهِ حَتَّى الْمُمْتَنع، وَعلم على وزان الْعلم التصديقي وَهُوَ لَا يتَعَلَّق إِلَّا بِمَا هُوَ وَاقع فِي نفس الْأَمر، فَإِن أَرَادَ بقوله فِي علم الله النَّوْع الأول فَالْأَمْر كَمَا ذكرت، وَإِن أَرَادَ النَّوْع الثَّانِي فَلَا نسلم أَن التَّعْلِيق بِهِ تَعْلِيق بكائن لجَوَاز عدم تحقق الْعلم الْمُتَعَلّق بِوُقُوع الطَّلَاق: أَلا ترى إِلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر خير لي " وإدخاله حرف الشَّك على الْعلم الْمُتَعَلّق بالخيرية قلت لما أطلق وَلم يُقَيِّدهُ بِمَا يخصصه بِهَذَا النَّوْع من التَّعْلِيق يحمل على مُطلق الْعلم الْمُتَعَلّق بِكُل شَيْء لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر مِنْهُ، ثمَّ أَشَارَ إِلَى بعض التَّعْلِيل الْمَذْكُور بقوله (وَأورد) على هَذَا الدَّلِيل بِأَنَّهُ يلْزم مثل مَا قُلْتُمْ فِي الْقُدْرَة (فَيجب الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق فِي: أَنْت طَالِق (فِي قدرَة الله للشمول) أَي لشمُول الْقُدْرَة لكل شَيْء كل كَالْعلمِ فالتعليق بِهِ تَعْلِيق بكائن لَا محَالة (أُجِيب) بِبَيَان الْفرق بَين الْعلم وَالْقُدْرَة (بِكَثْرَة إِرَادَة التَّقْدِير) من قدرَة الله، وَهُوَ تعلق الْإِرَادَة بِوُقُوع شَيْء فَهُوَ غير مَعْلُوم الْوُقُوع (فكالمشيئة) أَي فَهِيَ كالمشيئة فِي أَنه لَا يعلم كينونته (وَدفع) هَذَا الْجَواب بِأَنَّهَا (تسْتَعْمل بِمَعْنى الْمَقْدُور) الشَّامِل كل مُمكن (بِكَثْرَة أَيْضا) وَفِيه أَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون مُحْتملا للأمرين فَلَا يتَعَيَّن التَّعْلِيق بكائن وَالْحَاصِل أَن قَوْله أُجِيب إِلَى آخِره منع جَرَيَان الدَّلِيل فِي مَادَّة النَّقْض

فَيجب على الْخصم إِثْبَات الْمُقدمَة الممنوعة، وَقَوله دفع إِلَى آخِره لَا يثبتها (وَأجِيب) عَن هَذَا الدّفع (بِأَن الْمَعْنى بِهِ) أَي بالمقدور (آثَار الْقُدْرَة) على حذف الْمُضَاف (وَلَا أثر للْعلم) حَتَّى يكون الْمَعْنى فِي علم الله آثَار علم الله، فَكيف يكون فِي قدرَة الله مثل فِي علم الله (وَدفع) هَذَا الْجَواب (باتحاد الْحَاصِل من مَقْدُور) الَّذِي يسْتَعْمل فِيهِ الْقُدْرَة بِكَثْرَة (و) الْحَاصِل من (آثَار الْقُدْرَة) وَإِذا كَانَ الْقُدْرَة مستعملة فِي آثَار الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ بِمَعْنى الْمَقْدُور (فَلم لم يكن) فِي قدرَة الله بِمَعْنى مَقْدُور الله (كالمعلوم) فِي علم الله فَيَقَع بِهِ الطَّلَاق، ثمَّ حقق المُصَنّف الْمحل بقوله (وَالْوَجْه إِذا كَانَ الْمَعْنى) أَي معنى أَنْت طَالِق فِي قدرَة الله (على التَّعْلِيق) قَوْله وَالْوَجْه مُبْتَدأ وَالْخَبَر (أَن لَا معنى للتعليق بمقدوره) وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة مُعْتَرضَة جَوَابه مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر (إِلَّا أَن يُرَاد وجوده) أَي الْمَقْدُور: إِذْ تَعْلِيق الطَّلَاق بِذَات الْمَقْدُور غير مَعْقُول: إِذْ الْمُتَعَلّق بِهِ مَدْخُول حرف الشَّرْط من حَيْثُ الْمَعْنى، ومدخولها لَا يكون إِلَّا مَعَاني الْأَفْعَال كالوجود والثبوت (فَتطلق فِي الْحَال) لتحَقّق الْمُعَلق بِهِ (أَو) كَانَ الْمَعْنى (على أَن هَذَا الْمَعْنى) الطَّلَاق (ثَابت فِي جملَة مقدوراته فَكَذَلِك) أَي فَتطلق فِي الْحَال (كَمَا قَرَّرَهُ بَعضهم فِي علمه) أَي فِي أَنْت طَالِق فِي علم الله، فَقَالَ الْمَعْنى أَنْت طَالِق فِي مَعْلُوم الله: أَي هَذَا الْمَعْنى ثَابت فِي جملَة معلوماته فَلَو لم يَقع الطَّلَاق لم يكن فِي معلوماته وَكَذَا لم يُمكن فِي مقدوراته (وَيُجَاب) عَن هَذَا الْوَجْه (بِاخْتِيَار الثَّانِي، و) هُوَ أَي أَن هَذَا الْمَعْنى ثَابت فِي جملَة مقدوراته، ثمَّ يُقَال (بِالْفرقِ) بَينه وَبَين فِي علمه (بِأَن ثُبُوته) أَي طَلاقهَا (فِي علمه بِثُبُوتِهِ فِي الْوُجُود وَهُوَ) أَي ثُبُوته فِي الْوُجُود (بِوُقُوعِهِ بِخِلَاف ثُبُوته فِي الْقُدْرَة فَإِن مَعْنَاهُ أَنه مَقْدُور، وَلَا يلْزم من كَون الشَّيْء مَقْدُورًا كَونه مَوْجُودا تعلّقت بِهِ الْقُدْرَة) وَكَذَا يُقَال لفاسد الْحَال فِي قدرَة الله صَلَاحه مَعَ عدم تحَققه فِي الْحَال (هَذَا حَقِيقَة الْفرق، وَلَا حَاجَة إِلَى غَيره مِمَّا تقدم) من أَن الْمَعْنى بِأَن الْمَقْدُور أثار الْقُدْرَة إِلَى آخِره، ثمَّ الدّفع باتحاد الْحَاصِل إِلَى آخِره ثمَّ إِرَادَة الْوُجُود على تَقْدِير كَون الْمَعْنى على التَّعْلِيق (وَأَيْضًا الْمَبْنِيّ الْحمل على الْأَكْثَر فِيهِ اسْتِعْمَالا) أَي على الْمَعْنى الَّذِي يسْتَعْمل فِيهِ مثل طَالِق فِي قدرَة الله فِي الْأَغْلَب (فَلَا يُرَاد الثَّانِي) وَهُوَ أَن يُرَاد بِالْقُدْرَةِ التَّقْدِير لندرة الِاسْتِعْمَال فِيهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ ذكر فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة فِي هَذِه المناظرة فِي جَوَاب الْبَعْض (وَلَو تَسَاويا) أَي اسْتِعْمَاله فِي الْمَقْدُور واستعماله فِي التَّقْدِير (لَا يَقع) الطَّلَاق (بِالشَّكِّ) إِذْ على تَقْدِير إِرَادَة التَّقْدِير لَا يَقع، وعَلى تَقْدِير إِرَادَة الْمَقْدُور يَقع، وَلَا رُجْحَان لأَحَدهمَا، وَالْأَصْل عدم الطَّلَاق: هَذَا وَذكر فِي الْكَافِي أَنه لَو أَرَادَ حَقِيقَة قدرته تَعَالَى يَقع فِي الْحَال (ولبطلان الظَّرْفِيَّة لزم عشرَة فِي لَهُ) عَليّ (عشرَة فِي عشرَة) لِأَن الشَّيْء لَا يصلح ظرفا لنَفسِهِ، لَا يُقَال يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن يحمل على مجازه وَهُوَ معنى مَعَ أَو وَاو الْعَطف كَمَا هُوَ قَول زفر

أدوات الشرط

لتَعَدد الْمَعْنى الْمجَازِي، وَعدم تَرْجِيح بعضه على بعض على أَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة (إِلَّا أَن قصد بِهِ الْمَعِيَّة أَو الْعَطف) أَي معنى الْوَاو (فعشرون) أَي فَيلْزم عشرُون (لمناسبة الظَّرْفِيَّة) الَّتِي هِيَ حَقِيقَة فِي (كليهمَا) أَي الْمَعِيَّة والعطف: إِذْ بنية قصد التَّشْدِيد على نَفسه فَلَزِمَهُ (وَمثله) أَي مثل عشرَة فِي عشرَة فِي بطلَان الظَّرْفِيَّة أَنْت (طَالِق وَاحِدَة فِي وَاحِدَة) فَيَقَع وَاحِدَة مَا لم ينْو الْمَعِيَّة أَو الْعَطف، فَإِن نوى أَحدهمَا وَهِي مدخولة وَقع ثِنْتَانِ، وَإِن كَانَت غير مدخولة وَقع وَاحِدَة فِي نِيَّة الْعَطف وثنتان فِي نِيَّة الْمَعِيَّة (وَإِنَّمَا يشكل إِذا أَرَادَ عرف الْحساب) فِي مثل لَهُ عَليّ عشرَة فِي عشرَة حَيْثُ قَالُوا يلْزمه عشرَة (لِأَن مؤد اللَّفْظ حِينَئِذٍ) أَي حِين أَرَادَ عرف الْحساب (كمؤدي عشر عشرات) لِأَن عرفهم تَضْعِيف أحد العددين بِقدر الآخر، وَقد بنى كَلَامه على عرفهم فَصَارَ كَمَا لَو أوقع بلغَة أُخْرَى عَالما بهَا، وَلذَا قَالَ زفر وَبَاقِي الْأَئِمَّة: يلْزمه مائَة حَتَّى لَو ادّعى الْمقر لَهُ الْمِائَة وَأنكر الْمقر حلف أَنه مَا أَدَّاهُ. أدوات الشَّرْط (أَي تَعْلِيق مَضْمُون جملَة على جملَة أُخْرَى تَلِيهَا وَحَاصِله) أَي الشَّرْط بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (ربط خَاص) وَهُوَ جعل الْمُعَلق بِحَيْثُ يَتَرَتَّب على الْمُعَلق بِهِ إِذا تحقق (ونسبتها) أَي نِسْبَة الْجُمْلَة الْمُعَلق عَلَيْهَا (عَلَيْهِ) أَي الشَّرْط فِي قَوْلهم جملَة شَرْطِيَّة (لدلالتها) أَي الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة (عَلَيْهِ) أَي الشَّرْط بانضمام أدوات الشَّرْط إِلَيْهَا (وَيُقَال) لفظ الشَّرْط أَيْضا (لمضمون) الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة (الأولى) فَهُوَ بِالْمَعْنَى الأول صفة الْمُتَكَلّم، وبالمعنى الثَّانِي لَيْسَ صفته (وَمِنْه) أَي من الْمَعْنى الثَّانِي قَوْلهم (الشَّرْط) بِمَعْنى مَضْمُون الْجُمْلَة الأولى (مَعْدُوم) أَي عِنْد التَّعْلِيق: إِذْ لَو كَانَ مَوْجُودا لم يكن الْكَلَام تَعْلِيقا بل تنجيزا (على خطر الْوُجُود) أَي مترددا بَين أَن يكون وَأَن لَا يكون لَا مُسْتَحِيل وَلَا مُتَحَقق (وَإِن أَصْلهَا) أَي أدوات الشَّرْط (لتجردها لَهُ) أَي لدلالتها على مُجَرّد معنى الشَّرْط (وَغَيرهَا) أَي غير إِن من بَقِيَّة الأدوات للشّرط (مَعَ خُصُوص زمَان وَنَحْوه) من مَكَان وَغَيره، وَمَا فِي التَّحْرِير: شرح الْجَامِع الْكَبِير الأَصْل فِي أَلْفَاظ الشَّرْط كلما، وَالْبَاقِي مُلْحق بهَا غَرِيب: كَذَا ذكره الشَّارِح (وَاشْترط) لُغَة (الْخطر فِي مدخولها) أَي إِن (ومدخول الْأَسْمَاء الجازمة كمتى حَتَّى امْتنع إِن أَو مَتى طلعت الشَّمْس أفعل) كَذَا لِأَن طُلُوع الشَّمْس لَا خطر فِيهِ (إِلَّا لنكتة) من توبيخ أَو تَغْلِيب أَو غير ذَلِك مِمَّا فصل فِي علم الْمعَانِي، وَهَذَا الِامْتِنَاع وَاقع لُغَة (لَا لِأَنَّهُ) أَي الْخطر (شَرط الشَّرْط) لَا يتَحَقَّق حَقِيقَة إِلَّا بِهِ (وَحَاصِله) أَي حَاصِل الْكَلَام فِي إِن والأسماء الجازمة (أَنَّهَا إِنَّمَا وضعت لإِفَادَة التَّعْلِيق كَذَلِك) أَي على

خطر الْوُجُود (وَلذَا) أَي وَلكَون الْخطر لَيْسَ بِشَرْط مُطلقًا (صَحَّ) الشَّرْط (مَعَ ضِدّه) أَي الْخطر (فِي إِذا جَاءَ غَد أكرمك) إِذْ مَجِيء الْغَد مُحَقّق (لوضعها) أَي إِذا (لذَلِك) أَي لإِفَادَة التَّعْلِيق على مَا هُوَ مَقْطُوع بِوُجُودِهِ إِذا كَانَت للشّرط فَلَا تسْتَعْمل فِي غير الْمَقْطُوع (إِلَّا لنكته كإذا جَاءَ زيد) فَإِنَّهُ يُقَال مَعَ عدم الْقطع (تفاؤلا) إِذا كَانَ مَجِيئه مَطْلُوبا وَهُوَ على خطر الْوُجُود وكقول عبد بن قيس: (واستغن مَا أَغْنَاك رَبك بالغنى (وَإِذا تصبك) خصَاصَة فَتحمل) (تَنْزِيلا لَهُ) أَي لما هُوَ على الْخطر (محققا) أَي منزلَة الْمُحَقق (لعادة الْوُجُود) لما هُوَ مُعْتَاد فِي عَالم الْكَوْن من رد الْغَائِب وإصابة الخصاص (وتوطينا) للنَّفس على تحمل مشقة الْفقر والفاقة وَالصَّبْر عَلَيْهَا (لدفع الْجزع عِنْده) أَي عِنْد وُقُوعه (وتخصيصهم) أَي الْمَشَايِخ (تَفْرِيع) مسئلة (إِن لم أطلقك فطالق) يُرِيد بتخصيصهم التَّفْرِيع الْمَذْكُور حصرهم الْمُسْتَفَاد من قَوْلهم (لَا تطلق إِلَّا بآخر) جُزْء من (حَيَاة أَحدهمَا) أَي الزَّوْجَيْنِ إِذا لم يطلقهَا من عقيب التَّعْلِيق إِلَى الآخر الْمَذْكُور تعميما فِي الزَّوْجَيْنِ بِنَاء (على) القَوْل (الصَّحِيح فِي مَوتهَا) احْتِرَازًا عَمَّا فِي النَّوَادِر من أَنَّهَا لَا تطلق بآخر حَيَاتهَا لِأَنَّهُ قَادر على تطليقها، وَإِنَّمَا يعجز عَنهُ بموتها فَيَقَع بِمَوْتِهِ لَا بموتها، وَوجه التَّسْوِيَة أَنه إِذا بَقِي من حَيَاة أَحدهمَا مَا لَا يسع التَّطْلِيق بِلَفْظ مَا فَذَلِك الْقدر صَالح لوُقُوع الطَّلَاق، وَإِن لم يصلح للتطليق بِلَفْظ فَيَقَع لتحَقّق الشَّرْط وَهُوَ النَّفْي الْمُسْتَوْعب أَجزَاء الْعُمر المستلزم لليأس من إِيقَاع الطَّلَاق بِلَفْظ مَعَ وجود الْمحل، ثمَّ علل التَّخْصِيص الْمَذْكُور بقوله (للتّنْبِيه على أَنه) أَي شَرط وُقُوع الطَّلَاق (الْعَدَم) أَي عدم التَّطْلِيق الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله إِن لم أطلقك (مُطلقًا) أَي عدما مُسْتَغْرقا جَمِيع أَجزَاء حَيَاة أَحدهمَا سوى النقطة الْأَخِيرَة: إِذْ التَّطْلِيق الَّذِي تضمنه الْفِعْل الْمَذْكُور نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي مستغرقة جَمِيع التطليقات الممكنة فِي الْعُمر، وَقَوله تخصيصهم: مُبْتَدأ خَبره قَوْله (لدفع توهم الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق الْمُعَلق، وَيحْتَمل أَن يكون الْخَبَر قَوْله للتّنْبِيه، وَقَوله لدفع توهم تعليلا لَهُ (بسكوت يَسعهُ) أَي التَّطْلِيق بعد زمَان التَّعْلِيق (كَمَا هُوَ) الحكم (فِي مَتى) لم أطلقك فَأَنت طَالِق لإضافة الطَّلَاق إِلَى زمَان خَال عَن تطليقها إِذْ هُوَ ظرف زمَان، وبمجرد سُكُوته يُوجد الزَّمَان الْمُضَاف إِلَيْهِ فَيَقَع فَالشَّرْط فِي إِن لم أطلقك الْعَدَم الْمُطلق وَهُوَ لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي الْجُزْء الْأَخير، وَفِي مَتى لم أطلقك وجود زمَان خَال عَن التَّطْلِيق: إِذْ هُوَ ظرف يُوجد فِيمَا ذكر فَافْتَرقَا هَكَذَا عبارَة الْمَتْن فِي نُسْخَة الشَّارِح، وَفِي نُسْخَة أُخْرَى مصححة لدفع توهم الْوُقُوع بِالسُّكُوتِ لتحَقّق الْعَدَم بِهِ وَإِلَّا كَانَ الشَّرْط عدما مُقَيّدا بِزَمَان عَدمه فَيَقَع بسكوت يَسعهُ انْتهى، وَضمير بِهِ رَاجع إِلَى السُّكُوت، وَمعنى قَوْله

مسئلة

وَإِلَّا: أَي لَا يكون الشَّرْط عدما مُطلقًا، وَضمير عَدمه رَاجع إِلَى التَّطْلِيق وَلَا يخفى عَلَيْك مَا فِيهِ مَعَ أَن الأولى تفِيد مَا فِي الثَّانِيَة فِي إيجاز ووضوح (فقد تضمن) هَذَا الْكَلَام (مسئلتها) أَي مَتى (وَمِنْهَا) أَي من أَحْكَامهَا أَنه إِذا قَالَ (أَنْت طَالِق مَتى شِئْت لَا يتَقَيَّد) تَفْوِيض الْمَشِيئَة إِلَيْهَا (بِالْمَجْلِسِ فلهَا مَشِيئَة الطَّلَاق بعده) أَي الْمجْلس لِأَنَّهَا لعُمُوم أَفْرَاد مدخولها بِحَسب عُمُوم الْأَزْمِنَة بِخِلَاف إِن شِئْت. مسئلة (إِذا) وضعت (لزمان) حُدُوث (مَا أضيفت إِلَيْهِ) كَقَوْلِه تَعَالَى {وَاللَّيْل إِذا يغشى} أَي وَقت غشيانه بدل من اللَّيْل لَا حَال عَنهُ كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الْحَاجِب، إِذْ لَيْسَ المُرَاد تَقْيِيد تعلق الْقسم بذلك الْوَقْت (وتستعمل للمجازاة) أَي للشّرط على خلاف أَصْلهَا حَال كَونهَا (دَاخِلَة على مُحَقّق) كَمَا هُوَ الأَصْل فِيهَا (وموهوم) لنكتة كَمَا سبق (وتوهم أَنه) أَي دُخُولهَا على موهوم (مَبْنِيّ حكم فَخر الْإِسْلَام أَنَّهَا حِينَئِذٍ) تدخل على موهوم (حرف) بِمَعْنى أَن (فَدفع) كَونه منشأ لحرفيتها (بِجَوَازِهِ) أَي دُخُولهَا على موهوم (لنكتة) وَهَذَا التَّوَهُّم وَالدَّفْع فِي التَّلْوِيح (وَلَيْسَ) هُوَ مبناه (وَكَلَامه) أَي وَحَاصِل كَلَامه (يجازي بهَا وَلَا) يجازي بهَا (عِنْد الْكُوفِيّين وَإِذا جوزي) بهَا (سقط عَنْهَا الْوَقْت) أَي إِفَادَة الزَّمَان الْمَذْكُور وَصَارَت (كَأَنَّهَا حرف شَرط، ثمَّ قَالَ) فَخر الْإِسْلَام (لَا يَصح طَرِيق أبي حنيفَة إِلَّا أَن يثبت أَنَّهَا قد تكون حرفا بِمَعْنى الشَّرْط) مثل إِن، وَقد ادّعى ذَلِك أهل الْكُوفَة (ثمَّ أثْبته) أَي فَخر الْإِسْلَام كَونهَا حرفا بِمَعْنى الشَّرْط (بِالْبَيْتِ وَإِذا تصبك) خصَاصَة فَتحمل (فلاح أَن الْمَبْنِيّ) أَي مبْنى فَخر الْإِسْلَام أَنَّهَا حرف (كَونهَا إِذن لمُجَرّد الشَّرْط، وَهُوَ) أَي كَونهَا كَذَلِك مَبْنِيّ (صَحِيح) لدعوى حرفيتها (لِأَن مجرده) أَي الشَّرْط (ربط خَاص) وَهُوَ تَعْلِيق مَضْمُون جملَة بِأُخْرَى (وَهُوَ) أَي الرَّبْط الْمَذْكُور (من مَعَاني الْحُرُوف، وَقد تكون الْكَلِمَة حرفا واسما) كالكاف وَقد، بل وفعلا أَيْضا كعلى وَعَن، فَلَا استبعاد فِي كَون إِذا اسْما أَو حرفا (بل الْوَارِد) على فَخر الْإِسْلَام (منع سُقُوطه) أَي الزَّمَان عَنْهَا إِذا كَانَت جازمة (والجزم لَا يستلزمه) أَي سُقُوط الزَّمَان، إِذا لَا مُنَافَاة بَين جازميتها ودلالتها على الزَّمَان (كمتى وَأَخَوَاتهَا وَهُوَ) أَي كَونهَا مجازي بهَا مَعَ دلالتها على الزَّمَان (قَوْلهمَا، وَعَلِيهِ) أَي كَونهَا للشّرط مَعَ دلالتها على الزَّمَان (تفرع الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق (فِي الْحَال عِنْدهمَا فِي إِذا لم أطلقك فطالق و) هِيَ (كَانَ عِنْده) أَي أبي حنيفَة فَلَا تطلق بِمَوْت أَحدهمَا وَهَذَا إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة، فَأَما إِذا نوى الْوَقْت أَو الشَّرْط الْمَحْض وَهُوَ

مسئلة

على مَا نوى بالِاتِّفَاقِ ذكره غير وَاحِد. قَالَ الشَّارِح وَتعقبه شَيخنَا المُصَنّف بِأَنَّهُ يجب على قَوْلهمَا إِذا أَرَادَ معنى الشَّرْط أَن لَا يصدقهُ القَاضِي لظُهُوره عِنْدهمَا فِي الظّرْف فأراده الشَّرْط خلاف الظَّاهِر، وَفِيه تَخْفيف عَلَيْهِ فَلَا يصدق قَضَاء بل ديانَة فَقَط (والاتفاق على عدم خُرُوج الْأَمر عَنْهَا فِي أَنْت طَالِق إِذا شِئْت) إِذا قَامَت عَن الْمجْلس عَن غير مَشِيئَة (لشك الْخُرُوج بعد تحقق الدُّخُول عِنْده) أَي أبي حنيفَة (لجَوَاز عدم المجازاة كَقَوْلِه فِي إِذا لم أطلقك) فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ قَالَ: الأَصْل عدم وُقُوع الطَّلَاق فَلَا يَقع عقيب تَعْلِيقه بِالشَّكِّ لجَوَاز سُقُوط الْوَقْت عَنْهَا فَصَارَت كَانَ وَالْحَاصِل أَن الْأَمر صَار بِيَدِهَا بالتفويض ثمَّ على اعْتِبَار أَنَّهَا للشّرط يخرج الْأَمر من يَدهَا وعَلى اعْتِبَار أَنَّهَا للْوَقْت لَا يخرج فَلَا يخرج بِالشَّكِّ. مسئلة (لَو للتعليق فِي الْمَاضِي مَعَ انْتِفَاء الشَّرْط فِيهِ) أَي فِي الْمَاضِي (فَيمْتَنع لجواب الْمسَاوِي) للشّرط فَلَو كَانَت الشَّمْس طالعة كَانَ النَّهَار مَوْجُودا: يَعْنِي إِذا كَانَ مَضْمُون جَوَاب لَو مُسَاوِيا لمضمون مدخولها فِي التحقق لزم عدم تحَققه لكَون الْمُعَلق بِهِ ملزوما واستلزام انْتِفَاء الْمَلْزُوم إِذا كَانَ اللَّازِم لَا يَنْفَكّ عَن الْمَلْزُوم (فدلالته) أَي لَو (عَلَيْهِ) أَي امْتنَاع الْجَواب دلَالَة (التزامية وَلَا دلَالَة) للو على امْتنَاع الْجَواب (فِي) الْجَواب (الْأَعَمّ) من الشَّرْط (الثَّابِت مَعَه) أَي الشَّرْط (و) مَعَ (ضِدّه) أَي الشَّرْط فالثابت إِلَى آخِره صفة كاشفة للأعم، وَهَذَا تنصيص على أَن لَو لم يوضع لانْتِفَاء الثَّانِي لانْتِفَاء الأول وَإِلَّا لَكَانَ دلَالَته على كل من الانتفاءين تضمنية، وَإِنَّمَا جَاءَت دلَالَته على امْتنَاع الْجَواب فِي صُورَة الْمُسَاوَاة من قبل خُصُوصِيَّة الْمحل لَا من الْوَضع (كَلَوْ لم يخف الله لم يَعْصِهِ) فَإِن عدم مَعْصِيّة صُهَيْب جَوَاب أَعم من الشَّرْط، إِذْ هُوَ أَمر لَا يَنْفَكّ عَنهُ يدل عَلَيْهِ تحَققه مَعَ فرض عدم الْخَوْف فَإِنَّهُ إِذا لم يعْص مَعَ عدم خوف فَكيف يعْصى مَعَ وجوده فقد ثَبت تحَققه مَعَ عدم الْخَوْف وَمَعَ وجوده، وَهَذَا معنى كَونه أَعم (غير أَنَّهَا) أَي لَو (لما اسْتعْملت) شرطا فِي الْمُسْتَقْبل (كَانَ تجوزا) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى وليخش الَّذين (لَو تركُوا من خَلفهم) ذُرِّيَّة ضعافا خَافُوا عَلَيْهِم الضّيَاع، فعلى هَذَا هُوَ خطاب للموصين بِأَن ينْظرُوا للْوَرَثَة فَلَا يُسْرِفُوا فِي الْوَصِيَّة، وللآية وُجُوه أخر ذكرت فِي التَّفْسِير (جعلت لَهُ) أَي الشَّرْط كَانَ (فِي قَوْله لَو دخلت عتقت فتعتق بِهِ) أَي بِالدُّخُولِ (بعده) أَي بعد قَوْله ذَلِك (فَعَن أبي يُوسُف) أَنْت طَالِق (لَو دخلت كَانَ دخلت صونا عَن اللَّغْو عِنْد الْإِمْكَان) أما الصون فَلِأَنَّهَا لَو حملت على حَقِيقَتهَا أَفَادَ الْكَلَام عدم الدُّخُول وَعدم الطَّلَاق وَلَا طائل تَحْتَهُ

مسئلة

وَإِن حمل على مجازها ترَتّب عَلَيْهِ الطَّلَاق على تَقْدِير الدُّخُول فِي الْمُسْتَقْبل، وَقد أمكن حملهَا عَلَيْهِ لتحَقّق هَذَا الِاسْتِعْمَال وَلَو قَالَ لَو دخلت فَأَنت طَالِق وَقع فِي الْحَال عِنْد أبي الْحسن لِأَن جَوَاب لَوْلَا تدخل عَلَيْهِ الْفَاء، وَذكر أَبُو عَاصِم العامري أَنَّهَا لَا تطلق مَا لم تدخل، لِأَنَّهَا لما جعلت بِمَعْنى أَن جَازَ دُخُول الْفَاء فِي جوابها، وعَلى هَذَا مَشى التُّمُرْتَاشِيّ (بِخِلَاف لَوْلَا لِأَنَّهُ لِامْتِنَاع الثَّانِي لوُجُود الأول لَيْسَ غير فَلَا تطلق فِي أَنْت طَالِق لَوْلَا حسنك أَو أَبوك) أَي مَوْجُود (وَإِن زَالَ) الْحسن (وَمَات) الْأَب لِأَن وجودهما عِنْد التَّكَلُّم مَانع من وُقُوع الطَّلَاق. مسئلة (كَيفَ أَصْلهَا سُؤال عَن الْحَال) أَي عَن حَال الشئوكيفيته (ثمَّ اسْتعْملت للْحَال) من غير اعْتِبَار السُّؤَال كَمَا (فِي انْظُر إِلَى كَيفَ تضع) حَكَاهُ قطرب عَن بعض الْعَرَب: أَي حَال صَنعته (وقياسها الشَّرْط جزما) أَي الْقيَاس فِي كَيفَ المتسعملة للْحَال أَن تكون للشّرط حَال كَونهَا جَازِمًا كَانَ اقترنت بِمَا أَولا (كالكوفيين) أَي كَقَوْلِهِم وقطرب لِأَنَّهَا للْحَال وَالْأَحْوَال تكون شُرُوطًا، وَالْأَصْل فِي الشَّرْط الْجَزْم، وَقيل يشْتَرط اقترانها بِمَا وَلم يجوزه سَائِر الْبَصرِيين إِذا شذوذا (وَأما) كَونهَا للشّرط (معنى فاتفاق) لإفادتها الرَّبْط وَقَالُوا إِذا كَانَت للشّرط جزما فَيجب فِيهَا اتِّفَاق فعلى الشَّرْط وَالْجَوَاب لفظا وَمعنى، نَحْو كَيفَ تصنع أصنع فَلَا يجوز كَيفَ تجْلِس أذهب، وَكَذَا لم يجْزم عِنْد الْبَصرِيين لمخالفتها أدوات الشَّرْط: إِذْ هِيَ غير مُقَيّدَة بِهَذَا الشَّرْط (وَمَا قيل لَكِنَّهَا) أَي الْحَال الَّتِي تدل عَلَيْهَا (غير اختيارية كالسقم والكهولة فَلَا يَصح التَّعْلِيق) للجواب (بهَا) أَي بِتِلْكَ الْحَال إِذْ الْمُعَلق بِهِ يكون اختياريا غَالِبا، لِأَن الْمَقْصد من التَّعْلِيق الْمَنْع والحث فِي الْأَغْلَب (إِلَّا إِذا ضمت إِلَيْهَا) كلمة (مَا) إِذْ بانضمامها تصير كلمة أُخْرَى فَلَا يلْزم حِينَئِذٍ فِي مدلولها عدم الِاخْتِيَار، خبر الْمَوْصُول مَحْذُوف: أَي لَيْسَ بِشَيْء أَو نَحوه يدل عَلَيْهِ قَوْله (لَيْسَ بِلَازِم فِي الشَّرْط ضِدّه) أَي ضد الِاخْتِيَار (وَلَا هُوَ): أَي وَلَا غير الِاخْتِيَار بل تَارَة وَتارَة، وَالْمعْنَى لَا ضم كلمة مَا إِلَيْهَا، أَلا ترى (فِي) قَوْلهم (كَيفَ كَانَ تمريض زيد وَكَيف تجْلِس أَجْلِس) فَإِن كَيْفيَّة التمريض وَالْجُلُوس تكون اختيارية وَغير اختيارية كَمَا لَا يخفى، وَالْأول للسؤال وَالثَّانِي للشّرط وَالْحَال، وَلم تنضم كلمة مَا إِلَيْهَا (وعَلى الحالية) أَي وعَلى إِرَادَة الْحَال من كَيفَ بنى (التَّفْرِيع) الْمَذْكُور فِي قَوْله إِن دخلت (فطالق كَيفَ شِئْت) إِذْ هُوَ (تَعْلِيق للْحَال) أَي تَعْلِيق حَال الطَّلَاق وَصفته من الْبَيْنُونَة والرجعية وَنَحْوهمَا (عِنْدهمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد (بمشيئتها فِي الْمجْلس وَإِذ لَا انفكاك) للطَّلَاق عَن كَيْفيَّة من

كَونه رَجْعِيًا أَو بَائِنا خَفِيفَة أَو غَلِيظَة بِمَال أَو بِلَا مَال إِلَى غير ذَلِك (تعلق الأَصْل) أَي أصل الطَّلَاق (بهَا) أَي بمشيئتها الْمَذْكُورَة فَهُوَ تَعْلِيق للطَّلَاق وكيفيته أَيْضا بِالْمَشِيئَةِ (غير مُتَوَقف) تعلق الأَصْل بمشيئتها (على امْتنَاع قيام الْعرض بِالْعرضِ كَمَا ظن) والظان صدر الشَّرِيعَة فِي التَّوْضِيح فِي أَنْت طَالِق كَيفَ شِئْت يتَعَلَّق بتعلق أصل الطَّلَاق أَيْضا بمشيئتها فعندهما مَا لَا يقبل الْإِشَارَة فحاصله وَأَصله سَوَاء أَظن هَذَا مَبْنِيا على امْتنَاع قيام الْعرض بِالْعرضِ فَإِن الْعرض الأول لَيْسَ محلا للعرض الثَّانِي بل كِلَاهُمَا حالان فِي الْجِسْم فَلَيْسَ أَحدهمَا أولى بِكَوْنِهِ أصلا ومحلا، بل هما سَوَاء لَكِن بِعَدَمِ الانفكاك إِذا تعلق أَحدهمَا بمشيئتها تعلق الآخر (لِأَنَّهُ) أَي قيام الْعرض بِالْعرضِ (بِالْمَعْنَى المُرَاد هُنَا وَهُوَ النَّعْت) أَي اخْتِصَاص الناعت بالمنعوت (غير مُمْتَنع) إِنَّمَا الْمُمْتَنع قِيَامه بِهِ بِمَعْنى حُلُوله فِيهِ على مَا عرف فَلَا يَقع شَيْء مَا لم تشأ، فَإِذا شَاءَت فالتفريع مَا سَيَأْتِي (وَعِنْده) أَي أبي حنيفَة (نقع) وَاحِدَة (رَجْعِيَّة) فِي الْمَدْخُول بهَا إِن لم تكن مسبوقة بِمَا يحصل بانضمامه الْبَيْنُونَة الْمُغَلَّظَة (وَيتَعَلَّق صيرورتها بَائِنَة وَثَلَاثًا) بمشيئتها وَالْحَاصِل أَنَّهَا إِن كَانَت غير مدخولة بَانَتْ فَلَا مَشِيئَة بعد، وَإِن كَانَت مدخولة فالكيفية مفوضة إِلَيْهَا فِي الْمجْلس، لِأَن كَيفَ إِنَّمَا تدل على تَفْوِيض الْأَحْوَال وَالصِّفَات إِلَيْهَا دون الأَصْل، فَفِي الْعتْق وَغير المدخولة لَا مَشِيئَة بعد وُقُوع الأَصْل فَيلْغُو التَّفْوِيض وَفِي المدخولة يكون التَّفْوِيض إِلَيْهَا بِأَن تجعلها بَائِنَة أَو ثَلَاثًا، وَصَحَّ هَذَا التَّفْوِيض لِأَن الطَّلَاق قد يكون رَجْعِيًا فَيصير بَائِنا بِمُضِيِّ الْمدَّة وَقد يكون وَاحِدًا فَيصير ثَلَاثًا بِضَم اثْنَيْنِ إِلَيْهِ، وَلما كَانَ مَدْلُول كَيفَ مُطلق الْحَال وَالصّفة لَا خُصُوص البينونه وَكَونه ثَلَاثًا احْتَاجَ إِلَى بَيَان مَا يخصصهما بالإرادة فَقَالَ (تَخْصِيصًا بِالْعقلِ لما لَا بُد مِنْهُ) يَعْنِي أَن التَّعْلِيق عِنْده لما كَانَ بِاعْتِبَار الْوَصْف دون الأَصْل لزم وُقُوع الأَصْل تنجيزا بِمُجَرَّد قَوْله أَنْت طَالِق قبل أَن يَقُول كَيفَ شِئْت لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْد يتَوَقَّف صدر الْكَلَام عَلَيْهِ وَحَيْثُ كَانَ لَا يُوجد الأَصْل إِلَّا مَعَ وصف تعين أدناه محققا لوُجُوده وَهُوَ الرّجْعَة وَأَيْضًا لَا يتَصَوَّر التَّفْوِيض باعتبارها إِذْ التَّصَرُّف الَّذِي يُفَوض إِلَى الْغَيْر مَوْقُوف على فعل الْغَيْر: وَهِي تتَحَقَّق مَعَ الأَصْل فَلَا يصلح للتفويض إِلَّا مَا لَيْسَ بِلَازِم لَهُ وَهِي الْبَيْنُونَة، فاستثنى الرّجْعَة من الْوَصْف الْمُفَوض إِلَيْهَا، وَهَذَا معنى قَوْله تَخْصِيصًا إِلَى آخِره (فَلَزِمَ فِي غير المدخولة الْبَيْنُونَة) إِذْ الرّجْعَة إِنَّمَا تكون فِي الْعدة وَلَا عدَّة لَهَا (فتتعذر الْمَشِيئَة) لِأَن الْمَشِيئَة فرع عدم حُصُول الْبَيْنُونَة بِمُجَرَّد الطَّلَاق، وَقد تحققت بِمُجَرَّدِهِ وَلَا يتَصَوَّر تفويضها اليها بعد تحققها (وَمثله) أَي مثل أَنْت طَالِق كَيفَ شِئْت (أَنْت حر كَيفَ شِئْت) فعندهما لَا يعْتق مَا لم يَشَأْ فِي الْمجْلس، وَعِنْده يعْتق فِي الْحَال وَلَا مَشِيئَة لَهُ.

الظروف

الظروف (مسئلة: قبل وَبعد وَمَعَ متقابلات) تقَابل التضاد مَوْضُوعَات (لزمان مُتَقَدم على مَا أضيف) أَحدهَا (إِلَيْهِ ومتأخر ومقارن) معطوفان على مُتَقَدم غير أَنه يقدر لَهما عَن وَمَعَ بدل على (فهما) أَي قبل وَبعد (بإضافتهما إِلَى) اسْم (ظَاهر صفتان لما قبلهمَا، و) بإضافتهما (إِلَى ضَمِيره) أَي الِاسْم الظَّاهِر صفتان (لما بعدهمَا لِأَنَّهُمَا خبران عَنهُ) أَي عَمَّا بعدهمَا، وَالْخَبَر فِي الْمَعْنى وصف للمبتدأ (فَلَزِمَ) طَلْقَة (وَاحِدَة فِي) أَنْت (طَالِق وَاحِدَة قبل وَاحِدَة) فَإِن قيل مُضَاف إِلَى ظَاهر: أَعنِي وَاحِدَة فَيكون صفة لوَاحِدَة الأولى فَلَزِمَ كَونهَا مُتَقَدّمَة على الثَّانِيَة، وَقَوله (لغير المدخولة) حَال عَن قَوْله طَالِق وَاحِدَة الخ: أَي حَال كَونه خطابا لغير المدخولة وَذَلِكَ (لفَوَات الْمَحَلِّيَّة) فَإِن غير المدخولة بِوُقُوع الْوَاحِدَة الأولى بَانَتْ بِلَا عدَّة فَلم تبْق محلا (للمتأخرة) أَي الْمُطلقَة الْمُضَاف إِلَيْهَا قبل (وثنتان فِي) أَنْت طَالِق وَاحِدَة (قبلهَا) وَاحِدَة فَإِن وَاحِدَة الثَّانِيَة مُبْتَدأ خَبَرهَا قبلهَا فَلَزِمَ كَون الْوَاحِدَة الْمَذْكُورَة أَولا مَوْصُوفا بمسبوقيتها بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّانِيَة وَفِي مثله يلْزم الْمُقَارنَة بَينهمَا فِي الزَّمَان (لِأَن الْموقع مَاضِيا) أَي الطَّلَاق الَّذِي وَصفه الْمُطلق بِكَوْنِهِ فِي الزَّمَان الْمَاضِي وَلم يَقع بِحَسب نفس الْأَمر (يَقع حَالا) لِأَن الْوَاقِع حَالا لَا يُمكن رَفعه إِلَى الْمَاضِي: إِذْ هُوَ لَا يملك الْإِيقَاع فِيهِ وَيملك الْإِيقَاع فِي الْحَال فَيثبت مَا يملكهُ صونا لكَلَام الْعَاقِل عَن اللَّغْو (فيقترنان كمع وَاحِدَة) أَو مَعهَا وَاحِدَة، وَعَن أبي يُوسُف فِي مَعهَا وَاحِدَة تقع وَالصَّحِيح أَنه كمع وَاحِدَة (وعكسهما) أَي عكس الْحكمَيْنِ الْمَذْكُورين (فِي) صُورَتي قبل الحكم فِي أَنْت طَالِق وَاحِدَة (بعد وَاحِدَة و) أَنْت طَالِق وَاحِدَة (بعْدهَا) وَاحِدَة فَتطلق ثِنْتَيْنِ فِي الأولى لإيقاعه وَاحِدَة مَوْصُوفَة بِأَنَّهَا بعد أُخْرَى وَلَا قدرَة لَهُ على تَقْدِيم مَا لم يسْبق فيفترقان لما ذكر، وَوَاحِدَة فِي الثَّانِيَة لإيقاعه وَاحِدَة مَوْصُوفَة بتعدية أُخْرَى لَهَا فَوَقَعت الأولى وَلم تلحقها الثَّانِيَة لفَوَات الْمَحَلِّيَّة (بِخِلَاف المدخولة) أَي بِخِلَاف مَا إِذا وضعت المدخولة مَوضِع غير المدخولة فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة، وَالْبَاقِي على حَاله (و) بِخِلَاف (الْإِقْرَار) إِذا وضع مَوضِع الطَّلَاق ولوحظ إِضَافَة قبل وَبعد إِلَى الظَّاهِر أَو الْمُضمر (فثنتان) أَي فاللازم ثِنْتَانِ من الطَّلَاق فِي الأولى وَمن الدِّينَار وَنَحْوه فِي الثَّانِيَة (مُطلقًا) فِي جَمِيع الصُّور من غير تَفْصِيل، وَمنع الشَّارِع كَون الحكم فِي الْإِقْرَار هَكَذَا إِذا كَانَ مُضَافا إِلَى الظَّاهِر، وَنقل عَن الْمَبْسُوط أَنه حِينَئِذٍ يلْزم دِرْهَم وَاحِد فَإِن صَحَّ نَقله يحمل على الْخلاف وَاخْتِلَاف الرِّوَايَة وَالله أعلم.

مسئلة

مسئلة (عِنْد للحضرة) إِمَّا الحسية نَحْو - {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقرًّا عِنْده} - وَأما اللُّغَوِيَّة نَحْو - {قَالَ الَّذِي عِنْده علم} - وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي الْمَوْصُوف بالحضور (أَعم من) نَحْو (الدّين) مِمَّا حُضُوره معنوي (و) من نَحْو (الْوَدِيعَة) مِمَّا حُضُوره حسي، وَفسّر الشَّارِح الضَّمِير بِكَوْن المَال حَاضرا عِنْد الْمقر وَلَا يخفى مَا فِيهِ (وَإِنَّمَا تثبت الْوَدِيعَة بإطلاقها) أَي إِطْلَاق عِنْد الْمَذْكُورَة فِي توصيف مَا أقرّ بِهِ من المَال مَعَ أَنَّهَا دَالَّة على مُطلق الْحُضُور الْأَعَمّ مِمَّا ذكر (كعندي) لفُلَان (ألف لأصلية الْبَرَاءَة) أَي لمرجح خَارج عَن مدلولها: وَهُوَ أَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّة الْمقر وَإِثْبَات الْوَدِيعَة مُوَافق لما هُوَ الأَصْل (فتوقف الدّين) أَي ثُبُوته على الْمقر (على ذكره) أَي الدّين (مَعهَا) أَي عِنْد بِأَن يَقُول لَهُ عِنْدِي ألف دِينَار وَلَا يتَوَقَّف ثُبُوت الْوَدِيعَة على ذكرهَا لِأَنَّهَا أدنى مؤدي اللَّفْظ متعينة حَيْثُ لَا معِين لغَيْرهَا. مسئلة (غير) اسْم متوغل فِي الْإِبْهَام (صفة) لما قبلهَا وَهُوَ الأَصْل فِيهِ (فَلَا يُفِيد حَال مَا أضيفت إِلَيْهِ) إِذْ لست بِصفة (كجاء رجل غير زيد، واستثناء) وَهُوَ عَارض عَلَيْهَا (فيفيده) أَي حَال مَا أضيفت إِلَيْهِ (وَيلْزمهُ) أَي غير إِذا كَانَ اسْتثِْنَاء (أَعْرَاب الْمُسْتَثْنى كجاءوا غير زيد) بِنصب غير (أفادت عَدمه) أَي الْمَجِيء (مِنْهُ) أَي زيد، وأعراب الْمُسْتَثْنى فِي مثله النصب لكَون الْكَلَام مُوجبا (فَلهُ) أَي فَفِي قَوْله عَليّ (دِرْهَم غير دانق) بِرَفْع غير (يلْزمه) الدِّرْهَم (تَاما) لِأَن غير حِينَئِذٍ صفة لدرهم، فَالْمَعْنى دِرْهَم مُغَاير للدانق وَهُوَ بِالْفَتْح وَالْكَسْر قيراطان كَذَا فِي الْمغرب (وَبِالنَّصبِ) يلْزمه دِرْهَم (بنقصه) أَي الدانق مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اسْتثِْنَاء فَالْمَعْنى دِرْهَم إِلَّا دانقا (وَفِي) لَهُ عَليّ (دِينَار غير عشرَة) من الدَّرَاهِم (بِالنّصب كَذَلِك) أَي بِنَقص من الدِّينَار قيمَة عشرَة دَرَاهِم، وَيلْزمهُ الْبَاقِي عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف (و) يلْزمه دِينَار (تَامّ عِنْد مُحَمَّد للانقطاع) أَي لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع (لشرطه) أَي مُحَمَّد (فِي الِاتِّصَال الصُّورَة وَالْمعْنَى) أَي التجانس الصُّورِي والمعنوي بَين الْمُسْتَثْنى مِنْهُ والمستثنى وَالدِّرْهَم لَيْسَ بمجانس للدينار صُورَة (واقتصرا) أَي أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف (عَلَيْهِ) أَي التجانس الصُّورِي (وَقد جَمعهمَا) أَي الدِّرْهَم وَالدِّينَار بِاعْتِبَار التجانس الْمَعْنَوِيّ (الثمينة، فَالْمَعْنى مَا قِيمَته دِينَار غير عشرَة) فَكَانَ مُتَّصِلا فَلَزِمَهُ من قيمَة الدِّينَار مَا سوى الْعشْرَة.

المقالة الثانية في أحوال الموضوع

الْمقَالة الثَّانِيَة: فِي أَحْوَال الْمَوْضُوع وَقد فسر الْمَوْضُوع وَبَين المُرَاد بأحواله فِي الْمُقدمَة (وَعلمت) هُنَاكَ (إِدْخَال بَعضهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ كصدر الشَّرِيعَة (الْأَحْكَام) فِي الْمَوْضُوع (فَانْكَسَرت) أَي انقسمت انقسام الْكل إِلَى الْأَجْزَاء مُشْتَمِلَة (على خَمْسَة أَبْوَاب). الْبَاب الأول (فِي الْأَحْكَام وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول) فِي الحكم، وَالْحَاكِم، والمحكوم فِيهِ، والمحكوم عَلَيْهِ. الْفَصْل الأول (لفظ الحكم يُقَال للوضعي) أَي للخطاب الوضعي (قَوْله) تَعَالَى بِالْجَرِّ عطف بَيَان للوضعي (النَّفْسِيّ) صفة قَوْله احْتِرَاز عَن اللَّفْظِيّ (جعلته) أَي الشَّيْء الْفُلَانِيّ (مَانِعا) من كَذَا ككشف الْعَوْرَة الْمَانِع من صِحَة الصَّلَاة (أَو) جعلت كَذَا (عَلامَة) دَالَّة (على تعلق الطّلب) لفعل أَو ترك من الْمُكَلف، وَقَوله جعلته إِلَى آخِره مقول القَوْل (كالدلوك والتغير) فَإِن دلوك الشَّمْس، وَهُوَ زَوَالهَا، وَقيل غُرُوبهَا، وَالْأول الصَّحِيح كَمَا نطق بِهِ الْأَحَادِيث عَلامَة على طلب إِقَامَة الصَّلَاة، وتغيرها للغروب عَلامَة على عدم طلب غير الوقتية (أَو) عَلامَة على (الْملك أَو زَوَاله) كَالْبيع فَإِنَّهُ عَلامَة على ملك المُشْتَرِي الْمَبِيع وَالْبَائِع الثّمن، وعَلى زَوَال ملك البَائِع عَن الْمَبِيع، وَزَوَال ملك المُشْتَرِي عَن الثّمن، وكل مِنْهَا يشْتَمل على وضع إلهي فَظهر وَجه التَّسْمِيَة (فَفِي الْمَوْقُوف عَلَيْهِ الحكم) أَي الَّذِي وضع لحكم فَكَانَ ذَلِك الحكم مَوْقُوفا عَلَيْهِ (مَعَ ظُهُور الْمُنَاسبَة) بَينهمَا (الباعثة) لشرعية الحكم عِنْد ذَلِك الْوَضع صفة الْمُنَاسبَة (وضع الْعلية) أَي الْوَضع فِيمَا ذكر وضع الْعلية، فالموضوع عِلّة كَالْقصاصِ للْقَتْل الْعمد الْعدوان، وَسَيَجِيءُ بَيَان الْمُنَاسبَة فِي مبَاحث الْقيَاس (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن بَينهمَا مُنَاسبَة ظَاهِرَة (فَمَعَ الْإِفْضَاء) أَي مَعَ إفضاء الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِلَى الحكم (فِي الْجُمْلَة) أَي فِي بعض الصُّور كالنصاب المفضي إِلَى وجوب الزَّكَاة فِي صُورَة السَّبَب (وضع السَّبَب، و) فِي الْمَوْقُوف عَلَيْهِ الحكم الْكَائِن (مَعَه) أَي مَعَ توقف الحكم عَلَيْهِ (جعله) أَي جعل الْمَوْقُوف عَلَيْهِ (دلَالَة عَلَيْهِ) أَي دَالَّة على الحكم (الْعَلامَة) أَي وضع الْعَلامَة مِنْهُ كالأوقات للصَّلَاة (وَفِي اعْتِبَاره) أَي الْمَوْقُوف عَلَيْهِ (دَاخِلا فِي الْمَفْعُول) أَي فِيمَا يَفْعَله الْمُكَلف سَوَاء كَانَ من أَفعَال الْخَارِج أَو الْقلب أَو الْمركب مِنْهُمَا (وضع

الرُّكْن فَإِن لم ينتف حكم الْمركب) الَّذِي اعْتبر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ دَاخِلا فِيهِ (بانتفائه شرعا) أَي انْتِفَاء شَرْعِيًّا (فالزائد) أَي فَهُوَ الرُّكْن الزَّائِد (كَالْإِقْرَارِ فِي الْإِيمَان على رَأْي) لطائفة من مَشَايِخنَا (وَإِلَّا) أَي وَإِن انْتَفَى حكم الْمركب بانتفائه شرعا (فَالْأَصْل) أَي فالركن الأَصْل كالقيام حَال الْقُدْرَة فِي الصَّلَاة فَإِن الْإِيمَان لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاء الاقرار لعذر شرعا، وَلِهَذَا تجرى عَلَيْهِ أَحْكَامه وَإِن انْتَفَى عقلا ضَرُورَة انْتِفَاء الْكل بِانْتِفَاء الْجُزْء، بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِنَّهَا تَنْتفِي بانتفائه (وَغير الدَّاخِل) أَي وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ غير الدَّاخِل فِي الْمَفْعُول (الشَّرْط) وَلما كَانَ التَّعْرِيف الْخَارِج للشّرط من التَّقْسِيم، وَهُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ غير الدَّاخِل صَادِقا على بعض أَفْرَاد السَّبَب أَشَارَ إِلَى دفع النَّقْض بقوله (وَقد يُجَامع) الشَّرْط (السَّبَب) بِأَن يكون أَمر وَاحِد يتَوَقَّف عَلَيْهِ الحكم ذَا جِهَتَيْنِ شَرط لَهُ من حيثية، وَسبب من حيثية أُخْرَى (مَعَ اخْتِلَاف النِّسْبَة كوقت الصَّلَاة) فَإِنَّهُ شَرط بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَدَائِهَا سَبَب بِالنِّسْبَةِ إِلَى وجوب أمرهَا، وَهَذَا معنى اخْتِلَاف النِّسْبَة وَأَيْضًا يَكْفِي فِي التقسيمات الاعتبارية المباينة بِاعْتِبَار الْحَيْثِيَّة، فَمن حَيْثُ أَنه مفض إِلَى الحكم سَبَب، وَمن حَيْثُ أَنه يتَوَقَّف عَلَيْهِ وَهُوَ غير دَاخل شَرط، ثمَّ لما كَانَ لَهُ كَلَام مُتَعَلق بتحقيق هَذَا الِاجْتِمَاع فِي الْفَصْل الثَّالِث أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (على مَا فِيهِ مِمَّا سَيذكرُ و) يُقَال الحكم (على أثر الْعلَّة) أَيْضا (كَنَفس الْملك) وَأَنه أثر للْبيع، وَقد يعبر عَنهُ بأثر فعل الْمُكَلف (و) يُقَال أَيْضا على (معلوله) أَي أثر الْعلَّة مثل (إِبَاحَة الِانْتِفَاع) بالمملوك بِالْبيعِ فَإِنَّهَا معلولة للْملك الَّذِي هُوَ أثر البيع (و) يُقَال أَيْضا (على وصف الْفِعْل) سَوَاء كَانَ (أثرا للخطاب الَّذِي هُوَ الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم (كالوجوب وَالْحُرْمَة) فَإِنَّهُمَا صفتان لفعل الْمُكَلف أثران للْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم (أَولا) مَعْطُوف على أثرا للخطاب أَو غير أثر لَهُ (كالنافذ وَاللَّازِم) وَالْمَوْقُوف كعقد الْفُضُولِيّ الْمَوْقُوف على إجَازَة من لَهُ التَّصَرُّف (وَغير اللَّازِم كالوقف عِنْده) أَي أبي حنيفَة إِذا لم يحكم بلزومه قَاض يرى ذَلِك فَإِن كل وَاحِد من الْمَذْكُورَات وصف لتصرف الْمُكَلف وَلَيْسَ أثرا للخطاب. وَفِي التَّلْوِيح: التَّحْقِيق أَن إِطْلَاق الحكم على خطاب الشَّارِع، وعَلى أَثَره، وعَلى الْأَثر الْمُرَتّب على الْعُقُود والفسوخ إِنَّمَا هُوَ بطرِيق الِاشْتِرَاك انْتهى: أَي اللَّفْظِيّ (وَيُقَال) الحكم أَيْضا (على) الْخطاب (التكليفي خطابه تَعَالَى) بِالْجَرِّ عطف بَيَان للتكليفي (الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين) حَال كَونه (طلبا أَو تخييرا) أَفعَال الْمُكَلف تعم الجارحية والقلبية، وَاحْترز بِقَيْد الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين عَن غَيره كالمتعلق بِذَات الله وَصِفَاته وَغَيرهمَا مِمَّا يقْصد بِهِ الِاعْتِقَاد (فالتكليفي) إِطْلَاقه على مَا يعم الطلبي والتخيري (تَغْلِيب) إِذْ لَا تَكْلِيف فِي الْإِبَاحَة. قَالَ الشَّارِح: بل وَلَا فِي النّدب وَالْكَرَاهَة التنزيهية عِنْد الْجُمْهُور كَمَا سَيَأْتِي (وَلَو أُرِيد) التَّكْلِيف (بِاعْتِبَار

الِاعْتِقَاد) لَا بِاعْتِبَار الْعَمَل بِأَن يقْصد بِالْخِطَابِ أَن يعْتَقد الْمُكَلف مَضْمُون مُتَعَلّقه، ويؤمن بِهِ على مَا ذكره بعض الْأُصُولِيِّينَ فِي تَأْوِيل إِدْخَال نَحْو الْإِبَاحَة فِي التكليفى فَإِن العَبْد قد كلف باعتقاد إِبَاحَة الْمُبَاح وَندب الْمَنْدُوب (فَلَا تَخْيِير) أَي لَا يذكر فِي التَّعْرِيف حِينَئِذٍ: إِذْ لَا تَخْيِير فِي طلب الِاعْتِقَاد (وَهُوَ) أَي ذكر الطّلب (أوجه من قَوْلهم بالاقتضاء) بدل طلبا) إِذْ كَانَ) الْخطاب (نَفسه) أَي الِاقْتِضَاء، فَيصير الْمَعْنى خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين بِالْخِطَابِ كَذَا فسره الشَّارِح، وَفِي التَّلْوِيح الْخطاب فِي اللُّغَة تَوْجِيه الْكَلَام نَحْو الْغَيْر للإفهام، نقل إِلَى مَا يَقع بِهِ التخاطب، وَهُوَ هَهُنَا الْكَلَام النَّفْسِيّ الأزلي، وَفِي معنى الِاقْتِضَاء طلب الْفِعْل مِنْهُ مَعَ الْمَنْع عَن التّرْك وَهُوَ الْإِيجَاب أَو بِدُونِهِ وَهُوَ النّدب أَو طلب التّرْك مَعَ الْمَنْع عَن الْفِعْل: وَهُوَ التَّحْرِيم أَو بِدُونِهِ: وَهُوَ الْكَرَاهَة انْتهى، فَلَيْسَ الْخطاب نفس الِاقْتِضَاء بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ وَلَا بِالْمَعْنَى الْمَنْقُول إِلَيْهِ وَهُوَ ظَاهر، وَأما بِمَعْنى الْكَلَام النَّفْسِيّ فَهُوَ صفة أزلية بسيطة وحدانية، بِاعْتِبَار بعض تعلقاته اقْتِضَاء وَبَعضهَا تَخْيِير وَبَعضهَا أَخْبَار إِلَى غير ذَلِك، وَحِينَئِذٍ لَا فرق بَينه وَبَين الطّلب، وَكَأن مُرَاد المُصَنّف الأوجهية بِاعْتِبَار كلمة الْبَاء المنبئة عَن الْمُغَايرَة بِالذَّاتِ بَين الْخطاب والاقتضاء وَالله أعلم (وَالْأَوْجه دُخُول) الْخطاب (الوضعي فِي الْجِنْس) وَهُوَ الْخطاب الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف (إِذا أُرِيد الْأَعَمّ) أَي تَعْرِيف الْأَعَمّ بِحَيْثُ يَشْمَل النَّوْعَيْنِ (وَيُزَاد) فِي التَّعْرِيف على مَا سبق (أَو وضعا، لَا) يلْتَفت إِلَى (مَا قيل) من أَنه (لَا) يُزَاد وضعا لإدخاله فَإِنَّهُ دَاخل فِيهِ بِدُونِهِ (لِأَن وضع السَّبَب الِاقْتِضَاء) للْفِعْل (عِنْده) أَي السَّبَب، فَمَعْنَى كَون الدلوك سَببا أَو دَلِيلا للصَّلَاة وجوب الْإِتْيَان بهَا عِنْده وَهُوَ الِاقْتِضَاء، وَمعنى جعل النَّجَاسَة مَانِعَة من الصَّلَاة حرمتهَا مَعهَا وجوازها دونهَا وَهُوَ التَّخْيِير، وعَلى هَذَا كَمَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ السبكى وَأَشَارَ إِلَى تَوْجِيهه فِي الشَّرْح العضدي وَلم يرفضه المُصَنّف (لتقدم وَضعه) أَي السَّبَب (على هَذَا الِاقْتِضَاء) لِأَنَّهُ عِنْد تحقق الدلوك لَا عِنْد وَضعه سَببا (ولمخالفة نَحْو نفس الْملك وَوصف الْفِعْل) مِمَّا هُوَ من خطاب الْوَضع، وَلَيْسَ فِيهِ اقْتِضَاء، فَإِن كَون نَحْوهمَا من خطاب الْوَضع يدل على خلاف مَا قيل، أما كَون الْملك مِنْهُ فَلِأَنَّهُ جعل أثرا للْبيع وَنَحْوه وسببا لإباحة الِانْتِفَاع، وَأما وصف الْفِعْل كالنفوذ واللزوم فَهُوَ أَيْضا بِوَضْع الشَّارِع (وإخراجه) أَي الوضعي من الْجِنْس (اصْطِلَاحا) أَي من حَيْثُ الِاصْطِلَاح بِأَن يعْتَبر فِي الْخطاب الْمَذْكُور اصْطِلَاحا قيد يخرج خطاب الْوَضع (إِن لم يقبل المشاحة) إِذْ لَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح (يقبل قُصُور ملحظ وَضعه) أَي الِاصْطِلَاح، يَعْنِي يُقَال لصَاحب الِاصْطِلَاح هَب أَنَّك فِي سَعَة من وضع اللَّفْظ لما شِئْت غير أَنه لَا يَنْبَغِي مِنْك اخْتِيَار الْمَرْجُوح على الرَّاجِح من غير ضَرُورَة فِي وضعك (وَالْخطاب) مَحْمُول (على

ظَاهره) بِنَاء (على تَفْسِيره) اصْطِلَاحا (بالْكلَام الَّذِي بِحَيْثُ يُوَجه إِلَى المتهيء لفهمه) وَهَذِه الْحَيْثِيَّة إِنَّمَا تحصل للْكَلَام إِذا تمّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَلم يبْق سوى التَّوْجِيه نَحْو المستعدّ لفهمه وَإِنَّمَا حمل على ظَاهره الْمَذْكُور (لِأَن النَّفْسِيّ) الَّذِي أُرِيد بِلَفْظ الْخطاب هَهُنَا متصف (بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة فِي الْأَزَل وَكَونه) أَي الْخطاب (تَوْجِيه الْكَلَام) نَحْو الْغَيْر للإفهام معنى (لغَوِيّ) وَلَيْسَ بِمُرَاد هُنَا (وَالْخلاف فِي خطاب الْمَعْدُوم) فِي الْأَزَل لَفْظِي، يَعْنِي أَن الْخلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ بِحَسب اللَّفْظ لَا بِحَسب الْمَعْنى فذهاب كل مِنْهُمَا إِلَى مَا يُخَالف الآخر صُورَة (مَبْنِيّ عَلَيْهِ) أَي على تَفْسِير الْخطاب (فالمانع) كَونه تَعَالَى مُخَاطبا فِي الْأَزَل (يُرِيد) بِالْخِطَابِ الْخطاب (الشفاهي) المستلزم لحضور الْمُخَاطب عِنْده، من المشافهة (التنجيزي) صفة مُؤَكدَة للشفاهي، أَصله من نجز الْكَلَام إِذا انْقَطع فَإِن الْكَلَام الشفاهي الْمُقَارن للإفهام يَنْقَطِع، بِخِلَاف مَا يهيأ لَهُ وَلم يَقع بِهِ بعد فالمعدوم لَا يتَصَوَّر فِيهِ المشافهة والتنجيز (إِذا كَانَ مَعْنَاهُ) أَي الْخطاب عِنْده (تَوْجِيه) الْكَلَام وَهُوَ صَحِيح، إِذْ لَيْسَ موجها إِلَيْهِ فِي الْأَزَل (والمثبت) كَونه مُخَاطبا (يُرِيد الْكَلَام) المتصف (بالحيثية) الْمَذْكُورَة (وَمَعْنَاهُ) أَي حَقِيقَة هَذَا المُرَاد ومآله (قيام طلب) أَي طلب فعل أَو ترك بِذَات الطَّالِب مثلا، فَمثله كل معنى كَلَام هيء للإفهام إنشائيا كَانَ أَو خبريا وَلم يُوجد الْمُخَاطب بِهِ بعد، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (مِمَّن سيوجد ويتهيأ) لفهمه، وَلَا اسْتِحَالَة فِي طلب كَذَا من الْمَعْدُوم إِذْ لم يطْلب مِنْهُ فِي حَال عَدمه، بل طلب مِنْهُ أَن يَفْعَله بعد الْوُجُود والاستعداد وَحين يُوجد ويتهيأ لفهمه يتَعَلَّق بِهِ تعلقا آخر، وَهَذَا التَّعْلِيق حَادث فَإِن قلت فَمَا فَائِدَة التَّعَلُّق الأول قلت ظُهُور الْأَثر فِي أَوَانه وَالْكَلَام كَمَال لَا يَنْفَكّ عَنهُ الذَّات فِي الْأَزَل وَهُوَ أَمر وجداني يتكثر بِاعْتِبَار تعلقاته وتنوعات اعتباراته من الخبرية والإنشائية والماضوية والاستقبالية إِلَى غير ذَلِك فَظهر أَن الْخلاف لَفْظِي إِذْ لم يتحد مورد الْإِيجَاب وَالسَّلب فَإِن قلت بل الْخلاف معنوي إِذْ لم يثبت الْخصم صفة كَذَا قلت هَذَا خلاف آخر، إِنَّمَا الْكَلَام فِي الْخلاف الَّذِي بَينا عدم توارد الْإِيجَاب وَالسَّلب فِيهِ على نِسْبَة وَاحِدَة (وَاعْتِرَاض الْمُعْتَزلَة) على التَّعْرِيف الْمَذْكُور لمُطلق الحكم (بِأَن الْخطاب قديم عنْدكُمْ وَالْحكم حَادث) كَقَوْلِنَا (حرم شربه) أَي النيء من مَاء الْعِنَب إِذا اشتدّ (بعد أَن لم يكن حَرَامًا) فالحرمة الثَّابِتَة لَهُ المسبوقة بِالْعدمِ لَا شُبْهَة فِي حُدُوثه (مَدْفُوع بِأَن المُرَاد) أَي بقولنَا حرم بعد أَن لم يكن حَرَامًا (تعلق تَحْرِيمه) الْقَدِيم فالموصوف بالحدوث التَّعَلُّق (وَهُوَ) أَي التَّعَلُّق (حَادث، والتعلق يُقَال) على سَبِيل الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ (بِهِ) أَي بِهَذَا الْمَعْنى وَهُوَ التَّعَلُّق الْحَادِث (وَيكون الْكَلَام) أَي وَبِمَعْنى كَون الْكَلَام (لَهُ معلقات) على صِيغَة الْمَفْعُول (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَعْنى (أزلي) وَهَذَا الْكَوْن الأزلي إِجْمَال ينْدَرج تَحْتَهُ تعلقات كَثِيرَة

كتحريم هَذَا، وَإِيجَاب هَذَا إِلَى غير ذَلِك وكل مِنْهُمَا قديم وَعند بروز أَثَره فِي الْوُجُود يحدث تعلق آخر (وباعتباره) أَي هَذَا الْمَعْنى (أورد وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ) على تَعْرِيف مُطلق الحكم، إِذْ لم يذكر فِيهِ بالاقتضاء أَو التَّخْيِير كَمَا فعل الْغَزالِيّ لصدقه عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ خطاب مُتَعَلق بِفعل الْمُكَلف لِأَن مِمَّا يعلمونه أفعالهم مَعَ أَنه لَيْسَ بِحكم فَلَا يكون مَانِعا، وَأما كَونه لَيْسَ بِحكم فَظَاهر (فاحترس عَنهُ) أَي فاحترز عَن مثل مَا ذكر من موادّ النَّقْض (بالاقتضاء إِلَى آخِره) إِذْ لَيْسَ فِيهِ اقْتِضَاء وَلَا تَخْيِير بل هُوَ إِخْبَار عَن أفعالهم (وَأجِيب أَيْضا) عَن هَذَا الْإِيرَاد (بمراعاة الْحَيْثِيَّة) فِي الْمُكَلّفين (أَي من حَيْثُ أَنهم مكلفون) وَالْخطاب لم يتَعَلَّق فِي هَذِه الْآيَة بأفعالهم من حَيْثُ أَنَّهَا أَفعَال الْمُكَلّفين، بل من حَيْثُ أَفعَال المخلوقين (وعَلى هَذَا) الْجَواب (فبالاقتضاء الخ لبَيَان وَاقع الْأَقْسَام) أَي لبَيَان مَا وجد من أَقسَام الْخطاب، لَا للِاحْتِرَاز لِأَن مَا يقْصد الِاحْتِرَاز مِنْهُ قد خرج بِقَيْد الْحَيْثِيَّة (فَيسلم حد الْغَزالِيّ الْمَتْرُوك مِنْهُ ذَلِك) أَي بالاقتضاء إِلَى آخِره عَن الْإِيرَاد الْمَذْكُور بمراعاة الْحَيْثِيَّة (وَأورد) أَيْضا عَن التَّعْرِيف الْمَذْكُور الحكم (الْمُتَعَلّق بِفعل الصَّبِي من مندوبية صلَاته وَصِحَّة بَيْعه) إِذا كَانَ مُمَيّزا مَأْذُونا، إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ الْخطاب الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف (وَوُجُوب الْحُقُوق الْمَالِيَّة فِي ذمَّته) أَي الصَّبِي (وَقَوْلهمْ) فِي جَوَاب هَذَا الْإِيرَاد (التَّعَلُّق) أَي تعلق الْخطاب فِي الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة لَيْسَ بِفعل الصَّبِي بل (بِفعل وليه) فَيجب على وليه أَدَاء الْحُقُوق من مَاله، وَكَذَا يسْتَحبّ لَهُ أَن يَأْمُرهُ بِالصَّلَاةِ وَصِحَّة بَيْعه مَنُوط بِإِذن لَهُ فِي البيع (دفع بِأَنَّهُ) أَي التَّعَلُّق بِفعل الْوَلِيّ (حكم آخر) مُرَتّب على الحكم الْمُتَعَلّق بِالصَّبِيِّ، وَهَذَا فِي الْمَالِيَّة، وَأما فِي الْبَدَنِيَّة فَفِي الْأَمر بِالصَّلَاةِ فَانْدفع مَا ذكر، وَأما فِي صِحَة البيع وَالصَّلَاة وَالصَّوْم فَلَا يتَعَلَّق بِفعل الْوَلِيّ خطاب (فَيجب أَن يُقَال) مَكَان الْمُكَلّفين (الْعباد) ذكره صدر الشَّرِيعَة (وَأجِيب) أَيْضا عَن الْإِيرَاد (بِمَنْع تعلق حكم بِهِ) أَي بِفعل الصَّبِي فَلم يطْلب مِنْهُ صَلَاة وَلَا صَوْم وَلَا ندبا (وَالصِّحَّة وَالْفساد) حكمان (عقليان) لَا شرعيان (للاستقلال) أَي لاستقلال الْعقل (بفهم مُطَابقَة الْأَمر) أَي مُوَافقَة الْفِعْل أَمر الشَّارِع وَهُوَ معنى الصِّحَّة (وَعدمهَا) أَي الْمُطَابقَة (فِي الْمَفْعُول) أَي فِيمَا يَفْعَله الْعباد صَبيا كَانَ أَو غَيره والظرف مُتَعَلق بالمعطوف والمعطوف عَلَيْهِ وَعدم الْمُطَابقَة معنى الْبطلَان، وَهَذَا تفسيرهما عِنْد الْمُتَكَلِّمين، وَعند الْفُقَهَاء إِيقَاع الْفِعْل على وَجه ينْدَفع بِهِ الْقَضَاء وَلَا ينْدَفع (وَإِن استعقبا) أَي الصِّحَّة وَالْفساد العقليان (حكما) شَرْعِيًّا إِذا اعتبرا فِي فعل الْمُكَلف وَهُوَ الْأَجْزَاء وَإِسْقَاط مَا فِي الذِّمَّة فِي صِحَة نَحْو: الصَّلَاة وَالصَّوْم وَعدم الْأَجْزَاء فِي إفساده وترتب الْأَثر فِي الْمُعَامَلَات كَالْبيع وَالْإِجَارَة (أَو) هما حكمان (وضعيان) وضع الشَّارِع الصِّحَّة للأجزاء فِي الْعِبَادَة ولترتب الْأَثر فِي الْمُعَامَلَة

وَالْفساد لما يقابلهما (وَكَون صلَاته) أَي الصَّبِي (مَنْدُوبَة) مَعْنَاهُ (أَمر وليه بأَمْره) أَي بِأَن يَأْمُرهُ بِالصَّلَاةِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين وَإِذا بلغ عشر سِنِين فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا " (لَا خطاب الصَّبِي بهَا ندبا) لِأَن الْأَمر بِالْأَمر بالشَّيْء لَيْسَ أمرا بذلك الشَّيْء على مَا هُوَ الْمُخْتَار، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَلَا حَاجَة لنا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ على غير الْمُخْتَار أَيْضا يتم الْمُدَّعِي لِأَن ذَلِك الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ الْمَأْمُور بِالْأَمر الثَّانِي أَهلا للتكليف (وترتب الثَّوَاب لَهُ) أَي للصَّبِيّ على فعلهَا (ظَاهر) إِذْ الثَّوَاب لَيْسَ من لَوَازِم التَّكْلِيف، بل من فَضله تَعَالَى فَإِن الله لَا يضيع أجر من أحسن عملا، وَالصَّبِيّ محسن فِي عمله (وَالْحكم الثَّابِت بِمَا سوى الْكتاب) من السّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس (دَاخل) فِي حكمه تَعَالَى (لِأَنَّهُ) أَي الحكم الثَّابِت بأحدها (خطابه تَعَالَى، وَالثَّلَاثَة) الْمَذْكُورَة (كاشفة) عَنهُ (وَبِهَذَا الْقدر) من الْكَشْف (قيل) هِيَ (مثبتة) للْحكم (وتركهم عد نظم الْقُرْآن مِنْهُ) أَي الكاشف (سد لطريق التحريف) أَي وَلم يقل لنظم الْكتاب أَنه كاشف مَعَ أَنه فِي الْكَشْف مثلهَا سدا لطريق التحريف وَالنَّفْي بِأَن يُقَال لَيْسَ كَلَامه بل هُوَ كاشف عَنهُ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن هَذَا الْمَانِع (فَهُوَ) أَي نظم الْقُرْآن (الكاشف عَن) الْخطاب (النَّفْسِيّ) الْقَائِم (بِالذَّاتِ) الْمُقَدّس، أَو هُوَ احْتِرَاز عَن النَّفْسِيّ لَا بِالذَّاتِ، وَهُوَ النّظم فَإِنَّهُ نَفسِي بِاعْتِبَار دلَالَته على النَّفْسِيّ بِالذَّاتِ (ثمَّ قيل) التَّعْرِيف (الصَّحِيح) خطابه تَعَالَى الْمُتَعَلّق (بِفعل الْمُكَلف ليدْخل خصوصيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي ليدْخل فِي التَّعْرِيف خطابه تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِفعل أَو ترك مَخْصُوص بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ أَنه خطاب يتَعَلَّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين، وَكَذَا الْخطاب الْمُتَعَلّق بِصِحَّة شَهَادَة خُزَيْمَة وَحده (وَلَا يُفِيد) الْعُدُول عَن الْمُكَلّفين إِلَى الْمُكَلف ذَلِك (لِأَنَّهُ) أَي الْمُكَلف (كالمكلفين عُمُوما) أَي مثله فِي الْعُمُوم: إِذْ لَا فرق بَين الْجمع الْمحلي بلام الِاسْتِغْرَاق والمفرد الْمحلي بهَا، لِأَن اللَّام تبطل الجمعية، ويستغرق أَفْرَاد الْجِنْس كالمفرد، ثمَّ احْتَرز عَن إِفَادَة الْعُمُوم، فَقيل مُكَلّف بِغَيْر لَام الِاسْتِغْرَاق (وَيدْفَع) أصل الِاعْتِرَاض (بِأَن صدق عُمُوم الْمُكَلّفين) فِي خطابه الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلّفين (لَا يتَوَقَّف على صُدُور كل فعل) مِمَّا تعلق بِهِ الْخطاب (من كل مُكَلّف، بل لَو انقسمت الْآحَاد) من الْأَفْعَال (على الْآحَاد) من الْمُكَلّفين لاقتضى تقَابل الْجمع بِالْجمعِ توزيع الْآحَاد على الْآحَاد (صدق) الْعُمُوم (أَيْضا) فَيصدق التَّعْرِيف على الْخطاب الْمُتَعَلّق بِفعل مَخْصُوص بمكلف خَاص: هَذَا وَيجوز أَن يكون من قبيل: فلَان يركب الْخَيل وَإِن لم يركب إِلَّا وَاحِد مِنْهَا، فَالْمُرَاد تعلقه بِجِنْس فعل الْمُكَلف (ثمَّ الِاقْتِضَاء إِن كَانَ حتما لفعل غير كف) للنَّفس عَن فعل وَذَلِكَ بِعَدَمِ تَجْوِيز الطَّالِب ترك ذَلِك الْفِعْل، قيد الْفِعْل بِكَوْنِهِ غير كف، لِأَنَّهُ

لَو كَانَ كفا لَكَانَ تَحْرِيمًا (فالإيجاب) أَي فِي هَذَا الِاقْتِضَاء (وَهُوَ) الْإِيجَاب، وَقد عرفت أَن الِاقْتِضَاء هُوَ نفس الْكَلَام الْمَذْكُور (هُوَ) أَي الْإِيجَاب (نفس الْأَمر النَّفْسِيّ، وَيُسمى وجوبا أَيْضا بِاعْتِبَار نسبته إِلَى الْفِعْل) يَعْنِي أَن الْإِيجَاب وَالْوُجُوب متحدان بِالذَّاتِ مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ، بِاعْتِبَار الْقيام بِذَاتِهِ تَعَالَى إِيجَاب، وَبِاعْتِبَار تعلقه بِفعل العَبْد وجوب (وَهُوَ) أَي الْوُجُوب بِهَذَا الْمَعْنى (غير) المُرَاد فِي (الْإِطْلَاق الْمُتَقَدّم) فَإِن الْمَذْكُور ثمَّة أَن الْوُجُوب يُقَال لأثر الْخطاب وَهُوَ صفة فعل الْمُكَلف لَا نفس الْإِيجَاب بِاعْتِبَار نسبته إِلَى الْفِعْل، وَأورد عَلَيْهِ أَنه يُقَال أوجب الْفِعْل فَوَجَبَ، فالإيجاب صفة الْمُوجب، وَالْوُجُوب مترتب عَلَيْهِ صفة لمتعلق فعله، فَلَا اتِّحَاد، وَقَرِيب من هَذَا مَا قيل: من أَن الْإِيجَاب من مقولة الْفِعْل، وَالْوُجُوب من مقولة الانفعال، وَقد يُقَال إِن القَوْل بالاتحاد على سَبِيل الْمُسَامحَة، أَو لَيْسَ المُرَاد بهما مَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُمَا: بل أَمر وَاحِد لَهُ اعتباران بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأَمر والمأمور بِهِ بِكُل اعْتِبَار لَهُ اسْم وَالله أعلم. (أَو) كَانَ (تَرْجِيحا) لفعل غير مُكَلّف (فالندب، أَو لكف حتما) صرح بحتما مَعَ أَنه كَانَ يفهم بِمُوجب الْعَطف لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد بالْعَطْف مُجَرّد التَّشْرِيك فِي الطّلب (فالتحريم) أَي فَهَذَا الِاقْتِضَاء التَّحْرِيم (وَالْحُرْمَة) المتحدان بِالذَّاتِ المختلفان (بِالِاعْتِبَارِ غير مَا تقدم) أَي المُرَاد بِالْحُرْمَةِ هُنَا غير مَا تقدم أَن المُرَاد ثمَّة أثر الْخطاب صفة للكف، وَهَهُنَا نفس التَّحْرِيم (وَظهر مَا قدمنَا من فَسَاد تعريفهم الْأَمر وَالنَّهْي النفسيين بتركهم) لفظ (حتما) فِي تعريفي الْأَمر وَالنَّهْي النفسيين بِطَلَب صلَة التَّعْرِيف الخ أَي طلب فعل غير كف من غير ذكر حتما، وَمن غير استعلاء، وَيفْسد التّرْك الْمَذْكُور طردهما أَي طرد تَعْرِيف الْأَمر الإيجابي النَّفْسِيّ لصدقه على الندبي، وتعريف النَّهْي النَّفْسِيّ التحريمي لصدقه على الكرهي (وَكَذَا) ظهر مِمَّا ذكر الْفساد (بترك الاستعلاء فِي التَّقْسِيم) أَي تَقْسِيم الطّلب إِلَى الْأَمر وَالنَّهْي، وَالدُّعَاء والالتماس، وَاعْتِبَار الاستعلاء إِنَّمَا هُوَ فِي الْقسم الَّذِي هُوَ مقسم الْأَوَامِر والنواهي، وَفَسَاد التَّقْسِيم بِاعْتِبَار عدم امتياز الْقسم الْمَذْكُور عَن قسميه، فَإِذا لم يعْتَبر فِي جَانب الْأَمر وَالنَّهْي الاستعلاء صدق تعريفاهما المستنبطان من التَّقْسِيم على نظيريهما من الدُّعَاء والالتماس على مَا سيشير إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا ظهر هَذَا الْفساد من اعْتِبَار الحتم لكَون الاستعلاء نَظِير الحتم فِي أَن تَركه مَحل للطرد، والذهن ينْتَقل من أحد النظيرين إِلَى الآخر (لِأَنَّهُ) أَي التَّقْسِيم (يخرج التَّعْرِيف) لِأَن التَّقْسِيم عبارَة عَن ضم الْقُيُود الْمُخَالفَة إِلَى الْمقسم بِحَيْثُ يحصل بانضمام كل قيد قسم فالمجموع الْمركب من الْمقسم وَذَلِكَ الْقَيْد تَعْرِيف لذَلِك الْقسم، وَقيد الاستعلاء لَا بُد مِنْهُ فِي الْأَمر وَالنَّهْي لما عرفت (هَذَا) الَّذِي ذكرنَا فِي تَحْقِيق ماهيتي الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم إِنَّمَا كَانَ (بِاعْتِبَار نفسهما) وبحسب حَالهمَا فِي حدّ ذاتهما فِي نفس الْأَمر،

مسئلة

وَأما بِحَسب اطلاعنا عَلَيْهِمَا فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أما بِاعْتِبَار الِاتِّصَال) إِلَيْنَا بالألفاظ الدَّالَّة عَلَيْهِمَا (فَكَذَلِك عِنْد غير الْحَنَفِيَّة) أَي تَفْسِير الْإِيجَاب بِطَلَب الْفِعْل غير الْكَفّ من غير مُلَاحظَة حَال الدَّال، وَهَكَذَا فِي التَّحْرِيم (وَأما هم) أَي الْحَنَفِيَّة فلاحظوا ذَلِك فَقَالُوا (فَإِن ثَبت الطّلب الْجَازِم بقطعي) متْنا وَدلَالَة من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع (فالافتراض) إِن كَانَ الْمَطْلُوب غير كف (وَالتَّحْرِيم) إِن كَانَ كفا (أَو) ثَبت الطّلب الْجَازِم (بظني) دلَالَة من كتاب أَو دلَالَة، أَو ثبوتا من سنة أَو إِجْمَاع (فالإيجاب) فِي غير الْكَفّ (وَكَرَاهَة التَّحْرِيم) فِي الْكَفّ (ويشار كانهما) أَي الْإِيجَاب وَكَرَاهَة التَّحْرِيم الافتراض وَالتَّحْرِيم (فِي اسْتِحْقَاق الْعقَاب بِالتّرْكِ) لما هُوَ الْمَطْلُوب مِنْهُ (وَعنهُ) أَي عَن التشارك فِي الِاسْتِحْقَاق. (قَالَ مُحَمَّد كل مَكْرُوه حرَام) مرِيدا بِهِ (نوعا من التَّجَوُّز) فِي لفظ حرَام بِاعْتِبَار التشارك الْمَذْكُور (وَقَالا) أَي أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف (على الْحَقِيقَة) الْمَكْرُوه (إِلَى الْحَرَام أقرب) مِنْهُ إِلَى الْمحل، وَإِنَّمَا قُلْنَا نوعا من التَّجَوُّز (للْقطع بِأَن مُحَمَّدًا لَا يكفر جَاحد الْوُجُوب وَالْمَكْرُوه) كَمَا يكفر جَاحد الْفَرْض وَالْحرَام (فَلَا اخْتِلَاف) بَينه وَبَينهمَا فِي الْمَعْنى (كَمَا يظنّ). مسئلة (أَكثر الْمُتَكَلِّمين) ذَهَبُوا إِلَى أَنه (لَا تَكْلِيف إِلَّا بِفعل) كسبي سَوَاء كَانَ فعل الْجَوَارِح أَو الْقلب (وَهُوَ) أَي الْفِعْل الْمُكَلف بِهِ (فِي النَّهْي كف النَّفس عَن الْمنْهِي) جَوَاب سُؤال وَهُوَ أَن الْمُكَلف بِهِ فِي النَّهْي عدم الْإِتْيَان بالمنهي عَنهُ وَهُوَ أَمر أُصَلِّي حَاصِل وَلَيْسَ بِفعل وَحَاصِل الْجَواب أَن الْمُكَلف بِهِ لَيْسَ الْعَدَم الْأَصْلِيّ، بل هُوَ كف النَّفس عَن ميلها إِلَى الْمنْهِي عَنهُ، والكف فعل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (ويستلزم) كَون الْفِعْل الْمُكَلف بِهِ فِي النَّهْي كف النَّفس (سبق الداعية) أَي دَاعِيَة النَّفس إِلَى الْمنْهِي عَنهُ (فَلَا تَكْلِيف قبلهَا) أَي الداعية (تنجيزا) إِذْ لَو طلب مِنْهُ مُنجزا كف النَّفس عَن فعل لَيْسَ لَهَا دَاعِيَة لزم التَّكَلُّف بِمَا لَا يُطَاق: إِذْ لَا يتَصَوَّر كف النَّفس عَن شَيْء لم ترده وَلم تمل إِلَيْهِ فَإِذن يكون نَحْو: لَا تقربُوا الزِّنَا تَعْلِيق الْكَفّ أَي إِذا طلبته نَفسك فكفها عَنهُ، فَظهر فَائِدَة قَوْله تنجيزا فَإِن قيل لزم حِينَئِذٍ فَوَات فَضِيلَة امْتِثَال نهي شرب الْخمر لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ لما قيل من أَنه لم تطلب نَفسه الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام قُلْنَا لَا نقض فِيهِ مَعَ وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِيهِ، وَهُوَ هَذَا النَّوْع من الْعِصْمَة (وَكثير من الْمُعْتَزلَة) مِنْهُم أَبُو هَاشم قَالُوا: الْمُكَلف بِهِ فِي النَّهْي (عَدمه) أَي الْفِعْل (لنا لَا تَكْلِيف إِلَّا بمقدور) كَمَا سَيَأْتِي (والعدم غَيره) أَي غير مَقْدُور

(إِذْ لَيْسَ) الْعَدَم (أَثَرهَا) أَي الْقُدْرَة (وَلَا استمراره) أَي وَلَا اسْتِمْرَار الْعَدَم أثر الْقُدْرَة، لِأَن الْعَدَم نفي مَحْض، وَلما نظر فِي هَذَا ابْن الْحَاجِب وَغَيره وَقرر فِي الشَّرْح العضدي بِأَنا لَا نسلم أَن اسْتِمْرَار الْعَدَم لَا يصلح أثر للقدرة إِذْ يُمكنهُ أَن لَا يفعل فيستمر، وَأَيْضًا يَكْفِي فِي طرف النَّفْي أثرا أَنه لم يَشَأْ فَلم يفعل، وَذَلِكَ لِأَن الْفَاء المتوسطة بَين عدم الْمَشِيئَة وَعدم الْفِعْل تدل على ترَتّب الثَّانِي على الأول، والمترتب على الشَّيْء أثر لَهُ، وَفِيه نظر: إِذْ الترتب إِنَّمَا يسْتَلْزم المعلولية، وكل مَعْلُول لَا يلْزم أَن يكون أثر الْعلية: أَلا ترى أَن الْمَشْرُوط مَعْلُول الشَّرْط، وَلَا يُقَال أَنه أثر لَهُ. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَحَاصِله أَنا لَا نفسر الْقَادِر بِالَّذِي إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك بل بِالَّذِي إِن شَاءَ فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل، فَدخل فِي الْمَقْدُور عدم الْفِعْل إِذْ ترَتّب على عدم الْمَشِيئَة وَكَانَ الْفِعْل مِمَّا يَصح ترتبه على الْمَشِيئَة، وَتخرج العدميات الَّتِي لَيست كَذَلِك: أَشَارَ المُصَنّف إِلَيْهِ ورده، فَقَالَ (وَتَفْسِير الْقَادِر بِمن إِن شَاءَ فعل، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَشَأْ (لم يفعل، لَا) بِمن إِن شَاءَ فعل (وَإِن شَاءَ ترك، وَكَونه لم يَشَأْ فَلم يفعل) كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّفْسِير الأول بِإِدْخَال الْفَاء الدَّاخِلَة على ترَتّب مدخولها على مَا قبله الموهمة كَون الْعَدَم أثرا لعدم الْمَشِيئَة (لَا يُوجب اسْتِمْرَار) الْعَدَم (الْأَصْلِيّ أثر الْقُدْرَة بِهِ) أَي الْمُكَلف: أَي يُوجب كَون الِاسْتِمْرَار الْمَذْكُور أثرا لَهَا (فَيكون ممتثلا للنَّهْي) فَقَوله تَفْسِير الْقَادِر مُبْتَدأ عطف عَلَيْهِ كَونه إِلَى آخِره، وَقَوله لَا يُوجب خَبره (بل عدم مَشِيئَة الْفِعْل أصلا) بِأَن لم يتَعَلَّق بِهِ مَشِيئَة لَا وجودا وَلَا عدما (صُورَة عدم الشُّعُور بالتكلف) يَعْنِي أَنَّك بدلت إِن شَاءَ ترك فِي تَفْسِير الْقَادِر بِأَن لم يَشَأْ لم يفعل ليصير عدم الْفِعْل مَقْدُورًا للمكلف، وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا زعمت: إِذْ الْمُكَلف لَا يَخْلُو من أَن يكون لَهُ شُعُور بِالنَّهْي أَو لَا، وعَلى الثَّانِي جعل اسْتِمْرَار الْعَدَم الْأَصْلِيّ أثر الْقُدْرَة، وامتثالا للنَّهْي مِمَّا لَا يرتضيه عَاقل: إِذْ الِامْتِثَال للنَّهْي فرع الشُّعُور بِهِ، وَأثر قدرَة الْفَاعِل الْمُخْتَار يجب أَن يكون مشعورا بِهِ إِذا كَانَ مَقْصُود الْحُصُول بِهِ، وَأما على الأول فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَأما مَعَه) أَي مَعَ الشُّعُور بِالنَّهْي (فَلَيْسَ الثَّابِت) من حَيْثُ قصد الِامْتِثَال اللَّازِم للشعور بِهِ بِمُوجب الْإِيمَان (إِلَّا مَشِيئَة عدم الْفِعْل وَإِن عبر عَنهُ) أَي عَن مَشِيئَة عدم الْفِعْل، والتذكير لكَونه مصدرا (بِعَدَمِ مَشِيئَته) أَي الْفِعْل تسامحا (فَيتَحَقَّق التّرْك) حِينَئِذٍ فَلَا فَائِدَة فِي الْعُدُول عَن الأول إِلَى الثَّانِي (وَهُوَ) أَي التّرْك (فعل إِذا طلبته) النَّفس (ويثاب) الْمُكَلف (على هَذَا الْعَزْم) الَّذِي هُوَ مَشِيئَة عدم الْفِعْل إِن كَانَ لله من غير طلب النَّفس إِيَّاه (لَا) يُثَاب (على امْتِثَال النَّهْي) حِينَئِذٍ (إِذْ لم يُوجد) الِامْتِثَال بِمُجَرَّد الْعَزْم بل عِنْد الطّلب والكف وَأَيْضًا لَا نسلم الْفرق بَين التفسيرين بِأَن يصير الِاسْتِمْرَار على الأول مَقْدُورًا دون الثَّانِي، إِذْ

مسئلة

لم يعْتَبر فِي شَيْء مِنْهَا تحقق الْمَشِيئَة بل يَكْفِي فَرضهَا، والمكلف الَّذِي لَا شُعُور لَهُ بالمنهي عَنهُ، وبعدمه يصدق عَلَيْهِ إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاسْتِمْرَار الْمَذْكُور وَالْفِعْل وَالتّرْك ملحوظ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُتَعَلق الْعَدَم المستمر فَتدبر. مسئلة (الْقُدْرَة شَرط التَّكْلِيف بِالْعقلِ) أَي بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ (عِنْد الْحَنَفِيَّة والمعتزلة لقبح التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق) مثلا (عقلا واستحالة نِسْبَة الْقَبِيح) اللَّازِمَة للتكليف بِمَا لَا يُطَاق (إِلَيْهِ تَعَالَى) وَهَذَا الدَّلِيل يُفِيد كَونهَا شَرط جَوَاز التَّكْلِيف، وَيلْزم مِنْهُ كَونهَا شَرط وُقُوعه بِالطَّرِيقِ الأولي، (و) شَرطه (بِالشَّرْعِ) أَي بِالدَّلِيلِ السمعي عِنْد الأشاعرة، وَالدَّلِيل (للأشاعرة) قَوْله تَعَالَى {لَا يُكَلف الله} الْآيَة) أَي نفسا إِلَّا وسعهَا وَلَا يخفى أَنه يُفِيد كَونهَا شرطا للوقوع: إِذْ مَدْلُول قَوْله تَعَالَى - {لَا يُكَلف الله} - عدم وُقُوع التَّكْلِيف، لَا عدم جَوَازه، وسيشير إِلَيْهِ (فِي الْمُمكن) لذاته ظرف لاشْتِرَاط الْقُدْرَة بِالشَّرْعِ عِنْد الأشاعرة: إِذْ فِي اشْتِرَاطهَا بِالشَّرْعِ فِي غير الْمُمكن لذاته خلاف كَمَا سَيذكرُهُ (كحمل جبل) بدل من الْمُمكن، أَو مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف لَا يُكَلف بِهِ عقلا عِنْد الْأَوَّلين، وَشرعا عِنْد الأشاعرة: يَعْنِي لم يَقع التَّكْلِيف بِهِ (وَلَو كلف بِهِ حسن) عِنْد الأشاعرة (وَهِي) أَي هَذِه المسئلة فرع (مسئلة التحسين والتقبيح) فَمن جَعلهمَا عقليين حكم بِعَدَمِ جَوَاز التَّكْلِيف بِمثل حمل الْجَبَل: إِذْ الْعقل يحكم بقبحه، وَمن لم يجعلهما عقليين حسن عِنْده ذَلِك لقَوْله تَعَالَى - {يفعل الله مَا يَشَاء} -، ونظائره (وَاخْتلفُوا) أَي الأشاعرة (فِي الْمحَال لذاته) كالجمع بَين النقيضين (فَقيل عدم جَوَازه) أَي التَّكْلِيف بالمحال لذاته (شَرْعِي لِلْآيَةِ) الْمَذْكُورَة (فَلَو كلف الْجمع بَين الضدين) كالحركة والسكون فِي زمَان وَاحِد لجسم وَاحِد (جَازَ). قَالَ الشَّارِح عقلا، وَيرد عَلَيْهِ أَن الْعقل لَا يحكم بِالْجَوَازِ وَعَدَمه عِنْد الْأَشْعَرِيّ فَالظَّاهِر أَن المُرَاد شرعا، إِذْ على تَقْدِير فرض التَّكْلِيف - {لَا يسئل عَمَّا يفعل} -، وكل مَا يَفْعَله حسن شرعا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مُرَاده بِالْجَوَازِ عقلا أَن الْعقل لَا يحكم بقبحه: إِذْ لَا حكم لَهُ فِي التحسين والتقبيح (وَنسب) هَذَا القَوْل (للأشعري) أَي إِلَيْهِ (وَقيل) عدم جَوَازه (عَقْلِي لملزومية الطّلب تصور الْمَطْلُوب) يَعْنِي أَن التَّكْلِيف بِفعل طلب لَهُ، وَطلب الْفِعْل يسْتَلْزم أَن يتَصَوَّر الطَّالِب وُقُوعه لَا يُقَال لَا حجر فِي التَّصَوُّر، فَيجوز أَن يتَصَوَّر وُقُوع الْمحَال لِأَن المُرَاد تصَوره، على وَجه يجوز وُقُوعه فِي الْخَارِج لَا على سَبِيل فرض الْمحَال كَمَا سيشير إِلَيْهِ (على وَجه المطلوبية) أَي تصورا على وَجه تعلق الطّلب بِهِ على ذَلِك الْوَجْه (فيتصور) الْمَطْلُوب للطَّالِب

(مثبتا) إِذْ هُوَ مَطْلُوبه من حَيْثُ الثُّبُوت والوقوع (وَهُوَ) أَي تصور الْمحَال مثبتا (تصور الْمَلْزُوم ملزوما لنقيض اللَّازِم) فَإِنَّهُ إِذا فرض أَرْبَعَة مَوْصُوفَة بنقيض لازمها الَّذِي هُوَ الزَّوْجِيَّة تحقق تصور الْمَلْزُوم الَّذِي هُوَ الْأَرْبَعَة مَوْصُوفا لكَونه ملزوما لنقيض اللَّازِم: أما ملزوميتها فبحسب نفس الْأَمر، وَأما ملزوميتها للنقيض فبمقتضى الْفَرْض، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وتصور أَرْبَعَة لَيْسَ زوجا) فِي الْمَآل (تصور أَرْبَعَة لَيست أَرْبَعَة) إِذْ الزَّوْجِيَّة لَازِمَة لَهَا، وَانْتِفَاء اللَّازِم يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمَلْزُوم (ونوقض) هَذَا الدَّلِيل (بِلُزُوم امْتنَاع الحكم بامتناعه) أَي الْمُمْتَنع صلَة للْحكم (خَارِجا) ظرف للامتناع: يَعْنِي كَمَا أَن تصور الْمحَال مثبتا مُسْتَلْزم لما ذكرْتُمْ كَذَلِك الحكم بامتناع الْمُمْتَنع فِي الْخَارِج مُسْتَلْزم لَهُ (لِأَنَّهُ) أى الحكم بامتناع خَارِجا (فرع تصَوره) أى الْمُمْتَنع (خَارِجا) فالممتنع لَازمه عدم التحقق فِي الْخَارِج، وَإِذا تصورته مثبتا لزم تصور وُقُوعه فِيهِ، والوقوع فِيهِ نقيض اللاوقوع فِيهِ فَلَزِمَ تصور الْمَلْزُوم ملزوما لنقيض اللَّازِم (أُجِيب) عَن النَّقْض الْمَذْكُور (بِأَن اللَّازِم) للْحكم بالامتناع على الْمُمْتَنع (تصَوره) أَي تصور الْمُمْتَنع الْمَحْكُوم عَلَيْهِ مُطلقًا (لَا) تصَوره (بِقَيْد إثْبَاته) بِأَن يجوز الْعقل ثُبُوته فِي الْخَارِج ملزوما للوازمه كَمَا يلْزم عِنْد طلب الْفِعْل (وَهُوَ) أَي تصَوره بِقَيْد الْإِثْبَات (الْمُمْتَنع) لَا تصَوره مُطلقًا (فيتصور) الْحَاكِم (الْجمع بَين المختلفات) الْغَيْر المتضادة كالحلاوة وَالْبَيَاض فِي الحكم بِأَن الضدين لَا يَجْتَمِعَانِ (وبنفيه) أَي الِاجْتِمَاع (عَنْهُمَا) أَي الضدين وَالْحَاصِل أَن الَّذِي لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج، وَأَنت قصدت الحكم عَلَيْهِ بِنَفْي الْوُجُود مثلا لَا يحْتَاج إِلَى تصور مورد النَّفْي على وَجه يجوز ثُبُوته فِي الْخَارِج بل يَكْفِيك تصَوره على وَجه الْفَرْض، فَإِذا قصدت أَن تحكم على الضدين بِنَفْي الِاجْتِمَاع تتَصَوَّر لَهما اجتماعا كاجتماع المختلفات الْغَيْر المتضادة، ثمَّ تنفيه (وَهُوَ) أَي تصور الْجمع بَينهمَا على الْوَجْه الْمَذْكُور (كَاف) فِي الحكم الْمَذْكُور (بِخِلَاف مَا) أَي تصور (يستدعيه طلب إثْبَاته) أَي الْفِعْل (فِي الْخَارِج) فَإِنَّهُ لَا بُد فِيهِ من تصَوره بِقَيْد الْإِثْبَات، وَقد عرفت مَعْنَاهُ: هَذَا كَلَام الْقَوْم فِي هَذَا الْمقَام، ثمَّ أَفَادَ مَا هُوَ التَّحْقِيق عِنْده بقوله (وَالْحق أَنا نعلم بِالضَّرُورَةِ إِمْكَان كلفتك الْجمع بَينهمَا) أَي الضدين: يَعْنِي أَن كَلَامهم يَسْتَدْعِي عدم إِمْكَان التَّكْلِيف بالمحال لملزومية الطّلب إِلَى آخِره، وَالْعلم الضَّرُورِيّ يحكم بإمكانه فاستدلالهم هَذَا مصادم للْعلم الضَّرُورِيّ فَلَا يعْتَبر (وَهُوَ) أَي وُقُوع مُتَعَلق هَذَا الْإِمْكَان (أما فرع قَوْله) تَعَالَى (النَّفْسِيّ ذَلِك) أَي معنى كلفتك الْجمع بَينهمَا على رَأْي من يثبت الْكَلَام النَّفس لَهُ (أَو) فرع (الْعلم) بِمَعْنى هَذَا على رَأْي من لم يثنه (فَإِن استدعى) هَذَا التَّكْلِيف (قدرا من التعقل) للطَّالِب أَو للمكلف: يَعْنِي تصور الْمَطْلُوب على وَجه المطلوبية مثبتا وَإِلَّا فَأصل التحقق

لَا شُبْهَة فِيهِ فَلَا يُنَاسب كلمة الشَّك، وَحِينَئِذٍ قَوْله (فقد تحقق) لَك الْقدر غير مُسْتَقِيم: إِذْ تَجْوِيز وُقُوع الْمحَال محَال، وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَن الحكم بالتحقق على تَقْدِير الاستدعاء يسْتَلْزم الحكم بِهِ مُطلقًا غير أَنه لَا يَسْتَقِيم حِينَئِذٍ قَوْله (وَلَا حَاجَة لنا إِلَى تَحْقِيقه) أَي تصَوره مثبتا بِحَيْثُ يجوز الْعقل وُقُوعه وَلَا مخلص إِلَّا بِالْتِزَام حمله كلمة الشَّك على خلاف الظَّاهِر، وَإِرَادَة قدر مَا من التعقل وَالله أعلم (وَأَيْضًا يُمكن تصور الثُّبُوت بَين الخلافين فيكلف بِهِ) أَي بالثبوت (بَين الضدين) مَعْطُوف على قَوْله وَالْحق وَحَاصِله أَي الْمَنْع توقف التَّكْلِيف بِالْجمعِ بَين الضدين على تصَوره وَاقعا، بل يَكْفِي فِيهِ تصور الِاجْتِمَاع كَمَا يَكْفِي فِي الحكم على مَا ذكر (وَحَدِيث تصور المستحيل) الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله وَهُوَ تصور الْمَلْزُوم ملزوما لنقيض اللَّازِم إِلَى آخِره (بِمَا فِيهِ) أَي مَعَ مَا فِيهِ من الْبَحْث المفاد بقوله وَأجِيب إِلَى آخِره (لَا وُقُوع لَهُ بعد مَا ذكرنَا) من أَنا نعلم بِالضَّرُورَةِ إِمْكَان كلفتك الْجمع بَينهمَا (وَلَا خلاف فِي وُقُوع التَّكْلِيف بالمحال لغيره كَمَا) أَي كالفعل الَّذِي (علم) الله (سُبْحَانَهُ عدم كَونه) أَي تحَققه فِي الْخَارِج، وَمَعَ هَذَا كلف بِهِ، وَلما استدلوا بِهَذَا التَّكْلِيف على جَوَاز التَّكْلِيف بالمحال لذاته وَكَانَ ذَلِك غير موجه أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَالْوَجْه أَنه) أَي مَا علم الله سُبْحَانَهُ عدم كَونه (لم يَتَّصِف بالاستحالة) الَّتِي هِيَ مَحل النزاع (لذَلِك) أَي لعلمه سُبْحَانَهُ بِعَدَمِ كَونه (لِاسْتِحَالَة اجتماعه) أَي اجْتِمَاع كَونه محالا (مَعَ الْإِمْكَان) الثَّانِي الْمَوْجُود فِيهِ اتِّفَاقًا (بل هُوَ) أَي مَا علم سُبْحَانَهُ عدم كَونه (مُمكن مَقْطُوع بِعَدَمِ وُقُوعه فاستدل الْمُجِيز) لوُقُوع التَّكْلِيف بالمستحيل لذاته (بِهِ) أَي بِوُقُوع التَّكْلِيف بالممكن الْمَقْطُوع بِعَدَمِ وُقُوعه كَلَام وَقع (فِي غير مَحل النزاع، و) مَعَ كَونه كلَاما فِي غير مَحل النزاع (يَقْتَضِي وُقُوع تَكْلِيف المستحيل لنَفسِهِ اتِّفَاقًا) فَلَا وَجه لجعله دَلِيلا على جَوَاز وُقُوع التَّكْلِيف بالمحال لذاته وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا لم يفرق بَين الْمحَال لغيره والمحال لذاته ويجعله محالا لذاته، وَمَا علم سُبْحَانَهُ عدم كَونه قد كلف بِهِ اتِّفَاقًا لزم من هَذَا الِاتِّفَاق على وُقُوع التَّكْلِيف بالمستحيل لذاته (والاتفاق) بَين الأشاعرة (على نَفْيه) أَي وُقُوع التَّكْلِيف بالمستحيل لذاته كغيرهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الِاتِّفَاق مِنْهُم على نَفْيه (ناقضوا الْآيَة) أَي لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا لدلالته على نفي الْوُقُوع صَرِيحًا (وَالْخلاف فِي جَوَازه) لَا غير (وَكَذَا استدلالهم) على جَوَاز التَّكْلِيف بالمحال لذاته (بِأَن الْقُدْرَة مَعَ الْفِعْل) فَقبل الْفِعْل لَا قدرَة لَهُ وصدور الْفِعْل من غير قدرَة محَال، وَقد كلف بِالْفِعْلِ قبله اتِّفَاقًا كَلَام فِي غير مَحل النزاع وَيَقْتَضِي الِاتِّفَاق على وُقُوع التَّكْلِيف بالمحال وَقَوله (وَهُوَ مَخْلُوق لَهُ تَعَالَى) لإِفَادَة أَن الْمَعِيَّة لَا تضر لكَون الْفِعْل يُوجد بتأثير قدرَة الْخَالِق من غير تَأْثِير لقدرة الْمَخْلُوق وَمن غير مدخلية لَهَا فَلَيْسَتْ من أَجزَاء الْعلَّة فليزم تقدمها غير أَنه لَو فرض مدخليتها أَيْضا لم يلْزم

تقدمها زَمَانا، وَالْمرَاد معيتها زَمَانا، فَالْوَجْه أَن يَجْعَل دَلِيلا مُسْتقِلّا كَمَا فِي الشَّرْح العضدي، وَأما فَائِدَة إِثْبَات هَذِه الْقُدْرَة فَسَيَأْتِي بَيَانهَا (وَمِنْه) أَي وَمِمَّا ذكر من أَن الْقُدْرَة مَعَ الْفِعْل وَأَن الْفِعْل مَخْلُوق لَهُ تَعَالَى، وَمن هَذَا الِاسْتِدْلَال (ألزم الْأَشْعَرِيّ القَوْل بِهِ) أَي بتكليف الْمحَال وَإِلَّا فَهُوَ لم يُصَرح بِهِ (وَيلْزم) أَيْضا من هَذَا الِاسْتِدْلَال (كَون كل مَا كلف بِهِ محَال لذاته) قَالَ الشَّارِح: أَي فَهُوَ محَال لذاته، وَالْوَجْه الظَّاهِر محالا انْتهى وَلَا يخفى سماجة هَذَا التَّأْوِيل فَالْوَجْه أَن يُقَال سقط الْألف عَن الْقَلَم سَهوا، وَإِنَّمَا يلْزم ذَلِك لِأَن كَون الْقُدْرَة مَعَ الْفِعْل مُوجب للاستحالة الذاتية على رَأْيه، وَهَذَا مَوْجُود فِي كل تَكْلِيف (وَقَوْلهمْ) أَي المجيزين لوُقُوع التَّكْلِيف بالمحال لذاته (وَقع) التَّكْلِيف بِهِ إِذا (كلف أَبُو لَهب) أَي كلفه الله تَعَالَى (بالتصديق بِمَا أخبر) بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِجْمَاعًا (وَأخْبر) أَي أخبرهُ الله تَعَالَى وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنه) أَي أَبَا لَهب (لَا يصدقهُ) التزاما لإخباره بِأَنَّهُ من أهل النَّار بقوله - {سيصلى نَارا ذَات لَهب} - (وَهُوَ) أَي تَكْلِيفه بالتصديق بِمَا أخبر على الْعُمُوم لَا بِخُصُوص هَذَا الْأَخْبَار (تَكْلِيف بِأَن يصدقهُ فِي أَنه لَا يصدقهُ وَهُوَ) أَي تَصْدِيقه فِي أَنه لَا يصدقهُ (محَال لنَفسِهِ) لِأَن تحَققه يسْتَلْزم عدم تحَققه إِذْ مُتَعَلّقه عدم التَّصْدِيق الْمُطلق الَّذِي هُوَ من أَفْرَاده، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لاستلزام تَصْدِيقه عدم تَصْدِيقه) وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر الْإِضْمَار بِأَن يَقُول عَدمه، لَكِن لما كَانَ لُزُوم عَدمه فِي ضمن عدم التَّصْدِيق مُطلقًا أَشَارَ إِلَيْهِ بِوَضْع الْمظهر مَوضِع الْمُضمر بِأَن يَقُول عَدمه وَيرد عَلَيْهِ أَن المستلزم لعدم التَّصْدِيق وَتحقّق مَضْمُون مُتَعَلّقه فِي الْخَارِج، لَا فِي ذهن الْمُصدق والتصديق الْمَذْكُور إِنَّمَا يسْتَلْزم تحقق الْمَضْمُون فِي الذِّهْن لَا فِي الْخَارِج، فغاية الْأَمر لُزُوم كَون التَّصْدِيق لما فِي نفس الْأَمر وَيُجَاب بِأَن الْمُكَلف بِهِ التَّصْدِيق اليقيني الْمُطلق لما فِي نفس الْأَمر قطعا، وَأَيْضًا كَيفَ يصدق بِعَدَمِ تَصْدِيقه إِيَّاه مُطلقًا حَال كَونه مُصدقا إِيَّاه فِي أَنه لَا يصدقهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال يجوز أَن لَا يكون عَالما بِعِلْمِهِ (غلط) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي قَوْلهم، لم يُصَرح بِوَجْه الْغَلَط لِكَثْرَة وجوهه مَعَ الِاعْتِمَاد على مَا يفهم بطرِيق الْإِشَارَة: مِنْهَا أَنه مَبْنِيّ على أَنه تَعَالَى أخبر بِأَنَّهُ لَا يصدق وَجعل هَذَا الْخَبَر بِخُصُوصِهِ مُتَعَلق إيمَانه وَلم يثبت شَيْء مِنْهُمَا، أما الأول فَلِأَن صلية النَّار يحْتَمل أَن يكون بالارتداد بعد التَّصْدِيق فَلَا ينتهض حجَّة، وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يجب أَن يكون كل مَا أخبر بِهِ مُطلقًا للْإيمَان تَفْصِيلًا، وَمِنْهَا أَنه لَو سلم تَكْلِيفه بالتصديق الْمَذْكُور لم يكن محالا لذاته إِذْ لَا يسْتَلْزم تحَققه عدم تحَققه إِلَّا بِشُبْهَة كَونه مطابقا للْوَاقِع، وَهَذَا الْكَوْن خَارج عَن ذَاته فَلَا يسْتَلْزم تحَققه لذاته عدم تحَققه فَلَا يكون محالا لذاته (بل هُوَ) أَي تَكْلِيف أبي لَهب بالتصديق تَكْلِيف (بِمَا علم الله عدم وُقُوعه فَهُوَ) محَال (لغيره) وَهُوَ تعلق الْعلم

مسئلة

الأزلي بِعَدَمِ تَصْدِيقه فَإِنَّهُ يَسْتَحِيل انقلابه جهلا سَوَاء (كلف) أَبُو لَهب (بتصديقه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قبل علمه) أَي أبي لَهب بِأَنَّهُ تعلق علم لله بِعَدَمِ صدقه (أَو) كلف (بعده) أَي بعد علمه بذلك، أما الأول فَظَاهر، وَأما الثَّانِي فَلِأَن علم أبي لَهب بِأَن تَصْدِيقه مَعْلُوم الْعَدَم عِنْد الله لَا يَجعله محالا لذاته بل لَا يَجعله مُضْطَرّا فِي عدم التَّصْدِيق كَمَا حقق فِي مَحَله (فَهُوَ) أَي هَذَا الدَّلِيل لَهُم (تشكيك بعد) النَّص (الْقَاطِع) فِي أَنه لم يَقع وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لَا يُكَلف الله} الْآيَة فَهُوَ) أَي التَّكْلِيف بالمحال لذاته (مَعْلُوم الْبطلَان). قَالَ الشَّارِح عقلا غير وَاقع شرعا انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن المُصَنّف لم يثبت بُطْلَانه عقلا فَارْجِع إِلَى قَوْله وَالْحق الخ. مسئلة (نقل عَن الْأَشْعَرِيّ بَقَاء التَّكْلِيف) بِالْفِعْلِ أَي كَونه مَطْلُوبا من الْمُكَلف (حَال) مُبَاشرَة ذَلِك (الْفِعْل) كَمَا كَانَ قبل الْمُبَاشرَة لَهُ (واستبعد) هَذَا مِنْهُ (بِأَنَّهُ) أَي الْأَشْعَرِيّ (إِن أَرَادَ) بِبَقَائِهِ فِي هَذَا الْحَال (أَن تعلقه) أَي التَّكْلِيف (لنَفسِهِ) أَي لذاته لِأَن حَقِيقَته الطّلب الْمُضَاف إِلَى الْمَطْلُوب، وَهَذِه الْإِضَافَة والتعلق لَا يَنْفَكّ عَن حَقِيقَته. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ لَو انْقَطع التَّكْلِيف بعد الْفِعْل لزم أَن يتَعَدَّى الطّلب الْقَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى وَهُوَ محَال، لِأَن صِفَاته كَمَا هِيَ أزلية أبدية، وَجَوَابه أَن الْكَلَام فِي الْأَزَل كَسَائِر صِفَاته وَاحِد لَا تعدد فِيهِ، وَكَونه أمرا أَو نهيا من الْعَوَارِض الَّتِي تتجدد لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُتَعَلّقه، فَلَا يلْزم من انْتِفَاء الطّلب انْتِفَاء كَلَامه الْقَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى (فَحق) أَي فَهَذَا الْمَعْنى حق (لَكِن يشكل عَلَيْهِ) أَي على هَذَا المُرَاد (انْقِطَاعه بعده) أَي بعد صُدُور الْفِعْل (اتِّفَاقًا) وَذَلِكَ التَّعَلُّق الَّذِي يَقْتَضِيهِ الذَّات لَا يَنْفَكّ عَنْهَا مَا دَامَت الذَّات بَاقِيَة، وَعدم انْقِطَاعه بعده خلاف الْإِجْمَاع (أَو) أَرَادَ بذلك (تَنْجِيز التَّكْلِيف) أَي إِرَادَة إِيقَاعه مُنجزا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من عباراته (فَبَاطِل) أَي فَهَذَا المُرَاد بَاطِل (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَي التَّكْلِيف بِهَذَا الْمَعْنى حَال الْفِعْل تَكْلِيف (بإيجاد الْمَوْجُود) هَذَا كَلَامهم، وَتعقبه المُصَنّف بقوله (وَلَيْسَ) الْأَمر كَذَلِك (لِأَن ذَلِك) أَي التَّكْلِيف بإيجاد الْمَوْجُود إِنَّمَا يكون (بعده) أَي الْفِعْل (وكلامنا) فِي التَّكْلِيف بِهِ (حَال هَذَا الإيجاد، وَمَا يُقَال إِحَالَة للصورة) أَي لأجل إِحَالَة صُورَة هَذِه المسئلة، وَبَيَان كَونهَا محالا (الْفِعْل إِن كَانَ آنيا) أَي دفعي الْوُجُود لَا زمانيا تدريجيا ممتدا على طبق أَجزَاء الزَّمَان: قَوْله الْفِعْل إِلَى آخِره بدل من الْمَوْصُول أَو ضَمِيره (لم يتَصَوَّر لَهُ) أَي لذَلِك الْفِعْل (بَقَاء) إِذا الْمَفْرُوض أَن حُدُوثه ووجوده لَيْسَ إِلَّا فِي آن وَاحِد (يكون مَعَه) أَي مَعَ ذَلِك الْبَقَاء (التَّكْلِيف، وَإِن) كَانَ (طَويلا)

كَالصَّوْمِ (أَو ذَا أَفعَال) كَالصَّلَاةِ (فحال فعله) أَي فَفِي حَال إِيقَاعه (انْقَضى) ذَلِك الْفِعْل شَيْئا فَشَيْئًا) إِذْ هُوَ حِينَئِذٍ غير قار الذَّات لم تَجْتَمِع أجزاؤه فِي الْوُجُود لأجزاء الْحَرَكَة وَالزَّمَان (فالمنقضي سقط تَكْلِيفه) فَلَا بَقَاء لَهُ (وَمَا لم يُوجد) من أَجْزَائِهِ (بَقِي) التَّكْلِيف فِي حَقه، وَهَذَا الْبَقَاء كالبقاء قبل الشُّرُوع فِي الْفِعْل فَلَيْسَ من مَحل النزاع (لَا يُفِيد) خبر مَا يُقَال (ذَلِك) أَي إِحَالَة الصُّورَة (لِأَن الْمُمكن آنيا) كَانَ (أَو زمانيا) لَا بُد لَهُ من حَال عدم وَحَال بروز) من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود (وَإِن لم يدْرك) مِقْدَار زمَان بروزه (لسرعته وَحَال تقرر وجوده، والبقاء إِنَّمَا هُوَ مَحْكُوم بِهِ للتكليف لَا للْفِعْل) ثمَّ فسر بَقَاء التَّكْلِيف بِالْفِعْلِ بقوله (أَي التَّكْلِيف السَّابِق على الْفِعْل يبْقى مَعَ الْحَالة الثَّانِيَة) من الْأَحْوَال الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة (وَإِن سبقت) الْحَالة الثَّانِيَة (اللحظة) فِي السرعة، واللحظة فِي الأَصْل: النظرة بمؤخر الْعين، وَالْمرَاد هَهُنَا طرفَة الْعين وَالْحَاصِل أَن التَّكْلِيف بَاقٍ بعد الْحَالة الأولى قبل الثَّانِيَة، وَلَو كَانَ مَا دون طرفَة الْعين (وَهُوَ) أَي هَذَا التَّحْقِيق على هَذَا الْوَجْه (صَحِيح) مَبْنِيّ على أصُول الْأَشْعَرِيّ وَغَيره من أهل الْحق فَيكون كالمنصوص عَلَيْهِ مِنْهُم (وَيكون نصا من الْأَشْعَرِيّ) على (أَن التَّكْلِيف سبقه) أَي الْفِعْل بِاعْتِبَار تقرر وجوده (لَا) أَنه (مَعَ الْمُبَاشرَة) للْفِعْل (كَمَا نسب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ) أَي مَا نسب إِلَيْهِ من أَن التَّكْلِيف مَعَه (بَاطِل وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْأَمر كَذَلِك، بل كَانَ مَعَ الْمُبَاشرَة (انْتَفَت الْمعْصِيَة) إِذْ الْمعْصِيَة تَقْتَضِي عدم سبق التَّكْلِيف والمكلف لَا يَخْلُو من أحد الْأَمريْنِ: إِمَّا أَنه يَأْتِي بالمأمور بِهِ أَو لَا، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا مَعْصِيّة: أما على الأول فَظَاهر، وَأما على الثَّانِي فَلِأَن انْتِفَاء الْمُبَاشرَة يسْتَلْزم انْتِفَاء التَّكْلِيف حِينَئِذٍ (وَنسب هَذَا الْخبط) إِلَى الْأَشْعَرِيّ نِسْبَة ناشئة (عَن) قَوْله (أَن الْقُدْرَة مَعَ الْفِعْل) فَلَا قدرَة قبل الْفِعْل وَبعده (وَلَا تَكْلِيف إِلَّا بمقدور. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ) فِي الْبُرْهَان: والذهاب إِلَّا أَن التَّكْلِيف عِنْد الْفِعْل (مَذْهَب لَا يرتضيه لنَفسِهِ عَاقل) إِذْ هُوَ خارق للاجماع، لِأَن الْقَاعِد فِي الْحَال قعوده مُكَلّف بِالْقيامِ إِلَى الصَّلَاة بِاتِّفَاق أهل الْإِسْلَام وَأَيْضًا التَّكْلِيف طلب والطلب يَسْتَدْعِي مَطْلُوبا وَعدم حُصُوله وَقت الطّلب (وينفي) هَذَا أَيْضا (تَكْلِيف الْكَافِر بِالْإِيمَان قبله) أَي الْإِيمَان وَهُوَ ظَاهر (وَالتَّحْقِيق أَن الْقُدْرَة صفة لَهَا صَلَاحِية التَّأْثِير) فِي المعدومات الممكنة بالإيجاد (و) الْقُدْرَة (الَّتِي يُقَام بهَا) الْفِعْل (جزئي حَقِيقِيّ مِنْهَا) أَي من الْقُدْرَة الْكُلية الْمَذْكُورَة فَإِن قلت الْمَذْكُورَة قَائِمَة بالشخص فِي الْخَارِج وكل مَا يقوم بِهِ جزئي حَقِيقِيّ قلت هُوَ كَذَلِك، لَكِن قطع النّظر عَن تعينها الْحَاصِل بِسَبَب خُصُوصِيَّة الْمحل وَحكم بكليتها الْمَفْهُوم الْكُلِّي الْقَائِم بِالْفِعْلِ (والمتقدم والمتأخر) بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا الجزئي الْحَقِيقِيّ من الجزئيات الصادرة فِي الإيجادات المتعاقبة (الْأَمْثَال) وَلَيْسَ بَينهمَا اتِّحَاد (فَالشَّرْط)

للتكليف (مثل سَابق) على الْمثل الْمُقَارن للْفِعْل (وَقد علمت) من قَوْلنَا الْقُدْرَة صفة لَهَا صَلَاحِية التَّأْثِير (أَن الصلاحية لَازِمَة لماهيتها) أَي الْقُدْرَة (فتلزم) الصلاحية الْمَذْكُورَة (كل فَرد) من أفرادها ضَرُورَة عدم تخلفه اللَّازِم عَن أَفْرَاد الْمَلْزُوم (وَذَلِكَ) الْمثل السَّابِق (مَدْلُول عَلَيْهِ بسلامة آلَات الْفِعْل وَصِحَّة أَسبَابه فَلِذَا فَسرهَا) أَي الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ شَرط الْفِعْل (الْحَنَفِيَّة بِهِ) أَي بِمَا ذكر من سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات (وَأما دَفعه) أَي قَول الْأَشْعَرِيّ من الْمُعْتَزلَة (بِأَن عِنْد الْمُبَاشرَة) للْفِعْل (مَعَ الداعية) إِلَيْهِ (وَالْقُدْرَة) عَلَيْهِ (يجب) الْفِعْل (فَلَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة) لعدم التَّمَكُّن من التّرْك وَلَا تَكْلِيف إِلَّا بمقدور، وَفِيه أَن قَوْله وَالْقُدْرَة مَعْطُوف على الداعية، فليزم مقارنتها مَعَ الْمُبَاشرَة فَمَا معنى قَوْله لَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة فَتَأمل (فمدفوع بِأَنَّهُ) أَي وجوب الْفِعْل حِينَئِذٍ (وجوب) تَأْثِير (عَن اخْتِيَار سَابق فِي الْفِعْل وَعدم) للْفِعْل السَّابِق (مَعَ إِمْكَان) للْفِعْل وَالتّرْك (مصحح للتكليف حِينَئِذٍ وَلَيْسَ) هَذَا الدّفع بجيد (لِأَن الْوُجُوب لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِالْفِعْلِ) على التَّمام، وَإِنَّمَا قَالَ (فِي التَّحْقِيق) إِشَارَة إِلَى مَا اشْتهر من أَن كل مُمكن محفوف بوجوبين: وجوب سَابق نظرا إِلَى علته التَّامَّة لكَون الْأَسْبَاب العادية مُؤثرَة فِي نفس الْأَمر، وجوب لَاحق للوجود أَو بعد الْوُجُود لَا يَنْفِي إِمْكَان عدم ذَلِك الْوُجُود من الأَصْل بِأَن يبْقى إِمْكَان عدم بَقَائِهِ كَلَام ظاهري (وَالْقُدْرَة) للْعَبد (لَا يُقَام بهَا الْفِعْل عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة والأشاعرة، وَمعنى الْإِقَامَة بهَا كَونهَا مُؤثرَة فِيهِ (بل تصاحبه) أَي تقارن الْقُدْرَة الْفِعْل كَمَا قارنته لسَائِر الْأَسْبَاب العادية (إِذْ لَا يُقَام) الْفِعْل (إِلَّا بقدرته تَعَالَى، وَلَا تَأْثِير أصلا لقدرة العَبْد فِيهِ) أَي الْفِعْل (فَلَيْسَ شَرط التَّكْلِيف إِلَّا مَا ذكرنَا) من سَلامَة آلَات الْفِعْل وَصِحَّة أَسبَابه (وَلَا يَسْتَدْعِي) مَا ذكر من الشَّرْط وَغَيره (الْمَعِيَّة) أَي كَون التَّكْلِيف مَعَ الْفِعْل بتأثير قدرته تَعَالَى من غير مدخلية للْعَبد يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَإِن عِنْده) أَي عِنْد مَا ذكر من سَلامَة الْآلَات وَصِحَّة الْأَسْبَاب (يخلق بقدرته) تَعَالَى (عَادَة) بِمَعْنى أَن عَادَته جرت بِأَنَّهُ يخلق أَفعَال الْعباد مَقْرُونا بذلك، فحاصل الِاشْتِرَاط التلازم لَا التَّوَقُّف (عِنْد الْعَزْم) أَي عزم العَبْد على الْفِعْل (المصمم) صفة مُؤَكدَة للعزم والظرف الثَّانِي بدل من الأول بدل الاشتمال أَو الْبَعْض، ثمَّ لما أَفَادَ عدم جودة الدّفع الْمَذْكُور بِاعْتِبَار تَأَخّر الْوُجُوب الْمَذْكُور عَن الْفِعْل أَرَادَ أَن يُفِيد أَن الِاخْتِيَار السَّابِق الَّذِي حكم بِكَوْنِهِ منشأ للْوُجُوب الْمَذْكُور إِنَّمَا يعْتَبر لِأَن يكون فعل الْمُكَلف امتثالا وَإِذا اعْتَبرهُ سَابِقًا على التَّكْلِيف لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ذَلِك الْقَصْد فَقَالَ (وَأَيْضًا سبق الِاخْتِيَار التَّكْلِيف بسبق مَا قارنه) أَي التَّكْلِيف وَهُوَ مُبَاشرَة الْفِعْل كَمَا يفِيدهُ القَوْل بِأَن التَّكْلِيف عِنْد الْمُبَاشرَة (لَا يُوجب وُقُوع) وجوب (الْفِعْل امتثالا لِأَنَّهُ) أَي الِامْتِثَال إِنَّمَا

يتَحَقَّق (بِاخْتِيَارِهِ) أَي الْمُكَلف (بعد علمه بالتكليف) وَهُوَ مُنْتَفٍ حَيْثُ كَانَ الْفِعْل مُقَارنًا للتكليف. (تَنْبِيه: قسم الْحَنَفِيَّة الْقُدْرَة إِلَى مُمكنَة) على صِيغَة الْفَاعِل فِي التَّلْوِيح، وَهُوَ شَرط لوُجُوب أَدَاء كل وَاجِب فضلا من الله لَا لنَفس الْوُجُوب لِأَنَّهُ قد يَنْفَكّ عَن وجوب الْأَدَاء فَلَا حَاجَة إِلَى الْقُدْرَة إِذْ هُوَ ثَابت بِالسَّبَبِ والأهلية (وَهِي السَّابِقَة) أَي الَّتِي سبق ذكرهَا أَو السَّابِقَة فِي التحقق على الْفِعْل: أَي سَلامَة آلَات الْفِعْل وَصِحَّة أَسبَابه (وميسرة) على صِيغَة الْفَاعِل أَيْضا وَهِي مَا يُوجب يسر الْأَدَاء على العَبْد بعد مَا ثَبت الْإِمْكَان بِالْقُدْرَةِ الممكنة، فِي التَّوْضِيح فالممكنة أدنى مَا يتَمَكَّن بِهِ الْمَأْمُور من أَدَاء الْمَأْمُور بِهِ من غير حرج غَالِبا، وَإِنَّمَا قيدنَا بِهَذَا لأَنهم جعلُوا الزَّاد وَالرَّاحِلَة دَاخِلَة من الممكنة، وَالْمُصَنّف أَرَادَ تقسيمها فَقَالَ (وَالْأولَى) أَي الممكنة (إِن كَانَ الْفِعْل) يتَحَقَّق (مَعهَا) إِذا اتّصف الْمَأْمُور (بالعزم) على ذَلِك الْفِعْل (غَالِبا) أَي فِي غَالب الْأَوْقَات قَيده بذلك إِذْ قد يعزم مَعَ الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلَا يَقع: أَي الْمَعْنى غَالِبا على الظَّن كوقت الصَّلَاة قبل التَّعْلِيق على مَا فسر بِهِ الشَّارِح (فَالْوَاجِب) عِنْد هَذَا الْقسم من الْقُدْرَة (الْأَدَاء) أَي إِيقَاع الْفِعْل فِي وقته الْمعِين لَهُ شرعا (عينا) أَي الْأَدَاء بِعَيْنِه لَا قَضَاء (فَإِن لم) يؤد (بِلَا تَقْصِير) مِنْهُ فِي ترك الْأَدَاء (حَتَّى انْقَضى وقته) أَي الْأَدَاء لم (يَأْثَم وانتقل الْوُجُوب إِلَى قَضَائِهِ) أَي ذَلِك الْفِعْل (إِن كَانَ لَهُ) أَي لذَلِك الْفِعْل (ثمَّة خلف، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن لَهُ خلف (فَلَا قَضَاء وَلَا إِثْم أَو) إِن لم يؤد (بتقصير) مِنْهُ (أَثم على الْحَالين) أَي فِيمَا لَهُ خلف وَمَا لَا خلف لَهُ كَصَلَاة الْعِيدَيْنِ (وَإِن لم يكن) الْفِعْل مَعهَا (غَالِبا) قيد للنَّفْي لَا للمنفي (وَجب الْأَدَاء لخلفه) أَي الْمَقْصد من إِيجَاب الْأَدَاء على الْمَأْمُور مَعَ عدم تحققها غَالِبا لَيْسَ إِلَّا وجوب الْقَضَاء الَّذِي هُوَ خلف الْأَدَاء (لَا لعَينه) أَي الْأَدَاء (كالأهلية) أَي كصيرورة الْمُكَلف أَهلا للْوُجُوب (فِي الْجُزْء الْأَخير من الْوَقْت) فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْأَدَاء لَا لعَينه لعدم سَعَة الْوَقْت إِيَّاه بِحَسب الْغَالِب الْمُعْتَاد، فَلَا يرد عَلَيْهِ إِمْكَان الامتداد والبسط فِي ذَلِك الْجُزْء كَمَا حكى عَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام (خلافًا لزفَر لاعتباره إِيَّاهَا) أَي الْأَهْلِيَّة (قبله) أَي قبل الْجُزْء الْأَخير (عِنْدَمَا يَسعهُ) أَي الْأَدَاء وَالشَّافِعِيّ مَا يسع رَكْعَة فَيَقُول يجب الْقَضَاء ابْتِدَاء من غير وجوب الْأَدَاء إِذا أحدث الْأَهْلِيَّة فِي الْجُزْء الْأَخير، وَعلل الْمَذْهَب بقوله (لِأَنَّهُ لَا قطع بالأخير) أَي الْجُزْء الَّذِي يظنّ أَنه الْأَخير لَا قطع بِكَوْنِهِ أخيرا (لَا مَكَان الامتداد) وَهُوَ الْمُسَمّى يبسط الزَّمَان وعَلى تَقْدِير أَن يَمْتَد ذَلِك الْجُزْء لم يكن جُزْءا أخيرا، فَأَي جُزْء كَانَ مَعَه سَلامَة الْآلَات يجب عِنْده الْأَدَاء وَإِن كَانَ الْجُزْء الْأَخير بِنَاء على الْإِمْكَان الْمَذْكُور (وَلَا يشْتَرط بَقَاؤُهَا) أَي الْقُدْرَة الممكنة (للْقَضَاء) كالأداء فَيجب

الْقَضَاء وَإِن كَانَ فِي وَقت عدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ (لِأَن اشْتِرَاطهَا) للْأَدَاء (لاتجاه التَّكْلِيف وَقد تحققت) الْقُدْرَة على الْأَدَاء عِنْد توجه الْخطاب (وَوُجُوب الْقَضَاء بَقَاء ذَلِك الْوُجُوب) وَشرط حُدُوث الشَّيْء لَا يسْتَلْزم وجوده عِنْد بَقَاء ذَلِك الشَّيْء (لِاتِّحَاد سَببهَا) أَي الْأَدَاء وَالْقَضَاء (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فَلم يتَكَرَّر) الْوُجُوب (لتكرر) الْقُدْرَة توضيحة أَن شَرط وجوب الْأَدَاء وَسَببه إِذا تحقق صَار الْفِعْل مَطْلُوبا من الْمُكَلف وجوبا على سَبِيل الْأَدَاء مَا دَامَ الْوَقْت مَوْجُودا وَبعد مضيه لَا يرْتَفع طلبه غير أَنه قبل مضيه كَانَ مَطْلُوبا على سَبِيل الْأَدَاء وَبعده على سَبِيل الْقَضَاء فَأصل الطّلب بَاقٍ على حَاله وَلَا يحدث بعده وجوب آخر، لِأَن تعدد الحكم يسْتَلْزم تعدد السَّبَب، وَحَيْثُ لم يتَكَرَّر الْوُجُوب لم تَتَكَرَّر الْقُدْرَة عِنْد حُدُوث الْوُجُوب (فوجوب الصَّلَوَات الْكَثِيرَة) قَضَاء (فِي آخر نفس) من الْحَيَاة (عين وُجُوبهَا) أَدَاء (المستكمل لشرطه) من سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات (لكنه) أَي الَّذِي أخر إِلَى آخر نفس (قصر) حَتَّى ضَاقَ الْوَقْت عَنْهَا (وَأَيْضًا لَو لم يجب) الْقَضَاء (إِلَّا بقدرة متجددة لم يَأْثَم بترك) للْقَضَاء (بِلَا عذر) يَعْنِي لَو شَرط فِي وجوب الْقَضَاء وجود الْقُدْرَة فِي وَقت يُمكن الْقَضَاء فِيهِ لزم أَن لَا يَأْثَم بترك الْقَضَاء بِلَا عذر إِذا أدْرك ذَلِك الْوَقْت وَهُوَ غير قَادر، فَالْمُرَاد بالعذر الْمَنْفِيّ مَا عدا عدم الْقُدْرَة (وَذَلِكَ) أَي عدم الْإِثْم بِالتّرْكِ (يبطل معنى وُجُوبهَا، قَضَاء) يرد عَلَيْهِ أَن من يشْتَرط بَقَاء الْقُدْرَة فِي وجوب الْقَضَاء لَا يُبَالِي من بطلَان معنى وُجُوبهَا قَضَاء: اللَّهُمَّ أَلا أَن يُرَاد بطلَان معنى وُجُوبهَا مُطلقًا إِذا ترك الْأَدَاء بِعُذْر وَلم يقدر بعد فَالْمُرَاد بِمَعْنى الْوُجُوب لُزُوم الْإِثْم عِنْد التّرْك فَتَأمل، فعلى عدم اشْتِرَاط الْقُدْرَة فِي وجوب الْقَضَاء يلْزم تَخْصِيص النَّص الدَّال على عدم التَّكْلِيف بِغَيْر الوسع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فيخص لَا بكلف الله الْآيَة الْأَدَاء كَمَا أوجبته) أَي ذَلِك التَّخْصِيص (نُصُوص قَضَاء الصَّوْم) كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَعدَّة من أَيَّام أخر} - (وَالصَّلَاة) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا " (الْمُوجبَة) صفة النُّصُوص (الْإِثْم بِتَرْكِهِ) أَي الْقَضَاء بِلَا عذر (المستلزم لتَعَلُّقه) أَي الْوُجُوب بِالْقضَاءِ (فِي آخر نفس) والمعين يخص لَا يُكَلف الخ تَخْصِيصًا كَائِنا على طبق مَا اقتضته هَذِه النُّصُوص، ثمَّ اسْتدلَّ على إِيجَابهَا الْإِثْم بِالتّرْكِ الْمَذْكُور بقوله (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَأْثَم بِالتّرْكِ بِلَا عذر (انْتَفَى إِيجَابهَا) أَي نُصُوص الْقَضَاء (الْقَضَاء) لانْتِفَاء لَازِمَة وَهُوَ الْإِثْم بِالتّرْكِ بِلَا عذر (وَأَيْضًا الْإِجْمَاع على التأثيم) بِالتّرْكِ بِلَا عذر (إِجْمَاع عَلَيْهِ) أَي تَخْصِيص الْآيَة كَمَا ذكر استلزاما (وَمن الممكنة الزَّاد وَالرَّاحِلَة) أَي ملكهمَا ذاتا أَو مَنْفَعَة بِالْإِجَارَة بِحَيْثُ يتَوَصَّل بهما إِلَى الْحَج (لِلْحَجِّ) إِذْ لَا يتَمَكَّن مِنْهُ أَكثر النَّاس بِدُونِ الْحَرج إِلَّا بهما (وَالْمَال) أَي ملك

نِصَاب صَدَقَة الْفطر على الْوُجُوب الْمَعْرُوف (لصدقة الْفطر فَلَا تسْقط) صَدَقَة الْفطر (بهلاكها) أَي هَذِه الْقُدْرَة بِوَاسِطَة هَلَاك المَال (الثَّانِيَة) من قسمي الْقُدْرَة (الميسرة) وَهِي مَا يُوجب الْيُسْر على العَبْد فِي أَدَاء الْوَاجِب (الزَّائِدَة على الأولى باليسر فضلا مِنْهُ تَعَالَى) على الْعباد (كَالزَّكَاةِ زَادَت) الْقُدْرَة الْمُتَعَلّق بهَا وُجُوبهَا (على أصل الْإِمْكَان) للْفِعْل (كَون الْمخْرج قَلِيلا جدا من كثير) أَي قَلِيلا على سَبِيل الْمُبَالغَة كَائِنا من مَال كثير، وَقَوله كَون الْمخْرج بَدَلا من ضمير زَادَت (وَكَونه) أَي الْمخْرج وَاقعا (مرّة بعد الْحول الْمُمكن من استنمائه فتقيد الْوُجُوب بِهِ) أَي باليسر (فَسقط) الْوُجُوب (بِالْهَلَاكِ) أَي بِهَلَاك المَال لفَوَات الْقُدْرَة الميسرة الَّتِي هِيَ وصف النَّمَاء بَقَاء، وبقاؤها كابتدائها فِي الِاشْتِرَاط، فابتداؤها شَرط ابْتِدَاء الْوُجُوب، وبقاؤها شَرط بَقَائِهِ لما سَيظْهر (وانتفى) الْوُجُوب (بِالدّينِ) المطالب من جِهَة الْعباد لمنافاته الْيُسْر والغنى لكَون المَال مَشْغُولًا بِالْحَاجةِ الْأَصْلِيَّة، وَإِنَّمَا لم يقل فَسقط بِالْهَلَاكِ وَالدّين، لِأَن السُّقُوط فرع الثُّبُوت، وبالدين لم يجب من الِابْتِدَاء كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَن هَذَا إِنَّمَا يتم فِيمَا إِذا كَانَ الدّين قبل الْقُدْرَة الميسرة، وَأما إِذا حدث بعْدهَا وَبعد ثُبُوت الْوُجُوب فَلَا، على أَن الْهَلَاك أَيْضا كَذَلِك فَلَا فرق بَينهمَا وَالْحق أَن الدّين الْحَادِث لَا أثر لَهُ فِي السُّقُوط، وَالْمرَاد بِالْهَلَاكِ مَا كَانَ بعد الْوُجُوب، وَإِنَّمَا قيدناه بدين الْعباد لِأَن غَيره كالنذور وَالْكَفَّارَات لَا تنَافِي الْوُجُوب (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يسْقط بِهَلَاك النّصاب وَلم ينتف بِالدّينِ (انْقَلب) الْيُسْر (عسرا) أَي يصير الْوَاجِب الْمُقَيد باليسر غير مُقَيّد بِهِ (بِخِلَاف الِاسْتِهْلَاك) أَي إِتْلَاف النّصاب قصدا بِغَيْر توفر شُرُوط الْوُجُوب فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يسْقط بِهِ (لتعديه) أَي الْمَالِك (على حق الْفُقَرَاء) بِحَيْثُ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْر أَو أنفقهُ فِي حَاجته إِلَى غير ذَلِك، وَاشْتِرَاط الْقُدْرَة الميسرة كَانَ نظرا لَهُ، وَقد خرج بِالتَّعَدِّي عَن اسْتِحْقَاقه النّظر (وَهُوَ) أَي سُقُوط الْوُجُوب بِهَلَاك النّصاب (بِنَاء على أَنه) أَي الْوَاجِب شرعا (جُزْء من الْعين) أَي من عين النّصاب كَمَا يدل عَلَيْهِ ظَاهر قَوْله تَعَالَى - {وَآتوا الزَّكَاة} -: إِذْ مُتَعَلق الإيتاء هُوَ الْجُزْء الْمعِين من المَال الْمَوْجُود فِي الْأَعْيَان لَا الْأَمر الاعتباري الْمَوْجُود فِي الذِّمَّة، وَإِذا كَانَ الْوَاجِب الْجُزْء الْعَيْنِيّ وَقد هلك عين المَال الَّذِي هُوَ النّصاب جَمِيعًا، وَمن ضَرُورَته هَلَاك كل جُزْء مِنْهُ لم يبْق للْوُجُوب مَحل فَيسْقط الْوُجُوب بِالْهَلَاكِ، وَهَذَا بِنَاء على الظَّاهِر، وَالتَّحْقِيق أَن مَحل الْوُجُوب نفس الإيتاء: إِذْ مُتَعَلق الْأَحْكَام أَفعَال الْمُكَلّفين (وَلذَا) أَي وَلكَون الزَّكَاة جُزْءا من الْعين (سَقَطت بِدفع النّصاب) أَي بالتصدق بِهِ (بِلَا نِيَّة) أصلا أَو بِلَا نِيَّة الْفَرْض بِأَن يَنْوِي النَّفْل لوصول الْجُزْء الْوَاجِب إِلَى مُسْتَحقّه وَهُوَ لَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة تخصه من بَين الْأَجْزَاء بِكَوْنِهِ قربَة: إِذْ الْمَفْرُوض التَّصَدُّق

بِكُل جُزْء، وَإِنَّمَا الْحَاجة عِنْد الْمُزَاحمَة بَينه وَبَين سَائِر الْأَجْزَاء (وَكَذَا الْكَفَّارَة) للْيَمِين وُجُوبهَا بقدرة ميسرَة (بِدَلِيل تَخْيِير الْقَادِر على الْأَعْلَى بَينه) أَي الْأَعْلَى (وَبَين الْأَدْنَى) إِذْ التَّحْرِير وَالْكِسْوَة وَالْإِطْعَام مُتَفَاوِتَة فِي الْمَالِيَّة فَإِن فِيهِ رفقا للمخير فِي الترفق بِمَا هُوَ الْأَيْسَر عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَة على الْأَعْلَى، بِخِلَاف صَدَقَة الْفطر فَإِن التَّخْيِير فِيهَا بَين المتماثلة فِي الْمَالِيَّة إِذْ نصف صَاع من الْبر مثل الصَّاع من الشّعير أَو التَّمْر فَلَا يُفِيد التَّخْيِير فِيهَا التَّيْسِير قصدا، بل التَّأْكِيد، فوجوبها بقدرة مُمكنَة، ثمَّ أيد الدَّلِيل الْمَذْكُور بِمَا يُفِيد إِرَادَة التَّيْسِير من الشَّارِع فِي الْكَفَّارَة الْمَذْكُورَة بقوله (فَلم يشْتَرط فِي أَجزَاء الصَّوْم) فِي الْكَفَّارَة (الْعَجز المستدام) إِلَى الْمَوْت عَن الْإِطْعَام وأخويه (كَمَا) شَرط (فِي الْفِدْيَة) فِي صَوْم رَمَضَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّيْخ الْعَاجِز عَنهُ (وَالْحج عَن الْغَيْر) الْحَيّ الْقَادِر على النَّفَقَة الْعَاجِز عَن الْحَج بِنَفسِهِ (فَلَو أيسر) الْمُكَفّر بالصيام لعَجزه عَن الْخِصَال الثَّلَاث (بعده) أَي الصّيام (لَا يبطل) التَّكْفِير بِهِ بِخِلَاف الشَّيْخ الْمَذْكُور فَإِنَّهُ إِذا قدر على الصّيام بعد الْفِدْيَة بطلت وَوَجَب عَلَيْهِ الْقَضَاء، بِخِلَاف المحجوج عَنهُ الْمَذْكُور فَإِنَّهُ إِذا قدر عَلَيْهِ بِنَفسِهِ وَجب عَلَيْهِ، وَلَو شَرط فيهمَا دوَام الْعَجز لبطل ترَتّب الصَّوْم عَلَيْهِ، لِأَن الْعلم بِهِ لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي آخر الْعُمر فَالْمُعْتَبر فيهمَا الْعَجز فِي الْحَال مَعَ احْتِمَال حُصُول الْقُدْرَة فِي الِاسْتِقْبَال (وَلَو فرط) الْمُوسر الَّذِي وَجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة بِالْمَالِ (حَتَّى هلك المَال انْتقل) وجوب التَّكْفِير بِهِ عَنهُ (إِلَى الصَّوْم) أَي إِلَى التفكير بِهِ (بِخِلَاف الْحَج) فَإِنَّهُ لَو فرط من وَجب عَلَيْهِ الْحَج حَتَّى عجز لَا يسْقط، فَإِن لم يقدر عَلَيْهِ بعد ذَلِك حَتَّى يَمُوت أوخذ بِهِ فِي الْآخِرَة لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على الْقُدْرَة الممكنة كَمَا مر (وَإِنَّمَا سَاوَى الِاسْتِهْلَاك) لِلْمَالِ (الْهَلَاك) فِي سُقُوط الْكَفَّارَة بِالْمَالِ وَلم يساوه فِي سُقُوط الزَّكَاة مَعَ تساويهما فِي الْبناء على الْقُدْرَة الميسرة (لعدم تعين المَال) فِي الْكَفَّارَة للتكفير بِهِ فَلَا يكون الِاسْتِهْلَاك مُتَعَدِّيا (بِخِلَافِهِ) أَي المَال (فِي الزَّكَاة) فَإِن الْوَاجِب جُزْء من النّصاب اتِّفَاقًا، فَإِذا اسْتَهْلكهُ فقد اسْتهْلك الْوَاجِب فَافْتَرقَا (وَنقض) الدَّلِيل الدَّال على كَون وجوب الْكَفَّارَة مَبْنِيا على الْقُدْرَة الميسرة لَا الدَّال على كَون وجوب الزَّكَاة مَبْنِيا عَلَيْهَا على مَا توهم الشَّارِح، وَهُوَ ظَاهر من السباق والسياق وَغَيرهمَا (بِوُجُوبِهَا) أَي الْكَفَّارَة بِالْمَالِ (مَعَ الدّين بِخِلَاف الزَّكَاة) بِأَن يُقَال لَو قصد من التَّخْيِير الْمَذْكُور التَّيْسِير على الْمُكَفّر لما أوجب عَلَيْهِ المَال مَعَ الدّين كَمَا لم يُوجب الزَّكَاة عَلَيْهِ مَعَه (أُجِيب) عَن النَّقْض (بِمَنْعه مَعَه) أَي بِمَنْع وجوب الْكَفَّارَة بِالْمَالِ مَعَ الدّين (كَقَوْل بَعضهم) أَي الْمَشَايِخ فَلَا نقض (و) أُجِيب (بِالْفرقِ) بَينهمَا على قَول الْأَخيرينِ (بِأَن وجوب الزَّكَاة للإغناء) أَي إغناء الْمُحْتَاج عَن الِاحْتِيَاج (شكرا لنعمة الْغنى وَهُوَ) أَي الْغنى

مسئلة

(مُنْتَفٍ بِالدّينِ) إِن استغرق الدّين النّصاب (أَو يقدر) الْغَنِيّ (بِقَدرِهِ) أَي الدّين إِن لم يسْتَغْرق (وَالْكَفَّارَة) إِنَّمَا شرعت (للزجر) للْحَالِف عَن هتك حُرْمَة اسْم الله تَعَالَى (والستر) لجنايته عَلَيْهِ لما فِيهَا من معنى الْعِبَادَة (والإغناء غير مَقْصُود بهَا) أَي الْكَفَّارَة بِالذَّاتِ (وَلذَا) أَي لما ذكر من الزّجر والستر الخ (تأدت) أَي الْكَفَّارَة (بِالْعِتْقِ وَالصَّوْم) لوُجُود الزّجر والستر فيهمَا وَالله أعلم. مسئلة (قيل) وَالْقَائِل الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا (حُصُول الشَّرْط الشَّرْعِيّ) لفعل الْمُكَلف (لَيْسَ شرطا للتكليف بِهِ) فَيجوز التَّكْلِيف بِهِ وَإِن لم يحصل شَرطه، وَالشّرط على مَا اخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب مَا استلزم نَفْيه نفي أَمر على غير جِهَة السَّبَبِيَّة، فَإِن كَانَ ذَلِك بِحكم الْعقل فعقلي، أَو الشَّرْع فشرعي، أَو اللُّغَة فلغوي، وَالْمرَاد شَرط صِحَة الْفِعْل كالإيمان للطاعات وَالطَّهَارَة للصَّلَاة (خلافًا للحنفية، وَفرض الْكَلَام فِي بعض جزئيات مَحل النزاع) يَعْنِي أَن النزاع فِي مُطلق صِحَة التَّكْلِيف بِدُونِ حُصُول الشَّرْط وتصوير المسئلة فِي بعض الصُّور الجزئيات كَمَا هُوَ دأب أهل الْعلم من فرض الْمسَائِل الْكُلية فِي بعض الصُّور الْجُزْئِيَّة تَقْرِيبًا للفهم وتسهيلا للمناظرة (وَهُوَ) أَي الْبَعْض الْمَذْكُور (تَكْلِيف الْكفَّار بالفروع) كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحج (وَلَا يحسن) كَون الْخلاف على هَذَا النمط من الْإِطْلَاق وَلَا يَلِيق (بعاقل) مُخَالفَة هَذَا الأَصْل الْكُلِّي على صرافته فضلا على الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين، أَو الْمَعْنى لَا يحسن أَن يظنّ بعاقل مثل ذَلِك، على أَن كتبهمْ الْمَشْهُورَة لَيْسَ فِيهَا ذَلِك، وعزى أَيْضا إِلَى أبي حَامِد الإسفرايني من الشَّافِعِيَّة وَبَعض أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة وَعبد الْجَبَّار وَأبي هَاشم من الْمُتَكَلِّمين (بل هِيَ) أَي مسئلة تَكْلِيف الْكفَّار بالفروع (تَمام مَحَله) أَي النزاع (وَالْخلاف) بَين الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (فِيهَا) أَي المسئلة الْمَذْكُورَة (غير مَبْنِيّ على ذَلِك) الأَصْل الْكُلِّي (المستلزم عدم جَوَاز التَّكْلِيف بِالصَّلَاةِ حَال الْحَدث) وَمَا أشبه ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يحسن أَن ينْسب إِلَى عَاقل كَمَا قَالَه المُصَنّف، لله دره (بل) الْخلاف وَاقع (ابْتِدَاء فِي جَوَاز التَّكْلِيف بِمَا شَرط فِي صِحَّته الْإِيمَان حَال عَدمه) أَي الْإِيمَان، لَا بِنَاء على عُمُوم الأَصْل الْمَذْكُور ليَكُون من فروعه هَذَا، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله ابْتِدَاء مَرْفُوعا على أَن يكون الْمَعْنى بل الْخلاف مُبْتَدأ فِيمَا ذكر (فمشايخ سَمَرْقَنْد) مِنْهُم أَبُو زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام يَقُولُونَ لَا يجوز التَّكْلِيف جَوَازًا وقوعيا بِمَا شَرط فِيهِ الْإِيمَان قبله (لخصوصية فِيهِ) أَي الْإِيمَان (لَا لجِهَة عُمُومه) أَي الْإِيمَان (وَهُوَ) أَي عُمُومه (كَونه شرطا وَهِي) أَي الخصوصية فِيهِ (أَنه أعظم

الْعِبَادَات فَلَا يَجْعَل شرطا تَابعا فِي التَّكْلِيف) لما دونه، لما فِيهِ من قلب الْأُصُول وَعكس الْمَعْقُول، وَفِيه أَن هَذَا إِنَّمَا يتم إِن اكْتفى فِي إِيجَابه بِمَا يعلم ضمنا، وَأما إِذا أفرد بِإِيجَاب مُسْتَقل قصد بِهِ الذَّات فَلَا نسلم أَنه غير لَائِق، غَايَة الْأَمر أَن يكون لَهُ دليلان: ضمني وصريح (وَمن عداهم) أَي مَشَايِخ سَمَرْقَنْد (متفقون على تكليفهم) أَي الْكفَّار (بهَا) أَي الْفُرُوع (وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي أَنه) أَي التَّكْلِيف (فِي حق الْأَدَاء كاعتقاد) أَي طلب مِنْهُم فِي تِلْكَ الْمرتبَة أَدَاء الصَّلَاة امتثالا كَمَا طلب مِنْهُم الِاعْتِقَاد بحقيقتها ووجوبها (أَو) فِي حق (الِاعْتِقَاد، فالعراقيون) قَالُوا الْكفَّار مخاطبون (بِالْأولِ) أَي الْأَدَاء والاعتقاد (كالشافعية فيعاقبون) أَي الْكفَّار على قَوْلهم (على تَركهمَا) أَي الْأَدَاء والاعتقاد (والبخاريون) قَالُوا مخاطبون (بِالثَّانِي) أَي بالاعتقاد فَقَط (فَعَلَيهِ فَقَط) أَي فيعاقبون على ترك الِاعْتِقَاد فَقَط لَا على ترك الْأَدَاء (وَلَيْسَ) جَوَاب هَذِه المسئلة (مَحْفُوظًا عَن أبي حنيفَة وَأَصْحَابه) نصا (بل أَخذهَا) أَي هَذِه الْمقَالة: وَهِي أَن الْكفَّار غير مخاطبين بالعبادات فِي حق الْأَدَاء (هَؤُلَاءِ) البخاريون (من قَول مُحَمَّد) فِي الْمَبْسُوط (فِيمَن نذر صَوْم شهر فَارْتَد ثمَّ أسلم لم يلْزمه) الْمَنْذُور (فَعلم أَن الْكفْر يبطل وجوب أَدَاء الْعِبَادَات) لعدم الْفرق بَين الْوَاجِب بِالنذرِ وَسَائِر الْوَاجِبَات فِي الْوُجُوب (بِخِلَاف الِاسْتِدْلَال بِسُقُوط الصَّلَاة أَيَّام الرِّدَّة) على عدم تَكْلِيف الْكَافِر بِمَا شَرط فِيهِ الْإِيمَان (لجَوَاز سُقُوطه) أَي وجوب الْقَضَاء (بِالْإِسْلَامِ) بعد الْكفْر الْعَارِض (كالإسلام) أَي كسقوطه بِالْإِسْلَامِ (بعد) الْكفْر (الْأَصْلِيّ) بقوله تَعَالَى - {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} - وَيدل عَلَيْهِ السّنة وَالْإِجْمَاع (وَلَو قيل الرِّدَّة تبطل الْقرب) لعدم أَهْلِيَّة الْكَافِر للقربة (والتزام الْقرْبَة فِي الذِّمَّة قربَة فَيبْطل) الِالْتِزَام الْمَذْكُور وَهُوَ وجوب الْمَنْذُور، و (لم يلْزم ذَلِك) جَوَاب لَو: أَي لَو قيل مَا ذكر لقيل فِي جَوَابه لم يلْزم الِاسْتِدْلَال على الْمَطْلُوب بمسئلة النّذر لوُجُود مسَائِل أُخْرَى يسْتَدلّ بهَا وَلَا يرد عَلَيْهَا شَيْء، وَقد ذكر فِي الشَّرْح عدَّة: مِنْهَا دُخُول الْكَافِر مَكَّة ثمَّ إِسْلَامه ثمَّ إِحْرَامه فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ دم لِأَنَّهُ لم يجب عَلَيْهِ الدُّخُول محرما إِلَى غير ذَلِك، وَفِيه مَا فِيهِ (وَظَاهر) قَوْله تَعَالَى وويل للْمُشْرِكين (الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة) وَقَوله تَعَالَى حِكَايَة عَن الْكفَّار قَالُوا (لم نك من الْمُصَلِّين) دَلِيل (للعراقيين) لدلالتهما على أَن ترك الصَّلَاة وَالزَّكَاة صَار سَببا لتعذيبهم، وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك إِلَّا بكونهما واجبتين عَلَيْهِم (وخلافه) أَي وَخلاف ظَاهر كل مِنْهُمَا كَأَن يكون المُرَاد بِالْأولَى عدم فعل مَا يُزكي أنفسهم: وَهُوَ الْإِيمَان وَالطَّاعَة، وبالثانية عدم كَونهم من الْمُؤمنِينَ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين " إِذْ المُرَاد بِهِ المعتقدون فَرضِيَّة الصَّلَاة (تَأْوِيل) بعيد لم يُعينهُ دَلِيل (وترتيب الدعْوَة فِي حَدِيث معَاذ) لما بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لَهُ " ادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي

الفصل الثاني

رَسُول الله فَإِن هم أطاعوك لذَلِك فأعلمهم أَن الله قد افْترض خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة، فَإِن هم أطاعوك لذَلِك فأعلمهم أَن الله قد افْترض عَلَيْهِم صَدَقَة فِي أَمْوَالهم تُؤْخَذ من أغنيائهم وَترد على فقرائهم " أخرجه السِّتَّة (لَا يُوجب توقف التَّكْلِيف) بأَدَاء الشَّرَائِع على الْإِجَابَة بِالْإِيمَان أَلا ترى أَنه ذكر افتراض الزَّكَاة بعد الصَّلَاة وَلَا قَائِل بالترتيب بَينهمَا، غَايَة مَا فِيهِ تَقْدِيم الأهم مَعَ رِعَايَة التَّخْفِيف فِي التَّبْلِيغ (وَأما) أَنهم مخاطبون (بالعقوبات والمعاملات فاتفاق) وَقَالُوا فِي وَجه الْعُقُوبَات لِأَنَّهَا تُقَام زاجرة عَن ارْتِكَاب أَسبَابهَا وباعتقاد حرمتهَا يتَحَقَّق ذَلِك، وَالْكفَّار أليق بِهِ من الْمُؤمنِينَ، وَفِي وَجه الْمُعَامَلَات لِأَن الْمَطْلُوب بهَا معنى دُنْيَوِيّ، وَذَلِكَ بهم أليق لأَنهم آثروا الدُّنْيَا على الْآخِرَة، وَلِأَنَّهُم التزموا بِعقد الذِّمَّة مَا يرجع إِلَيْهَا. الْفَصْل الثَّانِي فِي الْحَاكِم (الْحَاكِم لَا خلاف فِي أَنه الله رب الْعَالمين، ثمَّ الأشعرية) قَالُوا (لَا يتَعَلَّق لَهُ تَعَالَى حكم) بِأَفْعَال الْمُكَلّفين (قبل بَعثه) لرَسُول إِلَيْهِم (وبلوغ دَعْوَة) من الله إِلَيْهِم (فَلَا يحرم كفر وَلَا يجب إِيمَان) قبلهمَا فضلا عَن سَائِر الْأَحْكَام (والمعتزلة) قَالُوا (يتَعَلَّق) لَهُ تَعَالَى حكم (بِمَا أدْرك الْعقل فِيهِ) من فعل الْمُكَلف (صفة حسن أَو قبح) وَسَيَأْتِي تفسيرهما (لذاته) وصف لأحد الْأَمريْنِ، وَالضَّمِير للموصول الْمعبر بِهِ عَن فعل الْمُكَلف كحسن الصدْق النافع وقبح الْكَذِب المضر، فَإِن الْعقل إِذا نظر فِي ذاتهما وجد فيهمَا الْحسن والقبح، وَهَذَا (عِنْد قدمائهم و) عِنْد (طَائِفَة) مِنْهُم يتَعَلَّق بِمَا أدْرك الْعقل فِيهِ صفة حسن أَو قبح (لصفة) توجب ذَلِك فِيهِ بِمَعْنى أَن لَهَا مدخلًا فِي ذَلِك لَا أَنَّهَا تستقل بِدُونِ الذَّات (والجبائية) أَي أَبُو عَليّ الجبائي وَأَتْبَاعه بِمَا أدْرك فِيهِ ذَلِك (لوُجُوده واعتبارات) مُخْتَلفَة كلطم الْيَتِيم فَإِنَّهُ بِاعْتِبَار كَونه تأديبا حسن، وَبِاعْتِبَار مُجَرّد التعذيب قَبِيح (وَقيل) وقائله أَبُو الْحُسَيْن مِنْهُم بِمَا أدْرك فِيهِ الْقبْح (لصفة فِي الْقَبِيح) فَقَط (وَعدمهَا) أَي الصّفة الْمُوجبَة للقبح (كَاف فِي) ثُبُوت (الْحسن وَمَا لم يدْرك فِيهِ) الْعقل صفة حسن أَو قبح كَصَوْم آخر يَوْم من رَمَضَان وَفطر أول يَوْم من شَوَّال إِنَّمَا يتَعَلَّق بِهِ الحكم (بِالشَّرْعِ، والمدرك) من الصِّفَات (أما حسن فعل بِحَيْثُ يقبح تَركه فَوَاجِب) أَي فَذَلِك الْفِعْل وَاجِب (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن حسنه بِحَيْثُ يقبح تَركه (فمندوب أَو) الْمدْرك حسن (ترك على وزانه) أَي على وزان الْمدْرك حسن فعله بِأَن يكون حسن تَركه بِحَيْثُ يقبح فعله (فَحَرَام و) إِلَّا فَهُوَ (مَكْرُوه، وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا (للْفِعْل) صفة حسن وقبح (كَمَا تقدم) فِي ذيل النَّهْي وكل مِنْهُمَا (فلنفسه وَغَيره) الضميران للْفِعْل (وَبِه) أَي بِسَبَب

مَا فِي الْفِعْل من الصّفة (يدْرك الْعقل حكمه تَعَالَى فِيهِ) أَي فِي الْفِعْل (فَلَا حكم لَهُ) أَي لِلْعَقْلِ إِن الحكم إِلَّا لله، غير أَن الْعقل (إِنَّمَا اسْتَقل بدرك بعض أَحْكَامه تَعَالَى) وَلذَا قَالَ المُصَنّف على مَا نَقله الشَّارِح: وَهَذَا عين قَول الْمُعْتَزلَة لَا كَمَا يحرفه بَعضهم (ثمَّ مِنْهُم كَأبي مَنْصُور من أثبت وجوب الْإِيمَان وَحُرْمَة الْكفْر وَنسبَة مَا هُوَ شنيع إِلَيْهِ تَعَالَى كالكذب والسفه وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَجْمُوع (وجوب شكر الْمُنعم، وَزَاد أَبُو مَنْصُور) وَكثير من مَشَايِخ الْعرَاق (إِيجَابه) أَي الْإِيمَان (على الصَّبِي الْعَاقِل) الَّذِي يناظر فِي وحدانية الله تَعَالَى (ونقلوا عَنهُ) أَي أبي حنيفَة (لَو لم يبْعَث الله للنَّاس رَسُولا لوَجَبَ عَلَيْهِم مَعْرفَته بعقولهم، والبخاريون) قَالُوا (لَا تعلق) لحكم الله بِفعل الْمُكَلف قبل بعثة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتبليغه حكم الله فِي ذَلِك (كالأشاعرة وَهُوَ الْمُخْتَار وَحَاصِل مُخْتَار فَخر الْإِسْلَام وَالْقَاضِي أبي زيد) وشمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي (النَّفْي) لوُجُوب الْإِيمَان (عَن الصَّبِي) الْعَاقِل (لرِوَايَة عدم انْفِسَاخ النِّكَاح) أَي نِكَاح المراهقة وَهِي المقاربة للبلوغ إِذا كَانَت بَين أبوين مُسلمين تَحت زوج مُسلم (بِعَدَمِ وصف المراهقة الْإِسْلَام) مفعول للوصف بِأَن كَانَت عَاقِلَة فاستوصفته فَلم تقدر على وَصفه، ذكره فِي الْجَامِع الْكَبِير، إِذْ لَو كَانَت الصبية الْعَاقِلَة مكلفة بِالْإِيمَان لبانت كَمَا بلغت غير واصفة وَلَا قادرة على وَصفه، وَأما نفس الْوُجُوب فثابت كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل الرَّابِع (و) حَاصِل مختارهما (فِي الْبَالِغ) النَّاشِئ على شَاهِق وَنَحْوه إِذا (لم تبلغه دَعْوَة) أَنه (لَا يُكَلف بِهِ) أَي الْإِيمَان (بِمُجَرَّد عقله مَا لم تمض مُدَّة التَّأَمُّل وقدرها) أَي الْمدَّة مفوض (إِلَيْهِ تَعَالَى) فَإِن مَضَت مُدَّة علم ربه أَنه قدر على ذَلِك وَلم يُؤمن يُعَاقِبهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَمَا قيل من أَنَّهَا مقدرَة بِثَلَاثَة أَيَّام اعْتِبَارا بالمرتد فَإِنَّهُ يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام قِيَاس مَعَ الْفَارِق، والعقول مُتَفَاوِتَة فَرُبمَا عَاقل يَهْتَدِي فِي زمَان قَلِيل إِلَى مَا لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ غَيره فِي زمَان كثير (فَلَو مَاتَ قبلهَا) أَي تِلْكَ الْمدَّة (غير مُعْتَقد إِيمَانًا وَلَا كفرا لَا عِقَاب عَلَيْهِ، أَو) مَاتَ (مُعْتَقدًا الْكفْر) واصفا لَهُ أَو غير واصف (خلد) فِي النَّار لِأَن اعْتِقَاد الْكفْر دَلِيل خطور الصَّانِع بِبَالِهِ، وَوُقُوع الِاسْتِدْلَال مِنْهُ فَلم يبْق لَهُ عذر، (وَكَذَا) يخلد فِي النَّار (إِذا مَاتَ بعْدهَا) أَي الْمدَّة (غير مُعْتَقد) إِيمَانًا وَلَا كفرا وَإِن لم تبلغه الدعْوَة، لِأَن الْإِمْهَال وَإِدْرَاك مُدَّة التَّأَمُّل بِمَنْزِلَة دَعْوَة الرَّسُول فِي حق تَنْبِيه الْقلب من نَومه الْغَفْلَة فَلَا يعْذر (وَبِهَذَا) التَّحْرِير (يبطل الْجمع) الَّذِي ذكره الشَّيْخ أكمل الدّين بَين مَذْهَب الأشاعرة وَغَيرهم (بِأَن قَول الْوُجُوب) أَي قَول من يَقُول بِالْوُجُوب قبل الْبعْثَة (مَعْنَاهُ تَرْجِيح الْعقل الْفِعْل) وَقَول (الْحُرْمَة) مَعْنَاهُ (تَرْجِيحه) أَي الْعقل (التّرْك) فمرجع كَلَام الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَاحِد، وَإِنَّمَا بَطل الْجمع لِأَنَّك قد عرفت الْفرق بَين اعتباري الْفَرِيقَيْنِ فِي ثُبُوت الْأَحْكَام، وَمَا

يثبت بِهِ بَين اللوازم المتخالفة المترتبة عَلَيْهِمَا فَإِن اخْتِلَاف اللوازم يسْتَلْزم اخْتِلَاف الملزومات، وَهَذَا كُله (بعد كَونه) أَي هَذَا الْجمع بتفسير الْوُجُوب وَالْحُرْمَة بِمَا ذكر (خلاف الظَّاهِر) إِذْ لَا يفهم من الْوُجُوب التَّرْجِيح الْمَذْكُور (وَمَا ذَكرْنَاهُ عَن البخاريين) من عدم تعلق الحكم قبل التَّبْلِيغ (نَقله الْمُحَقق ابْن عين الدولة عَنْهُم غير أَنه قَالَ أَئِمَّة بُخَارى الَّذين شهدناهم كَانُوا على القَوْل الأول: يَعْنِي قَول الأشاعرة، وحكموا بِأَن المُرَاد من رِوَايَة لَا عذر لأحد فِي الْجَهْل بخالقه لما يرى من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَخلق نَفسه) أَنه لَا عذر لَهُ فِيهِ (بعد الْبعْثَة) وَالرِّوَايَة الْمَذْكُورَة فِي الْمُنْتَقى وَالْمِيزَان عَن مُحَمَّد بن سَمَّاعَة عَن أبي حنيفَة، وَفِي غَيره كجامع الْأَسْرَار عَن أبي يُوسُف عَن مُحَمَّد وَحِينَئِذٍ (فَيجب) بِنَاء على التَّفْسِير الْمَذْكُور (حمل الْوُجُوب فِي قَوْله) أَي أبي حنيفَة (لوَجَبَ عَلَيْهِم مَعْرفَته بقَوْلهمْ على يَنْبَغِي) أَي على الانبغاء: إِذْ حمله على حَقِيقَة الْوُجُوب يُنَافِي التَّقْيِيد ببعد الْبعْثَة (وَكلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (على امْتنَاع تَعْذِيب الطائع عَلَيْهِ تَعَالَى، و) امْتنَاع (تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، فتمت ثَلَاثَة) من الْأُصُول فِي مَحل النزاع، تَفْرِيع على مَا فصل من الْمذَاهب، وَهِي (أَنْصَاف الْفِعْل) بالْحسنِ والقبح، وَهَذَا هُوَ الأول (وَمنع استلزامه) أَي الاتصاف (حكما فِي العَبْد وإثباته) أَي إِثْبَات استلزام الاتصاف حكما فِي العَبْد، وَهَذَا هُوَ الثَّانِي، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة أصلان: حكما عدلا وَاحِدًا لِكَوْنِهِمَا نفيا وإثباتا لشَيْء وَاحِد وَهُوَ الاستلزام الْمَذْكُور (واستلزامه) أَي الاتصاف (منعهما) أَي تَعْذِيب الطائع وتكليف مَا لَا يُطَاق (مِنْهُ تَعَالَى) وَهَذَا هُوَ الثَّالِث (وَلَا نزاع فِي دركه) أَي الْعقل الْحسن والقبح (للْفِعْل بِمَعْنى صفة الْكَمَال و) صفة (النَّقْص) فَإِنَّهُمَا قد يستعملان فيهمَا (كَالْعلمِ وَالْجهل) أَي كَمَا إِذا قيل: الْعلم حسن، وَالْجهل قَبِيح، فَإِنَّهُ يُرَاد بهما مَا ذكر، وَالْعقل مدركهما فيهمَا (وَلَا فيهمَا) أَي وَلَا نزاع أَيْضا فِي دَرك الْعقل إيَّاهُمَا للْفِعْل (بِمَعْنى الْمَدْح والذم) أَي بِمَعْنى أَنه يمدح فَاعله، ويذم (فِي مجاري الْعَادَات) فَإِن الْعَادة أَن يمدح الْفَاعِل فِي بعض الْأَحْوَال ويذم، وَعلم الْعقل تفاصيلهما (بل) النزاع (فيهمَا) أَي فِي إِدْرَاك الْعقل الْحسن والقبح (بِمَعْنى اسْتِحْقَاق مدحه تَعَالَى وثوابه) للْفَاعِل على ذَلِك الْفِعْل (ومقابلهما) أَي وَبِمَعْنى اسْتِحْقَاق ذمه تَعَالَى وعقابه للْفَاعِل على ذَلِك وَالْحجّة (لنا فِي الأول) أَي اتصاف الْفِعْل بالْحسنِ والقبح (أَن قبح الظُّلم ومقابلة الْإِحْسَان بالإساءة مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ الْعُقَلَاء حَتَّى من لم يتدين بدين) وَلَا يَقُول بشرع كالبراهمة (مَعَ اخْتِلَاف عاداتهم وأغراضهم) يرد عَلَيْهِ أَنه سلمنَا اتِّفَاق الْعُقَلَاء على قبح مَا ذكر بِمَعْنى أَنه يذم فَاعله، لَكِن لَا نسلم اتِّفَاقهم عَلَيْهِ بِمَعْنى اسْتِحْقَاقه الذَّم عِنْد الله تَعَالَى وَالْعِقَاب، والنزاع فِيهِ (فلولا أَنه) أَي اتصاف الْفِعْل بذلك (مدرك بِالضَّرُورَةِ فِي الْفِعْل لذاته لم يكن ذَلِك) الِاتِّفَاق من ضَرُورَة

الِاتِّفَاق على قبح مَا ذكر الِاتِّفَاق على حسن مَا يُقَابله (وَمنع الِاتِّفَاق على كَون الْحسن والقبح متعلقها) أَي الْأَحْكَام صادرة (مِنْهُ تَعَالَى) يَعْنِي سلمنَا الِاتِّفَاق على إِدْرَاك الْحسن والقبح فِي بعض أَفعَال الْعباد كَمَا ذكرْتُمْ لَكِن لَا نسلم الِاتِّفَاق على أَن مَا استحسنه الْعقل أَو استصحبه صَار مُتَعَلقا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي، وَهَذَا الْمَنْع مَذْكُور فِي شرح الْمَقَاصِد (لَا يمسنا) أَي لَا يلحقنا مِنْهُ ضَرَر لأَنا لم نقل بِأَن مُجَرّد اتصاف الْعقل بالْحسنِ والقبح يسْتَلْزم كَونه مُتَعَلقا بِحكم، بل يُوقف هَذَا التَّعَلُّق على السّمع، فِيهِ أَنه قد سبق أَن الْمُتَنَازع فِيهِ الْقبْح بِمَعْنى اسْتِحْقَاق الذَّم عِنْد الله وَالْعِقَاب، وَإِذا كَانَ هَذَا الْمَعْنى ضَرُورِيًّا يلْزم كَونه مذموما عِنْده مُسْتَحقّا للعقاب، وَهَذَا عين التَّحْرِيم، وَقد يُجَاب عَنهُ أَنه لَيْسَ من الضروريات الَّتِي يُمكن عدم مطابقتها للْوَاقِع فَيحْتَاج إِلَى السّمع، وَلَو سلم فكونه مُسْتَحقّا لما ذكر لَا يسْتَلْزم توجه الْخطاب مِنْهُ تَعَالَى بِطَلَب تَركه وَالله أعلم (وَقَوْلهمْ) أَي الأشاعرة فِي دفع اتصافه بالْحسنِ والقبح (وَهُوَ) أَي مَا ذكرْتُمْ من قبح الظُّلم، والمقابلة الْمَذْكُورَة لَيْسَ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ لكَونه مدْركا بِالضَّرُورَةِ، بل لكَونه (مِمَّا أبقت فِيهِ الْأَغْرَاض والعادات وَاسْتحق) على صِيغَة الْمَجْهُول (بِهِ) أَي بِسَبَبِهِ، وَالضَّمِير للموصول (الْمَدْح) مَرْفُوع لقِيَامه مقَام الْفَاعِل، وَهَذَا إِذا فعل مَا يُقَابله (والذم) إِذا فعله (فِي نظر الْعُقُول جَمِيعًا) ظرف للاستحقاق، فمنشأ الِاتِّفَاق اتِّبَاع الْأَغْرَاض والعادات على مُقْتَضى الطبيعة ومحبة الْمَدْح، وَكَرَاهَة الذَّم، لِأَن مَا ذكرْتُمْ من إِدْرَاك الْحسن والقبح على سَبِيل الضَّرُورَة (لتَعلق مصَالح الْكل بِهِ) أَي بِمَا ذكرْتُمْ، وَهُوَ تَعْلِيل للاتفاق الْمَذْكُور (لَا يُفِيد) خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي قَوْلهم: أَي القَوْل الْمَذْكُور لَا يدْفع حجتنا: إِذْ هُوَ إِنْكَار للبديهي (بل هُوَ) أَي كَون الْفِعْل بِحَيْثُ يسْتَحق فَاعله الْمَدْح أَو الذَّم، وَلَو لتَعلق الْمصَالح هُوَ (المُرَاد بالذاتي) أَي بِكَوْن الْفِعْل مَوْصُوفا بالْحسنِ أَو الْقبْح لذاته، لَا لكَون الْفِعْل مقتضيا لذاته الْحسن والقبح (للْقطع بِأَن مُجَرّد حَرَكَة الْيَد قتلا) أَي حَرَكَة قتل (ظلما) صفة لقتل (لَا تزيد حَقِيقَتهَا) أَي الْحَرَكَة الْمَذْكُورَة (على حَقِيقَتهَا) أَي حركتها قتلا (عدلا، فَلَو كَانَ الذاتي) هُوَ مَا يكون (مُقْتَضى الذَّات اتَّحد لازمها) أَي الحركتين (حسنا وقبحا) يَعْنِي إِن كَانَ لَازم أَحدهمَا الْحسن كَانَ لَازم الآخر كَذَلِك، وهما منصوبان على الظَّرْفِيَّة: أَي اتَّحد اللازمان فِي الْحسن والقبح، أَو على الحالية: أَي حَال كَونهمَا حسنا، أَو حَال كَونهمَا قبحا (فَإِنَّمَا يُرَاد) بالذاتي (مَا يجْزم بِهِ الْعقل لفعل من الصّفة) الَّتِي هِيَ الْحسن والقبح بَيَان للموصول (بِمُجَرَّد تعقله) أَي الْفِعْل حَال كَون هَذَا المجزوم بِهِ (كَائِنا) أَي ناشئا (عَن صفة نفس مَا قَامَ بِهِ) ذَلِك الْفِعْل، فههنا صفتان: إِحْدَاهمَا قَائِمَة بِالنَّفسِ الناطقة كالسماحة والجود وَمَا يقابلهما، وَالْأُخْرَى ناشئة عَن الأولى أثر

لَهَا يظْهر فِي الْخَارِج (فباعتبارها) أَي تِلْكَ الصّفة الناشئة عَن صفة نفس الْفَاعِل (يُوصف) ذَلِك الْفِعْل (بِأَنَّهُ عدل حسن، أَو ضِدّه) أَي ظلم قَبِيح (هَذَا) الْجَزْم من الْعقل وَالْوَصْف بذلك (باضطرار الدَّلِيل) أَي الْعقل مُضْطَر فِي ذَلِك بِسَبَب الدَّلِيل الْمُوجب لذَلِك (وَيُوجب) مَا ذكر من الْقطع بِأَن مُجَرّد الْحَرَكَة الخ، وَمن جزم الْعقل إِلَى آخِره (كَونه) أَي كَون اتصاف الْفِعْل بالْحسنِ والقبح (مُطلقًا) أَي على الْإِطْلَاق إِنَّمَا هُوَ (لخارج) أَي لأَمره خَارج عَن ذَات الْفِعْل من الوصفين الْمَذْكُورين (وَمثله) أَي مثل اتِّفَاق الْعُقَلَاء على مَا ذكر فِي إِفَادَة الْمَطْلُوب (تَرْجِيح الصدْق) أَي تَرْجِيح الصدْق على الْكَذِب (مِمَّن اسْتَوَى فِي تَحْصِيل غَرَضه) من جلب نفع أَو دفع ضرّ (هُوَ) أَي الصدْق (وَالْكذب وَلَا علم لَهُ بشريعة) مبينَة حسن الصدْق وقبح الْكَذِب، فلولا أَنَّهُمَا معلومان بِالضَّرُورَةِ لما كَانَ الْأَمر كَذَلِك (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا من قبل الأشاعرة (بِأَن الإيثار) أَي التَّرْجِيح من الْعقل للصدق على الْكَذِب فِي فِي هَذَا (لَيْسَ لحسنه) أَي الصدْق (عِنْده تَعَالَى) بل لحسنه عندنَا (لَيْسَ يضرنا) لِأَنَّهُ لم يثبت بذلك الحكم حَتَّى يُقَال ثُبُوته مَوْقُوف على كَونه مَوْصُوفا بالْحسنِ والقبح عِنْد الله كَمَا هُوَ عندنَا، وَإِنَّمَا يضر الْمُعْتَزلَة لادعائهم استلزام الاتصاف بذلك تعلق الحكم بِهِ من غير توقف على سمع (نعم يرد عَلَيْهِ) أَي هَذَا الدَّلِيل (منع التَّرْجِيح) للصدق على الْكَذِب (على التَّقْدِير) أَي تَقْدِير مُسَاوَاة الصدْق وَالْكذب فِي حُصُول الْغَرَض: إِذْ قد يرجح الْكَذِب على ذَلِك التَّقْدِير كَمَا سيشير إِلَيْهِ (قَالُوا) أَي الأشاعرة أَولا (لَو اتّصف) الْفِعْل بالْحسنِ والقبح (كَذَلِك) أَي اتصافا ذاتيا (لم يتَخَلَّف) كل مِنْهُمَا عَمَّا اتّصف بِهِ فِي بعض الْمَوَارِد (و) قد (تخلف) قبح الْكَذِب (فِي) وَقت (تعينه) أَي الْكَذِب طَرِيقا (لعصمة نَبِي) من ظَالِم مثلا فَإِنَّهُ حسن وَاجِب (وَالْجَوَاب هُوَ) أَي الْكَذِب الْمُتَعَيّن للغرض بَاقٍ (على قبحه) وَلم يتَخَلَّف عَنهُ كإجراء كلمة الْكفْر على اللِّسَان رخصَة (و) لَكِن (حسن الإنقاذ) أَي التَّلْخِيص للنَّبِي (يَرْبُو) أَي يزِيد (قبح تَركه) أَي ترك التَّلْخِيص (عَلَيْهِ) أَي على الْكَذِب الَّذِي بِهِ الإنقاذ (وَغَايَة مَا يسْتَلْزم) هَذَا (أَنَّهُمَا) أَي الْحسن والقبح فِيهِ (لخارج لكنهما) أَي الْحسن والقبح (من جِهَتَيْنِ) فالقبح من جِهَة كَونه كذبا، وَالْحسن من جِهَة كَونه إنقاذا (ترجحت إِحْدَاهمَا) وَهِي جِهَة الْحسن على الْأُخْرَى (وَقيل هُوَ) أى تعين الْكَذِب (فرض مَا لَيْسَ بواقع: اذ لَا كذب الا وَعنهُ مندوحة التَّعْرِيض) أَي سعته: يَعْنِي كل من يكذب لَيْسَ لَهُ ضَرُورَة ملجئه إِلَى الْكَذِب: إِذْ يُمكنهُ أَن يتَكَلَّم بِمَالِه محمل صَادِق هُوَ يَقْصِدهُ، وَالنَّاس يفهمون مِنْهُ الْمحمل الآخر الَّذِي لَو قَصده لصار كَاذِبًا فسعته باستغنائه عَن

الْكَذِب إِنَّمَا حصل بِسَبَب التَّعْرِيض، فالإنقاذ لَا يتَوَقَّف على الْكَذِب ليتعين فيترتب عَلَيْهِ مَا ذكر (قَالُوا) أَي الأشاعرة ثَانِيًا (لَو اتّصف) الْفِعْل بالْحسنِ والقبح لذاته (اجْتمع المتنافيان فِي لأكذبن غَدا، لِأَن صدقه) أَي لأكذبن غَدا (الَّذِي بِهِ حسنه) إِنَّمَا يتَحَقَّق (بكذب غَد فيقبح) لكَونه يسْتَلْزم كذبا فَاجْتمع الْحسن والقبح فِيهِ (وَقَلبه) أَي وَلِأَن كذبه الَّذِي بِهِ قبحه بِعَدَمِ كذب غَد فَيحسن، ولكونه ترك كذب فَاجْتمع الْحسن والقبح فِي كذبه (ومبناه) أَي هَذَا الدَّلِيل (على أَن الْمَلْزُوم لخارج حسن حسن) فَإِن لم يكن لَهُ فِي حد ذَاته حسن، والملزوم لخارج قَبِيح قَبِيح، وَإِن كَانَ لَهُ حسن فِي حد ذَاته (وَجَوَابه مَا مر من عدم التَّنَافِي) بَين كَونه حسنا وقبيحا (للجهتين) أَي لَا يُنَافِي كَون الشَّيْء حسنا من جِهَة كَونه قبيحا من جِهَة أُخْرَى (لما مر من المُرَاد بالذاتي) تَعْلِيل لِإِمْكَان اعْتِبَار الْجِهَتَيْنِ الْمَفْهُوم ضمنا، كَأَنَّهُ قيل كَيفَ يُمكن ذَلِك مَعَ كَون الْحسن والقبح ذاتيين والذات جِهَة وَاحِدَة، فَالْجَوَاب أَن إِمْكَانه لِمَعْنى وَجب الْمصير إِلَيْهِ، وَذَلِكَ الْمَعْنى هُوَ الَّذِي ذكر أَنه مُرَاد بالذاتي، وَبَين مفصلا (فَلَا ينتهض) الدَّلِيل الْمَذْكُور حجَّة (على أحد، قَالُوا) أَي الأشاعرة (ثَالِثا لَو اتّصف) الْفِعْل بالْحسنِ والقبح لذاته (وهما) أَي الْحسن والقبح لذاته (عرضان قَامَ الْعرض) الَّذِي هُوَ أَحدهمَا (بِالْعرضِ) الَّذِي هُوَ الْفِعْل (لِأَن الْحسن زَائِد) على مَفْهُوم الْفِعْل (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن زَائِدا عَلَيْهِ: بل كَانَ عينه أَو جزءه (كَانَت عقلية الْفِعْل عقليته) أَي الصُّورَة الْحَاصِلَة فِي الْعقل من الْفِعْل عين الصُّورَة الْحَاصِلَة فِيهِ من الْحسن، وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ قد يعقل الْفِعْل وَلَا يعقل حسنه وَلَا قبحه (و) أَيْضا الْحسن وصف (وجودي لِأَن نقيضه) أَي نقيض حسن (لَا حسن) وَهُوَ (سلب وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن سلبا بل وجوديا (استلزم محلا مَوْجُودا) لِامْتِنَاع قيام الصّفة الثبوتية بِالْمحل الْمَعْدُوم، وَإِذا استلزم محلا مَوْجُودا (فَلم يصدق على الْمَعْدُوم) لاحسن، وَهُوَ بَاطِل بِالضَّرُورَةِ، وَإِذا كَانَ أحد النقيضين سلبيا كَانَ الآخر وجوديا ضَرُورَة امْتنَاع النقيضين. قَالَ الشَّارِح وَالْكَلَام فِي الْقبْح كَالْكَلَامِ فِي الْحسن، وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الْمَتْن حَيْثُ قَالَ: وهما عرضان الخ، غير أَن قَوْله: لِأَن الْحسن زَائِد لَا يظْهر فِيهِ وَجه التَّخْصِيص مَعَ أَن الْمُدَّعِي مركب، وَدَلِيل الزِّيَادَة لَا يخْتَص بالْحسنِ إِلَّا بِأَن يُقَال الوجودية مُعْتَبرَة فِي كَون الْوَصْف عرضا كَمَا يفِيدهُ قَوْله وجودي الخ، وَهُوَ الْحق فَبين أول كَلَامه وَآخره نوع تدافع، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بقوله: عرضان وصفان قائمان بِالْفِعْلِ، وبالعرض فِي قَوْله: قَامَ الْعرض الْحسن، وَحِينَئِذٍ لَا يُنَافِي قَول الشَّارِح: وَالْكَلَام إِلَى آخِره، وَيُؤَيّد مَا قُلْنَاهُ قَوْله (وَدفع) هَذَا الدَّلِيل (بِأَن عدمية صُورَة السَّلب) أَي مَا صدق عَلَيْهِ السَّلب على الْإِطْلَاق، عبر بهَا لكَونه

من الصُّور العقلة، أَو لِأَن صُورَة توهم العدمية (مَوْقُوفَة على كَون مَدْخُول النَّافِي وجوديا) وضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد بِهِ ثَانِيًا مَا أُرِيد بِهِ أَولا وَهُوَ مجوع النَّافِي ومدخوله (وَإِثْبَات وجوديته) أَي مَدْخُول النَّافِي (بعدميتها) أَي صُورَة السَّلب (دور، و) يرد (عَلَيْهِ) أَي على هَذَا الدّفع أَن يُقَال (إِنَّمَا أثْبته) أَي أثبت النَّفْي وجود مدخوله (باستلزام مَحل مَوْجُود) أَي باستلزام النَّفْي محلا مَوْجُودا لَو لم يكن عدميا يَعْنِي لَيْسَ الِاسْتِدْلَال بالعدمية الْمَأْخُوذَة مِمَّا ذكر بل الْمَأْخُوذَة من عدم استلزامه محلا وجوديا (ثمَّ ينْتَقض) الدَّلِيل (بِإِمْكَان الْفِعْل وَنَحْوه) كامتناعه بِأَن يُقَال لَو كَانَ الْإِمْكَان ذاتيا للْفِعْل لزم قيام الْعرض بِالْعرضِ، لِأَن الْإِمْكَان زَائِد على مَفْهُومه وَإِلَّا لزم أَن يتعقل بتعقله ثمَّ يلْزمه كَونه وجوديا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي سلب إِلَى آخِره وَاللَّازِم بَاطِل للاتفاق على أَن الْإِمْكَان وَنَحْوه لَيْسَ بموجود بل من الاعتبارات الْعَقْلِيَّة والعوارض الذهنية (وَلَا ينْتَقض) هَذَا الدَّلِيل (باقتضائه) أَي هَذَا الدَّلِيل (أَنه لَا يَتَّصِف فعل بِحسن شَرْعِي) للُزُوم قيام الْعرض بِالْعرضِ، وَإِنَّمَا لَا ينْتَقض (لِأَنَّهُ) أَي الْحسن الشَّرْعِيّ (لَيْسَ عرضا لِأَنَّهُ) أَي حسنه (طلبه تَعَالَى الْفِعْل) وَطَلَبه من تعلقات كَلَامه الْقَدِيم بِفعل الْمُكَلف لَا صفة لَهُ (وَالتَّحْقِيق أَن صُورَة السَّلب قد تكون وجودا) أَي مَوْجُودا (كاللامعدوم) أَي مَا لَيْسَ بمعدوم (و) قد يكون (منقسما) إِلَى مَوْجُود ومعدوم (كاللاممتنع) فَإِنَّهُ يَنْقَسِم إِلَى الْوَاجِب والممكن الشَّامِل للمعدوم (وَلَو سلم) أَنه لَو اتّصف بِأَحَدِهِمَا لذاته لزم قيام الْعرض بِالْعرضِ (فقيام الْعرض) بِالْعرضِ (بِمَعْنى النَّعْت) للعرض (بِهِ) أَي بِالْعرضِ، فالقيام بَينهمَا اخْتِصَاص الناعت والمنعوت (غير مُمْتَنع) بل وَاقع كاتصاف الْحَرَكَة بالسرعة والبطء (إِذْ حَقِيقَته) أَي كَون الْعرض قَائِما بِالْعرضِ بِمَعْنى النَّعْت بِهِ (عدم الْقيام) للعرض بِالْعرضِ (خُصُوصا) أَي فِي خُصُوص الْمَادَّة وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ مَا قَامَ معنى لَا وجود لَهُ فِي الْأَعْيَان (وَحسن الْفِعْل) أَمر (معنوي إِذْ لَيْسَ المحسوس سوى الْفِعْل) وَلَو كَانَ الْحسن الْقَائِم بِهِ من الْأَعْرَاض الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج لَكَانَ محسوسا (قَالُوا) أَي الأشاعرة (رَابِعا فعل العَبْد اضطراري) لَيْسَ باختياري (واتفاقي) يصدر مِنْهُ كَيْفَمَا اتّفق: أَي يَنْقَسِم إِلَيْهِمَا (لِأَنَّهُ) أَي فعله إِن كَانَ (بِلَا مُرَجّح) لوُجُوده على عَدمه بل يصدر عَنهُ تَارَة وَلَا يصدر عَنهُ أُخْرَى بِلَا تجدّد أَمر فَهُوَ (الثَّانِي) أَي اتفاقي (وَإِن) كَانَ (بِهِ) أَي بمرجح (فإمَّا) أَن يكون بمرجح (من العَبْد وَهُوَ بَاطِل للتسلسل) إِذْ ينْقل الْكَلَام إِلَى ذَلِك الْمُرَجح وهلم جرا (أَو) بمرجح (لَا مِنْهُ) أَي العَبْد (فَإِن لم يجب الْفِعْل مَعَه) أَي مَعَ ذَلِك الْمُرَجح (بِأَن صَحَّ تَركه) أَي الْفِعْل كَمَا صَحَّ فعله (عَاد الترديد) وَهُوَ أَنه إِمَّا أَن يكون ذَلِك الْمُرَجح بِلَا مُرَجّح أَو بِهِ، وَمَا كَانَ بِهِ فإمَّا من العَبْد أَو من غَيره وأياما كَانَ يلْزم الْمَحْذُور (وَإِن وَجب) الْفِعْل

مَعَه (فاضطراري وَلَا يتصفان) أَي الاضطراري والاتفاق (بهما) أَي الْحسن والقبح اتِّفَاقًا (وَهُوَ) أَي هَذَا الدَّلِيل (مَدْفُوع بِأَنَّهُ) أَي صُدُور الْفِعْل (بمرجح مِنْهُ) أَي العَبْد وَهُوَ الِاخْتِيَارِيّ (وَلَيْسَ الِاخْتِيَار بآخر) أَي بِاخْتِيَار آخر ليتسلسل (وصدور الْفِعْل عِنْد الْمُعْتَزلَة مَعَ الْمُرَجح على سَبِيل الصِّحَّة لَا الْوُجُوب) يَعْنِي مَعَ وجود ذَلِك الْمُرَجح يَصح صدوره فَلَا يلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح، لَا أَنه يصير صدوره ضَرُورِيًّا بِحَيْثُ يمْتَنع عدم الصُّدُور (إِلَّا أَبَا الْحُسَيْن) مِنْهُم فَإِنَّهُ يَقُول بِالْوُجُوب، لِأَن الْمُرَجح إِذا رجح جَانب الْوُجُود لَا يُمكن أَن يتَحَقَّق مَا يُقَابله وَإِلَّا يلْزم تَرْجِيح الْمَرْجُوح (وَلَو سلم) أَن الْمُرَجح يُوجب الْفِعْل (فالوجوب بِالِاخْتِيَارِ لَا يُوجب الِاضْطِرَار الْمنَافِي لِلْحسنِ والقبح، وَدفع) هَذَا الدّفع بِأَنَّهُ (ثَبت لُزُوم الِانْتِهَاء) أَي انْتِهَاء تسلسل الْعلَّة (إِلَى مُرَجّح لَيْسَ من العَبْد) لما ذكر من بطلَان التسلسل (يجب مَعَه) أَي مَعَ ذَلِك الْمُرَجح (الْفِعْل) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو لم يجب مَعَه يعود الترديد على مَا ذكر، واجملتان صفتان للمرجح (و) بذلك (يبطل اسْتِقْلَال العبدية) أَي بِالْفِعْلِ (وَمثله) أَي مثل هَذَا الْفِعْل الَّذِي لَيْسَ العَبْد مُسْتقِلّا بِهِ (عِنْد الْمُعْتَزلَة لَا يحسن وَلَا يقبح وَلَا يَصح التَّكْلِيف بِهِ، وَهُوَ) أَي الدّفع لذَلِك الدّفع (رد الْمُخْتَلف الى الْمُخْتَلف) لما كَانَ الِاسْتِدْلَال من قبل الأشاعرة فِي مُقَابلَة الْقَائِلين باتصاف الْفِعْل بالْحسنِ والقبح، وهم الْمُعْتَزلَة وَالْحَنَفِيَّة بعض مقدماته غير مُسلم عِنْد الْمُعْتَزلَة وَهُوَ الْوُجُوب المستلزم للاضطرار، وَبَعضهَا غير مُسلم عِنْد الْحَنَفِيَّة وَهُوَ اقْتِضَاء الْوُجُوب مُطلقًا الِاضْطِرَار الْمنَافِي للاتصاف الْمَذْكُور، وَكَانَ حَاصِل الدّفع من الْقَائِلين بِهِ منع الْوُجُوب مُسْتَندا بِأَن صُدُور الْفِعْل عِنْد الْمُعْتَزلَة على سَبِيل الصِّحَّة وَمنع الِاقْتِضَاء الْمَذْكُور، وَكَانَ حَاصِل دفع الدّفع من قبل الأشاعرة إِثْبَات الْمُدَّعِي بتغيير الدَّلِيل إِلَى مُقَدمَات: مِنْهَا لُزُوم الِانْتِهَاء إِلَى مُرَجّح لَيْسَ من العَبْد، وَهُوَ غير مُسلم عِنْد الْمُعْتَزلَة، وَمِنْهَا بطلَان اسْتِقْلَال العَبْد وَهُوَ كَذَلِك، وَمِنْهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَمثله عِنْد الْمُعْتَزلَة الخ، وَيفهم مِنْهُ أَن مثله يحسن ويقبح عِنْد الْحَنَفِيَّة وَيصِح بِهِ التَّكْلِيف كَانَ كل وَاحِد من الِاسْتِدْلَال وَمَا غير إِلَيْهِ مركبا من مُقَدمَات مُخْتَلفَة كل مِنْهَا على رَأْي يؤم وكل مِنْهَا مُخْتَلف، وَالْأول مَرْدُود إِلَى الثَّانِي أَو الْعَكْس لكَونه بَدَلا مِنْهُ وَالْمرَاد من الْمُخْتَلف الأول: الأشاعرة، وَمن الثَّانِي الْمُعْتَزلَة، وَمن الرَّد تَوْجِيه إِلْزَام الأشاعرة عَن الْحَنَفِيَّة نَحْو الْمُعْتَزلَة وَالله أعلم. وَيُؤَيّد هَذَا قَوْله (وَلَا يلْزمنَا) معشر الْحَنَفِيَّة مَا لزم الْمُعْتَزلَة من الدَّلِيل الْمشَار إِلَيْهِ بقوله ثَبت إِلَى آخِره (لِأَن وجود الِاخْتِيَار) فِي الْفِعْل (عندنَا كَاف فِي الْإِنْصَاف) بالْحسنِ والقبح (وَصِحَّة التَّكْلِيف) الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ فَلَا يضر الْوُجُوب الْمَسْبُوق بِالِاخْتِيَارِ (وَهَذَا الدّفع) المفاد بقوله مَدْفُوع إِلَى آخِره (يشْتَرك بَين أهل القَوْل الَّذِي اخترناه) وَهُوَ مَا ذكره ابْن عين الدولة عَن

شاهدهم من أَئِمَّة بخاري (وَجمع من الأشاعرة) وهم الَّذين لَيْسَ مرجع نظرهم فِي الْأَفْعَال الْجَبْر (وَلَا ينتهض) هَذَا الدّفع (مِنْهُم) أَي الأشاعرة غير الْجمع الْمَذْكُور (إِذْ مرجع نظرهم فِي الْأَفْعَال الْجَبْر، لِأَن الِاخْتِيَار أَيْضا مَدْفُوع للْعَبد) أَي إِلَيْهِ (بخلقه تَعَالَى لَا صنع لَهُ) أَي للْعَبد (فِيهِ) أَي الِاخْتِيَار، ثمَّ لما ذكر عدم انتهاض مَا ذكر من الأشاعرة الَّذين أدّى نظرهم إِلَى الْجَبْر أَرَادَ أَن يبين لَهُم انتهاضه من الْحَنَفِيَّة فَقَالَ (أما الْحَنَفِيَّة) إِن شاركوا الأشاعرة فِي إِثْبَات الْكسْب للْعَبد لم يشاركوهم فِي تَفْسِيره (فالكسب) عِنْدهم (صرف الْقُدْرَة المخلوقة إِلَى الْقَصْد المصمم إِلَى الْفِعْل) فالجار الثَّانِي مُتَعَلق بِالْقَصْدِ أَو بالمصمم لتَضَمّنه معنى التَّوَجُّه (فأثرها) أَي الْقُدْرَة المخلوقة، لَا قدرَة الله كَمَا زعم الشَّارِح وَإِلَّا يلْزم مَا لزم الأشاعرة من الْجَبْر وَهُوَ ظَاهر (فِي الْقَصْد) الْمَذْكُور (ويخلق) الله (سُبْحَانَهُ الْفِعْل عِنْده) أَي عِنْد الْقَصْد المصمم (بِالْعَادَةِ) أَي بطرِيق الْعَادة بِأَن جرت عَادَة الله أَن يخلق فعل العَبْد بعد قَصده كَمَا جرت عَادَته فِي خلق الْأَشْيَاء عِنْد الْأَسْبَاب الظَّاهِرَة من غير تَأْثِير لتِلْك الْأَسْبَاب وَلَا مدخلية فِيهَا، ثمَّ أَرَادَ أَن يبين أَن تَأْثِير الْقُدْرَة المخلوقة فِي الْقَصْد الْمَذْكُور لَا يُوجب نقصا فِي الْقُدْرَة الْقَدِيمَة فَقَالَ (فَإِن كَانَ الْقَصْد) الْمَذْكُور (حَالا) أَي وَصفا (غير مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم) فِي نَفسه قَائِما بموجود (فَلَيْسَ) الْكسْب (بِخلق) إِذْ هُوَ إِخْرَاج الْمَوْجُود من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود فَلَا يلْزم إِثْبَات خَالق غير الله (وَعَلِيهِ) أَي على ثُبُوت الْحَال أَو على كَون الْقَصْد حَالا (جمع من الْمُحَقِّقين) مِنْهُم القَاضِي أَبُو بكر وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَولا وَجوزهُ صدر الشَّرِيعَة (وعَلى نَفْيه) أَي الْحَال كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور (فَكَذَلِك) أَي لَيْسَ الْكسْب بِخلق أَيْضا (على مَا قيل) وَالْقَائِل صدر الشَّرِيعَة (الْخلق أَمر إضافي يجب أَن يَقع بِهِ الْمَقْدُور لَا فِي مَحل الْقُدْرَة) أَي لَا فِيمَن قَامَت بِهِ الْقُدْرَة (وَيصِح انْفِرَاد الْقَادِر بإيجاد الْمَقْدُور بذلك الْأَمر) الإضافي (وَالْكَسْب أَمر إضافي يَقع بِهِ) الْمَقْدُور (فِي محلهَا) أَي الْقُدْرَة، وَهَذَا الْقدر كَاف فِي الْفرق بَينهمَا فَقَوله (وَلَا يَصح انْفِرَاده) أَي الْقَادِر (بإيجادها) أَي الْمَقْدُور لزِيَادَة التَّمْيِيز، فأثر الْخَالِق فِي فعل العَبْد إِيجَاد الْفِعْل فِي غَيره، وَأثر الكاسب التَّسَبُّب إِلَى ظُهُور ذَلِك الْفِعْل الْمَخْلُوق على جوارحه (وَلَو بطلت هَذِه التَّفْرِقَة) بَين الْخلق وَالْكَسْب (على تعذره) أَي مَعَ تعذر الْبطلَان الْمَذْكُور بِقِيَام الْبُرْهَان على وجودهَا، لنا مخلص آخر وَهُوَ أَنه (وَجب تَخْصِيص) خلق (الْقَصْد المصمم من عُمُوم الْخلق) الْمَدْلُول عَلَيْهِ بالنصوص الدَّالَّة على أَنه تَعَالَى خلق كل شَيْء (بِالْعقلِ) مُتَعَلق بالتخصيص: أَي بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ لَا السّمع، ثمَّ أَشَارَ إِلَى ذَلِك الدَّلِيل بقوله (لِأَنَّهُ) أَي كَون الْقَصْد المصمم مخلوقا للْعَبد (أدنى مَا يتَحَقَّق بِهِ فَائِدَة خلق الْقُدْرَة) الَّتِي من شَأْنهَا التَّمَكُّن من الْفِعْل وَالتّرْك وينتفى بِهِ الْجَبْر (وَيتَّجه بِهِ

حسن التَّكْلِيف المستعقب الْعقَاب بِالتّرْكِ وَالثَّوَاب بالامتثال) بل لَا امْتِثَال أصلا وَلَا مَعْصِيّة يَعْنِي إِذا لم يكن لقدرة العَبْد تَأْثِير فِي نفس الْفِعْل وَفِي الْعَزْم الْمَسْبُوق بِهِ الْفِعْل لَا يبْقى لحسن التَّكْلِيف الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَجه، بل لَا يتَحَقَّق من الْمُكَلف امْتِثَال لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْفِعْل والعزم بتأثير الْقُدْرَة الْقَدِيمَة من غير مدخلية للحادثة كَانَ العَبْد مَحْجُورا فيهمَا وَالْفِعْل الاضطراري لَا يتَحَقَّق بِهِ الِامْتِثَال لِأَنَّهُ شَرط فِيهِ الْإِجْبَار وَأَيْضًا لَا مَعْصِيّة: إِذْ هِيَ ارْتِكَاب الْمحرم اخْتِيَارا (قَالُوا) أَي الأشاعرة (خَامِسًا لَو حسن) الْفِعْل (لذاته أَو لصفة أَو اعْتِبَار لم يكن الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُخْتَارًا فِي الحكم) وَذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَي الحكم حِينَئِذٍ (يتَعَيَّن كَونه) أَي الحكم (على وفْق مَا فِي الْفِعْل من الصّفة) الَّتِي هِيَ الْحسن أَو الْقبْح، لِأَن الحكم على خلاف مَا هُوَ الْمَعْقُول قَبِيح لَا يَصح مِنْهُ تَعَالَى، وَفِي التعين نفي الِاخْتِيَار (وَهُوَ) أَي هَذَا الدَّلِيل (وَجه عَام) لرد من عدا الأشاعرة بزعمهم (و) لَكِن (لَا يلْزمنَا) معشر الْحَنَفِيَّة (لِأَنَّهُ) أَي الحكم (إِذا كَانَ قَدِيما عندنَا) لِأَنَّهُ كَلَامه النَّفْسِيّ، بِخِلَاف الْمُعْتَزلَة فَإِن الحكم عِنْدهم حَادث وَحَيْثُ تعين صَار اضطراريا (كَيفَ يكون اختياريا) إِذْ أثر الْفِعْل الْمُخْتَار يجب أَن يكون حَادِثا، فَهُوَ عندنَا فَاعل مُوجب بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِفَاته (فَهُوَ) أَي هَذَا التَّعْلِيل (إلزامي على الْمُعْتَزلَة ومدفوع عَنْهُم بِأَن غَايَته) أَي غَايَة مَا يلْزم الْمُعْتَزلَة فِي مقَام التَّأْوِيل (أَنه) تَعَالَى (مُخْتَار فِي مُوَافقَة تعلق حكمه للحكمة) صلَة الْمُوَافقَة: يَعْنِي لَيْسَ بمضطر فِي هَذِه الْمُوَافقَة، فَيصح مِنْهُ أَن يتَعَلَّق حكمه غير مُوَافق لَهَا وَلَا يخفى أَن هَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُم مَعَ القَوْل بِوُجُوب الْأَصْلَح عَلَيْهِ فَإِن قيل المُرَاد بِهَذَا الْوُجُوب بِالْغَيْر وَبِذَلِك الصِّحَّة بِالنّظرِ إِلَى الذَّات قُلْنَا الْمُعْتَبر فِي الِاخْتِيَار الصِّحَّة بِحَسب نفس الْأَمر، لَا بِحَسب الذَّات فَقَط فَتَأمل (وَذَلِكَ) أَي اخْتِيَار تِلْكَ الْمُوَافقَة المستلزم تعلق إِرَادَته بِأحد الطَّرفَيْنِ (لَا يُوجب اضطراره) تَعَالَى فِي الحكم، وَإِنَّمَا يُوجِبهُ الِاضْطِرَار فِيهَا (وَلنَا فِي الثَّانِي) من الْأُمُور الثَّلَاثَة الْمشَار إِلَيْهَا بقوله فِيمَا سبق فتمت ثَلَاثَة: وَهُوَ عدم استلزام اتصاف الْفِعْل بالْحسنِ والقبح حكما فِي العَبْد (لَو تعلق) الحكم بِالْفِعْلِ المتصف بالْحسنِ أَو الْقبْح فِي الْجُمْلَة، لِأَن الْمُدَّعِي سلب كلي ونقيضه إِيجَاب ضَرُورِيّ جزئي (قبل الْبعْثَة لزم التعذيب بِتَرْكِهِ) أَي بترك الْفِعْل الْمُتَعَلّق بِهِ الحكم (فِي الْجُمْلَة) بِأَن لم يتَعَلَّق بِتَرْكِهِ الْعَفو كَذَا ذكر، وَيرد عَلَيْهِ أَنه يجوز الْعَفو فِي جَمِيع صور الْمُخَالفَة، وَيُجَاب بِأَن الشّرك لَا يُعْفَى وَالظَّاهِر أَن قَوْله فِي الْجُمْلَة مَبْنِيّ على مَا ذكرنَا من اعْتِبَار الْإِيجَاب الجزئي فِي جَانب الشَّرْط (وَهُوَ) أَي التعذيب بِتَرْكِهِ قبل الْبعْثَة (مُنْتَفٍ) فَإِن قلت انْتِفَاء التعذيب قبل الْبعْثَة لَا يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف قبلهَا لجَوَاز كَونه مُكَلّفا مُسْتَحقّا للعذاب بِالتّرْكِ معفوا عَنهُ قلت الْآيَة تدل على أَنه لَا يسْتَحقّهُ أَيْضا

قبلهَا لدلالتها على ثُبُوت الْعذر لَهُم، وكونهم معذورين يُنَافِي اسْتِحْقَاق الْعَذَاب وَالله أعلم (بقوله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} قيل أَي وَلَا مثيبين فاستغنى عَن ذكر الثَّوَاب بِذكر الْعَذَاب الَّذِي هُوَ أظهر فِي تحقق معنى التَّكْلِيف (وتخصيصه) أَي الْعَذَاب بِعَذَاب الدُّنْيَا كَمَا جرى للأمم السالفة من مُكَذِّبِي الرُّسُل، أَو بِمَا عدا الْإِيمَان (بِلَا دَلِيل) وَأبْعد من هَذَا أَن يُرَاد بالرسول الْعقل (وَنفي التعذيب) الْمَذْكُور فِي الْآيَة (وَإِن لم يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف) بِالْكُلِّيَّةِ (عِنْد أبي مَنْصُور) وموافقيه لجَوَاز الْعَفو عِنْدهم عَن الْمُكَلف الَّذِي ترك مَا كلف بِهِ كَذَا ذكره الشَّارِح، وَيرد عَلَيْهِ أَن عدم استلزام نفي التعذيب نفي التَّكْلِيف لجوار الْعَفو لَا يخْتَص بِأبي مَنْصُور، فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه لما قَالَ يكون العَبْد مُكَلّفا قبل الْإِرْسَال بِبَعْض الْأَحْكَام دون بعض على مَا ذكر كَانَ معنى الْآيَة عِنْده: مَا كُنَّا معذبين بترك مَا يتَوَقَّف على السّمع (خلافًا للمعتزلة) قَالَ الشَّارِح فَإِنَّهُ يسْتَلْزم عِنْدهم قطعا لعدم تجويزهم الْعَفو جَريا مِنْهُ على مَا أسلف، وَأما على مَا ذَكرْنَاهُ فَمَعْنَاه خلافًا لَهُم فَإِنَّهُم يعممون التَّكْلِيف وَلَا يَقُولُونَ بِمثل مَا قَالَه أَبُو مَنْصُور غير أَنه يروج أَنهم لَا يثبتون بِالْعقلِ بعض الْأَحْكَام، فنفي التعذيب بترك تِلْكَ الْأَحْكَام لَا يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف عِنْدهم أَيْضا وَالْجَوَاب أَن مَا لَا يدْرك الْعقل فِيهِ حسنا أَو قبحا قَلِيل فالتكليف بِالْأَكْثَرِ قبل الْإِرْسَال مَوْجُود، وَتَخْصِيص الْآيَة بذلك الْقَلِيل تَأْوِيل بعيد فَتدبر (لكنه) أَي نفي التعذيب (يستلزمه) أَي نفي التَّكْلِيف عِنْد أبي مَنْصُور (فِي الْجُمْلَة) استلزام نفي التعذيب نفي التَّكْلِيف فِي الْجُمْلَة مَعْنَاهُ أَن نفي التعذيب على ترك فعل يتَوَقَّف حكمه على السّمع يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف بذلك الْفِعْل ونظائره، وَلَا يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف بِمَا لَا يتَوَقَّف حكمه عَلَيْهِ فَعلم أَن المُرَاد بِنَفْي التعذيب بالمحكوم عَلَيْهِ بِعَدَمِ الملزومية لنفي التَّكْلِيف مُطلقًا إِنَّمَا هُوَ نفي التعذيب على ترك بعض الْأَعْمَال لَا على ترك الْعَمَل مُطلقًا، لِأَن نَفْيه على تَركه مُطلقًا لَازمه نفي التَّكْلِيف مُطلقًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِنَّمَا لَا يلْزم) ترك التَّكْلِيف مُطلقًا (فِي) نفي التعذيب (معِين) بِأَن يكون مُتَعَلّقه ترك مَخْصُوص، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْعينِ مَا لَيْسَ صفة للْعُمُوم (فنفيه) أَي التعذيب (مُطلقًا لنفيه) أَي التَّكْلِيف مُطلقًا، فيستدل بالمعلول على الْعلَّة (وَأَيْضًا) يسْتَدلّ على انْتِفَاء التَّكْلِيف بِانْتِفَاء التعذيب بترك الْفِعْل الْمُتَعَلّق بِهِ الحكم عقلا بقوله تَعَالَى (وَلَو أَنا أهلكناهم بِعَذَاب من قبله الْآيَة) أَي لقالوا {رَبنَا لَوْلَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا فنتبع آياتك من قبل أَن نذل ونخزى} -: وَجه الِاسْتِدْلَال أَنه تَعَالَى (لم يرد عذرهمْ) وَهُوَ أَنه على تَقْدِير عدم الْإِرْسَال لَا يسْتَحقُّونَ الْعَذَاب، بل هم معذورون لجهلهم (وَأرْسل) إِلَيْهِم رَسُولا (كي لَا يعتذروا بِهِ) وَلم يقل: هَذَا لَيْسَ بِعُذْر، لِأَن الْعقل كَاف فِي معرفَة الْأَحْكَام (وَأَيْضًا)

يسْتَدلّ بقوله تَعَالَى {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} فَإِنَّهُ يفهم مِنْهُ ثُبُوت الْحجَّة لَهُم على الله لَو عذبهم قبل الْبعْثَة، فَيُفِيد أَمنهم من الْعَذَاب، وَهُوَ يُوجب عدم الحكم قبلهَا (قَالُوا) أَي الْمُعْتَزلَة (لَو لم يثبت) حكم من الْأَحْكَام إِلَّا بِالشَّرْعِ (لزم إفحام الْأَنْبِيَاء) أَي عجزهم عَن إِثْبَات النُّبُوَّة، لِأَن النَّبِي إِذا ادّعى النُّبُوَّة وأتى بالمعجزة فَحِينَئِذٍ (إِذا قَالَ) النَّبِي للمبعوث إِلَيْهِ (انْظُر) فِي معجزتي (لتعلم) صدقي (قَالَ) الْمَبْعُوث إِلَيْهِ (لَا أنظر فِيهِ مَا لم يثبت الْوُجُوب) أَي وجوب النّظر (عَليّ) إِذْ لَهُ أَن يمْتَنع عَمَّا لم يجب عَلَيْهِ (وَلَا يثبت) الْوُجُوب عَليّ مَا لم أنظر) فِي معجزتك: إِذْ لَا وجوب إِلَّا بِالشَّرْعِ وَلم يثبت الشَّرْع بعد (أَو) قَالَ بِعِبَارَة أُخْرَى أوضح، وَهِي لَا أنظر (مَا لم يثبت الشَّرْع إِلَى آخِره) وَلَا يثبت الشَّرْع مَا لم أنظر، وَإِنِّي لَا أنظر، وَلَا سَبِيل حِينَئِذٍ للنَّبِي إِلَى دَفعه، وإفحامه بَاطِل، فَبَطل كَون وجوب النّظر فِيهِ شَرْعِيًّا فَتعين كَونه عقليا (وَالْجَوَاب أَن قَوْله: وَلَا يثبت إِلَى آخِره) أَي وَلَا يثبت الْوُجُوب عَليّ مَا لم أنظر (بَاطِل لِأَنَّهُ) أَي الْوُجُوب ثَابت (بِالشَّرْعِ) فِي نفس الْأَمر نظر فِي المعجز أَولا، غَايَة الْأَمر أَنه لَا يعلم ثُبُوته علما تصديقيا فَإِن قلت أَي فَائِدَة فِي ثُبُوته بِحَسب نفس الْأَمر إِذا لم يعلم بِهِ، وَهل يلْزم الْحجَّة عَلَيْهِ إِلَّا بعد علمه بِالطَّلَبِ، فَكَذَا إِذا عرض عَلَيْهِ النَّبِي أَن مَعَه معجزا إِن نظر فِيهِ يحصل بِهِ الْيَقِين بِكَوْنِهِ نَبيا صَادِقا فِيمَا يخبر بِهِ عَن الله تَعَالَى من طلب الْإِيمَان وَغَيره، وَلَا يتَوَقَّف هَذَا على شَيْء سوى النّظر فِيهِ كَانَ ذَلِك أوفى حجَّة عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي إبائه متمردا ومتمتعا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَيْسَ) إِيجَاب النّظر عَلَيْهِ قبل النّظر، وَثُبُوت الشَّرْع عِنْده (تَكْلِيف غافل) بِمَا هُوَ غافل عَنهُ، وَلَا طلب فعل مِمَّا هُوَ خَالِي الذِّهْن عَن تصَوره عَن ذَلِك الْفِعْل (بعد فهم مَا خُوطِبَ بِهِ) وطولب مِنْهُ (وَمَا قيل تَصْدِيق من ثبتَتْ نبوته فِي أول إخباراته وَاجِب وَإِلَّا انْتَفَت فَائِدَة الْبعْثَة) وَذَلِكَ لِأَن الْمَقْصد من إرْسَال الرَّسُول تَبْلِيغ الْأَحْكَام الإلهية ليؤمنوا بهَا ويعملوا بموجبها، وَهُوَ لَا يحصل إِلَّا بالتصديق بإخباره فَيجب عَلَيْهِم التَّصْدِيق بالإخبار الأول: إِذْ عدم وُجُوبه يسْتَلْزم عدم وجوب مَا سواهُ بِالطَّرِيقِ الأولى فَيلْزم عدم وجوب تَصْدِيق شَيْء من إخباراته، وَإِذا لم يجب تَصْدِيق شَيْء مِنْهَا فَلهُ أَن لَا يصدقهُ فِي شَيْء مِنْهَا فَيصير مثل وَاحِد من آحَاد النَّاس فَلَا يبْقى للبعثة فَائِدَة، فِي التَّوْضِيح فِي تَفْسِير أَن وجوب تَصْدِيق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن توقف على الشَّرْع يلْزم الدّور أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن توقف على الشَّرْع إِذا ادّعى بِالنُّبُوَّةِ وَأظْهر المعجزة، وَعلم السَّامع أَنه نَبِي فَأخْبر بِأُمُور مثل: أَن الصَّلَاة وَاجِبَة، فَإِن لم يجب تَصْدِيق شَيْء من ذَلِك يبطل فَائِدَة النُّبُوَّة، وَإِن وَجب فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون وجوب تَصْدِيق إخباراته عقليا

أَو لَا بل يكون وجوب تَصْدِيق كلهَا شَرْعِيًّا، وَالثَّانِي بَاطِل لِأَنَّهُ على تَقْدِيره كَانَ وجوب الْكل بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَزِمَ أَنه قَالَ تَصْدِيق الْإِخْبَار الأول وَاجِب فيتكلم فِي هَذَا القَوْل فَإِن لم يجب تَصْدِيقه لزم عدم وجوب تَصْدِيق الْإِخْبَار، وَإِن وَجب فإمَّا أَن يجب بالإخبار الأول فَيلْزم الدّور أَو بقول آخر فيتكلم فِيهِ فَيلْزم التسلسل، فَتعين كَون وجوب شَيْء من إخباراته عقليا انْتهى وَلَا يخفى أَن فَائِدَة انْتِفَاء الْبعْثَة لَازم للسلب الْكُلِّي، وَانْتِفَاء السَّلب الْكُلِّي يتَحَقَّق بِالْإِيجَابِ الجزئي، وَقَوله وَإِن وَجب إِلَى آخر الْمُقدمَات مَبْنِيّ على الْإِيجَاب الْكُلِّي، فَيبقى بَينهمَا وَاسِطَة لم يذكر حكمهَا فَاخْتَارَ التَّقْرِير الْمَذْكُور لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ ذَلِك مَعَ أَنه أخصر، ثمَّ لما أثبت وجوب التَّصْدِيق الْإِخْبَار الأول ردد فِيهِ، فَقَالَ (فَأَما) أَي فثبوت وُجُوبه إِمَّا (بِالشَّرْعِ) أَو بِالْعقلِ. وَالثَّانِي عين الْمَطْلُوب كَمَا سَيَأْتِي، وعنى الأول (فبنص وجوب تَصْدِيق) أَي فثبوته الشَّرْعِيّ إِنَّمَا يكون بِنَصّ دَال على وجوب تَصْدِيق النَّبِي فَهُوَ إِخْبَار ثَان عَن الله، فيتكلم فِيهِ على سَبِيل الترديد فَيَقُول (الثَّانِي) ثُبُوته (لَا يكون بِنَفسِهِ) وَإِلَّا يلْزم توقف الشَّيْء على نَفسه، فَيلْزم أَن يكون بِغَيْرِهِ (فإمَّا) أَن يكون ثُبُوته (بِالْأولِ) فَيكون ذَلِك الْغَيْر هُوَ الْإِخْبَار الأول (فيدور) أَي فَيلْزم الدّور، لِأَن الْمَفْرُوض توقف ثُبُوت وجوب تَصْدِيق الأول عَلَيْهِ (أَو) يكون ثُبُوته (بثالث) أَي بأخبار ثَالِث (فيتسلسل فَهُوَ) أَي وجوب تَصْدِيقه فِي أول إخباراته (بِالْعقلِ، وَكَذَا) أَي لوُجُوب تَصْدِيق الْإِخْبَار الأول (وجوب امْتِثَال أوامره) أَي الشَّارِع فِي أَن وجوب ثُبُوتهَا بِالْعقلِ، فَيُقَال (لَو) كَانَ ثُبُوته (بِالشَّرْعِ توقف) أَي وُجُوبه (على الْأَمر بالامتثال) وَهُوَ من ثَان (فوجوب امْتِثَال الْأَمر بالامتثال) صلَة الْأَمر (إِن كَانَ بِالْأولِ دَار، وَإِلَّا) بِأَن كَانَ بثالث، وَالثَّالِث برابع، وهلم جرا (تسلسل) فَمَا قيل مُبْتَدأ خَبره (فَجَوَابه أَن اللَّازِم) من هَذَا الدَّلِيل (جزم الْعقل بصدقه) أَي النَّبِي فِي أول إخباراته، وَيُوجب ذَلِك امْتِثَال أوامره (استنباطا من دليلها) أَي من دَلِيل صدق إخباراته ووجوبات امْتِثَال أوامره وَهُوَ ظُهُور المعجزة على يَدَيْهِ ليثبت صدقه فِيمَا يخبر عَن الله تَعَالَى، وامتثال مَا يَأْمر بِهِ (فَأَيْنَ الْوُجُوب عقلا بِمَعْنى اسْتِحْقَاق الْعقَاب) فِي الآجل (بِالتّرْكِ، بل يتَوَقَّف) الْوُجُوب عقلا بِهَذَا الْمَعْنى (على نَص) فَإِن قلت: إِذا ثَبت صدقه وَعلم أَن مَا يَدْعُو إِلَيْهِ من الله تَعَالَى مَطْلُوب من العَبْد يثبت أَنه إِذا عَصَاهُ يسْتَحق الْعقَاب فِي الْآخِرَة قُلْنَا لَا نسلم لِأَنَّهُ يرجع إِلَيْهِ ضَرَر من عصيانهم وَلَا يتأثر بِهِ، فَيجوز أَن لَا يغْضب على العَاصِي، والاستحقاق الْمَذْكُور فرع ذَلِك فَلَا بُد من نَص دَال عَلَيْهِ (قَالُوا) أَي الْمُعْتَزلَة (ثَانِيًا نقطع بِأَنَّهُ يقبح عِنْد الله من الْعَارِف بِذَاتِهِ المنزهة وَصِفَاته الْكَرِيمَة أَن ينْسب إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيق من صِفَات النَّقْص) سَوَاء (ورد شرع)

أَفَادَ ذَلِك (أَولا فَيحرم عقلا) أَن ينْسب إِلَيْهِ (أُجِيب بِأَن الْقطع) بالقبح الْمَذْكُور بِمَعْنى اسْتِحْقَاق الْعَذَاب للتنازع فِيهِ (لما ركز فِي النُّفُوس من الشَّرَائِع الَّتِي لم تَنْقَطِع مُنْذُ بعثة آدم) عَلَيْهِ السَّلَام (فَتوهم) بِهَذَا السَّبَب (أَنه) أَي الْقطع الْمَذْكُور (بِمُجَرَّد حكم الْعقل) ثمَّ لما كَانَ الْمُخْتَار عِنْد المُصَنّف أَن الْفِعْل يَتَّصِف بالْحسنِ والقبح بِخَارِج، وَلَا تَكْلِيف قبل الْبعْثَة قَالَ (وعَلى أصلنَا ثُبُوت الْقبْح) لِلْعَقْلِ (فِي الْعقل) أَي عِنْد الْعقل (وَعِنْده تَعَالَى لَا يسْتَلْزم عقلا) أَي استلزاما عقليا (تَكْلِيفه) بِحكم يمنعهُ من الْفِعْل، ثمَّ بَين وَجه الاستلزام بقوله (بِمَعْنى أَنه يقبح مِنْهُ تَعَالَى تَركه) أَي ترك تَكْلِيفه بكف النَّفس عَن ذَلِك الْقَبِيح (وللحنفية والمعتزلة فِي الثَّالِث) أَن استلزام اتصاف الْفِعْل بالْحسنِ والقبح امْتنَاع تَعْذِيب الطائع وتكليف مَا لَا يُطَاق أَنه (ثَبت بالقاطع اتصاف الْفِعْل بالْحسنِ والقبح فِي نفس الْأَمر، فَيمْتَنع اتصافه) أَي اتصاف فعله تَعَالَى (بِهِ) أَي بالقبيح (تَعَالَى) الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا (وَأَيْضًا فالاتفاق على اسْتِقْلَال الْعقل بدركهما) أَي الْحسن والقبح (بِمَعْنى صفة الْكَمَال و) صفة (النَّقْص كَالْعلمِ وَالْجهل على مَا مر، فبالضرورة يَسْتَحِيل عَلَيْهِ تَعَالَى مَا أدْرك فِيهِ نقص وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ مستحيلا عَلَيْهِ مَا أدْرك فِيهِ نقص (ظهر الْقطع باستحالة اتصافه تَعَالَى بِالْكَذِبِ وَنَحْوه، تَعَالَى عَن ذَلِك وَأَيْضًا) لَو لم يمْتَنع اتصاف فعله بالقبح (يرْتَفع الْأمان عَن صدق وعده، و) صدق (خبر غَيره) أَي غير الْوَعْد (و) يرْتَفع الْأمان عَن صدق (النُّبُوَّة) أَي لم يجْزم بصدقها أصلا لَا عقلا، لِأَن صدقهَا مَوْقُوف على امْتنَاع اتصاف فعله بالقبح الَّذِي من جملَته الشَّهَادَة الكاذبة على أَنَّهَا دَعْوَى النَّفس، وَلَا شرعا، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمكن إثْبَاته بِالسَّمْعِ لِأَن حجيته فرع صدقه تَعَالَى، وَاكْتفى بِذكر الْوَعْد عَن ذكر الْوَعيد، وَمَا قَالَ الأشاعرة من جَوَاز الْخلف فِي الْوَعيد كغيرهم، لِأَنَّهُ لَا يعد نقصا، بل هُوَ من بَاب الْكَرم (وَعند الْأَشْعَرِيّ كَسَائِر الْخلق) كَمَا عِنْد سَابق الْخلق (الْقطع بِعَدَمِ اتصافه تَعَالَى) بِشَيْء من القبائح (دون الاستحالة الْعَقْلِيَّة) إِذْ الْقبْح لَيْسَ بعقل عِنْده، فَكيف يَسْتَحِيل عِنْده عقلا الاتصاف بِمَا لَا يحكم الْعقل بقبحه، فسائر الْخلق مَعَه فِي الْقطع بِعَدَمِ الاتصاف بِمَا ذكر، لَا فِي نفي الاستحالة الْعَقْلِيَّة، ثمَّ هَذَا الحكم القطعى (كَسَائِر الْعُلُوم الَّتِي يقطع فِيهَا بِأَن الْوَاقِع) فِي نفس الْأَمر (أحد النقيضين مَعَ اسْتِحَالَة الآخر لَو قدر) أَنه الْوَاقِع، وَذَلِكَ (كالقطع بِمَكَّة) أَي بوجودها (وبغداد) فَإِنَّهُ لَا يحِيل الْعقل عدمهَا (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ الْقطع بِعَدَمِ اتصافه تَعَالَى بالقبيح كالقطع بِكَوْن الْجَبَل حجرا مَعَ إِمْكَان انقلابه ذَهَبا، ونظائره من الْعُلُوم العادية (لَا يلْزم ارْتِفَاع الْأمان) عِنْد صدق الْوَعْد وَغَيره، لِأَنَّهُ وَإِن لم يكن خَلفه محالا عقليا لَكنا نقطع بِعَدَمِهِ كَمَا نقطع بِعَدَمِ الْجَبَل

ذَهَبا (وَالْخلاف) الْجَارِي فِي اسْتِحَالَة اتصافه بِالْكَذِبِ وَنَحْوه على مَا ذكر (جَار) نَظِيره (فِي كل نقيصة) ثمَّ صور كيفيته بقوله (أقدرته) تَعَالَى (عَلَيْهَا) أَي على تِلْكَ النقيصة (مسلوبة أم هِيَ) أَي النقيصة (بهَا) أَي بقدرته (مشمولة) فالجملتان الإنشائيتان فِي مَحل الرّفْع على الخبرية بِتَقْدِير الْكَلَام تَصْوِير الْخلاف بِاعْتِبَار السُّؤَال الَّذِي يَقع جَوَاب كل من المتخالفين عَنهُ، بِأَن يُقَال: أقدرته إِلَى آخِره (وَالْقطع بِأَنَّهُ لَا يفعل) أَي وَالْحَال الْقطع بِعَدَمِ فعل تِلْكَ النقيصة (وَالْحَنَفِيَّة والمعتزلة على الأول) أَي على أَن قدرته عَلَيْهَا مسلوبة لِاسْتِحَالَة تعلق قدرته بالمحال (وَعَلِيهِ فرعوا) أَي على أَن قدرته (امْتنَاع تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، و) امْتنَاع (تَعْذِيب الطائع). قَالَ المُصَنّف فِي المسايرة: وَاعْلَم أَن الْحَنَفِيَّة لما استحالوا عَلَيْهِ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، فهم لتعذيب المحسن الَّذِي استغرق عمره فِي الطَّاعَة مُخَالفا لهوى نَفسه فِي رضَا مَوْلَاهُ أمنع بِمَعْنى أَنه يتعالى عَن ذَلِك فَهُوَ من بَاب التنزيهات: إِذْ التَّسْوِيَة بَين الْمُسِيء والمحسن غير لَائِق بالحكمة فِي نظر سَائِر الْعُقُول، وَقد نَص تَعَالَى على قبحه حَيْثُ قَالَ - {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم سَاءَ مَا يحكمون} - فَجعله سَيِّئًا، هَذَا فِي التجويز عَلَيْهِ وَعَدَمه، أما الْوُقُوع فمقطوع بِعَدَمِهِ غير أَنه عِنْد الأشاعرة للوعد بِخِلَافِهِ وَعند الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم لذَلِك، ولقبح خِلَافه انْتهى (وَذكرنَا فِي المسايرة) بطرِيق الْإِشَارَة (أَن الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّهَا بهَا مشمولة، وَالْقطع بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلهَا اخْتِيَارا (أَدخل فِي التَّنْزِيه). قَالَ فِي المسايرة، ثمَّ قَالَ: يَعْنِي صَاحب الْعُمْدَة من مَشَايِخنَا، وَلَا يُوصف تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ على الظُّلم والسفه وَالْكذب، لِأَن الْمحَال لَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة وَعند الْمُعْتَزلَة يقدر وَلَا يفعل انْتهى وَلَا شكّ أَن سلب الْقُدْرَة عَمَّا ذكر هُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة، وَأما ثُبُوتهَا ثمَّ الِامْتِنَاع عَن متعلقها فمذهب الأشاعرة أليق وَلَا شكّ أَن الِامْتِنَاع عَنْهَا من بَاب التنزيهات فيسبر الْعقل فِي أَن أَي الْفَصْلَيْنِ أبلغ فِي التَّنْزِيه عَن الْفَحْشَاء أهوَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ مَعَ الِامْتِنَاع عَنهُ مُخْتَارًا فِي الشق الأول، أَو الِامْتِنَاع لعدم الْقُدْرَة فَيجب القَوْل بِإِدْخَال الْقَوْلَيْنِ فِي التَّنْزِيه انْتهى. فَفِي قَوْله مَعَ الِامْتِنَاع مُخْتَارًا فِي الشق الأول، وَقَوله أَو الِامْتِنَاع لعدم الْقُدْرَة مَعَ مَا سبق من قَوْله: وَلَا شكّ أَن الِامْتِنَاع عَنْهَا من بَاب التنزيهات إِشْعَار بِأَن الأول أَدخل فِي التَّنْزِيه: إِذْ التَّنْزِيه فِيمَا لَيْسَ باختياري غير ظَاهر، وَيُؤَيّد مَا ذكرنَا تَقْدِيم ذَلِك الشق فِي الذّكر، وَالْأول فِي المسايرة ثَان فِي هَذَا الْكتاب، خُذ (هَذَا وَلَو شَاءَ الله قَالَ قَائِل) فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن مَا سَنذكرُهُ لم يقل بِهِ أحد قبله (هُوَ) أَي النزاع بَين الْفرق الثَّلَاثَة (لَفْظِي، فَقَوْل الأشاعرة هُوَ أَنه) أَي الشَّأْن (لَا يحِيل الْعقل) أَي يجوز مَعَ قطع النّظر عَن الْأَدِلَّة الخارجية (كَون من اتّصف بالألوهية)

أَي الْعُبُودِيَّة بِالْحَقِّ (وَالْملك) أَي الْمَالِكِيَّة (لكل شَيْء متصفا بالجور) أَي بِمَا هُوَ خلاف الْعدْل إِذا صدر من شخص يَقُول: هَذَا جور وظلم (وَمَا لَا يَنْبَغِي: إِذْ حَاصله) أَي الاتصاف بِمَا ذكر (أَنه مَالك جَائِر، وَلَا يحِيل الْعقل وجود مَالك كَذَلِك) أَي جَائِر على مماليكه (وَلَا يسع الْحَنَفِيَّة والمعتزلة إِنْكَاره) أَي عدم إِحَالَة الْعقل ذَلِك (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة والمعتزلة (يَسْتَحِيل) كَونه متصفا بالجور، وَمِمَّا لَا يَنْبَغِي إِنَّمَا هُوَ (بِالنّظرِ إِلَى مَا قطع بِهِ من ثُبُوت اتصاف هَذَا الْعَزِيز الَّذِي ثَبت أَنه الْإِلَه) لَا غَيره، وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ (بأقصى كمالات الصِّفَات من الْعدْل وَالْإِحْسَان وَالْحكمَة: إِذْ يَسْتَحِيل اجْتِمَاع النقيضين فلحظهم) أَي ملحوظ الْحَنَفِيَّة والمعتزلة (إِثْبَات الضَّرُورَة بِشَرْط الْمَحْمُول فِي المتصف الْخَارِجِي) المُرَاد بالمتصف الْخَارِجِي: الشَّخْص الْمَوْجُود فِي الْخَارِج الثَّابِت ألوهيته المتصف بأقصى الكمالات، وبالمحمول الْوَصْف الَّذِي حمل عَلَيْهِ من كَونه متصفا بأقصى الكمالات وَلَا شكّ فِي أَنه إِذا شَرط مَعَ ذَاته الْوَصْف الْمَذْكُور بِأَن يعْتَبر من حَيْثُ أَنه مَوْصُوف بِهِ، وينسب إِلَيْهِ الْجور الَّذِي هُوَ نقيض مَا شَرط فِيهِ بِحكم الْعقل باستحالته بِالضَّرُورَةِ، وَهَذَا معنى إِثْبَات الضَّرُورَة الخ (والأشعرية) يجوزون ذَلِك (بِالنّظرِ إِلَى مُجَرّد مَفْهُوم إِلَه وَمَالك كل شَيْء) مَعَ قطع النّظر عَن كَون مَا صدق عَلَيْهِ هَذَا الْمَفْهُوم متصفا بأقصى الكمالات (وَاسْتمرّ الأشعرية أَن تنزلوا) فِي مَبْحَث التحسين والتقبيح العقليين (إِلَى اتصاف الْفِعْل) أَي باحوا بطرِيق التنزل، وَتَسْلِيم أَن الْفِعْل يَتَّصِف بالْحسنِ والقبح المستدعي تعلق الحكم بِهِ (ويبطلوا مسئلتين) متعلقتين باتصافه بهما (على التنزل) أَي مَعَ تنزلهم إِلَى ذَلِك (وَنحن وَإِن ساعدناهم) أَي الأشاعرة (على نفي التَّعَلُّق) أَي تعلق الحكم بِالْفِعْلِ (قبل الْبعْثَة لَكنا نورد كَلَامهم لما فِيهِ) أَي فِي كَلَامهم مِمَّا لَا نرتضيه لقصد التَّحْقِيق وَإِظْهَار الصَّوَاب. المسئلة (الأولى: شكر الْمُنعم) أَي اسْتِعْمَال جَمِيع مَا أنعم الله تَعَالَى على العَبْد فِيمَا خلق لأَجله كصرف النّظر إِلَى مُشَاهدَة مصنوعاته ليستدل بهَا على صانعها، والسمع إِلَى تلقي أوامره وإنذاراته، وَاللِّسَان إِلَى التحدث بِالنعَم وَالثنَاء الْجَمِيل على الْمُنعم قيل هَذَا معنى الشُّكْر حَيْثُ ورد فِي الْكتاب الْعَزِيز، وَلذَا قَالَ تَعَالَى - {وَقَلِيل من عبَادي الشكُور} - (لَيْسَ بِوَاجِب عقلا لِأَنَّهُ) أَي الشُّكْر (لَو وَجب) عقلا (فلفائدة) أَي فإيجابه لَا يكون إِلَّا لفائدة. وَذَلِكَ (لبُطْلَان الْعَبَث) وَهُوَ أَن يفعل الْفَاعِل اخْتِيَارا مَا لَا فَائِدَة فِيهِ (فإمَّا لله تَعَالَى) أَي وَإِذا كَانَ لفائدة فإمَّا أَن يكون لفائدة رَاجِعَة إِلَى الله (أَو للْعَبد) أَي أَو لفائدة رَاجِعَة إِلَى العَبْد، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون حُصُولهَا لَهُ (فِي الدُّنْيَا أَو) فِي (الْآخِرَة، وَهِي) أَي هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة (بَاطِلَة). ثمَّ بَين بُطْلَانهَا على تَرْتِيب اللف والنشر، فَقَالَ (لتعاليه) تَعَالَى عَن أَن يكون

فعله لفائدة رَاجِعَة إِلَيْهِ، أَو عَن رُجُوع فَائِدَة إِلَيْهِ (و) لحُصُول (الْمَشَقَّة) من الشُّكْر الَّذِي هُوَ فعل الْوَاجِبَات، وَترك الْمُحرمَات، وَنَحْوهمَا (فِي الدُّنْيَا) بِغَيْر حَقِيقَة تَعب لَا حَظّ للنَّفس فِيهِ، وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حَظّ لَهَا فَلَيْسَ للْعَبد فِيهِ فَائِدَة دنيوية (وَعدم اسْتِقْلَال الْعقل بِأُمُور الْآخِرَة) فَلَيْسَ لِلْعَقْلِ أَن يُوجب الشُّكْر لفائدة رَاجِعَة إِلَى العَبْد فِي الْآخِرَة، لِأَن ذَلِك فرع استقلاله بِمَا يحصل للْعَبد من الْفَوَائِد الأخروية فِي مُقَابلَة الشُّكْر، وَلَا اسْتِقْلَال لَهُ فِيهَا لِأَنَّهَا من الْعَبَث الَّذِي لَا مجَال لِلْعَقْلِ فِيهِ (وانفصل الْمُعْتَزلَة) عَن هَذَا الْإِلْزَام بِأَنَّهُ لفائدة (ثمَّ بِأَنَّهَا) للْعَبد (فِي الدُّنْيَا وَهِي) أَي تِلْكَ الْفَائِدَة الدُّنْيَوِيَّة (دفع ضَرَر خوف الْعقَاب) ثمَّ اسْتدلَّ على وجود الْخَوْف الْمَذْكُور بقوله (للُزُوم خطور مُطَالبَة الْملك الْمُنعم بالشكر) والأمن من الْعقَاب من أعظم الْفَوَائِد، وَكَذَلِكَ دفع خَوفه واندفاع الْخَوْف فَائِدَة دنيوية، وَالْمَشَقَّة الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا دفع الضَّرَر لَا تنَافِي وجود الْفَائِدَة (وَمنع الأشعرية لُزُوم الْخطر) الْمُوجب للخوف فَلَا يتَعَيَّن وجوده، وَالدَّفْع الْمَذْكُور فرع وجوده وَقد يُجَاب بِأَنَّهُ وَإِن لم يتَعَيَّن وجوده لكنه على خطر الْوُجُود، وبالشكر ينْدَفع احْتِمَال وجوده: وَهُوَ فَائِدَة جليلة، وَفِيه مَا فِيهِ، على أَن مَنعهم غير موجه لِأَن الظَّاهِر أَن مَا ذكره الْمُعْتَزلَة منع، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بِالْمَنْعِ أَن سَنَد الْمُعْتَزلَة لَا يصلح للسندية وَفِيه مَا فِيهِ (وعَلى) تَقْدِير (التَّسْلِيم) للُزُوم الخطور الْمَذْكُور (فمعارض بِأَنَّهُ) أَي الشُّكْر (تصرف فِي ملك الْغَيْر) بالاتعاب بالأفعال والتروك الشاقة بِدُونِ إِذن الْمَالِك، وَمَا يتَصَرَّف فِيهِ من نَفسه وَغَيره ملك الله تَعَالَى، وَهَذَا يُفِيد عدم وُجُوبه (وَبِأَنَّهُ) أَي شكر النِّعْمَة (يشبه الِاسْتِهْزَاء) من وَجْهَيْن أما أَحدهمَا أَنه لَيْسَ للنعمة قدر يعْتد بِهِ بِالنّظرِ إِلَى مملكة الْمُنعم وَعظم شَأْنه، والمقابلة بالشكر تؤذن بالاعتداد بهَا عِنْد الْمُنعم، وَثَانِيهمَا أَن النعم لَا تعد وَلَا تحصى وَالشُّكْر فِي مقابلتها كإهداء فَقير للْملك حَبَّة شعير فِي مُقَابلَة مَا أنعم عَلَيْهِ من ملك الْبِلَاد شرقا وغربا (وَلَقَد طَال رواج هَذِه الْجُمْلَة) من الِاسْتِدْلَال والاعتراض وَالْجَوَاب فِيمَا بَينهم (على تهافتها) أَي تساقطها وَعدم أهليتها لِأَن يلْتَفت إِلَيْهَا، ثمَّ بَين التهافت بقوله (فَإِن الحكم بتعلق الحكم) يَعْنِي حكم الْمُعْتَزلَة بتعلق الْوُجُوب وَالْحُرْمَة مثلا بِالْفِعْلِ قبل الْبعْثَة (تَابع لعقلية مَا فِي الْفِعْل) أَي تَابع لكَون مَا فِي الْفِعْل من الْحسن والقبح عقليا (فَإِذا عقل فِيهِ) أَي فِي الْفِعْل (حسن يلْزم بترك مَا هُوَ) أَي الْحسن (فِيهِ الْقبْح كحسن شكر الْمُنعم المستلزم تَركه) أَي الشُّكْر (قبح الكفران) أَي الْقبْح الَّذِي هُوَ الكفران، فالإضافة بَيَانِيَّة (بِالضَّرُورَةِ) مُتَعَلق بالاستلزام أَو الكفران (فقد أدْرك) الْعقل (حكم الله الَّذِي هُوَ وجوب الشُّكْر قطعا) أَي أدْركهُ بِلَا شُبْهَة (وَإِذا ثَبت الْوُجُوب) أَي وجوب الشُّكْر (بِلَا مرد لم يبْق لنا حَاجَة فِي تعْيين فَائِدَة بل نقطع بثبوتها) اي

الْفَائِدَة (فِي نفس الْأَمر علم عينهَا أَولا) يَعْنِي بعد الْقطع بثبوتها لَا نورث تقسيمكم الْمَذْكُور للفائدة وَنفي أقسامها شُبْهَة إِذْ هُوَ لَيْسَ بحاظر وَلَا مَا يُفِيد النَّفْي بقاطع فَلَيْسَ لكم مخلص إِلَّا منع الْعَقْلِيَّة، والبحث إِنَّمَا هُوَ بطرِيق التنزل وَتَسْلِيم الْعَقْلِيَّة (وَلَو منعُوا) أَي الأشاعرة (اتصاف الشُّكْر) بالْحسنِ (و) اتصاف (الكفران) بالقبح (لم تصر المسئلة على التنزل) وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض (وَكَذَا انْفِصَال الْمُعْتَزلَة) بِأَنَّهَا فِي الدُّنْيَا الخ تَابع لعقلية مَا فِي الْفِعْل (فَإِن دفع ضَرَر) خوف (الْعقَاب) الَّذِي هُوَ سَنَد منع انْتِفَاء الْفَائِدَة الدُّنْيَوِيَّة (إِنَّمَا يَصح) حَال كَونه (حَامِلا) للشاكر (على الْعَمَل) الَّذِي بِهِ يتَحَقَّق بِهِ الشُّكْر (وَهُوَ) أَي الْخَوْف أَو الْعَمَل الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ (بعد الْعلم بِالْوُجُوب) أَي وجوب الشُّكْر عقلا (بطريقه) أَي بطرِيق الْموصل إِلَى الْعلم بِالْوُجُوب حسن الشُّكْر الْمُقْتَضى تَركه الْقبْح (وَهُوَ) أَي طَرِيقه (الَّذِي فِيهِ الْكَلَام) أَي النزاع، فَدلَّ هَذَا الِانْفِصَال أَن الْبَحْث بطرِيق التنزل وَتَسْلِيم الْعَقْلِيَّة لما فِي الْفِعْل (وَتَسْلِيم لُزُوم الخطور) أَي خطور خوف الْعقَاب (ومعارضتهم) أَي الأشاعرة للمعتزلة (بِالتَّصَرُّفِ فِي ملك الْغَيْر) على مَا ذكر (إلزامي إِذْ اعْتَرَفُوا) أَي الأشاعرة (فِي المسئلة الثَّانِيَة) على مَا سَيَأْتِي (بِأَن حرمته) أَي التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر (لَيست عقلية) فالتحريم الَّذِي ادَّعَاهُ الأشاعرة فِي التَّصَرُّف الْمَذْكُور عِنْد الْمُعَارضَة على زعم الْمُعْتَزلَة فالبحث إلزامي، (وَأما) معارضتهم (بِأَنَّهُ) أَي شكر النِّعْمَة مجازاة (يشبه الِاسْتِهْزَاء فَيَقْضِي مِنْهُ) أَي من صنعهم (الْعجب) لغرابته وسخافته، كَيفَ وَيلْزم مِنْهُ انسداد بَاب الشُّكْر قبل الْبعْثَة وَبعدهَا على أَن مَا ذكر فِي وَجه شبه الِاسْتِهْزَاء كَلِمَات واهية (وَالْوَجْه فِيهِ) أَي فِي انْتِفَاء تعلق الحكم بِالْفِعْلِ قبل الْبعْثَة أَن يُقَال (لَا طَرِيق لِلْعَقْلِ إِلَى الحكم بحدوث مَا لم يكن إِلَّا بِالسَّمْعِ) أَي إِلَّا طَرِيق السّمع (أَو الْبَصَر وَالْفَرْض) أَي الْمَفْرُوض (انتفاؤهما) أَي السّمع وَالْبَصَر، إِذْ الْكَلَام فِيمَا قبل الْبعْثَة، وَلَا سمع إِذْ ذَاك (فِي) حق (تعلق حكمه) تَعَالَى بِالْفِعْلِ (ودرك مَا فِي الْفِعْل) من حسن وقبح (غير مُسْتَلْزم) تَكْلِيفه بِفعل أَو ترك (إِلَّا لَو كَانَ ترك تَكْلِيفه تَعَالَى يُوجب نَقصه تَعَالَى وَهُوَ) أَي إِيجَاب ترك التَّكْلِيف النَّقْص (مَمْنُوع) المسئلة (الثَّانِيَة: أَفعَال الْعباد الاختيارية مِمَّا لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْبَقَاء) تَقْيِيد للأفعال الاختيارية ويقابلها الاضطرارية وَهِي مَا لَا يُمكن الْبَقَاء بِدُونِهَا: كالتنفس فِي الْهَوَاء حَال كَونهَا وَاقعَة (قبل الْبعْثَة أَن أدْرك فِيهَا جِهَة محسنة أَو مقبحة فعلى مَا تقدم من التَّقْسِيم عِنْد الْمُعْتَزلَة) من أَن الْمدْرك إِمَّا حسن فعل بِحَيْثُ يقبح تَركه فَوَاجِب وَإِلَّا فمندوب أَو ترك على وزانه فَحَرَام ومكروه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يدْرك فِيهَا جِهَة محسنة وَلَا مقبحة (فَلهم) أَي للمعتزلة (فِيهَا) أَي الْأَفْعَال الاختيارية

ثَلَاثَة مَذَاهِب (الْإِبَاحَة) أَي عدم الْحَرج هُوَ قَول معتزلة الْبَصْرَة وَكثير من الشَّافِعِيَّة وَأكْثر الْحَنَفِيَّة قَالُوا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّد فِيمَن هدد بِالْقَتْلِ على أكل الْميتَة أَو شرب الْخمر فَلم يفعل حَتَّى قتل بقوله خفت أَن يكون إِثْمًا، لِأَن أكل الْميتَة وَشرب الْخمر لم يحرما إِلَّا بِالنَّهْي عَنْهُمَا فَجعل الْإِبَاحَة أصلا وَالْحُرْمَة بِعَارِض النَّهْي (والحظر) أَي الْحُرْمَة: وَهُوَ قَول معتزلة بَغْدَاد وَبَعض الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (وَالْوَقْف) وَهُوَ قَول بعض الْحَنَفِيَّة مِنْهُم أَبُو مَنْصُور الماتريدي وَصَاحب الْهِدَايَة وَعَامة أهل الحَدِيث وَنقل عَن الأشعرية (و) يُقَال (على الْأَوَّلين) الْإِبَاحَة والحظر (إِن الحكم بتعلق) حكم (معِين) بِفعل عقلا (فرع معرفَة حَال الْفِعْل) ليعلم أَنه هَل فِيهِ جِهَة محسنة أَو مقبحة على مَا تقدم من التَّقْسِيم أَولا، فَإِذا علم أَنه لَيْسَ فِيهِ شَيْء من ذَلِك حكم بعد ذَلِك الْمُبِيح بِالْإِبَاحَةِ والحاظر بالحظر (فَإِذا قَالَ الْمُبِيح بِنَاء على منع الْحصْر) يَعْنِي إِذا قَالَ لَيْسَ فِيهِ شَيْء من تِلْكَ الْجِهَات فَهُوَ مُبَاح فَمنع الْخصم الْحصْر فِي تِلْكَ الْجِهَات فالإباحة لجَوَاز الْحَظْر، قَالَ الْمُبِيح بِنَاء على هَذَا الْمَنْع (خلق) الله (العَبْد و) خلق (مَا يَنْفَعهُ) من الْأَفْعَال (فَمَنعه) من هَذَا الْفِعْل (و) الْحَال أَنه (لَا ضَرَر) فِي هَذَا الْفِعْل: إِذْ الْمَفْرُوض أَنه لَيْسَ فِيهِ جِهَة مقبحة (إخلال بفائدته) أَي خلقهما (وَهُوَ) أَي الْإِخْلَال (الْعَبَث) أَي ملزوم الْعَبَث وَهُوَ الْخلق بِلَا فَائِدَة (فمراده) أَي الْمُبِيح (وَهُوَ) أَي والعبث (نقيصة تمْتَنع عَلَيْهِ تَعَالَى) يَعْنِي هَذِه الْمُقدمَة مطوية منوية فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال (والحاظر) يَعْنِي إِذا قَالَ الحاظر بِنَاء على منع الْحصْر فِي تِلْكَ الْجِهَات والحظر لجَوَاز الْإِبَاحَة لَا سَبِيل إِلَيْهَا لِأَنَّهُ (تصرف فِي ملك الْغَيْر فمراده) أَي الحاظر أَن التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر (يحْتَمل الْمَنْع) وَإِن لم يتَعَيَّن (فالاحتياط الْعقلِيّ مَنعه) أَي العَبْد، إِذْ على تَقْدِير عدم التَّصَرُّف لَا يلْزم مَحْذُور، وعَلى تَقْدِير التَّصَرُّف يحْتَمل لُزُومه، وَالْعقل يحكم بترك مَا يحْتَمل الْمَحْذُور إِلَى مَا لَا يحْتَملهُ (فَانْدفع) بِهَذَا التَّقْرِير (مَا قيل على) دَلِيل (الْحَظْر) من منع بطلَان التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر مُسْتَندا (بِأَن من ملك بحرا لَا ينفذ واتصف بغاية الْجُود، كَيفَ يدْرك الْعقل عُقُوبَته عَبده بِأخذ قدر سمسمة مِنْهُ) أَي الْبَحْر (لِأَنَّهُ) أَي الحاظر (لم يبن الْحَظْر على دَرك) الْعقل (ذَلِك) الْمَنْع (بل على احْتِمَاله) أَي مَنعه بِاعْتِبَار (أَنه تصرف فِي ملك الْملك بِلَا إِذْنه فيحتاط بِمَنْعه، و) انْدفع أَيْضا (منع أَن حُرْمَة التَّصَرُّف عَقْلِي بل سَمْعِي، وَلَو سلم) أَنه عَقْلِي (فَفِي حق من يتَضَرَّر) بذلك، وَالله سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك (وَلَو سلم) أَن التَّصَرُّف فِي حق كل مَالك مَمْنُوع عقلا (فمعارض بِمَا فِي الْمَنْع من الضَّرَر الناجز، وَدفعه) أَي الضَّرَر الناجز (عَن النَّفس وَاجِب عقلا وَلَيْسَ تَركه) أَي الْفِعْل (لدفع ضَرَر خوف الْعقَاب) الْحَاصِل من التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر (أولى من الْفِعْل) المستلزم لدفع الضَّرَر الناجز بل بِاعْتِبَار العاجل أولى (مَعَ

مَا فِي هَذَا الْجَواب من كَونه) أَي الْمَذْكُور (غير مَحل النزاع فَإِنَّهُ) أَي النزاع إِنَّمَا هُوَ (فِي نَحْو أكل الْفَاكِهَة مِمَّا لَا ضَرَر فِي تَركه) كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي أول المسئلة بقوله: مِمَّا لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْبَقَاء (وَمَا على الْإِبَاحَة) واندفع أَيْضا مَا ورد عَلَيْهَا (من أَنه أَن أُرِيد) بهَا أَنه (لَا حرج عقلا فِي الْفِعْل وَالتّرْك فَمُسلم) لَكِن لَا يثبت بِهِ حكم الله بِرَفْع الْحَرج (أَو) أُرِيد بهَا (خطاب الشَّارِع بِهِ) أَي بِأَنَّهُ لَا حرج فِي الْفِعْل وَالتّرْك (فَلَا شرع حِينَئِذٍ) إِذْ الْمَفْرُوض أَنه لَيْسَ هَهُنَا جِهَة محسنة وَلَا مقبحة وَلَا سمع (أَو) أُرِيد بهَا (حكم الْعقل بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ مُبَاحا (فالفرض أَنه) أَي الْعقل (لَا حكم) فِيهِ (لَهُ بِحسن وَلَا قبح) وَإِنَّمَا انْدفع مَا ذكر على الْإِبَاحَة (إِذْ يختارون) أَي المبيحون (هَذَا) الشق الْأَخير (بملجئ) أَي بِسَبَب مَا يلجئهم إِلَى اخْتِيَاره وَهُوَ (لُزُوم الْعَبَث) على تَقْدِير الْمَنْع، وَعدم الْإِبَاحَة على مَا سبق (وَأما دَفعه) أَي دَلِيل الْمُبِيح الْمَذْكُور (بِمَنْع قبح فعل لَا فَائِدَة لَهُ) أَي لذَلِك الْفِعْل (بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى فيخرجه) أَي هَذَا الْكَلَام (عَن التنزل) أَي كَونه بحثا بطرِيق التنزل وَتَسْلِيم كَون الْحسن والقبح عقليا والمفروض خِلَافه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَنَّهُ) أَي التنزل (دَفعه) أَي يدْفع الحضم كَلَام الْمُعْتَزلَة (على تَسْلِيم قَاعِدَة الْحسن والقبح، نعم يدْفع) دَلِيل الْمُبِيح (بِمَنْع الْإِخْلَال) لفائدة الْخلق على تَقْدِير الْمَنْع مِنْهُ (إِذْ أرَاهُ) أَي العَبْد (قدرته) تَعَالَى (على إيجاده مُحَققَة) قَيده بقوله مُحَققَة لِأَنَّهُ تَعَالَى قد أرَاهُ قدرته مُمكنَة بِخلق أَمْثَاله (مَعَ احْتِمَال غَيره) أَي غير مَا ذكر من فَوَائِد أُخْرَى (مِمَّا) قد (يقصر) الْعقل (عَن دركه) فَلَا يحكم بالإخلال على تَقْدِير الْمَنْع (و) أَيْضا يدْفع (الحاظر) أَي دَلِيله بِأَنَّهُ (لَا يثبت حكم الحكم الأخروي) الحكم الأخروي خطابه الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف المستتبع الثَّوَاب وَالْعِقَاب فِي الْآخِرَة، وَالْحكم الْمُضَاف إِلَيْهِ أَن يحكم الْعقل (بِثُبُوتِهِ فِي نفس الْأَمر) يَعْنِي ثُبُوت الْخطاب الْمَذْكُور فِي نفس الْأَمر لَا يكون سَببا لِأَن يحكم الْعقل بِثُبُوتِهِ. هَذَا، وَيحْتَمل أَن تكون الْبَاء فِي بِثُبُوتِهِ صلَة الحكم الأول: يَعْنِي لَا يثبت حكم الْعقل على الْخطاب الْمَذْكُور بِثُبُوتِهِ فِي نفس الْأَمر (قبل إِظْهَاره للمكلفين) ظرف لَا يثبت: أَي قبل إِظْهَار الله إِيَّاه لَهُم بطرِيق السّمع ووساطة الرَّسُول (فَكيف يثبت (باحتماله) أَي بِمُجَرَّد احْتِمَال ثُبُوته فِي نفس الْأَمر (و) الْحَال أَنه (لَا خوف) على العَبْد (ليحتاط) إِذْ الْخَوْف بعد الْعلم بِالْوُجُوب أَو الْحُرْمَة، وَلَيْسَ هَهُنَا علم بِجِهَة حسن أَو قبح حَتَّى يعلم أَحدهمَا (وَأما الْوَقْف) الَّذِي هُوَ الْمَذْهَب الثَّالِث (ففسر بِعَدَمِ الحكم) أَي بِعَدَمِ حكم الله بِشَيْء من الْأَحْكَام لعدم إِدْرَاك الْعقل شَيْئا من الْجِهَات الْمَذْكُورَة وَهُوَ مَنْقُول عَن طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة (وَلَيْسَ) هَذَا (بِهِ) أَي بِالْوَقْفِ لِأَنَّهُ قطع بِعَدَمِ الحكم لَا وقف عَنهُ (و) فسر أَيْضا (بِعَدَمِ الْعلم بِخُصُوصِهِ) أَي الحكم (فيقل عَن كَانَ) عدم الْعلم بِخُصُوصِهِ

(للتعارض) بَين الْأَدِلَّة الدَّالَّة على ثُبُوت الْأَحْكَام قبل الْبعْثَة والأدلة الدَّالَّة على عدم ثُبُوتهَا قبلهَا (ففاسد لأَنا بَينا بُطْلَانهَا) أَي بطلَان الْأَدِلَّة الدَّالَّة على ثُبُوتهَا قبلهَا، وَيرد عَلَيْهِ أَنه يلْزم حِينَئِذٍ التَّوَقُّف عَن الحكم مُطلقًا لَا عَن الحكم الْخَاص، فَالْوَجْه أَن يُقَال المُرَاد التَّعَارُض بَين دَلِيل الْمُبِيح والحاظر، فَإِن المُصَنّف قد بَين بطلَان كل مِنْهُمَا (أَو لعدم الشَّرْع) حِينَئِذٍ، وَالْفَرْض أَن الْعقل لَا يسْتَقلّ بإدراكه كَمَا ذكره بعض أَصْحَابنَا (فَمُسلم) وَهُوَ مَذْهَبنَا (والحصر) الْمُسْتَفَاد من ذكر التَّعَارُض دون غَيره (فِي) الشق (الأول) من شقي الترديد، وَهُوَ عدم الْعلم بِخُصُوص الحكم لَا لعدم الشَّرْع (مَمْنُوع بل) قد يكون (لعدم الدَّلِيل على خُصُوص الحكم) فَعدم الْعلم بِخُصُوص الحكم لعدم الدَّلِيل عَلَيْهِ، فالتوقف لأَجله، لَا للتعارض (فَإِن قلت هَذِه الْمذَاهب) الْمَذْكُورَة (توجب) حَال كَونهَا (من الْمُعْتَزلَة كَون الحكم لَيْسَ من قبيل الْكَلَام اللَّفْظِيّ إِذْ لَا تحقق لَهُ) أَي الْكَلَام اللَّفْظِيّ (إِلَّا بعد الْبعْثَة، وَلَا نَفسِي) فِي الْكَلَام (عِنْدهم) وَلَا يخفى أَن الْمَفْهُوم من قَوْله هَذِه الْمذَاهب الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة مَذْهَب الْإِبَاحَة والحظر والتوقف، والإيجاب الْمَذْكُور إِنَّمَا يَتَرَتَّب على إِثْبَات الحكم قبل الْبعْثَة سَوَاء كَانَت هَذِه الْمذَاهب أَو لم تكن، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال بَيَان الْمذَاهب الثَّلَاثَة من غير ذكر مَذْهَب رَابِع يدل على الْأَمريْنِ أَحدهمَا انحصار الْمُعْتَزلَة فِي أَصْحَاب هَذِه الْمذَاهب، وَالثَّانِي اسْتِيعَاب الْعقل الْأَحْكَام كلهَا فَيلْزم إِثْبَات الْكَلَام النَّفْسِيّ على جَمِيع الْمُعْتَزلَة بِاعْتِبَار جَمِيع الْأَحْكَام فَالْجَوَاب منع توقفه) أَي الْكَلَام اللَّفْظِيّ (عَلَيْهَا) أَي الْبعْثَة (لجَوَاز تقدمه) أَي الْكَلَام اللَّفْظِيّ (عَلَيْهَا) أَي الْبعْثَة (كخطاباته للْمَلَائكَة وآدَم) فَإِن قلت هَذَا يدل على وجود الْكَلَام اللَّفْظِيّ فِي الْجُمْلَة قبل الْبعْثَة، لَا على وجود الْكَلَام اللَّفْظِيّ الْوَاقِع حكما قلت الْمَقْصد من هَذَا منع مقدّمته الَّتِي يتَوَقَّف عَلَيْهَا الدَّلِيل وَهُوَ قَوْله إِذْ لَا تحقق لَهُ فَتَأمل هَذَا (وَنقل عَن الْأَشْعَرِيّ الْوَقْف أَيْضا على الْخلاف فِي تَفْسِيره) أَي الْوَقْف كَمَا تقدم (وَالصَّوَاب) أَن المُرَاد بِهِ التَّفْسِير (الثَّانِي) أَي عدم الْعلم بِخُصُوص الحكم (لعدم الحكم عِنْده) أَي الْأَشْعَرِيّ (أَي فِيهَا) أَي فِي الْأَفْعَال (حكم لَا يدْرِي مَا هُوَ) أَي ذَلِك الحكم (إِلَّا فِي) زمَان (الْبعْثَة) فَإِنَّهُ يدْرِي حِينَئِذٍ بِالشَّرْعِ (لِأَنَّهُ) أَي الحكم حِينَئِذٍ (يتَعَلَّق) بالأفعال (فيعلمه) حِينَئِذٍ الْمُكَلف (و) لَا يخفى أَن (مَحل وقف الْأَشْعَرِيّ غَيره) أَي غير وقف الْمُعْتَزلَة (لِأَنَّهُ) أَي الْوَقْف (عِنْدهم) على التَّفْسِير الثَّانِي (حِينَئِذٍ عَن الحكم الْمُتَعَلّق) بالأفعال (وَلَا يتَصَوَّر) وجود تعلق الحكم (عِنْده) أى الأشعرى (قبل الْبعْثَة فحاصلة) أَي كَلَام الْأَشْعَرِيّ (إِثْبَات قدم الْكَلَام) المندرج تَحْتَهُ الْخطاب الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف (والتوقف فِيمَا) أَي فِي الْخطاب الَّذِي (سَيظْهر تعلقه) التنجيزي بِالْفِعْلِ (وَهَذَا) الْمَذْكُور من قدم الْكَلَام والتوقف فِيمَا ذكر (مَعْلُوم من كل ناف للتعلق) التنجيزي (قبل الْبعْثَة)

بِخِلَاف من أثبت قدمه وَلم ينف تعلقه قبلهَا (فَلَا وَجه لتخصيصه) أَي هَذَا التَّوَقُّف (بِهِ) أَي بالأشعري (كَمَا لَا وَجه لإثباتهم) أَي الْمُعْتَزلَة (تعلقه) أَي الحكم بالأفعال قبل الْبعْثَة (مَعَ فرض عدم علمه) أَي الْمُكَلف بِهِ (مَعَ أَنه) أَي الحكم (حِينَئِذٍ) أَي حِين يكون مُتَعَلقا بِهِ وَلَا يُعلمهُ المكلفون (لَا يثبت) الحكم (فِي حق الْمُكَلّفين) إِذْ ثُبُوته فِي حَقهم حِينَئِذٍ تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق، وَأَيْضًا يلْزمه التعذيب، وَقَالَ - {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} - (بل الثُّبُوت) أَي ثُبُوت الحكم فِي حَقهم (مَعَ التَّعَلُّق) أَي مَعَ تعلق الحكم بِأَفْعَال الْمُكَلّفين لَا يُفَارق أَحدهمَا الآخر، فَلَا وَجه لإِثْبَات التَّعَلُّق بِدُونِ الثُّبُوت فِي حَقهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يثبت التَّعَلُّق بِدُونِ الثُّبُوت فِي حَقهم (فَلَا فَائِدَة للتعلق) لانحصار فَائِدَته فِي الثُّبُوت فِي حَقهم (وَلَو قَالُوهُ) أَي الْمُعْتَزلَة لوقف (كالأشعري) أَي كوقف الْأَشْعَرِيّ بإثباتهم خطابا لفظيا مَوْقُوفا تعلقه على الْبعْثَة والسمع (كَانَ) مِنْهُم على أصولهم قولا (بِلَا دَلِيل إِذْ لَا دَلِيل على ثُبُوت لفظ فِيهِ) أَي فِي الحكم قبل الْبعْثَة (أصلا بِخِلَاف الْأَشْعَرِيّ) فَإِنَّهُ قَائِل بِأَنَّهُ (وَجب ثُبُوت) الْكَلَام (النَّفْسِيّ أَولا) لما قَامَ عَلَيْهِ من الدَّلِيل على قدم الْكَلَام، وَكَونه لَيْسَ من قبيل الْحَرْف وَالصَّوْت إِلَى غير ذَلِك ثمَّ ترَتّب عَلَيْهِ التَّوَقُّف الْمَذْكُور (وَأما الْخلاف الْمَنْقُول بَين أهل السّنة) وَالْجَمَاعَة، وَهُوَ (أَن الأَصْل فِي الْأَفْعَال الْإِبَاحَة أَو الْحَظْر فَقيل) اثباتهما (بعد الشَّرْع بالأدلة السمعية: أى دلّت) الْأَدِلَّة السمعية (على ذَلِك) الْخلاف بِأَن دلّ بَعْضهَا على الْإِبَاحَة وَبَعضهَا على الْحَظْر، فَكل من الْفَرِيقَيْنِ تمسك بِمَا ترجح لَهُ (وَالْحق أَن ثُبُوت هَذَا الْخلاف مُشكل، لِأَن السمعي لَو دلّ على ثُبُوت الْإِبَاحَة أَو التَّحْرِيم قبل الْبعْثَة) ظرف للثبوت لَا للدلالة لِأَنَّهَا فرع وجود السمعي الْمُتَأَخر عَن الْبعْثَة، فالمسمعي الْحَادِث بعد الْبعْثَة يدل على كَونهمَا ثابتين قبلهَا (بَطل قَوْلهم لَا حكم قبلهَا) إِذْ السّمع دلّ على ثُبُوت الْإِبَاحَة والحظر اللَّذين هما حكمان، وَقد يُقَال حَاصِل هَذَا التَّعْلِيل بطلَان دلَالَة السمعي على ثبوتهما قبل الْبعْثَة، لَا بطلَان دلَالَته على ثبوتهما بعْدهَا، وَإِثْبَات إِشْكَال الْخلاف مَوْقُوف على البطلانين جَمِيعًا فَتَأمل (فَإِن أمكن فِي الْإِبَاحَة تَأْوِيله) أَي قَوْلهم لَا حكم قبلهَا (بِأَن لَا مُؤَاخذَة بِالْفِعْلِ وَالتّرْك فمعلوم) أَي فَعدم الْمُؤَاخَذَة مَعْلُوم (من عدم التَّعَلُّق) أَي تعلق الحكم بِالْفِعْلِ فَلَا حَاجَة إِلَى ذكره (ثمَّ لَا يَتَأَتَّى) التَّأْوِيل الْمَذْكُور (فِي قَول الْحَظْر) للمؤاخذة فِيهِ على التّرْك (وَلَو أَرَادوا) بالحكم الْمُثبت قبل الْبعْثَة (حكما) أَي خطابا نفسيا (بِلَا تعلق) بِفعل الْمُكَلف (بِمَعْنى قدم الْكَلَام) أَي الْكَلَام الْقَدِيم كَمَا هُوَ الْمُخْتَار (لم يتَّجه) أَي فَهُوَ غير موجه (إِذْ بالتعلق ظهر أَن لَيْسَ كل) الْأَفْعَال مُبَاحَة وَلَا محظورة فِي كَلَام النَّفس) فَإِن التَّعَلُّق الْحَادِث بعد الْبعْثَة إِنَّمَا يظْهر لنا مَا كَانَ

مندرجا إِجْمَالا لافي الْكَلَام النَّفْسِيّ الْقَدِيم (لِأَن) الْكَلَام (اللَّفْظِيّ) الَّذِي مَعَه التَّعَلُّق الْمَذْكُور (دَلِيله) أَي النَّفْسِيّ فَكيف تكون الْأَفْعَال كلهَا قبل الْبعْثَة مُبَاحَة أَو محظورة (وَمَا يشْعر بِهِ قَول بَعضهم أَن هَذَا) أَي القَوْل بِالْإِبَاحَةِ أَو الْحَظْر قبل الْبعْثَة مَبْنِيّ (على التنزل من الأشاعرة) مَعَ الْخصم: أَعنِي الْمُعْتَزلَة بِمَعْنى أَنه لَو فرض أَن لِلْعَقْلِ أَن يثبت حكما قبل الْبعْثَة كَانَ ذَلِك إِبَاحَة أَو حظرا (جيد) خبر الْمَوْصُول مُقَيّدا بقوله (لَو لم يظْهر من كَلَامهم أَنه) أَي مَا ذكر فِي هَذِه الخلافية (أَقْوَال مقررة) فِيمَا بَينهم لِأَنَّهَا أبحاث على طَرِيق التنزل (وَالْمُخْتَار أَن الأَصْل الْإِبَاحَة عِنْد جُمْهُور الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة، وَلَقَد استبعده) أَي كَون الأَصْل الْإِبَاحَة بِمَعْنى عدم الْمُؤَاخَذَة بِالْفِعْلِ وَالتّرْك (فَخر الْإِسْلَام قَالَ: لَا نقُول بِهَذَا لِأَن النَّاس لم يتْركُوا سدى) أَي مهملين غير مكلفين (فِي شَيْء من الزَّمَان) لقَوْله تَعَالَى - {وَإِن من أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} - (وَإِنَّمَا هَذَا) أَي كَون الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (بِنَاء على زمَان الفترة لاخْتِلَاف الشَّرَائِع) الْمُوجب تَفْرِقَة البال وصعوبة الضَّبْط (وَوُقُوع التحريفات) فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالعقيدة وَالْعَمَل (فَلم يبْق الِاعْتِقَاد) للاختلال فِي الضَّبْط والتحريف (و) لم يبْق (الوثوق) أَي الِاعْتِمَاد (على شَيْء من الشَّرَائِع) اعتقادا كَانَ أَو عملا (فظهرت الْإِبَاحَة بِمَعْنى عدم الْعقَاب على الْإِتْيَان بِمَا) أَي بِفعل (لم يُوجد لَهُ محرم وَلَا مُبِيح) مَعْلُوم للمكلفين فَإِن قلت على هَذَا لزم ترك النَّاس فِي بعض الْأَزْمِنَة وَهُوَ مُخَالف لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة قلت الْآيَة تدل على عدم خلو الْأُمَم من النذير، وزمان الفترة لَا يطول بِحَيْثُ تنقرض تِلْكَ الْأمة، بل يدركهم النذير قبل الانقراض بَعْدَمَا يمْضِي عَلَيْهِم بُرْهَة من الزَّمَان المندرس فِيهَا آثَار النُّبُوَّة كَمَا يدل عَلَيْهِ حِكَايَة سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ أدْرك أشخاصا بِدِمَشْق ونصيبين وَغَيرهمَا كَانُوا على الْحق حَتَّى انقرض آخِرهم، وَقد أخبرهُ بِأَن النَّبِي الْمَوْعُود بَعثه فِي آخر الزَّمَان قرب وقته جدا فَتوجه إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة بإشارته فَأدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مكثه بهَا قَلِيلا، فزمان الفترة مُسْتَثْنى من عُمُوم قَول فَخر الْإِسْلَام لم يتْركُوا فِي شَيْء من الزَّمَان، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَحَاصِله) أَي مَا قَالَه فَخر الْإِسْلَام (تَقْيِيده) أَي فَخر الْإِسْلَام (ذَلِك) أَي بِكَوْن الأَصْل الْإِبَاحَة (بِزَمَان عدم الوثوق) هَذَا وَنقل الْبَيْضَاوِيّ أَن من يَقُول الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة يَعْنِي فِي الْمَنَافِع، وَأما فِي المضار فَالْأَصْل فِيهَا التَّحْرِيم، وَقَالَ الأسنوي: هَذَا بعد وُرُود الشَّرْع بِمُقْتَضى أدلته، وَأما قبله فالمختار الْوَقْف، وَفِي أصُول الْبَزْدَوِيّ بعد وُرُود الشَّرْع الْأَمْوَال على الْإِبَاحَة بِالْإِجْمَاع مَا لم يظْهر دَلِيل الْحُرْمَة لِأَن الله تَعَالَى أَبَاحَهَا بقوله - {خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} -. (تَنْبِيه: بعد إِثْبَات الْحَنَفِيَّة اتصاف الْأَفْعَال) بالْحسنِ والقبح (لذاتها) بِالْمَعْنَى الَّذِي سبق

ذكره سَوَاء كَانَ لعينها أَو لجزئها (وَغَيرهَا) أَي لِمَعْنى ثَبت فِي غير ذَاتهَا (ضبطوا متعلقات أوَامِر الشَّارِع مِنْهَا) أَي الْأَفْعَال فِي الْأَرْبَعَة أَقسَام (بالاستقراء) مُتَعَلق بالضبط منحصرا (فِيمَا) أَي فِي فعل مُتَعَلق أَمر (حسن لنَفسِهِ حسنا لَا يقبل) ذَلِك الْحسن (السُّقُوط) فَلَا يسْقط حكمه الَّذِي هُوَ الْوُجُوب (كالإيمان) أَي التَّصْدِيق على مَا عرف فِي مَحَله فَإِن حسنه كَذَلِك (فَلم يسْقط) بِسَبَب من الْأَسْبَاب غير الْإِكْرَاه (وَلَا بِالْإِكْرَاهِ) أَو هُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام تَأْكِيدًا للْعُمُوم لكَون الْخَاص بِحَيْثُ يلْزم من حكمه حكم مَا سواهُ بِالطَّرِيقِ الأولي (أَو) حسنا (يقبله) أَي السُّقُوط. قَالَ الشَّارِح: وَالْأَحْسَن ويقبله انْتهى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَال الْحصْر فِي هَذَا وَهَذَا، لَا فِي هَذَا أَو هَذَا قلت وَقد يُقَال فِي هَذَا وَهَذَا ليفاد بِأَو التريدية المستعملة فِي التقسيمات التَّنْصِيص على كَون الْقِسْمَة حاصرة، وَيصِح أَن يُقَال هَذَا منحصر فِي أحد هَذِه الْأُمُور: يَعْنِي لَا يتَجَاوَز عَنهُ (كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا حسنت لنَفسهَا لكَونهَا مُشْتَمِلَة على طَهَارَة الظَّاهِر وَالْبَاطِن وَجمع الهمة وإخلاء السِّرّ عَمَّا سوى الله كَمَا يشار إِلَيْهِ بِرَفْع الْيَدَيْنِ بنبذ مَا سواهُ وَرَاء ظَهره وَالتَّكْبِير الْبَالِغ فِي التَّعْظِيم وَالثنَاء الْغَيْر المشوب بِذكر مَا سواهُ ثمَّ الْمقَام فِي مقَام الْعُبُودِيَّة ثمَّ الرُّكُوع الدَّال على الخضوع، ثمَّ السُّجُود بِوَضْع أشرف الْأَعْضَاء على أذلّ العناصر: وَهُوَ التُّرَاب إِظْهَارًا لغاية التَّعْظِيم الْفعْلِيّ، وَمَا فِيهَا من تِلَاوَة الْقُرْآن وَالتَّكْبِير وَالتَّسْبِيح إِلَى غير ذَلِك إِلَّا أَنَّهَا (منعت فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة) عِنْد طُلُوع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع واستوائها وغروبها على الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الْفِقْه لما دلّ عَلَيْهِ من السّنة وَالْإِجْمَاع، وَسَقَطت أَيْضا بِالْحيضِ وَالنّفاس إِجْمَاعًا (وَالْوَجْه) أَن يُقَال إِن كَانَ حسن الْأَفْعَال (لذاتها لَا يتَخَلَّف) عَنْهَا أصلا لِأَن مَا بِالذَّاتِ لَا يَزُول بِالْغَيْر (فحرمتها) أَي الْأَفْعَال الْحَسَنَة لذاتها حَيْثُ تكون إِنَّمَا تكون (لعروض قبح بِخَارِج) عَن ذَاتهَا عَلَيْهَا، فَحسن الصَّلَاة لَا يفارقها وَلَا فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة، وَإِنَّمَا منعت فِيهَا لعروض شبه فاعلها بالكفار عَبدة الشَّمْس فِي تِلْكَ الْأَوْقَات، وَفِي قَوْله فحرمتها الخ إِشَارَة إِلَى أَنه يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: إِذْ من الْمَعْلُوم أَن الْعَارِض الْمَذْكُور إِنَّمَا يعرض فِي بعض أَفْرَاده (وَمَا هُوَ مُلْحق بِهِ) أَي بالْحسنِ لذاته (مَا) أَي فعل حسن (لغيره) أَي لغير ذَات الْفِعْل حَال كَون ذَلِك الْغَيْر (بخلقه تَعَالَى لَا اخْتِيَار للْعَبد فِيهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْم وَالْحج) فَإِن حسنها (لسد الْخلَّة) أَي دفع حَاجَة الْفَقِير إِلَى الزَّكَاة (وقهر عدوه تَعَالَى) وَهُوَ النَّفس الأمارة بالسوء بكفها عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع فِي الصَّوْم (وَشرف الْمَكَان) أَي الْبَيْت الشريف بزيارته وتعظيمه فَإِن شرفه بتشريف الله تَعَالَى إِيَّاه لَا اخْتِيَار للْعَبد فِيهِ وَلَا يخفى أَن إِخْرَاج المَال الَّذِي هُوَ قوام الْمَعيشَة وَقطع الْمسَافَة الْبَعِيدَة وزيارة أمكنة مُعينَة وَترك الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع لَا حسن لَهَا فِي

حد ذَاتهَا، بل حسنها لأمور مُغَايرَة للذات: وَهِي السد والقهر والسرف وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا بِاخْتِيَار العَبْد، وَلَوْلَا دفع الله الْحَاجة مَا اندفعت، وَلَوْلَا جعله النَّفس مغلوبة مَا انقهرت وَلَوْلَا تشريفه الْبَيْت مَا تشرف، فَلم يحصل الْحسن فِي الْمَذْكُورَات، إِلَّا بِأُمُور خلقهَا الله تَعَالَى من غير اخْتِيَار للْعَبد فِيهَا وَإِنَّمَا ألحق هَذَا الْقسم بالْحسنِ لذاته لكَون الوسائط فِيهِ مُضَافَة إِلَى الله تَعَالَى سَاقِطَة الِاعْتِبَار بِالنِّسْبَةِ إِلَى العَبْد فِي منشأ حسنه، بِخِلَاف الْقسم الرَّابِع فَإِن الوسائط فه لَيست كَذَلِك، بل بِاخْتِيَار العَبْد كَمَا سَيَجِيءُ (وَمَا) حسن (لغيره) أَي لغير ذَات الْفِعْل حَال كَونه (غير مُلْحق) بِمَا حسن لذاته (كالجهاد، وَالْحَد، وَصَلَاة الْجِنَازَة) فَإِن حسن الْجِهَاد (بِوَاسِطَة الْكفْر) وإعلاء كلمة الله، فلولا كفر الْكَافِر وَمَا يتبعهُ من الإعلاء مَا حسن الْقِتَال (و) حسن الْحَد بِوَاسِطَة (الزّجر) للجاني عَن الْمعاصِي (و) حسن صَلَاة الْجِنَازَة بِوَاسِطَة (الْمَيِّت الْمُسلم غير الْبَاغِي) ويندرج فِيهِ قَاطع الطَّرِيق، وَلَو لم يكن الْمَيِّت مُسلما غير بَاغ مَا حسن الصَّلَاة عَلَيْهِ، وَهُوَ بَين يَدَيْهِ وَإِنَّمَا (اعْتبرت الوسائط) فِي هَذَا الْقسم مُضَافَة إِلَى العَبْد غير مُضَافَة إِلَى الله تَعَالَى ليلحق بالْحسنِ لذاته (لِأَنَّهَا) أَي الوسائط (بِاخْتِيَارِهِ) أَي العَبْد المتصف بهَا، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الوسائط لم تعْتَبر فِي الْقسم الثَّالِث، وَجعل حسنها كَأَنَّهُ ذاتي كَمَا يدل عَلَيْهِ الْإِلْحَاق بالْحسنِ لذاته، وَإِنَّمَا اخْتَار الْوَجْه الْمَذْكُور فِي التَّقْسِيم على الأول لكَونه موهما لكَون الْحسن لذاته قَابلا لسُقُوط حسنه وتخلفه عَنهُ وَإِن حسن الصَّلَاة يفارقها فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة، وَلَيْسَ كَذَلِك ولكونه قاصرا على التَّفْصِيل الْمَذْكُور فِي هَذَا الْوَجْه (وَتَقَدَّمت أَقسَام) الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ (متعلقات النَّهْي) عَنهُ مَا بَين حسي وشرعي وَبَيَان المتصف مِنْهَا بالقبح لذاته أَو لغيره (وَكلهَا) أَي متعلقات أوَامِر الشَّرْع ونواهيه (يلْزمه حسن اشْتِرَاط الْقُدْرَة) لِأَن تَكْلِيف الْعَاجِز قَبِيح وَتقدم أَقسَام الْقُدْرَة إِلَى مُمكنَة وميسره عِنْد مَشَايِخنَا (وقسموا) أَي الْحَنَفِيَّة (متعلقات الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة (مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَت عبادات أَو عقوبات أَو غَيرهمَا (إِلَى حَقه تَعَالَى على الخلوص) قَالُوا وَهُوَ مَا يتَعَلَّق بِهِ النَّفْع الْعَام من غير اخْتِصَاص بِأحد، نسب إِلَى الله تَعَالَى لعظم خطره وشمول نَفعه كَحُرْمَةِ الْبَيْت، وَحُرْمَة الزِّنَا (و) إِلَى حق (العَبْد كَذَلِك) أَي على الخلوص، وَهُوَ مَا يتَعَلَّق بِهِ مصلحَة خَاصَّة كَحُرْمَةِ مَال الْغَيْر، وَلذَا يُبَاح إِبَاحَة مَالِكه، وَلَا يُبَاح الزِّنَا بِإِبَاحَة الْمَرْأَة وَلَا بِإِبَاحَة أَهلهَا قيل وَيرد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج، وَالْحق أَن يُقَال يَعْنِي بِحَق الله مَا يكون الْمُسْتَحق هُوَ الله، وبحق العَبْد مَا يكون الْمُسْتَحق هُوَ العَبْد، وَيرد حُرْمَة مَال الْغَيْر مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ النَّفْع الْعَام، وَهُوَ صِيَانة أَمْوَال النَّاس، وَأجِيب بِأَنَّهَا لم تشرع لصيانة أَمْوَال النَّاس أجمع (وَمَا اجْتمعَا) أَي الحقان فِيهِ (وَحقه) تَعَالَى (غَالب وَقَلبه) أَي وَمَا اجْتمعَا فِيهِ وَحقّ العَبْد غَالب

(وَلم يُوجد الاستقراء متساويين) أَي مَا اجْتمعَا فِيهِ وهما سَوَاء لَيْسَ أَحدهمَا غَالِبا على الآخر، وَقَوله وَلم يُوجد إِمَّا على صِيغَة الْمَعْلُوم والاستقراء فَاعله، ومتساويين بَين مَفْعُوله، والإسناد الْمجَازِي: إِذْ الاستقراء سَبَب للْعلم بالمساواة، أَو على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمرَاد بالاستقراء: أَي المستقر لم يُوجد الحقان اللَّذَان تعلق بهما الاستقراء حَال كَونهمَا متساويين فِي مُتَعَلق الحكم (فَالْأول) أَي مَا هُوَ حق الله تَعَالَى على الخلوص (أَقسَام) ثَمَانِيَة بالاستقراء (عبادات مَحْضَة كالإيمان والأركان) الْأَرْبَعَة لِلْإِسْلَامِ وَهِي الصَّلَاة، ثمَّ الزَّكَاة، ثمَّ الصّيام، ثمَّ الْحَج (ثمَّ الْعمرَة، وَالْجهَاد، وَالِاعْتِكَاف وترتيبها) أَي هَذِه الْعِبَادَات (فِي الأشرفية هَكَذَا) أَي على طبق التَّرْتِيب الَّذِي ذكر هَهُنَا أما أشرفية الْإِيمَان مُطلقًا فَلِأَنَّهُ الأَصْل، وَلَا صِحَة لشَيْء مِنْهَا بِدُونِهِ، ثمَّ الصَّلَاة حَيْثُ سَمَّاهَا الله إِيمَانًا فِي قَوْله - {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} -، وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " بَين الرجل وَبَين الشّرك وَالْكفْر ترك الصَّلَاة ". وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود " قلت يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ الصَّلَاة على ميقاتها إِلَى غير ذَلِك، وَفِي إِظْهَار شكر نعْمَة الْبدن، ثمَّ الزَّكَاة لِأَنَّهَا تالية الصَّلَاة فِي الْكتاب وَالسّنة، وفيهَا إِظْهَار شكر نعْمَة المَال الَّذِي هُوَ شَقِيق الرّوح، ثمَّ الصَّوْم لِأَنَّهُ لقهر النَّفس ورياضتها، وَلَا يصلح للْخدمَة إِلَّا بهما، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " كل عمل ابْن آدم لَهُ الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف ". قَالَ الله عز وَجل " إِلَّا الصّيام فَإِنَّهُ لي وَأَنا أجزي بِهِ ". وَمن هُنَا ذهب بَعضهم إِلَى أَنه أفضل عبادات الْبدن غير أَنه يجوز أَن يخْتَص الْمَفْضُول بِمَا لَيْسَ للفاضل كفرار الشَّيْطَان من الْأَذَان وَالْإِقَامَة دون الصَّلَاة ثمَّ الْحَج. قَالُوا لِأَنَّهُ عبَادَة هِجْرَة وسفر لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِأَفْعَال يقوم بهَا ببقاع معظمة، وَكَأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى مَا قصد بِالصَّوْمِ من قطع مُرَاد الشَّهَوَات، وقهر النَّفس، وَذهب القَاضِي حُسَيْن من الشَّافِعِيَّة إِلَى أَنه أفضل عبَادَة الْبدن وَفِي الْكَشَّاف أَن أَبَا حنيفَة كَانَ يفاضل بَين الْعِبَادَات قبل أَن يحجّ، فَلَمَّا حج فضل الْحَج على الْعِبَادَات كلهَا لما شَاهد من تِلْكَ الخصائص (قَالُوا وقدمت الْعمرَة وَهِي سنة على الْجِهَاد) وَإِن كَانَ فِي الأَصْل فرض عين ثمَّ صَار فرض كِفَايَة، لِأَن الْمَقْصد وَهُوَ كسر شَوْكَة الْمُشْركين وَدفع أذاهم عَن الْمُسلمين يحصل بِالْبَعْضِ (لِأَنَّهَا من تَوَابِع الْحَج) وأفعالها من جنس أَفعاله (وَلَا يخفى مَا فِيهِ) أَي فِي هَذَا التَّوْجِيه من أَن كَونهَا من توابعه لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمهَا على الْجِهَاد. وَقد صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِكَايَة عَن الله تَعَالَى " مَا تقرّب إليّ عَبدِي بِشَيْء أحبّ إليّ مِمَّا افترضته عَلَيْهِ ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " أفضل الْأَعْمَال إِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله، ثمَّ جِهَاد فِي سَبِيل الله، ثمَّ حج مبرور ". وَقد صحّ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله فأيّ الْإِسْلَام أفضل؟ قَالَ الْإِيمَان، ثمَّ قَالَ فَأَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ الْهِجْرَة. قَالَ وَمَا الْهِجْرَة؟ قَالَ أَن تهجر السوء.

قَالَ فَأَي الْهِجْرَة أفضل، قَالَ الْجِهَاد قَالَ فَأَي الْجِهَاد أفضل؟ قَالَ من عقر جَوَاده وَأُهْرِيقَ دَمه ". قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " ثمَّ عملان هما أفضل الْأَعْمَال إِلَّا من عمل بمثلهما: حجَّة مبرورة أَو عمْرَة مبرورة ". وَمن هُنَا ذهب بَعضهم إِلَى أَن الْجِهَاد أفضل عبادات الْبدن، وَقد يُجَاب عَمَّا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَن فرض الْحَج تَأَخّر إِلَى السّنة التَّاسِعَة، وَكَانَ الْجِهَاد فرض عين فِي أول الْإِسْلَام فَلَعَلَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك قبل فرض الْحَج. قَالَ أَحْمد وَغَيره من الْعلمَاء إِن الْجِهَاد أفضل الْأَعْمَال بعد الْفَرَائِض. وَقَالَ مَالك: الْحَج أفضل من الْغَزْو، لِأَن الْغَزْو فرض كِفَايَة، وَالْحج فرض عين، وَكَانَ ابْن عمر يكثر الْحَج وَلَا يكثر الْغَزْو، وَلَكِن يشكل بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " حجَّة لمن لم يحجّ خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: ذكر الشَّارِح هَذِه الْجُمْلَة فِي مسَائِل غَيرهَا من هَذَا الْجِنْس (وَعبادَة فِيهَا معنى الْمُؤْنَة) هِيَ فعولة على الْأَصَح من مأنت الْقَوْم: إِذا احتملت ثقلهم، وَقيل مفعلة من الأون وَهُوَ أحد جَانِبي الخرج لِأَنَّهُ ثقل، أَو من الأين وَهُوَ التَّعَب والشدة، وَهَذِه الْعِبَادَة (صَدَقَة الْفطر) وَكَونهَا فِيهَا معنى الْمُؤْنَة (إِذْ وَجَبت) على الْمُكَلف (بِسَبَب غَيره) كَمَا وَجب مُؤْنَته روى الْبَيْهَقِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر قَالَ " أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة الْفطر عَن الصَّغِير وَالْكَبِير وَالْحر وَالْعَبْد مِمَّن يمونون، فَإِن الْعِبَادَة الْمَحْضَة لَا تجب على الْغَيْر بِسَبَب الْغَيْر (فَلم يشْتَرط لَهَا كَمَال الْأَهْلِيَّة) كَمَا شَرط للعبادات الْخَالِصَة لقُصُور معنى الْعِبَادَة (فَوَجَبت فِي مَال الصَّغِير وَالْمَجْنُون خلافًا لمُحَمد وَزفر) يتَوَلَّى أداءها الْأَب، ثمَّ وَصِيّه، ثمَّ الْجد، ثمَّ وَصِيّه، ثمَّ وَصِيّ نَصبه القَاضِي عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أوجباه عَلَيْهِمَا إِلْحَاقًا لَهَا بِنَفَقَة ذِي الرَّحِم الْمحرم مِنْهُمَا فَإِنَّهَا تجب فِي مَالهمَا، إِذا كَانَا غَنِيَّيْنِ باتفاقهم. قَالَ صَاحب الْكَشَّاف ثمَّ تِلْمِيذه قوام الدّين الكاكي قَول مُحَمَّد وَزفر أوضح (وَمؤنَة فِيهَا معنى الْقرْبَة كالعشر: إِذْ الْمُؤْنَة مَا بِهِ بَقَاء الشَّيْء وَبَقَاء الأَرْض فِي أَيْدِينَا بِهِ) أَي بالعشر، لِأَن الله تَعَالَى حكم بِبَقَاء الْعَالم إِلَى الْوَقْت الْمَوْعُود، وَهُوَ بِبَقَاء الأَرْض، وَمَا يخرج من الْقُوت وَغَيره لمن عَلَيْهَا: فَوَجَبت عمارتها وَالنَّفقَة عَلَيْهَا كَمَا أوجب على الْملاك نَفَقَة عبيدهم ودوابهم وبقاؤها إِنَّمَا هُوَ بِجَمَاعَة الْمُسلمين لأَنهم الحافظون لَهَا، أما من حَيْثُ الدُّعَاء وَهُوَ من الضُّعَفَاء المحتاجين فَإِن بهم النَّصْر على الْأَعْدَاء وبهم يمطرون، وَأما من حَيْثُ الذب بِالشَّوْكَةِ عَن الدَّار وغوائل الْكفَّار وهم الْمُقَاتلَة فَوَجَبَ فِي بَعْضهَا الْعشْر نَفَقَة للأولين وَفِي بَعْضهَا الْخراج للآخرين، وَجعلت النَّفَقَة عَلَيْهَا تَقْديرا (وَالْعِبَادَة) فِيهِ (لتَعَلُّقه) أَي الْعشْر (بالنماء) الْحَقِيقِيّ لَهَا، وَهُوَ الْخَارِج مِنْهَا كتعلق الزَّكَاة بِهِ أَو لِأَن مصرفه الْفَقِير كمصرف الزَّكَاة (وَإِذا كَانَت الأَرْض الأَصْل) والنماء وَصفا تَابعا لَهَا (كَانَت الْمُؤْنَة غالبة) فِيهِ (وللعبادة)

فِيهِ (لَا يبتدأ الْكَافِر بِهِ) أَي بالعشر لِأَن الْكفْر منافي الْعِبَادَة من كل وَجه، وَلِأَن فِي الْعشْر ضرب كَرَامَة، وَالْكفْر مَانع مِنْهُ مَعَ إِمْكَان الْخَارِج (وَلَا يبْقى) الْعشْر (عَلَيْهِ) أَي الْكَافِر إِذا اشْترى أَرضًا عشرِيَّة عِنْد أبي حنيفَة (خلافًا لمُحَمد فِي الْبَقَاء) للعشر عَلَيْهِ (إِلْحَاقًا) للعشر (بالخراج) فَإِنَّهُ يبْقى عَلَيْهِ إِذا اشْترى أَرضًا خَرَاجِيَّة بِالْإِجْمَاع (بِجَامِع الْمُؤْنَة) فَإِن كلا مِنْهُمَا من مُؤَن الأَرْض، وَالْكَافِر أهل للمؤنة (وَالْعِبَادَة) فِي الْعشْر (تَابِعَة) للمؤنة فَيسْقط فِي حَقه لعدم أَهْلِيَّته لَهَا (فَلَا يُثَاب) الْكَافِر (بِهِ) أَي بالعشر (وَأجِيب) من قبله عَنهُ (بِأَنَّهُ) أَي معنى الْعِبَادَة (وَإِن تبع) الْمُؤْنَة (فَهُوَ ثَابت) فِي الْعشْر فَإِن كلا من تعلقه بالنماء وَصَرفه إِلَى مصارف الْفُقَرَاء مُسْتَمر (فَيمْنَع) ثُبُوته فِيهِ من الْغَايَة فِي حق الْكَافِر إِلَّا بطرِيق التَّضْعِيف، فَالْقَوْل بِوُجُوبِهِ بِدُونِ التَّضْعِيف عَلَيْهِ خرق للْإِجْمَاع (فَتَصِير) الأَرْض العشرية (خَرَاجِيَّة بِشِرَائِهِ) أَي الْكَافِر إِيَّاهَا عِنْد أبي حنيفَة، وَإِنَّمَا اخْتلفت الرِّوَايَة فِي وَقت صيرورتها خَرَاجِيَّة، فَفِي السّير كَمَا اشْترى، وَفِي رِوَايَة تبقى عشرِيَّة مَا لم يوضع عَلَيْهَا الْخراج، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ إِذْ بقيت مُدَّة يُمكنهُ أَن يزرع فِيهَا، زرع أَولا (وَلأبي يُوسُف) أَي وَخِلَافًا لَهُ فِي أَنه (يضعف عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا بُد من تَغْيِيره، لِأَن الْكفْر يُنَافِيهِ، والتضعيف تَغْيِير للوصف فَقَط، فَيكون أسهل من إبِْطَال الْعشْر وَوضع الْخراج، لِأَن فِيهِ تَغْيِير الأَصْل وَالْوَصْف جَمِيعًا، والتضعيف فِي حق الْكَافِر مَشْرُوع فِي الْجُمْلَة (كبني تغلب) وَلَا يُقَال فِيهِ تَضْعِيف للقربة، وَالْكفْر ينافيها، لأَنا نقُول بعد التَّضْعِيف صَار فِي حكم الْخراج الَّذِي هُوَ من خَواص الْكفَّار، وخلا عَن وصف الْقرْبَة (وَيُجَاب بِأَنَّهَا) أَي الصَّدَقَة الْمَأْخُوذَة من بني تغلب هِيَ فِي الْمَعْنى (أجزية سميت بذلك) أَي بِكَوْنِهَا صَدَقَة مضاعفة (بِالتَّرَاضِي لخُصُوص عَارض) فَإِن بني تغلب بِكَسْر اللَّام عرب نَصَارَى. قَالَ الْقَائِم بن سَلام فِي كتاب الْأَمْوَال: همّ: يَعْنِي عمر أَن يَأْخُذ مِنْهُم الْجِزْيَة، فتفرّقوا فِي الْبِلَاد، فَقَالَ النُّعْمَان بن زرْعَة أَو زرْعَة بن النُّعْمَان لعمر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن بني تغلب قوم عرب يأنفون من الْجِزْيَة، وَلَيْسَ لَهُم أَمْوَال إِنَّمَا هم أَصْحَاب حروث ومواش، وَلَهُم مكانة فِي العدوّ فَلَا تعن عددّك عَلَيْك بهم: فَصَالحهُمْ عمر رَضِي الله عَنهُ على أَن يضع عَلَيْهِم الصَّدَقَة وَاشْترط عَلَيْهِم أَن لَا ينصرُوا أَوْلَادهم، وَفِي رِوَايَة عَن هَذِه جِزْيَة سَموهَا مَا شِئْتُم، وَإِنَّمَا اخْتلف الْفُقَهَاء فِي أَنَّهَا هَل هِيَ جِزْيَة على التَّحْقِيق من كل وَجه؟ فَقيل نعم حَتَّى لَو كَانَ للْمَرْأَة أَو الصَّبِي نقود أَو مَاشِيَة لَا يُؤْخَذ مِنْهُم شَيْء، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَرِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة، وَقيل لَا، بل وَاجِبَة بِشَرْط الزَّكَاة وأسبابها، وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَة، لِأَن الصُّلْح وَقع على ذَلِك، وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو حنيفَة من أَنَّهَا تصير خَرَاجِيَّة كَمَا ذكره فَخر الْإِسْلَام وَغَيره، وَهَذَا هُوَ الْقسم الثَّالِث (وَمؤنَة فِيهَا معنى الْعقُوبَة) وَهِي (الْخراج أما الْمُؤْنَة فلتعلق بَقَائِهَا) أَي الأَرْض

لأهل الْإِسْلَام (بالمقاتلة المصارف) لَهُ كَمَا بَيناهُ آنِفا (والعقوبة للانقطاع بالزراعة عَن الْجِهَاد) لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالْأَرْضِ لصفة التَّمَكُّن من الزِّرَاعَة والاشتغال بهَا عمَارَة للدنيا وإعراض عَن الْجِهَاد، وَهُوَ سَبَب الذل شرعا (فَكَانَ) الْخراج (فِي الأَصْل صغَارًا) فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَن أَبَا أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: وَرَأى سكَّة وشيئا من آلَة الْحَرْث سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول " لَا يدْخل هَذَا بَيت قوم إِلَّا دخله الذَّال " (وَبَقِي) الْخراج للْأَرْض الخراجية وَظِيفَة مستمرة (لَو اشْتَرَاهَا مُسلم) أَو ورثهَا أَو وَهبهَا أَو أسلم مَالِكهَا (لِأَن ذَلِك) الصغار (فِي ابْتِدَاء التوظيف) لَا فِي بَقَائِهِ نظرا إِلَى مَا فِيهِ من رُجْحَان معنى الْمُؤْنَة الَّتِي الْمُؤمن من أَهلهَا، وَهَذَا هُوَ الْقسم الرَّابِع (وَحقّ قَائِم بِنَفسِهِ: أَي لم يتَعَلَّق بِسَبَب مبَاشر) فسر الْقيام بِالنَّفسِ بِكَوْن الْحق بِحَيْثُ لم يتَعَلَّق وُجُوبه بِمَا جعله الشَّارِع سَببا لَهُ إِذْ بَاشرهُ العَبْد، بل يكون ثُبُوته بِحكم مَالك الْأَشْيَاء كلهَا وَهُوَ (خمس الْغَنَائِم) أَي الْأَمْوَال الْمَأْخُوذَة من الْكفَّار قهرا لإعلاء كلمة الله فالمصاب كُله حق الله تَعَالَى، وَالْعَبْد يعْمل لمَوْلَاهُ لَا يسْتَحق عَلَيْهِ شَيْئا إِلَّا أَنه سُبْحَانَهُ جعل أَرْبَعَة أخماسه للغانمين امتنانا مِنْهُ عَلَيْهِم، واستبقى الْخمس حَقًا لَهُ، وَأمر بصرفه إِلَى من سماهم فِي كِتَابه الْعَزِيز: فَتَوَلّى السُّلْطَان أَخذه وقسمته بَينهم لكَونه نَائِب الشَّرْع فِي إِقَامَة حُقُوقه (وَمِنْه) أَي الْحق الْقَائِم بِنَفسِهِ (الْمَعْدن) بِكَسْر الدَّال وَهُوَ فِي الأَصْل الْمَكَان بِقَيْد الِاسْتِقْرَار فِيهِ، من عدن بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ، ثمَّ اشْتهر فِي نفس الْأَجْزَاء المستقرة الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي الأَرْض يَوْم خلقهَا (والكنز) وَهُوَ الْمُثبت فِيهَا من الْأَمْوَال بِفعل الْإِنْسَان، والركاز يعمهما لِأَنَّهُ من الركز المُرَاد بِهِ المركوز أَعم من أَن يكون راكزه الْخَالِق أَو الْمَخْلُوق، فَهُوَ مُشْتَرك معنوي بَينهمَا، ثمَّ المُرَاد بالمعدن هُنَا عِنْد أَصْحَابنَا. الجامد الَّذِي يذوب وَيَنْقَطِع كالنقدين وَالْحَدِيد والرصاص والنحاس، وبالكنز مَا لَا عَلامَة للْمُسلمين فِيهِ حَتَّى كَانَ جاهليا: فَإِن هذَيْن لَا حق لأحد فيهمَا، جعل أَرْبَعَة أَخْمَاس كل مِنْهُمَا للواجد، واستبقى الْخمس لَهُ تَعَالَى ليصرف إِلَى من سماهم (فَلم يلْزم أَدَاؤُهُ) أَي الْخمس من هَذِه الْأَمْوَال (طَاعَة) ليشترط لَهُ النِّيَّة ليَقَع قربَة (إِذْ لم يقْصد الْفِعْل) الَّذِي هُوَ الدّفع (بل) قصد (مُتَعَلّقه) أَي الْفِعْل وَهُوَ المَال الْمَدْفُوع (بل هُوَ) أَي الْخمس (حق لَهُ تَعَالَى فَلم يحرم على بني هَاشم إِذْ لم يتسخ إِذْ لم تقم بِهِ قربَة وَاجِبَة). قَالَ الشَّارِح: قلت وَالْأولَى الِاقْتِصَار على قربَة بِنَاء على حُرْمَة الصَّدَقَة الناقلة عَلَيْهِم كالمفروضة لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِن الصَّدَقَة لَا تنبغي لآل مُحَمَّد إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس "، رَوَاهُ مُسلم إِلَى غير ذَلِك، فَوَجَبَ اعْتِبَاره كَمَا قَالَه المُصَنّف فِي فتح الْقَدِير انْتهى. وَالْعجب أَن المُصَنّف فِي الْكتاب الْمَذْكُور بعد مَا نَقله بِخَمْسَة أسطر قَالَ: وَلَا يخفى أَن هَذِه العمومات تنتظم الصَّدقَات الناقلة

والواجبة فجروا على مُوجب ذَلِك فِي الْوَاجِبَة فَقَالُوا: لَا يجوز صرف كَفَّارَة الْيَمين وَالظِّهَار وَالْقَتْل وَجَزَاء الصَّيْد وَعشر الأَرْض، وغلة الْوَقْف إِلَيْهِم إِلَّا إِذا كَانَ الْوَقْف عَلَيْهِم لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون بِمَنْزِلَة الْوَقْف على الْأَغْنِيَاء، فَإِن كَانَ على الْفُقَرَاء وَلم يسمّ بني هَاشم لَا يجوز الصّرْف إِلَيْهِم، وَأما صَدَقَة النَّفْل فَقَالَ فِي النِّهَايَة: يجوز النَّفْل بِالْإِجْمَاع، وَكَذَا يجوز النَّفْل للغني: كَذَا فِي فَتَاوَى العتابي وصرّح فِي الْكَافِي بِدفع صَدَقَة الْوَقْف إِلَيْهِم على أَنه بَيَان الْمَذْهَب من غير نفل خلاف، فَقَالَ: وَأما التطوّع وَالْوَقْف فَيجوز الصّرْف إِلَيْهِم، لِأَن المؤدّي فِي الْوَاجِب يظْهر نَفسه بِإِسْقَاط الْفَرْض فيتدنس المؤدّي كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمل، وَفِي النَّفْل تبرّع بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يتدنس المؤدّي كمن تبرّد بِالْمَاءِ، إِلَى هُنَا كَلَام المُصَنّف. وَهَذَا هُوَ الْقسم الْخَامِس (وعقوبات كَامِلَة) أَي مَحْضَة لَا يشوبها معنى آخر فَهِيَ كَامِلَة فِي كَونهَا عُقُوبَة وَهِي (الْحُدُود) أَي حدّ الزِّنَا وحدّ السّرقَة وحدّ الشّرْب فَإِنَّهَا شرعت لصيانة الْأَنْسَاب وَالْأَمْوَال والعقول، وموجبها جنايات لَا يشوبها معنى الْإِبَاحَة فَيَقْتَضِي أَن يكون لكلّ مِنْهَا عُقُوبَة كَامِلَة زاجرة عَن ارتكابه حَقًا لله تَعَالَى على الخلوص، وَعَن الْمبرد سميت الْعقُوبَة عُقُوبَة لِأَنَّهَا تتلو الذُّنُوب، من عقبه يعقبه: إِذا اتبعهُ، وَهَذَا هُوَ الْقسم السَّادِس (و) عُقُوبَة (قَاصِرَة) وَهِي (حرمَان الْقَاتِل) إِرْث الْمَقْتُول لقَتله عمدا أَو غَيره على مَا فصل فِي الْفِقْه ثمَّ (كَونه) أَي حرمَان الْقَاتِل (حَقًا لَهُ تَعَالَى لِأَن مَا يجب لغيره) تَعَالَى (بالتعدّي عَلَيْهِ) أَي الْغَيْر يكون (فِيهِ نفع لَهُ) أَي للْغَيْر، والغير هُنَا: الْمَقْتُول (وَلَيْسَ فِي الحرمان نفع للمقتول) فَتعين كَونه لله تَعَالَى زاجرا عَن ارْتِكَاب مثل هَذَا الْعَمَل كالحدّ لِأَن مَا لَا يجب لغيره تَعَالَى يجب لَهُ ضَرُورَة (ومجرّد الْمَنْع) من الْإِرْث (قَاصِر) فِي معنى الْعقُوبَة، لِأَنَّهُ لم يلْحقهُ ألم فِي بدنه وَلَا نُقْصَان فِي مَاله: بل هُوَ مجرّد منع لثُبُوت ملكه فِي التَّرِكَة، وَقيل لَيْسَ لهَذَا الْقسم مِثَال غير هَذَا: وَهَذَا هُوَ الْقسم الرَّابِع (وَحُقُوق هما) أَي الْعِبَادَة والعقوبة مجتمعان (فِيهَا كالكفارات) للْيَمِين وَالْقَتْل وَالظِّهَار وَالْفطر الْعمد فِي نَهَار رَمَضَان، وَكَفَّارَة قتل الصَّيْد للْمحرمِ، وصيد الْحرم، أما أَن فِيهَا معنى الْعِبَادَات فَلِأَنَّهَا تؤدّى بِمَا هُوَ عبَادَة مَحْضَة من عتق أَو صَدَقَة أَو صِيَام، وَيشْتَرط فِيهَا النِّيَّة، وَيُؤمر من هِيَ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ بِنَفسِهِ بطرِيق الْفَتْوَى، وَلَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ جبرا، وَالشَّرْع لم يفوّض إِلَى الْمُكَلف إِقَامَة شَيْء من الْعُقُوبَات على نَفسه بل هِيَ مفوّضة إِلَى الْأَئِمَّة، وتستوفي جبرا، وَأما أَن فِيهَا معنى الْعقُوبَة فَإِنَّهَا لم تجب إِلَّا أجزية على أَفعَال من الْعباد لَا مُبتَدأَة، وَلِهَذَا سميت كَفَّارَات لِأَنَّهَا ستارة للذنوب (وجهة الْعِبَادَة غالبة فِيهَا) بِدَلِيل وُجُوبهَا على أَصْحَاب الْأَعْذَار مثل الخاطئ والناسى وَالْمكْره، وَالْمحرم المضطرّ إِلَى قتل الصَّيْد لمخمصة وَلَو كَانَت جِهَة الْعقُوبَة فِيهَا

غالبة لامتنع وُجُوبهَا بِسَبَب الْعذر: لِأَن الْمَعْذُور لَا يسْتَحق الْعقُوبَة، وَكَذَا لَو كَانَت مُسَاوِيَة لِأَن جِهَة الْعِبَادَة إِن لم تمنع الْوُجُوب على هَؤُلَاءِ المعذورين فجهة الْعقُوبَة تَمنعهُ، وَالْأَصْل عَدمه، فَلَا يثبت إِلَّا بِالشَّكِّ (إِلَّا الْفطر) أَلا كَفَّارَته فَإِن جِهَة الْعقُوبَة فِيهَا غالبة (وألحقها) أَي كَفَّارَة الْفطر (الشَّافِعِي بهَا) أَي بِسَائِر الْكَفَّارَات فِي تَغْلِيب معنى الْعِبَادَة فِيهَا على الْعقُوبَة حَيْثُ لم يُسْقِطهَا بِالشُّبْهَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْحَنَفِيَّة) إِنَّمَا قَالُوا بتغليب معنى الْعقُوبَة فِيهَا على الْعِبَادَة (لتقيدها) أَي وجوب كَفَّارَة الْفطر (بالعمد) أَي بِالْفطرِ الْعمد (ليصير) الْفطر الْعمد (حَرَامًا وَهُوَ) أَي كَونه حَرَامًا (المثير للعقوبة والتصور) أَي ولقصور الْعقُوبَة فِيهَا حَيْثُ لم تكن كَامِلَة (لكَون الصَّوْم) الَّذِي تعمد الْفطر فِي أَثْنَائِهِ (لم يصر حَقًا تَاما مُسلما لصَاحب الْحق) وَهُوَ الله عزّ وجلّ لَكِن (وَقعت الْجِنَايَة عَلَيْهِ) أَي على الصَّوْم (فَلِذَا) أَي فلأجل أَن الْجِنَايَة وَقعت عَلَيْهِ (تأدّى) هَذَا الْحق الْوَاجِب الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَة (بِالصَّوْمِ وَالصَّدَََقَة) الَّتِي هِيَ الْإِطْعَام، فلولا أَن فِي هَذِه الْكَفَّارَة معنى الْعِبَادَة، وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا مَا تأدّت بِمَا هُوَ من جنس الْعِبَادَة (وشرطت النِّيَّة) فِيهَا إِذْ الْعِبَادَة لَا تصح إِلَّا بِالنِّيَّةِ مَعْطُوف على تأدّى (فتفرع) على غَلَبَة معنى الْعقُوبَة (درؤها) أَي سُقُوط وجوب الْكَفَّارَة (بِالشُّبْهَةِ) أَي شُبْهَة الْإِبَاحَة كَمَا يدْرَأ الحدّ، وَمن ثمَّة لم يجب إِجْمَاعًا على من جَامع ظَانّا أَن الْفجْر لم يطلع، أَو أَن الشَّمْس غَابَتْ ثمَّ تبين خِلَافه (فَوَجَبَ) الْحق الْمَذْكُور (مرّة بمرار) أَي بفطر متعدّد فِي أَيَّام (قبل التَّكْفِير من رَمَضَان) وَاحِد عندنَا كَمَا يحدّ مرّة بزناة مرّة بعد أُخْرَى إِذا لم يحد بِكُل مرّة. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب بِكُل فطر يَوْم كَفَّارَة (وَمن اثْنَيْنِ) أَي وَيجب كَفَّارَة وَاحِدَة بفطر متعدّد قبل التَّكْفِير من رمضانين (عِنْد الْأَكْثَر) أَي أَكثر الْمَشَايِخ. وَفِي الْكَافِي فِي الصَّحِيح (خلافًا لما يرْوى عَنهُ) أَي عَن أبي حنيفَة من أَنه يجب التعدّد فِي الْكَفَّارَة بتعدّد فطر الْأَيَّام، وَإِنَّمَا قُلْنَا بالتداخل حَيْثُ قُلْنَا بِهِ (لِأَن التَّدَاخُل دَرْء) يَعْنِي أَنه لما كَانَ عَلَيْهِ الْعقُوبَة فِي الْكَفَّارَات ألحقها بالحدود الَّتِي تندرئ بِالشُّبُهَاتِ حصل عِنْد تكرّر مُوجبهَا قبل التَّكْفِير شُبْهَة الِاكْتِفَاء بكفارة وَاحِدَة عَن الْجِنَايَات المتعدّدة نظرا إِلَى حُصُول الْمَقْصد، وَهُوَ الانزجار بِوَاحِدَة، فاندرأ تعدّد الْوُجُوب بِهَذِهِ الشُّبْهَة (وَلَو كفر) عَن فطر يَوْم (ثمَّ أفطر) فِي آخر (فأخرى) أَي فَيجب كَفَّارَة أُخْرَى (لتبين عدم انزجاره بِالْأولَى) أَي الْكَفَّارَة الأولى (فتفيد الثَّانِيَة) الانزجار (وَالثَّانِي حُقُوق الْعباد كضمان الْمُتْلفَات وَملك الْمَبِيع وَالزَّوْجَة وَكثير) (و) الثَّالِث (مَا اجْتمعَا) أَي حق الله وَحقّ العَبْد فِيهِ (وَحقه تَعَالَى غَالب) وَهُوَ (حدّ الْقَذْف) لِأَنَّهُ من حَيْثُ أَنه يَقع نَفعه عَاما بإخلاء الْعَالم عَن الْفساد حق الله، وَمن حَيْثُ أَنه صِيَانة الْعرض وَدفع الْعَار عَن الْمَقْذُوف حق العَبْد: إِذْ هُوَ

ينْتَفع بِهِ على الْخُصُوص، ثمَّ فِي هَذَا حق الله تَعَالَى أَيْضا لما فِيهِ من حق الاستعباد فَكَانَ الْغَالِب حق الله (فَلَيْسَ للمقذوف إِسْقَاطه) أَي الحدّ: لِأَن حق الله لَا يسْقط بِإِسْقَاط العَبْد وَإِن كَانَ غير متمحض لَهُ كَمَا يشْهد بِهِ دلَالَة الْإِجْمَاع على عدم سُقُوط العدّة بِإِسْقَاط الزَّوْج إِيَّاهَا، وَإِن كَانَ الْمَقْصد مِنْهَا الِاحْتِرَاز عَن اخْتِلَاط مَاء الْغَيْر بمائه الْمُوجب الِاشْتِبَاه فِي نسب وَلَده، وَذَلِكَ لما فِيهَا من حق الله عزّ وجلّ (وَلذَا) أَي وَلكَون الْغَالِب فِي هَذَا الحدّ حق الله تَعَالَى (وَلم يفوّض إِلَيْهِ) أَي الْمَقْذُوف ليقيمه على قَاذفه (لِأَن حُقُوقه تَعَالَى لَا يستوفيها إِلَّا الإِمَام) لاستنابة الله إِيَّاه فِي استيفائها (وَلِأَنَّهُ) أَي حدّ الْقَذْف (لتهمته) أَي الْقَاذِف الْمَقْذُوف (بِالزِّنَا وَأثر الشَّيْء من بَابه) أَي بَاب ذَلِك الشَّيْء واتباعه، وحدّ الزِّنَا حق الله اتِّفَاقًا (فدار) حدّ الْقَذْف (بَين كَونه لله تَعَالَى خَالِصا) كحدّ الزِّنَا (أَو) كَونه (لَهُ) أَي لله تَعَالَى (وَلِلْعَبْدِ) فَلَا أقلّ من أَن يُقَال (فتغلب) حق الله (بِهِ). قَالَ الشَّارِح: أَي بحدّ الْقَذْف انْتهى، وَلَا وَجه لَهُ إِلَّا أَن تكون الْبَاء بِمَعْنى فِي، وَالْأَوْجه إرجاع الضَّمِير إِلَى مَا ذكر مِمَّا يدلّ على كَون حَقه تَعَالَى غَالِبا، وَذهب صدر الْإِسْلَام إِلَى أَن الْغَالِب فِيهِ حق العَبْد، وَبِه قَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة (و) الرَّابِع (مَا اجْتمعَا) أَي حق الله وَحقّ العَبْد فِيهِ (وَالْغَالِب حق العَبْد) وَهُوَ (الْقصاص بالِاتِّفَاقِ) فَإِن لله تَعَالَى فِي نفس العَبْد حق الاستعباد، وَلِلْعَبْدِ حق الِاسْتِمْتَاع، ثمَّ إِن الْقصاص من حَيْثُ أَنه يُنبئ عَن الْمُمَاثلَة يدلّ على أَن رِعَايَة جَانب العَبْد أَكثر والأفرعاية إخلاء الْعَالم عَن الْفساد الَّذِي هُوَ النَّفْع الْعَام الرَّاجِع إِلَى حق الله تَعَالَى كَانَ يَقْتَضِي زِيَادَة الزّجر بِضَم أَخذ المَال وَنَحْوه مَعَه، (وينقسم) مُتَعَلق الحكم الشَّرْعِيّ مُطلقًا (أَيْضا بِاعْتِبَار آخر أصل وَخلف) أَي يَنْقَسِم إِلَى أصل وَخلف: فَعلم أَن الِاعْتِبَار الآخر الْأَصَالَة والخلفية (لَا يثبت) كَونه خلفا (إِلَّا بِالسَّمْعِ) نصا أَو دلَالَة أَو إِشَارَة أَو اقْتِضَاء (صَرِيحًا أَو غَيره) أى غير صَرِيح (فَالْأَصْل كالتصديق فِي الْإِيمَان) فَإِنَّهُ أصل مُحكم لَا يحْتَمل السُّقُوط بِعُذْر مَا، وَلَا يبْقى مَعَ التبديل بِحَال (وَالْخلف عَنهُ) أَي عَن التَّصْدِيق (الْإِقْرَار) بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ معبر عَمَّا فِي الْقلب (إِذْ لم يعلم الأَصْل يَقِينا) لِأَنَّهُ غيب لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا الله تَعَالَى تَعْلِيل لاعْتِبَار الْخلف: أَي لَا بدّ مِنْهُ، إِذْ لَا يُمكن إدارة الْأَحْكَام على حَقِيقَته لعدم الْعلم بهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أدير) الحكم (عَلَيْهِ) أَي على الْخلف (فَلَو أكره) الْكَافِر على الْإِسْلَام (فأقرّ بِهِ حكم بِإِسْلَامِهِ) لوُجُوده ظَاهرا، وَإِن لم يُوجد الأَصْل فِي نفس الْأَمر (فرجوعه) عَن الْإِسْلَام إِلَى الْكفْر بِحَسب اللِّسَان (ردّة لَكِن لَا توجب الْقَتْل) لِأَن الْإِكْرَاه شُبْهَة لإسقاطه (بل) توجب (الْحَبْس وَالضَّرْب حَتَّى يعود) إِلَى الْإِسْلَام لَا يُقَال ينيغى أَن لَا يقبل بِدُونِ الْإِكْرَاه أَيْضا لوُجُود الشُّبْهَة بِاعْتِبَار عدم الْعلم بِحَقِيقَة الْأَيْمَان

يَقِينا، لأَنا نقُول: لَا عِبْرَة بِالشُّبْهَةِ مَا لم تكن ناشئة عَن دَلِيل مثل الْإِكْرَاه (وَدفن) من أكره على الْإِسْلَام حَتَّى أقرّبه، ثمَّ لم يظْهر مِنْهُ خِلَافه إِلَى أَن مَاتَ (فِي مَقَابِر الْمُسلمين بِهِ) أَي بِإِقْرَارِهِ بِالْإِسْلَامِ مكْرها (و) يثبت أَيْضا (بَاقِي أَحْكَام الخلفية فِي الدُّنْيَا) من إِسْقَاط الْجِزْيَة عَنهُ وَجَوَاز الصَّلَاة خَلفه وَعَلِيهِ إِلَى غير ذَلِك (فَأَما الْآخِرَة فَالْمَذْهَب للحنفية) وَهُوَ نصّ أبي حنيفَة (أَنه) أَي الْإِقْرَار (أصل) فِي أَحْكَامهَا أَيْضا (فَلَو صدّق) بِقَلْبِه (وَلم يقرّ) بِلِسَانِهِ (بِلَا مَانع) لَهُ من الْإِقْرَار واستمرّ (حَتَّى مَاتَ كَانَ فِي النَّار، وَكثير من الْمُتَكَلِّمين) وَرِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَأَصَح الرِّوَايَتَيْنِ عَن الْأَشْعَرِيّ الأَصْل فِي أَحْكَام الْآخِرَة (التَّصْدِيق وَحده وَالْإِقْرَار) شَرط (ل) إِجْرَاء (أَحْكَام الدُّنْيَا) عَلَيْهِ (كَقَوْل بَعضهم) أَي الْحَنَفِيَّة: مِنْهُم أَبُو مَنْصُور الماتريدي وَفِي شرح الْمَقَاصِد الْإِقْرَار لهَذَا الْغَرَض لَا بدّ أَن يكون على وَجه الإعلان على الإِمَام وَغَيره من أهل الْإِسْلَام، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لإتمام الْإِيمَان فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مجرّد التَّكَلُّم وَإِن لم يظْهر على غَيره، ثمَّ الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ قَادِرًا وَترك التَّكَلُّم بِهِ لَا على وَجه الإباء، إِذْ الْعَاجِز كالأخرس مُؤمن اتِّفَاقًا، والمصرّ على عدم الْإِقْرَار مَعَ الْمُطَالبَة بِهِ كَافِر اتِّفَاقًا لكَون ذَلِك من أَمَارَات عدم التَّصْدِيق (ثمَّ صَار أَدَاء الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّغِير وَالْمَجْنُون خلفا عَن أدائهما) أَي الصَّغِير وَالْمَجْنُون لعجزهما عَن ذَلِك (فَحكم بإسلامهما تبعا لأَحَدهمَا) أَي الْأَبَوَيْنِ إِذا كَانَ الْمَتْبُوع وَالتَّابِع حِين الْإِسْلَام فِي دَار وَاحِدَة، أَو الْمَتْبُوع فِي دَار الْحَرْب، وَالتَّابِع فِي دَار الْإِسْلَام، لَا بِالْعَكْسِ كَمَا نبه عَلَيْهِ فِي الْيَنَابِيع وَغَيره (ثمَّ تَبَعِيَّة الدَّار) صَارَت خلفا عَن أَدَاء الصَّغِير بِنَفسِهِ فِي إِثْبَات الْإِسْلَام لَهُ عِنْد عدم إِسْلَام أحد الْأَبَوَيْنِ على الْوَجْه الْمَذْكُور (فَلَو سبى فَأخْرج إِلَى دَار الْإِسْلَام وَحده حكم بِإِسْلَامِهِ، وَكَذَا تَبَعِيَّة الْغَانِمين) أَي تبعيته للْمُسلمين الْغَانِمين إِذا لم يكن مَعَه أَبَوَاهُ وَلَا أَحدهمَا، واختص بِهِ أحدهم فِي دَار الْحَرْب بِشِرَائِهِ من الإِمَام، أَو قسْمَة الإِمَام الْغَنِيمَة ثمَّة صَارَت خلفا عَن أَدَاء الصَّغِير كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَلَو قسم فِي دَار الْحَرْب فَوَقع فِي سهم أحدهم) أَي الْمُسلمين (حكم بِإِسْلَامِهِ، وَالْمرَاد أَن كلا من هَذِه خلف عَن أَدَاء الصَّغِير) بِنَفسِهِ على التَّرْتِيب الْمَذْكُور (لَا أَنه يخلف بَعْضهَا بَعْضًا) لِأَن الْخلف لَا خلف لَهُ كَذَا قَالُوا، ثمَّ كَون هَذِه التبعيات مرتبَة هَكَذَا: هُوَ الْمَذْكُور فِي أصُول فَخر الْإِسْلَام وموافقيه. وَفِي الْمُحِيط أَن تَبَعِيَّة صَاحب الْيَد مقدّمة على تَبَعِيَّة الدَّار، فَقيل يحْتَمل أَن يكون فِي المسئلة رِوَايَتَانِ بَقِي أَن الخلفية لَا تتثبت إِلَّا بِالسَّمْعِ، وَالظَّاهِر إِنَّه فِيمَا كَانَ بَين مُسلم أُصَلِّي وذمية الْإِجْمَاع، وَقد يُقَال مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مَوْلُود إِلَّا يُولد على الْفطْرَة، فَأَبَوَاهُ يهوّدانه، أَو ينصرَانِهِ، أَو يُمَجِّسَانِهِ يصلح سندا للْإِجْمَاع فَجعل اتِّفَاقهمَا عِلّة ناقلة للْوَلَد عَن أصل الْفطْرَة،

فَيثبت فِيمَا اتفقَا عَلَيْهِ وَيبقى على أصل الْفطْرَة فِيمَا اخْتلفَا فِيهِ، وَأما فِيمَا بَين مُسلم عَارض إِسْلَامه وذمية، وَبَين مسلمة عَارض إسلامهما وذميّ فَظَاهر كَلَامهم أَنه الحَدِيث الْمَذْكُور لِأَنَّهُ يُفِيد ثُبُوت الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة للْوَلَد إِذا كَانَ أَبَوَاهُ على ذَلِك الْوَصْف، فَإِذا زَالَ الْوَصْف عَن أَحدهمَا انْتَفَت الْعلَّة، فينتفى الْمَعْلُول، فيترجح الْوَصْف المفطور عَلَيْهِ، وَهُوَ الْإِسْلَام، لَكِن يرد عَلَيْهِ أَن يُقَال: فليزم بِعَين هَذَا صيرورة الصَّغِير مُسلما بِمَوْت أَحدهمَا كَمَا هُوَ قَول الإِمَام أَحْمد، وَهُوَ خلاف مَا عَلَيْهِ بَاقِي الْأَئِمَّة. وَهَذِه الْجُمْلَة ذكرهَا الشَّارِح فِي تفاصيل أخر، و (هَذَا) كُله (إِذا لم يكن) الصَّغِير (عَاقِلا وَإِلَّا) أَي وَإِن كَانَ عَاقِلا (استقلّ بِإِسْلَامِهِ) فَإِن أسلم صَحَّ وَحِينَئِذٍ (فَلَا يرتدّ بردة من أسلم مِنْهُمَا) أَي أَبَوَيْهِ (على مَا سَيعْلَمُ) فِي فصل الْأَهْلِيَّة، لَكِن ذكر فَخر الْإِسْلَام فِي شرح الْجَامِع الصَّغِير وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا أَن يعقل وَأَن لَا يعقل، وَذكر قَاضِي خَان فِي شَرحه عَلَيْهِ لَو أسلم أحد أَبَوَيْهِ يَجْعَل مُسلما تبعا سَوَاء كَانَ الصَّغِير عَاقِلا أَو لم يكن، لِأَن الْوَلَد يتبع خير الْأَبَوَيْنِ دينا (وَمِنْه) قَالَ الشَّارِح: أَي من الْخلف عَن الأَصْل (والصعيد) وَلَا يخفى أَنه حِينَئِذٍ لَا وَجه لذكر الْوَاو: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون الْمَعْنى وَمِنْه قَوْلهم والصعيد الخ على الْمُسَامحَة، وَقد يُقَال أَن قَوْله مِنْهُ مُتَعَلق بقوله سَيعْلَمُ، وَالضَّمِير للموصول والجارّ وَالْمَجْرُور فِي موقع الْفَاعِل فَإِنَّهُ (خلف عَن المَاء، فَيثبت بِهِ) أَي بالصعيد (مَا ثَبت بِهِ) أَي بِالْمَاءِ من الطَّهَارَة الْحكمِيَّة إِلَى وجود الناقض على مَا هُوَ مُقْتَضى الخلفية، فالأصالة والخلفية بَين الآلتين، فَيجوز إِمَامَة الْمُتَيَمم لوُجُود شَرط الصَّلَاة، وَهِي الطَّهَارَة فِي حق كلّ مِنْهُمَا، فَيجوز بِنَاء أَحدهمَا على الآخر كالغاسل على الماسح مَعَ أَن الْخُف بدل من الرجل فِي قبُول الْحَدث وَرَفعه، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف (ولمحمد) وَزفر أَيْضا أَن الْأَصَالَة والخلفية (بَين الْفِعْلَيْنِ) أَي التَّيَمُّم وَالْوُضُوء أَو الْغسْل (فَلَا يلْزم ذَلِك) أَي أَن يثبت بالصعيد مَا يثبت بِالْمَاءِ، إِذْ الْمَفْرُوض أَن الْخَلِيفَة لَيست بَينهمَا (وَلَا يُصَلِّي الْمُتَوَضِّئ خلف الْمُتَيَمم لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمر) الْمُحدث (بِالْفِعْلِ) أَي الْوَصْف، فَقَالَ إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة (فَاغْسِلُوا) الْآيَة، وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا (ثمَّ نقل) الْأَمر عَن الْوضُوء (إِلَى الْفِعْل) الآخر. وَهُوَ التَّيَمُّم عِنْد عدم الْقُدْرَة على المَاء، فَقَالَ - {وَإِن كُنْتُم مرضى} - إِلَى قَوْله - {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} - الْآيَة، وَإِذا لم يكن الصَّعِيد خلفا للْمَاء لم يثبت بِهِ طَهَارَة مُطلقَة كَمَا يثبت بِالْمَاءِ ليعتبر ذَلِك فِي حقّ المقتدى الْمُتَوَضِّئ (وَلَهُمَا) أَي أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف (أَنه) تَعَالَى (نقل) الطّلب عَن المَاء إِلَى الصَّعِيد (عِنْد عدم المَاء) حَيْثُ قَالَ (فَلم تَجدوا مَاء فَكَانَ) المَاء هُوَ (الأَصْل) وَيُؤَيِّدهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُؤمن وَلَو إِلَى عشر سِنِين. وَقد يُقَال كَمَا أَن الخلفية إِذا اعْتبرت بَين

الفصل الثالث

الآلتين اقْتَضَت ثُبُوت مَا ثَبت بِالْمَاءِ فِي الصَّعِيد، كَذَلِك إِذا اعْتبرت بَين الْفِعْلَيْنِ اقْتَضَت أَن يرتب على التيميم مَا كَانَ يَتَرَتَّب على الْوضُوء من الطَّهَارَة الْحكمِيَّة إِلَى وجود الناقض بِمُقْتَضى الخلفية فَمَا الْفرق بَين الاعتبارين، وَالْجَوَاب أَنَّهَا إِذا اعْتبرت بَين الْفِعْلَيْنِ ثَبت ضَرُورَة الْحَاجة إِلَى إِسْقَاط الْفَرْض عَن الذِّمَّة مَعَ قيام الْحَدث كطهارة الْمُسْتَحَاضَة، وَيلْزمهُ عدم جَوَاز تَقْدِيمه على الْوَقْت وَعدم جَوَاز مَا شَاءَ من الْفَرَائِض والنوافل بِخِلَاف مَا إِذا اعْتبرت بَين الآلتين، فَإِنَّهَا تثبت حِينَئِذٍ مُطلقَة يرْتَفع بِهِ الْحَدث وَيلْزمهُ جَوَاز مَا ذكر فَإِن قلت مَا السرّ فِي ثُبُوتهَا على وَجه الضَّرُورَة إِذا اعْتبرت بَين الْفِعْلَيْنِ دون الآلتين مَعَ اشْتِرَاك مَا يَقْتَضِي اعْتِبَار الضَّرُورَة، وَهُوَ قَوْله - {فَلم تَجدوا مَاء} - فِي الْوَجْهَيْنِ (قلت الضَّرُورَة الَّتِي اقتضاها القَوْل الْمَذْكُور اعتبرناها فيهمَا والضرورة الَّتِي هِيَ مَحل النزاع لَا يقتضيها القَوْل الْمَذْكُور، بل يقتضيها خُصُوصِيَّة الأَصْل وَاعْتِبَار الخلفية بَين الْفِعْلَيْنِ، بَيَان ذَلِك أَن التُّرَاب فِي حدّ ذَاته مغبر مَحْض لَا يحصل حِكْمَة الْأَمر بالتطهير وَهُوَ تَحْسِين الْأَعْضَاء فاللائق بِشَأْنِهِ أَن يكون الْحَاصِل بِهِ مجرّد إِبَاحَة الصَّلَاة كطهارة من بهَا الِاسْتِحَاضَة غير أَن للشارع ولَايَة أَن يَجْعَل طَهَارَته كَامِلَة مثل المَاء على خلاف قِيَاس الْعقل، فالشأن فِي معرفَة اعْتِبَار الشَّارِع، وَذَلِكَ بِقَرِينَة اعْتِبَار الخلفية، فَإِن اعتبرها بَين المَاء وَالتُّرَاب كَانَ ذَلِك عَلامَة إِعْطَائِهِ الطَّهَارَة الْكَامِلَة لكَون أَصله مَعْرُوفا بالطهورية شرعا وعقلا، وَأَن اعتبرها بَين الْفِعْلَيْنِ كَانَ ذَلِك قرينَة إِعْطَائِهِ إِيَّاه مجرّد الْإِبَاحَة للصَّلَاة لعدم مَا هُوَ صَارف عَن اعْتِبَار مَا يَلِيق بِشَأْنِهِ من كَون الأَصْل مَعْرُوفا بِمَا ذكر حِينَئِذٍ (وَلَا بدّ فِي تَحْقِيق الخلفية من عدم الأَصْل) حَال انْتِقَال الحكم عَن الأَصْل إِلَى الْخلف إِذْ لَا معنى إِلَى الْمصير إِلَى الْخلف مَعَ وجود الأَصْل (و) من (إِمْكَانه) أَي الأَصْل لينعقد السَّبَب، ثمَّ بِالْعَجزِ عَنهُ يتحوّل الحكم عَنهُ إِلَى الْخلف (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الأَصْل مُمكنا لأمر مَا (فَلَا أصل) أَي فَلَا يُوصف ذَلِك الْأَمر بِالْأَصَالَةِ لغيره، وَإِذ لَا أصل لَهُ (فَلَا خلف) أَي فَلَا يُوصف ذَلِك الْغَيْر بالخلفية عَنهُ، وَمن هُنَا لزم التَّكْفِير من حلف ليمسنّ السَّمَاء لِأَنَّهَا انْعَقَدت مُوجبَة للبرّ لَا مَكَان مسّ السَّمَاء فِي الْجُمْلَة، لِأَن الْمَلَائِكَة يصعدون إِلَيْهَا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صعد إِلَيْهَا لَيْلَة الْمِعْرَاج إِلَّا أَنه مَعْدُوم عرفا وَعَادَة، فانتقل الحكم مِنْهُ إِلَى الْخلف الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَة، وَلم يلْزم من حلف على نفي مَا كَانَ، أَو ثُبُوت مَا لم يكن فِي الْمَاضِي لعدم إِمْكَان الأَصْل. الْفَصْل الثَّالِث فِي (الْمَحْكُوم فِيهِ) الْمَحْكُوم فِيهِ مُبْتَدأ وَقَوله (وَهُوَ) أَي الْمَحْكُوم فِيهِ (أقرب من الْمَحْكُوم

بِهِ) مُعْتَرضَة وَخَبره (فعل الْمُكَلف) يُرِيد أَن التَّعْبِير عَن فعل الْمُكَلف بالمحكوم فِيهِ أقرب من حَيْثُ الْمُنَاسبَة، وَأولى من التَّعْبِير عَنهُ بالمحكوم بِهِ كَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة والبيضاوي وَغَيرهمَا نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه قَالَ: إِذا لم يحكم الشَّارِع بِهِ على الْمُكَلف، بل حكم فِي الْفِعْل بِالْوُجُوب، بِالْمَنْعِ، بِالْإِطْلَاقِ، وَالظَّاهِر أَن لَيْسَ مَنعه حكم بِهِ على الْمُكَلف وَلَا فِي إِطْلَاقه وَالْإِذْن فِيهِ، وَإِنَّمَا يخال ذَلِك فِي إِيجَابه، وَعند التَّحْقِيق يظْهر أَن لَيْسَ إِيجَابه: أَي إِيجَاب الشَّارِع فعله حكما بِنَفس الْفِعْل، وَلَو سلم كَانَ بِاعْتِبَار قسم يُخَالِفهُ أَقسَام (مُتَعَلق الْإِيجَاب) حَال من الْخَبَر (و) الْعَامِل معنوي (هُوَ الْوَاجِب) أَي يُسمى الْوَاجِب (لم يشتقوا لَهُ) أَي لفعله الْمَذْكُور (بِاعْتِبَار أَثَره) أَي الْإِيجَاب الْمُتَعَلّق بِهِ اسْما (إِلَّا اسْم الْفَاعِل) وَأما الْبَاقِي (فمتعلق النّدب وَالْإِبَاحَة وَالْكَرَاهَة مفعول) اشتق لمتعلقها بِاعْتِبَار أَثَرهَا اسْم مفعول، وَهُوَ (مَنْدُوب مُبَاح مَكْرُوه و) اشتقوا (كلا) من اسْمِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول (لمتعلق التَّحْرِيم) فَقَالُوا هُوَ (حرَام محرّم تَخْصِيصًا بالاصطلاح فِي الأول) أَي وَقع تَخْصِيص فِي مُتَعَلق الْإِيجَاب بالاقتصار على اسْم الْفَاعِل (و) فِي (الْأَخير) يَعْنِي مُتَعَلق التَّحْرِيم بِأَن وَسعوا لَهُ فِي الِاشْتِقَاق لَا لغيره، وكل ذَلِك بمجرّد الِاصْطِلَاح، لَا لموجب اقْتضى ذَلِك (ورسم الْوَاجِب بِمَا) أَي فعل (يُعَاقب تَاركه) على تَركه، قَوْله رسم الْوَاجِب مُبْتَدأ خَبره (مَرْدُود بِجَوَاز الْعَفو) عَنهُ: أَي سَبَب الرّد أَنه لَيْسَ الْعقَاب من لوازمه لجَوَاز أَن يعفي عَنهُ فَلَا يُعَاقب (و) رسمه (بِمَا أوعد) بالعقاب (على تَركه، إِن أُرِيد) بِالتّرْكِ التّرْك (الأعمّ من ترك) مُكَلّف (وَاحِد أَو) ترك (الكلّ) أَي كلّ الْمُكَلّفين فِي تِلْكَ النَّاحِيَة (ليدْخل الْكِفَايَة) أَي الْوَاجِب كِفَايَة فِي التَّعْرِيف (لزم التوعد بترك وَاحِد فِي الْكِفَايَة) مَعَ فعل غَيره (أَو) أُرِيد بِهِ (ترك الكلّ خرج مَتْرُوك الْوَاحِد) فِي الْوَاجِب عينا أَن لم يبين حكمه (أَو) أُرِيد بِهِ تَركه (الْوَاحِد خرج الْكِفَايَة، وَأما ردّه) أَي التَّعْرِيف الْمَذْكُور (بِصدق إيعاده كوعده فيستلزم الْعقَاب) يَعْنِي أَن الْعُدُول عَن المعاقبة إِلَى الإيعاد الْمعبر عَنهُ بأوعد لَا يصحح التَّعْرِيف للُزُوم وُقُوع مُتَعَلق الإيعاد، فَلَا فرق فِي الْمَآل بَين قَوْلكُم يُعَاقب وقولكم أوعده الله بالعقاب على التّرْك، فَكَمَا أَن ذَلِك مَرْدُود بِجَوَاز الْعَفو كَذَلِك هَذَا (فيناقض تجويزهم الْعَفو) إِذا أوعد تَارِك الْوَاجِب مُطلقًا بالعقاب، وقلتم إيعاده يسْتَلْزم الْعقَاب، فَلم يبْق لجَوَاز الْعَفو مجَال (وَهُوَ) أَي هَذَا الردّ (بالمعتزلة أليق) لِاسْتِحَالَة الْخلف فِي وعيده تَعَالَى عِنْدهم، بِخِلَاف أهل السّنة، ثمَّ إِن التَّنَاقُض يلْزم من ظنّ كَون الإيعاد الْمَذْكُور فِي التَّعْرِيف مستلزما للعقاب فِي جَمِيع الْأَوْقَات (إِلَّا) وَقت (أَن يُرَاد) بالإيعاد الْمَذْكُور (إيعاد ترك وَاجِب الْإِيمَان) فَإِن الْخلف فِيهِ غير جَائِز قطعا لقَوْله تَعَالَى - (إِن الله لَا يغْفر أَن

يُشْرك بِهِ} - وَأما الإيعاد على ترك وَاجِب غَيره فَيجوز الْخلف فِيهِ لقَوْله تَعَالَى - {وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} -، وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَا يجوز أَن يُرَاد هَذَا الإيعاد الْخَاص من التَّعْرِيف إِذْ لَا دلَالَة للعام على الْخَاص بِوَجْه (فَلَا يبطل التَّعْرِيف إِلَّا بِفساد عَكسه بِخُرُوج مَا سواهُ) أَي مَا سوى وَاجِب الْإِيمَان، لَا بِخُرُوج كلّ وَاجِب، وَقَالَ الشَّارِح: إِن ظَاهر المواقف والمقاصد أَن الأشاعرة على جَوَاز الْخلف فِي الْوَعيد، لِأَنَّهُ يعدّ جودا وكرما لَا نقصا، وَإِن فِي غَيرهمَا الْمَنْع مِنْهُ معزوّا إِلَى الْمُحَقِّقين، فَإِن الشَّيْخ حَافظ الدّين نصّ على أَنه الصَّحِيح، وَأَن الْأَشْبَه أَن يُقَال بِجَوَازِهِ فِي حق الْمُسلمين خَاصَّة جمعا بَين الْأَدِلَّة انْتهى. قلت والحقّ أَن من الْوَعيد مَا فِيهِ تفاصيل كَثِيرَة كتخاصم أهل النَّار وحكاية أسئلتهم وأجوبتهم وتقريعات الْمَلَائِكَة وَغَيرهم عَلَيْهِم وتأسفاتهم على مَا فاتهم من طلب الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا، فَعدم تحقق مثله مِمَّا يحيله الْعقل عَادَة إِذْ لَا يَلِيق بجنابه الْإِخْبَار عَن الْمُسْتَقْبل بِتِلْكَ التفاصيل من غير أَن يكون لَهُ مصداق، وَيُشبه أَن يكون تَجْوِيز مثل هَذَا الِاحْتِمَال من بَاب الْغرُور، وَإِنَّمَا يجوز الْخلف فِي مثل قَول الْملك لأَقْتُلَنك، وشتان بَينهمَا (وَأما) ردّ هَذَا التَّعْرِيف (بِأَن مِنْهُ) أَي الْوَاجِب (مَا لم يتوعد عَلَيْهِ) أَي على تَركه فَلَا يصدق عَلَيْهِ مَا أوعد على تَركه (فمندفع بِثُبُوتِهِ) أَي الإيعاد على التّرْك (لكلها) أَي الْوَاجِبَات (بالعمومات) أَي بالنصوص الْعَامَّة كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعدّ حُدُوده يدْخلهُ نَارا} {} (وَمن يعْمل مِثْقَال ذرّة شرّا يره} - (ورسم) الْوَاجِب أَيْضا (بِمَا يخَاف الْعقَاب بِتَرْكِهِ، وأفسد طرده) أَي كَون هَذَا التَّعْرِيف مَانِعا (بِمَا لَيْسَ بِوَاجِب) أَي لم يثبت وُجُوبه شرعا (وَشك فِي وُجُوبه) فَإِن الْمَشْكُوك فِي وُجُوبه يخَاف على تَركه لاحْتِمَال كَونه وَاجِبا فِي نفس الْأَمر فَيصدق عَلَيْهِ الحدّ دون الْمَحْدُود، لِأَن الْمُعَرّف مَا ثَبت وُجُوبه شرعا (وَيدْفَع) هَذَا الْإِفْسَاد (بِأَن مَفْهُومه) أَي مَا يخَاف الْعقَاب بِتَرْكِهِ (مَا) أَي فعل (بِحَيْثُ) يخَاف الْعقَاب بِتَرْكِهِ: يَعْنِي أَن هَذِه الْحَيْثِيَّة لَازِمَة لَهُ (فَلَا يختصّ) ذَلِك الْفِعْل (بخوف وَاحِد دون آخر) بِأَن يخَاف بعض النَّاس الْعقَاب بِتَرْكِهِ وَلَا يخَاف بعض آخر، بل يعمّ الْخَوْف كلّ أحد (وَلَا خوف للمجتهد فِي ترك مَا شكّ فِيهِ) بعد الِاجْتِهَاد، وَذَلِكَ ليأسه عَمَّا يُفِيد زَوَال الشَّك بعد بذل الوسع فَلَا يصدق التَّعْرِيف على الْمَشْكُوك فِي وُجُوبه لما عرفت من اعْتِبَار عُمُوم الْخَوْف فِيهِ (و) أفسد (عَكسه) أَي جامعية التَّعْرِيف الْمَذْكُور (بِوَاجِب) أَي بِمَا ثَبت وُجُوبه شرعا غير أَنه (شكّ فِي عدم وُجُوبه) فَإِن قلت الشَّك عبارَة عَن تَسَاوِي الطَّرفَيْنِ، فالشك فِي عدم الْوُجُوب شكّ فِي الْوُجُوب قلت الشَّك كَمَا قلت غير أَن الشُّبْهَة طارئة فِي الأول على أَمر ثَبت وُجُوبه بدليله، وَفِي الثَّانِي على أَمر ثَبت عدم وُجُوبه. فَعبر عَن كلّ مِنْهُمَا بِمَا يَلِيق بِهِ

تقسيم

(أَو) مَا (ظنّ) عدم وُجُوبه بِأَن ظنّ الْمُجْتَهد الَّذِي ادّعى اجْتِهَاده إِلَى وُجُوبه ابْتِدَاء عدم الْوُجُوب أَو ظنّ غَيره (فَإِنَّهُ) أَي الشَّأْن أَو الْوَاجِب الْمَذْكُور (لَا يخَاف) الْعقَاب بِتَرْكِهِ فَلَا يصدق التَّعْرِيف على هَذَا الْفَرد من الْمُعَرّف، إِذْ لَيْسَ مثله مِمَّا يخَاف على تَركه خوفًا لَا يختصّ بِوَاحِد دون وَاحِد، أما إِذا كَانَ هُوَ الظانّ فالشارح ذكر أَنه لَا يخَاف بترك مَا ظنّ عدم وُجُوبه ابْتِدَاء عَادَة، وَفِيه نظر (وَهُوَ) أَي إِفْسَاد عَكسه بِهَذَا (حقّ، ومنبع دفع الأوّل) أَي منشأ دفع الْإِشْكَال على طرده من غير حَاجَة إِلَى تَفْسِيره بِمَا بحث بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور، إِذْ عدم الْخَوْف مُشْتَرك بِمَا لَيْسَ بِوَاجِب وَشك فِي وُجُوبه وَبَين مَا هُوَ وَاجِب وَشك فِي عدم وُجُوبه، وَذَلِكَ مَعْلُوم بِحَسب الْعَادة (وللقاضي أبي بكر) رسم آخر، وَهُوَ (مَا يذمّ شرعا تَاركه بِوَجْه مّا، يُرِيد) بقوله بِوَجْه مّا أحد الْوُجُوه الْمشَار إِلَيْهَا بِهَذَا التَّفْصِيل تَركه (فِي جَمِيع وقته) الَّذِي وَقت بِهِ، فاحترز بِهِ عَن تَركه فِي بعض ذَلِك الْوَقْت (بِلَا عذر نِسْيَان ونوم وسفر) فَلَا يذمّ إِذا ترك بِأحد هَذِه الْأَعْذَار، وَهَذَا فِي الْوَاجِب عينا. وَأما فِي الْوَاجِب كِفَايَة فَتعْتَبر هَذِه الْقُيُود مَعَ قيد آخر (و) هُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (مَعَ عدم فعل غَيره) بِأَن يتْركهُ الْجَمِيع (أَن) كَانَ الْوَاجِب (كِفَايَة و) ترك (الْكل) من الْأُمُور الْمُخَير فِيهَا (فِي) الْوَاجِب (الْمُخَير) فِيهِ بَين الْأُمُور (وَلَو أَرَادَ) القَاضِي (عدم الْوُجُوب مَعهَا) أَي الْأَعْذَار الْمَذْكُورَة على مَا صرّح بِهِ فِي التَّقْرِيب من أَنه لَا وجوب على النَّائِم وَالنَّاسِي وَنَحْوهمَا حَتَّى السَّكْرَان، وَأَن الْمُسَافِر يجب عَلَيْهِ صَوْم أحد الشَّهْرَيْنِ (فَلَا يذمّ) الْمُكَلف (مَعهَا) أَي الْأَعْذَار الْمَذْكُورَة وَلَو هَاهُنَا بِمَعْنى أَن بِدَلِيل دُخُول الْفَاء فِي جوابها (بِالتّرْكِ إِلَى آخر الْوَقْت) إِذْ لَا وجوب مَعهَا (وَبعد زَوَالهَا) أَي الْأَعْذَار (توجه وجوب الْقَضَاء عِنْده) أَي القَاضِي (فيذم) الْمُكَلف (بِتَرْكِهِ) أَي الْقَضَاء (بِوَجْه مَا وَهُوَ): أَي ترك الْقَضَاء بِوَجْه مّا (مَا): أَي التّرْك الَّذِي يكون (فِي جَمِيع الْعُمر) مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ (ولبعضهم اعْتِرَاض) عَلَيْهِ (جدير بِالْإِعْرَاضِ) ثمَّ عِنْده وجوب الْقَضَاء لَيْسَ فرع وجوب الْأَدَاء (أما على) اصْطِلَاح (الْحَنَفِيَّة فالوجوب يَنْفَكّ عَن وجوب الْأَدَاء وَهُوَ) أَي وجوب الْأَدَاء فِي هَذِه الْحَالَات هُوَ (السَّاقِط) لَا أصل الْوُجُوب. (تَقْسِيم) للْوَاجِب بِاعْتِبَار تقيده بِوَقْت يفوت بفواته، وَعدم تقيده بذلك (الْوَاجِب) قِسْمَانِ وَاجِب (مُطلق) وَهُوَ الَّذِي (لم يُقيد طلب إِيقَاعه بِوَقْت من الْعُمر كالنذور الْمُطلقَة وَالْكَفَّارَات) وَقَضَاء رَمَضَان كَمَا ذكره القَاضِي أَبُو زيد وَصدر الْإِسْلَام وَصَاحب الْمِيزَان، وَذكر فَخر الْإِسْلَام وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ أَنه موقت، لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا فِي النَّهَار، وَأَجَابُوا عَنْهُمَا

بِأَن كَونهمَا فِي النَّهَار دَاخل فِي مَفْهُومه لَا قيد لَهُ (وَالزَّكَاة) كَمَا هُوَ قَول الشَّيْخ أبي بكر الرَّازِيّ، وَالْوَجْه الْمُخْتَار أَن الْأَمر بِالصرْفِ إِلَى الْفَقِير مَعَه قرينَة الْفَوْر، وَهِي أَنه لدفع حَاجته، وَهِي مُعجلَة، فَلَزِمَ بِالتَّأْخِيرِ من غير ضَرُورَة إِثْم. نعم بِالنّظرِ إِلَى دَلِيل الافتراض لَا تجب الْفَوْرِيَّة كَمَا صرّح بِهِ الْحَاكِم الشَّهِيد والكرخي: وَذكر الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر عَن أبي حنيفَة أَنه يكره التَّأْخِير من غير عذر، فَيحمل على كَرَاهَة التَّحْرِيم، وعنهما مَا يُفِيد ذَلِك، وَبِه قَالَت الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة (وَالْعشر وَالْخَرَاج، وأدرج الْحَنَفِيَّة صَدَقَة الْفطر) فِي هَذَا الْقسم (نظرا إِلَى أَن وُجُوبهَا طهرة للصَّائِم) عَن اللَّغْو والرفث فَلَا يتَقَيَّد بِوَقْت (وَالظَّاهِر تقييدها بيومه) أَي يَوْم الْفطر (من) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " (أغنوهم الخ) أَي عَن المسئلة فِي هَذَا الْيَوْم ". قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة: روى الْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث عَن ابْن عمر قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نخرج صَدَقَة الْفطر قبل الصَّلَاة وَيَقُول: أغنوهم عَن الطّواف فِي هَذَا الْيَوْم (فبعده) أَي فإخراجها فِيمَا بعد يَوْم الْفطر (قَضَاء ووجوبه) أَي الْوَاجِب الْمُطلق (على التَّرَاخِي: أَي جَوَاز التَّأْخِير) عَن الْوَقْت الَّذِي وَجب فِيهِ إِنَّمَا فسر بقوله ووجوبه بِهِ على التَّرَاخِي لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن التَّرَاخِي وَاجِب فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهر اللَّفْظ: فَالْمَعْنى وُجُوبه كَائِن على وَجه يجوز فِيهِ التَّرَاخِي (مَا لم يغلب على ظَنّه فَوَاته) إِن لم يَفْعَله فقد وسع لَهُ فِي مدّة عمْرَة بِشَرْط أَن لَا يخليها مِنْهُ (عِنْد جَمَاهِير الْفرق) من الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة والمتكلمين (خلافًا للكرخي وَبَعض الشَّافِعِيَّة) والمالكية والحنابلة على مَا ذكره الشَّارِح فَإِنَّهُم قَالُوا بِوُجُوبِهِ فَوْرًا (ومبناه) أَي هَذَا الْخلاف (أَن الْأَمر) الْمُطلق (للفور أَو لَا) وَقد سبق الْكَلَام فِيهِ مفصلا (و) وَاجِب (مُقَيّد بِهِ) أَي بِوَقْت مَحْدُود (يفوت) الْوَاجِب (بِهِ) أَي بِفَوَات ذَلِك الْوَقْت (وَهُوَ) أَي الْوَاجِب الْمُقَيد بِهِ (بالاستقراء) أَقسَام (أَرْبَعَة: الأوّل أَن يفضل الْوَقْت عَن الْأَدَاء، وَيُسمى) ذَلِك الْوَقْت (عِنْد الْحَنَفِيَّة ظرفا اصْطِلَاحا) يَعْنِي أَن تَخْصِيصه بِهِ مجرّد اصْطِلَاح مِنْهُم: إِذْ هُوَ فِي اللُّغَة مَا يحلّ بِهِ الشَّيْء، وَهَذَا الْمَعْنى مُتَحَقق فِي كل وَقت سَوَاء فضل عَن الْأَدَاء أَو لَا. وَقد يُقَال لما كَانَ غَالب الظروف المحسوسة أعظم مِقْدَارًا من المظروف شبه هَذَا الظّرْف بهَا فَسُمي باسمها (وموسعا عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَبِه) أَي الموسع (سَمَّاهُ فِي الْكَشْف الصَّغِير) أَي كشف الْأَسْرَار: شرح الْمنَار لمؤلفه كَذَا فسره الشَّارِح، وَقَالَ لم أَقف عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وقفت عَلَيْهِ فِي الْكَشْف الْكَبِير من كَلَام الْغَزالِيّ انْتهى. وَعدم وُقُوفه لَا يسْتَلْزم عَدمه فِيهِ، مَعَ أَنه يحْتَمل أَن يكون اسْم كتاب آخر (كوقت الصَّلَاة) الْمَكْتُوبَة فَإِنَّهُ (سَبَب مَحْض عَلامَة) دَالَّة (على الْوُجُوب) أَي وُجُوبهَا فِيهِ (وَالنعَم) المتتابعة على الْعَاد (فِيهِ) أَي الْوَقْت هما (الْعلَّة) المثيرة للْوُجُوب فِيهِ (بِالْحَقِيقَةِ) لِأَنَّهَا صَالِحَة للعلية، بِخِلَاف

نفس الْوَقْت فَإِنَّهُ لَا مُنَاسبَة بَينه وَبَينهَا، وَإِنَّمَا جعل سَببا مجَازًا لِأَنَّهُ محلّ لحدوث النعم فأقيم مقَامهَا تيسيرا (وَشرط صِحَة مُتَعَلقَة) أَي الْوُجُوب مَعْطُوف على قَوْله سَبَب، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تصحّ للصَّلَاة فِي غير الْوَقْت أَدَاء، ومتعلقه هُوَ المؤدّى (من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك) أَي هُوَ شَرط صِحَة المؤدّى من حَيْثُ هُوَ مُتَعَلق الْوُجُوب: أَي من حَيْثُ هُوَ مؤدّى، إِذْ هُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار صَار مُتَعَلق الْوُجُوب (وَمَا قيل) وَالْقَائِل جمّ غفير من أَن وَقت الصَّلَاة (ظرفيته للمؤدّي وَهُوَ) أَي المؤدّي (الْفِعْل) يَعْنِي الْأَركان الْمَخْصُوصَة (وشرطيته للْأَدَاء وَهُوَ) أَي الْأَدَاء (غَيره) أَي الْفِعْل فَلَا يتحد المظروف والمشروط (غلط) خبر الْمَوْصُول (لِأَن الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْمَفْعُول) أَي الَّذِي يفعل (فِي الْوَقْت) وَكَذَا قَالُوا الْمَفْعُول حَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ (هُوَ المُرَاد بِالْأَدَاءِ، لَا أَدَاء الْفِعْل الَّذِي هُوَ فعل الْفِعْل) قَوْله الَّذِي صفة أَدَاء الْفِعْل، وَالْمرَاد بِفعل الْفِعْل هُوَ الْوَصْف الْقَائِم بالفاعل: أَعنِي كَونه مؤدّيا لما فِي ذمّته (لِأَنَّهُ) أَي فعل الْفِعْل أَمر (اعتباري لَا وجود لَهُ) وَمَا لَا وجود لَهُ لَا يصلح للمشروطية، وَفِيه أَن الْأَمر الاعتباري إِذا كَانَ لَهُ ثبوب بِحَسب نفس الْأَمر كزوجية الْأَرْبَعَة لم لَا يجوز أَن يَقع مَشْرُوطًا بِشَرْط فَتَأمل (وَفِيه) أَي هَذَا الْقسم (مسئلة) تذكر فِي مباحثه لَا أَنَّهَا من أَفْرَاده. (السَّبَب) للصَّلَاة الْمَكْتُوبَة هُوَ (الْجُزْء الأول من الْوَقْت عينا) أَي من حَيْثُ عينه فَهُوَ مَنْصُوب على التَّمْيِيز (للسبق والصلاحية بِلَا مَانع) يَعْنِي بعد مَا تعين أَن يكون الْوَقْت هُوَ السَّبَب لوُجُوبهَا وَلَا يُمكن جعله مَجْمُوع أَجْزَائِهِ لاستلزامه وُقُوع الصَّلَاة بعد الْوَقْت لزم أَن يكون بعض أَجْزَائِهِ، وكل جُزْء يصلح لذَلِك، والجزء الأول أسبق فِي الْوُجُود والاستحقاق وَلَا معَارض لَهُ فَتعين للسَّبَبِيَّة (وَعَامة الْحَنَفِيَّة) على أَن السَّبَب (هُوَ) الْجُزْء الأول من الْوَقْت إِذا اتَّصل بِهِ الْأَدَاء (فَإِن لم يتَّصل بِهِ الْأَدَاء انْتَقَلت) السَّبَبِيَّة مِنْهُ إِلَى مَا يَلِيهِ (كَذَلِك) ينْتَقل من كل جُزْء إِلَى مَا يَلِيهِ إِلَى أَن يصل (إِلَى مَا) أَي جُزْء (يتَّصل بِهِ) أَي بِالْأَدَاءِ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم ينْتَه إِلَى جُزْء مُتَّصِل بِالْأَدَاءِ تعين الْجُزْء (الْأَخير) للسَّبَبِيَّة، يرد عَلَيْهِ أَن الْجُزْء الْأَخير إِن اتَّصل بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاة كَانَ دَاخِلا فِيمَا يتَّصل بِالْأَدَاءِ لما سَيَأْتِي من أَن التَّحْرِيمَة إِذا وَقعت فِي الْوَقْت تسمى أَدَاء، وَإِن لم يتَّصل فِينَا فِي مَا بعده، وَهُوَ قَوْله وَبعد خُرُوجه جملَته اتِّفَاقًا، وَالْجَوَاب أَنا نَخْتَار الشق الأول ونقول: اتِّصَاله بِالشُّرُوعِ يتَحَقَّق فِيمَا إِذا بَقِي من الْوَقْت مَا لَا يسع التَّحْرِيمَة فَحِينَئِذٍ لَا يتَحَقَّق الِاتِّصَال بِالْأَدَاءِ فَتدبر فَإِن قلت انْتِقَال السَّبَبِيَّة فرع تحققها وَلَا تحقق لَهَا بِدُونِ الِاتِّصَال بِالْأَدَاءِ قلت المُرَاد بهَا السَّبَبِيَّة بالقوّة الْقَرِيبَة من الْفِعْل (ولزفر) أَي وَالسَّبَب عِنْد زفر (مَا) أَي جُزْء (يسع) الْمَجْمُوع لتركب الْمُبْتَدَأ (مِنْهُ إِلَى آخر الْوَقْت الْأَدَاء) بِالنّصب

مفعول يسع، وَيجب أَن يشْتَرط وُقُوع الشُّرُوع فِي الصَّلَاة فِيمَا بَين الْجُزْء الْمَذْكُور وَآخر الْوَقْت: إِذْ لَو لم يَقع كَانَ السَّبَب جملَة الْوَقْت اتِّفَاقًا (وَبعد خُرُوجه) أَي الْوَقْت السَّبَب (جملَته) أَي مَجْمُوع الْوَقْت (اتِّفَاقًا) نقل الشَّارِح عَن أبي الْيُسْر أَن السَّبَب هُوَ الْجُزْء الْأَخير بعد مضيه أَيْضا وَكَأَنَّهُ لم يثبت عِنْد المُصَنّف (فتأدّى عصر يَوْمه فِي) الْوَقْت (النَّاقِص) وَهُوَ وَقت تغير الشَّمْس لِأَنَّهُ وَجب نَاقِصا، لِأَن نُقْصَان السَّبَب مُؤثر فِي نُقْصَان الْمُسَبّب، فتأدّى كَمَا وَجب تَفْرِيع على مَا سبق من أَن السَّبَب الْجُزْء الْمُتَّصِل بِالْأَدَاءِ فَإِن المقترن بالتغير نَاقص، فَيجب بِهِ على وصف النُّقْصَان بِالِابْتِدَاءِ فِي الْوَقْت النَّاقِص (لَا) عصر (أمسه لِأَنَّهُ) أَي سَبَب عصر أمسه (نَاقص من وَجه) لِأَن عصر يَوْم حَيْثُ لم يؤدّ فِي جُزْء من الْوَقْت كَانَ سَبَب وُجُوبه جملَة الْوَقْت، وَهِي تشْتَمل على النَّاقِص وَغَيره فَهُوَ نَاقص من وَجه دون وَجه (فَلَا يتَأَدَّى بالناقص) أى فِي الْوَقْت النَّاقِص (من كل وَجه) لعدم اشتماله على غير النَّاقِص (وَاعْترض بِلُزُوم صِحَّته) أَي عصر أمسه (إِذا وَقع بعضه) أَي بعض عصر أمسه (فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت النَّاقِص وَبَعضه فِي الْوَقْت الْكَامِل الَّذِي هُوَ مَا قبل التَّغَيُّر لكِنهمْ نصوا على عدم الصِّحَّة (فَعدل) عَن الْجَواب الْمَذْكُور إِلَى الْجَواب بِأَن الْوَقْت الْكَامِل لما كَانَ أَكثر من النَّاقِص تعين وجوب الْقَضَاء كَامِلا ذَهَابًا (إِلَى تَغْلِيب الصَّحِيح) الَّذِي هُوَ أَكثر أَجزَاء سَبَب عصر أمسه على غير الصَّحِيح الَّذِي هُوَ الأقلّ الْفَاسِد (للغلبة) للْأَكْثَر لِأَن للْأَكْثَر حكم الكلّ فِي كثير من الْمَوَاضِع فَكَأَن سَببه كَامِل من غير نقص فَلَا يتأدّى فِي الْوَقْت النَّاقِص (فورد) حِينَئِذٍ (من أسلم وَنَحْوه) كمن بلغ وَمن طهرت من حيض (فِي) الْوَقْت (النَّاقِص) فَلم يصلّ فِيهِ حَتَّى مضى (لَا يصحّ مِنْهُ) قَضَاء تِلْكَ الصَّلَاة (فِي نَاقص غَيره) من الْأَوْقَات (مَعَ تعذّر الْإِضَافَة) للسبب (فِي حَقه) أَي من أسلم وَنَحْوه (إِلَى الكلّ) أَي كل الْوَقْت لعدم أهليتهم للْوُجُوب فِي جَمِيع أَجْزَائِهِ، فَيَنْبَغِي أَن يجوز لِأَن الْقَضَاء حِينَئِذٍ يكون بِالصّفةِ الَّتِي وَجب بهَا الْأَدَاء، وَقد تقرّر الْجُزْء الْأَخير للسَّبَبِيَّة فِي حَقه (فَأُجِيب بِأَن لَا رِوَايَة) فِي هَذَا عَن الْمُتَقَدِّمين (فيلتزم الصِّحَّة) أَي صِحَة قَضَاء من ذكر فِي الْوَقْت النَّاقِص كَمَا هُوَ قَول بعض الْمَشَايِخ، وَعَزاهُ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة إِلَى فَخر الْإِسْلَام (وَالصَّحِيح أَن النُّقْصَان لَازم الْأَدَاء فِي ذَلِك الْجُزْء) الْأَخير لما فِيهِ من التَّشْبِيه بعبدة الشَّمْس فِي ذَلِك الْوَقْت (لَا) لَازم نفس (الْجُزْء) لانْتِفَاء هَذَا الْمَعْنى فِيهِ (فَيحمل) النُّقْصَان فِي الْأَدَاء فِيهِ (لوُجُوب الْأَدَاء فِيهِ) بِسَبَب شرف الْوَقْت وورود السّنة بِهِ (فَإِذا لم يؤدّ) فِي ذَلِك الْوَقْت (و) الْحَال أَنه (لَا نقص) فِي الْوَقْت أصلا (وَجب الْكَامِل) أَي وَجب الْقَضَاء على وَجه الْكَمَال بإيقاعه فِي وَقت لَا نقص لما يَقع فِيهِ (قَالُوا) أَي عَامَّة الْحَنَفِيَّة (كَونه) أَي

السَّبَب الْجُزْء (الأول يُوجب كَون الْأَدَاء بعده) أَي الْجُزْء الأول من الْوَقْت إِذا لم يتَّصل بِهِ الْأَدَاء (قَضَاء، و) كَونه (الْكل) أَي كل الْوَقْت (يُوجِبهُ) أَي الْأَدَاء (بعده) أَي الْوَقْت ضَرُورَة لزم تقدم السَّبَب على الْمُسَبّب (وهما) أَي كَون الْأَدَاء بعد الْجُزْء الأول فِي الْوَقْت ضَرُورَة وَقَضَاء وَإِيجَاب الْفِعْل بعد الْوَقْت أَدَاء (منتفيان) أما الأول فَلِأَنَّهُ لَا وَجه لِلْقَوْلِ بالتفويت مَعَ وجود الْوَقْت، وَأما الثَّانِي فبالإجماع (قُلْنَا) يخْتَار الأول ثمَّ (الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة، وَإِنَّمَا يلْزم) كَون الْأَدَاء بعده قَضَاء (لَو لم يكن) الْجُزْء الأول (سَببا للْوُجُوب الموسع بِمَعْنى أَنه) أَي الْجُزْء الأول (عَلامَة) دَالَّة (على تعلق وجوب الْفِعْل) أَي تعلق الْوُجُوب بِالْفِعْلِ (مُخَيّرا فِي أَجزَاء زمَان مُقَدّر) أَي مَحْدُود أَو مَفْرُوض وُقُوع أَجْزَائِهِ ظرفا للْفِعْل (يَقع) الْفِعْل (أَدَاء فِي كل مِنْهَا) أَي فِي كل وَاحِد من أَجزَاء ذَلِك الزَّمَان (كالتخيير فِي الْمَفْعُول من) خِصَال (الْكَفَّارَة فجميعه) أَي جَمِيع أَجزَاء ذَلِك الزَّمَان (وَقت الْأَدَاء وَالسَّبَب الْجُزْء السَّابِق) وَلَا يجب اتِّصَال أَدَاء الْوَاجِب بِسَبَب وُجُوبه (وَلَا تنعكس الْفُرُوع) نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه قَالَ أَنا وَإِن قُلْنَا السَّبَب هُوَ الْجُزْء الأول عينا لَا تنعكس الْفُرُوع المذهبية: بل يستمرّ قَوْلنَا أَن من أسلم وَبلغ إِلَى آخِره فِي الْوَقْت الَّذِي يلْزم الْأَدَاء فِيهِ نُقْصَان المؤدّى لَا يَصح أَدَاء عصره فِي مثله من يَوْم غَيره، لِأَن مَا يجب دَائِما كَامِل: إِذْ لَا نقص فِي الْوَقْت كَمَا حقق فَلَا يتأدّى بِمَا يثبت فِيهِ نقص إِلَّا عصر يَوْمه (وَمَا نقل عَن بعض الشَّافِعِيَّة) من (أَنه) أَي الْمَفْعُول الَّذِي هُوَ الصَّلَاة (قَضَاء بعده) أَي بعد الْجُزْء السَّابِق وَإِن كَانَ فِي الْوَقْت. وَفِي الْكَشْف الْكَبِير، وَهُوَ قَول بعض أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيّين (و) عَن (بعض الْحَنَفِيَّة أَنه) أَي السَّبَب الْجُزْء (الْأَخير فَفِي مَا قبله) أَي فالفعل الْوَاقِع فِيمَا قبل الْجُزْء الْأَخير (نفل يسْقط بِهِ الْفَرْض لَيْسَ) شَيْء مِنْهُمَا (مَعْرُوفا عِنْدهم) أَي أهل المذهبين. هَذَا، وَنقل عَن بعض أَصْحَابنَا أَن مَا فعله فِي أول الْوَقْت مراعى، فَإِن لحق آخِره، وَهُوَ من أهل الْخطاب بهَا كَانَ مَا أدّاه فرضا، وَإِن لم يكن من أهل الْخطاب كَانَ نفلا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِنَّمَا عَن الْكَرْخِي إِذا لم يبْق) الْمُكَلف (بِصفة التَّكْلِيف بعده) أَي الْجُزْء السَّابِق (بِأَن يَمُوت أَو يجنّ كَانَ) ذَلِك الْمَفْعُول (نفلا، وَالْكل) من هَذِه الْأَقْوَال قَول (بِلَا مُوجب) وَاحْتج كل من يعلق الْوُجُوب بأوّل الْوَقْت لَا غير بِأَن الْوَاجِب الْمُؤَقت لَا ينْتَظر لوُجُوبه بعد وجود شَرَائِطه سوى دُخُول الْوَقْت فَعلم أَنه مُتَعَلق بِهِ، وَإِذا ثَبت الْوُجُوب بأوّل الْوَقْت لَا يتَعَلَّق بِمَا بعده لِامْتِنَاع التَّوَسُّع فِي الْوُجُوب، وَمن يعلقه بآخر الْوَقْت يحْتَج بِأَنَّهُ لما جَازَ التَّأْخِير إِلَى التَّضْيِيق وَامْتنع التَّوَسُّع كَانَ مُتَعَلقا بِآخِرهِ، وَمَا قبله لَا تعلق لَهُ بِالْإِيجَابِ، ثمَّ المؤدّى إِنَّمَا يكون نفلا كَمَا قَالَ الْبَعْض لِأَنَّهُ يتَمَكَّن من التّرْك فِي أوّله لَا إِلَى بدل

مسئلة

وإثم، وَهَذَا حدّ الْفِعْل إِلَّا أَن بِأَدَائِهِ يحصل الْمَطْلُوب وَهُوَ إِظْهَار فضل الْوَقْت فَيمْنَع لُزُوم الْفَرْض كمحدث تَوَضَّأ قبل الْوَقْت يَقع نفلا، وَمَعَ هَذَا يمْنَع لُزُوم فرض الْوَقْت بعد دُخُوله أَو مَوْقُوفا كَمَا قَالَ الْبَعْض الآخر كَالزَّكَاةِ المعجلة قبل الْحول للمصدّق كشاة من أَرْبَعِينَ شَاة فَإِنَّهُ إِن تمّ الْحول وَعِنْده تسع وَثَلَاثُونَ أَجزَأَهُ، وَإِن كَانَ أقلّ كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذهَا من يَد المصدّق وَإِن كَانَت قَائِمَة كَذَا ذكره الشَّارِح فِي مسَائِل أُخْرَى من هَذَا الْبَاب: ثمَّ الاجماع على وُجُوبهَا على من بلغ أَو أسلم فِي وسط الْوَقْت أَو آخِره إِن كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ يَسعهَا، وَلَو كَانَ الْوُجُوب مُتَعَلقا بأوّله لَا غير لما وَجب عَلَيْهِم (وَإِنَّمَا يلْزم) كَونه قَضَاء بعد الْجُزْء الأوّل فِي الْوَقْت (لَو كَانَ) الْجُزْء (الأوّل سَبَب) الْوُجُوب (الْمضيق) وَلَيْسَ كَذَلِك (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (تتقررّ السَّبَبِيَّة على مَا) أَي جُزْء (يَلِيهِ الشُّرُوع) فِي الْوَاجِب (فِيهِ) أَي فِي قَوْلهم (مَا سنذكر) فِي المسئلة الَّتِي تلِي هَذِه. مسئلة (الْوَاجِب بِالسَّبَبِ الْفِعْل عينا مُخَيّرا) فِي أَجزَاء زَمَانه الْمَحْدُود لَهُ (كَمَا قُلْنَا) آنِفا فِي السَّابِقَة (و) قَالَ (القَاضِي أَبُو بكر الْوَاجِب فِي كل جُزْء) من أَجزَاء الْوَقْت مَا لم يتضيق (أحد الْأَمريْنِ مِنْهُ) أَي الْفِعْل (وَمن الْعَزْم عَلَيْهِ) أَي الْفِعْل (فِيمَا بعده) أَي ذَلِك الْجُزْء الْخَالِي هُوَ وَمَا قبله من الْفِعْل، فَإِذا لم يبْق مِنْهُ إِلَّا مَا يسع الْفِعْل تعين الْفِعْل (فَإِن لم يفعل وَلم يعزم) على الْفِعْل حَتَّى مضى الْوَقْت (عصى، وَعند زفر عصى بِالتَّأْخِيرِ عَن قدر مَا يسع) الْأَدَاء من أَجزَاء الْوَقْت، وَكَذَا عندنَا فِي الْفجْر (وَدفع) قَول القَاضِي (بِأَن الْمُصَلِّي فِي الْجُزْء) الَّذِي لَيْسَ بالأخير (ممتثل لكَونه مُصَليا لَا) لكَونه (آتِيَا بِأحد الْأَمريْنِ) الْفِعْل والعزم مُبْهما وَلَو كَانَ هُنَا تَخْيِير بَين الصَّلَاة والعزم لَكَانَ الِامْتِثَال بهَا من حَيْثُ أَنَّهَا أحد الْأَمريْنِ (وَله) أَي للْقَاضِي (دَفعه) أَي دفع هَذَا الدّفع (بِأَن لَا مُنَافَاة) بَين كَونه ممتثلا لكَونه مُصَليا، وَكَونه آتِيَا بِأحد الْأَمريْنِ (فَلْيَكُن) امتثاله لكَونه مُصَليا (لكَون الصَّلَاة أَحدهمَا) أَي لأجل أَن الصَّلَاة أحد الْأَمريْنِ، إِذْ لَا شكّ أَن الْإِتْيَان بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِه إتْيَان بِأَحَدِهِمَا لَا على التَّعْيِين، وَالْحق أَنه ورد التَّنْصِيص من الشَّارِع بِأَن الْمُصَلِّي فِي الْجُزْء الْمَذْكُور ممتثل لكَونه مُصَليا، فَالظَّاهِر من هَذِه الْعبارَة كَون الْمَأْمُور بِهِ الصَّلَاة عينا لَا مَا هُوَ أَعم مِنْهَا، وَإِلَّا لَكَانَ حق الْأَدَاء أَن يُقَال ممتثل لكَونه آتِيَا بالمأمور بِهِ ويعبر عَنهُ بِنَفس الْمَأْمُور بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مسَاوٍ لَهُ لَا بِمَا هُوَ أخص مِنْهُ لاستلزامه الْأَعَمّ لَكِن وُرُوده من الشَّارِع غير ثَابت فَلَا يحْتَج بِهِ (وَدَعوى التعين) أَي

مسئلة

كَون الْوَاجِب أَحدهمَا بِعَيْنِه (مَحل النزاع) فَلَا يثبت إِلَّا بدليله وَمَا ذكر لَا يصلح دَلِيلا (إِنَّمَا ذَاك) أَي وجوب أَحدهمَا بِعَيْنِه فِي الْمصلى (عِنْد التَّضْيِيق) فِي الْوَقْت بِحَيْثُ لم يبْق مِنْهُ إِلَّا مَا يَسعهَا وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ (وَفِي البديع) فِي جَوَاب القَاضِي (لَو كَانَ الْعَزْم بَدَلا) عَن الصَّلَاة (سقط بِهِ) أَي الْعَزْم (الْمُبدل) وَهُوَ الصَّلَاة (كَسَائِر الأبدال) كالمسح وَغَيره وَلَيْسَ كَذَلِك (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا (منع الْمُلَازمَة) أَي لَا نسلم سُقُوط الْمُبدل مُطلقًا بالإتيان بِالْبَدَلِ مُطلقًا لجَوَاز أَن يكون الْبَدَل بَدَلا من كل وَجه، فَلَا نقُول أَن الْعَزْم بدل عَن الصَّلَاة من كل وَجه فَلَا يلْزم سُقُوطهَا مُطلقًا (بل اللَّازِم سُقُوط وُجُوبهَا فِي ذَلِك الْوَقْت والبدلية لَيست إِلَّا فِي هَذَا الْقدر) أَي فِي سُقُوط الْوُجُوب فِي ذَلِك الْوَقْت فَيسْقط الْوُجُوب فِيهِ بالعزم فِيهِ على الْفِعْل فِي ثَانِي الْحَال كَمَا يسْقط بالإتيان بِالصَّلَاةِ فِيهِ، قيل وَأَيْضًا هُوَ لم يَجْعَل الْعَزْم وَحده بَدَلا بل الْعَزْم مَعَ الْفِعْل فِي ثَانِي الْحَال، فمجرد الْعَزْم لَا يُوجب السُّقُوط (بل الْجَواب) عَن القَاضِي (أَن الْكَلَام فِي الْوَاجِب بِالْوَقْتِ وَلَا تعلق لوُجُوب الْعَزْم بِهِ) أَي بِالْوَقْتِ (بل وجوب الْعَزْم على فعل كل وَاجِب) موسعا كَانَ أَو مضيقا إِجْمَالا عِنْد الِالْتِفَات إِلَيْهِ إِجْمَالا وتفصيلا عَن التَّفْصِيل حكم (من أَحْكَام الْإِيمَان) يثبت مَعَ ثُبُوت الْإِيمَان سَوَاء دخل الْوَقْت الْوَاجِب أَو لَا، فَهُوَ وَاجِب مُسْتَمر قبل وُجُوبه وَمَعَهُ بِحَسب الِالْتِفَات إِلَيْهِ ليتَحَقَّق التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ الإذعان وَالْقَبُول غير مُخْتَصّ بِالصَّلَاةِ وَلَا بدلية عَنْهَا (هَذَا، وَلَا يبعد أَن مَذْهَب القَاضِي أَن الْوَاجِب بأوّل الْوَقْت الصَّلَاة أَو الْعَزْم على فعلهَا) أَي الصَّلَاة (بعده) أَي أوّل الْوَقْت (فِيهِ) أَي الْوَقْت (كَمَا هُوَ الْمَنْقُول عَن الْمُتَكَلِّمين) فِي برهَان إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالَّذِي أرَاهُ أَنهم لَا يوجبون تَجْدِيد الْعَزْم فِي الْجُزْء الثَّانِي، بل يحكم بِأَن الْعَزْم الأوّل ينسحب على جَمِيع الْأَزْمِنَة الْمُسْتَقْبلَة: كانسحاب النِّيَّة على الْعِبَادَة الطَّوِيلَة (إِلَّا أَن كل جُزْء يلْزم فِيهِ الْفِعْل أَو الْعَزْم المستلزم لاستصحاب الْعَزْم من أول الْوَقْت إِلَى آخِره لِأَنَّهُ بعيد) قَالَ الشَّارِح: لِأَن أحد لَا يَقُول بِأَن الْعَزْم فِي الْجُزْء الْأَخير كَاف، ثمَّ نقل عَن القَاضِي أَن هَذَا التَّخْيِير عِنْده فِي غير الْجُزْء الْأَخير، أما فِي الْجُزْء الْأَخير فَيتَعَيَّن الْفِعْل قطعا انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن سَبَب الْبعد مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله لَا أَن كل جُزْء إِلَى قَوْله المستلزم إِلَى آخِره وَهُوَ ظَاهر. مسئلة (تثبت السَّبَبِيَّة لوُجُوب الْأَدَاء) فِي الْوَاجِب البدني (بأوّل الْوَقْت موسعا كَمَا ذكرنَا) إِشَارَة إِلَى مَا سبق فِي تَفْسِير سببيته للْوُجُوب الموسع من قَوْله بِمَعْنى أَنه عَلامَة على تعلق وجوب الْفِعْل مُخَيّرا فِي أَجزَاء زمَان مُقَدّر يَقع أَدَاء فِي كل مِنْهَا (عِنْد الشَّافِعِيَّة بِخِلَاف الماليّ ليثبت بالنصاب)

أَي بِملكه (وَالرَّأْس) الَّذِي يمونه ويلي عَلَيْهِ على قَول (أَو الْفطر) أَي غرُوب الشَّمْس آخر يَوْم من رَمَضَان على الصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة (وَالدّين) الْمُؤَجل إِلَى وَقت معِين (أصل الْوُجُوب) لِلزَّكَاةِ وَصدقَة الْفطر وتفريغ الذِّمَّة (وَتَأَخر وجوب الْأَدَاء) إِلَى تَمام الْحول وطلوع فجر أول يَوْم من شَوَّال وحلول الْأَجَل (بِدَلِيل السُّقُوط) لهَذِهِ الْأَشْيَاء عَن الْمُكَلف (بالتعجيل) لَهَا (وَهُوَ) أَي سُقُوطهَا (فرع سبق الْوُجُوب) لَهَا (و) فرع (تَأَخّر وجوب الْأَدَاء عِنْد الْحَنَفِيَّة كَذَلِك) أَي قَائِلُونَ بانفصال الْوُجُوب عَن وجوب الْأَدَاء (فِي البدني أَيْضا) كَمَا فِي المالي (فَثَبت بِالْأولِ) من أَجزَاء الْوَقْت (أصل الْوُجُوب فَيعْتَبر حَال الْمُكَلف فِي) الْجُزْء (الْأَخير) من الْوَقْت (من الْحيض) بَيَان لحاله (وَالْبُلُوغ) يرد عَلَيْهِ أَن قَوْله فَيثبت بِالْأولِ أصل الْوُجُوب إِن أَرَادَ بِهِ ثُبُوته بِشَرْط أَن يكون أَهلا لَهُ لزم وجود الْبَالِغ فِي الْجُزْء الأول بِلَا معنى لاعْتِبَار حَاله فِي الْجُزْء الْأَخير من حَيْثُ الْبلُوغ، وَإِن لم يكن أَهلا لزم إِثْبَات الحكم بِدُونِ الْأَهْلِيَّة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَقُول بأهلية الصَّبِي الْمُمَيز لوُجُوب الصَّلَاة كَمَا قيل فِي حق وجوب أصل الْإِيمَان، وَفِيه تَأمل (وَالسّفر وأضدادها) أَي الطَّهَارَة وَالصبَا وَالْإِقَامَة (فَلَو كَانَت طَاهِرَة أول الْوَقْت فَلم تصل حَتَّى حَاضَت آخِره لَا قَضَاء) عَلَيْهَا سَوَاء كَانَ الْبَاقِي مَا يسع الصَّلَاة أَو تحريهما فَقَط. وَقَالَ زفر: إِن بَقِي مَا يَسعهَا لَا قَضَاء وَإِلَّا فعلَيْهَا الْقَضَاء. وَقَالَ الشَّافِعِي إِن أدْرك من عرض لَهُ أحد هَذِه الْعَوَارِض يَعْنِي الْحيض وَالنّفاس وَالْجُنُون وَنَحْوهَا قبل عروضها أخف مَا يُمكنهُ فعله وَجب وَإِلَّا فَلَا (وَفِي قلبه) أَي فِيمَا إِذا كَانَت حَائِضًا أول الْوَقْت ثمَّ طهرت آخِره (قلبه) أَي قلب نفي الْقَضَاء وَهُوَ الْقَضَاء. قَالَ الشَّارِح لَو كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت قدر مَا يسع التَّحْرِيمَة عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة إِذا كَانَ حَيْضهَا عشرَة أَيَّام فَإِن كَانَ أقل وَالْبَاقِي قدر الْغسْل مَعَ مقدماته كالاستقاء وخلع الثَّوْب والستر عَن الْأَعْين والتحريمة فعلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا انْتهى. وَقَالَ زفر لَا يثبت الْوُجُوب مَا لم يدْرك مَا يسع جَمِيع الْوَاجِب وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا زَالَ الْكفْر وَالْجُنُون وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر التَّحْرِيمَة يجب عِنْد الثَّلَاثَة وَلَا يجب عِنْد زفر. وَقَالَ الشَّافِعِي يجب إِذا زَالَت هَذِه الْعَوَارِض وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر تَكْبِيرَة (وَلَا يُنكرُونَ) أَي الْحَنَفِيَّة (إِمْكَان ادِّعَاء الشَّافِعِيَّة) أَي أَن مَا ادَّعَاهُ الشَّافِعِيَّة من أَن الْوَقْت سَبَب لوُجُوب الْأَدَاء موسعا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور أَمر مُمكن يصلح للاعتبار، و (لَكِن ادعوهُ) أَي لَكِن الْحَنَفِيَّة يدعونَ كَونه (غير وَاقع بِدَلِيل وجوب الْقَضَاء على نَائِم) استغرق نَومه (كل الْوَقْت) من الْجُزْء الأول إِلَى الْجُزْء الْأَخير (وَهُوَ) أَي وجوب الْقَضَاء عَلَيْهِ (فرع وجود) أصل (الْوُجُوب) عَلَيْهِ إِذْ وجوب الْقَضَاء فرع كَون الأَصْل وَاجِبا، أَلا ترى أَن من حدث لَهُ أَهْلِيَّة بعد مُضِيّ الْوَقْت بِإِسْلَام أَو بُلُوغ لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء إِجْمَاعًا، وَقد يفرق بَينهمَا مَعَ قطع النّظر عِنْد

وجود الْوُجُوب بِوُجُوب الْأَهْلِيَّة فِي النَّائِم دونهمَا وَلَا سَبِيل إِلَى القَوْل بِوُجُوب الْأَدَاء على النَّائِم الْمَذْكُور اتِّفَاقًا، إِذْ النَّائِم لَا يصلح للخطاب فَكيف يطْلب مِنْهُ أَدَاء الْفِعْل مُنجزا أورد عَلَيْهِ أَن وجوب الْقَضَاء بِالنَّصِّ ابْتِدَاء لما صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " فَإِذا نسى أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا " وَأجِيب بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَا مَا روى فِيهِ شَرَائِط الْقَضَاء كنية الْقَضَاء وَغَيرهَا وَدفع بِأَن عِنْد الحضم لَا فرق بَين الْأَدَاء وَالْقَضَاء فِي النِّيَّة لَا فِي الصَّلَاة وَلَا فِي الصَّوْم بل يحْتَاج إِلَى أَن يَنْوِي مَا عَلَيْهِ فيهمَا (وَلَا اعْتِبَار بقول من جعله) أَي الْقَضَاء الْمَذْكُور (أَدَاء مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة. قَالَ فَخر الْإِسْلَام: النَّائِم والمغمى عَلَيْهِ إِذا مر عَلَيْهِمَا جَمِيع وَقت الصَّلَاة وَجب الأَصْل وتراخى وجوب الْأَدَاء وَالْخطاب انْتهى، فَإِذا لم يجب الْأَدَاء فِي الْوَقْت لَا يتَحَقَّق بعده الْقَضَاء إِذْ هُوَ فرع وجوب الْأَدَاء فِيهِ (والاتفاق على انْتِفَاء وجوب الْأَدَاء عَلَيْهِ) أَي النَّائِم الْمَذْكُور، وَفِي الْكَشْف الْأَدَاء نَوْعَانِ: أَحدهمَا مَا يكون الْمَطْلُوب فِيهِ نفس الْفِعْل فيأثم بِتَرْكِهِ وَلَا بُد فِيهِ من سَلامَة الْآلَات والأسباب، وَالثَّانِي مَا يكون الْمَطْلُوب فِيهِ خَلفه لَا نَفسه، وَهُوَ الْقَضَاء مَبْنِيّ على وجوب الْأَدَاء بِالْمَعْنَى الثَّانِي والمتفق على انتفائه وُجُوبه بِالْمَعْنَى الأول وَلَا يخفى عَلَيْك أَن أصل الْوُجُوب غير هَذَا: إِذْ لَيْسَ فِيهِ تعرض للْأَدَاء بِأحد النَّوْعَيْنِ فَتَأمل. وَفِي التَّلْوِيح لقَائِل أَن يمْنَع عدم الْخطاب، وَإِنَّمَا يلْزم اللَّغْو لَو كَانَ مُخَاطبا بِأَن يفعل فِي حَالَة النّوم مثلا وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مُخَاطب بِأَن يفعل بعد الانتباه، وَالْعجب أَنهم جوزوا خطاب الْمَعْدُوم بِنَاء على أَن الْمَطْلُوب صُدُور الْفِعْل حَالَة الْوُجُوب. وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة من شَرط وجوب الْأَدَاء الْقُدْرَة الممكنة إِلَّا أَنه لَا يشْتَرط وجودهَا عِنْد الْأَمر: بل عِنْد الْأَدَاء فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى النَّاس كَافَّة، وَصَحَّ أمره فِي حق من وجد بعده ويلزمهم الْأَدَاء بِشَرْط أَن يبلغهم ويتمكنوا من الْأَدَاء انْتهى. وَهَذَا لَا يُنَافِي الِاتِّفَاق الْمَذْكُور، لِأَن المُرَاد مِنْهُ انْتِفَاء وجوب الْأَدَاء تنجيزا، وجوازه إِنَّمَا هُوَ وُجُوبه تَعْلِيقا فَإِن قلت الْمَعْدُوم والنائم مَعَ قطع النّظر عَن عدم قابليتهما بالإتيان بالمأمور بِهِ لَا يفهمان الْخطاب، فَلَا يخاطبان بِالْخِطَابِ التعليقي أَيْضا قلت يفهمان فِيمَا بعد، وَإِن لم يفهما فِي زمن الْخطاب فَتَأمل، وَفِي الْخُلَاصَة وَالْمُخْتَار أَن النَّائِم الْمَذْكُور عَلَيْهِ الْقَضَاء وَنَقله عَن أبي حنيفَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن قَول من جعله أَدَاء غير مُعْتَبر بِأَن يَجْعَل وُجُوبه ابْتِدَاء (كَانَ الْوُجُوب مُطلقًا لَا موقتا) وَقد قَالَ تَعَالَى - {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} -، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى وَإِن لم ينتف وجوب الْأَدَاء بِأَن يجب الْأَدَاء فِي أول الْوَقْت كَانَ ذَلِك الْوُجُوب غير موقت، لِأَن الْمَفْرُوض استغراق النّوم الْوَقْت، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ وجوب الْأَدَاء فِي وَقت مَا فَتدبر (وَكَذَا صِحَة صَوْم الْمُسَافِر عَن الْعرض) أَي فرض رَمَضَان

(فرع الْوُجُوب عَلَيْهِ) أَي على الْمُسَافِر لعدم وُقُوع مَا لَيْسَ بِفَرْض عَن الْفَرْض، وعَلى تقدري عدم الْوُجُوب يلْزم عدم فرضيته (وَعدم إثمه) أَي الْمُسَافِر (لَو مَاتَ بِلَا أَدَاء) الصَّوْم (فِي سَفَره) الَّذِي أفطر فِيهِ، وَقَوله عدم إثمه مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف: أَعنِي دَلِيل عدم وجوب الْأَدَاء عَلَيْهِ والقرينة قَوْله وَكَذَا، تَوْضِيحه انه ذكر فِيمَا سبق أَمريْن: أَحدهمَا دَلِيل سبق الْوُجُوب وَهُوَ وجوب الْقَضَاء على النَّائِم الْمَذْكُور، وَالثَّانِي دَلِيل انْتِفَاء وجوب الْأَدَاء وَهُوَ الِاتِّفَاق، أَو كَونه موقتا على مَا ذكر، وَهَهُنَا ذكر أَمريْن: أَحدهمَا دَلِيل سبق الْوُجُوب وَهُوَ صِحَة صَوْمه عَن الْفَرْض، وَالثَّانِي دَلِيل عدم وجوب الْأَدَاء، وَهُوَ عدم الْإِثْم فالمشبه والمشبه بِهِ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله، وَكَذَا مَجْمُوع الْأَمريْنِ (وصرحوا) أَي الْحَنَفِيَّة (بِأَن لَا طلب فِي اصل الْوُجُوب، بل هُوَ) أَي أصل الْوُجُوب (مُجَرّد اعْتِبَار من الشَّارِع أَن فِي ذمَّته) أَي الْمُكَلف (جبرا الْفِعْل) فَقَوله الْفِعْل اسْم أَن، وَفِي ذمَّة خَبَرهَا وَهِي مَعَ اسْمهَا وخبرها مفعول اعْتِبَار، وجبرا نصب على الْمصدر: أَي جبر الْمُكَلف على شغل الذِّمَّة جبرا (كالشغل بِالدّينِ) أَي شغل ذمَّته كشغلها بدين النَّاس فِي أَن كلا مِنْهُمَا اعْتِبَار شَرْعِي (وَهُوَ) أَي الدّين (فعل عِنْد أبي حنيفَة) هُوَ تمْلِيك المَال أَو تَسْلِيمه: إِذْ يُوصف بِالْوُجُوب وَهُوَ صفة الْأَفْعَال، وَمعنى أَو فِي الدّين، أَتَى بِهَذَا الْفِعْل: أَي تمْلِيك المَال أَو تَسْلِيمه، وَمعنى قَوْله عَليّ ألف وَاجِبَة وَاجِب أَدَاؤُهَا (وَقد يشكل المذهبان) مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (بِأَن الْفِعْل) أَي فعل الْمُكَلف لقصد أَدَاء مَا فِي الذِّمَّة بعد أصل الْوُجُوب قبل وجوب الْأَدَاء (بِلَا) سبق (طلب كَيفَ يسْقط الْوَاجِب وَهُوَ) أَي الْوَاجِب إِنَّمَا يكون وَاجِبا (بِالطَّلَبِ والسقوط) إِنَّمَا يكون (بتقدمه) أَي الطّلب أَيْضا (وَقصد الِامْتِثَال) وَهُوَ إِنَّمَا يكون (بِالْعلمِ بِهِ) أَي بِالطَّلَبِ، فإسقاط الْوَاجِب يستدعى سبق الطّلب من الْوُجُوه الثَّلَاثَة فَكيف تثبته الْحَنَفِيَّة بِمُجَرَّد سبق الْوُجُوب الْخَالِي عَن الطّلب 0 وَالشَّافِعِيَّة إِن أرادوه) أَي أَرَادوا نفس الْوُجُوب فِي مَحل أثبتوه مَا أَرَادَ الْحَنَفِيَّة بِهِ (فَكَذَلِك) أَي ورد عَلَيْهِم مَا ورد على الْحَنَفِيَّة من أَنه إِسْقَاط قبل الطّلب (وَإِن دخله) أَي أصل الْوُجُوب (طلب) لأصل الْفِعْل، وَالْجُمْلَة معطوفة على قَوْله وصرحوا بِهِ إِلَى آخِره: فَهَذَا فرض لما يُقَابل مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَمَا بَينهَا مُتَعَلق بالشق الأول (قُلْنَا لَا يعقل طلب فعل بِلَا طلب) أَدَائِهِ (و) بِلَا طلب (قَضَائِهِ لِأَنَّهُ) أَي الْفِعْل (إِمَّا مُطلق عَن الْوَقْت وَهُوَ) أَي الْمُطلق عَنهُ (مَطْلُوب الْأَدَاء فِي الْعُمر، أَو مُقَيّد بِهِ) أَي الْوَقْت (فَهُوَ مَطْلُوب الْأَدَاء فِيهِ) أى فى وقته الْمَحْدُود لَهُ (مُخَيّرا فِي الْأَجْزَاء) أى فِي ايقاعه فِي أى جُزْء من أَجزَاء ذَلِك الْوَقْت (وَهُوَ) أَي الْوَاجِب (الموسع) فِيهِ وَهَذَا التَّوَسُّع قبل أَن يتضيق الْوَقْت (ثمَّ) يجب (مضيقا) بِغَيْر تَخْيِير مُوجب للسلعة وَذَلِكَ عِنْد ضيق الْوَقْت (وَقَول

الْحَنَفِيَّة يتضيق) الْوُجُوب (عِنْد الشُّرُوع) فِي الْفِعْل (وتقرر السَّبَبِيَّة للَّذي يَلِيهِ) الشُّرُوع (يلْزمه) أَي القَوْل الْمَذْكُور (كَون الْمُسَبّب هُوَ الْمُعَرّف للسبب، وَهُوَ) أَي كَون الْمُسَبّب هُوَ الْمُعَرّف للسبب (عكس) فِي (وَضعه) أَي الْمُسَبّب لِأَن شَأْنه أَن يكون مُعَرفا لَا مُعَرفا (و) عكس (وضع الْعَلامَة) لِأَن الْعَلامَة هِيَ الْمعرفَة لما هِيَ عَلامَة لَهُ كَمَا أَن السَّبَب هُوَ مَا يعرف للمسبب. وَفِي بعض النّسخ (ومفوتا لمقصودها) وَهِي مَا عَلَيْهِ الشَّارِح، وَقَالَ الظَّاهِر ومفوت وَلَيْسَ فِي النُّسْخَة الَّتِي اعتمادي عَلَيْهَا هَذِه الزِّيَادَة، وَهُوَ أولى إِذْ لَيْسَ فِي تِلْكَ النُّسْخَة زِيَادَة فَائِدَة، أَو فسر مقصد الْعَلامَة بالتعريف لما هِيَ عَلامَة لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنى يفهم بِدُونِ تِلْكَ الزِّيَادَة (وَبِه) أَي بِكَوْن الْمُسَبّب هُنَا هُوَ الْمُعَرّف للسبب (يصير) هَذَا القَوْل (أبعد من الْمَذْهَب المرذول) رذل ككرم وَعلم بِمَعْنى ذل، ورذله غَيره وأرذله عدَّة رذلة وَهُوَ (أَن التَّكْلِيف مَعَ الْفِعْل) لَا قبله (لقَولهم) أَي الْحَنَفِيَّة تَعْلِيل لبَيَان وجوب الْمَذْهَب المرذول (أَن الطّلب) الَّذِي هُوَ التَّكْلِيف (لم يسْبقهُ) أَي الْفِعْل (إِذْ لَا طلب فِي أصل الْوُجُوب كَمَا ذكرنَا) على مَا مر فِي قَوْله وصرحوا الخ (فَهُوَ) أَي أصل الْوُجُوب (السَّابِق) على الْفِعْل لَا طلبه إِذْ هُوَ مَعَ الْمُبَاشرَة، وَإِنَّمَا كَانَ أبعد لتَضَمّنه كَون التَّكْلِيف مَعَ الْفِعْل لُزُوم عكس وضع السَّبَب والعلامة (وَالْوَجْه أَن مَا أمكن فِيهِ اعْتِبَار وجوب الْأَدَاء بِالسَّبَبِ موسعا اعْتبر) وجوب أَدَائِهِ بذلك السَّبَب على الْوَجْه الْمَذْكُور (كَالدّين الْمُؤَجل يثبت بِالشغلِ) أَي شغل ذمَّة الْمَدْيُون بذلك الدّين (وجوب الْأَدَاء موسعا: أَي مُخَيّرا) فِي أَدَاء الدّين فِي أَي جُزْء شَاءَ من الْمدَّة المحدودة (إِلَى الْحُلُول) أَي حُلُول الْأَجَل (أَو) إِلَى (الطّلب بعده) أَي الْحُلُول (فيتضيق) فَإِن قلت أَن وجوب الْأَدَاء قد انْتقل عَن التَّوَسُّع إِلَى التَّضْيِيق بِمُجَرَّد حُلُول الْأَجَل فَمَا معنى حُدُوث التَّضْيِيق بعده الْمُسْتَفَاد من عطف الطّلب على الْحُلُول قلت هَذَا على تَقْدِير رضَا الدَّائِن بِالتَّأْخِيرِ عَن الْأَجَل (وكالثوب المطار) أَي الَّذِي أطارته الرّيح (إِلَى إِنْسَان يجب) أَدَاؤُهُ بِمَعْنى تَسْلِيمه للْمَالِك (كَذَلِك) أَي وجوبا موسعا (إِلَى طلب مَالِكه) فيتضيق حِينَئِذٍ (ومالا) يُمكن فِيهِ اعْتِبَار وجوب الْأَدَاء بِالسَّبَبِ موسعا (كَالزَّكَاةِ عِنْد الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهُ لَو وَجب الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا، فَأَما إِلَى الْحول فيتضيق، وَأما إِلَى آخر الْعُمر، وَالْأول) أَي وجوب الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا إِلَى الْحُلُول (فيتضيق مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَي وجوب الْأَدَاء (بعد الْحول على التَّرَاخِي على مَا اختاروه، وَكَذَا الثَّانِي) أَي وجوب الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا إِلَى آخر الْعُمر (لِأَن حَاصِلَة) أَنه (وَاجِب موسع من حِين الْملك إِلَى آخر الْعُمر فيضيع معنى اشْتِرَاط الْحول، نعم يتم) كَون الزِّيَادَة وَاجِبَة الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا إِلَى الْحول (على) قَول (الْمضيق) للْوُجُوب (بالحول والمصرف) ثمَّ قَوْله

مسئلة

وَمَا لَا مُبْتَدأ أَو مَعْطُوف على مَا أمكن، خَبره (فَيجب أَن يعْتَبر فِيهِ) أَي فِي هَذَا (إِقَامَة السَّبَب مقَام الْوُجُوب شرعا فِي حق التَّعْجِيل فَلَو لم يعجل لَا يتَحَقَّق هَذَا الِاعْتِبَار) وَهُوَ أَن السَّبَب أقيم مقَام الْوُجُوب شرعا (أَو) يعْتَبر فِيهِ (أَنه بالمبادرة الْمَأْذُون فِيهَا شرعا إِلَى سد خلة أَخِيه) الْفَقِير (دفع عَنهُ) أَي الْمُعَجل (الطّلب أَن يتَعَلَّق بِهِ) أَي بِفِعْلِهِ وَهُوَ أَدَاء الزَّكَاة (شرعا) وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَنَّهُ (ألزم) علينا اعْتِبَار هَذَا التَّأْوِيل (ذَلِك الدَّلِيل) الْمَذْكُور (وَكَذَا) أقيم السَّبَب مقَام وجوب الْأَدَاء (فِي مُسْتَغْرق الْوَقْت يَوْمًا) أَي فِي حق من استغرق أَوْقَات صلواته مَا أخرجه عَن صَلَاحِية طلب الْفِعْل مِنْهُ كنوم أَو إِغْمَاء وَنَحْوهمَا ليظْهر أَثَره فِي ثُبُوت وجوب الْقَضَاء (وَلَو أَرَادَ الْحَنَفِيَّة هَذَا) الَّذِي ذكرنَا بِمَا أجمله المتقدمون مِنْهُم فِي هَذَا الْمقَام (لم يَفْتَقِرُوا إِلَى اعْتِبَار شَيْء يُسمى بِالْوُجُوب وَلَا طلب فِيهِ وَلَا تكلّف كَلَام زَائِد) لم يحْتَج إِلَيْهِ فِي تَوْجِيه مَا تكلفوا لَهُ من الْمسَائِل (وَلَا يَسْتَقِيم مَا ذكرُوا إِلَّا على ذَلِك) لما عرفت مِمَّا أوردنا عَلَيْهِ. مسئلة (الْأَدَاء فعل الْوَاجِب) بِفَتْح الْفَاء وَهُوَ إِيقَاعه (فِي وقته الْمُقَيد) أَي الَّذِي هُوَ قيد الْوَاجِب (بِهِ شرعا) أَي فِي الشَّرْع فَهُوَ ظرف للتَّقْيِيد، وَالْمرَاد بتقييده بِهِ شرعا جعله ظرفا لإيقاعه لَا تَخْصِيصه بِوَقْت معِين من بَين الْأَوْقَات فَإِنَّهُ يخرج مَا جعل الْعُمر وقتا لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (الْعُمر) فَهُوَ بدل الْبَعْض من وقته الْمُقَيد بِهِ (وَغَيره) أَي الْعُمر من الْأَوْقَات المحدودة فاندرج فِيهِ الْوَاجِب الْمُطلق والموقت فِي الِاصْطِلَاح الْمَشْهُور، وَفِي الشَّرْح العضدي الْأَدَاء مَا فعل فِي وقته الْمُقدر لَهُ شرعا، وَإِلَّا فَخرج مَا لم يقدر لَهُ وَقت كالنوافل أَو قدر لَا شرعا كَالزَّكَاةِ يعين لَهُ الإِمَام شرعا، وَمَا وَقع فِي وقته الْمُقدر لَهُ ثَانِيًا كالناسي إِذا ذكر الصَّلَاة بعد خُرُوج وَقتهَا فَإِن وَقت التَّذْكِرَة قدر لَهَا شرعا لَكِن الْوَاقِع فِيهِ قَضَاء (وَهُوَ) أَي اعْتِبَار اشْتِرَاط إِيقَاع الْفِعْل فِي الْوَقْت الْمَذْكُور على وَجه يُوهم اشْتِرَاط استغراق الْوَقْت جَمِيع أَجزَاء الْفِعْل (تساهل) فِي الْعبارَة إِذا استغراقه كَذَلِك لَيْسَ بِشَرْط (بل) الشَّرْط أَن يَقع (ابتداؤه) أَي الْفِعْل (فِي غير الْعُمر) أَي فِيمَا عدا الْعُمر من الْأَوْقَات المحدودة لأَدَاء الْوَاجِبَات، ثمَّ مثل ذَلِك الِابْتِدَاء الْوَاجِب إِيقَاعه فِي الْوَقْت بقوله (كالتحريمة) ثمَّ التَّقْدِير فِي ابْتِدَاء الصَّلَاة بهَا والاكتفاء بِوُقُوع هَذَا الْقدر مِنْهَا فِي الْوَقْت إِنَّمَا هُوَ (للحنفية) فِي غير صَلَاة الْفجْر فَإِن بإدراكها فِي الْوَقْت يكون مدْركا للصَّلَاة وَإِن وَقع مَا سواهُ خَارجه وَهُوَ وَجه عِنْد الشَّافِعِيَّة تبعا لما فِي الْوَقْت (وركعة للشَّافِعِيَّة) وَهُوَ أصح الْأَوْجه عِنْدهم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيط الصَّلَاة الْوَاحِدَة يجوز أَن يكون بَعْضهَا أَدَاء وَبَعضهَا قَضَاء كَمَا إِذا غربت الشَّمْس فِي

خلال صَلَاة الْعَصْر وَسَبقه إِلَى هَذَا الناطفي، وَقيل هُوَ قَول عَامَّة الشَّافِعِيَّة اعْتِبَار الْكل جُزْء بِزَمَانِهِ (والإعادة فعل مثله) أَي الْوَاجِب (فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت، فَخرج بِهِ الْقَضَاء لِأَنَّهُ فعل الْمثل فِي غير وقته فَإِن قلت مَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا غير الأول فَمَا معنى الْإِعَادَة قلت بتنزيل الثَّانِي منزلَة عين الأول لمماثلته (لخلل غير الْفساد) كَتَرْكِ ركن (و) غير (عدم صِحَة الشُّرُوع) لفقد شَرط مُقَدّر من طَهَارَة أَو غَيرهَا، إِذْ الأول فِي الصُّورَتَيْنِ لَا وجود لَهُ فالخلل مَا يُؤثر نقصا فِي الصَّلَاة. قَالَ الشَّارِح: وَحِينَئِذٍ فَهَل تكون الْإِعَادَة وَاجِبَة فَصرحَ غير وَاحِد من شرَّاح أصُول فَخر الْإِسْلَام بِأَنَّهَا لَيست بواجبة، وَإِن كَانَ بِالْأولِ يخرج عَن الْعهْدَة وَإِن كَانَ على وَجه الْكَرَاهَة على الْأَصَح، وَأَن الثَّانِي بِمَنْزِلَة الْجَبْر كالجبر بسجود السَّهْو، وَالْأَوْجه الْوُجُوب كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْهِدَايَة، وَصرح بِهِ بَعضهم، وَيُوَافِقهُ مَا عَنى السَّرخسِيّ وَأَبُو الْيُسْر من ترك الِاعْتِدَال يلْزمه الْإِعَادَة زَاد أَبُو الْيُسْر وَيكون الْفَرْض هُوَ الثَّانِي، ثمَّ نقل عَن المُصَنّف أَنه لَا إِشْكَال فِي وجوب الْإِعَادَة إِذْ هُوَ الحكم فِي كل صَلَاة أدّيت مَعَ كَرَاهَة التَّحْرِيم وَيكون جَابِرا للْأولِ لِأَن الْفَرْض لَا يتَكَرَّر، وَجعله الثَّانِي يَقْتَضِي عدم سُقُوطه بِالْأولِ وَهُوَ لَازم ترك الرُّكْن لَا الْوَاجِب، إِلَّا أَن يُقَال المُرَاد أَن ذَلِك امتنان من الله تَعَالَى إِذْ يحْتَسب الْكَامِل وَإِن تَأَخّر عَن الْفَرْض لما علم سُبْحَانَهُ أَنه سيوفقه انْتهى، ثمَّ أَنه أطنب الْكَلَام فِي أَن الْإِعَادَة هَل هِيَ أَدَاء أَو قَضَاء أَو غَيرهمَا، وَكَلَام المُصَنّف ظَاهر فِي الثَّالِث لجعلها مُقَابلا للأولين، وَلما نقل عَنهُ من أَن الْفَرْض هُوَ الأول فَلَا يكون الثَّانِي فعل الْوَاجِب فِي الْوَقْت غير أَن قَوْله إِلَّا أَن يُقَال إِلَى آخِره تَجْوِيز لكَونه أَدَاء وَالصَّلَاة المفعولة جمَاعَة بعد فعلهَا على الِانْفِرَاد إِعَادَة إِن عَمها الْخلَل بِحَيْثُ يعم مَا لَيْسَ وَاقعا على الْوَجْه الْأَكْمَل (وَالْقَضَاء) تَعْرِيفه بِنَاء (على أَنه) وَاجِب (بِسَبَبِهِ) أَي الأول إِذْ لَو كَانَ وُجُوبه بِسَبَب آخر لَا يصدق عَلَيْهِ التَّعْرِيف لِأَن الْوَاجِب بِسَبَب آخر لَا يكون غير الأول (فعله) أَي الْوَاجِب (بعده) أَي الْوَقْت (فَفعل مثله) أَي الْوَاجِب (بعده) أَي الْوَقْت لخلل وَقع فِي أَدَائِهِ (خَارج) عَن تَعْرِيف الْقَضَاء لِأَنَّهُ فعل عين الْوَاجِب لَا مثله، وَفسّر الشَّارِح بِأَنَّهُ خَارج عَن الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَكَأَنَّهُ دَعَاهُ إِلَيْهِ قَوْله (كَفعل غير الْمُقَيد) بِوَقْت (من السّنَن) إِذْ خُرُوجه لَا يخص تَعْرِيف الْقَضَاء، وَأَنت خَبِير بِأَن مَا فسرنا بِهِ مُقْتَضى السِّيَاق والتفريع، وَلَا بعد فِي قَوْلنَا هَذَا خَارج عَن هَذَا الْقسم كَمَا أَن ذَلِك خَارج عَن الْأَقْسَام، على أَن خُرُوجه من الْقَضَاء مُسْتَلْزم لِخُرُوجِهِ عَنْهَا، إِذْ من الْمَعْلُوم أَنه لَيْسَ بِالْأَدَاءِ وَلَا إِعَادَة (والمقيد) مِنْهَا بِوَقْت (كَصَلَاة الْكُسُوف) والخسوف بوقتيهما وَالْمعْنَى على مَا ذكرنَا فعل مثل الْوَاجِب بعد الْوَقْت خَارج عَن تَعْرِيف الْقَضَاء كَمَا أَن فعل غير الْمُقَيد إِلَى آخِره خَارج عَن تَعْرِيف كل مِنْهُمَا، وَبَعْضهمْ جعل الْأَدَاء نَوْعَيْنِ

وَاجِب وَنفل وَلم يَأْخُذ فِيهِ قيد للْوُجُوب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَمن يُحَقّق الْقَضَاء فِي غير الْوَاجِب) مثل سنة الْفجْر كَمَا ذكر أَصْحَابنَا وَغَيرهم (يُبدل الْوَاجِب بِالْعبَادَة) فَيَقُول فعل الْعِبَادَة بعد وَقتهَا (فتسمية الْحَج) الصَّحِيح (بعد) الْحَج (الْفَاسِد قَضَاء) كَمَا وَقع فِي عبارَة مَشَايِخنَا وَغَيرهم (مجَاز) لِأَنَّهُ فِي وقته وَهُوَ الْعُمر (وتضييقه) أَي وَقت الْحَج (بِالشُّرُوعِ) فَلَا يجوز لَهُ الْخُرُوج مِنْهُ وتأخيره إِلَى عَام آخر (لَا يُوجِبهُ) أَي كَونه قَضَاء بعد الْإِفْسَاد لفَوَات وَقت الْإِحْرَام كَمَا زَعَمُوا (كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْت) ثَانِيًا (بعد إفسادها، والتزام بعض الشَّافِعِيَّة) قَالَ الشَّارِح: أَي القَاضِي حُسَيْن وَالْمُتوَلِّيّ وَالرُّويَانِيّ (أَنَّهَا) أَي الصَّلَاة الْمَذْكُورَة (قَضَاء) لِأَنَّهُ يتضيق عَلَيْهِ وَقتهَا بِدُخُولِهِ ففات وَقت إِحْرَامه بهَا (بعيد إِذْ لَا يَنْوِي) الْقَضَاء بهَا اتِّفَاقًا وَلَو كَانَت قَضَاء لَوَجَبَتْ نِيَّته، وَمَا قيل أَنه لَا يشْتَرط نِيَّة الْقَضَاء فِي الْقَضَاء خلال لِلْجُمْهُورِ، نعم صححوا نِيَّة جَاهِل الْوَقْت لغيم أَو نَحوه وَمن ظن خُرُوج الْوَقْت أَو بَقَاءَهُ حَتَّى تبين خلاف ظَنّه، وَأما الْعَالم بِالْحَال فَلَا تَنْعَقِد صلَاته إِلَّا بنية الْأَدَاء أَو الْقَضَاء، ثمَّ المتضيق بِالشُّرُوعِ بِفِعْلِهِ لَا بِأَمْر الشَّرْع وَالنَّظَر فِي الْأَدَاء وَالْقَضَاء إِلَى أَمر الشَّارِع (وَبَعْضهمْ) أَي الشَّافِعِيَّة قَالَ: هِيَ (إِعَادَة) فَلَا يعْتَبر فِي تَعْرِيفهَا كَونهَا لخلل غير الْفساد (واستبعاد قَول القَاضِي) أبي بكر من ابْن الْحَاجِب وَغَيره (فِيمَن) أدْرك وَقت الْفِعْل ثمَّ (أخر) الْفِعْل (عَن جُزْء مِنْهُ مَعَ ظن مَوته قبله) أَي الْفِعْل (حَتَّى أَثم) بِالتَّأْخِيرِ (اتِّفَاقًا) ومقول قَوْله (أَنه) أَي فعله بعد ذَلِك الْوَقْت (قَضَاء) خلافًا لِلْجُمْهُورِ فِي كَونه أَدَاء (إِن أَرَادَ) بِهِ مَا يسْتَلْزم صِحَّته (نِيَّة الْقَضَاء) فَهُوَ فِي موقعه، فالشرطية خبر استبعاد، حذف الْجَزَاء للْعلم بِهِ، وَقد عرفت وَجه الْبعد بقوله آنِفا إِذْ لَا يَنْوِي (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد بِهِ ذَلِك وَلم يشْتَرط فِيهِ نِيَّة الْقَضَاء (فلفظي) أَي فالنزاع لَفْظِي يرجع إِلَى التَّسْمِيَة بِلَفْظ الْقَضَاء لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوَافق الْجُمْهُور فِي أَنه فعل وَقع فِي وَقت كَانَ مُقَدرا لَهُ أَولا، وهم يوافقونه فِي وُقُوعه خَارج مَا تعين لَهُ من الْوَقْت ثَانِيًا بِحَسب ظَنّه فَلَا نزاع فِي الْمَعْنى (وتعريفه) أَي الْقَضَاء (بِفعل مثله) أَي الْوَاجِب كَمَا ذكره الْحَنَفِيَّة (إِنَّمَا يتَّجه على أَنه) أَي الْقَضَاء وُجُوبه (بآخر) أَي بِسَبَب آخر غير سَبَب الْأَدَاء فَلَا وَجه لاعتباره مثل الْوَاجِب الأول، بل هُوَ عينه غير أَنه أوقع فِي غير وقته الْمُقدر لَهُ ابْتِدَاء (وَاخْتلف فِيهِ) أَي فِي الْقَضَاء (بِمثل مَعْقُول) أَي مَعْلُوم لِلْعَقْلِ مماثلته للفائت كَالصَّلَاةِ للصَّلَاة، وَالصَّوْم للصَّوْم هَل يجب بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء أَو بِأَمْر آخر (فَأكْثر (بِأَمْر آخر، وَالْمُخْتَار للحنفية) كَالْقَاضِي أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام أَنه يجب (بِهِ) أَي بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء، وَبِه قَالَ كثير من الشَّافِعِيَّة والحنابلة وَعَامة أهل الحَدِيث، وَإِنَّمَا قيد الْمثل

بالمعقول لِأَنَّهُ بِمثل غير مدرك لِلْعَقْلِ مماثلته للفائت لعَجزه كالفدية للصَّوْم لَا يجب إِلَّا بِأَمْر آخر بالِاتِّفَاقِ (للْأَكْثَر الْقطع بِعَدَمِ اقْتِضَاء صم يَوْم الْخَمِيس صم) يَوْم (الْجُمُعَة) فِي الشَّرْح العضدي لَو وَجب الْقَضَاء بِالْأَمر الأول لَكَانَ مقتضيا للْقَضَاء وَاللَّازِم مُنْتَفٍ، أما الْمُلَازمَة فَبَيِّنَة إِذْ الْوُجُوب أخص من الِاقْتِضَاء وَثُبُوت الْأَخَص يسْتَلْزم ثُبُوت الْأَعَمّ، وَأما انْتِفَاء اللَّازِم فلأنا قاطعون بِأَن قَول الْقَائِل صم يَوْم الْخَمِيس لَا يَقْتَضِي صَوْم يَوْم الْجُمُعَة بِوَجْه من وُجُوه الِاقْتِضَاء وَأَيْضًا لَو اقْتَضَاهُ لَكَانَ أَدَاء وَكَانَ بِمَثَابَة صم إِمَّا يَوْم الْخَمِيس وَإِمَّا يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ تَخْيِير بَينهمَا. وَالثَّانِي أَدَاء بِرَأْسِهِ لَا قَضَاء للْأولِ وَأَيْضًا يلْزم أَن يَكُونَا سَوَاء فَلَا يقْضِي بِالتَّأْخِيرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بل اقْتَضَاهُ (كَانَ) أَي صَوْم يَوْم الْخَمِيس وَصَوْم يَوْم الْجُمُعَة (سَوَاء) فِي كَونهمَا أَدَاء بِمَنْزِلَة صم إِمَّا يَوْم الْجُمُعَة وَإِمَّا يَوْم الْخَمِيس (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال أَن يُقَال (مُقْتَضَاهُ) أَي صَوْم يَوْم الْخَمِيس (أَمْرَانِ): أَحدهمَا (إِلْزَام) أصل (الصَّوْم. و) الثَّانِي (كَونه) أَي الصَّوْم (فِيهِ) أَي يَوْم الْخَمِيس (فَإِذا عجز عَن الثَّانِي) وَهُوَ كَونه فِيهِ الَّذِي بِهِ كَمَال الْمَأْمُور بِهِ (لفواته بَقِي قَضَاؤُهُ الصَّوْم لَا فِي) خُصُوص (الْجُمُعَة وَلَا) فِي خُصُوص (غَيرهَا وَإِنَّمَا يلْزم مَا ذكر) من الْمُسَاوَاة (لَو اقْتِضَاء) أَي صَوْم يَوْم الْخَمِيس الصَّوْم (فِي) يَوْم (معِين) غَيره كَيَوْم الْجُمُعَة وَلَيْسَ كَذَلِك (نعم لَو اقْتضى فَوَاته) أَي الْأَدَاء (ظُهُور بطلَان مصلحَة الْوَاجِب ومفسدته) إِمَّا بِالنّصب عطفا على ظُهُور وَإِمَّا بِالْجَرِّ عطفا على بطلَان (سقط) الْوَاجِب بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق بِلَا مصلحَة مَعَ ظُهُور فَسَاده (للمعارض الرَّاجِح) وَهُوَ ظُهُور بطلَان الْمصلحَة والمفسدة (وَهُوَ) أَي اقْتِضَاء فَوَاته ذَلِك (بعيد، إِذْ عقلية حسن الصَّلَاة ومصلحتها بعد الْوَقْت كقبله) أَي كعقلية حسنها ومصلحتها قبل الْوَقْت: إِذْ الْمَقْصُود بهَا تَعْظِيم الله لفظا وَمُخَالفَة الْهوى وَذَلِكَ لَا يخْتَلف باخْتلَاف الْأَوْقَات، وَإِنَّمَا امْتنع التَّقْدِيم على الْوَقْت لِامْتِنَاع تَقْدِيم الحكم على السَّبَب كَمَا سَيَجِيءُ (وَغَايَة تَقْيِيده) أَي الْوَاجِب (بِهِ) أَي بِالْوَقْتِ أَنه (لزِيَادَة الْمصلحَة فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت لشرفه، وكل من الْفَوات والتفويت غير مسْقط لَهُ (وَقَوْلهمْ) أَي الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَا يجب بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء (لَو لم يكن) الْوَقْت (قيدا فِيهِ) أَي فعل الْوَاجِب (دَاخِلا فِي الْمَأْمُور بِهِ جَازَ تَقْدِيمه) أَي الْمَأْمُور بِهِ على الْوَقْت الْمُقَيد بِهِ (مندفع بِأَن الْكَلَام فِي الْوَاجِب وَلَا وَاجِب قبل التَّعَلُّق) أَي قبل تعلق الْوُجُوب بِهِ وَلَا يتَعَلَّق الْوُجُوب إِلَّا عِنْد دُخُول الْوَقْت فِي الْوَاجِب الْمُؤَقت (ثمَّ قيل ثَمَرَته) أَي الْخلاف تظهر (فِي الصّيام الْمَنْذُور الْمعِين) إِذا فَاتَ وقته (يجب قَضَاؤُهُ على) القَوْل (الثَّانِي) وَهُوَ أَنه يجب بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء (وَلَا) يجب (على الأول) وَهُوَ أَنه يجب بِأَمْر آخر لعدم وُرُود مَا يدل عَلَيْهِ (وَقيل الْقَضَاء) فِيهِ (اتِّفَاق فَلَا ثَمَرَة)

لهَذَا الْخلاف (ويطالبون) أَي الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يجب بِالْأَمر الآخر (بِالْأَمر الْجَدِيد) غير النّذر فِي هَذِه الصُّورَة الدَّال على وجوب قَضَاء الصَّوْم الْمَذْكُور والإتيان بِهِ مُتَعَذر فِيمَا يظْهر (وَلَو قيل) بدل بِأَمْر جَدِيد (بِسَبَب آخر) كَمَا هُوَ عبارَة السَّرخسِيّ وَغَيره (شَمل الْقيَاس فَيمكن) أَن يجيبوا بِأَن السَّبَب الآخر هُوَ الْقيَاس (على الصَّلَاة) الْمَفْرُوضَة فِي الصَّلَاة الْمَنْذُورَة، وعَلى الصَّوْم الْمَفْرُوض فِي الصَّوْم الْمَنْذُور فَإِنَّهُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " فَإِذا نسى أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا ". وَقَالَ تَعَالَى - {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} - اعْتِبَارا بِمَا هُوَ وَاجِب بِإِيجَاب العَبْد بِمَا هُوَ وَاجِب بِإِيجَاب الله تَعَالَى ابْتِدَاء (ونوقض) الْمُخْتَار عِنْد الْحَنَفِيَّة وَهُوَ أَنه يجب بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء (بِنذر اعْتِكَاف رَمَضَان إِذا لم يعتكفه) أَي رَمَضَان حَيْثُ (يجب) فِي ظَاهر الرِّوَايَة قَضَاؤُهُ (بِصَوْم جَدِيد وَلم يُوجِبهُ) أَي نذر اعْتِكَافه صَوْمه لوُجُوبه بِدُونِ النّذر (فَكَانَ) وجوب الْقَضَاء (بِغَيْرِهِ) أَي غير مَا يحب بِهِ الْأَدَاء (وَيبْطل) النّذر بعد انْتِفَاء الِاعْتِكَاف: أَي لَا يبْقى لَهُ مُوجب (كَأبي يُوسُف وَالْحسن) أَي كَمَا قَالَا، إِذْ لَا يُمكن إِيجَاب الْقَضَاء بِدُونِ الصَّوْم لِأَنَّهُ لَا اعْتِكَاف إِلَّا بِالصَّوْمِ، وَلَا إِيجَابه بِالصَّوْمِ وَإِلَّا يلْزم إِلْزَام الزِّيَادَة على مَا الْتَزمهُ، وَفِيه أَن هَذَا كُله فرع كَون الصَّوْم الْجَدِيد قَضَاء، وَهُوَ غير لَازم لكَون الِاعْتِكَاف قَضَاء لجَوَاز كَون الصَّوْم أَدَاء تَابعا للاعتكاف من حَيْثُ التحقق لَا من حَيْثُ كَونه قَضَاء (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي نذر الِاعْتِكَاف (مُوجب) للصَّوْم، لِأَنَّهُ شَرط صِحَة الِاعْتِكَاف وَشرط الشَّيْء يجب بتبعية وُجُوبه إِلَّا أَنه (امْتنع) إِيجَابا لَهُ (فِي خُصُوص ذَلِك) أَي نذر اعْتِكَافه رَمَضَان لمَانع هُوَ وُجُوبه قبل النّذر فَإِن إِضَافَته إِلَى رَمَضَان وَشرف الْوَقْت مَعَ حُصُول الْمَقْصد بِصَوْم الشَّهْر، لِأَن الشَّرْط من حَيْثُ هُوَ شَرط يعْتَبر وجوده تبعا يمْنَع إِيجَاب اعْتِكَاف بِصَوْم فِي غير رَمَضَان عِنْد الْأَدَاء (فَعِنْدَ عَدمه) أَي الْمَانِع، وَهُوَ رَمَضَان إِذا لم يعتكفه وَلزِمَ الْقَضَاء (ظهر أَثَره) أَي نذر الِاعْتِكَاف فِي إِيجَاب الصَّوْم كمظهر نذر أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصليهَا بِتِلْكَ الطَّهَارَة، وَإِذا انْقَضتْ لَزِمته لأدائها بذلك النّذر لَا بِسَبَب آخر (وَلزِمَ أَن لَا يقْضِي فِي رَمَضَان آخر، وَلَا وَاجِب) آخر لِأَن الصَّوْم وَإِن كَانَ شرطا لكنه مِمَّا يلْزم بِالنذرِ لكَونه عبَادَة مَقْصُودَة فِي نَفسه، فَإِذا ظهر أثر النّذر فِي إِيجَابه لَا يتَأَدَّى بِوَاجِب آخر كَمَا لَو نَذره مُطلقًا أَو مُضَافا إِلَى غير رَمَضَان (سوى قَضَاء) رَمَضَان (الأول) فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ (للخلفية) أَي لخلفية صَوْم الشَّهْر الْمقْضِي عَن صَوْم الْمَنْذُور: إِذْ الْخلف فِي حكم الأَصْل وَقد اكْتفى بِالصَّوْمِ الْوَاجِب أَصَالَة لَا من قبل النّذر بتبعية الِاعْتِكَاف فِي الأَصْل فَكَذَلِك فِي الْخلف.

تذنيب

تذنيب مُتَعَلق بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاء يشْتَمل على أَقسَام لَهما باعتبارات مُخْتَلفَة (قسم الْحَنَفِيَّة الْأَدَاء) حَال كَونهم (معممين) التَّقْسِيم لَهُ (فِي الْمُعَامَلَات) كَمَا فِي الْعِبَادَات إِلَى مَا لَيْسَ فِي معنى الْقَضَاء، وَهُوَ يَنْقَسِم (إِلَى كَامِل) مستجمع لجَمِيع الْأَوْصَاف المشروعية فِيهِ (كَالصَّلَاةِ) الْمَشْرُوع فِيهَا الْجَمَاعَة كالمكتوبة والعيد وَالْوتر فِي رَمَضَان والتراويح (بِجَمَاعَة، وقاصر) غير مستجمع لما ذكر (كالمكتوبة) إِذْ صلاهَا (مُنْفَردا). وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين ضعفا ". (و) إِلَى (مَا) أَي أَدَاء (فِي معنى الْقَضَاء كَفعل اللَّاحِق) وَهُوَ من فَاتَهُ بعد مَا دخل مَعَ الإِمَام بعض صَلَاة الإِمَام لنوم أَو سبق حدث فَمَا فَاتَهُ من صَلَاة الإِمَام (بعد فرَاغ الإِمَام) فَهُوَ أَدَاء بِاعْتِبَار كَونه فِي الْوَقْت قَضَاء بِاعْتِبَار فَوَاته مَعَ الإِمَام، ثمَّ لما كَانَ أَدَاء بِاعْتِبَار الأَصْل قَضَاء بِاعْتِبَار الْوَصْف جعل أَدَاء شَبِيها بِالْقضَاءِ لَا الْعَكْس (وَلذَا) أَي كَونه فِي معنى الْقَضَاء (لَا يقْرَأ فِيهِ وَلَا يسْجد لسَهْوه وَلَا يتَغَيَّر فَرْضه) من الثنائية إِلَى الرّبَاعِيّة لَو كَانَ مُسَافِرًا (بنية الْإِقَامَة) فِيهِ فِي مَوضِع صَالح لَهَا وَالْوَقْت بَاقٍ لِأَن الْقَضَاء لَا يتَغَيَّر بِالْغَيْر لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على الأَصْل وَهُوَ لم يتَغَيَّر لانقضائه، فَكَذَا مَا فِي معنى الْقَضَاء خلافًا لزفَر فِي هَذَا، هَذَا كُله فِي حق الله تَعَالَى (و) أما (فِي حُقُوق الْعباد) فالكامل مِثَاله (رد عين الْمَغْصُوب سالما) أَي على الْوَجْه الَّذِي غصبه (و) الْقَاصِر مِثَاله (رده) أَي عين الْمَغْصُوب (مَشْغُولًا بِجِنَايَة) لَزِمت فِي يَد الْغَاصِب يسْتَحق بهَا رقبته أَو طرفه أَو بدين استهلاكه مَال إِنْسَان فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقع الرَّد على الْوَجْه الَّذِي غصبه، ولكونه أَدَاء لَو هلك فِي يَد الْمَالِك قبل الدّفع إِلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَو البيع فِي الدّين برِئ الْغَاصِب، ولقصوره إِذا دفع أَو قتل بذلك السَّبَب أَو بيع فِي ذَلِك الدّين رَجَعَ الْمَالِك على الْغَاصِب بِالْقيمَةِ كَأَن الرَّد لم يُوجد (و) مَا فِي معنى الْقَضَاء مِثَاله (تَسْلِيم عب د غَيره الْمُسَمّى مهْرا بعد شِرَائِهِ) لزوجته الَّتِي سَمَّاهُ لَهَا مهْرا: فكونه أَدَاء لكَونه عين الْمُسَمّى مهْرا (فتجبر) الزَّوْجَة (عَلَيْهِ) أَي على قبُوله كَمَا لَو كَانَ فِي ملك عِنْد العقد وَلَا يملك الزَّوْج منعهَا مِنْهُ (وَيُشبه الْقَضَاء لِأَنَّهُ) أَي الزَّوْج (بعد الشِّرَاء ملكه حَتَّى نفذ عتقه) وَبيعه وَغَيرهمَا من التَّصَرُّفَات فِيهِ (مِنْهُ) أَي الزَّوْج (لَا مِنْهَا) أَي الزَّوْجَة، لِأَن تبدل الْملك بِمَنْزِلَة تبدل الْعين شرعا فَإِنَّهُ صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أكل من لحم تصدق بِهِ على بَرِيرَة، وَقَالَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَة وَمِنْهَا لنا هَدِيَّة (و) قسموا (الْقَضَاء إِلَى مَا) أَي قَضَاء (بِمثل مَعْقُول، و) بِمثل (غير مَعْقُول كَالصَّوْمِ للصَّوْم والفدية لَهُ) أَي للصَّوْم، وَهِي الصَّدَقَة بِنصْف صَاع من بر أَو صَاع من شعير أَو تمر بَدَلا عَنهُ عِنْد

الْعَجز المستدام مِنْهُ: فَالْأول مِثَال الْمَعْقُول، وَالثَّانِي مِثَال غير الْمَعْقُول (وَمَا) أَي وَإِلَى قَضَاء (يشبه الْأَدَاء كقضاء تَكْبِيرَات الْعِيد فِي الرُّكُوع) عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد إِذا أدْرك الإِمَام وَخَافَ أَن يرفع رَأسه مِنْهُ لَو اشْتغل بهَا فَكبر للافتتاح ثمَّ للرُّكُوع ثمَّ أَتَى فِيهِ بهَا (خلافًا لأبي يُوسُف) حَيْثُ قَالَ: لَا يَأْتِي بهَا فِيهِ لفواتها عِنْد محلهَا، وَهُوَ الْقيام وَعدم قدرته على مثل من عِنْده قربَة فِي الرُّكُوع كَمَا لَو نسي الْفَاتِحَة أَو السُّورَة أَو الْقُنُوت ثمَّ ركع، وَوجه ظَاهر الرِّوَايَة أَن الرُّكُوع لما أشبه الْقيام حَقِيقَة من حَيْثُ بَقَاء الانتصاب والاستواء فِي النّصْف الْأَسْفَل من الْبدن وَحكما لِأَن الْمدْرك المشارك للْإِمَام فِي الرُّكُوع مدرك لتِلْك الرَّكْعَة لم يتَحَقَّق الْفَوات لبَقَاء مَحل الْأَدَاء من وَجه، وَقد شرع مَا هُوَ من جِنْسهَا وَهُوَ تَكْبِيرَة الرُّكُوع فِيمَا لَهُ شبه الْقيام فَإِن الْأَصَح أَن الْإِتْيَان بهَا فِي حَالَة الانحطاط وَهِي محتسبة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من تكبيراتها، وَالتَّكْبِير عبَادَة، وَهِي تثبت بِالشُّبْهَةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاط فِي فعلهَا لبَقَاء جِهَة الْأَدَاء بِبَقَاء الْمحل من وَجه بِخِلَاف الْقِرَاءَة والقنوت فَإِن كلا مِنْهُمَا لم يشرع فِيمَا لَهُ شبه الْقيام بِوَجْه ثمَّ لَا يرفع يَدَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ وَوضع الْكَفّ سنتَانِ إِلَّا أَن الرّفْع فَاتَ عَن مَحَله فِي الْجُمْلَة والوضع لم يفت فَكَانَ أولى، هَذَا فِي حق الله تَعَالَى (وَفِي حُقُوق الْعباد ضَمَان الْمَغْصُوب) المثلى من مَكِيل أَو مَوْزُون أَو مَعْدُود مُتَقَارب (بِالْمثلِ صُورَة) ويتبعها الْمَعْنى ضَرُورَة كالحنطة بِالْحِنْطَةِ وَالزَّيْت بالزيت والبيضة بالبيضة قَضَاء كَامِل بِمثل مَعْقُول (ثمَّ) ضَمَانه بِالْمثلِ (معنى بِالْقيمَةِ) بدل من قَوْله بِالْمثلِ معنى (للعجز) عَن الْمثل صُورَة وَمعنى تَعْلِيل للاكتفاء بِالْمثلِ معنى بِالضَّمَانِ، وَذَلِكَ عِنْد انْقِطَاعه بِأَن لَا يُوجد فِي الْأَسْوَاق قَضَاء قَاصِر بِمثل مَعْقُول أما كَونه قَضَاء فَظَاهر، وَأما كَونه قاصرا فلانتفاء الصُّورَة، وَأما كَونه بِمثل مَعْقُول فللمساواة فِي الْمَالِيَّة (وَبِغير مَعْقُول) أَي وَالْقَضَاء بِمثل قَاصِر غير مَعْقُول (ضَمَان النَّفس والأطراف بِالْمَالِ فِي) الْقَتْل وَالْقطع (الْخَطَأ) إِذْ لَا مماثلة بَين شَيْء مِنْهُمَا وَالْمَال صُورَة وَهُوَ ظَاهر، وَلَا معنى لِأَن الْآدَمِيّ مَالك غير مبتذل، وَالْمَال مَمْلُوك متبذل وللقصور لم يشرع إِلَّا عِنْد تعذر الْمثل الْكَامِل الْمَعْقُول وَهُوَ الْقصاص، وَذَلِكَ لعدم قَصده (وَإِعْطَاء قيمَة عبد سَمَّاهُ مهْرا بِغَيْر عينه) قَضَاء يشبه الْأَدَاء (حَتَّى أجبرت) الزَّوْجَة (عَلَيْهَا) أَي على قبُول قيمَة عبد وسط إِذا أَتَاهَا بهَا كَمَا يجْبر على قبُول عبد وسط إِذا أَتَاهَا بِهِ لكَونه عين الْوَاجِب (وَإِن كَانَت) الْقيمَة (قَضَاء لشبهه) أَي هَذَا الْقَضَاء (بِالْأَدَاءِ لمزاحمتها) أَي الْقيمَة (الْمُسَمّى، إِذْ لَا يعرف) هَذَا الْمُسَمّى لجهالته وَصفا (إِلَّا بهَا) أَي بِالْقيمَةِ: إِذْ لَا يُمكن تَعْيِينه بِدُونِهَا ثمَّ هِيَ لَا تتَعَيَّن إِلَّا بالتقويم فَصَارَت الْقيمَة أصلا من هَذَا الْوَجْه مزاحما للمسمى فَأَيّهمَا أَتَى بِهِ يجْبر بِهِ على الْقبُول بِخِلَاف الْمعِين فَإِنَّهُ مَعْلُوم بِدُونِ التَّقْوِيم فَكَانَت قِيمَته قَضَاء مَحْضا فَلم يجْبر عَلَيْهَا عِنْد الْقُدْرَة عَلَيْهِ (وَفِيه)

أَي فِي حكم هَذِه المسئلة بِاعْتِبَار تعليلها الْمَذْكُور (نظر) لِأَن الْمُسَمّى مَعْلُوم الْجِنْس مَجْهُول الْوَصْف وَفِي نَظَائِره يعْتَبر الْوسط نظرا إِلَى الْجَانِبَيْنِ، وَبِه ترْتَفع الْجَهَالَة فَيلْزمهُ تَسْلِيم عبد وسط فَلَا نسلم الْمُزَاحمَة الْمَذْكُورَة (وَعَن سبق المماثل صُورَة) وَمعنى فِي التَّضْمِين من حَيْثُ الِاعْتِبَار شرعا على المماثل معنى فَقَط (قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن قطع) يَد إِنْسَان عمدا (ثمَّ قتل) الْقَاطِع الْمَقْطُوع أَيْضا (عمدا قبل الْبُرْء) أَي برْء الْقطع (للْوَلِيّ كَذَلِك) أَي أَن يقطع يَده ثمَّ يقْتله كَمَا لَهُ أَن يقْتله من غير قطع، إِذْ الأول مثل كَامِل بِاعْتِبَار الصُّورَة وَالْمعْنَى، وَهُوَ إزهاق الرّوح بِخِلَاف الثَّانِي فَإِنَّهُ قَاصِر لفَوَات الصُّورَة فِيهِ والكامل سَابق فِي الِاعْتِبَار غير أَنه لَهُ الِاقْتِصَار لِأَنَّهُ حَقه كَمَا أَن لَهُ الْعَفو، وَقيل هَذَا يَقْتَضِي أَن هَذَا لَو كَانَ بَين صَغِير وكبير هُوَ وليه لم يتَمَكَّن الْكَبِير من الِاقْتِصَار على الْقَتْل عِنْده، لِأَن حق الصَّغِير فِي الْكَامِل وَهُوَ مُمكن (خلافًا لَهما) حَيْثُ قَالَا لَيْسَ لَهُ سوى الْقَتْل (بِنَاء على أَنَّهَا) أَي هَذِه الْأَفْعَال جِنَايَة (وَاحِدَة) معنى عِنْدهمَا وَهِي الْقَتْل (لِأَن بِالْقَتْلِ ظهر أَنه) أَي الْجَانِي (قَصده) أَي بِالْقَتْلِ (بِالْقطعِ) فَصَارَ كَمَا لَو قَتله بضربات يحْتَمل آخرهَا أَن يكون ماحيا لأثر الأول فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر أَن يحكم بِالسّرَايَةِ بعد فَوت الْمحل بِهِ فيضاف الحكم إِلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى - {وَمَا أكل السَّبع إِذا مَا ذكيتم} - جعل التذكية ماحيا أثر جراحه من السَّبع، كَذَا ذكره الشَّارِح وَفِيه مَا فِيهِ (وجنايتان عِنْده) أَي أبي حنفية وهما الْقطع وَالْقَتْل (وَمَا ذكرا) أَي صَاحِبَاه من ظُهُور أَنه قصد الْقَتْل بِالْقطعِ (لَيْسَ بِلَازِم) لجَوَاز حُدُوث دَاعِيَة الْقَتْل بعد الْقطع، بِخِلَاف مَا لَو تخَلّل الْبُرْء بَينهمَا فَإِن الِاتِّفَاق على أَن لَهُ أَن يقطع ثمَّ يقتل لِأَن الأولى قد انْتَهَت وَاسْتقر حكمهَا بالبرء (وَعنهُ) أَي سبق المماثل صُورَة وَمعنى على الْقَاصِر فِي الِاعْتِبَار أَيْضا (قَالَ) أَبُو حنيفَة (لَا يضمن) الْغَاصِب الْمَغْصُوب (الْمثْلِيّ بِالْقيمَةِ إِذا انْقَطع الْمثل) من أَيدي النَّاس (إِلَّا يَوْم الْخُصُومَة) وَالْقَضَاء بهَا (لِأَن التضيق) لوُجُوب أَدَائِهِ الْمثل الْكَامِل الْوَاجِب فِي ذمَّته (بِالْقضَاءِ) بِهِ عَلَيْهِ (فَعنده) أَي الْقَضَاء بِهِ عَلَيْهِ (بتحقق الْعَجز) عَنهُ فيتحول إِلَى الْقَاصِر (بِخِلَاف) الْمَغْصُوب (القيمي) حَيْثُ تجب قِيمَته يَوْم الْغَصْب اتِّفَاقًا (لِأَن وجوب قِيمَته) أَي القيمى (بِأَصْل السَّبَب) الَّذِي هُوَ الْغَصْب (فَيعْتَبر) الْوُجُوب (يَوْم الْغَصْب، وَلأبي يُوسُف) أَنه يجب قيمَة المثلى (يَوْم الْغَصْب لِأَنَّهُ لما الْتحق) المثلى (بِمَا لَا مثل لَهُ بالانقطاع وَجب الْخلف) وَهُوَ الْقيمَة (ووجوبه) أَي الْخلف (بسب الأَصْل) أَي الْمثل صُورَة، وَمعنى (وَهُوَ) أَي سَبَب الأَصْل (الْغَصْب، وَمُحَمّد) قَالَ (الْقيمَة للعجز) عَن الْمثل صُورَة وَمعنى (وَهُوَ) أَي الْعَجز (بالانقطاع فَيعْتَبر يَوْمه) أَي الِانْقِطَاع وَفِي التُّحْفَة الصَّحِيح قَول أبي حنيفَة (وَاتَّفَقُوا) أَي أَصْحَابنَا على (أَن بِإِتْلَاف الْمَنَافِع) للأعيان كاستخدام

العَبْد وركوب الدَّابَّة وسكنى الدَّار (لَا ضَمَان لعدم الْمثل الْقَاصِر) لِأَن الْمَنْفَعَة لَا تماثل الْعين صُورَة وَهُوَ ظَاهر، وَلَا معنى لِأَن الْعين مَال مُتَقَوّم، بِخِلَاف الْمَنْفَعَة، لِأَن المَال مَا يصان ويدخر لوقت الضَّرُورَة وَالْحَاجة، وَالْمَنَافِع لَا تبقى بل كَمَا تُوجد تتلاشى، والتقوم الَّذِي هُوَ شَرط الضَّمَان لَا يثبت بِدُونِ الْوُجُود والبقاء (والاتفاق) وَاقع (على نفي الْقَضَاء بالكامل) أَي على أَن الْمَنَافِع لَا تضمن بِمِثْلِهَا فِي الْمَنَافِع، هَذَا على تَقْدِير رفع الِاتِّفَاق، وَأما على تَقْدِير جَرّه فالتقدير والاتفاق الْوَاقِع الخ (لَو وَقع) أَي لَو وجد الْمثل الْكَامِل (كالحجر على كميات مُتَسَاوِيَة) الْحجر كصرد جمع الْحُجْرَة للغرفة: يَعْنِي كإتلاف مَنْفَعَة حجرَة من الْحجر الكائنة على كميات مُتَسَاوِيَة الْمُمَاثلَة مَنَافِعهَا صُورَة وَمعنى فَإِنَّهَا لَا تضمن بِمَنْفَعَة حجرَة أُخْرَى مِنْهَا فَلِأَن لَا تضمن بالأعيان مَعَ أَنه لَا مماثلة بَينهمَا صُورَة وَمعنى أولى، وَلما ذهب الشَّافِعِي إِلَى ضَمَانهَا بِنَاء على أَنَّهَا مَال متقوّم كَالْعَيْنِ بِدَلِيل وُرُود العقد عَلَيْهَا فَأَشَارَ إِلَى دَفعه بقوله (وورود العقد عَلَيْهَا لتحَقّق الْحَاجة) أَي يثبت تقومّها فِي العقد على خلاف الْقيَاس بِقِيَام الْعين مقَامهَا لضَرُورَة حَاجَة النَّاس إِلَى عقد الْإِجَارَة وَخلاف الْقيَاس مقتصر على قدر الضَّرُورَة فَإِن قيل الْحَاجة ماسة إِلَى ضَمَانهَا أَيْضا لِأَن فِي القَوْل بِعَدَمِ وُجُوبه انفتاح بَاب الظُّلم قُلْنَا نهى الشَّارِع يَدْفَعهُ (وَلم ينْحَصر دَفعهَا) أَي حَاجَة دفع الْعدوان (فِي التَّضْمِين بل الضَّرْب وَالْحَبْس أدفَع) للعدوان من التَّضْمِين وَنحن أوجبناهما أَو أَحدهمَا على المتعدّي، وَفِي الْمُجْتَبى وأصحابنا الْمُتَأَخّرُونَ يفتون بقول الشَّافِعِي فِي المسبلات والأوقاف وأموال الْيَتَامَى ويوجبون أجر مَنَافِعهَا على الغصبة، وَفِي الْفَتَاوَى وَغَيرهَا مَنَافِع الْعقار الْمَوْقُوفَة مَضْمُونَة سَوَاء كَانَ معدّا للِاسْتِغْلَال أَو لَا بِكُل حَال، وَحكى بَعضهم الْإِجْمَاع على هَذَا وَسَيذكر فِي كَلَام المُصَنّف مَا يُؤَيّد هَذَا (و) لَا يضمن (الْقصاص بقتل الْمُسْتَحق عَلَيْهِ) الْقصاص بقصاص ولادية (وَلَا) يضمن أَيْضا (ملك النِّكَاح بِشَهَادَة الطَّلَاق بعد الدُّخُول إِذا رجعُوا) أَي الشُّهُود بِالطَّلَاق بِشَيْء (خلافًا للشَّافِعِيّ فيهمَا) أَي فِي هَاتين المسئلتين إِذْ عِنْده الْقَاتِل يضمن الدِّيَة لِأَن الْقصاص ملك متقوّم للوليّ. وَقد أتلف ذَلِك عَلَيْهِ بقتْله فَيضمن، وَالشُّهُود يضمنُون للزَّوْج مهر الْمثل، لِأَن ملك النِّكَاح متقوّم على الزَّوْج ثبوتا فَيكون متقوّما عَلَيْهِ زوالا، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يضمن الْقصاص بِالدِّيَةِ وَملك النِّكَاح بعد الدُّخُول بِالْمهْرِ (لِأَن الدِّيَة وَمهر الْمثل لَا يماثلانهما) أَي الْقصاص وَملك النِّكَاح صُورَة وَهُوَ ظَاهر، وَلَا معنى لِأَن الْمَقْصُود من الْقصاص الانتقام والتشفي بإعدام الْحَيَاة، وَمن ملك النِّكَاح السكن والازدواج وإبقاء النَّسْل فَلَيْسَ بِمَال متقوّم (والتقوّم) بِالْمَالِ فِي بَاب الْقَتْل وَملك النِّكَاح (شَرْعِي للزجر) كَمَا فِي قتل الْأَب ابْنه عمدا (أَو الْجَبْر) كَمَا فِي قتل الْخَطَأ (وللخطر) أَي لشرف الْمحل فيهمَا أَيْضا صِيَانة للدم عَن الهدر

القسم الثاني

ولشرف بضع الْمَرْأَة حَالَة ثُبُوته تَعْظِيمًا لَهُ احْتِرَازًا عَن ملكه مجَّانا للنسل (لَا للتقوّم المالي) وَفِي تَهْذِيب الْبَغَوِيّ الْقَاتِل لَا يضمن الدِّيَة كمذهبنا. الْقسم الثَّانِي (كَون الْوَقْت سَببا للْوُجُوب مُسَاوِيا للْوَاجِب) بِأَن يُوجد بِإِزَاءِ كل جُزْء من الْوَقْت جُزْء من الْوَاجِب (وكل مُؤَقّت فالوقت شَرط أَدَائِهِ) إِذْ لَا يتَحَقَّق بِدُونِهِ وَهُوَ غير مُؤثر فِي وجوده. وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يذكر هَذَا عِنْد تَقْسِيم الْوَاجِب إِلَى الموقت وَغَيره، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بَيَان كَون هَذَا الْقسم جَامعا للأوصاف الثَّلَاثَة (ويسمونه) أَي الْحَنَفِيَّة هَذَا الْوَقْت (معيارا) لتقديره الْوَاجِب إِذْ يزْدَاد بِزِيَادَتِهِ وَينْقص بنقصه فَيعلم بِهِ مِقْدَاره كَمَا يعرف مقادير الموزونات بالمعيار (وَهُوَ رَمَضَان عين شرعا لفرض الصَّوْم، فَانْتفى شَرْعِيَّة غَيره من الصّيام فِيهِ فَلم يشرطوا) أَي الْحَنَفِيَّة (نِيَّة التَّعْيِين) أَي تعْيين كَونه الصَّوْم الْفَرْض عِنْد الْعَزْم على أَدَائِهِ (فأصيب) صَوْم رَمَضَان (بنية مباينة) لنِيَّة صَوْم رَمَضَان ومباينتها بِاعْتِبَار متعلقها وَهُوَ المنويّ (كالنذر وَالْكَفَّارَة بِنَاء على لَغْو الْجِهَة) الَّتِي عينهَا الناوي لِأَن تعْيين الشَّارِع الْوَقْت لرمضان لَا يخلي لما عينه العَبْد اعْتِبَارا فَيلْغُو (فيقى) الصَّوْم (الْمُطلق) بعد طرح خُصُوصِيَّة النفلية وَالْكَفَّارَة (وَبِه) أَي بالمطلق (يصاب) الصَّوْم الْفَرْض الرمضاني أَدَاء (كالأخص) مثل (زيد يصاب بالأعم) مثل (إِنْسَان) وَمعنى مصابية زيد بالإنسان أَنه إِذا قَالَ الْمُتَكَلّم رَأَيْت إنْسَانا مثلا وَفِي نفس الْأَمر نِيَّة زيد يكون مصداق هَذَا الحكم وَمحله خُصُوصِيَّة زيد. وَإِن كَانَ آلَة مُلَاحظَة مُتَعَلق الرُّؤْيَة ذَلِك الْمَفْهُوم الْكُلِّي، وَلَا شكّ أَن الْكُلِّي من حَيْثُ هُوَ كلي لَا يصلح لِأَن يصير طرفا لنسبة خارجية فالمتكلم والمخاطب يعلمَانِ إِجْمَالا أَن طرفها فِي نفس الْأَمر فَرد مِنْهُ. وَإِذا انحصر تحَققه بِاعْتِبَار تِلْكَ النِّسْبَة فِي خُصُوص فَرد يصير ذَلِك الْكُلِّي فِي نفس الْأَمر عبارَة عَنهُ ضَرُورَة، وَلذَلِك تحكم بِأَنَّهُ رَأْي زيدا إِذا لم يكن هُنَاكَ غَيره (وَالْجُمْهُور على نَفْيه) أَي نفي وُقُوعه عَن رَمَضَان بِهَذِهِ النِّيَّة (وَهُوَ) أَي نفي وُقُوعه عَنهُ (الْحق، لِأَن نفي شَرْعِيَّة غَيره) أَي غير صَوْم رَمَضَان (إِنَّمَا يُوجب نفي صِحَّته) أَي الْغَيْر (إِذا نَوَاه وَنفى صِحَة مَا نَوَاه من الْغَيْر لَا يُوجب وجود نِيَّة مَا يَصح) أَن يَنْوِي، يَعْنِي فرض رَمَضَان (وَهُوَ) أَي وَالْحَال أَن الناوي (يُنَادي) وَيَقُول (لم أرده) لِأَن تعين غَيره فِي النِّيَّة تنصيص على نفي إِرَادَته (بل لَو ثَبت) وُقُوعه عَن فرض رَمَضَان بِهَذِهِ النِّيَّة (كَانَ) وُقُوعه (جبرا) وَهُوَ يُنَافِي الصِّحَّة إِذْ لَا بدّ من أَدَاء الْفَرْض من الِاخْتِيَار. وَلَيْسَ إِصَابَة الْأَخَص بالأعم بمجرّد إِرَادَة الْأَعَمّ، لِأَن الْمَطْلُوب

إِصَابَة الْأَخَص من حَيْثُ هُوَ أخص بِاعْتِبَار النِّيَّة وَالْقَصْد وَلم يحصل. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وإصابة الْأَخَص بالأعم) إِنَّمَا يكون (بإرادته) أَي الْأَخَص (بِهِ) أَي بالأعم (ونقول لَو أَرَادَ نِيَّة صَوْم الْفَرْض للصَّوْم) أَي لَو قصد نِيَّة الصَّوْم الْمُطلق فِي الذّكر نِيَّة صَوْم الْفَرْض (صَحَّ) صَوْمه عَن رَمَضَان (لِأَنَّهُ) أَي الناوي (أَرَادَهُ) أَي نَوَاه لِأَن الْمُعْتَبر فِي النِّيَّة قصد الْقلب. وَقد تحقق (وارتفع الْخلاف، وَأما كَون التَّعْيِين) أَي تعْيين الْوَقْت الَّذِي هُوَ رَمَضَان لصومه شرعا (يُوجب الْإِصَابَة) أَي إِصَابَة فرض رَمَضَان بالإمساك (بِلَا نِيَّة) أَي بِلَا إِرَادَة صَوْم (كَرِوَايَة عَن زفر) أَي كَمَا روى عَنهُ. قَالَ الشَّارِح وَذكره النَّوَوِيّ عَن عَطاء وَمُجاهد أَيْضا (فَعجب) لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يتَّجه لَو لم يكن الِاخْتِيَار شرطا لصِحَّة الْفِعْل الْمَطْلُوب من الْمُكَلف شرعا، لكنه شَرط بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع، وَأنكر الْكَرْخِي حِكَايَة هَذَا عَن زفر. وَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ زفر أَنه يجوز بنية وَاحِدَة (وَاسْتثنى أَبُو حنيفَة) من وُقُوع نِيَّة غير رَمَضَان عَن رَمَضَان (نِيَّة الْمُسَافِر غَيره) أَي غير رَمَضَان فِي رَمَضَان بِأَن يَنْوِي وَاجِبا آخر من نذر أَو كَفَّارَة أَو قَضَاء فَقَالَ (يَقع) ذَلِك المنويّ (عَن الْغَيْر) بانفاق الرِّوَايَات عَنهُ ذكره فِي الْأَجْنَاس (لإِثْبَات الشَّارِع التَّرَخُّص لَهُ) أَي الْمُسَافِر بترك الصَّوْم فِي وقته الْمعِين لَهُ تَخْفِيفًا لمَشَقَّة السّفر (وَهُوَ) أَي التَّرَخُّص إِنَّمَا يتَحَقَّق (فِي الْميل إِلَى الأخف) عِنْده من مَشْرُوع الْوَقْت وَغَيره من الْوَاجِبَات، وَمن الْفطر (وَهُوَ) أَي الأخف (صَوْم الْوَاجِب المغاير) لمشروع الْوَقْت فَإِنَّهُ إِذا اخْتَارَهُ بِنَاء على أَن إِسْقَاطه من ذمَّته أهمّ عِنْده لِأَنَّهُ لَو لم يدْرك عدّة من أَيَّام أخر لم يُؤَاخذ بِفَرْض الْوَقْت ويؤاخذ بذلك الْوَاجِب، ومصلحة الدّين أهم من مصلحَة الْبدن: يَعْنِي كَونه أخف (وعَلى هَذَا) التَّوْجِيه (يَقع) المنويّ (بنية النَّفْل عَن رَمَضَان) إِذْ لَا ترخص لَهُ فِيهِ، لِأَن الْفَائِدَة الْمَطْلُوبَة وَهُوَ الثَّوَاب فِي الْفَرْض أَكثر فَكَانَ هَذَا ميلًا إِلَى الأثقل فَيلْغُو وصف النفلية وَيبقى مُطلق الصَّوْم فَيَقَع عَن فرض الْوَقْت (وَهُوَ رِوَايَة) لِابْنِ سَمَّاعَة (عَنهُ) أَي أبي حنيفَة. وَفِي الْكَشْف وَغَيره وَهُوَ الْأَصَح، وَفِي نَوَادِر أبي يُوسُف رِوَايَة عَن ابْن سَمَّاعَة يكون عَن التطوّع. وَكَذَا فِي مُخْتَصر الْكَرْخِي (وَلِأَن انْتِفَاء غَيره) أَي غير فرض الْوَقْت لَيْسَ حكم الْوُجُوب، فَإِن الْوُجُوب مَوْجُود فِي الْوَاجِب الموسع بل هُوَ (حكم التَّعْيِين) أَي تعْيين هَذَا الزَّمَان لأَدَاء الْفَرْض (وَلَا تعْيين عَلَيْهِ) أَي الْمُسَافِر فَصَارَ هَذَا الْوَقْت فِي حَقه (كشعبان فَيصح نفله) كَمَا يَصح وَاجِب آخر عَلَيْهِ كَمَا فِي شعْبَان، وَقَوله وَلِأَن إِلَى آخِره مَعْطُوف على قَوْله لإِثْبَات الشَّارِع فَهُوَ تَعْلِيل آخر لوُقُوع مَا نَوَاه الْمُسَافِر من غير رَمَضَان، وَإِن اخْتلفَا بِاعْتِبَار مَا يتَفَرَّع عَلَيْهِمَا من وُقُوع مَا نَوَاه بِوَصْف النفلية عَن رَمَضَان أَو النَّفْل (وَهُوَ رِوَايَة) لِلْحسنِ عَن أبي حنيفَة أَيْضا (وَهُوَ

أَي هَذَا التَّوْجِيه (مغلطة لِأَن التَّعْيِين عَلَيْهِ) أَي الْمُكَلف: يَعْنِي التَّعْيِين الَّذِي نَفَاهُ عَن الْمُسَافِر بقوله وَلَا تعْيين عَلَيْهِ كشعبان (لَيْسَ تعْيين الْوَقْت) على مَا سنفسره (ليندرج) تعْيين الْوَقْت (فِيهِ) أَي فِي نفي مَا نفيناه: يَعْنِي لَو كَانَ تعْيين الْوَقْت مِمَّا نفيناه لَكَانَ يَشْمَلهُ النَّفْي (وينتفي بانتفائه) لكنه لَيْسَ مِنْهُ، ثمَّ فسرهما على وَجه يُمَيّز أَحدهمَا عَن الآخر بقوله (بل مَعْنَاهُ) أَي التَّعْيِين الَّذِي أَثْبَتْنَاهُ (فِي حَقه) أَي الْمُكَلف إِن لم يكن مُسَافِرًا، ونفيناه عَنهُ إِن كَانَ مُسَافِرًا (إِلْزَامه صَوْم الْوَقْت) على وَجه لَا مخلص لَهُ عَنهُ إِن لم يكن مُسَافِرًا أَو مَرِيضا (وَعَدَمه) أَي عدم إِلْزَامه إِيَّاه الَّذِي شرع فِي حَقه عِنْد السّفر (يصدق بتجويز الْفطر) يَعْنِي عدم الْإِلْزَام الْمَذْكُور يتَحَقَّق بِمُجَرَّد تجويزنا لَهُ الْفطر من غير أَن نجوز لَهُ صوما آخر (وَتَعْيِين الْوَقْت) أَي نَفينَا عَن التَّعْيِين الْمَذْكُور مَعْنَاهُ (أَن لَا يَصح فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت (صَوْم آخر) وَلَا شكّ أَن إِلْزَام صَوْم الْوَقْت مُسْتَلْزم عدم صِحَة صَوْم آخر من غير عكس: إِذْ يجوز أَن لَا يجوز فِي الْوَقْت صَوْم آخر وَيجوز الْفطر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَجَاز اجْتِمَاع عدم التَّعْيِين) بِمَعْنى الْإِلْزَام الْمَذْكُور (عَلَيْهِ بتجويز الْفطر مَعَ) وجود (تعْيين الْوَقْت بِأَن لَا يَصح فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت (صَوْم غَيره) أَي غير فرض الْوَقْت (لَو صَامَهُ) أَي لَو نوى صِيَام ذَلِك الْغَيْر (فَلم يلْزم من نفي التَّعْيِين عَلَيْهِ) بِمَعْنى الْإِلْزَام (نفي تعْيين الْوَقْت) بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (وحقق فِي الْمَرِيض تَفْصِيل بَين أَن يضرّه) الصَّوْم ككون مَرضه حمى مطبقة، أَو وجع الرَّأْس، أَو الْعين: كَذَا ذكره الشَّارِح (فَتعلق الرُّخْصَة) بتجويز الْفطر فِي حَقه (بخوف الزِّيَادَة) للمرض (فكالمسافر) فَهَذَا الْمَرِيض كالمسافر فِي تعلق الرُّخْصَة فِي حَقه بعجز مُقَدّر لَا بِحَقِيقَة الْعَجز، وَفِي قوع صَوْمه عَمَّا نَوَاه. قَالَ الشَّارِح: وعَلى هَذَا يحمل مَا مَشى عَلَيْهِ صَاحب الْهِدَايَة وَأكْثر مَشَايِخ بُخَارى من أَن الْمَرِيض إِذا نوى وَاجِبا آخر أَو النَّفْل يَقع عَمَّا نَوَاه كَمَا هُوَ رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة (و) بَين (أَن لَا) يضرّهُ الصَّوْم (كفساد الهضم) والأمراض الرطوبية (فبحقيقتها) أَي فَتعلق الرُّخْصَة بِحَقِيقَة الْمَشَقَّة الَّتِي هِيَ الْعَجز (فَيَقَع) مَا نَوَاه هَذَا الْمَرِيض من الْغَيْر (عَن فرض الْوَقْت) إِذْ لم يهْلك بِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يظْهر أَنه لم يكن عَاجِزا فَلم يثبت لَهُ التَّرَخُّص فَكَانَ كَالصَّحِيحِ، هَذَا وَنقل الشَّارِح إِجْمَاع من يعتدّ بإجماعه على أَن الْمَرَض الْمُبِيح للفطر مَا يضر بِسَبَبِهِ الصَّوْم على اخْتِلَاف فِيهِ، وَأَدْنَاهُ الازدياد والامتداد، وَأَعلاهُ الْهَلَاك، فَالَّذِي لَا يضرّ بِسَبَبِهِ الصَّوْم لَا يُبِيح الْفطر إِجْمَاعًا.

القسم الثالث

الْقسم الثَّالِث من أَقسَام الْوَاجِب الْمُقَيد بِالْوَقْتِ وَاجِب، وَفِيه (معيار لَا سَبَب كالنذر الْمعِين) أَي نذر صَوْم يَوْم معِين فَإِن السَّبَب فِيهِ النّذر لَا الْوَقْت (فإدراج) النّذر (الْمُطلق وَالْكَفَّارَة وَالْقَضَاء فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْقسم كَمَا فعل الْبَزْدَوِيّ والسرخسي (غير صَحِيح، لِأَن الْأَمر فِيهَا مُطلق لَا مُقَيّد بِالْوَقْتِ فَلَا يشْتَرط نِيَّة التَّعْيِين) لَهُ فالخروج عَن عُهْدَة النّذر (للتعين) أَي لتعيين الْوَقْت لَهُ (شرعا) فيتأدّى بِمُطلق النِّيَّة، وَنِيَّة النَّفْل إِلَّا فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله على مَا فِي الْمُحِيط وَلَا يتأدّى بنية وَاجِب آخر، بل يَقع فِيهِ عَمَّا نوى بِلَا خلاف، بِخِلَاف رَمَضَان لِأَن ولَايَة العَبْد قَاصِرَة فَلهُ إبِْطَال مَاله وَهُوَ صلاحيته للنفل، وَلَيْسَ لَهُ إبِْطَال مَا عَلَيْهِ وَهُوَ صلاحيته للواجبات وَللَّه تَعَالَى الْولَايَة الْكَامِلَة فَلهُ إبِْطَال مَا للْعَبد وَمَا عَلَيْهِ، فَأبْطل صلاحيته لغير فرض رَمَضَان نفلا وواجبا. وَفِي الشَّرْح هَهُنَا مناقشات وأجوبة طويناها (بِخِلَاف مَا أدرجوه) من النّذر الْمُطلق وَالْكَفَّارَة وَالْقَضَاء فَإِنَّهُ لَا بُد فِيهِ من التَّعْيِين لَيْلًا قبل طُلُوع الْفجْر لعدم تعين الزَّمَان. الْقسم الرَّابِع من أَقسَام الْوَاجِب الْمَذْكُور وَاجِب وقته (ذُو شبهين) شبه (بالمعيار والظرف) أَي وَشبه بالظرف، وَهُوَ (وَقت الْحَج لَا يسع فِي عَام سوى) حج (وَاحِد) فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة يشبه المعيار كالنهار للصَّوْم فَإِنَّهُ لَا يسع إِلَّا صوما وَاحِدًا (وَلَا يسْتَغْرق فعله) أَي الْحَج (وقته) أَي جَمِيع أَجزَاء وقته كاستغراق الصَّوْم النَّهَار، وَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة يشبه الظّرْف (وَالْخلاف فِي تَعْيِينه) أَي تعْيين وجوب أَدَائِهِ (من أول سني الْإِمْكَان) أَي إِمْكَان أَدَائِهِ بِحُصُول شَرَائِط وجوب أَدَائِهِ من الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَغَيرهمَا (عِنْد أبي يُوسُف) فَيجب على الْفَوْر عِنْده، وَكَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله، كَذَا ذكره الشَّارِح. وَكَأن المُصَنّف رَحمَه الله لم يجد نقلا صَرِيحًا عَنهُ فَلهَذَا لم يعز إِلَيْهِ (خلافًا لمُحَمد) رَحمَه الله حَيْثُ قَالَ: يجب على التَّرَاخِي إِلَّا إِذا غلب على ظَنّه الْفَوات إِذا أخر، فَحِينَئِذٍ لَا يحل لَهُ التَّأْخِير وَيصير مضيقا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا الْخلاف مَبْنِيا على اخْتِلَافهمَا وَأَن الْأَمر الْمُطلق عَن الْوَقْت يُوجب الْفَوْر عِنْد أبي يُوسُف فَأوجب الْحَج مضيقا وَلَا يُوجِبهُ عِنْد مُحَمَّد فأوجبه موسعا كَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمَشَايِخ كالكرخي فَإِن الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة الْمَشَايِخ اتِّفَاقهمَا على أَن الْأَمر الْمُطلق لَا يُوجب الْفَوْر، بل الْخلاف بَينهمَا فِي الْحَج (ابتدائي) فَأَبُو يُوسُف قَالَ على الْفَوْر (للِاحْتِيَاط عِنْده) لِأَن الْعَام الأول مَوْجُود يَقِينا، وَالْعَام الثَّانِي وجوده مَشْكُوك فِيهِ فالتأخير يَجعله فِي معرض الْفَوات، وَهُوَ غير جَائِز، ثمَّ أكد هَذَا

مبحث الواجب المخير

الشَّك بقوله (لِأَن الْمَوْت فِي سنة غير نَادِر) والمشكوك لَا يزاحم الْمُتَيَقن فَيتَعَيَّن الْعَام الأول للْأَدَاء تَحَرُّزًا عَن الْفَوات (فيأثم) بِالتَّأْخِيرِ عَنهُ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن للِاحْتِيَاط (فموجبه) أَي الْحَج أَمر (مُطلق) عَن خُصُوصِيَّة الْوَقْت فَلَا مُوجب للفور (وَلذَا) أَي الِاحْتِيَاط (عِنْده اتفقَا) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (على أَنه لَو فعل) الْحَج (بعده) أَي أول سني الْإِمْكَان (وَقع أَدَاء) وَإِنَّمَا قُلْنَا لتعيينه للْأَدَاء بِلَا شكّ فِي إِدْرَاك الْعَام الثَّانِي لَا لِأَنَّهُ خَارج عَن وقته فَإِذا أدْرك زَالَ الشَّك وَحصل الْيَقِين بِكَوْنِهِ من عمره وَوَقع الْأَمْن من الْفَوات وَتعين الثَّانِي للْأَدَاء، وَكَذَا الحكم فِي كل عَام (وتأدى فَرْضه) أَي الْحَج (بِإِطْلَاق النِّيَّة) لِلْحَجِّ (لظَاهِر الْحَال) أَي حَال من يجب عَلَيْهِ الْحَج: إِذْ الظَّاهِر مِنْهُ أَنه لَا يتَحَمَّل المشاق الْكَثِيرَة لغيره مَعَ شغل ذمَّته بِالْفَرْضِ الرُّكْن فِي الْإِسْلَام، وَكَثْرَة ثَوَاب أَدَاء الْفَرْض، وَبَرَاءَة الذِّمَّة، وَلَيْسَ التأدى الْمَذْكُور لتعين الْوَقْت كَمَا فِي رَمَضَان (لَا من حكم الأشكال) إِمَّا جمع شكل بِمَعْنى الْمثل والشبيه، وَإِمَّا مصدر، يُقَال أشكل الْأَمر: أَي الْتبس، وَالْمعْنَى لِأَن تأديه بِمُطلق النِّيَّة من حكم كَون الْوَقْت شَبِيها بالظرف وبالمعيار، فباعتبار شبهه بالمعيار تأدى بالمطلق (وَلذَا) أَي وَلكَون التأدى بِهِ لظَاهِر الْحَال (يَقع) حجه (عَن النَّفْل إِذا نَوَاه) أَي النَّفْل (لانْتِفَاء الظَّاهِر) بالتصريح بِخِلَافِهِ، (وَقد يبنيان) أَي تأدى فَرْضه بِمُطلق النِّيَّة، ووقوعه عَن النَّفْل إِذا نَوَاه (على الشبهين) شبه المعيار، وَشبه الظّرْف (فَالْأول) أَي التأدي الْمَذْكُور (لشبه المعيار) كَمَا أَن فرض الصَّوْم يتَأَدَّى بالمطلق (وَالنَّفْل) أَي ووقوعه عَن النَّفْل (للظرف) أَي لشبه الظّرْف كوقوع الْمَنوِي عَن الصَّلَاة النَّافِلَة إِذا نَوَاهَا فِي وَقت الصَّلَاة (وَلَا يخفى عدم وُرُود الدَّلِيل، وَهُوَ ظَاهر الْحَال على الدَّعْوَى) وَهِي (تأديه بنية الْمُطلق) بِإِسْقَاط الْفَرْض عَن ذمَّته (وَإِنَّمَا يسْتَلْزم) الدَّلِيل الْمَذْكُور (حكم الْخَارِج) أَي غير الناوي لِخُرُوجِهِ عَن دَائِرَة الِاطِّلَاع على مَا فِي ضَمِيره (عَلَيْهِ) أَي الْخَارِج الناوي مُطلقًا مُتَعَلق بالحكم (بِأَنَّهُ) أَي الْخَارِج (نوى الْفَرْض لَا) أَنه يسْتَلْزم (سُقُوطه) أَي الْفَرْض (عَنهُ) أَي الْخَارِج (عِنْد الله إِذا نوى الْحَج مُطلقًا فِي الْوَاقِع) وَلَيْسَ الْكَلَام إِلَّا فِي هَذَا. مَبْحَث الْوَاجِب الْمُخَير (مسئلة: الْأَمر بِوَاحِد) أَي إِيجَاب وَاحِد مُبْهَم (من أُمُور مَعْلُومَة صَحِيح) عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء والأشاعرة، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب، وَيعرف بِالْوَاجِبِ الْمُخَير (كخصال الْكَفَّارَة) أَي كَفَّارَة الْيَمين فَإِن قَوْله تَعَالَى - {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} - فِي قُوَّة الْأَمر بِالْإِطْعَامِ

وَقد عطف عَلَيْهِ الْكسْوَة والتحرير فَكل وَاحِد مِنْهَا وَاجِب على الْبَدَل لَا الْجمع على مَا يَقْتَضِيهِ كلمة أَو (وَقيل) وَالْقَائِل بعض الْمُعْتَزلَة هُوَ (أَمر بِالْجَمِيعِ وَيسْقط) وجوب الْجَمِيع (بِفعل الْبَعْض، وَقيل) وَالْقَائِل مِنْهُم أَيْضا أَمر (بِوَاحِد معِين عِنْده تَعَالَى) دون الْمُكَلّفين (وَهُوَ) أَي الْوَاحِد الْمعِين (مَا يَفْعَله كل) من الْمُكَلّفين بِهِ (فيختلف) الْمَأْمُور بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم ضَرُورَة أَن الْوَاجِب فِي حق كل وَاحِد مَا يختاره وَهُوَ يخْتَلف (وَقيل لَا يخْتَلف) الْمَأْمُور بِهِ باخْتلَاف الْمَفْعُول لَهُم (وَيسْقط) ذَلِك الْوَاجِب الْمعِين (بِهِ) أَي بالإتيان بالمأمور بِهِ (و) بالإتيان (بِغَيْرِهِ) أَي غير الْمَأْمُور بِهِ مِنْهَا، وَيُسمى هَذَا قَول التزاحم، لِأَن الأشاعرة ترويه عَن الْمُعْتَزلَة والمعتزلة عَن الأشاعرة، فاتفق الْفَرِيقَانِ على فَسَاده، وَعَن السُّبْكِيّ أَنه لَا يسوغ نَقله عَن أَحدهمَا. وَقَالَ وَالِده لم يقل بِهِ قَائِل (وَنقل) وجوب (الْجَمِيع على الْبَدَل لَا يعرف وَلَا معنى لَهُ إِلَّا أَن يكون) مَعْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَب (الْمُخْتَار) بِنَاء على اعترافهم بِأَن تاركها جَمِيعًا لَا يَأْثَم إِثْم من ترك وَاجِبَات ومقيمها جَمِيعًا لم يثب ثَوَاب وَاجِبَات (لنا الْقطع بِصِحَّة أوجبت أحد هَذِه) الْأُمُور (فَإِنَّهُ) أَي قَوْله هَذَا (لَا يُوجب جَهَالَة مَانِعَة من الِامْتِثَال لحُصُول التَّعْيِين بِالْفِعْلِ) يَعْنِي إِذا اخْتَار وَاحِدًا مِنْهَا بِعَيْنِه فَفعله تعين كَونه الْوَاجِب لتحَقّق الْوَاحِد الْمُبْهم فِي ضمنه، وَعدم احْتِمَال تحَققه بعد ذَلِك فِي ضمن معِين آخر، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى العَبْد، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَمَا يَفْعَله العَبْد مُتَعَيّن قبل أَن يفعل، ثمَّ أجَاب عَن القَوْل بِأَنَّهُ أَمر بِوَاحِد معِين عِنْده تَعَالَى إِلَى آخِره فَقَالَ (وَتعلق علمه تَعَالَى بِمَا يفعل كل) من الْمُكَلّفين (لَا يُوجِبهُ) أَي مفعول كل (عبنا على فَاعله، بل) يُوجب تعين (مَا يسْقط) بِهِ الْوُجُوب من مفعول كل من الْأُمُور الْمُخَير فِيهَا، على أَن تعلق الْعلم بِمَا ذكر مَخْصُوص بِصُورَة تحقق الْفِعْل امتثالا، وَأما إِذا لم يتَحَقَّق فَمَا الَّذِي يُوجب تعين ذَلِك الْمُبْهم؟ فالدليل لَا يَفِي بِتمَام الْمُدَّعِي، وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَن كل وَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه خير فِيهِ الْمُكَلف بَين الْفِعْل وَالتّرْك، وَلَا يتَحَقَّق لأحد هَذِه الْأُمُور إِلَّا فِي ضمن وَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه، فَيلْزم أَن يكون الْوَاجِب وَهُوَ أحد هَذِه الْأُمُور خير فِيهِ بَين الْفِعْل وَالتّرْك، وَهَذَا يُنَافِي الْوُجُوب أجَاب عَنهُ بقوله (وَلَا يلْزم اتِّحَاد الْوَاجِب والمخير فِيهِ بَين الْفِعْل وَالتّرْك، لِأَن الْوَاجِب) إِنَّمَا هُوَ الْوَاحِد (الْمُبْهم) والمخير فِيهِ بَين الْفِعْل وَالتّرْك إِنَّمَا هُوَ كل وَاحِد بِعَيْنِه، والمبهم وَإِن لم يكن لَهُ تحقق إِلَّا فِي الْوَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه: لَكِن التَّخْيِير فِيهِ بَين الْفِعْل وَالتّرْك لَا يكون تخييرا فِي الْمُبْهم، إِذْ ترك الْوَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه لَا يسْتَلْزم ترك الْكل بِخِلَاف ترك الْمُبْهم فَإِنَّهُ يسْتَلْزم: إِذْ نفي الْأَعَمّ يسْتَلْزم نفي الْأَخَص، ثمَّ لما كَانَ قَوْله الْوَاجِب الْمُبْهم يُوهم أَن يكون بِشَرْط الْإِبْهَام دفع ذَلِك بقوله (لَا على معنى) أَنه الْمُبْهم مأخوذا (بِشَرْط الْإِبْهَام) بل بِمَعْنى أَنه (لَا يُعينهُ الْمُوجب) تَعَالَى بِأَن يطْلب من الْمُكَلف إِيقَاع ذَلِك الْوَاحِد فِي ضمن وَاحِد

مسئلة

بِعَيْنِه كَيفَ وَلَو كَانَ مأخوذا بِشَرْط الْإِبْهَام لما كَانَ لَهُ تحقق فِي الْخَارِج لما علم من أَن الْمَاهِيّة بِشَرْط عدم التَّعْيِين لَا يُمكن تحققها، بل الْمُعْتَبر إِنَّمَا هِيَ الْمَاهِيّة لَا بِشَرْط شَيْء (فَلِذَا) أَي لكَون الْمُعْتَبر الْمَاهِيّة الْمُطلقَة لَا بِشَرْط الْإِبْهَام (سقط) الْوَاجِب عَن ذمَّة الْمُكَلف (بالمعين) بالإتيان بِوَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه: إِذْ الْمُطلق فِي ضمن الْفَرد الْخَاص (لتَضَمّنه) أَي الْمعِين (مَفْهُوم الْوَاحِد) الْمُبْهم، ثمَّ على قَول الْجُمْهُور إِذا كَانَ فِي الْكل مَا هُوَ أَعلَى ثَوابًا وَفعل الْكل فَقيل المثاب عَلَيْهِ الْأَعْلَى سَوَاء فعله مُرَتبا أَو مَعًا، وَإِن ترك الْكل عُوقِبَ على أدناها، وَقيل غير ذَلِك أطنب فِيهِ الشَّرْح، وطويناه لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ فِي الْبَحْث. مسئلة (الْوَاجِب على) سَبِيل (الْكِفَايَة) وَهُوَ مُهِمّ متحتم قصد حُصُوله من غير نظر إِلَى فَاعله: أما ديني كَصَلَاة الْجِنَازَة، وَأما دُنْيَوِيّ كالصنائع الْمُحْتَاج إِلَيْهَا، فَخرج الْمسنون لِأَنَّهُ غير متحتم، وَفرض الْعين لِأَن فَاعله مَنْظُور أما خُصُوص شخصه كالمفروض على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون أمته أَو كل وَاحِد وَاحِد من الْمُكَلّفين (على الْكل، وَيسْقط) الْوُجُوب عَنْهُم (بِفعل الْبَعْض) وَهَذَا قَول الْجُمْهُور، وَالْمرَاد الْكل الإفرادي، وَقيل المجموعي: إِذْ لَو تعين على كل وَاحِد كَانَ سُقُوطه عَن البَاقِينَ بعد تحَققه نسخا، وَلَا نسخ اتِّفَاقًا، بِخِلَاف الْإِيجَاب على الْمَجْمُوع من حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم الْإِيجَاب على وَاحِد، وَيكون التأثيم على الْجَمِيع بِالذَّاتِ، وعَلى كل وَاحِد بِالْعرضِ وَأجِيب بِمَنْع لُزُوم النّسخ، إِذْ قد يسْقط بعد التحقق بِانْتِفَاء عِلّة الْوُجُوب، فحصول الْمَقْصُود هَهُنَا على أَنه يلْزم النّسخ على هَذَا الْقَائِل أَيْضا، لِأَن فعل الْبَعْض لَيْسَ فعل الْمَجْمُوع قطعا، وَقد سقط عَن الْمَجْمُوع من غير أَن يَقع مِنْهُم الْفِعْل: هَذَا وَنحن لَا نفهم طلب الْفِعْل من الْمَجْمُوع من حَيْثُ هُوَ إِلَّا فِي مثل حمل جسم عَظِيم لَا يقدر الْبَعْض على حمله، وَمَعَ ذَلِك يلْزم على كل وَاحِد الْمُشَاركَة فِي الْحمل لَا الِاسْتِقْلَال (وَقيل) وَاجِب (على الْبَعْض) وَهُوَ قَول الإِمَام الرَّازِيّ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ ثمَّ الْمُخْتَار على هَذَا أَي بعض كَانَ، إِذْ لَا معِين، فَمن قَامَ بِهِ سقط الْوُجُوب بِفِعْلِهِ وبفعل غَيره كَمَا يسْقط الدّين بأَدَاء غَيره عَنهُ (لنا) على الْمُخْتَار (إِثْم الْكل بِتَرْكِهِ) اتِّفَاقًا، وَلَو لم يجب على كل وَاحِد لما أَثم (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ على الْبَعْض (سقط) الْوُجُوب (بِفعل الْبَعْض) وَلَو كَانَ على الْكل لما سقط: إِذْ لَا يسْقط عَن شخص بِفعل غَيره (قُلْنَا) لَا يستبعد هَذَا (لِأَن الْمَقْصُود وجود الْفِعْل لَا ابتلاء كل مُكَلّف) كَمَا فِي فرض الْعين، وَقد وجد (كسقوط مَا على زيد) من الدّين (بِفعل عَمْرو) لحُصُول الْغَرَض بِهِ، وَقيد الشَّارِح بِمَا إِذا كَانَ زيد ضَامِنا عَنهُ عَمْرو فِيهِ

لِأَن فِيهِ أَدَاء مَا فِي ذمَّة الْمُؤَدِّي، وَإِسْقَاط مَا فِي ذمَّة غَيره كَمَا فِي مَحل النزاع. وَأَنت خَبِير بِأَن الاستبعاد، إِنَّمَا جَاءَ من قبل إِسْقَاط مَا فِي ذمَّة شخص بِفعل غَيره، فَمَا ذكره المُصَنّف كَاف فِي الْمَقْصُود من غير هَذَا الْقَيْد (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ المذكورون لإِثْبَات صِحَة (أَمر وَاحِد مُبْهَم كبواحد مُبْهَم) أَي كالأمر بِوَاحِد مُبْهَم من الْخِصَال الْمَذْكُورَة فَكَمَا جَازَ ذَلِك جَازَ هَذَا (أُجِيب بِأَن الْفرق بِأَن إِثْم) مُكَلّف (مُبْهَم غير مَعْقُول) بِخِلَاف إِثْم الْمُكَلف بترك أحد أُمُور مُعينَة مُبْهما فَإِنَّهُ مَعْقُول: إِذْ ترك الْمُبْهم بترك جَمِيع مَا يتَحَقَّق فِيهِ من الْأُمُور الْمعينَة (قيل) وَالْقَائِل الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَهَذَا إِنَّمَا يَصح لَو لم يكن (مَذْهَبهم) أَي الْقَائِلين بِالْوُجُوب على الْبَعْض أَن مُوجب عدم قيام بعض (إِثْم الْكل) بِسَبَب ترك الْبَعْض (لَكِن قَول قَائِله) أَي الْوُجُوب على الْبَعْض (أَنه) أَي الْإِثْم (يتَعَلَّق بِمن غلب على ظَنّه أَنه) أَي الْوَاجِب (لن يَفْعَله غَيره فَإِن ظَنّه) أَي عدم الْفِعْل (الْكل عمهم) الْإِثْم (وَإِن خص) ظن عدم الْفِعْل الْبَعْض (خصّه) أَي ذَلِك الْبَعْض الظَّان (الْإِثْم) على تَقْدِير التّرْك، وَحِينَئِذٍ (فَالْمَعْنى) الْمُكَلف بِالْوُجُوب بعض (غير معِين وَقت الْخطاب لِأَنَّهُ) أَي الْمُكَلف (لَا يتَعَيَّن) للْوُجُوب عَلَيْهِ (إِلَّا بذلك الظَّن) وَهُوَ ظن أَن لن يَفْعَله غَيره (وَلَو لم يظنّ) هَذَا الظَّن أحد (لَا يَأْثَم أحد، وَيشكل) هَذَا حِينَئِذٍ (بِبُطْلَان معنى الْوُجُوب) فَإِن لَازمه الْإِثْم على تَقْدِير التّرْك، فَإِذا انْتَفَى انْتَفَى الْمَلْزُوم (وَقد يُقَال) فِي الْجَواب عَن هَذَا (إِنَّمَا يبطل) الْوُجُوب (لَو كلف) الْمُكَلف بِالْوَاجِبِ الْمَذْكُور (مُطلقًا) أَي سَوَاء ظن أَن لَا يَفْعَله غَيره أَو لَا (أما) لَو كلف (الظَّان) أَن لن يَفْعَله غَيره فَقَط (فَلَا) يبطل معنى الْوُجُوب: إِذْ لَا تَكْلِيف حِينَئِذٍ فَلَا وجوب (وَالْحق أَنه) أَي القَوْل بِوُجُوبِهِ على الْبَعْض (عدُول عَن مُقْتَضى الدَّلِيل) الدَّال على وُجُوبه على الْكل (كقاتلوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ وَنَحْوه) لعُمُوم الْخطاب على من يَتَأَتَّى مِنْهُ الْقِتَال (بِلَا ملجئ) للعدول عَنهُ (لما حققناه) من أَنه مَا يتَوَهَّم كَونه صارفا من السُّقُوط بِفعل الْبَعْض لَيْسَ بصارف: إِذْ لَا مَحْذُور فِيهِ (قَالُوا) ثَالِثا (قَالَ تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة} فَإِن تَحْصِيل الْعُلُوم الدِّينِيَّة فَوق مَا يحْتَاج إِلَيْهِ كل أحد مِمَّا يتَعَلَّق بِالْعَمَلِ الْوَاجِب عَلَيْهِ عينا وَاجِب على الْكِفَايَة، وَقد صرح بِوُجُوبِهِ على طَائِفَة غير مُعينَة من كل فرقة من الْمُسلمين بلولا الدَّاخِلَة على الْمَاضِي الدَّالَّة على التنديم واللوم الَّذِي لَا يكون إِلَّا عِنْد ترك الْوَاجِب (قُلْنَا) هَذَا مؤول (بالسقوط بِفِعْلِهَا) أَي الطَّائِفَة من الْفرْقَة: يَعْنِي لما كَانَ قيام الْبَعْض بذلك مسْقطًا عَن الْكل نسب اللوم إِلَى الْبَعْض نظرا إِلَى ذَلِك وَإِن كَانَ الْكل مُسْتَحقّا لَهُ، وَفِي الْعرف يسْتَعْمل فِي توبيخ أهل الْبَلَد جَمِيعًا لم يقم بَعْضكُم بِهَذَا الْأَمر وَيفهم مِنْهُ عرفا لوم الْكل، وَإِنَّمَا صرنا إِلَى التَّأْوِيل (جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ). وَفِي نُسْخَة جمعا للدليلين: يَعْنِي

مسئلة

هَذِه الْآيَة بِاعْتِبَار ظَاهرهَا، وَدَلِيلنَا الدَّال على الْوُجُوب على الْجَمِيع فَإِن هَذِه تحْتَمل التَّأْوِيل بِخِلَاف ذَلِك، فَلَو حملناها على ظَاهرهَا لزم إِلْغَاء ذَلِك وَهُوَ أقوى. (وَاعْلَم أَنه إِذا قيل صَلَاة الْجِنَازَة وَاجِبَة) أَي فرض (على الْكِفَايَة) كَمَا صرح بِهِ بعض الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وحكوا الْإِجْمَاع عَلَيْهِ (فقد يسْتَشْكل) بسقوطها (بِفعل الصَّبِي) الْمُمَيز كَمَا هُوَ الْأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا الْإِشْكَال (بِمَا تقدم) من أَن الْمَقْصُود الْفِعْل، وَقد وجد (لَا يدْفع الْوَارِد من لفظ الْوُجُوب) يَعْنِي لَو لم يُوصف الْفِعْل بِالْوُجُوب كَذَا نقُول قد تحقق الْفِعْل، وَإِن لم يكن مَوْصُوفا بِالْوُجُوب لكنه ورد فِي الشَّرْع أَن الْمَطْلُوب فعل مَوْصُوف بِهِ، وَفعل الصَّبِي لَيْسَ كَذَلِك فَلم يتَحَقَّق الْمَطْلُوب. مسئلة (لَا يجب شَرط التَّكْلِيف) أَي تَحْصِيله (اتِّفَاقًا كتحصيل النّصاب) للتكليف بِوُجُوب الزَّكَاة (والزاد) أَي تَحْصِيله لوُجُوب الْحَج (وَأما مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب) حَال كَونه (سَببا) لَهُ إِمَّا (عقلا) أَي من حَيْثُ الْعقل (كالنظر) أَي تَرْتِيب الْمَعْلُومَة للتأدي إِلَى مَجْهُول فَإِنَّهُ سَبَب (للْعلم) وَالْمرَاد بِهِ الْعلم الْوَاجِب كالتصديق الإيماني (وَفِيه) أَي فِي كَون النّظر سَببا عقليا للْعلم (نظر) إِذْ هُوَ سَبَب عادي لَهُ، فَإِن استعقاب النّظر الْعلم بخلقه تَعَالَى إِجْرَاء الْعَادة عِنْد الْحَنَفِيَّة والأشاعرة (أَو شرعا) استعقاب (كالتلفظ) بِمَا يُفِيد الْعتْق فَإِنَّهُ سَبَب شرعا (لِلْعِتْقِ) الْوَاجِب بِنذر أَو كَفَّارَة أَو غَيرهمَا (أَو عَادَة كَالْأولِ) أَي النّظر للْعلم. وَقد عرفت (وخر الْعُنُق) للْقَتْل الْوَاجِب (أَو) حَال كَونه (شرطا) للْوَاجِب (عقلا كَتَرْكِ الضِّدّ) للْوَاجِب (أَو عَادَة كَغسْل جُزْء من الرَّأْس) لغسل الْوَجْه إِذْ لَا يتَحَقَّق غسل الْوَجْه عَادَة إِلَّا مَعَ غسل جُزْء من الرَّأْس (أَو شرعا) كَالْوضُوءِ للصَّلَاة (فالحنفية وَالْأَكْثَرُونَ) على أَن كل وَاحِد مِمَّا ذكر (وَاجِب بِهِ) أَي بِسَبَب وجوب ذَلِك الْوَاجِب المتوقف عَلَيْهِ (وَقيل) الْوُجُوب فِيمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب مُسلم (فِي الشَّرْط الشَّرْعِيّ فَقَط) لَا فِي غَيره وَهُوَ مُخْتَار ابْن الْحَاجِب فِيمَا هُوَ مَقْدُور الْمُكَلف (وَقيل) مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب لَا يجب بِوُجُوبِهِ سَوَاء كَانَ مَقْدُورًا للمكلف أَولا (لَا فِي الشَّرْط و) لَا فِي (غَيره فيخطآن) أَي هَذَانِ الْقَوْلَانِ (للاتفاق على الْأَسْبَاب) أَي على أَن إِيجَاب الْمُسَبّب إِيجَاب لتَحْصِيل سَببه (إِلَّا أَن يُقَال التَّعَلُّق) للْإِيجَاب إِنَّمَا هُوَ (بهَا) أَي بالأسباب ابْتِدَاء (فَالْأَمْر بِالْقَتْلِ وَالْعِتْق يتَعَلَّق بالحز) للعنق (والتلفظ) بِصِيغَة الْعتْق (ابْتِدَاء) لَا بِنَفْي الْحَيَاة وَلَا بِإِزَالَة الرّقّ (إِذْ لَا تعلق بِغَيْر الْمَقْدُور) إِذْ التَّكْلِيف لَا يكون إِلَّا بِهِ، والمسببات قد لَا تكون مقدورة لنا كهذه بِخِلَاف مُبَاشرَة الْأَسْبَاب فَإِنَّهَا فِي وسع العَبْد ظَاهرا، فالمتعلق للْإِيجَاب حَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ السَّبَب وَإِن كَانَ وَسِيلَة للمسبب، فَهَذَا التَّأْوِيل

مخلص عَن التخطئة (وَلَا بُد) فِي قَوْلهم مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب وَاجِب (من قيد بِهِ) أَي من اعْتِبَار قيد هُوَ لفظ بِهِ فَالضَّمِير للْوَاجِب: أَي مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب وُجُوبه بِسَبَب وجوب ذَلِك الْوَاجِب (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر هَذَا الْقَيْد (لزم الْكفْر) قَالَ الشَّارِح لِأَن الْمُتَبَادر من إِطْلَاقه الْوَاجِب لذاته وَهُوَ لَيْسَ إِلَّا رب الْعَالمين مَعَ أَنه لَيْسَ المُرَاد من هَذَا الْإِطْلَاق قطعا انْتهى وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَيْسَ المُرَاد بِالْوُجُوب هَهُنَا مَا يُقَابل الْإِمْكَان، بل أحد الْأَحْكَام الْخَمْسَة غير أَنه لَا يظْهر لكَلَام المُصَنّف وَجه آخر (للْأَكْثَر لَو لم يجب) مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب (بَقِي جَوَاز التّرْك) أَي ترك مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب (دَائِما ولازمه) أَي لَازم جَوَاز تَركه دَائِما (جَوَاز ترك مَا لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِ) أَي مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب (وَهُوَ) أَي جَوَاز ترك مَا لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِ (منَاف لوُجُوبه) أَي وجوب الْوَاجِب (فِي وَقت مَا) ظرف لوُجُوبه (أَو) لَازمه (جَوَاز فعله) أَي الْوَاجِب الَّذِي هُوَ الْمَشْرُوط (دونه) أَي الشَّرْط (فَمَا فرض شرطا لَيْسَ شرطا) لتحَقّق الْوَاجِب بِدُونِهِ (وَلَا يخفى منع الْمُلَازمَة) أَي لَا نسلم أَنه لَو لم يجب بِهِ نفي جَوَاز التّرْك للشّرط لجَوَاز وُجُوبه بِغَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِنَّمَا يجوز التّرْك لَو لم يجب) مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب (مُطلقًا) وَحِينَئِذٍ لَا يبْقى لَهُ وجوب: لَا بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ فَيلْزم جَوَاز تَركه دَائِما (واستدلالهم) أَي الْأَكْثَرين (بِالْإِجْمَاع على) وجوب (التَّوَصُّل) إِلَى الْوَاجِب وَلَو لم يجب مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ لما وَجب التَّوَصُّل إِلَى الْوَاجِب إِذْ لَا معنى للتوصل إِلَى الْإِتْيَان بِجَمِيعِ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ (فِي غير) مَحل (النزاع لِأَن الْمُوجب حِينَئِذٍ) أَي حِين اسْتدلَّ بِالْإِجْمَاع على أَن الْموصل إِلَى الْوَاجِب وَاجِب (غير مُوجب الأَصْل) الَّذِي هُوَ الْوَاجِب الْأَصْلِيّ فَإِن مُوجبه الْأَمر، وَمُوجب مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِجْمَاع (وَإِذن لَا حَاجَة للنافي) لوُجُوب مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب بإيجابه فِي غير الشَّرْط كَابْن الْحَاجِب وَصَاحب البديع (إِلَى الْجَواب بتخصيص الدَّعْوَى بِغَيْر الْأَسْبَاب) كَمَا فعلاه (واستدلاله) أَي النَّافِي بِأَنَّهُ (لَو وَجب امْتنع التَّصْرِيح بِنَفْي وُجُوبه) للتناقض بَينهمَا، لكنه غير مُمْتَنع للْقطع بِوُجُوب غسل الْوَجْه وَعدم وجوب غسل غَيره من أَجزَاء الرَّأْس (إِن أَرَادَ) بِنَفْي وُجُوبه الَّذِي لَا يمْتَنع التَّصْرِيح بِهِ (نفى وُجُوبه بِهِ) أَي بِإِيجَاب الْوَاجِب (فنفى التَّالِي) وَهُوَ امْتنَاع التَّصْرِيح بِنَفْي وُجُوبه (عين) مَحل (النزاع أَو) نفي وُجُوبه (مُطلقًا نَفينَا الْمُلَازمَة) لجَوَاز وُجُوبه بِشَيْء آخر غير إِيجَاب الْوَاجِب (وَكَذَا قَوْله) أَي النَّافِي (وَصَحَّ قَول الكعبي فِي نفي الْمُبَاح) عطفا على قَوْله امْتنع التَّصْرِيح إِلَى آخِره، وَذَلِكَ لِأَن فعل الْوَاجِب: وَهُوَ ترك الْحَرَام لَا يتم إِلَّا بالمباح فَيجب الْمُبَاح وَهُوَ بَاطِل، وَفِيه أَن قَول الكعبي نفي كل مُبَاح، وَالَّذِي يلْزم هُنَا على تَقْدِير التنزل نفي بعض الْمُبَاح وَهُوَ الَّذِي لَا يتم ترك الْمُبَاح إِلَّا بِهِ عَلَيْهِ منع الْمُلَازمَة، وَكَذَا قَول النَّافِي (وَوَجَب نِيَّة الْمُقدمَة) وَهِي

مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب لِأَنَّهَا عبَادَة وَاجِبَة (وَمَعْنَاهُ) أَي وجوب نِيَّة الْمُقدمَة أَنَّهَا تجب فِيهَا (كَمَا لَو وَجب) مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب (بِغَيْرِهِ) أَي غير إِيجَاب الْوَاجِب (وَإِنَّمَا يلزمان) أَي نفي الْمُبَاح وَوُجُوب نِيَّة الْمُقدمَة (لَو تعين) الْمُبَاح للامتثال (أَو شرع) مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ (عبَادَة لكنه) أَي الِامْتِثَال (يُمكن بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر الْمُبَاح كالواجب (ونلتزمه) أَي وجوب النِّيَّة (فِي مُقَدّمَة هِيَ عبَادَة) لَا مُطلقًا (وَكَذَا قَوْله) أَي النَّافِي (لَو كَانَ) مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب وَاجِبا (لزم تعقله) أَي مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب (للْآمِر) لِامْتِنَاع طلب الشَّيْء بِدُونِ تعقله (وَالْقطع) حَاصِل (بنفيه) أَي نفي لُزُوم تعقله، لِأَن الْآمِر بالشَّيْء رُبمَا يذهل عَمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ ذَلِك الشَّيْء عِنْد الْأَمر بِهِ (مَمْنُوع الْمُلَازمَة لِأَنَّهُ) أَي لُزُوم تعقل الْآمِر إِنَّمَا هُوَ (فِي الْوَاجِب أَصَالَة) أما فِي إِيجَاب الشَّيْء بتبعية غَيره فَلَا، وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال: وَهُوَ أَنه لَو وَجب مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب بِإِيجَاب الْوَاجِب من غير أَن يتعقله الْآمِر للَزِمَ وُجُوبه بِلَا تعلق الْخطاب أجَاب عَنهُ بقوله (وَلُزُوم الْوُجُوب بِلَا تعلق) الْخطاب بِهِ (مَمْنُوع لما نذْكر) قَرِيبا (فَإِن دفع) منع تعقل الْأَمر (بِأَن المُرَاد) بقوله لَو كَانَ لزم تعقله لَهُ (إِذْ لَو دلّ) دَلِيله عَلَيْهِ (لعقل) وَذَلِكَ لِأَن المُرَاد بقوله لَو كَانَ لوَجَبَ بِهِ ووجوبه بِهِ حَاصله كَونهمَا مفادين بِإِيجَاب وَاحِد فَيلْزم تعقلهما مَعًا من ذَلِك الْإِيجَاب (وَإِذا لم يعقل لم يدل فَلَا إِيجَاب بِهِ) أَي بِدَلِيل الْوَاجِب (ووجوبه) أَي وجوب مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِب (بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر دَلِيل الْوَاجِب (لَيْسَ الْكَلَام فِيهِ) فَقَوله وَلُزُوم الْوَاجِب إِلَى آخِره إبِْطَال للسند الْمسَاوِي للْمَنْع إِذْ لَا يخلص من لُزُوم تعقل الْآمِر إِلَّا بِهِ فَهُوَ إثباب للمقدمة الممنوعة، وَلذَا أورد عَلَيْهِ الْمَنْع وَقَوله فَإِن دفع جَوَاب بتحرير الدَّلِيل على وَجه لَا يرد عَلَيْهِ الْمَنْع فَقَوله (قُلْنَا) إِلَى آخِره إبِْطَال لما حرر بِهِ على وَجه يصير دَلِيلا للْأَكْثَر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (و) مقولنا هَذَا (هُوَ الدَّلِيل الْحق للْأَكْثَر أَن الدّلَالَة على) رَأْي (الْأُصُولِيِّينَ لَا تخْتَص باللوازم الْبَيِّنَة بالأخص) أَي لَا يلْزم فِيهَا أَن يكون الْمَدْلُول لَازِما بَينا بِالْمَعْنَى الْأَخَص وَهُوَ أَن تَحْصِيل اللَّازِم فِي الذِّهْن كلما يحصل الْمَلْزُوم فِيهِ بل يكفى فِيهَا أَن يكون لَازِما بَينا بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وَهُوَ أَن يكون تصور الْمَلْزُوم وَاللَّازِم كَافِيا فِي الْجَزْم باللزوم بَينهمَا، وَلَا شكّ فِي دلَالَة دَلِيل الْوُجُوب عَلَيْهِ بِهَذَا النَّوْع من الْوَاجِب الدّلَالَة (وَتقدم فِي) بحث (مَفْهُوم الْمُوَافقَة) كفهم حُرْمَة الضَّرْب من حُرْمَة التأفيف (أَن دلَالَته) أَي مفهومها (قد تكون نظرية وَيجْرِي فِيهَا) أَي فِي دلالتها (الْخلاف) بِأَن يُؤَدِّي نظر مُجْتَهد إِلَى إِثْبَاتهَا وَنظر آخر إِلَى نَفيهَا فَلَا يبعد وُقُوع الْخلاف فِي دلَالَة دَلِيل الْوُجُوب عَلَيْهِ (فعلى مَا علم مُقَدّمَة) أَي فدلالة دَلِيل الْوَاجِب على مَا علم كَونه مُقَدّمَة (من) ملزوم (مَا هِيَ) أَي الْمُقدمَة (لَهُ) لتوقفه عَلَيْهَا (أظهر) خبر الْمُبْتَدَأ الْمَحْذُوف الْمَذْكُور: أَعنِي دلَالَته، والملزوم هُوَ الشَّارِع، وَالْمعْنَى إِذا اعْتبر دلَالَة اللَّفْظ

مسئلة

فِي مَفْهُوم الْمُوَافقَة مَعَ نظريتها فدلالته على مَا علم كَونه مَوْقُوفا عَلَيْهِ شرعا من قبل الْمَلْزُوم الَّذِي أوجب مَدْلُوله الصَّرِيح أظهر من دلَالَة مَفْهُوم الْمُوَافقَة الَّذِي لم يعلم من الشَّارِع توقف مَدْلُوله الصَّرِيح عَلَيْهِ أَن طلب الْمُتَكَلّم من الْمَأْمُور فعلا جعل صِحَّته مَوْقُوفَة على فعل آخر وَعلم مِنْهُ ذَلِك طلب لَهما جَمِيعًا وَهُوَ ظَاهر. هَذَا، وَفسّر الشَّارِح الْمَلْزُوم بِاللَّفْظِ وَلَا يخفى مَا فِيهِ (وَفرع عَلَيْهِ) أَي على وجوب الْمُقدمَة بِوُجُوب مَا هِيَ مُقَدّمَة لَهُ (تَحْرِيم) الزَّوْجَة (إِذا اشتبهت بالأجنبية) لِأَن الْكَفّ عَن الْأَجْنَبِيَّة وَاجِب، وَلَا يحصل الْعلم بِهِ إِلَّا بالكف عَن الزَّوْجَة فَيجب الْكَفّ عَنْهَا لتيقن الْكَفّ عَن الْأَجْنَبِيَّة، كَذَا ذكره الشَّارِح. وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا إِنَّمَا يتم إِذا كَانَ التيقن بِالْخرُوجِ عَن عُهْدَة الْوَاجِب وَاجِبا، أما إِذا كَانَ الظَّن بِالْخرُوجِ الْمَذْكُور كَافِيا وَغلب على ظَنّه أَنَّهَا زَوجته فَلَا تحرم فَتَأمل. مسئلة (يجوز تَحْرِيم أحد أَشْيَاء) مُعينَة (كإيجابه) أَي أحد الْأَشْيَاء إِلَّا أَن التَّخْيِير هُنَا فِي التروك وَهُنَاكَ فِي الْأَفْعَال (فَلهُ) أَي الْمُكَلف (فعلهَا) أَي الْأَشْيَاء (إِلَّا وَاحِدًا لَا جمعهَا فعلا) بِأَن يفعل جميل تِلْكَ الْأَشْيَاء لِئَلَّا يكون فَاعِلا للْمحرمِ كَمَا أَنه هُنَاكَ لَيْسَ لَهُ تَركهَا جَمِيعًا لِئَلَّا يكون تَارِكًا للْوَاجِب، وَله أَن يَتْرُكهَا جَمِيع كَمَا أَن لَهُ أَن يَفْعَلهَا جَمِيعًا هُنَاكَ (وفيهَا) أَي فِي هَذِه المسئلة من الْأَقْوَال مثل (مَا تقدم) فِي الْوَاجِب الْمُخَير، فَقيل الْمحرم وَاحِد مِنْهَا لَا بِعَيْنِه، وَقيل يحرم جَمِيعهَا فيعاقب بِفِعْلِهَا عِقَاب فعل الْمُحرمَات ويثاب بِتَرْكِهَا ثَوَاب ترك الْمُحرمَات وَيسْقط تَركهَا الْوَاجِب بترك وَاحِد مِنْهَا، وَقيل الْمحرم مَا يختاره الْمُكَلف للترك مِنْهَا فيختلف باخْتلَاف الِاخْتِيَار، وَفِي الشَّرْح زِيَادَة تَفْصِيل فِيهَا، هَذَا وَزعم بعض الْمُعْتَزلَة أَنه لم يرد فِي اللُّغَة النَّهْي عَن وَاحِد من أَشْيَاء مُعينَة، ورد بِالْمَنْعِ حَتَّى أَنه لَوْلَا الْإِجْمَاع عَن النَّهْي عَن طَاعَة الْجَمِيع فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} - لم تحمل الْآيَة على ذَلِك (فتفريع تَحْرِيم الْكل) أَي زَوْجَاته (فِي قَوْله لزوجاته إحداكن طَالِق) على هَذَا الأَصْل (مناقضة لهَذَا الأَصْل) إِذْ من حكمه أَن لَهُ فعلهَا إِلَّا وَاحِدًا فتحريم الْكل منَاف لَهُ (بِخِلَاف) تَحْرِيم الزَّوْجَة فِي (الِاشْتِبَاه) بأجنبية فَإِنَّهُ لَا مناقضة فِيهِ لهَذَا الأَصْل، إِذْ لَيْسَ تَحْرِيم الزَّوْجَة مَعَ الْأَجْنَبِيَّة بِسَبَب تَحْرِيم أَحدهمَا، وَإِنَّمَا (حرمت الزَّوْجَة لاحتمالها) أَي الزَّوْجَة (الْمُحرمَة احْتِيَاطًا وَلَا احْتِمَال فِي الْوَاحِدَة الْمَوْطُوءَة هُنَا لِأَن مُوجبه) أَي إحداكن طَالِق (ترك وَاحِدَة) لَا على التَّعْيِين (وَقد فعل) إِذا وطئهن إِلَّا وَاحِدَة (إِلَّا أَن يعين) إِحْدَاهُنَّ للطَّلَاق (وينسى) الْمعينَة (فكالاشتباه) أَي فيحرمن احْتِيَاطًا لاحْتِمَال أَن يكون كل

مسئلة

مِنْهُنَّ الْمُحرمَة كَمَا فِي مسئلة الِاشْتِبَاه، فِي الْمَحْصُول إِذا قَالَ أحدا كَمَا طَالِق يحْتَمل أَن يُقَال بِبَقَاء حل وطئهما لِأَن الطَّلَاق شَيْء معِين فَلَا يحصل إِلَّا فِي مَحل معِين، فَإِذا لم يعين لَا يَقع بل الْوَاقِع أَمر لَهُ صَلَاحِية التَّأْثِير فِي الطَّلَاق عِنْد التَّعْيِين، وَمِنْهُم من قَالَ حرمنا جَمِيعًا إِلَى وَقت الْبَيَان تَغْلِيبًا لجَانب الْحُرْمَة، وَجزم الْبَيْضَاوِيّ بِهَذَا تَفْرِيعا على وجوب الْمُقدمَة الَّتِي يتَوَقَّف عَلَيْهَا الْعلم بالإتيان بِالْوَاجِبِ. مسئلة (لَا يجوز فِي) الْفِعْل (الْوَاحِد بالشخص والجهة وُجُوبه وحرمته بإطباق مانعي تَكْلِيف الْمحَال وَبَعض المجيزين) لَهُ (لتَضَمّنه) أَي جَوَاز اجْتِمَاعهمَا فِيهِ (الحكم بِجَوَاز التّرْك) إِذْ الْحَرَام يجب تَركه، وَفِي ضمن الْوُجُوب يتَحَقَّق الْجَوَاز الْمُطلق بِمَعْنى الْإِذْن (وَعَدَمه) أَي عدم جَوَاز التّرْك إِذْ الْوَاجِب لَا يجوز تَركه (وَيجوز) اجْتِمَاعهمَا (فِي) الْوَاحِد الشخصي (ذِي الْجِهَتَيْنِ) الْغَيْر المتلازمتين فَيجب بأحداهما وَيحرم بِالْأُخْرَى (كَالصَّلَاةِ فِي) الأَرْض (الْمَغْصُوبَة عِنْد الْجُمْهُور) فَتجب لكَونهَا صَلَاة وَتحرم لكَونهَا غصبا (خلافًا لِأَحْمَد وَأكْثر الْمُتَكَلِّمين والجبائي فَلَا تصح) أَي فأنهم قَالُوا لَا تصح الصَّلَاة فِي الْمَغْصُوبَة (فَلَا يسْقط الطّلب) بِفِعْلِهَا فِيهَا (و) خلافًا (للْقَاضِي أبي بكر) فَإِنَّهُ قَالَ (لَا تصح) الصَّلَاة (وَيسْقط) الطّلب بِفِعْلِهَا (لنا الْقطع فِيمَن أَمر بخياطة) وَأمر بِأَنَّهُ (لَا) يَفْعَلهَا (فِي مَكَان كَذَا فخاطه) أَي الثَّوْب (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْمَكَان (أَنه) أَي بِأَنَّهُ، فَإِنَّهُ مُتَعَلق بِالْقطعِ (مُطِيع عَاص للجهتين) لِأَنَّهُ ممتثل لأمر الْخياطَة غير ممتثل للنَّهْي عَن ذَلِك الْمَكَان، فَكَذَا فِيمَا نَحن فِيهِ مُطِيع من جِهَة أَنه غصب (وَلِأَنَّهُ) أَي اجْتِمَاع الْوُجُوب وَالْحُرْمَة (لَو امْتنع فلاتحاد الْمُتَعَلّق) أَي فَإِنَّمَا يمْتَنع لِاتِّحَاد متعلقهما (وَالْقطع بالتعدد) هُنَا (فَإِن مُتَعَلق الْأَمر) بِالصَّلَاةِ (الصَّلَاة و) مُتَعَلق (النَّهْي) عَن إيقاعها فِي الْمَغْصُوبَة (الْغَصْب) فَفِيهِ مُسَامَحَة، إِذْ الْمنْهِي الْإِيقَاع فِي الْمَغْصُوبَة لَا للغصب (جَمعهمَا) أَي المتعلقين الْمُكَلف بامتثاله الْأَمر وَترك امتثاله النَّهْي (مَعَ إِمْكَان الانفكاك) بِأَن يفعل الْمَأْمُور بِهِ وَلَا يفعل الْمنْهِي عَنهُ فَيصَلي فِي غير الْمَغْصُوبَة (وَأَيْضًا لَو امْتنع) الْجمع بَين الْوُجُوب وَالْحُرْمَة فِي الْوَاحِد (امْتنع صِحَة صَوْم مَكْرُوه وَصَلَاة) مَكْرُوهَة، لِأَن الْوُجُوب كَمَا يضاد التَّحْرِيم يضاد الْكَرَاهَة إِذْ لَا مَانع إِلَّا التضاد وَاللَّازِم بَاطِل لثُبُوت كَرَاهَة كثير من الصَّلَاة وَالصَّوْم (وَدفعه) أَي هَذَا الدَّلِيل كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره (باتحاد مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي هُنَا) أَي فِي الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة (وَهُوَ) أَي متعلقهما (الْكَوْن فِي الحيز) وَهُوَ حُصُول الْجَوْهَر فِي حيزه لِأَن حُصُول الْمصلى فِي ذَلِك الْمَكَان جُزْء

من الصَّلَاة الْمَأْمُور بهَا وَنَفس الْغَصْب الْمنْهِي عَنهُ (بِخِلَاف الْمَكْرُوه) من الصَّوْم وَالصَّلَاة لعدم اتِّحَاد مُتَعَلق الْوُجُوب وَالْكَرَاهَة فِيهِ (فَإِن فرض) الْمَكْرُوه (كَذَلِك) أَي أَن مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي مُتحد (منع صِحَّته) أَي الْمَكْرُوه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يفْرض كَذَلِك (لم يفد) صِحَة الْمَطْلُوب لِأَن الْكَلَام فِيمَا إِذا اتَّحد متعلقهما (يُنَاقض جوابهما الْآتِي) قَرِيبا كَمَا سَيظْهر من تَجْوِيز اجْتِمَاعهمَا مَعَ اتِّحَاد الْمُتَعَلّق باخْتلَاف الْجِهَة وَهُوَ خبر قَوْله وَدفعه إِلَى آخِره (بل لَيْسَ فِيهَا) أَي فِي الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة وَفِي الصَّلَاة الْمَكْرُوهَة وَفِي الصَّوْم الْمَكْرُوه (تحتم منع) أَي لَيْسَ فِيهَا نهي مَقْطُوع بِهِ، وَإِلَّا لما كَانَ للِاجْتِهَاد مساغ فَمن حَيْثُ أَنه فعل وَاحِد مُتَضَمّن لأمر مَنْهِيّ يظنّ كَونه مَنْهِيّا مُطلقًا وَمن حَيْثُ أَنه امْتِثَال لأمر إيجابي وَالنَّهْي بِاعْتِبَار بعض جهاته يظنّ أَنه لَيْسَ بمنهي مُطلقًا، وَإِذا لم يقطع بِالْمَنْعِ (فَلَا يُنَافِي) كَونه مَمْنُوعًا من وَجه (الصِّحَّة) بِاعْتِبَار الْجِهَة الَّتِي يُؤَدِّي بهَا الْوَاجِب (فالمانع) من الصِّحَّة فِي الْوَاحِد الشخصي الْمَذْكُور (خُصُوص تضَاد) وَهُوَ فِيمَا إِذا لم يكن فِيهِ اخْتِلَاف الْجِهَة، وَقَالَ الشَّارِح: فالمانع من الْجمع بَينهمَا فِي وَاحِد شخصي ذِي جِهَتَيْنِ خُصُوص تضَاد وَهُوَ الْمَنْع المتحتم الْقطعِي عَن الشَّيْء وَالْأَمر بِهِ وَلَا يخفى مَا فِيهِ (لَا مطلقه) أَي التضاد سَوَاء اخْتلفت الْجِهَة أَو اتّحدت (وَالِاسْتِدْلَال) للمختار بِأَنَّهُ (لَو لم تصح) الصَّلَاة فِي الْمَغْصُوبَة (لم يسْقط) التَّكْلِيف بهَا (وَهُوَ) أَي عدم سُقُوطه (مُنْتَفٍ) قَالَ القَاضِي (للْإِجْمَاع السَّابِق) على ظُهُور الْمُخَالف وَهُوَ أَحْمد وَمن وَافقه على سُقُوطه فَالصَّلَاة صَحِيحَة، ثمَّ الِاسْتِدْلَال مُبْتَدأ خَبره (دفع بِمَنْع صِحَة نَقله) أَي الْإِجْمَاع كَمَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَو كَانَ إِجْمَاع لعرفه أَحْمد لِأَنَّهُ أعرف بِهِ من القَاضِي لِأَنَّهُ أقرب زَمَانا من السّلف، وَلَو عرفه لما خَالفه فَانْدفع قَول الْغَزالِيّ الْإِجْمَاع حجَّة على أَحْمد (قَالُوا) أَي القَاضِي والمتكلمون (لَو صحت) الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة (كَانَ) كَونهَا صَحِيحَة (مَعَ اتِّحَاد الْمُتَعَلّق) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي (لِأَن الصَّلَاة حركات وسكنات وهما) أَي الحركات والسكنات (شغل حيّز) فهما مَأْمُور بهما (وشغله) أَي الحيز ظلما هُوَ (الْغَصْب) وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي متعلقهما وَاحِد لَكِن (بجهتين فَيُؤْمَر بِهِ بِاعْتِبَار أَنه صَلَاة وَينْهى عَنهُ لِأَنَّهُ غصب) وَهَذَا هُوَ الْجَواب الَّذِي ذكره المُصَنّف أَن مَا تقدم من الدّفع يناقضه (وألزم) على القَوْل بِصِحَّة الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة بِنَاء على تعدد الْجِهَة (صِحَة صَوْم) يَوْم (الْعِيد) لكَونه مَأْمُورا بِهِ حَيْثُ أَنه صَوْم، مَنْهِيّا عَنهُ من حَيْثُ أَنه فِي يَوْم الْعِيد (وَالْجَوَاب بتخصيص الدَّعْوَى) وَهُوَ جَوَاز اجْتِمَاعهمَا فِي الْوَاحِد الشخصي فِي ذى الْجِهَتَيْنِ (بِمَا يُمكن فِيهِ انفكاكهما أَي الْجِهَتَيْنِ بِأَن لَا يتلازم جِهَة الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم كَمَا هُوَ فِي الخلافية إِذْ كل من جِهَة الصلاتية والغصبية لَا يسْتَلْزم الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يتَحَقَّق الصَّلَاة بِلَا غصب بِخِلَاف صَوْم يَوْم

الْعِيد فَإِنَّهُ كَونه صوما وَهُوَ المجوز لَا يَنْفَكّ عَن كَونه فِي يَوْم الْعِيد وَهُوَ الْمحرم فَإِن قلت خُصُوصِيَّة كَونه فِي الْعِيد اعْتبرت فِي جِهَة الصَّوْم فَقلت بِعَدَمِ الانفكاك فَلَو لم تعْتَبر خُصُوصِيَّة مَكَان الصَّلَاة فِي جِهَة الصَّلَاة فِي الخلافية فَيلْزم عدم الانفكاك وَإِن قطعت النّظر عَن خُصُوصِيَّة الْمَكَان فِي الخلافية لم يقطع النّظر عَن خُصُوصِيَّة الزَّمَان فِي الصَّوْم الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يتَحَقَّق حِينَئِذٍ صَوْم بِلَا جِهَة مُحرمَة قلت المُرَاد تحقق الْجِهَتَيْنِ مَعًا، وَفِي الصَّوْم الْمَذْكُور لَا يُمكن تحقق جِهَة الصَّوْم الشخصي بِلَا محرم مَعَ جِهَة كَونه فِي يَوْم الْعِيد مثلا لكَون الزَّمَان جُزْءا من حَقِيقَة الصَّوْم وَعدم كَون الْمَكَان جُزْءا بل حَقِيقَة الصَّوْم وَعدم كَون الْمَكَان جُزْءا من حَقِيقَة الصَّلَاة فَتَأمل (و) أُجِيب (بِأَن نهي التَّحْرِيم ينْصَرف) قبحه (إِلَى الْعين) أَي عين الْمنْهِي عَنهُ والقبيح لعَينه لَا يكون لَهُ صِحَة فَيجب القَوْل بِهِ (إِلَّا لدَلِيل) يُفِيد خِلَافه (وَقد وجدت إطلاقات) مفيدة للصِّحَّة (فِي) حق (الصَّلَاة) فبعمومها يَشْمَل صِحَة الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة (أوجبته لخارج) أَي لوصف خَارج عَن ذَات الْمنْهِي عَنهُ: إِذْ لَو كَانَ لعَينه لاقتضت عدم الصِّحَّة، ولزمت المدافعة بَين تِلْكَ الإطلاقات وَالنَّهْي الْمَذْكُور (وَإِجْمَاع غير أَحْمد) على صِحَة الصَّلَاة فِي الْمَغْصُوبَة (لَا فِي الصَّوْم) أَي بِخِلَاف الصَّوْم فِي يَوْم الْعِيد فَإِنَّهُ لم يقم دَلِيل صَارف عَن ظَاهر بُطْلَانه، بل وَقع الِاتِّفَاق على ذَلِك: كَذَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (وَلَا يخفى مَا فِيهِ) أَي فِي الْفرق الْمَذْكُور فَإِنَّهُ وجد فِي الصَّوْم إطلاقات أَيْضا إِلَّا أَن يفرق بِاعْتِبَار إِجْمَاع غير أَحْمد على أَن الْحَنَفِيَّة يصححون نَذره وَأَنه لَو صَامَهُ خرج عَن عُهْدَة النّذر وَإِن أوجبوا عَلَيْهِ الْإِفْطَار ثمَّ الْقَضَاء، ثمَّ أَشَارَ إِلَى فرق آخر بقوله (وَلِأَن منشأ الْمصلحَة والمفسدة) فِي الصَّلَاة فِي الْمَغْصُوبَة وَهُوَ كَونه مُطيعًا من جِهَة أَنه غصب (مُتَعَدد، بِخِلَاف صَوْم الْعِيد) فَإِن الْجِهَة الَّتِي يتَوَهَّم فِيهَا الإطاعة هُوَ الصَّوْم الْخَاص هِيَ بِعَينهَا مَنْهِيّ عَنْهَا (وَقد يمْنَع) هَذَا (بل الشّغل) للحيز الَّذِي هُوَ الحركات والسكنات الْمَذْكُورَة، وَعين الْغَصْب (منشؤهما) أَي الْمصلحَة والمفسدة وَهُوَ مُتحد كَمَا سبق (هَذَا فَأَما الْخُرُوج) من الأَرْض الْمَغْصُوبَة (بعد توسطها ففقهي) أَي فالبحث عَن حكمه بحث فرعي (لَا أُصَلِّي) لِأَن الأصولي يبْحَث عَن أَحْوَال الْأَدِلَّة للْأَحْكَام، لَا عَن أَحْوَال أَفعَال الْمُكَلّفين فَإِنَّهُ وَظِيفَة الْفَقِيه (وَهُوَ) أَي الحكم الفرعي لَهُ (وُجُوبه) أَي الْخُرُوج مِنْهَا على قصد التَّوْبَة، وَنفي الْمعْصِيَة عَن نَفسه (فَقَط) أَي لَا وحرمته كَمَا هُوَ قَول أبي هَاشم أَنه مَأْمُور بِهِ، لِأَنَّهُ انْفِصَال عَن الْمكْث ومنهي عَنهُ لِأَنَّهُ تصرف فِي ملك الْغَيْر (واستبعد اسْتِصْحَاب الْمعْصِيَة للْإِمَام) فِي الشَّرْح العضدي: من توَسط أَرضًا مَغْصُوبَة فحط الأصولي فِيهِ بَيَان امْتنَاع تعلق الْأَمر وَالنَّهْي مَعًا بِالْخرُوجِ، وَبَيَان خطأ أبي هَاشم فِي قَوْله بتعلقهما مَعًا بِالْخرُوجِ، فَإِذا تعين الْخُرُوج لِلْأَمْرِ دون

مسئلة

النَّهْي بِدَلِيل يدل عَلَيْهِ، فالقطع يَنْفِي الْمعْصِيَة عَنهُ إِذا خرج بِمَا هُوَ شَرطه فِي الْخُرُوج من السرعة والسلوك لأَقْرَب الطّرق وأقلها ضَرَرا: إِذْ لَا مَعْصِيّة بإيقاع الْمَأْمُور بِهِ الَّذِي لَا نهي عَنهُ. قَالَ الإِمَام باستصحاب حكم الْمعْصِيَة عَلَيْهِ مَعَ إِيجَاب الْخُرُوج وَهُوَ بعيد: إِذْ لَا مَعْصِيّة إِلَّا بِفعل مَنْهِيّ أَو ترك مَأْمُور بِهِ، وَقد سلم انْتِفَاء تعلق النَّهْي بِهِ فانتهض الدَّلِيل عَلَيْهِ فَإِن قيل فِيهِ الجهتان، فَيتَعَلَّق الْأَمر بإفراغ ملك الْغَيْر، وَالنَّهْي بِالْغَصْبِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة سَوَاء قُلْنَا غلط، لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِامْتِثَال فَيلْزم تَكْلِيف الْمحَال، بِخِلَاف صَلَاة الْغَصْب فَإِنَّهُ يُمكن الِامْتِثَال، وَإِنَّمَا جَاءَ الِاتِّحَاد بِاخْتِيَار الْمُكَلف انْتهى، فالمستبعد ابْن الْحَاجِب وَغَيره، والمستصحب إِمَام الْحَرَمَيْنِ، واستصحاب الْمعْصِيَة عبارَة عَن إبْقَاء حكمهَا عَلَيْهِ مَعَ إِيجَاب الْخُرُوج بِنَاء على أَن الِاسْتِيلَاء على ملك الْغَيْر بِالدُّخُولِ لم يزل مَا لم يتم الْخُرُوج، وَوجه الاستبعاد مَا أَشَارَ بقوله (إِذْ لَا نهي عَنهُ) أَي عَن الْخُرُوج بتوبة وَلَا مَعْصِيّة إِلَّا بِفعل نهي أوترك مَأْمُور بِهِ، وَقد اعْترف بِانْتِفَاء تعلق النَّهْي بِالْخرُوجِ (وثبوتها) أَي الْمعْصِيَة (بِلَا نهي) أَي فعل مَنْهِيّ عَنهُ أَو ترك مَأْمُور بِهِ (كَقَوْلِه) أَي إِمَام الْحَرَمَيْنِ (مَمْنُوع) قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَإِنَّمَا حكمُوا بالاستبعاد دون الاستحالة، لِأَن الإِمَام لَا يسلم أَن دوَام الْمعْصِيَة لَا يكون إِلَّا بِفعل مَنْهِيّ عَنهُ أَو ترك مَأْمُور بِهِ: بل ذَاك فِي ابتدائها خَاصَّة. وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ: وَإِذا عصى الْمُكَلف بِفعل شخص آخر هُوَ مسبب عَن فعله على مَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من سنّ سنة سَيِّئَة فَعَلَيهِ وزرها ووزر من عمل بهَا " لم يستبعد مَعْصِيَته لفعل لَهُ غير مُكَلّف بِهِ هُوَ مسبب عَن فعله الِاخْتِيَارِيّ، وَأَشَارَ إِلَى وَجه قَول أبي هَاشم، ورده بقوله (وادعاء جهتي التَّفْرِيع) لملك الْغَيْر بِالْخرُوجِ (وَالْغَصْب) بمروره فِي ملك الْغَيْر (فيتعلقان) أَي الْأَمر وَالنَّهْي (بِهِ) أَي بِالْخرُوجِ، وَقَوله فيتعلقان مَعْطُوف على ادِّعَاء إِمَّا بِتَأْوِيل فِي جَانب الْمَعْطُوف عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ مُخْتَلف الْجِهَتَيْنِ فيتعلقان، أَو فِي جَانب الْمَعْطُوف: أَي فتعلقهما بِهِ، وَخبر الْمُبْتَدَأ (يلْزمه) أَي الادعاء المستعقب للتعلق (عدم إِمْكَان الِامْتِثَال) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي، لِأَن جِهَة التَّفْرِيع لَا تنفك عَن جِهَة الْغَصْب، وَحِينَئِذٍ (فتكليف بالمحال) إِذْ مَعْنَاهُ طلب الْخُرُوج وَعَدَمه (بِخِلَاف صَلَاة الْغَصْب فَإِنَّهُ يُمكن) الِامْتِثَال لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي فِيهَا لِإِمْكَان انفكاك جهتيهما فِيهَا كَمَا تقدم. مسئلة (اخْتلف فِي لفظ الْمَأْمُور بِهِ فِي الْمَنْدُوب) أَي فِي أَن تَسْمِيَته بِهِ حَقِيقَة أَو مجَاز (قيل) كَمَا فِي الشَّرْح العضدي نقلا (عَن الْمُحَقِّقين) أَن تَسْمِيَته بِهِ (حَقِيقَة، و) قَالَ (الْحَنَفِيَّة وَجمع من الشَّافِعِيَّة مجَاز، وَيجب كَون مُرَاد الْمُثبت) للْحَقِيقَة (أَن الصِّيغَة) أَي صِيغَة الْأَمر (فِي النّدب يُطلق

عَلَيْهَا لفظ أَمر حَقِيقَة بِنَاء على عرف النُّحَاة فِي أَن الْأَمر) يَعْنِي أَمر اسْم (للصيغة الْمُقَابلَة لصيغة الْمَاضِي وأخيه) أَي وَصِيغَة الْمُضَارع حَال كَون الصِّيغَة الْمَذْكُورَة صفة لمتعلقه (مستعملة فِي الْإِيجَاب أَو غَيره) كالندب وَالْإِبَاحَة (فتعلقه) أَي مُتَعَلق الْأَمر الَّذِي هُوَ إِبَاحَة عَن الصِّيغَة الْمَذْكُورَة (الْمَنْدُوب) صفة لمتعلقه وَخَبره (مَأْمُور بِهِ حَقِيقَة) إِذْ قد عرفت أَن مبدأ الِاشْتِقَاق وَهُوَ الْأَمر حَقِيقَة فِي الصِّيغَة المستعملة فِي النّدب، فالندب أَمر وَمن ضَرُورَته كَون الْفِعْل الْمَنْدُوب مَأْمُورا بِهِ حَقِيقَة فَإِن قلت لَا نسلم أَنه يلْزم من كَون صِيغَة النّدب مُسَمّى بِلَفْظ أَمر كَون مُتَعَلق مَدْلُول الصِّيغَة مَأْمُورا بِهِ فَالْجَوَاب أَن المُرَاد بالمأمور بِهِ مَا تعلق بِهِ مَدْلُول الْأَمر بِهِ بِحَسب الِاصْطِلَاح (والنافي) للحنفية بنى نَفْيه (على مَا ثَبت) من (أَن الْأَمر خَاص فِي الْوُجُوب وَالْمرَاد بِهِ) أَي بِالْأَمر الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ خَاص (فِي الصِّيغَة) كافعل ونظائره فَإِن قلت إِذا لَا خلاف إِذا مُرَاد الْمُثبت أَن لفظ الْأَمر حَقِيقَة فِي النّدب وَغَيره على عرف النُّحَاة، وَمُرَاد النَّافِي أَن صِيغَة افْعَل كصم وصل حَقِيقَة فِي الْوُجُوب مجَاز فِي النّدب لَا أَن لفظ الْأَمر مجَاز فِي صِيغَة النّدب، وَقَوله (وَهُوَ) أَي نفي الْحَنَفِيَّة (أوجه) يدل على الْخلاف كَمَا أَن قَوْله اخْتلف الخ صَرِيح فِيهِ قلت الَّذِي يَقُول أَن صِيغَة افْعَل خَاص فِي الْوُجُوب يَقُول أَن لفظ أَمر أَيْضا مَخْصُوص بالصيغة الْمَخْصُوصَة بِالْوُجُوب وَلَا يُطلق عِنْده لفظ الْأَمر على الصِّيغَة المستعملة فِي النّدب حَقِيقَة فَلَيْسَ الْمَنْدُوب عِنْده مَأْمُورا بِهِ ثمَّ بَين كَونه أوجبه بقوله (لابتنائه) أَي النَّفْي على الأَصْل (الثَّابِت لُغَة) وَهُوَ أَن لفظ الْأَمر خَاص بالصيغة المستعملة فِي الْوُجُوب، ومدار الْأَحْكَام المستنبطة من الْكتاب وَالسّنة على اللُّغَة (وابتناء الأول) وَهُوَ أَن الْمَنْدُوب مَأْمُور بِهِ حَقِيقَة (على الِاصْطِلَاح) للنحاة وَهُوَ أَن الصِّيغَة لما هُوَ أَعم من الْوُجُوب (واستدلال الْمُثبت بِإِجْمَاع أهل اللُّغَة على انقسام الْأَمر إِلَى أَمر إِيجَاب وَأمر ندب) لَا يَصح على إِرَادَة ظَاهره (إِنَّمَا يَصح على إِرَادَة أهل الِاصْطِلَاح من النُّحَاة) لأهل اللُّغَة لما بَينهمَا من الْمُنَاسبَة (لِأَن مَا ثَبت من أَن الْأَمر خَاص فِي الْوُجُوب) على مَا مر من قبل النَّافِي (حكم اللُّغَة) فَكيف يتَصَوَّر إِجْمَاع أَهلهَا على خِلَافه، ثمَّ استدلالهم الْمَذْكُور بِاعْتِبَار ابتنائه على الِاصْطِلَاح (كاستدلالهم بِأَن فعله) أَي الْمَنْدُوب (طَاعَة وَهِي) أَي الطَّاعَة (فعل الْمَأْمُور بِهِ) وَفسّر الطَّاعَة فِي الْمَأْمُور بِهِ بقوله (أَي) فعل (مَا يُطلق عَلَيْهِ الْمَأْمُور) بِهِ (فِي الِاصْطِلَاح) النَّحْوِيّ فَقَوله فعل مصدر مَبْنِيّ للْفَاعِل وَمَا يُطلق عَلَيْهِ عبارَة عَن الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ كَسَائِر أَفعَال الْمُكَلّفين مِمَّا يَفْعَلُونَهُ لقصد الْقرْبَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مُرَادهم ذَلِك بل مَا يُطلق عَلَيْهِ فِي للغة (فعين النزاع) أى فَالْمُرَاد حِينَئِذٍ عين المنازع، إِذْ الْخصم لَا يسْتَلْزم أَن كل طَاعَة يُطلق عَلَيْهَا لفظ الْمَأْمُور بِهِ حَقِيقَة بل يُطلق على الْوَاجِبَة فَقَط (مَعَ أَنه) أَي هَذَا الِاسْتِدْلَال إِنَّمَا يتمشى (على تَقْدِير

اصْطِلَاح فِي الطَّاعَة) وَهُوَ أَن الطَّاعَة فعل الْمَأْمُور بِهِ مُطلقًا (وَهُوَ) أَي هَذَا الِاصْطِلَاح فِيهَا (مُنْتَفٍ للْقطع بِعَدَمِ تَسْمِيَة فعل المهدد عَلَيْهِ طَاعَة لأحد) أَي لَا يُقَال للْفِعْل الَّذِي تعلق بِهِ افْعَل على سَبِيل التهديد أَنه طَاعَة إِذا فعله المهدد عَلَيْهِ بل وَلَا يُقَال أَنه مَأْمُور بِهِ وَلَا أَنه أَمر بذلك الْفِعْل مَعَ صدق الْأَمر اصْطِلَاحا نحويا على صيغته وَاللَّازِم بَاطِل، وَقَوله لأحد إِمَّا صلَة طَاعَة وَإِمَّا مُتَعَلق بِتَسْمِيَة (وَإِلَّا) رُجُوع إِلَى أول الْبَحْث، وَالْمعْنَى وَإِن لم يكن مُرَاد الْمُثبت أَن الصِّيغَة فِي النّدب يُطلق عَلَيْهَا لفظ أَمر حَقِيقَة بِنَاء على عرف النُّحَاة بل على اللُّغَة (فَإِنَّمَا يَصح) كَونه مَأْمُورا بِهِ حَقِيقَة بِحَسب اللُّغَة بِنَاء (على أَن الصِّيغَة) الَّتِي هِيَ مُسَمّى لفظ أَمر (حَقِيقَة فِي النّدب مُشْتَركا) بَينه وَبَين الْإِيجَاب (أَو خَاصّا) للنَّدْب كَمَا هُوَ قَول الْبَعْض (وهم) أَي المثبتون (ينفونه) أَي كَونهَا مُشْتَركَة أَو خَاصَّة فِيهِ ويجعلونها حَقِيقَة فِي الْوُجُوب خَاصَّة فَلَا يكون الْمَنْدُوب مَأْمُورا بِهِ حَقِيقَة، وَحِينَئِذٍ (فاستدلال النَّافِي بِأَنَّهُ) أَي الْمَنْدُوب (لَو كَانَ مَأْمُورا) بِهِ (أَي حَقِيقَة لَكَانَ تَركه مَعْصِيّة) لما ثَبت أَن تَارِك الْمَأْمُور بِهِ عَاص (وَلما صَحَّ) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " (لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ) عِنْد كل وضوء " كَمَا فِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة أَو عِنْد كل صَلَاة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ندبهم إِلَى السِّوَاك، ثمَّ قَوْله اسْتِدْلَال النَّافِي مُبْتَدأ خبر (زِيَادَة) مِنْهُ غَيره مُحْتَاج إِلَيْهَا لتَمام الْمَطْلُوب بِمَا تقدم (وتأويله) لفظ الْأَمر فِي الحَدِيث وَمَا قبله (بِحمْلِهِ) أَي الْأَمر (على قسم خَاص هُوَ أَمر الْإِيجَاب) كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره مُخَالفَة للظَّاهِر (بِلَا دَلِيل، وَقَوْلهمْ) أَي المثبتين أَنه يُصَار إِلَى التَّأْوِيل الْمَذْكُور (لدليلنا) مَدْفُوع لِأَنَّهُ (ظهر أَنه) أَي دليلهم (لم يتم) حِينَئِذٍ فأخف الْأَمريْنِ على المثلين جعل الْخلاف لفظيا فالمثبت: يَعْنِي الِاصْطِلَاح النَّحْوِيّ وَلَا يُنكره النَّافِي، والنافي: يَعْنِي اللُّغَة وَلَا يَنْفِيه الْمُثبت، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَمثل هَذِه) الخلافية (فِي اللفظية) أَي فِي كَونهَا لفظية (الْخلاف فِي أَن الْمَنْدُوب مُكَلّف بِهِ، وَالصَّحِيح) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور (عَدمه) أَي عدم كَونه مُكَلّفا بِهِ (خلافًا للأستاذ) أبي إِسْحَاق الاسفرايني وَالْقَاضِي، وَإِنَّمَا جعلنَا الْخلاف لفظيا (لدفع بعده) أَي بعد جعله معنويا: إِذْ يبعد من الْأُسْتَاذ وَغَيره اعْتِبَار التَّكْلِيف فِيهِ: إِذْ التَّكْلِيف إِلْزَام مَا فِيهِ مشقة وكلفة فيؤول كَلَامه (بِأَن المُرَاد) بقوله النّدب تَكْلِيف (إِيجَاب اعْتِقَاده) أَي اعْتِقَاد كَونه مَنْدُوبًا، وَإِن كَانَ التَّأْوِيل أَيْضا بَعيدا، لِأَن النّدب حكم وَوُجُوب الِاعْتِقَاد حكم آخر لكنه أخف من الأول، وَقيل كَون الْخلاف لفظيا بِاعْتِبَار تَفْسِير التَّكْلِيف، فَمن فسره بالإلزام الْمَذْكُور نَفَاهُ عَن الْمَنْدُوب، وَمن فسره بِطَلَب مَا فِيهِ كلفه أثْبته لَهُ وَالْمُصَنّف ذهب إِلَى الأول فَلَزِمَهُ كَون الْمُبَاح أَيْضا مُكَلّفا بِهِ من حَيْثُ الِاعْتِقَاد، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِلَّا أَن الْمُبَاح حِينَئِذٍ) أَي حِين يُرَاد بِكَوْنِهِ تكليفا إِيجَاب اعْتِقَاد ندبيته (تَكْلِيف) أَيْضا

لوُجُوب اعْتِقَاد إِبَاحَته (وَبِه) أَي بِكَوْن الْإِبَاحَة تكليفا (قَالَ) الْأُسْتَاذ (أَيْضا) وَمن سواهُ على أَنه لَيْسَ بتكليف (وَمثلهمَا) أَي الْمَنْدُوب والمباح من حَيْثُ الْخلاف فِي تعلق الْأَمر حَقِيقَة أَو مجَازًا وَفِي التَّكْلِيف، وَفِي كَون الْخلاف لفظيا (الْمَكْرُوه) فَهُوَ (مَنْهِيّ) عَنهُ (أَي اصْطِلَاحا) نحويا (وَحَقِيقَة مجَازًا لُغَة) لِأَن النَّهْي فِي الِاصْطِلَاح يُقَال على لَا تفعل استعلاء سَوَاء كَانَ على سَبِيل الحتم أَولا أما فِي اللُّغَة فَلَا يُقَال حَقِيقَة نهي عَن كَذَا إِلَّا إِذا منع عَنهُ، فالقائل حَقِيقَة يُرِيد الِاصْطِلَاح، وَالْقَائِل مجَاز يُرِيد اللُّغَة (وَأَنه) أَي الْمَكْرُوه (لَيْسَ تكليفا) عِنْد الْجُمْهُور لِأَنَّهُ لَيْسَ إِلْزَام مَا فِيهِ كلفة وتكليف عِنْد الْأُسْتَاذ (وَفِيهِمَا) أَي فِي مسئلتي الْمَكْرُوه هَاتين (مَا فيهمَا) أَي فِي مسئلتي الْمَنْدُوب مَأْمُور بِهِ وَالْمَنْدُوب والمباح يُكَلف بهما (وَالْمرَاد) بالمكروه الْمَكْرُوه (تَنْزِيها) لِأَن الْمَكْرُوه تَحْرِيمًا لَا خلاف فِي أَنه تَكْلِيف (وَيُطلق) الْمَكْرُوه (على الْحَرَام و) على (خلاف الأولى مِمَّا لَا صِيغَة) نهى (فِيهِ) كَتَرْكِ الضُّحَى، وَهَذَا إِذا فرق بَين التنزيهية وَخلاف الأولى (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يفرق بَينهمَا نظر إِلَى الْمَآل (فالتنزيهية مرجعها إِلَيْهِ) أَي إِلَى خلاف الأولى، إِذْ حاصلها مَا تَركه أولى، والتفرقة مُجَرّد اصْطِلَاح (وَكَذَا يُطلق الْمُبَاح على مُتَعَلق) الْإِبَاحَة (الْأَصْلِيَّة) الَّتِي هِيَ عدم الْمُؤَاخَذَة بِالْفِعْلِ وَالتّرْك لما هُوَ من الْمَنَافِع لعدم ظُهُور تعلق الْخطاب (كَمَا) يُطلق الْمُبَاح أَيْضا (على مُتَعَلق خطاب الشَّارِع تخييرا، وَكِلَاهُمَا) أَي المتعلقين إِنَّمَا يعرفان (بعد الشَّرْع على مَا تقدم) فِي آخر المسئلة الثَّانِيَة من مسئلتي التنزل (أما الْمُعْتَزلَة فأعم من ذَلِك) أَي فالمباح عِنْدهم يُطلق على مَا هُوَ أَعم من مُتَعَلق الْأَصْلِيَّة والشرعية (والعقلية) إِذْ متعلقها عِنْدهم الْأَفْعَال الاخيتارية الَّتِي يدْرك الْعقل عدم اشتمالها على الْمصلحَة والمفسدة وَلم يتَعَلَّق بهَا خطاب لحكم الْعقل بِعَدَمِ الْحَرج فِي فعلهَا وَتركهَا (وَأما من جعله) أَي جَوَاز إِطْلَاق الْمُبَاح شرعا على مُتَعَلق غير الشَّرْعِيَّة وَهُوَ انْتِفَاء الْحَرج فِي الْفِعْل وَالتّرْك وَعدم جَوَاز ذَلِك (خلافًا فِي أَن لفظ الْمُبَاح هَل يُطلق فِي لِسَان الشَّرْع على غير ذَلِك) أَي غير مُتَعَلق خطاب الشَّارِع تخييرا. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: الْكَلَام فِي أَن الْمُبَاح عِنْد بعض الْمُعْتَزلَة مَا انْتَفَى الْحَرج فِي فعله وَتَركه، وَعِنْدنَا مَا تعلق خطاب الشَّارِع بذلك بِهِ (فَلَا حَاصِل لَهُ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ الشَّارِع فَلَا يعرف لَهُ) أَي الشَّارِع (اصْطِلَاح فِي الْمُبَاح أَو) أَرَادَ (أهل الِاصْطِلَاح الفقهي فَلَا خلاف برهانيا) بل هُوَ حِينَئِذٍ لَفْظِي مَبْنِيّ على الاصلاحى (ويرادف الْمُبَاح الْجَائِز وَيزِيد) عَلَيْهِ فِي الْإِطْلَاق (بِإِطْلَاقِهِ) أَي الْجَائِز (على مَا لَا يمْتَنع شرعا وَلَو) كَانَ ذَلِك (وَاجِبا ومكروها) أَي أَو مَكْرُوها فيطلق على الْمَنْدُوب والمباح بطرِيق أولى (و) على مَا لَا يمْتَنع (عقلا) وَهُوَ الْمُمكن الْعَام سَوَاء كَانَ (وَاجِبا أَو راجحا أَو قسيميه) أَي الرَّاجِح وهما الْمَرْجُوح

مسئلة

والمساوي، وَهَذَا أَعم من الأول مُطلقًا وَمن الثَّانِي من وَجه (كَمَا يُقَال الْمَشْكُوك على الموهوم) مسئلة (نفي الكعبي الْمُبَاح خلافًا لِلْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ) أَي الْمُبَاح (ترك حرَام) فَإِن السُّكُوت ترك للقذف، وَالسُّكُوت ترك للْقَتْل (وَتَركه) أَي الْحَرَام (وَاجِب وَلَو) كَانَ (وَاجِبا مُخَيّرا) فِيهِ بَين أَن يَأْتِي بِوَاجِب وَغير وَاجِب كالمندوب وَالْمَكْرُوه تَنْزِيها، فَإِذا اخْتَار أَي وَاحِد مِنْهَا كَانَ وَاجِبا لكَونه ترك حرَام (فَانْدفع) بقوله وَلَو مُخَيّرا (منع تعين الْمُبَاح) على رَأْي الْجُمْهُور (للترك) لِلْحَرَامِ (لجوازه) أَي ترك الْحَرَام (بِوَاجِب) وَلَا يضر كَون الْوَاجِب الْمُخَير مُبْهما لما عرفت من خِصَال الْكَفَّارَة (ويورد) على الكعبي أَنه (لَيْسَ تَركه) أَي الْحَرَام (عين فعل الْمُبَاح) غَايَته أَنه لَا يحصل إِلَّا بِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِح (وَأجَاب) الكعبي (بِأَن) هَذَا لَا يضر فَإِن (مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب) وَيرد عَلَيْهِ أَنه لَا نسلم أَنه لَا يتم الْوَاجِب الَّذِي هُوَ ترك الْحَرَام إِلَّا بِهِ لجَوَاز أَن يتَحَقَّق فِي ضمن وَاجِب أَو مَكْرُوه فَتَأمل (وَأورد) على هَذَا الدَّلِيل (أَنه مصادمة الْإِجْمَاع على انقسام الْفِعْل إِلَيْهِ) أَي الْمُبَاح (وباقيها) أَي أقسامها من الْوَاجِب وَالْحرَام وَالْمَكْرُوه وَالْمَنْدُوب فَلَا يسمع (فَأجَاب) الكعبي (بِوُجُوب تَأْوِيله) أَي الْإِجْمَاع على انقسام الْفِعْل فَإِنَّهُ منقسم إِلَيْهَا (بِاعْتِبَارِهِ) أَي انفعل (فِي ذَاته) أَي مَعَ قطع النّظر عَمَّا يستلزمه من كَونه يحصل بِهِ ترك حرَام (لَا بملاحظة مَا يلْزمه) أَي الْفِعْل من كَونه يحصل بِهِ ترك حرَام، وَإِنَّمَا أوّلناه (لقطعية دليلنا) الْمَذْكُور جمعا بَينه وَبَين الدَّلِيل الْقطعِي بِقدر الْإِمْكَان إِذْ الأَصْل فِي الْأَدِلَّة الْأَعْمَال لَا الإهمال (وَيتَعَيَّن كَونه) أَي هَذَا التَّأْوِيل (مُرَاد الْقَائِلين بِوُجُوب مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ) قَالَ الشَّارِح: قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله: فَإِن قَوْلهم يَقْتَضِي وجوب مباحثات كَثِيرَة فَهُوَ يجر إِلَى مثل قَول الكعبي، فمرادهم أَن تِلْكَ الْمُقدمَات مُبَاحَة فِي ذَاتهَا وَلَكِن لَزِمَهَا الْوُجُوب لعَارض التَّوَصُّل إِلَى الْوَاجِب بهَا (فَإِن لُزُوم وجوب الْمعْصِيَة مُخَيّرا) مَا ذكره الكعبي إِسْنَاده إِلَى نقض إجمالي تَقْرِيره لَو صَحَّ مَا ذكره الكعبي لزم كَون الْمحرم إِذا ترك بِهِ محرما آخر: كاللواطة إِذا ترك بهَا الزِّنَا وَاجِبا. لِأَن هَذَا الْمحرم يتَحَقَّق بِهِ ترك الْحَرَام (فقد ذكر جَوَابه) وَهُوَ مَا ذكره فِي إِلْزَام حرق الْإِجْمَاع وَحَاصِله الْتِزَام كَونه حَرَامًا فِي نَفسه وَاجِبا لكَونه تركا للْمحرمِ (وَجَوَاب الْأَخيرينِ) أَي قَول الكعبي إِنَّمَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب فِي جَوَاب قَول الْجُمْهُور لَيْسَ تَركه عين فعل الْمُبَاح وتأويله فِي مُقَابلَة إيرادهم عَلَيْهِ مصادمة الْإِجْمَاع (منع أَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ) فَهُوَ (وَاجِب) أما كَونه جَوَابا عَن الأول فَظَاهر، وَأما عَن التَّأْوِيل فَلِأَن المحوج إِلَيْهِ وجوب مَا لَا يتم

مسئلة

الْوَاجِب إِلَّا بِهِ (واقتصارهم) أَي الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين مِنْهُم على هَذَا الْمَنْع متجاوزين فِي الِاقْتِصَار (عَن آخِرهم) وَهَذَا على سَبِيل الْمُبَالغَة إِذْ لَا يُمكن التجاوز عَن الآخر، أَو الْمَعْنى عَن آخِرهم إِلَى أَوَّلهمْ بِجعْل الآخر ابْتِدَاء السلسلة من حَيْثُ التصاعد (يُنَادي بِانْتِفَاء دَفعه) أَي دفع قَول الكعبي (إِلَّا للنافي) كَون مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ وَاجِبا (وَلَيْسَ) هَذَا النَّفْي هُوَ (الْمَذْهَب الْحق) للفقهاء والمحدثين وَغَيرهم (وَلَا مخلص لأَهله) أَي الْحق عَن الكعبي فيلزمهم نفي الْمُبَاح رَأْسا (وَهُوَ) أَي الدّفع لقَوْل الكعبي (أقرب إِلَيْك مِنْك) هَذَا كِنَايَة عَن كَمَال الظُّهُور، إِذْ لَا يُمكن أَن يكون غير نفي الشَّيْء أقرب مِنْهُ إِلَيْهِ (لانكشاف منع أَن كل مُبَاح ترك حرَام، بل لَا شَيْء مِنْهُ) أَي من الْمُبَاح (إِيَّاه) أَي ترك حرَام (وَلَا يستلزمه) أَي الْمُبَاح ترك الْحَرَام (للْقطع بِأَن التّرْك: وَهُوَ كف النَّفس عَن الْفِعْل فرع خطوره) أَي الْفِعْل (و) فرع (دَاعِيَة النَّفس لَهُ) أَي للْفِعْل (و) نَحن (نقطع بِإِسْكَان سَائِر الْجَوَارِح) أَي جَمِيعهَا (وفعلها) أَي الْجَوَارِح مَعْطُوف على إسكان حَال كَون كل من الإسكان وَالْفِعْل (لَا عَن دَاعِيَة فعل مَعْصِيّة تركا لَهَا) أَي للمعصية حَال متداخلة من الضَّمِير المستكن فِي الْحَال الأول رَاجع إِلَى الإسكان وَالْفِعْل (بذلك) مُتَعَلق بتقطع: أَي بخطور الْفِعْل وداعية النَّفس لَهُ تَوْضِيحه أَن التّرْك الَّذِي هُوَ كف النَّفس عَن فعل الْمعْصِيَة تَارَة يتَحَقَّق بِفعل الْجَوَارِح بِأَن يشغلها بِفعل آخر عَنْهَا، والمباح أَيْضا تَارَة يتَحَقَّق بإسكانها وَتارَة بتحريكها وفعلها فيوهم أَن الْمُبَاح هُوَ التّرْك الْمَذْكُور، وَإِذا وجد شَيْء من إسكانها وفعلها وَلم يكن صدوره مسببا عَن دَاعِيَة فعل الْمعْصِيَة بِأَن يكون الْمَقْصُود مِنْهُ تَركهَا دلنا إِلَى الْقطع بصدوره لَا عَن تِلْكَ الداعية لعدم سبق خطور فعل الْمعْصِيَة وداعية النَّفس لَهَا، فكم من مُبَاح يتَحَقَّق وَلَيْسَ هُنَاكَ التّرْك الْمَذْكُور قطعا فَلَا يستلزمه (وَعند تحققها) أَي دَاعِيَة الْمعْصِيَة (فالكف) للنَّفس عَن فعلهَا (وَاجِب ابْتِدَاء) لَا ثَانِيًا بِحَسب تَحْرِيم الْمحرم الَّذِي هُوَ الْكَفّ تركا (يُثبتهُ) أَي وجوب هَذَا الْوَاجِب ابْتِدَاء فَاعله الدَّلِيل فِي قَوْله (بِمَا قَامَ بأطلاقه الدَّلِيل) الْجَار الأول مُتَعَلق بالإثبات، وَالثَّانِي بِالْقيامِ: يَعْنِي إثْبَاته الْوُجُوب بِسَبَب معنى قَائِم بِإِطْلَاقِهِ وَهُوَ عُمُومه وشموله لُزُوم الْكَفّ عَن كل دَاعِيَة مَعْصِيّة، وَيجوز أَن يكون ضمير الْمَوْصُول محذوفا وَالتَّقْدِير بِمَا قَامَ بِهِ وَيكون قَوْله بِإِطْلَاقِهِ بَدَلا عَن قَوْله بِمَا قَامَ بِهِ. مسئلة (قيل الْمُبَاح جنس الْوَاجِب) إِذْ الْمُبَاح مَا أذن فِي فعله، وَالْإِذْن جُزْء حَقِيقَة الْوَاجِب لاخْتِصَاص الْوَاجِب بِقَيْد زَائِد لِأَنَّهُ مَا أذن فِي فعله لَا فِي تَركه (وَهُوَ) أَي هَذَا القَوْل (غلط، بل) الْمُبَاح

مبحث الرخصة والعزيمة

(قسيمة) أَي الْوَاجِب (مندرج مَعَه) أَي مَعَ الْوَاجِب (تَحت رجنسهما إِطْلَاق الْفِعْل) عطف بَيَان لجنسهما، وَهُوَ إِذن فِي الْفِعْل غير مُقَيّد بِالْإِذْنِ فِي التّرْك وَعَدَمه (لمبيانته) أَي الْمُبَاح للْوَاجِب (بفصله) أَي الْمُبَاح (إِطْلَاق التّرْك) فِيهِ كإطلاق الْفِعْل، إِذْ الْوَاجِب غير مُطلق التّرْك (وَتقدم) فِي مسئلة لاشك فِي تبادر كَون الصِّيغَة فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب مجَازًا (فِي) بحث (الْأَمر مَا يرشد إِلَيْهِ) أَي إِلَى كَونه مباينا لما قُلْنَا فَليرْجع إِلَيْهَا. مَبْحَث الرُّخْصَة والعزيمة (تَقْسِيم للحنفية: الحكم إِمَّا رخصَة وَهُوَ) أَي الرُّخْصَة (مَا) أَي حكم (شرع تَخْفِيفًا لحكم) آخر (مَعَ اعْتِبَار دَلِيله) أَي الحكم الآخر (قَائِم الحكم) لبَقَاء الْعَمَل بِهِ (لعذر خوف) فَوَات (النَّفس أَو الْعُضْو) وَلَو أُنْمُلَة، فَخرجت الْعَزِيمَة لِأَنَّهَا لم تشرع تَخْفِيفًا لحكم، بل شرعت ابْتِدَاء لَا بِعَارِض، وَمِنْهَا خِصَال الْكَفَّارَة الْمرتبَة وَالتَّيَمُّم عِنْد فقد المَاء (كإجراء الْمُكْره بذلك) مُتَعَلق بالمكره أَي بِمَا يحصل بِهِ خَوفه على نَفسه أَو عضوه (كلمة الْكفْر) على لِسَانه وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان، مفعول إِجْرَاء، (وجنايته) أَي الْمحرم الْمُكْره بذلك (على إِحْرَامه) سَوَاء كَانَت الْجِنَايَة الْإِفْسَاد أَو بِمَا يُوجب الدَّم كَمَا هُوَ الظَّاهِر من إِطْلَاقه (ورمضان) أَي وَجِنَايَة الصَّائِم فِي رَمَضَان صَحِيحا مُقيما مكْرها بذلك بالإفساد (وَترك الْخَائِف على نَفسه الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وَالصَّلَاة) الْمَفْرُوضَة مَعْطُوف على الْأَمر (وَتَنَاول الْمُضْطَر مَال الْغَيْر) مَعْطُوف على إِجْرَاء (وَهُوَ) أَي هَذَا النَّوْع من الرُّخْصَة (أَحَق نوعيها) أَي أولاهما حَقِيقَة باسم الرُّخْصَة لقِيَام دَلِيل الْعَزِيمَة فِيهِ، وَقيام حكمه من غير دَلِيل دَال على تراخيه عَنهُ، وَكلما قوي جَانب الْعَزِيمَة قوي فِي جَانب خِلَافه معنى الرُّخْصَة المثبتة عَن كَونه معدولا إِلَيْهِ عَن الأَصْل للضَّرُورَة، وَحِينَئِذٍ (فالعزيمة) أَي الْعَمَل بالعزيمة (أولى) لما ذكر من قيام دليلها، وَبَقَاء حكمهَا من غير مُوجب للتراخي (وَلَو مَاتَ بِسَبَبِهَا) أَي الْعَزِيمَة فإمَّا قيام دَلِيل وجوب الْإِيمَان إِلَى آخِره فَلِأَنَّهُ قَطْعِيّ لَا يتَصَوَّر تراخي حكمه عَنهُ عقلا وَلَا شرعا فيدوم بدوامه، وَإِنَّمَا رخص فِي إِجْرَاء تِلْكَ الْكَلِمَة فِي تِلْكَ الْحَالة لِئَلَّا يفوت حَقه صُورَة وَمعنى بتخريب الْبدن، وزهوق الرّوح مَعَ أَن حق الله لَا يفوت معنى لاطمئنان الْقلب بِالْإِيمَان غير أَن الْعَزِيمَة أولى لما فِيهِ من رِعَايَة تَعْظِيم الله تَعَالَى صُورَة وَمعنى، وَحُصُول الشَّهَادَة، والْآثَار فِي هَذَا كَثِيرَة شهيرة، وعَلى هَذَا الْقيَاس قيام دَلِيل النَّافِي وَبَقَاء حكمه من غير تراخ، وأولوية الْعَزِيمَة فِيهِ على مَا تبين فِي مَحَله وَقَالُوا فِي حُرْمَة أكل الْميتَة وَلحم الْخِنْزِير، وَشرب الْخمر إِمَّا فِي حَالَة الِاخْتِيَار، وَإِمَّا فِي حَالَة الِاضْطِرَار فَهِيَ

على الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة حَتَّى قيل أَنه لَو لم يَأْكُل حَتَّى يَمُوت كَانَ آثِما (أَو) مَا شرع تَخْفِيفًا لحكم آخر مَعَ اعْتِبَار دَلِيله (متراخيا) حكمه (عَن محلهَا) أَي الرُّخْصَة (كفطر الْمُسَافِر) أَي كرخصة فطره وَالْمَرِيض فِي رَمَضَان، فَإِن دَلِيل وجوب صَوْمه، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} - قَائِم، لَكِن تراخي حكمه عَن مَحل الرُّخْصَة، وَهُوَ السّفر وَالْمَرَض لقَوْله تَعَالَى - {فَعدَّة من أَيَّام أخر} -: وَقد يُقَال أَن قَوْله تَعَالَى " فليصمه " لَا يعم الْمُسَافِر بِقَرِينَة آخر الْكَلَام فَلَا يتَحَقَّق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ دَلِيل مُتَأَخّر الحكم، وَيُجَاب بِأَنَّهُ يدل على أَنه لَوْلَا وجود عذره لَكَانَ مثل غَيره فِي طلب الصَّوْم، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار جعل دَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَيْضا غير أَنه متراخ الحكم (والعزيمة) فِي هَذَا النَّوْع (أولى مَا لم يستضر) بهَا نظرا إِلَى قيام السَّبَب، وَأما إِذا استضر فَلَا أَوْلَوِيَّة للعزيمة، وَقد روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " هِيَ رخصَة من الله فَمن أَخذ بهَا فَحسن، وَمن أحب أَن يَصُوم فَلَا جنَاح عَلَيْهِ ". وَصَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر أَيْضا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (فَإِن مَاتَ بهَا) أَي بالعزيمة (أَثم) لقَتله نَفسه بِلَا مُبِيح، فَمَا فِي صَحِيح مُسلم من أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَام الْفَتْح إِلَى مَكَّة فِي رَمَضَان حَتَّى بلغ كرَاع الغميم، ثمَّ دَعَا بقدح من مَاء فَشرب بِهِ، فَقيل لَهُ إِن بعض النَّاس قد صَامَ، فَقَالَ أُولَئِكَ العصاة مَحْمُول على أَنهم استضروا بِهِ بِدَلِيل مَا فِي لفظ لَهُ، فَقيل أَن النَّاس قد شقّ عَلَيْهِم الصَّوْم (والعزيمة ذَلِك الحكم) الْمعبر عَنهُ بقوله تَخْفِيفًا لحكم وَلَا يخفى أَن الْأَنْسَب ذكره قبل قَوْله، فالعزيمة أولى لكنه أَخّرهُ لما ذكر بعده مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ (فتقيد) الْعَزِيمَة (بِمُقَابلَة رخصَة، وَقد لَا تقيد) بمقابلتها (فَيُقَال) الْعَزِيمَة (مَا شرع ابْتِدَاء غير مُتَعَلق بالعوارض) فتعم مَا كَانَ فِي مُقَابلَة رخصَة وَمَا لم يكن (وتعرف الرُّخْصَة بِمَا تغير من عسر إِلَى يسر من الْأَحْكَام وَقسم كل) من الْعَزِيمَة الرُّخْصَة بِهَذَيْنِ الْمَعْنيين (أَرْبَعَة) من الْأَقْسَام فقسم (الْعَزِيمَة إِلَى فرض) وَهُوَ (مَا) أَي حكم (قطع بلزومه) مَأْخُوذ (من فرض) بِمَعْنى قطع (وواجب بِمَا) أَي حكم (ظن) لُزُومه، سمي وَاجِبا (لسُقُوط لُزُومه) أَي وُقُوعه (على الْمُكَلف بِلَا علم) لَهُ بِثُبُوتِهِ علما قَطْعِيا فَهُوَ مَأْخُوذ (من وَجب) بِمَعْنى (سقط) قَالَ تَعَالَى فِي الْهدى بعد النَّحْر - {فَإِذا وَجَبت جنوبها} -: أَي سَقَطت، وَيحْتَمل أَن تكون التَّسْمِيَة بِاعْتِبَار دَرَجَته عَن مرتبَة الْعلم غير أَنه لَا يلائم إِلَّا الْحَنَفِيَّة (و) قَالَ (الشَّافِعِيَّة) بل الْجُمْهُور الْفَرْض وَالْوَاجِب اسمان (مُتَرَادِفَانِ) لفعل مَطْلُوب جزما (وَلَا يُنكرُونَ) أَي الشَّافِعِيَّة (انقسام مَا لزم) فعله (إِلَى قَطْعِيّ) أَي ثَابت بِدَلِيل قَطْعِيّ دلَالَة وسندا (وظني) أَي ثَابت بِدَلِيل ظَنِّي دلَالَة وسندا (وَلَا) يُنكرُونَ (اخْتِلَاف حَالهمَا) أَي الْقطعِي والظني من حَيْثُ إِلَّا كفار لمنكره وَعَدَمه وَغير ذَلِك، وَإِنَّمَا النزاع فِي أَن الاسمين هَل هما لِمَعْنى وَاحِد يتَفَاوَت فِي بعض الْأَحْكَام بِالنّظرِ إِلَى طَرِيق

ثُبُوته أَو كل مِنْهُمَا لقسم مِنْهُ مُغَاير للْآخر بِاعْتِبَار طَريقَة (فَهُوَ) نزاع (لَفْظِي غير أَن إِفْرَاد كل قسم باسم أَنْفَع عِنْد الْوَضع) لموضوع المسئلة (للْحكم) عَلَيْهِ فَإنَّك حِينَئِذٍ تضع الْفَرْض مَوْضُوع مسئلة لتَحكم عَلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبه وتضع الْوَاجِب كَذَلِك، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَا مترادفين فَإنَّك حِينَئِذٍ تحْتَاج إِلَى نصب قرينَة بِحَسب الْمَوَاضِع (وَإِلَى سنة) أَي (الطَّرِيقَة الدِّينِيَّة) المأثورة (مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو) الْخُلَفَاء (الرَّاشِدين) كلهم (أَو بَعضهم) الَّتِي يُطَالب الْمُكَلف بإقامتها من غير افتراض وَلَا وجوب، وَلم يذكر هَذَا الْقَيْد لظُهُوره بِقَرِينَة التقابل. وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ ": حسنه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ. وَأخرجه ابْن مَاجَه وَأحمد وَأَبُو دَاوُد، وهم: أَبُو بكر، وَعمر وَعُثْمَان، وَعلي رَضِي الله عَنْهُم كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ وَغَيره لما صَححهُ أَحْمد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث سُفْيَان " الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة، ثمَّ تكون ملكا ". وَاحْتج بِهِ أَحْمد وَغَيره على خلافتهم فقد كَانَت مدتهم هَذِه إِلَّا سِتَّة أشهر مُدَّة الْحسن ابْن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا (وينقسم مُطلقهَا) أَي السّنة (إِلَى سنة هدى) وَهُوَ مَا يكون إِقَامَتهَا تكميلا للدّين، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَيرد عَلَيْهِ أَن مَا سَيَأْتِي من السّنَن الزَّوَائِد كثير مِنْهَا مَا يصدق عَلَيْهِ هَذَا التَّعْرِيف إِذا قصد بِهِ اتِّبَاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال المنظور قَصده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لم يقْصد بالزوائد ذَلِك (تاركها) بِلَا عذر (مضلل ملوم كالأذان) للمكتوبات على مَا ذهب إِلَيْهِ كثير من الْمَشَايِخ، وَذهب صَاحب الْبَدَائِع إِلَى وُجُوبه، وَمَال إِلَيْهِ المُصَنّف لمواظبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ من غير ترك (وَالْجَمَاعَة) عَن ابْن مَسْعُود " من سره أَن يلقى الله غَدا فليحافظ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات حَيْثُ يُنَادي بِهن، فَإِن الله تَعَالَى شرع لنبيكم سنَن الْهدى وانهن من سنَن الْهدى، وَلَو أَنكُمْ صليتم فِي بُيُوتكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المتخلف فِي بَيته لتركتم سنة نَبِيكُم، وَلَو تركْتُم سنة نَبِيكُم لَضَلَلْتُمْ ". وَفِي رِوَايَة " أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمنَا سنَن الْهدى، وَأَن من سنَن الْهدى الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الَّذِي يُؤذن فِيهِ ". رَوَاهُ مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن (وَإِنَّمَا يُقَاتل المجمعون على تَركهَا) أَي سنة الْهدى كَمَا قَالَ مُحَمَّد فِي أهل بَلْدَة تركُوا الْأَذَان وَالْإِقَامَة أمروا بهما فَإِن أَبَوا قوتلوا بِالسِّلَاحِ (للاستخفاف) لِأَن مَا كَانَ من إِعْلَام الدّين فالإصرار على تَركه استخفاف بِالدّينِ، فيقاتلون على ذَلِك، ذكره فِي الْمَبْسُوط، فَهَذَا الْقِتَال يدل على وجوب الْأَذَان كَمَا اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم، وَيشكل على هَذَا قَوْله وَلَو تَركه وَاحِد ضَربته وحبسته. وَفِي شرح مُخْتَصر الْكَرْخِي عَنهُ أَنه قَالَ " لَو ترك أهل كورة سنة من سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقاتلتهم عَلَيْهَا، وَلَو ترك رجل وَاحِد ضَربته وحبسته " لِأَن السّنة لَا يضْرب وَلَا يحبس عَلَيْهَا إِلَّا أَن يحمل على مَا إِذا كَانَ مصرا على التّرْك من غير عذر فَإِنَّهُ استخفاف كَمَا فِي الْجَمَاعَة المصرين

عَلَيْهِ من غير عذر، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَنه يحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى الْفرق بَين إِصْرَار الْكل وإصرار الْبَعْض حَيْثُ يُقَاتل فِي الأول، وَيضْرب وَيحبس فِي الثَّانِي فَلْيتَأَمَّل (وَقَول الشَّافِعِي مُطلقهَا) أَي السّنة إِذا أطلقها الصَّحَابِيّ أَو الْمُتَكَلّم بِلِسَان الشَّرْع (منصرف إِلَيْهِ) أَي إِلَى مسنونه (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَحِيح فِي عرف الْآن، وَالْكَلَام فِي عرف السّلف ليعْمَل بِهِ فِي نَحْو قَول الرَّاوِي) صحابيا كَانَ أَو غَيره (السّنة أَو من السّنة. وَكَانُوا) أَي السّلف (يطلقونها) أَي السّنة على (مَا ذكرنَا) أَي سنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، فَفِي صَحِيح مُسلم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قصَّة جلد الْوَلِيد بن عقبَة من شرب الْخمر " لما أَمر الجلاد بالإمساك على الْأَرْبَعين " جلد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر أَرْبَعِينَ، وَعمر ثَمَانِينَ، وكل سنة: وَهَذَا أحب إِلَيّ ". وَقَالَ مَالك: قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز " سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وولاة الْأَمر من بعده سننا الْأَخْذ بهَا اعتصام بِكِتَاب الله تَعَالَى، وَقُوَّة على دين الله تَعَالَى ". وَنقل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم وَغَيره مَا يُوَافق الشَّافِعِي، ذكر الشَّارِح تَفْصِيله (وَإِلَى) سنَن (زَائِدَة كَمَا فِي أكله وقعوده ولبسه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا أَخذهَا حسن وَتركهَا لَا بَأْس بِهِ: أَي لَا يتَعَلَّق بِهِ كَرَاهَة وَلَا إساءة (وَإِلَى نفل) مَعْطُوف على قَوْله إِلَى فرض، وَهُوَ الْمَشْرُوع زِيَادَة على الْفَرَائِض والواجبات وَالسّنَن لنا لَا علينا (يُثَاب على فعله) لِأَنَّهُ عبَادَة (فَقَط) وَلَا يُعَاقب على تَركه (وَمِنْه) أَي النَّفْل الركعتان (الأخريان) من الرّبَاعِيّة (للْمُسَافِر) إِذْ يُثَاب على فعلهمَا غير أَنه يصير مسيئا بِتَأْخِير السَّلَام وَلَا يُعَاقب على تَركهمَا (فَلم ينوبا عَن سنة الظّهْر) على الصَّحِيح، لِأَن السّنة بالمواظبة، والمواظبة عَلَيْهَا مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتحريمة مُبتَدأَة وَإِن لم يحْتَج إِلَى نِيَّة السّنة فِي وُقُوعهَا سنة على مَا هُوَ الْمُخْتَار، ثمَّ عطف على الأخريان (وَمَا تعلق بِهِ دَلِيل ندب يَخُصُّهُ، وَهُوَ الْمُسْتَحبّ وَالْمَنْدُوب) كالركعتين أَو الْأَرْبَع قبل الْعَصْر وَالسّنة بعد الْمغرب: كَذَا ذكره الشَّارِح. وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة: اخْتلف فِي الْأَفْضَل بعد رَكْعَتي الْفجْر. قَالَ الْحلْوانِي: رَكعَتَا الْمغرب، فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يدعهما سفرا وَلَا حضرا، ثمَّ الَّتِي بعد الظّهْر لِأَنَّهَا سنة مُتَّفق عَلَيْهَا، وَقيل الَّتِي قبل الْعشَاء، وَالَّتِي قبل الظّهْر وَبعده وَبعد الْمغرب كلهَا سَوَاء (وَثُبُوت التَّخْيِير) شرعا (فِي ابْتِدَاء الْفِعْل) للنفل بَين التَّلَبُّس بِهِ، وَعدم التَّلَبُّس (لَا يسْتَلْزم عقلا وَلَا شرعا استمراره) أَي التَّخْيِير (بعده) أَي بعد الِابْتِدَاء والشروع فِيهِ (كَمَا قَالَ الشَّافِعِي) وَإِذا لم يستلزمه (فَجَاز الِاخْتِلَاف) بَين حالتيه: مَا قبل الشُّرُوع وَمَا بعده بِاعْتِبَار التَّخْيِير وَلُزُوم الْإِتْمَام (غير أَنه) أَي الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك (يتَوَقَّف على الدَّلِيل وَهُوَ) أَي الدَّلِيل (النَّهْي عَن إبِْطَال الْعَمَل) الثَّابِت بِنَصّ الْقُرْآن، وَالْقِيَاس على الْحَج النَّفْل (فَوَجَبَ الْإِتْمَام فَلَزِمَ الْقَضَاء بالإفساد، و) قسمت (الرُّخْصَة

إِلَى مَا ذكر) فِي أول التَّقْسِيم من الْقسمَيْنِ وَوصف أَولهمَا بِأَنَّهُ أَحَق نوعيها (و) إِلَى (مَا وضع عَنَّا من إصر) أَي حكم مغلظ شاق (كَانَ على من قبلنَا) من الْأُمَم (فَلم يشرع عندنَا) أَي فِي ملتنا أصلا تكريما لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَحْمَة لنا (كقرض مَوضِع النَّجَاسَة) من الثَّوْب وَالْجَلد (وَأَدَاء الرّبع فِي الزَّكَاة) لتَعلق الْوُجُوب بِربع المَال، وَاشْتِرَاط قتل النَّفس فِي صِحَة التَّوْبَة، وَبت الْقَضَاء بِالْقصاصِ عمدا كَانَ الْقَتْل أَو خطأ، وإحراق الْغَنَائِم، وَتَحْرِيم الْعُرُوق فِي اللَّحْم، وَتَحْرِيم السبت وَتَحْرِيم الطَّيِّبَات بِسَبَب الذُّنُوب، وَأَن لَا يطهر من الْجَنَابَة وَالْحَدَث غير المَاء، وَكَون الْوَاجِب من الصَّلَاة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة خمسين، وَعدم جَوَازهَا فِي غير الْمَسْجِد، وَحُرْمَة الْجِمَاع بعد الْعَتَمَة فِي الصَّوْم وَالْأكل بعد النّوم فِيهِ. قَالَ الشَّارِح: وَكِتَابَة ذَنْب المذنب لَيْلًا على بَاب دَاره صباحا وَلَا يخفى أَنه مِمَّا نَحن فِيهِ (و) إِلَى (مَا) أَي حكم (سقط: أَي لم يجب مَعَ الْعذر مَعَ شرعيته فِي الْجُمْلَة) وَتسَمى رخصَة إِسْقَاط (وَهَذَانِ) يَعْنِي مَا وضع عَنَّا وَمَا سقط مَعَ الْعذر إِلَى آخِره جعلا قسمَيْنِ مِنْهَا (بِاعْتِبَار مَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الرُّخْصَة) فَقَط سَوَاء كَانَ بطرِيق الْحَقِيقَة أَو الْمجَاز من غير اعْتِبَار حَقِيقَتهَا، وَهُوَ أَن يشرع تَخْفِيفًا لحكم مَعَ اعْتِبَار دَلِيله قَائِم الحكم لعذر، أَو متراخيا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا حَقِيقَتهَا كالقصر) للصَّلَاة الرّبَاعِيّة للْمُسَافِر، وَإِنَّمَا حكمنَا بِكَوْن الْقصر لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَة الرُّخْصَة (لإِيجَاب السَّبَب الْأَرْبَع فِي غير الْمُسَافِر) فالسبب الْمُوجب للأربع، وَهُوَ النَّص الدَّال على وجوب الْأَرْبَع لَيْسَ فِي مَحل الْقصر (و) إِيجَاب السَّبَب (رَكْعَتَيْنِ فِيهِ) أَي فِي الْمُسَافِر، وَذَلِكَ (بِحَدِيث عَائِشَة) رَضِي الله عَنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فأقرت صَلَاة السّفر وزيدت فِي الْحَضَر (وَسُقُوط حُرْمَة الْخمر وَالْميتَة للْمُضْطَر) إِلَى شرب الْخمر وَأكل الْميتَة مَخَافَة الْهَلَاك على نَفسه من الْعَطش والجوع فَإِن دَلِيل الْحُرْمَة لم يقم فِي مَحل الرُّخْصَة، وَهُوَ الِاضْطِرَار (وَالْمكْره) على شرب الْخمر وَأكل الْميتَة بِالْقَتْلِ، وَقطع الْعُضْو فحرمتهما سَاقِطَة مَعَ عذر الِاضْطِرَار وَالْإِكْرَاه ثَابِتَة عِنْد عدمهما على مَا هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة (للاستثناء) فِي قَوْله تَعَالَى - {إِلَّا مَا اضطررتم} - بعد قَوْله تَعَالَى - {وَقد فصل لكم مَا حرم عَلَيْكُم} - إِذْ الِاسْتِثْنَاء من الْحَظْر إِبَاحَة (فَتجب الرُّخْصَة) هَهُنَا كَمَا يجب شرب الْخمر وَأكل الْخِنْزِير لدفع الْهَلَاك (وَلَو مَاتَ للعزيمة) هَهُنَا بِأَن يمْتَنع عَن شرب الْخمر وَأكل الْميتَة عِنْد الِاضْطِرَار وَالْإِكْرَاه (أَثم) بإلقائه بِنَفسِهِ إِلَى التَّهْلُكَة من غير ملجئ، لَكِن هَذَا إِذا علم بِالْإِبَاحَةِ فِي حق هَذِه الْحَالة لخفاء انكشاف الْحُرْمَة، فيعذر بِالْجَهْلِ، وَلَا يَحْنَث بأكلها مُضْطَرّا إِذا حلف لَا يَأْكُل الْحَرَام، وَذهب كثير مِنْهُم أَبُو يُوسُف فِي رِوَايَة إِلَى أَن الْحُرْمَة لَا ترْتَفع، بل إثمها يرْتَفع كَمَا فِي الْإِكْرَاه على الْكفْر فَلَا يَأْثَم بالامتناع، وَيحنث فِي الْحلف الْمَذْكُور، فعلى هَذَا يكون من الْقسم الأول لقَوْله

تَعَالَى - {فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة غير متجانف لإثم فَإِن الله غَفُور رَحِيم} - وَالْمَغْفِرَة إِنَّمَا تكون بعد الْإِثْم وَالْجَوَاب أَن الْمَغْفِرَة بِاعْتِبَار التَّنَاوُل الْمُقدر الزَّائِد على مَا لَا بُد مِنْهُ فِي بَقَاء المهجة: إِذْ يعسر على الْمُضْطَر رِعَايَة ذَلِك (وَمِنْه) أَي من هَذَا الْقسم الْأَخير من الرُّخْصَة (سُقُوط غسل الرجل مَعَ الْخُف) فِي مُدَّة الْمسْح، لِأَن استتار الْقدَم بالخف منع سرَايَة الْحَدث إِلَيْهَا، فوجوب الْغسْل الَّذِي هُوَ الْعَزِيمَة لَيْسَ فِي مَحل الرُّخْصَة، فَغسل الرجلَيْن فِي هَذِه الْحَالة سَاقِط وَالْمسح شرع ابْتَدَأَ تيسيرا، لِأَن الْغسْل يتَأَدَّى بِالْمَسْحِ (وَقَوْلهمْ) أَي جمَاعَة من الْحَنَفِيَّة فِي هَذِه المسئلة (الْأَخْذ بالعزيمة) وَهُوَ غسل الرجلَيْن (أولى) من الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ، وَهُوَ الْمسْح (مَعْنَاهُ إمَاطَة) أَي إِزَالَة (سَبَب الرُّخْصَة بالنزع للخف ليغسلهما أولى من عدمهَا وَالْمسح على الْخُف، هَذَا وَذكر الزَّيْلَعِيّ أَن كَون الْمسْح على الْخُف من هَذَا النَّوْع سَهْو، لِأَن من شَأْن هَذَا النَّوْع عدم بَقَاء مَشْرُوعِيَّة الْعَزِيمَة مَعَه، لَكِن الْغسْل مَشْرُوع وَإِن لم ينْزع الْخُف: وَلذَا يبطل مَسحه إِذا خَاضَ فِي المَاء وَدخل فِي الْخُف حَتَّى انغسل أَكثر رجلَيْهِ، وَكَذَا لَو تكلّف وَغسل رجلَيْهِ من غير نزع الْخُف أَجزَأَهُ عَن الْغسْل حَتَّى لَا يبطل بِانْقِضَاء الْمدَّة انْتهى قَوْله أَجزَأَهُ عَن الْغسْل أَي عَن الْغسْل بعد النزع، وَقَوله حَتَّى لَا يبطل إِلَى آخِره يرد عَلَيْهِ أَن الْغسْل لَا معنى لبطلانه أَيْضا لِأَنَّهُ اضمحل مَعَ وجود هَذَا الْغسْل: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتَوَهَّم لهَذَا الْغسْل مُدَّة كَمَا للمسح لَا يخفى مَا فِيهِ. وَقَالَ الشَّارِح، وَتعقبه المُصَنّف: بِأَن مبناه على صِحَة هَذَا الْفَرْع، وَهُوَ مَنْقُول فِي الفتاوي الظَّهِيرِيَّة، لَكِن فِي صِحَّته نظر فَإِن كلمتهم متفقة على أَن الْخُف اعْتبر شرعا مَانِعا سرَايَة الْحَدث إِلَى الْقدَم فَتبقى الْقدَم على طَهَارَتهَا، وَيحل الْحَدث بالخف فيزال بِالْمَسْحِ، وبنوا عَلَيْهِ منع الْمسْح للمقيم والمعذورين بعد الْوَقْت وَغير ذَلِك من الخلافيات، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن غسل الرجل فِي الْخُف وَعَدَمه سَوَاء إِذا لم يبتل بِهِ ظَاهر الْخُف فِي أَنه لم يزل بِهِ الْحَدث، لِأَنَّهُ غير مَحَله إِلَى قَوْله وَالْأَوْجه كَون الْأَجْزَاء إِذا خَاضَ النَّهر لابتلال الْخُف ثمَّ إِذا انْقَضتْ الْمدَّة إِنَّمَا لم يتَقَيَّد بهَا لحُصُول الْغسْل بالخوض، والنزع إِنَّمَا وَجب للْغسْل وَقد حصل انْتهى. ثمَّ ذكر رِوَايَات من الْكتب الْمُعْتَبرَة تفِيد مَا ذكره المُصَنّف: مِنْهَا مَا فِي فتاوي الإِمَام مُحَمَّد بن الْفضل لَا ينْتَقض مَسحه على كل حَال، لِأَن استتار الْقدَم بالخف يمْنَع سرَايَة الْحَدث إِلَى الرجل فَلَا يَقع هَذَا غسلا مُعْتَبرا فَلَا يُوجب بطلَان الْمسْح، وَمَا فِي المجتبي من أَنه لَا ينْتَقض وَإِن بلغ المَاء الرّكْبَة، ثمَّ ذكر أَن الَّذِي يظْهر لَهُ أَنه يجب عَلَيْهِ غسل رجلَيْهِ ثَانِيًا إِذا نزعهما وَانْقَضَت الْمدَّة وَهُوَ غير مُحدث، لِأَن عِنْد النزع أَو انْقِضَاء الْمدَّة يعْمل ذَلِك الْحَدث السَّابِق عمله فيسرى إِلَى الرجلَيْن فَيحْتَاج إِلَى مزيل لَهُ عَنْهُمَا حِينَئِذٍ للْإِجْمَاع على أَن المزيل لَا يظْهر عمله فِي حدث طَارِئ بعده، ثمَّ قَالَ فَلْيتَأَمَّل،

تتمة

وَلَعَلَّ وَجه التَّأَمُّل أَن السَّرَايَة وَإِن تَأَخَّرت عَن الْغسْل الْمَذْكُور، لَكِن سَبَب السَّرَايَة سبقه، (و) من هَذَا الْقسم (السّلم) وَهُوَ بيع آجل بعاجل (سقط اشْتِرَاط ملك الْمَبِيع) فِيهِ مَعَ اشْتِرَاطه فِيمَا عداهُ من الْبياعَات إِجْمَاعًا. وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " وَلَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك ". وَقدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وهم يسلفون فِي الثِّمَار السّنة والسنتين، فَقَالَ: " من أسلف فِي تمر فليسلف فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم " تيسيرا وتخفيفا لِأَنَّهُ بيع المفاليس، فَكَانَ رخصَة مجَازًا لَا حَقِيقَة، لِأَن السَّبَب الْمحرم قد انْعَدم فِي حَقه شرعا (فَلَو لم يبع سلما وَتلف جوعا أَثم) لإلقائه بِنَفسِهِ إِلَى التَّهْلُكَة من غير ملجئ (وَاكْتفى) فِي صِحَة السّلم (بِالْعَجزِ التقديري عَن الْمَبِيع) بِأَن يكون الْمُسلم فِيهِ فِي ملكه وَلكنه مُسْتَحقّ الصّرْف إِلَى حَاجته، وَدَلِيل الْحَاجة إقدامه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يرضى بأرخص الثمنين إِلَّا لحَاجَة (فَلم يشْتَرط عدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ) أَي لم يشْتَرط الْعَجز الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ أَن لَا يكون فِي ملكه حَقِيقَة (وَاقْتصر الشَّافِعِيَّة) فِي تَفْسِير الرُّخْصَة (على أَن مَا شرع من الْأَحْكَام لعذر مَعَ قيام الْمحرم لَوْلَا الْعذر رخصَة) أَي اكتفوا فِي تحقق حَقِيقَة الرُّخْصَة مُطلقًا بِمُجَرَّد وجود الْعذر الذى لولاه لتحَقّق قيام الْمحرم، فَلم يشترطوا قيام الْمحرم بِالْفِعْلِ فِي شَيْء من أَقسَام الرُّخْصَة وَقَالُوا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الحكم الْمَشْرُوع على الْوَجْه الْمَذْكُور (فعزيمة، وَمُقْتَضَاهُ) أَي هَذَا الِاقْتِصَار (انْتِفَاء التَّعَلُّق) أَي تعلق التَّحْرِيم (بقائم الْعذر) أَي بِالْفِعْلِ الَّذِي قَامَ عذره، لأَنهم اكتفوا بِمُجَرَّد كَونه بِحَيْثُ لَوْلَا عذره لَكَانَ حَرَامًا يَقْتَضِي القوانين الشَّرْعِيَّة، وَكَلمه لَوْلَا تدل على عدم الْحُرْمَة مَعَ وجود الْعذر (وَيَقْتَضِي) انْتِفَاء تعلق التَّحْرِيم بِمحل الرُّخْصَة (امْتنَاع صَبر الْمُكْره على الْكَلِمَة) أَي على إِجْرَاء كلمة الْكفْر على لِسَانه بِالْقَتْلِ أَو قطع الْعُضْو حَتَّى الْقَتْل أَو الْقطع بِأَن يمْتَنع عَن إجرائها حَتَّى يقتل أَو يقطع، فَقَوله حَتَّى غَايَة للصبر: وَذَلِكَ (لحُرْمَة) الْقطع بِهِ و (قتل النَّفس) أَي الرِّضَا بقتلها والتسبب لَهُ (بِلَا مُبِيح) إِذْ الْمَفْرُوض عدم تعلق الْحُرْمَة بإجرائها بِنَاء على اقتصارهم. وَفِي الشَّرْح العضدي دَلِيل الْحُرْمَة إِذا بَقِي مَعْمُولا بِهِ، وَكَانَ التَّخَلُّف عَنهُ لمَانع طَارِئ فِي حق الْمُكَلف لولاه لثبتت الْحُرْمَة فِي حَقه فَهُوَ الرُّخْصَة انْتهى. واستنبط الْأَبْهَرِيّ من هَذَا أَنه إِن لم يبْق مُكَلّفا عِنْد طرد الْعذر لَا رخصَة فِي حَقه، لِأَنَّهَا من الْأَحْكَام الَّتِي شَرط فِيهَا التَّكْلِيف: فَعدم تَحْرِيم مثل إِجْرَاء الْمُكْره كلمة الشّرك على لِسَانه، وإفطاره فِي رَمَضَان، وإتلافه مَال الْغَيْر لَيْسَ رخصَة، لِأَن الْإِكْرَاه الملجئ يمْنَع التَّكْلِيف. (تَتِمَّة) لهَذَا الْفَصْل (الصِّحَّة ترَتّب الْمَقْصُود من الْفِعْل عَلَيْهِ) أَي على الْفِعْل (فَفِي الْمُعَامَلَات)

الْمَقْصُود مِنْهُ (الْحل وَالْملك، وَفِي الْعِبَادَات المتكلمون) قَالُوا هِيَ (مُوَافقَة الْأَمر) أَي أَمر الشَّارِع، وَهُوَ أَن يكون (فعله مستجمعا مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ) من الشُّرُوط وَغَيرهَا (وَهُوَ) أَي فعله مستجمعا إِيَّاه (معنى الاجزاء، وَالْفُقَهَاء) قَالُوا (هما) أَي الصِّحَّة والاجزاء فِي الْعِبَادَات (اندفاع وجوب الْقَضَاء) تَفْسِير باللازم إِذْ الاندفاع وصف وجوب الْقَضَاء لَا الْفِعْل الْمَوْصُوف بِالصِّحَّةِ (فَفِيهِ) أَي الحكم الَّذِي هُوَ الصِّحَّة عِنْد الْفُقَهَاء (زِيَادَة قيد) عَلَيْهِ عِنْد الْمُتَكَلِّمين إِذْ حَاصله أَنه مُوَافقَة الْأَمر على وَجه ينْدَفع بِهِ الْقَضَاء، وَهَذَا التَّعْبِير أحسن من قَول بَعضهم كَون الْفِعْل مسْقطًا للْقَضَاء لِأَن الْقَضَاء فرع وجوب الْقَضَاء وَلم يجب (فَصَلَاة ظان الطَّهَارَة مَعَ عدمهَا) أَي الطَّهَارَة فِي نفس الْأَمر (صَحِيحَة ومجزئة على الأول) أَي قَول الْمُتَكَلِّمين أَن الْمُعْتَبر فِي الْمُوَافقَة لِلْأَمْرِ شرعا حُصُول الظَّن بهَا لِأَنَّهُ الَّذِي فِي الوسع (لَا الثَّانِي) أَي قَول الْفُقَهَاء لعدم اندفاع الْقَضَاء لِأَنَّهُ فِي معرض اللُّزُوم لاحْتِمَال ظُهُور بطلَان الظَّن، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والاتفاق على الْقَضَاء) أَي على وُجُوبه (عِنْد ظُهُوره) أَي عدم الطَّهَارَة (أَي أَن الاجزاء لَا يُوصف بِهِ وبعدمه إِلَّا محتملهما) أَي الاجزاء وَعَدَمه (من الْعِبَادَات) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالْحج (بِخِلَاف الْمعرفَة) لله تَعَالَى لِأَنَّهَا لَا تحتملهما إِذْ لَيْسَ فيهمَا مَا يُطلق عَلَيْهِ الْمعرفَة وَهُوَ غير مجزئ لِأَنَّهُ إِذا وَصفه بِمَا لَا يَلِيق بِهِ يُسمى جهلا لَا معرفَة غير مجزية (وَقيل يُوصف بهما) أَي بالأجزاء وَعَدَمه مَا لَيْسَ بِعبَادة أَيْضا وَهُوَ (رد الْوَدِيعَة) مثلا (على الْمَالِك) حَال كَونه (مَحْجُورا) لسفه أَو جُنُون فيوصف بِعَدَمِ الْأَجْزَاء (و) حَال كَونه (غير مَحْجُور) فيوصف بالاجزاء (وَدفع) قَالَ الشَّارِح: الدَّافِع الاسنوي (بِأَنَّهُ) أَي ردهَا (لَيْسَ إِلَّا تَسْلِيمًا لمستحق التَّسْلِيم) يَعْنِي لَيْسَ رد الْوَدِيعَة مِمَّا يَقع على وَجْهَيْن مجزئ وَغير مجزئ، بل مِمَّا لَا يَقع إِلَّا على جِهَة وَاحِدَة وَهُوَ التَّسْلِيم لمستحق التَّسْلِيم فَإِن ردَّتْ إِلَى غَيره لَا يُقَال أَنه رد غير مجزئ، وَفِيه نظر (ثمَّ قيل مُقْتَضى) كَلَام (الْفُقَهَاء) أَن الاجزاء (لَا يخْتَص بِالْوَاجِبِ فَفِي حَدِيث الْأُضْحِية) عَن أبي بردة أَنه ذبح شَاة قبل الصَّلَاة فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ " لَا تجزى عَنْك " قَالَ عِنْدِي جزعة من الْمعز فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تجزى إِلَى آخِره) أَي عَنْك وَلَا تجزى عَن أحد بعْدك، رَوَاهُ أَبُو حنيفَة وَهُوَ بِمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا، ثمَّ هَذَا بِنَاء على أَن الْأُضْحِية سنة كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور (وَنظر فِيهِ) أَي فِي كَون ذَلِك مرضيا للفقهاء باستدلالهم: أَي الْفُقَهَاء (بِرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ) مَرْفُوعا بِإِسْنَاد صَحِيح (لَا تجزى صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن على وُجُوبهَا) أَي أم الْقُرْآن فِي الصَّلَاة فَإِن الِاسْتِدْلَال بهَا على الْوُجُوب دَلِيل على أَن الاجزاء خَاص بِهِ: يَعْنِي لَو لم يكن الاجزاء مُخْتَصًّا بِالْوَاجِبِ لجَاز كَون عدم الاجزاء لفَوَات السّنة، وَلَك أَن تَقول الِاسْتِدْلَال بِاعْتِبَار عدم اجزاء الصَّلَاة، فَإِن مَعْنَاهَا لَا يجزى

عَمَّا يجب فِي ذمَّة الْمُكَلف، لَا بِاعْتِبَار نفس الاجزاء فَافْهَم (وَقَالُوا هُوَ) أَي هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ فِي الدّلَالَة على وُجُوبهَا (أدل من الصَّحِيحَيْنِ) أَي من لَفْظهمَا على وُجُوبهَا وَهُوَ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِأم الْكتاب لجَوَاز أَن يكون تَقْدِيره لَا صَلَاة كَامِلَة كَمَا يجوز أَن يكون التَّقْدِير لَا صَلَاة صَحِيحَة (و) باستدلالهم بِمَا (فِي حَدِيث الِاسْتِنْجَاء) عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَرْفُوعا " إِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فليذهب مَعَه بِثَلَاثَة أَحْجَار فليستطب بهَا (فَإِنَّهَا تجزى عَنهُ) على وجوب الِاسْتِنْجَاء (وَهَذَا) النّظر (يحول الدَّلِيل) الْمَذْكُور على أَن الاجزاء يُوصف بِهِ غير الْوَاجِب (اعتراضا عَلَيْهِم) أَي على الْفُقَهَاء، تَقْرِيره أَنكُمْ جعلتم الاجزاء دَلِيل الْوُجُوب وقلتم لَا وجوب للأضحية وَقدره من الشَّارِع اسْتِعْمَال الاجزاء فِيهَا (وَالصِّحَّة عمتهما) أَي الْعِبَادَات والمعاملات (كالفساد) فِي عُمُومه لَهما (وَهُوَ) أَي الْفساد (الْبطلَان) عِنْد الشَّافِعِيَّة (والحنيفة كَذَلِك) أَي يَقُولُونَ بِأَن الْفساد هُوَ الْبطلَان (فِي الْعِبَادَات) يتَحَقَّق (بِفَوَات ركن أَو شَرط) فالعبادة الْفَاسِدَة والباطلة بِمَا فَاتَ فِيهَا ركن أَو شَرط (وَقدمنَا مَا اخترناه من الزِّيَادَة فِي) مَبْحَث (النَّهْي) وَحَاصِله أَن كل فعل هُوَ من جنس الْعِبَادَات إِذا أَتَى بِهِ الْمُكَلف على وَجه مَنْهِيّ عَنهُ نهي تَحْرِيم فَهُوَ بَاطِل لِأَن بطلَان الْفِعْل عبارَة عَن كَونه بِحَيْثُ لَا يَتَرَتَّب الْمَقْصُود مِنْهُ، وَلما كَانَ الْمَقْصُود من الْعِبَادَة الثَّوَاب واندفاع الْعقَاب لَا غير كَانَ الْمنْهِي عَنهُ تَحْرِيمًا بَاطِلا لعدم ترَتّب الْمَقْصُود بِخِلَاف غير الْعِبَادَة، إِذْ لَا يسْتَلْزم عدم ترَتّب الثَّوَاب فِيهِ عدم ترَتّب مَقْصُود آخر كالملك وَالِانْتِفَاع، ومبني هَذَا الْكَلَام أَن الْمنْهِي تَحْرِيمًا لَا ثَوَاب لَهُ وَمَا ينْدَفع بِهِ الْعقَاب أما إِذا جَازَ ترَتّب الثَّوَاب عَلَيْهِ بِدُونِ الِانْتِفَاع الْمَذْكُور أَو عَكسه فَلَا يلْزم الْخُلُو عَن الْفَائِدَة، ثمَّ مُقْتَضى هَذَا بطلَان صَوْم يَوْم الْعِيد وَعدم وجوب الْقَضَاء بعد الشُّرُوع فِيهِ والإبطال، وَالْحَنَفِيَّة لَا يَقُولُونَ بِبُطْلَانِهِ وَإِن ألزموه بالإبطال وَالْقَضَاء بل يَقُولُونَ بِصِحَّتِهِ لَو صَامَهُ، وَقد علم بذلك أَن الْبَاطِل من الْعِبَادَة لَا يخص فَائت الرُّكْن وَالشّرط، بل كل مَا نهى عَنهُ تَحْرِيمًا بَاطِلا (وَفِي الْمُعَامَلَة) عِنْد الْحَنَفِيَّة (كَونهَا) أَي الْمُعَامَلَة (مترتب أَثَرهَا) مُبْتَدأ خَبره مترتب، وَالْجُمْلَة خبر الْكَوْن: أَي كَون الْمُعَامَلَة بِحَيْثُ يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مَا هُوَ الْمَطْلُوب مِنْهَا شرعا حَال كَونهَا (مَطْلُوبَة التفاسح شرعا الْفساد وَغير مَطْلُوبه) التفاسخ شرعا (الصِّحَّة، وَعَدَمه) أَي عدم ترَتّب أَثَرهَا عَلَيْهَا (الْبطلَان) وَإِنَّمَا قَالُوا هَكَذَا (لثُبُوت الترتب) أَي ترَتّب أثر الْمُعَامَلَة عَلَيْهَا حَال كَونهَا (كَذَلِك) أَي مَطْلُوبَة التفاسخ (فِي الشَّرْع بِمَا قدمْنَاهُ) (فِي) مَبْحَث (النَّهْي) كَالْبيع الْفَاسِد إِذا اتَّصل بِهِ الْقَبْض (فَفرق) بَين الْمُعَامَلَات (بالأسماء) الْمَذْكُورَة فَمَا كَانَ مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ وَوَصفه سمي صَحِيحا لكَونه موصلا إِلَى تَمام الْمَقْصُود مَعَ سَلامَة الدّين وَمَا كَانَ مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ دون وَصفه سمي فَاسِدا كَمَا يُقَال: لؤلؤة فَاسِدَة: إِذا بَقِي أَصْلهَا وَذهب

بياضها ولمعانها، وَلحم فَاسد: إِذا نَتن وَلَكِن بَقِي صَالحا للغذاء، وَمَا لم يكن مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ لَا بوصفه سمى بَاطِلا كَمَا يُقَال لحم بَاطِل: إِذا صَار بِحَيْثُ لَا يبْقى لَهُ صَلَاحِية الْغذَاء (واستدلال مانعي اتصاف الْمَنْدُوب بالاجزاء) من الْفُقَهَاء (بِمَا فِي الِاسْتِنْجَاء) من الحَدِيث الْمَذْكُور إبْقَاء على وُجُوبه بِاعْتِبَار لفظ الاجزاء (قد يمْنَع) كَون المُرَاد بالاجزاء الْمَذْكُور فِيهِ الاجزاء عَن الْوَاجِب (عِنْدهم) أَي الْفُقَهَاء (فَإِنَّهُ) أَي الِاسْتِنْجَاء (مَنْدُوب) عِنْد الْحَنَفِيَّة إِذا لم يبلغ الْخَارِج قدر الدِّرْهَم (كاستدلال المعممين) أَي كَمَا يمْنَع اسْتِدْلَال الْقَائِلين بِأَنَّهُ يُوصف بِهِ الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب (بِمَا فِي الْأُضْحِية) من الحَدِيث السَّابِق ذكره (لِأَنَّهَا) أَي الْأُضْحِية (وَاجِبَة) عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ (وَلَا يضرهم) أَي مانعي اتصاف الْمَنْدُوب بالاجزاء (مَا فِي الْفَاتِحَة) من الحَدِيث الْمَذْكُور (لقَولهم بِوُجُوبِهَا) أَي الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة (وَمُقْتَضى الدَّلِيل التَّعْمِيم) أَي تَقْسِيم اتصاف الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب بِهِ عِنْدهم (لحَدِيث الِاسْتِنْجَاء، ثمَّ قد يظنّ أَن الصِّحَّة وَالْفساد فِي الْعِبَادَات من أَحْكَام الشَّرْع الوضعية وَقد أنكر ذَلِك، إِذْ كَون الْمَفْعُول) أَي مَا فعله الْمُكَلف امتثالا (مُوَافقا لِلْأَمْرِ الطَّالِب لَهُ) أَي لذَلِك الْمَفْعُول كَمَا هُوَ معنى الصِّحَّة عِنْد الْمُتَكَلِّمين، وتوصيف الْأَمر بالطالب على سَبِيل الْمجَاز: إِذْ الطَّالِب إِنَّمَا هُوَ الْآمِر (أَو) كَونه (مُخَالفا) لِلْأَمْرِ الطَّالِب لَهُ كَمَا هُوَ معنى الْفساد عِنْدهم (وَكَونه) أَي الْمَفْعُول (تَمام مَا طلب حَتَّى يكون مسْقطًا: أَي رَافعا لوُجُوب قَضَائِهِ) كَمَا هُوَ معنى الصِّحَّة عِنْد الْفُقَهَاء (وَعَدَمه) أَي عدم كَون الْمَفْعُول تَمام الْمَطْلُوب كَمَا هُوَ معنى عدم الصِّحَّة عِنْدهم، وَكَون الْمَفْعُول مُبْتَدأ خَبره (يَكْفِي فِي مَعْرفَته الْعقل) حَال كَونه (غير مُحْتَاج إِلَى تَوْقِيف الشَّرْع) أَي اطِّلَاعه على ذَلِك (كَكَوْنِهِ) أَي كَمَا يعرف كَونه (مُؤديا للصَّلَاة وتاركا) لَهَا بِالْعقلِ (فحكمنا بِهِ) أَي بِكُل من الصِّحَّة وَالْفساد (عَقْلِي صرف) أَي خَالص، وَلما قيل أَنه لَا شكّ فِي أَنَّهُمَا من أَحْكَام الْوَضع فِي الْمُعَامَلَات، إِذْ لَا يستراب فِي أَن كَون الْمُعَامَلَات مستتبعة لثمراتها الْمَطْلُوبَة مِنْهَا متوقفة على تَوْقِيف من الشَّارِع تعقبه المُصَنّف، فَقَالَ (وَلَا يخفى أَن ترَتّب الْأَثر) على الْفِعْل كَالصَّلَاةِ وَالْبيع (وضعي) إِذْ لَيْسَ من قَضِيَّة الْعقل أَن يَتَرَتَّب على تِلْكَ الْأَفْعَال الْمَخْصُوصَة ذَلِك الثَّوَاب، وَأَن يَتَرَتَّب على الْإِيجَاب وَالْقَبُول الْملك، بل بِمُوجب تعْيين الشَّارِع أَن يكون لكل وَاحِد أثر كَذَا (وَكَون الحكم بِهِ) أَي بترتب الْأَثر على الْفِعْل (بعد مَعْرفَته) أَي الترتب حَاصِلا (بِالْعقلِ شَيْء آخر) غير أصل الترتب، وَيحْتَمل أَن يكون بِالْعقلِ مُتَعَلقا بالمبتدأ، وَهُوَ الْكَوْن بِمَعْنى، وَخَبره شَيْء آخر وَالْحَاصِل أَن أصل ترَتّب الْأَثر الْخَاص على الْفِعْل الْخَاص لَيْسَ بعقلي، بل بِوَضْع الشَّارِع لَكِن حكمنَا بِكَوْن الْفِعْل الْوَاقِع المستجمع لشرائطه الْمُعْتَبرَة شرعا بِحَيْثُ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَثَره أَمر عَقْلِي،

الفصل الرابع في المحكوم عليه

لِأَنَّهُ إِذا نظر فِيهِ فَوَجَدَهُ مستجمعا لما ذكر حكم بِكَوْنِهِ مترتب الْأَثر (وَاعْلَم أَن نقل الْحَنَفِيَّة عَن الْفُقَهَاء والمتكلمين فِي الأَصْل) الْمَذْكُور فِي تَفْسِير الصِّحَّة وَمَا يقابلها، ونقلهم (وُقُوع الظَّان مخطئا على عكس) نقل (الشَّافِعِيَّة) أما الأول فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِصَرِيح قَوْله (وَهِي المسئلة القائلة) على سَبِيل التَّجَوُّز، ومقول القَوْل (هَل تثبت صفة الْجَوَاز) الْإِضَافَة بَيَانِيَّة. وَقد يعبر عَنهُ بالاجزاء (للْمَأْمُور بِهِ) مُتَعَلق بتثبت (إِذا أَتَى) الْمَأْمُور (بِهِ) أَي بالمأمور بِهِ (إِلَى آخرهَا) وَهُوَ قَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين لَا إِلَّا بِدَلِيل وَرَاء الْأَمر، وَالصَّحِيح عِنْد الْفُقَهَاء أَنه يثبت بِهِ صفة الْجَوَاز، كَذَا فِي الْمنَار، وَإِنَّمَا كَانَ عكس مَا نقلوا، لِأَن حَاصله أَن الصِّحَّة والاجزاء مُوَافقَة الْأَمر عِنْد الْمُتَكَلِّمين واندفاع وجوب الْقَضَاء عِنْد الْفُقَهَاء وَحَاصِل هَذِه المسئلة أَن الْمُوَافقَة لَيست بموجبة للاجزاء عِنْد الْمُتَكَلِّمين، وَعند الْفُقَهَاء مُوجبَة لَهُ، وَأما الثَّانِي فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِمَا تضمنه قَوْله الْمَذْكُور: وَهُوَ أَن الصَّلَاة الْمَذْكُورَة صَحِيحَة ومجزية عِنْد الْفُقَهَاء وَغير مجزية وَلَا صَحِيحَة عِنْد الْمُتَكَلِّمين. قَالَ فِي البديع: قَالَ عبد الْجَبَّار لَا يكون الِامْتِثَال دَلِيل الاجزاء بِمَعْنى سُقُوط الْقَضَاء وَإِلَّا فَلَو كَانَ الِامْتِثَال مستلزما للاجزاء بِمَعْنى سُقُوط الْقَضَاء يلْزم أَن لَا يُعِيد الصَّلَاة أَو يَأْثَم إِذا علم الْحَدث بَعْدَمَا صلى بِظَنّ الطَّهَارَة، وَاللَّازِم بَاطِل لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْإِعَادَةِ وَغير آثم، وَإِنَّمَا تثبت هَذِه الْمُلَازمَة، لِأَن الْمُصَلِّي إِمَّا مَأْمُور أَن يُصَلِّي بِظَنّ الطَّهَارَة أَو بيقينها، فَإِن كَانَ الأول فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ لإتيانه بالمأمور بِهِ على وَجهه، وَإِن كَانَ الثَّانِي لزم الْإِثْم إِذْ لم يَأْتِ بالمأمور بِهِ على وَجهه قُلْنَا الْمُكَلف مَأْمُور بِأَمْر ثَان يتَوَجَّه بِالْأَدَاءِ حَال الْعلم بِفساد الْأَدَاء على حسب حَاله من الْعلم وَالظَّن حَتَّى لَو مَاتَ عِنْد الْعلم أَجْزَأته تِلْكَ الصَّلَاة وَسَقَطت الْإِعَادَة، وَحِينَئِذٍ لَا يَأْثَم إِذا صلى بِظَنّ الطَّهَارَة، لِأَن التَّكْلِيف بِحَسب الوسع، هَذَا عِنْد من يَقُول: الْقَضَاء بِأَمْر جَدِيد، وَلمن يُوجب الْقَضَاء بِالْأَمر الأول أَن يَجْعَل الاجزاء بالامتثال مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْعلم أَو الظَّن بِالْفَسَادِ، وَأما مَعَه فَلَيْسَ الْإِتْيَان بالمأمور بِهِ دَلِيل الاجزاء انْتهى. قَوْله قُلْنَا إِلَى آخِره يرد عَلَيْهِ أَن عبد الْجَبَّار لم يرتب لُزُوم عدم الْإِعَادَة على مُجَرّد وُقُوع الِامْتِثَال بل عَلَيْهِ، وَكَونه مسْقطًا للْقَضَاء فَلَا إِشْكَال عَلَيْهِ، هَذَا وَلَا يظْهر وَجه قَوْله من الْعلم وَالظَّن، لِأَن أَدَاء الظَّان إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّن، إِذْ لَو كَانَ بِحَسب الْعلم لما تبين خِلَافه وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. الْفَصْل الرَّابِع فِي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ (الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الْمُكَلف مسئلة: تَكْلِيف الْمَعْدُوم مَعْنَاهُ قيام الطّلب) للْفِعْل أَو التّرْك بِالذَّاتِ الْقَدِيم تَعَالَى وتقدس (بِمن سيوجد) مَوْصُوفا (بِصفة التَّكْلِيف) بِأَن يكون بَالغا

عَاقِلا. ومرجعه قيام صفة الْكَلَام النفسى وَهُوَ صفة وَاحِدَة بالشخص متكثرة بالاعتبارات، وَمن جملَة اعتباراته الطّلب النَّفْسِيّ (فالتعلق) للطلب بِفعل الْمَعْدُوم فِي الْأَزَل (بِهَذَا الْمَعْنى) الَّذِي حَاصله انْتِفَاء أَنه إِذا وجد وكلف فَلْيفْعَل كَذَا (هُوَ الْمُعْتَبر فِي التَّكْلِيف الأزلي وَلَيْسَ) تَكْلِيف الْمَعْدُوم بِهَذَا الْمَعْنى (مُمْتَنع) وَذهب إِلَيْهِ الأشاعرة (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بامتناع تَكْلِيف الْمَعْدُوم (يلْزم) من تَكْلِيف الْمَعْدُوم (أَمر وَنهي وَخبر) إِذْ الْمُكَلف بِهِ إِمَّا فعل وَترك أَو اعْتِقَاد بمضمون خبري (بِلَا مَأْمُور) ومنهي تَركه اكْتِفَاء بِمَا يُقَابله وَأَرَادَ بِهِ الْمَطْلُوب مِنْهُ فعل أَو ترك (و) بِلَا (مخبر وَهُوَ) أَي اللَّازِم (مُمْتَنع) فَيمْتَنع الْمَلْزُوم (قُلْنَا) يلْزم مَا قُلْتُمْ (فِي) الْخطاب (اللَّفْظِيّ ذِي التَّعَلُّق التنجيزي وَالْخطاب الشفاهي فِي الْخَبَر، أما) الطّلب (النَّفْسِيّ فتعلقه بذلك الْمَعْنى) الْمَذْكُور الْمَعْدُوم (وَاقع تَجدهُ فِي طلب) ك فِي نَفسك (صَلَاح ولد) ترجو أَنه (سيوجد أَو) تَقول (إِن وجد) أبغي صَلَاحه (وتجد معنى الْخَبَر فِي نَفسك مترددا للاعتبار وَغَيره) أَي تَجِد الْمَضْمُون الخبري يتَرَدَّد مرّة بعد أُخْرَى ويتكرر لمصْلحَة الِاعْتِبَار والاتعاظ وَغَيره من الْمصَالح، فَعلم أَن حُصُول الْمَضْمُون النَّفْسِيّ لَا يسْتَلْزم وجود مخبر وَوُقُوع أَخْبَار و (أما حَقِيقَة الأمرية) والنهيية (والخبرية الممتنعة بِلَا مُخَاطب مَوْجُود فبعروض التَّعَلُّق التنجيزي للنفسي) أَي الْخطاب النَّفْسِيّ أَشَارَ إِلَى أَن التَّعَلُّق الأزلي لَيْسَ بتنجيزي، وَفِي الشَّرْح العضدي اخْتصَّ أَصْحَابنَا بِأَن الْأَمر يتَعَلَّق بالمعدوم حَتَّى صَرَّحُوا بِأَن الْمَعْدُوم مُكَلّف وَقد شدد سَائِر الطوائف النكير عَلَيْهِ قَالُوا: إِذا امْتنع فِي النَّائِم والغافل فَفِي الْمَعْدُوم أَجْدَر، وَإِنَّمَا يرد ذَلِك لَو أُرِيد بِهِ تَنْجِيز الْمُكَلف فِي حَال الْعَدَم بِأَن يطْلب مِنْهُ الْفِعْل فِي حَال الْفِعْل بِأَن يكون الْفَهم أَو الْفِعْل فِي حَال الْعَدَم وَلم يرد ذَلِك، بل أُرِيد التَّعَلُّق الْعقلِيّ: وَهُوَ أَن الْمَعْدُوم الَّذِي علم الله أَنه يُوجد بشرائط التَّكْلِيف توجه إِلَيْهِ حكم فِي الْأَزَل بِمَا يفهمهُ ويفعله فِيمَا لَا يزَال انْتهى. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: بل المُرَاد التَّعَلُّق الْمَعْنَوِيّ للطلب الْقَدِيم الْقَائِم بِذَات الله جلّ وَعلا بِالْفِعْلِ من الْمَعْدُوم حَال وجود الْمَأْمُور وتهيئه للفهم، فَإِذا وجد وتهيأ للتكليف صَار مُكَلّفا بذلك الطّلب الْقَدِيم من غير تجدّد طلب انْتهى، وَإِنَّمَا دعاهم إِلَى اعْتِبَار هَذَا التَّعَلُّق فِي الْأَزَل إِذْ الْأَمر أزلي والتعلق بِالْغَيْر جُزْء من حَقِيقَته، وَفِي هَذَا التَّعَلُّق يكفى وجود الْمَعْدُوم فِي علم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أزلا، وَقيل الْكَلَام الَّذِي هُوَ مُشْتَرك بَين الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر قديم وَكَونه أمرا أَو نهيا أَو خَبرا حَادث جمعا بَين المصلحتين: قدم الْكَلَام وحدوث الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر، ورد بِأَنَّهَا أَنْوَاع الْكَلَام وَلَا وجود للْجِنْس بِدُونِ نوع والمعتزلة قَالُوا: لَو كَانَ الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر قَدِيما لزم تعدد كَلَام الله تَعَالَى فِي الْأَزَل ضَرُورَة كَونهَا أنواعا لَهُ، وَالْجُمْهُور على أَن كَلَامه تَعَالَى وَاحِد فِي الْأَزَل لَا تعدد فِيهِ وَإِن تنَاول جَمِيع مَعَاني الْكتب

مسئلة

الإلهية، أجِيبُوا بِأَن التَّعَدُّد الَّذِي يكون فِي الْكَلَام بِاعْتِبَار المتعلقات لَا التَّعَدُّد الوجودي فَقَوله فبعروض التَّعَلُّق إِلَى آخِره خبر الْمُبْتَدَأ (فَحَيْثُ نفوا عَنهُ) أَي عَن الْكَلَام الأزلي (التَّعَلُّق فَهُوَ) أَي فنفيه عَنهُ (بِهَذَا) الْمَعْنى (وَإِذا أثبت) لَهُ التَّعَلُّق (فبذلك) أَي فَأثْبت بذلك الْمَعْنى، فالنفي وَالْإِثْبَات لَا يتواردان على مَحل وَاحِد فالنزاع لَفْظِي، ثمَّ إِن هَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى على القَوْل بالْكلَام النَّفْسِيّ كَمَا هُوَ الْحق. مسئلة (يَصح) عَن الْجُمْهُور (تَكْلِيفه تَعَالَى بِمَا علم انْتِفَاء شَرط وجوده) الَّذِي لَيْسَ بمقدور للمكلف (فِي الْوَقْت) أَي وَقت الْفِعْل كَمَا لَو أَمر بصيام غَد من علم مَوته قبل الْغَد (خلافًا للْإِمَام والمعتزلة والاتفاق) على صِحَة التَّكْلِيف بِالْفِعْلِ (فِيمَن لَا يعلم) انْتِفَاء شَرط وجوده الَّذِي لَيْسَ بمقدور للمكلف وَقت فعله وَهُوَ منحصر فِي غَيره تَعَالَى كَقَوْل السَّيِّد لعَبْدِهِ صم غَدا غير عَالم بِبَقَاء حَاله إِلَى غَد (لنا لَو شَرط) لصِحَّة التَّكْلِيف (الْعلم) للمكلف بِكَسْر اللَّام (بالوجود) أَي بِوُجُود الشَّرْط الْمَذْكُور (لم يعْص مُكَلّف بِالتّرْكِ) فَإِن قلت بطلَان هَذَا لَا يسْتَلْزم الْمَطْلُوب وَهُوَ صِحَة التَّكْلِيف بِمَا علم انْتِفَاء شَرط الْوُجُود لجَوَاز انْتِفَاء الْعلم بالانتفاء وَالْعلم بالوجود مَعًا قُلْنَا إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي حق غَيره تَعَالَى، وَأما فِي حَقه تَعَالَى فَلَا بُد من أحد العلمين، فانتفاء كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَلْزم ثُبُوت الآخر، ثمَّ بَين الْمُلَازمَة بقوله (لاستلزامه) أَي ترك الْمَأْمُور بِهِ (انْتِفَاء إِرَادَة الْفِعْل) لِأَن فعل الْمُكَلف مَشْرُوط إِرَادَة الله تَعَالَى إِيَّاه (وَهُوَ) انْتِفَاء الْإِرَادَة الَّتِي هِيَ شَرط وجود الْفِعْل (مَعْلُوم لَهُ تَعَالَى) والمفروض أَن شَرط التَّكْلِيف الْعلم بالوجود وَهُوَ مُنْتَفٍ (فَلَا تَكْلِيف) بِهِ (فَلَا مَعْصِيّة) إِذْ هِيَ فرع التَّكْلِيف وَاللَّازِم بَاطِل بِالضَّرُورَةِ من الدّين (وَيلْزم) أَيْضا (فِي غَيره تَعَالَى انْتِفَاء الْعلم بالتكليف أبدا) فَيلْزم عدم علم الْمُكَلّفين بأسرهم بالتكليف (لتجويز الانتفاء) إِذْ يجوز كل أحد انْتِفَاء شَرط الْوُجُود المستلزم انْتِفَاء التَّكْلِيف (فِي الْوَقْت وأجزائه لَو) كَانَ الْوَقْت (موسعا لغيبه) أَي لكَون وجود الشَّرْط غَائِبا عَمَّا أحَاط بِهِ علمهمْ لتجويزهم الْمَوْت قبل الْفِعْل (فَيمْتَنع الِامْتِثَال) إِذْ هُوَ فرع الْعلم بالتكليف، يرد عَلَيْهِ أَن لُزُوم انْتِفَاء الْفِعْل بِالْكُلِّيَّةِ غير مُسلم لجَوَاز حُصُول الْعلم بإعلام الله تبَارك وَتَعَالَى وَلَعَلَّه أَرَادَ انْتِفَاء الْعلم بِهِ لغير إِعْلَامه تَعَالَى وَقد انْعَقَد الْإِجْمَاع لوُجُود علم الْمُكَلف بالتكليف بِغَيْر الْإِعْلَام (وَيلْزمهُ) أَي انْتِفَاء الْعلم بالتكليف (عدم إقدام الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الذّبْح) لوَلَده. قَالَ الشَّارِح: لانْتِفَاء شَرط حلّه عِنْد وقته: وَهُوَ عدم النّسخ وَاللَّازِم بَاطِل لِأَنَّهُ أقدم عَلَيْهِ قطعا انْتهى.

وَأَنت خَبِير بِأَن مَا ينساق إِلَيْهِ الذِّهْن من السِّيَاق أَن وَجه اللُّزُوم مَا لزم من اشْتِرَاط الْعلم بالوجود انْتِفَاء الْعلم بالتكليف، لِأَنَّهُ يلْزم حِينَئِذٍ عدم علمه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بتكليفه بِالذبْحِ لغيب وجود الشَّرْط عَنهُ مَعَ أَنه لَا يحْتَمل أَن يكون علمه بإعلام الله تَعَالَى إِيَّاه، كَيفَ وَقد علم سُبْحَانَهُ انْتِفَاء شَرط وجود الذّبْح من خرّ الرَّقَبَة وَغَيره، غير انه سَيَأْتِي فِي آخر الْكَلَام مَا يُؤَيّد الشَّارِح (وَالْإِجْمَاع على الْقطع) للمكلف (بتحقق الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم) اللَّذين هما قسما التَّكْلِيف (قبل الْمعْصِيَة) بالمخالفة (و) قبل (التَّمَكُّن) من الْفِعْل، أَقَامَ إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور ثَلَاثَة أَدِلَّة: لُزُوم انْتِفَاء الْمعْصِيَة، وَلُزُوم انْتِفَاء الْعلم بالتكليف، وَلُزُوم إقدامه عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ أَفَادَ بطلَان الثَّالِث للأوّلين بِالْإِجْمَاع الْمَذْكُور، لِأَن علم الْمُكَلف قطعا بالتكليف قبل الْمعْصِيَة يسْتَلْزم تحققها، وَذكر التَّمَكُّن لِأَن الْقطع بالتكليف بعد التَّمَكُّن من الْفِعْل يصلح عذرا عَن الْمعْصِيَة بمخالفة الْأَمر (فَانْتفى) بِهَذَا الْإِجْمَاع (مَا يخال) أَي مَا اعْترض بِهِ على الثَّالِث بِأَنا لَا نسلم لُزُوم عدم إقدام الْخَلِيل وَغَيره بِسَبَب انْتِفَاء علمه بِشَرْط التَّكْلِيف، وَهُوَ عدم النّسخ لتجويزه وُقُوعه قبل الْوَقْت لِأَنَّهُ يحْتَمل (أَن الْإِقْدَام مِنْهُ) عَلَيْهِ السَّلَام على ذبح الْوَلَد (وَمن غَيره) عَلَيْهِ السَّلَام من الْمُكَلّفين على الْإِتْيَان بِالْوَاجِبِ (لظن التَّكْلِيف بِظَنّ عدم النَّاسِخ) بِنَاء على أَن الأَصْل عَدمه (وَهُوَ) أَي ظن التَّكْلِيف (كَاف فِي لُزُوم الْعَمَل كوجوب الشُّرُوع) فِي الْفَرْض (بنية الْفَرْض) إِجْمَاعًا وَهَذَا دَلِيل على أَن تَجْوِيز النّسخ احْتِمَال لَا عِبْرَة بِهِ، وَيرد عَلَيْهِ أَنه لَا كَلَام فِي عدم اعْتِبَاره غير أَنه يلْزم على تَقْدِير اشْتِرَاط الْعلم بِوُجُود الشَّرْط الْعلم فَتدبر وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه يصلح مِثَالا لما يدل قطعا على الْإِجْمَاع على الْقطع بتحقق الْوُجُوب قبل الْمعْصِيَة والتمكن لِأَن نِيَّة الْفَرْض قبل الشُّرُوع فِيهِ وَهِي لَا تتأتى بِدُونِ الْعلم بِالْوُجُوب والتكليف، وَيرد عَلَيْهِ أَيْضا أَن ظن الْمُكَلف بالتكليف إِنَّمَا ينفع إِذا لم يكن فِي مُقَابلَة الدَّلِيل الْقطعِي، وَتَحْرِيم الذّبْح، وَلَا سِيمَا ذبح الْوَلَد ثَابت بالقطعي، وَإِنَّمَا قَالَ انْتَفَى الخ لِأَنَّهُ علم أَن الْقطع بتحقق التَّكْلِيف ثَابت بِالْإِجْمَاع فَلَا عِبْرَة بِاحْتِمَال النّسخ فَلَا وَجه لجعل إقدام الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَبْنِيا على الظَّن مَعَ كَون إقدام غَيره مَبْنِيا على الْقطع (قَالُوا) أَي المخالفون (لَو لم يشْتَرط) فِي صِحَة التَّكْلِيف بِالْفِعْلِ عدم الْعلم بِانْتِفَاء شَرطه فِي وقته بِأَن يَصح التَّكْلِيف مَعَ الْعلم بِانْتِفَاء الشَّرْط (لم يشْتَرط إِمْكَان الْفِعْل لِأَن مَا عدم شَرطه غير مُمكن، وَمر فِي تَكْلِيف الْمحَال نَفْيه) أَي نفي التَّكْلِيف بِغَيْر الْمُمكن (وَالْجَوَاب النَّقْض) الاجمالى (بتكليف من لم يعلم الانتفاء) اى بالتكليف بِالْفِعْلِ الذى لم يعلم الْآمِر انْتِفَاء شَرط وجوده كالسيد يَأْمر غُلَامه بِفعل مَشْرُوط بِشَرْط وَهُوَ لَا يعلم انتفاءه

فَيحْتَمل أَن يكون منتفيا ويستحيل حِينَئِذٍ وجود ذَلِك الْفِعْل وَمَعَ هَذَا الْإِجْمَال لَا يتَحَقَّق إِمْكَان الْفِعْل، وَلَا شكّ فِي وُقُوع مثل هَذَا الْأَمر فِي الشَّاهِد، فَلَو كَانَ دليلكم مُوجبا لاشْتِرَاط عدم الْعلم بِانْتِفَاء الشَّرْط بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَاجِب تَعَالَى لأوجب اشْتِرَاط الْعلم بِوُجُود الشَّرْط بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره تَعَالَى لاشتراك الْعلَّة، وَقد يُوَجه بِالْفرقِ بَين تَكْلِيف من يعلم الانتفاء وَمن لم يُعلمهُ، فَإِن هَذَا يسْتَلْزم عدم اشْتِرَاط إِمْكَان الْفِعْل بِخِلَاف ذَلِك، فَإِن الْجَاهِل بالانتفاء يجوز وجود الشَّرْط وَهَذَا التجويز يحملهُ على التَّكْلِيف فَتَأمل (و) أُجِيب (بِالْحلِّ) وَتَعْيِين مَحل الْحل فِي استدلالهم (بِأَن) الْإِمْكَان (الْمَشْرُوط) فِي التَّكْلِيف (كَون الْفِعْل يَتَأَتَّى) أَي كَونه مُمكن الْحُصُول (عِنْد) وجود (وقته وشرائطه، لَا) أَن الْمَشْرُوط (وجودهَا) أَي شَرَائِطه (بِالْفِعْلِ) بِالْإِطْلَاقِ الْعَام: يَعْنِي بِحَيْثُ أَنه يَتَأَتَّى أَن تحققت شَرَائِطه، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي وجودهَا فِي وَقت من الْأَوْقَات، غَايَة الْأَمر أَنه لَا بدّ من إِمْكَان الشَّرَائِط (لِأَن عدمهَا) أَي الشَّرَائِط (لَا يُنَافِي) الْإِمْكَان (الذاتي) للْفِعْل، وَالشّرط فِي التَّكْلِيف إِنَّمَا هُوَ إمكانة الذاتي لَا غير، وَإِلَّا لم يَصح تَكْلِيف كل من مَاتَ على كفره ومعصيته لِأَن علمه تَعَالَى مُتَعَلق بِعَدَمِ وُقُوع مَا أمروا بِهِ وَعدم تحقق شُرُوطه من إِرَادَة الْفِعْل وَغَيرهَا (قَالُوا) ثَانِيًا (لَو صَحَّ) التَّكَلُّف (مَعَ علم الْآمِر بالانتفاء) لشرطه (صَحَّ) التَّكْلِيف (مَعَ علم الْمَأْمُور) بانتفائه (إِذْ الْمَانِع) من الصِّحَّة إِنَّمَا هُوَ (عدم إِمْكَانه) أَي الْفِعْل (دونه) أَي الشَّرْط لِأَن شَرط التَّكْلِيف الْإِمْكَان (وَهُوَ) أَي عدم الْإِمْكَان (مُشْتَرك) بَين علم الْآمِر بالانتفاء وَعلم الْمَأْمُور بِهِ (الْجَواب منع مانعية مَا ذكر) عَن الصِّحَّة (بل) الْمَانِع عَنْهَا (انْتِفَاء فَائِدَة التَّكْلِيف وَهُوَ) أَي انتفاؤها إِنَّمَا يكون إِذا انْتَفَى الشَّرْط (فِي علم الْمَأْمُور لَا) فِي علم (الْآمِر فَإِنَّهَا) أَي فَائِدَة التَّكْلِيف (فِيهِ) أَي فِي صُورَة انْتِفَاء الشَّرْط فِي علم الْآمِر (الِابْتِلَاء) للْمَأْمُور (ليظْهر عزمه) أَي الْمَأْمُور على الْفِعْل (وبشره) بِهِ (وضدهما) أَي الْعَزْم والبشر وَهُوَ التّرْك وَالْكَرَاهَة لَهُ (وَبِذَلِك) أَي بِظُهُور الْعَزْم والبشر وضدهما (تتَحَقَّق الطَّاعَة والعصيان وَاعْلَم أَن هَذِه) الْمَسْأَلَة (ذكرت فِي أصُول ابْن الْحَاجِب وَلَيْسَت) الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة (سوى جَوَاز التَّكْلِيف بِمَا علم تَعَالَى عدم وُقُوعه) من الْمُكَلف بِهِ، إِذْ كل مَا علم عدم وُقُوعه علم انْتِفَاء شَرط وجوده فِي الْجُمْلَة كالإرادة من الْمُكَلف وَإِرَادَة الله تَعَالَى إِيَّاهَا لقَوْله تَعَالَى - {وَمَا تشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} - وَقَوله وَلَيْسَت سوى إِلَى آخِره على سَبِيل الْمُبَالغَة للاتحاد بِاعْتِبَار الْمَآل (وهم ذكرُوا فِي مسئلة شَرط الْمَطْلُوب الْإِمْكَان الْإِجْمَاع على وُقُوع التَّكْلِيف بِهِ) أَي بِمَا علم تَعَالَى عدم وُقُوعه (فحكاية الْخلاف مناقضة) كَمَا صرح بِهِ غير وَاحِد من شارحي كَلَامه على مَا ذكره السُّبْكِيّ (ثمَّ على بعده) أَي الْخلاف (يَكْفِي) ويغني (عَن الْإِكْثَار) والإطناب أَن يُقَال: (لنا الْقطع ب) وُقُوع (تَكْلِيف

مسئلة

كل من مَاتَ على كفر أَو مَعْصِيّة بِالْإِيمَان وَالْإِسْلَام) المتضمن التَّكْلِيف بِمَا هُوَ ضد للمعاصي (وَإِذ منكره) أَي مُنكر جَوَاز التَّكْلِيف بل وُقُوعه بِالنِّسْبَةِ إِلَى من مَاتَ على كفر أَو مَعْصِيّة (يكفر بإنكار) حكم (ضَرُورِيّ ديني) لأَنا نعلم بِالضَّرُورَةِ من الدّين أَن الْكفَّار والعصاة مأمورون بترك الْكفْر وَالْمَعْصِيَة إِلَى الْإِيمَان وَالطَّاعَة، فإنكار إِيجَاب الْإِيمَان كفر إِجْمَاعًا (استبعدنا الْخلاف خُصُوصا الإِمَام) أَي من الإِمَام، نقل الشَّارِح عَن السُّبْكِيّ أَن مَا لوُقُوعه شَرط إِن علم الْآمِر الشَّرْط وَاقعا فَلَا إِشْكَال، وَأَن جَهله ويفرض فِي أَمر السَّيِّد عَبده فَكَذَلِك، وَنقل المُصَنّف الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَإِن علم انتفاءه فعلى قسمَيْنِ: أَحدهمَا مَا يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن فهمه حِين إِطْلَاق التَّكْلِيف كالحياة والتمييز. فَإِن السَّامع مَتى سمع التَّكْلِيف يتَبَادَر ذهنه إِلَى أَنه يستدعى حَيا مُمَيّزا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي خَالف فِيهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَالثَّانِي خِلَافه وَهُوَ تعلق علم الله تَعَالَى بِأَن زيدا لَا يُؤمن، فَإِن انْتِفَاء التَّعَلُّق شَرط فِي وجود إيمَانه لَكِن السَّامع يقْضِي بِإِمْكَان إِيمَان زيد غير نَاظر إِلَى هَذَا الشَّرْط، وَهَذَا لَا يُخَالف فِيهِ الإِمَام وَلَا غَيره، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. مسئلة (مانعو تَكْلِيف الْمحَال) مجمعون (على أَن شَرط التَّكْلِيف فهمه) أَي تصور التَّكْلِيف بِأَن يفهم الْمُكَلف الْخطاب قدر مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الِامْتِثَال، لَا بِأَن يصدق بِأَنَّهُ مُكَلّف، وَإِلَّا لزم الدّور وَعدم تَكْلِيف الْكفَّار (وَبَعض من جوزه) أَي تَكْلِيف الْمحَال أَيْضا على أَن شَرط التَّكْلِيف فهمه (لِأَنَّهُ) أَي التَّكْلِيف (للابتداء وَهُوَ) أَي الِابْتِلَاء، وَهُوَ الاختبار (مُنْتَفٍ هَهُنَا) لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق بِدُونِ الْفَهم (وَاسْتدلَّ) كَمَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب وَغَيره للمختار (لَو صَحَّ) تَكْلِيف من لَا يفهم التَّكْلِيف (كَانَ) تَكْلِيفه (طلب) حُصُول (الْفِعْل) مِنْهُ متلبسا (بِقصد الِامْتِثَال) لِأَنَّهُ مُعْتَبر فِي معنى التَّكْلِيف (وَهُوَ) أَي طلبه بِهَذَا الْقَصْد (مُمْتَنع مِمَّن لَا يشْعر بِالْأَمر، وَقد يدْفع) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَن المستحيل) فِي تَكْلِيف من لَا يفهم التَّكْلِيف (الِامْتِثَال وَلَا يُوجب) اسْتِحَالَة الِامْتِثَال فِيهِ (اسْتِحَالَة التَّكْلِيف، إِذْ غَايَته) أَي غَايَة تَكْلِيف من لَا يفهم (تَكْلِيف بمستحيل، وَبلا فَائِدَة الِابْتِلَاء وَيجب) تَجْوِيز مثل (ذَلِك) فِي أَنه خلاف مَا تَقْتَضِيه الْحِكْمَة بِحَسب ظَاهر الْعقل (مِمَّن يُجِيز عَلَيْهِ) أَي على الله تَعَالَى (تَعْذِيب الطائع، تَعَالَى عَنهُ، بل) جَوَاز هَذَا (أولى) من جَوَاز تَعْذِيب الطائع (وَأَيْضًا لَو صَحَّ) تَكْلِيف من لَا يفهم التَّكْلِيف (صَحَّ تَكْلِيف الْبَهَائِم، إِذْ لَا مَانع فِيهَا) أَي الْبَهَائِم من التَّكْلِيف (سوى عدم الْفَهم وقلتم لَا يمْنَع) عدم الْفَهم التَّكْلِيف (وَلَا يتَوَقَّف مجيز تَكْلِيف الْمحَال عَن الْتِزَامه) أَي جَوَاز تَكْلِيف الْبَهَائِم (غَايَته) أَنه جَائِز (لم يَقع وَلَيْسَ

عدم الْمَانِع من التَّكْلِيف عِلّة لثُبُوته) أَي التَّكْلِيف (ليلزم الْوُقُوع بل هِيَ) أَي عِلّة ثُبُوت التَّكْلِيف (الاختبار) أَي اختبار الله تَعَالَى وَلم يثبت (وَلَو جعل هَذَا) الْخلاف (وَنَحْوه) خلافًا (لفظيا فالمانع) من تَكْلِيف من لَا يفهم التَّكْلِيف يَقُول: تَكْلِيف من لَا يفهم مُمْتَنع (لاتفاقنا على أَن الْوَاقِع) أَي الْمُحَقق فِي نفس الْأَمر (نقيضه) وَهُوَ عدم تَكْلِيف من لَا يفهم التَّكْلِيف (فَيمْتَنع) التَّكْلِيف (بِلَا فهم) للتكليف فِي نفس الْأَمر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يمْتَنع كَانَ مُمكنا فِي نفس الْأَمر فيفرض تحَققه فِي نفس الْأَمر، وَإِذا فرض (اجْتمع النقيضان) عل ذَلِك التَّقْدِير: التَّكْلِيف وَعَدَمه، وَفِيه أَن مثل هَذَا لَا يُقَال فِي عدم كل مُمكن (والمجيز) لتكليفه يَقُول: جَائِز مَعَ قطع النّظر عَن أَن الْوَاقِع نقيضه مَوْجُود فَلَا طائل تَحْتَهُ، وَالْمَطْلُوب فِي دَعْوَى امْتنَاع الشَّيْء امْتِنَاعه مَعَ قطع النّظر عَن تحقق نقيضه (بِالنّظرِ إِلَى مَفْهُوم تَكْلِيف) كَائِن (بِالنِّسْبَةِ إِلَى من لَهُ الْقُدْرَة عَلَيْهِ) أَي على الْفِعْل، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من لَا قدرَة لَهُ عَلَيْهِ كَالْبَهَائِمِ (على نَحْو مَا قدمْنَاهُ فِي) فصل (الْحَاكِم) من أَنه يُمكن أَن يَقُول قَائِل: إِن الْخلاف فِي جَوَاز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق وتعذيب الطائع لَفْظِي (أمكن) جَوَاب لَو جعل (قَالُوا) أَي المخالفون (لَو لم يَصح) تَكْلِيف من لَا يفهم التَّكْلِيف (لم يَقع) لكنه وَقع، كَيفَ لَا (وَقد كلف السَّكْرَان حَيْثُ اعْتبر طَلَاقه وإتلافه أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي اعتبارهما مِنْهُ (من ربط المسببات بأسبابها وضعا) شَرْعِيًّا كربط وجوب الصَّوْم بالشهر، لَا من التَّكْلِيف (قَالُوا) أَيْضا (قَالَ تَعَالَى: لَا تقربُوا الصَّلَاة الْآيَة فَخُوطِبُوا) أَي السكارى (حَال السكر أَلا يصلوا) وَهُوَ تَكْلِيف لمن لَا يفهم التَّكْلِيف (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي الِاسْتِدْلَال بهَا (مُعَارضَة قَاطع) وَهُوَ الدَّلِيل الدَّال على امْتنَاع تَكْلِيف من لَا يفهم (بِظَاهِر) وَهُوَ الْآيَة (فَوَجَبَ تَأْوِيله) أَي الظَّاهِر لِأَنَّهُ يؤول عِنْد مُعَارضَة الْقَاطِع (أما بِأَنَّهُ نهي عَن السكر عِنْد قصد الصَّلَاة) لِأَن النهى إِذا ورد على وَاجِب شرعا مُقَيّد بِغَيْر الْوَاجِب انْصَرف إِلَى الْغَيْر، فَالْوَاجِب الصَّلَاة، والمقيد السكر، فالمنهي عَنهُ فِي الْحَقِيقَة السكر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} - فَإِن الْمنْهِي عَنهُ فِيهِ عدم الْإِسْلَام إِلَّا الْمَوْت (أَو) بِأَنَّهُ (نهى الثمل) بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَكسر الْمِيم، قيل هُوَ من بَدَت بِهِ أَوَائِل الطَّرب وَلم يزل عقله دون الطافح (لعدم التثبت) فِيمَا يَنْبَغِي أَن يَأْتِي بِهِ فِي الصَّلَاة (كالغصب) تَمْثِيل لما لَا يَنْبَغِي أَن يَأْتِي بِهِ فِيهَا، ويلائمه قَوْله - {حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} - وناقش الشَّارِح فِي كَون الثمل أَوَائِل الطَّرب لما ورد فِي الحَدِيث فِي حق حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ فِي شربه قبل التَّحْرِيم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعليّ: وَهل أَنْتُم إِلَّا عبيد أبي، فَعرف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ثمل: أَي سَكرَان شَدِيد السكر، وَلَا يخفى دَفعه (وَلَا يخفى أَنه) أَي الدَّلِيل الدَّال على امْتنَاع تَكْلِيف مَا لَا يفهم (إِنَّمَا يكون قَاطعا بِلُزُوم) اجْتِمَاع (النقيضين) على تَقْدِير تَكْلِيفه (كَمَا ذكرنَا

فِي الْجمع) بَين قولي الْمَانِع والمجيز (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن قطعيته بذلك (فَمَمْنُوع) كَونه قَاطعا (عِنْدهم) أَي المجزين (كَيفَ وَقد ادّعوا الْوُقُوع) قَالَ الشَّارِح: ثمَّ لقَائِل أَن يَقُول: إِن كَانَ النَّهْي خطابا حَال سكره فنصّ، وَإِن كَانَ قبل سكره كَمَا هُوَ التَّأْوِيل الأول استلزم أَن يكون مُخَاطبا فِي حَال سكره أَيْضا، إِذْ لَا يُقَال للعاقل: إِذا جننت فَلَا تفعل كَذَا، لِأَنَّهُ إِضَافَة الْخطاب إِلَى وَقت بطلَان أَهْلِيَّته، وَأَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ المُصَنّف رَحمَه الله أَنه لَو لم ينسحب هَذَا الْخطاب بِالتّرْكِ عَلَيْهِ حَال سكره لم يفد لَهُ، وَإِن كَانَ تَوْجِيه الْخطاب فِي حَال صحوه لَكِن الْمَطْلُوب التّرْك فِي حَال سكره، وَهَذَا معنى كَونه مُخَاطبا حَال سكره انْتهى. وَلَا يخفى أَن التَّوْجِيه الأول حَاصله لَا تشرب الْمُسكر وَلَا معنى لاستلزامه كَونه مُخَاطبا بترك الصَّلَاة حَال السكر فَالْتبسَ عَلَيْهِ فَتوهم أَنه عين مَا أولُوا بِهِ من أَن خطاب ترك الصَّلَاة حَال السكر إِنَّمَا توجه إِلَيْهِم قبل السكر، فأورد عَلَيْهِ مَا أوردهُ على ذَلِك، وَمَا أَفَادَهُ المُصَنّف من أَن الانسحاب الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّأْوِيل الأول، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ السُّبْكِيّ تعقبا للتأويل الأول: وَلقَائِل أَن يَقُول هَذَا صَرِيح فِي تَحْرِيم الصَّلَاة على المنتشي مَعَ حُضُور عقله بِمُجَرَّد عدم التثبيت، وَلَا يعْمل من قَالَ بِهِ، ثمَّ قَالَ: وَالْحق الَّذِي نرتضيه مذهبا أَن من لَا يفهم أَن كَانَ لَا قابلية لَهُ كَالْبَهَائِمِ فامتناع تَكْلِيفه مجمع عَلَيْهِ سَوَاء خطاب التَّكْلِيف وخطاب الْوَضع، فَإِن كَانَت لَهُ قابلية فإمَّا أَن يكون مَعْذُورًا فِي امْتنَاع فهمه كالطفل والنائم وَمن أكره على شرب مَا أسكره فَلَا تَكْلِيف إِلَّا بِالْوَضْعِ، وَإِمَّا أَن يكون غير مَعْذُور كالعاصي يسكره فيكلف تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على هَذَا، وَيشْهد لتفرقتنا بَين من لَهُ قابلية وَمن لَا قابلية لَهُ إِيجَاب الضَّمَان على الْأَطْفَال دون الْمَيِّت، فَإِن أَصْحَابنَا قَالُوا: لَو انتفخ ميت وتكسرت قَارُورَة بِسَبَب انتفاخه لم يجب ضَمَانهَا انْتهى، وَقَوله تعقبا للتأويل الدَّال أَيْضا مَبْنِيّ على الالتباس وَكَانَ وَقع فِي كَلَام الْقَوْم أَيْضا تَأْوِيلَانِ: أَولهمَا مَا الْتبس عَلَيْهِ أَولا، وَثَانِيهمَا عين الثَّانِي فِي هَذَا الْكتاب، وَهَذَا الَّذِي تعقبه السُّبْكِيّ. (هَذَا، واستلزم) القَوْل بِأَن الْفَهم شَرط التَّكْلِيف (اشْتِرَاط الْعقل الَّذِي بِهِ الْأَهْلِيَّة) للتكليف (فالحنفية) قَالُوا: الْعقل (نور) يضيء بِهِ طَرِيق (يبتدأ بِهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْجَار وَالْمَجْرُور فِي مَحل الرّفْع (من مُنْتَهى دَرك الْحَواس) قَالَ صدر الشَّرِيعَة فابتداء دَرك الْحَواس ارتسام المحسوس فِي الحاسة الظَّاهِرَة، ونهايته ارتسامه فِي الْحَواس الْبَاطِنَة فَحِينَئِذٍ بداية تصرف الْقلب فِيهِ بِوَاسِطَة الْعقل بِأَن يدْرك الْغَائِب من الشَّاهِد وتنتزع الكليات من تِلْكَ الجزئيات المحسوسة إِلَى غير ذَلِك من تمثيلات وَبَيَان مَرَاتِب للنَّفس الناطقة فَأفَاد المُصَنّف رَحمَه الله جَمِيع ذَلِك وَزَاد عَلَيْهِ فَقَالَ (فيبدو) أَي يظْهر (بِهِ) أَي بذلك النُّور (الْمدْرك) بِصِيغَة الْمَفْعُول (للقلب) ثمَّ فسر الْقلب بقوله (أَي الرّوح

وَالنَّفس الناطقة فيدركه) أَي الْقلب (بخلقه تَعَالَى) الْإِدْرَاك فِيهِ من غير تَأْثِير لذَلِك النُّور، (فالنور آلَة إِدْرَاكهَا) أَي النَّفس الناطقة (وَشَرطه) أَي إِدْرَاكهَا (كالضوء لِلْبَصَرِ) أَي كَمَا أَن الضَّوْء شَرط عادي (فِي إيصاله) أَي الْبَصَر المبصرات إِلَى النَّفس الناطقة (وَمُقْتَضى مَا ذكرنَا) من هَذَا التَّعْرِيف (أَن لدرك الْحَواس) جمع حاسة بِمَعْنى الْقُوَّة الحساسة (مبدأ، قيل) وَقد عرفت الْقَائِل (هُوَ) أَي المبدأ (ارتسام المحسوسات) أَي انطباعها (أَي صورها) بِحَذْف الْمُضَاف، لِأَن أَنْفسهَا موجودات خارجية لَا يُمكن ارتسامها (فِيهَا) أَي فِي الْحَواس (ونهايته) أَي نِهَايَة دَرك الْحَواس (فِي الْحَواس الْبَاطِنَة) الْخمس (وَهِي الْحس الْمُشْتَرك فِي مقدم الدِّمَاغ) ينطبع فِيهِ صور المحسوسات كلهَا عِنْد غيبتها عَن الْحَواس الظَّاهِرَة، ومقدمة الْبَطن الأول مِنْهُ الَّذِي هُوَ مبدأ عصب الْحَواس (فيودعها) أَي الْحس الْمُشْتَرك (خزانته الخيال) عطف بَيَان لخزانتها لتحفظها، وَهِي قُوَّة مرتبَة فِي مُؤخر الْبَطن الأول من الدِّمَاغ (ثمَّ المفكرة) وَهِي قُوَّة مرتبَة فِي الْجُزْء الأول من الْبَطن الْأَوْسَط من الدِّمَاغ بهَا يَقع التَّرْكِيب وَالتَّفْصِيل بَين الصُّور المحسوسة الْمَأْخُوذَة من الْحس الْمُشْتَرك والمعاني المدركة بالوهم كإنسان لَهُ رأسان، أَو عديم الرَّأْس، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (تأخذها) أَي المفكرة صور المحسوسات (مِنْهُ) أَي من الْحس الْمُشْتَرك (للتركيب كَمَا تَأْخُذ من خزانَة الْوَهم) أَي الْقُوَّة (الحافظة فِي الْمُؤخر) أَي مُؤخر الدِّمَاغ (مستودعاته) مفعول تَأْخُذ (من الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالمحسوس) فالوهم قُوَّة مرتبَة فِي آخر الْبَطن الْأَوْسَط من الدِّمَاغ يدْرك بهَا الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة الْمَذْكُورَة (كصداقة زيد) وعداوة عَمْرو، والحافظة قُوَّة مرتبَة فِي الْبَطن الْأَخير مِنْهُ (وَهَذَا الْأَخْذ) الْمعبر عَنهُ بقوله: ثمَّ المفكرة تأخذها مِنْهُ للتركي (ابْتِدَاء عمل الْعقل، وَلما احْتَاجَ) ثُبُوت (هَذِه) الْأُمُور من الْعقل الَّذِي هُوَ الْجَوْهَر المجرّد الْمُتَعَلّق بِالْقَلْبِ والحواس الْبَاطِنَة (إِلَى سمع) أَي دَلِيل سَمْعِي يثبتها (عِنْد كثير من أهل الشَّرْع وَلم يكتف) فِي الِاسْتِدْلَال على وجودهَا (بِكَوْن فَسَاد هَذِه الْبُطُون) الَّتِي هِيَ محالها (يُوجب فَسَاد ذَلِك الْأَثر) الْمَذْكُور من ارتسام صور المحسوسات والتركيب والمعاني الْجُزْئِيَّة (وَكَانَ الْمُحَقق) الَّذِي لَا شُبْهَة فِي وجوده (هُوَ الْإِدْرَاك، وَهُوَ) أَي الْإِدْرَاك (بخلقه تَعَالَى) أَي مخلوقه عِنْد وجود السَّبَب العادي (لم يزدْ القَاضِي الباقلاني على أَن الْعقل بعض الْعُلُوم الضرورية) إِذْ لَو كَانَ كلهَا لزم عدم وجود الْعقل لفاقد الْبَعْض لفقد شَرط من الْتِفَات أَو تجربة أَو تَوَاتر وَنَحْو ذَلِك، والاتفاق على أَنه عَاقل، وَلَو كَانَ الْعلم بالنظريات للَزِمَ مثل ذَلِك (وَالْأَكْثَر) على أَن الْعقل (قُوَّة بهَا إِدْرَاك الكليات للنَّفس) وَقَالَ الإِمَام غريزة يتبعهَا الْعلم بالضروريات عِنْد سَلامَة الْآلَات. وَقَالَ بَعضهم: قُوَّة بهَا يُمَيّز بَين الْأُمُور المستحسنة

والقبيحة (ومحلها) أَي الْقُوَّة الَّتِي هِيَ الْعقل (الدِّمَاغ) وَهَذَا الرَّأْي (للفلاسفة) قَالَ الشَّارِح وخصوصا الْأَطِبَّاء وَأحمد فِي رِوَايَة وَأبي الْمعِين النَّسَفِيّ، وَعَزاهُ صدر الْإِسْلَام إِلَى أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، فَقَالَ: وَهُوَ جسم لطيف مضيء مَحَله الرَّأْس عِنْد عَامَّة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وأثره يَقع على الْقلب فَيصير الْقلب مدْركا بِنور الْعقل الْأَشْيَاء كَالْعَيْنِ تصير مدركة بِنور الشَّمْس الْأَشْيَاء. وَاحْتَجُّوا بِأَن الرجل يضْرب فِي رَأسه فيزول عقله وَلَا يَزُول بِضَرْب عُضْو آخر (وَالْقلب) عطف على الدِّمَاغ (اللَّحْم) الصنوبري الشكل الْمُودع فِي الْجَانِب الْأَيْسَر من الصَّدْر، عطف بَيَان للقلب (للأصوليين) كَالْقَاضِي أبي زيد، وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة لقَوْله تَعَالَى - {فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا} {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب} -: أَي عقل من ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال وَأجِيب عَن حجَّة الْأَوَّلين بِأَنَّهُ لَا يمْنَع زَوَال الْعقل وَهُوَ فِي الْقلب بِفساد الدِّمَاغ لما بَينهمَا من الارتباط كَمَا لَا يمْنَع عدم نَبَات شعر اللِّحْيَة بِقطع الاثنيين، وَقيل التَّحْقِيق: أَن أَصله ومادته من الْقلب وَيَنْتَهِي إِلَى الدِّمَاغ (وَهِي) أَي الْقُوَّة الْمُفَسّر بهَا الْعقل (المُرَاد بذلك النُّور وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (من مُنْتَهى دَرك الْحَواس إِشَارَة إِلَى أَن عمل الْعقل لَيْسَ فِيهَا) أَي فِي مدركات الْحَواس (فَإِنَّهَا مدركات الصّبيان والبهائم) والمجانين، فَعلم أَن مُجَرّد الْحَواس كَاف فِي ذَلِك من غير حَاجَة إِلَى الْعقل (بل) عمل الْعقل (فِيمَا يَنْزعهُ مِنْهَا) أَي المدركات الحسية (وَهُوَ) أَي عمله (عِنْد انْتِهَاء دَرك الْحَواس، وَعَمله التَّرْتِيب السالف) أَي النّظر الْمَذْكُور فِي أول الْكتاب (فيخلق الله عَقِيبه) أَي التَّرْتِيب الْمَذْكُور (علم الْمَطْلُوب بِالْعَادَةِ) من غير وجوب على مَا هُوَ الْحق، وَلَيْسَ المُرَاد من قَوْلهم عِنْد انْتِهَاء دركها أَنه لَا يصدر مِنْهُ عمل إِلَّا عِنْد ذَلِك، بل المُرَاد أَنه لَا عمل لَهُ قبل ذَلِك (وَأما جعل النُّور الْعقل الأول) الثَّابِت (عِنْد الفلاسفة الْجَوْهَر) الْفَرد (الْمُجَرّد عَن الْمَادَّة فِي نَفسه وَفعله) عطف بَيَان لِلْعَقْلِ الأول وَزَعَمُوا أَنه أول الْمَخْلُوقَات، فَالْمُرَاد بِالنورِ الْمنور أَو المضيء بِذَاتِهِ كنور الشَّمْس، فَإِن مَا سوى الشَّمْس مضيء بِغَيْرِهِ وَهُوَ الشَّمْس، وَالشَّمْس مضيء بوصفها وَهُوَ نورها، ونورها مضيء بِذَاتِهِ والجاعل صدر الشَّرِيعَة، لَكِن على سَبِيل الِاحْتِمَال الْمُمكن (فبعيد عَن الصَّوَاب) فَإِن الْأُصُولِيِّينَ جعلُوا الْعقل من صِفَات الْمُكَلف وفسروه بِهَذَا التَّفْسِير، فَكيف يتَصَوَّر أَن يُرَاد بِالنورِ الْمَذْكُور فِي تفسيرهم ذَلِك! (وَكَذَا) بعيد عَن الصَّوَاب (جعله) أَي النُّور الْمَذْكُور (إشراقه) أَي الْأَثر الفائض من هَذَا الْجَوْهَر على نفس الْإِنْسَان كَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة احْتِمَالا آخر مُمكنا، لِأَنَّهُ لَيْسَ من صِفَات الْمُكَلف: بل هُوَ من تَوَابِع ذَلِك الْجَوْهَر: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتجوز فِيهِ مُسَامَحَة، وَلَا يخفى بعده والاستغناء عَنهُ (مَعَ أَن مَا يحصل بإشراقه) وإفاضة نوره (على النَّفس

والمدرك) عطف تفسيري لَهَا (الْإِدْرَاك) فَاعل يحصل (عِنْدهم) أَي الفلاسفة خبر إِن (الْعقل الْعَاشِر الْمُتَعَلّق بفلك الْقَمَر، وَإِلَيْهِ ينسبون الْحَوَادِث اليومية على مَا هُوَ كفرهم): يَعْنِي مَذْهَبهم الْمُشْتَمل على أَنْوَاع من الْكفْر (لَا) الْعقل (الأول، وَكَذَا) بعيد عَن الصَّوَاب (جعله) أَي النُّور الْمَذْكُور (الْمرتبَة الثَّانِيَة من مَرَاتِب النَّفس) الناطقة بِحَسب مَالهَا من التعقل، وَهِي أَرْبَعَة: الأولى استعداد بعيد نَحْو الْكَمَال بِمُجَرَّد قابليتها لإدراك المعقولات مَعَ خلوّها عَن إِدْرَاكهَا بِالْفِعْلِ كَمَا للأطفال وَهِي لَيست لسَائِر الْحَيَوَانَات، وَيُسمى عقلا هيولانيا تَشْبِيها بالهيولي الخيالية فِي نَفسهَا عَن جَمِيع الصُّور الْمُقَابلَة لَهَا الثَّانِيَة استعداد متوسط لتَحْصِيل النظريات بعد حُصُول الضروريات، وَتسَمى عقلا بالملكة كَمَا سَيَجِيءُ لما حصل بهَا من ملكة الِانْتِقَال إِلَى النظريات وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِيهَا جدا الثَّالِثَة الإقدار على استحصال النظريات مَتى شَاءَت من غير احْتِيَاج إِلَى كسب جَدِيد لكَونهَا مكتسبة مخزونة تحضر بِمُجَرَّد الِالْتِفَات، وَيُسمى عقلا بِالْفِعْلِ لقربها من الْفِعْل الرَّابِعَة حُصُول النظريات مُشَاهدَة، وَيُسمى عقلا مستفادا لاستفادتها من الْعقل الفعال (أَعنِي) بالمرتبة الثَّانِيَة (الْعقل بالملكة) وَإِنَّمَا كَانَ بَعيدا (لِأَنَّهُ) أَي النُّور الْمَذْكُور (آلَة لَهَا) أَي لهَذِهِ الْمرتبَة لَا نَفسهَا (والمسمى) بِالْعقلِ بالملكة (هِيَ) أَي النَّفس (فِي هَذِه الْمرتبَة أَو الْمرتبَة) الَّتِي فِيهَا النَّفس (وكل هَذِه) الِاحْتِمَالَات (فضلات الفلاسفة لَا يَلِيق بالشرعي) كَذَا قَالَ الشَّارِح، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: أَي بِالَّذِي لَهُ نِسْبَة إِلَى الشَّرْع ليرتبط بِهِ قَوْله (الْبناء عَلَيْهَا) أَي على الاعتبارات الْمَذْكُورَة الموهومة (لعدم الِاعْتِدَاد بهَا شرعا، ثمَّ يتَفَاوَت) الْعقل بِحَسب الْفطْرَة بِالْإِجْمَاع وَشَهَادَة الْآثَار، فَرب صبي أَعقل من بَالغ (وَلَا يناط) التَّكْلِيف (بِكُل قدر) بِأَن يُكَلف كل من لَهُ مِقْدَار من الْعقل قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا لقُصُور بعض مراتبه عَن فهم الْخطاب وتدبير الْعَمَل لكَونه خَارِجا عَن وَسعه، وَلَا تَكْلِيف إِلَّا على قدر الوسع فاحتيج إِلَى ضَابِط بِكَوْن منَاط التَّكْلِيف (فأنيط بِالْبُلُوغِ) حَال كَونه (عَاقِلا، وَيعرف) كَونه عَاقِلا (بالصدر عَنهُ) من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال، فَإِن كَانَ على سنَن وَاحِد كَانَ معتدل الْعقل، وَهَذَا الِاعْتِدَال إِنَّمَا يحصل غَالِبا عِنْد الْبلُوغ، فأدير التَّكْلِيف عَلَيْهِ تيسير للعباد، فَإِذا بلغ وَمَا يصدر عَنهُ على نمط وَاحِد على الْوَجْه الْمَعْرُوف بَين النَّاس حكم بِكَوْنِهِ مُكَلّفا (وَأما قبله) أَي الْبلُوغ هَل يتَحَقَّق التَّكْلِيف (فِي صبي عَاقل فَعَن أبي مَنْصُور) الماتريدي وَكثير من مَشَايِخ الْعرَاق كَمَا سبق فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي الحكم (والمعتزلة إناطة وجوب الْإِيمَان بِهِ) أَي بعقله (وعقابه) أَي الصَّبِي الْعَاقِل (بِتَرْكِهِ) أَي الْإِيمَان لمساواته البالع فِي كَمَال الْعقل، وَإِنَّمَا عذر فِي عمل الْجَوَارِح لضعف الْبَيِّنَة بِخِلَاف عمل الْقلب، غير أَن عِنْد هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخ كَمَال الْعقل معرف للْوُجُوب كالخطاب، والموجب

هُوَ الله تبَارك وَتَعَالَى، بِخِلَاف الْمُعْتَزلَة فَإِن الْعقل عِنْدهم يُوجب بِذَاتِهِ كَمَا أَن العَبْد موجد لأفعاله. كَذَا ذكره الشَّارِح (ونفاه) أَي وجوب الْإِيمَان (بَاقِي الْحَنَفِيَّة دارية) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصبيّ حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل ". قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله: مَعْنَاهُ امْتنَاع التَّكْلِيف، لَا أَنه رفع بعد وَضعه انْتهى، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله: الْأَحْكَام إِنَّمَا تعلّقت بِالْبُلُوغِ بعد الْهِجْرَة، وَقبلهَا إِلَى عَام الخَنْدَق كَانَت تتَعَلَّق بالتمييز: فعلى هَذَا يكون الرّفْع بعد الْوَضع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُمَيز، كَذَا ذكره الشَّارِح (وَرِوَايَة لعدم انْفِسَاخ نِكَاح المراهقة بِعَدَمِ وَصفه) أَي الْإِيمَان كَمَا مر فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي الْحَاكِم. (وَاتفقَ غير الطَّائِفَة من البخاريين) من الْحَنَفِيَّة (على وُجُوبه) أَي الْإِيمَان (على بَالغ) عَاقل (لم تبلغه دَعْوَة على التَّفْصِيل) السَّابِق فِي الْفَصْل الْمَذْكُور: وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. (وَهَذَا فصل اخْتصَّ الْحَنَفِيَّة بعقده فِي الْأَهْلِيَّة) أَهْلِيَّة الْإِنْسَان للشَّيْء صلاحيته لصدوره وَطَلَبه مِنْهُ وقبوله إِيَّاه (وَهِي ضَرْبَان: أَهْلِيَّة الْوُجُوب) للحقوق الْمَشْرُوعَة لَهُ وَعَلِيهِ (وأهلية الْأَدَاء كَونه مُعْتَبرا فعله شرعا، وَالْأول بِالذِّمةِ وصف شَرْعِي) أَي ثَابت بِاعْتِبَار الشَّرْع تثبت (بِهِ الْأَهْلِيَّة لوُجُوب مَاله و) مَا (عَلَيْهِ) من الْحُقُوق الْمَشْرُوعَة: إِذْ الْوُجُوب شغل الذِّمَّة، وَأورد عَلَيْهِ أَنه يصدق على الْفِعْل بالتفسير الأول، وَأَن الْأَدِلَّة لَا تدل على ثُبُوت مُغَاير لِلْعَقْلِ وَأجِيب بِمَنْع الصدْق عَلَيْهِ وَلَا يظْهر وَجه الْمَنْع، نعم قد يُقَال: إِن الدَّلِيل يدل على ثُبُوت مُغَاير لِلْعَقْلِ، إِذْ الْمَجْنُون لَهُ أَهْلِيَّة مَاله وَعَلِيهِ فِي الْجُمْلَة (و) قَالَ (فَخر الْإِسْلَام) الذِّمَّة (نفس ورقبة لَهَا) أَي للنَّفس (عهد) والعطف تفسيري (وَالْمرَاد أَنَّهَا) أَي الذِّمَّة (الْعَهْد) الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى - {وَإِذا أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} -: الْآيَة. وَعَن أبيّ بن كَعْب فِي تَفْسِيرهَا جمعهم لَهُ يَوْمئِذٍ جَمِيعًا مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فجعلهم أَزْوَاجًا ثمَّ صورهم فاستنطقهم فتكلموا، وَأخذ عَلَيْهِم الْعَهْد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم؟ قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة أَنا كُنَّا عَن هَذَا غافلين، فَلَا تكفرُوا بِي فَإِنِّي أرسل إِلَيْكُم رسلًا يذكرونكم عهدي وميثاقي، والْحَدِيث فَإِن قيل كَيفَ قَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة الْآن بذلك الْإِقْرَار وهم لَا يذكرُونَ ذَلِك الْعَهْد، فَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ المُرَاد إِلَّا قيام الْحجَّة يَوْم الْقِيَامَة وهم يذكرُونَ عِنْد ذَلِك إِمَّا بِخلق الذّكر فيهم، أَو بِإِزَالَة الْمُوجب للنسيان، أَو لِأَن الصَّادِق أخْبرهُم بِوُقُوع ذَلِك فلزمهم تَصْدِيقه (فَفِي ذمَّته) أَي فَقَوْل الْقَائِل فِي ذمَّته كَذَا يُرَاد بِهِ (فِي نَفسه بِاعْتِبَار عهدهما من) إِطْلَاق اسْم (الحالّ) وَهُوَ الذمّة (فِي الْمحل) وَهُوَ النَّفس (جعلت) النَّفس (كظرف) يسْتَقرّ فِيهِ الْوُجُوب (لقُوَّة التَّعَلُّق) أَي تعلق الْعَهْد الَّذِي هُوَ منشأ الْوُجُوب بِالنَّفسِ

(فَقبل الْولادَة ثمَّ نفس مُنْفَصِل من وَجه) لاستقلاله بِنَفسِهِ من جِهَة التفرد بِالْحَيَاةِ وَإِن كَانَ جُزْءا من أمه من وَجه لقراره وانتقاله بقرارها، وانتقالها كيدها ورجلها، وتبعيته لَهَا فِي الْعتْق وَالرّق ودخوله فِي بيعهَا (فَهِيَ) أَي الذِّمَّة ثَابِتَة لَهُ (من وَجه من الْوُجُوب لَهُ من وَصِيَّة وميراث وَنسب وَعتق على الِانْفِرَاد) أَي دون الْأُم إِذا كَانَ مُحَقّق الْوُجُود وَقت تعلق وُجُوبهَا لَهُ على مَا عرف فِي مَحَله (لَا عَلَيْهِ) أَي غير ثَابِتَة فِيمَا يجب عَلَيْهِ (فَلَا يجب فِي مَاله ثمن مَا اشْترى الْوَلِيّ لَهُ، وَبعد الْولادَة تمت لَهُ) الذِّمَّة من كل وَجه (فاستعقبته) أَي الذِّمَّة الْوُجُوب (لَهُ وَعَلِيهِ إِلَّا مَا) أَي إِلَّا وجوب فعل (يعجز عَن أَدَائِهِ لانْتِفَاء فَائِدَته) أَي ذَلِك الْوُجُوب. ثمَّ بَين الْمُسْتَثْنى بقوله (مِمَّا لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهُ مُجَرّد المَال) كالعبادة الْمَحْضَة، فَإِن فَائِدَة وُجُوبهَا الْأَدَاء على سَبِيل التَّعْظِيم عَن اخْتِيَار وَقصد صَحِيح، وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا يعقل لَا يتَصَوَّر مِنْهُ مَا ذكر وَالَّذِي يعقل عَن أَدَائِهِ وَلَا يَنُوب عَنهُ وليه فِي ذَلِك، لِأَن ثُبُوت الْولَايَة جبري لَا اختياريّ: فَلَا يصلح طَاعَة (وَذَلِكَ) أَي مَا بَقِي بعد الثنيا: أَي مَا يجب على الصَّبِي الْمَذْكُور مِمَّا الْمَقْصُود مِنْهُ مُجَرّد المَال (كَمَال الْغرم) أَي الغرامات الْمَالِيَّة الَّتِي هِيَ من حُقُوق الْعباد كَمَا لَو انْقَلب على مَال إِنْسَان فأتلفه عَلَيْهِ الضَّمَان (والعوض) فِي الْمُعَاوَضَات الْمَالِيَّة من البيع وَالشِّرَاء وَنَحْوهمَا لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُمَا المَال جبرا لفائت، وَأَدَاء لحق الْمُعَارضَة لَا الطَّاعَة، فَيحصل بأَدَاء وليه (والمؤنة) أَي مُؤنَة مَا فِي ملكه من الأَرْض وَغَيرهَا (كالعشر وَالْخَرَاج وصلَة كالمؤنة) أَي وَمثل تَشْبِيه صلَة الْمُؤْنَة (كَنَفَقَة الْقَرِيب) فَإِنَّهَا تشبه الْمُؤْنَة من جِهَة أَنَّهَا تجب على الْغَنِيّ كِفَايَة لما يحْتَاج إِلَيْهِ أَقَاربه، وَكَذَا لَا يجب على غير الْمُوسر، وَالْمَقْصُود مِنْهَا سد خلة الْقَرِيب بوصول كِفَايَته، وَذَلِكَ بِالْمَالِ (وكالعوض) أَي وَمثل صلَة تشبه الْعِوَض (كَنَفَقَة الزَّوْجَة) فَإِنَّهَا تشبهه من جِهَة وُجُوبهَا جُزْء للاحتباس الْوَاجِب عَلَيْهَا، وَمَا جعلت عوضا مَحْضا لِأَنَّهُمَا لم تجب بِعقد الْمُعَاوضَة، ولكونها صلَة تسْقط بمضيّ الْمدَّة إِذا لم يُوجد الْتِزَام كَنَفَقَة الْقَرِيب، ولشبهما بالأعواض تعْتَبر دينا بالالتزام (لَا) مَا يكون من الصِّلَة (كالأجزية) فَإِنَّهَا لَا تجب فِي مَاله (كالعقل) أَي كتحمل شَيْء من الدِّيَة مَعَ الْعَاقِلَة فَإِنَّهُ صلَة، لَكِن فِيهِ معنى الْجَزَاء على ترك حفظ السَّفِيه وَالْأَخْذ على يَد الظَّالِم، وَلذَا اخْتصَّ بِهِ رجال الْعَشِيرَة دون الصَّبِي وَالنِّسَاء لأَنهم لَيْسُوا من أهل الْحِفْظ مَعَ أَنه عُقُوبَة وَالصَّبِيّ لَيْسَ من أَهلهَا، وَهَذَا (بِخِلَاف الْعِبَادَات كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا لم تجب عَلَيْهِ (للْحَرج) وَذهب بعض الْمَشَايِخ كَالْقَاضِي أبي زيد إِلَى وجوب حُقُوق الله تَعَالَى جَمِيعًا على الصَّبِي، لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على صِحَة الْأَسْبَاب وَقيام الذِّمَّة وَقد تحققا فِيهِ، لَا على الْقُدْرَة والتمييز لِأَنَّهُمَا قد يعتبران فِي حق وجوب الْأَدَاء، وَهُوَ غير أصل الْوُجُوب، ورده الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم بِأَنَّهُ

إخلاء لَا يُجَاب الشَّرْع من الْفَائِدَة فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة، وَهِي الْجَزَاء إِلَى غير ذَلِك مِمَّا بَين فِي الشَّرْح (وَلذَا) أَي للُزُوم الْحَرج (لَا يقْضِي) أَي لَا يجب عَلَيْهِ قَضَاء (مَا مضى من الشَّهْر) أَي شهر رَمَضَان (إِذا بلغ فِي أَثْنَائِهِ) أَي الشَّهْر (بِخِلَاف الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ إِذا لم يستوعباه) أَي الْجُنُون وَالْإِغْمَاء الشَّهْر فَإِنَّهُ يجب قَضَاء مَا فاتهما مِنْهُ لثُبُوت أصل الْوُجُوب فِي حَقّهمَا ليظْهر فِي الْقَضَاء، لِأَن صَوْم مَا دون الشَّهْر من سنة لَا يُوجب الْحَرج (بِخِلَاف الْمُسْتَوْعب من الْجُنُون) للشهر فَإِنَّهُ لَا يجب فِي حَقه الْقَضَاء، لِأَن امتداد الْجُنُون كثير فَيلْزم الْحَرج، بِخِلَاف الْإِغْمَاء فَإِنَّهُ يثبت الْوُجُوب مَعَه إِذا استوعب الشَّهْر ليظْهر حكمه فِي الْقَضَاء، لِأَنَّهُ نَادِر وَلَا حرج فِي النَّادِر (والممتد مِنْهُمَا) أَي وَبِخِلَاف الممتد من الْجُنُون وَالْإِغْمَاء (يَوْمًا وَلَيْلَة فِي حق الصَّلَاة) قَالَ الشَّارِح رَحمَه الله: وَهَذَا سَهْو، وَالصَّوَاب مَا نذكرهُ فِي بحث الْجُنُون أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة فَإِن الممتد مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَة فِي حق الصَّلَاة لَا يمْنَع ثُبُوت الْوُجُوب مَعَه ليظْهر فِي حق الْقَضَاء لعدم الْحَرج بِانْتِفَاء ثُبُوت الْكَثْرَة لعدم الدُّخُول فِي حد التّكْرَار انْتهى، وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَن المُرَاد بِقَرِينَة مَا سَيَأْتِي المتجاوز مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَة لما فِي الامتداد من معنى التجاوز وَلَا يخفى مَا فِي عباراته من ترك الْأَدَب مَعَ الْأُسْتَاذ (بِخِلَاف النّوم فيهمَا) أَي الْيَوْم وَاللَّيْلَة استيعابا لَهما فَإِنَّهُ لَا يمْنَع ثُبُوت الْوُجُوب مَعَه لمصْلحَة الْقَضَاء (إِذْ لَا حرج لعدم الامتداد عَادَة) لِأَنَّهُ نَادِر (وَالزَّكَاة وَإِن تأدت بالنائب لَكِن إِيجَابهَا للابتلاء بِالْأَدَاءِ بِالِاخْتِيَارِ، وَلَيْسَ) الصَّبِي (من أهلهما) أَي الْأَدَاء وَالِاخْتِيَار (وَلذَا) أَي وَلكَون الْإِيجَاب لما ذكر (أسقط مُحَمَّد الْفطْرَة) أَي وُجُوبهَا عَلَيْهِ (تَرْجِيحا لِمَعْنى الْعِبَادَة، واكتفيا) أَي أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رحمهمَا الله (فِيهِ بالقاصرة) أَي بالأهلية القاصرة فِيهَا فأوجباها عَلَيْهِ (تَرْجِيحا للمؤنة) فِيهَا وَقد سبق أَن قَول مُحَمَّد أوضح (وَبِخِلَاف الْعُقُوبَات كَالْقصاصِ والأجزية كحرمان الْإِرْث بقتْله) لمورثه فَإِنَّهَا لَا تجب عَلَيْهِ لعدم أَهْلِيَّته للعقوبات وَالْجَزَاء لِأَنَّهُمَا للتقصير، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: (لِأَنَّهُ) أَي الصَّبِي (لَا يُوصف بالتقصير، وَاسْتثنى فَخر الْإِسْلَام) وَالْقَاضِي أَبُو زيد والحلواني (من الْعِبَادَات الْإِيمَان فَأثْبت) فَخر الْإِسْلَام وَمن وَافقه أصل (وُجُوبه) أَي الْإِيمَان (فِي الصَّبِي الْعَاقِل لسببية حُدُوث الْعَالم) لما فِيهِ من الْآيَات الدَّالَّة على وجود الْمُحدث تبَارك وَتَعَالَى لنَفس وُجُوبه وَقيام الذِّمَّة لَهُ (لَا الْأَدَاء) أَي لم يثبت وجوب الْأَدَاء لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْل للخطاب لعدم كَمَال الْعقل واعتداله (فَإِذا أسلم) الصَّبِي (عَاقِلا وَقع) إِسْلَامه (فرضا) لِأَن صِحَّته لَا تتَوَقَّف على وجوب الْأَدَاء بل على مشروعيته كَصَوْم الْمُسَافِر، ثمَّ هُوَ فِي نَفسه غير متنوع إِلَى فرض وَنفل فَتعين كَونه فرضا (فَلَا يجب تجديده) أَي الْإِسْلَام حَال كَونه (بَالغا كتعجيل الزَّكَاة بعد السَّبَب) لوُجُوبهَا إِذْ كل مِنْهُمَا وَقع بعد

تحقق أصل الْوُجُوب قبل الْأَدَاء فَكَمَا صَحَّ ذَلِك عَن الْفَرْض صَحَّ هَذَا عَنهُ (فَإِن قيل مثله) أَي جَوَاز الحكم بعد تحقق سَبَب وُجُوبه قبل تحقق سَبَب وجوب أَدَائِهِ (يتَوَقَّف على السّمع) لِأَن سُقُوط مَا يسْتَحبّ أَدَاؤُهُ بِفِعْلِهِ قبل أَن يجب على خلاف الْقيَاس (قُلْنَا) نعم، وَقد وجد وَهُوَ (إِسْلَام عليّ رَضِي الله عَنهُ) أخرج الإِمَام البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين. وَأخرج الْحَاكِم من طَرِيق إِسْحَاق أَنه رَضِي الله عَنهُ أسلم وَهُوَ ابْن عشر سِنِين، وَعَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: دفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّايَة إِلَى عليّ رَضِي الله عَنهُ يَوْم بدر وَهُوَ ابْن عشْرين سنة، وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الذَّهَبِيّ رَحمَه الله: هَذَا نَص على أَنه أسلم وَله أقل من عشر سِنِين، بل نَص على أَنه أسلم وَهُوَ ابْن سبع أَو ثَمَان سِنِين، وَقَالَ بعض الْمُحدثين فعلى هَذَا يكون عمره حِين أسلم خمس سِنِين لِأَن إِسْلَامه رَضِي الله عَنهُ كَانَ فِي أول المبعث، وَمن المبعث إِلَى بدر خمس عشرَة سنة فَلَعَلَّ فِيهِ تجوزا بإلغاء الْكسر الَّذِي فَوق الْعشْرين، وَكَأن تَصْحِيح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِسْلَامه مَأْخُوذ من تَقْرِيره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَهُ على ذَلِك، وَقَالَ عفيف عَن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي أول المبعث لم يُوَافق مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على دينه إِلَّا امْرَأَته خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا وَهَذَا الْغُلَام عليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ. قَالَ عفيف: فرأيتهم يصلونَ فوددت أَنِّي أسلمت حِينَئِذٍ فَأَكُون ربع الْإِسْلَام، وَعَن المُصَنّف رَحمَه الله أَنه إِن أُرِيد تَصْحِيحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَحْكَام الْآخِرَة فَمُسلم، وكلامنا فِي أَحْكَام الدُّنْيَا وَالْآخِرَة حَتَّى لَا يَرث أَقَاربه الْكفَّار وَنَحْو ذَلِك وَلم ينْقل تَصْحِيحه إِلَّا فِي الْعِبَادَات فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَه وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصحح صلَاته، وَصِحَّة الصَّلَاة فرع صِحَة الْإِيمَان انْتهى. وَلَا يخفى أَن الظَّاهِر مِنْهُ تَصْحِيحه فِي حق كل مَا يترفع عَلَيْهِ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم، ثمَّ قَالَ صَاحب الْكَشْف وكلامنا فِي صبي عَاقل يناظر فِي وحدانية الله تَعَالَى وَصِحَّة رِسَالَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على وَجه لَا يبْقى فِي مَعْرفَته شُبْهَة (وعَلى مَا قدمنَا) هـ من الْبَحْث الَّذِي ينتفى بِهِ تحقق أصل الْوُجُوب فِي مسئلة ثُبُوت السَّبَبِيَّة لوُجُوب الْأَدَاء بِأول الْوَقْت موسعا فِي الْفَصْل الثَّالِث (يَكْفِي السّمع) أَي الْأَدِلَّة السمعية معينا (عَن) اعْتِبَار (أصل الْوُجُوب) تَوْضِيحه أَن الدَّاعِي لاعْتِبَار وُقُوع بعض الْأَفْعَال عَن الْوَاجِب قبل وجوب الْأَدَاء بعد تحقق سَببه فَلَو لم يعْتَبر هُنَاكَ أصل الْوُجُوب لم يبْق لوُقُوعه عَنهُ وَجه، وَلَا حَاجَة لاعْتِبَار أصل الْوُجُوب (ونفاه) أَي أصل الْوُجُوب للْإيمَان عَن الصَّبِي الْعَاقِل (شمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ رَحمَه الله (لعدم حكمه) أَي الْوُجُوب وَهُوَ لُزُوم الْأَدَاء وَهُوَ لَا يجب بِدُونِهِ وَإِن وجد السَّبَب وَالْمحل (وَلَو أدّى) الصبيّ الْمَذْكُور أَي آمن (وَقع) ذَلِك المؤدّي (فرضا لِأَن عدم الْوُجُوب كَانَ لعدم حكمه) أَي كَانَ لعَجزه المفضي إِلَيّ

عدم تحقق الْأَدَاء نظرا إِلَى ظَاهر حَاله (فَإِذا وجد) الحكم الَّذِي هُوَ الْأَدَاء (وجد) الْوُجُوب كَمَا مر فِي صَوْم الْمُسَافِر، وكأداء صَلَاة الْجُمُعَة فِي حق من لَا يجب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يصير بِهِ مُؤديا للْفَرض وَإِن لم يكن وجوبا ثَابتا فِي حَقه قبل الْأَدَاء (وَالْأول) أَي قَول فَخر الْإِسْلَام وَمن وَافقه (أوجه) إِذْ الْمُسَافِر وَمن لَا تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة إتيانهما بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة مَسْبُوق بِالْوُجُوب فِي الْجُمْلَة فوقوعهما عَن الْفَرْض موجه، بِخِلَاف فعل الصَّبِي على طَريقَة شمس الْأَئِمَّة، وَأَيْضًا لَا نسلم أَن حكم الْوُجُوب هُوَ وجوب الْأَدَاء إِنَّمَا ذَلِك حكم الْخطاب بل حكمه صِحَة الْأَدَاء وَهِي متحققة. هَذَا وَقد أَجمعُوا على عدم وجوب نِيَّة فرض الْإِيمَان على الْبَالِغ الْمَحْكُوم بِصِحَّة إِسْلَامه صَبيا تبعا لِأَبَوَيْهِ الْمُسلمين (وَلعدم حكمه) أَي الْوُجُوب (من الْأَدَاء لم تجب الصَّلَاة على الْحَائِض لانْتِفَاء الْأَدَاء شرعا) فِي حَالَة الْحيض (وَالْقَضَاء) بعد الطَّهَارَة مِنْهُ (للْحَرج والتكليف) أَي وَالْحَال أَن تَكْلِيف الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ مَا هُوَ فِي قدرتهم إِنَّمَا هُوَ (لِرَحْمَتِهِ) تَعَالَى لَهُم لِأَنَّهُ طَرِيق حُصُول الثَّوَاب فِي السّنة الإلهية (والحرج طَرِيق التّرْك) الْمُوجب للعقاب (فَلم يتَعَلَّق) التَّكْلِيف (ابْتِدَاء بِمَا فِيهِ) الْحَرج (فضلا) من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (بِخِلَاف الصَّوْم) فَإِنَّهُ لَا حرج فِي قَضَائهَا إِيَّاه لوُقُوعه فِي السّنة مرّة (فَثَبت) أصل الْوُجُوب عَلَيْهَا (لفائدة الْقَضَاء وَعدم الْحَرج وأهلية الْأَدَاء نَوْعَانِ) أحداهما (قَاصِرَة لقُصُور الْعقل وَالْبدن كَالصَّبِيِّ الْعَاقِل) أَي كأهليته (وَالْمَعْتُوه الْبَالِغ) وَإِن كَانَ قوي الْبدن، فِي الْقَامُوس عَنهُ كغني عتها وعتاها فَهُوَ معتوه: نقص عقله (وَالثَّابِت مَعهَا) أى القاصرة (صِحَة الْأَدَاء) لَا وُجُوبه اذ فِيهَا نفعة بِلَا شَائِبَة ضَرَر (و) الْأُخْرَى (كَامِلَة بكمالهما) أَي الْعقل وَالْبدن (ويلزمها) أَي الْكَامِلَة (وُجُوبه) أَي الْأَدَاء، وَقد يكون كَامِل الْعقل ضَعِيف الْبدن كالمفلوج فَيسْقط عَنهُ أَدَاء مَا يتَعَلَّق بِقُوَّة الْبدن وسلامته (فَمَا) يكون (مَعَ القاصرة) سنة لِأَنَّهُ (إِمَّا حق لله) تبَارك وَتَعَالَى (لَا يحْتَمل حسنه الْقبْح) بِأَن يُبدل بالقبح فِي بعض الْأَحْوَال لبَعض الْعَوَارِض الْمُقْتَضِيَة لذَلِك (أَو قَبِيح لَا يحْتَمل الْحسن) بعكس مَا ذكرنَا (أَو مُتَرَدّد) بَين الْحسن والقبح (أَو غَيره) أَي غير حق الله تَعَالَى وَهُوَ حق العَبْد وَحِينَئِذٍ (فإمَّا) يكون مِمَّا (فِيهِ نفع أَو ضَرَر محضان) بِأَن لَا يكون أَحدهمَا مشوبا بِالْآخرِ (أَو مُتَرَدّد) بَين النَّفْع وَالضَّرَر (فَالْأول) أَي مَا هُوَ حق الله تَعَالَى وَلَا يحْتَمل حسنه الْقبْح (الْإِيمَان لَا يسْقط حسنه وَفِيه نفع مَحْض) إِنَّمَا ذكر هَذَا لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِيهِ شَائِبَة ضَرَر لَكَانَ يتَوَهَّم سُقُوط حسنه فِي بعض الْأَحْوَال، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن المُرَاد من الْإِيمَان التَّصْدِيق إِذْ الْإِقْرَار فِي بعض الْأَحْوَال يضر وَذَلِكَ عِنْد غَلَبَة الْكفَّار عَلَيْهِ (وتخلف الْوُجُود الْحكمِي عَن) الْوُجُود (الْحَقِيقِيّ) إِنَّمَا يكون (لحجر الشَّرْع) عَن الْحكمِي (وَلم يُوجد) حجره عَنهُ، وَالْمرَاد بالوجود الْحَقِيقِيّ حسن الْفِعْل لذاته بِحَسب نفس الْأَمر

فَإِن الْحَنَفِيَّة أثبتوا للْفِعْل حسنا وقبحا لذاته وَإِن لم يثبتوا الْوُجُوب وَالْحُرْمَة بِمُجَرَّد ذَلِك بِدُونِ السّمع كَمَا أثبت الْمُعْتَزلَة، وبالوجود الْحكمِي بحسنه وَالْعَمَل بِمُوجبِه، وَحجر الشَّرْع مَنعه عَن الْعَمَل بِمُوجبِه لمصْلحَة أهمّ من ذَلِك وَلم يُوجد مَنعه من الْعَمَل بِمُوجب حسن الْإِيمَان وَهُوَ الْإِتْيَان بِهِ (وَلَا يَلِيق) الْحجر عَنهُ بالشارع لعدم احْتِمَال حسنه الْقبْح بِوَجْه مَا، وَلَو صَار مَحْجُورا عَنهُ لأمر لَكَانَ قبيحا من تِلْكَ الْجِهَة. وَقد مر أَن نَفعه لَا يشوبه ضَرَر ثمَّ لما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه قد يكون فِيهِ ضَرَر فِي أَحْكَام الدُّنْيَا كحرمانه عَن مُوَرِثه الْكَافِر، والفرقة بَينه وَبَين زَوجته الْمَجُوسِيَّة أجَاب بقوله (وضرر حرمَان الْمِيرَاث وَفرْقَة النِّكَاح) أَي زَوَاله: أَي بينونة الْمَنْكُوحَة (مضافان إِلَى كفر الْقَرِيب و) كفر (الزَّوْجَة) لَا إِلَى إِيمَان الْقَرِيب وَالزَّوْج (وَلَو سلم) لُزُوم ذَلِك لَهُ (فَحكم الشَّيْء الْمُوجب) بِالرَّفْع صفة الحكم وفاعله (ثُبُوته) ومفعوله (صِحَّته) الضَّمِير الأول عَائِد إِلَى الحكم، وَالثَّانِي إِلَى الشي لَا الْعَكْس، وجر الْمُوجب صفة للشَّيْء كَمَا قَالَ الشَّارِح إِذْ يسْتَدلّ بِثُبُوت حكم الشَّيْء على صِحَة ذَلِك الشَّيْء لِأَنَّهُ لَو لم يكن صَحِيحا لما ثَبت حكمه. فَإِن غير الصَّحِيح لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الحكم فَإِن قلت كَذَلِك يسْتَدلّ بِثُبُوت الشَّيْء على صِحَة حكمه قلت حكم الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء والتوصيف بِالصِّحَّةِ وضدها إِنَّمَا يَلِيق بِالْأَصْلِ دون الْفَرْع، يُقَال: البيع صَحِيح أَو فَاسد، وَلَا يُقَال: الْملك صَحِيح أَو فَاسد، ثمَّ حكم الشَّيْء مُبْتَدأ خَبره (مَا) أَي الحكم الَّذِي (وضع) الشَّيْء (لَهُ) أَي لذَلِك الحكم (وَوَضعه) أَي الْإِيمَان (لَيْسَ لذَلِك) أَي لحرمان الْإِرْث والفرقة بَين الزَّوْجَة وَبَينه (وَإِن لزم) ذَلِك (عِنْده) أَي الْإِيمَان لَازِما من لوازمه التابعة لوُجُوده، يَعْنِي لَو كَانَ الحرمان والفرقة حكما للْإيمَان بِأَن يكون الْإِيمَان مَوْضُوعا لَهُ فَيُوجب ثُبُوته صِحَة الْإِيمَان لَكَانَ يخل بِكَوْن الْإِيمَان نفعا مَحْضا، أما كَون بعض تَوَابِع وجوده ضَرَرا فَغير مخل بِهِ إِذْ لَا عِبْرَة بِهِ فِي جنب مَنَافِعه الْخَارِجَة عَن الْحَد وَالْعد (بل) وضع (لسعادة الدَّاريْنِ) فَهِيَ حِكْمَة الْمُوجب ثُبُوته صِحَة الْإِيمَان (مَعَ أَنه) أَي الْإِسْلَام (مُوجب إِرْثه من الْمُسلم فَلم يكن) لَازمه (محصورا فِي الأول) أَي حرمَان الْإِرْث وَيعود ملك نِكَاحه إِذا كَانَت أسلمت قبله فيتعارضان النَّفْع وَالضَّرَر ويتساقطان فَيبقى الْإِسْلَام فِي نَفسه نفعا مَحْضا، وَصَارَ هَذَا (كقبول هبة الْقَرِيب) من إِضَافَة الْمصدر إِلَى مَفْعُوله، والقابل الوليّ (من الصَّبِي) صلَة للقريب (يَصح) الْقبُول (مَعَ ترَتّب عتقه) أَي الْقَرِيب الْمَوْهُوب على الْقبُول (وَهُوَ) أَي عتقه (ضَرَر لِأَن الحكم الْأَصْلِيّ) للهبة إِنَّمَا هُوَ (الْملك بِلَا عوض) لَا الْعتْق الْمُرَتّب عَلَيْهَا فِي هَذِه الصُّورَة (وَعرض الْإِسْلَام عَلَيْهِ) أَي على الصَّبِي الَّذِي لَهُ زَوْجَة (لإسلام زَوجته) لِئَلَّا تبين عَنهُ (لصِحَّته) أَي الْإِسْلَام (مِنْهُ) أَي الصَّبِي (لَا لوُجُوبه) عَلَيْهِ (وضربه) أَي الصَّبِي

(لعشر) أَي عِنْد بُلُوغ سنه عشرا (على الصَّلَاة) أَي لأَجلهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين. وَإِذا بلغ عشر سِنِين فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا " قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح إِنَّمَا شرع (تأديبا) أَي ليتخلق بأخلاق الْمُسلمين ويعتاد الصَّلَاة فِي الْمُسْتَقْبل (كالبهيمة) أَي كضربها على بعض الْأَفْعَال فَعَنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " تضرب الدَّابَّة على النفار وَلَا تضرب على العثار وَفِيه مقَال (لَا للتكليف وَالثَّانِي) أَي مَا هُوَ حق الله تَعَالَى وَلَا يحْتَمل قبحه الْحسن (الْكفْر) فَإِنَّهُ قَبِيح فِي كل حَال، وَهُوَ (يَصح مِنْهُ) أَي من الصَّبِي الْمُمَيز أَيْضا وَإِن لم يكن مُكَلّفا بالكف عَنهُ لعدم توجه الْخطاب إِلَيْهِ فَهُوَ إِذا اخْتَار الْكفْر اعْتبر كفره (فِي) حق (أَحْكَام الْآخِرَة) كالخلود فِي النَّار (اتِّفَاقًا) إِذْ الْعَفو وَدخُول الْجنَّة مَعَ الْكفْر مِمَّن يعْتَبر أَدَاؤُهُ لعقله وَصِحَّة دركه لم يرد بِهِ شرع وَلَا يحكم بِهِ عقل، كَذَا قَالُوا. وَقد يُقَال أَن قَوْله تَعَالَى - {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} - دلّ على أَن الْعَذَاب للمبعوث إِلَيْهِ، والمبعوث إِلَيْهِ: إِنَّمَا هُوَ الْمُكَلف، وَالصَّبِيّ لَيْسَ بمكلف، وَقد يُجَاب بِأَن عدم تَكْلِيفه مَعَ عُمُوم الخطابات إِنَّمَا هُوَ رَحْمَة لَهُ لضعف عقله أَو بنيته وَحَيْثُ اخْتَار الْكفْر مَعَ التَّمْيِيز بَين الْكفْر وَالْإِيمَان لم يبْق محلا للرحمة، وكلف بِالْإِيمَان فَتَأمل (وَكَذَا) يَصح (فِي) أَحْكَام (الدُّنْيَا خلافًا لأبي يُوسُف) آخرا وَالشَّافِعِيّ وَفِي الْمَبْسُوط وَفِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَهُوَ الْقيَاس، لِأَنَّهُ ضَرَر مَحْض كإعتاق عَبده، وَإِذا لم يَصح مِنْهُ مَا هُوَ مُتَرَدّد بَين النَّفْع وَالضَّرَر، فَمَا كَانَ ضَرَرا مَحْضا أولى، وَجه الِاسْتِحْسَان أَن الْكفْر مَحْظُور مُطلقًا فَلَا يسْقط بِعُذْر فيستوي فِيهِ الْبَالِغ وَغَيره (فَتبين امْرَأَته الْمسلمَة وَيحرم الْمِيرَاث) من مُوَرِثه الْمُسلم بِالرّدَّةِ تبعا للْحكم بِصِحَّتِهَا، لَا قصدا لضرره كَمَا إِذا ثَبت الارتداد تبعا لِأَبَوَيْهِ بِأَن ارتدا أَو لَحقا بدار الْحَرْب (وَإِنَّمَا لم يقتل) حِينَئِذٍ (لِأَنَّهُ) أَي الْقَتْل لَيْسَ لمُجَرّد الارتداد (بل) قتل الْكَافِر إِنَّمَا هُوَ (بالحرابة) لأهل الْإِسْلَام (وَلَيْسَ) الصَّبِي (من أَهلهَا، وَلَا) يقتل الصَّبِي الْمُرْتَد (بعد الْبلُوغ) ظرف للْقَتْل سَوَاء ارتداده قبل الْبلُوغ أَو بعده إِذا لم يجدد إيمَانه بعد الْبلُوغ (لِأَن فِي صِحَة إِسْلَامه صَبيا خلافًا) بَين الْعلمَاء فَلَا يتَحَقَّق الارتداد على قَول من لم يصحح إيمَانه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أورث شُبْهَة فِيهِ) أَي فِي الْقَتْل (وَالثَّالِث) أَي مَا هُوَ حق لله تَعَالَى مُتَرَدّد بَين الْحسن والقبح (كَالصَّلَاةِ وَأَخَوَاتهَا) من الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة كَالصَّوْمِ وَالْحج، فَإِن مشروعيتها وحسنها فِي وَقت دون وَقت كوقت طُلُوع الشَّمْس واستوائها وغروبها فِي حق الصَّلَاة ويومي الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق فِي حكم الصَّوْم، وَحكم هَذِه الْعِبَادَة أَنَّهَا (تصح) من الصَّبِي (لمصْلحَة ثَوَابهَا) فِي الْآخِرَة واعتياد أَدَائِهَا بعد الْبلُوغ بِحَيْثُ لَا يشق عَلَيْهِ (بِلَا عُهْدَة فَلَا يلْزم بِالشُّرُوعِ) فَيجب الْمُضِيّ فِيهَا (وَلَا بالإفساد) فَيجب قَضَاؤُهَا، وَلَا يلْزم جَزَاء مَحْظُور إِحْرَامه: أَي الصَّبِي كَمَا لَو شرع الْبَالِغ

فِي عبَادَة يظنّ أَنَّهَا عَلَيْهِ ثمَّ تبين أَنَّهَا لَيست عَلَيْهِ يَصح مِنْهُ الْإِتْمَام مَعَ فَوَات صفة اللُّزُوم حَتَّى لَو فسد لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ ماليا كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يصحّ مِنْهُ لكَونه ضَرَرا فِي العاجل بِنُقْصَان مَاله (وَالرَّابِع) أَي مَا هُوَ حق العَبْد، وَهُوَ نفع مَحْض (كقبول الْهِبَة وَالصَّدَََقَة تصح مُبَاشَرَته مِنْهُ بِلَا إِذن وليه لِأَنَّهُ نفع مَحْض، وَلذَا) أَي لصِحَّة مُبَاشَرَته مِمَّا فِيهِ نفع مَحْض (وَجَبت أجرته) أَي الصَّبِي الْمَحْجُور بِغَيْر إِذن وليه (إِذا آجر نَفسه وَعمل مَعَ بطلَان العقد لِأَنَّهُ) أَي بطلَان عقده بِغَيْر إِذن وليه (لحقه) أَي الصَّبِي وَهُوَ (أَن يلْحقهُ ضَرَر) لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة مُتَرَدّد بَين الضَّرَر والنفع فَلَا يملكهُ بِدُونِ إِذن وليه (فَإِن عمل بَقِي الْأجر نفعا مَحْضا) وَهُوَ غير مَحْجُور فِيهِ (فَتجب) الْأُجْرَة (بِلَا اشْتِرَاط سَلَامَته) أَي الصَّبِي من الْعَمَل حَتَّى لَو هلك فِي الْعَمَل لَهُ الْأجر بِقدر مَا أَقَامَ من الْعَمَل (بِخِلَاف العَبْد) الْمَحْجُور (آجر نَفسه) بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ (تجب) أجرته (بشرطها) أَي السَّلامَة من الْعَمَل (فَلَو هلك ضمن) الْمُسْتَأْجر (قِيمَته من يَوْم الْغَصْب) وَهُوَ اسْتِعْمَاله إِيَّاه (فَيملكهُ) أَي الْمُسْتَأْجر العَبْد ملكا استناديا بعد تقرر ضَمَان الْقيمَة (فَلَا تجب أجرته) إِذْ لَا يجب على الْمَالِك أُجْرَة مَمْلُوكه (وَصحت وكالتهما) أَي قبُول الصَّبِي وَالْعَبْد تَوْكِيل غَيرهمَا لَهما بِغَيْر إِذن وليهما (بِلَا عُهْدَة) ترجع إِلَيْهِمَا من لُزُوم الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِالْعقدِ كتسليم الْمَبِيع وَالثمن وَالْخُصُومَة فِي الْعَيْب (لِأَنَّهُ) أَي قبولهما الْوكَالَة بِلَا عُهْدَة (نفع) مَحْض لَهما (إِذْ يكْتَسب بذلك) الْقبُول (إِحْسَان التَّصَرُّف وجهة الضَّرَر وَهِي لُزُوم الْعهْدَة منتفية فتمحض نفعا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله تَعَالَى: {وابتلوا الْيَتَامَى} أَي اختبروا عُقُولهمْ وتعرفوا أَحْوَالهم بِالتَّصَرُّفِ قبل الْبلُوغ حَتَّى إِذا تبينتم مِنْهُم هِدَايَة دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم بِلَا تَأْخِير عَن حد الْبلُوغ (وَلذَا) أَي لصِحَّة مباشرتهما مَا فِيهِ نفع مَحْض (استحقا الرضخ) أَي مَا دون السهْم من الْغَنِيمَة (إِذا قَاتلا بِلَا إِذن) من الْوَلِيّ وَالْمولى، وَالْقِيَاس أَنه لَا شَيْء لَهما لِأَنَّهُمَا ليسَا من أهل الْقِتَال وَإِنَّمَا يصيران من أَهله بِالْإِذْنِ كالحربي الْمُسْتَأْمن، وَجه الِاسْتِحْسَان أَنَّهُمَا غير محجورين عَن النَّفْع الْمَحْض وَاسْتِحْقَاق الرضخ بعد الْقِتَال كَذَلِك، (وَقيل هُوَ) أَي اسْتِحْقَاق الرضخ (قَول مُحَمَّد) لِأَن عِنْده أمانهما صَحِيح وَهُوَ لَا يَصح إِلَّا مِمَّن لَهُ ولَايَة الْقِتَال، وَأما عِنْدهمَا فَلَا يَصح أمانهما فَلم يكن لَهما ولَايَة الْقِتَال فَلَا يرْضخ لَهما، وَلِهَذَا لَا يحل لَهما شُهُود الْقِتَال إِلَّا بِالْإِذْنِ إِجْمَاعًا وَالأَصَح أَن هَذَا جَوَاب الْكل لما ذكر (وَإِنَّمَا لَا تصح وَصيته) بِثلث مَاله فَمَا دونه (مَعَ حُصُول نفع الثَّوَاب وَعدم الضَّرَر إِذْ لَا يخرج عَن ملكه حَيا) لِأَن الْوَصِيَّة تمْلِيك مُضَاف إِلَى مَا بعد الْمَوْت (لإبطالها) أَي الْوَصِيَّة (نفع الْإِرْث عَنهُ) لأقاربه (وَهُوَ) أَي نفع إرثهم لَهُ (أَنْفَع) لَهُ من نفع الْوَصِيَّة للأجانب (لِأَن نقل

الْملك إِلَى الْأَقَارِب أفضل شرعا للصدقة والصلة) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الصَّدَقَة على الْمُسلمين صَدَقَة، وعَلى ذِي الرَّحِم ثِنْتَانِ صَدَقَة وصلَة ": حسنه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسعد: " إِنَّك أَن تدع وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تَدعهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس " مُتَّفق عَلَيْهِ (وَالْخَامِس) أَي مَا هُوَ حق للْعَبد وَهُوَ ضَرَر مَحْض (كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَالصَّدَََقَة) وَالْهِبَة، وَحكم هَذَا أَنه (لَا يملكهُ وَلَو) وَقع (بِإِذن وليه) لِأَن ولَايَته نظرية وَلَا نظر فِيهِ، لِأَن ضَرَر مَحْض (كَمَا لَا يملكهُ عَلَيْهِ غَيره) من ولي ووصي وقاض كَمَا ذكرنَا. قَالَ صَاحب الْكَشْف المُرَاد عدم شَرْعِيَّة الطَّلَاق فِي حَقه بِدُونِ الْحَاجة، وَأما عِنْدهَا فمشروع. قَالَ شمس الْأَئِمَّة الدّين السَّرخسِيّ: زعم مَشَايِخنَا أَن هَذَا الحكم غير مَشْرُوع أصلا فِي حق الصَّبِي حَتَّى أَن امْرَأَته لَا تكون محلا للطَّلَاق، وَهَذَا وهم عِنْدِي، فَإِذا تحققت الْحَاجة إِلَى صِحَة إِيقَاع الطلاع من جِهَته لدفع الضَّرَر كَانَ صَحِيحا حَتَّى إِذا أسلمت امْرَأَته وَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَأبى فرق بَينهمَا، وَكَانَ ذَلِك طَلَاقا فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد، وَإِذا ارْتَدَّ وَقعت الْبَيْنُونَة وَكَانَ طَلَاقا عِنْد مُحَمَّد، وَإِذا وجدته مجبوبا فرق بَينهمَا وَكَانَ طَلَاقا عِنْد بعض الْمَشَايِخ (إِلَّا إقراض القَاضِي فَقَط من الملي) مَاله فَإِنَّهُ يملكهُ (لِأَنَّهُ) أَي إقراضه (حفظ) لَهُ (مَعَ قدرَة الِاقْتِضَاء عَلَيْهِ) من غير حَاجَة إِلَى دَعْوَى وَبَيِّنَة: فاعتبار هَذَا يكون نظرا من القَاضِي ونفعا (بِخِلَاف الْأَب) لِأَنَّهُ لَا يتَمَكَّن من الِاقْتِضَاء بِنَفسِهِ كالوصي: فَلَا يملكهُ (إِلَّا فِي رِوَايَة) لِأَنَّهُ يملك التَّصَرُّف فِي المَال وَالنَّفس (كاقتراضه) أَي كَمَا يجوز للْأَب أَن يقترض مَال الصَّبِي، وَلَا يجوز للْوَصِيّ عِنْد أبي حنيفَة. وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله: لَا بَأْس إِذا كَانَ مَلِيًّا قَادِرًا على الْوَفَاء وَلَيْسَ للْقَاضِي ذَلِك، ذكره فِي الْمُنْتَقى. (وَالسَّادِس) أَي مَا هُوَ حق للْعَبد مُتَرَدّد بَين النَّفْع وَالضَّرَر (كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالنِّكَاح فِيهِ احْتِمَال الرِّبْح والخسران، وتعليل النَّفْع بِدُخُول الْبَدَل فِي ملكه، وَالضَّرَر بِخُرُوج الآخر) كَمَا ذكر صدر الشَّرِيعَة (يُوجب أَنه لَو بَاعَ بأضعاف قِيمَته) كَانَ ضَرَرا ونفعا، وَيلْزمهُ أَنه (لَا ينْدَفع الضَّرَر قطّ) لِأَنَّهُ لَازم الْخُرُوج الْمَذْكُور وَهُوَ مَوْجُود (وَذكر) الْمُعَلل (أَنه ينْدَفع احْتِمَال الضَّرَر بانضمام رَأْي الْوَلِيّ فَيملكهُ) أَي الصَّبِي هَذَا الْقسم (مَعَه) أَي من رَأْي الْوَلِيّ فبينهما تدافع، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال اندفاع الِاحْتِمَال الْمَذْكُور مَعْنَاهُ صَيْرُورَته بِحَيْثُ لَا يعْتد بِهِ عِنْد وجود رَأْيه و (لِأَنَّهُ) أَي الصَّبِي (أهل لحكمه) أَي حكم هَذَا التَّصَرُّف (إِذْ يملك الْبَدَل) الثّمن أَو الْعين فِي البيع أَو الشِّرَاء، وَالْأُجْرَة فِي الْإِجَارَة (إِذا بَاشرهُ الْوَلِيّ وَأهل لَهُ) أَي لهَذَا التَّصَرُّف (إِذا صحت وكَالَته بِهِ) أَي بِالتَّصَرُّفِ الْمَذْكُور بِأَن يكون وَكيلا للْغَيْر فِيهِ (وَفِيه)

أَي فِي جَوَاز هَذَا التَّصَرُّف لَهُ (نفع توسعة طَرِيق تَحْصِيل الْمَقْصُود) الْإِضَافَة الأولى بَيَانِيَّة، وَذَلِكَ لحصوله تَارَة بالولي وَتارَة بِنَفسِهِ مَعَ تَصْحِيح عِبَارَته، وَزِيَادَة دربته (ثمَّ عِنْده) أَي أبي حنيفَة (لما انجبر الْقُصُور بِالْإِذْنِ كَانَ كَالْبَالِغِ فَيملكهُ) أَي هَذَا التَّصَرُّف (بِغَبن فَاحش) وَهُوَ مَا لَا يدْخل تَحت تقوم المقومين (مَعَ الْأَجَانِب وَالْوَلِيّ فِي رِوَايَة) أَي سَوَاء كَانَ مُقَابلَة فِي التَّصَرُّف الْأَجَانِب أَو الْوَلِيّ فِي هَذِه الرِّوَايَة (وَفِي) رِوَايَة (أُخْرَى لَا) يملكهُ مَعَ الْوَلِيّ (لِأَنَّهُ) أَي الصَّبِي الْمَأْذُون (إِذا كَانَ أصيلا فِي الْملك) لكَونه مَالِكًا حَقِيقَة فتصرفه تصرف الْملاك من هَذَا الْوَجْه (فَفِي الرَّأْي) أصيل (من وَجه) لَا مُطلقًا إِذْ فِي رَأْيه خلل فِي حد ذَاته، وَإِلَّا لم يحْتَج إِلَى الانجبار بِرَأْي الْوَلِيّ، فَيُشبه تصرفه تصرف الوكلاء من هَذَا الْوَجْه (فَفِيهِ) أَي فِي هَذَا التَّصَرُّف (شُبْهَة النِّيَابَة عَن الْوَلِيّ فَكَأَن الْوَلِيّ بَاعه من نَفسه، فَلَا يجوز) بَيْعه مِنْهُ (بِغَبن) فَاحش كَمَا لَا يَبِيع الْوَلِيّ مَاله من نَفسه بِغَبن فَاحش (وَأَيْضًا إِذا كَانَ) فِي الرَّأْي أصيلا (من وَجه صَحَّ) التَّصَرُّف (لَا فِي مَحل التُّهْمَة) وَهُوَ مَا إِذا بَاعَ من الْأَجْنَبِيّ وَمَعَ الْوَلِيّ بِمثل الْقيمَة أَو بِمَا لَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ، وَالْبيع من الْوَلِيّ بِالْغبنِ الْفَاحِش فِي مَحل يُمكن فِيهِ التُّهْمَة، وَهُوَ أَن الْوَلِيّ إِنَّمَا أذن لَهُ لتَحْصِيل مَقْصُوده لَا للنَّظَر للصَّبِيّ (وَعِنْدَهُمَا لَا يجوز) بِالْغبنِ الْفَاحِش (مُطلقًا) أَي لَا من الْوَلِيّ وَلَا من غَيره (لِأَنَّهُ لما شَرط الْإِذْن) من الوليّ (كَانَ) الصَّبِي (آلَة تصرف الْوَلِيّ بِنَفسِهِ) وَهُوَ لَا يجوز مِنْهُ بِالْغبنِ الْفَاحِش , (وَهَذَا فصل آخر اختصوا) أَي الْحَنَفِيَّة (بِهِ فِي بَيَان أَحْكَام عوارض الْأَهْلِيَّة: أَي أُمُور لَيست ذاتية لَهَا) أَي للأهلية (طرأت أَولا) أَي خِصَال أَو آفَات مُغيرَة للْأَحْكَام كالسفر، أَو مزيلة لَهَا لمنعها أَهْلِيَّة الْوُجُوب أَو الْأَدَاء عَن الثُّبُوت كالموت وَالنَّوْم وَالْإِغْمَاء (فَدخل الصغر) فِي الْعَوَارِض الْمَذْكُورَة لعدم الطروّ والحدوث بعد الْعَدَم، وَكَونه لَيْسَ من الْأُمُور الذاتية للْإنْسَان، وملخصها أَحْوَال مُنَافِيَة لأهليته فِي الْجُمْلَة غير لَازمه لَهُ (وَهِي) أَي الْعَوَارِض (نَوْعَانِ سَمَاوِيَّة: أَي لَيْسَ للْعَبد فِيهَا اخْتِيَار) فنسبت إِلَى السَّمَاء لنزولها مِنْهَا، وَهِي (الصغر، وَالْجُنُون، والعته، وَالنِّسْيَان، وَالنَّوْم، وَالْإِغْمَاء، والرّق، وَالْمَرَض، وَالْحيض، وَالنّفاس، وَالْمَوْت) قَالُوا: وَإِنَّمَا لم يذكر الْحمل والأوضاع والشيخوخة الْقَرِيبَة إِلَى الفناء الَّتِي يتَغَيَّر بهَا بعض الْأَحْكَام لدخولها فِي الْمَرَض، وَأورد أَن الْإِغْمَاء وَالْجُنُون أَيْضا من الْمَرَض وَأجِيب بِأَنَّهُمَا أفردا بِالذكر لاختصاصهما بِأَحْكَام كَثِيرَة يحْتَاج إِلَى بَيَانهَا (ومكتسبة: أَي اكسبها العَبْد، أَو ترك إِزَالَتهَا) وَهِي سَبْعَة: السَّفه، وَالسكر، وَالْجهل، والهزل، وَالْخَطَأ، وَالسّفر، والاكراه

(النَّوْع الأول السماوية: أما الصغر فَقبل أَن يعقل) الصَّغِير (كَالْمَجْنُونِ الممتدّ) لانْتِفَاء الْعقل والتمييز: بل فِي أول الْحَال الصَّغِير أدنى من الْمَجْنُون، إِذْ قد يكون للمجنون تَمْيِيز لَا عقل، وَهُوَ عديمهما فَلَيْسَ بِأَهْل للتكليف (فَإِذا عقل تأهل للْأَدَاء) أَهْلِيَّة قَاصِرَة، فَإِذا أدّى شَيْئا مِمَّا لم يجب عَلَيْهِ صَحَّ أَدَاؤُهُ (دون الْوُجُوب) أَي لم يتأهل للْوُجُوب بِمُجَرَّد الْعقل (إِلَّا الْإِيمَان) أَي لم يتأهل لوُجُوب شَيْء من الْوَاجِبَات إِلَّا الْإِيمَان (على مَا تقدم) قَرِيبا من الْخلاف فِيهِ، وَمن قَوْله: وَعَن أبي مَنْصُور الماتريدي والمعتزلة إناطة وجوب الْإِيمَان بِهِ: أَي بِالْعقلِ (وَتقدم وضع الأجزية عَنهُ) كحرمان الْإِرْث بقتْله (وبينونة زَوجته) الْمسلمَة (بِكُفْرِهِ) أَي ردته وإبائه عَن الْإِسْلَام بعد إسْلَامهَا (لَيْسَ جَزَاء، بل لانْتِفَاء أَهْلِيَّته لاستفراش الْمسلمَة) لقَوْله تَعَالَى - {فَإِن علمتموهن مؤمنات فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار لَا هن حل لَهُم وَلَا هم يحلونَ لَهُنَّ} - (كحرمانه الْإِرْث بِهِ) أَي بِكُفْرِهِ (لذَلِك) أَي لانْتِفَاء أَهْلِيَّته للإرث مِنْهُ (لعدم الْولَايَة) الَّتِي هِيَ شَرط لسببية الْإِرْث. قَالَ تَعَالَى - {فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي} - وَلَا ولَايَة للْكَافِرِ على الْمُسلم. قَالَ تَعَالَى - {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} - (كالرقيق) أَي كَمَا يحرم المرقوق الْإِرْث وافرا كَانَ الرقّ فِيهِ أَو نَاقِصا لعدم الْولَايَة الَّتِي هِيَ شَرط سَبَبِيَّة اتِّصَال الشَّخْص بِالْمَيتِ بِقرَابَة أَو زوجية، وَإِلَّا فَلَا يكون انْتِفَاء الْإِرْث فيهمَا جَزَاء على فعلهمَا (وَأما الْجُنُون) وَهُوَ اختلال الْعقل بِحَيْثُ يمْنَع جَرَيَان الْأَفْعَال والأقوال على نهجه إِلَّا نَادرا إِمَّا لنُقْصَان جبل عَلَيْهِ دماغه، فَلَا يصلح لقبُول مَا أعدّ لَهُ كعين الأكمه، ولسان الْأَخْرَس: وَهَذَا لَا يرجي زَوَاله، وَإِمَّا لخُرُوج مزاج الدِّمَاغ من الِاعْتِدَال بِسَبَب خلط أَو رُطُوبَة أَو يوسة متناهية، وَهَذَا يعالج، وَإِمَّا باستيلاء الشَّيْطَان وإلقاء الخيالات الْفَاسِدَة إِلَيْهِ. وَقد ينجع فِيهِ الْأَدْوِيَة الإلهية (فينافي شَرط الْعِبَادَات النِّيَّة) لسلبه الِاخْتِيَار (فَلَا تجب) الْعِبَادَات مُطلقًا (مَعَ الممتدّ مِنْهُ مُطلقًا) أَي الْأَصْلِيّ الْمُتَّصِل بِزَمَان الصِّبَا بِأَن جن صَغِيرا فَبلغ مَجْنُونا، والعارضي بِأَن بلغ عَاقِلا ثمَّ جن: أما وجوب الْأَدَاء فلعدم الْقُدْرَة عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا بعقل وَقصد صَحِيح، وَأما الأَصْل فلعدم حكمه وَهُوَ الْأَدَاء وَالْقَضَاء (وَمَا لَا يمتدّ مِنْهُ) حَال كَونه (طارئا) عَلَيْهِ (جعل كالنوم من حَيْثُ أَنه) أَي كلا مِنْهُمَا (عَارض يمْنَع فهم الْخطاب زَالَ قبل الامتداد) الْمُوجب للْحَرج عِنْد إِيجَاب الْقَضَاء (وَلِأَنَّهُ) أَي الْجُنُون (لَا يَنْفِي أصل الْوُجُوب: إِذْ هُوَ) أَي أصل الْوُجُوب مُتَعَلق (بِالذِّمةِ، وَهِي) أَي الذِّمَّة مَوْجُودَة (لَهُ) أَي للمجنون (حَتَّى ورث) من بَينه وَبَينه سَبَب من أَسبَاب الْإِرْث (وَملك) بِمَا هُوَ سَبَب الْملك من مَال أَو حق مَالِي، وَالْملك من بَاب الْولَايَة وَلَا ولَايَة بِدُونِ الذِّمَّة (وَكَانَ أَهلا للثَّواب) لبَقَاء إِسْلَامه بعد الْجُنُون، وَالْمُسلم قد يُثَاب

وَإِن جنّ (كَأَن نوى صَوْم الْغَد فجنّ فِيهِ) أَي فِي الْغَد قبل الْفجْر وَهُوَ على نِيَّته حَال كَونه (ممسكا كُله) أَي كل الْغَد (صحّ) صَوْم الْغَد عَن الْفَرْض (فَلَا يقْضِي) ذَلِك الْيَوْم (لَو أَفَاق بعده) أَي بعد الْغَد، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الشَّارِع ألحق الْعَارِض من النّوم وَالْإِغْمَاء بِالْعدمِ فِي حق الْأَدَاء حَيْثُ حكم بِصِحَّة الْفِعْل الْوَاقِع فيهمَا، وعلماؤنا الثَّلَاثَة ألْحقُوا الْعَارِض من الْجُنُون بِالْعدمِ بعد زَوَاله فِي حق الْوُجُوب وَجعلُوا السَّبَب الْمَوْجُود فِيهِ مُعْتَبرا فِي حق إِيجَاب الْقَضَاء بعد زَوَال الْعَارِض (وَصَحَّ إِسْلَامه تبعا) لِأَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا كَالصَّبِيِّ (وَإِنَّمَا يعرض الْإِسْلَام لإسلام زَوجته) أى الْمَجْنُون (على أَبِيه أَو أمّه لصيرورته مُسلما بِإِسْلَامِهِ) أَي إِسْلَام أَحدهمَا، فَإِن أسلم أقرّ على النِّكَاح، وَإِن أَبى فرّق بَينهمَا دفعا للضَّرَر عَن الْمسلمَة (بِخِلَافِهِ) أَي بِخِلَاف إِسْلَام الْمَجْنُون (أَصَالَة) فَإِنَّهُ لَا يَصح مِنْهُ (لعدم رُكْنه) أَي الْإِسْلَام (الِاعْتِقَاد) عطف بَيَان لركنه، وَالْمرَاد من الرُّكْن مَا هُوَ أَعم من الْعين والجزء، وَذَلِكَ لِأَن عقد الْقلب على التَّصْدِيق إِنَّمَا يكون بِالْعقلِ (لَا حجرا) يَعْنِي شرع عدم صِحَة إِسْلَامه لعدم الرُّكْن، لَا لِأَنَّهُ مَحْجُور عَن الْإِيمَان إِذْ هُوَ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ نفع مَحْض (بِخِلَاف) الْإِسْلَام (التبع) أَي التَّابِع لإسلام الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ (لَيْسَ) الِاعْتِقَاد فِيهِ (ركنا وَلَا شرطا لَهُ) أَي لِلْإِسْلَامِ التبع (وَإِنَّمَا عرض) على وليه إِذا أسلمت الزَّوْجَة (دفعا للضَّرَر عَنْهَا: إِذْ لَيْسَ لَهُ) أَي للجنون (نِهَايَة مَعْلُومَة) تنْتَظر، فَفِي التَّأْخِير ضَرَر بهَا، مَعَ مَا فِيهِ من الْفساد لقدرة الْمَجْنُون على الْوَطْء وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة: لَيْسَ عرض الْإِسْلَام على وَالِديهِ بطرِيق الْإِلْزَام، بل يعرض لاحْتِمَال أَن تحمله الشَّفَقَة على الْوَلَد على الْإِسْلَام لِئَلَّا يَقع التَّفْرِيق بَينه وَبَين زَوجته (بِخِلَاف الصَّبِي غير الْعَاقِل) إِذا (أسلمت زَوجته لَا يعرض) الْإِسْلَام (على وليه، لِأَن لعقله حدا مَعْلُوما) ينْتَظر وَهُوَ الْبلُوغ: فَإِذا بلغ عرض عَلَيْهِ (وَلَا ينْتَظر بُلُوغه) أَي الصَّبِي الْمَجْنُون لما ذكر (وَيصير) الْمَجْنُون (مُرْتَدا تبعا بارتداد أَبَوَيْهِ (ولحاقهما بِهِ) أَي بالمجنون بدار الْحَرْب (إِذا بلغ مَجْنُونا وهما مسلمان) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يثبت إِسْلَامه تبعا لَهما، فيزول بِزَوَال مَا يتبعهُ. قَالَ الشَّارِح: ثمَّ كَون أَبَوَيْهِ مُسلمين لَيْسَ بِقَيْد، لِأَن إِسْلَام أَحدهمَا وارتداده ولحوقه مَعَه بدار الْحَرْب كَاف فِي ارتداده انْتهى. وَفِيه بحث، فَإِن مفَاد كَلَامه أَمْرَانِ: أَحدهمَا أَن إِسْلَام أَحدهمَا كَاف عِنْد بُلُوغه مَجْنُونا وَهَذَا مُسلم. وَالثَّانِي أَن ارتداد أَحدهمَا أَيْضا كَاف بِشَرْط اللحوق بِهِ وَهُوَ غير مُسلم: إِذْ يجوز إِسْلَام أَحدهمَا عِنْد الْبلُوغ وَإِسْلَام الآخر بعده، فَحِينَئِذٍ إِذا ارتدّ أَحدهمَا وَلحق بِهِ دون الآخر لَا نسلم أَن يحكم بصيرورة الْمَجْنُون مُرْتَدا. هَذَا، ويفيد تَقْيِيد بُلُوغه مَجْنُونا بكونهما مُسلمين حِينَئِذٍ أَنَّهُمَا لَو كَانَا كَافِرين وَقت بُلُوغه بِكفْر أُصَلِّي أَو عارضيّ لم يصر مرتدّا بارتداد أَحدهمَا نظرا إِلَى اعْتِبَار مَفْهُوم

الْمُخَالفَة فِي الرِّوَايَات وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه إِذا كَانَ أَبَوَاهُ على الْكفْر الْأَصْلِيّ حَال بُلُوغه ثمَّ أسلما يصير مُسلما تبعا ثمَّ ارتدّا ولحقا بِهِ يصير مرتدّا أَيْضا تبعا، إِذْ لَا أثر لكَون إسلامهما حَال الْبلُوغ أَو بعده، وَأما إِذا كَانَا على الْكفْر العارضي حَال بُلُوغه فَالْقِيَاس أَنه يحكم بِإِسْلَامِهِ من حَيْثُ الدَّار، لِأَن الحكم بِكُفْرِهِ تبعا من حَيْثُ الْجُنُون مَشْرُوط باللحوق بِهِ، ثمَّ إِذا أسلما ثمَّ ارتدّا ولحقا بِهِ يصير مرتدّا تبعا لتحَقّق الشَّرْط الْمَذْكُور حِينَئِذٍ، فَيَنْبَغِي أَن لَا يعْتَبر مَفْهُوم الْمُخَالفَة فِي قَوْله (بِخِلَاف مَا إِذا تركاه فِي دَار الْإِسْلَام) لكَونه مُسلما حِينَئِذٍ لظُهُور تَبَعِيَّة الدَّار بِزَوَال تَبَعِيَّة الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهَا كالخلف عَنْهَا (أَو بلغ مُسلما ثمَّ جن) مَعْطُوف على قَوْله تركاه (أَو أسلم عَاقِلا فجن) قبل الْبلُوغ (فارتدّا ولحقا بِهِ) بدار الْحَرْب، لِأَنَّهُ صَار أصلا فِي الْإِيمَان بتقرر رُكْنه فَلَا يتَقَدَّم بالتبعية أَو عرُوض الْجُنُون، ثمَّ وصل بقوله: وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفِي أصل الْوُجُوب قَوْله (إِلَّا أَنه إِذا انْتَفَى الْأَدَاء أَي الْفِعْل) فسره لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد بِهِ مَا يُقَابل الْقَضَاء (تَحْقِيقا) أَي انْتَفَى بِاعْتِبَار نَفسه حَقِيقَة لعدم إِمْكَانه (وتقديرا) أَي بِاعْتِبَار بدله (بِلُزُوم الْحَرج فِي الْقَضَاء وَتقدم وَجهه) حَيْثُ قَالَ: والتكليف رَحْمَة، والحرج طَرِيق التّرْك فَلم يتَعَلَّق ابْتِدَاء بِمَا فِيهِ حرج فضلا من الله تَعَالَى (انْتَفَى) أصل الْوُجُوب (لانْتِفَاء فَائِدَته) من الْأَدَاء وَالْقَضَاء (وَكَذَا) الْجُنُون (الْأَصْلِيّ عَن مُحَمَّد) رَحمَه الله حكمه حكم الممتدّ من الْجُنُون الطَّارِئ فَلم يفرق فِي الْأَصْلِيّ بَين الممتدّ وَغَيره فِي الْإِسْقَاط كَمَا فرّق فِي الطَّارِئ بَينهمَا بالإسقاط وَعَدَمه (إناطة للإسقاط بِكُل من الامتداد والأصالة) فِي الْهِدَايَة، وَهَذَا مُخْتَار بعض الْمُتَأَخِّرين. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة: مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ والزاهد الصفار وَالْإِمَام الرستغفنى (وَخَصه) أَي الْإِسْقَاط (أَبُو يُوسُف بالامتداد) فأسقط بالممتدّ مِنْهُمَا دون غَيره، وَقيل هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة، ثمَّ الْخلاف على هَذَا الْوَجْه فِي الْمَبْسُوط وَغَيره (وَقيل الْخلاف على الْقلب) وَهُوَ الْمَذْكُور فِي أصُول فَخر الْإِسْلَام وكشف الْمنَار، وَمَشى عَلَيْهِ المُصَنّف فِي فتح الْقَدِير، نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَن وَجه التَّسْمِيَة بَين الْأَصْلِيّ والعارضي أَن الأَصْل فِي الْجُنُون الْحُدُوث: إِذْ السَّلامَة عَن الْآفَات هِيَ الأَصْل فِي الجبلة فَتكون أَصَالَة الْجُنُون أمرا عارضا، فَيلْحق بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجُنُون الطَّارِئ، وَأَن زَوَال الْجُنُون بعد الْبلُوغ دلّ على أَن حُصُوله كَانَ لعَارض على أصل الْخلقَة، لَا لنُقْصَان جبل عَلَيْهِ دماغه فَكَانَ مثل الطَّارِئ، وَوجه التَّفْرِقَة أَن الطريان بعد الْبلُوغ رجح الْعرُوض فَجعل عفوا عِنْد عدم الامتداد إِلْحَاقًا بِسَائِر الْعَوَارِض، بِخِلَاف مَا إِذا بلغ مَجْنُونا فَزَالَ فَإِن حكمه حكم الصَّغِير فَلَا يُوجب قَضَاء مَا مضى، وَأَن الْأَصْلِيّ يكون لآفة فِي الدّماغ مَانِعَة من قبُول الْكَمَال، فَيكون أمرا أَصْلِيًّا لَا يقبل اللحاق بِالْعدمِ، والطارئ قد اعْترض على مَحل كَامِل للحوق آفَة فَيلْحق

بِالْعدمِ، وَفِي الْمَبْسُوط وَلَيْسَ فِيمَا إِذا كَانَ جُنُونه أَصْلِيًّا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة. وَاخْتلف فِيهِ الْمُتَأَخّرُونَ على قِيَاس مذْهبه، وَالأَصَح أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء مَا مضى (وَإِذا كَانَ الْمسْقط) لوُجُوب الْعِبَادَات فِي التَّحْقِيق (الْحَرج لزم اخْتِلَاف الامتداد الْمسْقط) بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَصْنَاف الْعِبَادَات (فَقدر) الامتداد الْمسْقط (فِي الصَّلَاة بِزِيَادَتِهِ على يَوْم وَلَيْلَة عِنْدهمَا) أَي أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف بِزَمَان يسير (وَعند مُحَمَّد بصيرورة الصَّلَوَات) الْفَوَائِت (سِتا) بِخُرُوج وَقت السَّادِسَة (وَهُوَ أَقيس) لِأَن الْحَرج إِنَّمَا ينشأ من الْوُجُوب عِنْد كثرتها، وَكَثْرَتهَا بِدُخُولِهَا فِي حق التّكْرَار وَهُوَ إِنَّمَا يكون بِخُرُوج وَقت السَّادِسَة (لكنهما) أَي أَبَا حنيفَة وَأَبا يُوسُف (أَقَامَا الْوَقْت مقَام الْوَاجِب) أَي الصَّلَاة (كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَة) وَسَائِر أَصْحَاب الْأَعْذَار تيسيرا على الْعباد، وَقد يُقَال أَن الْمُنَاسب أَن يُقَام الْوَقْت الَّذِي يكون سَببا لوُجُوب الصَّلَاة مقَام الْوَاجِب بِالزِّيَادَةِ على الْيَوْم وَاللَّيْلَة فَلَا يلْزم حُصُول وَقت هُوَ سَبَب لوُجُوبه، وَجعل الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر هَذَا القَوْل رِوَايَة عَن أبي حنيفَة (و) قدر (فِي الصَّوْم) امتداد الْجُنُون الْمسْقط لوُجُوبه (باستغراق الشَّهْر ليله ونهاره) بِهِ حَتَّى لَو أَفَاق فِي جُزْء مِنْهُ يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. قَالَ صَاحب الْكَشَّاف: وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَة. وَعَن الْحلْوانِي: لَو كَانَ مفيقا فِي أوّل لَيْلَة مِنْهُ فَأصْبح مَجْنُونا واستوعب بَاقِي الشَّهْر لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَهُوَ صَحِيح، لِأَن اللَّيْل لَا يصام فِيهِ، فالجنون والإفاقة فِيهِ سَوَاء، وَكَذَا لَو أَفَاق فِي لَيْلَة من الشَّهْر ثمَّ أصبح مَجْنُونا وَلَو أَفَاق فِي يَوْم مِنْهُ فِي وَقت النِّيَّة لزمَه الْقَضَاء، وَلَو أَفَاق بعده اخْتلفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه لِأَن الصَّوْم لَا يفْسخ فِيهِ انْتهى (و) قدر (فِي الزَّكَاة) امتداده الْمسْقط (باستغراق الْحول) بِهِ كَمَا هُوَ رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة والأمالي عَن أبي يُوسُف وَابْن رستم عَن مُحَمَّد. قَالَ صدر الْإِسْلَام: وَهُوَ الْأَصَح، لِأَن الزَّكَاة تدخل فِي حدّ التّكْرَار بِدُخُول السّنة الثَّانِيَة قَالَ الشَّارِح. قَالَ المُصَنّف وَفِيه نظر، فَإِن التّكْرَار بخروجها لَا بِدُخُولِهَا لِأَن شَرط الْوُجُوب أَن يتم الْحول، فَالْأولى اعْتِبَار الْحول لِأَنَّهُ كثير فِي نَفسه (وَأَبُو يُوسُف) فِي رِوَايَة هِشَام عَنهُ قَالَ (أَكْثَره) أَي الْحول إِذا استوعبه الْجُنُون (ككله) إِقَامَة للْأَكْثَر مقَام الْكل تيسيرا وتخفيفا فِي سُقُوط الْوُجُوب، وَالنّصف مُلْحق بِالْأَقَلِّ (فَلَو بلغ مَجْنُونا مَالِكًا) ثمَّ أَفَاق (فابتداء الْحول من الْإِفَاقَة) عِنْد أبي يُوسُف بِنَاء على أَن الأَصْل مُلْحق بالصبا عِنْده (خلافًا لمُحَمد) فَإِن ابْتِدَاء الْحول من الْبلُوغ عِنْده بِنَاء على أَن الْأَصْلِيّ والعارضي سَوَاء عِنْده فِي أَن الْمسْقط فيهمَا الامتداد وَلم يُوجد (وَلَو أَفَاق بعد سِتَّة أشهر مثلا وتمّ الْحول وَجَبت عِنْد مُحَمَّد) و (لَا) تجب عِنْد (أبي يُوسُف مَا لم يتمّ) الْحول من الْإِفَاقَة وَلَو كَانَ هَذَا فِي العارضي وَجَبت اتِّفَاقًا من غير توقف على تَمام الْحول من وَقت الْإِفَاقَة (وَأما العته) وَهُوَ (اخْتِلَاط الْكَلَام مرّة و) عدم

اخْتِلَاطه (مرّة) وَهَذَا حَاصِل مَا قيل: هُوَ اختلال الْعقل بِحَيْثُ يخْتَلط كَلَامه فَيُشبه مرّة كَلَام المجانين وَمرَّة كَلَام الْعُقَلَاء (فكالصبي الْعَاقِل) أَي فالمعتوه مثله (فِي صِحَة فعله وتوكيله) يَعْنِي قبُول الْوكَالَة من غَيره فِي بيع مَال الْغَيْر وَالشِّرَاء لَهُ (بِلَا عُهْدَة) حَتَّى لَا يُطَالب فِي الْوكَالَة بِالْبيعِ وَالشِّرَاء بِنَقْد الثّمن وَتَسْلِيم الْمَبِيع، وَلَا يردّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَلَا يُؤمر بِالْخُصُومَةِ فِيهِ (و) فِي صِحَة (قَوْله) الَّذِي هُوَ نفع مَحْض وَهُوَ أهل لاعتباره مِنْهُ لوُجُود أصل العقد (كإسلامه) أَي كصحة إِسْلَامه بِخِلَاف مَا هُوَ ضَرَر مَحْض كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق فَإِنَّهُ لَا يَصح مِنْهُ إِلَّا بِإِذن وليه، لَا بِدُونِ إِذْنه (وَلَا تجب الْعِبَادَات عَلَيْهِ) كَمَا لَا تجب على الصَّبِي الْعَاقِل كَمَا هُوَ اخْتِيَار عَامَّة الْمُتَأَخِّرين (و) لَا تجب (الْعُقُوبَات) كَمَا لَا تجب على الصَّبِي الْعَاقِل لتمكن خلل فِي الْعقل فيهمَا دفعا للْحَرج (وَضَمان متلفاته لَيْسَ عُهْدَة) لِأَن الْعهْدَة إِنَّمَا تكون مَعَ التَّصَرُّف الشَّرْعِيّ والإتلاف لَيْسَ بِتَصَرُّف شَرْعِي وَلِأَن الْمَنْفِيّ عُهْدَة تحْتَمل الْعَفو فِي الشَّرْع، وَضَمان الْمُتْلف لَا يحْتَملهُ لِأَنَّهُ حق العَبْد شرع جبرا لما اسْتهْلك من الْمحل الْمَعْصُوم، وَلِهَذَا قدر بِالْمثلِ لَا جَزَاء للْفِعْل، وَكَون الْمُسْتَهْلك غير كَامِل الْعقل لَا يُنَافِي عصمَة الْمحل (وَتوقف نَحْو بَيْعه) وشرائه وإجازته على إِذن وليه وَإِثْبَات الْولَايَة عَلَيْهِ من بَاب النّظر والشفقة عَلَيْهِ لنُقْصَان عقله الْمُوجب لعَجزه (وَلَا يَلِي على غَيره) لِأَنَّهُ عَاجز عَن التَّصَرُّف فِي حق نَفسه فَمن أَيْن لَهُ قدرَة التَّصَرُّف على غَيره (وَلَا يُؤَخر الْعرض) لِلْإِسْلَامِ (عَلَيْهِ عِنْد إِسْلَام امْرَأَته) إِذا لم يكن مُسلما (لما قُلْنَا) فِي الصَّبِي الْعَاقِل وَهُوَ صِحَّته مِنْهُ لوُجُود أصل الْعقل بِخِلَاف الْمَجْنُون (وَفِي التَّقْوِيم تجب عَلَيْهِ الْعِبَادَات احْتِيَاطًا) فِي وَقت الْخطاب وَهُوَ الْبلُوغ، وَذَلِكَ لوُجُود الْعقل فِيهِ فِي الْجُمْلَة فَيحْتَمل كَونه مُكَلّفا بِهَذَا الِاعْتِبَار، وَالْحمل عَلَيْهِ يُوجب الْعَمَل المنجي عَن احْتِمَال الْعقَاب، بِخِلَاف الْحمل على عدم كَونه مُكَلّفا، وَفِي عبارَة المُصَنّف إِشْعَار بِأَن التَّحْقِيق فِيهِ القَوْل السَّابِق فَافْهَم (وَأما النسْيَان) وَهُوَ (عدم الاستحضار) للشَّيْء (فِي وَقت حَاجته) أَي الْحَاجة إِلَى استحضاره (فَشَمَلَ) هَذَا التَّعْرِيف (النسْيَان عِنْد الْحُكَمَاء والسهو) هَكَذَا وجدنَا عبارَة الْمَتْن فِي نُسْخَة الشَّارِح وَالنُّسْخَة الَّتِي اعتمادنا عَلَيْهَا غَالِبا، غير أَنه كَانَت فِيهَا الْوَاو قبل السَّهْو أَولا فمحيت وَالصَّوَاب إِثْبَاتهَا لِأَن السَّهْو على تَقْدِير عدم وَاو الْعَطف شَامِل للنسيان عِنْد الْحُكَمَاء وَهُوَ غير صَحِيح لِأَن النسْيَان عِنْدهم زَوَال الصُّورَة عَن المدركة والحافظة فَيحْتَاج فِي حُصُولهَا إِلَى سَبَب جَدِيد والسهو عِنْدهم زَوَالهَا عَن المدركة مَعَ بَقَائِهَا فِي الحافظة، وَقيل النسْيَان عدم ذكر مَا كَانَ مَذْكُورا والسهو غَفلَة عَمَّا كَانَ مَذْكُورا وَمَا لم يكن مَذْكُورا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون ذكر السَّهْو بعد النسْيَان على سَبِيل التعداد وَلَا يخفى مَا فِيهِ (لِأَن اللُّغَة لَا تفرق) بَين النسْيَان والسهو: يَعْنِي أَن النسْيَان المبحوث عَنهُ فِي هَذَا الْمقَام الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْأَحْكَام الْآتِيَة هُوَ الْمَذْكُور فِي السّنة، وَقد اسْتعْمل

هُنَاكَ فِي الْمَعْنى اللّغَوِيّ واللغة لَا تفرق بَينهمَا (فَلَا يُنَافِي الْوُجُوب) وَلَا وجوب الْأَدَاء لِأَن عدم الاستحضار لَا يُوجب عدم أَهْلِيَّته، إِذْ هِيَ بِالْعقلِ وَالْبُلُوغ وَلَا نُقْصَان فيهمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لكَمَال الْعقل وَلَيْسَ) النسْيَان (عذرا فِي حُقُوق الْعباد) كَمَا أَنه عذر فِي حُقُوق الله تَعَالَى بِاعْتِبَار دفع الْإِثْم، فَإِن أتلف مَال إِنْسَان بنسيانه يجب عَلَيْهِ الضَّمَان، لِأَنَّهُ حق مُحْتَرم لِحَاجَتِهِ لَا للابتلاء، وبالنسيان لَا يَنْتَفِي هَذَا الاحترام (وَفِي حُقُوقه تَعَالَى) هُوَ (عذر فِي سُقُوط الْإِثْم) وَهُوَ المُرَاد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " رفع الله تَعَالَى عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ " رَوَاهُ الإِمَام ابْن حبَان وَصَححهُ الْحَاكِم وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ (أما الحكم) الدنيوي للْفِعْل الْوَاقِع نِسْيَانا (فَإِن كَانَ) النسْيَان مَقْرُونا (مَعَ مُذَكّر) لَهُ بِمَا هُوَ بصدده (وَلَا دَاع) قَالَ الشَّارِح وَالْأَحْسَن وَلَا دَاعِي كَأَنَّهُ أَرَادَ الْبناء على الْفَتْح تنصيصا على نفي الْجِنْس بِخِلَاف لَا المشبهة بليس لنُقْصَان نصوصيته عَلَيْهِ، وَكَأن المُصَنّف رَحمَه الله أَشَارَ إِلَى أَن الْمَعْنى بمعونة الْمقَام على أَنه وَلَا علم لَهُ بِالْفِعْلِ المنسي وَلَا دَاعِي لَهُ (إِلَيْهِ) أَي إِلَى مَا فعله نَاسِيا (كَأَكْل الْمُصَلِّي) أَي كمذكره عِنْد الْأكل نَاسِيا فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَهُوَ هَيئته الْمَخْصُوصَة وَلَا دَاعِي لَهُ إِلَى الْأكل لقصر مدَّتهَا (لم يسْقط حكمه) أَي ذَلِك الْفِعْل الصَّادِر نِسْيَانا فتفسد الصَّلَاة الْمَذْكُورَة (لتَقْصِيره بِخِلَاف سَلَامه فِي الْعقْدَة) الأولى نِسْيَانا على ظن أَنَّهَا الْأَخِيرَة فَإِنَّهُ يسْقط حكمه فَلَا يُفْسِدهَا لانْتِفَاء الْمُذكر لِأَنَّهُ لَيْسَ للْمُصَلِّي هَيْئَة مذكرة أَنَّهَا الأولى، وَكَثْرَة تَسْلِيمه فِي الْقعدَة دَاعِيَة إِلَيْهِ (أَو) كَانَ (لَا مَعَه) أَي لَا مَعَ مُذَكّر وَلَكِن (مَعَ دَاع) إِلَى ذَلِك الْفِعْل (كَأَكْل الصَّائِم) فِي النَّهَار نَاسِيا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّوْم هَيْئَة مذكرة بِهِ والطبع دَاع إِلَيْهِ لطول مدَّته فَيسْقط حكمه (أَو) كَانَ (لَا) مَعَ مُذَكّر (وَلَا) مَعَ دَاع إِلَيْهِ (فَأولى) أَن يكون حكمه السُّقُوط أولى من كَون حكمه عدم السُّقُوط لِأَنَّهُ لما تعَارض مَا يَقْتَضِي السُّقُوط وَهُوَ عدم الْمُذكر، وَمَا يَقْتَضِي عدم الدَّاعِي رجح جَانب السُّقُوط تيسيرا (كَتَرْكِ الذَّابِح التَّسْمِيَة) فَإِن قيل هَيْئَة اضجاع الْحَيَوَان وَبِيَدِهِ المدية لقصد إزهاق روحه مذكرة لَهُ بِالتَّسْمِيَةِ قُلْنَا الدهشة والهيئة الْحَاصِلَة عِنْد قتل الْحَيَوَان تمحو ظُهُور أثر تذكرة فَلَا مُذَكّر فِي الْحَقِيقَة. (وَأما النّوم ففترة تعرض مَعَ) وجود (الْعقل توجب الْعَجز عَن إِدْرَاك المحسوسات وَالْأَفْعَال الاختيارية و) عَن (اسْتِعْمَال الْعقل، فالفترة هِيَ معنى قَوْلهم: انحباس الرّوح من الظَّاهِر إِلَى الْبَاطِن، وَهَذِه الرّوح بِوَاسِطَة الْعُرُوق الضوارب تَنْتَشِر إِلَى ظَاهر الْبدن وَقد تنحجر) أَي تنحبس (فِي الْبَاطِن بِأَسْبَاب مثل طلب الاسْتِرَاحَة من كَثْرَة الْحَرَكَة والاشتغال بتأثير فِي الْبَاطِن كنضج الْغذَاء) وَكَذَا تغلب النّوم عِنْد امتلاء الْمعدة (وَنَحْوه) كَأَن يكون الرّوح قَلِيلا لَا يَفِي بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِن جَمِيعًا ولنقصانه ولزيادته أَسبَاب طبيعية، وَحَقِيقَة الإعياء نُقْصَان الرّوح بالتحلل بِسَبَب الْحَرَكَة. قَالَ

الشَّارِح، وَكَانَ الأولى تَقْيِيد الفترة بالطبيعية ليخرج الْإِغْمَاء قلت: وَفِي قَوْله تعرض بِصِيغَة الْمُضَارع المفيدة الِاسْتِمْرَار التجدّدي إغنا عَنهُ، على أَن مَفْهُوم النّوم بديهي يعرفهُ كل أحد، وَالْمَقْصُود بِصُورَة التَّعْرِيف بَيَان حكمته، وَقيد الْأَفْعَال بالاختيارية لِأَن الطبيعية كالنفس بَاقِيَة على حَالهَا، وَقيل: النّوم ريح يَأْتِي الْحَيَوَان إِذا شمها ذهب حواسه كَمَا تذْهب الْخمر بعقل شاربها، وَقيل: انعكاس الحواسّ الظَّاهِرَة إِلَى الْبَاطِنَة (فَأوجب تَأْخِير خطاب الْأَدَاء) إِلَى زَوَاله لِامْتِنَاع الْوَهم وإنجاز الْفِعْل حَالَة النّوم (لَا) تَأْخِير (أصل الْوُجُوب) وَلَا إِسْقَاطه حِينَئِذٍ لعدم إخلاله بِالذِّمةِ وَالْإِسْلَام، وَلَا مَكَان الْأَدَاء حَقِيقَة بالانتباه أَو خلفا بِالْقضَاءِ (وَلذَا) أَي لوُجُود أصل الْوُجُوب حَالَة النّوم (وَجب الْقَضَاء) للصَّلَاة الَّتِي دخل وَقتهَا وَهُوَ نَائِم (إِذا زَالَ) النّوم (بعد الْوَقْت) لِأَنَّهُ فرع وجود الْوُجُوب فِي حَالَة النّوم (و) أوجب (إبِْطَال عباراته من الْإِسْلَام والردّة وَالطَّلَاق) وَالْعتاق وَالْبيع وَالشِّرَاء إِلَى غير ذَلِك، وَالْمرَاد بقوله من الْإِسْلَام الخ الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْمَذْكُورَات (وَلم تُوصَف) عباراته (بِخَبَر وإنشاء وَصدق وَكذب كالألحان) أَي كَمَا لَا يُوصف بهَا أصوات الطُّيُور لانْتِفَاء الْإِرَادَة وَالِاخْتِيَار (فَلِذَا اخْتَار فَخر الْإِسْلَام) وَصَاحب الْهِدَايَة فِي جمَاعَة (أَن قِرَاءَته لَا تسْقط الْفَرْض) ونصّ فِي الْمُحِيط على أَنه الأصحّ، لِأَن الِاخْتِيَار شَرط الْعِبَادَة وَلم يُوجد (وَفِي النَّوَادِر تنوب) وَاخْتَارَهُ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث، لِأَن الشَّرْع جعل النَّائِم كالمستيقظ فِي حق الصَّلَاة تَعْظِيمًا لأمر الْمُصَلِّي، وَالْقِرَاءَة ركن زَائِد يسْقط فِي بعض الْأَحْوَال، فَجَاز أَن يعتدّ بهَا مَعَ النّوم. نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه قَالَ أَنه الْأَوْجه، وَالِاخْتِيَار الْمَشْرُوط قد وجد فِي ابْتِدَاء الصَّلَاة، وَهُوَ كَاف: أَلا ترى أَنه لَو ركع وَسجد ذاهلا غافلا عَن فعله كل الذهول أَنه يُجزئهُ انْتهى. وَفِي الْمُنْتَقى ركع وَهُوَ نَائِم لَا يجوز إِجْمَاعًا. وَقد يفرق بَينهمَا بِأَن الرُّكُوع ركن أصليّ لَا يسْقط بِخِلَاف الْقِرَاءَة، والغفلة لَيست مثل النّوم لِأَنَّهَا تَزُول بِأَدْنَى توجه، ثمَّ عطف على أَن قِرَاءَته (وَأَن لَا تفْسد قهقهته) أَي النَّائِم (الْوضُوء وَلَا الصَّلَاة، وَإِن قيل أَن أَكثر الْمُتَأَخِّرين) على أَن قهقهته (تفسدهما) أَي الْوضُوء وَالصَّلَاة: أما الْوضُوء فلكونها حَدثا فِي صَلَاة ذَات رُكُوع وَسُجُود بِالنَّصِّ، وَقد وجدت، وَلَا فرق فِي الْأَحْدَاث بَين النّوم واليقظة، وَأما الصَّلَاة فَلِأَن فِي القهقهة معنى الْكَلَام، وَالنَّوْم كاليقظة فِيهِ عِنْد الْأَكْثَر، وَوجه مُخْتَار فَخر الْإِسْلَام وَهُوَ الْأَصَح على مَا صرح بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة زَوَال منع الْجِنَايَة بِالنَّوْمِ (وتفريع النَّوَازِل الْفساد بِكَلَام النَّائِم عَلَيْهِ) أَي على قَول أَكثر الْمُتَأَخِّرين (لعدم فرق النصّ) وَهُوَ مَا فِي صَحِيح مُسلم " أَن صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس ". (بَين المستيقظ والنائم، وإنزال) الْمُصَلِّي (النَّائِم كالمستيقظ) شرعا لما روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ " إِذا نَام العَبْد فِي سُجُوده باهى الله بِهِ

الْمَلَائِكَة فَيَقُول: انْظُرُوا لعبدي روحه عِنْدِي، وَجَسَده بَين يديّ ": رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ لَيْسَ بِالْقَوِيّ، كَذَا قَالَ الشَّارِح (وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تفْسد الْوضُوء لَا الصَّلَاة) وَتقدم وَجه كل (فيتوضأ) الْمصلى المقهقه فِي صلَاته نَائِما (وَيَبْنِي) مَا بَقِي من صلَاته على مَا أدّاه قبله، (وَقيل عَكسه) أَي تفْسد صلَاته لَا وضوؤه وَهُوَ الْمَذْكُور فِي عَامَّة الْفَتَاوَى: وَفِي الْخُلَاصَة هُوَ الْمُخْتَار وَوَافَقَهُ المُصَنّف بقوله (وَهُوَ أقرب عِنْدِي لِأَن جعلهَا) أَي القهقهة (حَدثا للجناية وَلَا جِنَايَة من النَّائِم) لعدم الْقَصْد (فبقى) القهقهة، التَّذْكِير بِاعْتِبَار الضحك وَالْفِعْل (كلَاما) حَقِيقَة أَن تبين فِيهَا حُرُوف، أَو حكما إِن لم يتَبَيَّن (بِلَا قصد فتفسد) الصَّلَاة بِهِ (كالساهي) أَي كَصَلَاة الساهي (بِهِ) أَي بالْكلَام. (وَأما الْإِغْمَاء فآفة فِي الْقلب أَو الدِّمَاغ) على سَبِيل منع الخلوّ (تعطل القوى المدركة والمحركة عَن أفعالها مَعَ بَقَاء الْعقل مَغْلُوبًا) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ينبعث عَن الْقلب بخار لطيف يتكون من ألطف أَجزَاء الأغذية يُسمى روحا حيوانيا، وَقد أفيضت عَلَيْهِ قُوَّة تسري بسريانه فِي الأعصاب السارية وأعضاء الْإِنْسَان، فتثير فِي كل عُضْو قُوَّة تلِيق بِهِ وَيتم بهَا مَنَافِعه، وَهِي تَنْقَسِم إِلَى مدركة: وَهِي الْحَواس الظَّاهِرَة والباطنة، ومحركة وَهِي تحرّك الْأَعْضَاء بتمديد الأعصاب وإرخائها لتنبسط إِلَى الْمَطْلُوب أَو تنقبض عَن الْمنَافِي، فَمِنْهَا مَا هِيَ مبدأ الْحَرَكَة إِلَى جلب الْمَنَافِع وَتسَمى قُوَّة شهوانية، وَمِنْهَا مَا هِيَ مبدأ الْحَرَكَة إِلَى دفع المضارّ وَتسَمى قُوَّة عصبية، وَأكْثر تعلق المدركة بالدماغ والمحركة بِالْقَلْبِ، فَإِذا وَقعت فِي الدِّمَاغ أَو الْقلب آفَة بِحَيْثُ تتعطل تِلْكَ القوى عَن أفعالها وَإِظْهَار آثارها كَانَ ذَلِك إِغْمَاء (وَإِلَّا) أَي وَلَو لم يكن الْعقل بَاقِيا مَغْلُوبًا فِي الْإِغْمَاء (عصم مِنْهُ الْأَنْبِيَاء) كَمَا عصموا من الْجُنُون، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاع (وَهُوَ) أَي الْإِغْمَاء (فَوق النّوم) فِي سلب الِاخْتِيَار وتعطل القوى: وَلذَا يمْتَنع فِيهِ التَّنْبِيه، بِخِلَاف النّوم لغلظ مواد الْإِغْمَاء ولطف الأبخرة المتصاعدة إِلَى الدِّمَاغ الْمُوجبَة للنوم وَسُرْعَة تحللها، فَلهُ أَن يُنَبه بِأَدْنَى تَنْبِيه (فَلَزِمَهُ) أَي الْإِغْمَاء (مَا لزمَه) أَي النّوم من تَأْخِير الْخطاب وَإِبْطَال الْعِبَادَات بطرِيق أولى (وَزِيَادَة كَونه) أَي الْإِغْمَاء عطف على الْمَوْصُول (حَدثا وَلَو) حدث (فِي جَمِيع حالات الصَّلَاة) من قيام وركوع وَسُجُود واضطجاع لزوَال المسكة على وَجه الْكَمَال على كل حَال (وَمنع الْبناء) أَي بِنَاء مَا بَقِي من الصَّلَاة بعد الْإِفَاقَة على مَا قبله إِذا وَقع فِي خلالها (بِخِلَاف النّوم فِي الصَّلَاة مُضْطَجعا) بِأَن غَلبه فاضطجع وَهُوَ نَائِم (لَهُ الْبناء) إِذا تَوَضَّأ، بِمَنْزِلَة مَا لَو سبقه الْحَدث، وَذَلِكَ لكَون الْإِغْمَاء نَادرا، بِخِلَاف النّوم فَإِنَّهُ كثير الْوُقُوع، وَالنَّص الْوَارِد فِي جَوَاز الْبناء إِنَّمَا ورد فِي الحَدِيث الْغَالِب الْوُقُوع، وَقيد بالاضطجاع لِأَن نوم الْمُصَلِّي غير مُضْطَجع لَا ينْقض الْوضُوء. هَذَا وَالْإِغْمَاء إِذا زَاد على يَوْم وَلَيْلَة بِاعْتِبَار الْأَوْقَات عِنْد أبي حنيفَة

وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله، وَبِاعْتِبَار الصَّلَوَات عِنْد مُحَمَّد يسْقط بِهِ الصَّلَوَات اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْجُنُون. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا استوعب وَقت الصَّلَاة سقط، بِخِلَاف النّوم. وَفِي الْمُحِيط: لَو شرب حَتَّى ذهب عقله أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة لَا يسْقط عَنهُ الْقَضَاء مَتى كثر، لِأَنَّهُ حصل بِمَا هُوَ مَعْصِيّة، فَلَا يُوجب التَّخْفِيف والترفيه انْتهى. وَفِيه: لَو شرب البنج والدواء حَتَّى أُغمي عَلَيْهِ، قَالَ مُحَمَّد: هُوَ يسْقط عَنهُ الْقَضَاء مَتى كثر لِأَنَّهُ حصل بِمَا هُوَ مُبَاح فَصَارَ كَمَا لَو أُغمي عَلَيْهِ بِمَرَض، وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله: يلْزمه الْقَضَاء لِأَن النَّص ورد فِي إِغْمَاء حصل بِآفَة سَمَاوِيَّة وَهَذَا بصنع العَبْد، وَلَو أُغمي عَلَيْهِ لفزع من سبع أَو آدَمِيّ أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة لَا يلْزمه الْقَضَاء بِالْإِجْمَاع، ثمَّ هَذَا إِذا لم يفق الْمغمى عَلَيْهِ أصلا فِي هَذِه الْمدَّة، فَإِن كَانَ يفِيق سَاعَة ثمَّ يعاوده لم يذكرهُ مُحَمَّد، وَهُوَ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا إِن كَانَ لإفاقته وَقت مَعْلُوم فَهِيَ إفاقة مُعْتَبرَة تبطل حكم مَا قبلهَا من الْإِغْمَاء، وَثَانِيهمَا أَن لَا يكون لَهَا وَقت مَعْلُوم بل يفِيق بَغْتَة فيتكلم بِكَلَام الأصحاء، ثمَّ يغمى عَلَيْهِ بَغْتَة فَهِيَ غير مُعْتَبرَة، كَذَا فِي الذَّخِيرَة. (وَأما الرّق) فَهُوَ لُغَة الضعْف، وَمِنْه صَوت رَقِيق، وَأما فِي الشَّرْع (فعجز حكمي عَن الْولَايَة وَالشَّهَادَة وَالْقَضَاء ومالكية المَال) والتزوج وَغَيرهَا (كَائِن عَن جعله) أَي الرَّقِيق (شرعا عرضة) أَي محلا مَنْصُوبًا متهيئا (للتَّمَلُّك والابتذال) أَي الامتهان، وَإِنَّمَا قَالَ حكمي لعدم الْعَجز الْحَقِيقِيّ، بل الرَّقِيق فِي الْغَالِب أقوى من الْحر فِي القوى الحسية، ثمَّ هُوَ حق الله ابْتِدَاء يثبت جَزَاء للكفر، إِذْ الْكفَّار باستنكافهم عَن عبَادَة الله ألْحقُوا بالبهائم فِي عدم النّظر فِي الْآيَات الدَّالَّة على التَّوْحِيد فَجعلُوا عبيد عبيده، وَلِهَذَا لَا يثبت على الْمُسلم ابْتِدَاء ثمَّ صَار حَقًا للْعَبد من غير نظر إِلَى معنى الْجَزَاء وجهة الْعقُوبَة فَلَا يرْتَفع الرّقّ وَإِن أسلم (فَلَا يتَجَزَّأ الرّقّ) تَفْرِيع على كَونه عَجزا كَمَا ذكر إِذْ التجزئة تَقْتَضِي أَن لَا يكون الْبَعْض مِنْهُ عَاجِزا فَيحصل لَهُ تِلْكَ الولايات كَمَا سيشير إِلَيْهِ، ثمَّ أَنه قَالَ غير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين، بِاتِّفَاق أَصْحَابنَا: وَيشكل بقول مُحَمَّد بن سَلمَة يحْتَمل التجزي ثبوتا حَتَّى لَو فتح الإِمَام بَلْدَة وَرَأى الصَّوَاب فِي استرقاق أَنْصَافهمْ نفذ ذَلِك، وَالأَصَح الأول (لِاسْتِحَالَة قُوَّة الْبَعْض الشَّائِع) من الْمحل الْحَاصِل على تَقْدِير التجزئة بِمَعْنى عدم عَجزه عَمَّا ذكرنَا (باتصافه) أَي الْبَعْض الشَّائِع (بِالْولَايَةِ والمالكية، فَكَذَا ضِدّه) أَي الرّقّ (وَهُوَ الْعتْق) لَا يتَجَزَّأ أَيْضا اتِّفَاقًا (وَإِلَّا) لَو تجزأ الْعتْق (تجزأ) الرّقّ، لِأَنَّهُ إِذا ثَبت الْعتْق فِي بعض الْمحل فالبعض الآخر أَن عتق فَلَا تجزأ وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض وَإِن لم يعْتق لزم الْمحَال الْمَذْكُور (وَكَذَا الْإِعْتَاق عِنْدهمَا) لَا يتَجَزَّأ فَإِذا أعتق نصف عَبده عتق كُله (وَإِلَّا) لَو تجزأ بِأَن يتَحَقَّق إِعْتَاق النّصْف بِدُونِ النّصْف الآخر، وَالْمُعتق لَا يتَجَزَّأ اتِّفَاقًا (ثَبت المطاوع) بِفَتْح الْوَاو: وَهُوَ إِعْتَاق الْبَعْض (بِلَا مُطَاوع)

بِكَسْر الْوَاو وَهُوَ الْعتْق (إِن لم ينزل) أَي لم يعْتق مِنْهُ (شَيْء) أما المطاوعة فَلِأَنَّهُ يُقَال أَعتَقته فَعتق ككسرته فانكسر، والمطاوعة حُصُول الْأَثر عَن تعلق الْفِعْل الْمُتَعَدِّي بمفعوله، وَأثر الشَّيْء لَازم لَهُ (وَقَلبه) أَي وَيثبت المطاوع بِكَسْر الْوَاو بِلَا مُطَاوع بِفَتْحِهَا (إِن نزل) أَي عتق (كُله) إِن تحقق عتق الْبَعْض الَّذِي لم يتَعَلَّق بِهِ الْإِعْتَاق كتحقق عتق الْكل بِدُونِ إِعْتَاقه (وتجزأ) الْإِعْتَاق (عِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله (لِأَنَّهُ) أَي الْإِعْتَاق (إِزَالَة الْملك المتجزئ) اتِّفَاقًا (حَتَّى صَحَّ شِرَاء بعضه وَبيعه) أَي بيع بعضه (وَإِن تعلق بِتَمَامِهِ) أَي الْإِعْتَاق (مَا لَا يتَجَزَّأ) وَهُوَ الْعتْق، فَإِن وصلية: يَعْنِي كَون الْعتْق بِحَيْثُ لَا يَتَرَتَّب إِلَّا على إِعْتَاق التَّمام، وَهُوَ إِعْتَاق الْكل لَا يَسْتَدْعِي عدم تُجزئ الْإِعْتَاق لجَوَاز تُجزئ الْمَاهِيّة مَعَ عدم تُجزئ أثر قسم مِنْهَا وَإِن كَانَ ذَلِك الْأَثر مطاوعا لذَلِك الْقسم (كَالْوضُوءِ تعلق بِتَمَامِهِ إِبَاحَة الصَّلَاة وَهُوَ) أَي الْوضُوء (متجزئ دونهَا) أَي إِبَاحَة الصَّلَاة فَإِن قلت مدَار استدلالهما على استلزام تُجزئ كل من المطاوع والمطاوع تجزأ الآخر، لَا على استلزام تُجزئ الْمُتَعَلّق تجزأ الْمُتَعَلّق، وَالْوُضُوء من الثَّانِي دون الأول فَلَا ينفع هَذَا النّظر قلت المُرَاد نفي كَون الْإِعْتَاق مُطلقًا مطاوعا لِلْعِتْقِ وَبعد نَفْيه لَا يبْقى إِلَّا كَونه بِحَيْثُ يتَعَلَّق بِتَمَامِهِ دون نقصانه، وَحِينَئِذٍ لَا يصير مثل الْوضُوء، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والمطاوعة فِي أعْتقهُ فَعتق) إِنَّمَا هِيَ (عِنْد إِضَافَته) أَي الْإِعْتَاق (إِلَى كُله) أَي كل العَبْد (كَمَا هُوَ اللَّفْظ) أَي مفاده: يَعْنِي لفظ أعْتقهُ، فَإِن الْمُتَبَادر مِنْهُ إِعْتَاق الْكل فَإِنَّهُ الْحَقِيقَة (فَلَا يثبت بِإِعْتَاق الْبَعْض شَيْء من الْعتْق وَلَا زَوَال شَيْء من الرّقّ عِنْده) أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله. وَفِي قَوْله وَلَا زَوَال إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى أَن الْعتْق قُوَّة شَرْعِيَّة تحصل فِي الْمحل، والزوال الْمَذْكُور لَازمه، وَإِنَّمَا ذكره للتَّأْكِيد، وَذَلِكَ لِأَن ملزوم الْعتْق ومطاوعته إِنَّمَا هُوَ إِعْتَاق الْكل وَلم يتَحَقَّق وإعتاق الْبَعْض لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء من الْعتْق وَإِلَّا لزم عتق الْكل لعدم تُجزئ الْعتْق اتِّفَاقًا فَيلْزم عَلَيْهِ الْعتْق جبرا (بل هُوَ) أَي مُعتق الْبَعْض (كَالْمكَاتبِ) فِي أَنه لَا يَصح مِنْهُ أَحْكَام الْحُرِّيَّة (إِلَّا أَنه) أَي مُعتق الْبَعْض (لَا يرد) إِلَى الرّقّ الْخَالِص، لِأَن سَببه إِزَالَة الْملك، لَا إِلَى أحد وَهِي لَا تحْتَمل الْفَسْخ بِخِلَاف الْمكَاتب فَإِنَّهُ يرد إِلَيْهِ إِذا عجز عَن المَال لِأَن السَّبَب فِيهِ عقد يحْتَمل الْفَسْخ (فأثره) أَي إِعْتَاق الْبَعْض (حِينَئِذٍ) أَي حِين كَانَ إِزَالَة بعض الْملك من غير حُصُول الْعتْق (فِي فَسَاد الْملك) فِي الْبَاقِي حَتَّى لَا يملك الْمولى بيع مُعتق الْبَعْض وَلَا إبقاءه فِي ملكه، وَيصير هُوَ أَحَق بمكاسبه وَيخرج إِلَى الْحُرِّيَّة بالسعاية (وَهَذَا) أَي كَونه مؤثرا فِي فَسَاد الْملك الَّذِي هُوَ حق للْعَبد، لَا فِي الرّقّ الَّذِي هُوَ حق لله تَعَالَى إِنَّمَا كَانَ (لوُجُوب قصر ملاقاة التَّصَرُّف) فِي (حق الْمُتَصَرف) أَي على حَقه لَا يتجاوزه إِلَى حق غَيره: يَعْنِي أَن تَصَرُّفَات الْإِنْسَان إِنَّمَا

تقتصر ملاقاتها وتأثيرها على حق نَفسه وَلَا تلاقي فِي حق غَيره (إِلَّا ضمنا) وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ تَصرفا قصديا مستلزما تحَققه تحقق الضمني، وَحَيْثُ انْتَفَى المطاوعة فِي إِعْتَاق الْبَعْض انْتَفَى الاستلزام (كَمَا فِي إِعْتَاق الْكل) تَمْثِيل للمستثنى فَإِن فِيهِ إِزَالَة حق العَبْد قصدا وأصالة وَثَبت فِي ضمنه زَوَال حق الله تَعَالَى، وَكم من شَيْء ثَبت ضمنا وَلَا يثبت قصدا (وَالرّق حق الله تَعَالَى) ابْتِدَاء يثبت أثرا للكفر (وَالْملك حَقه) أَي العَبْد يثبت ثَانِيًا (وَأَنه) أَي الرّقّ (يُنَافِي ملك المَال لِأَنَّهُ) أَي الرَّقِيق (مَمْلُوك) حَال كَونه (مَالا فاستلزم) كَونه مَمْلُوكا مَالا (الْعَجز والابتذال) لكَونه مقهورا تَحت يَد مَالِكه (والمالكية تَسْتَلْزِم ضدهما) أَي كَونه مَمْلُوكا مَالا: أَي العجزه والابتذال وضدهما الْقُدْرَة والكرامة (وتنافي اللوازم يُوجب تنَافِي الملزومات فَلَا يجْتَمع إِلَى مملوكيته) حَال كَونه مكَاتبا (مَالا مالكيته لِلْمَالِ فَلَا يتسري) الرَّقِيق الْأمة (وَلَو ملكهَا) بِصِيغَة الْمَجْهُول بِأَن جعله السَّيِّد مَالِكهَا حَال كَونه (مكَاتبا) مَعَ أَن الْمكَاتب مَالك لما فِي يَده (بِخِلَاف غَيره) أَي غير المَال (من النِّكَاح لِأَنَّهُ) أَي النِّكَاح (من خَواص الْآدَمِيَّة) فَإِنَّهُ جعل فِيهِ بِمَنْزِلَة المبقي على أصل الْحُرِّيَّة (حَتَّى انْعَقَد) إنكاحه نَفسه مَوْقُوفا على إجَازَة الْمولى إِذا كَانَ (بِلَا إِذن) من الْمولى (وَشرط الشَّهَادَة عِنْده) أَي العقد (لَا عِنْد الْإِجَازَة، وَإِنَّمَا وقف إِلَى إِذْنه لِأَنَّهُ) أَي العقد (لم يشرع إِلَّا بِالْمَالِ) لقَوْله تَعَالَى - {أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} - إِلَى غير ذَلِك (فَيضر) العقد (بِهِ) أَي الْمولى، لِأَنَّهُ لما فِيهِ من نُقْصَان مَالِيَّة العَبْد الَّتِي هِيَ حق الْمولى لِأَن الْمهْر يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ إِذا لم يُوجد لَهُ مَال آخر يتَعَلَّق بِهِ (فَيتَوَقَّف) نَفاذ العقد (على الْتِزَامه) أَي الْمولى بِالْإِذْنِ السَّابِق أَو الْإِمْضَاء اللَّاحِق (و) من (الدَّم لملكه الْحَيَاة) كَونه بِالْحَيَاةِ مَمْلُوكا لَهُ أَنَّهَا لَيست مِمَّا يتَصَرَّف فِيهِ الْمولى وَأَنه باعتبارها كالحرّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَا يملك الْمولى إِتْلَافه) أَي العَبْد بِإِزَالَة حَيَاته: إِذْ لَا ملك لَهُ فِيهَا (وَقتل الحربة) أَي بِالْعَبدِ، فلولا أَنه فِي حق الدَّم كَالْحرِّ مَا قتل بِهِ قصاصا فِي الْعمد: إِذْ الْقصاص يُنبئ عَن الْمُسَاوَاة (وودى) أَي فدى بِالدِّيَةِ على تَفْصِيل فِيهَا بالْخَطَأ (وَصَحَّ إِقْرَاره) أَي العَبْد على نَفسه مَأْذُونا كَانَ أَو مَحْجُورا (بالحدود وَالْقصاص) أَي بِمَا يوجبهما، لِأَنَّهُ فِي حق نَفسه وَلَا يمْنَع صِحَّته لُزُوم إِتْلَاف مَالِيَّته الَّتِي هِيَ حق الْمولى لكَونه ضمنيا فَانْدفع مَا قَالَ زفر رَحمَه الله من أَنه لَا يَصح إِقْرَاره لَهما لكَونه واردا على نَفسه وطرفه وَكِلَاهُمَا مَال الْمولى، وَالْإِقْرَار على الْغَيْر لَا يقبل (وَالسَّرِقَة المستهلكة) أَي وَصَحَّ إِقْرَاره بِسَرِقَة مَال غير قَائِم بِيَدِهِ سَوَاء كَانَ مَأْذُونا أَو مَحْجُورا (والقائمة) أَي وبسرقة مَال قَائِم بِيَدِهِ (فِي الْمَأْذُون اتِّفَاقًا، وَفِي الْمَحْجُور وَالْمَال قَائِم كَذَلِك) أَي صَحَّ إِقْرَاره بهَا (إِن صدقه الْمولى) فِي ذَلِك (فَيقطع) فِي هَذِه الصُّور عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة، لِأَن وجوب الحدّ عَلَيْهِ بِاعْتِبَار

أَنه آدميّ مُكَلّف بِاعْتِبَار أَنه مَال مَمْلُوك (وَيرد) المَال إِذا كَانَ قَائِما لسُقُوط حق الْمولى بِالْإِذْنِ والتصديق (وَلَا ضَمَان فِي الهالكة) صدّقه الْمولى أَو كذبه، لِأَن الْقطع وَالضَّمان لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْد أَصْحَابنَا. وَقد بَين فِي مَحَله (وَإِن قَالَ) الْمولى (المَال لي) فِيمَا إِذا كَانَ العَبْد مَحْجُورا وَالْمَال قَائِم (فلأبي يُوسُف) رَحمَه الله (يقطع) لِأَن إِقْرَاره حجَّة فِي الْقطع لِأَنَّهُ مَالك دم نَفسه (وَالْمَال للْمولى لِأَنَّهُ) أَي كَون المَال للْمولى هُوَ (الظَّاهِر) تبعا لرقبته (وَقد) ينْفَصل أحد الْحكمَيْنِ عَن الآخر: إِذْ قد (يقطع بِلَا وجوب مَال كَمَا لَو اسْتَهْلكهُ) أَي المَال الْمَسْرُوق (وَعَكسه) أَي وَقد يجب المَال وَلَا يقطع كَمَا (إِذا شهد بِالسَّرقَةِ رجل وَامْرَأَتَانِ) لما عرف من أَن شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرجل تقبل فِي الْأَمْوَال دون الْحُدُود (ولمحمد) رَحمَه الله (لَا) يقطع (وَلَا يرد) المَال (لما ذكر أَبُو يُوسُف) رَحمَه الله من أَن كَون المَال للْمولى هُوَ الظَّاهِر وَإِقْرَاره على الْمولى بَاطِل (وَلَا قطع) على العَبْد (بِمَال السَّيِّد) أَي بسرقته (وَلأبي حنيفَة) رَحمَه (يقطع ويردّ) المَال إِلَى الْمَسْرُوق مِنْهُ (الْقطع لصِحَّة إِقْرَاره بالحدود ويستحيل) الْقطع (بمملوك) أَي بِمَال مَمْلُوك (للسَّيِّد فقد كذبه) أَي الْمولى (الشَّرْع والمقطوع) أَي الَّذِي قطع بِهِ شرعا (انحطاطه) أَي الرَّقِيق (بِالْحجرِ) من قبل الشَّرْع (فِي أُمُور إجماعية مِمَّا ذكرنَا) من الْولَايَة وَالْقَضَاء وَالشَّهَادَة ومالكية المَال (فَمَا استلزم مِنْهَا) أَي من الْأُمُور الأجماعية (غَيره) الضَّمِير رَاجع إِلَى الْمَوْصُول (كَعَدم مالكية المَال) فَإِنَّهُ مُسْتَلْزم عدم صِحَة تصرف يتَوَقَّف صِحَّته على الْمَالِكِيَّة: فعلى هَذَا يكون مستلزما مِنْهَا، وَيحْتَمل أَن يكون مِثَالا للْغَيْر الَّذِي ألزمهُ أَمر إجماعيّ، وَهُوَ كَون الرَّقِيق عرضة للتَّمْلِيك والابتذال فَإِن قلت قَوْله: مِمَّا ذكرنَا يأبي هَذَا الِاحْتِمَال، لِأَن عدم الْمَالِكِيَّة مِمَّا ذكره قلت هَذَا إِذا كَانَ من هِيَ مِمَّا ذكرنَا بَيَانِيَّة، وَأما إِذا كَانَت تبعيضية فَيجوز أَن يكون عدم الْمَالِكِيَّة مِمَّا يستلزمه الْأَمر الإجماعي فَافْهَم (أَو قَامَ بِهِ) أَي بإثباته مَعْطُوف على صلَة الْمَوْصُول، وَالضَّمِير الْمَجْرُور رَاجع إِلَيْهِ وَالْفَاعِل (سمع) أَي دَلِيل سَمْعِي (حكم بِهِ) أَي بِمُوجب مَا ذكر من أحد الْأَمريْنِ (فَمن الْمَعْلُوم انحطاط ذمَّته) أَي الرَّقِيق عَن تحمل الدّين لِضعْفِهَا، لِأَنَّهُ من حَيْثُ أَنه مَال رَقِيق لَا ذمَّة لَهُ، وَمن حَيْثُ أَنه مُكَلّف لَهُ ذمَّة فَيثبت لَهُ ذمَّة ضَعِيفَة، فَلَا بُد لتقويتها لتحمله بانضمام مَالِيَّة الرَّقَبَة أَو الْكسْب إِلَيْهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (حَتَّى ضم إِلَيْهَا) أَي ذمَّته غَايَة للانحطاط (مَالِيَّة رقبته أَو كَسبه) فَلَا يُطَالب بِدُونِ انضمام أَحدهمَا إِلَيْهَا، فَإِن الِاحْتِمَال عبارَة عَن صِحَة الْمُطَالبَة، وَإِنَّمَا يَنْضَم إِلَيْهَا الْمَالِيَّة إِذا تعلق الْحق بهَا شرعا بِمُوجب كالإذن بِالتِّجَارَة صِيَانة لأموال النَّاس، وَكَذَلِكَ مَا اكْتَسبهُ الْمَأْذُون بهَا، وَمعنى تعلقه بهما حق الِاسْتِيفَاء مِنْهُمَا (فَبيع فِيمَا يلْزم) من الدُّيُون (فِي حق الْمولى إِن لم يفده وَلَا كسب أَو لم يَفِ) كَسبه بذلك إِن كَانَ لَهُ كسب

إِلَّا أَن يُمكن بَيْعه كالمدبر وَالْمكَاتب ومعتق الْبَعْض عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله، فَحِينَئِذٍ يستسعى، وَالدّين الَّذِي يظْهر فِي حق الْمولى (كمهر وَدين تِجَارَة عَن إِذن) لرضا الْمولى بِالْعقدِ وَالتِّجَارَة (أَو تبين اسْتِهْلَاك) أَي باستهلاك علم يَقِينا لانْتِفَاء التُّهْمَة (لَا إِقْرَاره) أَي لَا بِإِقْرَارِهِ بالاستهلاك حَال كَونه (مَحْجُورا) لوُجُود التُّهْمَة وَعدم رضَا الْمولى بذلك فَلَا يظْهر فِي حَقه، فَلَا يُبَاع وَلَا يُؤْخَذ من كَسبه لَكِن يُؤَخر إِلَى عتقه (وحله) أَي وانحطاط الْحل الثَّابِت لَهُ بِالنِّكَاحِ عَن الْحل الثَّابِت للحرية (فاقتصر) حلّه (على ثِنْتَيْنِ نسَاء) لَهُ حرتين كَانَتَا، أَو أمتين كَمَا هُوَ قَول أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ رَحمَه الله وَأحمد. وَقَالَ مَالك: يتَزَوَّج أَرْبعا، لِأَن الرّقّ لَا يُؤثر فِي مالكية النِّكَاح، لِأَنَّهُ من خَصَائِص الْآدَمِيَّة وَأجِيب بِأَن لَهُ أثرا فِي تنصيف المتعدّد كإقراء الْعدة، وَعدد الطَّلَاق، وجلدات الْحُدُود، لِأَن اسْتِحْقَاق النعم بآثار الإنسانية، وَقد أثر الرقّ فِي إنسانها حَتَّى لحق بالبهائم يُبَاع بالأسواق: لِأَنَّهُ أثر الْكفْر الذى هُوَ موت حكمي كَمَا أثر فِي الْعقُوبَة. قَالَ تَعَالَى - {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} -. وَقَالَ جمع من الصَّحَابَة: إِن العَبْد لَا ينْكح أَكثر من اثْنَتَيْنِ. وَأخرج الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى عَن عمر مثله (وَاقْتصر) الْحل (فِيهَا) أَي الْأمة على تَقْدِير الْجمع بَينهَا وَبَين الْحرَّة (على تقدمها على الْحرَّة لَا) تحل (مُقَارنَة) لَهَا فِي العقد (ومتأخرة) عَنْهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " ويتزوج الْحرَّة على الْأمة، وَلَا يتَزَوَّج الْأمة على الْحرَّة ": رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيه ظَاهر بن أسلم ضَعِيف: لَكِن أخرجه الطَّبَرِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة مُرْسلا وَعبد الرَّزَّاق بِإِسْنَاد صَحِيح عَن جَابر مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَأما نفي حل مقارنتها فَلِأَن هَذِه الْحَالة لَا تحْتَمل التجزي فتغلب بِالْحُرْمَةِ على الْحل (و) اقْتصر طَلاقهَا على (طَلْقَتَيْنِ) حرا كَانَ زَوجهَا أَو عبدا خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة فِيمَا إِذا كَانَ حرا، وَاقْتصر تربصها لتعظيم ملك النِّكَاح وَالْعلم بِبَرَاءَة الرَّحِم (و) عدّتها على وجود (حيضتين عدَّة) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " طَلَاق الْأمة ثِنْتَانِ، وعدتها حيضتان ": صَححهُ الْحَاكِم، وَإِنَّمَا كَانَ طَلاقهَا ثِنْتَيْنِ وعدتها حيضتين (تنصيفا) للثابت مِنْهَا للْحرَّة غير أَن التنصيف للثلاث يَقْتَضِي تَكْمِيل نصف الطَّلَاق وَالْحيض تَرْجِيحا لجَانب الْوُجُود على الْعَدَم (وَكَذَا فِي الْقسم) اقْتصر على النّصْف مِمَّا للْحرَّة هُوَ قَول أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَمَالك فِي رِوَايَة أُخْرَى إِلَى التَّسْوِيَة بَينهمَا، وَالْحجّة للْأولِ مَا عَن عليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " إِذا نكحت الْحرَّة على الْأمة، فلهذه الثُّلُثَانِ، ولهذه الثُّلُث ". وَفِي مَعْنَاهُ مَا عَن سُلَيْمَان بن يَاسر: " للْحرَّة ليلتان، وللأمة لَيْلَة ": أخرجهُمَا الْبَيْهَقِيّ (وَعَن تنصف النِّعْمَة) فِي حق الرَّقِيق (تنصف حِدة) لقَوْله تَعَالَى - {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} -: إِلَّا فِيمَا لَا يُمكن تنصيفه كالقطع فِي السّرقَة، فَإِن الْحر وَالْعَبْد فِيهِ سَوَاء (وَإِنَّمَا نقصت دِيَته إِذا ساوت

قِيمَته دِيَة الْحر) كَمَا فِي قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله وَمُحَمّد (لِأَنَّهُ) أَي المؤدّى (ضَمَان النَّفس وَهُوَ) أَي ضَمَان النَّفس وَاجِب (بخطرها) أَي بِسَبَب شرفها (وَهُوَ) أَي خطرها (بالمالكية لِلْمَالِ ولملك النِّكَاح، وَهَذَا) أَي ملك النِّكَاح (مُنْتَفٍ فِي الْمَرْأَة) الْحرَّة: إِذْ هِيَ مَمْلُوكَة فِيهِ لَا مالكة (فتنصفت دِيَتهَا) عَن دِيَة الذّكر الحرّ (وثابت للْعَبد مَعَ نقص) مَا (فِي) مالكية (المَال لتحققه) أَي ملك المَال (يدا) أَي تَصرفا (فَقَط) أَي لَا رَقَبَة، فَلَزِمَ بِسَبَب نُقْصَان ملك الْيَد نُقْصَان شَيْء من دِيَته الَّتِي جعلت دِيَته (وَلكَون مالكية الْيَد فَوق مالكية الرَّقَبَة لِأَنَّهُ) أَي ملك الْيَد هُوَ (الْمَقْصُود مِنْهُ) أَي من ملك الرَّقَبَة، لِأَنَّهُ شرع وَسِيلَة إِلَى التَّصَرُّف الَّذِي بِهِ قَضَاء الْحَوَائِج (لم يتَقَدَّر نقص دِيَته بِالربعِ) يَعْنِي لما كَانَ الْخطر بِمَجْمُوع الْملكَيْنِ وَكَانَ أَحدهمَا حَاصِلا للْعَبد كَامِلا، وَكَانَ الآخر منقسما إِلَى قسمَيْنِ وَأَحَدهمَا حَاصِل لَهُ كَانَ مُقْتَضى ذَلِك كَون النُّقْصَان فِي الْخَبَر قدر الرّبع، لَكِن لما كَانَ الْقسم الْحَاصِل من الْقسمَيْنِ فَوق الَّذِي لم يحصل لَهُ لزم أَن لَا يقدّر بِالربعِ، بل بِمَا هُوَ أقل مِنْهُ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (بل لزم أَن ينقص بِمَالِه خطر فِي الشَّرْع وَهُوَ الْعشْرَة) إِذْ بهَا يملك الْبضْع الْمُحْتَرَم، وتقطع الْيَد المحترمة وَلَا معِين سواهُ (وَاعْترض) والمعترض صدر الشَّرِيعَة، لِأَنَّهُ (لَو صَحَّ) مَا ذكر من الْعلَّة لنُقْصَان دِيَة العَبْد (لم تتنصف أَحْكَامه) أَي العَبْد (إِذْ) مُقْتَضَاهُ أَنه (لم يتَمَكَّن فِي كَمَاله إِلَّا نُقْصَان أقلّ من الرّبع) وَيجب أَن يكون نقصانه فِي النِّكَاح وَالطَّلَاق وَغَيرهمَا على طبقه، وَاللَّازِم بَاطِل إِجْمَاعًا (وَأَيْضًا لَو كَانَت مالكية النِّكَاح) ثَابِتَة (لَهُ كملا) أَي كَامِلَة (لم ينتقص) العَبْد (فِيمَا يتَعَلَّق بالازدواج كعدد الزَّوْجَات، والعدّة، وَالْقسم، وَالطَّلَاق لِأَنَّهَا) أَي الْأُمُور الْمَذْكُورَة (مَبْنِيَّة عَلَيْهَا) أَي على مالكية النِّكَاح (وَهِي) أَي مالكية النِّكَاح (كَامِلَة) فِيهِ، وَاللَّازِم بَاطِل (بل) إِنَّمَا نقصت دِيَته عَن دِيَة الْحر إِذا ساوت (لِأَن الْمُعْتَبر فِيهِ) أَي فِي تعْيين دِيَة العَبْد (الْمَالِيَّة) فَيتَعَيَّن دِيَة بحسبها، وَكَانَ مُقْتَضى ذَلِك فِي صُورَة مساواتها وزياداتها أَن تتعيين بحسبها (غير أَن فِي الْإِكْمَال) عِنْد الْمُسَاوَاة بِأَن يَجْعَل الدِّيَة مِقْدَار كَمَال الْقيمَة (شُبْهَة الْمُسَاوَاة ب) بَين (الحرّ) وَالْعَبْد فِي الْخطر (فنقص بِمَا) أَي بِقدر لَهُ (خطر) شرعا وَلَا يخفى عَلَيْك أَن عِلّة النَّقْص إِنَّمَا هِيَ شبه الْمُسَاوَاة، لِأَن الْمُعْتَبر فِيهِ الْمَالِيَّة: بل اعْتِبَار الْمَالِيَّة تربي جَانب الْإِكْمَال، وَإِنَّمَا ذكره دفعا لما فهم من التَّعْلِيل الأول من أَن المنظور من دِيَة العَبْد مجرّد الْخطر، وَكَون خطره أنقص بِالْقدرِ الْمَذْكُور لَا مَالِيَّته (وَأجِيب) عَن الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور كَمَا فِي التَّلْوِيح (بِأَن نُقْصَان الزَّوْجَات لَيْسَ لنُقْصَان خطر النَّفس الَّذِي هُوَ الْمَالِكِيَّة ليلزم) كَون ذَلِك النُّقْصَان (بِأَقَلّ من النّصْف) كَمَا فِي الدِّيَة (بل لنُقْصَان الْحل الْمَبْنِيّ على الْكَرَامَة وَتَقْدِير النَّقْص) الْكَائِن (بِهِ) أَي

بِنُقْصَان الْحل مفوض (إِلَى الشَّرْع، فقدره) الشَّرْع (بِالنِّصْفِ إِجْمَاعًا بِخِلَاف الدِّيَة فَإِنَّهَا) تثبت (بِاعْتِبَار خطر النَّفس الَّذِي هُوَ) ثَابت (بالمالكية ونقصان الرَّقِيق فِيهِ) أَي الْملك (أقل من الرّبع وَكَمَال مالكية النِّكَاح إِن لم يُوجب نُقْصَان عددهنّ) أَي الزَّوْجَات (لَا يَنْفِي أَن يُوجِبهُ) أَمر (آخر هُوَ نُقْصَان الْحل وَلَا تستقيم الْمُلَازمَة بَين كَمَال ملك النِّكَاح وَعدم تنصيف مَا يتَعَلَّق بالازدواج، فَإِن أَكْثَره) أَي مَا يتَعَلَّق بالازدواج (كَالطَّلَاقِ والعدّة وَالْقسم إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالزَّوْجَةِ، وَلَا تملك) الْأمة (النِّكَاح أصلا) فضلا عَن كَمَال الْمَالِكِيَّة، فَانْدفع الْوَجْه الثَّانِي من الِاعْتِرَاض أَيْضا (وَإِنَّمَا قَالَ شُبْهَة الْمُسَاوَاة، لِأَن قيمَة العَبْد لَو وَجَبت وَكَانَت ضعف دِيَة الْحر لَا مُسَاوَاة لِأَنَّهَا) أَي الْقيمَة (تجب فِي العَبْد بِاعْتِبَار المملوكية) والابتذال (وَفِي الْحر بِاعْتِبَار الْمَالِكِيَّة والكرامة) فالضعف الَّذِي لزم لوصف دنيء لَا يُسَاوِي نصفه الَّذِي لزم لوصف شرِيف (وَكَون مُسْتَحقّه) أَي الضَّمَان (السَّيِّد لَا يسْتَلْزم أَنه) أَي الضَّمَان (بِاعْتِبَار الْمَالِيَّة) كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله (أَلا ترى أَنه) أَي السَّيِّد (الْمُسْتَحق للْقصَاص بقتل عبد إِيَّاه) أَي عَبده (وَهُوَ) أَي الْقصاص (بدل الدَّم) لَا مَالِيَّة العَبْد (إِجْمَاعًا فَالْحق أَن مُسْتَحقّه) أَي الضَّمَان (العَبْد وَلِهَذَا يقْضِي مِنْهُ) أَي من الضَّمَان (دينه) أَي دين العَبْد، وَهَذَا إِنَّمَا يدل على كَون العَبْد مُسْتَحقّا إِذا لم يكن من الدُّيُون الَّتِي يجب على السَّيِّد أَدَاؤُهَا من رَقَبَة العَبْد (غير أَنه) أَي العَبْد (لما لم يصلح شرعا لملك المَال خَلفه الْمولى) فِيهِ (لِأَنَّهُ أَحَق النَّاس بِهِ كالوارث وَاخْتلف فِي أَهْلِيَّته) أَي العَبْد (للتَّصَرُّف وَملك الْيَد، فَقُلْنَا نعم) أهل لَهما (خلافًا للشَّافِعِيّ، لِأَنَّهُمَا) أَي التَّصَرُّف وَملك الْيَد (بأهلية التَّكَلُّم والذمة، وَهِي) أَي الذِّمَّة (مخلصة عَن المملوكية، وَالْأولَى) أَي أَهْلِيَّة التَّكَلُّم (بِالْعقلِ) وَالرّق لَا يخلّ بِهِ (وَلذَا) أَي وَلكَون أَهْلِيَّة التَّكَلُّم بِالْعقلِ (كَانَت رواياته) أَي العَبْد (ملزمة الْعَمَل لِلْخلقِ وَقبلت) رواياته (فِي الْهَدَايَا) فَإِن قَالَ هَذَا الطَّعَام هَدِيَّة لَك من فلَان يجوز أكله (وَغَيرهَا) من الدِّيات. (وَالثَّانيَِة) أَي أَهْلِيَّته للذمة (بأهلية الْإِيجَاب) عَلَيْهِ (والاستيجاب) لَهُ (وَلذَا) أَي ولتاهله للْإِيجَاب والاستيجاب (خُوطِبَ بحقوقه تَعَالَى) وَيصِح إِقْرَاره بالحدود وَالْقصاص (وَلم يَصح شِرَاء الْمولى على أَن الثّمن فِي ذمَّته) أَي العَبْد كَمَا لَو شَرطه على أجنبيّ، لِأَن ذمَّته غير مَمْلُوكَة للْمولى (وَلَا يملك) الْمولى (أَن يسْتَردّ مَا استودع عِنْد العَبْد) قَالَ الشَّارِح: وَالْمُنَاسِب كَمَا فِي غير مَوضِع أَن يسْتَردّ مَا أودعهُ العَبْد غَيره انْتهى. وَذَلِكَ أَن إِطْلَاق الِاسْتِرْدَاد على أَخذ المَال وَدِيعَة النَّاس من يَد العَبْد غير ظَاهر وَلَا يخفى أَن الْأَمر فِيهِ هَين على أَن فِيهِ إِفَادَة مَسْأَلَة غير مَا ذكرُوا

(وَصِحَّة إِقْرَاره) أَي الْمولى (عَلَيْهِ) أَي العَبْد بدين (لملك مَالِيَّته) أَي العَبْد (كإقرار الْوَارِث) على مُوَرِثه بِالدّينِ (فَهُوَ) أَي إِقْرَار الْمولى على عَبده (إِقْرَار على نَفسه بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا حجر) العَبْد (عَنهُ) أَي عَن التَّصَرُّف مَعَ قيام الْأَهْلِيَّة (لحق الْمولى) لِأَن الدّين إِذا وَجب فِي الذِّمَّة يتَعَلَّق بمالية العَبْد وَالْكَسْب فيستوفي مِنْهُمَا، وهما ملك الْمولى، فَلَا يتَحَقَّق بِدُونِ رِضَاهُ، فَإِذا أذن رَضِي بِسُقُوط حَقه (فإذنه فك الْحجر وَرفع الْمَانِع) من التَّصَرُّف لَا إِثْبَات أَهْلِيَّة التَّصَرُّف لَهُ (كَالنِّكَاحِ) تَمْثِيل لأهلية التَّصَرُّف، فَينْعَقد أصل العقد إِذا تزوج مَوْقُوفا على إِذن الْمولى فَامْتنعَ نفاذه لحق الْمولى (فيتصرف) بعد الْإِذْن (بأهليته لَا إنابة) عَن الْمولى حَتَّى تكون يَده فِي أكسابه يَد نِيَابَة كَالْمُودعِ (كالشافعي) أَي كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَو كَانَ أَهلا للتصرّف لَكَانَ أَهلا للْملك، لِأَن التصرّف وَسِيلَة إِلَيْهِ وَسبب لَهُ، والمسبب لم يشرع إِلَّا لحكمه، وَاللَّازِم بَاطِل إِجْمَاعًا، وَإِذا لم يكن أَهلا للتصرّف لم يكن أَهلا لاسْتِحْقَاق الْيَد: كَذَا ذكره الشَّارِح، وَكَلَام المُصَنّف كَمَا سَيَأْتِي يدلّ على أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقُول: إِن ملك التَّصَرُّف لَا يُسْتَفَاد إِلَّا من ملك الرَّقَبَة. وَقد يُقَال لَا مُنَافَاة بَينهمَا لجَوَاز تَأَخّر صِحَة التَّصَرُّف عَن ملك مَعَ تقدمه على ملك آخر: أَلا ترى أَنَّك لَا تملك البيع إِلَّا بعد ملك الْمَبِيع، ثمَّ إِن البيع سَبَب ملك الْبَدَل غير أَنه يرد عَلَيْهِ أَنه لَا تَنْحَصِر فَائِدَة التَّصَرُّف فِي كَونه وَسِيلَة للْملك حَتَّى يلْزم من اعْتِبَاره الخلوّ من الْفَائِدَة ثمَّ أَفَادَ ثَمَرَة الِاخْتِلَاف بقوله (فَلَو أذن) الْمولى (فِي نوع) من التِّجَارَة (كَانَ لَهُ التَّصَرُّف مُطلقًا) أَي فِي كل أَنْوَاعهَا (وَتثبت يَده) أَي العَبْد (على كَسبه كَالْمكَاتبِ وَإِنَّمَا ملك) الْمولى (حجره) أَي الْمَأْذُون لَا الْمكَاتب (لِأَنَّهُ) أَي فك الْحجر فِي الْمَأْذُون (بِلَا عوض) فَلَا يكون لَازِما كَالْهِبَةِ (بِخِلَاف الْكِتَابَة) فَإِنَّهَا بعوض فَتكون لَازِمَة كَالْبيع: وَهَذَا عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة لرفع الْمَانِع من التَّصَرُّف، وَهُوَ الْحجر مَعَ أَهْلِيَّته للتصرّف، وَالتَّقْيِيد بِنَوْع من التِّجَارَة حِينَئِذٍ لَغْو، وَلقَائِل أَن يَقُول: سلمنَا أَن الْمَانِع من التصرّف الْحجر لَا غير، لَكِن لَا نسلم ارْتِفَاع الْحجر مُطلقًا بِالْإِذْنِ فِي نوع مِنْهَا لجَوَاز أَن يعلم الْمولى عدم صلاحيته لسَائِر الْأَنْوَاع وَلَا يرضى بِرَفْع الْحجر عَنهُ فِيهَا. وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله: يخْتَص بِمَا أذن فِيهِ، لِأَن تصرفه لما كَانَ بطرِيق النِّيَابَة عَنهُ اقْتصر على مَا أذن فِيهِ كَالْوَكِيلِ، ثمَّ للمشايخ فِي ثُبُوت ملك الرَّقَبَة فِي أكسابه للْمولى طَرِيقَانِ: أَحدهمَا أَن تصرفه يُفِيد ثُبُوت ملك الْيَد لَهُ وَثُبُوت ملك الرَّقَبَة لمَوْلَاهُ ابْتِدَاء ثَانِيهمَا أَنه يُفِيد ثُبُوت كليهمَا لَهُ، ثمَّ يسْتَحق الْمولى ملك الرَّقَبَة خلَافَة عَن العَبْد لعدم أَهْلِيَّته لَهَا، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَزعم أَن المُصَنّف مَشى على الثَّانِي بقوله (وَثُبُوت الْملك للْمولى فِيمَا يَشْتَرِيهِ) العَبْد (ويصطاده ويتهبه لخلافته) أَي الْمولى (عَنهُ) أَي العَبْد (لعدم أَهْلِيَّته) لملك الرَّقَبَة.

وَأَنت خَبِير بِأَن كَلَام المُصَنّف رَحمَه الله سَاكِت عَن ثُبُوت كليهمَا لَهُ، ثمَّ يسْتَحق الْمولى ملك الرَّقَبَة ابْتِدَاء، ثمَّ اسْتِحْقَاق الْمولى بخلافة: بل الْمُتَبَادر مِنْهُ ثُبُوت ملك الرَّقَبَة للْمولى ابْتِدَاء، لَكِن على سَبِيل الْخلَافَة عَنهُ لما ذكر، وَكَيف يتَصَوَّر سُقُوط ثُبُوت ملك الرَّقَبَة لَهُ ابْتِدَاء مَعَ عدم أَهْلِيَّته لَهُ، وَعدم الْأَهْلِيَّة كَمَا يُنَافِي مالكيته بَقَاء كَذَلِك ينافيها ابْتِدَاء وَهُوَ ظَاهر (كالوارث) مَعَ الْمُورث، فَإِن ثُبُوت الْملك بطرِيق الْخلَافَة (وَكَون ملك التصرّف لَا يُسْتَفَاد إِلَّا من ملك الرَّقَبَة مَمْنُوع، نعم هُوَ) أَي ملك الرَّقَبَة (وَسِيلَة إِلَيْهِ) أَي إِلَى ملك التَّصَرُّف فِي الْجُمْلَة (وَلَا يلْزم من عدم ملكهَا) أَي الرَّقَبَة (عدم الْمَقْصُود) من الْوَسِيلَة (لجَوَاز تعدد الْأَسْبَاب) للمقصود، وَهُوَ ملك التَّصَرُّف (وَإِذ كَانَت لَهُ) أَي للْعَبد (ذمَّة وَعبارَة) وَلم يكن مَحْجُورا عَن التَّصَرُّف (صَحَّ الْتِزَامه فِيهَا) أَي فِي الذِّمَّة (وَوَجَب لَهُ) أَي للْعَبد، أَو الْتِزَامه (طَرِيق قَضَاء) لما الْتَزمهُ (دفعا للْحَرج اللَّازِم من أَهْلِيَّة الْإِيجَاب فِي الذِّمَّة بِلَا أَهْلِيَّة الْقَضَاء، وَأَدْنَاهُ) أَي طَرِيق الْقَضَاء (ملك الْيَد) فَلَزِمَ ثُبُوته للْعَبد وَهُوَ الْمَطْلُوب (وَلذَا) أَي ثُبُوت ملك الْيَد لَهُ (قَالَ أَبُو حنيفَة دينه) أَي العَبْد الْمَأْذُون (يمْنَع ملك الْمولى كَسبه) لِأَن ملك يَده للْمصْلحَة قَضَاء مَا الْتَزمهُ من كَسبه، فَهُوَ مَشْغُول بحاجته الْمُتَقَدّمَة على ملك الْمولى. (وَاخْتلف فِي قتل الْحر بِهِ) أَي بِالْعَبدِ (فَعنده) أَي الشَّافِعِي (لَا) يقتل بِهِ قصاصا (لابتنائه) أَي الْقَتْل قصاصا (على الْمُسَاوَاة فِي الكرامات) وَهِي منتفية بَينهمَا: إِذْ الْحر نفس من كل وَجه، وَالْعَبْد نفس من وَجه (قُلْنَا) لَا نسلم ابتناءه على الْمُسَاوَاة فِي الكرامات (بل) المناط فِيهِ الْمُسَاوَاة (فِي عصمَة الدَّم فَقَط للاتفاق على إهداره) أَي التَّسَاوِي بَين الْقَاتِل والمقتول (فِي الْعلم، وَالْجمال، وَمَكَارِم الْأَخْلَاق والشرف، وهما) أَي الحرّ وَالْعَبْد (مستويان فِيهَا) أَي عصمَة الدَّم (وينافي) الرّقّ (مالكية مَنَافِع الْبدن) إِجْمَاعًا (إِلَّا مَا اسْتثْنى من الصَّلَاة وَالصَّوْم إِلَّا نَحْو الْجُمُعَة) كَصَلَاة الْعِيد (بِخِلَاف الْحَج) فَإِنَّهُ لم يسْتَثْن نظرا للْمولى، علم هَذَا (بِالنَّصِّ) وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ أعتق فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى ". صَححهُ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَاشْترط فِيهِ الِاسْتِطَاعَة فِي الْكتاب، وَهِي مفسرة بالزاد وَالرَّاحِلَة، وَالْعَبْد لَا مَال لَهُ، وَأَيْضًا اشْترط فِيهِ الْحُرِّيَّة بِالْإِجْمَاع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِلْمَالِ) تَعْلِيل للنَّص: أَي لم يُوجب عَلَيْهِ الشَّارِع الْحَج لاحتياجه إِلَى المَال (و) بِخِلَاف (الْجِهَاد) أَيْضا (فَلَيْسَ لَهُ الْقِتَال إِلَّا بِإِذن مَوْلَاهُ أَو) إِذن (الشَّرْع فِي عُمُوم النفير) عِنْد هجوم العدّو على بلد، فَإِنَّهُ يجب على جَمِيع النَّاس الدّفع بِخُرُوج الْمَرْأَة بِغَيْر إِذن زَوجهَا، وَالْعَبْد بِغَيْر إِذن الْمولى لِأَنَّهُ صَار فرض عين، وَملك الْيَمين، ورق النِّكَاح لَا يظْهر فِي حق فروض الْأَعْيَان كَمَا فِي الصَّلَاة وَالصَّوْم (وَلَا يسْتَحق) العَبْد إِذا قَاتل (سَهْما لِأَنَّهُ) أَي اسْتِحْقَاق السهْم (للكرامة) وَهُوَ نَاقص فِيهَا (بل) يسْتَحق (رضخا لَا يبلغهُ)

أَي السهْم، فَعَن عُمَيْر مولى آبي اللَّحْم: شهِدت خَيْبَر مَعَ سادتي، فَأمر لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْء من خرثى الْمَتَاع: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ (بِخِلَاف) اسْتِحْقَاق (السَّلب بِالْقَتْلِ يَقُول الإِمَام) من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه، فَإِنَّهُ لعُمُوم شُمُول الْحر وَالْعَبْد، وَالْعلَّة فِيهِ الْقَتْل، يدل عَلَيْهِ تَرْتِيب الحكم عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ بقول الإِمَام مَعَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِشَارَة إِلَى أَن الإِمَام لَو لم يقل ذَلِك لم يلْزم كَون السَّلب للْقَاتِل، لِأَنَّهُ لَيْسَ شرعا عَاما لَازِما على مَا حَقَّقَهُ المُصَنّف رَحمَه الله فِي شرح الْهِدَايَة، وَأمر الْقِتَال وَالْغنيمَة مفوض إِلَيْهِ، فَقَوله مُوجب الِاسْتِحْقَاق (فساوى) العَبْد (فِيهِ) أَي فِي هَذَا الِاسْتِحْقَاق (الحرّ، والولايات) أَي وينافي الرّقّ الولايات المتعدية كولاية الْقَضَاء وَالشَّهَادَة وَالتَّزْوِيج وَغَيرهَا، لِأَنَّهَا منبئة عَن الْقُدْرَة الْحكمِيَّة فَإِنَّهَا تَنْفِيذ القَوْل على الْغَيْر شَاءَ أَو أَبى، وَالرّق عجز حكمي: إِذْ لَا ولَايَة لَهُ على نَفسه فضلا عَن الْولَايَة على غَيره (وَصِحَّة أَمَان) العَبْد (الْمَأْذُون فِي الْقِتَال) الْكَافِر الْحَرْبِيّ (لاسْتِحْقَاق الرضخ) فِي الْغَنِيمَة بِإِذن مَوْلَاهُ إِلَّا أَن مَوْلَاهُ يخلفه عَن ملكه كَسَائِر أكسابه (فأمانه إبِْطَال حَقه أَولا) فِي الرضخ: إِذْ بالأمان يخرج الْكَافِر الْمُسْتَأْمن عَن الْغَنِيمَة بِاعْتِبَار نَفسه وَمَاله، فَيبْطل حِصَّة العَبْد الْمَذْكُور أَولا (ثمَّ يتَعَدَّى) الْإِبْطَال (إِلَى) حق (الْكل) أَي كل الغازين، وَذَلِكَ لِأَن الْغَنِيمَة لَا تتجزأ فِي حق الثُّبُوت والسقوط (كشهادته بِرُؤْيَة الْهلَال) يجب على النَّاس الصَّوْم بقوله لإيجابه ذَلِك على نَفسه أَولا، ثمَّ يتَعَدَّى إِلَى سَائِرهمْ: وَكَذَا رِوَايَته لأحاديث الشَّارِع، فهذان أصلان لأمانه (لَا) أَن أَمَانَة (ولَايَة عَلَيْهِم) لما عرف من أَن حكم الشَّيْء مَا وضع الشَّيْء لَهُ، وَحكم أَمَانه أَولا وبالذات إِنَّمَا هُوَ مَا ذكرنَا (بِخِلَاف) العَبْد (الْمَحْجُور) عَن الْقِتَال فَإِنَّهُ لَا أَمَان لَهُ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَأبي يُوسُف رَحمَه الله فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنهُ وَمَالك رَحمَه الله فِي رِوَايَة سَحْنُون عَنهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ (لَا اسْتِحْقَاق لَهُ) وَقت الْأمان، لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الشّركَة فِي الْغَنِيمَة (فَلَو صَحَّ) أَمَانه (كَانَ إِسْقَاطًا لحقهم) أَي الغازين فِي الْكفَّار وَأَمْوَالهمْ (ابْتِدَاء) فَإِن قيل يَنْبَغِي أَن يَصح أَمَانه كَمَا هُوَ قَول أبي يُوسُف فِي رِوَايَة وَمُحَمّد وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة لاستحقاقه الرضخ إِذا قَاتل أُجِيب بِالْمَنْعِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (واستحقاقه) الرضخ (إِذا افتات بِالْقِتَالِ) أَي قَاتل بِغَيْر إِذن سَيّده (وَسلم لتمحضه) أَي الْقِتَال (مصلحَة للْمولى بعده) أَي الْقِتَال لِأَنَّهُ غير مَحْجُور عَمَّا يتمحض مصلحَة وَمَنْفَعَة، فَيكون كالمأذون فِيهِ من الْمولى دلَالَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا عجز عَنهُ لدفع الضَّرَر عَن الْمولى لانْتِفَاء اشْتِغَاله بخدمته وَقت الْقِتَال، وَرُبمَا يقتل، كَذَا ذكره الشَّارِح (فَلَا شركَة لَهُ) فِي الْغَنِيمَة (حَال الْأمان) فَلَا يكون كالمأذون فِيهِ. فِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق عَن عمر رَضِي الله عَنهُ " العَبْد الْمُسلم من الْمُسلمين، وَأَمَانَة أمانهم " وَهَذَا يُفِيد إِطْلَاق صِحَة أَمَانَة كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور (فَلَا يضمن) الرَّقِيق (بدل مَا لَيْسَ

بِمَال لِأَنَّهُ) أَي بدله (صلَة) لما أَمر الله أَن يُوصل، فَقطع بِالْجِنَايَةِ، وَالرَّقِيق لَا يملك الصلات لِأَنَّهَا من بَاب الْكَرَامَة وَهُوَ عرضة للتَّمَلُّك والابتذال (فَلم يجب عَلَيْهِ دِيَة فِي جِنَايَته خطأ) لِأَنَّهَا بدل الدَّم وَهُوَ لَيْسَ بِمَال، وَإِنَّمَا يجب صلَة فِي حق الْجَانِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَهبهُ ابْتِدَاء، وَلذَا لَا يملك إِلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَا تجب فِيهِ الزَّكَاة إِلَّا بحول بعده، وَلَا تصح الْكفَالَة بِهِ وَلَا عَاقِلَة لَهُ ليجب ب عَلَيْهِم (لَكِن لما لم يهدر الدَّم صَارَت رقبته جَزَاء) قَائِمَة مقَام الْأَرْش، فَلَا يكون الِاسْتِحْقَاق على العَبْد (إِلَّا أَن يخْتَار الْمولى فدَاء فَيلْزمهُ) أَي الْفِدَاء الْمولى (دينا) فِي ذمَّته (فَلَا يبطل) اخْتِيَاره الْفِدَاء (بالإفلاس) حَتَّى أَنه لَا يعود تعلق حق ولي الْجَنَابَة فِي رَقَبَة العَبْد إِذا لم يكن للْمولى مَا يُؤَدِّيه (عِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله (فَلَا يجب) على الْمولى بِسَبَب الافلاس (الدّفع) للْعَبد إِلَى ولي الْجِنَايَة (وَعِنْدَهُمَا اخْتِيَاره) أَي الْمولى الْفِدَاء (كالحوالة كَأَنَّهُ) أَي العَبْد (أحَال على مَوْلَاهُ) بِالْأَرْشِ: إِذْ الأَصْل أَن يصرف إِلَى جِنَايَته كالعمد فاختيار الْفِدَاء نقل من الأَصْل إِلَى الْعَارِض كَمَا فِي الْحِوَالَة (فَإِذا لم يسلم) الْأَرْش إِلَى وليّ الْجِنَايَة (عَاد حَقه فِي الدّفع) الَّذِي هُوَ الأَصْل وَأجِيب بِمَنْع كَونه الأَصْل، بل الأَصْل هُوَ الْأَرْش الثَّابِت فِيهَا بقوله تَعَالَى - {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة} - الْآيَة: وصير إِلَى الدّفع ضَرُورَة، فَإِن العَبْد لَيْسَ بِأَهْل للصلات. وَقد ارْتَفَعت الضَّرُورَة بِاخْتِيَار الْمولى الْفِدَاء، وَلَا يُقَال قد يجب على العَبْد ضَمَان مَا لَيْسَ بِمَال: إِذْ الْمهْر يجب فِي ذمَّته بِمُقَابلَة ملك النِّكَاح أَو مَنْفَعَة الْبضْع، فَالْجَوَاب مَا أَفَادَ بقوله (وَوُجُوب الْمهْر لَيْسَ ضمانا) إِذْ لَا تلف وَلَا صلَة (بل) يجب (عوضا عَمَّا اسْتَوْفَاهُ من الْملك أَو الْمَنْفَعَة. وَأما الْمَرَض) وَهُوَ مَا يعرض الْبدن فيخرجه عَن الِاعْتِدَال الْخَاص، وَقد يُقَال: هِيَ حَالَة غير طبيعية فِي بدن الْإِنْسَان تكون بِسَبَبِهَا الْأَفْعَال الطبيعية والنفسانية والحيوانية غير مسلمة (فَلَا يُنَافِي أَهْلِيَّة الحكم) سَوَاء كَانَ من حُقُوق الله أَو الْعباد (و) أَهْلِيَّة (الْعبارَة) أَي التَّصَرُّفَات الْمُتَعَلّقَة بالحكم (إِذْ لَا خلل فِي الذِّمَّة وَالْعقل) اللَّذين هما منَاط الْأَحْكَام (و) لَا فِي (النُّطْق) الَّذِي يَصح بِهِ مَا يتَعَلَّق بالعبارة بعد الْعقل والذمة كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاق، وَالْبيع، وَالشِّرَاء وَغَيرهمَا (لكنه) أَي الْمَرَض (لما فِيهِ من الْعَجز شرعت الْعِبَادَات فِيهِ على) قدر (المكنة) حَتَّى شرع لَهُ الصَّلَاة (قَاعِدا) إِذا عجز عَن الْقيام: إِمَّا بِانْتِفَاء الْقُوَّة أَو بازدياد الْمَرَض (ومضطجعا) إِذا عجز عَنْهُمَا (وَلما كَانَ الْمَوْت عِلّة الْخلَافَة) للْوَارِث والغريم فِي مَال الْمَيِّت، لِأَن أَهْلِيَّة الْملك لَا تبطل بِالْمَوْتِ فيخلفه أقرب النَّاس إِلَيْهِ، والذمة تخرت بِهِ فَيصير المَال الَّذِي هُوَ مَحل قَضَاء الدّين مَشْغُولًا بِالدّينِ فيخلفه الْغَرِيم فِي المَال (وَهُوَ) أَي الْمَرَض (سَببه) أَي الْمَوْت لما فِيهِ من ترادف الآلام، وَضعف القوى فيفضي إِلَى مُفَارقَة الرّوح الْجَسَد (كَانَ) الْمَرَض (سَبَب تعلق حق الْوَارِث

والغريم بِمَالِه) فِي الْحَال (فَكَانَ) الْمَرَض (سَببا للحجر فِي الْكل) أَي كل المَال (للْغَرِيم) إِن كَانَ الدّين مُسْتَغْرقا (و) الْحجر فِي (الثُّلثَيْنِ فِي) حق (الْوَرَثَة إِذا اتَّصل) ظرف لتَعلق الْحَقَّيْنِ (بِهِ) أَي بِالْمرضِ (الْمَوْت) حَال كَون الْحجر (مُسْتَندا إِلَى أَوله) أَي الْمَرَض: إِذْ الحكم يسْتَند إِلَى أول السَّبَب فَلَا يرد أَن الِاتِّصَال بِالْمَوْتِ إِنَّمَا يظْهر عِنْد الْمَوْت، وَلَا اتِّصَال قبله، فَلَا تعلق لحقهما لِأَن الحكم الثَّابِت بطرِيق الِاسْتِنَاد لظُهُوره فِي الآخر غير أَنه يعْتَبر ثَانِيًا من أول زمَان وجود السَّبَب صِيَانة للحقوق، ثمَّ إِنَّه كل مَا تعلق بِهِ أحد الْحَقَّيْنِ من مَاله فَهُوَ مَحْجُور عَنهُ (بِخِلَاف مَا) أَي قدر من المَال (لم يتعلقا) أَي حق الْغَرِيم وَحقّ الْوَارِث (بِهِ) فَإِنَّهُ غير مَحْجُور عَنهُ (كَالنِّكَاحِ بِمهْر الْمثل) أَي كالمهر اللَّازِم بِسَبَب النِّكَاح الْمَذْكُور الْوَاقِع فِي حَال الْمَرَض، وَأما الْوَاقِع قبله فكونه مثل سَائِر الدُّيُون ظَاهر. ثمَّ أَنه لما ذكر عدم تعلق الْحَقَّيْنِ بِالْقدرِ الْمَذْكُور توهم كَونه مقدما على الدُّيُون فَدفع ذَلِك بقوله (فتحاصص) الزَّوْجَة (المستغرقين) الَّذين استغرقت دُيُونهم التَّرِكَة بِقدر مهر مثلهَا فَيقسم المَال عَلَيْهَا وَعَلَيْهِم على قدر حصصهم وكالنفقة وَأُجْرَة الطَّبِيب وَنَحْوهمَا كَمَا يتَعَلَّق بِهِ حَاجَة الْمَيِّت، وَكَذَلِكَ مَا زَاد على الدّين فِي حق الْغَرِيم عِنْد عدم الِاسْتِغْرَاق، وعَلى ثُلثي مَا بَقِي بعد وَفَاء الدّين إِن كَانَ، وعَلى ثُلثي الْجَمِيع إِن لم يكن. ثمَّ لما لم يعلم كَونه سَببا للحجر قبل اتِّصَاله بِالْمَوْتِ، وَكَانَ الأَصْل هُوَ الْإِطْلَاق لم يثبت الْحجر بِهِ بِالشَّكِّ (فَكل تصرف) وَاقع من الْمَرِيض (يحْتَمل الْفَسْخ) كَالْهِبَةِ وَالْبيع بالمحاباة (يَصح فِي الْحَال) لصدوره من أَهله مُضَافا إِلَى مَحَله عَن ولَايَة شَرْعِيَّة وَانْتِفَاء الْعلم بالمانع لعدم الْعلم باتصال الْمَوْت بِهِ (ثمَّ يفْسخ) ذَلِك التَّصَرُّف (إِن احْتِيجَ إِلَى ذَلِك) أَي فَسخه لما مر من أَن الْحجر يسْتَند إِلَى أول الْمَرَض إِذا اتَّصل بِهِ الْمَوْت، فَيظْهر أَن تصرفه تصرف مَحْجُور (وَمَا لَا يحْتَملهُ) أَي وكل تصرف وَاقع من الْمَرِيض لَا يحْتَمل الْفَسْخ (كالإعتاق الْوَاقِع على حق غَرِيم بِأَن يعْتق الْمَرِيض الْمُسْتَغْرق) دينه تركته عبدا مِنْهَا (أَو) الْوَاقِع (على حق وَارِث كإعتاق عبد تزيد قِيمَته على الثُّلُث يصير) الْعتْق (كالمعلق بِالْمَوْتِ) حَتَّى كَانَ عبدا فِي شَهَادَته وَسَائِر أَحْكَامه مَا دَامَ مَوْلَاهُ مَرِيضا وَإِذا مَاتَ (فَلَا ينْقض وَيسْعَى) العَبْد للْغَرِيم (فِي كُله) أَي مِقْدَار قِيمَته إِن كَانَ الدّين مُسْتَغْرقا (أَو) يسْعَى (فِي ثُلثَيْهِ) للْوَارِث إِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَلَا مَال لَهُ سواهُ وَلم يجزه الْوَارِث (أَو أقل) مِنْهُمَا (كالسدس إِذا سَاوَى) العَبْد (النّصْف) أَي نصف التَّرِكَة وَلم يجزه الْوَارِث، فَإِن ثُلثي السِّتَّة أَرْبَعَة وثلثها ثِنْتَانِ وَالنّصف ثَلَاثَة (بِخِلَاف إِعْتَاق الرَّاهِن) العَبْد الرَّهْن (ينفذ) عتقه للْحَال مَعَ تعلق حق الْمُرْتَهن بِهِ (لِأَن حق الْمُرْتَهن فِي) ملك (الْيَد لَا) فِي ملك (الرَّقَبَة فَلَا يلاقيه) أَي الْعتْق حَقه (قصدا) فَإِن الَّذِي يلاقيه قصدا إِنَّمَا هُوَ ملك الرَّقَبَة، ثمَّ يلاقي ملك الْيَد ضمنا وتبعا، وَكم من شَيْء يثبت ضمنا وَلَا يثبت قصدا، وَحقّ الْغَرِيم وَالْوَارِث

ملك الرَّقَبَة وَالْإِعْتَاق يلاقيه قصدا، إِذْ الْإِعْتَاق يَبْنِي عَلَيْهِ لَا على ملك الْيَد، وَلذَا صَحَّ إِعْتَاق الْآبِق مَعَ زَوَال الْيَد عَنهُ (فَإِن كَانَ) الرَّاهِن (غَنِيا فَلَا سِعَايَة) على العَبْد لعدم تعذر أَخذ الْحق مِنْهُ وَهُوَ الْأَدَاء إِن كَانَ حَالا وَقِيمَة الرَّهْن إِن كَانَ مُؤَجّلا فَيُوضَع عِنْد الْمُرْتَهن بِهِ لَا عَن العَبْد، (وَإِن) كَانَ (فَقِيرا سعى) العَبْد للْمُرْتَهن (فِي الْأَقَل من قِيمَته وَمن الدّين) لتعذر أَخذ الْحق من الرَّاهِن فَيَأْخُذ مِمَّن حصلت لَهُ فَائِدَة الْعتْق، لِأَن الْخراج بِالضَّمَانِ، كَذَا قَالَ الشَّارِح وَالظَّاهِر الْغرم بالغنم ثمَّ إِنَّمَا سعى فِي الْأَقَل، لِأَن الدّين إِن كَانَ أقل اندفعت الْحَاجة بِهِ وَإِن كَانَت الْقيمَة أقل فَإِنَّمَا حصل للْعَبد هَذَا الْقدر (وَيرجع) العَبْد (على مَوْلَاهُ عِنْد غناهُ) بِمَا أَدَّاهُ لِأَنَّهُ اضْطر إِلَى قَضَاء دينه بِحكم الشَّرْع (فَعتق الرَّاهِن حر مديون فَتقبل شَهَادَته قبل السّعَايَة، ومعتق الْمَرِيض الْمُسْتَغْرق) دينه للتركة (كَالْمكَاتبِ فَلَا تقبل) شَهَادَته قبل السّعَايَة (وَقد أدمجوا) أَي أدرج الْحَنَفِيَّة فِي الْكَلَام فِي أَحْكَام الْمَرَض (فرعا مَحْضا) لَيْسَ من مسَائِل الْأُصُول وَهُوَ أَنه (لما بطلت الْوَصِيَّة للْوَارِث) بِالنِّسْبَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي النّسخ (بطلت صُورَة) أَي من حَيْثُ الصُّورَة وَإِن لم تكن وَصِيَّة من حَيْثُ الْمَعْنى لعدم حُصُول المَال كَذَلِك الْوَارِث عَنهُ (عِنْد أبي حنيفَة) رَحمَه الله (حَتَّى لَو بَاعَ الْمَرِيض عينا بِمثل قِيمَته) فَصَاعِدا (مِنْهُ) أَي الْوَارِث فَمن حَيْثُ أَنه ملكه الْعين وَلَو بعوض كَأَنَّهُ وصّى لَهُ، وَإِنَّمَا (لَا يجوز لتَعلق حق كلهم) أَي الْوَرَثَة (بالصورة كَمَا) أَي كتعلق حَقهم (بِالْمَعْنَى) حَيْثُ لَا يجوز لبَعْضهِم أَن يَجْعَل شَيْئا من التَّرِكَة لنَفسِهِ بِنَصِيبِهِ من الْمِيرَاث وَلَا أَن يَأْخُذ التَّرِكَة وَيُعْطِي البَاقِينَ الْقيمَة، إِذْ النَّاس يتنازعون ويتناقشون فِي صور الْأَشْيَاء مَعَ قطع النّظر عَن ماليتها (خلافًا لَهما) فَإِنَّهُمَا يجوزان ذَلِك (بِخِلَاف بَيْعه من أَجْنَبِي) حَيْثُ يجوز اتِّفَاقًا (و) بطلت (معنى) أَي من حَيْثُ الْمَعْنى وَإِن لم تكن فِي صُورَة الْوَصِيَّة (بِأَن يقر لأَحَدهم بِمَال) فَإِنَّهُ يسلم لَهُ المَال بِلَا عوض، وَانْتِفَاء الصُّورَة ظَاهر (وشبهة) أَي وَبَطلَت من حَيْثُ الشُّبْهَة وَإِن لم يكن هُنَاكَ وَصِيَّة (بِأَن بَاعَ) من الْوَارِث (الْجيد من الْأَمْوَال الربوية برديء مِنْهَا) مجانس للْمَبِيع: كالذهب الْجيد بِالذَّهَب الرَّدِيء، وَالْفرق بَين البيعين من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَنه لم يحصل للْوَارِث فِي الأول زِيَادَة فِي الْمَالِيَّة وَهنا يحصل، وَالثَّانِي أَن المعرض لَا يتَعَلَّق بالصور فِي الربويات على أَن الْبَدَلَيْنِ مقلان فِي الصُّورَة (لتقوم الْجَوْدَة فِي التُّهْمَة) جَوَاب لسؤال مُقَدّر وَهُوَ أَن وصف الْجَوْدَة لَا يعْتَبر فِي التَّفَاضُل، وَلذَا يجوز بيع الْجيد بالرديء مَعَ التجانس والتساوي فِي الْوَزْن والكيل. وَحَاصِل الْجَواب أَن التَّفَاوُت بِاعْتِبَار الْقيمَة وَإِن كَانَ ملغي عِنْد عدم التُّهْمَة لكنه مُعْتَبر عِنْد وجودهَا (كَمَا فِي بيع الْوَلِيّ مَال الصَّبِي كَذَلِك) أَي الْجيد مِنْهَا بالرديء المجانس (من نَفسه) فَكَانَ فِيهِ شُبْهَة الْوَصِيَّة بالجودة، أَلا ترى أَن الْمَرِيض لَو بَاعَ الْجيد بالرديء من الْأَجْنَبِيّ يعْتَبر جودته

من الثُّلُث (وَلذَا) أَي لبُطْلَان الْوَصِيَّة شُبْهَة (لم يَصح إِقْرَاره) أَي الْمَرِيض (بِاسْتِيفَاء دينه من الْوَارِث وَإِن لزمَه) أَي دين الْوَارِث (فِي صِحَّته وَهِي) أَي صِحَّته (حَال عدم التُّهْمَة فَكيف بِهِ) أَي بِالْإِقْرَارِ باستيفائه (إِذا ثَبت) لُزُومه للْوَارِث (فِي الْمَرَض) وَهُوَ حَال التُّهْمَة، فالإقرار بِالِاسْتِيفَاءِ فِي الْمَرَض كَالْإِقْرَارِ بِالدّينِ لِأَنَّهُ يُصَادف محلا مَشْغُولًا بِحَق الْوَرَثَة، وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله إِذا أقرّ بِاسْتِيفَاء دين كَانَ لَهُ على الْوَارِث حَال الصِّحَّة يجوز لِأَن الْوَارِث لما عَامله فِي الصِّحَّة اسْتحق بَرَاءَة ذمَّته عِنْد إِقْرَاره باستيفائه مِنْهُ فَلَا يتَعَيَّن ذَلِك الِاسْتِحْقَاق بمرضه، أَلا ترى أَنه لَو كَانَ على الْأَجْنَبِيّ فَأقر باستيفائه فِي مَرضه كَانَ صَحِيحا فِي حق الْغُرَمَاء الصِّحَّة وَأجِيب بِأَن الْمَنْع لحق غُرَمَاء الصِّحَّة، وَهُوَ عِنْد الْمَرَض لَا يتَعَلَّق بِالدّينِ، بل بِمَا يُمكن اسْتِيفَاء دينهم مِنْهُ فَلم يُصَادف إِقْرَاره محلا تعلق حَقهم بِهِ، وَفِيه مَا فِيهِ (وَأما الْحيض) وَهُوَ مانعية شَرْعِيَّة بِسَبَب دم من الرَّحِم لَا بِوِلَادَة عَمَّا اشْترط فِيهِ الطَّهَارَة وَعَن الصَّوْم وَدخُول الْمَسْجِد والقربان إِن كَانَ مُسَمَّاهُ حَدثا وَنَفس الدَّم الْمَذْكُور إِن كَانَ مُسَمَّاهُ خبثا (وَالنّفاس) وَهُوَ مانعية شَرْعِيَّة بِسَبَب الدَّم من الرَّحِم عَن الْولادَة عَمَّا ذكر، أَو الدَّم الْمَذْكُور (فَلَا يسقطان أَهْلِيَّة الْوُجُوب وَلَا الْأَدَاء) لعدم إخلالهما بِالذِّمةِ وَالْعقل وقدرة الْبدن (إِلَّا أَنه ثَبت أَن الطَّهَارَة عَنْهُمَا شَرط) أَدَاء (الصَّلَاة) بِالسنةِ كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " قَالَ للنِّسَاء أَلَيْسَ شَهَادَة الْمَرْأَة مثل نصف شَهَادَة الرجل؟ قُلْنَ بلَى، قَالَ فَذَلِك من نُقْصَان عقلهَا، أَلَيْسَ إِذا حَاضَت لم تصلّ وَلم تصم؟ قُلْنَ بلَى، قَالَ فَذَلِك من نُقْصَان دينهَا، وبالإجماع (على وفْق الْقيَاس) لِكَوْنِهِمَا من الأنجاس أَو الْأَحْدَاث وَالطَّهَارَة مِنْهُمَا شَرط لَهَا (و) شَرط أَدَاء (الصَّوْم على خِلَافه) أَي الْقيَاس لتأديه مَعَ النَّجَاسَة وَالْحَدَث الْأَصْغَر والأكبر بِلَا خلاف بَين الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة (ثمَّ انْتَفَى وجوب قَضَاء الصَّلَاة) عَلَيْهِمَا (للْحَرج) لدخولها فِي حد الْكَثْرَة، لِأَن أقل مُدَّة الْحيض عِنْد أَصْحَابنَا ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها أَو يَوْمَانِ وَأكْثر الثَّالِث كَمَا عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله، وَمُدَّة النّفاس فِي الْعَادة أَكثر من مُدَّة الْحيض، وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام، وَأَقل مُدَّة الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا فقد يَقع فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ فيستوفي نصفه، وَالصَّلَاة تجب فِي جَمِيع السّنة (دون الصَّوْم) أَي لم ينتف وجوب قَضَائِهِ عَلَيْهَا لعدم الْحَرج لِأَن الْحيض لَا يستوعب الشَّهْر، وَالنّفاس ينْدر فِيهِ (كَمَا مر) فِي الْفَصْل الَّذِي قبل هَذَا من قَوْله وَلعدم حكم الْوُجُوب من الْأَدَاء لم تجب الصَّلَاة على الْحَائِض لانْتِفَاء الْأَدَاء شرعا وَالْقَضَاء للْحَرج والتكليف للرحمة، والحرج طَرِيق التّرْك، بِخِلَاف الصَّوْم فَيثبت لفائدة الْقَضَاء وَعدم الْحَرج، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ يصيبنا ذَلِك، تَعْنِي الْحيض فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم وَلَا نؤمر بِقَضَاء الصَّلَاة، وَعَلَيْهِمَا إِجْمَاع الْأمة، ثمَّ بَقِي أَن يُقَال (فَانْتفى) وجوب أَدَاء

الصَّوْم عَلَيْهِمَا فِي الْحَالَتَيْنِ (أَولا) فِيهِ (خلاف) بَين الشَّافِعِيَّة فَقيل يجب، نَقله السُّبْكِيّ رَحمَه الله عَن أَكثر الْفُقَهَاء لتحَقّق الْأَهْلِيَّة وَالسَّبَب وَهُوَ شُهُود الشَّهْر وَلِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِمَا الْقَضَاء بِقدر مَا فَاتَ فَكَانَ المأتيّ بِهِ بَدَلا عَن الْفَائِت، وَقيل لَا يجب، وَذكر مُتَأَخّر أَنه الْأَصَح عِنْد الْجُمْهُور لانْتِفَاء شَرطه وَهُوَ الطَّهَارَة، وشهود الشَّهْر مُوجب عِنْد انْتِفَاء الْعذر لَا مُطلقًا وَوُجُوب الْقَضَاء يتَوَقَّف على سَبَب الْوُجُوب وَهُوَ شُهُود الشَّهْر، لَا على وجوب الْأَدَاء: وَإِلَّا لما وَجب قَضَاء الصَّلَاة على من نَام جَمِيع وَقتهَا، وَأما على أَنه سَبَب جَدِيد فأظهر إِذْ لَا يَسْتَدْعِي وجوبا سَابِقًا فَلَا يتَوَقَّف وُجُوبه على وجوب الْأَدَاء وَأورد عَلَيْهِ أَنه يلْزم أَن لَا يُسمى قَضَاء لعدم اسْتِدْرَاك مَا فَاتَ من الْوُجُوب وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا ينْحَصر وَجه التَّسْمِيَة فِيمَا ذكر، بل يَكْفِي فِيهِ اسْتِدْرَاك مصلحَة مَا انْعَقَد بِسَبَب وُجُوبه وَلم يجب لمَانع، وَلذَا قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله (والانتفاء أَقيس) لِأَن الْأَدَاء حَالَة الْحيض حرَام منهيّ عَنهُ فَلَا يكون وَاجِبا مَأْمُورا بِهِ للتنافي بَينهمَا (وَأما الْمَوْت) عزى إِلَى أهل السّنة أَنه صفة وجودية مضادة للحياة كَمَا هُوَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى - {خلق الْمَوْت والحياة} - وَإِلَى الْمُعْتَزلَة أَنه عدم الْحَيَاة عَمَّا من شَأْنه، وَأَن الْخلق فِي الْآيَة بِمَعْنى التَّقْدِير، ثمَّ هُوَ لَيْسَ بِعَدَمِ مَحْض، وَلَا فنَاء صرف، وَإِنَّمَا هُوَ انْقِطَاع تعلق الرّوح بِالْبدنِ ومفارقته وتبدل حَال وانتقال من دَار إِلَى دَار (فَيسْقط بِهِ) عَن الْمَيِّت (الْأَحْكَام الأخروية). قَالَ الشَّارِح: وَهَذَا سَهْو وَالصَّوَاب كَمَا فِي عَامَّة الْكتب الدُّنْيَوِيَّة انْتهى، حكم بالسهو وَالْخَطَأ من غير أَن يحوم حول مُرَاده وَلم يدر أَن مَا وصفوه بالدنيوية هُوَ بِعَيْنِه مَا وَصفه المُصَنّف بالأخروية، غير ان هَذَا التَّعْبِير أولى، وَذَلِكَ لِأَن الْأَحْكَام تعم الْأَوَامِر والنواهي وَمَا يجب لَهُ على الْغَيْر وَعَكسه من الْحُقُوق الْمَالِيَّة والمظالم إِلَى غير ذَلِك، فَمِنْهَا مَا الْمَقْصُود مِنْهُ الْعَمَل لقصد الْقرْبَة وَلَا شكّ فِي سُقُوطه للعجز الْكُلِّي وَسَماهُ الْمَشَايِخ رَحِمهم الله دنيويا نظرا إِلَى أَن الْإِتْيَان بِهِ فِي دَار الدُّنْيَا، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله أخرويا نظرا إِلَى أَن فَائِدَته تظهر فِي دَار الْآخِرَة وَالنَّظَر إِلَى الْعَاقِبَة أولى، فَالَّذِي يفهم بطرِيق الْمُقَابلَة إِنَّمَا هُوَ كَون الْحُقُوق الْمَالِيَّة وَنَحْوهَا دنيوية وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن وَالله سُبْحَانَهُ أعلم (التكليفية) يَعْنِي بالخطابات الْمُتَعَلّقَة بِفعل الْمُكَلف اقْتِضَاء بِخِلَاف الأخروية الَّتِي هِيَ غَيرهَا كاستحقاق الثَّوَاب وَالْعِقَاب فَإِنَّهَا لَا تسْقط (كَالزَّكَاةِ وَغَيرهَا) من الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج إِلَى غير ذَلِك لِأَن التَّكْلِيف فرع الْقُدْرَة، وَلَا عجز فَوق الْعَجز بِالْمَوْتِ (إِلَّا) فِي حق (الْإِثْم) بالتقصير فِي فعلهَا حَال حَيَاته، فَإِن الحكم الأخروي بِهَذَا الِاعْتِبَار لَا يسْقط عَنهُ (وَمَا شرع عَلَيْهِ) أَي الْمَيِّت (لحَاجَة غَيره فَإِنَّهُ) كَانَ ذَلِك الشُّرُوع (حَقًا مُتَعَلقا بِعَين) من تركته (بَقِي) ذَلِك الْحق فِي تِلْكَ الْعين (ببقائها كالأمانات والودائع والغصوب لِأَن الْمَقْصُود) من شرع هَذَا النَّوْع من الْحق (حُصُوله) أَي ذَلِك الشَّيْء الْمعِين (لصحابه لَا الْفِعْل)

أَي فعل الْمَيِّت حَتَّى يُقَال: لَا وَجه لبَقَائه (وَلذَا) أَي وَلكَون الْمَقْصُود ذَلِك (لَو ظفر بِهِ) أَي بذلك الشَّيْء الْمعِين صَاحبه كَانَ (لَهُ أَخذه) لحُصُول الْمَقْصُود: وَهُوَ حُصُول الْحق إِلَى الْمُسْتَحق لَا التَّسْلِيم الَّذِي هُوَ فعل المؤتمن وَالْمُودع وَالْغَاصِب (بِخِلَاف الْعِبَادَات) فَإِن الْمَقْصُود مِنْهَا حُصُول الْفِعْل من الْمُكَلف اخْتِيَارا وَقد فَاتَ (وَلذَا) أَي وَلكَون الْمَقْصُود من الْعِبَادَات فعل الْمُكَلف (لَو ظفر الْفَقِير بِمَال الزَّكَاة لَيْسَ لَهُ أَخذه) وَلَو عين صَاحب المَال جَزَاء معينا لِلزَّكَاةِ (وَلَا تسْقط) الزَّكَاة عَن مَالِكه (بِهِ) أَي بِأَخْذِهِ إِيَّاه لانْتِفَاء الْمَقْصُود (وَإِن) كَانَ ذَلِك الْمَشْرُوع (دينا لم يبْق) وُجُوبه على الْمَيِّت (بِمُجَرَّد الذِّمَّة) الَّتِي اعتبرها الشَّرْع للْمَيت لبَعض الْمصَالح (لِضعْفِهَا) أَي الذِّمَّة (بِالْمَوْتِ فَوْقه) أَي فَوق ضعفها (بِالرّقِّ) وَقد يُرْجَى زَوَاله بِالْعِتْقِ: وَالْمَوْت لَا يزجى زَوَاله عَادَة (بل) إِنَّمَا يبْقى (إِذا قويت) ذمَّته، و (بِمَال) تَركه (أَو كَفِيل) كفل بِهِ (قبل الْمَوْت لِأَن المَال مَحل الِاسْتِيفَاء) الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود من الْوُجُوب (وَذمَّة الْكَفِيل تقَوِّي ذمَّة الْمَيِّت) لِأَن الْكفَالَة ضم ذمَّة إِلَى ذمَّة فِي الْمُطَالبَة (فَإِن لم يكن مَال) بِأَن مَاتَ مُفلسًا وَلَا كَفِيل بِهِ قبل الْمَوْت (لم تصح الْكفَالَة بِهِ) أَي بِمَا على الْمَيِّت (لانتقاله) أَي مَا على الْمَيِّت بطرِيق السُّقُوط لضعف الذِّمَّة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بِهِ) أَي بِالْمَوْتِ (عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَنَّهَا) أَي الْكفَالَة (الْتِزَام الْمُطَالبَة) بِمَا يُطَالب بِهِ الْأَصِيل (لَا تَحْويل الدّين) عَن الْأَصِيل إِلَى الْكَفِيل (وَلَا مُطَالبَة) للأصيل والتزام الْمُطَالبَة فرع وجودهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَصِيل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَا الْتِزَام بِخِلَاف العَبْد الْمَحْجُور) الَّذِي يقر (بِالدّينِ) فَإِنَّهُ (نصح) الْكفَالَة (بِهِ) أَي بذلك الدّين الَّذِي أقرّ بِهِ (لِأَن ذمَّته قَائِمَة) لكَونه حَيا مُكَلّفا، والمطالبة مُحْتَملَة، إِذْ يُمكن أَن يصدقهُ الْمولى فِي الْحَال فَيُطَالب فِي الْحَال أَو يعتقهُ فيطالبه بعده، فباعتبار هَذَا الْمَعْنى صحت الْكفَالَة، وَإِن كَانَ الْأَصِيل غير مطَالب فِي الْحَال وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَن ضم مَالِيَّة رقبته إِلَى ذمَّته يَقْتَضِي كَونهَا غير كَامِلَة: أَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (وَإِنَّمَا انْضَمَّ إِلَيْهَا) أَي إِلَى ذمَّته (مَالِيَّة الرَّقَبَة فِيمَا ظهر) أَي فِي ظُهُور الدّين (فِي حق الْمولى ليباع نظرا للْغُرَمَاء) لِأَن تعلق حَقهم بمالية العَبْد يصون حَقهم عَن التلاف إِذْ يُبَاع حِينَئِذٍ أَن لم يقر الْمولى وَلَا يصرف إِلَّا فِي اسْتِيفَاء حَقهم إِلَّا أَن يفضل الثّمن عَنهُ فَلَيْسَ الانضمام لعدم كَمَال الذِّمَّة: بل للْمصْلحَة الْمَذْكُورَة (وَتَصِح) الْكفَالَة الْمَذْكُورَة (عِنْدهمَا) وَبِه قَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وعزى إِلَى أَكثر أهل الْعلم (لِأَن بِالْمَوْتِ لَا يبرأ) لِأَنَّهُ لم يشرع مبرئا للحقوق ومبطلا لَهَا (وَلذَا) أَي لعدم كَونه مبرئا (يُطَالب بهَا فِي الْآخِرَة إِجْمَاعًا، وَفِي الدُّنْيَا إِذا ظهر) لَهُ (مَال، وَلَو تبرع أحد عَن الْمَيِّت) بأَدَاء الدّين (حل أَخذه، وَلَو بَرِئت) ذمَّته مِنْهُ بِالْمَوْتِ (لم يحل) أَخذه (وَالْعجز عَن الْمُطَالبَة) للْمَيت (لعدم قدرَة الْمَيِّت لَا يمْنَع صِحَّتهَا) أَي الْكفَالَة عَنهُ بِهِ (كَكَوْنِهِ) أَي

الْأَصِيل (مُفلسًا) أَي عدم قدرَة الْمَيِّت على الْمُطَالبَة كإفلاسه فَإِنَّهُ بعد ثُبُوت الإفلاس يعجز صَاحب الدّين عَن الْمُطَالبَة شرعا لقَوْله تَعَالَى - {فنظرة إِلَى ميسرَة} - (وَيدل عَلَيْهِ) أَي على عدم بَرَاءَة ذمَّة الْمَيِّت أَو عدم سُقُوط الدّين بل على كَون الْكفَالَة عِنْد صَحِيحه (حَدِيث) جَابر " كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُصَلِّي على رجل مَاتَ وَعَلِيهِ دين: فَأتي بميت فَقَالَ: أعليه دين؟ قَالُوا نعم: دِينَارَانِ، قَالَ صلوا على صَاحبكُم فَقَالَ أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ (هما عليّ) يَا رَسُول الله (فصلى عَلَيْهِ) رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ (وَالْجَوَاب عَنهُ) أَي الحَدِيث (باحتماله) أَي قَوْله هما عليّ (الْعدة) بوفائهما لَا الْتِزَام الْكفَالَة (وَهُوَ) أَي كَونه للعدة (الظَّاهِر إِذْ لَا تصح الْكفَالَة للْمَجْهُول) بِلَا خلاف، وَالظَّاهِر أَن صَاحب الدّين كَانَ مَجْهُولا، وَلَا لذكر، قَالَ الشَّارِح وَهُوَ مُشكل بِمَا فِي لفظ عَن جَابر، وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: هِيَ عَلَيْك وَفِي مَالك، وَالْمَيِّت مِنْهَا بَرِيء قَالَ نعم: فصلى عَلَيْهِ، وعَلى هَذَا فَيحمل على أَن أَبَا قَتَادَة علم صَاحب الدينارين حِين كفلها أه وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه قد يُقَال لمن يعد مثل هَذَا الْكَلَام للتَّأْكِيد والتقرير عَلَيْهِ كَمَا روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الْعدة دين " فَلَا إِشْكَال وَأجَاب فِي الْمَبْسُوط بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن قَوْله هما عليّ كَانَ إِقْرَار بكفالة سَابِقَة، وَلَا يخفى بعده، وبأنها وَاقعَة حَال لَا عُمُوم لَهَا فَلَا يسْتَدلّ بهَا فِي خُصُوص مَحل النزاع قلت يُقَاس المنازع فِيهِ على مورد النَّص لاشتراك الْعلَّة هَذَا فِي حَدِيث ابْن حبَان فَقَالَ أَبُو قَتَادَة أَنا أكفل بِهِ قَالَ بِالْوَفَاءِ: قلا بِالْوَفَاءِ فصلى عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا يقوّي قَول أبي يُوسُف رَحمَه الله لَا يشْتَرط قبُول الْمَكْفُول لَهُ فِي الْمجْلس، وَبِه أفتى بعض الْمَشَايِخ (والمطالبة فِي الْآخِرَة رَاجِعَة إِلَى الْإِثْم وَلَا يفْتَقر إِلَى بَقَاء الذِّمَّة فضلا عَن قوتها، وبظهور المَال تقوت) ذكر لصِحَّة الْكفَالَة وَجْهَيْن: الأول عدم بَرَاءَة الْمَيِّت، وَالثَّانِي الحَدِيث فَأجَاب عَنهُ بقوله وَالْجَوَاب عَنهُ إِلَى آخِره، وَعلل الأول بالمطالبة فِي الْآخِرَة، فَأجَاب عَنهُ بقوله والمطالبة فِي الدُّنْيَا عَنهُ وَظُهُور المَال فَأجَاب عَنهُ بِأَن ظُهُوره يقوّي الذِّمَّة فَيُطَالب، وبالتبرع إِلَى آخِره عَن الْمَيِّت، وسيجيب عَنهُ وترقى الْجَواب الآخر فَقَالَ (بل ظُهُور قوتها) يَعْنِي كَانَت مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر: لَكِنَّهَا خفيت فَلَمَّا ظهر ظَهرت (وَهُوَ) أَي فِي تقويها (الشَّرْط) لصِحَّة الْكفَالَة (حَتَّى لَو تفوت بلحوق دين بعد الْمَوْت صحت الْكفَالَة بِهِ) أَي بِالدّينِ اللَّاحِق (بِأَن حفر بِئْرا على الطَّرِيق فَتلف بِهِ) أَي بالمحفور والحفر (حَيَوَان بعد مَوته) أَي الْحَافِر (فَإِنَّهُ يثبت الدّين) فِي هَذَا الْمُتْلف (مُسْتَندا إِلَى وَقت السَّبَب) أَي الْحفر (الثَّابِت حَال قيام الذِّمَّة) الصَّالِحَة للْوُجُوب يَعْنِي حَال الْحَيَاة (والمستند يثبت أَولا فِي الْحَال) ثمَّ يسْتَند (وَيلْزمهُ) أَي ثُبُوته فِي الْحَال (اعْتِبَار قوتها حِينَئِذٍ بِهِ) أَي بِالدّينِ اللَّاحِق، وَجَوَاب الشَّرْط مَا أَفَادَهُ بقوله (وَصِحَّة التَّبَرُّع لبَقَاء الدّين من

جِهَة من لَهُ) الدّين (وَإِن كَانَ سَاقِطا فِي حق من عَلَيْهِ) الدّين (والسقوط بِالْمَوْتِ لضَرُورَة فَوت الْمحل فيتقدر) السُّقُوط (بِقَدرِهِ) أَي فَوت الْمحل (فَيظْهر) السُّقُوط (فِي حق من عَلَيْهِ لَا) فِي حق (من لَهُ وَإِن كَانَ) التَّبَرُّع عَلَيْهِ مَشْرُوعا (بطرِيق الصِّلَة للْغَيْر كَنَفَقَة الْمَحَارِم وَالزَّكَاة وَصدقَة الْفطر سَقَطت) هَذِه الصلات بِالْمَوْتِ (لِأَن الْمَوْت فَوق الرّقّ) فِي ضعف الذِّمَّة (وَلَا صلَة وَاجِبَة مَعَه) أَي مَعَ الرّقّ فَكَذَا بعد الْمَوْت بِالطَّرِيقِ الأولى (إِلَّا أَن يُوصي بِهِ) أَي بالمشروع صلَة (فَيعْتَبر كَغَيْرِهِ) أَي غير هَذَا الْمَشْرُوع من المشروعات: كَذَا قَالَ الشَّارِح، وَالْوَجْه أَن يُقَال أَي غير هَذَا الْإِيصَاء من الْوَصَايَا (من الثُّلُث) لتصحيح الشَّارِع ذَلِك مِنْهُ نظرا لَهُ (وَأما مَا شرع لَهُ) أَي للْمَيت (فَيبقى مِمَّا لَهُ) أَي للْمَيت (إِلَيْهِ حَاجَة قدر مَا تنْدَفع) الْحَاجة (بِهِ) الضَّمِير للموصول، وَقَوله قدر إِلَى آخِره بدل مِمَّا لَهُ وَمن فِي مِمَّا بَيَان للموصول الأول، وَالضَّمِير فِي يبْقى رَاجع إِلَيْهِ: وَيحْتَمل أَن يكون قدر إِلَى آخِره فَاعل يبْقى، وَمن فِي مِمَّا تبعيضية، وَيقدر مِنْهُ ليرتبط بِهِ مَا بعد الْفَاء بِمَا قبله (على ملكه) أَي الْمَيِّت مُتَعَلق بيبقى، وَقَوله (من التَّرِكَة) بَيَان لقَوْله مِمَّا لَهُ إِلَيْهِ حَال كَون ذَلِك الْمُحْتَاج إِلَيْهِ (دينا وَوَصِيَّة وجهازا) لَهُ مِمَّا يَلِيق بِهِ بِالْمَعْرُوفِ (وَيقدم) الجهاز على الدّين وَالْوَصِيَّة إِجْمَاعًا: لكَونه آكِد، وَهَذَا التَّقْدِيم فِي حق كل دين (إِلَّا فِي دين عَلَيْهِ) أَي الْمَيِّت (تعلق بِعَين) فَإِنَّهُ لَا يقدم الجهاز عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْعين (كالمرهون وَالْمُشْتَرِي قبل الْقَبْض، وَالْعَبْد الْجَانِي، فَفِي هَذِه) الصُّور وأمثالها (صَاحب الْحق أَحَق بِالْعينِ) من تَجْهِيزه، ويتقدم الدّين على الْوَصِيَّة بِالْإِجْمَاع، (وَلذَا أَي ولبقاء مَاله إِلَيْهِ حَاجَة (بقيت الْكِتَابَة بعد موت الْمولى لِحَاجَتِهِ) أَي الْمولى (إِلَى ثَوَاب الْعتْق) فِي الصِّحَاح السِّتَّة عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " أَيّمَا امْرِئ مُسلم أعتق امْرأ مُسلما استنقذ الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ فِي النَّار " وَالْمكَاتب بعد أَدَاء الْكِتَابَة مُعتق (وَحُصُول الْوَلَاء) الْمُرَتّب على الْإِعْتَاق لوَرثَته (و) بقيت الْكِتَابَة (بعد موت الْمكَاتب عَن وَفَاء) للكتابة (لِحَاجَتِهِ) أَي الْمكَاتب (إِلَى الْمَالِكِيَّة الَّتِي عقد لَهَا) عقد الْكِتَابَة (وحرية أَوْلَاده الْمَوْجُودين فِي لَهَا) أَي الْكِتَابَة ولدُوا فِيهَا أَو اشتراهم فِيهَا، وَزَوَال الرّقّ الَّذِي هُوَ أثر الْكفْر عَنهُ، وَعَن أَوْلَاده (فَيعتق) الْمكَاتب (فِي آخر جُزْء من حَيَاته) لِأَن الْإِرْث يثبت من وَقت الْمَوْت: فَلَا بُد من استناد الْملك وَالْعِتْق الْمُقَرّر لَهَا إِلَى ذَلِك الْوَقْت، وَلَا شكّ فِي أَن حُدُوث الْمَوْت مُتَّصِل بآخر جُزْء من الْحَيَاة فَاعْتبر ذَلِك الْجُزْء لِأَن وَقت الْمَوْت لَا يصلح لاعْتِبَار الْعتْق (دون المملوكية) مُتَّصِل بقوله لِحَاجَتِهِ إِلَى الْمَالِكِيَّة (إِذْ لَا حَاجَة) لَهُ إِلَى الْكِتَابَة (إِلَّا ضَرُورَة بَقَاء ملك الْيَد) ومحليته التَّصَرُّف إِلَى وَقت الْأَدَاء (ليمكن الْأَدَاء فبقاؤها) أَي الْكِتَابَة (كَون سَلامَة الإكساب قَائِمَة) أَي بَاقِيَة كَمَا كَانَ قبل الْوَقْت بِمُوجب عقد الْكِتَابَة (وَثُبُوت حريَّة الْأَوْلَاد عِنْد دفع ورثته) أَي الْمكَاتب مَال

الْكِتَابَة إِلَى الْمولى (وَثُبُوت عتقه) أَي الْمكَاتب فِي آخر جُزْء حَيَاته حَال كَونه (شَرط ذَلِك): أَي حريَّة الْأَوْلَاد الَّتِي تتفرع عَلَيْهَا وراثتهم، وَصِحَّة دفعهم مَال الْكِتَابَة (ضمني فَلَا يشْتَرط لَهُ) أَي لثُبُوت عتقه (الْأَهْلِيَّة) أَي أَهْلِيَّة الْمكَاتب، فَلَا يُقَال كَيفَ يثبت الْعتْق للْمَيت فترتب على هَذَا الثُّبُوت ثُبُوته فِي آخر حَيَاته مُسْتَندا فَإِن اشْتِرَاط الْأَهْلِيَّة لَهُ فِيمَا إِذا كَانَ غير ضمني فَقَوله دون المملوكية إِشَارَة إِلَى جَوَاب سُؤال مُقَدّر، وَهُوَ أَن بَقَاء الْكِتَابَة يحْتَاج إِلَى وجود المملوكية إِذْ لَا تصح كِتَابَته وَحَاصِل الْجَواب أَن حَاجَة هَذَا الْمبيت إِلَى بَقَاء الْكِنَايَة لَيْسَ إِلَّا لمصْلحَة بَقَاء ملك لَهُ، وَهَذِه الْمصلحَة حَاصِلَة إِذا اعْتبر عتقه من آخر جُزْء حَيَاته: فَالْمُرَاد بِبَقَاء الْكِتَابَة بَقَاء مَا هُوَ الْمَقْصد مِنْهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله فبقاؤها كَون سَلامَة الإكساب إِلَى آخِره (لملك الْمَغْصُوب) لما ثَبت شرطا لملك الْبَدَل وَكَانَ ثُبُوته ضمنيا ثَبت (عِنْد) أَدَاء (الْبَدَل) مُسْتَندا إِلَى وَقت الْغَصْب وَإِن كَانَ الْمَغْصُوب حَال الْأَدَاء هَالكا والهالك لَا أَهْلِيَّة لَهُ للمملوكية وَلما كَانَ هُنَا مَظَنَّة سُؤال وَهُوَ أَن بَقَاء الْكِتَابَة المستلزمة لاعْتِبَار الرّقّ رَقَبَة تنَافِي ثُبُوت الْإِرْث مِنْهُ قَالَ (وَمَعَ بَقَائِهَا) أَي الْكِتَابَة (يثبت الْإِرْث) لوَارِثه مِنْهُ (نظرا لَهُ) أَي للْمَيت (إِذْ هُوَ) أَي الْإِرْث (خلَافَة لِقَرَابَتِهِ وَزَوجته وَأهل دينه) فِيمَا يتْركهُ إِقَامَة من الشَّارِع لَهُم فِي ذَلِك مقَامه لينتفعوا كانتفاعه فَلَو لم يثبت الْإِرْث لَهُم لزم عدم رِعَايَة مصلحَة الْمَيِّت الْمَذْكُور، وَهُوَ خلاف مَا يَقْتَضِيهِ نظر الشَّارِع فِي حَقه (ولكونه) أَي الْمَيِّت (سَبَب الْخلَافَة خَالف التَّعْلِيق) للْمُعْتق وَغَيره (بِهِ) أَي بِالْمَوْتِ (على) الْمَعْنى (الْأَعَمّ) للتعليق (من الْإِضَافَة) كَقَوْلِه أَنْت حر غَدا، وَالتَّعْلِيق بِالْمَعْنَى الْأَخَص، وَهُوَ تَعْلِيق الحكم على مَا هُوَ على خطر الْوُقُوع، وَالْمعْنَى الْأَعَمّ لَهُ تَأْخِير الحكم عَن زمَان الْإِيجَاب لمَانع مِنْهُ حِينَئِذٍ مقترن بِهِ لفظا وَمعنى (غَيره) أَي غير التَّعْلِيق بِالْمَوْتِ، وَالتَّعْلِيق بِغَيْر الْمَوْت مَعْقُول خَالف علية كَونه سَببا للخلافة لمُخَالفَة التَّعْلِيق بِهِ التَّعْلِيق بِغَيْرِهِ: إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَار أَنه يسْتَلْزم تحقق الْمُعَلق بِهِ فِي زمَان قيام الْخَلِيفَة مقَام من صدر مِنْهُ التَّعْلِيق، فيراعى فِي هَذَا التَّعْلِيق جَانب الْخَلِيفَة، وباعتباره تخْتَلف الْأَحْكَام (فصح تَعْلِيق التَّمْلِيك بِهِ) بِالْمَوْتِ (وَهُوَ) أَي تَعْلِيق التَّمْلِيك (معنى الْوَصِيَّة) لِأَنَّهَا تمْلِيك مُضَاف لما بعد الْمَوْت، وَجه التَّفْرِيع أَنه لَو لم يكن الْمَوْت سَببا للخلافة لما صَحَّ تَعْلِيق التَّمْلِيك بِهِ لِأَن الْمُتَعَلّق بِالشّرطِ عِنْد وجود الشَّرْط تَنْجِيز من الْمُعَلق، وَهُوَ عِنْد ذَلِك ميت لَيْسَ بِأَهْل للتَّمْلِيك: لَكِن لما كَانَ خَليفَة قَائِما مقَامه صَار كَأَنَّهُ مَوْجُود عِنْد ذَلِك (وَلزِمَ تَعْلِيق الْعتْق بِهِ) أَي بِالْمَوْتِ (وَهُوَ) قَالَ الشَّارِح أَي لُزُومه، وَالْوَجْه أَن يُقَال أَي تَعْلِيق الْعتْق بِالْمَوْتِ (معنى التَّدْبِير الْمُطلق) وإطلاقه أَن لَا يُقيد الْمَوْت بِقَيْد كَأَن يَقُول: إِن مت فِي مرضِي هَذَا، وَنقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه قَالَ: إِنَّمَا قَالَ فصح تَعْلِيق التَّمْلِيك وَلزِمَ تَعْلِيق الْعتْق للْفرق بَين الْوَصِيَّة بِالْمَالِ وبالعتق لِأَن الْعتْق

لَا يحْتَمل الْفَسْخ: فَلَا يجوز رُجُوعه عَن تَعْلِيق الْعتْق بِهِ للزومه، وَصَحَّ فِي الْوَصِيَّة بِالْمَالِ لِأَن التَّعْلِيق يحْتَمل الْفَسْخ (فَلم يجز بَيْعه) أَي الْمُدبر الْمُطلق عِنْد الْحَنَفِيَّة والمالكية: بل قَالَ القَاضِي عِيَاض هُوَ قَول كَافَّة الْعلمَاء وَالسَّلَف من الْحِجَازِيِّينَ والكوفيين والشاميين (خلافًا لِأَحْمَد وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ) أَي التَّدْبِير الْمُطلق (وَصِيَّة وَالْبيع رُجُوع) عَنْهَا وَالرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة جَائِز (وَالْحَنَفِيَّة فرقوا بَينه) أَي التَّدْبِير الْمُطلق (وَبَين سَائِر التعليقات بِالْمَوْتِ بِأَنَّهُ) أَي التَّدْبِير (للتَّمْلِيك) أَي لتمليك العَبْد رقبته بعد الْمَوْت (وَالْإِضَافَة) للتَّمْلِيك إِي لتمليك (إِلَى زمَان زَوَال مالكيته لَا تصح وَصحت) سَائِر التعليقات بِالْمَوْتِ، وَمِنْهَا التَّدْبِير (فَعلم اعْتِبَاره) أَي التَّعَلُّق بِالْمَوْتِ (سَببا للْحَال شرعا) لِأَن اعْتِبَار سببيته فِي زمَان الْمُعَلق بِهِ، وَهُوَ الْمَوْت لَا يُمكن لِأَن زمَان زَوَال الْمَالِكِيَّة زَالَ وَلَا يعْمل السَّبَب بِدُونِ أَهْلِيَّة من لَهُ التَّصَرُّفَات فَإِن قلت هَذَا منَاف لما ذكرت من قيام الوراث مقَامه قلت ذَلِك فِي اعْتِبَار سببيته تنجيزا لحقيقة الْعتْق وَالتَّمْلِيك، والسببية الْمُعْتَبرَة حَال التَّعْلِيق لحق الْعتْق وَحقّ التَّمْلِيك (وَإِذ كَانَ أَنْت حر) فِي غير صُورَة التَّعْلِيق (سَببا لِلْعِتْقِ للْحَال وَهُوَ) أَي الْعتْق (تصرف لَا يقبل الْفَسْخ ثَبت بِهِ) أَي بأنت حر عَنهُ كَونه مُعَلّقا بِالْمَوْتِ (حق الْعتْق) للسَّبَبِيَّة الْقَائِمَة للْحَال على الْوَجْه الْمَذْكُور (وَهُوَ) أى حق الْعتْق (كالحقيقة) أى الْعتْق (كَأُمّ الْوَلَد) فانها اسْتحقَّت بِسَبَب الِاسْتِيلَاد حق الْعتْق للْحَال بالِاتِّفَاقِ (إِلَّا فِي سُقُوط التقوم) يَعْنِي أَن الْمُدبر كَأُمّ الْوَلَد فِي الْأَحْكَام إِلَّا فِي سُقُوط التقوم (فَإِنَّهَا) أَي أم الْوَلَد غير مُتَقَومَة عِنْد أبي حنيفَة (لَا تضمن بِالْغَضَبِ وَلَا بِإِعْتَاق أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه مِنْهَا) لِأَن الضَّمَان فرع الْمُتَقَوم بِخِلَاف الْمُدبر (لما عرف) فِي مَوْضِعه من أَن التقوم بإحراز الْمَالِيَّة، وَهُوَ أصل فِي الْأمة والتمتع بهَا تبع، وَلم يُوجد فِي الْمُدبر مَا يُوجب بطلَان هَذَا الأَصْل بِخِلَاف أم الْوَلَد فَإِنَّهَا لما استفرشت واستولدت صَارَت محرزة للمتعة، وَصَارَت الْمَالِيَّة تبعا فَسقط تقومها، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَومَة كالمدبر إِلَّا أَن الْمُدبر يسْعَى للْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة، وَأم الْوَلَد لَا تسْعَى لِأَنَّهَا مصروفة إِلَى الْحَاجة الْأَصْلِيَّة، وَهِي مُقَدّمَة عَلَيْهِم، وَالتَّدْبِير لَيْسَ من أصُول حَوَائِجه: فَيعْتَبر من الثُّلُث (وَلذَا) أَي بَقَاء الْمَالِكِيَّة بِقدر مَا تَنْقَضِي بِهِ حَاجَة الْمَيِّت (قُلْنَا الْمَرْأَة تغسل زَوجهَا لملكه إِيَّاهَا فِي الْعدة) لِأَن النِّكَاح فِي حكم الْقَائِم مَا لم تنقض (وَحَاجته) إِلَيْهَا فِي ذَلِك، فَإِن الْغسْل من الْخدمَة وَهِي فِي الْجُمْلَة من لوازمها، وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا غسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا نساؤه " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَقَالَ على شَرط مُسلم (وَأما مَا لَا يصلح لِحَاجَتِهِ) أَي الْمَيِّت (فالقصاص) فَإِنَّهُ شرع (لدرك الثأر) والنشفي، والثأر الدَّم (و) الدَّم (الْمُحْتَاج إِلَيْهِ الْوَرَثَة لَا الْمَيِّت. ثمَّ الْجِنَايَة) بقتْله (وَقعت على حَقهم لانتفاعهم بحياته) بالاستئناس بِهِ والانتصار بِهِ على

الْأَعْدَاء وَغير ذَلِك (وَحقه) أَي الْمَيِّت أَيْضا (بل هُوَ أولى) لِأَن انتفاعه بحياته أَكثر إِلَّا أَنه خرج عِنْد ثُبُوت الْحق عَن أَهْلِيَّة الْوُجُوب فَثَبت ابْتِدَاء للْوَرَثَة القائمين مقَامه: فالسبب انْعَقَد فِي حق الْمُورث وَالْحق وَجب للْوَرَثَة (فصح عَفوه) رِعَايَة لجَانب السَّبَب (وعفوهم قبل الْمَوْت) رِعَايَة لجَانب الْوَاجِب وَالسَّبَب مَعَ أَن الْعَفو مَنْدُوب إِلَيْهِ فَيجب تَصْحِيحه بِحَسب الْإِمْكَان، وَهَذَا اسْتِحْسَان. وَالْقِيَاس أَن لَا يَصح لما فِيهِ من إِسْقَاط الْحق قبل ثُبُوته (فَكَانَ) الْقصاص (ثَابتا ابْتِدَاء للْكُلّ) أَي لكل الْوَرَثَة (وَعنهُ) أَي عَن كَون الْقصاص ثَابتا للْوَرَثَة ابْتِدَاء (قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُورث الْقصاص) لِأَن الْإِرْث مَوْقُوف على الثُّبُوت للمورث ثمَّ النَّقْل عَنهُ إِلَى الْوَرَثَة (فَلَا ينْتَصب بعض الْوَرَثَة خصما عَن الْبَقِيَّة) فِي طلب الْقصاص (حَتَّى تُعَاد بَيِّنَة الْحَاضِر) يَعْنِي لَو كَانَ الْقصاص يُورث لانتصب بعض وَرَثَة المقنول عَن الْبَعْض فِي الطّلب كَسَائِر الْمَوَارِيث: لِأَن الْحق حِينَئِذٍ للمورث أَصَالَة، ويكفى لمصْلحَة الْخلَافَة وَاحِد مِنْهُم: لَكِن لما كَانَ الْحق لَهُم أَصَالَة كَانَ كل وَاحِد مِنْهُم مُنْفَردا بِدَعْوَاهُ: فَإِذا كَانَ بعض الْوَرَثَة حَاضرا دون بعض فَأَقَامَ الْحَاضِر بَيِّنَة لَا يكون منتصبا عَن الْغَائِب: ثمَّ إِذا حضر الْغَائِب وَأقَام بَيِّنَة تُعَاد بَيِّنَة الْحَاضِر (عِنْد حُضُور الْغَائِب، وَعِنْدَهُمَا يُورث) الْقصاص (لِأَن خَلفه) أَي الْقصاص من المَال (موروث إِجْمَاعًا وَلَا يُخَالف) بالخلف (الأَصْل، وَالْجَوَاب أَن ثُبُوته) أَي الْقصاص (حَقًا لَهُم لعدم صلاحيته) أَي الْقصاص (لِحَاجَتِهِ) أَي الْمَيِّت (فَإِذا صَار) الْقصاص (مَالا) بإن بدل بِهِ بِالصُّلْحِ أَو عَفْو الْبَعْض (وَهُوَ) أَي المَال (يصلح لحوائجه) أَي من التَّجْهِيز وَقَضَاء الدّين وتنفيذ الْوَصِيَّة (رَجَعَ) المَال الَّذِي هُوَ خَلفه (إِلَيْهِ) أَي الْمَيِّت (وَصَارَ كَأَنَّهُ الأَصْل) بِهَذَا الأَصْل كالدية فِي الْخَطَأ لِأَن الْخلف يجب بِالسَّبَبِ الَّذِي يجب بِهِ الأَصْل (فَيثبت لوَرثَته الْفَاضِل عَنْهَا) أَي حَوَائِجه خلَافَة لَا أَصَالَة، وَالْخلف قد يُفَارق الأَصْل فِي بعض الْأَحْكَام كالتيمم وَالْوُضُوء فِي اشْتِرَاط النِّيَّة فَهَذِهِ تفاصيل أَحْكَام الدُّنْيَا (وَأَحْكَام الْآخِرَة) وَهِي أَرْبَعَة: مَا يجب لَهُ على الْغَيْر من حق رَاجع إِلَى النَّفس أَو الْعرض أَو المَال، وَمَا يجب للْغَيْر عَلَيْهِ من حق كَذَلِك، وَمَا يلقاه من عِقَاب، وَمَا يلقاه من ثَوَاب (كلهَا ثَابِتَة فِي حَقه) أَي الْمَيِّت. (وَالنَّوْع الثَّانِي) من عوارض الْأَهْلِيَّة الْعَوَارِض (المكتسبة) الناشئة (من نَفسه و) من (غَيره فَمن الأولى) أَي المكتسبة من نَفسه (السكر) وَسَيَأْتِي حَده (وَهُوَ) بِاعْتِبَار مُبَاشرَة سَببه (محرم إِجْمَاعًا فَإِن كَانَ طَرِيقه مُبَاحا كسكر الْمُضْطَر إِلَى شرب الْخمر) وَهِي النئ من مَاء الْعِنَب إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد عِنْد أبي حنفية، وَلم يشْتَرط قذفه بالزبد، والاضطرار قد يكون لإساغة اللُّقْمَة وَدفع عَطش، وَقد يكون بإكراه على شربهَا بتهديد أَو بِقطع عُضْو (وَالْحَاصِل من

الْأَدْوِيَة) كالبنج والدواء مَا فِيهِ كَيْفيَّة خَارِجَة عَن الِاعْتِدَال بهَا تنفعل الطبيعة وتعجز عَن التَّصَرُّف فِيهِ (و) الْحَاصِل من (الأغذية المتخذة من غير الْعِنَب) والغذاء مَا ينفعل عَن الطبيعة فيتصرف فِيهِ، ويحيله إِلَى مشابهة المتغذى فَيصير جُزْءا مِنْهُ، بَدَلا عَمَّا يتَحَلَّل (والمثلث) وَهُوَ النيئ من مَاء الْعِنَب إِذا طبخ حَتَّى ذهب ثُلُثَاهُ ثمَّ رقق بِالْمَاءِ وَترك حَتَّى اشْتَدَّ: إِذا شرب مِنْهُ مَا دون السكر وَنَحْوه: أَي مَا ذكر (لَا بِقصد السكر) وَلَا للهو والطرب (بل) بِقصد (الاستمراء، وَالتَّقوى) على قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار إِلَى غير ذَلِك من الْعِبَادَات. فِي الْقَامُوس مرأ الطَّعَام مثلث الرَّاء. فَهُوَ مريء، هنيء حميد المغبة: أَي الْعَاقِبَة كَمَا هُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف فِيهِ، وَنَحْوه كالتداوي. ثمَّ قَوْله (فكالإغماء) لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنس اللَّهْو: بل يعد من الْأَمْرَاض (لَا يَصح مَعَه تصرف) كَالْبيع وَالشِّرَاء (وَلَا طَلَاق وَلَا عتاق، وَإِن روى عَنهُ) أَي عَن أبي حنيفَة، والراوي عَنهُ عبد الْعَزِيز التِّرْمِذِيّ (أَنه إِن علم البنح وَعَمله) أَي تَأْثِيره فِي الْعقل ثمَّ أقدم على أكله (صَحَّ) كل من طَلَاقه وعتاقه (وَإِن) كَانَ طَرِيقه (محرما كمن) أَي كالحاصل من تنَاول (محرم) أَو مثلث، وَمن الْمحرم شرب المثلث على قصد السكر أَو اللَّهْو أَو الطَّرب: كَذَا ذكره الشَّارِح، الْمُتَبَادر من الْعبارَة بِاعْتِبَار الْمُقَابلَة عدم دُخُول المثلث فِي الْمحرم، وَأَن يُرَاد بِهِ مَا لم يقْصد بِهِ السكر وَاللَّهْو غير أَنه حِينَئِذٍ يُنَافِي مَا سبق من قَوْله: (المثلث كَمَا لَا يخفى، فَلَزِمَ حمله على مَا ذكر: فَيكون من التَّخْصِيص بعد التَّعْمِيم لمزيد الاهتمام بِهِ (فَلَا يبطل التَّكْلِيف فَيلْزمهُ الْأَحْكَام، وَتَصِح عباراته من الطَّلَاق وَالْعتاق وَالْبيع وَالْإِقْرَار وتزويج الصغار والتزوج والإقراض، والاستقراض: لِأَن الْعقل قَائِم، وَإِنَّمَا عرض فَوَات فهم الْخطاب بمعصيته فَبَقيَ) التَّكْلِيف (فِي حق الْإِثْم وَالْقَضَاء) للعبادات الْمَشْرُوع لَهَا إِذا فَاتَتْهُ فِي حَال السكر، وَإِن كَانَ لَا يَصح أَدَاؤُهَا فِي تِلْكَ الْحَال، وَجعل الْفَهم كالموجود زجرا لَهُ (إِلَّا أَنه تجب الْكَفَاءَة مُطلقًا) أَي أَبَا كَانَ المزوج أوغيره (فِي تَزْوِيج الصغار) فِي هَذِه الْحَالة، وَمهر الْمثل على هَذَا أَيْضا (لِأَن إضراره بِنَفسِهِ لَا يُوجب) جَوَاز (إضرارها) يَعْنِي فِي التَّزْوِيج من غير الْكُفْء ضرران: على نَفسه، وَعَلَيْهَا فَإِن جوز إضراره بِنَفسِهِ لَا يجوز فِي حق غَيره، وَلَا يسْتَلْزم جَوَاز الأول جَوَاز الثَّانِي (وَيصِح إِسْلَامه) لوُجُود أصل العقد (كالمكره) أَي كَمَا صَحَّ إِسْلَام الْمُكْره لِأَن " الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعلى عَلَيْهِ ": كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا (لَا ردته لعدم الْقَصْد) لذكر كلمة الْكفْر بِدَلِيل أَنه لَا يذكرهَا بعد الصحو فَلم يُوجد ركنها وَهُوَ تبدل المَال، وَصَارَت كَمَا لَو جرت على لِسَان الصاحي خطأ (وبالهزل) أَي وَيكفر إِذا تكلم بالْكفْر هزلا مَعَ عدم تبدل اعْتِقَاده (للاستخفاف) أَي لِأَنَّهُ صدر

عَن قصد اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ، وَلَا استخفاف من السَّكْرَان لعدم الْقَصْد، وَعدم اعْتِبَار الشَّارِع إِدْرَاكه قَائِما بِهِ، عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صنع لنا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طَعَاما وَسَقَانَا من الْخمر فَأخذت الْخمْرَة منا وَحَضَرت الصَّلَاة فقدموني فَقَرَأت - قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ وَنحن نعْبد مَا تَعْبدُونَ - فَأنْزل الله تَعَالَى - {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} - قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح غَرِيب، ثمَّ هَذَا اسْتِحْسَان قدم على الْقيَاس، وَهُوَ صِحَة ردته لكَونه مُخَاطبا كالصاحي كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف. وَنقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَن عدم صِحَة إِرَادَته فِي الحكم، أما بَينه وَبَين الله تَعَالَى، فَإِن كَانَ فِي الْوَاقِع قصد أَن يتَكَلَّم بِهِ ذَاكِرًا مَعْنَاهُ كفر، وَإِلَّا فَلَا (وَلَو أقرّ بِمَا يحْتَمل الرُّجُوع كَالزِّنَا) وَشرب الْخمر وَالسَّرِقَة الصُّغْرَى والكبرى (لَا يحد، لِأَن حَالَة رُجُوعه يُوجب رُجُوعه) لعدم ثباته على شَيْء وَلَا سِيمَا على شَيْء يلْزم الْحَد مَعَ زِيَادَة شُبْهَة أَنه يكذب على نَفسه فيندرئ عَنهُ لِأَن مبْنى حق الله تَعَالَى على الْمُسَامحَة، نعم يضمن الْمَسْرُوق لِأَنَّهُ حق العَبْد وَلَا يبطل بِالرُّجُوعِ (و) لَو أقرّ (بِمَا لَا يحْتَملهُ) أَي الرُّجُوع (كَالْقصاصِ وَالْقَذْف وَغَيرهمَا أَو بَاشر سَبَب الْحَد) من زنا أَو سَرقَة أَو قذف مَعْطُوف على أقرّ (مُعَاينَة حد إِذا صَحا) إِذْ فِي حَال السكر لَا يحصل الانزجار الْمَقْصُود من الْحَد، وَاعْترض الشَّارِح بِأَنَّهُ يفهم من الْعبارَة أَن الْجَزَاء فِي جَمِيع ذَلِك حد وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ مَا هُوَ حق العَبْد كَالْقصاصِ لَيْسَ بِحَدّ، ثمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ المُرَاد حد إِذا صَحا وَأخذ بِمُوجب الْبَاقِي انْتهى وَالْأَمر فِيهِ هَين إِذْ يجوز إِطْلَاق الْحَد على الْكل تَغْلِيبًا. (وَحده) أَي السكر (اخْتِلَاط الْكَلَام والهذيان) على قَوْلهمَا وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَنقل الشَّارِح عَن المُصَنّف وَالْمرَاد أَن يكون غَالب كَلَامه هذيانا، فَإِن كَانَ نصفه مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بسكران، وَإِلَيْهِ مَال أَكثر الْمَشَايِخ واختاروه للْفَتْوَى، وَيُؤَيّد هَذَا التَّحْدِيد قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِذا سكر هذى، رَوَاهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله (وَزَاد أَبُو حنفية فِي) حد (السكر الْمُوجب للحد أَن لَا يُمَيّز بَين الْأَشْيَاء وَلَا يعرف الأَرْض من السَّمَاء) وَإِنَّمَا اعْتبرت السَّمَاء مبدأ معرفَة الأَرْض، لِأَن الْأَشْيَاء تتبين بأضدادها وهما بِمَنْزِلَة الضدين (إِذْ لَو ميز) بَينهمَا (فَفِيهِ) أَي فِي سكره (نُقْصَان وَهُوَ) أَي نقصانه (شُبْهَة الْعَدَم) أَي السكر وَهُوَ الصحو (فيندرئ) الْحَد (بِهِ) أَي بِهَذَا النُّقْصَان (وَأما) حد السكر (فِي غير وجوب الْحَد من الْأَحْكَام فَالْمُعْتَبر عِنْده أَيْضا اخْتِلَاط الْكَلَام حَتَّى لَا يترد بِكَلِمَة الْكفْر مَعَه) أَي مَعَ اخْتِلَاط الْكَلَام (وَلَا يلْزمه الْحَد بِالْإِقْرَارِ بِمَا يُوجب) الْحَد عِنْده. قَالَ الشَّارِح: قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله: وَإِنَّمَا اخْتَارُوا للْفَتْوَى قَوْلهمَا لضعف وَجه قَوْله وَذَلِكَ أَنه حَيْثُ قَالَ يُؤْخَذ فِي أَسبَاب

الْحُدُود بأقصاها فقد سلم أَن السكر يتَحَقَّق قبل الْحَالة الَّتِي عينهَا، وَأَنه تَتَفَاوَت مراتبه وكل مرتبَة هِيَ سكر وَالْحَد إِنَّمَا أنيط فِي الدَّلِيل الَّذِي أثبت حد السكر بِمَا يُسمى سكرا إِلَّا بالمرتبة الْأَخِيرَة مِنْهُ، على أَن الْحَالة الَّتِي ذكر قَلما يصل إِلَيْهَا سَكرَان فَيُؤَدِّي إِلَى عدم الْحَد بالسكر انْتهى. وَقيل اخْتِلَاط الْكَلَام أَو عدم التَّمْيِيز بَين الْأَشْيَاء لَيْسَ نفس السكر، وَإِنَّمَا هُوَ عَلامَة، فَقيل هُوَ معنى يزِيل الْعقل عِنْد مُبَاشرَة سَببه، وَقيل غَفلَة تعرض لغَلَبَة السرُور على الْعقل بِمُبَاشَرَة مُوجبهَا، فَتخرج الْغَفْلَة الَّتِي لَيست لغلبته كَالَّتِي من شرب الأفيون والبنج، فَإِنَّهَا من قبيل الْجُنُون لَا من السكر لَكِن ألحقت بِهِ شرغا للاشتراك فِي الحكم، وَفِيه مَا فِيهِ (وَمِنْهَا) أَي أَي من المكتسب من نَفسه (الْهزْل) وَهُوَ اللّعب لُغَة، وَاصْطِلَاحا (أَن لَا يُرَاد بِاللَّفْظِ ودلالته الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَلَا الْمجَازِي) بِأَن لَا يُرَاد بِهِ شَيْء، أَو يُرَاد بِهِ مَا لَا يَصح إِرَادَته مِنْهُ (ضِدّه الْجد: أَن يُرَاد بِاللَّفْظِ أَحدهمَا) أَي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي (وَمَا يَقع) الْهزْل (فِيهِ) من الْأَقْسَام (إنشاءات فرضاه) أَي الهازل (بِالْمُبَاشرَةِ) أَي التَّكَلُّم بألفاظها (لَا بحكمها) أَي لَا بِثُبُوت الْأَثر الْمُتَرَتب عَلَيْهَا على تَقْدِير إِرَادَة مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ أَو الْمجَازِي (أَو إخبارات أَو اعتقادات) لِأَن مَعَ يَقع فِيهِ الْهزْل إِن كَانَ إِحْدَاث حكم شَرْعِي فإنشاء، وَإِلَّا فَإِن كَانَ الْقَصْد مِنْهُ بَيَان الْوَاقِع فإخبار، وَإِلَّا فاعتقاد كَمَا سيشير إِلَيْهِ بقوله (وَالْأول) أَي الْإِنْشَاء (إِحْدَاث الحكم الشَّرْعِيّ أَي) إِحْدَاث (تعلقه) إِذْ نفس الحكم الشَّرْعِيّ قديم كَمَا مر غير مرّة (فَأَما) الْهزْل (فِيمَا يحْتَمل النَّقْض) أَي الْفَسْخ وَإِلَّا قَالَه (كَالْبيع وَالْإِجَارَة فإمَّا أَن يتواضعا فِي أَصله) أَي تجْرِي الْمُوَاضَعَة بَين الْعَاقِدين قبل العقد (على التَّكَلُّم بِهِ) أَي بِلَفْظ العقد (غير مريدين حكمه) أَي العقد (أَو) يتواضعا (على قدر الْعِوَض أَو) الثّمن أَو الْمَبِيع مثلا أَو يتواضعا على (جنسه) أَي الْعِوَض (فَفِي الأول) أَي فِيمَا تواضعا على أَصله (إِن اتفقَا بعده) أَي العقد (على الْإِعْرَاض عِنْده) أَي العقد (إِلَى الْجد) بِأَن فإلا بعد البيع: قد أعرضنا وَقت البيع عَن الْهزْل وبعنا بطرِيق الْجد (لزم البيع) وَبَطل الْهزْل، لِأَن العقد الصَّحِيح يقبل الْإِقَالَة: فَهَذَا أولى (أَو) اتفقَا (على الْبناء) للْعقد (عَلَيْهِ) أَي التَّوَاضُع (فكشرط الْخِيَار) أَي صَار العقد الْمُشْتَمل على شَرط الْخِيَار (لَهما) أَي الْعَاقِدين مُتَعَلق بِالْخِيَارِ (مُؤَبَّدًا إِذْ رَضِيا) فِي هَذَا كالعقد (بِالْمُبَاشرَةِ فَقَط) أَي بالحكم الَّذِي هُوَ الْملك أَيْضا كَمَا فِي الْخِيَار المؤبد (فَيفْسد) العقد فِيهِ كَمَا فِي الْخِيَار المؤبد (وَلَا يملك) الْمَبِيع فِيهِ (بِالْقَبْضِ لعدم الرِّضَا بالحكم) كَذَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة وَغَيره. وَفِي التَّلْوِيح لَو قَالَ لعدم اخْتِيَار الحكم لَكَانَ أولى، لِأَنَّهُ الْمَانِع من الْملك، لَا عدم الرِّضَا كالمشتري من الْمُكْره فَإِنَّهُ يملك بِالْقَبْضِ لوُجُود الِاخْتِيَار وَلم يُوجد الرِّضَا، إِذْ الِاخْتِيَار الْقَصْد إِلَى الشَّيْء وإرادته،

وَالرِّضَا إيثاره واستحسانه، وَالْمكْره على الشَّيْء يختاره وَلَا يرضاه. وَمن هُنَا قَالُوا: الْمعاصِي والقبائح بِإِرَادَة الله تَعَالَى، لَا بِرِضَاهُ انْتهى وَلَا يخفى عَلَيْك أَن فِيمَا نَحن فِيهِ كِلَاهُمَا معدومان، فَيحمل الرِّضَا على مَا يعمهما. ثمَّ هَذَا بِخِلَاف البيع الْفَاسِد من وَجه حَيْثُ يثبت الْملك بِالْقَبْضِ لوُجُود الرِّضَا بالحكم هُنَاكَ (فَإِن نقضه) أَي العقد الَّذِي اتفقَا على أَنه مَبْنِيّ على الْمُوَاضَعَة (أَحدهمَا) أَي الْعَاقِدين (انْتقض) لِأَن لكل مِنْهُمَا النَّقْض فينفرد بِهِ (لَا إِن أجَازه) أَي أَحدهمَا العقد دون الآخر لتوقفه على إجازتهما جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَخِيَار الشَّرْط لَهما (وَإِن أجازاه) أَي العاقدان العقد (جَازَ بِقَيْد الثَّلَاثَة) أَي بِشَرْط أَن تكون إجازتهما فِي ثَلَاثَة أَيَّام من وَقت العقد (عِنْده) أَي أبي حنيفَة كَمَا فِي الْخِيَار المؤبد عِنْده: أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله لارْتِفَاع الْمُفْسد لَا فِيمَا بعْدهَا لتقرر الْفساد بمضيها (ومطلقا) عِنْدهمَا: أَي وَجَاز إِذا أجازاه أَي وَقت أَرَادَا مَا لم يتَحَقَّق النَّقْض عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد كَمَا فِي الْخِيَار المؤبد عِنْدهمَا: فَهَذِهِ ثَانِيَة صور الِاتِّفَاق (أَو) اتفقَا على (إِن لم يحضرهما) أَي لم يَقع بخاطرهما وَقت العقد (شَيْء) أَي لَا الْبناء على الْمُوَاضَعَة وَلَا الْإِعْرَاض عَنْهَا، وَلَيْسَ معنى الِاتِّفَاق هَهُنَا قصدهما عدم خطور شَيْء من الْأَمريْنِ وَقت العقد، فَإِن هَذَا لقصد يسْتَلْزم الخطور، بل المُرَاد أَنَّهُمَا أخبرا بالِاتِّفَاقِ بخطور عَنْهُمَا وَقت العقد، وَهَذِه ثَالِثَة صور الِاتِّفَاق (أَو اخْتلفَا فِي الْإِعْرَاض) عَن الْمُوَاضَعَة (وَالْبناء) عَلَيْهَا فَقَالَ أَحدهمَا بنيت العقد على الْمُوَاضَعَة، وَقَالَ الآخر: أَعرَضت عَنْهَا بالجد (صَحَّ العقد عِنْده) أَي أبي حنيفَة فيهمَا (عملا بِمَا هُوَ الأَصْل فِي العقد) الشَّرْعِيّ، وَهُوَ الصِّحَّة واللزوم، لِأَنَّهُ شرع للْملك وَالْجد هُوَ الظَّاهِر فِيهِ (وَهُوَ) أَي الْعَمَل بِالْأَصْلِ فِيهِ (أولى من اعْتِبَار الْمُوَاضَعَة) لِأَنَّهَا عَارض لم تنور دَعْوَى مدعيها بِالْبَيَانِ فلايكون القَوْل قَوْله كَمَا فِي خِيَار الشَّرْط (وَلم يَصح) العقد فيهمَا (عِنْدهمَا لعادة الْبناء) أَي لِأَن الْمُعْتَاد فِي مثله الْبناء على الْمُوَاضَعَة السَّابِقَة (وَكيلا تلغوا الْمُوَاضَعَة السَّابِقَة) فَيكون الِاشْتِغَال بهَا عَبَثا (و) لَا يفوت (الْمَقْصُود وَهُوَ صون المَال عَن المتغلب) مثلا (فَهُوَ) أَي الْبناء على الْمُوَاضَعَة (الظَّاهِر، وَدفع بِأَن) الْقَيْد (الآخر) الْخَالِي عَن أَن يحضرهما شَيْء (نَاسخ) للمواضع السَّابِقَة: مَعَ أَن الْأَلْيَق بِحَال أهل الدّيانَة الرُّجُوع عَن الْمُوَاضَعَة، وَرجح المُصَنّف قَوْلهمَا بقوله (وَقد يُقَال هُوَ) أَي كَون الآخر نَاسِخا لَهَا (فرع الرِّضَا) بِهِ إِذْ مدَار الْعُقُود والفسوخ على المراضاة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ مُجَرّد صُورَة العقد لَا يستلزمه) أَي الْفَسْخ وَفسخ مَا اتفقَا عَلَيْهِ (إِلَّا بِاعْتِبَارِهِ) أَي الرِّضَا بِهِ وَقد (فرض عدم إِرَادَة شَيْء) فِي الصُّورَة الثَّالِثَة (فَيصْرف) العقد (إِلَى مُوَافقَة) العقد (الأول) أَي الْمُوَافقَة السَّابِقَة (وَكَون أَحدهمَا أعرض) فِي الصُّور الرَّابِعَة (لَا يُوجب صِحَّته) أَي العقد (إِذْ لَا يقوم العقد إِلَّا برضاهما، وَلَو قَالَ أَحدهمَا أَعرَضت) عِنْد العقد عَن الْمُوَاضَعَة السَّابِقَة (و) قَالَ (الآخر

لم يحضرني شَيْء) وَهَذِه صُورَة خَامِسَة (أَو بني أَحدهمَا) أَي قَالَ أَحدهمَا إِنِّي بنيت العقد على الْمُوَاضَعَة (وَقَالَ الآخر لم يحضرني) شَيْء، وَهَذِه صُورَة سادسة (فعلى أَصله) أَي أبي حنيفَة يجب أَن يكون (عدم الْحُضُور كالإعراض) فِي صِحَة العقد عملا بِمَا هُوَ الأَصْل فِي العقد فكأنهما أعرضا مَعًا فِي الصُّورَة الأولى، وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة بإعراض أَحدهمَا تَنْتفِي الْمُوَاضَعَة فَيصح العقد (وهما) يجعلان عدم الْحُضُور على أَصلهمَا (كالبناء) على الْمُوَاضَعَة تَرْجِيحا للمواضعة على الْإِعْرَاض بِالْعَادَةِ وأليق فَلَا يَصح العقد فِي شَيْء مِنْهُمَا. وَفِي التَّلْوِيح هَذَا مَأْخُوذ من صُورَة اتِّفَاقهمَا على أَنه لم يحضرهما شَيْء فَإِنَّهُ عِنْد أبي حنيفَة بِمَنْزِلَة الْإِعْرَاض، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَة الْبناء، وَأورد عَلَيْهِ أَنه لم تظهر جِهَة الصِّحَّة على قَول أبي حنيفَة فِيمَا إِذا بنى أَحدهمَا، وَقَالَ الآخر: لم يحضرني شَيْء فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن لَا يَصح على أَصله لِاجْتِمَاع الْمُصَحح والمفسد وَالتَّرْجِيح للمفسد، وَكَذَا ذكره الشَّارِح وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْمُصَحح إِنَّمَا هُوَ الأَصْل فِي العقد وَهُوَ الصِّحَّة، وَلَا مُفسد هُنَا سوى الْمُوَاضَعَة فَلَا تتَحَقَّق الْمُوَاضَعَة إِلَّا ببنائهما مَعًا، وَقد عرفت أَن عدم الْحُضُور كالإعراض عَن الْمُوَاضَعَة عِنْده، وعَلى تَقْدِير تَسْلِيم هَذِه الْمُقدمَة لَا يرد شَيْء على مَا فِي التَّلْوِيح لِأَنَّهُ لَا يضر بِكَوْنِهِ مأخوذا من صُورَة الِاتِّفَاق كَون تقدمتها مدخولة (وَلَا يخفى أَن تمسكه) أَي أبي حنيفَة (بِأَن الأَصْل فِي العقد الصِّحَّة وهما) أَي تمسكهما (بِأَن الْعَادة تَحْقِيق الْمُوَاضَعَة السَّابِقَة هُوَ) أَي كل من التمسكين (فِيمَا إِذا اخْتلفَا فِي دَعْوَى الْإِعْرَاض أَو الْبناء) بِأَن يدعى أَحدهمَا أَنه كَانَ هُنَاكَ إِعْرَاض من الْجَانِبَيْنِ أَو من جَانب، وَيَدعِي الآخر خِلَافه: وَكَذَا فِي الْبناء (وَأما إِذا اتفقَا على الِاخْتِلَاف بِأَن يقرا بإعراض أَحدهمَا وَبِنَاء الآخر فَلَا قَائِل بِالصِّحَّةِ) بل عدم الصِّحَّة حِينَئِذٍ بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ ظَاهر (ومجموع صور الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ، فالاتفاق على إعراضهما أَو بنائهما أَو ذهولهما أَو بِنَاء أَحدهمَا وإعراض الآخر أَو) بِنَاء أَحدهمَا (وذهوله) أَي الآخر (أَو إِعْرَاض أَحدهمَا وَذُهُول الآخر سِتَّة، وَالِاخْتِلَاف) أَي صوره وَهِي (دَعْوَى أَحدهمَا إعراضهما و) دعواهما (بناءهما و) دَعْوَاهُ (ذهولهما و) دَعْوَاهُ (بناءه) أَي أَحدهمَا الْمُدَّعِي (مَعَ إِعْرَاض الآخر أَو) دَعْوَاهُ بناءه مَعَ (ذُهُوله) أَي الآخر (و) دَعْوَاهُ (إعراضه مَعَ بِنَاء الآخر أَو) دَعْوَاهُ إعراضه (مَعَ ذُهُوله) أَي الآخر (و) دَعْوَاهُ (ذُهُوله مَعَ بِنَاء الآخر أَو) دَعْوَاهُ ذُهُوله مَعَ (إعراضه) أَي الآخر وَقَوله وَالِاخْتِلَاف مُبْتَدأ خَبره (تِسْعَة، وكل) من الصُّور التِّسْعَة يركب (مَعَ دَعْوَى) الْعَاقِد (الآخر) وَهُوَ (إِحْدَى الثَّمَانِية الْبَاقِيَة) وَإِنَّمَا نقص عدم المضموم إِلَيْهِ بِوَاحِدَة وَهِي مُوَافقَة لما ضم إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي بَيَان صور الِاخْتِلَاف، فَإِذا ضربت التِّسْعَة فِي الثَّمَانِية (تمت) صور الِاخْتِلَاف الْحَاصِلَة من الضَّرْب (ثِنْتَيْنِ وَسبعين و) ضم إِلَيْهَا (سِتَّة الِاتِّفَاق) على مَا آنِفا، فمجموع صور الِاتِّفَاق

وَالِاخْتِلَاف ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ. قَالَ الشَّارِح: قيل وَالْحق أَن يَجْعَل صور الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف سِتا وَثَلَاثِينَ إِن أَرَادَ بِأَحَدِهِمَا غير معِين، وَإِحْدَى وَثَمَانِينَ إِن أَرَادَ معينا، فَحِينَئِذٍ صور الِاتِّفَاق تسع وصور الِاخْتِلَاف اثْنَان وَسَبْعُونَ انْتهى، هَكَذَا نقل، وَقد تبين مُرَاد هَذَا الْقَائِل مَعَ كَمَال حَاجته إِلَى الْبَيَان، وَلَعَلَّه أَرَادَ بِأَحَدِهِمَا الَّذِي جوز فِيهِ التَّعْيِين وَعدم التَّخْيِير أحد الْعَاقِدين وَأَنه إِذا لم يعين بِحَيْثُ يعم كلا مِنْهُمَا على سَبِيل الْبَدَل لم يتَحَقَّق فِي الِاخْتِلَاف تسع صور بل ينْحَصر فِي فِي سِتّ: دَعْوَاهُ إعراضهما أَو بناءهما أَو ذهولهما أَو إِعْرَاض أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين مَعَ بِنَاء الآخر أَو ذُهُوله وَلم يبْق إِلَّا دَعْوَاهُ بِنَاء أَحدهمَا مَعَ ذُهُول الآخر، وَلَا يُمكن أَن يُقَال حِينَئِذٍ أَو مَعَ إعراضه لاندراجه فِيمَا سبق بِسَبَب تَعْمِيم أَحدهمَا، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى إِعْرَاض زيد مَعَ بِنَاء عَمْرو أَو ذُهُوله أَو ادّعى بِنَاء زيد مَعَ إِعْرَاض عَمْرو أَو ذُهُوله أَو ادّعى ذُهُول زيد مَعَ إِعْرَاض عَمْرو أَو بنائِهِ فَهَذِهِ سِتَّة بعد تِلْكَ الثَّلَاثَة الأول وَلَا يخفى أَن مَجْمُوع صور الِاخْتِلَاف إِذا كَانَت سِتَّة وَضربت فِي الْخَمْسَة يحصل ثَلَاثُونَ، وَإِذا كَانَت تِسْعَة وَضربت فِي الثَّمَانِية يحصل مَا ذكره المُصَنّف، وعَلى هَذَا الِاتِّفَاق عدم التَّعْيِين لعدم النزاع الْمخْرج إِلَى ذكر تِلْكَ التفاصيل (وَأما) أَن يتواضعا (فِي قدر الْعِوَض بِأَن تواضعا) على البيع بِأَلفَيْنِ وَالثمن بِأَلف) أَي وعَلى أَن الثّمن ألف (فهما) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (يعملان) فِي جَمِيع صور الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف (بالمواضعة) فيحكمان بِمَا تواضعا عَلَيْهِ (إِلَّا فِي إعراضهما) عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يعملان بِالْإِعْرَاضِ فَيصح العقد على أَلفَيْنِ وَهُوَ رِوَايَة مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء عَن أبي حنيفَة (وَهُوَ) أَي أَبُو حنيفَة فِي الْأَصَح عَنهُ يعْمل (بِالْعقدِ) فَنَقُول بِصِحَّتِهِ بِأَلفَيْنِ (فِي الْكل، وَالْفرق لَهُ) أَي لأبي حنيفَة (بَين الْبناء هُنَا وثمة) أَي فِيمَا إِذا كَانَ الْمُوَاضَعَة فِي الحكم يحكم بِمُوجب الْمُوَاضَعَة بِسَبَب (أَن الْعَمَل بالمواضعة) هُنَا (يَجْعَل قبُول أحد الْأَلفَيْنِ شرطا لقبُول البيع بِالْألف) الآخر لعدم دُخُول الآخر فِي العقد فَيصير كَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُك بِأَلفَيْنِ على أَن لَا يجب أحد الْأَلفَيْنِ وَهَذَا شَرط فَاسد لِأَنَّهُ خلاف مُقْتَضى العقد وَفِيه نفع لأَحَدهمَا (فَيفْسد) البيع لنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع وَشرط، رَوَاهُ أَبُو حنيفَة (فَالْحَاصِل التَّنَافِي بَين تَصْحِيحه) أَي تَصْحِيح أصل العقد الَّذِي لَا مواضعة فِيهِ (وَاعْتِبَار الْمُوَاضَعَة) المستلزم وجود الشَّرْط الْفَاسِد وَلزِمَ اعْتِبَار أَحدهمَا صونا لتصرف الْعَاقِل عَن الإهدار بِحَسب الْإِمْكَان، وَقد ثَبت تَصْحِيح العقد (تَرْجِيحا للْأَصْل) وَهُوَ العقد الْمُحَقق بالِاتِّفَاقِ على خلاف الأَصْل (فينتفى الثَّانِي) وَهُوَ اعْتِبَار الْمُوَاضَعَة، فَإِن الأَصْل فِي الْعُقُود الْجد لَا الْهزْل، فرعاية جَانب العقد بِحمْلِهِ على الْجد أولى من رِعَايَة جَانب الْمُوَاضَعَة الَّتِي كالهزل، وللشارح هَهُنَا كَلَام غير مستحسن يفهم مِنْهُ أَنه حمل الأَصْل على الْمَبِيع، وَالْمعْنَى تَرْجِيحا للْمَبِيع الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي الْوَصْف الَّذِي هُوَ الثّمن وَعلله بقوله

إِذْ هُوَ وَسِيلَة إِلَى الْمَبِيع لَا مَقْصُود وَإِلَّا لزم إهدار الأَصْل لاعْتِبَار وَهُوَ بَاطِل انْتهى وَلَا يخفى أَنه يَصح هَذَا على تَقْدِير أَن يكون الْعَمَل بالمواضعة مستلزما تَرْجِيح الثّمن على الْمَبِيع وَهُوَ غير ظَاهر، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: اعْتِبَار الزِّيَادَة فِي الثّمن رِعَايَة للْمَبِيع لكنه لَا يبْقى حِينَئِذٍ ارتباط تَامّ بَين الْحَاصِل وَمَا قبله فَتدبر (وَإِمَّا) أَن يتواضعا (فِي جنسه) أَي الثّمن بِأَن يتَّفقَا على إِظْهَار العقد بِمِائَة دِينَار مثلا وَيكون الثّمن فِي الْوَاقِع ألف دِرْهَم (فَالْعَمَل بِالْعقدِ اتِّفَاقًا فِي الْكل) أَي فِي جَمِيع صور الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف فِيمَا سبق (وَالْفرق لَهما) بَين الْهزْل فِي الْقدر وَالْجِنْس حَيْثُ قَالَا فِي الْقدر يعْمل بالمواضعة فِي الْبناء، وَفِي الْجِنْس يعْمل بِالْعقدِ فِيهِ (أَن الْعَمَل بالمواضعة مَعَ الصِّحَّة غير مُمكن هُنَا، لِأَن البيع يعْدم لعدم تَسْمِيَة بدل) فِيهِ، إِذْ هِيَ رُكْنه (وَبِاعْتِبَار الْمُوَاضَعَة يكون) الْبَدَل (ألفا وَلَيْسَ الْألف مَذْكُورا فِي العقد بل) الْمَذْكُور فِيهِ (مائَة دِينَار وَهِي غير الثّمن) فَلَا يُمكن تَصْحِيح العقد، فَإِن قيل فَلْيَكُن الْعَمَل بالمواضعة يَنْفِي تَصْحِيح العقد فَالْجَوَاب أَن الْعَمَل بهَا لَيْسَ التَّحْقِيق غرضهما مِنْهَا: وَهِي صِحَة العقد مَعَ الْبَدَل المتواضع عَلَيْهِ وَهُوَ غير مُمكن لما ذكر (بِخِلَافِهَا) أَي الْمُوَاضَعَة (فِي الْقدر) فَإِنَّهُ (يُمكن التَّصْحِيح) للْعقد المتواضع عَلَيْهِ (مَعَ اعتبارهما) أَي الْمُوَاضَعَة (فَإِنَّهُ ينْعَقد) البيع (بِالْألف الكائنة فِي ضمن الْأَلفَيْنِ) ثمَّ أَرَادَ أَن يبين جوابهما عَن قَول أبي حنيفَة أَنه يفْسد البيع بِالشّرطِ الْمَذْكُور فَقَالَ (والهزل بِالْألف الْأُخْرَى شَرط لَا طَالب لَهُ من الْعباد لَا تفاقهما على عدم ثمنيته) فوجوده كَعَدَمِهِ (وَلَا يفْسد) العقد بِهِ اذ كل شَرط لَا طَالب لَهُ من الْعباد غير مُفسد لعدم إفضائه إِلَى الْمُنَازعَة (كَشَرط أَن لَا يعلف الدَّابَّة) تعقب عَلَيْهِ صدر الشَّرِيعَة بِأَن الشَّرْط فِيمَا نَحن فِيهِ لأحد الْمُتَعَاقدين، لَكِن لَا يُطَالب للمواضعة وَهُوَ لَا يُفِيد الصِّحَّة كالرضا بالربا انْتهى، وَقد يُنَاقض أَيْضا بِأَنَّهُ رُبمَا تنَازع أَحدهمَا رُجُوعا مِنْهُ عَن الْمُوَاضَعَة فَلْيتَأَمَّل (وَأما فِيمَا لَا يحْتَملهُ) أَي النَّقْص لكَونه مِمَّا لَا يجْرِي فِيهِ الْفَسْخ وَالْإِقَالَة (مِمَّا لَا مَال فِيهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْق) مجَازًا فيهمَا (وَالْعَفو) عَن الْقصاص (وَالْيَمِين وَالنّذر فَيصح) كل من هَذَا النَّوْع (وَيبْطل الْهزْل للرضا بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ ملزوم للْحكم شرعا) فَلَا يمْنَع الْهزْل من العقد فَينْعَقد. ثمَّ بَين المُرَاد من السَّبَب بقوله (أَي الْعلَّة) وَسَنذكر مَا يُؤَيّدهُ من السّنة (وَلذَا) أَي لكَونه ملزوما للْحكم (لَا يحْتَمل شَرط الْخِيَار) لِأَنَّهُ يُفِيد التَّرَاخِي فِي الحكم، وَمن حكم هَذِه الْأَسْبَاب عدم التَّرَاخِي فِيهِ (بِخِلَاف قَوْلنَا الطَّلَاق الْمُضَاف) كَأَنْت طَالِق غَدا (سَبَب للْحَال فَإِنَّهُ) أَي السَّبَب (يَعْنِي بِهِ المفضي) إِلَى الْوُقُوع، لَا الْعلَّة وَلذَا لَا يسْتَند إِلَى وَقت الْإِيجَاب، وَجَاز تَأَخّر الحكم عَنهُ، وَلَو كَانَ عِلّة لاستند كَمَا فِي البيع بِخِلَاف الشَّرْط وَالْحَاصِل أَن الطَّلَاق الْمُنجز عِلّة ملزومة الحكم، فَإِذا أضيف صَار سَببا فَقَط، وَحَقِيقَة السَّبَب مَا يُفْضِي إِلَى الحكم إفضاء لَا يسْتَلْزم فِي الْحَال (وَمَا فِيهِ) المَال تبعا

(كَالنِّكَاحِ) فَإِن الْمَقْصد الْأَصْلِيّ فِيهِ من الْجَانِبَيْنِ الجل للتوالد، وَالْمَال شرع فِيهِ لإِظْهَار خطر الْمحل، وَكَذَا يَصح بِدُونِ ذكر الْمهْر ويتحمل فِي الْمهْر من الْجَهَالَة مَا لَا يتَحَمَّل فِي غَيره، وَنقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَن كَون النِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ مَحل نظر فَإِن التَّفْرِيق بَين الزَّوْجَيْنِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَة ونقصان الْمهْر وَخيَار الْبلُوغ وبردتها فسخ (فَإِن) تواضعا (فِي أَصله) أَي النِّكَاح بِأَن قَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أتزوجك بِأَلف هازلا عِنْد النَّاس، وَلَا يكون بَيْننَا فِي الْوَاقِع نِكَاح، ووافقته على ذَلِك وَحضر الشُّهُود عِنْد العقد (لزم) النِّكَاح وانعقد صَحِيحا قَضَاء وديانة سَوَاء اتفقَا على الْإِعْرَاض أَو الْبناء أَو أَنه لم يحضرهما شَيْء وَاخْتلفَا على مَا مر لعدم تَأْثِير الْهزْل فِيهِ لكَونه غير مُحْتَمل الْفَسْخ، وَفِيه مَا مر، فَالْأولى أَن يسْتَدلّ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " ثَلَاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ: النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة " رَوَاهُ أَحْمد، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حسن غَرِيب وَصَححهُ الْحَاكِم (أَو) تواضعا (فِي قدر الْمهْر) أَي على أَلفَيْنِ وَيكون فِي الْوَاقِع ألفا (فَإِن اتفقَا على الْإِعْرَاض فألفان) أَي فالمهر أَلفَانِ لبالاتفاق بطلَان الْمُوَاضَعَة بإعراضهما عَنْهُمَا (أَو) اتفقَا على (الْبناء فألف) الْمهْر بالِاتِّفَاقِ: لِأَن الْمهْر الآخر ذكر هزلا وَلَا مَانع من اعْتِبَار الْهزْل فِيهِ: إِذْ المَال لَا يجب مَعَ الْهزْل (وَالْفرق لَهُ) أَي لأبي حنيفَة (بَينه) أَي الْهزْل بِقدر الْمهْر (وَبَين) الْهزْل فِي قدر الثّمن فِي (الْمَبِيع) حَيْثُ اعْتبر التَّسْمِيَة فِي الِاتِّفَاق على الْبناء فِي الْمُوَاضَعَة على قدر الْبَدَل فِيهِ، وَاعْتبر الْمُوَاضَعَة هَهُنَا ل (أَنه) أَي البيع (يفْسد بِالشّرطِ) الْفَاسِد، وَقد مرّ وَجه فَسَاده وَقد قصدا صِحَّته (لَا النِّكَاح) أَي بِخِلَاف النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يفْسد بِهِ فَأمكن اعْتِبَار الْمُوَاضَعَة فِيهِ من غير لُزُوم فَسَاد (وَإِن اتفقَا أَنه لم يحضرهما شَيْء، أَو اخْتلفَا) بِوَجْه من وُجُوه الِاخْتِلَاف وَقد عرفتها (جَازَ) النِّكَاح (بِأَلف فِي رِوَايَة مُحَمَّد عَنهُ) أَي أبي حنيفَة (بِخِلَاف البيع، لِأَن الْمهْر تَابع) فِي عقد النِّكَاح (حَتَّى صَحَّ العقد بِدُونِهِ فَيعْمل بِالْهَزْلِ بِخِلَاف البيع) فَإِن الثّمن وَإِن كَانَ فِيهِ وَصفا غير مَقْصُود بِالذَّاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَبِيع إِلَّا أَنه مَقْصُود بِالْإِيجَابِ لكَونه ركنا (حَتَّى فسد) البيع (لِمَعْنى فِي الثّمن) كجهالته (فضلا عَن عَدمه) أَي الثّمن (فَهُوَ) أَي الثّمن (كَالْمَبِيعِ وَالْعَمَل بِالْهَزْلِ يَجعله شرطا فَاسِدا) كَمَا عرفت (فَيلْزم مَا تقدم) من التَّنَافِي بَين تَصْحِيح العقد وَاعْتِبَار الْمُوَاضَعَة وَثُبُوت التَّصْحِيح تَرْجِيحا للْأَصْل (وَفِي رِوَايَة) عَن (أبي يُوسُف) عَن أَبى حنيفَة (وَهِي الْأَصَح) كَمَا ذكر فَخر الْإِسْلَام وَغَيره يلْزمه (أَلفَانِ كَالْبيع لِأَن كلا) من الْمهْر وَالثمن (لَا يثبت إِلَّا قصدا ونصا، وَالْعقل يمْنَع من الثَّبَات على الْهزْل فَيجْعَل) عِنْدهمَا بِأَلفَيْنِ عقدا (مُبْتَدأ عِنْد اخْتِلَافهمَا) لَا بِنَاء على الْمُوَاضَعَة كَذَا فِي كشف الْمنَار. وَفِي كشف الْكَبِير وَغَيره لِأَن نفي الْفساد إهدار لجَانب الْفساد، وَاعْتِبَار للْجدّ الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي الْكَلَام (أَو) تواضعا (فِي الْجِنْس) أَي جنس الْمهْر بِأَن يذكرَا عِنْد العقد مائَة دِينَار، وَالْمهْر فِي الْوَاقِع

ألف دِرْهَم (فَإِن اتفقَا على الْإِعْرَاض فالمسمى) أَي فَالْوَاجِب مَا سمياه عِنْد العقد، وَهُوَ مائَة دِينَار لبُطْلَان الْمُوَاضَعَة بِالْإِعْرَاضِ (أَو) توافقا على (الْبناء فمهر الْمثل إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ تزوج بِلَا مهر: إِذْ الْمُسَمّى هزل وَلَا يثبت المَال بِهِ) أَي بِالْهَزْلِ (والمتواضع عَلَيْهِ لم يذكر فِي العقد) والتزوج بِلَا ذكر مهر يُوجب مهر الْمثل (بِخِلَافِهَا) أَي الْمُوَاضَعَة (فِي الْقدر، لِأَنَّهُ) أَي الْقدر المتواضع عَلَيْهِ كالألف (مَذْكُور ضمن الْمَذْكُور) فِي العقد كالألفين (أَو) توافقا (على أَن لم يحضرهما) شَيْء (أَو اخْتلفَا فِي الْإِعْرَاض وَالْبناء، فَفِي رِوَايَة مُحَمَّد) عَن أبي حنيفَة الْوَاجِب (مهر الْمثل: لِأَن الأَصْل بطلَان الْمُسَمّى كَيْلا يصير الْمهْر مَقْصُودا بِالصِّحَّةِ كَالْبيع) يَعْنِي لما وَقع الثَّانِي بَين صِحَة العقد بِاعْتِبَار الْمُسَمّى وَبَين مُوجب الْمُوَاضَعَة تعين الْمصير إِلَى بطلَان الْمُسَمّى، لِأَنَّهُ لَو لم يحكم بِبُطْلَانِهِ، بل يصحح للَزِمَ صيرورة الْمهْر مثل الثّمن فِي البيع فِي كَونهمَا مقصودين بِالصِّحَّةِ، وَقد سبق أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بِهَذَا الِاعْتِبَار، فَإِن الثّمن ركن وَالْمهْر تَابع، وَقد بَين ذَلِك (فَيلْزم مهر الْمثل) عِنْد بطلَان الْمُسَمّى (وَفِي رِوَايَة أبي يُوسُف) عَن أبي حنيفَة الْوَاجِب (الْمُسَمّى) والمواضعة بَاطِلَة (كَالْبيع) أَي مثل الثّمن، لِأَن كلا من الْمهْر وَالثمن لَا يثبت إِلَّا قصدا ونصا إِلَى آخر مَا ذكر آنِفا (وَعِنْدَهُمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد يجب (مهر الْمثل لترجيحهما الْمُوَاضَعَة بِالْعَادَةِ فَلَا مهر) مُسَمّى (لعدم الذّكر فِي العقد) لبُطْلَان الْمُسَمّى بتسميته فترجح الْمُوَاضَعَة (و) عدم (ثُبُوت المَال بِالْهَزْلِ وَمَا) يثبت (فِيهِ) المَال (مَقْصُودا بِأَن لَا يثبت بِلَا ذكره) أَي المَال (كالخلع وَالْعِتْق على مَال، وَالصُّلْح عَن دم الْعمد فهزلها) أَي الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة (فِي الأَصْل) أَي فِي أصل هَذِه الْعُقُود بِأَن تواضعا أَن يطلقهَا بِمَال، أَو يعتقهُ على مَال، أَو يصالحه عَن دم الْعمد على مَال على وَجه الْهزْل، وَلم يكن هُنَاكَ فِي الْوَاقِع طَلَاق وَلَا عتاق وَلَا صلح (أَو الْقدر) بِأَن طَلقهَا على أَلفَيْنِ، أَو أعْتقهُ عَلَيْهِمَا، أَو صَالحه عَن الدَّم كَذَلِك مَعَ الْمُوَاضَعَة بِأَن المَال ألف (أَو الْجِنْس) بِأَن يُطلق أَو يعْتق، أَو يُصَالح على مائَة دِينَار مَعَ الْمُوَاضَعَة على أَن الْوَاجِب ألف دِرْهَم (يلْزم) من الْإِلْزَام، وَالضَّمِير للموصول: أَعنِي مَا فِيهِ (الطَّلَاق) مفعول يلْزم (وَالْمَال) كِلَاهُمَا فِي الأولى (فِي) صُورَة الِاتِّفَاق على (الْإِعْرَاض و) فِي صُورَة الإتفاق على (عدم الْحُضُور) بِأَن يتَّفقَا على أَنه لم يحضرهما حَال العقد شَيْء من الْإِعْرَاض وَالْبناء (و) فِي صُورَة (الِاخْتِلَاف فِي الْإِعْرَاض وَالْبناء اتِّفَاقًا) أَي بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة مَعَ اخْتِلَاف فِي التَّرْجِيح (فَفِي الْأَخيرينِ) أَي عدم الْحُضُور بِأَن يتَّفقَا على أَنه لم يحضرهما، وَالِاخْتِلَاف فِي الْإِعْرَاض (عِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة (لترجيح العقد على الْمُوَاضَعَة وَذَلِكَ) أَي تَرْجِيحه عَلَيْهَا (فِي الِاخْتِلَاف يَجْعَل القَوْل لمُدعِي الْإِعْرَاض) لِأَن الأَصْل فِي الْعُقُود الشَّرْعِيَّة الصِّحَّة واللزوم مَا لم يُوجد معَارض وَلم يُوجد: إِذْ وجود الْمُعَارضَة صَار

مشكوكا بِسَبَب الِاخْتِلَاف، وَأما تعين العقد فِي الصُّورَة الأولى فَظَاهر لبُطْلَان الْمُوَاضَعَة باتفاقهما فَلهَذَا لم يذكرهُ (وَلعدم تَأْثِير الْهزْل عِنْدهمَا فِي صورها) أَي الْمُوَاضَعَة (حَتَّى لزما) أَي الطَّلَاق وَالْمَال (فِي) صُورَة (الْبناء) على الْمُوَاضَعَة (أَيْضا عِنْدهمَا، لِأَن المَال وَإِن لم يثبت بِالْهَزْلِ لكنه تبع للطَّلَاق لاستغنائه) أَي الطَّلَاق (عَنهُ) أَي المَال (لَوْلَا الْقَصْد إِلَى ذكره) أَي لَو لم يقْصد ذكر المَال فِي بَاب الطَّلَاق كَأَن ثَبت من غير أَن يثبت المَال، بِخِلَاف النِّكَاح فَإِنَّهُ يثبت فِيهِ، وَإِن لم يقْصد ذكره فَعِنْدَ ذكر المَال فِي الطَّلَاق كَانَ المَال تبعا وضمنيا (فَإِذا ثَبت المتضمن) على صِيغَة الْفَاعِل، وَهُوَ الطَّلَاق (ثَبت) المتضمن على صِيغَة الْمَفْعُول وَهُوَ المَال. وَلما كَانَ الْمَفْهُوم من قَوْله وَمَا فِيهِ مقصد إِلَى آخِره كَون المَال فِي الْعُقُود الْمَذْكُورَة مَقْصُودا، وَمن قَوْله لكنه تبع كَونه غير مقصد، وَبَينهمَا تدافع بِحَسب الظَّاهِر دَفعه بقوله (والتبعية) أَي تَبَعِيَّة المَال للطَّلَاق (بِهَذَا الْمَعْنى) أَي بِاعْتِبَار كَون ثُبُوته فِي الضمني حَتَّى صَحَّ مَعَ الْهزْل، وَفسّر الشَّارِح هَذَا الْمَعْنى بِكَوْنِهِ تَابعا لَهُ فِي الثُّبُوت لكَونه بِمَنْزِلَة الشَّرْط فِيهِ، والشروط أَتبَاع لما عرف وَلَا يخفى عَلَيْك أَن قَوْله لهَذَا الْمَعْنى إِشَارَة إِلَى مَا فهم مِمَّا قبله وَهُوَ مَا ذكرنَا، لِأَن مَا ذكر (لَا تنَافِي المقصودية بِالنّظرِ إِلَى الْعَاقِد) بِمَعْنى إِذا نَظرنَا إِلَى نفس العقد وجدنَا الطَّلَاق أصلا، وَالْمَال تبعا وضمنيا لما ذكر من الِاسْتِغْنَاء، وَإِذا نَظرنَا فِي الْعَاقِد وجدنَا المَال مَقْصُودا لَهُ، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لاخْتِلَاف الْجِهَتَيْنِ (بِخِلَاف تبعيته) أَي المَال (فِي النِّكَاح فبمعنى أَنه) أَي المَال (غير الْمَقْصُود) للعاقدين، لِأَن قصدهما الْحل (وَهَذَا) الْمَعْنى (لَا يُنَافِي الْأَصَالَة) لِلْمَالِ (من حَيْثُ ثُبُوته) أَي المَال (عِنْد ثُبُوته) أَي النِّكَاح بِلَا ذكره، بل وَمَعَ نَفْيه إِظْهَارًا لخطر الْبضْع وَالْحَاصِل أَنه لَيْسَ بمقصود مِنْهُ، لكنه مَقْصُود فِيهِ لما ذكر، وَإِنَّمَا يُؤثر فِيهِ الْهزْل كَمَا فِي سَائِر الْأَمْوَال وَإِن لم يُؤثر فِي النِّكَاح. وَعَن شمس الْأَئِمَّة أَنه جعل الْمُوَاضَعَة فِي الطَّلَاق على مَال مثلهَا فِي النِّكَاح إِذا كَانَ الْهزْل فِي قدر الْبَدَل (وَعِنْده) أَي أبي حنيفَة فِي الْبناء الْأَوْجه الثَّلَاثَة: الْمُوَاضَعَة فِي أصل التَّصَرُّف، وَفِي قدر الْبَدَل، وَفِي جنسه (يتَوَقَّف الطَّلَاق على مشيئتها) أَي اخْتِيَار الْمَرْأَة الطَّلَاق بِالْمُسَمّى على طَرِيق الْجد، وَإِسْقَاط الْهزْل كَمَا يتَوَقَّف وُقُوعه فِي خِيَار الشَّرْط فِي الْخلْع من جَانبهَا على اخْتِيَارهَا، لِأَن الْهزْل بِمَنْزِلَة خِيَار الشَّرْط عِنْده لكنه فِي الْخلْع غير مُقَدّر بِالثلَاثِ، بِخِلَاف البيع: لِأَن الشَّرْط فِي الْخلْع على وفْق الْقيَاس، وتقييده بِالثلَاثِ فِي البيع لكَونه على خلاف الْقيَاس فَيقْتَصر على مورد النَّص، وَذَلِكَ لِأَن الْخلْع إِسْقَاط، وَالْبيع إِثْبَات، وَتَعْلِيق إِثْبَات المَال بالخطر فِي معنى الْقمَار، وَإِنَّمَا ذهب إِلَى التَّوَقُّف، لِأَن الأَصْل أَن يُرَاعى جَانب العقد وجانب الْمُوَاضَعَة بِحَسب الْإِمْكَان. وَفِي القَوْل بالتوقف رِعَايَة الْجَانِبَيْنِ كَمَا

أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لِإِمْكَان الْعَمَل بالمواضعة) مَعَ تَصْحِيح العقد (بِنَاء على أَن الْخلْع لَا يفْسد بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة وَهُوَ) أَي الشَّرْط الْفَاسِد هَاهُنَا (أَن يتَعَلَّق) الطَّلَاق (بِجَمِيعِ الْبَدَل) الْمَذْكُور فِي الْمُسَمّى (وَلَا يَقع) الطَّلَاق (فِي الْحَال، بل يتَوَقَّف على اخْتِيَارهَا) وَإِذا قُلْنَا بِعَدَمِ فَسَاد الْخلْع صححنا العقد وَحَيْثُ حكمنَا بالتوقف علمنَا بالمواضعة: إِذْ حاصلها جعل الطَّلَاق مُتَعَلقا بِجَمِيعِ الْبَدَل مَعَ قبُولهَا على سَبِيل الْهزْل، فَلَمَّا لم يلْزم الْمُبَادلَة فِي الْحَال روعي جَانب الْهزْل، وَحَيْثُ توقف وُقُوع الطَّلَاق على اخْتِيَارهَا جَمِيع الْبَدَل صحّح عقد الْخلْع بِالْمُسَمّى وَلَو على سَبِيل التَّعْلِيق لَا التَّنْجِيز وَقيل يَنْبَغِي أَن يتَوَقَّف على إجازتهما مَعًا لما أَجمعُوا عَلَيْهِ من الْهزْل كَشَرط الْخِيَار لَهما، وَلذَا إِذا بنى أَحدهمَا فِي البيع وَأعْرض الآخر لَا يَصح العقد وَأجِيب بِأَن ذَلِك فِي غير الْخلْع وَنَحْوه مِمَّا يحْتَمل كل من الْبَدَلَيْنِ فِيهِ شَرط الْخِيَار. وَفِي الْخلْع وَنَحْوه من الطَّلَاق وَالْعتاق وَالصُّلْح لَا يحْتَملهُ، إِذْ لَيست فِي معنى مَا شرع فِيهِ الْخِيَار. وَلما كَانَ تَقْرِير الدَّلِيل على المذهبين فِي الطَّلَاق سَوَاء كَانَ فِي الْخلْع أَو فِي الطَّلَاق على مَال وَكَانَ الْعتْق على مَال، وَالصُّلْح عَن دم الْعمد يشاركانه فِي الحكم ألحقهما بِهِ بقوله (وكل من الْعتْق وَالصُّلْح) عَن دم الْعمد (فِيهِ) أَي فِي كل مِنْهُمَا (مثل مَا فِي الطَّلَاق) من الحكم والتفريع. (وَأما تَسْلِيم الشُّفْعَة هزلا فَقيل طلب المواثبة) وَهُوَ طلبَهَا كَمَا علم بِالْبيعِ هُوَ (كالسكوت) مُخْتَارًا (يُبْطِلهَا) أَي الشُّفْعَة: إِذْ اشْتِغَاله بِالتَّسْلِيمِ هازلا سكُوت عَن طلبَهَا فَوْرًا بعد الْعلم بِالْبيعِ (وَبعده) أَي طلب المواثبة سَوَاء كَانَ بعد طلب التَّقْرِير وَالْإِشْهَاد، وَهُوَ أَن ينْهض بعد طلب المواثبة فَيشْهد على البَائِع إِن كَانَ الْمَبِيع بِيَدِهِ، أَو على المُشْتَرِي، أَو عِنْد الْعقار على طلبَهَا أَو قبله (يبطل التَّسْلِيم فَتبقى الشُّفْعَة لِأَنَّهُ) أَي تَسْلِيمهَا (من جنس مَا يبطل بِالْخِيَارِ لِأَنَّهُ) أَي التَّسْلِيم (فِي معنى التِّجَارَة لكَونه) أَي التَّسْلِيم (اسْتِيفَاء أحد الْعِوَضَيْنِ) وَهُوَ هَهُنَا الدَّار الْمُشْتَركَة (على ملكه) أَي أحد المعاوضين، وَهُوَ هَهُنَا مشتريها: وَمن ثمَّة يملك الْأَب وَالْوَصِيّ تَسْلِيم شُفْعَة الصَّبِي عِنْد أبي حنيفَة كَمَا يملكَانِ البيع وَالشِّرَاء لَهُ، وَاسْتِيفَاء أحد الْعِوَضَيْنِ مَعَ اسْتِحْقَاق الاستخراج من ملكه يحْتَاج إِلَى إِسْقَاط الِاسْتِحْقَاق (فَيتَوَقَّف) التَّسْلِيم الَّذِي هُوَ الِاسْتِيفَاء (على الرِّضَا) مِمَّن يترقب مِنْهُ التَّسْلِيم (بالحكم) وَهُوَ الْملك الَّذِي أُرِيد إبقاؤه (والهزل يَنْفِيه) أَي الرِّضَا بالحكم (وَكَذَا يبطل بِهِ) أَي بِالْهَزْلِ (إِبْرَاء الْمَدْيُون وَالْكَفِيل، لِأَن فِيهِ) أَي فِي كل مِنْهُمَا (معنى التَّمْلِيك) أما الْمَدْيُون فَلِأَنَّهُ بِالْإِبْرَاءِ يملك مَا فِي ذمَّته من الدّين، وَأما فِي الْكَفِيل فَلِأَنَّهُ يملك رقبته بَعْدَمَا كَانَت مَشْغُولَة بمطالبته (ويرتد) الْإِبْرَاء فيهمَا (بِالرَّدِّ) كَمَا إِذا سلم الشُّفْعَة بعد طلب المواثبة، فَلم يقبل الْمُدَّعِي عَلَيْهِ تَسْلِيمه يرجع إِلَيْهِ حق الشُّفْعَة مَعْطُوف

على قَوْله فِيهِ معنى التَّمْلِيك (فيوثر فِيهِ) أَي الْإِبْرَاء كالتسليم (الْهزْل) تَفْرِيع على كَونه بِحَيْثُ يرْتَد بِالرَّدِّ مَعَ أَنه فِيهِ معنى التَّمْلِيك (وَكَذَا الإخبارات وَهُوَ الثَّانِي) من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة لما يَقع فِيهِ من الْهزْل (سَوَاء كَانَت) إِخْبَارًا (عَمَّا يحْتَمل الْفَسْخ كَالْبيع وَالنِّكَاح) كَمَا هُوَ الْأَصَح، (أَو) كَانَت إِخْبَارًا عَمَّا (لَا) يحْتَمل الْفَسْخ (كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق) وَسَوَاء كَانَت إِخْبَارًا (شرعا ولغة كَمَا إِذا تواضعا على أَن يقرا بِأَن بَينهمَا نِكَاحا أَو بيعا فِي هَذَا بِكَذَا) فكونهما إخبارين لُغَة ظَاهر وَأما شرعا فَلِأَن الشَّرْع لَا يحكم بإنشاء عقد بَينهمَا بِهَذَا الْإِقْرَار، بل لَو كَانَ صدقا لهَذَا الْإِخْبَار فالإنشاء قد تحقق هُنَاكَ، وَإِلَّا فكذب مَحْض لَا مصداق لَهُ، وَلَا يثبت بِهِ عقد بَينهمَا (أَو) إِخْبَارًا (لُغَة فَقَط) وَالشَّرْع يَجعله إنْشَاء (مقررة) حَال من ضمير الإخبارات فِي كَانَت بِاعْتِبَار نِسْبَة مَا عطف على خَبَرهَا الثَّانِي: أَعنِي لُغَة فَقَط (شرعا) أَي فِي الشَّرْع. وَمعنى تقريرها كَونهَا إنْشَاء للإقرار (كَالْإِقْرَارِ بِأَن لزيد عَلَيْهِ كَذَا) فَإِن قَوْله لَهُ عَليّ كَذَا وَإِن كَانَ بِحَسب اللُّغَات احْتِمَالا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، لَكِن بِحَسب الشَّرْع إنشائية يجب فِي ذمَّته بالمبلغ الْمُسَمّى من غير الْتِفَات إِلَى أَنه هَل كَانَ عَلَيْهِ قبل هَذَا الْكَلَام (لَا يثبت) شَيْء مِنْهَا هزلا (لِأَنَّهُ) أَي الْخَبَر شرعا ولغة أَو لُغَة فَقَط (يعْتَمد صِحَة الْمخبر بِهِ) أَي تحقق الحكم الَّذِي صَار الْخَبَر عَنهُ عبارَة وإعلاما بِثُبُوتِهِ أَو نَفْيه، وتحققه إِنَّمَا يكون بالجد وَالرِّضَا بِهِ والهزل يُنَافِيهِ (أَلا ترى أَن الْإِقْرَار بِالطَّلَاق وَالْعِتْق مكْرها بَاطِل) لِانْعِدَامِ الرِّضَا (فَكَذَا هازلا) لِأَن الْهزْل دَلِيل عدم الصِّحَّة حَتَّى لَو أجَاز بعد ذَلِك لم يجز، لِأَن الْإِجَازَة إِنَّمَا تلْحق منعقدا وَلَا انْعِقَاد مَعَ الْهزْل، بِخِلَاف مَا لَو طلق إِنْسَان زَوْجَة غَيره أَو أعتق عبد غَيره فَإِنَّهُ أَمر حقق، فَإِذا أجَاز الزَّوْج وَالسَّيِّد طلقت وَعتق (وَكَذَا) الْهزْل (فِي الاعتقادات وَهُوَ الثَّالِث) من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة (وَأما ثُبُوت الرِّدَّة بِالْهَزْلِ) أَي يتَكَلَّم الْمُسلم بالْكفْر هزلا (فبه) أَي بِسَبَب الْهزْل نَفسه (للاستخفاف) لِأَن الهازل رَاض بأجراء كلمة الْكفْر على لِسَانه، وَهُوَ استخفاف وَكفر بِالنَّصِّ. قَالَ تَعَالَى - {وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب قل أبالله وآياته وَرَسُوله كُنْتُم تستهزئون لَا تعتذروا قد كَفرْتُمْ بعد إيمَانكُمْ} -، وبالإجماع (لَا بِمَا هزل بِهِ) وَهُوَ اعْتِقَاد معنى كلمة الْكفْر الَّتِي تكلم بهَا هازلا (إِذْ لم يتبدل اعْتِقَاده، وَيلْزم الْإِسْلَام) أَي يحكم بِإِسْلَام الْكَافِر فِي أَحْكَام الدُّنْيَا (بِالْهَزْلِ بِهِ) أَي إِذا تكلم بِكَلِمَة الْإِسْلَام وتبرأ من دينه هازلا (تَرْجِيحا) لجَانب الْإِيمَان: إِذْ الأَصْل فِي الْإِنْسَان التَّصْدِيق والاعتقاد (كالإكراه عَلَيْهِ) أَي الْإِسْلَام، فَإِن الْمُكْره إِذا أسلم يحكم بِإِسْلَامِهِ (عندنَا) لوُجُود رُكْنه مِنْهُ، بل الهازل أولى بذلك لرضاه بالتكلم بِخِلَاف الْمُكْره: ووافقنا الشَّافِعِي على ذَلِك فِي الْحَرْبِيّ لَا الذِّمِّيّ كَمَا ستعرف فِي الْإِكْرَاه، كَذَا ذكره الشَّارِح. وَفِيه أَن الْهزْل

إِذا علم يقطع بِعَدَمِ الرِّضَا فِي زمَان التَّكَلُّم بِالْإِيمَان، بِخِلَاف الْمُكْره فَإِنَّهُ رُبمَا يتبدل اعْتِقَاده فِي أَن التَّكَلُّم بِهِ وَأَيْضًا لَيْسَ عِنْد الهازل سوى اللَّفْظ الدَّال على الْإِسْلَام لَوْلَا الْقَرِينَة الصارفة عَن إِرَادَة مَدْلُوله، فيكف ترجح على حَقِيقَة الْكفْر فَلْيتَأَمَّل (وَمِنْهَا) أَي المكتسبة من نَفسه (السَّفه) فِي اللُّغَة الخفة، وَعند الْفُقَهَاء (خفَّة تبْعَث الْإِنْسَان على الْعَمَل فِي مَاله بِخِلَاف مُقْتَضى الْعقل) وَلم يقل وَالشَّرْع كَمَا قَالَ بَعضهم، لِأَن مُقْتَضى الْعقل أَن لَا يُخَالف الشَّرْع لوُجُوب اتِّبَاعه عقلا (مَعَ عدم اختلاله) أَي الْعقل، فَخرج الْجُنُون والعته، (وَلَا يُنَافِي) السَّفه أَهْلِيَّة الْخطاب وَلَا الْوُجُوب لوُجُود مناطهما، وَهُوَ الْعقل وَالْقَوِي لظاهرة والباطنة فَهُوَ مُخَاطب بِجَمِيعِ الْأَوَامِر والنواهي فَلَا يُنَافِي (شَيْئا من الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة من حُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق الْعباد (وَأَجْمعُوا على منع مَاله) أَي السَّفِيه مِنْهُ (أول بُلُوغه) سَفِيها لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} الَّتِي جعل الله لكم قيَاما: نهى الْأَوْلِيَاء عَن أَن يؤتوا الَّذين لَا رشد لَهُم أَمْوَالهم فيضيعوها، وأضاف الْأَمْوَال إِلَى الْأَوْلِيَاء على أَنَّهَا من جنس مَا يُقِيمُونَ بِهِ مَعَايشهمْ كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} -: أَو لأَنهم المتصرفون فِيهَا القوامون عَلَيْهَا (وعلقه) أَي إيتَاء الْأَمْوَال إيَّاهُم (بإيناس الرشد) حَيْثُ قَالَ - {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} -: أَي إِن عرفتهم ورأيتم فيهم صلاحا فِي الْفِعْل، وحفظا لِلْمَالِ - {فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} - (فَاعْتبر أَبُو حنيفَة مظنته) أَي الرشد (بُلُوغ سنّ الجدية) أَي كَونه جدا لغيره. ثمَّ بَينه بقوله (خمْسا وَعشْرين سنة) إِذْ أدنى مُدَّة الْبلُوغ اثْنَتَا عشرَة سنة. ثمَّ يُولد لَهُ ولد فِي سِتَّة أشهر فَإِنَّهَا أقل مُدَّة الْحمل، ثمَّ يبلغ اثْنَتَيْ عشر سنة ويولد لَهُ ولد فِي سِتَّة أشهر، وَإِنَّمَا كَانَت هَذِه الْمدَّة مَظَنَّة بُلُوغ الرشد (لِأَنَّهُ لَا بُد من حُصُول رشد مَا نظرا إِلَيْهِ دَلِيله) أَي حُصُول الرشد لَهُ. ثمَّ بَين الدَّلِيل بقوله (من مُضِيّ زمَان التجربة) إِذْ التجارب لقاح الْعُقُول (وَهُوَ) أَي حُصُول رشد مَا (الشَّرْط لتنكيره) أَي لفظ رشدا فِي الْإِثْبَات، فَيتَحَقَّق بِأَدْنَى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم كَمَا فِي الشُّرُوط الْمُنكرَة، وَإِذا تعين المظنة مدارا للْحكم وَجب تَسْلِيم المَال عِنْد بُلُوغ هَذَا السن أونس مِنْهُ الرشد أَولا (ووقفاه) أَي صَاحِبَاه إيتَاء المَال (على حَقِيقَته) أَي الرشد (وَفهم تخلقه) أَي السَّفِيه بأخلاق الرشد (وَاخْتلفُوا فِي حجره) أَي السَّفِيه (بِأَن يمْنَع نَفاذ تَصَرُّفَاته القولية المحتملة للهزل) أَي الَّتِي يُبْطِلهَا الْهزْل وَهِي مَا يحْتَمل الْفَسْخ كَالْبيع وَالْإِجَارَة، أما الفعلية والقولية الَّتِي لَا يُبْطِلهَا الْهزْل، وَهِي مَا لَا يحْتَمل الْفَسْخ كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق فالسفه لَا يمْنَع نفاذها بالِاتِّفَاقِ (فأثبتاه) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد حجر السَّفِيه عَنْهَا (نظرا لَهُ) لما فِيهِ من صِيَانة مَاله (لوُجُوبه) أَي النّظر (للْمُسلمِ) لإسلامه، وَإِن كَانَ فَاسِقًا ونظرا للْمُسلمين أَيْضا لِأَنَّهُ بإتلافه يصير دينا، وَيجب نَفَقَته من بَيت المَال فَيصير على نَفسه وعَلى الْمُسلمين وبالا

وعَلى بَيت مَا لَهُم عيالا (ونفاه) أَي أَبُو حنيفَة حجر السَّفه (لِأَنَّهُ) أَي السَّفه (لما كَانَ مُكَابَرَة) لِلْعَقْلِ لعمله بِخِلَاف مُقْتَضَاهُ لغَلَبَة الْهوى مَعَ الْعلم بقبحه (وتركا للْوَاجِب) وَهُوَ الاجتناب عَن الْإِسْفَار والتبذير عَن علم (لم يسْتَوْجب) وَلم يستاهل السَّفِيه (النّظر. ثمَّ إِنَّمَا يحسن) الْحجر عَلَيْهِ (إِذا لم يسْتَلْزم) الْحجر عَلَيْهِ (ضَرَرا فَوْقه) أَي الضَّرَر لكنه يسْتَلْزم ذَلِك لما فِيهِ (من إهدار أَهْلِيَّته وإلحاقه بالجمادات) وبهذه الْأَهْلِيَّة يتَمَيَّز عَن سَائِر الْحَيَوَانَات وَملك الْيَد نعْمَة زَائِدَة على ملك الرَّقَبَة (ولدلالة الْإِجْمَاع على اعْتِبَار إِقْرَاره بِأَسْبَاب الْحَد) قَوْله على صلَة الْإِجْمَاع وَحذف الْمَدْلُول عَلَيْهِ، وَهُوَ اعْتِبَار أَقْوَاله الْمَذْكُورَة اكْتِفَاء بِمَا يفهم من قَوْله (فَلَو لزم شرعا الْحجر عَلَيْهِ) أَي السَّفِيه (فِي أَقْوَاله المتلفة لِلْمَالِ للَزِمَ) الْحجر عَلَيْهِ (بطرِيق أولي فِي) أَقْوَاله (المتلفة لنَفسِهِ) وَهِي إقراراته بِسَبَب الْحُدُود: إِذْ النَّفس أولى بِالنّظرِ من المَال الَّذِي خلق وقاية لَهَا (وَمَعَ هَذَا) الْبَيَان الْبَالِغ (الأحب) يَعْنِي إِلَيْهِ رَحْمَة الله (قَوْلهمَا) وَبِه قَالَت الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة (لِأَن النَّص) أَي التَّنْصِيص (على منع المَال مِنْهُ) أَي السَّفِيه فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء} - الْآيَة (كَيْلا يتلفه) أَي لأجل أَن لَا يتْلف مَاله (قطعا) أَي بِلَا شُبْهَة فَهُوَ تَأْكِيد لكَون الْمَقْصُود من النَّص عدم الْإِتْلَاف (وَإِذا لم يحْجر) عَلَيْهِ (أتْلفه بقوله فَلَا يُفِيد) منع المَال مِنْهُ وَأَيْضًا يحْجر (دفعا للضَّرَر الْعَام، لِأَنَّهُ قد يلبس) على الْمُسلمين أَنه غنى بالتزيي بزِي الْأَغْنِيَاء (فيقرضه الْمُسلمُونَ أَمْوَالهم فيتلفها وَغير ذَلِك) من الضَّرَر الْعَام بهم كَمَا مر (وَهُوَ) أَي دفع الضَّرَر الْعَام (وَاجِب بِإِثْبَات) الضَّرَر (الْخَاص فَصَارَ كالحجر على المكارى الْمُفلس) وَهُوَ الَّذِي يتَقَبَّل الْكِرَاء ويؤجر الدَّوَابّ، وَلَيْسَ لَهُ ظهر يحمل عَلَيْهِ، وَلَا مَال يَشْتَرِي بِهِ الدَّوَابّ (والطبيب الْجَاهِل والمفتي الماجن) وَهُوَ الَّذِي يعلم النَّاس الْحِيَل. قَالَ الشَّارِح كَذَا فِي طَريقَة عَلَاء الدّين الْعَالم، وَلَفظ خُوَاهَر زَاده، والمفتي الْجَاهِل لعدم الضَّرَر من الأول فِي الْأَمْوَال، وَمن الثَّانِي فِي الْأَبدَان، وَمن الثَّالِث فِي الْأَدْيَان، وَفِي الْبَدَائِع لَيْسَ المُرَاد من الْحجر على هَؤُلَاءِ حَقِيقَة الْحجر الَّذِي هُوَ الْمَعْنى الشَّرْعِيّ الَّذِي يمْنَع نُفُوذ التَّصَرُّف: أَلا ترى أَن الْمُفْتِي إِذا أفتى بعد الْحجر وَأصَاب فِي الْفَتْوَى جَازَ، وَلَو أجَاب قبله وَأَخْطَأ لَا يجور: وَكَذَا الطَّبِيب لَو بَاعَ الْأَدْوِيَة بعد الْحجر نفذ بَيْعه: بل المُرَاد الْمَنْع الْحسي، فَهُوَ من بَاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر (وَإِذا كَانَ الْحجر) على السَّفِيه (للنَّظَر لَهُ لزم أَن يلْحق) السَّفِيه (فِي كل صُورَة) من أَنْوَاع التَّصَرُّفَات الصادرة عَنهُ (بالأنظر) أَي مِمَّن يكن إِلْحَاقه بِهِ أنظر فِي حَقه، فَإِذا كَانَ بَينه وَبَين شبهين لَهُ مُنَاسبَة مصححة لإلحاقه لكل مِنْهُمَا يتَعَيَّن إِلْحَاقه بِمن إِلْحَاقه بِهِ أنظر وَأدْخل فِي مصْلحَته (فَفِي الِاسْتِيلَاد يَجْعَل كَالْمَرِيضِ فَيثبت نسب ولد أمته

إِذا ادَّعَاهُ) حَتَّى لَو كَانَ الْوَلَد حرا وَكَانَت الْأمة أم وَلَده، وَإِذا مَاتَت كَانَت حرَّة (وَلَا يسْعَى) فَإِن توفير النّظر بإلحاقه بالمريض فِي حكم الِاسْتِيلَاد لِحَاجَتِهِ إِلَى بَقَاء نَسْله وصيانة مائَة فَيلْحق فِي هَذَا الحكم بالمريض الْمَدْيُون إِذا ادّعى نسب ولد جَارِيَته فَإِنَّهُ يكون كَالصَّحِيحِ حَتَّى تعْتق من جَمِيع مَاله وَلَا تسْعَى وَلَا وَلَدهَا، لِأَن حَاجَتهَا مُقَدّمَة على حَاجَة غُرَمَائه (وَفِي شِرَاء ابْنه) وَهُوَ مَعْرُوف (كالمكره) أَي بِمَنْزِلَة الْمُكْره فِي شِرَائِهِ فَيثبت شِرَاؤُهُ (فَيثبت لَهُ) أَي للسفيه الْملك (بِالْقَبْضِ) وَيعتق عَلَيْهِ حِين قَبضه (وَلَا يلْزم) السَّفِيه (الثّمن أَو الْقيمَة فِي مَاله جعلا لَهُ) أَي للسفيه فِي هَذَا الحكم (كَالصَّبِيِّ) لِأَن الأنظر لَهُ أَن يلْحق بِهِ لما فِيهِ من دفع الضَّرَر عَنهُ (وَإِذ لم يلْزمه) أَي السَّفِيه الثّمن أَو الْقيمَة وَأَن ملكه بِالْقَبْضِ، لِأَن الْتِزَامه أَحدهمَا بِالْقَبْضِ غير صَحِيح لما ذكر: بل يسْعَى الابْن فِي قِيمَته (لم يسلم لَهُ) أَي للسفيه (شَيْء من السّعَايَة، بل تكون) السّعَايَة (كلهَا للْبَائِع لِأَن الْغنم بالغرم كَعَكْسِهِ) أَي كَمَا أَن الْغرم بالغنم. وَلما كَانَت الغرامة على البَائِع كَانَت الْقيمَة لَهُ (وَالْحجر للنَّظَر عِنْدهمَا أَنْوَاع) يكون (للسفه بِنَفسِهِ) أَي بِسَبَب نفس السَّفه سَوَاء كَانَ أَصْلِيًّا بِأَن يبلغ سَفِيها، أَو عارضا بِأَن حدث بعد الْبلُوغ (بِلَا) توقف على (قَضَاء) عَلَيْهِ بِالْحجرِ (كالصبا وَالْجُنُون عِنْد مُحَمَّد، وَبِه) أَي وبالقضاء (عِنْد أبي يُوسُف لتردده) أَي السَّفِيه (بَين النّظر بإبقاء ملكه) أَي السَّفِيه (و) بَين (الضَّرَر بإهدار عِبَارَته) وَقد ذهب إِلَى تَرْجِيح كل من الْجِهَتَيْنِ مُجْتَهد فَلَا يرجح أَحدهمَا إِلَّا بِالْقضَاءِ (وللدين) أَي وَقد يكون الْحجر على الْعَاقِل الْبَالِغ بِسَبَب كَونه مديونا، وَإِن كَانَ رشيدا (خوف التلجئة) أَي الْمُوَاضَعَة لدفع الْغُرَمَاء، فَيجْعَل مَاله لغيره صُورَة ليحكم لَهُ بالإفلاس فَيسلم لَهُ، والتلجئة قد تكون (بيعا) والمواضعة فِيهِ إِمَّا فِي أصل العقد، أَو فِي قدر الْبَدَل، أَو فِي جنسه. (و) قد يكون (إِقْرَار فبالقضاء) أَي يتَوَقَّف هَذَا الْحجر على الْقَضَاء بِهِ (اتِّفَاقًا بَينهَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد (لِأَنَّهُ) أَي الْحجر عَلَيْهِ (نظر للْغُرَمَاء، فتوقف على طَلَبهمْ (بِخِلَاف الْحجر على السَّفِيه فَإِنَّهُ للنَّظَر، فَلَا يتَوَقَّف على طلب أحد: بل يَكْفِي طلبه بِلِسَان حَاله (فَلَا يتَصَرَّف) الْمَدْيُون الْمَحْجُور (فِي مَاله إِلَّا مَعَهم) أَي الْغُرَمَاء باتفاقهم (فِيمَا فِي يَده وَقت الْحجر) من المَال احْتِرَاز عَمَّا يحدث فِي يَده بعد الْحجر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أما فِي كَسبه) وَحده (بعده) أَي الْحجر من المَال (فعموم) أَي فَحكم هَذَا المكتسب عُمُوم نَفاذ تصرفه فِيهِ، فَلَا يتَقَيَّد بِرِضا الْغُرَمَاء لعدم تعلق حق الْغُرَمَاء بِهِ (و) قد يكون (لِامْتِنَاع الْمَدْيُون عَن صرف مَاله إِلَى دينه) الْمُسْتَغْرق لَهُ، (فيبيعه القَاضِي وَلَو) كَانَ مَاله (عقارا كَبَيْعِهِ) أَي القَاضِي (عبد الذِّمِّيّ إِذا أَبى) الذِّمِّيّ (بَيْعه بعد إِسْلَامه) أَي العَبْد الْمَذْكُور، فَإِن الأَصْل أَن من امْتنع من إبْقَاء حق مُسْتَحقّ عَلَيْهِ

وَهُوَ مِمَّا يجْرِي فِيهِ النِّيَابَة نَاب القَاضِي مَنَابه فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة، وَالْفَتْوَى على قَوْلهمَا (وَمِنْهَا) أَي من المكتبة من نَفسه (السّفر) وَهُوَ لُغَة قطع المسافات، وَشرعا خُرُوج عَن مَحل الْإِقَامَة بِقصد مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام بسير وسط، وَهُوَ (لَا يُنَافِي أَهْلِيَّة الْأَحْكَام) وجوبا وَأَدَاء من الْعِبَادَات وَغَيرهَا (بل جعل سَببا للتَّخْفِيف) لِأَنَّهُ مَظَنَّة الْمَشَقَّة (فشرعت رباعيته) أَي مكتوباته الَّتِي هِيَ أَربع رَكْعَات فِي الْحَضَر (رَكْعَتَيْنِ ابْتِدَاء) لِأَنَّهَا كَانَت أَرْبعا ابْتِدَاء فأسقط مِنْهَا رَكْعَتَانِ كَمَا تقدم وَجهه فِي الرُّخْصَة (وَلما كَانَ) السّفر (اختياريا دون الْمَرَض) وَهُوَ أَيْضا من أَسبَاب التَّخْفِيف (فَارقه) أَي السّفر الْمَرَض فِي بعض الْأَحْكَام (فالمرخص إِذا كَانَ) مَوْجُودا (أول الْيَوْم) من أَيَّام رَمَضَان (فَترك) من وجد فِي حَقه المرخص (الصَّوْم) ذَلِك الْيَوْم (فَلهُ) التّرْك وَلَا يَأْثَم بِهِ (أَو صَامَ) صَحَّ صَوْمه، فَإِن أَرَادَ الْفطر بعد الشُّرُوع فِيهِ (فَإِن كَانَ) المرخص (الْمَرَض حل الْفطر أَو) كَانَ (السّفر فَلَا) يحل لَهُ الْفطر، لِأَن الضَّرَر فِي الْمَرَض مِمَّا لَا مدفع لَهُ، فَرُبمَا يتَوَهَّم قبل الشُّرُوع أَنه لَا يلْحقهُ الْمَرَض وَبعده يعلم لُحُوقه من حَيْثُ لَا مدفع لَهُ، بِخِلَاف الْمُسَافِر فَإِنَّهُ يتَمَكَّن من دفع الضَّرَر الدَّاعِي إِلَى الْإِفْطَار بِأَن لَا يُسَافر، كَذَا قَالَ الشَّارِح وَالصَّوَاب أَن يُقَال بِأَن يتْرك فِي مَكَان ترك، لِأَن الْمَفْرُوض أَن المرخص قد كَانَ مَوْجُودا فِي أول الْيَوْم، فقد تحقق السّفر قبل إِرَادَة الْفطر: وَمَعَ ذَلِك يسْتَشْكل إِن كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ النُّزُول لمَانع من خوف وَغَيره (إِلَّا أَنه لَا كَفَّارَة) على الْمُسَافِر (لَو أفطر) لتمكن الشُّبْهَة فِي وُجُوبهَا باقتران السّفر بِالْفطرِ (وَإِن وجد) المرخص (فِي أَثْنَائِهِ) أَي الْيَوْم (وَقد شرع) فِي صَوْمه (فَإِن طَرَأَ الْعذر ثمَّ الْفطر فَفِي الْمَرَض حل الْفطر لَا) فِي (السّفر) إِذْ تبين بعروض الْمَرَض أَن الصَّوْم لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْم، بِخِلَاف عرُوض السّفر فَإِنَّهُ أَمر اخْتِيَاري وَالْمَرَض ضَرُورِيّ. وَقد يُقَال كَذَلِك يتَبَيَّن بعروض السّفر أَن الصَّوْم لم يكن وَاجِبا فِي علم الله لعلمه أَنه يُسَافر فِي هَذَا الْيَوْم، وَلَا تَأْثِير لكَون الْعَارِض المرخص مَرضا فَتَأمل (وَفِي قلبه) وَهُوَ أَن يفْطر ثمَّ يطْرَأ الْعذر (لَا يحل) الْإِفْطَار لعدم الْعذر عِنْده (لَكِن لَا كَفَّارَة إِذا كَانَ الطَّارِئ الْمَرَض لِأَنَّهُ) أَي الْمَرَض (سماوي تبين بِهِ عدم الْوُجُوب) وَالْكَلَام فِيهِ قد سبق (وَتجب) الْكَفَّارَة (فِي السّفر، لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ وتقررت) الْكَفَّارَة (قبله) أَي السّفر بإفطار يَوْم وَاجِب من غير اقتران شُبْهَة حَتَّى لَو كَانَ السّفر خَارِجا عَن اخْتِيَاره بِأَن أكرهه السُّلْطَان على السّفر فِيهِ سَقَطت عَنهُ أَيْضا فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة كَذَا فِي الْخَانِية (وَيخْتَص ثُبُوت رخصه) أَي السّفر من قصر الرّبَاعِيّة وَفطر رَمَضَان وَغَيرهمَا (بِالشُّرُوعِ فِيهِ) أَي فِي السّفر (قبل تحَققه لِأَنَّهُ) أَي تحَققه (بامتداده) أَي السّفر (ثَلَاثَة

أَيَّام بلياليها، وَإِن كَانَ الْقيَاس أَن لَا يثبت قبلهَا إِلَّا بعد مضيها: لِأَن حكم الْعلَّة لَا يثبت قبلهَا. يرد عَلَيْهِ أَن حَقِيقَة السّفر على مَا ذكر فِي تَعْرِيفه إِنَّمَا هُوَ الْخُرُوج عَن مَحل الْإِقَامَة بِقصد السّير الْمَذْكُور، وَهُوَ يتَحَقَّق قبل الامتداد الْمَذْكُور. وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَن الْفُقَهَاء قصدُوا بِهِ تَعْرِيف مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام السّفر، لَا بَيَان حَقِيقَته، وَحَقِيقَته إِنَّمَا هِيَ الْقطع للمسافة الْمَذْكُورَة مَعَ الْقَصْد الْمَذْكُور وَيُؤَيِّدهُ مَا ذكر من أَنه فِي اللُّغَة قطع الْمسَافَة (غير أَنه) أَي الْمُسَافِر (لَو أَقَامَ) أَي نوى الْإِقَامَة (قبلهَا) أَي قبل ثَلَاثَة أَيَّام (صَحَّ) مقَامه (ولزمت أَحْكَام الْإِقَامَة وَلَو) كَانَ (فِي الْمَفَازَة لِأَنَّهُ) أَي الْمقَام قبلهَا (دفع لَهُ) أَي للسَّفر قبل تحَققه فتعود الْإِقَامَة قبلهَا (وَبعدهَا) أَي بعد ثَلَاثَة أَيَّام (لَا) يَصح مقَامه (إِلَّا فِيمَا يَصح فِيهِ) الْمقَام من مصر أَو قَرْيَة (لِأَنَّهُ) أَي الْمقَام بعْدهَا (رفع بعد تحَققه) أَي السّفر، فنية الْإِقَامَة حِينَئِذٍ ابْتِدَاء إِيجَاب: فَلَا تصح فِي غير مَحَله، وَهَذَا مَا قيل: من أَن الدّفع أسهل من الرّفْع (وَلَا يمْنَع سفر الْمعْصِيَة) من قطع طَرِيق أَو غَيره: أَي لَا يمْنَع كَونه مَعْصِيّة (الرُّخْصَة) عِنْد أَصْحَابنَا. وَقَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة يمْنَع لِأَن الرُّخْصَة نعْمَة فَلَا تنَال بالمعصية، فَيجْعَل السّفر مَعْدُوما فِي حَقّهَا كالسكر فِي حق الرُّخْصَة الْمُتَعَلّقَة بِزَوَال الْعقل لِأَنَّهُ مَعْصِيّة، وَلقَوْله تَعَالَى - {فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} - أناط رخصَة أكل الْميتَة بالاضطرار بِشَرْط كَونه غير بَاغ: أَي خَارج على الإِمَام، وَلَا عَاد: أَي ظَالِم للْمُسلمين بِقطع الطَّرِيق، فَيبقى فِي غير هَذِه الْحَالة على أصل الْحُرْمَة: فَكَذَا فِي سَائِر الرُّخص بِالْقِيَاسِ أَو بِدلَالَة النَّص، أَو بِالْإِجْمَاع على عدم الْفَصْل ولأصحابنا إِطْلَاق نُصُوص الرُّخص لقَوْله تَعَالَى - {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} -. وَمَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا " فرض الله الصَّلَاة على لِسَان نَبِيكُم فِي الْحَضَر أَربع رَكْعَات، وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ ": إِلَى غير ذَلِك، وَلَا نسلم أَن فِيهِ جعل الْمعْصِيَة سَببا للرخصة (لِأَنَّهَا) أَي الْمعْصِيَة (لَيست إِيَّاه) أَي السّفر، بل هُوَ مُنْفَصِل عَنْهَا: إِذْ كل مِنْهُمَا يُوجد بِدُونِ الآخر، وَالسّفر هُوَ السَّبَب: نعم هِيَ مجاورة لَهُ، وَذَلِكَ غير مَانع من اعْتِبَاره شرعا كَالصَّلَاةِ فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة وَالْمسح على خف مَغْصُوب (بِخِلَاف السَّبَب الْمعْصِيَة كالسكر بِشرب الْمُسكر) الْمحرم فَإِنَّهُ حدث عَن مَعْصِيّة فَلَا يناط بِهِ الرُّخْصَة، لِأَن سَبَب الرُّخْصَة لَا بُد أَن يكون مُبَاحا، وَنَفس السّفر مُبَاح وَإِن جاوره مَعْصِيّة (وَقَوله تَعَالَى {غير بَاغ وَلَا عَاد}: أَي فِي الْأكل) لِأَن الْإِثْم وَعَدَمه لَا يتَعَلَّق بِنَفس الأضطرار بل بِالْأَكْلِ، فَلَا بُد من تَقْدِير فعل عَامل: أَي فَمن اضْطر وَأكل حَال كَونه غير بَاغ وَلَا عَاد فِي الْأكل الَّتِي سيقت الْآيَة لتحريمه وحله: أَي غير متجاوز فِي الْأكل قدر الْحَاجة على أَن عَاد للتَّأْكِيد، أَو الْمَعْنى غير طَالب الْمحرم وَهُوَ يجد غَيره، وَلَا مجاوز قدر مَا يسد الرمق وَيدْفَع الْهَلَاك أَو غير متلذذ، وَلَا مُتَرَدّد، أَو غير بَاغ على مُضْطَر آخر بالاستئثار عَلَيْهِ وَلَا مجاوز

سد الجوعة (وَقِيَاس السّفر) فِي كَونه مرخصا (عَلَيْهِ) أَي على أكل الْميتَة المنوط بالاضطرار فِي اشْترط نفي عصيان الْمُسَافِر كَمَا فِي الْأكل على سَبِيل التنزل (يُعَارض إِطْلَاق نَص إناطته) أَي ثُبُوت الرُّخص (بِهِ) أَي بِالسَّفرِ من غير تَقْيِيد بذلك، فَاتَ مُوجب إِطْلَاق النَّص ثُبُوت تِلْكَ الرُّخص بِمُجَرَّد السّفر وَإِن تحقق فِي ضمن الْمعْصِيَة، وَمُوجب الْقيَاس الْمَذْكُور عدم ثُبُوتهَا فِي سفر الْمعْصِيَة فيتعارضان، وَلَا يَصح قِيَاس تعَارض مَعَ النَّص (وَيمْنَع) على صِيغَة الْمَجْهُول (تَخْصِيصه ابْتِدَاء بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ. وَقد مر فِي أَوَاخِر مَبْحَث التَّخْصِيص (وَلِأَنَّهُ) أَي الترخيص للْمُضْطَر (لم ينط بِالسَّفرِ) إِجْمَاعًا، بل يُبَاح للمقيم الموثم (فيأكل) الْمُضْطَر (مُقيما عَاصِيا) فَانْتفى الْوَجْه الثَّانِي: يَعْنِي لَو كَانَ رخصَة الْأكل مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْمعْصِيَة مُطلقًا كَمَا تَقول كَذَلِك رخص الْمُسَافِر لكنه لَيْسَ بمشروط، لِأَن العَاصِي الْمُضْطَر يأكلها غير أَنه لَا يظْهر مدخلية عدم إناطة رخصَة الْأكل بِالسَّفرِ حِينَئِذٍ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال الْمَقْصُود بعد تفسيرهم الْآيَة بذلك: لِأَن الِاضْطِرَار إِذا لم يكن مَخْصُوصًا بِالسَّفرِ لَا وَجه لاشْتِرَاط نفي خُصُوص المعصيتين، بل يَنْبَغِي نفي مُطلق الْمعْصِيَة وَالله أعلم (وَمِنْهَا) أَي المكتسبة من نَفسه (الْخَطَأ: أَن يقْصد بِالْفِعْلِ غير الْمحل الَّذِي يقْصد بِهِ الْجِنَايَة) مَرْفُوع بيقصد، وَضمير بِهِ رَاجع إِلَى الْمحل، لما كَانَ كل وَاحِد من الْفِعْل وَالْمحل مِمَّا لَا بُد مِنْهُ فِي الْقَصْد، وَلَا يتم بِدُونِهِ صَحَّ تَنْزِيله منزلَة الْآلَة وَإِدْخَال الْبَاء عَلَيْهِ (كالمضمضة تسري إِلَى الْحلق) الْمحل الَّذِي يقْصد بِهِ الْجِنَايَة على الصَّوْم إِنَّمَا هُوَ الْحلق، وَلم يقْصد بالمضمضة، بل قصد بهَا الْفَم وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْمُسْتَفَاد من الْعبارَة كَون الْخَطَأ عَن قصد غسل الْفَم بالمضمضة، وَهُوَ بِدُونِ السريان إِلَى الْحلق، وَهُوَ غير مُسْتَقِيم فَالْكَلَام مَبْنِيّ على الْمُسَامحَة اعْتِمَادًا على فهم السَّامع، وَالْمرَاد أَنه قصد غير مَحل الْجِنَايَة بِالْفِعْلِ مَعَ إِصَابَته محلهَا (وَالرَّمْي إِلَى صيد فَأصَاب آدَمِيًّا) فَإِن مَحل الْجِنَايَة هُوَ الْآدَمِيّ، وَلم يقْصد بِالرَّمْي، بل قصد غَيره وَهُوَ الصَّيْد (والمؤاخذة بِهِ) أَي بالْخَطَأ (جَائِزَة) عقلا عِنْد أهل السّنة (خلافًا للمعتزلة لِأَنَّهَا) أَي الْمُؤَاخَذَة (بِالْجِنَايَةِ) وَهِي لَا تتَحَقَّق بِدُونِ الْقَصْد (قُلْنَا هِيَ) أَي الْجِنَايَة (عدم التثبت) وَالِاحْتِيَاط، والذنُوب كالسموم تنَاولهَا يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك وَلَو بِلَا قصد (وَلذَا) أَي لجَوَاز الْمُؤَاخَذَة عقلا (سُئِلَ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (عدم الْمُؤَاخَذَة بِهِ) أَي بالْخَطَأ. قَالَ تَعَالَى - {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} -: إِذْ الْمُمْتَنع عقلا لَا يسئل عَدمه، فَإِن امْتِنَاعه يُغني عَن السُّؤَال (وَعنهُ) أَي عَن كَون الْخَطَأ جِنَايَة بِاعْتِبَار عدم التثبت (كَانَ) الْخَطَأ (من) الْعَوَارِض (المكتسبة) من نَفسه (غير أَنه تَعَالَى جعله) أَي الْخَطَأ (عذرا فِي إِسْقَاط حَقه)

تَعَالَى (إِذا اجْتهد) الْمُجْتَهد، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ " إِذا حكم الْحَاكِم فاجتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِذا حكم فاجتهد ثمَّ أَخطَأ فَلهُ أجر وَاحِد ". (و) جعله (شُبْهَة) دارئة (فِي الْعُقُوبَات فَلَا يُؤَاخذ بِحَدّ) فِيمَا لَو زفت إِلَيْهِ غير امْرَأَته فَوَطِئَهَا على ظن أَنَّهَا امْرَأَته (وَلَا قصاص) فِيمَا لَو رمى إِلَى إِنْسَان على ظن أَنه صيد فَقتله (دون حُقُوق الْعباد فَوَجَبَ ضَمَان الْمُتْلفَات خطأ) كَمَا لَو رمى إِلَى شَاة إِنْسَان على ظن أَنَّهَا صيد، أَو أكل مَاله على ظن أَنه ملك نَفسه لِأَنَّهُ ضَمَان مَال لَا جَزَاء فعل، فيعتمد عصمَة الْمحل، وَكَونه خاطئا لَا ينافيها (وَصلح) الْخَطَأ (سَببا للتَّخْفِيف فِي الْقَتْل) أَي فِيمَا إِذا قتل خطأ (فَوَجَبت الدِّيَة) على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين، فالتخفيف من حَيْثُ وجود الدِّيَة بدل الْقصاص، وَمن حَيْثُ تحميلها على الْعَاقِلَة، وَمن حَيْثُ الْمهل فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة (ولكونه) أَي الْخَطَأ لَا يَنْفَكّ (عَن تَقْصِير) فِي التثبت (وَجب بِهِ مَا تردد بَين الْعِبَادَة والعقوبة من الْكَفَّارَة) بَيَان للموصول: أَي فِي الْقَتْل الْخَطَأ لكَونهَا جَزَاء قاصرا صَالحا للتردد بَين الْحَظْر وَالْإِبَاحَة، إِذْ أصل الْفِعْل كالرمي مُبَاح، وَترك التثبت مَحْظُور، فَكَانَ قاصرا فِي معنى الْجِنَايَة (وَيَقَع طَلَاقه) أَي الْمُخطئ بِأَن أَرَادَ أَن يَقُول اسقيني، فَجرى على لِسَانه أَنْت طَالِق (خلافًا للشَّافِعِيّ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَقع، إِذْ لَا اعْتِبَار للْكَلَام بِدُونِ الْقَصْد الصَّحِيح فَهُوَ كالنائم (لِأَن الْغَفْلَة عَن معنى اللَّفْظ خَفِي) وَفِي الْوُقُوف على قَصده حرج، لِأَنَّهُ أَمر بَاطِن وَله سَبَب ظَاهر، وَهُوَ الْعقل وَالْبُلُوغ (فأقيم) مقَام (تَمْيِيز الْبلُوغ) أَي التَّمْيِيز الَّذِي يكون للبالغ الْعَاقِل، فَإِنَّهُ أكمل من التَّمْيِيز الَّذِي يكون للصَّبِيّ الْعَاقِل (مقَامه) أَي مقَام الْقَصْد نفيا للْحَرج كَمَا فِي السّفر مَعَ الْمَشَقَّة (بِخِلَاف النّوم فَإِنَّهُ) أَي عدم الْقَصْد فِيهِ (ظَاهر) لِأَنَّهُ يمْنَع اسْتِعْمَال الْعقل اخْتِيَارا (فَلَا يُقَام) فِي النَّائِم تَمْيِيز (الْبلُوغ مقَامه) أَي الْقَصْد لعدم الْحَرج (فَفَارَقَ عبارَة النَّائِم عبارَة الْمُخطئ. وَذكرنَا فِي فتح الْقَدِير) شرح الْهِدَايَة (أَن الْوُقُوع) لطلاق الْمُخطئ إِنَّمَا هُوَ (فِي الحكم، وَقد يكون) وُقُوع الطَّلَاق فِي الحكم (مُقْتَضى هَذَا الْوَجْه) المفاد بقوله، لِأَن الْغَفْلَة إِلَى آخِره (أما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَهِيَ امْرَأَته). وَفِي النَّسَفِيّ: وَلَو كَانَ بالعتاق يدين وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله: لَا يجوز الْغَلَط فيهمَا. وَفِي فتح الْقَدِير وَالَّذِي يظْهر من الشَّرْع أَن لَا يَقع بِلَا قصد لفظ الطَّلَاق عِنْد الله تَعَالَى، بِخِلَاف الهازل لِأَنَّهُ مكابر بِاللَّفْظِ، فَيسْتَحق التَّغْلِيظ فَالْحَاصِل أَنه إِذا قصد السَّبَب عَالما بِأَنَّهُ سَبَب رتب الشَّرْع حكمه عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَو لم يردهُ إِلَّا أَنه مَا لَا يحْتَملهُ. وَأما إِذا لم يَقْصِدهُ، أَو لم يدر مَا هُوَ فَيثبت الحكم عَلَيْهِ شرعا وَهُوَ غير رَاض فمما ينبوعنه قَوَاعِد الشَّرْع. وَقد قَالَ تَعَالَى - {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} -: وَفسّر بأمرين: بِأَن يحلف على أَمر يَظُنّهُ كَمَا قَالَ، مَعَ أَنه قَاصد

للسبب عَالم بِحكمِهِ، فألغاه لغلطه فِي ظن الْمَحْلُوف فِيهِ. وَالْآخر أَن يجْرِي على لِسَانه بِلَا قصد للْيَمِين كلا وَالله بلَى وَالله، فَرفع حكمه الدنيوي من الْكَفَّارَة لعدم قَصده إِلَيْهِ، فَهَذَا تشريع لِعِبَادِهِ أَن لَا يرتبوا الْأَحْكَام على الْأَشْيَاء الَّتِي لم تقصد، وَكَيف وَلَا فرق بَينه وَبَين النَّائِم عِنْد الْعَلِيم الْخَبِير من حَيْثُ لَا قصد لَهُ إِلَى اللَّفْظ وَلَا حكمه، وَإِنَّمَا لَا يصدقهُ بِهِ غير الْعَلِيم الْخَبِير، وَهُوَ القَاضِي. وَفِي الْحَاوِي: من أَرَادَ أَن يَقُول زَيْنَب طَالِق فَجرى على لِسَانه عمْرَة، فِي الْقَضَاء تطلق الَّتِي سمي، وَفِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى لَا تطلق وَاحِدَة مِنْهُمَا، أما الَّتِي سمي فَلِأَنَّهُ لم يردهَا، وَأما غَيرهَا فَلِأَنَّهَا لَو طلقت طلقت بِالنِّيَّةِ (وَكَذَا قَالُوا ينْعَقد بَيْعه) أَي الْمُخطئ بِأَن أَرَادَ أَن يَقُول سُبْحَانَ الله، فَجرى على لِسَانه بِعْت هَذَا مِنْك بِأَلف، وَقبل الآخر، وَصدقه فِي أَن البيع خطأ (فَاسِدا وَلَا رِوَايَة فِيهِ) عَن أَصْحَابنَا، وَلَكِن يجب هَذَا (للاختيار فِي أَصله) أَي فِي أصل هَذَا الْكَلَام وَإِن لم يتَعَلَّق اخْتِيَاره بِمَعْنَاهُ (وَعدم الرِّضَا) بِمَعْنَاهُ فَينْعَقد لاختياره فِي الأَصْل، وَيفْسد لعدم الرِّضَا كَبيع الْمُكْره، فَيملك الْبَدَل بِالْقَبْضِ (وَالْوَجْه أَنه) أَي الْمُخطئ (فَوق الهازل) فِيمَا يَقْتَضِي عدم لُزُوم العقد (إِذْ لَا قصد) للمخطئ (فِي خُصُوص اللَّفْظ وَلَا) فِي (حكمه) والهازل مُخْتَار رَاض بِخُصُوص اللَّفْظ غير رَاض بِحكمِهِ، فَأَقل الْأَمر أَن يكون كالهازل، فَلَا يملك الْمَبِيع بِالْقَبْضِ (وَأما مَا) هُوَ مكتسب (من غَيره فالإكراه) وَهُوَ (حمل الْغَيْر على مَا لَا يرضاه) من قَول أَو فعل (وَهُوَ) أَي الْمُكْره بِكَسْر الرَّاء (ملجئ) للمكره بِفَتْحِهَا بإيعاد (بِمَا) أَي بمؤلم (يفوت النَّفس أَو الْعُضْو) وَلَو أُنْمُلَة (بِغَلَبَة ظَنّه) مُتَعَلق بملجئ: إِذْ الالجاء لَا يحصل بِدُونِ الظَّن الْغَالِب للمكره، إِذْ حَقِيقَته اضطرار الْفَاعِل إِلَى مُبَاشرَة الْمُكْره عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يغلب على ظَنّه تَفْوِيت أَحدهمَا (لَا) يكون إِكْرَاها، وَيكون مُجَرّد تهديد وتخويف من غير تَحْقِيق (فَيفْسد الِاخْتِيَار) وَلَا يعدمه بِالْكُلِّيَّةِ، إِذْ حَقِيقَته الْقَصْد إِلَى مَقْدُور مُتَرَدّد بَين الْوُجُود والعدم بترجيح أحد جانبيه على الآخر، فَإِن اسْتَقل الْفَاعِل فِي قَصده فَصَحِيح، وَإِلَّا ففاسد (ويعدم الرِّضَا، وَغَيره) أَي وَغير ملجئ لكَون الْحمل على الْمُكْره عَلَيْهِ (بِضَرْب لَا يُفْضِي إِلَى تلف عُضْو وَحبس فَإِنَّمَا يعْدم الرِّضَا) خَاصَّة (لتمكنه) أَي الْمُكْره (من الصَّبْر) على الْمُكْره بِهِ (فَلَا يُفْسِدهُ) أَي لَا يفْسد هَذَا الْقسم من الْإِكْرَاه الِاخْتِيَار (وَأما) تهديده (بِحَبْس نَحْو ابْنه) وَأَبِيهِ، وَأمه، وَزَوجته، وكل ذِي رحم محرم كأخته وأخيه، فَإِن الْقَرَابَة المتأبدة بِالْحُرْمَةِ بِمَنْزِلَة الولاد (فَقِيَاس واستحسان فِي أَنه إِكْرَاه) الْقيَاس أَنه لَيْسَ بإكراه لِئَلَّا يلْحقهُ ضَرَر بذلك، وَالِاسْتِحْسَان أَنه إِكْرَاه، لِأَنَّهُ يلْحقهُ بحسبهم من الْحزن والهم مَا يلْحق بِحَبْس نَفسه أَو أَكثر، (وَهُوَ) أَي الْإِكْرَاه (مُطلقًا) ملجئا كَانَ أَو غير ملجئ (لَا يُنَافِي أَهْلِيَّة الْوُجُوب) على الْمُكْره (للذمة)

أَي لقِيَام الذِّمَّة (وَالْعقل) وَالْبُلُوغ (وَلِأَن مَا أكره عَلَيْهِ قد يفترض) فعله (كالإكراه بِالْقَتْلِ على الشّرْب) للمسكر وَلَو خمرًا (فيأثم بِتَرْكِهِ) أَي بترك شربه عَالما بِسُقُوط حرمته كَمَا سَيَأْتِي لإباحته فِي حَقه بقوله تَعَالَى - {إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ} - وَتَنَاول الْمُبَاح عِنْد الْإِكْرَاه فرض (و) قد (يحرم كعلي) أَي كَالْقَتْلِ وَالْإِكْرَاه على (قتل مُسلم ظلما فيؤجر على التّرْك) أَي على ترك قَتله (كعلي إِجْرَاء كلمة الْكفْر) أَي كَمَا يُؤجر على ترك إجرائها على لِسَانه عِنْد الْإِكْرَاه عَلَيْهِ (بِخِلَاف الْمُبَاح كالإفطارل) لصائم (الْمُسَافِر) فِي رَمَضَان، فَإِنَّهُ لَا يُؤجر على التّرْك بل يَأْثَم لصيرورته فرضا بِالْإِكْرَاهِ كَمَا سبق، فَمَا أكره عَلَيْهِ فرض، ومباح، ورخصة، وَحرَام: ويؤجر على التّرْك فِي الْحُرْمَة والرخصة، وَيَأْثَم فِي الْفَرْض والمباح. وَالْمرَاد بِالْإِبَاحَةِ جَوَاز الْفِعْل، وَلَو تَركه وصبر حَتَّى قتل لم يَأْثَم وَلم يُؤجر، وبالرخصة جَوَاز الْفِعْل، وَلَو تَركه وصبر حَتَّى قتل يُؤجر لعمله بالعزيمة، فَلم يرد أَنه ان أُرِيد بالاباحة جَوَاز الْفِعْل وَعدم الاثم بِالْقَتْلِ على تَقْدِير التّرْك وَالصَّبْر فَهُوَ معنى الرُّخْصَة، وَأَن أُرِيد أَنه يَأْثَم على ذَلِك التَّقْدِير فَهُوَ معنى الْفَرْض (وَلَا يُنَافِي الِاخْتِيَار) لِأَنَّهُ حمل للْفَاعِل على أَن يخْتَار مَا لَا يرضاه (بل الْفِعْل عَنهُ) أَي الْإِكْرَاه (اخْتِيَار أخف المكروهين) عِنْد الْفَاعِل من الْمُكْره بِهِ وَالْمكْره عَلَيْهِ (ثمَّ أصل الشَّافِعِي) أَي مَا يبْنى عَلَيْهِ الْأَحْكَام فِي بَاب الْإِكْرَاه (أَنه) أَي الْإِكْرَاه الحكم مَا كَانَ مِنْهُ (بِغَيْر حق إِن كَانَ) الْإِكْرَاه فِيهِ (عذرا شرعا بِأَن يَجْعَل الشَّارِع للْفَاعِل الْإِقْدَام) على الْفِعْل (قطع) الْإِكْرَاه (الحكم) أَي حكم الْمُكْره عَلَيْهِ (عَن فعل الْفَاعِل قَول أَو عمل) عطف بَيَان لفعله لدفع توهم اخْتِصَاص الْفِعْل بِالْعَمَلِ، إِذْ القَوْل فعل اللِّسَان (لِأَن صِحَة القَوْل) يكون (بِقصد الْمَعْنى و) صِحَة (الْعَمَل بِاخْتِيَارِهِ) أَي الْعَمَل (وَهُوَ) أَي الْإِكْرَاه (يفسدهما) أَي الْقَصْد وَالِاخْتِيَار، وَالْإِكْرَاه دَلِيل على أَن الْمُكْره إِنَّمَا فعل لدفع الضَّرَر عَن نَفسه، لَا لِأَنَّهُ يَقْصِدهُ أَو يختاره (وَأَيْضًا نِسْبَة الْفِعْل إِلَيْهِ) أَي الْفَاعِل (بِلَا رِضَاهُ إِلْحَاق الضَّرَر بِهِ) وَهُوَ غير جَائِز، لِأَنَّهُ مَعْصُوم مُحْتَرم الْحُقُوق (وعصمته) أى الْفَاعِل (تَدْفَعهُ) أى الضَّرَر عَنهُ بِدُونِ رِضَاهُ لِئَلَّا يفوت حَقه بِغَيْر اخْتِيَاره. ثمَّ اذا قطع الْفِعْل عَن الْفَاعِل (إِن أمكن نسبته) أَي الْفَاعِل (إِلَى الْحَامِل) وَهُوَ الْمُكْره، وَإِنَّمَا يُمكن نسبته إِلَيْهِ إِذا أمكن أَن يباشره بِنَفسِهِ، وَذَلِكَ فِي الْأَفْعَال، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (كعلى إِتْلَاف المَال) أَي كَمَا إِذا حمله على إِتْلَافه فَإِنَّهُ يُمكن أَن يُبَاشر الْحَامِل بِنَفسِهِ الْإِتْلَاف (نسب) الْفِعْل (إِلَيْهِ) أَي الْحَامِل، فَيُؤْخَذ بِهِ وَيجْعَل الْفَاعِل آلَة للحامل (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يُمكن نسبته إِلَى الْحَامِل لعدم إِمْكَان مُبَاشَرَته بِنَفسِهِ (بَطل) الْفِعْل بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يُؤَاخذ بِهِ أحد (كعلى الْأَقْوَال) أَي كَمَا إِذا حمله على قَول من الْأَقْوَال من (إِقْرَار وَبيع وَغَيرهمَا) كَمَا سيتضح (وَإِن لم يكن)

الْإِكْرَاه على أَحدهمَا (عذرا بِأَن لَا يحل) للْفَاعِل الْإِقْدَام على الْفِعْل (كعلى الْقَتْل وَالزِّنَا) أَي كَمَا إِذا كَانَ الْإِكْرَاه على أَحدهمَا (لَا يقطعهُ) أَي الْإِكْرَاه الحكم (عَنهُ) أَي الْفَاعِل (فيقتص من الْمُكْره) الْمُبَاشر للْقَتْل بِالْقَتْلِ (وَيحد) الْمُكْره الَّذِي زنا. لَا يُقَال مُقْتَضَاهُ أَن لَا يقْتَصّ من الْحَامِل. لأَنا نقُول (وَإِنَّمَا يقْتَصّ من الْحَامِل أَيْضا عِنْده) أَي الشَّافِعِي (بالتسبيب) فِي قَتله بإكراهه، وَهُوَ كالمباشرة فِي إِيجَاب الْقصاص، إِذْ الْمَقْصُود من شرع الْقصاص الْإِحْيَاء وَهُوَ لَا يحصل إِلَّا بسد بَاب الْإِكْرَاه على الْقَتْل (وَمَا) كَانَ من الْإِكْرَاه (بِحَق لَا يقطع) نِسْبَة الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل أَيْضا كَمَا لَا يقطع فِيمَا ذكر قبيل هَذَا (فصح إِسْلَام الْحَرْبِيّ وَبيع الْمَدْيُون الْقَادِر) على وَفَاء دين (مَاله للإيفاء وَطَلَاق الْمولى) على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من زَوجته (بعد الْمدَّة) أَي بعد مُضِيّ مُدَّة الْإِيلَاء حَال كَون هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين (مكرهين) على الْإِسْلَام وَالْبيع وَالطَّلَاق، لِأَن إِكْرَاه الْحَرْبِيّ على الْإِسْلَام جَائِز فعد اخْتِيَاره قَائِما فِي حَقه إعلاء لِلْإِسْلَامِ كَمَا عد قَائِما فِي حق السَّكْرَان زجرا لَهُ، ولصحة إِكْرَاه كل من الْمَدْيُون وَالْمولى على الْإِيفَاء وَالطَّلَاق بعد الْمدَّة لكَونه ظَالِما بالامتناع عَن الْقيام بِمَا هُوَ حق عَلَيْهِ، بِخِلَاف الْإِكْرَاه على الطَّلَاق قبل مضيها فَإِنَّهُ بَاطِل، فَلَا يَقع الطَّلَاق (بِخِلَاف إِسْلَام الذِّمِّيّ) بِالْإِكْرَاهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَن إكراهه غير جَائِز، لأَنا أمرنَا أَن نتركهم وَمَا يدينون، فَلَا يُمكن عد اخْتِيَاره قَائِما فَلَا يعْتد بِهِ (وَالْإِكْرَاه بِحَبْس مخلد وَضرب مبرح) أَي شَدِيد (وَقتل سَوَاء عِنْده) أَي الشَّافِعِي، لِأَن فِي الْحَبْس ضَرَرا كَالْقَتْلِ، والعصمة تَقْتَضِي دفع الضَّرَر (بِخِلَاف نَحْو إِتْلَاف المَال وإذهاب الْجمال) فَإِنَّهُ لَا يكون إِكْرَاها (وأصل الْحَنَفِيَّة) الَّذِي تتفرع عَلَيْهِ الْأَحْكَام فِي بَاب الْإِكْرَاه (أَن الْمُكْره عَلَيْهِ إِمَّا قَول لَا يَنْفَسِخ) كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق (فَينفذ كَمَا) ينفذ (فِي الْهزْل). قَالَ الشَّارِح: بل أولى لِأَنَّهُ منَاف للاختيار، وَالْإِكْرَاه مُفسد لَهُ لَا منَاف انْتهى. وَفِيه أَن منافاته إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَار عدم الرِّضَا بِحكمِهِ، وإفساد هَذَا بِاعْتِبَار الاضرار. وَقد سبق أَنه لَا يسلب الِاخْتِيَار، لَكِن الرِّضَا بالتلف بِسَبَب الحكم وعلته فِي جَانب الْهزْل يعادل النُّقْصَان الَّذِي يسببه الْإِكْرَاه وَلم يبلغ دَرَجَة الْمُنَافَاة للاختيار، فَقَوله بل أولى مَحل بحث (مَعَ اقْتِصَاره) أَي النَّفاذ (على الْمُكْره) أَي الْفَاعِل، لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يَجْعَل آلَة للحامل فِيهِ، فَلَا يلْزم على الْحَامِل شَيْء (إِلَّا مَا أتلف) من الْإِكْرَاه مَالا (كَالْعِتْقِ) أَي كالإكراه عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَول لَا يَنْفَسِخ وَقد أتلف بِهِ على الْمُكْره قيمَة الْمَمْلُوك (فَيجْعَل) الْفَاعِل فِيهِ (آلَة) فِي إِتْلَاف مَالِيَّة الْعَتِيق، لِأَن الْإِتْلَاف يحْتَمل ذَلِك (فَيضمن) الْحَامِل للْفَاعِل قيمَة العَبْد مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا، لِأَن هَذَا ضَمَان إِتْلَاف فَلَا يخْتَلف باليسار والإعسار، وَيثبت الْوَلَاء للْفَاعِل قيمَة العَبْد مُوسِرًا، لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَهُوَ

مقتصر على الْفَاعِل، وَلَا يمْتَنع ثُبُوته لغير من عَلَيْهِ الضَّمَان كَمَا فِي الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة على الْعتْق فَإِنَّهُ يجب الضَّمَان على الشُّهُود، وَالْوَلَاء للْمَشْهُود عَلَيْهِ، لِأَن الْوَلَاء كالنسب، وَلَا سِعَايَة على العَبْد، لِأَن الْعتْق نفذ فِيهِ من جِهَة مَالِكه (بِخِلَاف مَا لم يتْلف) عَلَيْهِ مَا لَا (كعلى) أَي الْإِكْرَاه على (قبُولهَا) أَي على قبُول الزَّوْجَة (المَال فِي الْخلْع) وَهِي مدخوله (إِذْ يَقع) الطَّلَاق إِذا قبلت (وَلَا يلْزمهَا) المَال، لِأَن الْإِكْرَاه قاصرا كَانَ أَو كَامِلا يعْدم الرِّضَا بِالسَّبَبِ وَالْحكم جَمِيعًا، وَالطَّلَاق غير مفتقر إِلَى الرِّضَا، والتزام المَال مفتقر إِلَيْهِ. وَقد انْعَدم (بِخِلَافِهِ) أَي الْإِكْرَاه (فِي الزَّوْج) بِأَن يكرههُ على أَن يخلعها على مَال فَقبلت غير مُكْرَهَة فَإِنَّهُ (يَقع الْخلْع) لِأَنَّهُ من جَانِبه طَلَاق، وَالْإِكْرَاه لَا يمْنَع وُقُوعه (ويلزمها) المَال لِأَنَّهَا التزمته طَائِعَة بِإِزَاءِ مَا سلم لَهَا من الْبَيْنُونَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن قولا لَا يَنْفَسِخ (فسد) ذَلِك القَوْل، فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الحكم (كَالْبيع) وَالْإِجَارَة فَإِنَّهُ ينْعَقد فَاسِدا، لِأَنَّهُ لَا يمْنَع انْعِقَاده لصدوره من أَهله فِي مَحَله، وَيمْنَع نفاذه لِانْعِدَامِ شَرط النَّفاذ وَهُوَ الرِّضَا، فَلَو أجَازه بعد زَوَال الْإِكْرَاه صَرِيحًا أَو دلَالَة صَحَّ كَمَا فِي البيع بِشَرْط أجل فَاسد أَو خِيَار فَاسد، فَإِنَّهُ إِذا سقط قبل تَقْرِيره صَحَّ (والأقارير) بِمَا لَا يحْتَمل الْفَسْخ، وَمَا لَا يحْتَملهُ من الماليات وَغَيرهَا، لِأَن صِحَّتهَا تعتمد على قيام الْمخبر بِهِ وثبوته سَابِقًا على الْإِقْرَار، وَإِذا لم يكن فِيهِ تُهْمَة ترجح صدقه فَيحكم بِهِ وَإِلَّا لم يرجح فَلم يعْتَبر، وَالْإِكْرَاه قَامَ قرينَة لعدم صدقه، ودلالته على عدم الصدْق راجحة على دلَالَة حَال الْمُؤمن على الصدْق كَمَا لَا يخفى (مَعَ اقتصارها) أَي الأقارير (عَلَيْهِ) أَي الْمقر أَيْضا لعدم صلاحيته لكَونه آلَة للمكره (أَو فعل لَا يحْتَمل كَون الْفَاعِل آلَة) للحامل عَلَيْهِ (كَالزِّنَا وَأكل رَمَضَان، وَشرب الْخمر) بملجئ، إِذْ لَا يتَصَوَّر كَون الشَّخْص واطئا بِآلَة غَيره أَو آكلا أَو شاربا بِفَم غَيره، وَمَا كَانَ كَذَلِك (اقْتصر) حكمه (عَلَيْهِ) أَي الْفِعْل (وَلَزِمَه حكمه) فَلَو أكره صَائِم صَائِما على الْأكل فسد صَوْم الْآكِل لَا غير (إِلَّا الْحَد) فَإِنَّهُ لَا يجب على الْفَاعِل أَيْضا، فَلَو أكرهه صَائِم على الزِّنَا لَا يجب بِهِ الْحَد على أَحدهمَا (وَأما من حَيْثُ هما) أى الْأكل وَالشرب (إِتْلَاف فاختلفت الرِّوَايَات فِي لُزُومه الْفَاعِل أَو الْحَامِل). ففى الْخُلَاصَة وَغَيرهَا أكره على مَال الْغَيْر، فَالضَّمَان على الْمَحْمُول لَا الْحَامِل وان صلح آله لَهُ من حَيْثُ الْإِتْلَاف كَمَا فِي الْإِكْرَاه على الْإِعْتَاق، لِأَن مَنْفَعَة الْأكل حصلت للمحمول، فَكَانَ كالإكراه على الزِّنَا يجب الْعقر عَلَيْهِ بانتفاعه بِالْوَطْءِ، بِخِلَاف الْإِكْرَاه على الْإِعْتَاق حَيْثُ وَجب الضَّمَان على الْحَامِل لِأَن الْمَالِيَّة تلفت بِلَا مَنْفَعَة للمحمول. وَفِي الْمُحِيط أكره على أكل طَعَام غَيره يجب الضَّمَان على الْحَامِل وَإِن كَانَ الْمَحْمُول جائعا وحصلت لَهُ منفعَته، لِأَن الْمَحْمُول أكل طَعَام الْحَامِل بِإِذْنِهِ: لِأَن الْإِكْرَاه على الْأكل

إِكْرَاه على الْقَبْض: إِذْ لَا يُمكنهُ الْأكل بِدُونِهِ غَالِبا فَصَارَ غَاصبا، ثمَّ مَالِكًا للطعام بِالضَّمَانِ ثمَّ آذنا لَهُ بِالْأَكْلِ. وَفِيه أَنه بِمُجَرَّد الْقَبْض لَا يصير الْمَغْصُوب ملكا للْغَاصِب، بل لَا بُد من تغير يَزُول بِهِ اسْمه، وَأعظم مَنَافِعه، أَو مَا أشبه ذَلِك على مَا عرف فِي مَحَله (إِلَّا مَال) الْمَحْمُول: أَي إِلَّا إِذا أكره (الْفَاعِل) على أكل مَال نَفسه وَأكله حَال كَونه (جائعا فَلَا رُجُوع) لَهُ على الْحَامِل لِأَن الْمَنْفَعَة حصلت لَهُ (أَو شبعان فعلى الْحَامِل قِيمَته) أَي الطَّعَام الَّذِي أكله كرها (لعدم انتفاعه) أَي الْفَاعِل (بِهِ) أَي الطَّعَام، ذكره فِي الْمُحِيط أَيْضا، بل تضرر بِهِ لكَونه على الشِّبَع (والعقر على الْفَاعِل بِلَا رُجُوع) على الْحَامِل (أما لَو أتلفهَا) أَي الْمَوْطُوءَة بِالْوَطْءِ (يَنْبَغِي الضَّمَان على الْحَامِل وَكَذَا) اقْتصر حكم الْمُكْره عَلَيْهِ على الْفَاعِل (إِن احْتمل) كَون الْفَاعِل آلَة للحامل فِيهِ (و) لَكِن (لزم آليته) أَي الْفَاعِل للحامل، وآليته مفعول لزم، وفاعله (تبدل مَحل الْجِنَايَة) وَهُوَ الْمحل الَّذِي يَقع فِيهِ الْفِعْل الْجِنَايَة، وتبدله أَن يعْتَبر وُقُوعهَا فِي مَحل آخر (المستلزم) صفة التبدل (لمُخَالفَة الْمُكْره) على صِيغَة الْفَاعِل، لِأَنَّهُ قصد بإكراهه وُقُوع الْجِنَايَة فِي الْمحل الأول (المستلزمة) صفة الْمُخَالفَة (بطلَان الْإِكْرَاه) مفعول المستلزمة، وَذَلِكَ لِأَن الْإِكْرَاه إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا كَانَ الْمُكْره عَلَيْهِ مُرَاد الْمُكْره بِخِلَاف مُرَاد الْمُكْره يضْطَر إِلَى إِيقَاعه، وَمَعَ تبدل الْمحل لَا يُوجد هَذَا الْمَعْنى كَمَا سَيظْهر فِي الْمِثَال (كإكراه الْمحرم) محرما آخر (على قتل الصَّيْد لِأَنَّهُ) أَي الْإِكْرَاه الْمَذْكُور إِكْرَاه (على الْجِنَايَة على إِحْرَام نَفسه) أَي الْفَاعِل (فَلَو جعل) الْفَاعِل (آلَة) للحامل (صَار) قتل الصَّيْد جِنَايَة (على إِحْرَام الْحَامِل) فَلَا يكون إِثْبَاتًا بِمَا أكرهه عَلَيْهِ، فَيبْطل الْإِكْرَاه وَلقَائِل أَن يَقُول حَقِيقَة الْإِكْرَاه إلجاء الْمَحْمُول على الْفِعْل وإفساد اخْتِيَاره وَقد تحقق، فَلَو جعل الْمَحْمُول آلَة وَنسب الْفِعْل إِلَى الْحَامِل لَا يلْزم مِنْهُ بطلَان الْإِكْرَاه، غَايَة الْأَمر أَن الْحَامِل قد وَقع الْجِنَايَة على إِحْرَام الْمَحْمُول، وَالشَّرْع مَا صحّح قَصده فقلبه عَلَيْهِ فَتدبر وَقيل الِاقْتِصَار على الْفَاعِل يَنْبَغِي أَن يكون فِي حق الْإِثْم فَقَط، إِذْ الْجَزَاء فِي هَذِه الصُّورَة على كل من الْفَاعِل وَالْحَامِل وَأجِيب بِأَن الْفِعْل هَهُنَا قتل الصَّيْد بِالْيَدِ، فَجَزَاؤُهُ الْمُتَرَتب عَلَيْهِ مقتصر على الْفَاعِل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلُزُوم الْجَزَاء عَلَيْهِ) أَي الْحَامِل (مَعَه) أَي الْفَاعِل (لِأَنَّهُ) أَي إِكْرَاه الْحَامِل على قتل الصَّيْد (يفوق الدّلَالَة) أَي دلَالَته من يقتل على الصَّيْد، وفيهَا يجب الْجَزَاء، فَفِيهِ أولى، فَكل مِنْهُمَا جَان على إِحْرَام نَفسه: أَحدهمَا بِالْقَتْلِ، وَالْآخر بِمَا هُوَ فَوق الدّلَالَة (و) كالإكراه للْغَيْر (على البيع وَالتَّسْلِيم) لملكه الْمَبِيع (اقْتصر التَّسْلِيم على الْفَاعِل وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يقْتَصر عَلَيْهِ وَجعل آلَة للحامل (تبدل مَحل التَّسْلِيم عَن البيعية إِلَى المغصوبية) فَعلم أَن مَحل تبدل الْجِنَايَة تَارَة يكون بِاعْتِبَار

ذَاته، وَتارَة بِاعْتِبَار وَصفه، وَذَلِكَ لِأَن التَّسْلِيم من جِهَة الْحَامِل يكون تَصرفا فِي ملك الْغَيْر على سَبِيل الِاسْتِيلَاء فَيصير البيع وَالتَّسْلِيم غصبا (بِخِلَاف نسبته) أَي التَّسْلِيم (إِلَى البَائِع فَإِنَّهُ متمم للْعقد فَيملكهُ) أَي المُشْتَرِي الْمَبِيع (ملكا فَاسِدا) لانعقاد بَيْعه وَعدم نفاذه لفساد فِي الِاخْتِيَار بِسَبَب الْإِكْرَاه (وَإِن) احْتمل كَون الْفَاعِل آلَة للحامل فِي الْفِعْل الْمُكْره عَلَيْهِ (لم تلْزم) آليته تبدل مَحل الْجِنَايَة (كعلى إِتْلَاف المَال وَالنَّفس، فَفِي) الْإِكْرَاه (الملجئ). وَقد عَرفته (نسب) الْفِعْل (إِلَى الْحَامِل ابْتِدَاء) لَا نقلا من الْفَاعِل إِلَيْهِ كَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمَشَايِخ (فَلَزِمَهُ) أَي الْحَامِل (ضَمَان المَال) فِي إكراهه الْغَيْر على إِتْلَاف المَال، وَالْقصاص فِي إكراهه على الْقَتْل كَمَا هُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد. وَقَالَ زفر: الْقصاص على الْفَاعِل، لِأَنَّهُ قَتله لَا حَيَاء نَفسه عمدا. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا قصاص على أحد، بل الْوَاجِب الدِّيَة على الْحَامِل فِي مَاله ثَلَاث سِنِين، لِأَن الْقصاص إِنَّمَا هُوَ بِمُبَاشَرَة جَنَابَة تَامَّة، وَقد عدمت فِي حق كل من الْفَاعِل وَالْحَامِل، وَلَهُمَا أَن الْإِنْسَان مجبول على حب الْحَيَاة، فَقدم على مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى إبْقَاء الْحَيَاة بقضية الطَّبْع بِمَنْزِلَة آلَة لَا اخْتِيَار لَهَا كالسيف فِي يَد الْقَاتِل، فيضاف الْفِعْل إِلَى الْحَامِل (و) يلْزمه (الْكَفَّارَة وَالدية فِي إكراهه على رمي صيد فَأصَاب إنْسَانا على عَاقِلَة الْحَامِل) وَإِنَّمَا كَانَ الْفَاعِل آلَة للحامل فِي هَذِه الْحَالة (لِأَنَّهُ عَارض اخْتِيَاره) أَي الْفَاعِل (اخْتِيَار صَحِيح) وَهُوَ اخْتِيَار الْحَامِل وَالْفَاسِد فِي مُقَابلَة الصَّحِيح كَالْمَعْدُومِ (وَكَذَا حرمَان الْإِرْث) ينْسب إِلَى الْحَامِل، لِأَن الْفَاعِل يصلح آلَة للحامل بِاعْتِبَار تَفْوِيت الْمحل (أما الْإِثْم) فالفاعل لَا يصلح آلَة للحامل فِي حَقه إِذْ لَا يُمكن لأحد أَن يجني على دين غَيره، ويكتسب الْإِثْم لغيره لِأَنَّهُ قصد الْقلب، وَلَا يتَصَوَّر الْقَصْد بقلب الْغَيْر كَمَا لَا يتَصَوَّر التَّكَلُّم بِلِسَان الْغَيْر وَأَيْضًا على تَقْدِير كَونه آلَة يلْزم تبدل مَحل الْجِنَايَة، كَذَا قَالَ الشَّارِح وَلَا يخفى أَن عدم إِمْكَان اكْتِسَاب الْإِثْم لغيره إِذا لم يكن ذَلِك الْغَيْر مكْرها لَهُ مُسلم. وَأما إِذا كَانَ مكْرها فَغير مُسلم، وَقصد قلبه للإكراه كَاف، وَلَا عِبْرَة لقصد الْفَاعِل لفساد اخْتِيَاره، فَكَأَن قصد الْقَتْل إِنَّمَا وَقع من الْحَامِل لَا الْفَاعِل، وَلَيْسَ هَهُنَا تبدل مَحل الْجِنَايَة على الْوَجْه الْمَذْكُور آنِفا (فعلَيْهِمَا) أَي الْحَامِل وَالْفَاعِل الْإِثْم (لحمله) الْفَاعِل على الْقَتْل (وإيثار الآخر) وَهُوَ الْفَاعِل (حَيَاته) على من هُوَ مثله، وَهَذَا (فِي الْعمد وَفِي الْخَطَأ لعدم تثبتهما) أَي الْحَامِل وَالْفَاعِل (و) فِيمَا (فِي غَيره) أَي غير الْإِكْرَاه الملجئ (اقْتصر) حكم الْفِعْل (على الْفَاعِل) لعدم مَا يفْسد الِاخْتِيَار، وَهُوَ الْمُوجب لجعل الْفَاعِل آلَة للحامل وَنسبَة الْفِعْل إِلَيْهِ دون الْفَاعِل (فَيضمن) الْفَاعِل مَا أتْلفه من مَال غَيره (ويقتص) مِنْهُ بقتل غَيره عمدا عُدْوانًا (وكل الْأَقْوَال) الصَّادِر ذكرهَا (لَا تحْتَمل آلية قَائِلهَا) للحامل عَلَيْهَا (لعدم قدرَة الْحَامِل على تطليق

زَوْجَة غَيره وإعتاق عَبده) أَي غَيره، وعَلى هَذَا الْقيَاس فِي جَمِيع التصورات الْعَقْلِيَّة ومبناه امْتنَاع التَّكَلُّم بِلِسَان الْغَيْر، وَمَا يُقَال من أَن كَلَام الرَّسُول كَلَام الْمُرْسل بمجاز إِذْ الْعبْرَة بالتبليغ، وَهُوَ قد يكون مشافهة وَقد يكون بِوَاسِطَة وَيحمل كَلَام الْوَكِيل فِي الطَّلَاق وَالْعتاق على كَلَام الْمُوكل تَقْديرا، وَلَا يَجْعَل الْوَكِيل آلَة للْمُوكل (بِخِلَاف الْأَفْعَال) فَإِن مِنْهَا مَا يحْتَمل وَمِنْهَا مَا لَا يحْتَمل و (هَذَا تَقْسِيم الْمُكْره عَلَيْهِ بِاعْتِبَار نسبته) أَي الْمُكْره عَلَيْهِ (إِلَى الْحَامِل والمحمول، وَأما) تقسيمه (بِاعْتِبَار حل إقدام الْمُكْره) أَي الْفَاعِل (وَعَدَمه) أَي عدم حل إقدامه (فالحرمات) أَي فَهُوَ أَن يُقَال الْمُحرمَات (أما بِحَيْثُ لَا تسْقط وَلَا يرخص فِيهَا كَالْقَتْلِ وجرح الْغَيْر) لِأَن خوف تلف النَّفس أَو الْعُضْو لَا يكون سَببا لرخصة قتل الْغَيْر أَو قطع عضوه وَإِن كَانَ عَبده لاستحقاقهما الصيانة واستوائهما فِي الِاسْتِحْقَاق فَلَا تسْقط إِحْدَى الحرمتين لِلْأُخْرَى، أَلا ترى أَن الْمُضْطَر لَا يحل لَهُ أَن يقطع طرف الْغَيْر ويأكله، بِخِلَاف مَا إِذا أكره على قطع طرف نَفسه بِالْقَتْلِ، فَإِن قيل لَهُ لأَقْتُلَنك أَو تقطع أَنْت يدك حل لَهُ قطع يَده لِأَن حُرْمَة نَفسه فَوق حُرْمَة يَده عِنْد التَّعَارُض لِأَن أَطْرَافه وقاية نَفسه كأمواله فَجَاز لَهُ اخْتِيَار أدنى الضَّرَر لدفع الْأَعْلَى، وَأما حُرْمَة نَفسه فَلَيْسَتْ فَوق حُرْمَة يَد غَيره لما أجمع عَلَيْهِ من عدم حل أكل طرف الْغَيْر للْمُضْطَر (وزنا الرجل لِأَنَّهُ) أَي زِنَاهُ (قتل معنى) لوَلَده، إِمَّا لانْقِطَاع نسبه عَنهُ إِذْ من لَا نسب لَهُ كالميت، وَأما لِأَنَّهُ لَا يجب نَفَقَته عَلَيْهِ وَلَا على الْمَرْأَة لعجزها فتهلك، كَذَا قَالُوا، وَفِيه أَن قَوْله تَعَالَى - {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} - يَدْفَعهُ، وَأَيْضًا لَو سلم فَفِي غير الْمُزَوجَة، أما فِيهَا فَلَا، لنسبته إِلَى صَاحب الْفراش وَوُجُوب نَفَقَته عَلَيْهِ، وَدفع هَذَا بِأَن حِكْمَة الحكم تراعى فِي الْجِنْس لَا فِي كل فَرد، وَفِي الشَّرْح مناقشات أُخْرَى طويناها، وَأورد أَن حُصُول الْوَلَد غير مَعْلُوم، وعَلى تَقْدِيره فالهلاك موهوم لقدرة الْأُم على كسب يُنَاسِبهَا وهلاك الْمُكْره مُتَيَقن فَلَا يُعَارضهُ ونوقش فِي تيقنه لاحْتِمَال أَن يمْتَنع الْمُكْره من قبله، وَفِيه مَا فِيهِ، وَلِهَذَا أجمل المُصَنّف (فَلَا يحلهَا) أَي الْمُحرمَات الْمَذْكُورَة (الْإِكْرَاه الملجئ أَو) بِحَيْثُ (تسْقط كَحُرْمَةِ الْميتَة وَالْخمر وَالْخِنْزِير فيبيحها) أَي الْإِكْرَاه الملجئ هَذِه الْأَشْيَاء (للاستثناء) أَي لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتثْنى من تَحْرِيم الْميتَة وَنَحْوهَا حَالَة الِاضْطِرَار فَلَا تثبت الْحُرْمَة فِيهَا حِينَئِذٍ فَتبقى على الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة ضَرُورَة (والملجئ) أَي حَالَة الْمُكْره عِنْد الْإِكْرَاه الملجئ (نوع من الِاضْطِرَار أَو تثبت) الْإِبَاحَة فِي الْإِكْرَاه الملجئ (بدلالته) أَي بِدلَالَة النَّص الْمَذْكُور فِي الِاضْطِرَار كَمَا تثبت حُرْمَة الضَّرْب بِالنَّصِّ الدَّال على حُرْمَة التأفيف بطرِيق أولى على مَا سبق (إِن اخْتصَّ) الِاضْطِرَار (بالمخمصة فيأثم) الْمُكْره (لَو أوقع) الْقَتْل أَو قطع الْعُضْو (بِهِ لامتناعه) من تنَاول ذَلِك (إِن) كَانَ (عَالما بسقوطها) أَي الْحُرْمَة كَمَا لَو امْتنع

عَن أكل لحم الشاه وَشرب المَاء فِي هَذِه الْحَالة وَإِن لم يعلم فيرجى أَن لَا يكون آثِما لخفاء دَلِيل زَوَال الْحُرْمَة عِنْد الضَّرُورَة فيعذر بِالْجَهْلِ كَمَا فِي الْخطاب قبل الشُّهْرَة كَالصَّلَاةِ فِي حق من أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم يعلم بِوُجُوبِهَا ذكره فِي الْمَبْسُوط (وَلَا يبيحها) أَي الْمُحرمَات الَّتِي بِحَيْثُ تسْقط (غير الملجئ بل يُورث) غير الملجئ (شُبْهَة فَلَا حد بالشرب مَعَه) أَي مَعَ غير الملجئ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن لَا يحد إِذْ لَا تَأْثِير فَلَا إِكْرَاه بِالْحَبْسِ وَنَحْوه فِي الْأَفْعَال فوجوده كَعَدَمِهِ، وَجه الِاسْتِحْسَان أَنه يُورث شُبْهَة كالملك فِي الْجُزْء من الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة يصير شُبْهَة فِي إِسْقَاط الْحَد عَن الشَّرِيك بِوَطْئِهَا (أَو) بِحَيْثُ (لَا تسْقط) حرمته (لَكِن رخصت) أَي رخص تنَاول متعلقها عِنْد الضَّرُورَة مَعَ بَقَاء الْحُرْمَة وَحِينَئِذٍ (فإمَّا مُتَعَلقَة بِحقِّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يحْتَمل السُّقُوط) بِحَال (كَحُرْمَةِ التَّكَلُّم بِكفْر) إِذْ الْكفْر حرَام صُورَة وَمعنى حُرْمَة مُؤَبّدَة، وَأما إِجْرَاء كلمة الْكفْر فَهُوَ كفر صُورَة لِأَن الْأَحْكَام مُتَعَلقَة بِالظَّاهِرِ، إِلَّا أَن الشَّارِع رخص فِيهِ بِشَرْط اطمئنان الْقلب بالايمان بقوله - {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} - فَعلم أَنه لَيْسَ بِكفْر معنى (أَو) مُتَعَلقَة بِحقِّهِ (الَّذِي يحْتَملهُ) أَي السُّقُوط (وكترك الصَّلَاة وَأَخَوَاتهَا) من الزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج فَإِنَّهَا مُحْتَملَة للسقوط فِي الْجُمْلَة بالأعذار (فيرخص) تَركهَا (بالملجئ) لِأَن حَقه فِي نَفسه يفوت بِالْكُلِّيَّةِ وَحقّ الشَّرْع يفوت إِلَى خلف (فَلَو صَبر) وَلم يفعل مَا أكره عَلَيْهِ حَتَّى قتل (فَهُوَ شَهِيد) بذل نَفسه فِي طَاعَة رب الْعَالمين لِأَن حَقه تَعَالَى لَا يسْقط بِالْإِكْرَاهِ (وَمِنْه) أَي هَذَا الْقسم (زنَاهَا) أَي إِذا أكرهت على الزِّنَا فتمكينها من الزِّنَا حرَام (لَا يسْقط حرمته الَّتِي هِيَ حَقه تَعَالَى الْمُحْتَمل للرخصة) مَعَ بَقَاء الْحُرْمَة فِي الْإِكْرَاه الملجئ (لعدم الْقطع) لنسب وَلَدهَا من الزِّنَا عَنْهَا بِحَال فَلم يكن فِيهِ معنى الْقَتْل الَّذِي هُوَ الْمَانِع من الرُّخص فِي جَانب الرجل. وَأورد أَنَّهَا إِن كَانَت غير مُزَوّجَة لم يتَمَكَّن من التربية وَإِن كَانَت متزوجة يَنْفِيه فيفضي إِلَى الْهَلَاك أَيْضا وَأجِيب بِأَن الْهَلَاك يُضَاف إِلَى الَّذِي ألْقى بذره فِي غير ملكه، لَا إِلَى محلهَا لِأَنَّهَا مَحل لَا فَاعل (بِخِلَاف) الْإِكْرَاه (غير الملجئ فِيهِ) أَي فِي زنَاهَا فَإِنَّهَا غير مرخص لَهَا فِي ذَلِك (لَكِن لَا تحد الْمَرْأَة) بالتمكين فِيهِ (وَيحد هُوَ) أَي الرجل (مَعَه) أَي الْإِكْرَاه غير الملجئ لِأَن الملجئ لَيْسَ سَبَب رخصَة فِي حَقه كَمَا فِي حَقّهَا حَتَّى يكون غير الملجئ شُبْهَة رخصَة، و (لَا) يحد الرجل (مَعَ الملجئ) اسْتِحْسَانًا كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَقَالا بِهِ وَالْقِيَاس أَنه يحد مَعَ الملجئ أَيْضا. قَالَه أَبُو حنيفَة أَولا وَزفر لِأَن الْوَطْء لَا يتَصَوَّر من الرجل إِلَّا بانتشار آلَته وَهُوَ دَلِيل الطواعية لِأَنَّهُ لَا يحصل مَعَ الْخَوْف، بِخِلَاف الْمَرْأَة فَإِن بتمكينها يتَحَقَّق يتَحَقَّق مَعَ خوفها، وَالصَّحِيح الأول (لِأَنَّهُ) أَي زِنَاهُ (مَعَ) الملجئ لَهُ لدفع (قطع الْعُضْو) إِن كَانَ التخويف بِهِ أَو الْقَتْل، وَاكْتفى بِذكر الْأَدْنَى عَن الْأَعْلَى لاستلزام إِسْقَاطه بِالطَّرِيقِ الأولى (لَا

للشهوة) ليزجر بِالْحَدِّ لِأَنَّهُ كَانَ مزجرا حَتَّى أكره فَكَانَ شُبْهَة فِي إِسْقَاطه وانتشار الْآلَة قد يكون طبعا بالفحولية المركبة فِي الرِّجَال، أَلا ترى أَن النَّائِم قد تَنْتَشِر آلَته مَعَ أَنه لَا قصد لَهُ وَلَا اخْتِيَار (وَإِمَّا) مُتَعَلقَة (بِحُقُوق الْعباد كَحُرْمَةِ إِتْلَاف مَال الْمُسلم) فَهِيَ (لَا تسْقط) بِحَال (لِأَنَّهَا) أَي حُرْمَة مَاله (حَقه) أَي العَبْد وَحقه لَا يسْقط، وَإِلَّا يلْزم عدم تأبيد عصمَة تثبت من حَيْثُ الْإِسْلَام، ثمَّ أَن الْإِتْلَاف ظلم وَحُرْمَة الظُّلم مُؤَبّدَة غير أَنَّهَا حَقه (الْمُحْتَمل للرخصة بالملجئ) حَتَّى لَو أكره على إِتْلَافه ملجئا رخص لَهُ فِيهِ (لِأَن حُرْمَة النَّفس فَوق حُرْمَة المَال) لِأَنَّهُ مهان مبتذل، لِأَنَّهُ رُبمَا يَجعله صَاحبه صِيَانة لنَفس الْغَيْر أَو طرفه (وَلَا تَزُول الْعِصْمَة) لِلْمَالِ فِي حق صَاحبه بِالْإِكْرَاهِ (لِأَنَّهَا) أَي عصمته (لحَاجَة مَالِكه وَلَا تَزُول) الْحَاجة (بإكراه الآخر) فإتلافه وَإِن رخص فِيهِ بَاقٍ على الْحُرْمَة (وَلَو صَبر على الْقَتْل كَانَ شَهِيدا) لبذل نَفسه لدفع الظُّلم كَمَا إِذْ امْتنع عَن ترك الْفَرَائِض حَتَّى قتل إِلَّا أَنه لما لم يكن فِي معنى الْعِبَادَات من كل وَجه قيدوا الحكم بِالِاسْتِثْنَاءِ فَقَالُوا إِن كَانَ شَهِيدا (إِن شَاءَ الله وَبَقِي من المكتسب الْجَهْل نذكرهُ فِي الِاجْتِهَاد إِن شَاءَ الله رب الْعَالمين). تمّ الْجُزْء الثَّانِي ويليه الْجُزْء الثَّالِث: وأوله الْبَاب الثَّانِي من الْمقَالة الثَّانِيَة فِي أَحْوَال الْمَوْضُوع

الجزء 3

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْبَاب الثَّانِي من الْمقَالة الثَّانِيَة فِي أَحْكَام الْمَوْضُوع فِي أَدِلَّة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة (أَدِلَّة الْأَحْكَام الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس) بِحكم الاستقراء، وَجه الضَّبْط الدَّلِيل الشَّرْعِيّ: إِمَّا وَحي أَو غَيره، وَالْوَحي إِمَّا متلوّ فَهُوَ الْكتاب، أَو غير متلوّ فَهُوَ السّنة، وَغير الْوَحْي إِمَّا قَول كل الْأمة من عصر فَهُوَ الْإِجْمَاع، وَإِلَّا فَالْقِيَاس، ويندرج فِي السّنة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفعله وَتَقْرِيره (وَمنع الْحصْر) أَي إِبْطَاله (بقول الصَّحَابِيّ على قَول الْحَنَفِيَّة) فَإِنَّهُم يقدمُونَ قِيَاس الصَّحَابِيّ على قياسهم لما عرف فِي مَحَله، وَهُوَ لَيْسَ من الْأَرْبَعَة. (وَشرع من قبلنَا) من الْأَنْبِيَاء (وَالِاحْتِيَاط والاستصحاب والتعامل مَرْدُود) خير الْمُبْتَدَأ (بردهَا) أَي برد هَذِه الْمَذْكُورَات ثَانِيًا (إِلَى أَحدهَا) أَي الْمَذْكُورَات هُوَ أَولا حَال كَون ذَلِك الْأَحَد الْمَرْدُود إِلَيْهِ (معينا) فَمَا سوى الِاحْتِيَاط والاستصحاب كَقَوْل الصَّحَابِيّ فَإِنَّهُ مَرْدُود إِلَى السّنة، وَشرع من قبلنَا فَإِنَّهُ مَرْدُود إِلَى الْكتاب إِذا قصه الله تَعَالَى من غير إِنْكَار، وَإِلَى السّنة إِذا قصه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك، وَهُوَ أَيْضا فِي الْحَقِيقَة رَاجع إِلَى الْكتاب لقَوْله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} - فَتَأمل. والتعامل فَإِنَّهُ مَرْدُود إِلَى الْإِجْمَاع (ومختلفا فِي الِاحْتِيَاط والاستصحاب) فَإِن مرجع كل مِنْهُمَا غير مُتَعَيّن، بل تَارَة من الْكتاب، وَتارَة من السّنة، وَتارَة من غَيرهمَا، هَذَا هُوَ الظَّاهِر فِي تَفْسِير التعين وَالِاخْتِلَاف، وَالْمَفْهُوم من كَلَام الشَّارِح غير أَنه لَا يظْهر تأثيرهما بالاختلاف مَعَ أَن شرع من قبلنَا أَيْضا كَذَلِك فَتَأمل وَسَيَأْتِي تفصيلها فِي خَاتِمَة هَذِه الْمقَالة (وَمعنى الْإِضَافَة) فِي أَدِلَّة الْأَحْكَام (أَن الْأَحْكَام النّسَب الْخَاصَّة النفسية) إِذْ هِيَ تعلقات الْكَلَام النَّفْسِيّ الْقَدِيم الْقَائِم بِالذَّاتِ المقدسة بِأَفْعَال الْمُكَلّفين: اقْتِضَاء، أَو تخييرا، أَو وضعا (وَالْأَرْبَعَة) أَي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس (أدلتها) أَي النّسَب الْمَذْكُورَة (وَبِذَلِك) أَي بِسَبَب كَونهَا أَدِلَّة (سميت) الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة (أصولا) لِأَن الأَصْل مَا يبْنى عَلَيْهِ غَيره، والمدلول مَبْنِيّ على الدَّال (وَجعل بَعضهم)

أَي الْحَنَفِيَّة (الْقيَاس أصلا من وَجه) لَا يثبت الحكم عَلَيْهِ ظَاهرا (فرعا من وَجه) آخر (لثُبُوت حجيته بِالْكتاب وَالسّنة). قَالَ الشَّارِح وَإِجْمَاع الصَّحَابَة، وَلَعَلَّه لم يذكرهُ لعدم الْجَزْم بإجماعهم، وَإِنَّمَا قُلْنَا لابتنائه عَلَيْهِ ظاهرأ لِأَن الْقيَاس مظهر لَا مُثبت. ثمَّ إِن قَوْله وَجعل مُبْتَدأ خَبره (يُوجب مثله) أَي الْكَوْن أصلا من وَجه فرعا من آخر (فِي السّنة) لثُبُوت حجيتها بِالْكتاب كَقَوْلِه - {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} -: إِلَى غير ذَلِك (وَالْإِجْمَاع) لثُبُوت حجيته بِالْكتاب وَالسّنة، فَلَا مُوجب للاقتصار على الْقيَاس. وَقيل إفرد بِالذكر لِأَنَّهُ أصل فِي الْفِقْه فَقَط، وَهِي أصل لَهُ ولعلم الْكَلَام (وَالْأَقْرَب) أَي إِفْرَاده بِالذكر (لاحتياجه فِي كل حَادِثَة إِلَى أَحدهَا) إِذْ لَا بُد لَهُ من عِلّة مستنبطة من أَحدهَا، وَعدم احتياجها إِلَيْهِ على هَذَا الْوَجْه (وَلَا يرد الْإِجْمَاع) نقضا على التَّعْلِيل الْمَذْكُور بِنَاء (على عدم لُزُوم الْمُسْتَند) لَهُ: يَعْنِي لَا يُقَال أَن الْإِجْمَاع أَيْضا مُحْتَاج إِلَى أَحدهَا إِذا قُلْنَا أَنه لَا يلْزم أَن يكون لَهُ مُسْتَند كَمَا ذهب إِلَيْهِ قوم وَقَالُوا: يجوز أَن يخلق فيهم علما ضَرُورِيًّا، ويوفقهم جَمِيعًا لاختيار الصَّوَاب، وَهَذَا ظَاهر (وَلَا) يرد أَيْضا (على لُزُومه) أَي على القَوْل بِلُزُوم الْمُسْتَند فِي الْإِجْمَاع كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور (لِأَن الْمُحْتَاج إِلَيْهِ) أَي الْمُسْتَند (قَول كل) أَي كل وَاحِد وَاحِد (وَلَيْسَ) قَول كل وَاحِد (إِجْمَاعًا، بل هُوَ) أَي الْإِجْمَاع (كلهَا) أَي مَجْمُوع الْأَقْوَال (المتوقف على) قَول (كل وَاحِد، وَلَا يحْتَاج) الْمَجْمُوع إِلَى مُسْتَند (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يحْتَاج الْمَجْمُوع إِلَى مُسْتَند (كَانَ الثَّابِت لَهُ) أَي بِالْإِجْمَاع (بمرتبة الْمُسْتَند) أَي فِي رتبته، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الثَّابِت بِهِ قَطْعِيَّة الحكم، وَالثَّابِت بالمستند ظنيته، وَأَيْنَ الْقطع من الظَّن؟. وَقد يُقَال: سلمنَا أَنه لَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِنَفسِهِ، لكنه يحْتَاج بِوَاسِطَة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ، وَبِه ثَبت الفرعية من وَجه وَيصير كالقياس. وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن حجية الْإِجْمَاع، وإفادته الْقطع يسْتَند إِلَى عصمَة الْكل عَن الْخَطَأ استنادا يضمحل بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ اعْتِبَار مدخلية السَّنَد الْمَذْكُور فِي أصل انْعِقَاده بِحَسب مَا يَجْعَل مُحْتَاجا إِلَيْهِ فِي حجيته، وَهَذَا أولى مِمَّا قيل: أَن الْإِجْمَاع إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْمُسْتَند فِي تحَققه لَا فِي نفس الدّلَالَة على الحكم، فَإِن الْمُسْتَدلّ بِهِ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ بِخِلَاف الْقيَاس فَإِن الِاسْتِدْلَال بِهِ لَا يُمكن بِدُونِ مُلَاحظَة الثَّلَاثَة فَتدبر. (الْكتاب) هُوَ (الْقُرْآن) تعريفا (لفظيا) فَإِنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ عرفا، غير أَن الْقُرْآن أشهر (وَهُوَ) أَي الْقُرْآن (اللَّفْظ الْعَرَبِيّ الْمنزل للتدبر والتذكر الْمُتَوَاتر) فاللفظ جنس يعم الْكتب السماوية وَغَيرهَا، والعربي يخرج غير الْعَرَبِيّ من الْكتب السماوية وَغَيرهَا، والمنزل بِلِسَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج مَا لَيْسَ بمنزل من الْعَرَبِيّ. وَقَوله للتدبر والتذكر لزِيَادَة التَّوْضِيح، والتدبر: التفهم

للاطلاع على مَا يتبع ظَاهره من التأويلات الصَّحِيحَة، والمعاني المستنبطة من الْأَحْكَام الْأَصْلِيَّة والفرعية، وَالْحكم الإلهية إِلَى غير ذَلِك، والتذكر الاتعاظ بقصصه، وَأَمْثَاله، ودلائله الدَّالَّة على وجود الصَّانِع الْخَبِير، ووحدانيته، وَكَمَال قدرته، وَلُزُوم التَّجَافِي عَن دَار الْغرُور، والتهيئ لدار السرُور، وَنَحْو ذَلِك وَقيل: التدبر لما لَا يعلم إِلَّا من الشَّرْع، والتذكر لما لَا يسْتَقلّ بِهِ الْعقل، وَبِقَوْلِهِ الْمُتَوَاتر خرج مَا لَيْسَ بمتواتر كَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود - فَاقْطَعُوا أيمانهما وأمثالهما - وَبَعض الْأَحَادِيث الإلهية الَّتِي أسندها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الله تَعَالَى على لِسَان جِبْرِيل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَخرجت الْأَحَادِيث القدسية) أَي الإلهية (والإعجاز) وَهُوَ ارتقاؤه إِلَى حد خَارج عَن طوق الْبشر حَيْثُ أعجزهم عَن معارضته (تَابع لَازم لأبعاض خَاصَّة مِنْهُ لَا) يتَقَيَّد (بِقَيْد سُورَة) كَمَا قَالَ بعض الْأُصُولِيِّينَ، وَالْإِضَافَة بَيَانِيَّة (وَلَا) هُوَ لَازم (كل بعض نَحْو {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} الْآيَة، فَإِنَّهَا جمل لَا إعجاز فِيهَا (وَهُوَ) أَي لفظ الْقُرْآن (مَعَ جزئية اللَّام) فِيهِ: أَي مَأْخُوذ مَعَ اللَّام الْمشَار بهَا إِلَى الْمَفْهُوم الْخَارِجِي، فِي الأَصْل صَار مَوْضُوعا (للمجموع) من الْفَاتِحَة إِلَى آخر سُورَة النَّاس فِي عرف الشَّرْع فَلَا يصدق على مَا دونه من آيَة وَلَا سُورَة (وَلَا مَعهَا) أَي اللَّفْظ الْمَذْكُور بِدُونِ اقترانه بهَا: تَعْرِيفه (لفظ إِلَى آخِره) أَي عَرَبِيّ منزل للتدبر والتذكر متواتر (فَيصدق على الْآيَة) وعَلى كل بعض يصدق عَلَيْهِ مَا ذكر فِي التَّعْرِيف (وَهَذَا) التَّعْرِيف (للحجة الْقَائِمَة) أَي مُنَاسِب لِلْقُرْآنِ من حَيْثُ أَنه حجَّة من الله قَائِمَة على الْعباد، إِذْ ثَبت بإعجازه نبوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَين الْأَحْكَام أصولا وفروعا، وبتواتره سد طَرِيق إنكارهم بُلُوغهَا إِلَيْهِم (و) تَعْرِيفه (بِلَا هَذَا الِاعْتِبَار) أَي كَونه حجَّة (كَلَامه تَعَالَى الْعَرَبِيّ الْكَائِن للإنزال) أَي الثَّابِت فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أثْبته الله تَعَالَى هُنَاكَ لمصْلحَة الْإِنْزَال بِلِسَان جِبْرِيل على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا ينْقض بِالْحَدِيثِ الْقُدسِي وَالْقِرَاءَة الشاذة لكَونهَا فِي اللَّوْح لقَوْله تَعَالَى - {وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين} - لأننا لَا نسلم أَنَّهَا أَثْبَتَت هُنَاكَ للإنزال فليتدبر (وللعربي) أَي ولاعتبار قيد الْعَرَبِيّ فِي ماهيته (رَجَعَ أَبُو حنيفَة) بَعْدَمَا تحقق عِنْده اعْتِبَار فِيهِ (عَن الصِّحَّة) أَي صِحَة الصَّلَاة (للقادر) على الْعَرَبِيّ إِذا عبر عَن الْمَضْمُون القرآني (بِالْفَارِسِيَّةِ) أَي بِالْفَارِسِيَّةِ مثلا، فَيدْخل مَا عدا الْعَرَبِيّ، وَذَلِكَ (لِأَن الْمَأْمُور) بِهِ فِي قَوْله - {فاقرءوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} - (وَقِرَاءَة مُسَمّى الْقُرْآن) وَقد عرفت أَن قيد الْعَرَبِيّ مُعْتَبر فِي مَفْهُوم مُسَمَّاهُ، وَلم يسم بِهَذَا الِاسْم إِلَّا الْمَوْجُود فِي الْخَارِج الْعَرَبِيّ على مَا رَوَاهُ عَنهُ نوح بن مَرْيَم وَعلي بن الْجَعْد، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى حَتَّى قَالَ الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْفضل: لَو تعمد ذَلِك فَهُوَ مَجْنُون فيداوى، أَو زنديق

فَيقْتل (وَقَوْلهمْ) أَي بعض الْحَنَفِيَّة فِي التَّعْلِيل الْمَذْكُور لرجوعه توجيها لما ذهب إِلَيْهِ أَولا: أَن النّظم الْعَرَبِيّ (ركن زَائِد) لِلْقُرْآنِ بِمَعْنى كَونه يحْتَمل السُّقُوط، فَلَا يتَوَقَّف على جَوَاز الصَّلَاة لِأَنَّهُ مَقْصُود للإعجاز، وَالْمَقْصُود من الْقُرْآن فِي الصَّلَاة الْمُنَاجَاة لَا الإعجاز، فَلَا يكون النّظم لَازِما فِيهَا (لَا يُفِيد) دفع الِاعْتِرَاض عَنهُ، وَهُوَ كَونه مُخَالفا للنَّص الْمَذْكُور (بعد دُخُوله) أَي الرُّكْن الْمَذْكُور فِي مُسَمَّاهُ، فَإِن النَّص يطْلب الْعَرَبِيّ وَلَا يُجِيز غَيره، وَالتَّعْلِيل يُجِيزهُ، ولخصوصية الإعجازية مزية مَقْصُودَة للشارع فَلَا وَجه لإلغائه بِمثل هَذَا التَّعْلِيل، كَيفَ وَلَا يجوز معارضته النَّص بِالْمَعْنَى (وَدفعه) أَي هَذَا التعقيب (ب) أَن (إرادتهم الزِّيَادَة على مَا يتَعَلَّق بِهِ الْجَوَاز) للصَّلَاة من الْقُرْآن (مَعَ دُخُوله) أَي النّظم الْعَرَبِيّ (فِي الْمَاهِيّة) القرآنية، إِذْ لَا مُنَافَاة بَين كَونه ركنا لماهيته، وزائدا على مَا يتَعَلَّق بِهِ جَوَاز الصَّلَاة مِنْهُ (دفع) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي دَفعه يَعْنِي (بِعَين) مَادَّة (الْإِشْكَال لِأَن دُخُوله) أَي النّظم الْعَرَبِيّ فِي مَاهِيَّة الْقُرْآن هُوَ (الْمُوجب لتَعلق الْجَوَاز بِهِ) أَي بالنظم الْمَذْكُور، لِأَن الْمَأْمُور بِهِ قِرَاءَة الْقُرْآن، وَلَا يتَحَقَّق مُسَمَّاهُ إِلَّا بِهِ فَلَا جَوَاز بِدُونِهِ (على أَن معنى الرُّكْن الزَّائِد عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (مَا قد يسْقط شرعا) كَمَا فِي الْإِقْرَار بِالنِّسْبَةِ إِلَّا الْأَيْمَان، فَإِنَّهُ يسْقط بعد الْإِكْرَاه الملجئ فِي حق من لم يجد وقتا يتَمَكَّن فِيهِ من الادعاء (فادعاؤه) أَي السُّقُوط شرعا (فِي النّظم) الْعَرَبِيّ (عين النزاع، وَالْوَجْه فِي الْعَاجِز) عَن النّظم الْعَرَبِيّ (أَنه) أَي الْعَاجِز عَنهُ (كالأمي) لِأَن قدرته على غير الْعَرَبِيّ كلا قدرَة، فَكَانَ أُمِّيا كَمَا هُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ فِي الْمُجْتَبى. وَاخْتلف فِيمَن لم يحسن الْقِرَاءَة بِالْعَرَبِيَّةِ وَيحسن بغَيْرهَا الأولى أَن يُصَلِّي بِلَا قِرَاءَة أَو بغَيْرهَا أهـ، وعَلى أَنه يُصَلِّي بِلَا قِرَاءَة الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، بل يسبح ويهلل (فَلَو أدّى) الْعَاجِز (بِهِ) أَي بالفارسي (قصَّة) من الْقَصَص الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن، أَو أمرا، أَو نهيا (فَسدتْ) الصَّلَاة لِأَنَّهُ تكلم بِكَلَام غير قُرْآن (لَا) تفْسد أَن أدّى الْعَاجِز بالفارسي (ذكرا) أَو تَنْزِيها: وَكَذَا غير الْعَاجِز إِلَّا إِذا اقْتصر على ذَلِك لإخلاء الصَّلَاة عَن الْقِرَاءَة حِينَئِذٍ قَالَ الشَّارِح: وَهَذَا اخْتِيَار المُصَنّف، وَإِلَّا فَلفظ الْجَامِع الصَّغِير مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي الرجل يفْتَتح للصَّلَاة بِالْفَارِسِيَّةِ، أَو يقْرَأ بِالْفَارِسِيَّةِ، أَو يذبح ويسمي بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يحسن الْعَرَبيَّة قَالَ يُجزئهُ فِي ذَلِك كُله. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: لَا يُجزئهُ فِي ذَلِك كُله إِلَّا فِي الذَّبِيحَة، وَإِن كَانَ لَا يحسن الْعَرَبيَّة أَجزَأَهُ. قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد فِي شَرحه: وَهَذَا تنصيص على أَن من يقْرَأ الْقُرْآن بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تفْسد الصَّلَاة بِالْإِجْمَاع، وَمَشى عَلَيْهِ صَاحب الْهِدَايَة. وَأطلق نجم الدّين النَّسَفِيّ وقاضيخان نقلا عَن شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي الْفساد بهَا عِنْدهمَا (وَعنهُ) أَي عَن التَّعْرِيف

الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن حَيْثُ أَخذ فِيهِ التَّوَاتُر (يبطل إِطْلَاق عدم الْفساد) للصَّلَاة (بِالْقِرَاءَةِ الشاذة) فِيهَا، إِذْ هِيَ غير متواترة، فَلَا يصدق عَلَيْهِ أَنه قُرْآن، فَيلْزم الإخلاء عَن الْقِرَاءَة فتفسد. وَاخْتلف فِي المُرَاد بالشاذة، فَقيل: لغير أَئِمَّة الْقِرَاءَة فِيهَا قَولَانِ: أَحدهمَا أَنَّهَا مَا عدا الْقرَاءَات لأبي عَمْرو وَنَافِع وَعَاصِم وَحَمْزَة وَابْن كثير وَالْكسَائِيّ وَابْن عَامر. وَثَانِيهمَا مَا وَرَاء الْقرَاءَات الْعشْر للمذكورين وَيَعْقُوب وَأبي جَعْفَر وَخلف. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا نعلم أحدا من من الْمُسلمين حظر الْقرَاءَات بِالثلَاثِ الزَّائِدَة على السَّبع. وَقَالَ غَيره: قد اتّفق المتفقون سلفا وخلفا على أَن الْقرَاءَات الثَّلَاث المنسوبة إِلَى الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة متواترة قرئَ بهَا فِي جَمِيع الْأَمْصَار والأعصار من غير نَكِير فِي وَقت من الْأَوْقَات. قَالَ السُّبْكِيّ: الْمُعْتَمد عِنْد أَئِمَّة الْقِرَاءَة أَن المُرَاد بِالْقِرَاءَةِ الَّتِي لَيست بشاذة كل قِرَاءَة يساعدها خطّ مصحف الإِمَام مَعَ صِحَة النَّقْل ومجيئها على الفصيح من لُغَة الْعَرَب. قَالَ أَبُو شامة: مَتى اخْتَلَّ أحد هَذِه الْأَركان الثَّلَاثَة أطلق على تِلْكَ الْقِرَاءَة شَاذَّة. فِي الدارية لَو قَرَأَ بِقِرَاءَة لَيست فِي مصحف الْعَامَّة كَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود وَأبي تفْسد صلَاته عِنْد أبي يُوسُف وَالأَصَح أَنَّهَا لَا تفْسد، وَلكنه لَا يعْتد بِهِ من الْقِرَاءَة. وَفِي الْمُحِيط تَأْوِيل مَا روى عَن عُلَمَائِنَا أَنه تفْسد صلَاته إِذا قَرَأَ هَذَا وَلم يقْرَأ شَيْئا آخر، لِأَن الْقِرَاءَة الشاذة لَا تفْسد الصَّلَاة فَإِن قيل: كَيفَ لَا تجوز الصَّلَاة بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رغبنا فِي قِرَاءَة الْقُرْآن بقرَاءَته قُلْنَا إِنَّمَا لَا يجوز بِمَا كَانَ فِي مصحفه الأول، لِأَن ذَلِك قد انتسخ، وَابْن مَسْعُود أَخذ بِقِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر عمره، وَأهل الْكُوفَة أخذُوا بقرَاءَته الثَّانِيَة، وَهِي قِرَاءَة عَاصِم فَإِنَّمَا رغبنا فِي تِلْكَ الْقِرَاءَة، كَذَا ذكره الطَّحَاوِيّ وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: تجوز الْقِرَاءَة بالشاذة إِن لم يكن فِيهَا تَغْيِير معنى وَلَا زِيَادَة حرف وَلَا نقصانه (وَلزِمَ فِيمَا لم يتواتر) من الْقرَاءَات (نفي القرآنية) عَنهُ (قطعا غير أَن إِنْكَار الْقطعِي إِنَّمَا يكفر) بِهِ الْمُنكر (إِذا كَانَ) ذَلِك الْقطعِي (ضَرُورِيًّا) من ضروريات الدّين على مَا هُوَ التَّحْقِيق (وَمن لم يشرطه أَي كَون الْقطعِي الَّذِي يكفر منكره ضَرُورِيًّا كالحنفية يكفر منكره (إِذا لم يثبت فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْقطعِي (شُبْهَة قَوِيَّة) لقُوَّة مَا يُورثهَا، وَاحْتَاجَ دَفعهَا إِلَى مُقَدمَات كَثِيرَة كَمَا يظْهر فِي الْمِثَال كإنكار ركن من أَرْكَان الْإِسْلَام مثلا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ شُبْهَة (فَلِذَا) أَي لاشْتِرَاط انْتِفَاء الشُّبْهَة الْمَذْكُورَة فِي التَّكْفِير (لم يتكافروا) أَي لم يكفر كل من الْمُخَالفين (فِي التَّسْمِيَة) الآخر لوُجُود الشُّبْهَة القوية فِي كل طرف لقُوَّة دَلِيله، لِأَن الْمُنكر حِينَئِذٍ غير مكابر للحق، وَلَا قَاصد إِنْكَار مَا ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت كل من النَّفْي وَالْإِثْبَات يحْتَاج إِلَى دَلِيل قَطْعِيّ، إِذْ لَا يجوز نفي قرآنيتها وَلَا إِثْبَاتهَا إِلَّا بِهِ

وَهل يتَصَوَّر وجود دَلِيل كَذَا فِي الْجَانِبَيْنِ قلت كَون كل مِنْهُمَا قَطْعِيا بِحَسب ظن صَاحبه لَا بِحَسب نفس الْأَمر، إِذْ قُوَّة الشُّبْهَة تخرجه عَن الْقطع بِحَسبِهِ، فَيرجع كل مِنْهُمَا إِلَى ظن قوي، فَمنع قُوَّة الشُّبْهَة التَّكْفِير فِي الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنهم أَجمعُوا على تَكْفِير من يُنكر شَيْئا من الْقُرْآن، وعَلى تَكْفِير من يلْحق بِالْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. ثمَّ لما جعل الِاشْتِرَاط الْمَذْكُور سَببا لعدم تَكْفِير كل من الْفَرِيقَيْنِ الآخر اتجه أَن يُقَال لَا يصلح سَببا لَهُ: إِذْ لَا يَخْلُو هَذَا الِاخْتِلَاف من أحد الْأَمريْنِ: إِمَّا إِنْكَار جُزْء من الْقُرْآن، وَإِمَّا إِلْحَاق مَا لَيْسَ مِنْهُ بِهِ أجَاب عَنهُ بقوله: (لعدم تَوَاتر كَونهَا فِي الْأَوَائِل) أَي فِي أَوَائِل السُّور (قُرْآنًا) يَعْنِي أَن تَكْفِير الْمُنكر عِنْد كَون القرآنية متواترا وَلم يُوجد فِي التَّسْمِيَة، وَكَذَا تَكْفِير من يلْحق بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ عِنْد الْقطع بِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن يكون تَقْدِير الْكَلَام: وَذهب إِلَى نفي قرآنيتها فِي غير النَّمْل من ذهب كمالك لعدم إِلَى آخِره، يُؤَيّدهُ مَا سَيَأْتِي من قَوْله: وَالْآخر. وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه كَيفَ يُنكر قرآنيتها فِي أَوَائِل السُّور مَعَ شدَّة اهتمام السّلف بتجريد الْمَصَاحِف أجَاب عَنهُ بقوله (وكتابتها) فِي أَوَائِل السُّور (لشهرة الاستنان بالافتتاح) أَي بِالتَّسْمِيَةِ لكل سُورَة سوى بَرَاءَة، فالاستنان سَبَب الْكِتَابَة، والشهرة دافعة لتوهم كَونه قُرْآنًا (بهَا فِي الشَّرْع) بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أقطع ": رَوَاهُ ابْن حبَان وَحسنه ابْن الصّلاح (وَالْآخر) أَي الْمُثبت لقرآنيتها فِي الْأَوَائِل يَقُوله: (إِجْمَاعهم) أَي الصَّحَابَة (على كتَابَتهَا) أَي التَّسْمِيَة بِخَط الْمُصحف فِي الْأَوَائِل (مَعَ أَمرهم بتجريد الْمَصَاحِف) عَمَّا سواهُ حَتَّى لم يثبتوا آمين فقد قَالَ ابْن مَسْعُود: جردوا الْقُرْآن وَلَا تخلطوه بِشَيْء: يَعْنِي فِي كِتَابَته. قَالَ الشَّارِح: قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ حَدِيث حسن مَوْقُوف أخرجه ابْن أبي دَاوُد يُوجِبهُ: أَي كَونهَا من الْقُرْآن (والاستنان) لَهَا فِي أَوَائِل السُّور (لَا يسوغه) أَي الْإِجْمَاع على كتَابَتهَا بِخَط الْمَصَاحِف فِيهَا (لتحققه) أَي الاستنان (فِي الِاسْتِعَاذَة وَلم تكْتب) فِي الْمُصحف (والأحق أَنَّهَا) أَي التَّسْمِيَة فِي محالها (مِنْهُ) أَي الْقُرْآن (لتواترها فِيهِ) أَي فِي الْمُصحف (وَهُوَ) أَي تواترها فِيهِ (دَلِيل) تَوَاتر (كَونهَا قُرْآنًا). ثمَّ لما أَقَامَ دَلِيلا على تواترا أَنَّهَا قُرْآن، وَهُوَ تواترها فِي الْمُصحف أَفَادَ أَنه لَا يلْزم إِثْبَات قرآنيتها تَوَاتر الْأَخْبَار بِكَوْنِهَا قُرْآنًا، فَقَالَ (على أَنا نمْنَع لُزُوم تَوَاتر كَونهَا قُرْآنًا فِي القرآنية) أَي فِي إِثْبَات قرآنيته فِي الْأَوَائِل (بل التَّوَاتُر فِي مَحَله فَقَط) كَاف فِي إِثْبَات قرآنيته، يَعْنِي لَا يلْزم أَن ينْقل إِلَيْنَا خبر متواتر أَنَّهَا فِي تِلْكَ الْمَوَاضِع قُرْآن، بل يَكْفِي فِي ثُبُوت قرآنيتها نقل الْقُرْآن الثَّابِت فِي التَّسْمِيَة فِي أَوَائِل سُورَة على سَبِيل التَّوَاتُر (وَإِن لم يتواتر كَونه) أَي مَا هُوَ قُرْآن

(فِيهِ) أَي فِي مَحَله (مِنْهُ) أَي من الْقُرْآن إِذْ يَكْفِي ثُبُوته فِيهِ، وَهَذَا مَوْجُود فِي التَّسْمِيَة (وَعنهُ) أَي عَن كَون الشَّرْط مُجَرّد التَّوَاتُر فِي مَحَله (لزم قرآنية المكررات) كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} - (وتعددها قُرْآنًا) مَعْطُوف على قرآنيتها: أَي وَلُزُوم تعددها من حَيْثُ أَنَّهَا قُرْآن، فَكل وَاحِد من ذَلِك المتعدد قُرْآن على حِدة (وَعَدَمه) أَي عدم التَّعَدُّد (فِيمَا تَوَاتر فِي مَحل وَاحِد فَامْتنعَ جعله) أَي مَا تَوَاتر فِي مَحل وَاحِد (مِنْهُ) أَي الْقُرْآن (فِي غَيره) أَي غير ذَلِك الْمحل (ثمَّ الْحَنَفِيَّة) الْمُتَأَخّرُونَ على أَن التَّسْمِيَة (آيَة وَاحِدَة منزلَة يفْتَتح بهَا السُّور) عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يعرف فصل السُّور حَتَّى ينزل عَلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم إِلَّا أَنه قَالَ: لَا يعرف انْقِضَاء السُّورَة، وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ مَعَ مَا فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله عز وَجل " قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي ": الحَدِيث. وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي مبدأ الْوَحْي أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ - {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان من علق اقْرَأ وَرَبك الأكرم} -. فَقَالَ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ أَنَّهَا نزلت للفصل لَا فِي أول السُّورَة وَلَا فِي آخرهَا، فَيكون الْقُرْآن مائَة وَأَرْبع عشرَة سُورَة، وَآيَة وَاحِدَة لَا مَحل لَهَا بخصوصها (وَالشَّافِعِيَّة) على أَنَّهَا (آيَات فِي السُّور) أَي آيَة كَامِلَة من أول كل سُورَة على الْأَصَح عِنْدهم فِيمَا عدا الْفَاتِحَة وَبَرَاءَة، فَإِنَّهَا آيَة كَامِلَة من أول الْفَاتِحَة بِلَا خلاف وَلَيْسَت بِآيَة من بَرَاءَة بِلَا خلاف (وَترك نصف الْقُرَّاء) أَي ابْن عَامر وَنَافِع وَأَبُو عمر وَلها فِي أَوَائِل السُّور مُطلقًا وَحَمْزَة فِي غير الْفَاتِحَة، وَترك مُبْتَدأ خَبره (تَوَاتر) لأجل (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَركهَا) أَي ترك قرَاءَتهَا فِي أَوَائِل السُّور عِنْد قصد قرَاءَتهَا (وَلَا معنى) أَي وَلَا وَجه (عِنْد قصد قِرَاءَة سُورَة أَن يتْرك أَولهَا) أَي لِأَن تَركه (لَو لم يحث) على قِرَاءَة السُّورَة من أَولهَا، على أَن الْمَعْرُوف من الْحَث (على أَن يقْرَأ) الْقَارئ (السُّورَة على نَحْوهَا) أَي طبق ثُبُوتهَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، فَإِن هَذَا التَّرْتِيب الْمَوْجُود فِي الْمَصَاحِف على طبق ذَلِك (وتواتر قرَاءَتهَا) أَي التَّسْمِيَة فِي أَوَائِل السُّور (عَنهُ) أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِقِرَاءَة الآخرين) من الْقُرَّاء فِي أَوَائِل السُّور (لَا يستلزمها) أَي لَا يسْتَلْزم كَون التَّسْمِيَة (مِنْهَا) أَي السُّورَة (لتجويزه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (للافتتاح) بهَا فَإِن قلت هَب أَن قِرَاءَة الآخرين لَا يسْتَلْزم جزئيتها من السُّور كَيفَ التَّوْفِيق بَين التواترين، تَوَاتر تَركه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرَاءَتهَا فِي الْأَوَائِل، وتواتر قرَاءَتهَا فِيهَا، قلت يجوز ذَلِك بِاعْتِبَار الْأَوْقَات تَعْلِيما للْجُوَاز وَعدم الْجُزْئِيَّة. وَعَن شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي وَغَيره أَن أَكثر مَشَايِخنَا على أَنَّهَا آيَة من الْفَاتِحَة، وَبهَا تصير سبع آيَات. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ

مسئلة

لَيْسَ عَن أَصْحَابنَا رِوَايَة منصوصة على أَنَّهَا من الْفَاتِحَة، أَو لَيست آيَة مِنْهَا إِلَّا أَن شَيخنَا أَبَا الْحسن الكرحي حكى مَذْهَبهم فِي ترك الْجَهْر بهَا فَدلَّ على أَنَّهَا لَيست آيَة مِنْهَا عِنْدهم، وَإِلَّا لجهر بهَا كَمَا يجْهر بِسَائِر آي السُّور، وَقطع بِهِ البُخَارِيّ فِي شرح مَعَاني الْآثَار (وَمَا عَن ابْن مَسْعُود من إِنْكَار) كَون (المعوذتين) من الْقُرْآن (لم يَصح) عَنهُ كَمَا ذكره الطرطوسي وَغَيره (وَإِن ثَبت خلو مصحفه) مِنْهُمَا (لم يلْزم) كَون خلوه (لإنكاره) أَي ابْن مَسْعُود قرآنيتهما (لجوازه) أَي كَون خلوه (لغاية ظهورهما). وَفِيه أَن ظُهُور الْإِخْلَاص مثلا أَكثر مِنْهُمَا فَتَأمل (أَو لِأَن السّنة عِنْده) أَي ابْن مَسْعُود (أَن لَا يكْتب مِنْهُ) أَي الْقُرْآن (إِلَّا مَا أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكتبه وَلم يسمعهُ) أَي أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك أَقُول وَلَو قيل أَنه كَانَ يعلم أَنَّهَا كَلَام الله تَعَالَى بِلَا شُبْهَة، لَكِن اشتبهت جزئيته من الْقُرْآن، وَإِنَّمَا ارْتَفَعت هَذِه الشُّبْهَة بعد كِتَابَته ذَلِك الْمُصحف بِالْإِجْمَاع. ثمَّ تَوَاتر بعد ذَلِك إِمَّا بعد زَمَانه، أَو فِي زَمَانه، وَلم يتَّفق لَهُ إدخالهما فِيهِ وَلم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَحْذُور وَالله أعلم. مسئلة (الْقِرَاءَة الشاذة حجَّة ظنية خلافًا للشَّافِعِيّ لنا) أَنَّهَا (مَنْقُول عدل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَيجب قبُوله كَسَائِر منقولاته (قَالُوا) أَي الشَّافِعِيَّة: أَنَّهَا (مُتَيَقن الْخَطَأ، قُلْنَا) الْخَطَأ (فِي قرآنيته لَا) فِي (خبريته مُطلقًا) لعدم الْخَطَأ فِي أصل مضمونه (وَانْتِفَاء الْأَخَص) وَهُوَ كَونه خَبرا قرآنيا (لَا يَنْفِي الْأَعَمّ) وَهُوَ كَونه خَبرا صَحِيحا مَنْقُولًا (فَكَمَا لأخبار الأحاد) مِمَّا لم ينْسب إِلَى الْقُرْآن وَلم يبلغ حد التَّوَاتُر والشهرة، ثمَّ المفاد من كَلَام الْفَرِيقَيْنِ الْجَزْم بالْخَطَأ فِي قرآنيتها وَعدم التَّوَاتُر لَا يسْتَلْزم الْقطع بِالنَّفْيِ، غَايَة الْأَمر النَّفْي بِالْقطعِ بقرآنيتها فَمن أَيْن يحكم بالْخَطَأ فِيهَا؟ وَقد بَقِي فِي قَوْله تَعَالَى - {إِنَّا نخن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} - يُفِيد حفظه عَن وُقُوع الشُّبْهَة فِيهِ فَتَأمل (ومنعهم) أَي مانعي حجيتها (الْحصْر) الَّذِي ادَّعَاهُ مثبتوها فِي كَونه قُرْآنًا أَو خَبرا ورد بَيَانا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَظن قُرْآنًا فَألْحق بِهِ، وعَلى هَذَا التَّقْدِيرَيْنِ يجب الْعَمَل بِهِ (بتجويز ذكره) أَي الصَّحَابِيّ ذَلِك (مَعَ التِّلَاوَة) حَال كَون هَذَا الْمَذْكُور الَّذِي أدرجه فِي أثْنَاء تِلَاوَته الْقُرْآن (مذهبا) لَهُ غير أَن يسمعهُ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل لما أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَذكره فِي معرض الْبَيَان (بعيد جدا لِأَن نظم مذْهبه مَعَه) أَي الْقُرْآن (إِيهَام) ظن (أَن مِنْهُ) أَي الْقُرْآن (مَا لَيْسَ مِنْهُ) أَي الْقُرْآن وَهَذَا نوع تلبيس لَا يَلِيق بشأن الصَّحَابِيّ (لَا جرم أَن) القَوْل (الْمُحَرر) أَي الْمُسْتَقيم الْمَرْوِيّ (عَنهُ) أَي الشَّافِعِي (كَقَوْلِنَا بِصَرِيح لَفظه) قَالَ: ذكر الله الْأَخَوَات

مسئلة

من الرَّضَاع بِلَا تَوْقِيت، ثمَّ وقتت عَائِشَة الْخمس وأخبرت أَنه مِمَّا نزل من الْقُرْآن فَهُوَ وَإِن لم يكن قُرْآنًا يقْرَأ فَأَقل حالاته أَن يكون عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْقُرْآن لَا يَأْتِي بِهِ غَيره، فَهَذَا عين قَوْلنَا وَعَلِيهِ جُمْهُور أَصْحَابنَا كَمَا نَقله الأسنوي وَغَيره حَتَّى احْتَجُّوا بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود - فَاقْطَعُوا أيمانهما - على قطع الْيُمْنَى (ومنشأ الْغَلَط) فِي أَن مذْهبه عدم حجيته كَمَا نسبه إِلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ (عدم إِيجَابه) أَي الشَّافِعِي (التَّتَابُع) فِي صَوْم الْكَفَّارَة (مَعَ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود) فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات. نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه قَالَ: وَهَذَا عَجِيب لجَوَاز كَون ذَلِك لعدم ثُبُوته عِنْده أَو لقِيَام معَارض انْتهى، وعَلى هَذَا مَشى السُّبْكِيّ فَقَالَ: لَعَلَّه لمعارضة ذَلِك مَا قالته عَائِشَة نزلت - فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات - فَسَقَطت مُتَتَابِعَات أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ إِسْنَاد صَحِيح. مسئلة (لَا يشْتَمل) الْقُرْآن (على مَا لَا معنى لَهُ خلافًا لمن لَا يعْتد بِهِ من الحشوية) قيل بِإِسْكَان الشين، لِأَن مِنْهُم المجسمة، والجسم محشو، وَالْمَشْهُور فتحهَا، لأَنهم كَانُوا يَجْلِسُونَ أَيَّام الْحسن الْبَصْرِيّ فِي حلقته فَوجدَ كَلَامهم رديئاً فَقَالَ: ردوا هَؤُلَاءِ إِلَى حَشا الْحلقَة: أَي جَانبهَا (تمسكوا بالحروف الْمُقطعَة) فِيهِ أَي الْقُرْآن فِي أَوَائِل السُّور (وَنَحْو إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ) إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد (ونفخة وَاحِدَة قُلْنَا التَّأْكِيد كثير وإبداء فَائِدَته قريب) فِي الْكَشَّاف الِاسْم الْحَامِل لِمَعْنى الْإِفْرَاد والتثنية دَال على شَيْئَيْنِ: الجنسية وَالْعدَد الْمَخْصُوص، فَإِذا أريدت الدّلَالَة على أَن الْمَعْنى بِهِ مِنْهُمَا وَالَّذِي سَاق لَهُ الحَدِيث هُوَ الْعدَد شفع بِمَا يؤكده، فَدلَّ بِهِ على الْقَصْد إِلَيْهِ والعناية بِهِ، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَلم تؤكده بِوَاحِد لم يحسن، وخيل أَنَّك تثبت الإلهية انْتهى، ثمَّ فَائِدَة التَّأْكِيد تَحْقِيق مَفْهُوم الْمُؤَكّد بِحَيْثُ لَا يظنّ بِهِ غَيره، وَدفع توهم التَّجَوُّز والسهو وَعدم الشُّمُول إِلَى غير ذَلِك (وَأما الْحُرُوف) الْمُقطعَة فِي أَوَائِل السُّور (فَمن الْمُتَشَابه وأسلفنا فِيهِ) أَي الْمُتَشَابه (خلافًا) فِي (أَن مَعْنَاهُ يعلم أَولا) وَظهر ثمَّة أَنه عِنْد الْجُمْهُور لَا يعلم فِي الدُّنْيَا وَأَنه الْأَوْجه (فاللازم) للمتشابه عِنْدهم (عدم الْعلم بِهِ) أَي بِمَعْنَاهُ (لَا عَدمه) أَي الْمَعْنى (وَقيل مُرَادهم) أَي الحشوية بقَوْلهمْ يشْتَمل على مَالا معنى لَهُ (لَا يُوقف على مَعْنَاهُ) كَمَا هُوَ ظَاهر صَنِيع عبد الْجَبَّار وَأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ من جَوَاز اشْتِمَال الْقُرْآن على مَالا يفهم المكلفون مَعْنَاهُ (فكقول النَّافِي) أَي فَقَوْل الحشوية حِينَئِذٍ كَقَوْلِنَا فِي إِدْرَاك الْمَعْنى (فِي الْمُتَشَابه فَلَا خلاف) بَين الْجُمْهُور وَبينهمْ، وَقَالَ ابْن برهَان: يجوز أَن يشْتَمل على مَالا يفهم

مسئلة

مَعْنَاهُ إِلَّا أَن يتَعَلَّق بِهِ تَكْلِيف وَإِلَّا كَانَ تكليفا بِمَا لَا يُطَاق، وَفِي شرح البديع للشَّيْخ سراج الدّين أَن الْمُخْتَار عِنْد أَكثر الْعلمَاء أَنَّهَا أَسمَاء للسور فلهَا معَان. مسئلة (قِرَاءَة السَّبْعَة مَا) كَانَ (من قبيل الْأَدَاء) بِأَن كَانَ هَيْئَة اللَّفْظ يتَحَقَّق بِدُونِهَا وَلَا يخْتَلف خطوط الْمَصَاحِف بِهِ (كالحركات والإدغام) فِي المثلين أَو المتقاربين: وَهُوَ إدراج الأول مِنْهُمَا سَاكِنا فِي الثَّانِي، هَكَذَا ذكره الشَّارِح، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بهيئة اللَّفْظ كَيْفيَّة تحصل من تركيب الْحُرُوف والتقديم وَالتَّأْخِير بَينهَا مَعَ قطع النّظر عَن خصوصيات الحركات والسكنات، وَنَظِير ذَلِك فِي صُورَة الْخط، وَإِلَّا فَلَا شكّ فِي التَّغَيُّر فِيهَا بتبدل الحركات والإدغام (والإشمام) وَهُوَ الْإِشَارَة بالشفتين إِلَى الْحَرَكَة بعيد الإسكان من غير تصويت فيدركه الْبَصِير لَا غير (وَالروم) وَهُوَ إخفاء الصَّوْت بالحركة (والتفخيم والإمالة) وَهُوَ الذّهاب بالفتحة إِلَى الكسرة (وَالْقصر وَتَحْقِيق الْهمزَة وأضدادها) أَي الْمَذْكُورَات من الفك وَعدم الإشمام وَالروم والترقيق وَعدم الإمالة وَالْمدّ وَتَخْفِيف الْهمزَة (لَا يجب تواترها، وخلافه) أَي خلاف مَا كَانَ من قبيل الْأَدَاء (مِمَّا اخْتلف بالحروف كملك) فِي قِرَاءَة من عدا الْكسَائي وعاصما (وَمَالك) فِي قرائتهما (متواتر وَقيل مَشْهُور) أَي آحَاد الأَصْل متواتر الْفُرُوع (وَالتَّقْيِيد) لما هُوَ خلاف مَا كَانَ من قبيل الْأَدَاء مِنْهَا (باستقامة وَجههَا فِي الْعَرَبيَّة) كَمَا فِي شرح البديع (غير مُفِيد لِأَنَّهُ إِن أُرِيد) باستقامة وَجههَا فِي الْعَرَبيَّة (الجادة) وَهِي فِي اللُّغَة مُعظم الطَّرِيق، وفسرها الشَّارِح بالظاهرة فِي التَّرْكِيب، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ قرآنيتها الْمَشْهُورَة الَّتِي أَكثر الِاسْتِعْمَال عَلَيْهَا (لزم عدم القرآنية فِي قتل أَوْلَادهم شركائهم) بِرَفْع قتل وَنصب أَوْلَادهم وجر شركائهم على أَن قتل مُضَاف إِلَى شركائهم وَفصل بَينهمَا بالمفعول الَّذِي هُوَ أَوْلَادهم، هَذَا يدل على أَنه حمل الحركات على غير الإعرابية وَإِلَّا فَهُوَ من الْقسم الأول (لِابْنِ عَامر) لِأَن الجادة فِي سَعَة الْكَلَام أَنه لَا يفصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ بِغَيْر الظّرْف، وَالْجَار وَالْمَجْرُور (أَو) أُرِيد بهَا الاسْتقَامَة وَلَو (بتكلف شذوذ وَخُرُوج عَن الْأُصُول) أَي قوانين الْعَرَبيَّة (فممكن) أَي فَهَذَا التَّكْلِيف متيسر (فِي كل شَيْء) إِذْ لَا يَقع بِهِ الِاحْتِرَاز عَن شَيْء فَلَا فَائِدَة فِي التَّقْيِيد (وَقد نظر فِي التَّفْصِيل) الْمَذْكُور فِي مَحل التَّوَاتُر والناظر الْعَلامَة الشِّيرَازِيّ. وَجه النّظر أَن الْقُرْآن بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ متواتر فَلَا يخص التَّوَاتُر، بِخِلَاف مَا هُوَ من قبيل الْأَدَاء (لِأَن الحركات وَمَا مَعهَا) من الْمَذْكُورَات (أَيْضا قُرْآن) وَالْقُرْآن بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ متواتر، ثمَّ اسْتَزَادَ المُصَنّف فِي النّظر فَقَالَ (وَلَا يخفى أَن الْقصر وَالْمدّ من قبيل

مسئلة

الثَّانِي) أَي خلاف مَا كَانَ من قبيل الْأَدَاء (فَفِي عدهما من) قبيل (الأول) أَي مَا كَانَ من قبيل الْأَدَاء (نظر، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يجعلا من قبيل الثَّانِي بل من الأول (لزم مثله) وَهُوَ أَن يَجْعَل من الأول (فِي مَالك وَملك) إِذْ لَا يزِيد مَالك عَن ملك إِلَّا بالمدة الَّتِي هِيَ الْألف (لنا) فِي أَن مَا هُوَ من قبيل الثَّانِي متواتر أَنه (قُرْآن فَوَجَبَ تواتره) وَالْقُرْآن كُله متواتر إِجْمَاعًا (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِأَن مَا كَانَ من الْقسم الثَّانِي من قِرَاءَة السَّبْعَة مَشْهُور آحَاد الأَصْل (الْمَنْسُوب إِلَيْهِم) أَي الَّذين نسب إِلَيْهِم قِرَاءَة السَّبْعَة: وهم السَّبْعَة (آحَاد) لأَنهم سَبْعَة نفر والتواتر لَا يحصل بِهَذَا الْعدَد فِيمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ فضلا عَمَّا اخْتلفُوا فِيهِ (أُجِيب بِأَن نسبتها) أَي القراآت السَّبع إِلَيْهِم (لاختصاصهم) أَي الْقُرَّاء السَّبْعَة (بالتصدي) للاشتغال بهَا وَتَعْلِيمهَا واشتهارهم بذلك (لَا لأَنهم النقلَة) خَاصَّة بِأَن تكون رِوَايَتهَا مَقْصُورَة عَلَيْهِم (بل عدد التَّوَاتُر) كَانَ مَوْجُودا (مَعَهم) فِي كل طبقَة إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَلِأَن الْمدَار) لحُصُول التَّوَاتُر (الْعلم) أَي حُصُول الْعلم عِنْد الْعدَد (لَا الْعدَد) الْخَاص (وَهُوَ) أَي الْعلم (ثَابت) وَثُبُوت مدَار الشَّيْء مُسْتَلْزم لحصوله. مسئلة (بعد اشْتِرَاط الْحَنَفِيَّة الْمُقَارنَة فِي الْمُخَصّص) الأول للعام (لَا يجوز) عِنْدهم (تَخْصِيص الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد) لما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال وَهُوَ أَنه كَيفَ يتَصَوَّر هَذَا بعد لُزُوم الْمُقَارنَة، فَإِن خبر الْوَاحِد إِنَّمَا يتَحَقَّق بعد زمَان الشَّارِع ونزول الْكتاب فِي زَمَانه قَالَ (لَو فرض نقل الرَّاوِي) للمخبر الْمَذْكُور (قرَان الشَّارِع) مفعول النَّقْل وإضافته لفظية لِأَن الشَّارِع قَارن وَالْقرَان مُتَعَدٍّ مَفْعُوله (الْمخْرج بالتلاوة) صلَة الْقُرْآن بِأَن يرْوى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قرن كلَاما دَالا على خُرُوج بعض أَفْرَاد الْكَلَام بتلاوته حَال كَون ذَلِك الْمخْرج (تقييدا) لإِطْلَاق عُمُوم المتلو (مفَاد الغيرية) أَي حَال كَون ذَلِك الْمخْرج بِحَيْثُ أفيد غيريته للمتلو قُرْآنًا سَوَاء كَانَت هَذِه الإفادة بِلَفْظ أَو بِقَرِينَة، وَتقدم أَن الِاشْتِرَاط الْمَذْكُور قَول أَكثر الْحَنَفِيَّة وَبَعْضهمْ كالشافعية على عدم اشْتِرَاطهَا فِي التَّخْصِيص مُطلقًا، لَكِن لم يعلم بَينهم الْخلاف فِي عدم تَجْوِيز تَخْصِيص الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد، وَفَائِدَة ذكره هَهُنَا بَيَان أَن الْمَنْع لَيْسَ لعدم قُصُور الشَّرْط: أَي الْمُقَارنَة بالغرض الْمَذْكُور (وَكَذَا) لَا يجوز (تَقْيِيد مطلقه) أَي الْكتاب (وَهُوَ) أَي تَقْيِيد مُطلقَة (الْمُسَمّى بِالزِّيَادَةِ على النَّص) بِخَبَر الْوَاحِد (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (و) لَا يجوز أَيْضا (حمله) أَي الْكتاب (على الْمجَاز لمعارضته) أَي خبر الْوَاحِد للْكتاب لأجل الْجمع بَينهمَا،

وَهَذَا عِنْد الْقَائِلين من الْحَنَفِيَّة بِأَن الْعلم قَطْعِيّ كالقراءتين ظَاهر (وَكَذَا الْقَائِل بظنية الْعَام مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة كَأبي مَنْصُور لَا يجوز ذَلِك عِنْده (على الْأَصَح) كَمَا ذكره صَاحب الْكَشْف وَغَيره (لِأَن الِاحْتِمَال) ثَابت (فِي ثُبُوت) نفس (الْخَبَر) يَعْنِي يحْتَمل أَن لَا يكون ثَابتا فِي نفس الْأَمر (وَالدّلَالَة) أَي ودلالته على المُرَاد مِنْهُ (فَرعه) أَي فرع ثُبُوت الْخَبَر (فاحتماله) أَي احْتِمَال ثُبُوت الْخَبَر احْتِمَال (عدمهَا) أَي الدّلَالَة لِأَنَّهُ على تَقْدِير عدم ثُبُوت الْخَبَر تنعدم الدّلَالَة بالطريقة الأولى (فَزَاد) خبر الْوَاحِد احْتِمَالا على احْتِمَال الْكتاب (بِهِ) أَي بِسَبَب الِاحْتِمَال فِي ثُبُوته. (لنا) فِي أَنه لَا يجوز تَخْصِيص الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد أَن خبر الْوَاحِد (لم يثبت ثُبُوته) أَي مثل ثُبُوت الْكتاب لِأَن ثُبُوته قَطْعِيّ وَثُبُوت خبر الْوَاحِد ظَنِّي (فَلَا يسْقط) خبر الْوَاحِد (حكمه) أَي الْكتاب (عَن تِلْكَ الْأَفْرَاد) الَّتِي يُخرجهَا خبر الْوَاحِد من عُمُوم الْكتاب على تَقْدِير أَن يخصصه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يسْقط الْكتاب عَنْهَا (قدم الظني) أَي لزم تَقْدِيم الدَّلِيل الظني (على) الدَّلِيل (الْقَاطِع) وَهُوَ بَاطِل (بِخِلَاف مَا لَو ثَبت) الْخَبَر (تواترا أَو شهرة) فَإِنَّهُ يجوز تَخْصِيص الْكتاب بِهِ (للمقاومة) بَين الْكتاب وَبَينهمَا، أما بَينه وَبَين الْمُتَوَاتر فبالاتفاق، وَأما بَينه وَبَين الْمَشْهُور على رَأْي الْجَصَّاص وَمن وَافقه فَإِنَّهُ يُفِيد علم الْيَقِين فَظَاهر، وَأما على رَأْي ابْن أبان وَمن وَافقه فِي أَنه علم طمأنينة فَلِأَنَّهُ قريب من الْيَقِين، وَالْعَام لَيْسَ بِحَيْثُ يكفر جاحده فَهُوَ قريب من الظَّن، وَقد انْعَقَد الْإِجْمَاع على تَخْصِيص عمومات الْكتاب بالْخبر الْمَشْهُور كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا يَرث الْقَاتِل شَيْئا " وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا خَالَتهَا " وَغير ذَلِك (فَثَبت) كل من الْخَبَر الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور (تَخْصِيصًا وَزِيَادَة) أَي من حَيْثُ التَّخْصِيص بِعُمُوم الْكتاب وَمن حَيْثُ الزِّيَادَة على مطلقه حَال كَونه (مُقَارنًا) لَهُ إِذا كَانَ هُوَ الْمُخَصّص الأول (و) ثَبت كل مِنْهُمَا (نسخا) أَي من حَيْثُ الناسخية حَال كَونه (متراخيا) عَمَّا يُعَارضهُ (وَعنهُ) أَي اشْتِرَاط الْمُقَارنَة فِي الْمُخَصّص (حكمُوا بِأَن تَقْيِيد الْبَقَرَة) فِي قَوْله تَعَالَى - {اذبحوا بقرة} - بالمقيدات الْمَذْكُورَة فِي الْأَجْوِبَة عَن أسئلتهم (نسخ) لإطلاقها لتأخر المقيدات عَن طلب ذبح مُطلقهَا، فنسخ حكم بقرات غير مَوْصُوفَة بِتِلْكَ الْقُيُود: وَهُوَ الْأَجْزَاء عَمَّا هُوَ الْوَاجِب (كالآيات الْمُتَقَدّمَة فِي بحث التَّخْصِيص) {كأولات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} بِالنِّسْبَةِ إِلَى - {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} - الْآيَة - وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} - بِالنِّسْبَةِ إِلَى - {وَلَا تنْكِحُوا المشركات} - (وَعَن لُزُوم الزِّيَادَة بالآحاد) أَي كأخبار الأحاد (منعُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (إِلْحَاق الْفَاتِحَة وَالتَّعْدِيل) للأركان (وَالطَّهَارَة) من الْحَدث والخبث (بنصوص الْقِرَاءَة)

أَي قَوْله تَعَالَى: {فاقرءوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} - (والأركان) أَي ارْكَعُوا واسجدوا (وَالطّواف) أَي وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق حَال كَون الملحقات (فَرَائض) لما ألحقت بهَا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ الْفَاتِحَة، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْمَسْجِد فَدخل رجل فصلى ثمَّ جَاءَ فَسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل فساقه إِلَى أَن قَالَ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا مَا أحسن غير هَذَا فعلمني فَقَالَ: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا من ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن قَائِما ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا ثمَّ اجْلِسْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا " وَبِمَا روى ابْن حبَان وَالْحَاكِم عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الطوف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن الله قد أحل فِيهِ الْمنطق فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير (بل) ألحقوها حَال كَونهَا (وَاجِبَات) للصَّلَاة وَالطّواف مكملات لَهما لَا يحكم ببطلانهما بِدُونِهَا (إِذْ لم يرد) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (بِمَا تيَسّر) من الْقُرْآن (الْعُمُوم الاستغراقي) وَهُوَ جَمِيع مَا تيَسّر (بل) المُرَاد (هُوَ) أَي مَا تيَسّر (من أَي مَكَان) تيَسّر من الْقُرْآن سَوَاء كَانَ (فَاتِحَة أَو غَيرهَا) فَلَو قيل لَا يحوز بِدُونِ الْفَاتِحَة وَالتَّعْدِيل وَالطَّهَارَة الصَّلَاة وَالطّواف بِهَذِهِ الْأَخْبَار لَكَانَ نسخا لهَذِهِ الاطلاقات بهَا وَهُوَ لَا يجوز لما عرفت، ثمَّ كَون التَّعْدِيل وَاجِبا قَول الْكَرْخِي وَقَالَ الْجِرْجَانِيّ سنة (وَتَركه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المسئ) صلَاته بعد أول رَكْعَة حَتَّى أتم (يرجح تَرْجِيح الْجِرْجَانِيّ الاستنان) إِذْ يبعد تَقْرِيره على مَكْرُوه تَحْرِيمًا، وَقَالَ فِي شرح اهداية الأول أولى، لِأَن الْمجَاز حِينَئِذٍ يكون أقرب إِلَى الْحَقِيقَة فَإِنَّهَا فِي الصِّحَّة، وَالْمَكْرُوه التحريمي أقرب إِلَيْهَا من التنزيهي، وللمواظبة، وَقد سُئِلَ مُحَمَّد عَن تَركهَا فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن لَا يجوز، وَفِي الْبَدَائِع عَن أبي حنيفَة مثله، ثمَّ شبه منع إلحاقهم المكملات الْمَذْكُورَة لضعف دَلِيله بِمَنْع إلحاقهم الْمَذْكُورَات بعد قَوْله (كَقَوْلِهِم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي تَرْتِيب الْوضُوء وولائه وَنِيَّته) أَنَّهَا سنة (لضعف دلَالَة مقيدها) لما عرف فِي مَحَله (بِخِلَاف وجوب الْفَاتِحَة) إِذْ (نفي الْكَمَال) أَي إِرَادَته (فِي خَبَرهَا) أَي الْفَاتِحَة: وَهُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور (بعيد عَن معنى اللَّفْظ) لِأَن مُتَعَلق الْجَار وَالْمَجْرُور الْوَاقِع خَبرا إِنَّمَا هُوَ الثُّبُوت والكون الْعَام، وَالْمعْنَى لَا صَلَاة كائنة وَعدم الكينونة شرعا هُوَ عدم الصِّحَّة وَبَين عدم الصِّحَّة وَعدم الْكَمَال بون بعيد، فمدلوله عدم الصِّحَّة غير أَنه لما كَانَ خبر الْآحَاد نزل عَن دَرَجَة الْقطع إِلَى دَرَجَة الظَّن صَارَت وَاجِبَة (وبظني الثُّبُوت وَالدّلَالَة) كأخبار الْآحَاد الَّتِي مدلولاتها ظنية يثبت (النّدب وَالْإِبَاحَة وَالْوُجُوب) يثبت (بقطعيها) أَي الدّلَالَة (مَعَ ظنية الثُّبُوت) كأخبار الْآحَاد الَّتِي مفهوماتها قَطْعِيَّة (وَقَلبه) أَي وبظنيها مَعَ قَطْعِيَّة الثُّبُوت: كالآيات المؤولة (وَالْفَرْض) يثبت (بقطعيهما) أَي الثُّبُوت وَالدّلَالَة

كالنصوص المفسرة والمحكمة وَالسّنة المتواترة الَّتِي مفهوماتها قَطْعِيَّة (وَيشكل) على أَن بظنيتهما يثبت النّدب وَالسّنة (استدلالهم) أَي الْحَنَفِيَّة لوُجُوب الطَّهَارَة فِي الطّواف كَمَا هُوَ الْأَصَح عِنْدهم (بِالطّوافِ) مَرْفُوع على الْحِكَايَة: أَي بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطّواف (بِالْبَيْتِ صَلَاة لصدق التَّشْبِيه) أَي تَشْبِيه الطّواف بِالصَّلَاةِ (بالثواب) أَي بِاعْتِبَارِهِ بِأَن يكون وَجه الشّبَه هُوَ الثَّوَاب، قَوْله لصدق التَّشْبِيه يَعْنِي لَو حمل الْكَلَام على الْحَقِيقَة لزم عدم الصدْق وَلَو حمل على التَّشْبِيه صدق فَيتَعَيَّن التَّشْبِيه والتشبيه ثَابت بِمُجَرَّد اشتراكهما فِي الثَّوَاب وَلَا يلْزم من صدقه اشتراكهما فِي جَمِيع الْأَحْكَام كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور بعده كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَقَوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد قَوْله " الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة " (إِلَّا أَن الله أَبَاحَ فِيهِ الْمنطق): أَي النُّطْق (لَيْسَ) مَحْمُولا (على ظَاهره) وَهُوَ كَون الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا وَأَن الْمَعْنى الطّواف كَالصَّلَاةِ فِي جَمِيع الْأَحْكَام، إِلَّا أَن الله تَعَالَى أَبَاحَ فِيهِ الْمنطق ليَكُون (مُوجبا مَا سواهُ) أَي النُّطْق (من أَحْكَام الصَّلَاة فِي الطّواف) حَتَّى يدْخل فِيهِ وجوب الطَّهَارَة، وَوجه الْإِشْكَال أَن الحَدِيث ظَنِّي لكَونه خبر آحَاد ودلالته على اشْتِرَاط الطَّهَارَة فِي الطّواف أَيْضا ظَنِّي بل ضَعِيف (لجَوَاز نَحْو الشّرْب) فِيهِ تَعْلِيل لكَونه غير مَحْمُول على الظَّاهِر، فَالظَّاهِر أَنه كَمَا لَا يشْتَرط فِيهِ ترك نَحْو الشّرْب لَا يشْتَرط فِيهِ الْوضُوء، وَكَذَا قَالَ ابْن شُجَاع: هِيَ سنة (فَالْوَجْه) الِاسْتِدْلَال لَهُ (بِحَدِيث عَائِشَة حِين حَاضَت مُحرمَة) فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " اقضي مَا يقْضِي الْحَاج غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ " مُتَّفق عَلَيْهِ رتب منع الطّواف على انْتِفَاء الطَّهَارَة (وَادعوا) أَي الْحَنَفِيَّة (للْعَمَل بالخاص لفظ جَزَاء) فِي قَوْله تَعَالَى - {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا كسبا} - وَقَوله لفظ جَزَاء عطف بَيَان للخاص، ومفعول ادعوا (انْتِفَاء عصمَة الْمَسْرُوق حَقًا للْعَبد) أَي انْتَفَى عصمته من حَيْثُ أَنه حق للْعَبد (لاستخلاصها) أَي عصمته حَقًا لله تَعَالَى (عِنْد الْقطع) لما يَأْتِي قَرِيبا (فَإِن قطع) السَّارِق (تقرر) خلوصها لله تَعَالَى قبيل فعل السّرقَة الْقبلية الَّتِي علم الله تَعَالَى أَنَّهَا تتصل بهَا السّرقَة كَانَ الْقطع مُبينًا لنا ذَلِك (فَلَا يضمن) الْمَسْرُوق (باستهلاكه لِأَنَّهُ) أَي الْجَزَاء الْمُطلق (فِي الْعُقُوبَات) يكون (على حَقه تَعَالَى خَالِصا بالاستقراء) لِأَنَّهُ الْمجَازِي على الْإِطْلَاق، وَلذَا سميت الْآخِرَة دَار الْجَزَاء، وَلَا تراعى فِيهِ الْمُمَاثلَة كَمَا روعيت فِي حق العَبْد مَالا كَانَ أَو عُقُوبَة وَلَا يَسْتَوْفِيه إِلَّا حَاكم الشَّرْع وَلَا يسْقط بِعَفْو الْمَالِك، وَإِذا كَانَ حَقه تَعَالَى كَانَت الْجِنَايَة وَاقعَة على حَقه فَيسْتَحق العَبْد جَزَاء من الله تَعَالَى فِي مُقَابلَة مَا فَاتَ من مَاله وَمن ضَرُورَة تحول الْعِصْمَة الَّتِي هِيَ مَحل الْجِنَايَة من العَبْد إِلَى الله تَعَالَى عِنْد فعل السّرقَة حَتَّى تقع جِنَايَة فِي حَقه تَعَالَى أَن يصير المَال فِي حق العَبْد مُلْحقًا بِمَا لَا قيمَة لَهُ كعصير الْمُسلم إِذا تخمر

فَإِنَّهُ لَا يضمن من سَرقه، وَقد استوفى بِالْقطعِ مَا وَجب بالهتك فَلم يجب عَلَيْهِ شَيْء آخر، وروى الْحسن عَنهُ أَنه يجب الضَّمَان، لِأَن الِاسْتِهْلَاك فعل آخر غير السّرقَة وَأجِيب بِأَنَّهُ وَإِن كَانَ فعلا آخر فَهُوَ اتمام الْمَقْصُود بهَا، وَهُوَ الِانْتِفَاع بالمسروق فَكَانَ معدودا مِنْهَا، وَأَيْضًا الْمَسْرُوق سَاقِط الْعِصْمَة لما قُلْنَا وَمَا يُؤْخَذ من السَّارِق غير ساقطها فَلَا مماثلة، وَالضَّمان يعْتَمد عَلَيْهَا بِالنَّصِّ، ثمَّ هَذَا فِي الْقَضَاء، وَأما ديانَة فَفِي الْإِيضَاح قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحل للسارق الِانْتِفَاع بِهِ بِوَجْه من الْوُجُوه وَفِي الْمَبْسُوط عِنْد مُحَمَّد يُفْتى بِالضَّمَانِ للحوق الخسران للْمَالِك من جِهَة السَّارِق. قَالَ أَبُو اللَّيْث، وَهَذَا القَوْل أحسن (وَلَا يخفى أَنه) أَي لفظ جَزَاء (حِينَئِذٍ) أَي حِين يكون خَاصّا بالعقوبة على الْجِنَايَة على حَقه تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ (بعادة الِاسْتِعْمَال، وَالْخَاص) إِنَّمَا يكون (بِالْوَضْعِ) لَا بعادة الِاسْتِعْمَال. ثمَّ عطف على قَوْله لاستخلاصها قَوْله (أَو لِأَنَّهُ) أَي الْجَزَاء (الْكَافِي فَلَو وَجب) الضَّمَان مَعَ الْقطع (لم يكف) الْقطع، وَالْفَرْض أَنه كَاف (وَفِيه نظر، إِذْ لَيْسَ الْكَافِي جَزَاء الْمصدر الْمَمْدُود بل) الْكَافِي (المجزئ من الْأَجْزَاء أَو الجازئ من الْجُزْء وَهُوَ الْكِفَايَة) كَمَا هُوَ الْمَذْكُور فِي كتب اللُّغَة الْمَشْهُورَة (فَهُوَ) أَي سُقُوط الضَّمَان عَن السَّارِق بعد الْقطع (بالمروى) عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على مَا ذكره الْمَشَايِخ (لَا غرم على السَّارِق بعد مَا قطعت يَمِينه على مَا فِيهِ) من أَنه لَا يعرف بِهَذَا اللَّفْظ، وَأقرب لفظ إِلَيْهِ لفظ الدَّارَقُطْنِيّ " لَا غرم على السَّارِق بعد قطع يَمِينه " ثمَّ أَن رَاوِيه الْمسور بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن جده مَقْبُول، فإرساله غير قَادِح (وَالْحق أَنه) أَي عدم وجوب الضَّمَان مَعَ الْقطع (لَيْسَ من الزِّيَادَة) بِخَبَر الْوَاحِد على النَّص الْمُطلق الَّذِي هُوَ الْقطع (لِأَن الْقطع لَا يصدق على نفي الضَّمَان وإثباته فيكونا) أَي نفي الضَّمَان وإثباته (من مَا صدقَات الْمُطلق) يَعْنِي لَو كَانَ الْقطع كالطواف الصَّادِق على طواف لَا طَهَارَة فِيهِ وَطواف فِيهِ طَهَارَة صَادِقا على نفي الضَّمَان وإثباته بِحَيْثُ يكونَانِ فردين لَهُ لَكَانَ يلْزم الزِّيَادَة بالْخبر الْمَذْكُور، لكنه لَيْسَ كَذَلِك (بل هُوَ) أَي نفي الضَّمَان (حكم آخر) غير مندرج تَحت الْقطع (أثبت بِتِلْكَ الدّلَالَة) الاستقرائية لجزاء (أَو بِالْحَدِيثِ) الْمَذْكُور، وَقد يُقَال وَكَذَلِكَ اشْتِرَاط الطَّهَارَة حكم آخر لَا يصدق عَلَيْهِ الطّواف فَإِن قلت مَا صدق عَلَيْهِ الطّواف إِنَّمَا هُوَ طواف لَيْسَ فِيهِ طَهَارَة قُلْنَا كَذَلِك هَهُنَا مَا صدق عَلَيْهِ الْقطع إِنَّمَا هُوَ قطع لَا تضمين فِيهِ، فَكَمَا أَن مُوجب إِطْلَاق الطّواف حُصُول الِامْتِثَال بإيقاع طواف بِلَا طَهَارَة وَمُوجب الْخَبَر عدم حُصُوله فبينهما تدافع، كَذَلِك مُوجب إِطْلَاق الْقطع حُصُول الِامْتِثَال بِقطع مَعَه ضَمَان وَمُوجب الْخَبَر عدم حُصُوله. فَالْجَوَاب أَنا لَا نسلم عدم حُصُول الِامْتِثَال بِالْقطعِ مَعَ التَّضْمِين بِمُوجب الْخَبَر الْمَذْكُور لِأَن الِامْتِثَال لأمر فَاقْطَعُوا يحصل بِالْقطعِ على أَي وَجه كَانَ، غَايَة الْأَمر أَنه لَا يحصل الِامْتِثَال.

للنَّهْي عَن تغريم السَّارِق، بِخِلَاف الحَدِيث الدَّال على اشْتِرَاط الطَّهَارَة فِي الطّواف فَإِن مُقْتَضَاهُ عدم حُصُول الِامْتِثَال لأمر - وليطوفوا - بِلَا طَهَارَة، وَهُوَ مُبين للمراد من الطّواف الْمَأْمُور بِهِ فَافْهَم (بِخِلَاف قَوْلهم) أَي الْحَنَفِيَّة (وَجب لَهُ) أَي لأجل الْعَمَل بالخاص (مهر الْمثل بِالْعقدِ فِي المفوضة) بِكَسْر الْوَاو الْمُشَدّدَة، من زوجت نَفسهَا أَو زَوجهَا غَيرهَا بِإِذْنِهَا بِلَا تَسْمِيَة مهر، أَو على أَن لَا مهر لَهَا، ويروى بِفَتْحِهَا وَهِي من زَوجهَا وَليهَا بِلَا مهر بِغَيْر إِذْنهَا (فَيُؤْخَذ) مهر الْمثل (بعد الْمَوْت بِلَا دُخُول عملا بِالْبَاء) الَّذِي هُوَ لفظ خَاص فِي الإلصاق حَقِيقَة فِي قَوْله تَعَالَى - {أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} - (لإلصاقها) أَي الْبَاء (الابتغاء وَهُوَ العقد) الصَّحِيح (بِالْمَالِ، وَحَدِيث بروع) وَهُوَ مَا عَن ابْن مَسْعُود فِي رجل تزوج امْرَأَة فَمَاتَ عَنْهَا وَلم يدْخل بهَا وَلم يفْرض لَهَا الصَدَاق. قَالَ لَهَا الصَدَاق كَامِلا، وَعَلَيْهَا الْعدة، وَلها الْمِيرَاث، فَقَالَ معقل بن سِنَان: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُفْتِي بِهِ بروع بنت واشق: أخرجه أَصْحَاب السّنَن وَاللَّفْظ لأبي دَاوُد، وَالْمرَاد صدَاق مثلهَا كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة لَهُ وَلغيره، وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَام فِي جَهَالَة الرَّاوِي. فِي التَّلْوِيح بروع بِفَتْح الْبَاء وَأَصْحَاب الحَدِيث يكسرونها. وَفِي الْغَايَة بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا وَالْكَسْر أشهر، وَفِي الْمغرب بِفَتْح الْبَاء وَالْكَسْر خطأ (مؤيد) لِمَعْنى الْبَاء على صِيغَة الْفَاعِل، وَكَذَلِكَ فِي قَوْله (فَإِنَّهُ) أَي الحَدِيث الْمَذْكُور (مُقَرر لَهُ). قَوْله بِخِلَاف قَوْلهم إِلَى آخِره مربوط بقوله أَو بِالْحَدِيثِ مَعَ مَا قبله، فَإِن مدَار نفي الضَّمَان هُنَاكَ على ذَلِك الحَدِيث، لَا على الْعَمَل بالخاص، وَهَهُنَا وجوب الْمهْر بِالْعَمَلِ بِهِ، والْحَدِيث مُقَرر لَهُ (بِخِلَاف ادِّعَاء تَقْرِير أَقَله) أَي الْمهْر (شرعا) أَي فِي الشَّرْع، أَو تَقْديرا شَرْعِيًّا (عملا بقوله تَعَالَى قد علمنَا مَا فَرضنَا) عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم، لِأَن الْفَرْض لفظ خَاص وضع لِمَعْنى خَاص، وَهُوَ التَّقْدِير، وَالضَّمِير الْمُتَّصِل بِهِ لفظ خَاص يُرَاد بِهِ ذَات الْمُتَكَلّم، فَدلَّ على أَن الشَّارِع قدره إِلَّا أَنه فِي تعْيين الْمِقْدَار مُجمل (فالتحق) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا مهر أقل من عشرَة) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَسَنَد ابْن أبي حَاتِم حسن (بيانابه) فَصَارَت عشرَة دَرَاهِم من الْفضة تَقْديرا لَازِما، لِأَنَّهُ الْمُتَيَقن (إِذْ يدْفع) كَون المُرَاد من الْآيَة، هَذَا تَعْلِيل لما يفهم من قَوْله بِخِلَاف إِلَى آخِره مُتَعَلق بقوله مُقَرر: أَي لَا يُقرر ادِّعَاء تَقْدِير الْأَقَل حَدِيث لَا مهر إِلَى آخِره: إِذْ كَونه مقررا لَهُ فرع كَون الْفَرْض بِمَعْنى التَّقْدِير وَهُوَ غير مُسلم (بِجَوَاز كَونه) أَي الْمَفْرُوض الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِمَا فَرضنَا (النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَالْمهْر بِلَا كمية خَاصَّة فِيهِ) أَي فِي الْمهْر (لَا تنقص) تِلْكَ الكمية (شرعا). قَوْله لَا تنقص صفة كمية (كَمَا فيهمَا) أَي كالمفروض فِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة فِي عدم الكمية الْخَاصَّة (وَتعلق

الْعلم) بالمفروض فِي قَوْله - {قد علمنَا مَا فَرضنَا} -. (لَا يستلزمه) أَي التَّعْيِين فِي الْمَفْرُوض (لتَعَلُّقه) أَي الْعلم (بضده) وَهُوَ غير الْمعِين أَيْضا (وَأما قصر المُرَاد) بالمفروض (عَلَيْهِمَا) أَي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة (لعطف مَا ملكت أَيْمَانهم) على أَزوَاجهم فِي قَوْله تَعَالَى - {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم وَمَا ملكت أَيْمَانهم} - للْعلم بِعَدَمِ مُشَاركَة المملوكات فِي الْمهْر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَا مهر لَهُنَّ) على ساداتهن (فَغير لَازم) لجَوَاز أَن يكون الْمَفْرُوض بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأزْوَاج الْأُمُور الثَّلَاثَة، وبالنسبة إِلَى الْإِمَاء الْأَوَّلين (فَإِنَّمَا هُوَ) أَي تَقْدِير الْمهْر شرعا ثَابت (بالْخبر) الْمَذْكُور حَال كَونه (مُقَيّدا لإِطْلَاق المَال فِي أَن تَبْتَغُوا) بأموالكم، لَا بِالْعَمَلِ الْخَاص الَّذِي هُوَ لفظ فَرضنَا، غير أَنه يلْزم حِينَئِذٍ الزِّيَادَة على الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد كَمَا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة (وَكَذَا ادِّعَاء وُقُوع الطَّلَاق فِي عدَّة الْبَائِن للْعَمَل بِهِ) أَي بالخاص (وَهُوَ الْفَاء لإفادتها) أَي الْفَاء (تعقيب) الطَّلَاق فِي قَوْله تَعَالَى (فَإِن طَلقهَا الافتداء) غير مُسلم (بل) هِيَ (لتعقيب) مَدْخُول الطلقتين المدلولتين بقوله (الطَّلَاق مَرَّتَانِ لِأَنَّهَا) أَي آيَة فَإِن طَلقهَا (بَيَان الثَّالِثَة: أَي الطَّلَاق مَرَّتَانِ فَإِن طَلقهَا) بعد ذَلِك طَلْقَة (ثَالِثَة فَلَا تحل حَتَّى تنْكح، وَاعْترض) بَينهمَا إِفَادَة (جَوَازه) أَي الطَّلَاق مُطلقًا (بِمَال). ثمَّ بَين الْإِطْلَاق بقوله (أولى) أَي طَلْقَة أولى (كَانَت أَو ثَانِيَة أَو ثَالِثَة) دلَالَة على أَن الطَّلَاق يَقع مجَّانا تَارَة، وبعوض أُخْرَى (وَلذَا) أَي لأجل أَن الْفَاء لتعقيب مَا بعْدهَا لما ذكر لَا للافتداء (لم يلْزم فِي شَرْعِيَّة الثَّالِثَة تقدم خلع) يرد عَلَيْهِ أَنه يدل على أَنه لَو أفادت تعقيب الثَّالِثَة للافتداء للَزِمَ مشروعيته تقدم الْخلْع وَفِيه نظر، لِأَنَّهَا لَا تفِيد حِينَئِذٍ إِلَّا مَشْرُوعِيَّة الثَّالِثَة بعد الْخلْع، وَأما الْحصْر فَلَا تفيده: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَدعِي عدم دَلِيل آخر على مشروعيتها بِدُونِ تقدم الْخلْع، وإثباته مُشكل (وَأما إِيرَاد أثبتم التَّحْلِيل) للزَّوْج الثَّانِي (بلعن الْمُحَلّل) فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ ": رَوَاهُ ابْن مَاجَه، فَإِن الْمُحَلّل من يثبت الْحل كالمحرم من يثبت الْحُرْمَة (أَو بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزوجة رِفَاعَة الْقرظِيّ لما أَتَتْهُ فَقَالَت: كنت عِنْد رِفَاعَة الْقرظِيّ فطلقني، فَأَبت طَلَاقي، فَتزوّجت عبد الرَّحْمَن بن الزبير، وَإِن مَا مَعَه مثل هدبة الثَّوْب (أَتُرِيدِينَ) أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة (لَا، حَتَّى تَذُوقِي) عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك، رَوَاهُ الْجَمَاعَة إِلَّا أَبَا دَاوُد (زِيَادَة على الْخَاص لفظ حَتَّى فِي حَتَّى تنْكح) زوجا غَيره لِأَنَّهُ وضع لِمَعْنى خَاص وَهُوَ الْغَايَة، فنكاح الثَّانِي غَايَة للْحُرْمَة الثَّابِتَة بِالثلَاثِ لَا غير، فَلَا يثبت الْحل الْجَدِيد بِهِ، فإثباته بِأحد الْخَبَرَيْنِ زِيَادَة على الْخَاص مبطلة لَهُ، وَهَذَا الْإِيرَاد من فَخر الْإِسْلَام وَغَيره من قبل مُحَمَّد وَزفر وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة فِي مسئلة الْهدم: وَهِي الْمُطلقَة وَاحِدَة أَو ثِنْتَيْنِ إِذا انْقَضتْ

الباب الثالث

عدتهَا وَتَزَوَّجت بآخر وَدخل بهَا ثمَّ طَلقهَا ثمَّ رجعت إِلَى الأول حَيْثُ قَالُوا: ترجع إِلَيْهِ بِمَا بَقِي من طَلاقهَا، وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف قَالَا: ترجع إِلَيْهِ بِثَلَاث قِيَاسا على الْمُطلقَة الثَّلَاث عملا بِكُل من الْخَبَرَيْنِ (فَلَا وَجه لَهُ إِذْ لَيْسَ عدم تَحْلِيله) أَي الزَّوْج الثَّانِي الزَّوْجَة للْأولِ (و) عدم (الْعود) أَي عودهَا (إِلَى الْحَالة الأولى) وَهِي ملك الأول الثَّلَاث عَلَيْهَا (من مَا صدقَات مدلولها) أَي حَتَّى فِي الْآيَة (ليلزم إِبْطَاله) أَي مدلولها (بِالْخَيرِ) فَهُوَ: أَي إِثْبَات التَّحْلِيل بِالثَّانِي (إِثْبَات مسكوت الْكتاب بالْخبر، أَو بِمَفْهُوم حَتَّى على أَنه) أَي مفهومها: يَعْنِي الْعَمَل بِهِ (اتِّفَاق) أَي مُتَّفق عَلَيْهِ، أما عِنْد غير الْحَنَفِيَّة فَظَاهر، وَأما عِنْدهم فَلِأَنَّهُ من قبيل الْإِشَارَة على مَا ذكر فِي البديع وَغَيره (أَو بِالْأَصْلِ) الْكَائِن فِيهَا قبل ذَلِك (وعَلى تَقْدِيره) أَي كَونه إِثْبَات مسكوت الْكتاب بِأحد هَذِه الْمَذْكُورَات (يرد) أَن يُقَال (الْعود) إِلَى الْحَالة الأولى (والتحليل إِنَّمَا جعل) كل مِنْهُمَا (فِي حرمتهَا بِالثلَاثِ وَلَا حُرْمَة قبلهَا) أَي لَا يتَحَقَّق حُرْمَة الثَّلَاث قبل الثَّلَاث (فَلَا يتصوران) أَي الْعود والتحليل، إِذْ لم تحرم فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة تِلْكَ الْحُرْمَة حَتَّى تعود، فَلَو أثبت حل بِهَذَا التَّزْوِيج كَانَ تحصيلا للحاصل (فَلَا يحصل مقصودهما) أَي أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، وَهُوَ (هدم الزَّوْج) الثَّانِي (مَا دون الثَّلَاث خلافًا لمُحَمد). (وَلَا يخفى تضاؤل) أَي تصاغر (أَنه) أَي مَا دون الثَّلَاث (أولى بِهِ) أَي بِالْحلِّ الْجَدِيد من الثَّلَاث (أَو) أَنه ثَابت (بِالْقِيَاسِ) عَلَيْهَا، أما الأول فَلِأَنَّهُ لما أثبت الزَّوْج الثَّانِي حلا جَدِيدا فَلحقه الطلقات الثَّلَاث فِي الأغلظ كَانَ أَن يُثبتهُ فِي الأخف أولى، وَأما الثَّانِي فيجامع أَنه نِكَاح زوج ثَان بالغاء كَونه فِي حُرْمَة غَلِيظَة، ثمَّ أَن التضاؤل إِنَّمَا هُوَ بِسَبَب أَن مورد النَّص الدَّال على تَحْلِيل الزَّوْج الثَّانِي بِزَوْج كَائِن بعد اسْتِيفَاء الطلقات، وَلَا دَلِيل على إِلْغَاء هَذِه الخصوصية فَلَا مجَال للْقِيَاس فضلا عَن الْإِثْبَات بِالطَّرِيقِ الأولى، يُؤَيّد أَنه هُنَاكَ احتجنا إِلَى إِثْبَات حل جَدِيد وترتب عَلَيْهِ أَن يملك الثَّلَاث، وَهَهُنَا لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ حَاصِل كَمَا مر، وَلذَلِك (فَالْحق هدم الْهدم) الْمَبْنِيّ على الْوَجْهَيْنِ الضعيفين. الْبَاب الثَّالِث (السّنة) فِي اللُّغَة (الطَّرِيقَة الْمُعْتَادَة) حَسَنَة كَانَت أَو سَيِّئَة، فِي الحَدِيث " من سنّ فِي الْإِسْلَام سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وأجرمن عمل بهَا إِلَى أَن قَالَ: وَمن سنّ سنة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وزرها ووزر من عمل بهَا ". (وَفِي) اصْطِلَاح (الْأُصُول قَوْله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَفعله وَتَقْرِيره) مِمَّا

لَيْسَ من الْأُمُور الطبيعية، لم يذكر هَذَا الْقَيْد للْعلم بِأَنَّهَا من الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة، والأمور الْمَذْكُورَة لَيست مِنْهَا (وَفِي فقه الْحَنَفِيَّة: مَا واظب) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (على فعله مَعَ ترك مَا بِلَا عذر) لم يقل مَعَ تَركه أَحْيَانًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْدهم لدلَالَة الْمُوَاظبَة على ندرة التّرْك، وَذكر بِلَا عذر لِأَن التّرْك مَعَ الْعذر مُتَحَقق فِي الْوَاجِب أَيْضا (ليلزم كَونه) أَي الْمَفْعُول المواظب عَلَيْهِ (بِلَا وجوب) لَهُ. قَوْله ليلزم مُتَعَلق بترك مَا الخ (وَمَا لم يواظبه) أَي فعله بِحَذْف على وَقد قصد بِهِ الْقرْبَة (مَنْدُوب ومستحب، وَإِن لم يَفْعَله بعد مَا رغب فِيهِ). قَوْله وَأَن وصلية (وَعَادَة غَيرهم) أَي الْحَنَفِيَّة (ذكر مسئلة الْعِصْمَة) حَال كَونهَا (مُقَدّمَة كلامية) إِذْ لَيست من مسَائِل الْأُصُول بل من الْكَلَام، من جملَة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهَا الْأُصُول (لتوقف حجية مَا قَامَ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) من القَوْل وَالْفِعْل والتقرير (عَلَيْهَا) أَي الْعِصْمَة: إِذْ بثبوتها يثبت حَقِيقَة (وَهِي) أَي الْعِصْمَة (عدم قدرَة الْمعْصِيَة) فعلى هَذَا مفهومها عدمي، وَقيل وجودي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أَو خلق مَانع) من الْمعْصِيَة (غير ملجئ) إِلَى تَركهَا، وَإِلَّا يلْزم الِاضْطِرَار الْمنَافِي للابتلاء وَالِاخْتِيَار (ومدركها) أَي الْعِصْمَة عِنْد الْمُحَقِّقين من الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيّ وَالْقَاضِي أبي بكر (السّمع، وَعند الْمُعْتَزلَة) السّمع و (الْعقل أَيْضا). ثمَّ اخْتلف فِي تفصيلها (الْحق أَن لَا يمْتَنع قبل الْبعْثَة كَبِيرَة وَلَو) كَانَت (كفرا عقلا) أَي امتناعا عقليا كَمَا هُوَ قَول القَاضِي وَأكْثر الْمُحَقِّقين (خلافًا لَهُم) أَي أَي الْمُعْتَزلَة (ومنعت الشِّيعَة الصَّغِيرَة أَيْضا) أَي وُقُوعهَا وجوازها. (وَأما الْوَاقِع) فِي نفس الْأَمر (فالمتوارث) أَي الْخَبَر المتوارث (أَنه لم يبْعَث نَبِي قطّ أشرك بِاللَّه طرفَة عين، وَلَا من نَشأ فحاشا) أَي متكلما بِمَا يستقبح ذكره عِنْد أهل الْمُرُوءَة فضلا عَن أَن يَفْعَله (سَفِيها) فِي أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَهُوَ ضد الرشد (لنا) فِي عدم امْتنَاع مَا ذكر عقلا (لَا مَانع فِي) نظر (الْعقل من) حُصُول (الْكَمَال) التَّام (بعد النَّقْص) التَّام (و) بعد (رفع الْمَانِع) من حُصُوله (قَوْلهم) أَي الْمُعْتَزلَة والشيعة (بل فِيهِ) أَي فِي الْعقل مَانع من ذَلِك (وَهُوَ) أَي الْمَانِع (إفضاؤه) أَي صُدُور الْمعْصِيَة (إِلَى التنفير عَنْهُم واحتقارهم) بعد الْبعْثَة (فنافى) صدورها عَنْهُم (حِكْمَة الْإِرْسَال) ويه اهتداء الْخلق بهم (مَبْنِيّ على التحسين والتقبيح الفعليين) أذ لَو لم يَقُولُوا: إِن إرْسَال من ينفر عَنهُ الْمُرْسل إِلَيْهِ قَبِيح لم يتم دليلهم (فَإِن بَطل) القَوْل بهما (كدعوى الأشعرية) من أَن القَوْل بهما بَاطِل (بَطل) قَوْلهم الْمَبْنِيّ عَلَيْهِمَا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يبطل القَوْل بهما مُطلقًا (منعت الْمُلَازمَة) بَين صُدُور الْمعْصِيَة والإفضاء إِلَى التنفير عَنْهُم بعد الْبعْثَة واحتقارهم (كالحنفية) أَي كدعوى الْحَنَفِيَّة، من أَن القَوْل بهما لَيْسَ بَاطِلا مُطلقًا، وَأَن الْمُلَازمَة الْمَذْكُورَة مَمْنُوعَة (بل بعد صفاء السريرة) أَي الْبَاطِن

(وَحسن السِّيرَة) أَي الْأَخْلَاق (ينعكس حَالهم) أَي الَّذين صدر عَنْهُم الْمعْصِيَة فِي الْبِدَايَة (فِي الْقُلُوب) من تِلْكَ الْحَال إِلَى التَّعْظِيم والإجلال (ويؤكده) أَي انعكاس حَالهم حِينَئِذٍ (دلَالَة المعجزة) على صدقه وحقية مَا أَتَى بِهِ، فَإِن كثيرا من الْأَوْلِيَاء كَانُوا أَرْبَاب مَعْصِيّة فِي بَدْء حَالهم أَلا ترى أَن الله تَعَالَى قدم التوابين على المتطهرين فِي كِتَابه الْمجِيد عِنْد ذكر الْمحبَّة - {إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين} - (والمشاهدة وَاقعَة بِهِ) أَي بالانعكاس الْمَذْكُور (فِي آحَاد انْقَادَ الْخلق) النَّقْد تَمْيِيز الْجيد من الدَّرَاهِم وَغَيرهَا عَن الرَّدِيء، وَالْمرَاد: الممتازون من الصلحاء بِأَنَّهُم كَانُوا فِي الْبِدَايَة موصوفين بضد الصّلاح محقرين عِنْد الْخلق ثمَّ انعكس حَالهم (إِلَى إجلالهم بعد الْعلم بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ) من أَحْوَال تنَافِي ذَلِك، بل رُبمَا يكونُونَ أعز لمزيد ظُهُور عناية الْحق سُبْحَانَهُ فِي حَقهم (فَلَا معنى لإنكاره، وَبعد الْبعْثَة الِاتِّفَاق) من أهل الشَّرَائِع كَافَّة (على عصمته) أَي النَّبِي (عَن تعمد مَا يخل بِمَا يرجع إِلَى التَّبْلِيغ) من الله إِلَى الْخلق كالكذب فِي الْأَحْكَام، وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى إبِْطَال دلَالَة المعجزة وَهُوَ محَال (وَكَذَا) الِاتِّفَاق على عصمته مِمَّا يخل بِمَا ذكر (غَلطا) ونسيانا (عِنْد الْجُمْهُور خلافًا للْقَاضِي أبي بكر، لِأَن دلَالَة المعجزة) على عدم كذبه إِنَّمَا هِيَ (على عدم الْكَذِب قصدا) وَذَلِكَ لَا يُنَافِي صدوره غَلطا، وَمَا هُوَ من فلتات اللِّسَان (و) على (عدم تَقْرِيره على السَّهْو) إِذْ لَا بُد من بَيَانه والتنبيه عَلَيْهِ فَإِن لم يَقع يخل بمصلحة التَّبْلِيغ (فَلم يرْتَفع الْأمان عَمَّا يخبر بِهِ عَنهُ تَعَالَى) فَانْدفع مَا قيل من أَنه يلْزم مِنْهُ عدم الوثوق بتبليغه لاحْتِمَال السَّهْو والغلط على تَقْدِير عدم عصمته عَنْهُمَا (وَأما غَيره) أَي غير مَا يخل بِمَا يرجع إِلَى التَّبْلِيغ (من الْكَبَائِر والصغائر الخسية) وَهِي مَا يلْحق صَاحبهَا بالأرذال والسفل وينسب إِلَى دناءة الهمة، وَسُقُوط الْمُرُوءَة كسرقة كسرة والتطفيف بِحَبَّة (فالإجماع على عصمتهم عَن تعمدها سوى الحشوية وَبَعض الْخَوَارِج) وهم الْأزَارِقَة حَتَّى جوزوا عَلَيْهِ الْكفْر فَقَالُوا: يجوز أَن يبْعَث الله نَبيا علم أَنه يكفر بعد نبوته. ثمَّ الْأَكْثَر على أَن امْتِنَاعه مُسْتَفَاد من السّمع وَإِجْمَاع الْأمة قبل ظُهُور الْمُخَالفين فِيهِ، والمعتزلة على أَنه مُسْتَفَاد من الْعقل على أصولهم (و) على (تجويزها) أَي الْكَبَائِر والصغائر الخسية (غَلطا وبتأويل خطأ) بِنَاء على تَجْوِيز اجْتِهَاد النَّبِي وخطئه فِيهِ، وَقَوله وتجويزها مَعْطُوف على عصمتهم، فَالْمَعْنى وَأَجْمعُوا أَيْضا على التجوير الْمَذْكُور (إِلَّا الشِّيعَة فيهمَا) فِي الْغَلَط وَالْخَطَأ الْمَذْكُورين، هَذَا على مَا فِي البديع وَغَيره، وَفِي المواقف وَأما سَهوا فجوزه الْأَكْثَرُونَ، وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد وَالْمُخْتَار خِلَافه (وَجَاز تعمد غَيرهَا) أَي الْكَبَائِر والصغائر الْمَذْكُورَة كنظرة وَكلمَة سفه نادرة فِي غضب (بِلَا إِصْرَار عِنْد) أَكثر (الشَّافِعِيَّة والمعتزلة وَمنعه) أَي تعمد غَيرهَا (الْحَنَفِيَّة وجوزوا الزلة فيهمَا) أَي الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة (بِأَن

فصل حجية السنة

يكون الْقَصْد إِلَى مُبَاح فَيلْزمهُ مَعْصِيّة) لذَلِك لَا أَنه قصد عينهَا (كوكز مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام) أَي كدفعه بأطراف أَصَابِعه، وَقيل بِجمع الْكَفّ القبطي واسْمه فانون (وتقترن) الزلة (بالتنبيه) على أَنَّهَا زلَّة، أما من الْفَاعِل كَقَوْلِه: هَذَا من عمل الشَّيْطَان: أَي هيج غَضَبي حَتَّى ضَربته فَوَقع قَتِيلا، أَو من الله تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى - {وَعصى آدم ربه فغوى} - أَي أَخطَأ بِأَكْل الشَّجَرَة الَّتِي نهى عَن أكلهَا وَطلب الْملك والخلد بذلك (وَكَأَنَّهُ) أَي هَذَا النَّوْع خطأ من حَيْثُ أَنه لم يقْصد مَا آل إِلَيْهِ (شبه عمد) من حَيْثُ الصُّورَة لقصده إِلَى أصل الْفِعْل (فَلم يسموه خطأ) نظرا إِلَى قصد أصل الْفِعْل (وَلَو أَطْلقُوهُ) أَي الْخَطَأ عَلَيْهِ كَمَا أطلقهُ غَيرهم (لم يمْتَنع وَكَانَ أنسب من الِاسْم المستكره) أَي الزلة، وَقد قَالُوا: لَو رمى غَرضا فَأصَاب آدَمِيًّا كَانَ خطأ مَعَ قصد الرَّمْي غير أَن قَوْله تَعَالَى - {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا} - رُبمَا يؤيدهم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يفرق بَين أَن يكون الْإِطْلَاق من الله تَعَالَى فِي حق نبيه، وَأَن يكون من الْعباد فِي حَقه. (فصل: حجية السّنة) سَوَاء كَانَت مفيدة للْفَرض أَو الْوَاجِب أَو غَيرهمَا (ضَرُورَة دينية) كل من لَهُ عقل وتمييز حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان يعرف أَن من ثَبت نبوته صَادِق فِيمَا يخبر عَن الله تَعَالَى وَيجب اتِّبَاعه (ويتوقف الْعلم بتحققها) أَي السّنة بِمَعْنى كَونهَا صادرة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ مرجع الضَّمِير حجيتها كَمَا زعم الشَّارِح (وَهِي) أَي السّنة (الْمَتْن) أَي تسمى عِنْد الْأُصُولِيِّينَ والمحدثين بِالْمَتْنِ، جملَة مُعْتَرضَة بَين الْفِعْل وصلته: أَعنِي قَوْله (على طَرِيقه) أَي الْمَتْن، ثمَّ فسر طَرِيقه بقوله (السَّنَد) إِذْ بِهِ يعرف ثُبُوته، ثمَّ فسره بقوله (الْأَخْبَار عَنهُ) أَي عَن الْمَتْن (بِأَنَّهُ حدث بِهِ) أَي بِالْمَتْنِ، (فلَان) وَفُلَان فَصَاعِدا مَا لم يصل حد التَّوَاتُر (أَو خلق) يحِيل الْعقل تواطأهم على الْكَذِب، وَأَشَارَ فِي أثْنَاء التَّعْرِيف إِلَى عدَّة من الْأَلْفَاظ الاصطلاحية فَلَا يرد أَنه يَكْفِي بَعْضهَا، وَقيل السَّنَد مَأْخُوذ من السَّنَد: مَا ارْتَفع وَعلا عَن سفح الْجَبَل: أَي أَسْفَله لِأَن الْمسند يرفعهُ إِلَى قَائِله، وَمن قَوْلهم: فلَان سَنَد: أَي مُعْتَمد لاعتماد الْمُحدث عَلَيْهِ فِي صِحَّته وَضَعفه (وَهُوَ) أَي الْمَتْن (خبر وإنشاء) وَجه الْحصْر ذكر فِي الْمقَالة الأولى (فَالْخَبَر قيل لَا يحد لعسره) أَي لعسر تحديده على وَجه جَامع للْجِنْس والفصل لتعسر معرفَة الذاتيات كَمَا قيل مثله فِي الْعلم (وَقيل لِأَن علمه) أَي الْخَبَر (ضَرُورِيّ) والتعريف إِنَّمَا يكون للنظريات وَهَذَا اخْتِيَار الإِمَام الرَّازِيّ والسكاكي (لعلم كل) أحد سَوَاء كَانَ من أهل النّظر أَولا (بِخَبَر خَاص ضَرُورَة، وَهُوَ) أَي الْخَبَر الْخَاص (أَنه مَوْجُود، وتمييزه) أَي ولتمييز الْخَبَر (عَن قسيمه) الَّذِي هُوَ الْإِنْشَاء (ضَرُورَة) من غير احْتِيَاج إِلَى نظر وفكر، فَلَو كَانَ تصَوره نظريا لما كَانَ تَمْيِيزه عَنهُ ضَرُورِيًّا لاحتياجه إِلَى تصَوره، وَإِذا كَانَ الْخَبَر الْمُقَيد الَّذِي هُوَ الْخَاص ضَرُورِيًّا

(فالمطلق) أَي الْخَبَر الْمُطلق الَّذِي هُوَ جزءه (كَذَلِك) أَي كَانَ ضَرُورِيًّا بالاستلزام ضَرُورَة توقف تصور الْكل على تصور الْجُزْء (وَأورد) على هَذَا القَوْل (الضَّرُورَة) أَي كَون الْعلم بالْخبر ضَرُورِيًّا (تنافى الِاسْتِدْلَال) على كَونه ضَرُورِيًّا، لِأَن الِاسْتِدْلَال إِنَّمَا يكون فِي النظري، (وَأجِيب بِأَنَّهُ) أَي كَون الضَّرُورَة مُنَافِيَة للاستدلال إِنَّمَا هُوَ (عِنْد اتِّحَاد الْمحل) أَي مَحل الضَّرُورَة وَالِاسْتِدْلَال (وَلَيْسَ) مَحلهمَا هُنَا متحدا (فالضروري) هُنَا (حُصُول الْعلم) بِمَفْهُوم الْخَبَر (بِلَا نظر) أَي علمه الْحَاصِل بِغَيْر نظر وفكر (وَكَونه) أَي الْعلم (حَاصِلا كَذَلِك) أَي على وَجه الضَّرُورَة (غَيره) أَي غير حُصُوله بِلَا نظر (وَلَو أورد كَذَا الْحَاصِل ضَرُورَة يلْزمه ضَرُورِيَّة الْعلم بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا إِذْ بعد حُصُوله) أَي حُصُول الْعلم فِي الْعقل كَذَلِك: أَي على وَجه الضَّرُورَة (لَا يتَوَقَّف الْعلم الثَّانِي) وَهُوَ الْعلم بِكَوْن الْعلم الْحَاصِل ضَرُورِيًّا (بعد تَجْرِيد مَفْهُوم الضَّرُورِيّ) الْمَوْصُوف بِهِ الْحَاصِل ضَرُورَة على شَيْء (سوى) أَي إِلَّا (على الِالْتِفَات) وتوجيه الذِّهْن نَحوه: يَعْنِي أَن مَادَّة الْعلم الثَّانِي الَّذِي هُوَ التَّصْدِيق يكون ذَلِك الْحَاصِل ضَرُورِيًّا مَوْجُودَة بَين يَدي الْعقل قريبَة المأخذ، فَإِذا قَصده يحصل لَهُ بِمُجَرَّد الِالْتِفَات إِلَيْهِ، وَتَجْرِيد مَفْهُوم الضَّرُورِيّ الَّذِي يُرِيد أَن يحكم بِهِ على الْحَاصِل الْمَذْكُور عبارَة عَن ملاحظته على الْوَجْه الْكُلِّي مُجَرّدَة عَن خصوصيات أَفْرَاده كتصوره بعنوان مَا يحصل بِلَا نظر (وتطبيق) هَذَا (الْمَفْهُوم) على الْعلم الْحَاصِل بِلَا نظر فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك تَجدهُ مطابقا فتعلم أَنه ضَرُورِيّ، وَهُوَ الْعلم الثَّانِي بِعَيْنِه (وَلَيْسَ) مَا ذكر من التَّجْرِيد والالتفات والتطبيق (النّظر) وَهُوَ ظَاهر (كَانَ) هَذَا الْإِيرَاد (لَازِما) لَا وَجه لإنكاره، وَهَذَا جَوَاب لَو أورد (فَالْحق أَنه) أَي الدَّلِيل الْمَذْكُور (تَنْبِيه) على خفائه، لما دفع إِيرَاد الْمُنَافَاة بَين دَعْوَى الضَّرُورَة، وَالِاسْتِدْلَال، يَقُول الْخَبَر لَا يحد، لِأَن علمه ضَرُورِيّ الخ بِبَيَان عدم اتِّحَاد الْمحل. ثمَّ ذكر الْإِيرَاد على وَجه لَا مدفع لَهُ، وَتبين أَن كَون الْخَبَر ضَرُورِيًّا لَا يحْتَاج إِلَى الدَّلِيل يُوهم أَن مَا ذكره الْقَائِل الْمَذْكُور فِي معرض الِاسْتِدْلَال غير موجه، فَذكر أَنه تَنْبِيه فِي صُورَة الِاسْتِدْلَال، وَمثله شَائِع فِي البديهيات الْخفية (وَالْجَوَاب) عَن المنبه الْمَذْكُور (أَن تعلق الْعلم بِهِ) أَي الْخَبَر (بِوَجْه) مَا بِغَيْر نظر (لَا يسْتَلْزم تصور حَقِيقَته) أَي الْخَبَر (ضَرُورَة) وتصور حَقِيقَته هُوَ المُرَاد بالتعريف. ثمَّ ذكر مَا يسْتَلْزم تصور الْحَقِيقَة بِوَجْه مسَاوٍ بقوله (وَالظَّاهِر أَن إِعْطَاء اللوازم) أَي إِعْطَاء لَوَازِم الْخَبَر للْخَبَر، ولوازم الْإِنْشَاء للإنشاء. ثمَّ بَين الْإِعْطَاء الْمَذْكُور بقوله (من وضع كل) مِنْهُمَا (مَوْضِعه) فَلَا يضع أحد قُمْت مَكَان قُم وَلَا عَكسه: وَمن تَجْوِيز الصدْق وَالْكذب وَعَدَمه (وَنفى مَا يمْتَنع) على كل مِنْهُمَا (عَنهُ) أَي عَن كل مِنْهُمَا، فَلَا تَقول قُم يحْتَمل الصدْق وَالْكذب إِلَى غير ذَلِك (فرع تصور

الْحَقِيقَة، إِذْ هِيَ) أَي حَقِيقَة معنى الْخَبَر، والإنشاء هِيَ (المستلزمة) لذَلِك الْإِعْطَاء (نعم لَا يتصورهما) أَي المتصور بِاعْتِبَار هَذَا التَّصَوُّر اللَّازِم لذَلِك الْإِعْطَاء الحقيقيين (من حَيْثُ هما مسميا) لَفْظِي (الْخَبَر والإنشاء) أَو غَيرهمَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي تصور نفيهما (فيعرفان اسْما) أَي تعريفا اسميا لإِفَادَة أَن مُسَمّى لفظ الْخَبَر كَذَا، فالمقصد من هَذَا التَّعْرِيف بَيَان مَا وضع لَهُ اللَّفْظ (وَإِن كَانَ قد يَقع حَقِيقِيًّا) بِأَن كَانَت أجزاؤه ذاتيات الْحَقِيقَة فِي نفس الْأَمر، وَهِي مَوْجُودَة فِي الْخَارِج (فَالْخَبَر) مُسَمَّاهُ (مركب يحْتَمل الصدْق وَالْكذب بِلَا نظر إِلَى خُصُوص مُتَكَلم) فَلَا يشكل بِخَبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذْ هُوَ مَعَ قطع النّظر عَن قَائِله يحتملهما، وَلَا بِخَبَر من يخبر بِمَا يحكم الْعقل بنقيضه ضَرُورَة، لِأَنَّهُ إِذا قطع النّظر عَن حكمه بالنقيض، وَينظر إِلَى نفس الْأَمر يحتملهما، فَالْمُرَاد قطع النّظر عَن جَمِيع مَا سوى نفس الْخَبَر (وَنَحْوه) أَي نَحْو مَا ذكركما يُفِيد هَذَا الْمَعْنى أَو مَا يُسَاوِيه (وَأورد) على هَذَا التَّعْرِيف (الدّور لتوقف) كل من (الصدْق) وَالْكذب (عَلَيْهِ) أَي على معنى الْخَبَر (لِأَنَّهُ) أَي الصدْق (مُطَابقَة الْخَبَر) للْوَاقِع وَالْكذب عدم مطابقته لَهُ، فقد توقف الْخَبَر على كل مِنْهُمَا لِكَوْنِهِمَا جزئي مَفْهُومه، وَتوقف كل مِنْهُمَا على الْخَبَر لكَونه جُزْء مفهوميهما (وبمرتبة) أَي وَأورد لُزُوم الدّور أَيْضا بمرتبة (لَو قيل التَّصْدِيق والتكذيب) مَكَان الصدْق وَالْكذب، إِذْ التَّصْدِيق أَن ينْسب الْخَبَر إِلَى مطابقته للْوَاقِع، والتكذيب أَن ينْسب إِلَى خلاف ذَلِك: فالدور على الأول بِلَا وَاسِطَة، وَهَهُنَا بِوَاسِطَة: إِذْ التَّصْدِيق يتَوَقَّف على الصدْق، وَهُوَ على الْخَبَر، و (إِنَّمَا يلْزم) الدّور (لَو لزم) ذكر الْخَبَر (فِي تَعْرِيفه) أَي الصدْق وَكَذَا فِي الْكَذِب (وَلَيْسَ) ذكره لَازِما، بل يعرفان بِحَيْثُ لَا يتَوَقَّف على معرفَة الْخَبَر (إِذْ يُقَال فيهمَا) أَي الصدْق وَالْكذب (مَا) أَي صفة كَلَام (طابق نفسيه) أَي نسبته النفسية الَّتِي هِيَ جُزْء مَدْلُوله (لما) أَي للنسبة الَّتِي بَين طَرفَيْهِ (فِي نفس الْأَمر) بِأَن يَكُونَا ثبوتيين أَو سلبيين (أَولا) تطابق لما ذكر فِي تَعْرِيف الْكَذِب، أَو الْمَعْنى لَو لزم ذكر الصدْق وَالْكذب فِي تَعْرِيف الْخَبَر، إِذْ يُقَال فيهمَا: أَي فِي الْخَبَر والإنشاء مَا طابق الخ، فعلى هَذَا يكون تَعْرِيف الْإِنْشَاء مطويا اعْتِمَادًا على الْمُقَابلَة، وَالثَّانِي أولى. (وَقَول أبي الْحُسَيْن) وتعريف الْخَبَر (كَلَام يُفِيد بِنَفسِهِ نِسْبَة) يرد (عَلَيْهِ أَن نَحْو قَائِم) من المشتقات (عِنْده) أَي أبي الْحُسَيْن (كَلَام) لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُعْتَمد: الْحق أَن يُقَال الْكَلَام هُوَ مَا انتظم فِي الْحُرُوف المسموعة المتميزة المتواضع على اسْتِعْمَالهَا فِي الْمعَانِي (ويفيدها) أَي قَائِم النِّسْبَة (بِنَفسِهِ) لِأَنَّهَا جُزْء من مُسَمَّاهُ (وَلَيْسَ) نَحْو قَائِم (خَبرا) بالِاتِّفَاقِ، وَلما جعل ابْن الْحَاجِب قيد بِنَفسِهِ لإِخْرَاج نَحوه لإفادتها النِّسْبَة بل مَعَ الْمَوْضُوع الَّذِي هُوَ زيد مثلا أَشَارَ المُصَنّف إِلَيْهِ بقوله (وَمَا قيل مَعَ الْمَوْضُوع مَمْنُوع)

بل قَائِم بِنَفسِهِ يفيدها، (إِذْ الْمُشْتَقّ دَال على ذَات مَوْصُوفَة) أَي لِأَن كل مُشْتَقّ من الصِّفَات وضع لذات مَا بِاعْتِبَار اتصافها بمبدأ الِاشْتِقَاق، وَأما مَعَ الْمَوْضُوع فَيُفِيد النِّسْبَة إِلَى معِين، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فالموضوع لمُجَرّد تعْيين الْمَنْسُوب إِلَيْهِ، وَأما إِيرَاد نَحْو قُم عَلَيْهِ) أَي على أبي الْحُسَيْن بِأَنَّهُ صَادِق عَلَيْهِ (لإفادته نِسْبَة الْقيام) إِلَى الْمُخَاطب، لِأَن الْمَطْلُوب هُوَ الْقيام الْمَنْسُوب إِلَيْهِ، وإفادته الطّلب (فَلَيْسَ) بوارد عَلَيْهِ (إِذْ لم يوضع) نَحْو قُم لشَيْء (سوى) أَي إِلَّا (لطلب الْقيام) أَي طلب الْقيام من الْمُخَاطب، كَذَا فسر الشَّارِح وَلَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ يُوهم أَن نِسْبَة الطّلب وَالْقِيَام إِلَى الْمُتَكَلّم والمخاطب مَأْخُوذَة فِي مَفْهُومه، وَلَيْسَ كَذَلِك: بل هُوَ مَوْضُوع لطلب الْقيام مُطلقًا (وَفهم النِّسْبَة) أَي نِسْبَة وُقُوع الْقيام من الْمُخَاطب (بِالْعقلِ والمشاهدة) إِذْ الْعقل يحكم بِأَن الشَّخْص لَا يطْلب مِنْهُ الْفِعْل الصَّادِر عَن غَيره، ونشاهد أَن الْمَأْمُور يصدر مِنْهُ الْمَطْلُوب دَائِما عِنْد الِامْتِثَال، لَا من غَيره (لَا يسْتَلْزم الْوَضع) أَي وضع نَحْو قُم (لَهَا) أَي للنسبة الْمَذْكُورَة فَإِن قلت: قُم يدل على الطّلب، وَهُوَ نِسْبَة بَين الطَّالِب وَالْمَطْلُوب قلت المُرَاد من النِّسْبَة مَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهَا، وَهُوَ الْإِسْنَاد الْمُعْتَبر بَين ركني السَّنَد والمسند إِلَيْهِ، والطالب لَيْسَ بِشَيْء مِنْهُمَا، وَقد يُقَال: قُم فعل وفاعل فَلَا بُد من نِسْبَة بَينهمَا، وَلَا وَجه لجعلها مِنْهَا وَهِي منتفية فِيهِ (فَلَيْسَ) فهم النِّسْبَة (بِنَفسِهِ) أَي بِنَفس لفظ قُم مثلا (وَمَا قيل) وَالْقَائِل ابْن الْحَاجِب وَغَيره من أَن (الأولى) فِي تَعْرِيفه (كَلَام مَحْكُوم فِيهِ بِنِسْبَة لَهَا خَارج) هِيَ حِكَايَة عَنهُ (فطلبت الْقيام مِنْهُ) أَي من الْخَبَر، لِأَنَّهُ حكم فِيهِ بِنِسْبَة طلب الْقيام إِلَى الْمُتَكَلّم، وَلها خَارج قد يطابقه فَيكون صدقا، وَقد لَا يطابقه فَيكون كذبا (لاقم) أَي لَيْسَ مِنْهُ قُم. قَالَ الشَّارِح فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ كلَاما مَحْكُومًا فِيهِ بِنِسْبَة الْقيام إِلَى الْمَأْمُور وَنسبَة الطّلب إِلَى الْآمِر، لَكِن هَذِه النِّسْبَة لَيْسَ لَهَا خَارج تطابقه أَو لَا تطابقه، لِأَنَّهَا لَيست إِلَّا مُجَرّد الطّلب الْقَائِم بِالنَّفسِ انْتهى. أثبت فِي الْأَمر نسبتين: إِحْدَاهمَا بَين مبدأ الِاشْتِقَاق والمأمور. وَالثَّانيَِة بَين الطّلب والآمر، فَإِن أَرَادَ بِهِ دخولهما فِيمَا وضع لَهُ، فَهَذَا يُنَافِي مَا مر آنِفا أَنه لم يوضع إِلَّا لطلب الْقيام، وَإِن أَرَادَ كَونهمَا لازمين لَهُ فِي التحقق فَهُوَ خَارج المبحث، لِأَن الْكَلَام فِي نِسْبَة تكون فِيهِ. ثمَّ قَوْله لَكِن هَذِه النِّسْبَة الخ غير موجه، لِأَنَّهُ مهد نسبتين وَلم يعلم مُرَاد أَيهمَا فَإِن قلت رُبمَا أرادهما جَمِيعًا بِضَرْب من التَّأْوِيل قلت على جَمِيع التقادير لَا معنى لقَوْله، لِأَنَّهَا لَيست إِلَّا مُجَرّد الطّلب، إِذْ قد ذكر أَن النِّسْبَة الأولى بَين الْقيام والمأمور بِهِ، فَهِيَ لَيست عين الطّلب الْقَائِم بِنَفس الْأَمر، وَكَذَا الثَّانِيَة فَإِنَّهَا بَين الطّلب والآمر وَأَيْضًا قَوْله مَحْكُومًا فِيهِ الخ ظَاهره

غير صَحِيح، إِذْ لَا حكم فِي الْإِنْشَاء، وتأويله غير ظَاهر، فَكَأَنَّهُ حرر هَذَا الْمحل من عِنْد نَفسه. وَالْوَجْه أَن يُقَال: إِنَّمَا خرج نَحْو قُم بقوله مَحْكُوم فِيهِ بِنِسْبَة، وَقَوله لَهَا خَارج لزِيَادَة التَّوْضِيح وَإِشَارَة إِلَى أَنه مُشْتَمل على نِسْبَة لَيست على طرز نِسْبَة الْخَبَر بِأَن يكون لَهَا خَارج هِيَ حاكية عَنهُ ليتصور فِيهَا الْمُطَابقَة وَعدمهَا وَالله أعلم. وَمَا قيل مُبْتَدأ خَبره (فعلى إِرَادَة مَا يحسن عَلَيْهِ السُّكُوت بالْكلَام) الْمَذْكُور فِي صدر التَّعْرِيف (فَلَا يرد) نَحْو (الْغُلَام الَّذِي لزيد) إِذْ لَا يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ فَهُوَ غير دَاخل فِي التَّعْرِيف فَلَا يضر صدق مَا بعد الْجِنْس عَلَيْهِ لَو اعْتبر فِيهِ الحكم وَالنِّسْبَة الْمَذْكُورَة بِاعْتِبَار أَن الْأَوْصَاف قبل الْعلم بهَا أَخْبَار، والمركب التوصيفي يبْنى عَلَيْهِ (وَلَا حَاجَة إِلَى مَحْكُوم) حِينَئِذٍ لإِخْرَاج نَحْو الْغُلَام الَّذِي لزيد: إِذْ لم يدْخل فِي الْجِنْس حَتَّى يخرج (بل قد يُوهم) ذكره (أَن مَدْلُول الْخَبَر الحكم) بِوُقُوع النِّسْبَة (وَحَاصِله) أَي الحكم (علم) لِأَنَّهُ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة، فَهُوَ قسم من الْعلم إِن فسرنا الْعلم بِمَا يعم التَّصَوُّر والتصديق، أَو نفس الْعلم إِن فسرناه بالتصديق (ونقطع بِأَنَّهُ) أَي الْخَبَر (لم يوضع لعلم الْمُتَكَلّم بل) إِنَّمَا وضع (لما عِنْده) أَي الْمُتَكَلّم من وُقُوع النِّسْبَة أَولا وُقُوعهَا وَالْحَاصِل أَنه مَوْضُوع للمعلوم لَا الْعلم (فَالْأَحْسَن) فِي تَعْرِيفه (كَلَام لنسبته خَارج) لِئَلَّا يرد شَيْء مِمَّا ذكر، فيحوج إِلَى تكلّف لَا يَلِيق بالتعريف. (وَاعْلَم أَنه) أَي الْخَبَر (يدل على مطابقته) للْوَاقِع، وَلذَا قيل: مَدْلُول الْخَبَر الصدْق، وَالْكذب احْتِمَال (فَإِنَّهُ يدل على نِسْبَة) تَامَّة ذهنية (وَاقعَة) فِي الْإِثْبَات (أَو غير وَاقعَة) فِي السَّلب مشعرة بِحُصُول نِسْبَة أُخْرَى فِي الْوَاقِع، لكَونهَا حاكية عَنْهَا مُوَافقَة لَهَا فِي الْكَيْفِيَّة فالثانية مدلولة بتوسط الأولى وَهِي الْمَقْصُودَة بالإفادة، فَإِن كَانَ مَا فِي نفس الْأَمر على طبق مَا فِي الذِّهْن على الْوَجْه الَّذِي أشعرت بِهِ فَهُوَ صَادِق، وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِب، وَلذَا قيل: صدق الْخَبَر بِثُبُوت مَدْلُوله مَعَه، وَكذبه تخلف مَدْلُوله عَنهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (ومدلول اللَّفْظ لَا يلْزم كَونه ثَابتا فِي الْوَاقِع فجَاء احْتِمَال الْكَذِب بِالنّظرِ إِلَى أَن الْمَدْلُول) الْمَذْكُور هُوَ (كَذَلِك فِي نفس الْأَمر أَولا، وَمَا) أَي الْكَلَام الَّذِي (لَيْسَ بِخَبَر إنْشَاء وَمِنْه) أَي من الْإِنْشَاء (الْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام وَالتَّمَنِّي، والترجي، وَالْقسم، والنداء: وَيُسمى الأخيران) أَي الْقسم والنداء (تَنْبِيها أَيْضا) بل المنطقيون يسمون الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة تَنْبِيها، وَزَاد بَعضهم الِاسْتِفْهَام وَابْن الْحَاجِب على أَن مَا لَيْسَ بِخَبَر يُسمى إنْشَاء وتنبيها، كَذَا ذكره الشَّارِح. (وَاخْتلف فِي صِيغ الْعُقُود والإسقاطات كبعت وأعتقت إِذا أُرِيد حُدُوث الْمَعْنى بهَا) أَي بِتِلْكَ الصِّيَغ (فَقيل: إخبارات عَمَّا فِي النَّفس من ذَلِك) أَي من خصوصيات تِلْكَ الْعُقُود

والاسقاطات، فيقرر ذَلِك فِي نَفسه ثمَّ يخبر عَنهُ بهَا: وَهَذَا قَول الْجُمْهُور (فيندفع الِاسْتِدْلَال على إنشائيته) أَي مَا ذكر من الصِّيَغ (بِصدق تَعْرِيفه) أَي الْإِنْشَاء عَلَيْهِ، وَهُوَ كَلَام لَيْسَ لنسبته خَارج، وَالْجَار وَالْمَجْرُور صلَة الِاسْتِدْلَال (وَانْتِفَاء لَازم الْأَخْبَار) مَعْطُوف على الْمَجْرُور. ثمَّ بَين لَازمه بقوله (من احْتِمَال الصدْق وَالْكذب) عَنهُ لِأَن بِعْت لَيْسَ بأخبار عَن بيع سَابق ليحتملهما، وَإِنَّمَا انْدفع (لِأَن ذَلِك) الِاسْتِدْلَال إِنَّمَا يتم (لَو لم يكن) مَا ذكر من الصِّيَغ (إِخْبَارًا عَمَّا فِي النَّفس) أما إِذا كَانَ إِخْبَارًا عَنهُ فَلَا، إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف الْإِنْشَاء حِينَئِذٍ، وَلَا ينتفى عَنهُ لَازم الْأَخْبَار (وَغَايَة مَا يلْزم) هَذَا القَوْل (أَنه) أَي مَا ذكر من الصِّيَغ (إِخْبَار يعلم صدقه بِخَارِج) عَن نَفسه. ثمَّ صور ذَلِك الْخَارِج فِي الْمِثَال، فَقَالَ (كأخباره بِأَن فِي ذهنه كَذَا) يَعْنِي لما كَانَت النِّسْبَة الخارجية الَّتِي هِيَ مصداق صدق هَذَا الْإِخْبَار أمرا حَاصِلا فِي ذهن الْمخبر أمكن لَهُ الْعلم بمطابقة النِّسْبَة الذهنية الْمَدْلُول عَلَيْهَا بِهِ إِيَّاهَا، والإعلام بهَا لغيره: وَهَذَا لَا يُنَافِي كَونه مُحْتملا للصدق وَالْكذب فِي ذَاته، وَزعم الشَّارِح أَن المُرَاد بِخَارِج هُوَ نفس اللَّفْظ كَقَوْلِه: بِعْت فَإِنَّهُ يُفِيد أَن مَعْنَاهُ قَائِم بِنَفسِهِ فَيعلم صدقه هَذَا كَلَامه، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن بِعْت نفس الْخَبَر الْمَذْكُور فَمَا معنى خُرُوجه، ثمَّ أَنه إِن أَرَادَ بإفادته أَن مَعْنَاهُ قَائِم بِنَفسِهِ دلَالَته عَلَيْهِ فَلَا يعلم بِهِ صدقه لاحْتِمَال الْمُوَاضَعَة والهزل وَغَيرهمَا، وَكَذَا إِن أَرَادَ بهَا استلزامه إِيَّاه بِحَسب التَّحْقِيق، لِأَن الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة لاحتمالهما فَإِن قلت: الشَّرْع يحكم عَلَيْهِ بِمُوجب البيع بِمُجَرَّد قَوْله بِعْت، فَلَو كَانَ مُحْتملا للصدق وَالْكذب لما ألزمهُ بِهِ قلت هَذَا اعْتِبَار لفظ شَرْعِي لصيانة حُقُوق النَّاس، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَونه مُحْتملا لَهما فِي حد ذَاته فَتدبر (وَمَا اسْتدلَّ) أَي اسْتدلَّ بِهِ الإنشائيون من أَنه (لَو كَانَ خَبرا لَكَانَ مَاضِيا) لوضع لَفظه لذَلِك، وَعدم صَارف (وَامْتنع التَّعْلِيق) أَي تَعْلِيقه بِالشّرطِ، لِأَن التَّعْلِيق تَوْقِيف دُخُول أَمر فِي الْوُجُود على دُخُول غَيره فِيهِ، والماضي قد دخل فِيهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِك (مَدْفُوع بِأَنَّهُ مَاض: إِذْ ثَبت فِي ذهن الْقَائِل البيع وَالتَّعْلِيق وَاللَّفْظ) الْمُشْتَمل على تَعْلِيق البيع (إِخْبَار عَنْهُمَا) أَي عَن التَّعْلِيق وَالْبيع الثابتين قبل التَّكَلُّم بِهِ (وألزم امْتنَاع الصدْق) أَي ادّعى أَن صدق هَذَا الْخَبَر مُمْتَنع (لِأَنَّهُ) أَي الصدْق لَا يتَحَقَّق إِلَّا (بالمطابقة) بل هُوَ عين مُطَابقَة مَدْلُول الْخَبَر الْوَاقِع (وَهِي) أَي الْمُطَابقَة لَا تتَصَوَّر إِلَّا (بالتعدد) أَي تعدد طرفِي الْمُطَابقَة: أَحدهمَا النَّفْسِيّ الَّذِي هُوَ مَدْلُول الْكَلَام، وَالْآخر مَا فِي الْوَاقِع (وَلَيْسَ) فِي الْوَاقِع هُنَا شَيْء (إِلَّا مَا فِي النَّفس، وَهُوَ الْمَدْلُول) بِعَيْنِه (فَلَا خَارج) عَن الْمَدْلُول لتغير الْمُطَابقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فَلَا مُطَابقَة فَلَا صدق (وَأجِيب بِثُبُوتِهِ) أَي التَّعَدُّد اعْتِبَارا، وَإِن لم يكن ذاتا (فَمَا فِي النَّفس من حَيْثُ هُوَ مَدْلُول اللَّفْظ غَيره)

أَي غير مَا فِي النَّفس (من حَيْثُ هُوَ فِيهَا) أَي فِي النَّفس (فتطابق المتعدد) وَلَا يخفى عَلَيْك أَن التَّعَدُّد اللَّازِم للمطابقة لَو لم يكن بِالذَّاتِ لم يكن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب اللَّازِم لماهية الْخَبَر: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال يَكْفِي احتمالهما فِي بادئ النّظر نظرا إِلَى التَّعَدُّد الاعتباري فَتَأمل (ومبني هَذَا التَّكَلُّف على أَنه) أَي مَا ذكر من الصِّيَغ (إِخْبَار عَمَّا فِي النَّفس) كَمَا نقل فِي الشَّرْح العضدي وَغَيره (لَكِن الوجدان شَاهد بِأَن الْكَائِن فِيهَا) أَي النَّفس (مَا لم ينْطق لَيْسَ) شَيْئا (غير إِرَادَة البيع لَا يعلم قَوْلهَا) أَي النَّفس: يَعْنِي القَوْل النَّفْسِيّ لَا اللَّفْظِيّ (بِعْتُك) مقول القَوْل الْمَذْكُور (قبله) أَي النُّطْق بِهِ، بل من الْمَعْلُوم عَدمه حِينَئِذٍ (إِنَّمَا ينْطق) النَّفس بِهِ (مَعَه أَي مَعَ بِعْتُك (فَهِيَ) أَي صِيغ الْعُقُود والاسقاطات (إنشاآت) لَفظهَا عِلّة لإيجاد مَعْنَاهَا (ثمَّ ينْحَصر) الْخَبَر (فِي صدق إِن طابق) حكمه (الْوَاقِع) أَي الْخَارِج الْمَذْكُور (وَكذب إِن لَا) يُطَابق، فَلَا وَاسِطَة بَينهمَا، وحصره عَمْرو بن بَحر (الجاحظ فِي ثَلَاثَة): الصَّادِق. والكاذب (الثَّالِث مَالا) أَي لَيْسَ بصادق (وَلَا) كَاذِب (لِأَنَّهُ) أَي الْخَبَر (إِمَّا مُطَابق) للْوَاقِع (مَعَ الِاعْتِقَاد) للمطابقة (أَو) مُطَابق للْوَاقِع مَعَ (عَدمه) أَي عدم الِاعْتِقَاد للمطابقة، وَهَذَا على قسمَيْنِ: أَحدهمَا أَن لَا يعْتَقد الْمُطَابقَة وَلَا عدمهَا، وَالثَّانِي أَن لَا يعْتَقد الْمُطَابقَة ويعتقد عدمهَا (أَو غير مُطَابق) للْوَاقِع (كَذَلِك) أَي مَعَ عدم اعْتِقَاد الْمُطَابقَة، أَو مَعَ عدم اعْتِقَاد عدمهَا. وَقد عرفت أَن الْعَدَم على قسمَيْنِ، فِي المطول تَحْقِيق كَلَامه أَن الْخَبَر إِمَّا مُطَابق للْوَاقِع أَولا، وكل مِنْهُمَا إِمَّا مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق، أَو اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق، أَو بِدُونِ الِاعْتِقَاد: فَهَذِهِ سِتَّة أَقسَام: وَاحِد مِنْهَا صَادِق، وَهُوَ المطابق للْوَاقِع مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق، وَوَاحِد كَاذِب وَهُوَ غير المطابق مَعَ اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق، وَالْبَاقِي لَيْسَ بصادق وَلَا كَاذِب انْتهى (الثَّانِي مِنْهُمَا) أَي من الْقسمَيْنِ، وَهُوَ من الأول المطابق مَعَ عدم اعْتِقَاد الْمُطَابقَة، وَقد عرفت وَجْهي الْعَدَم، وَمن الثَّانِي غير المطابق مَعَ عدم اعْتِقَاد عدم الْمُطَابقَة (لَيْسَ كذبا وَلَا صدقا لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة) عَن الْكفَّار {أفترى على الله كذبا أم بِهِ جنَّة} أَي جُنُون (حصروا) أَي الْكفَّار (قَوْله) أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - {إِذا مزقتم كل ممزق إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد} - (فِي الْكَذِب وَالْجنَّة فَلَا كذب مَعهَا) أَي الْجنَّة، لأَنهم جَعَلُوهُ قسيم الْكَذِب (وَلم يعتقدوا صدقه) وَهُوَ ظَاهر، ثمَّ هم عقلاء عارفون باللغة، فَيجب أَن يكون من الْخَبَر مَا لَيْسَ صَادِقا وَلَا كَاذِبًا حَتَّى لَا يعابوا فِيمَا بَينهم وَبَين غَيرهم (وَالْجَوَاب حصروه) أَي خَبره (فِي الافتراء تعمد الْكَذِب) عطف بَيَان للافتراء (وَالْجنَّة الَّتِي لَا عمد مَعهَا فَهُوَ) أَي حصرهم (فِي كذب عمد و) كذب (غير عمد) أَي نوعيه المتباينين (أَو) حصروا مَا تلفظ بِهِ (فِي تَعَمّده) أَي الْكَذِب (وَعدم

الْخَبَر) لخلوة عَن الْقَصْد والشعور المعتد بِهِ على مَا هُوَ حَال الْمَجْنُون، والخالي عَنهُ لَيْسَ بِكَلَام فضلا عَن كَونه خَبرا (وَقَول عَائِشَة فِي ابْن عمر من رِوَايَة البُخَارِيّ) حَيْثُ روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ ". (مَا كذب وَلكنه وهم) إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل مَاتَ يَهُودِيّا " أَن الْمَيِّت ليعذب وَأَن أَهله ليبكون عَلَيْهِ " حسن صَحِيح (تُرِيدُ) عَائِشَة بِهِ لم يكذب (عمدا، وَقيل) وَالْقَائِل النظام (الصدْق مُطَابقَة الِاعْتِقَاد) وَإِن كَانَ الِاعْتِقَاد غير مُطَابق للْوَاقِع (وَالْكذب عدمهَا) أَي عدم مُطَابقَة الِاعْتِقَاد وَإِن كَانَ مطابقا للْوَاقِع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فالمطابق) للْوَاقِع (كذب إِذا اعْتقد عدمهَا) أَي الْمُطَابقَة وَلَا وَاسِطَة بَين الصدْق وَالْكذب (لقَوْله تَعَالَى: {وَالله يشْهد أَن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ فِي قَوْلهم}: نشْهد أَنَّك لرَسُول الله) فَإِنَّهُ مُطَابق للْوَاقِع دون اعْتِقَادهم (أُجِيب) بِأَن التَّكْذِيب إِنَّمَا هُوَ (فِي) الحكم الْمَفْهُوم من لفظ (الشَّهَادَة) الدَّال على مُوَافقَة اللِّسَان الْقلب (لعدم المواطأة) أَي مُوَافقَة اللِّسَان الْقلب (أَو فِيمَا تضمنته) الشَّهَادَة (من الْعلم) لكَونه إِخْبَارًا عَن مُعَاينَة يلْزمهَا الْعلم، فَقَوله: أشهد بِكَذَا تضمن أَنِّي أقوله عَن علم، أَو المُرَاد أَنهم قوم شَأْنهمْ الْكَذِب وَإِن صدقُوا فِي هَذِه الشَّهَادَة (والموجب لهَذَا) التَّأْوِيل (وَمَا قبله) من تَأْوِيل قَول عَائِشَة (الْقطع من اللُّغَة) أَي الْقطع الْحَاصِل من تتبعها (بالحكم) صلَة الْقطع (بِصدق) صلَة الحكم (قَول الْكَافِر كلمة الْحق) مقول القَوْل، وَالْمرَاد بهَا الْكَلَام كَقَوْلِه: الْإِسْلَام حق لكَونه مطابقا للْوَاقِع مَعَ أَنه لَا يُطَابق اعْتِقَاده، وَمَا ذكره الْفَرِيقَانِ من الظنون، والقطعي لَا يتْرك بهَا: بل الْأَمر بِالْعَكْسِ (وينقسم) الْخَبَر (بِاعْتِبَار آخر) أَي بِاعْتِبَار إفادته الْقطع بصدقه وَعَدَمه (إِلَى مَا يعلم صدقه ضَرُورَة) أَي علما ضَرُورِيًّا إِمَّا بِنَفسِهِ من غير انضمام غَيره إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمُتَوَاتر فَإِنَّهُ بِنَفسِهِ يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ بمضمونه، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ بِأَن يكون مُتَعَلّقه مَعْلُوما لكل أحد من غير نظر، نَحْو الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ (أَو نظرا) أَي علما نظريا (كَخَبَر الله وَرَسُوله) وَأهل الْإِجْمَاع وَخبر من ثَبت بِأَحَدِهِمَا صدقه: بِأَن أخبر الله، أَو رَسُوله، أَو أهل الْإِجْمَاع بصدقه، وَخبر من دلّ الْعقل بالبرهان على صدقه، فَإِن هَذِه كلهَا علم وُقُوع مضمونها بِالنّظرِ، وَالِاسْتِدْلَال: وَهُوَ الْأَدِلَّة القاطعة على صدق الله وَرَسُوله، وعصمة الْأمة عَن الْكَذِب، وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْبَاقِي أَو) مَا يعلم (كذبه بمخالفة ذَلِك) أَي مَا علم صدقه ضَرُورَة أَو نظرا أ (وَمَا يظنّ) فِيهِ (أَحدهمَا) أَي صدقه أَو كذبه (كَخَبَر الْعدْل) لرجحان صدقه على كذبه (والكذوب) أَي الَّذِي اعْتَادَ الْكَذِب لرجحان كذبه على صدقه (أَو) مَا (يتساويان) أَي الاحتمالان فِيهِ (كالمجهول) أَي كَخَبَر مَجْهُول الْحَال بِأَن لم يعلم حَاله فِي الْعَدَالَة وَعدمهَا (وَمَا قيل مَا لم يعلم صدقه

يعلم كذبه) وَإِلَّا لنصب على صدقه دَلِيل (كَخَبَر مدعي الرسَالَة) إِذْ لَو كَانَ صَادِقا دلّ عَلَيْهِ بالمعجزة، وَهَذَا مَذْهَب بعض الظَّاهِرِيَّة (بَاطِل للُزُوم ارْتِفَاع النقيضين فِي أَخْبَار مستورين بنقيضين) من غير دَلِيل على صدق أَحدهمَا للُزُوم كذبهما بِمُوجب مَا قيل ويستلزم اجْتِمَاعهمَا، لِأَن كذب كل نقيض يسْتَلْزم صدق الآخر (وَلُزُوم الحكم بِكفْر كثير من الْمُسلمين) الَّذين حَالهم مَسْتُور من حَيْثُ الْعَدَالَة. وَفِي الشَّرْح العضدي، وَأَيْضًا يلْزم الْعلم بكذب كل شَاهد إِذْ لَا يعلم صدقه وَالْعلم بِكفْر كل مُسلم فِي دَعْوَى إِسْلَامه: إِذْ لَا دَلِيل على مَا فِي بَاطِنه، وَذَلِكَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع والضرورة (بِخِلَاف أهل ظُهُور الْعَدَالَة) من الْمُسلمين: وهم الَّذين ظَاهر حَالهم الْعَدَالَة فَإِنَّهُ لَا يلْزم الحكم بكفرهم إِذْ ادعوا الْإِسْلَام (لِأَنَّهَا) أَي عدالتهم (دَلِيل) يدل على صدقهم فقد نصب عَلَيْهِ دَلِيل وَهَذَا مَبْنِيّ (على أَن يُرَاد بِالْعلمِ الأول) الْمَذْكُور فِي قَوْله مَالا يعلم صدقه يعلم كذبه (الظَّن) لِأَن ظُهُور الْعَدَالَة دَلِيل يُفِيد الْعلم الظني، وَإِذا تحقق الْعلم الظني لم يتَحَقَّق مَضْمُون مَا لم يعلم فَلَا يتَحَقَّق الْعلم بِالْكَذِبِ وَلَا بُد أَن يحمل قَوْلهم على هَذَا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد بِهِ الظَّن بل الْقطع (بَطل خبر الْوَاحِد) لِأَنَّهُ يُفِيد الظَّن، لَا الْقطع فَيدْخل تَحت قَوْلهم: مَا لم يعلم صدقه فَيلْزم كذبه (وَلَا يَقُوله) أَي بطلَان خبر الْوَاحِد المستلزم بطلَان الْعَمَل بِهِ (ظاهري فَلَا يتم إِلْزَام كفر كل مُسلم) كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب لوُجُود الْعلم الظني بصدقه عِنْد ظُهُور عَدَالَته (وَالْحكم بكذب الْمُدَّعِي) الرسَالَة بِلَا معْجزَة (بدليله) أَي دَلِيل التَّكْذِيب لِأَن الرسَالَة عَن الله تَعَالَى على خلاف الْعَادة وَهِي تقضي بكذب من يَدعِي مَا يُخَالِفهَا بِلَا دَلِيل يدل على صدقه، بِخِلَاف الْأَخْبَار عَن الْأُمُور الْمُعْتَادَة، فَإِن الْعَادة لَا تقضي بكذب من يدعيها بِلَا دَلِيل فَالْقِيَاس فَاسد، ثمَّ الحكم بكذب من يَدعِي الرسَالَة بِلَا دَلِيل قَطْعِيّ، وَالصَّحِيح على مَا ذكره السُّبْكِيّ، وَقيل لَا يقطع بكذبه لتجويز الْعقل صدقه، قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغير خَافَ أَن المُرَاد مدعيها قبل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (و) يَنْقَسِم الْخَبَر (بِاعْتِبَار آخر) أَي السَّنَد (إِلَى متواتر وآحاد فالمتواتر) لُغَة المتتابع على التَّرَاخِي، وَاصْطِلَاحا (خبر جمَاعَة يُفِيد الْعلم، لَا بالقرائن الْمُنْفَصِلَة) عَنهُ فبقيد جمَاعَة خرج خبر الْفَرد، وبإفادة الْعلم خبر آحَاد هِيَ جمَاعَة غير أَنه لَا يُفِيد الْعلم، وبنفي الْقَرَائِن الْمُنْفَصِلَة خرج مَا يُفِيد الْعلم من خبر جمَاعَة بِسَبَب دلَالَة الْعقل كإخبارهم بِأَن النَّفْي وَالْإِثْبَات لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان، أَو بِسَبَب مُوَافَقَته لخَبر الله أَو خبر رَسُوله، أَو بِدلَالَة الْحس من مُشَاهدَة حَالهم كَمَا إِذا أخبروا عَن عطشهم وَعَن جوعهم، وآثار ذَلِك مُعَاينَة فيهم، أَو أخبروا عَن موت أَبِيهِم مثلا مَعَ شقّ الْجُيُوب، وَضرب الخدود، والتفجع عَلَيْهِ، وَهَذِه الْقَرَائِن الَّتِي احترزوا عَنْهَا (بِخِلَاف مَا يلْزم) من الْقَرَائِن (نَفسه) أَي نفس الْخَبَر مثل الهيئات الْمُقَارنَة لَهُ، الْمُوجبَة لتحَقّق مضمونه (أَو الْمخبر) مثل كَونه موسوما

بِالصّدقِ مباشرا لِلْأَمْرِ الَّذِي أخبر بِهِ، كَذَا ذكره الشَّارِح. وَفِيه أَن عدم الْمُبَاشرَة من غير الْقَرَائِن الْمُنْفَصِلَة، ومعاينة آثَار الْجُوع والعطش من الْمُنْفَصِلَة لحكم (أَو الْمخبر عَنهُ) أَي الْوَاقِعَة الَّتِي أخبروا عَن وُقُوعهَا ككونها أمرا مترقبا قريب الْوُقُوع، فَإِن حُصُول الْعلم بِمَعْرِِفَة مثل هَذِه الْقَرَائِن لَا يقْدَح فِي التوتر، وَفِي الشَّرْح العضدي أَو الْمخبر بِفَتْح الْبَاء، وَفَسرهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بالسامع الَّذِي ألقِي إِلَيْهِ الْخَبَر وَلم يذكرهُ المُصَنّف، وَلَا يبعد أَنه عده من الْمُنْفَصِلَة (وَعنهُ) أَي عَمَّا ذكر من هَذَا النَّوْع من الْقَرَائِن (يتَفَاوَت عدده) أَي الْمُتَوَاتر كَمَا إِذا كَانَ المخبرون موسومين بِالصّدقِ وَالْعدْل يحصل الْعلم بِإِخْبَار عدد أقل من عدد الموسومين، بِخِلَاف ذَلِك (ومنعت السمنية) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم: فرقة من عَبدة الْأَصْنَام، ذكره الْجَوْهَرِي. وَفِي شرح البديع، وهم طَائِفَة منسوبة إِلَى سومنان بلد مَشْهُور بِالْهِنْدِ، والبراهمة وهم طَائِفَة لَا يجوزون على الله بعثة الرُّسُل (إفادته) أَي الْخَبَر (الْعلم، وَهُوَ) أَي مَنعهم (مُكَابَرَة لأَنا نقطع بِوُجُود نَحْو مَكَّة والأنبياء وَالْخُلَفَاء) بالأخبار المتواترة كَمَا يقطع بالمحسوسات بالإحساس (وتشكيكهم) أَي السمنية فَمَا هُوَ مَبْنِيّ إفادته الْعلم من اتِّفَاق الجم الْغَفِير على خبر وَاحِد (بِأَنَّهُ) أَي الِاجْتِمَاع الْمَذْكُور كاشتهاء الْكل طَعَاما وَاحِدًا. وَفِي بعض النّسخ (كَأَكْل الْكل طَعَاما) وَهُوَ مُمْتَنع (وَأَن الْجَمِيع) أَي وَبِأَن الْجَمِيع مركب (من الْآحَاد، وكل) مِنْهُم (لَا يعلم خَبره) أَي لَا يُفِيد الْعلم (فَكَذَا الْكل) وَإِلَّا يلْزم انقلاب الْمَاهِيّة (وبلزوم تنَاقض المعلومين) المتناقضين (إِذا أخبر جمعان) بلغ كل مِنْهُمَا عدد التَّوَاتُر (كَذَلِك) بِأَن يُفِيد خبر كل مِنْهُمَا الْعلم بِنَفسِهِ (بهما) صلَة أخبر: أَي بذينك المعلومين المتناقضين كَمَا إِذا أخْبرك أَحدهمَا بِمَوْت زيد فِي وَقت معِين وَالْآخر بحياته فِي ذَلِك الْوَقْت (و) يلْزم (صدق الْيَهُود فِي) نقلهم عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام (لَا نَبِي بعدِي). وَقد ثَبت خِلَافه بالأدلة القطعية (و) بِلُزُوم (عدم الْخلاف) فِي إفادته الْعلم بِنَاء على دَعْوَى الضَّرُورَة فِي الْعلم الَّذِي يفِيدهُ (وبأنا نفرق بَينه) أَي بَين الْعلم الَّذِي يفِيدهُ الْمُتَوَاتر (و) بَين (غَيره من الضروريات ضَرُورَة) أَي فرقا بديهيا حَتَّى لَو عرضنَا على أَنْفُسنَا وجود جالينوس، وَكَون الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ وجدنَا الثَّانِي أقرب من الأول بِالضَّرُورَةِ، وَلَو كَانَ الْحَاصِل بالتواتر علما ضَرُورِيًّا لما اخْتلفَا فِي الْجَزْم، لِأَن الِاخْتِلَاف فِيهِ لتطرق احْتِمَال النقيض وَهُوَ غير مُمكن فِيهَا. ثمَّ قَوْله تشكيكهم بِكَذَا وَكَذَا مُبْتَدأ خَبره (تشكيك فِي ضَرُورَة) أَي فِي أَمر بديهي، فَلَا يسْتَحق الْجَواب (وأبعدها) أَي التشكيكات (الأول) وَهُوَ التَّشْبِيه بالِاتِّفَاقِ على أكل طَعَام وَاحِد، إِذْ سَبَب الِاخْتِلَاف فِيهِ اخْتِلَاف الأمزجة والشهوات، وَلم يتَحَقَّق مَا يُوجب الِاخْتِلَاف فِي بعض الْأَخْبَار (وَإِنَّمَا خيل) ذَلِك (فِي الْإِجْمَاع عَن) دَلِيل (ظَنِّي)

كَمَا سَيَأْتِي مَعَ جَوَابه فِي بَاب الْإِجْمَاع (وَاخْتِلَاف حَال الْجُزْء وَالْكل ضَرُورِيّ) أَلا ترى مَا فِي مَجْمُوع طاقات الْحَبل من الْقُوَّة وَمَا فِي طَاقَة أَو طاقتين من الضعْف إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى، وَلَا يلْزم الانقلاب بِسَبَب كَون كل من الْآحَاد غير مُفِيد للْعلم، وَكَون الْكل مُفِيدا لعدم اتِّحَاد مُتَعَلق النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَلم يقل وَالثَّانِي لظُهُوره، وَلقَوْله (وَالثَّالِث) أَي تَوَاتر الْخَبَرَيْنِ المتناقضين (مُمْتَنع) عَادَة وَإِن كَانَ مُمكنا ذاتا (وأخبار الْيَهُود آحَاد الأَصْل) يَكْفِي للمانع احْتِمَال كَونه آحَاد الأَصْل، على أَنه ثَبت بِالنَّقْلِ أَن بخْتنصر قَتلهمْ بِحَيْثُ قلوا وَلم يبْق فيهم عدد التَّوَاتُر. وَقد شَرط فِي التَّوَاتُر اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ وَالْوسط فِي الْكَثْرَة الَّتِي يحصل بهَا التَّوَاتُر، وَهَذَا هُوَ الرَّابِع (وَقد يُخَالف فِي الضَّرُورِيّ مكابر كالسوفسطائية) فَإِن مِنْهُم من يُنكر ثُبُوت حقائق الْأَشْيَاء وَيَقُول أَنَّهَا خيالات بَاطِلَة، وهم العنادية، وَمِنْهُم من يزْعم أَنَّهَا تَابِعَة للاعتقادات لَو اعْتقد المعتقد الْعرض جوهرا وَبِالْعَكْسِ، فَالْأَمْر كَمَا اعْتقد، وهم العندية، وَمِنْهُم من يُنكر الْعلم بِثُبُوت شَيْء وَلَا ثُبُوته وَيَزْعُم أَنه شَاك وشاك فِي أَنه شَاك، وهلم جرا وهم اللاأدرية وَالْحق أَنهم لَا يسْتَحقُّونَ الْجَواب، بل يقتلُون ويضربون، وَيُقَال لَهُم لَا تجزعوا فَإِنَّهُ لَا ثُبُوت لشَيْء، وسوفسطا: اسْم للحكمة المموهة وَالْعلم المزخرف، وَيُقَال سفسط فِي الْكَلَام إِذْ هذى، وَهَذَا الْخَامِس (وَالْفرق) بَين الْعلم الْحَاصِل بالتواتر وَغَيره من الضروريات إِنَّمَا هُوَ (فِي السرعة للِاخْتِلَاف فِي الْجلاء والخفاء) للتفاوت فِي الْألف، وَالْعَادَة، والممارسة، والأخطار بالبال، وتصورات أَطْرَاف الْأَحْكَام (لَا) لاخْتِلَاف (فِي الْقطع) بِوَاسِطَة احْتِمَال النقيض، فَانْتفى التشكيك السَّادِس أَيْضا. (ثمَّ الْجُمْهُور) من الْفُقَهَاء والمتكلمين (على أَن ذَلِك الْعلم ضَرُورِيّ، والكعبي وَأَبُو الْحُسَيْن) قَالَا هُوَ (نَظَرِي وَتوقف الْآمِدِيّ قَالُوا) أَي النظريون (يحْتَاج) الْعلم الْحَاصِل بِهِ (إِلَى المقدمتين) هما (الْمخبر عَنهُ محسوس فَلَا يشْتَبه) بِخِلَاف الْعقلِيّ فَإِنَّهُ قد يشْتَبه كحدوث الْعَالم على الفلاسفة (وَلَا دَاعِي لَهُم) أَي للمخبرين (إِلَى الْكَذِب) من جلب مَنْفَعَة أَو دفع مضرَّة (وكل مَا هُوَ كَذَلِك) أَي محسوس لَا دَاعِي لمخبر بِهِ إِلَى الْكَذِب (صدق) فَهَذَا الْمخبر صدق (قُلْنَا احْتِيَاجه) أَي الْعلم الْحَاصِل بِهِ (إِلَى سبق الْعلم بذلك) أَي المقدمتين وترتيبهما (مَمْنُوع فَإنَّا نعلم علمنَا بِوُجُود بَغْدَاد من غير خطور شَيْء من ذَلِك) بالبال (فَكَانَ) الْعلم الْحَاصِل بِهِ (مخلوقا عِنْده) أَي الْخَبَر الْمُتَوَاتر لسامعه (بِالْعَادَةِ وَإِمْكَان صُورَة التَّرْتِيب) للمقدمتين فِيهِ (لَا يُوجب النظرية لإمكانه) أَي ترتيبهما (فِي أجلى البديهيات كالكل أعظم من جزئه) بِأَن يُقَال للْكُلّ جُزْء آخر، والمركب من الشَّيْء وَغَيره أعظم من ذَلِك الشَّيْء (ومرجع) كَلَام (الْغَزالِيّ) حَيْثُ قَالَ فِي المستقصى الْعلم الْحَاصِل بالتواتر ضَرُورِيّ بِمَعْنى أَنه لَا يحْتَاج إِلَى

الشُّعُور بتوسط وَاسِطَة مفضية إِلَيْهِ مَعَ أَن الْوَاسِطَة حَاضِرَة فِي الذِّهْن وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا بِمَعْنى أَنه حَاصِل من غير وَاسِطَة كَقَوْلِنَا الْمَوْجُود لَا يكون مَعْدُوما فَإِنَّهُ لَا بُد فِيهِ من حُصُول مقدمتين إِحْدَاهمَا أَن هَؤُلَاءِ مَعَ كثرتهم وَاخْتِلَاف أَحْوَالهم لَا يجمعهُمْ على الْكَذِب جَامع. وَالثَّانيَِة أَنهم قد اتَّفقُوا على الْأَخْبَار عَن الْوَاقِعَة، لكنه لَا يفْتَقر إِلَى تَرْتِيب المقدمتين بِلَفْظ منظوم، وَلَا إِلَى الشُّعُور بتوسطهما أَو إفضائهما إِلَيْهِ (إِلَى أَنه) أَي الْخَبَر الْمُتَوَاتر (من قبيل القضايا الَّتِي قياساتها مَعهَا) كالعشرة نصف الْعشْرين (وَظهر) من قَوْلنَا نعلم علمنَا بِوُجُود بَغْدَاد إِلَى آخِره (عَدمه) أَي عدم كَونه من ذَلِك الْقَبِيل (قَالُوا) أَي المنكرون لضرورته (لَو كَانَ ضَرُورِيًّا علم ضروريته بِالضَّرُورَةِ) إِذْ الْعلم ببداهة الْعلم الْحَاصِل بِلَا نظر لَازم (فَلم يخْتَلف فِيهِ) لَكِن اخْتلف فِيهِ فَلَيْسَ ضَرُورِيًّا (قُلْنَا) معَارض بِأَنَّهُ (لَو كَانَ نظريا علم نظريته بِالضَّرُورَةِ) لمثل مَا ذكر (والحل) لمادة الشُّبْهَة (لَا يلْزم من حُصُول الْعلم الضَّرُورِيّ الشُّعُور بِصفتِهِ) الَّتِي هِيَ الضَّرُورَة، لِأَن تصور الْمَوْصُوف لَا يسْتَلْزم تصور الصّفة وَلَا التَّصْدِيق وجود التَّصْدِيق بثبوتها لَهُ (وَلَا يخفى أَنهم) أَي المنكرين للضَّرُورَة (لم يلزموا) المثبتين لَهَا (من الشُّعُور بِهِ) أَي بِالْعلمِ (الشُّعُور بِصفتِهِ) أَي بِصفة الْعلم (بل ألزموا كَون الْعلم بهَا) أَي بِصفتِهِ (ضَرُورِيًّا وَلَا يلْزم من كَونه) أَي الْعلم بهَا (ضَرُورِيًّا الشُّعُور بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا (بل الضَّرُورَة) أَي كَون الشَّيْء ضَرُورِيًّا (لَا تَسْتَلْزِم الْحُصُول) أَي حُصُول ذَلِك الشَّيْء فِي الْعقل وتصوره (بِوَجْه) مَا، لِأَن معنى كَونه ضَرُورِيًّا كَونه بِحَيْثُ لَا يحْتَاج إِلَى نظر (إِذْ يتَوَقَّف) الشُّعُور بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا (على توجه النَّفس وتطبيق مَفْهُوم الضَّرُورِيّ الْمَشْهُور) أَي كَونه لَا يتَوَقَّف على نظر وَكسب (وَلَيْسَ المتوقف على ذَلِك) أَي التَّوَجُّه والتطبيق الْمَذْكُورين (نظريا) وَهُوَ ظَاهر (بل الْجَواب منع انْتِفَاء التَّالِي) فِي قَوْلهم: لَو كَانَ ضَرُورِيًّا علم ضروريته بِالضَّرُورَةِ والتالي: أَي لَكنا لَا نعلم كَونه ضَرُورِيًّا بِالضَّرُورَةِ مُنْتَفٍ فحاصل الْمَنْع أَنا لَا نسلم أَنه لَا نعلم ذَلِك بل هُوَ ضَرُورِيّ، ونعلم ضروريته على تَقْدِير التَّوَجُّه والتطبيق فَلم يخْتَلف (وَقد مر مثله) حَيْثُ قَالَ فِي فصل حجية السّنة ضَرُورِيَّة دينية، وَلَو أورد كَذَا الْحَاصِل ضَرُورَة يلْزمه إِلَى آخِره (وَالْحق أَن الضَّرُورَة لَا توجب عدم الِاخْتِلَاف فقد ينشأ) الِاخْتِلَاف لموجب (لَا من جهل الْمَفْهُوم) جهلا محوجا إِلَى النّظر. وَفِي بعض النّسخ لَا من جِهَة الْمَفْهُوم (بل من الْغَلَط بِظَنّ كل مُتَوَقف) علمه على الْعلم بِشَيْء آخر نظريا، وَهَذَا الظَّن غلط (وَقد انتظم الْجَواب) وَهُوَ قَوْله قَلما احْتِيَاجه إِلَى سبق الْعلم بذلك مَمْنُوع (دَلِيل الْمُخْتَار) وَهُوَ أَنه ضَرُورِيّ: يَعْنِي أَنه لم يذكر

للمختار دَلِيلا على حِدة، لَكِن الْجَواب الْمَذْكُور للرَّدّ على المنكرين صَار دَلِيلا لَهُ، فَقَوله دَلِيل الْمُخْتَار حَال من فَاعل انتظم (وشروط الْمُتَوَاتر) الصَّحِيحَة فِي المخبرين ثَلَاثَة: أَحدهَا (تعدد النقلَة بِحَيْثُ يمْنَع التواطأ عَادَة) على الْكَذِب (و) ثَانِيهَا (الِاسْتِنَاد) فِي إخبارهم (إِلَى الْحس) أَي إِحْدَى الْحَواس الْخمس لَا إِلَى الْعقل لما سبق (وَلَا يشْتَرط) الِاسْتِنَاد إِلَى الْحس (فِي كل وَاحِد). وَفِي الشَّرْح العضدي لِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يكون بعض المخبرين مُقَلدًا فِيهِ أَو ظَانّا أَو مجازفا. وَقَالَ السُّبْكِيّ: وَعِنْدِي هُنَا وَقْفَة (و) ثَالِثهَا (اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ وَالْوسط فِي ذَلِك) التَّعَدُّد والاستناد، لِأَن أهل كل طبقَة بعد الطَّبَقَة الأولى كالأولى فِيمَا يشْتَرط لإِفَادَة الْعلم (وَالْعلم بهَا) أَي بِهَذِهِ الشُّرُوط (شَرط الْعلم) الْحَاصِل (بِهِ) أَي بالْخبر الْمُتَوَاتر (عِنْد من جعله) أَي الْعلم الْمَذْكُور (نظريا) لِأَنَّهُ الطَّرِيق إِلَيْهِ (وَعِنْدنَا) الْعلم بِالشُّرُوطِ (بعده) أَي بعد الْعلم الْحَاصِل بِهِ (عَادَة) يَعْنِي جرت الْعَادة بِأَن هَذَا الْعلم يحصل بعده غَالِبا من غير أَن يكون لَهُ مُوجب عَقْلِي (وَقد لَا يلْتَفت إِلَيْهَا) أَي الشُّرُوط لذهوله عَنْهَا (وَلَا يتَعَيَّن عدد) مَخْصُوص يتَوَقَّف عَلَيْهِ حُصُول التَّوَاتُر (وَقيل) يتَعَيَّن (أقلهم خَمْسَة) لِأَن الْأَرْبَعَة بَيِّنَة شَرْعِيَّة فِي الزِّنَا يجب تزكيتهم لإِفَادَة خبرهم الظَّن بِالْإِجْمَاع، إِذْ لَو أفادت الْعلم لما احْتَاجَت إِلَى التَّزْكِيَة (و) قيل أقلهم (اثْنَا عشر) كعدد نقباء بني إِسْرَائِيل المبعوثين طَلِيعَة إِلَى الْجَبَابِرَة والكنعانيين بِالشَّام، وَإِنَّمَا كَانَ اخْتِيَار هَذَا الْعدَد لإِفَادَة الْعلم (و) قيل (وَعِشْرُونَ) لقَوْله تَعَالَى - {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ} - الْآيَة (و) قيل (أَرْبَعُونَ) لقَوْله تَعَالَى - {حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} - وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رجلا كَلمهمْ عمر رَضِي الله عَنهُ وَلَا يخفى مَا فِي الِاسْتِدْلَال بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ (و) قيل (سَبْعُونَ) لقَوْله تَعَالَى - {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا} - أَي للاعتذار إِلَيْهِ من عبَادَة الْعجل وسماعهم كَلَامه من أَمر وَنهي ليخبروا قَومهمْ بِمَا يسمعونه، وَكَانَ اخْتِيَار هَذَا الْعدَد لإِفَادَة الْعلم، وَذكر الشَّارِح أقوالا أخر تَركهَا المُصَنّف، وَقد أحسن فِيهِ فتركناه (و) قيل (مَا لَا يُحْصى وَمَا لَا يحصرهم بلد) فَيمْتَنع تواطؤهم على الْكَذِب، وَالْكل غير صَحِيح (وَالْحق عَدمه) أَي عدم تعْيين عدد مَخْصُوص (لقطعنا بقطعنا بمضمونه) أَي الْخَبَر الْمُتَوَاتر (بِلَا علم مُتَقَدم بِعَدَد) مَخْصُوص، وَإِنَّمَا قيد الْعلم الْمَنْفِيّ بِوَصْف التَّقَدُّم بِنَاء (على النظرية) أَي على قَول الْقَائِلين بِأَنَّهُ يُفِيد علما نظريا، فَإِنَّهُم يعتبرون فِي طَرِيق ذَلِك الْعلم بِالْعدَدِ الْمَخْصُوص، هَكَذَا هَذَا خبر أخبرهُ عدد كَذَا، وكل مَا يكون كَذَلِك صدقا لِامْتِنَاع تواطؤ هَذَا الْعدَد على الْكَذِب (وَلَا) علم (مُتَأَخّر) بِعَدَد مَخْصُوص بِنَاء (على) قَول (الضرورية) أَي الْقَائِلين بِأَنَّهُ يُفِيد علما ضَرُورِيًّا، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ أَن الْعلم بِعَدَد المخبرين

بِحَيْثُ يمْنَع التواطؤ عَادَة كَمَا مر آنِفا يحصل عَادَة بعد حُصُول الْعلم بمضمون الْخَبَر، وَيرد عَلَيْهِ أَن حَاصِل هَذَا التَّعْلِيل عدم لُزُوم الْعلم بِعَدَد مَخْصُوص مُتَقَدما ومتأخراً لَا عدم تعين عدد مَخْصُوص فِي نفس الْأَمر، وَقَوله وَالْحق عَدمه يدل على هَذَا وَالْجَوَاب أَن الْعلم بِالْعدَدِ الْمَخْصُوص إِذا لم يتَوَقَّف عَلَيْهِ إِفَادَة الْخَبَر الْمُتَوَاتر الْعلم، وَلَا يلْزم حُصُوله بهَا بعْدهَا، فَمن أَيْن يعلم توقفها على نفس ذَلِك الْعدَد، على أَنه يدل على نفي توقفها عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر قَوْله (وللعلم باختلافه) أَي اخْتِلَاف حَال الْخَبَر الْمُتَوَاتر بِاعْتِبَار الْعدَد (بِحُصُول الْعلم مَعَ عدد) خَاص (فِي مَادَّة وَعَدَمه) أَي عدم حُصُوله (فِي) مَادَّة (أُخْرَى مَعَ) عدد (مثله) أَي مثل ذَلِك الْعدَد الْخَاص، فَلَو كَانَ الْمدَار خُصُوص الْعدَد كَانَ يحصل الْعلم فِي الْمَادَّة الْأُخْرَى أَيْضا، وَقد يُقَال تعين الْعدَد الْخَاص لَيْسَ بِمَعْنى كَونه مناطا للعدم بل بِمَعْنى كَونه شرطا لَهُ فَيجوز أَن يكون عدم حُصُول الْعلم فِي الْمَادَّة الْأُخْرَى لفَوَات شَرط آخر فَتَأمل (فَبَطل) بِهَذَا (قَول أبي الْحُسَيْن وَالْقَاضِي: كل خبر عدد أَفَادَ علما) بمضمونه لشخص (فَمثله) أَي فَمثل ذَلِك الْخَبَر بِاعْتِبَار عدده (يفِيدهُ) أَي علما بمضمونه (فِي غَيره) أَي غير ذَلِك الشَّخْص، لزعمهما أَن منَاط إِفَادَة الأول للْعلم إِنَّمَا هُوَ الْعدَد الْخَاص، والاشتراك فِي المناط يسْتَلْزم الِاشْتِرَاك فِي الحكم، ثمَّ بَين منشأ اخْتِلَاف حَاله بقوله (للِاخْتِلَاف فِي لَوَازِم مَضْمُون الْخَبَر من قربه) أَي قرب الْخَبَر من وَقت وُقُوع الْمَضْمُون (وَبعده) عَنهُ (وأطرافه) أَي الْخَبَر أَو الْمَضْمُون: يَعْنِي الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة والقرائن الدَّالَّة على الْوُقُوع، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد الْمخبر عَنهُ وَبِه (وَمن ممارسة المخبرين) يُقَال مارسه: أَي عالجه وزاوله، وَالْمرَاد كَمَال اطلاعهم (بمضمونه وَالْعلم) أَي علم السَّامع (بأمانتهم وضبطهم وَحسن إِدْرَاك المستمعين) وَقد عرفت مِمَّا سبق أَن هَذِه الْأُمُور مِمَّا يلْزم نفس الْخَبَر أَو الْمخبر أَو الْمخبر عَنهُ وَلَيْسَت من الْقَرَائِن الْمُنْفَصِلَة الَّتِي احْتَرز عَنْهَا فِي تَعْرِيف الْمُتَوَاتر (إِلَّا أَن يُرَاد مَعَ التَّسَاوِي) اسْتثِْنَاء من عُمُوم قَول أبي الْحُسَيْن وَالْقَاضِي بِاعْتِبَار حكم الْبطلَان: يَعْنِي أَن حكمهمَا بِكَوْن الْمثل مشاركا لما هُوَ مثل لَهُ فِي الإفادة للْعلم على الْإِطْلَاق بَاطِل إِلَّا أَن يُرَاد كَون الْخَبَرَيْنِ مماثلين فِي الْعدَد منع التَّسَاوِي بَينهمَا فِي ذاتيتهما ومخبريهما من كل وَجه، فَإِن كَانَ المُرَاد هَذَا (فَصَحِيح) حِينَئِذٍ قَوْلهمَا، لَكِن التَّسَاوِي من كل الْوُجُوه (بعيد) جدا لعدم مثل هَذَا التَّسَاوِي عَادَة (وَفِي الْوُقُوع) مَعْطُوف على قَوْله فِي لَوَازِم، يَعْنِي أَن الِاخْتِلَاف كَمَا هُوَ ثَابت بِاعْتِبَار اللوازم، وَذَلِكَ يُفِيد معقولية الِاخْتِلَاف فِي إِفَادَة الْعلم كَذَلِك ثَابت بِاعْتِبَار الْوُقُوع كَمَا أَفَادَهُ بقوله بِحُصُول الْعلم مَعَ عدد فِي مَادَّة وَعَدَمه فِي أُخْرَى مَعَ عدد مثله وَذَلِكَ يُفِيد إِجْمَالا أَن لَهُ مُوجبا فِي نفس الْأَمر (وَأما شُرُوط الْعَدَالَة وَالْإِسْلَام كَيْلا يلْزم تَوَاتر) خبر (النَّصَارَى بقتل الْمَسِيح) وَهُوَ بَاطِل بقوله تَعَالَى - {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه} -

وَإِجْمَاع الْمُسلمين (فساقط كشروط الْيَهُود أهل الذلة) أَي وجود أهل الذلة والمسكنة فِي المخبرين (لخوفهم المواطأة) على الْكَذِب إِذا لم يكن فيهم هَؤُلَاءِ بِأَن كَانَ الْكل من الأكابر لعدم خوفهم من الْمُؤَاخَذَة على الْكَذِب لعزتهم وجاههم، وَقد يُقَال وجود الأذلة بَين المخبرين يُورث وَهنا فِي الْخَبَر لاحْتِمَال أَن يكون إخبارهم لتبعية الأكابر كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد من حَالهم، أما سُقُوط الأول فلعدم تحقق الشَّرْط الْمُتَّفق عَلَيْهِ: وَهُوَ اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ وَالْوسط فِي الْعدَد (وخبرهم آحَاد الأَصْل) لأَنهم كَانُوا قليلين فِي ابْتِدَاء أَمرهم جدا، وَقد يُقَال سُقُوطه لِأَن الْمَسِيح شبه لَهُم فَقَتَلُوهُ بِنَاء على اعْتِقَادهم أَنه هُوَ كَمَا قَالَ - {وَلَكِن شبه لَهُم} - وَأما سُقُوط الثَّانِي فَلَمَّا ذكرنَا، ولحصول الْعلم بِإِخْبَار العظماء إِذا كَانَ عَددهمْ بِحَيْثُ يَسْتَحِيل تواطؤهم على الْكَذِب عَادَة فَلَا يضر بعد ذَلِك عدم وجود الأذلة (وينقسم) الْمُتَوَاتر (إِلَى مَا يُفِيد الْعلم بموضوع) صلَة الْعلم: أَي بِمَعْنى مَدْلُول عَلَيْهِ بِوَاسِطَة الْوَضع مُطَابقَة أَو تضمنا أَو التزاما (فِي أَخْبَار الْآحَاد) وَفِي بعض النّسخ الْعدَد بدل الْآحَاد، وَمثل الشَّارِح الْمَوْضُوع بالأمكنة النائية والأمم الخالية، وَلَا يظْهر وَجه التَّسْمِيَة بموضوع وَلَا يُنَاسِبه قَوْله (وَغير مَوْضُوع فِي شَيْء مِنْهَا) أَي أَخْبَار الْآحَاد (بل يعلم) هَذَا الَّذِي هُوَ غير مَوْضُوع فِي شَيْء مِنْهَا للسامع (عِنْدهَا) أَي الْأَخْبَار الْمَذْكُورَة (بِالْعَادَةِ كأخبار عَليّ) رَضِي الله عَنهُ فِي الحروب (وَعبد الله بن جَعْفَر) فِي الْعَطاء (يحصل عِنْدهَا) أَي أخبارهما (يدل على السجية) أَي الملكة النفسية: يَعْنِي الشجَاعَة والسخاء (ضمنا إِذْ لَيْسَ الْجُود جُزْء مَفْهُوم إِعْطَاء آلَاف، وَلَا الشجَاعَة جُزْء مَفْهُوم قتل آحَاد مخصوصين) لِأَن الشجَاعَة ملكة نفسانية تَقْتَضِي اعْتِدَال الْقُوَّة الغضبية (وَلَا) يدل على السجية (التزاما إِلَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ) للالتزام (لجَوَاز تعقل قَائِل ألفا بِلَا خطور معنى الشجَاعَة) تَعْلِيل لنفي دلَالَة الِالْتِزَام بِالْمَعْنَى الْأَخَص، وَهُوَ كَون الدَّال بِحَيْثُ يلْزم من تعقله تعقل الْمَدْلُول، وَأما وجود دلَالَة الِالْتِزَام بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ فَلِأَنَّهُ إِذا تصور مُقَابلَة الْألف وَمَفْهُوم الشجَاعَة وَطلب الْمُلَازمَة بَينهمَا حكم بهَا، فِي الشَّرْح العضدي إِذا كثرت الْأَخْبَار فِي الوقائع وَاخْتلفت فِيهَا لَكِن كل وَاحِد مِنْهَا يشْتَمل على معنى مُشْتَرك بَينهَا بِجِهَة التضمن أَو الِالْتِزَام حصل الْعلم بِالْقدرِ الْمُشْتَرك وَيُسمى الْمُتَوَاتر من جِهَة الْمَعْنى، وَذَلِكَ كوقائع حَاتِم فِيمَا يحْكى من عطاياه من فرس وابل وَعين وثوب فَإِنَّهَا تَتَضَمَّن جوده فَيعلم، وَإِن لم يعلم شَيْء من تِلْكَ القضايا بِعَيْنِه، وكوقائع عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي حروبه أَنه هدم فِي خَيْبَر كَذَا وَفعل فِي أحد كَذَا إِلَى غير ذَلِك، فَإِنَّهُ يدل بالالتزام على شجاعته وَقد تَوَاتر مِنْهُ ذَلِك وَأَن كَانَ شَيْء من تِلْكَ الوقائع لم يبلغ دَرَجَة الْقطع انْتهى. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ قَوْله فَإِنَّهَا تَتَضَمَّن جوده يُشِير إِلَى أَن الأول مِثَال للتضمن،

وَالثَّانِي للالتزام، أما الِالْتِزَام فَظَاهر، وَأما التضمن فَلِأَن الْجُود لما كَانَ إِفَادَة مَا يَنْبَغِي لَا لعوض كَانَ جُزْءا من كل إِعْطَاء مَخْصُوص، وَهَذَا بِالنّظرِ إِلَى الظَّاهِر، وَإِلَّا فالجود صفة فِي النَّفس هِيَ مبدأ تِلْكَ الإفادة انْتهى (فَمَا قيل) وَالْقَائِل ابْن الْحَاجِب إِذا اخْتلف الْمُتَوَاتر فِي الوقائع (الْمَعْلُوم مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ بتضمن أَو الْتِزَام تساهل) إِذْ قد عرفت أَنه لَيْسَ فِي الْقسم الثَّانِي تضمن وَلَا الْتِزَام، وَفِي الْقسم الأول تتَحَقَّق الدلالات الثَّلَاث، لَكِن قد يُرَاد بالالتزام الْمَعْنى الْأَعَمّ (وَأما الْآحَاد فخبر لَا يُفِيد بِنَفسِهِ الْعلم) سَوَاء لم يفد أصلا أَو يفِيدهُ بالقرائن الْمُنْفَصِلَة، فَلَا وَاسِطَة بَين الْمُتَوَاتر وَخبر الْآحَاد، وَهَذَا التَّعْرِيف لَا يتم على قَول أَحْمد: خبر الْوَاحِد يُفِيد الْعلم بِنَفسِهِ مطردا، وعَلى قَول بَعضهم يُفِيد غير مطرد وَسَيَأْتِي (وَقيل مَا يُفِيد الظَّن، وَاعْترض بِمَا لم يفده، وَدفع بِأَنَّهُ) أَي الْخَبَر الَّذِي لم يفده (لَا يُرَاد) دُخُوله فِي التَّعْرِيف لِأَنَّهُ غير دَاخل فِي الْمَحْدُود (إِذْ لَا يثبت بِهِ) أَي بِمَا لم يفده (حكم) وَالْمرَاد مَا يُفِيد الحكم وَهل هَذَا يثبت الْوَاسِطَة (وَلَيْسَ) هَذَا الدّفع بِشَيْء (إِذْ ثَبت بالضعيف) أَي بِالْحَدِيثِ الَّذِي ضعفه (بِغَيْر وضع) أَي كذب (الْفَضَائِل وَهُوَ النّدب) وَهُوَ حكم شَرْعِي، وَقد يُقَال: إِذا ثَبت النّدب لزمَه إِفَادَة الظَّن، وَالْكَلَام فِيمَا لَا يفِيدهُ فَلْيَكُن مَادَّة النَّقْض الْخَبَر الْمَوْضُوع، وَحَاصِل الدّفع تَقْيِيد الْمَحْدُود بِمَا يثبت الحكم، وَقد يُقَال ثُبُوت الْفَضَائِل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف لَا يسْتَلْزم إفادته الظَّن، كَيفَ وإفادة الظَّن وَظِيفَة الصَّحِيح وَالْحسن، بل ثُبُوت مندوبية الْعَمَل بالضعيف: أَي بمضمونه إِنَّمَا هُوَ لرعاية الِاحْتِمَال الْمَرْجُوح أَو الْمسَاوِي رَغْبَة فِي الطَّاعَة وَعدم الْمَانِع عَن الْعَمَل بِهِ لإباحته الْأَصْلِيَّة (وَمِنْه) أَي خبر الْآحَاد (قسم يُسمى المستفيض) وَهُوَ (مَا رَوَاهُ ثَلَاثَة فَصَاعِدا أَو مَا زَاد عَلَيْهَا) أَي الثَّلَاثَة، وَالْمرَاد مَا لم ينْتَه إِلَى التَّوَاتُر، تَركه لظُهُوره بِقَرِينَة التقابل وَغَيره. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: أقل مَا يثبت بِهِ الاستفاضة اثْنَان. وَقَالَ السُّبْكِيّ وَالْمُخْتَار عندنَا أَن المستفيض مَا يعده النَّاس شَائِعا وَقد صدر عَن أصل (وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا (الْخَبَر متواتر وآحاد ومشهور وَهُوَ) أَي الْمَشْهُور (مَا كَانَ آحَاد الأَصْل متواترا فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث فبينه) أَي الْمَشْهُور (وَبَين المستفيض عُمُوم من وَجه) لصدقهما على مَا رَوَاهُ الثَّلَاثَة فَصَاعِدا مَا لم يتواتر فِي الْقرن الأول ثمَّ تَوَاتر فِي أحد القرنين وانفراد المستفيض إِذا لم ينْتَه فِي أَحدهمَا إِلَى التَّوَاتُر وانفراد الْمَشْهُور فِيمَا رَوَاهُ وَاحِد أَو اثْنَان فِي الأَصْل ثمَّ تَوَاتر فِي الثَّانِي أَو الثَّالِث (وَهُوَ) أَي الْمَشْهُور (قسم من الْمُتَوَاتر عِنْد الْجَصَّاص) فِي جمَاعَة من الْحَنَفِيَّة (وعامتهم) أَي الْحَنَفِيَّة على أَن الْمَشْهُور (قسيم) للمتواتر (فالآحاد مَا لَيْسَ أَحدهمَا) أَي الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور (والمتواتر عِنْده) أَي الْجَصَّاص (مَا أَفَادَ الْعلم بمضمون الْخَبَر ضَرُورَة أَو نظرا وَهُوَ) أَي مُفِيد الْعلم بمضمونه نظرا (الْمَشْهُور وعَلى هَذَا)

أَي أَن الْمَشْهُور يُفِيد الْعلم نظرا (قيل) الْجَصَّاص (يكفر) جاحده (بجحده)، وعامتهم لَا يكفرونه، وَالْقَائِل صدر الشَّرِيعَة (وَالْحق الِاتِّفَاق على عَدمه) أَي الإكفار كَمَا نَص السَّرخسِيّ (لآحادية أَصله فَلم يكن) جَحده (تَكْذِيبًا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام، بل ضَلَالَة لتخطئة الْمُجْتَهدين) فِي الْقبُول وَاتِّبَاع مُوجبه (وَلِأَن الإفادة) للْعلم (إِذا كَانَت نظرية توقفت عَلَيْهِ) أَي النّظر (وَقد يعجز عَنهُ) النّظر (أَو يذهل عَنهُ، وَحَاصِل ذَلِك النّظر) فِي الْعلم المفاد بالمشهور على قَوْله ثُبُوت (الْإِجْمَاع الْمُتَأَخر) على (أَنه) أَي الْمَشْهُور (صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيلْزم الْقطع بِهِ) أَي الْمَشْهُور (قُلْنَا اللَّازِم) من تلقيهم بِالْقبُولِ (الْقطع بِصِحَّة الرِّوَايَة) لَهُ (بِمَعْنى اجْتِمَاع شَرَائِط الْقبُول لَا الْقطع بِأَنَّهُ) أَي الْمَشْهُور (قَالَه) أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَلَو كَانَ) الْإِجْمَاع الْمُتَأَخر (على) وجوب (الْعَمَل بِهِ) أَي الْمَشْهُور (فَكَذَلِك) أَي لَا يكفر جاحده (لما ذكرنَا من معنى الخفاء) الْمُوجب للعجز أَو الذهول فِي الْبَعْض بِخِلَاف الْمُتَوَاتر فَإِنَّهُ كالمسموع مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتكذيبه كفر (ثمَّ يُوجب) الْمَشْهُور عِنْد عَامَّة الْحَنَفِيَّة (ظنا فَوق) ظن الْخَبَر (الْآحَاد قَرِيبا من الْيَقِين) وَهُوَ مَا سَمَّاهُ الْقَوْم علم طمأنينة لاطمئنان النَّفس وتوطينها وتسكيها عَن مزاجة احْتِمَال النقيض (لمقولية الظَّن) على أَفْرَاده (بالتشكيك) فبعضها أقوى من الْبَعْض (فَوَجَبَ تَقْيِيد مُطلق الْكتاب بِهِ) أَي الْمَشْهُور (كتقييد) مُطلق (آيَة جلد الزَّانِي) الشَّامِل للمحصن وَغَيره (بِكَوْنِهِ) أَي الزَّانِي (غير مُحصن برجم مَاعِز) أَي بِدَلِيل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم ماعزا من غير جلد كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا (وَقَوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الثّيّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة " (ورجم بِالْحِجَارَةِ) ذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَن هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ وَلَا يجمع بَين الْجلد وَالرَّجم، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَرِوَايَة عَن أَحْمد وَيجمع فِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ، وَأهل الظَّاهِر كَذَلِك، ثمَّ إِن النّسخ إِنَّمَا هُوَ للْجمع بَينهمَا، وأصل الرَّجْم لَيْسَ بمنسوخ فيصلح مُقَيّدا (و) تَقْيِيد مُطلق (صَوْم كَفَّارَة الْيَمين) الشَّامِل للتتابع وَغَيره (بالتتابع بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود) فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات كَمَا مر (لشهرتها) أَي قِرَاءَته (فِي الصَّدْر الأول، وَهُوَ) أَي الشُّهْرَة فِيهِ (الشَّرْط) فِي وجوب تَقْيِيد الْكتاب بِهِ (و) تَقْيِيد (آيَة غسل الرجل) فِي الْوضُوء (بِعَدَمِ التخفف) أَي لبس الْخُف (بِحَدِيث الْمسْح) على الْخُف الْمخْرج فِي الصِّحَاح وَالسّنَن وَالْمَسَانِيد وَغَيرهَا (إِن لم يكن متواترا) قَالَ أَبُو حنيفَة: من أنكر الْمسْح على الْخُفَّيْنِ يخَاف عَلَيْهِ الْكفْر، فَإِنَّهُ ورد فِيهِ من الْأَخْبَار مَا يشبه الْمُتَوَاتر. وَقَالَ أَبُو يُوسُف خبر الْمسْح يجوز نسخ الْكتاب بِهِ لشهرته، وَقد نَص ابْن عبد الْبر على أَنه متواتر، وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ. قَالَ الْكَرْخِي أثبتنا الْكفْر على من لَا يرى الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.

فصل في شرائط الراوي منها كونه بالغا حين الأداء

(فصل: فِي شَرَائِط الرَّاوِي. مِنْهَا كَونه بَالغا حِين الْأَدَاء) وَإِن لم يكن بَالغا وَقت التَّحَمُّل (لإنفاقهم) أَي الصَّحَابَة وَغَيرهم (على) قبُول رِوَايَة (ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير والنعمان ابْن بشير وَأنس بِلَا استسفار) عَن الْوَقْت الَّذِي تحملوا فِيهِ مَا يَرْوُونَهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. جَاءَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ مَا يدل على أَن ابْن عَبَّاس أدْرك فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير أَنه تحمل صَغِيرا وَأدّى كَبِيرا، فقد قيل لَهُ أشهدت الْعِيد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ نعم، وَلَوْلَا مَكَاني مِنْهُ مَا شهدته من الصغر، رَوَاهُ البُخَارِيّ، توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسن ابْن الزبير والنعمان دون الْعشْر، وَاتفقَ أهل السبر وَالْأَخْبَار وَمن صنف أَن ابْن الزبير أول مَوْلُود فِي الْإِسْلَام فِي الْمَدِينَة من قُرَيْش، ولد فِي السّنة الثَّانِيَة، والنعمان من أقرانه، وَهُوَ أول مَوْلُود فِي الْأَنْصَار بعد الْهِجْرَة، وَأما أنس فَكَانَ ابْن عشر سِنِين لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وعرضته أمه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخدمته فَقبله، وَتُوفِّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن عشْرين سنة. وَقد روى لَهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألفا حَدِيث وَمِائَتَا حَدِيث وَسِتَّة وَثَمَانُونَ حَدِيثا (فَبَطل الْمَنْع) أَي منع قبُوله لكَون الصغر مَظَنَّة عدم الضَّبْط والتحرير. (وَأما إسماعهم الصّبيان) للْحَدِيث كَمَا جرت بِهِ عَادَة السّلف وَالْخلف (فَغير مُسْتَلْزم) قبُول رِوَايَته بعد الْبلُوغ أَلْبَتَّة، لجَوَاز أَن يكون ذَلِك للتبرك (وَقبل الْمُرَاهق شذوذ مَعَ تحكيم الرَّأْي) فَإِذا وَقع فِي ظن السَّامع صدقه قبل رِوَايَته فِي الْمُعَامَلَات والديانات (قُلْنَا: الْمُعْتَمد الصَّحَابَة وَلم يرجِعوا إِلَيْهِ) أَي الصَّحَابَة إِلَى الْمُرَاهق (واعتماد أهل قبَاء على أنس أَو ابْن عمر لسن الْبلُوغ) هَذَا جَوَاب شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ عَن الْقَائِلين بِقبُول رِوَايَة الصَّبِي فِي بَاب الدّين بِحَدِيث أهل قبَاء حَيْثُ قَالُوا أَن عبد الله بن عمر أَتَاهُم وَأخْبرهمْ بتحويل الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة وهم كَانُوا فِي الصَّلَاة فاستداروا كَهَيْئَتِهِمْ، وَكَانَ يَوْمئِذٍ صَغِيرا لِأَنَّهُ عرض عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة سنة، وتحويل الْقبْلَة كَانَ قبل بدر بشهرين، فقد اعتمدوا خَبره فِيمَا لَا يجوز الْعَمَل بِهِ إِلَّا بِعلم، وَهُوَ الصَّلَاة وَلم يُنكر عَلَيْهِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: وَلَكنَّا نقُول أَن الَّذِي أَتَاهُم أنس بن مَالك، وَقد روى أَنه عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ فَإنَّا نحمل على أَنَّهُمَا جَاءَ أَحدهمَا بعد الآخر وأخبرا بذلك، فَإِنَّمَا تحولوا معتمدين على رِوَايَة الْبَالِغ وَهُوَ أنس، أَو ابْن عمر كَانَ بَالغا يَوْمئِذٍ، وَإِنَّمَا رده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لضعف بنيته، لَا لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرا انْتهى. وَقَالَ الْأَتْقَانِيّ: أَن الْمخبر لم يكن ابْن عمر، وَإِنَّمَا هُوَ رَاوِي أخباره، وَأَنه عرض يَوْم أحد وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة سنة، وَلم يجزه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعرض يَوْم الخَنْدَق وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة فَأَجَازَهُ: ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَأَن تَحْويل الْقبْلَة كَانَ بعد الْهِجْرَة لسِتَّة

عشر شهرا أَو سَبْعَة عشر، وأنسا كَانَ ابْن عشر سِنِين فَكيف كَانَ بَالغا، وَأحد كَانَت فِي شَوَّال سنة ثَلَاث، فعمره ثَلَاث عشرَة سنة، وَابْن عمر كَانَ يَوْمئِذٍ ابْن أَربع عشرَة سنة فَهُوَ أكبر من أنس بِسنة، لَا بِالْعَكْسِ (و) ذكر (المحدثون) أَن الَّذِي أَتَاهُم (عباد بن نهيك بن إساف) الشَّاعِر (وَهُوَ شيخ) كَبِير وضع عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَزْو، وَهُوَ الَّذِي صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر رَكْعَتَيْنِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَرَكْعَتَيْنِ إِلَى الْكَعْبَة، ثمَّ أَتَى قومه بني حَارِثَة وهم رُكُوع فِي صَلَاة الْعَصْر فَأخْبرهُم بتحويل الْقبْلَة فاستداروا إِلَى الْكَعْبَة. قَالَ الشَّارِح: حَكَاهُ المُصَنّف، وَقيل عباد بن بشر بن قيظي الأشْهَلِي: ذكره الفاكهي فِي أَخْبَار مَكَّة. قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ الْعَسْقَلَانِي: وَهَذَا أرجح، رَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة وَغَيره انْتهى. وَالَّذِي فِي صَحِيح البُخَارِيّ من رِوَايَة الْبَراء بن عَازِب أَن الرجل الْمُبْهم صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَصْر فَمر على أهل الْمَسْجِد وهم رَاكِعُونَ، وَفِي الشَّرْح فِيهِ زِيَادَة تَفْصِيل، وَحكى النَّوَوِيّ عَن الْجُمْهُور قبُول إِخْبَار الصَّبِي الْمُمَيز فِيمَا طَرِيقه الْمُشَاهدَة، بِخِلَاف مَا طَرِيقه النَّقْل كالإفتاء وَرِوَايَة الْأَخْبَار وَنَحْوه (وَالْمَعْتُوه كَالصَّبِيِّ) فِي حكمه لاشْتِرَاكهمَا فِي نُقْصَان الْعقل، وَرُبمَا يكون الصَّبِي أَعقل من الْبَالِغ، بِخِلَاف الْمَعْتُوه (ثمَّ قيل سنّ التَّحَمُّل خمس). قَالَ ابْن الصّلاح: هُوَ الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ عمل أهل الحَدِيث الْمُتَأَخِّرين (لعقلية مَحْمُود المجة) حَال كَونه (ابْن خمس) والْحَدِيث (فِي البُخَارِيّ) روى عَن مَحْمُود بن الرّبيع قَالَ: عقلت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مجة مجها فِي وَجْهي وَأَنا ابْن خمس سِنِين (أَو) ابْن (أَربع). والمجة الْوَاحِدَة من المج: وَهُوَ إرْسَال المَاء من الْفَم مَعَ النفخ، وَقيل: لَا يكون مجا حَتَّى يتباعد بِهِ. (وَقيل) أقل سنّ التَّحَمُّل (أَربع لذَلِك) أَي لكَون سنّ مَحْمُود الْمَذْكُور أَرْبعا (ولتسمع ابْن اللبان) أَي تسميع أبي بكر الْمقري للْقَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن اللبان الْأَصْفَهَانِي وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين. قَالَ ابْن الصّلاح: بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي قَالَ: رَأَيْت صَبيا ابْن أَربع سِنِين وَقد حمل إِلَى الْمَأْمُون قد قَرَأَ الْقُرْآن وَنظر فِي الرَّأْي غير أَنه إِذا جَاع يبكي. وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فروينا عَن الْخَطِيب قَالَ سمعته يَقُول: حفظت الْقُرْآن ولي خمس سِنِين، وأحضرت عِنْد أبي بكر بن الْمقري ولي أَربع سِنِين، فأرادوا أَن يسمعوا لي فِيمَا حضرت قِرَاءَته فَقَالَ بَعضهم أَنه يصغر عَن السماع، فَقَالَ لي ابْن الْمقري: اقْرَأ سُورَة الْكَافِرُونَ فقرأتها: فَقَالَ: اقْرَأ سُورَة التكوير فقرأتها، فَقَالَ لي غَيره: اقْرَأ سُورَة المرسلات فقرأتها، فَقَالَ ابْن الْمقري: سمعُوا لَهُ والعهدة عَليّ (وَصحح عدم التَّقْدِير، بل) المناط فِي الصِّحَّة (الْفَهم، وَالْجَوَاب) فَإِذا فهم الْخطاب ورد الْجَواب كَانَ سَمَاعه صَحِيحا، وَإِن كَانَ ابْن أقل من خمس وَإِلَّا لم يَصح، وَأَن

زَاد عَلَيْهَا وَمَا ذَاك إِلَّا (للِاخْتِلَاف) أَي اخْتِلَاف الصّبيان، بل النَّاس فِي فهم الْخطاب ورد الْجَواب، فَلَا يتَقَيَّد بسن (وَحفظ المجة، وَإِدْرَاك ابْن اللبان لَا يطرد) بِأَن يحصل كل من الْحِفْظ والإدراك لكل من أدْرك ذَلِك السن (وَهَذَا) أَي كَون الصَّحِيح عدم التَّقْدِير بسن خَاص (يُوقف الحكم بِقبُول من علم سَمَاعه صَبيا على معرفَة حَاله فِي صباه) فَإِن علم أَنه كَانَ بِحَيْثُ يفهم الْخطاب وَيرد الْجَواب تقبل رِوَايَته، وَإِلَّا فَلَا (أما مَعَ عدمهَا) أَي معرفَة حَاله (فَيجب اعْتِبَار) السن (الْغَالِب) فِي (التَّمْيِيز) أَي لذِي يحصل فِيهِ التَّمْيِيز غَالِبا (سبع) عطف بَيَان للْغَالِب لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك يَأْكُل وَحده وَيشْرب وَحده، ويستنجي وَحده ". (وأفرط مُعْتَبر خَمْسَة عشر) حَتَّى قَالَ أَحْمد فِيهِ: بئس القَوْل. حكى ذَلِك عَن ابْن معِين، وَقيل هُوَ عَجِيب من هَذَا الْعَالم المكين، وَقيل مَتى فرق بَين الْبَقَرَة وَالْحمار، وَهُوَ مَنْقُول عَن عِيسَى بن هَارُون الْحمال (وَالْإِسْلَام كَذَلِك) أَي وَمِنْهَا كَون الرَّاوِي مُسلما حِين الْأَدَاء، لَا التَّحَمُّل (لقبُول) رِوَايَة (جُبَير فِي قِرَاءَته) أَي أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ (فِي الْمغرب بِالطورِ) والْحَدِيث (فِي الصَّحِيحَيْنِ) مَعَ أَن سَمَاعه إِيَّاهَا مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا كَانَ قبل أَن يسلم لما جَاءَ فِي فدَاء أُسَارَى بدر (وَلعدم الاستفسار) عَن مَرْوِيّ الصَّحَابِيّ وَغَيره هَل تحمله فِي حَالَة الْكفْر أَو الْإِسْلَام؟ وَلَو كَانَ التَّحَمُّل فِي حَالَة الْإِسْلَام شَرط قبُول الرِّوَايَة لاستفسر، وَلَو استفسر لنقل (بِخِلَافِهِ) أَي أَدَائِهِ (فِي الْكفْر) فَإِنَّهُ لَا يقبل لقَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق} الْآيَة (وَهُوَ) أَي الْفَاسِق (الْكَافِر بعرفهم) أَي السّلف (وَهُوَ) أَي الْكَافِر (مِنْهُ) أَي مِمَّا صدق عَلَيْهِ الْفَاسِق، لِأَنَّهُ اسْم للْخَارِج عَن طَاعَة الله (وللتهمة) أَي تُهْمَة الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة، لِأَن الْكَلَام فِيمَا يثبت بِهِ الْأَحْكَام، فَرُبمَا تحمله الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة على السَّعْي فِيمَا يخل بِالدّينِ (والمبتدع بِمَا) أَي ببدعة (هُوَ كفر) كغلاة الروافض والخوارج (مثله) أَي الْكَافِر الْأَصْلِيّ (عِنْد الْمُكَفّر) وَهُوَ الْأَكْثَرُونَ على مَا قَالَه الْآمِدِيّ، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب بِجَامِع الْفسق وَالْكفْر (وَالْوَجْه خِلَافه) أَي خلاف هَذَا القَوْل وَهُوَ أَنه إِن اعْتقد حُرْمَة الْكَذِب قبلنَا رِوَايَته، وَإِلَّا فَلَا كَمَا اخْتَارَهُ الإِمَام الرَّازِيّ والبيضاوي وَغَيرهمَا (لِأَنَّهُ) أَي ابتداعه بِمَا هُوَ سَبَب لتكفيره مقرون (بِتَأْوِيل) كَلَام (الشَّرْع) فَكيف يكون كالمنكر لدين الْإِسْلَام على أَن اعْتِقَاده حُرْمَة الْكَذِب يمنعهُ من الْإِقْدَام عَلَيْهِ، فيغلب على الظَّن صدقه: فَالْمُعْتَمَد عِنْد الْمُحَقِّقين أَن الَّذِي ترد رِوَايَته من أنكر أمرا متواترا من الشَّرْع مَعْلُوما من الدّين بِالضَّرُورَةِ، وَكَذَا من اعْتقد عَكسه كَذَا نقل الشَّارِح عَن الْحَافِظ الْعَسْقَلَانِي، وَمن لم يكن بِهَذِهِ الصّفة وَكَانَ ضابطا لما يرويهِ مَعَ ورعه وتقواه فَلَا مَانع من قبُوله (وَغَيره)

أَي غير المبتدع بِمَا هُوَ كفر (كالبدع الجلية) أَي كالمبتدع بالبدع الجلبة (كفسق الْخَوَارِج) وهم سبع فرق: لَهُم ضلالات فاضحة، وأباطيل وَاضِحَة تعرف فِي كتب الْكَلَام. وَالْمرَاد بفسقهم بمذهبهم الْبَاطِل المستلزم خُرُوجهمْ عَن طَاعَة الله سُبْحَانَهُ (وفيهَا) أَي الْبدع الجلية مذهبان (الرَّد) للشَّهَادَة وَالرِّوَايَة لقَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}، وَالْأَمر بالتبين دَلِيل الرَّد وَهُوَ فَاسق (وَالْأَكْثَر الْقبُول) لما اشْتهر بَين الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَوْله (أمرت أَن أحكم بِالظَّاهِرِ) وَالله يتَوَلَّى السرائر، وَقَول صَاحب الْبِدْعَة ظَاهِرَة الصدْق. وَقَالَ الذَّهَبِيّ وَغَيره: لَا أصل لَهُ، وَنقل عَن بعض الْمُحدثين أَنه رَآهُ فِي كتاب يُسمى: " إدارة الْأَحْكَام ". وَقَالَ بعض الْحفاظ: لم أَقف على هَذَا الْكتاب. وَقَالَ ابْن كثير: يُؤْخَذ من حَدِيث أم سَلمَة فِي الصَّحِيحَيْنِ " إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع، فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار ". (وَلَا يُعَارض) هَذَا الْمَرْوِيّ (الْآيَة لنأولها بالكافر أَو) بِأَن المُرَاد الْفَاسِق (بِلَا تَأْوِيل أَنه) أَي فسقه (من الدّين) وَهَذَا المبتدع يعد فسقه من الدّين (بِخِلَاف استدلالهم) أَي الْأَكْثَرين بِأَن السّلف (أَجمعُوا على قبُول) رِوَايَة (قتلة عُثْمَان) رَضِي الله عَنهُ (وَهِي) أَي بِدعَة قَتله (جلية) عِنْد أهل الْحق فَإِنَّهُ (رد بِمَنْع إِجْمَاع الْقبُول) لروايتهم. قَالَ السُّبْكِيّ: بل الْإِجْمَاع قَائِم على رد روايتهم لعدم الريب فِي كفرهم لاستحلالهم قَتله، وَالْكَافِر مَرْدُود إِجْمَاعًا وَأَن لم يستحلوه فَلَا ريب فِي فسقهم. وَقَالَ بعض الْحفاظ أَن دَعْوَى الْإِجْمَاع مجازفة، لِأَنَّهُ أَرَادَ من بَاشر قَتله فَلَيْسَ لأحد مِنْهُم رِوَايَة، وَإِن أَرَادَ من حاصره أَو رَضِي بقتْله، فَأهل الشَّام قاطبة مَعَ من كَانَ فيهم من الصَّحَابَة وكبار التَّابِعين، إِمَّا مكفر لأولئك وَإِمَّا مفسق. وَأما غير أهل الشَّام فَكَانُوا ثَلَاث فرق: فرقة على هَذَا الرَّأْي، وَفرْقَة سَاكِنة، وَفرْقَة على رَأْي أُولَئِكَ فَأَيْنَ الْإِجْمَاع؟ (وَلَو سلم) قبُول رِوَايَة قتلته (فَلَيْسَ) قتل عُثْمَان (مِنْهَا) أَي الْبدع الجلية (لِأَن بَعضهم يرَاهُ) أَي قَتله حَقًا (اجتهاديا فَلَا يفسقهم وَنقل) هَذَا (عَن عمار وعدي بن حَاتِم) من الصَّحَابَة (وَالْأَشْتَر) فِي جمَاعَة (وَأما غير) الْبدع (الجلية كنفي زِيَادَة الصِّفَات) الثبوتية من الْحَيَاة وَالْقُدْرَة وَالْعلم وَغَيرهَا لله تَعَالَى كَمَا عَلَيْهِ الْمُعْتَزلَة وَقَالَ هُوَ حَيّ عَالم قَادر بِنَفسِهِ من غير حَاجَة إِلَى صفة زَائِدَة على الذَّات (فَقيل يقبل) خَبره (اتِّفَاقًا، وَإِن ادّعى كل) من المتخالفين (الْقطع بخطأ الآخر لقُوَّة شبهته عِنْده وَإِطْلَاق فَخر الْإِسْلَام رد) رِوَايَة (من دَعَا إِلَى بدعته) وشهادته (وَقبُول غَيره) أَي غير الدَّاعِي إِلَى بدعته من المبتدعة، لِأَن ذَلِك قد يحمل على تَحْرِيف الرِّوَايَات إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ مذْهبه، وعزى

إِلَى مَالك وَأحمد والمحدثين أَن الصدوق المتقن إِذا كَانَ فِيهِ بِدعَة وَلم يكن يَدْعُو إِلَيْهَا يحْتَج بإخباره، وَإِذا دَعَا إِلَيْهَا سقط الِاحْتِجَاج. قَالَ ابْن الصّلاح وَغَيره: هُوَ أعدل الْأَقْوَال وأقواها (يخصصه) أَي إِطْلَاق عدم قبُول ذِي الْبِدْعَة الجلية اتِّفَاقًا، كَذَا قَالَ الشَّارِح. وَالْمَذْكُور فِيمَا سبق أَن فِي الْبِدْعَة الجلية مذهبين، وَالْأَكْثَر الْقبُول فَالْحق أَن الْمَعْنى تَخْصِيص إِطْلَاق قبُول ذِي الْبِدْعَة الَّتِي لَيست بالجلية الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله، فَقيل: يقبل اتِّفَاقًا إِلَى آخِره كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله (لاقْتِضَائه) أَي إِطْلَاق فَخر الْإِسْلَام (رد الدَّاعِي من نفاة الزِّيَادَة) لِأَن قَوْله من دعى إِلَى بدعته يعم صَاحب الجلية وَغَيرهَا (وتعليله) أَي تَعْلِيل فَخر الْإِسْلَام (بِأَن الدعْوَة دَاع إِلَى التقول) أَي الْكَذِب (يخصصه) أَي الرَّد، كَذَا فِي نُسْخَة الشَّارِح، وَفِي النُّسْخَة الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا يُقيد النَّفْي (بِرِوَايَة وفْق مذْهبه) أَي بِرِوَايَة الدَّاعِي مَا هُوَ على وفْق مذْهبه، لِأَن دَعوته إِلَى مذْهبه لَا تستدعي الْكَذِب فِيمَا لَا تعلق لَهُ بترويج مذْهبه وَهُوَ ظَاهر (لَا مُطلقًا) بِأَن لَا تقبل رِوَايَته فِيمَا لَا تعلق لَهُ بمذهبه أَيْضا كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام بعض الْمُحدثين (وتعليله) أَي فَخر الْإِسْلَام (قبُول شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء) جمع هوى مَقْصُور: وَهُوَ الْميل إِلَى الشَّهَوَات والمستلذات من غير دَاعِيَة الشَّرْع، وَالْمرَاد المبتدعون المائلون إِلَى مَا يهوونه من أَمر الدّين (إِلَّا الخطابية) من الرافضة المنسوبين إِلَى أبي الْخطاب مُحَمَّد بن أبي وهب، وَقيل ابْن أبي زَيْنَب الْأَسدي الأجدع كَانَ يزْعم أَن عليا الْإِلَه الْأَكْبَر وجعفرا الصَّادِق الْإِلَه الْأَصْغَر، وَفِي المواقف قَالُوا: الْأَئِمَّة أَنْبيَاء وَأَبُو الْخطاب نَبِي ففرضوا طَاعَته، بل زادوا على ذَلِك الْأَئِمَّة آلِهَة والحسنان ابْنا الله، وجعفر إِلَه، لَكِن أَبُو الْخطاب أفضل مِنْهُ وَمن عَليّ، فقبحهم الله تَعَالَى مَا أَشد غباوتهم (المتدينين بِالْكَذِبِ لموافقتهم) أَي الَّذين اتَّخذُوا جَوَاز شَهَادَة الْكَذِب لمن وافقهم فِي الْمَذْهَب دينا لَهُم (أَو للْحَالِف) لَهُم على صدقه (بِأَن) صلَة التَّعْلِيل (صَاحب الْهوى وَقع فِيهِ) أَي فِي الْهوى (لتعمقه) فِي الْخَوْض فِي الدّين (وَذَلِكَ) أَي تعمقه فِيهِ (يصده) أَي يمنعهُ (عَن الْكَذِب أَو يرَاهُ) أَي الْكَذِب (حَرَامًا) لِأَن حرمته بِاتِّفَاق جَمِيع الْمذَاهب سوى الخطابية، ثمَّ قَوْله: وتعليله إِلَى آخِره مُبْتَدأ خَبره (يُوجب قبُول) رِوَايَة (الْخَوَارِج كالأكثر) أَي كَقَوْلِهِم لِأَن التعمق الصَّادِر عَن الْكَذِب مَوْجُود فيهم (وَأما شرب النَّبِيذ) من التَّمْر أَو الزَّبِيب إِذا طبخ أدنى طبخة وَإِن اشْتَدَّ مَا لم يسكر من غير لَهو (واللعب بالشطرنج) بالشين مُعْجمَة ومهملة مَفْتُوحَة ومكسورة وَالْفَتْح أشهر بِلَا قمار (وَأكل مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا من مُجْتَهد ومقلده) أَي الْمُجْتَهد (فَلَيْسَ بفسق) قَوْله من مُجْتَهد مُتَعَلق بِكُل وَاحِد من الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة وَذَلِكَ لِأَن تفسيقهم مُخَالف لما أجمع عَلَيْهِ من أَن للمجتهد أَن يعْمل بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وللمقلد

اتِّبَاع الْمُقَلّد (وَمِنْهَا) أَي وَمن الشَّرَائِط (رُجْحَان ضَبطه) أَي الرَّاوِي (على غفلته ليحصل الظَّن) بِثُبُوتِهِ من الشَّارِع (وَيعرف) رُجْحَان ضَبطه (بالشهرة وبموافقة الْمَشْهُورين بِهِ) أَي الضَّبْط فِي رواياته فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى (أَو غلبتها) أَي الْمُوَافقَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعرف رُجْحَان ضَبطه بذلك (فغفلة) أَي فَظَاهر حَاله غَفلَة فَلَا يحْتَج بروايته وَمَا ذكره من الشُّهْرَة والموافقة الخ عَلامَة خَارِجَة عَن حَقِيقَة الضَّبْط (وَأما) تَعْرِيفه بِمَا هُوَ (فِي نَفسه فللحنفية) فِيهِ قَول واف وَهُوَ (توجهه) أَي السَّامع (بكليته) بِأَن لَا يكون لَهُ الْتِفَات إِلَى غير الْمَرْوِيّ (إِلَى كُله) أَي إِلَى مَجْمُوع كَلَام الْمُحدث من أَوله إِلَى آخِره (عِنْد سَمَاعه ثمَّ حفظه) أَي محافظته للمروي فِي الْقلب أَو فِي الْكتاب (بتكريره) لفظا وَمعنى على الأول، وبصون الْكتاب على الثَّانِي (ثمَّ الثَّبَات) عَلَيْهِ بمذاكرته (إِلَى أَدَائِهِ وَمِنْهَا الْعَدَالَة حَال الْأَدَاء وَإِن تحمل فَاسِقًا إِلَّا بفسق) تعمد (الْكَذِب عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أَحْمد وَطَائِفَة) كَأبي بكر الْحميدِي شيخ البُخَارِيّ والصيرفي، يُؤْخَذ هَذَا من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " فَإِنَّهُ متواتر على مَا ذكره ابْن الصّلاح، وَذَهَبت طَائِفَة من الْعلمَاء أَن الْكَذِب عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفر، غير أَن أَمْثَاله تحمل على الِاسْتِمْرَار عَلَيْهِ من غير تَوْبَة (وَالْوَجْه الْجَوَاز) لروايته وشهادته (بعد ثُبُوت الْعَدَالَة) لِأَن الْمُخْتَار كَمَا ذكره النَّوَوِيّ الْقطع بِصِحَّة تَوْبَته من ذَلِك وَقبُول رِوَايَته بعد صِحَة تَوْبَته، وَقد أَجمعُوا على قبُول رِوَايَة من كَانَ كَافِرًا وَقت التَّحَمُّل ثمَّ أسلم وَكَذَا شَهَادَته (وَهِي) أَي الْعَدَالَة (ملكة) أَي كَيْفيَّة راسخة فِي النَّفس (تحمل على مُلَازمَة التَّقْوَى) وَهُوَ اجْتِنَاب الْكَبَائِر، إِذا الصَّغَائِر مكفرة باجتنابها لقَوْله تَعَالَى - {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سيآتكم} {والمروءة} بِالْهَمْز وَيجوز تَركه وَتَشْديد الرَّاء: وَهِي صِيَانة النَّفس عَن الأدناس، وَمَا يشينها عِنْد النَّاس، وَقيل أَن لَا يَأْتِي مَا يعْتَذر مِنْهُ مِمَّا يبخسه من مرتبته عِنْد الْعُقَلَاء، وَقيل السمت الْحسن وَحفظ اللِّسَان والاجتناب من السخف: أَي الِارْتفَاع عَن كل خلق دنيء (وَالشّرط) لقبُول الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة (أدناها) أَي أدنى مَرَاتِب الْعَدَالَة وَهُوَ (ترك الْكَبَائِر والإصرار على صَغِيرَة) لِأَن الصَّغَائِر قل من سلم مِنْهَا، والإصرار أَن تكَرر فِيهِ الصَّغِيرَة تَكْرَارا يشْعر بقلة مبالاته بِدِينِهِ كَمَا يشْعر بِهِ ارْتِكَاب الْكَبِيرَة، وَلذَا قيل لَا حَاجَة إِلَى ذكر ترك الْإِصْرَار على صَغِيرَة لدُخُوله فِي ترك الْكَبَائِر، لِأَن الْإِصْرَار على الصَّغِيرَة كَبِيرَة، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا كَبِيرَة مَعَ الاسْتِغْفَار وَلَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار ". قَالَ الشَّارِح: وَلَو اجْتمعت الصَّغَائِر مُخْتَلفَة النَّوْع يكون حكمهَا حكم الْإِصْرَار على الْوَاحِدَة إِذا كَانَت بِحَيْثُ يشْعر مجموعها بِمَا يشْعر بِهِ الْإِصْرَار على أَصْغَر الصَّغَائِر. قَالَه ابْن عبد السَّلَام (و) ترك الْإِصْرَار على

(مَا يخل بالمروءة) من الْمُبَاحَات. (وَأما الْكَبَائِر فروى ابْن عمر) رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تفصيلها (الشّرك) بِاللَّه (وَالْقَتْل وَقذف المحصنة وَالزِّنَا والفرار من الزَّحْف وَالسحر وَأكل مَال الْيَتِيم وعقوق الْوَالِدين الْمُسلمين والإلحاد فِي الْحرم: أَي الظُّلم وَفِي بَعْضهَا) أَي الطّرق (الْيَمين الْغمُوس) وَفِي الشَّرْح تَفْصِيل فِي بَيَان رَفعه وَوَقفه وكنهه روى مجموعا أَو مفرقا، وَأَنه يصحف الرِّبَا بِالزِّنَا وَأَن الْوَقْف أصح إِسْنَادًا، فَمن أَرَادَ التَّفْصِيل فَليرْجع إِلَيْهِ (وَزَاد أَبُو هُرَيْرَة أكل الرِّبَا، وَعَن عَليّ إِضَافَة السّرقَة وَشرب الْخمر) إِلَى الْكَبَائِر الْمَذْكُورَة. وَقَالَ السُّبْكِيّ: وَالسَّرِقَة لَا نَعْرِف لَهَا إِسْنَادًا عَنهُ كرم الله وَجهه، وَالْخمر: روى عَنهُ أَن مدمنه كعابد وثن انْتهى (وَفِي) الحَدِيث (الصَّحِيح) الْمُتَّفق عَلَيْهِ (قَول الزُّور وَشَهَادَة الزُّور) من الْكَبَائِر، وَمن أكبر الْكَبَائِر أَيْضا، وَهل يتَقَيَّد الْمَشْهُود بِهِ بِقدر نِصَاب السّرقَة تردد فِيهِ ابْن عبد السَّلَام، وَجزم الْقَرَافِيّ بِعَدَمِ التَّقْيِيد بِهِ (وَمِمَّا عد) من الْكَبَائِر أَيْضا نقلا عَن الْعلمَاء (الْقمَار والسرف وَسَب السّلف الصَّالح) من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ (والطعن فِي الصَّحَابَة) من عطف الْخَاص على الْعَام (وَالسَّعْي فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ فِي المَال وَالدّين وعدول الْحَاكِم عَن الْحق وَالْجمع بَين صَلَاتَيْنِ بِلَا عذر) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من جمع بَين صَلَاتَيْنِ بِلَا عذر فقد أَتَى بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (وَقيل الْكَبِيرَة مَا توعد عَلَيْهِ) أَي توعد الشَّارِع عَلَيْهِ (بِخُصُوصِهِ) قَالَ الشَّارِح وَقَالَ شَيخنَا الْحَافِظ: وَهَذَا القَوْل جَاءَ عَن جمَاعَة من السّلف وَأَعْلَاهُمْ ابْن عَبَّاس (قيل وكل مَا مفسدته كأقل مَا روى) كَونه كَبِيرَة (مفْسدَة فَأكْثر) أَي فَصَاعِدا (فدلالة الْكفَّار على الْمُسلمين للِاسْتِئْصَال أَكثر من الْفِرَار) من الزَّحْف الْمَعْدُود من الْكَبَائِر (وإمساك المحصنة ليزنى بهَا أَكثر من قَذفهَا، وَمن جعل الْمعول) أَي الضَّابِط للكبيرة (أَن يدل الْفِعْل على الاستخفاف بِأَمْر دينه ظَنّه) أَي الضَّابِط (غَيره) أَي غير مَا قبله (معنى) تَعْرِيض لما فِي الشَّرْح العضدي وَإِشَارَة إِلَى أَن مآلهما وَاحِد (وَمَا يخل بالمروءة صغائر دَالَّة على خسة) فِي النَّفس (كسرقة لقْمَة وَاشْتِرَاط) أَخذ الْأُجْرَة (على) سَماع (الحَدِيث) كَذَا فِي شرح البديع، وَذهب أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ إِلَى أَنه لَا تقبل رِوَايَة من أَخذ على التحديث أجرا، وَرخّص آخَرُونَ فِيهِ: كالفضل ابْن دُكَيْن شيخ البُخَارِيّ وَعلي بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ. قَالَ ابْن الصّلاح: وَذَلِكَ شَبيه بِأخذ الْأُجْرَة لتعليم الْقُرْآن، غير أَن فِي هَذَا من حَيْثُ الْعرف خرما للمروءة إِن لم يقْتَرن ذَلِك بِعُذْر يَنْفِي ذَلِك عَنهُ كَمَا لَو كَانَ فَقِيرا معيلا وَكَأن الِاشْتِغَال بِالتَّحْدِيثِ يمنعهُ من الِاكْتِسَاب لِعِيَالِهِ (وَبَعض مباحات كَالْأَكْلِ فِي السُّوق) فَفِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد لين أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " الْأكل فِي

السُّوق دناءة " وَفِي فروع الشَّافِعِيَّة المُرَاد بِهِ أَن تنصب مائدة وتأكل وَعَادَة مثله خِلَافه، فَلَو كَانَ مِمَّن عَادَته ذَلِك كَأَهل الصَّنَائِع والسماسرة أَو كَانَ فِي اللَّيْل فَلَا، وكالأكل فِي السُّوق الشّرْب من سقايات الْأَسْوَاق إِلَّا أَن يكون سوقيا أَو غَلبه الْعَطش (وَالْبَوْل فِي الطَّرِيق). قَالَ الشَّارِح كَذَا فِي شرح البديع، وَفِي إِبَاحَته نظر لما روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من سل سخيمته فِي طَرِيق من طرق الْمُسلمين فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ " وَرِجَاله ثِقَات إِلَّا مُحَمَّد بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَضَعفه غَيره (والإفراط فِي المزح المفضى إِلَى الاستخفاف بِهِ وصحبة الأراذل وَالِاسْتِخْفَاف بِالنَّاسِ وَفِي إِبَاحَة هَذَا) أَي الاستخفاف بِالنَّاسِ (نظر) وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر " فَقَالَ رجل: أَن الرجل يحب أَن يكون ثَوْبه حسنا وَنَعله حسنه قَالَ " إِن الله جميل وَيُحب الْجمال، الْكبر بطر الْحق وغمط النَّاس " رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ، وغمط النَّاس: احتقارهم وازدراؤهم (وتعاطى الْحَرْف الدنيئة) بِالْهَمْز من الدناءة: وَهِي السقاطة الْمُبَاحَة (كالحياكة والصياغة) والحجامة والدباغة وَغَيرهَا مِمَّا لَا يَلِيق بأرباب المروآت وَأهل الديانَات فعلهَا وَلَا ضَرَر عَلَيْهِم فِي تَركهَا، وَفِي بعض فروع الشَّافِعِيَّة، فَإِن اعتادها وَكَانَت حِرْفَة أَبِيه فَلَا فِي الْأَصَح، وَفِي الرَّوْضَة يَنْبَغِي أَن لَا يُقيد بصنعة آبَائِهِ، بل ينظر هَل يَلِيق بِهِ هُوَ أم لَا (وَلبس الْفَقِيه قبَاء وَنَحْوه) كالقلنسوة التركية فِي بلد لم يعتادوه (وَلعب الْحمام) إِذا لم يكن قمارا، لِأَن الْغَالِب فِيهِ الِاجْتِمَاع مَعَ الأراذل: وَهُوَ فعل يستخف بِهِ، وَذَلِكَ لِأَن من لم يجْتَنب هَذِه الْأُمُور لَا يجْتَنب الْكَذِب فِي الْكَذِب فَلَا يوثق بقوله (وَأما الْحُرِّيَّة وَالْبَصَر وَعدم الْحَد فِي قذف و) عدم (الْوَلَاء) أَي الْقَرَابَة من النّسَب أَو النِّكَاح على مَا بَين فِي الْفُرُوع (و) عدم (الْعَدَاوَة) الدُّنْيَوِيَّة (فتختص بِالشَّهَادَةِ) أَي يشْتَرط فِيهَا لَا فِي الرِّوَايَة فَلَا تقبل شَهَادَة الْأَعْمَى لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى التَّمْيِيز بِالْإِشَارَةِ بَين الْمَشْهُود لَهُ وَعَلِيهِ وَإِلَى الْإِشَارَة إِلَى الْمَشْهُود بِهِ فِيمَا يجب إِحْضَاره مجْلِس الحكم، وَفِي التَّمْيِيز بالنغمة شُبْهَة يُمكن التَّحَرُّز عَنْهَا بِجِنْس الشُّهُود، وَهَذَا الِاحْتِيَاج مُنْتَفٍ فِي الرِّوَايَة، وَقد ابتلى جمَاعَة من الصَّحَابَة بكف الْبَصَر: كَابْن عَبَّاس وَلم يخْتَلف أحد فِي قبُول روايتهم من غير فحص أَنَّهَا كَانَت قبل الْعَمى أَو بعده، وَلَا شَهَادَة للْعَبد فِي غير هِلَال رَمَضَان لتوقفها على كَمَال ولَايَة الشَّاهِد: إِذْ هِيَ تَنْفِيذ القَوْل على الْغَيْر شَاءَ أَو أَبى، وَهَذَا غير مَوْجُود فِي العَبْد لِأَنَّهَا تعدم بِالرّقِّ وَالرِّوَايَة لَا تعتمد الْولَايَة لِأَن وجوب الْعَمَل بالمروي لَيْسَ بإلزام الرَّاوِي، بل الْتِزَامه طَاعَة الشَّارِع، فَإِذا ترجح صدق الرَّاوِي يلْزمه الْعَمَل بِمُوجب ذَلِك، وَقد يُقَال: إِن الشَّارِع أمره بالانقياد لحكم القَاضِي عِنْد إِقَامَة الْبَيِّنَة وَقد الْتزم طَاعَته فَلَا فرق فَتَأمل (وَعَن أبي حنيفَة) فِي رِوَايَة الْحسن (نفى) قبُول (رِوَايَته) أَي الْمَحْدُود لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِفِسْقِهِ لقَوْله تَعَالَى

- {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} - (وَالظَّاهِر) من الْمَذْهَب (خِلَافه) أَي خلاف نفى رِوَايَته (لقبُول) الصَّحَابَة وَغَيرهم رِوَايَة (أبي بكرَة) من غير تفحص عَن التَّارِيخ فِي خَبره أَنه رَوَاهُ بعد مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد أم قبله فَعدم الْحَد مُخْتَصّ بِالشَّهَادَةِ (وَظهر) مِمَّا ذكر من اشْتِرَاط الْعَدَالَة (أَن شَرط الْعَدَالَة يُغني عَن ذكر كثير من الْحَنَفِيَّة شَرط الْإِسْلَام) الْإِضَافَة بَيَانِيَّة، والمضاف مفعول ذكر ثمَّ بَين الشَّرْط بقوله (بِالْبَيَانِ إِجْمَالا) أَي بِأَن يبين الرَّاوِي إِسْلَامه بِأَن يَقُول: آمَنت بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر، والبعث بعد الْمَوْت، وَالْقدر خَيره وشره، لِأَن فِي اعْتِبَاره تَفْصِيلًا حرجا (أَو مَا يقوم مقَامه) أَي مقَام بَيَان الْإِسْلَام إِجْمَالا (من الصَّلَاة) فِي جمَاعَة الْمُسلمين (ولزكاة وَأكل ذبيحتنا) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من صلى صَلَاتنَا، واستقبل قبلتنا، وَأكل ذبيحتنا فَذَلِك الْمُسلم الَّذِي لَهُ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله فَلَا تخفروا الله فِي ذمَّته " رَوَاهُ البُخَارِيّ (دون النشأة فِي الدَّار) أَي لَا يقوم مقَامه أَنه نَشأ فِي دَار الْإِسْلَام (بَين أبوين مُسلمين) فَإِنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِهَذَا الْإِسْلَام الْحكمِي شرطا فِي صِحَة الرِّوَايَة. (ثمَّ الْحَنَفِيَّة قَالُوا هَذَا) كُله (فِي الرِّوَايَة وَفِي غَيرهَا) أَي غير الرِّوَايَة (لَا يقبل الْكَافِر) أَي إخْبَاره (مُطلقًا فِي الديانَات كنجاسة المَاء وطهارته وَإِن وَقع عِنْده) أَي السَّامع (صدقه) أَي الْكَافِر، لِأَنَّهُ لَا يستأهل لِأَن يَبْنِي عَلَيْهِ حكم شَرْعِي (إِلَّا أَن فِي النَّجَاسَة) أَي فِيمَا إِذا أخبر بِنَجَاسَة المَاء، وَلم يكن هُنَاكَ مَاء آخر للْوُضُوء (تسْتَحب إراقته) أَي المَاء (للتيمم دفعا للوسوسة العادية) فَإِن الْكفْر لَا يُنَافِي الصدْق، وعَلى تَقْدِيره لَا تحصل الطَّهَارَة بالتوضؤ بِهِ وبتجنس الْأَعْضَاء: فالاحتياط فِي الإراقة وَالتَّيَمُّم لتحصل الطَّهَارَة، والاحتراز عَن النَّجَاسَة بِيَقِين (وَلَا تجوز) الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ (قبلهَا) أَي إراقته لوُجُود المَاء الطَّاهِر ظَاهرا (بِخِلَاف خبر الْفَاسِق بِهِ) أَي بِكُل من النَّجَاسَة وَالطَّهَارَة (وبحل الطَّعَام وحرمته يحكم) السَّامع (رَأْيه فَيعْمل بِالنَّجَاسَةِ وَالْحُرْمَة إِن وَافقه) أَي رَأْيه كلا مِنْهُمَا (وَالْأولَى إِرَاقَة المَاء) وَإِن وَافق رَأْيه فِي الْأَخْبَار بِنَجَاسَتِهِ لاحْتِمَال كذبه (ليتيمم) تيمما صَحِيحا بِيَقِين (وَتجوز) صلَاته (بِهِ) أَي بِالتَّيَمُّمِ (إِن لم يرقه) وَإِنَّمَا كَانَ خبر الْفَاسِق بِهِ بِخِلَاف خبر الْكَافِر بِهِ (لِأَن الْأَخْبَار بِهِ) أَي بِمَا ذكر من الطَّهَارَة والنجاسة إِنَّمَا (يتعرف مِنْهُ) أَي من الْفَاسِق غَالِبا (لَا من غَيره) أَي الْفَاسِق (لِأَنَّهُ أَمر خَاص) لَا يقف عَلَيْهِ الْجمع الْكثير مثل رِوَايَة الحَدِيث حَتَّى يُمكن تلقيه من الْعُدُول، لِأَن ذَلِك يكون غَالِبا فِي الفيافي والأسواق: فالغالب فيهمَا الْفُسَّاق، فَقيل مَعَ التَّحَرِّي ضَرُورَة (لَكِنَّهَا) أَي النَّجَاسَة (غير لَازِمَة) للْمَاء بل عارضة عَلَيْهِ (فضم التَّحَرِّي) إِلَى أخباره (كَيْلا يهدر فسقه بِلَا ملجئ، وَالطَّهَارَة) تثبت (بِالْأَصْلِ) إِذْ هِيَ الأَصْل فِيهِ،

مسئلة

فَيعْمل بِهِ عِنْد تعَارض جهني الصدْق وَالْكذب فِي خَبره (بِخِلَاف الحَدِيث، لِأَن فِي عدُول الروَاة كَثْرَة بهم غنية بِخِلَافِهِ) أَي خبر الْفَاسِق (فِي الْهَدِيَّة وَالْوكَالَة وَمَا لَا إِلْزَام فِيهِ من الْمُعَامَلَات للزومها) أَي الضَّرُورَة (للكثرة) لوُجُوبهَا (وَلَا دَلِيل) عَلَيْهَا متيسر عَادَة (سواهُ) أَي خبر الْفَاسِق: إِذْ لَا يَتَيَسَّر لكل مهد ومرسل بِخَبَر وَنَحْوهمَا عدل يقوم بِهِ، وَقد جرت السّنة والتوارث بإرسال الْهَدَايَا على يَد العبيد والجواري مُسلمين كَانُوا أَولا، وَقبُول ذَلِك من غير النفات إِلَى حَال الْوَاصِل بهما فَكَانَ ذَلِك إِجْمَاعًا على الْقبُول فَاعْتبر مُطلقًا (وَمثله) أَي الْفَاسِق (المستور) وَهُوَ من لم تعرف عَدَالَته وَلَا فسقه (فِي الصَّحِيح) فخبره لَيْسَ بِحجَّة حَتَّى تظهر عَدَالَته، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة كالعدل فِي الْإِخْبَار بِنَجَاسَة المَاء وطهارته وَرِوَايَة الْإِخْبَار (وَأما الْمَعْتُوه وَالصَّبِيّ فِي نَحْو النَّجَاسَة) أَي الْإِخْبَار بِنَجَاسَة المَاء وطهارته، وَفِي رِوَايَة الحَدِيث وَغَيرهَا من الديانَات، (فكالكافر) فِي عدم قبُول إخْبَاره لعدم ولايتهما على نفسهما فعلى غَيرهمَا أولى وَالصَّبِيّ مَرْفُوع الْقَلَم فَلَا يُبَالِي عَن الْكَذِب (وَكَذَا الْمُغَفَّل) أَي الشَّديد الْغَفْلَة، وَهُوَ الَّذِي غلب على طبعه الْغَفْلَة وَالنِّسْيَان فِي سَائِر الْأَحْوَال (والمجازف) وَهُوَ الَّذِي يتَكَلَّم من غير احْتِيَاط، وَلَا يشْتَغل بالتدارك بعد الْعلم كالكافر فِي عدم قبُول إخْبَاره فالسهو والغلط فِي روايتهما يتَرَجَّح كَمَا يتَرَجَّح الْكَذِب فِي الْكَافِر وَالْفَاسِق. مسئلة (مَجْهُول الْحَال وَهُوَ المستور غير مَقْبُول، وَعَن أبي حنيفَة فِي غير الظَّاهِر) من الرِّوَايَة عَنهُ (قبُول مَا لم يردهُ السّلف، وَجههَا) أَي هَذِه الرِّوَايَة (ظُهُور الْعَدَالَة بالتزامه الْإِسْلَام، ولأمرت أَن أحكم بِالظَّاهِرِ) وَقد مر الْكَلَام فِيهِ قَرِيبا (وَدفع) وَجههَا (بِأَن الْغَالِب أظهر وَهُوَ) أَي الْغَالِب (الْفسق) فِي هَذِه الْأَزْمِنَة (فَيرد) خَبره (بِهِ) أَي بِهَذَا الْغَالِب (مَا لم تثبت الْعَدَالَة بِغَيْرِهِ) أَي غير الْتِزَامه الْإِسْلَام (وَقد ينْفَصل) الْقَائِل بِهَذِهِ الرِّوَايَة (بِأَن الْغَلَبَة) للفسق (فِي غير رُوَاة الحَدِيث) لَا فِي الروَاة وَلَا سِيمَا الماضين (وَيدْفَع) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَي كَون الْغَلَبَة فِي غير رُوَاة الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ (فِي المعروفين) مِنْهُم (لَا فِي المجهولين مِنْهُم، وَالِاسْتِدْلَال) لظَاهِر الرِّوَايَة (بِأَن الْفسق سَبَب التثبت) قَالَ تَعَالَى - {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} - (فَإِذا انْتَفَى) الْفسق (انْتَفَى) وجوب التثبت (وانتفاؤه) أَي الْفسق لَا يتَحَقَّق إِلَّا (بالتزكية) وَمَا لم ينتف الْفسق تبقى شبهته وَهِي مُلْحقَة بأصلها، وَجعل الشَّارِح الِاسْتِدْلَال لغير ظَاهر الرِّوَايَة وَلَا معنى لَهُ كَمَا لَا يخفى، ثمَّ قَوْله الِاسْتِدْلَال مُبْتَدأ خَبره (مَوْقُوف على) صِحَة (هَذَا الدّفع) الْمَدْلُول عَلَيْهِ

مسئلة

بقوله بِأَنَّهُ فِي المعرفين إِلَى آخِره (إِذْ يُورد عَلَيْهِ) أَي على الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور بِاعْتِبَار مَا تضمنه من الْحصْر الْمشَار إِلَيْهِ بقوله بالتزكية (منع الْحصْر) أَي لَا نسلم أَن انتفاءه لَا يَصح إِلَّا بالتزكية بل يحصل (بِالْإِسْلَامِ) أَيْضا (وَيدْفَع) بِمَا ذكر (وَأما ظَاهر الْعَدَالَة) وَهُوَ على مَا نَقله الشَّارِح عَن المُصَنّف من الْتزم أوَامِر الله ونواهيه وَلم يظْهر فِيهِ خلاف ذَلِك، وباطن أمره غير مَعْلُوم (فَعدل وَاجِب الْقبُول، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مَسْتُورا بعض) من الشَّافِعِيَّة كالبغوي. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يحْتَج بِأَحَادِيث المجهولين مَعَ أَن قَول الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يتْرك الحكم بِشَهَادَتِهِمَا إِذا كَانَا عَدْلَيْنِ فِي الظَّاهِر صَرِيح فِي قبُوله، وَأَنه لَيْسَ بداخل فِي الْمَجْهُول. مسئلة (عرف أَن الشُّهْرَة) للراوي بِالْعَدَالَةِ والضبط بَين أَئِمَّة النَّقْل (معرف الْعَدَالَة والضبط كمالك) وَشعْبَة (والسفيانين) الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة (وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَابْن الْمُبَارك وَغَيرهم) كوكيع وَأحمد وَابْن معِين وَابْن الْمَدِينِيّ وأمثالهم فِي نباهة الذّكر واستقامة الْأَمر (للْقطع بِأَن الْحَاصِل بهَا) أَي بالشهرة (من الظَّن فَوق التَّزْكِيَة، وَأنكر أَحْمد على من سَأَلَهُ عَن إِسْحَاق) بن رَاهَوَيْه، فَقَالَ: مثل إِسْحَاق يسْأَل عَنهُ (و) أنكر (ابْن معِين) على من سَأَلَهُ (عَن أبي عبيد وَقَالَ أَبُو عبيد يسْأَل عَن النَّاس) لَا يسْأَل النَّاس عَنهُ (و) وَثبتت الْعَدَالَة أَيْضا (بالتزكية وأرفعها) أَي أرفع مَرَاتِب التَّزْكِيَة (قَول الْعدْل نَحْو حجَّة ثِقَة بتكرير لفظا) كثقة ثِقَة، أَو حجَّة حجَّة (أَو معنى) كثبت حجَّة ثَبت حَافظ ثَبت ثِقَة وَنَحْوهَا (ثمَّ) يَليهَا (الْأَفْرَاد) كحجة أوثقه أَو متقن، وَجعل الْخَطِيب هَذَا أرفع الْعبارَات (وحافظ ضَابِط تَوْثِيق للعدل يصيره كَالْأولِ) أَي تَكْرِير التوثيق (ثمَّ) يَليهَا (مَأْمُون صَدُوق وَلَا بَأْس وَهُوَ) أَي لَا بَأْس (عِنْد ابْن معِين وَعبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم كثقة على نظر فِي عبارَة ابْن معِين) على مَا ذكر ابْن أبي خَيْثَمَة حَيْثُ قَالَ: قلت ليحيى بن معِين إِنَّك تَقول: فلَان لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَفُلَان ضَعِيف، قَالَ: إِذا قلت لَك لَيْسَ بِهِ بَأْس فَهُوَ ثِقَة، وَإِذا قلت هُوَ ضَعِيف فَهُوَ لَيْسَ بِثِقَة لَا يكْتب حَدِيثه. قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: لم يقل ابْن معِين قولي لَيْسَ بِهِ بَأْس كَقَوْلي ثِقَة ليلزم التَّسَاوِي بَين اللَّفْظَيْنِ، يَعْنِي التَّفَاوُت بَينهمَا فِي التَّعْبِير، وَإِلَّا فَقَوله فَهُوَ ثِقَة قريب من ذَلِك (وَخيَار تَعْدِيل فَقَط لقَوْل بَعضهم كَانَ من خِيَار النَّاس إِلَّا أَنه يكذب وَلَا يشْعر، ثمَّ) يَليهَا (صَالح شيخ، وَهُوَ) أَي صَالح شيخ (أرفع من شيخ وسط، ثمَّ حسن الحَدِيث وصويلح). قَالَ ابْن أبي حَاتِم: من قيل فِيهِ صَالح

الحَدِيث يكْتب حَدِيثه للاعتبار (والمرجع الِاصْطِلَاح، وَقد يخْتَلف فِيهِ وَفِي الْجرْح) أَسْوَأ مراتبه كأكذب النَّاس، إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الْوَضع، ثمَّ (كَذَّاب وَضاع دجال يكذب هَالك) يضع الحَدِيث، أَو وضع حَدِيثا ثمَّ (سَاقِط). وَذكر الْخَطِيب أَن أدون الْعبارَات كَذَّاب سَاقِط (مُتَّهم بِالْكَذِبِ والوضع) وَالْوَاو بِمَعْنى أَو (ذَاهِب) أَو ذَاهِب الحَدِيث (ومتروك) أَو مَتْرُوك الحَدِيث، ومتفق على تَركه أَو تَرَكُوهُ) (وَمِنْه للْبُخَارِيّ فِيهِ نظر وسكتوا عَنهُ لَا يعْتَبر بِهِ) لَا يعْتَبر بحَديثه (لَيْسَ بِثِقَة) لَيْسَ بالثقة غير ثِقَة غير (مَأْمُون، ثمَّ ردوا حَدِيثه) مَرْدُود الحَدِيث (ضَعِيف جدا، واه بِمرَّة طرحوا حَدِيثه مطرح، ارْمِ بِهِ لَيْسَ بِشَيْء لَا يُسَاوِي شَيْئا، فَفِي هَذِه) الْمَرَاتِب (لَا حجية وَلَا استشهاد وَلَا اعْتِبَار، ثمَّ ضَعِيف مُنكر الحَدِيث مُضْطَر بِهِ واه ضَعَّفُوهُ) طعنوا فِيهِ. وَذكر فِي الْمِيزَان ضَعَّفُوهُ فِيمَا قبل هَذِه الْمرتبَة (لَا يحْتَج بِهِ، ثمَّ فِيهِ مقَال) اخْتلف فِيهِ (ضعف ضعف) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَكَذَا (تعرف وتنكر لَيْسَ بِذَاكَ) الْقوي لَيْسَ (بِالْقَوِيّ) لَيْسَ (بِحجَّة) لَيْسَ (بعمدة) لَيْسَ (بالمرضي سيئ الْحِفْظ لين) الحَدِيث فِيهِ لين تكلمُوا فِيهِ (وَيخرج) الحَدِيث (فِي هَؤُلَاءِ) الْمَذْكُورين فِي هَاتين المرتبتين (للاعتبار والمتابعات) الِاعْتِبَار أَن تَأتي إِلَى حَدِيث لبَعض الروَاة فتعتبره بروايات غَيره باختبارك طرقه لتعرف هَل شَاركهُ راو آخر فَرَوَاهُ عَن شَيْخه أم لَا؟ وَحِينَئِذٍ إِن وجد من تَابعه أَو تَابع شَيْخه أَو شيخ شَيْخه فَصَاعِدا فَرَوَاهُ مثل مَا رَوَاهُ يُسمى مُتَابعَة (إِلَّا ابْن معِين فِي ضَعِيف وَيثبت التَّعْدِيل) للشَّاهِد والراوي (بِحكم القَاضِي الْعدْل) بِشَهَادَة الشَّاهِد (وَعمل الْمُجْتَهد) الْعدْل بِرِوَايَة الرَّاوِي (الشارطين) للعدالة فِي قبُول الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة، ثمَّ إِنَّمَا يكون الْعَمَل بروايته تعديلا بِشَرْطَيْنِ: أَن يعلم أَن لَا مُسْتَند لَهُ فِي الْعَمَل سوى رِوَايَته، وَأَن يعلم أَن عمله لَيْسَ من الِاحْتِيَاط فِي الدّين كَمَا يُشِير إِلَيْهِ بقوله (لَا إِن لم يعلم) شَيْء (سوى كَونه) أَي عمل الْمُجْتَهد (على وَفقه) أَي مَا رَوَاهُ الرَّاوِي الْمَذْكُور وَهل رِوَايَة الْعدْل الحَدِيث عَن الرَّاوِي تَعْدِيل لَهُ؟ قيل نعم مُطلقًا، وَقيل لَا مُطلقًا: وَنسبه ابْن الصّلاح إِلَى أَكثر الْعلمَاء من أهل الحَدِيث وَغَيرهم، وَقَالَ أَنه الصَّحِيح، وَالْمُخْتَار عِنْد الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا إِن علم من عَادَته أَنه لَا يرْوى إِلَّا عَن عدل فتعديل وَإِلَّا فَلَا. (تَنْبِيه: حَدِيث) الرَّاوِي (الضَّعِيف للفسق لَا يرتقى بِتَعَدُّد الطّرق) بِأَن يكون الْفَاسِق مَوْجُودا فِي كل مِنْهَا شخصا معينا أَو كَانَ فِي كل مِنْهَا شخص آخر (إِلَى الحجية، و) حَدِيث الضَّعِيف (لغيره) أَي الْفسق كسوء الضَّبْط مَعَ الْعَدَالَة (يرتقى) بِتَعَدُّد الطّرق إِلَى الحجية (وَهَذَا التَّفْصِيل أصح مِنْهُ) أَي من التَّفْصِيل الْقَاسِم للْحَدِيث (إِلَى الْمَوْضُوع) وَغَيره بِأَن

يُقَال إِن كَانَ مَوْضُوعا (فَلَا) يرتقى بِتَعَدُّد الطّرق إِلَى الحجية (أَو) كَأَن على (خِلَافه) أَي الْمَوْضُوع (فَنعم) أَي يرتقى بِتَعَدُّد الطّرق إِلَى الحجية وَذَلِكَ (لوُجُوب الرَّد) للشَّهَادَة وَالرِّوَايَة (للفسق وبالتعدد) لطرقه (لَا يرْتَفع) هَذَا الْمُوجب للرَّدّ (بِخِلَافِهِ) أَي الرَّد (لسوء الْحِفْظ لِأَنَّهُ) أَي هَذَا الرَّد (لوهم الْغَلَط والتعدد يرجح أَنه) أَي الرَّاوِي السَّيئ الْحِفْظ (أَجَاد فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْمَرْوِيّ (فيرتفع الْمَانِع) وَهُوَ وهم الْغَلَط (وَأما) الطعْن فِي الحَدِيث (بالجهالة) لرِوَايَة بِأَن لم يعرف فِي رِوَايَة الحَدِيث إِلَّا بِحَدِيث أَو حديثين (فبعمل السّلف) أَي فيرتفع بعملهم، لِأَن عَمَلهم إِمَّا لعلمهم بعدالته وَحسن ضَبطه، أَو لموافقته سماعهم ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من سامع مِنْهُ (وسكوتهم) أَي السّلف (عِنْد اشتهار رِوَايَته) أَي الحَدِيث. قَوْله سكوتهم مُبْتَدأ خَبره (كعملهم) بِهِ (إِذْ لَا يسكتون عَن مُنكر) يَسْتَطِيعُونَ إِنْكَاره، وَالْأَصْل ثُبُوت الِاسْتِطَاعَة (فَإِن قبله) أَي الحَدِيث (بعض) مِنْهُم (ورده آخر) مِنْهُم (فكثير) من أهل الحَدِيث وَغَيرهم (على الرَّد، وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا (يقبل، وَلَيْسَ) قبُوله (من تَقْدِيم التَّعْدِيل على الْجرْح، لِأَن ترك الْعَمَل) بِالْحَدِيثِ (لَيْسَ جرحا) فِي رِوَايَة (كَمَا سَيذكرُ فَهُوَ) أَي قبُوله الْبَعْض لَهُ (تَوْثِيق) للراوي (بِلَا معَارض ومثلوه) أَي الْحَنَفِيَّة مَا قبله بَعضهم ورده بَعضهم (بِحَدِيث معقل بن سِنَان أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى لبروع بنت واشق بِمهْر مثل نسائها حِين مَاتَ عَنْهَا هِلَال بن مرّة) قبل التَّسْمِيَة (قبله ابْن مَسْعُود، ورده عَليّ). أخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ عَن رجل تزوج امْرَأَة وَلم يفْرض لَهَا صَدَاقا وَلم يدْخل بهَا حَتَّى مَاتَ عَنْهَا، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: لَهَا مثل صدَاق نسائها وَلَا وكس وَلَا شطط وَلها الْمِيرَاث، فَقَامَ معقل بن سِنَان الْأَشْجَعِيّ، فَقَالَ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بروع بنت واشق امْرَأَة منا مثل مَا قضيت ففرح بهَا ابْن مَسْعُود. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث ابْن مَسْعُود حَدِيث حسن صَحِيح وَبِه يَقُول الثَّوْريّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم عَليّ ابْن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر لَهَا الْمِيرَاث وَلَا صدَاق لَهَا وَعَلَيْهَا الْعدة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وروى عَنهُ أَنه رَجَعَ بِمصْر من هَذَا القَوْل، وَقَالَ بِحَدِيث بروع قلت وَقد صَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ إِذا صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث فَهُوَ مذهبي، غير أَنه قَالَ ابْن الْمُنْذر ثَبت مثل قَول ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِه نقُول (وَلَا يخفى أَن عمله) أَي ابْن مَسْعُود (كَانَ بِالرَّأْيِ غير أَنه سر بِرِوَايَة الْمُوَافق لرأيه من إِلْحَاق الْمَوْت بِالدُّخُولِ بِدَلِيل إِيجَاب الْعدة بِهِ) أَي بِالْمَوْتِ (كالدخول) أَي كَمَا يجب بِالدُّخُولِ (وَهُوَ) أَي الْعَمَل بِهِ (أَعم من الْقبُول لجَوَاز اعْتِبَاره) أَي الْمَرْوِيّ الْمَذْكُور بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَأْيه الْمَذْكُور (كالمتابعات) فِي بَاب الرِّوَايَات لإِفَادَة

التقوية (إِلَّا أَن ينْقل) عَن ابْن مَسْعُود (أَنه بعد) أَي بعد تِلْكَ الْوَاقِعَة (اسْتدلَّ بِهِ) أَي بالمروي الْمَذْكُور (وَهَذَا) إِلَّا يرد الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله وَلَا يخفى الخ (نظر فِي الْمِثَال غير قَادِح فِي الأَصْل فَإِن قيل إِنَّمَا ذَكرُوهُ) أَي الْحَنَفِيَّة قبُول مَا قبله بعض السّلف ورده بَعضهم (فِي تَقْسِيم الرَّاوِي الصَّحَابِيّ إِلَى مُجْتَهد كالأربعة) أبي بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي (والعبادلة) جمع عبدل، لِأَن من الْعَرَب من يَقُول فِي زيد: بدل، أَو عبد وضعا كالنساء للْمَرْأَة، وهم عِنْد الْفُقَهَاء: عبد الله بن عَبَّاس، وَعبد الله بن عمر، وَعبد الله بن عَمْرو، وَعبد الله بن مَسْعُود. وَعند الْمُحدثين مقَام ابْن مَسْعُود عبد الله بن الزبير (فَيقدم) خَبره (على الْقيَاس مُطلقًا) أَي سَوَاء وَافقه أَو خَالفه (و) إِلَى (عدل ضَابِط) غير مُجْتَهد (كَأبي هُرَيْرَة وَأنس وسلمان وبلال، فَيقدم) خَبره (إِلَّا أَن خَالف كل الأقيسة على قَول عِيسَى) بن أبان (وَالْقَاضِي أبي زيد) وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين (كَحَدِيث الْمُصراة) وَهُوَ مَا روى أَبُو هُرَيْرَة عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " لَا تصروا الْإِبِل وَالْغنم، فَمن ابتاعها بعد ذَلِك فَهُوَ بِخَير النظرين بعد أَن يحلبها، فَإِن رضيها أمْسكهَا، وَإِن سخطها ردهَا وصاعا من تمر ": مُتَّفق عَلَيْهِ، والتصرية ربط أحلاف النَّاقة أَو الشَّاة وَترك حلبها يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة ليجتمع لَبنهَا فَيرى كثيرا فيزيد فِي الثّمن، ثمَّ إِذا حلبها الحلبة أَو الحلبتين عرف أَن ذَلِك لَيْسَ بلبنها وَهَذَا غرور: فَذهب إِلَى ظَاهر هَذَا الحَدِيث الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَأَبُو يُوسُف على مَا فِي شرح الطَّحَاوِيّ للاسبيجابي، وَذكر عَنهُ الْخطابِيّ وَابْن قدامَة أَنه يردهَا مَعَ قيمَة اللَّبن وَلم يَأْخُذ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بِهِ لِأَنَّهُ خبر مُخَالف لِلْأُصُولِ (فَإِن اللَّبن مثلي وضمانه بِالْمثلِ) بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع كَمَا يَأْتِي (وَلَو) كَانَ اللَّبن (قيميا فبالقيمة) أَي فضمانه بهَا من التَّقْدِير بِالْإِجْمَاع (لَا كمية) أَي لَا بِضَمَان كمية، يَعْنِي الْكَيْل الْمعِين وَهُوَ الصَّاع (تمر خَاصَّة) بِجِنْس خَاص وَهُوَ التَّمْر، وَهَذَا الْعَطف كَمَا فِي قَوْلهم الصابح فالعاتم للتفاوت بَين التقييدين (ولتقويم الْقَلِيل وَالْكثير بِقدر وَاحِد) عطف على مَا فهم من فحوى الْكَلَام كَأَنَّهُ قَالَ: خَالف الأقيسة لكَون اللَّبن مثلِيا إِلَى آخِره، وللزوم تَقْوِيم الْقَلِيل وَالْكثير بِاعْتِبَار التَّفَاوُت بَين لبن الْإِبِل وَالْغنم وَبَين أَفْرَاد كل مِنْهُمَا، وَالْأَصْل تَقْدِير الضَّمَان بِقدر التَّالِف (وَرب شَاة) تكون مُقَابلا فِي الْقيمَة (بِصَاع) من التَّمْر خُصُوصا فِي غلائه: وَهَذَا وَجه ثَالِث للْخلاف (فَيجب) حِينَئِذٍ (ردهَا) أَي الشَّاة (مَعَ ثمنهَا) وَهُوَ فِي معنى الرِّبَا (وَعند الْكَرْخِي وَالْأَكْثَر) من الْعلمَاء خبر الْعدْل الضَّابِط (كَالْأولِ) أَي كَخَبَر الْمُجْتَهد (وَيَأْتِي الْوَجْه) لكَونه كَذَلِك (وَتَركه) أَي حَدِيث الْمُصراة (لمُخَالفَة الْكتاب) وَهُوَ قَوْله - {فاعتدوا عَلَيْهِ} - (بِمثل مَا اعْتدى، و) مُخَالفَة السّنة (الْمَشْهُورَة) وَهُوَ مَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (من أعتق شِقْصا)

أَي نَصِيبا لَهُ من مَمْلُوك (قوم عَلَيْهِ نصيب شَرِيكه) أَن كَانَ مُوسِرًا كَمَا روى مَعْنَاهُ الْجَمَاعَة (وَالْخَرَاج بِالضَّمَانِ). أخرجه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن وَعَلِيهِ الْعَمَل عِنْد أهل الْعلم، وَمَعْنَاهُ أَن الرجل يَشْتَرِي الْمَمْلُوك فيستغله ثمَّ يجد بِهِ عَيْبا كَانَ عِنْد البَائِع فَيَقْضِي برد العَبْد على البَائِع وَيرجع بِالثّمن وَيَأْخُذهُ وَتَكون لَهُ الْغلَّة طيبَة وَهُوَ الْخراج، وَإِنَّمَا طابت لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنا للْعَبد حَتَّى لَو مَاتَ مَاتَ من مَال المُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي يَده (و) مُخَالفَته (الْإِجْمَاع على التَّضْمِين بِالْمثلِ) فِي المثلى الَّذِي لَيْسَ بمنقطع (أَو الْقيمَة) فِي الْقَائِم الْفَائِت عينه أَو المثلى الْمُنْقَطع مَعَ أَنه مُضْطَرب الْمَتْن، فَمرَّة يَجْعَل الْوَاجِب صَاعا من تمر، وَمرَّة صَاعا من طَعَام غير بر، وَمرَّة مثل أَو مثلى لَبنهَا قمحا، وَمرَّة ذكر الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام، وَمرَّة لم يذكر، وَقيل هُوَ مَنْسُوخ (وَأَبُو هُرَيْرَة فَقِيه) لم يعْدم شَيْئا من أَسبَاب الِاجْتِهَاد، وَقد أفتى فِي زمن الصَّحَابَة وَلم يكن يُفْتِي فِي زمنهم إِلَّا مُجْتَهد: وروى عَنهُ أَكثر من ثَمَانمِائَة رجل مَا بَين صَحَابِيّ وتابعي: مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأنس، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح (ومجهول الْعين وَالْحَال كوابصة) بن معبد. قَالَ الشَّارِح والتمثيل بِهِ مُشكل، فَإِن الْمَجْهُول الْمَذْكُور عِنْدهم من لم يعرف إِلَّا بِرِوَايَة حَدِيث أَو حديثين، وَلم يعرف عَدَالَته وَلَا فسقه وَلَا طول صحبته، وَقد عرفت عَدَالَة الصَّحَابَة بالنصوص، وسرد لَهُ خَمْسَة أَحَادِيث أخرجهَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالطَّبَرَانِيّ وَحَاصِله المناقشة فِي الْمِثَال (فَإِن قبله السّلف أَو سكتوا إِذْ بَلغهُمْ أَو اخْتلفُوا قبل) وَقدم على الْقيَاس (كَحَدِيث معقل) فِي بروع وَقد عرفت اخْتِلَاف السّلف فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا قبله بعض السّلف صَار كَأَنَّهُ رَوَاهُ بِنَفسِهِ، وَإِذا كَانَ الْمُخْتَلف فِيهِ بِهَذِهِ المثابة فَمَا لم يَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ، بل قبله الْكل أَو سكتوا كَانَ أولى بِالْقبُولِ (أَو ردُّوهُ) أَي السّلف حَدِيث الْمَجْهُول (لَا يجوز) الْعَمَل بِهِ (إِذا خَالفه) الْقيَاس، لأَنهم لَا يتهمون برد الحَدِيث الصَّحِيح، فاتفاقهم على الرَّد حِينَئِذٍ دَلِيل على اتهامه فِي الرِّوَايَة (وسموه مُنْكرا كَحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس) أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لم يَجْعَل لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة) كَمَا فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره (رده عمر) فَقَالَ لَا نَتْرُك كتاب رَبنَا، وَسنة نَبينَا لقَوْل امْرَأَة لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حفظت أَو نسيت: رَوَاهُ مُسلم أَيْضا. (وَقَالَ مَرْوَان) كَمَا (فِي صَحِيح مُسلم حِين أخبر) بحديثها الْمَذْكُور (لم يسمع هَذَا الْأَمر إِلَّا) من (امْرَأَة سنأخذ بالعصمة الَّتِي وجدنَا النَّاس عَلَيْهَا وهم) أَي النَّاس يَوْمئِذٍ (الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، فَدلَّ أَنه مستنكر، وَإِن لم يظْهر) حَدِيث الْمَجْهُول (فِي السّلف، بل) ظهر (بعدهمْ فَلم يعلم ردهم وَعَدَمه) أَي عدم ردهم (جَازَ) الْعَمَل بِهِ (إِذا لم يُخَالف) الْقيَاس لترجح جَانب الصدْق لثُبُوت عَدَالَته ظَاهرا لِأَنَّهَا الْغَالِب فِي ذَلِك الزَّمَان (وَلم يجب) الْعَمَل بِهِ لِأَن وجوب الْعَمَل

بالْخبر لَا يثبت بِمثلِهِ (فَيدْفَع) مَنْصُوب على أَنه جَوَاب النَّفْي (نافي الْقيَاس) عَن منع هَذَا الْقيَاس (أَو يَنْفَعهُ) أَي نافي الْقيَاس، هَكَذَا حل الشَّارِح هَذَا الْمحل وَقَالَ: هَذَا تَعْرِيض بِدفع جَوَاب السَّائِل الْقَائِل إِذا وَافقه الْقيَاس وَلم يجب الْعَمَل بِهِ كَانَ الحكم ثَابتا بِالْقِيَاسِ فَمَا فَائِدَة جَوَاز الْعَمَل بِهِ بِأَنَّهَا جَوَاز إِضَافَة الحكم ثَابتا إِلَيْهِ فَلَا يتَمَكَّن نافي الْقيَاس من منع هَذَا الحكم لكَونه مُضَافا إِلَى الحَدِيث (وَإِنَّمَا يلْزم) الدّفع أَو النَّفْع (لَو قبله) أَي السّلف الحَدِيث فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يتَمَكَّن من منع الحكم الثَّابِت بِهِ، وَقد يَنْفَعهُ حَيْثُ يضيف الحكم إِلَيْهِ لَا إِلَى الْقيَاس لَكِن الْفَرْض عدم الْعلم بِهِ حَيْثُ لم يظْهر فيهم انْتهى. أَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِذا كَانَ قَوْله فَيدْفَع جَوَاب النَّفْي لزم كَون أحد الْأَمريْنِ الدّفع والنفع لَازم المنفى: وَهُوَ وجوب الْعَمَل بِهِ غير مُتَحَقق مَعَ النَّفْي، أما دفع النَّافِي على تَقْدِير الْوُجُوب فبأن يُقَال: لَو لم يكن الْقيَاس مُعْتَبرا شرعا لما وَجب الْعَمَل بِحَدِيث راو مَجْهُول بِسَبَب مُوَافَقَته، وَأما النَّفْع على ذَلِك التَّقْدِير فبأن يُقَال لَو كَانَ الْقيَاس مُعْتَبرا لما أضيف الحكم إِلَى حَدِيث كَذَا مَعَ وجوده وَعدم تحقق أحد الْأَمريْنِ على تَقْدِير جَوَاز الْعَمَل بِهِ فَلَا يَخْلُو عَن خَفَاء لجَوَاز أَن يُقَال لَو لم يكن الْقيَاس مُعْتَبرا لما جَازَ الْعَمَل بِحَدِيث كَذَا بِسَبَب مُوَافَقَته فَإِنَّهُ لَو خَالفه لما جَازَ الْعَمَل بِهِ، أَو يُقَال: لَو كَانَ الْقيَاس مُعْتَبرا لما أضيف جَوَاز الْعَمَل إِلَى الحَدِيث الْمَذْكُور، بل كَانَ يُضَاف إِلَى الْقيَاس: غير أَن الدّفع والنفع حِينَئِذٍ لَيْسَ يُقَوي مثل الأول فَلم يعْتَبر بِهِ، وَأما تَقْرِير لُزُوم أحد الْأَمريْنِ على تَقْدِير قبُول السّلف فبأن يُقَال: لَوْلَا أَن الْقيَاس من الْأُصُول الشَّرْعِيَّة لما قبل السّلف مثل هَذَا الحَدِيث لموافقته، أَو يُقَال: لَو كَانَ مِنْهَا كَانُوا يضيفون هَذَا الحكم إِلَيْهِ لَا إِلَى مثل هَذَا الحَدِيث، وَأما ادِّعَاء كَونه تعريضا بِدفع الْجَواب الْمَذْكُور عَن السُّؤَال الْمَزْبُور فَمَا يُفْضِي إِلَيْهِ الْعجب، وطوينا الْكَلَام فِي إبِْطَال كثير مِمَّا ذكره هَهُنَا مَخَافَة الإملال عَن إكثار الشغب، هَذَا وَيحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله لَو قبل نافي الْقيَاس وجوب الْعَمَل بِهِ أَو جَوَازه، وَأما إِذا لم يقبل فَلَا يَتَأَتَّى شَيْء من الدّفع والنفع، وَهَذَا الْوَجْه أوجه (وَرِوَايَة مثل هَذَا الْمَجْهُول فِي زَمَاننَا لَا تقبل) مَا لم يتأيد بِقبُول الْعُدُول لغَلَبَة الْفُسَّاق على أهل هَذَا الزَّمَان (قُلْنَا) لَيْسَ التَّقْسِيم الْمَذْكُور للراوي الصَّحَابِيّ (بل وضعهم) أَي الْحَنَفِيَّة التَّقْسِيم الْمَذْكُور فِيمَا هُوَ (أَعم) من الصَّحَابِيّ وَغَيره (وَهُوَ) أَي مَا وضعوه (قَوْلهم والراوي إِن عرف بالفقه إِلَى آخِره غير أَن التَّمْثِيل وَقع بالصحابة مِنْهُم وَلَيْسَ يلْزم) كَون الرَّاوِي (صحابيا) فَلَا مُخَصص لعُمُوم الرَّاوِي فِي قَوْلهم (فَصَارَ هَذَا) أَي الْمَذْكُور فِي هَذَا التَّقْسِيم (حكم غير الصَّحَابِيّ أَيْضا وَلَا جرح) للراوي وَالشَّاهِد (بترك الْعَمَل فِي رِوَايَة

وَلَا شَهَادَة) لَهما (لجوازه) أَي ترك الْعَمَل بروايته وشهادته (بمعارض) من رِوَايَة أَو شَهَادَة أُخْرَى أَو فقد شَرط غير الْعَدَالَة. قَالَ السُّبْكِيّ: فَإِن فرض ارْتِفَاع الْمَوَانِع بأسرها وَكَانَ مَضْمُون الْخَبَر وجوبا فَتَركه حِينَئِذٍ يكون جرحا، قَالَه القَاضِي فِي التَّقْرِيب وَسَيَجِيءُ فِيهِ تَفْصِيل (وَلَا) جرح (بِحَدّ لشهادة بِالزِّنَا مَعَ عدم النّصاب) للشَّهَادَة لدلالته على فسق الشَّاهِد، وَهَذَا فِي ظَاهر الْمَذْهَب بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرِّوَايَة، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة ردهَا بِهِ كرد الشَّهَادَة بِلَا خلاف فِي الْمَذْهَب (وَلَا) جرح (بالأفعال الْمُجْتَهد فِيهَا) من الْمُجْتَهد الْقَائِل بإباحتها أَو مقلده كشرب النَّبِيذ مَا لم يسكر من غير لَهو، واللعب بالشطرنج بِلَا قمار (وركض الدَّابَّة) أَي حثها لتعدو: هُوَ رد لشعبة، فَإِنَّهُ قيل لَهُ: لَو تركت حَدِيث فلَان؟ قَالَ: رَأَيْته يرْكض على برذون كَيفَ وَهُوَ مَشْرُوع من عمل الْجِهَاد، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه فعل ذَلِك فِي حَضرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأَمْره (وَكَثْرَة المزاح غير المفرط) فقد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمزح أَحْيَانًا وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا على مَا هُوَ الْمَذْكُور فِي كتب لحَدِيث فِي بَاب وضع لَهُ (وَعدم اعْتِبَار الرِّوَايَة) فَإِن من الصَّحَابَة من يمْتَنع عَن الرِّوَايَة فِي عَامَّة الْأَوْقَات، وَمِنْهُم من يشْتَغل بهَا فِي عامتها، ثمَّ لم يرجح أحد رِوَايَة من اعتادها على من لم يعتدها (وَلَا يدْخلهُ) أَي لَا يدْخل فِيمَن لم يعتدها (من لَهُ راو فَقَط) إِذْ يجوز اعْتِبَارهَا مَعَ وحد الْآخِذ (وَهُوَ) أَي من لَهُ راو فَقَط (مَجْهُول الْعين باصطلاح) الْمُحدثين (كسمعان ابْن مشاج والهزهاز بن ميزن لَيْسَ لَهما) راو (إِلَّا الشّعبِيّ وجبار الطَّائِي فِي آخَرين) وهم: عبد الله بن أغر الْهَمدَانِي والهيثم بن حَنش وَمَالك بن أغر وَسَعِيد بن ذِي حدان وَقيس بن كركم وبهر بن مَالك على مَا ذكره الشَّارِح (لَيْسَ لَهُم) راو (إِلَّا) أَبُو إِسْحَاق (السبيعِي وَفِي) لم (الحَدِيث) فِيهِ أَقْوَال (نَفْيه) أَي نفي قبُوله (للْأَكْثَر) من أهل الحَدِيث وَغَيرهم (وقبوله) مُطلقًا (قيل هُوَ) أَي هَذَا القَوْل (لمن لم يشْتَرط) فِي الرَّاوِي شرطا (غير الْإِسْلَام وَالتَّفْصِيل بَين كَون) ذَلِك الرَّاوِي (الْمُنْفَرد لَا يرْوى إِلَّا عَن عدل) كَابْن مهْدي وَيحيى بن سعيد مَعَ الِاكْتِفَاء فِي التَّعْدِيل بِوَاحِد (وَمَعْلُوم أَن الْمَقْصُود) مَا ذكر (مَعَ ضبط) فَيقبل وَإِلَّا فَلَا (وَقيل إِن زَكَّاهُ عدل) من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل قبل، وَإِلَّا فَلَا (وَقيل أَن شهر) فِي غير الْعلم (بالزهد كمالك بن دِينَار، أَو النجدة) وَهُوَ الْقِتَال والشجاعة (كعمرو بن معدي كرب) قبل وفلا (ومرجع التَّفْصِيل) الأول (وَمَا بعده وَاحِد: وَهُوَ أَن عرف عدم كذبه) قبل، وَإِلَّا فَلَا (غير أَن لمعرفتها طرقا التَّزْكِيَة وَمَعْرِفَة أَنه لَا يرْوى إِلَّا عَن عدل وزهده والنجدة فَإِن المتصف بهَا) أَي الْجدّة (عَادَة يرْتَفع عَن الْكَذِب، وَفِيه نظر فقد تحقق خِلَافه) وَهُوَ الْكَذِب مَعَ النجدة (فِيمَا ل الْمبرد عَنهُ) أَي عَن معدي كرب من نِسْبَة الْكَذِب إِلَيْهِ (وَالْوَجْه جعل أَن زَكَّاهُ)

عدل قبل وَإِلَّا فَلَا (مُرَاد الأول) وَهُوَ أَنه إِن كَانَ لَا يرْوى إِلَّا عَن عدل قبل وَإِلَّا فَلَا (وَلَا) جرح أَيْضا (بحداثة السن بعد اتقان مَا سمع) عِنْد التَّحَمُّل وَتحقّق الْعَدَالَة وَسَائِر شُرُوط الرِّوَايَة (واستكثار مسَائِل الْفِقْه) لِأَنَّهُ لَا يلْزم من ذَلِك خلل فِي الْحِفْظ كَمَا زعم بعض (وَكَثْرَة الْكَلَام كَمَا) نقل (عَن زَاذَان) قَالَ شُعْبَة: قلت للْحكم بن عتيبة لم لم ترو عَن زَاذَان؟ قَالَ كثير الْكَلَام، وَالْحق أَن مُجَرّد هَذَا غير قَادِح (وَبَوْل قَائِما كَمَا عَن سماك) قَالَ جرير: رَأَيْت سماك بن حَرْب يَبُول قَائِما فَلم أكتب عَنهُ، فَإِن مُجَرّد هَذَا غير قَادِح. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَال قَائِما، وَالظَّاهِر أَنه بَيَان للْجُوَاز كَمَا ذهب إِلَيْهِ بَعضهم فَهُوَ مُبَاح غير مخل بالمروة إِذا لم يرْتَد عَن البائل من غير كشف الْعَوْرَة (وَاخْتلف فِي رِوَايَة الْعدْل) عَن الْمَجْهُول على ثَلَاثَة أَقْوَال (فالتعديل) إِذْ الظَّاهِر أَنه لَا يرْوى إِلَّا عَن عدل احْتِرَازًا عَن التلبيس لما فِيهَا من الْإِيقَاع فِي الْعَمَل بِمَا لَا يجوز أَن يعْمل بِهِ (وَالْمَنْع) لَهُ، إِذْ كثيرا مَا يرْوى الْعدْل وَلَا يفكر عَمَّن يرْوى وَلَا يلتبس إِذْ لَا يجب الْعَمَل بِمُجَرَّد الرِّوَايَة، إِذْ غَايَته أَنه يَقُول سمعته كَذَا فَلَو عمل بِهِ السَّامع من غير استكشاف فالتقصير مِنْهُ، وَعزا ابْن الصّلاح هَذَا القَوْل إِلَى أَكثر الْعلمَاء من الْمُحدثين وَغَيرهم، وَذكر أَنه الصَّحِيح (وَالتَّفْصِيل بَين من علم أَنه لَا يروي إِلَّا عَن عدل) فَهِيَ تَعْدِيل (أَولا) يعلم ذَلِك من عَادَته فَلَا يكون تعديلا لما ذكر (وَهُوَ) أَي هَذَا التَّفْصِيل (الأعدل وَأما التَّدْلِيس) وَفَسرهُ بقوله (إِيهَام الرِّوَايَة عَن المعاصر الْأَعْلَى) سَمَاعا مِنْهُ سَوَاء لقِيه أَولا بِحَذْف المعاصر الْأَدْنَى سَوَاء كَانَ شَيْخه أَو شيخ شَيْخه فَصَاعِدا نَحْو قَالَ فلَان (أَو وصف شَيْخه بمتعدد) بِأَن يُسَمِّيه تَارَة ويكنيه أُخْرَى أَو ينْسبهُ إِلَى قَبيلَة أَو بلد أَو صَنْعَة أَو بِصفة بِمَا لَا يعرف بِهِ كَيْلا يعرف، وَيفْعل هَكَذَا (لإيهام الْعُلُوّ) فِي السَّنَد، أَو لصِغَر سنّ الْمَحْذُوف عَن سنّ الرَّاوِي، أَو لتأخر وَفَاته ومشاركته من دونه فِيهِ على التَّقْدِير الأول (وَالْكَثْرَة) فِي الشُّيُوخ على التَّقْدِير الثَّانِي لما فِيهِ من إِيهَام أَنه غَيره (فَغير قَادِح، أما) التَّدْلِيس (الْإِيهَام الثِّقَة) أَي كَون الْإِسْنَاد موثوقا بِهِ (بِإِسْقَاط مُخْتَلف فِي ضعفه) حَال كَون السَّاقِط وَاقعا (بَين ثقتين يوثقه) الْمسْقط بذلك (بِأَن ذكر) الثِّقَة (الأول بِمَا لَا يشْتَهر بِهِ من مُوَافق اسْم من عرف أَخذه عَن الثَّانِي) كلمة من بَيَان للموصول. وَحَاصِله أَن الثِّقَة الأول لَهُ اسمان: أَحدهمَا مَا اشْتهر بِهِ وَلم يسمه بِهِ، وَالثَّانِي مُشْتَرك بَينه وَبَين من أَخذ الحَدِيث عَن الثِّقَة الثَّانِي، وَذَلِكَ الْآخِذ ثِقَة مَعْرُوف فيعبر عَن الثِّقَة الأول بِهَذَا الِاسْم ليوهم السَّامع أَنه هُوَ (وَهُوَ) أَي هَذَا التَّدْلِيس (أحد قسمي) تَدْلِيس (التَّسْوِيَة فَيرد) الحَدِيث (عِنْد مانعي) قبُول (الْمُرْسل ويتوقف) على صِيغَة الْمَجْهُول (فِي عنعنته) أَي فِيمَا رَوَاهُ هَذَا المدلس بِلَفْظ عَن من غير بَيَان

للتحديث والإخبار وَالسَّمَاع. قَالَ الْعِرَاقِيّ: اخْتلفُوا فِي حكم الْإِسْنَاد المعنعن، فَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل، وَذهب إِلَيْهِ الجماهير من أَئِمَّة الحَدِيث وَغَيرهم أَنه من قبيل الْإِسْنَاد الْمُتَّصِل بِشَرْط سَلامَة الرَّاوِي بالعنعنة من التَّدْلِيس، وبشرط ثُبُوت ملاقاته لمن رَوَاهُ عَنهُ بالعنعنة، ثمَّ قَالَ: وَمَا ذَكرْنَاهُ من اشْتِرَاط ثُبُوت اللِّقَاء مَذْهَب الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا من أَئِمَّة هَذَا الْعلم، وَأنكر مُسلم اشْتِرَاطه، وَقَالَ الْمُتَّفق عَلَيْهِ بَين أهل الْعلم بالأخبار قَدِيما وحديثا أَنه يَكْفِي ثُبُوت كَونهمَا فِي عصر وَاحِد. وَقَالَ ابْن الصّلاح: وَفِيمَا قَالَه مُسلم نظر (دون المجيزين) لقبُول الْمُرْسل: حكى الْخَطِيب أَن جُمْهُور من يحْتَج بالمرسل يقبل خبر المدلس (وَلَا يسْقط) المدلس الْمَذْكُور فِي الْمَذْهَب الصَّحِيح (بعد كَونه إِمَامًا) من أَئِمَّة الحَدِيث (لاجتهاده) فِي طلب صِحَة الْخَبَر (وَعدم صَرِيح الْكَذِب، وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم من التَّدْلِيس (محمل فعل الثَّوْريّ وَالْأَعْمَش وَبَقِيَّة) فِي الْقَامُوس بَقِي بن مخلد حَافظ الأندلس، وَبَقِيَّة وَبَقَاء اسمان. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من هَذَا النَّوْع كثير كقتادة والسفيانين وَعبد الرَّزَّاق والوليد بن مُسلم. قَالَ النَّوَوِيّ: وَمَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وشبههما من المدلسين بعن مَحْمُول على ثُبُوت السماع من جِهَة أُخْرَى. قَالَ الْحَافِظ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي: قَالَ أَكثر الْعلمَاء المعنعنات الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ منزلَة بِمَنْزِلَة السماع (وَيجب) سُقُوط الرَّاوِي لتدليسه (فِي الْمُتَّفق) على ضعفه لِأَنَّهُ غير رشيد فِي الدّين. قَالَ الْهَيْثَم بن خَارِجَة للوليد بن مُسلم: أفسدت حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ تروي عَنهُ عَن نَافِع وَعنهُ عَن الزُّهْرِيّ، وَغَيْرك يدْخل بَينه وَبَين نَافِع عبد الله بن عَامر الْأَسْلَمِيّ وَبَينه وَبَين الزُّهْرِيّ إِبْرَاهِيم بن مرّة وقرة، قَالَ لَهُ أنبل الْأَوْزَاعِيّ أَن يرْوى عَن مثل هَؤُلَاءِ. قَالَ الْهَيْثَم قلت لَهُ فَإِذا روى عَن هَؤُلَاءِ وهم ضعفاء أَحَادِيث مَنَاكِير فأسقطتهم وصيرتها من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن الثِّقَات ضعف الْأَوْزَاعِيّ انْتهى، وَلذَا قَالَ شُعْبَة التَّدْلِيس أَخُو الْكَذِب، وَأَرَادَ بِهِ هَذَا الْقسم مِنْهُ (وتحققه) أَي هَذَا التَّدْلِيس يكون (بِالْعلمِ بمعاصرة الموصولين) بِإِسْقَاط الْوَاسِطَة بَينهمَا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعلم معاصرتهما (لَا تَدْلِيس ويفضي) التَّدْلِيس لتكبير الشُّيُوخ (إِلَى تَضْييع) الشَّيْخ (الْمَوْصُول وَحَدِيثه) الْمَرْوِيّ أَيْضا قلت وَيَنْبَغِي أَن يحمل على تضييعه بِاعْتِبَار مَا يرْوى عَنهُ هَذَا الْمسْقط لَا مُطلقًا لِأَنَّهُ إِذا روى عَن الضَّعِيف مَعَ بَيَان ضعفه لَا يخل بِهِ، وَنقل عَن الشَّافِعِي وَالْبَزَّار والخطيب اشْتِرَاط اللِّقَاء فِي هَذَا التَّدْلِيس فَلم يكتفوا بِمُجَرَّد المعاصرة. قَالَ الشَّارِح: وَيعرف عدم الملاقاة بأخباره عَن نَفسه بذلك أَو بجزم إِمَام مطلع، وَلَا يَكْفِي أَن يَقع فِي بعض الطّرق زِيَادَة راو بَينهمَا.

مسئلة

مسئلة قَالَ (الْأَكْثَر) مِنْهُم الرَّازِيّ والآمدي (الْجرْح وَالتَّعْدِيل) يثبتان (بِوَاحِد فِي الرِّوَايَة وباثنين فِي الشَّهَادَة، وَقيل) بل (بِاثْنَيْنِ فيهمَا) أَي فِي الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة (وَقيل) يثبتان (بِوَاحِد فيهمَا) أَي الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة، وَهُوَ مُخْتَار القَاضِي (للْأَكْثَر لَا يزِيد شَرط على مشروطه بالاستقراء وَلَا ينقص) شَرط عَن مشروطه أَيْضا بالاستقراء، وَالْعَدَالَة شَرط لقبولهما، وَالْجرْح لعدمه، وَالرِّوَايَة لَا يشْتَرط فِيهَا الْعدَد، وَالشَّهَادَة يشْتَرط فِيهَا، وَأقله اثْنَان: فَكَذَا التَّعْدِيل وَالْجرْح فيهمَا. قَالَ (المعدد) أَي شارط الْعدَد فيهمَا: كل وَاحِد من الْجرْح وَالتَّعْدِيل (شَهَادَة) وَلذَا ترد بِمَا ترد بِهِ الشَّهَادَة (فيتعدد) كَمَا فِي سَائِر الشَّهَادَات (عورض خبر) عَن حَال الرَّاوِي (فَلَا) يشْتَرط فِيهِ الْعدَد، بل يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ إِذا غلب على الظَّن صدقه (قَالُوا) أَي المعددون فيهمَا اشْتِرَاط الْعدَد فِي كل مِنْهُمَا (أحوط) لزِيَادَة الثِّقَة، فَالْقَوْل بِهِ أولى (أُجِيب بالمعارضة) وَهِي أَن عدم اشْتِرَاط الْعدَد أحوط حذرا عَن تَضْييع الْأَحْكَام (الْمُفْرد) الَّذِي لَا يشْتَرط: أَي الْعدَد (فيهمَا) أَي فِي التَّعْدِيل وَالْجرْح، وَالشَّهَادَة فِي الرِّوَايَة قَالَ: كل مِنْهُمَا (خبر) فَلَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد (فَيُقَال) لَهُ بل كل مِنْهُمَا (شَهَادَة) فَيشْتَرط فِيهِ الْعدَد (فَإِذا قَالَ) الْمُفْرد الْإِفْرَاد (أحوط عورض) بِأَن التَّعَدُّد أحوط (والأجوبة) من الطَّرفَيْنِ (كلهَا جدلية) لَا ينْكَشف بهَا الْحق، وَلَا يتَرَجَّح بهَا مَذْهَب (والمعارضة الأولى) وَهِي الْأَفْرَاد أحوط (تنْدَفع بِأَن شرع مَا لم يشرع شَرّ من ترك مَا شرع) لِأَن فِيهِ شَائِبَة شركَة فِي الربوبية تَعَالَى الله عَن ذَلِك، بِخِلَاف ترك مَا شرع (و) الْمُعَارضَة (الثَّانِيَة) وَهِي التَّعَدُّد أحوط (نقتضي التَّعَدُّد فيهمَا). قَالَ الشَّارِح: أَي الْجرْح وَالتَّعْدِيل انْتهى وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَا مَحْذُور فِيهِ فَالصَّوَاب أَن يُقَال: أَي الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة وَالْأَكْثَر لَا يَقُول بِهِ كَمَا ذكر فِي صدر المبحث، وَهَذِه الْمُعَارضَة من قبلهم (وَقَول الْأَكْثَر لَا يزِيد) شَرط على مَشْرُوط بالاستقراء (مُنْتَفٍ بِشَاهِد الْهلَال) أَي هِلَال رَمَضَان إِذا كَانَ بالسماء عِلّة فَإِنَّهُ يَكْتَفِي فِيهِ بِوَاحِد ويفتقر تعديله إِلَى اثْنَيْنِ (وَلَا ينقص) شَرط عَن مشروطه مُنْتَفٍ (بِشَهَادَة الزِّنَا) فَإِنَّهُ يلْزم كَونهم أَرْبَعَة، وَيَكْفِي فِي تعديلهم اثْنَان (وَمَا قيل لانقض) بِهَذَيْنِ (بل) زِيَادَة فِي الأَصْل فِي شَهَادَة الزِّنَا ونقصانه فِي الْهلَال إِنَّمَا يثبت (بِالنَّصِّ للِاحْتِيَاط فِي الدرء) للعقوبات (والإيجاب) لِلْعِبَادَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي حَاشِيَة التَّفْتَازَانِيّ (لَا يُخرجهُ) أَي هَذَا الْجَواب لَا يخرج مَا ذكر من مادتي النَّقْض (عَنْهُمَا) أَي ثُبُوت الزِّيَادَة وَثُبُوت النَّقْص المنافيين لما ادّعى من الضابطين بالاستقراء

(وأوجهها) أَي هَذِه الْأَقْوَال (الْمُفْرد) أَي قَول الْقَائِل بِأَن الْمُفْرد كَافِي فيهمَا (فَإِذا قيل كَونه) أَي كَون كل من الْجرْح وَالتَّعْدِيل (شَهَادَة أحوط) يَعْنِي أَنه يحْتَمل أَن يكون شَهَادَة، وَأَن يكون خَبرا، وَحمله على الأول ورعاية جَانِبه تَسْتَلْزِم رِعَايَة الْجَانِب الآخر على الْوَجْه الآكد، بِخِلَاف الْعَكْس (منع محليته). قَالَ الشَّارِح: أَي التَّعْدِيل وَالصَّوَاب، أَي كل من الْجرْح وَالتَّعْدِيل لاقْتِضَاء السِّيَاق والسباق، وَكَأَنَّهُ دَعَاهُ إِلَيْهِ ظَاهر مَا سَيَأْتِي، وسيظهر لَك أَنه مُوَافق لما قُلْنَا (لَهُ) أَي للِاحْتِيَاط (إِذْ الِاحْتِيَاط عِنْد تجاذب متعارضين) أَي دَلِيلين كل مِنْهُمَا يجذب إِلَى مُوجبه مَعَ الْمُخَالفَة بَين لازميهما (فَيعْمل بأشدهما) كلفة وأوفرهما امتثالا (وَلَا تزيد التَّزْكِيَة) الَّتِي هِيَ التَّعْدِيل (على أَنَّهَا ثَنَاء عَلَيْهِ) أَي على الرَّاوِي أَو الشَّاهِد (وَهُوَ) أَي هَذَا الثَّنَاء يتَحَقَّق (بِمُجَرَّد الْخَبَر) الْخَاص من الْمُزَكي (فإثبات زِيَادَة على الْخَبَر) يَعْنِي خُصُوصِيَّة كَونه شَهَادَة يكون (بِلَا دَلِيل فَيمْتَنع) إِذْ لَا يجوز إِثْبَات حكم شَرْعِي بِغَيْر دَلِيل يُوجِبهُ فَثَبت خبريته وَلم يثبت كَونه شَهَادَة وَلَا تجاذب وَلَا تعَارض (وَلَا يتَصَوَّر الِاحْتِيَاط) لِأَنَّهُ فرع التَّعَارُض. (وَاخْتلف فِي اشْتِرَاط ذكورة الْمعدل) للشَّاهِد فِي الْحُدُود عِنْد أَصْحَابنَا فَفِي الْهِدَايَة يشْتَرط الذُّكُورَة فِي الْمُزَكي فِي الْحُدُود. وَفِي غَايَة الْبَيَان، يَعْنِي بِالْإِجْمَاع: وَكَذَا فِي الْقصاص ذكره فِي الْمُخْتَلف فِي كتاب الشَّهَادَات فِي بَاب مُحَمَّد انْتهى. وَوَافَقَهُ الزَّيْلَعِيّ، وَقيل يشْتَرط عِنْده خلافًا لَهما (وَمُقْتَضى النّظر قبُول تَزْكِيَة كل عدل ذكر أَو امْرَأَة فِيمَا يشْهد بِهِ حر أَو عبد) لِأَنَّهَا ثَنَاء وأخبار عَن حَال الشَّاهِد أَو الرَّاوِي، لَا شَهَادَة (وَلَو شرطت الملابسة فِي الْمَرْأَة) لمن تزكيه، وَهِي المخالطة على وَجه يُوجب معرفَة بَاطِن الْحَال (لسؤال بَرِيرَة) أَي سُؤال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَرِيرَة مولاة عَائِشَة عَنْهَا فِي قصَّة الْإِفْك بِإِشَارَة عَليّ كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح (و) فِي (العَبْد) أَيْضا، وَذَلِكَ لظُهُور عدم مخالطتهما الرِّجَال والأحرار خلْطَة على الْوَجْه الْمَذْكُور (لم يبعد فينتفى) بِاشْتِرَاط الملابسة (ظُهُور مَبْنِيّ النَّفْي) لمعْرِفَة بَاطِن الْحَال وَهُوَ بعدهمَا عَن اطلَاع حَال الرِّجَال والأحرار، وَفِي الْمُحِيط وَيقبل تَعْدِيل الْمَرْأَة لزَوجهَا إِذا كَانَت بَرزَة تخالط النَّاس وتعاملهم فَإِن كَانَت مخدرة غير بَرزَة لَا تكون خبْرَة، فَلَا تعرف أَحْوَال النَّاس إِلَّا حَال زَوجهَا وَوَلدهَا، فَلَا يكون تعديلها مُعْتَبرا انْتهى. وَحكى مَشَايِخنَا خلافًا بَين أبي حنيفَة وصاحبيه فِي تَزْكِيَة العَبْد فَلم يقبلهَا مُحَمَّد وقبلاها. قَالَ الشَّارِح: ثمَّ التَّحْرِير فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة أجمع أَصْحَابنَا على أَنه يشْتَرط لَهَا سَائِر أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وَمَا اشْترط فِيهَا سوى لَفْظَة الشَّهَادَة، وَأما تَزْكِيَة السِّرّ فَفِي الْحُدُود وَالْقصاص عرفت مَا فِيهَا، ثمَّ ذكر تَفْصِيلًا يرجع إِلَيْهِ من يُريدهُ.

مسئلة

مسئلة (إِذا تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل فالمعروف مذهبان: تَقْدِيم الْجرْح مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ المعدلون أقل من الجارحين أَو مثلهم أَو أَكثر مِنْهُم: نَقله الْخَطِيب عَن جُمْهُور الْعلمَاء، وَصَححهُ الرَّازِيّ والآمدي وَابْن الصّلاح وَغَيرهم (وَهُوَ الْمُخْتَار وَالتَّفْصِيل بَين تَسَاوِي المعدلين والجارحين فَكَذَلِك) أَي يقدم الْجرْح (والتفاوت) بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمِقْدَار (فيترجح الْأَكْثَر) من الْفَرِيقَيْنِ على الْأَقَل مِنْهُمَا (فَأَما وجوب التَّرْجِيح) لأَحَدهمَا على الآخر بمرجح (مُطلقًا) أَي سَوَاء تَسَاويا أَو كَانَ أَحدهمَا أَكثر (كنقل ابْن الْحَاجِب فقد أنكر) كَمَا ذكره الشَّيْخ زين الدّين الْعِرَاقِيّ (بِنَاء على حِكَايَة القَاضِي أبي بكر) الباقلاني (والخطيب) الْبَغْدَادِيّ (الْإِجْمَاع على تَقْدِيم الْحَرج عِنْد التَّسَاوِي لَوْلَا تعقب الْمَازرِيّ الْإِجْمَاع) الَّذِي حكيناه وَمنعه إِيَّاه مُسْتَندا (بنقله) أَي الْمَازرِيّ (عَن) عَالم (مالكي يشهر بِابْن شعْبَان) أَنه يطْلب التَّرْجِيح فِي صُورَة التَّسَاوِي، وَلَا يقدم الْجرْح فِيهَا مُطلقًا، وَجَوَاب لَو مَحْذُوف، يَعْنِي لَوْلَا هَذَا التعقب لحكمنا بِبُطْلَان مَا نَقله ابْن الْحَاجِب قطعا (لكنه) أَي ابْن شعْبَان (غير مَشْهُور وَلَا يعرف لَهُ تَابع) وَاحِد فضلا عَن الأتباع (فَلَا يَنْفِيه) قَول ابْن شعْبَان الْإِجْمَاع، وَأورد الشَّارِح عَلَيْهِ أَن الْقَائِل بِعَدَمِ تعْيين الْعَمَل بالتعديل إِذا كَانَ الْجَارِح أقل، بل يطْلب التَّرْجِيح قَائِل بِعَدَمِ ذَلِك للترجيح فِي صُورَة التَّسَاوِي بطرِيق أولى فتنخدش دَعْوَى الْإِجْمَاع، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون كل من هذَيْن ذهب إِلَى مَا قَالَه بعد انْعِقَاد الْإِجْمَاع على تَقْدِيم الْجرْح على التَّعْدِيل إِذا تساوى عدداهما انْتهى: فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بقوله من هذَيْن مَا نَقله ابْن الْحَاجِب وَمَا نَقله الْمَازرِيّ لَكِن لَا يعلم مَقْصُوده من كَونهمَا بعد الْإِجْمَاع أَن أَرَادَ عدم الِاعْتِدَاد بهما فقد علم، وَإِن أَرَادَ أَن صُورَة التَّسَاوِي تستثني من الْقَوْلَيْنِ نَاقض قَوْله بطرِيق أولى، ثمَّ قَالَ وَيُجَاب بِأَن الْأَمر على هَذَا لَكِن لم يتَحَقَّق قَائِل بِطَلَب التَّرْجِيح إِذا كَانَ الْجَارِح أقل، فَكَلَامه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مَاء حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجده شَيْئا (وَأما وضع شَارِحه) أَي ابْن الْحَاجِب، وَهُوَ القَاضِي عضد الدّين (مَكَان التَّرْجِيح التَّعْدِيل) فِي قَوْله وَقيل بل التَّعْدِيل مقدم (فَلَا يعرف قَائِل بِتَقْدِيم التَّعْدِيل مُطلقًا). وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ بل التَّرْجِيح مقدم، وَهُوَ مُوَافق لكَلَام الشَّارِحين وَالْمُصَنّف (وَالْخلاف عِنْد إطلاقهما) أَي الْجرْح وَالتَّعْدِيل بِلَا تعْيين سَبَب (أَو تعْيين الْجَارِح سَببا لم ينفه الْمعدل أَو نَفَاهُ) الْمعدل (بطرِيق غير يقيني 8 لنا فِي تَقْدِيم الْجرْح عدم الإهدار) لكل من الْجرْح وَالتَّعْدِيل (فَكَانَ) تَقْدِيمه (أولى) من تَقْدِيم التَّعْدِيل،

مسئلة

لِأَن فِيهِ إهدار الْجرْح (أما الْجَارِح) أَي عدم إهداره (فَظَاهر، وَأما قَول الْمعدل) أَي عدم إهداره بِحَيْثُ يلْزم تَكْذِيبه (فُلَانُهُ ظن الْعَدَالَة لما قدمْنَاهُ) من ظَاهر حَال الْمُسلم والتزام مَا يَقْتَضِيهِ الْإِسْلَام من اجْتِنَاب مَحْظُورَات دينه (وَلما يَأْتِي) من أَن الْعَدَالَة يتصنع فِي إظهارها فتظن وَلَيْسَت ثَابِتَة (ورد تَرْجِيح الْعَدَالَة بِالْكَثْرَةِ) أَي بِسَبَب كَثْرَة المعدلين (بِأَنَّهُم وَإِن كَثُرُوا لَيْسُوا مخبرين بِعَدَمِ مَا أخبر بِهِ الجارحون) وَلَو أخبروا بِهِ لكَانَتْ شَهَادَة على النَّفْي، وَهِي بَاطِلَة، ذكره الْخَطِيب (وَمعنى هَذَا أَنهم) أَي المعدلين والجارحين (لم يتواردوا فِي التَّحْقِيق) على مَحل وَاحِد فَلَا تعَارض بَين خبريهما (فَأَما إِذا عين) الْجَارِح (سَبَب الْجرْح) بِأَن قَالَ قتل فلَانا يَوْم كَذَا مثلا (ونفاه الْمعدل يَقِينا) بِأَن قَالَ رَأَيْته حَيا بعد ذَلِك الْيَوْم (فالتعديل) أَي تَقْدِيمه على الْجرْح (اتِّفَاق وَكَذَا) يقدم على الْجرْح (لَو قَالَ) الْمعدل (علمت مَا جرحه) أَي الْجَارِح الشَّاهِد أَو الرَّاوِي (بِهِ) من القوادح (وَأَنه) أَي الْمَجْرُوح (تَابَ عَنهُ) أَي عَمَّا جرح بِهِ، هَذَا وناقش الشَّارِح فِي حِكَايَة الِاتِّفَاق فِي الصُّورَتَيْنِ بِمَا فِي شرح السُّبْكِيّ من أَنَّهَا: يَعْنِي الصُّورَة الأولى من مواقع الْخلاف، والاعتماد على نقل المُصَنّف أَكثر. مسئلة (أَكثر الْفُقَهَاء وَمِنْهُم الْحَنَفِيَّة و) أَكثر (الْمُحدثين) وَمِنْهُم البُخَارِيّ وَمُسلم (لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُبينًا) سبه كَأَن يَقُول: فلَان مدمن خمرًا أَو آكل رَبًّا (لَا) كَذَلِك (التَّعْدِيل) فَيقبل من غير بَيَان (وَقيل بِقَلْبِه) أَي لَا يقبل التَّعْدِيل إِلَّا مُبينًا سَببه كَأَن يَقُول: (فلَان يجْتَنب الْكَبَائِر والإصرار على الصَّغِيرَة وخوارم الْمُرُوءَة، وَيقبل الْجرْح بِلَا ذكر سَببه (وَقيل) يقبل الْإِطْلَاق (فيهمَا) أَي الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِن قلت من أَيْن يفهم مرجع ضمير قيل؟ قلت من قَوْله لَا التَّعْدِيل، فَإِن مَعْنَاهُ يقبل من غير بَيَان كَمَا مر (وَقيل لَا) يقبل الْإِطْلَاق فيهمَا فَلَا بُد من الْبَيَان فِي كل مِنْهُمَا. قَالَ (القَاضِي) أَبُو بكر قَالَ (الْجُمْهُور من أهل الْعلم إِذا جرح من لَا يعرف الْجرْح يجب الْكَشْف) عَن ذَلِك (وَلم يوجبوه) أَي الْكَشْف (على عُلَمَاء الشَّأْن. قَالَ) القَاضِي (ويقوى عندنَا تَركه) أَي الْكَشْف (إِذا كَانَ الْجَارِح عَالما كَمَا لَا يجب استفسار الْمعدل) عَمَّا صَار الْمُزَكي عِنْده عدلا بِهِ (وَهَذَا) (مَا يُخَالف مَا) نقل (عَن أَمَام الْحَرَمَيْنِ) وَهُوَ قَوْله (إِن كَانَ) كل من الْمعدل والجارح (عَالما كفى) الْإِطْلَاق (فيهمَا) أَي الْجرْح وَالتَّعْدِيل (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن عَالما (لَا) يَكْفِي الْإِطْلَاق فيهمَا كَمَا اخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب وَغَيره، وَاخْتَارَهُ الْغَزالِيّ والرازي والخطيب (فِي الِاكْتِفَاء فِي التَّعْدِيل بِالْإِطْلَاقِ) فَإِنَّهُ على قَول

القَاضِي لَا يجب الْبَيَان فِي التَّعْدِيل، وعَلى قَول الإِمَام يجب إِلَّا إِذا كَانَ عَالما. قَوْله فِي الِاكْتِفَاء مُتَعَلق يُخَالف، وبالإطلاق بالاكتفاء (أَو) هَذَا (مثله) أَن مَا عَن الإِمَام بِنَاء على إِرَادَة التَّقْيِيد بِالْعلمِ فِي التَّعْدِيل، بل فِي كَلَام القَاضِي وَإِن كَانَ بَعيدا (فَمَا نسب إِلَى القَاضِي من الِاكْتِفَاء بِالْإِطْلَاقِ) فيهمَا كَمَا وَقع للْإِمَام وَالْغَزالِيّ (غير ثَابت) عَن القَاضِي. قَالَ الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ: الظَّاهِر أَنه وهم مِنْهُمَا، وَالْمَعْرُوف أَنه لَا يجب ذكر سَبَب وَاحِد مِنْهُمَا إِذا كَانَ كل من الْجَارِح والمعدل ذَا بَصِيرَة كَمَا عَلَيْهِ الْغَزالِيّ وَحَكَاهُ عَنهُ الرَّازِيّ والآمدي والخطيب (وَيبعد من عَالم القَوْل بِسُقُوط رِوَايَة أَو ثُبُوتهَا بقول من لَا خبْرَة عِنْده بالقادح وَغَيره). قَالَ السُّبْكِيّ: لَا يذهب عَاقل إِلَى قبُول ذَلِك مُطلقًا من رجل غمر جَاهِل لَا يعرف مَا يجرح بِهِ وَلَا مَا يعدل بِهِ (وَمَا أوردوه من دَلِيله) أَي القَاضِي: وَهُوَ أَنه (إِن شهد) الْجَارِح مثلا (من غير بَصِيرَة لم يكن عدلا) لِأَنَّهُ يدل على اتِّبَاعه الْهوى (وَالْكَلَام فِيهِ) أَي وَالْحَال أَن كلامنا فِي الْعدْل (فَيلْزم أَن لَا يكون) الْجَارِح (إِلَّا ذَا بَصِيرَة، فَإِن سكت) الْجَارِح عَن الْبَيَان (فِي مَحل الْخلاف) أَي الْموضع الْمُخْتَلف فِي أَنه هَل هُوَ بِسَبَب الْجرْح (فمدلس) وَهُوَ قدح فِي عَدَالَته، وَمَا أوردوه مُبْتَدأ خَبره (يُفِيد أَن لَا بُد من بَصِيرَة عِنْده) أَي القَاضِي (بالقادح وَغَيره وبالخلاف فِيمَا فِيهِ) الْخلاف من أَسبَاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل (وَكَذَا مَا أجابوا بِهِ) أَي القَاضِي (من أَنه) أَي الْجَارِح (قد يَبْنِي على اعْتِقَاده) فِيمَا يرَاهُ جرحا (أَو لَا يعرف الْخلاف) فَلَا يكون مدلسا وَمَا أجابوا مُبْتَدأ خَبره (فرع أَن لَهُ علما: غير أَنه قد لَا يعرف الْخلاف فيجرحه أَو يعد لَهُ بِمَا يَعْتَقِدهُ وَهُوَ مُخطئ فِيهِ، لَكِن دفع بِأَن كَونه لَا يعرف الْخلاف خلاف مُقْتَضى بَصَره) بالفن وَقد يدْفع هَذَا الدّفع بِأَن الْتِزَام كَونه ذَا بَصِيرَة لَا يسْتَلْزم أَن لَا يفوتهُ شَيْء من مراتبها، وَعدم معرفَة الْخلاف لَا يُوجب عدم البصيرة رَأْسا (وَالْحَاصِل أَنه لَا وجود لذَلِك القَوْل) أَي الَّذِي يَقْتَضِي سُقُوط رِوَايَة أَو ثُبُوتهَا بقول من لَا خبْرَة عِنْده بالقادح وَغَيره (فَيجب كَون الْأَقْوَال على تَقْدِير الْعلم) للمعدل أَو الْجَارِح فَتكون (أَرْبَعَة فَقَائِل) يَقُول (لَا يَكْفِي) الْإِطْلَاق من الْعَالم (فيهمَا) أَي الْجرْح وَالتَّعْدِيل (للِاخْتِلَاف) بَين الْعلمَاء فِي سببهما (فَفِي التَّعْدِيل جَوَاب أَحْمد بن يُونُس فِي تَعْدِيل عبد الله الْعمريّ) إِنَّمَا يُضعفهُ رَافِضِي مبغض لِآبَائِهِ لَو رَأَيْت لحيته وخضابه وهيئته لعرفت أَنه ثِقَة، فاستدل على ثقته بِمَا لَيْسَ بِحجَّة، لِأَن حسن الْهَيْئَة يشْتَرك فِيهِ الْعدْل والمجروح (وَفِي الْجرْح) الِاخْتِلَاف فِي سَببه (كثير كشعبة) أَي كجرحه (بالركض) وَقد سبق (وَغَيره وَالْجَوَاب) عَن هَذَا (بِأَن لَا شكّ مَعَ إِخْبَار الْعدْل) يَعْنِي بعد مَا فرض أَن الْعدْل والجارح عدل عَالم فَقَوله مثله مُوجب للظن بِمَا أخبر بِهِ إِذْ لَو لم يعرف لم يقبل فَلَا مجَال للشَّكّ فِيهِ مَدْفُوع

بِأَن المُرَاد) بِالشَّكِّ (الشَّك الْآتِي من احْتِمَال الْغَلَط فِي الْعَدَالَة للتصنع) فِي إظهارها بالتكلف فِي الإتصاف بالفضائل والكمالات فيتسارع النَّاس إِلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُود بِهِ بقوله قادحا وَلما يَأْتِي (واعتقاد مَا لَيْسَ قادحا قادحا فِي الْجرْح وَالْعَدَالَة) الْمَذْكُور (لَا تنفيه) أَي الْغَلَط الْمَذْكُور (وَالْجَوَاب أَن قصارى) أَي غَايَة (الْمعدل الْبَاطِن) أَي الَّذِي يتفحص عَن بواطن الْأُمُور (الظَّن الْقوي بِعَدَمِ مُبَاشرَة الْمَمْنُوع) شرعا (لتعذر الْعلم) بِهِ (وَالْجهل بِمَفْهُوم الْعَدَالَة مُمْتَنع عَادَة من أهل الْفَنّ وَلَا بُد فِي إخْبَاره) أَي الْمعدل (من تطبيقه) أَي مَفْهُوم الْعَدَالَة (على حَال من عدله فأغنى) هَذَا الْمَجْمُوع (عَن الاستفسار) مِنْهُ عَن سَببهَا (وَيقطع بِأَن جَوَاب أَحْمد) بن يُونُس (استرواح) أَي أراح نَفسه عَن المجادلة (لَا تَحْقِيق إِذْ لَا شكّ أَنه لَو قيل لَهُ: ألحسن اللِّحْيَة وخضابها دخل فِي الْعَدَالَة؟ نَفَاهُ) أَي أَن يكون لَهُ دخل (وَقَائِل) يَقُول (يَكْفِي) الْإِطْلَاق (فيهمَا) أَي الْجرْح وَالتَّعْدِيل (من الْعَالم لَا من غَيره: وَهُوَ مُخْتَار الإِمَام تَنْزِيلا لعلمه منزلَة بَيَانه، وَجَوَابه فِي الْجرْح مَا تقدم) من أَن الِاخْتِلَاف فِي أَسبَاب الْجرْح كثير بِخِلَاف الْعَدَالَة (وَقَائِل) يَقُول يَكْفِي الْإِطْلَاق (فِي الْعَدَالَة فَقَط للْعلم بمفهومها اتِّفَاقًا فكسوته كبيانه بِخِلَاف الْجرْح) فَإِن أَسبَابه كَثِيرَة وَالِاخْتِلَاف فِيهِ كثير (وَهُوَ) أَي هَذَا القَوْل (مَذْهَب الْجُمْهُور) تَأْكِيد لما صدر بِهِ المسئلة اهتماما بِشَأْنِهِ (وَهُوَ الْأَصَح، وَقَائِل) يَقُول (قلبه) أَي يَكْفِي الْإِطْلَاق فِي الْجرْح دون التَّعْدِيل، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله قَائِل مُضَافا إِلَى قلبه، وَالْمعْنَى ذهب إِلَى مَا ذهب (للتصنع فِي الْعَدَالَة) كَمَا مر فَلَا بُد فِيهَا من الْبَيَان ليعلم عدم التصنع (وَالْجرْح يظْهر) لعدم التصنع فِيهِ وَعدم خفائه (وَتقدم) ذكره مَعَ جَوَابه (ويعترض على الْأَكْثَر بِأَن عمل الْكل) من أهل الشَّأْن (فِي الْكتب) مَبْنِيّ (على إِبْهَام) سَبَب (التَّضْعِيف إِلَّا قَلِيلا) من التَّضْعِيف حَيْثُ لَا إِبْهَام فِيهِ، فَإِذا اتَّفقُوا على الحكم بِضعْف الرِّوَايَة بِمُجَرَّد تَضْعِيف مُبْهَم علم أَنهم يكتفون فِي الْجرْح بِمُجَرَّد طعن مُبْهَم (فَكَانَ) الِاكْتِفَاء بِإِطْلَاق الْجرْح (إِجْمَاعًا، وَالْجَوَاب) عَن هَذَا على مَا ذكره ابْن الصّلاح (بِأَنَّهُ) أَي عَمَلهم الْمَذْكُور (أوجب التَّوَقُّف عَن قبُوله) لَا الحكم بجرحه: أَي الرَّاوِي المضعف فموجبه لَيْسَ إِلَّا رِيبَة مُوجبَة للتوقف فَمن زَالَت عَنهُ بالبحث عَن حَاله وَجب عَلَيْهِ أَن يَثِق بعدالته وَيقبل حَدِيثه كمن احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَمُسلم مِمَّن مَسّه مثل هَذَا الْجرْح من غَيرهمَا ثمَّ قَوْله وَالْجَوَاب مُبْتَدأ خَبره (يُوجب قبُول) الْجرْح (الْمُبْهم إِذْ الْكَلَام فِيمَن عدل وَإِلَّا فالتوقف لجَهَالَة حَاله ثَابت وَإِن لم يجرح، بل الْجَواب أَن أَصْحَاب الْكتب المعروفين عرف مِنْهُم صِحَة الرَّأْي فِي الْأَسْبَاب) الْجَارِحَة فَأوجب جرحهم الْمُبْهم التَّوَقُّف عَن الْعَمَل بالمجروح (حَتَّى لَو عرف) الْجَارِح مِنْهُم (بِخِلَافِهِ) أَي خلاف الرَّأْي الصَّحِيح فِي الْأَسْبَاب

مسئلة

الْجَارِحَة (لَا يقبل) جرحه (فَلَا يتَوَقَّف) فِي قبُول ذَلِك الْمَجْرُوح حِينَئِذٍ. فَالْحَاصِل أَن الْمَعْرُوف بِصِحَّة الرَّأْي جرحه الْمُبْهم بِمَنْزِلَة الْمُبين. مسئلة (الْأَكْثَر على عَدَالَة الصَّحَابَة) فَلَا يبْحَث عَن عدالتهم فِي رِوَايَة وَلَا شَهَادَة (وَقيل) هم (كغيرهم) فيهم الْعُدُول وَغَيرهم (فيستعلم التَّعْدِيل) أَي يطْلب الْعلم بِعَدَالَتِهِمْ (بِمَا تقدم) من التَّزْكِيَة وَغَيرهَا إِلَّا من كَانَ مَقْطُوعًا بعدالته كالخلفاء الْأَرْبَعَة أَو ظَاهر الْعَدَالَة (وَقيل) هم (عدُول إِلَى الدُّخُول فِي الْفِتْنَة) فِي آخر عهد عُثْمَان كَمَا عَلَيْهِ كثير، وَقيل من حِين مقتل عُثْمَان. هَذِه الْعبارَة تحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَنه لَا يحكم بعدالة وَاحِد مِنْهُم بعد تحقق الْفِتْنَة، وَالثَّانِي أَنه لَا يحكم بعدالة الْكل بعده، بل بعدالة الْبَعْض وهم غير الداخلين، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب كَمَا يدل عَلَيْهِ التَّعْدِيل الْآتِي (فتطلب التَّزْكِيَة) لَهُم من ذَلِك الْوَقْت (فَإِن الْفَاسِق من الداخلين غير معِين) لأَنا نعلم قطعا أَن أحد الْفَرِيقَيْنِ على غير الْحق وَلَا نقدر على تَعْيِينه، هَكَذَا ذكرُوا. وَيرد عَلَيْهِ أَن عدم علمنَا بِالتَّعْيِينِ بِسَبَب كَون تِلْكَ الْحَادِثَة اجتهادية وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم تفسيق أحد الْفَرِيقَيْنِ، فَالْحق أَن يُقَال: كل من قصد قتل عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَو رَضِي بِهِ فَهُوَ كَافِرَانِ اسْتحلَّ أَو فَاسق إِن لم يسْتَحل، لِأَن حُرْمَة قَتله مَقْطُوع بهَا وَلَيْسَت محلا للِاجْتِهَاد، غير أَن الرضى بِهِ وَالسَّعْي فِيهِ كَانَ أمرا مخفيا، فَلِذَا قَالَ غير معِين، وَأما الْإِشْكَال بِمثل عَليّ رَضِي الله عَنهُ لدُخُوله فِيهَا فمدفوع لِأَن الْكَلَام فِيمَن لَا يكون عَدَالَته مَقْطُوعًا بهَا أَو مظنونا ظنا غَالِبا (وَنقل بَعضهم هَذَا الْمَذْهَب بِأَنَّهُم كغيرهم إِلَى ظُهُورهَا فَلَا يقبل الداخلون مُطلقًا لجَهَالَة عَدَالَة الدَّاخِل، والخارجون) مِنْهَا (كغيرهم) فِي الشَّرْح العضدي، وَقيل هم كغيرهم إِلَى حِين ظُهُور الْفِتَن أَعنِي بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة، وَأما بعْدهَا فَلَا يقبل الداخلون فِيهَا مُطلقًا: أَي من الطَّرفَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَن الْفَاسِق من الْفَرِيقَيْنِ غير معِين وَكِلَاهُمَا مَجْهُول الْعَدَالَة فَلَا يقبل، وَأما الخارجون عَنْهَا فكغيرهم انْتهى. وَقَالَ الْمُحَقق النفتازاني: جُمْهُور الشَّارِحين على أَنه آخر عهد عُثْمَان، وَفَسرهُ الْمُحَقق بِمَا بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة إِمَّا ميلًا إِلَى تفسيق قتلة عُثْمَان بِلَا خلاف، وَإِمَّا توقفا فِيهِ على مَا اشْتهر من السّلف أَن أول من بغى فِي الْإِسْلَام مُعَاوِيَة (إِن أَرَادَ أَنه يبْحَث عَنْهَا) أَي عدالتهم (بعد الدُّخُول وَهُوَ) أَي الْبَحْث عَنْهَا بعده (مَنْقُول) عَن بَعضهم (ففاسد التَّرْكِيب). قَالَ الشَّارِح: إِذْ حَاصله هم كغيرهم إِلَى ظُهُورهَا فهم كغيرهم انْتهى. تَوْضِيحه أَن قَوْله كغيرهم آخرا إِذا لوحظ وَركب مَعَ قَوْله كغيرهم أَولا، وَمَعَ محصول قَوْله فَلَا يقبل الداخلون إِلَى آخِره،

وَهُوَ كَون الداخلين كغيرهم إِذا دخلُوا فِي الْفِتْنَة علم فَسَاد محصول التَّرْكِيب، لِأَن كلمة إِلَى تفِيد انْتِهَاء حكم التَّشْبِيه عِنْد الظُّهُور، وَمَا بعْدهَا يُفِيد عدم انتهائه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَحَاصِله الْمَذْهَب الثَّانِي وَلَيْسَ) مذهبا (ثَالِثا، وَإِن أَرَادَ لَا يقبل بِوَجْه) أَي مُطلقًا (فشقه الأول) وَهُوَ مَا قبل الظُّهُور مَعْنَاهُ فهم (عدُول) إِلَى ظُهُورهَا، لَا فهم (كغيرهم) وَذَلِكَ للُزُوم كَون مَا بعد إِلَى على خلاف مَا قبله فِي الحكم، وَقد يُقَال: لم لَا يجوز أَن يكون حكم الشق الأول الْبَحْث عَن عدالتهم، وَحكم مَا سواهُ عدم الْقبُول فَتَأمل. (وَقَالَت الْمُعْتَزلَة عدُول إِلَّا من قَاتل عليا لنا) على الْمُخْتَار، وَهُوَ أَنهم عدُول على الْإِطْلَاق. قَوْله تَعَالَى - {وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار} - الْآيَة مدحهم تَعَالَى وَلَا يمدح إِلَّا الْعُدُول (و) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تسبوا أَصْحَابِي) فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا، وَلَا شكّ فِي وجود الْعُدُول فِي الْأمة، وَقد فضل أَصْحَابه عَلَيْهِم تَفْضِيلًا لذا (وَمَا تَوَاتر عَنْهُم من مداومة الِامْتِثَال) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي، وبذلهم الْأَمْوَال والأنفس فِي ذَلِك، وَهُوَ دَلِيل الْعَدَالَة (ودخولهم فِي الْفِتَن بِالِاجْتِهَادِ). وَقد أَجمعُوا على أَنه يجب على الْمُجْتَهد الْعَمَل بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وَفعل الْوَاجِب لَا يكون منافيا للعدالة سَوَاء قُلْنَا كل مُجْتَهد مُصِيب أَو لَا. وَحكى ابْن عبد الْبر إِجْمَاع أهل الْحق من الْمُسلمين وهم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة على أَن الصَّحَابَة من عدُول، واعتقادنا أَن الإِمَام الْحق كَانَ عُثْمَان فِي زَمَانه، وَأَنه قتل مَظْلُوما وَحمى الله الصَّحَابَة كلهم مُبَاشرَة قَتله، وَلم يتول قَتله إِلَّا شَيْطَان مُرِيد، وَلم يحفظ عَن أحد مِنْهُم الرضى بقتْله، وَأما الْمَحْفُوظ من كل مِنْهُم إِنْكَار ذَلِك، ثمَّ كَانَت مسئلة الْأَخْذ بالثأر اجتهادية، رأى عَليّ كرم الله وَجهه التَّأْخِير مصلحَة، وَرَأَتْ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا البدار مصلحَة، وكل أَخذ بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، ثمَّ كَانَ الإِمَام الْحق بعد عُثْمَان ذِي النورين عليا كرم الله وَجهه، وَكَانَ مُعَاوِيَة وَمن وَافقه متأولين. وَمِنْهُم من قعد عَن الْفَرِيقَيْنِ لما أشكل الْأَمر وهم خير الْأمة، وكل مِنْهُم أفضل من كل من بعده وَإِن رقى فِي الْعلم وَالْعَمَل خلافًا لِابْنِ عبد الْبر فِي هَذَا حَيْثُ قَالَ: قد يَأْتِي بعدهمْ من هُوَ أفضل من بَعضهم (ثمَّ الصَّحَابِيّ) أَي من يُطلق عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم (عِنْد الْمُحدثين وَبَعض الْأُصُولِيِّينَ، من لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسلما وَمَات على إِسْلَامه) وَالْمرَاد باللقاء مَا يعم المجالسة والمماشاة ووصول أَحدهمَا إِلَى الآخر وَإِن لم يكلمهُ، وَيدخل فِيهِ رُؤْيَة أَحدهمَا الآخر وَلَو بِأَن يحمل صَغِيرا إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَكِن يشْتَرط تَمْيِيز الملاقي لَهُ، وَفِيه تردد. قَالَ الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ: وَيدل على اعْتِبَار التَّمْيِيز مَعَ الرِّوَايَة مَا قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو سعيد العلائي فِي

تَرْجَمَة عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل حنكه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا لَهُ، وَلَا صُحْبَة لَهُ، بل وَلَا رُؤْيَة، وَذكر نَظَائِر هَذَا. وَخرج بقوله مُسلما من لقِيه كَافِرًا سَوَاء لم يسلم بعد ذَلِك أَو أسلم بعد حَيَاته. وَبِقَوْلِهِ وَمَات على إِسْلَامه من لقِيه مُسلما، ثمَّ ارْتَدَّ وَمَات على ردته كَعبد الله بن خطل إِذْ المُرَاد من يُسمى صحابيا بعد انْقِرَاض الصَّحَابَة (أَو) لقِيه (قبل النُّبُوَّة وَمَات قبلهَا على) الْملَّة (الحنيفية) يَعْنِي دين الْإِسْلَام (كزيد بن عَمْرو بن نفَيْل) فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يبْعَث أمة وَاحِدَة ": وَذكره ابْن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة (أَو) لقِيه مُسلما (ثمَّ ارْتَدَّ وَعَاد) إِلَى الْإِسْلَام (فِي حَيَاته) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَعبد الله بن أبي سرح (وَأما) من لقِيه مُسلما ثمَّ ارْتَدَّ وَعَاد إِلَى الْإِسْلَام (بعد وَفَاته) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كقرة) بن هُبَيْرَة (والأشعث) بن قيس (فَفِيهِ نظر، وَالْأَظْهَر النَّفْي) لصحبته: لِأَن صحبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أشرف الْأَعْمَال، وَالرِّدَّة محبطة للْعَمَل عِنْد أبي حنيفَة وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم، وَذهب بعض الْحفاظ إِلَى أَن الْأَصَح أَن اسْم الصُّحْبَة بَاقٍ للراجع إِلَى الْإِسْلَام سَوَاء رَجَعَ إِلَيْهِ فِي حَيَاته أم بعده، سَوَاء لقِيه ثَانِيًا أم لَا، وَيدل على رجحانه قصَّة الْأَشْعَث ابْن قيس فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن ارْتَدَّ وَأتي بِهِ إِلَى الصّديق أَسِيرًا فَعَاد إِلَى الْإِسْلَام فَقبل مِنْهُ ذَلِك وزوجه أُخْته وَلم يتَخَلَّف أحد عَن ذكره فِي الصَّحَابَة. قَالَ الشَّارِح: وَالْأول أوجه دَلِيلا (و) عِنْد (جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ من طَالَتْ صحبته متتبعا مُدَّة يثبت مَعهَا إِطْلَاق صَاحب فلَان) عَلَيْهِ (عرفا بِلَا تَحْدِيد) لمقدارها (فِي الْأَصَح، وَقيل) مقدارها (سِتَّة أشهر) فَصَاعِدا (وَابْن الْمسيب) مقدارها (سنة أَو غَزْو) مَعَه، لِأَن لصحبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرفا عَظِيما، فَلَا تنَال إِلَّا باجتماع طَوِيل يظْهر فِيهِ الْخلق المطبوع عَلَيْهِ الشَّخْص: كالسنة الْمُشْتَملَة على الْفُصُول الْأَرْبَعَة الَّتِي يخْتَلف فِيهَا المزاج، والغزو الْمُشْتَمل على السّفر الَّذِي هُوَ قِطْعَة من الْعَذَاب، وتسفر فِيهِ أَخْلَاق الرجل، وَيلْزم هَذَا أَن لَا يعد من الصَّحَابَة جرير بن عبد الله البَجلِيّ وَمن شَاركهُ فِي انْتِفَاء هَذَا الشَّرْط مَعَ أَنه لَا خلاف فِي كَونهم من الصَّحَابَة (لنا) على الْمُخْتَار قَول الْجُمْهُور (أَن الْمُتَبَادر من) إِطْلَاق (الصَّحَابِيّ وَصَاحب فلَان الْعَالم لَيْسَ إِلَّا ذَاك) أَي من طَالَتْ صحبته الخ (فَإِن قيل يُوجِبهُ) أَي كَون الصَّحَابِيّ من صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة (اللُّغَة) لاشتقاقه من الصُّحْبَة وَهِي تصدق على كل من صحب غَيره قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا (قُلْنَا) إِيجَابهَا ذَلِك (مَمْنُوع فِيمَا) أَي فِي مُشْتَقّ مِنْهَا متلبس (بياء النِّسْبَة وَلَو سلم) إِيجَاب اللُّغَة ذَلِك فقد تقرر فِي عرف اللُّغَة عدم اسْتِعْمَال هَذِه التَّسْمِيَة إِلَّا فِيمَن كثرت صحبته على مَا تقدم (فالعرف مقدم وَلذَا) أَي تقدمه على اللُّغَة (يتَبَادَر) هَذَا الْمَعْنى الْعرفِيّ من إِطْلَاقه (قَالُوا الصُّحْبَة تقبل التَّقْيِيد بِالْقَلِيلِ وَالْكثير، يُقَال صَحبه سَاعَة كَمَا يُقَال) صَحبه (عَاما فَكَانَ) وَضعهَا (للمشترك)

مسئلة

بَينهمَا كالزيارة والْحَدِيث دفعا للمجاز والاشتراك اللَّفْظِيّ (قُلْنَا) هَذَا (غير مَحل النزاع) إِذْ / النزاع فِيمَا بياء النِّسْبَة. (قَالُوا: لَو حلف لَا يَصْحَبهُ حنث بلحظة قُلْنَا فِي غَيره) أَي غير مَحل النزاع أَيْضا (لَا فِيهِ) أَي مَحل النزاع (وَهُوَ الصَّحَابِيّ بِالْيَاءِ) الَّتِي للنسبة (بل تحقق فِيهِ) أَي الصَّحَابِيّ (اللُّغَة وَالْعرْف الْكَائِن فِي نَحْو أَصْحَاب الحَدِيث وَأَصْحَاب ابْن مَسْعُود وَهُوَ) أَي الْعرف (للملازم متتبعا اتِّفَاقًا، ويبتني عَلَيْهِ) أَي على الْخلاف فِي الصَّحَابِيّ (ثُبُوت عَدَالَة غير الملازم) وَعدم ثُبُوتهَا (فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّزْكِيَة) كَمَا هُوَ قَول الْمُحدثين وَبَعض الْأُصُولِيِّينَ (أَو يحْتَاج) إِلَى التَّزْكِيَة كَمَا هُوَ قَول جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ (وعَلى هَذَا الْمَذْهَب جرى الْحَنَفِيَّة كَمَا تقدم) فِي مثل معقل بن سِنَان فَجعلُوا تزكيته عمل السّلف بحَديثه (وَلَوْلَا اخْتِصَاص الصَّحَابِيّ بِحكم) شَرْعِي وَهُوَ عَدَالَته (لأمكن جعل الْخلاف فِي مُجَرّد الِاصْطِلَاح) أَي تَسْمِيَته صحابيا كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب (وَلَا مشاحة فِيهِ) أَي فِي الِاصْطِلَاح الْمَذْكُور، يُفِيد أَنه معنوي (وَأما قَول: إِن الصَّحَابِيّ من عاصره) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَقَط) وَهُوَ قَول يحيى بن عُثْمَان بن صَالح الْمصْرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ وَمِمَّنْ دفن: أَي بِمصْر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن أدْركهُ وَلم يسمع بِهِ أَبُو تَمِيم الجيشاني واسْمه عبد الله بن مَالك (وَنَحْوه) كَانَ صَغِيرا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ تبعا لأحد أَبَوَيْهِ، وَعَلِيهِ عمل ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب وَابْن مَنْدَه فِي معرفَة الصَّحَابَة (فتكلف كِتَابَته كثير) لوضوح نفي صُحْبَة من بِهَذِهِ المثابة. مسئلة (إِذا قَالَ المعاصر) للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْعدْل: أَنا صَحَابِيّ قبل) قَوْله أَنا صَحَابِيّ بِنَاء (على الظُّهُور) إِذْ ظَاهر حَاله من حَيْثُ أَنه عدل الِامْتِنَاع عَن الْكَذِب (لَا) على (الْقطع لاحْتِمَال قصد الشّرف) بِهَذِهِ الدَّعْوَى، فباعتبار هَذَا الاتهام تطرق احْتِمَال عدم الصدْق مرجوحا (فَمَا قيل) قَوْله هَذَا (كَقَوْل غَيره) أَي غير الصَّحَابِيّ (أَنا عدل) كَمَا فِي البديع (تَشْبِيه فِي احْتِمَال الْقَصْد) للشرف (لَا تَمْثِيل) فِي حكمه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك، بل كَانَ تمثيلا فِيهِ (لقبل) قَوْله أَنا عدل فَيحكم بعدالته (أَو لم يقبل الأول) أَي قَول المعاصر الْعدْل: أَنا صَحَابِيّ، لِأَن الْمُشَاركَة لَا تتَحَقَّق إِلَّا بِأحد الْأَمريْنِ (والفارق) بَين قَول الصَّحَابِيّ أَنا صَحَابِيّ وَقَول غَيره: أَنا عدل فِي قبُول الأول دون الثَّانِي (سبق) ثُبُوت (الْعَدَالَة للْأولِ على دَعْوَاهُ) بِخِلَاف الثَّانِي غير أَن دَعْوَاهُ الصُّحْبَة يجب أَن لَا تكون بعد مائَة سنة من وَفَاته كدعوى رتن الْهِنْدِيّ فَإِنَّهَا لَا تقبل للْحَدِيث الصَّحِيح " أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه فَإِنَّهُ على رَأس مائَة سنة لَا يبْقى

مسئلة

أحد مِمَّن هُوَ على وَجه الأَرْض، ذكره الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ وَغَيره. مسئلة (إِذا قَالَ الصَّحَابِيّ: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمل على السماع) مِنْهُ بِلَا وَاسِطَة لِأَن الْغَالِب من الصَّحَابِيّ أَنه لَا يُطلق القَوْل عَنهُ إِلَّا إِذا سَمعه مِنْهُ (وَقَالَ القَاضِي يحْتَملهُ) أَي السماع (والإرسال) لَا غير (فَلَا يضر) فِي الِاحْتِجَاج بِهِ (إِذْ لَا يُرْسل إِلَّا عَن صَحَابِيّ) الْإِرْسَال فِي الْمَشْهُور رفع التَّابِعِيّ الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ ابْن الصّلاح: لم يفد فِي أَنْوَاع الْمُرْسل وَنَحْوه مَا يُسمى فِي أصُول الْفِقْه مُرْسل الصَّحَابِيّ مثل مَا يرويهِ ابْن عَبَّاس وَغَيره من أَحْدَاث الصَّحَابَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمعوه مِنْهُ، لِأَن ذَلِك فِي حكم الْمَوْصُول الْمسند، لِأَن روايتهم عَن الصَّحَابَة، والجهالة فِي الصَّحَابِيّ غير قادحة، لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول. وَقَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ، وَفِيه نظر، وَالصَّوَاب أَن لَا يُقَال لِأَن الْغَالِب روايتهم، إِذْ قد سمع جمَاعَة من الصَّحَابَة من بعض التَّابِعين، وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَا يعرف فِي) رِوَايَة (الأكابر من الأصاغر) عَن (روايتهم) أَي الصَّحَابَة (عَن تَابِعِيّ إِلَّا كَعْب الْأَحْبَار فِي الْإسْرَائِيلِيات) روى عَنهُ العبادلة الْأَرْبَعَة، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأنس، وَمُعَاوِيَة: فقد ظهر بذلك الْفرق بَين اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ والمحدثين فِي الْمُرْسل فكأنهم لم يعتبروا قيد التَّابِعِيّ فِي تَعْرِيفه وَيحْتَمل كَلَامهم التَّجَوُّز على سَبِيل التَّحْدِيد (وَلَا إِشْكَال فِي قَالَ لنا وسمعته وَحدثنَا) وَأخْبرنَا وشافهنا أَنه مَحْمُول على السماع مِنْهُ يجب قبُولهَا بِلَا خلاف (مَعَ أَنه وَقع التَّأْوِيل فِي قَول الْحسن حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة، يَعْنِي) حدث أَبُو هُرَيْرَة (أهل الْمَدِينَة وَهُوَ) أَي الْحسن (بهَا) أَي بِالْمَدِينَةِ. قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: إِذا لم يقم دَلِيل قَاطع على أَن الْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة لم يجز أَن يُصَار إِلَيْهِ. قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: قَالَ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم من قَالَ عَن الْحسن حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة فقد أَخطَأ انْتهى. وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل أَنه لم يسمع مِنْهُ شَيْئا وَهُوَ مَنْقُول عَن كثير من الْحفاظ، بل قَالَ يُونُس بن عبيد مَا رَآهُ قطّ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: حَدثنَا لَيْسَ بِنَصّ فِي أَن قَائِلهَا يسمع. (وَفِي مُسلم قَول الَّذِي يقْتله الدَّجَّال أَنْت الدَّجَّال الَّذِي حَدثنَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي أمته وَهُوَ مِنْهُم). قَالَ أَبُو إِسْحَاق رَاوِي الحَدِيث يُقَال إِن هَذَا الرجل هُوَ الْخضر. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " يَأْتِي الدَّجَّال وَهُوَ محرم عَلَيْهِ أَن يدْخل نقاب الْمَدِينَة فَينزل بعض السباخ الَّتِي تلِي الْمَدِينَة فَيخرج إِلَيْهِ يَوْمئِذٍ رجل وَهُوَ خير النَّاس أَو من خِيَار النَّاس فَيَقُول: أشهد أَنَّك الدَّجَّال الَّذِي حَدثنَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثه (فَإِن قَالَ

سمعته أَمر أَو نهي فالأكثر) أَنه (حجَّة، وَقيل يحْتَمل أَنه اعتقده) أَي اعْتقد مَضْمُون مَا أخبر بِهِ (من صِيغَة أَو) مُشَاهدَة (فعل أمرا ونهيا وَلَيْسَ) ذَلِك المأخذ (إِيَّاه) أَي أمرا ونهيا (عِنْد غَيره). قَالَ الشَّارِح: كَمَا إِذا اعْتقد أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه، وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده أَو أَن الْفِعْل يدل على الْأَمر انْتهى وَلَا يخفى أَنه إِذا كَانَ مأخذه صِيغَة ظن أَنَّهَا أَمر أَو نهي يَصح أَن يَقُول السَّامع: سمعته أَمر وَنهي، وَأما إِذا كَانَ مُشَاهدَة فعل فَلَا يَصح أَن يَقُول سمعته، وَذَلِكَ لمعرفتهم بالأوضاع، وَالْفرق بَين الْأَمر وَالنَّهْي وَبَين غَيره. قَالَ (ورده) أَي هَذَا القَوْل (بِأَنَّهُ احْتِمَال بعيد صَحِيح) خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي قَوْله رده (أما أمرنَا) بِكَذَا كَمَا فِي الصَّحِيح عَن أم عَطِيَّة: أمرنَا بِأَن نخرج فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِق وَذَوَات الْخُدُور (ونهينا) عَن كَذَا كَمَا فِي الصَّحِيح عَنْهَا أَيْضا: نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز (وَأوجب) علينا كَذَا (وَحرم) علينا كَذَا، وأبيح لنا كَذَا، وَرخّص لنا كَذَا، بِنَاء الْجَمِيع للْمَفْعُول (وَجب أَي يُقَوي الْخلاف) فِيهِ (للزِّيَادَة) للاحتمال فِيهِ لعدم ظُهُور كَونهَا مسموعة بِلَا وَاسِطَة (بانضمام احْتِمَال كَون الْآمِر بعض الْأَئِمَّة أَو) الْكتاب، أَو كَون ذَلِك (استنباطا) من قَائِله، لِأَن الْمُجْتَهد إِذا قَاس يغلب على ظَنّه أَنه مَأْمُور بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وَأَنه يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِمُوجبِه: وَذهب إِلَى هَذَا الْكَرْخِي، والصيرفي، والإسماعيلي (وَمَعَ ذَلِك) كُله فاحتمال كَون الْأَمر عَن الرَّسُول (خلاف الظَّاهِر، إِذْ الظَّاهِر من قَول) شخص (مُخْتَصّ) من حَيْثُ الِامْتِثَال للأوامر والنواهي (بِملك لَهُ الْأَمر) وَالنَّهْي بِالنّظرِ إِلَيْهِ (ذَلِك) أَي كَون الْآمِر ذَلِك الْملك لَا غَيره فَكَذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ، وَإِلَيْهِ ذهب الْأَكْثَر، وَقيل هَذَا فِي غير الصّديق. وَأما مَا قَالَه الصّديق فَهُوَ مَرْفُوع بِلَا خلاف، فَإِن غَيره تَحت أَمر أَمِير آخر (وَقَوله) أَي الصَّحَابِيّ (من السّنة) كَذَا كَقَوْل عَليّ رَضِي الله عَنهُ السّنة وضع الْكَفّ على الْكَفّ فِي الصَّلَاة تَحت السُّرَّة (ظَاهر عِنْد الْأَكْثَر فِي سنيته عَلَيْهِ السَّلَام) كَذَا فِي النّسخ الْمَوْجُودَة عندنَا، وَالظَّاهِر فِي سنته بِغَيْر الْيَاء المصدرية: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ استنابة وَلَا يخفى بعده (وَتقدم للحنفية) كالكرخي والرازي وَأبي زيد وفخر الْإِسْلَام والسرخسي والصيرفي من الشَّافِعِيَّة (أَنه) أَي هَذَا القَوْل من الرَّاوِي صحابيا كَانَ أَو غَيره (أَعم مِنْهُ) أَي من كَونه سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَمن سنة) الْخُلَفَاء (الرَّاشِدين). وَقَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ: الْأَصَح أَنه من التَّابِعين مَوْقُوف، وَمن الصَّحَابِيّ ظَاهر فِي أَنه سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَمثله) أَي مثل قَول الصَّحَابِيّ من السّنة فِي الْخلاف فِي ثُبُوت الحجية (كُنَّا نَفْعل). وَفِي نُسْخَة بعد نَفْعل (أَو نرى، وَكَانُوا) يَفْعَلُونَ كَذَا فالأكثر أَنه (ظَاهر فِي الاج ماع عِنْدهم) أَي الصَّحَابَة، الظَّاهِر أَن الضَّمِير للْجَمِيع، وَأَرَادَ عمل

الْجَمَاعَة. وَقَوله عِنْدهم ظرف لظَاهِر، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى فِي الْإِجْمَاع المنعقد عِنْدهم (وَقيل لَيْسَ بِحجَّة. قَالُوا لَو كَانَ) إِجْمَاعًا (لم تجز الْمُخَالفَة لخرق الْإِجْمَاع) أَي للُزُوم خرقه وَاللَّازِم مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاع (وَالْجَوَاب بِأَن مُقْتَضى مَا ذكر ظُهُوره فِي نفي الْإِجْمَاع أَو لُزُوم نَفْيه) أَي الْإِجْمَاع مَعْطُوف على ظُهُوره لَا على نفي الْإِجْمَاع كَمَا زعم الشَّارِح (وَهُوَ) أَي الْمُقْتَضى الْمَذْكُور (خلاف مدعاكم) يَعْنِي قد أجمع على أَن الْمُخَالفَة لقَوْل الصَّحَابِيّ كُنَّا نَفْعل كَذَا جَائِزَة، وَهِي تدل على أَنه لَا يسْتَلْزم الْإِجْمَاع وَاعْترض بِأَن مُوجب هَذَا الدَّلِيل أحد الْأَمريْنِ: ظُهُور نفي الْإِجْمَاع إِن كَانَ ظنيا لِأَن الظَّاهِر والمتبادر أَن لَا يُخَالِفهُ مُجْتَهد، ولزومه إِن كَانَ قَطْعِيا إِذْ لَا يُمكن مُخَالفَته وكل من الْأَمريْنِ لَيْسَ بمدعاكم أَيهَا النافون للحجية وَلَا يستلزمه لِأَن انْتِفَاء الْإِجْمَاع لَا يسْتَلْزم انْتِفَاء الحجية فدليلكم لَا يثبت مدعاكم، ثمَّ الْجَواب مُبْتَدأ خَبره (غير لَازم) بل هُوَ مندفع، لِأَن انْتِفَاء الْإِجْمَاع يَسْتَوِي احْتِمَال الحجية وَاحْتِمَال عدمهَا، و (لَا) شكّ (أَن التَّسَاوِي) بَينهمَا (كَاف فِيهِ) أَي فِي ثُبُوت الْمُدَّعِي: وَهُوَ نفي الحجية وَاحْتِمَال عدمهَا وَلَا شكّ (بل) الْجَواب عَن استدلالهم منع الْمُلَازمَة بَين كَون ذَلِك ظَاهرا فِي الاجماع وَبَين عدم جَوَاز الْمُخَالفَة، و (هُوَ أَن ذَلِك) أَي عدم جَوَاز الْمُخَالفَة إِنَّمَا هُوَ (فِي الْإِجْمَاع الْقطعِي الثُّبُوت) فِي الشَّرْح العضدي ذَلِك فِيمَا يكون الطَّرِيق قَطْعِيا وَهَهُنَا الطَّرِيق ظَنِّي فسوغت الْمُخَالفَة كَمَا تسوغ فِي خبر الْوَاحِد أَن كَانَ الْمَنْقُول بِهِ نصا قَاطعا فَإِنَّهُ يُخَالِفهُ لظنية الطَّرِيق وَلَا يمنعهُ قطيعة الْمَرْوِيّ انْتهى. يَعْنِي بِالطَّرِيقِ هَهُنَا قَول الصَّحَابِيّ كُنَّا نَفْعل: كَذَا فَإِنَّهُ طَرِيق لنا فِي معرفَة الْآحَاد (وَأما رده) أَي دَلِيل الْأَكْثَر بِأَنَّهُ الْإِجْمَاع (بِأَنَّهُ) أَي الْإِجْمَاع (لَا إِجْمَاع فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقَول الصَّحَابِيّ كُنَّا نَفْعل كَذَا أَخْبَار عَمَّا وَقع فِيهِ (فَفِي غير مَحل النزاع إِذْ الْمُدَّعِي ظُهُوره) أَي هَذَا القَوْل (فِي إِجْمَاع الصَّحَابَة بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِهَذَا) أَي بِكَوْنِهِ ظَاهرا فِي إِجْمَاع الصَّحَابَة بعده (ظهر أَن قَول الصَّحَابِيّ ذَلِك) أَي كُنَّا نَفْعل الخ (وقف خَاص) أما كَونه وَقفا فَلِأَنَّهُ لَا رفع فِيهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل إِلَى الصَّحَابَة، وَأما كَونه خَاصّا فباعتبار كَونه مجمعا عَلَيْهِ (وَجعله) أَي القَوْل الْمَذْكُور (رفعا) إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْحَاكِم وَالْإِمَام الرَّازِيّ (ضَعِيف) إِذْ لَيْسَ فِيهِ نسبته إِلَيْهِ قولا وَلَا عملا وَلَا تقريرا (حَتَّى لم يحكه) أَي القَوْل بِرَفْعِهِ (بعض أهل النَّقْل فَأَما) قَول الصَّحَابِيّ ذَلِك (بِزِيَادَة نَحْو فِي عَهده) أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر كُنَّا نعزل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ف (رفع) لِأَن الظَّاهِر كَونه باطلاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك وتقريرهم عَلَيْهِ، إِذْ الْعبارَة تشعر بِهِ، وَتَقْرِيره أحد وُجُوه الرّفْع (لَا يعرف خِلَافه إِلَّا عَن الْإِسْمَاعِيلِيّ) تعقب الشَّارِح بِأَنَّهُ ذهب أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَابْن السَّمْعَانِيّ إِلَى أَنه إِذا كَانَ مِمَّا لَا يخفى غَالِبا فمرفوع وَإِلَّا فموقوف، وَحكى الْقُرْطُبِيّ أَنه إِن كَانَ ذكره فِي معرض الِاحْتِجَاج كَانَ مَرْفُوعا وَلَا

مسئلة

فوقوف انْتهى. وَلَعَلَّ مُرَاد المُصَنّف خِلَافه على الْوَجْه الْكُلِّي من غير تَفْصِيل فَلَا إِشْكَال ثمَّ أَنه قَالَ نَحْو فِي عَهده ليشْمل مَا فِي لفظ لجَابِر فِي الصَّحِيحَيْنِ كُنَّا نعزل وَالْقُرْآن ينزل (و) أما قَول الصَّحَابِيّ ذَلِك (بِنَحْوِ وَهُوَ يسمع فإجماع) كَونه رفعا، وَفِي بعض النّسخ فَظَاهر كَقَوْل ابْن عمر: كُنَّا نقُول وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ أفضل هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَيسمع ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُنكره، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير. مسئلة (إِذا أخبر) مخبر خَبرا) (بِحَضْرَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يُنكر) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك عَلَيْهِ (كَانَ) الْخَبَر (ظَاهرا فِي صدقه) أَو صدق مخبره أَو صدق نَفسه (لَا قَطْعِيا لاحْتِمَال أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسمعهُ) أَي ذَلِك الْخَبَر لاشتغاله عَنهُ بِمَا هُوَ أهم مِنْهُ (أَو لم يفهمهُ) لرداءة عبارَة الْمخبر مثلا (أَو كَانَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَين نقيضه) أَي ذَلِك الْخَبَر قبل (أَو رأى تَأْخِير الْإِنْكَار) لمصْلحَة فِي تَأْخِيره (أَو مَا علم كذبه) لكَونه دنيويا، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " انتم أعلم بِأَمْر دنياكم " رَوَاهُ مُسلم (أَو رَآهُ) أَي ذَلِك الْخَبَر (صَغِيرَة وَلم يحكم بإصراره) أَي الْمخبر عَلَيْهَا، قَالُوا: وَلَو قدم عدم جَمِيع هَذِه الِاحْتِمَالَات فالصغيرة غير ممتنعة على الْأَنْبِيَاء. مسئلة (حمل الصَّحَابِيّ مرويه الْمُشْتَرك) اشتراكا لفظيا أَو معنويا (وَنَحْوه) كالمجمل والمشكل والخفي (على أحد مَا يحْتَملهُ) من الِاحْتِمَالَات (وَهُوَ) أَي حمله عَلَيْهِ (تَأْوِيله) أَي الصَّحَابِيّ لذَلِك (وَاجِب الْقبُول) عِنْد الْجُمْهُور (خلافًا لمشهوري الْحَنَفِيَّة لظُهُور أَنه) أَي حمله الْمَذْكُور (لموجب هُوَ بِهِ أعلم) إِذْ الظَّاهِر من حَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا ينْطق بالمشترك للتشريع بِلَا قرينَة مُعينَة، والصحابي الرَّاوِي بِحُضُورِهِ واطلاعه على أَحْوَاله أعرف بذلك من غَيره (وَهُوَ) أَي وجوب قبُول تَأْوِيله (مثل) وجوب (تَقْلِيده) أَي الصَّحَابِيّ (فِي اللَّازِم) أَي فِيمَا يلْزم تَقْلِيده فِيهِ، وَهُوَ مَا يرويهِ من غير تَأْوِيل، وَوجه الشّبَه أَن مدَار كل مِنْهُمَا ظُهُور أَنه أَخذه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر حَاله، كَأَنَّهُ يَقُول فِي صُورَة التَّأْوِيل أَنه قَامَ عِنْدِي قرينَة مُعينَة لهَذَا المُرَاد، وَهُوَ مَا وَفِيه، وَالْوَجْه أَن يُقَال مَعْنَاهُ أَن الْحَنَفِيَّة لما قَالُوا بِوُجُوب تَقْلِيد الصَّحَابِيّ فِيمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده لزم عَلَيْهِم قبُول تَأْوِيله لاشْتِرَاكهمَا فِي اللوازم فَكل مَا يلْزم فِي وجوب التَّقْلِيد يلْزم فِي وجوب قبُول التَّأْوِيل، فالتزام أَحدهمَا دون الآخر تَأمل (أَو) حمل الصَّحَابِيّ مرويه (الظَّاهِر على غَيره) أَي غير الظَّاهِر فمرويه ظَاهر فِي غير مَا يحْتَملهُ عَلَيْهِ (فالأكثر) أَي محمل الْأَكْثَر من الْعلمَاء كالشافعي والكرخي الْمَعْنى (الظَّاهِر) دون مَا حمل عَلَيْهِ الرَّاوِي من تَأْوِيله. (وَقَالَ الشَّافِعِي كَيفَ أترك الحَدِيث لقَوْل من لَو عاصرته لحاججته)

يَعْنِي الصَّحَابِيّ بِظَاهِر الحَدِيث، وَقيل يجب حمله على مَا عينه الرَّاوِي. وَفِي شرح البديع وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا انْتهى. وَهُوَ اخْتِيَار المُصَنّف. وَقَالَ عبد الْجَبَّار وَأَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ إِن علم أَن الصَّحَابِيّ إِنَّمَا صَار إِلَى تَأْوِيله لعلمه بِقصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجب الْعَمَل بِهِ وَإِن جهل ذَلِك وَجَاز كَونه لدَلِيل ظهر لَهُ من نَص أَو قِيَاس أَو غَيرهمَا وَجب النّظر فِي ذَلِك الدَّلِيل فَإِن اقْتضى مَا ذهب إِلَيْهِ صير إِلَيْهِ، وَإِلَّا وَجب الْعَمَل بِالظَّاهِرِ (قُلْنَا) فِي جَوَاب الشَّافِعِي وَمن مَعَه (لَيْسَ يخفى عَلَيْهِ) أَي الصَّحَابِيّ الرَّاوِي (تَحْرِيم ترك الظَّاهِر إِلَّا لما يُوجِبهُ) أَي ترك الظَّاهِر (فلولا تيقنه) أَي الرَّاوِي (بِهِ) أَي بِمَا يجب تَركه (لم يتْركهُ وَلَو سلم) انْتِفَاء تيقنه بِهِ (فلولا أغلبيته) أَي الظَّن بِمَا يُوجب تَركه لم يتْركهُ (وَلَو سلم) انْتِفَاء أغلبية الظَّن لم يكن عِنْده إِلَّا مُجَرّد الظَّن (فشهوده) أَي الرَّاوِي (مَا هُنَاكَ) من قَرَائِن الْأَحْوَال عِنْد الْمقَال (يرجح ظَنّه) بالمراد على ظن غَيره (فَيجب الرَّاجِح) أَي الْعَمَل بِهِ (وَبِه) أَي بِشُهُود ذَلِك، أَو بِهَذَا التَّقْرِير (ينْدَفع تَجْوِيز خطئه بِظَنّ مَا لَيْسَ دَلِيلا دَلِيلا) لبعد ذَلِك مَعَ علمه بالموضوعات اللُّغَوِيَّة ومواضع اسْتِعْمَالهَا وَحَال الْمُتَكَلّم وعدالته المستدعية للتأمل فِي أَمر الدّين، (وَمِنْه) أَي من ترك الظَّاهِر لدَلِيل (لَا من الْعَمَل بِبَعْض المحتملات) كَمَا توهم (تَخْصِيص الْعَام) من الصَّحَابِيّ (يجب حمله) أَي التَّخْصِيص مِنْهُ (على سَماع الْمُخَصّص) وَمعنى حمله عَلَيْهِ إحالته إِلَيْهِ (كَحَدِيث ابْن عَبَّاس) مَرْفُوعا (من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ) رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره (وَأسْندَ أَبُو حنيفَة) عَن عَاصِم بن أبي النجُود عَن أبي النجُود عَن أبي رزين (عَنهُ) أَي ابْن عَبَّاس مَا مَعْنَاهُ (لَا تقتل الْمُرْتَدَّة) وَلَفظه لَا تقتل النِّسَاء إِذا هن ارتددن عَن الْإِسْلَام، لَكِن يحبسن ويدعين إِلَى الْإِسْلَام ويجبرن عَلَيْهِ (فَلَزِمَ) تَخْصِيص الْمُبدل بِكَوْنِهِ من الرِّجَال (خلافًا للشَّافِعِيّ) وَمَالك وَأحمد قَالُوا يقتل عملا بِعُمُوم الظَّاهِر (فَلَو كَانَ) الْمَرْوِيّ (مُفَسرًا وتسميه الشَّافِعِيَّة نصا على مَا سلف) فِي التَّقْسِيم الثَّانِي للفرد بِاعْتِبَار دلَالَته أَوَائِل الْكتاب (وَتَركه) أَي الصَّحَابِيّ ذَلِك الْمَرْوِيّ فَلم يعْمل بِهِ (بعد رِوَايَته لَا) يتَحَقَّق فِيهِ الحكم الْآتِي (إِن لم يعرف تَارِيخ) لتَركه وَرِوَايَته لَهُ فَلم يعلم أَن التّرْك مُتَأَخّر أَو الرِّوَايَة (تعين كَون تَركه لعلمه بالناسخ) إِذْ لَا يظنّ بِهِ أَن يُخَالف النَّص بِغَيْر دَلِيل هُوَ النَّاسِخ (فَيجب اتِّبَاعه) فِي ترك الْعَمَل بِهِ وَإِن جهل تَارِيخ الْمُخَالفَة للمروي حملت على أَنَّهَا كَانَت قبل الرِّوَايَة فَلَا يكون جرحا للْحَدِيث وَلَا للراوي لجَوَاز أَن يكون ذَلِك لعدم علمه بِهِ خلافًا للشَّافِعِيّ (وَبِه) أَي بتعين كَونه تَركه لعلمه بالناسخ (يتَبَيَّن نسخ حَدِيث السَّبع من الولوغ) وَهُوَ مَا فِي مُسلم وَغَيره عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ (إِذْ صَحَّ اكْتِفَاء) رِوَايَة (أبي هُرَيْرَة بِالثلَاثِ) كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد صَحِيح (فيقوي بِهِ) أَي باكتفائه بِالثلَاثِ الضَّعِيف (حَدِيث اغسلوه ثَلَاثًا وَمِمَّنْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) وَلَفظه يلغ فِي الْإِنَاء يغسل ثَلَاثًا أَو خمْسا

أَو سبعا. وَقَالَ تفرد بِهِ عبد الْوَهَّاب عَن إِسْمَاعِيل وَهُوَ مَتْرُوك، وَإِنَّمَا يقوى بِهِ (لموافقته الدَّلِيل) وَقد عرفت الدَّلِيل (وَلَا خَفَاء فِي عدم اعْتِبَار الضعْف فِي نفس الْأَمر فِي مُسَمَّاهُ) أَي الضَّعِيف (بل) إِنَّمَا يعْتَبر (ظَاهرا فَإِذا اعتضد) الضَّعِيف: أَي تأيد بمؤيد (ظهر أَن مَا ظهر) من الضعْف (غير الْوَاقِع كَمَا يضعف ظَاهر الصِّحَّة) أَي الحَدِيث الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ نظرا إِلَى ظَاهر حَال الرَّاوِي (بعلة باطنة) أَي خُفْيَة (وَاحْتِمَال ظن الصَّحَابِيّ مَا لَيْسَ نَاسِخا نَاسِخا لَا يخفي بعده فَوَجَبَ نَفْيه) أَي نفي هَذَا الِاحْتِمَال لظُهُور بعده (قَالُوا النَّص وَاجِب الِاتِّبَاع، قُلْنَا نعم وَهُوَ النَّاسِخ الَّذِي لأَجله ترك) المروى الْمُفَسّر لَا نفس الْمُفَسّر (وَمِنْه) أَي من ترك الصَّحَابِيّ مرويه بعد رِوَايَته (ترك ابْن عمر الرّفْع) لِلْيَدَيْنِ فيهمَا تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح من الصَّلَاة (على مَا صَحَّ عَن مُجَاهِد) من قَوْله (صَحِبت ابْن عمر سِنِين فَلم أره يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح) أخرجه ابْن أبي شيبَة بِلَفْظ " مَا رَأَيْت ابْن عمر يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي أول مَا يفْتَتح ": والطَّحَاوِي بِلَفْظ صليت خلف ابْن عمر فَلم يكن يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولى من الصَّلَاة، مَعَ مَا أخرج السِّتَّة عَنهُ: قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْو مَنْكِبَيْه ثمَّ كبر، فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع فعل مثل ذَلِك قَالُوا: النَّص وَاجِب الِاتِّبَاع فَلَا يتْرك مُوجبه اتبَاعا للصحابي، قُلْنَا نعم وَنحن مَا اتَّبعنَا إِلَّا النَّص: وَهُوَ النَّاسِخ الَّذِي لأَجله ترك الرَّاوِي الْمَرْوِيّ (وكتخصيصه) أَي الصَّحَابِيّ الرَّاوِي (الْعَام تَقْيِيده للمطلق) إِنَّمَا ذكر التَّخْصِيص فِي الْعَام، لِأَنَّهُ تقليل الِاشْتِرَاك وَالْعَام مُسْتَغْرق لما يصلح لَهُ، فَيلْزمهُ الِاشْتِرَاك وَالتَّقْيِيد فِي الْمُطلق، لِأَن الْمَاهِيّة الْمُطلقَة لم يعْتَبر فِيهَا الِاشْتِرَاك وَعَدَمه فيناسبه التَّقْيِيد، فَيجب أَن يحمل تَقْيِيده على سَماع مَا تقيده (فَإِن لم يعلم عمله) أَي الصَّحَابِيّ الرَّاوِي لَهُ (وَعلم عمل الْأَكْثَر بِخِلَافِهِ) أَي الْخَبَر (اتبع الْخَبَر) لِأَن غير الرَّاوِي قد لَا يعلم ذَلِك بالْخبر، ثمَّ قَول الْأَكْثَر لَيْسَ بِحجَّة، فَكيف يتْرك مَا هُوَ حجَّة: وَهَذَا عِنْد غير الْحَنَفِيَّة وَأما عِنْدهم فَفِيهِ تَفْصِيل كَمَا يَجِيء (وَمن يرى حجية إِجْمَاع) أهل (الْمَدِينَة) كمالك (يستثنيه) فَيَقُول إِلَّا أَن يكون فِيهِ إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة، فَالْعَمَل بإجماعهم فَهُوَ عِنْده (كإجماع الْكل) وَهُوَ مقدم على خبر الْوَاحِد (وَترك الصَّحَابَة الِاحْتِجَاج بِهِ) أَي الحَدِيث (عِنْد اخْتلَافهمْ مُخْتَلف) أَي وَقع الِاخْتِلَاف بَين الْأُصُولِيِّينَ (فِي رده) أَي الحَدِيث الَّذِي تركُوا الِاحْتِجَاج بِهِ عِنْد اخْتلَافهمْ واحتياجهم إِلَيْهِ (وَهُوَ) أَي رده لذَلِك هُوَ (الْوَجْه) الأول (إِذا كَانَ) الحَدِيث (ظَاهرا فيهم) أَي الصَّحَابَة (وَأما عمل غَيره) أَي رَاوِي الحَدِيث (من الصَّحَابَة بِخِلَافِهِ) أَي الْمَرْوِيّ (فالحنفية) قَالُوا (إِن كَانَ) الحَدِيث (من جنس مَا يحْتَمل الخفاء على التارك) للْعَمَل بِهِ (كَحَدِيث القهقهة)

الْمَرْوِيّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طرق مِنْهَا رِوَايَة أبي حنيفَة عَن مَنْصُور بن زَاذَان الوَاسِطِيّ عَن الْحسن عَن معبد بن أبي معبد الْخُزَاعِيّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَينا هُوَ فِي الصَّلَاة إِذْ أقبل أعمى يُرِيد الصَّلَاة فَوَقع فِي زبية فاستضحك الْقَوْم فقهقهوا، فَمَا انْصَرف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " من كَانَ مِنْكُم قهقه فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة ". (عَن أبي مُوسَى) الْأَشْعَرِيّ (تَركه) أَي الْعَمَل بِهِ (لَا يضرّهُ) أَي الحَدِيث الْمَذْكُور (إِذْ لَا يسْتَلْزم) ترك غير الرَّاوِي لمثله جرحا (مثل ترك الرَّاوِي) الصَّحَابِيّ مرويه الْمُفَسّر بعد رِوَايَته لَهُ لجَوَاز عدم اطِّلَاعه عَلَيْهِ كَمَا فِي وُقُوع القهقهة فِي الصَّلَاة (لِأَنَّهُ) أَي وُقُوعه فِيهَا (من الْحَوَادِث النادرة فَجَاز خفاؤه) أَي الحَدِيث (عَنهُ) أَي أبي مُوسَى (على أَنه منع صِحَّته) أَي صِحَة تَركه (عَنهُ) أَي أبي مُوسَى (بل) روى (نقيضه) أَي نقيض ترك الْعَمَل بِهِ وَهُوَ الْعَمَل بِهِ عَنهُ: أَي أبي مُوسَى. وَفِي الْأَسْرَار قد اشْتهر عَن أبي الْعَالِيَة رِوَايَة هَذَا الحَدِيث مُرْسلا وَمُسْندًا عَن أبي مُوسَى، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ مَرْفُوعا (أَولا) يكون الحَدِيث (مِنْهُ) أَي من جنس مَا يحْتَمل الخفاء (كالتغريب) فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الْبكر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام ": رَوَاهُ مُسلم وَغَيره، وَهُوَ إِخْرَاج الْحَاكِم الْمُحصن الْحر ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى إِلَى مَسَافَة قصر فَمَا فَوْقه، وَأول مدَّته ابْتِدَاء السّفر كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي فروع الشَّافِعِيَّة (تَركه عمر بعد لحاق من غربه مُرْتَدا). أخرج عبد الرازق عَن ابْن الْمسيب قَالَ: غرب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ربيعَة بن أُميَّة بن خلف فِي الشَّرَاب إِلَى خَيْبَر فلحق بهرقل فَتَنَصَّرَ فَقَالَ عمر لَا أغرب بعده مُسلما (فيقدح) أَي ترك عمل غير الرَّاوِي لَهُ من الصَّحَابَة فِيهِ (لاستلزامه) أَي ترك الْعَمَل بِهِ حِينَئِذٍ (ذَلِك) أَي الْقدح فِيهِ (أَو) يُقَال فِي هَذَا الْخُصُوص (أَنه) أَي التَّغْرِيب (كَانَ زِيَادَة تَعْزِير سياسة) شَرْعِيَّة إيحاشا للزاني وَزِيَادَة فِي تنكيله فَلَا يقْدَح (إِذْ لَا يخفى) كَون التَّغْرِيب من الْحَد (عَنهُ) أَي عَن عمر (لابتناء الْحَد على الشُّهْرَة مَعَ حَاجَة الإِمَام إِلَى مَعْرفَته فيفحص عَنهُ، وكفره) أَي الْمغرب بارتداده و (لَا يحل تَركه) أَي عمر (الْحَد، وَقد قَالَ عمر للمؤلفة بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين فهم انْتِهَاء حكمهم) أَي التَّأْلِيف وَهُوَ الْعَطاء لمصْلحَة تَقْوِيَة الْإِسْلَام (وهم أهل شَوْكَة) أَي وَالْحَال أَن الْمُؤَلّفَة عِنْد الِانْتِهَاء أهل شَوْكَة ومنعة يتَوَهَّم مِنْهُم الْعِصْيَان، ومعقول القَوْل، (الْحق من ربكُم فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر ومنعهم). روى الطَّبَرِيّ عَنهُ أَنه قَالَ ذَلِك لما أَتَاهُ عُيَيْنَة بن حصن، وأعقبه بقوله: يَعْنِي لَيْسَ الْيَوْم مؤلفة (بَقِي قسم) لم يذكر فِي تقسيمهم وَهُوَ (مُحْتَمل لَا يخفى) أَي هُوَ فِي حد ذَاته مِمَّا يحْتَمل الخفاء غير أَنه اشْتهر وارتفع عَنهُ الخفاء (وَلَيْسَ) الحكم الثَّابِت فِيهِ (من متعلقات) الصَّحَابِيّ الَّذِي لَيْسَ براويه (التارك) للْعَمَل

مسئلة

بِهِ (الَّتِي تهمه) ليلزم عَلَيْهِ زِيَادَة الفحص عَنهُ (وَالْوَجْه) أَن يُقَال (لَيْسَ) ترك عمل غير الرَّاوِي (كالراوي) أَي كَتَرْكِ عمل الرَّاوِي (لزِيَادَة احْتِمَال عدم بُلُوغه) أَي الحَدِيث الَّذِي تَاركه غير رَاوِيه (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (أولى) بِهِ: أَي بِوُجُوب الْعَمَل بِالْحَدِيثِ (من الْأَكْثَر) من الْقسم الَّذِي ترك الْأَكْثَر الْعَمَل (بِهِ) قَالَ الشَّارِح: لَعَلَّهُم لم يذكروه لانْتِفَاء أَمْثَاله فِي استقرائهم وَالله أعلم. مسئلة (حذف بعض الْخَبَر الَّذِي لَا تعلق لَهُ بالمذكور جَائِز) عِنْد الْأَكْثَر (بِخِلَاف) مَاله تعلق بِهِ مخل بِالْمَعْنَى حذفه: مثل فعل (الشَّرْط) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِن زنت فاجلدوها، ثمَّ إِن زنت فاجلدوها، ثمَّ إِن زنت فاجلدوها، ثمَّ بيعوها وَلَو بضفير " يَعْنِي الْأمة غير المحصنة مُتَّفق عَلَيْهِ. (وَالِاسْتِثْنَاء) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب، وَلَا الْوَرق بالورق إِلَّا وزنا بِوَزْن مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء ": رَوَاهُ مُسلم (وَالْحَال) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا يُصَلِّي أحدكُم فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ على عَاتِقه شَيْء ": رَوَاهُ البُخَارِيّ (والغاية) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه " مُتَّفق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يجوز حذفه لفَوَات الْمَقْصُود (وَقيل لَا) يجوز مُطلقًا (وَقيل إِن روى مرّة على التَّمام) هُوَ أَو غَيره الْخَبَر جَازَ وَإِلَّا لم يجز (وَمَا قيل يمْنَع إِن خَافَ تُهْمَة الْغَلَط) كَمَا ذكره الْخَطِيب: يَعْنِي أَن روى مرّة على التَّمام هُوَ أَو غَيره، وَمرَّة على النُّقْصَان إِن خَافَ أَن يتهم بالغلط بِزِيَادَتِهِ مَا لم يسمعهُ وَنَحْوه (فَأمر آخر) لَا دخل لَهُ فِي أصل الْجَوَاز الَّذِي كلامنا فِيهِ (لنا إِذا انْقَطع التَّعَلُّق) بَين الْمَذْكُور والمحذوف (فكخبرين أَو أَخْبَار، وشاع من الْأَئِمَّة من غير نَكِير، وَالْأولَى الْكَمَال كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ) أَي تتساوى فِي الْقصاص والديات لأَفْضَل للشريف على وضيع (وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ) أَي بأمانهم (أَدْنَاهُم، وَيرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم) أَي يرد الْأَبْعَد مِنْهُم الْبَقِيَّة عَلَيْهِم: وَذَلِكَ لِأَن الْعَسْكَر إِذا دخل دَار الْحَرْب فاقتطع الإِمَام مِنْهُم سَرَايَا ووجهها للإغارة فَمَا غنمته جعل لَهَا على مَا سمي، وَيرد مَا بَقِي لأهل الْعَسْكَر: لِأَن بهم قدرت السَّرَايَا على التوغل فِي دَار الْحَرْب وَأخذ المَال كَذَا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة، فالأبعد السّريَّة، والبقية مَا يبْقى من المَاء وَغَيره، والمردود عَلَيْهِم أهل الْعَسْكَر فَإِن السّريَّة ترد بَقِيَّة المَال عَلَيْهِم (وهم يَد على من سواهُم) أَي كالعضو الْوَاحِد فِي اتِّحَاد كلمتهم ونصرتهم وتعاونهم على جَمِيع الْملَل الْمُحَاربَة لَهُم: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه إِلَّا أَنه قَالَ مَكَان: وَيرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم، ويجيز عَلَيْهِم

مسئلة

أَقْصَاهُم ففسر الرَّد فِي تِلْكَ الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ، فَالْمَعْنى يرد الْإِجَازَة عَلَيْهِم حَتَّى يكون كلهم مجيزا، يُقَال أجزت فلَانا على فلَان: إِذا حميته مِنْهُ ومنعته. مسئلة (الْمُخْتَار) عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ والآمدي وَالْإِمَام الرَّازِيّ وَابْن الْحَاجِب. وَفِي رِوَايَة عَن أَحْمد وَغَيرهم (أَن خبر الْوَاحِد قد يُفِيد الْعلم بقرائن غير اللَّازِمَة لما تقدم) أَي للْخَبَر نَفسه وللمخبر أَو للمخبر عَنهُ (وَلَو كَانَ) الْمخبر (غير عدل، لَا) أَنه يفِيدهُ (مُجَردا) عَن الْقَرَائِن (وَقيل إِن كَانَ) الْمخبر (عدلا جَازَ) أَن يُفِيد الْعلم (مَعَ التجرد) عَن الْقَرَائِن، لَكِن لَا يطرد فِي كل خبر عدل، وَهُوَ عَن بعض الْمُحدثين (وَعَن أَحْمد) فِي رِوَايَة يُفِيد الْعلم مَعَ التجرد، و (يطرد) فِي كل خبر عدل (وَأول) الْعلم المفاد بِهِ مطردا (بِعلم وجوب الْعَمَل، لَكِن تَصْرِيح ابْن الصّلاح فِي مرويهما) أَي صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم (بِأَنَّهُ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ) وَسَبقه إِلَى هَذَا الْمَقْدِسِي وَأَبُو نصر (يَنْفِيه) أَي هَذَا الدَّلِيل (مستدلا) حَال من ابْن الصّلاح (بِالْإِجْمَاع على قبُوله وَإِن كَانَ) الْإِجْمَاع ناشئا (عَن ظنون) يَعْنِي كل وَاحِد من أهل الْإِجْمَاع لصِحَّة مرويهما المستلزمة لقبوله (فَظن مَعْصُوم) أَي فَظن الْجَمِيع من حَيْثُ أَنه اجْتمع عَلَيْهِ الْأمة مَعْصُوم عَن الْخَطَأ فَصَارَ كَالْعلمِ فِي عدم احْتِمَال الْخَطَأ، وَسَيَجِيءُ الْكَلَام عَلَيْهِ (وَالْأَكْثَر) من الْفُقَهَاء والمحدثين خبر الْوَاحِد (لَا) يُفِيد الْعلم (مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ بقرائن أَولا (لنا) فِي الأول وَهُوَ إفادته للْعلم بِالْقُرْآنِ (الْقطع بِهِ) أَي بِخَبَر الْوَاحِد أَو بِحُصُول الْعلم بمضمونه (فِي نَحْو إِخْبَار ملك) من إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول: أَي فِيمَا إِذا أخبر وَاحِد ملكا (بِمَوْت ولد) لَهُ كَانَ (فِي النزع مَعَ صُرَاخ وانتهاك حرم) للْملك (وَنَحْوه) كخروج الْملك وَرَاء الْجِنَازَة إِلَى غير ذَلِك. (وَفِي الثَّانِي) وَهُوَ عدم إِفَادَة الْعلم مُجَردا عَن الْقَرَائِن (لَو كَانَ) خبر الْوَاحِد مُفِيدا للْعلم مُطلقًا (فبالعادة) أَي فَكَانَ تِلْكَ الإفادة بطرِيق الْعَادة وأجرى الله عَادَته بِخلق الْعلم عِنْده، إِذْ لَا عِلّة لَهُ سواهَا (فيطرد) حُصُول الْعلم فِي كل جُزْء من غير تخلف، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ ضَرُورَة (وَاجْتمعَ النقيضان فِي الْإِخْبَار بهما) أَي بالنقيضين، وَقد وَقع ذَلِك فِي إِخْبَار الْعُدُول كثيرا، إِذْ الْمَفْرُوض أَن كل خبر عدل يُفِيد الْعلم، وكل مَا هُوَ مُتَعَلق الْعلم لَا بُد أَن يكون متحققا وَيرد عَلَيْهِ أَن الْقَائِل بِهِ يُرِيد أَنه يُفِيد الْعلم إِذا لم تكن قرينَة الْكَذِب، وكل مِنْهُمَا قرينَة كذب الآخر إِذا صَدرا مَعًا وَإِلَّا فالمتقدم لَا معَارض لَهُ فَيصير قرينَة لكذب الْمُتَأَخر فَتَأمل. (وَوَجَب التأثيم) للمخالف بِالِاجْتِهَادِ لعدم جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي مُقَابلَة الْقطعِي (وَهُوَ) أَي تأثيمه

(مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاع. الْأَكْثَر) قَالُوا فِي دفع دَلِيل الْمُخْتَار (مفيده) أَي الْعلم (الْقَرَائِن فقد أخرجُوا الْخَبَر عَن كَونه جُزْء مُفِيد الْعلم) لَا عَن كَونه مُعَرفا عَلَيْهِ مُطلقًا: إِذْ لَا سَبِيل إِلَيْهِ (وَدفعه) أَي هَذَا القَوْل من قبيل الْمُخْتَار (بِأَنَّهُ لَوْلَا الْخَبَر لجوزنا موت) شخص (آخر) من أقَارِب الْملك كأخيه وَأَبِيهِ، فَلَا يتَعَيَّن وَلَده بِعَيْنِه (يُفِيد أَن الْمَقْصُود مُجَرّد حُصُول الْعلم مَعَ الْمَجْمُوع) من الْخَبَر والقرائن، لَا إِثْبَات كَون الْخَبَر جُزْء سَبَب الْعلم (فَإِذا عجز) الدَّافِع الْمَذْكُور (عَن إثْبَاته) أَي إِثْبَات كَون الْخَبَر (جُزْء السَّبَب) لإفادته (لزم) كَونه (شرطا) لإفادته، إِن أَرَادَ بِالشّرطِ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ أَعم من أَن يكون جُزْءا أَو خَارِجا، إِذْ هُوَ مُقْتَضى الدَّلِيل لَا خُصُوصِيَّة كَونه خَارِجا لَا يُفِيد مَا هُوَ بصدده، وَإِن أَرَادَ مَا هُوَ الْأَخَص فالملازمة مَمْنُوعَة، إِذْ الْعَجز عَن إِثْبَات شَيْء لَا يسْتَلْزم عَدمه فَتَأمل (وَهُوَ) أَي كَونه شرطا لإفادته (عين مَذْهَب الْأَكْثَر) إِذْ لَيْسَ مقصودهم إِفَادَة الْقَرَائِن بِدُونِ الْخَبَر (فَهُوَ) أَي هَذَا القَوْل من قبل الْمُخْتَار (اعْتِرَاف بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ شرطا (فأغناهم) أَي هَذَا الِاعْتِرَاف أهل الْمُخْتَار (عَمَّا نسبوه) أَي الْأَكْثَر (إِلَيْهِم) أَي أهل الْمُخْتَار (من قَوْلهم) أَي الْأَكْثَر (دليلكم) أَصْحَاب الْمُخْتَار (على نَفْيه) أَي الْعلم عَن خبر الْوَاحِد (بِلَا قرينَة يَنْفِيه) أَي الْعلم عَنهُ (بهَا) أَي بِالْقَرِينَةِ، وَمعنى الإغناء أَنه إِذا كَانَ مآل كَلَام الْمُخْتَار وَالْأَكْثَر وَاحِدًا يرْتَفع عَن الْمُخْتَار مُنَازعَة الْأَكْثَر فَلَا يَحْتَاجُونَ حِينَئِذٍ إِلَى ذكر نقض الْأَكْثَر وَذكر جَوَابه، ثمَّ بَين الدَّلِيل المنقوض بقوله (وَهُوَ) أَي دليلكم على نَفْيه (لَو كَانَ) خبر الْوَاحِد مُفِيدا للْعلم بِدُونِ الْقَرَائِن (أدّى إِلَى النقيضين) أَي تنَاقض المعلومين (إِلَى آخِره) أَي لُزُوم الاطراد وتأثيم الْمُخَالف كَأَنَّهُ زعم الناقض أَن اللوازم الْمَذْكُورَة تلْزم كَون الْخَبَر مُفِيدا للْعلم سَوَاء كَانَ مَعَ الْقَرَائِن أَولا، وبطلانه ظَاهر (و) أغناهم عَن (دَفعه بِأَنَّهُ) أَي الدَّلِيل الْمَذْكُور (إِنَّمَا يَقْتَضِي امْتِنَاعه) أَي كَون الْخَبَر مُفِيدا للْعلم (عِنْده) أَي عِنْد نفي الْقَرِينَة (لَا مُطلقًا) ليدْخل فِيهِ مَا مَعَ الْقَرِينَة (لِأَن لُزُوم المتناقضين إِنَّمَا هُوَ بتقديره) عدم الْقَرَائِن، لِأَن المخطوطات الثَّلَاثَة من لَوَازِم كَون خبر الْعدْل بِنَفسِهِ مُفِيدا للْعلم من غير حَاجَة إِلَى الْقَرِينَة، و (أما الْجَواب) عَن النَّقْض الْمَذْكُور بِمَنْع بطلَان التَّالِي فِي صُورَة كَونه مَعَ الْقَرَائِن (بِالْتِزَام الاطراد فِي مثله) أَي فِيمَا فِيهِ الْقَرَائِن. فِي الشَّرْح العضدي: وَالْجَوَاب أَنَّهَا لَا تتأدى فِي الْخَبَر مَعَ الْقَرَائِن، أما لُزُوم الاطراد فَلِأَنَّهُ مُلْتَزم فِي نَفسه فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَن الْعلم، وَأما تنَاقض المعلومين فَلِأَن ذَلِك إِذا حصل فِي قصَّة امْتنع أَن يحصل مثله فِي نقيضها عَادَة وَأما تخطئة الْمُخَالف قطعا فَلِأَنَّهُ مُلْتَزم وَلَو وَقع لم يجز مُخَالفَته بِالِاجْتِهَادِ إِلَّا أَنه لم يَقع فِي الشرعيات انْتهى (فبعيد للْقطع بِأَن لَيْسَ كل خبر وَاحِد) مقرون (بقرائن) مثل قَرَائِن الْمِثَال الْمَذْكُور (يُوجب الْعلم، و) الْحَال أَن (الدَّعْوَى) أَن الْخَبَر الْمَذْكُور (قد يُوجِبهُ) أَي الْعلم (لَا الْكُلية) أَي لَا أَنه

كل خبر كَذَا يُوجِبهُ (لما نذْكر) من تَجْوِيز ثُبُوت نقيضه بِأَن يرجِعوا فيقولوا لم يمت، وَإِنَّمَا سكن وَبرد فَظن مَوته (فبايجابه) أَي الْخَبَر الْمَذْكُور الْعلم (يعلم أَنه) أَي الْخَبَر الْمُوجب (ذَلِك) الْخَبَر الْمُفِيد للْعلم بالقرائن، وَلَا يخفى أَن الْعلم بإيجابه للْعلم إِنَّمَا يتَحَقَّق بِمَجْمُوع أحد أَمريْن: أَحدهمَا عدم احْتِمَال النقيض، وَالثَّانِي مطابقته للْوَاقِع وَالْعلم بالمطابقة بالحس أَو الْبُرْهَان أَو خبر الْمخبر الصَّادِق (كَمَا فِي) الْخَبَر (الْمُتَوَاتر يعرفهُ) أَي كَونه متواترا (أَثَره) أَي ثُبُوت أَثَره: وَهُوَ (الْعلم وَحِينَئِذٍ نمْنَع إِمْكَان مثله) أَي إِيجَاب الْعلم بِخَبَر وَاحِد آخر عدل مخبر (بالنقيض الآخر) مقرون بقرائن مثل تِلْكَ الْقَرَائِن فَإِنَّهُ محَال عَادَة (إِلَّا لَو وَقع) أَي لَكَانَ لَو وَقع، وَالتَّعْبِير بلو للإشعار بِعَدَمِ وجوده (فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة) جَوَاب لَو مَحْذُوف أَي جوزناه، يدل عَلَيْهِ قَوْله (فَيجوز لعدم حَقِيقَة التَّعَارُض) فِيهَا (للُزُوم اخْتِلَاف الزَّمَان) فِيهَا (فأحدهما مَنْسُوخ) وَالْآخر نَاسخ لَهُ، وعَلى هَذَا القَوْل بِأَن النّسخ يجْرِي فِي الْأَخْبَار وَالْجُمْهُور على خِلَافه، فعلى هَذَا لَا يَصح إِلَّا على التَّأْوِيل كَأَن يكون الْمَنْسُوخ مُتَعَلق الْخَبَر لَا نَفسه (ويلتزم التأثيم) للمخالف للْخَبَر والمقرون بالقرائن بِالِاجْتِهَادِ (لَو وَقع فِيهَا بِخِلَافِهِ) أَي التأثيم (بِخَبَر الْوَاحِد) الْمُجَرّد عَن تِلْكَ الْقَرَائِن فَإِنَّهُ لَا يلْتَزم فِيهِ (للْقطع بِجَوَاز إِخْبَار اثْنَيْنِ بنقيضين، بل) الْقطع (بِوُقُوعِهِ) إِنَّمَا جمع بَين القطعين مَعَ أَن الثَّانِي يُغني عَن الأول لِأَنَّهُ يستلزمه إِشَارَة إِلَى أَنه لَا مَانع عَنهُ من حَيْثُ الْعقل وتقرره الْوَاقِع فِي الْوَاقِع (فَعلم بِهِ) أَي بإخبارهما بالنقيضين (أَنه) أَي خبر الْوَاحِد (لَا يفِيدهُ) أَي الْعلم، إِذْ لَو أَفَادَهُ لأفاد كِلَاهُمَا فَلَزِمَ تحقق معلوميهما فِي الْوَاقِع (وَمَا قيل مثله) أَي مثل مَا ذكر من جَوَاز إِخْبَار اثْنَيْنِ بنقيضين (يَقع فِيمَا ذكر من إِخْبَار الْملك) من موت ابْنه بِأَن يُخبرهُ مخبر بِمَوْتِهِ مَعَ الْقَرَائِن ثمَّ يُخبرهُ آخر بِأَنَّهُ لم يمت، وَإِنَّمَا اشْتبهَ على الْمخبر والحاضرين وَقَامَت الْقَرَائِن على ذَلِك (يرد بِأَن ذَلِك) أَن جَوَاز إِخْبَار اثْنَيْنِ بِمَا ذكر (عِنْد عدم إفادته) أَي الْخَبَر الأول الْعلم (الأول) وَهُوَ الْعلم بِالْمَوْتِ وَالْفَرْض أَنه أَفَادَ، وَذَلِكَ لِأَن الْمُطَابقَة للْوَاقِع مُعْتَبرَة فِي الْعلم فَلَا يرد النَّقْض على الْمُخْتَار فِي إِلْزَام اجْتِمَاع النقيضين بقَوْلهمْ يَقع فِيمَا ذكر إِلَى آخِره (و) قَالَ (الطارد) أَي الَّذِي يَقُول بِأَن خبر الْوَاحِد الْعدْل يُفِيد الْعلم مطردا، وَقد مر أَنه مَرْوِيّ عَن أَحْمد (فِي مرويهما) أَي الشَّيْخَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم أَو صَحِيحَيْهِمَا، والإضمار من غير سبق الذّكر لسبقهما إِلَى الذِّهْن عِنْد ذكر أَخْبَار الْآحَاد الْعُدُول، ومقول القَوْل (لَو أَفَادَ) مرويهما الظَّن لَا الْعلم (لم يجمع) أَي لما وَقع الْإِجْمَاع على وجوب الْعَمَل (بِهِ) أَي بمرويهما، لكنه أجمع عَلَيْهِ (أما الْمُلَازمَة فللنهي عَن اتِّبَاعه) أَي الظَّن تَحْرِيمًا، يدل عَلَيْهِ قَوْله (والذم عَلَيْهِ) أَي على اتِّبَاعه. قَالَ تَعَالَى - {(وَلَا تقف} مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم (إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن)} - فِي معرض الذَّم، فَدلَّ على التَّحْرِيم إِذْ لَا يذم على ترك الْمَنْدُوب. (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا أَن يُقَال (الْإِجْمَاع

عَلَيْهِ) أَي على الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد الْعدْل (للْإِجْمَاع على وجوب الْعَمَل بِالظَّنِّ) وَلذَلِك وَجب على الْمُجْتَهد الْعَمَل بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَالْإِجْمَاع على وجوب الْعَمَل بِالظَّنِّ يسْتَلْزم الْإِجْمَاع على الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد الْعدْل لِأَنَّهُ يُفِيد الظَّن (لَا لإفادته) أَي مرويهما (الْعلم بمضمونه) أَي الْخَبَر (و) الدَّلِيل السمعي) أَي لَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم، وَإِن يتبعُون إِلَّا الظَّن (مَخْصُوص بالاعتقاديات) الْمَطْلُوب فِيهَا الْيَقِين بِخِلَاف الْأَحْكَام العملية الْمَطْلُوب فِيهَا مَا يعم الظَّن وَغَيره (وَذَلِكَ الْإِجْمَاع) الْقطعِي على وجوب الْعَمَل بِالظَّنِّ (دَلِيل وجود الْمُخَصّص) لعُمُوم نهي اتِّبَاع الظَّن فالمخصص وجوب الْعَمَل بِالظَّنِّ وَدَلِيله الْإِجْمَاع الْمَذْكُور فَلم يبْق بعد التَّخْصِيص إِلَّا الاعتقاديات، وَهَذَا على غير قَول الْحَنَفِيَّة (أَو النَّاسِخ) للنَّهْي عَن الِاتِّبَاع فِي غير الاعتقاديات على قَوَاعِد الْحَنَفِيَّة، مَعْطُوف على وجود الْمُخَصّص (وَمَا قيل) من أَنه (لَا إِجْمَاع) على الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد (للْخلاف الْآتِي لَيْسَ بِشَيْء لِاتِّفَاق هذَيْن المتناظرين على نقل إِجْمَاع الصَّحَابَة فِيهِ) أَي فِي وجوب الْعَمَل بِهِ للْخلاف الْآتِي فِي الْعَمَل بِهِ (وَقَوله) أَي الطارد (ظن مَعْصُوم) أَي ظن أهل الْإِجْمَاع على قبُول مرويهما بِصِحَّتِهِ المستلزمة للقبول مَعْصُوم عَن الْخَطَأ فَتكون صِحَّته مَقْطُوعًا بهَا وَقد مر (قُلْنَا إِنَّمَا أَفَادَهُ) أَي الْإِجْمَاع على قبُول مرويهما (الْإِجْمَاع على) وجوب (الْعَمَل) بِالظَّنِّ: يَعْنِي الْإِجْمَاع على وجوب الْعَمَل بِالظَّنِّ صَار سَببا للْإِجْمَاع على قبُول مرويهما، لَا الظَّن الْمَعْصُوم عَن الْخَطَأ الَّذِي جعلته كَالْعلمِ: وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَعْلُوم إِنَّمَا هُوَ الْمجمع عَلَيْهِ وَالصِّحَّة لَيست مجمعا عَلَيْهَا، وكل وَاحِد يجوز نقيضه، غير أَنَّهَا راجحة عِنْده وَمَعَ ذَلِك مستلزمة للقبول (وَأَيْنَ هُوَ) أَي مَا أَفَادَهُ الْإِجْمَاع الْمَذْكُور (من كَون خبر الْوَاحِد يُفِيد الْعلم فَالْحَاصِل أَن ادعيت أَن الْإِجْمَاع على الْعَمَل) بمرويهما (لإِفَادَة الْخَبَر الْعلم منعناه) أَي هَذَا الْمُدَّعِي (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمُدَّعِي (أول المسئلة) فَهُوَ مصادرة على الْمَطْلُوب (أَو) ادعيت (أَنه) أَي الْإِجْمَاع على الْعَمَل بمرويهما (أَفَادَ أَن هَذَا الْخَبَر الْمعِين الَّذِي أجمع على الْعَمَل بِهِ حق قطعا) مَعْصُوم بِمَعْنى أَنه لَا خطأ فِي مضمونه (أمكن بِتَسْلِيمِهِ) لم يقل مُسلم لبعد هَذَا المُرَاد من عبارَة الطارد وَإِطْلَاق مرويهما (وَلَا يُفِيد) الْمَطْلُوب (إِذْ الأول) أَي كَونه مُفِيدا للْعلم (هُوَ الْمُدَّعِي، لَا الثَّانِي) وَهُوَ كَون الْمَضْمُون الْخَبَر الْمعِين مَقْطُوعًا بِهِ لكَونه مجمعا عَلَيْهِ (و) حِينَئِذٍ كل خبر وَاحِد عدل مجمع على الْعَمَل بِهِ حكمه كَذَا (سَوَاء كَانَ مِنْهُمَا) أَي الصَّحِيحَيْنِ (أَو لَا يكون) مِنْهُمَا (وَقد يكون) خبر الْوَاحِد (مِنْهُمَا) أَي الصَّحِيحَيْنِ (وَلَا يجمع عَلَيْهِ) أَي على وجوب الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ لتكلم بعض النقاد فِيهِ كالدارقطني، قيل وَجُمْلَة مَا استدركه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره على البُخَارِيّ مائَة وَعشرَة أَحَادِيث وَافقه مُسلم على إِخْرَاج اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ حَدِيثا مِنْهَا (فالضابط مَا أجمع على الْعَمَل بِهِ) لَا مرويهما بِخُصُوصِهِ (وَهُوَ) الضَّابِط الْمَذْكُور

مسئلة

مسئلة (إِذا أجمع على حكم يُوَافق خَبرا قطع بصدقه) أَي الْخَبَر (عِنْد الْكَرْخِي وَأبي هَاشم وَأبي عبد الله الْبَصْرِيّ) فِي جمَاعَة (لعملهم) أَي المجمعون (بِهِ) أَي بالْخبر الْمُوَافق لعملهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يقطع بصدقه بِأَن يجوز كَونه غير مُطَابق للْوَاقِع (احْتمل الْإِجْمَاع الْخَطَأ) لِأَن احْتِمَال عدم مُطَابقَة الْخَبَر الْمَذْكُور يسْتَلْزم احْتِمَال عدم مُطَابقَة الحكم الْمجمع عَلَيْهِ لموافقتهما فِي الْمَضْمُون (فَلم يكن) الْإِجْمَاع (قَطْعِيّ الْمُوجب) وَاللَّازِم بَاطِل (وَمنعه) أَي الْقطع بِصدق الْخَبَر (غَيرهم) وَهُوَ الْجُمْهُور فَقَالُوا يدل على صدقه ظنا، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَصَاحب البديع (لاحْتِمَال كَونه) أَي علمهمْ أَو عمل بَعضهم (بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر الْخَبَر الْمَذْكُور من الْأَدِلَّة (وَلَو كَانَ) عَمَلهم (بِهِ) أَي بذلك الْخَبَر (لم يلْزم احْتِمَال الْإِجْمَاع) للخطأ مَعَ أَن الْخَطَأ الْمَذْكُور يحْتَمل أَن لَا يُطَابق (للْقطع بإصابتهم فِي الْعَمَل بالمظنون) الْمُحْتَمل لعدم الْمُطَابقَة للْوَاقِع احْتِمَالا مرجوحا، وَقد يُقَال دَلِيل الْقطع بِصدق الْخَبَر الْمَذْكُور كَون الآخر كَذَلِك وَيُجَاب بِأَن هَذَا إِنَّمَا يلْزم إِذا كَانَ موافقتهما بِأَن يَكُونَا خبرين متحدين فِي الْمَضْمُون وَلَيْسَ كَذَلِك، بل أَحدهمَا حكم من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة: كالوجوب وَالْحُرْمَة، وَالْآخر روايه قَول أَو فعل يلْزمه ذَلِك الْوُجُوب أَو الْحُرْمَة، وَمن الْجَائِز كَون ذَلِك حكم الله فِي نفس الْأَمر مَعَ عدم مُطَابقَة الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة لما فِي نفس الْأَمر بِأَن لم يقل الْمَرْوِيّ عِنْد ذَلِك الْمَخْصُوص أَو لم يفعل ذَلِك الْمُخَصّص، وَلذَلِك قَالَ (وتحقيقه أَنه) أَي الْإِجْمَاع الْمَذْكُور (يُفِيد الْعلم بحقية الحكم وَلَا يسْتَلْزم) كَونه حَقًا الْقطع بحقية الحكم (بِصدق الْخَبَر) بِمَعْنى (أَنه) أَي الْخَبَر الْخَاص (سَمعه فلَان مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) مثلا. مسئلة (إِذا أخبر) مخبر خَبرا عَن محسوس على مَا صرح بِهِ الْآمِدِيّ (بِحَضْرَة خلق كثير وَعلم علمهمْ بكذبه لَو كذب وَلم يكذبوه وَلَا حَامِل على السُّكُوت) أَي وَلَيْسَ هُنَاكَ باعث على السُّكُوت وَعدم التَّكْذِيب من خوف وَغَيره فَقَوله: علم حَال عَن فَاعل أخبر بِتَقْدِير قد ومتعلق الْعلم الأول مَضْمُون الشّرطِيَّة فِي الْحَقِيقَة إِذْ لَيْسَ المُرَاد تحقق علمهمْ بكذبه وَتعلق علم السَّامع لعلمهم فمتعلق الْعلم الأول علمهمْ بكذبه على تَقْدِير كذبه، فجواب لَو مَحْذُوف اكْتِفَاء بِمَا يفِيدهُ: أَعنِي علمهمْ بكذبه فَقيل لَا يلْزم عَن سكوتهم تَصْدِيقه لجَوَاز أَن يسكتوا عَن تَكْذِيبه لَا لشَيْء، وَالْمُخْتَار مَا أَفَادَهُ بقوله (قَطعنَا بصدقه بِالْعَادَةِ) لِأَنَّهُ مَعَ اخْتِلَاف أمزجتهم ودواعيهم وعلمهم بالواقعة بِحَيْثُ لَو كذب علمُوا كذبه خُصُوصا مَعَ علمهمْ بِأَنَّهُم إِذا علمُوا كذبه فقرروه عَلَيْهِ لربما كَانَ علمهمْ

مسئلة

بكذبه، وتقريرهم إِيَّاه على الْكَذِب يمْتَنع السُّكُوت عَادَة، وَذهب ابْن السَّمْعَانِيّ إِلَى اشْتِرَاط تمادي الزَّمن الطَّوِيل فِي ذَلِك. مسئلة (التَّعَبُّد بِخَبَر الْوَاحِد الْعدْل) وَهُوَ أَن يُوجب الشَّارِع الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ على الْمُكَلّفين (جَائِز عقلا خلافًا لشذوذ) وهم الجبائي فِي جمَاعَة من الْمُتَكَلِّمين (لنا الْقطع بِأَنَّهُ) أَي التَّعَبُّد بِهِ (لَا يسْتَلْزم محالا فَكَانَ) التَّعَبُّد بِهِ (جَائِزا) إِذْ لَا نعني بِالْجَوَازِ إِلَّا هَذَا وَلَا يمْنَع احْتِمَال الْكَذِب إِذْ الصدْق رَاجِح لعدالته إِذْ لَو لم يتعبد بالرجحان ويلتزم عدم الِاحْتِمَال لامتنع الْعَمَل بِشَهَادَة الشَّاهِدين، وَقَول الْمُفْتِي للعامي لتحَقّق الِاحْتِمَال فيهمَا، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ إِجْمَاعًا (قَالُوا) التَّعَبُّد إِن لم يكن مُمْتَنعا لذاته فممتنع لغيره، لِأَنَّهُ (يُؤَدِّي إِلَى تَحْرِيم الْحَلَال وَقَلبه) أَي تَحْلِيل الْحَرَام، يَعْنِي لَو لزم علينا التَّعَبُّد بِخَبَر الْوَاحِد، وَمن الْجَائِز أَن يكون ذَلِك الْوَاحِد مخطئا فِيمَا أخبر بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لجَوَاز خطئه) بِأَن أخبر بِحرْمَة فعل مثلا، وَفِي نفس الْأَمر هُوَ حَلَال أَو عَكسه (و) يُؤَدِّي إِلَى (اجْتِمَاع النقيضين) فِيمَا إِذا روى وَاحِد خَبرا يدل على الْحُرْمَة أَو تَسَاويا فِي الرُّتْبَة وَلم يكن هُنَاكَ رُجْحَان لأَحَدهمَا فَوَجَبَ الْعَمَل بهما، لِأَن الْمَفْرُوض وجوب التَّعَبُّد بِخَبَر الْوَاحِد كالعدل وكل مِنْهُمَا خبر الْوَاحِد الْعدْل، وَالْجمع بَينهمَا محَال (فَيَنْتَفِي الحكم) وَهُوَ التَّعَبُّد بِهِ (قُلْنَا الأول) أَي تأديته إِلَى تَحْرِيم الْحَلَال وَقَلبه (مُنْتَفٍ على إِصَابَة كل مُجْتَهد) أَي بِنَاء على رَأْي المصوبة، إِذْ الْحل وَالْحُرْمَة عِنْدهم تابعان لظن الْمُجْتَهد، وَمَعَ قطع النّظر عَن ظَنّه لَا حل وَلَا حُرْمَة (وعَلى اتحاده) أَي كَون الْمُصِيب وَاحِدًا (إِنَّمَا يلْزم) كَون التَّعَبُّد مُؤديا إِلَى ذَلِك (لَو قَطعنَا بِمُوجبِه) أَي خبر الْوَاحِد فَإِنَّهُ يلْزم حِينَئِذٍ كَونه مطابقا لما فِي نفس الْأَمر، وعَلى تَقْدِير الْخَطَأ يكون الْوَاقِع فِي نفس الْأَمر نقيضه، والمحظور التَّحْرِيم قطعا للْحَلَال بِحَسب نفس الْأَمر: أَي فِي حكم الله، لَا التَّحْرِيم ظنا بِحَسب مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد لما هُوَ حَلَال فِي نفس الْأَمر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَكنا) لَا نقطع، بل (نظنه، وَهُوَ) أَي ظَنّه (مَا) أَي الَّذِي (كلف) الْمُجْتَهد بِهِ: أَي بِالْعَمَلِ بِمُوجبِه (ونجوز خِلَافه) أَي خلاف ذَلِك المظنون ونقول: إِذا وَافق مظنونه مَا هُوَ حكم الله فِي نفس الْأَمر فمصيب والا فمخطئ (ونجزم بِأَن الثَّابِت فِي المتعارضين أحد الْحكمَيْنِ) وَهَذَا جَوَاب عَن الِاسْتِدْلَال الثَّانِي (فَإِن ظنناه) أَي ذَلِك الْأَخْذ بمرجح (سقط الآخر، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يظنّ أَحدهمَا (فالتكليف) حِينَئِذٍ (بِالْوَقْفِ) أَي بالتوقف

مسئلة

عَن الْعَمَل بِشَيْء مِنْهُمَا إِلَى أَن يظْهر رُجْحَان أَحدهمَا فَيعْمل بِهِ كَمَا ذهب إِلَيْهِ القَاضِي أَبُو بكر وليخبر الْمُجْتَهد بِالْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِذا عمل بِأَحَدِهِمَا سقط الآخر، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي (وَلَا يخفى أَن الأول) أَي قَوْلهم التَّعَبُّد بِهِ مُمْتَنع لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَحْرِيم الْحَلَال وَقَلبه (لَيْسَ عقليا، بل مِمَّا أَخذه الْعقل من الشَّرْع، فالمطابق) أَي فالاستدلال المطابق للْمُدَّعِي الِاسْتِدْلَال (الثَّانِي) وَهُوَ لُزُوم اجْتِمَاع النقيضين: وَهَذَا تَعْرِيض بِمَا فِي الشَّرْح العضدي. وَزعم الشَّارِح أَن كلا الدَّلِيلَيْنِ يحْتَاج فِي تَقْرِيره إِلَى فرض مخبرين بالنقيضين، وَلم يدر أَنه حِينَئِذٍ لَا يبْقى لقَوْله لجَوَاز خطئه معنى، وَيرد عَلَيْهِ مفاسد أخر (وَمَا) نقل (عَنْهُم) أَي الْمُخَالفين (من قَوْلهم لَو جَازَ) التَّعَبُّد بِهِ (جَازَ) التَّعَبُّد فِي العقائد (وَنقل الْقُرْآن وادعاه النُّبُوَّة بِلَا معجز) وَمعنى التَّعَبُّد فِي الْأَخيرينِ أَن يعْتَقد أَن الْقُرْآن والنبوة من غير احْتِيَاج إِلَى تَوَاتر وَإِظْهَار معْجزَة، وَاللَّازِم بَاطِل اتِّفَاقًا، وَخبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ الْمَوْصُول (سَاقِط لِأَن الْكَلَام فِي التجويز الْعقلِيّ فنمنع بطلَان التَّالِي) ونقول: بل يجوز التَّعَبُّد بِهِ فِي هَذِه الْمَذْكُورَات أَيْضا (غير أَن التَّكْلِيف وَقع بِعَدَمِ الِاكْتِفَاء) بِخَبَر الْوَاحِد (فِيهَا) قَالَ تَعَالَى - {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} - خص بِمَا عدا الْفُرُوع للأدلة الدَّالَّة على أَن الظَّن كَاف فِيهَا، وَهُوَ حَاصِل بِخَبَر الْعدْل الْوَاحِد. مسئلة (الْعَمَل بِخَبَر الْعدْل وَاجِب فِي العمليات) وَمنعه الروافض وشذوذ، مِنْهُم ابْن دَاوُد (لنا تَوَاتر) الْعَمَل بِهِ (عَن الصَّحَابَة فِي) آحَاد (وقائع خرجت عَن الإحصاء للمستقرين يُفِيد مجموعها) أَي آحَاد الوقائع (إِجْمَاعهم) أَي الصَّحَابَة (قولا) بِأَن قَالَ كل مِنْهُم يجب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد الْعدْل (أَو كالقول على إِيجَاب الْعَمَل عَنْهَا) أَي أَخْبَار الْآحَاد بِأَن لم يقل كل وَاحِد صَرِيحًا، لَكِن علم ذَلِك من كَلَامهم (فَبَطل إِلْزَام الدّور) بِأَن يُقَال: إِثْبَات وجوب الْعَمَل بِهِ بِخَبَر الْوَاحِد مَوْقُوف على وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد (و) إِلْزَام (مُخَالفَة - وَلَا تقف) مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم - بِخَبَر الْوَاحِد لأَنا إِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بالتواتر لَا بِخَبَر الْوَاحِد وَهُوَ يُفِيد الْعلم، (و) إِلْزَام (كَون الْمُسْتَفَاد) من هَذِه الوقائع (الْجَوَاز) أَي جَوَاز الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد، والنزاع إِنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوب، لِأَن إيجابهم الْأَحْكَام بهَا يدل على وجوب الْعَمَل (على أَنه لَا قَائِل بِهِ) أَي بِالْجَوَازِ (دون وجوب وَمن مشهورها) أَي أَعمال الصَّحَابَة بأخبار الْآحَاد (عمل أبي بكر بِخَبَر الْمُغيرَة) بن شُعْبَة (وَمُحَمّد بن مسلمة فِي تَوْرِيث الْجدّة) السُّدس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أخرجه مَالك وَأحمد وَأَصْحَاب السّنَن. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم (و) عمل (عمر بِخَبَر عبد الرَّحْمَن

ابْن عَوْف فِي الْمَجُوس) وَهُوَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ الْجِزْيَة من مجوس هجر كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ (وبخبر حمل) بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْمِيم المفتوحتين (ابْن مَالك فِي إِيجَاب الْغرَّة فِي الْجَنِين) قَالَ كنت بَين امْرَأتَيْنِ فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فقتلتها وجنينها، فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنِينهَا بالغرة عبد أَو أمة وَأَن تقتل بهَا كَمَا أخرجه أَصْحَاب السّنَن وَابْن حبَان وَالْحَاكِم (وبخبر الضَّحَّاك) بن سُفْيَان (فِي مِيرَاث الزَّوْجَة من دِيَة الزَّوْج) حَيْثُ قَالَ: كتب إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أورث امْرَأَة أَشْيَم الضباني من دِيَة زَوجهَا. أخرجه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن (وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح، وبخبر عَمْرو بن خرم فِي دِيَة الْأَصَابِع) عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قضى عمر فِي الْإِبْهَام بِثَلَاث عشر، وَفِي الْخِنْصر بست حَتَّى وجد كتابا عِنْد آل عَمْرو بن خرم يذكرُونَ أَنه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ وَفِيمَا هُنَالك من الْأَصَابِع عشر، ثمَّ قَالَ الشَّارِح: هَذَا حَدِيث حسن أخرجه الشَّافِعِي وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان: لَا أعلم فِي جَمِيع الْكتب كتابا أصح من كتاب عَمْرو بن خرم كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرجعُونَ إِلَيْهِ وَيدعونَ آراءهم (و) عمل (عُثْمَان وَعلي بِخَبَر فريعة) بنت مَالك بن سِنَان أُخْت أبي سعيد الْخُدْرِيّ (أَن عدَّة الْوَفَاة فِي منزل الزَّوْج). قَالَ الشَّارِح: هُوَ كَذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُثْمَان كَمَا رَوَاهُ مَالك وَأَصْحَاب السّنَن. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح، وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَليّ فَالله أعلم بِهِ انْتهى. والمثبت عِنْده مَا لَيْسَ عِنْد النَّافِي (وَمَا لَا يُحْصى كَثْرَة) أَي لأجل الْكَثْرَة (من الْآحَاد الَّتِي يلْزمهَا الْعلم بإجماعهم) أَي الصَّحَابَة (على عَمَلهم بهَا) أَي بأخبار الْآحَاد (لَا بغَيْرهَا) من الْقيَاس وَغَيره مِمَّا عدا النَّص وَالْإِجْمَاع (وَلَا بخصوصيات فِيهَا) أَي فِي أَخْبَار الْآحَاد ناشئة من خُصُوص الرَّاوِي أَو الْمَرْوِيّ (سوى حُصُول الظَّن فعلمناه) أَي حُصُول الظَّن (المناط عِنْدهم) أَي الصَّحَابَة (مَعَ ثُبُوت إِجْمَاعهم بالاستقلال) أَي بطرِيق الِاسْتِقْلَال من غير أَن يُوجد من الوقائع ضمنا بانعقاد إِجْمَاعهم صَرِيحًا (على خبر أبي بكر رَضِي الله عَنهُ: الْأَئِمَّة من قُرَيْش). قَالَ الشَّارِح: مَعْنَاهُ مَوْجُود فِي كتب الحَدِيث لَا بِهَذَا اللَّفْظ (وَنحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث). قَالَ الشَّارِح: الْمَحْفُوظ " أَنا " كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ (والأنبياء يدفنون حَيْثُ يموتون). قَالَ الشَّارِح: رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْوَفَاء (وَإِنَّمَا) كَانَ الصَّحَابَة (يتوقفون عِنْد رِيبَة توجب انْتِفَاء الظَّن) بِخَبَر الْوَاحِد (كإنكار عمر خبر فَاطِمَة بنت قيس فِي نفي نَفَقَة المبانة) أَي نَفَقَة عدَّة الْمُطلقَة طَلَاقا بَائِنا (و) إِنْكَار (عَائِشَة خبر ابْن عمر فِي تَعْذِيب الْمَيِّت ببكاء الْحَيّ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَأَيْضًا تَوَاتر عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إرْسَال الْآحَاد إِلَى النواحي لتبليغ الْأَحْكَام) مِنْهُم معَاذ. روى الْجَمَاعَة عَن ابْن عَبَّاس

أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث معَاذ بن جبل إِلَى الْيمن قَالَ: إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، فَإِن هم أطاعوك لذَلِك فأعلمهم أَن الله قد افْترض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة: الحَدِيث إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى، وَلَو لم يجب قبُول خبر لَهُم لم يكن لإرسالهم معنى (والاعتراض) على الِاسْتِدْلَال بإرسال الْآحَاد (بِأَن النزاع إِنَّمَا هُوَ فِي وجوب عمل الْمُجْتَهد) بِخَبَر الْوَاحِد، لَا فِي وجوب عمل بِخَبَر الْمُجْتَهد (سَاقِط لِأَن إرْسَال النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتبليغ الْأَحْكَام (إِذا أَفَادَ وجوب عمل الْمبلغ بِمَا بلغه الْوَاحِد) كَمَا أجمع عَلَيْهِ (كَانَ) إرْسَاله (دَلِيلا فِي مَحل النزاع) وَهُوَ وجوب عمل الْمُجْتَهد بِخَبَر الْوَاحِد وَغَيره: أَي غير مَحل النزاع، وَهُوَ وجوب الْعَمَل على الْمبلغ الَّذِي لَيْسَ بمجتهد، وَيلْزم مِنْهُ وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ برَسُول إِذْ الْمَذْكُور الْعَدَالَة والإخبار عَن الرَّسُول (وَاسْتدلَّ) على الْمُخْتَار لنا (بقوله تَعَالَى فلولا نفر الْآيَة) أَي - {من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} -: لِأَن الطَّائِفَة تصدق على الْوَاحِد، وَقد جعل منذرا يجب الحذر بإخباره، وَلَوْلَا وجوب قبُول خَبره لما كَانَ كَذَلِك (واستبعد) الِاسْتِدْلَال بهَا (بِأَنَّهُ) أَي التحضيض على النَّفر إِلَى التفقه والإنذار والحذر المتضمن وجوب قبُول خبر كل طَائِفَة من النافرين لإفتائهم: أَي لَا مُجَرّد إخبارهم بِقَرِينَة الْأَمر بالتفقه، فَإِن الْإِفْتَاء هُوَ المتوقف على التفقه لَا مُجَرّد الْإِخْبَار (وَيدْفَع) هَذَا الاستبعاد (بِأَنَّهُ) أَي الْإِنْذَار (أَعم مِنْهُ) أَي الْإِفْتَاء (وَمن أخبارهم) بِمَا يُوجب الْخَوْف والخشية من كَلَام رب الْعِزَّة وَكَلَام رَسُوله، وَمَا استنبط مِنْهُمَا وَلَا ينْحَصر الْإِنْذَار فِي الْإِفْتَاء، بل رب واعظ فِي كَلَامه من الخشية مَا لَا يحصل غَيره بالإفتاء، والتفقه فِي اللُّغَة لَا يسْتَلْزم الْإِفْتَاء (وَأما إِن الَّذين يكتمون) مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى من بعد مَا بَيناهُ للنَّاس فِي الْكتاب أُولَئِكَ يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وَأَمْثَاله (فَغير مُسْتَلْزم) وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد بِنَاء على أَنه لَو لم يجب الْعَمَل بِخَبَرِهِ وَبَيَانه لما كَانَ ملعونا بِالْكِتْمَانِ إِذْ لَا فَائِدَة حِينَئِذٍ فِي إِظْهَاره حَيْثُ لم يلْزم عَلَيْهِم اتِّبَاعه (لجَوَاز نهيهم عَن الكتمان ليحصل التَّوَاتُر بأخبارهم) يَعْنِي لَيْسَ النَّهْي عَن الكتمان لاستلزامه فَوَات وجوب الْعَمَل بِخَبَر كل وَاحِد مِنْهُم بل الْمَقْصُود من النَّهْي عَنهُ أَن يخبر كل وَاحِد فَيحصل بِمَجْمُوع إخبارهم التَّوَاتُر الْمُوجب للْعلم مِنْهُم (و) الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق} الْآيَة أَي بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا من حَيْثُ أَنه أَمر بالتثبت فِي الْفَاسِق فَدلَّ على أَن الْعدْل بِخِلَافِهِ يقبل قَوْله بِلَا تفحص، وَتبين اسْتِدْلَال (بِمَفْهُوم مُخْتَلف فِيهِ) وَهُوَ مَفْهُوم الْمُخَالفَة وَهُوَ مَفْهُوم الصّفة، فالاستدلال بِهِ ضَعِيف (وَلَو صَحَّ) الِاسْتِدْلَال بِهِ كَمَا روى الشَّافِعِي وَغَيره وَمُسلم أَن الْآيَة تدل على أَن حكم الْعدْل بِخِلَاف الْفَاسِق

فَيجب قبُول خَبره (كَانَ) النَّص الْمَذْكُور (ظَاهرا) فِي الْمَطْلُوب لَا نصا (وَلَا يثبتون بِهِ) أَي الأصوليون بِالظَّاهِرِ (أصلا دينيا وَإِن كَانَ) ذَلِك الأَصْل (وَسِيلَة عمل) أَي حكم عمل لَا عقيدة من العقائد الدِّينِيَّة، وَذَلِكَ لما قرر فِي مَحَله (قَالُوا) أَي المخالفون (توقف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لما انْصَرف من اثْنَيْنِ فِي إِحْدَى صَلَاتي الْعشَاء على مَا ذكره الشَّارِح (فِي خبر ذِي الْيَدَيْنِ) حَيْثُ قَالَ: أقصرت الصَّلَاة أم نسيت يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ أصدق ذُو الْيَدَيْنِ (حَتَّى أخبرهُ غَيره) بِأَن قَالَ نعم، فَقَامَ فصلى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مُتَّفق عَلَيْهِ (قُلْنَا) توقفه (للريبة) فِي خَبره (إِذْ لم يشاركوه) ابْتِدَاء (مَعَ استوائهم فِي السَّبَب) وَهُوَ الِاطِّلَاع على حَال الإِمَام، فانفراده بِهَذَا القَوْل فِي هَذَا الْحَال وظنه لسَهْوه (ثمَّ) وَقفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خَبره (لَيْسَ دَلِيلا على نفي) كَون (خبر الْوَاحِد) مُوجبا للْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد مُطلقًا: إِذْ الْخَبَر الَّذِي لم تبلغ رُوَاته حد التَّوَاتُر يُقَال لَهُ خبر الْوَاحِد اصْطِلَاحا: وَغَايَة مَا يلْزم هَهُنَا أَن الشَّخْص الْوَاحِد لَا يَكْفِي بِوُجُوب الْعَمَل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بل هُوَ) أَي التَّوَقُّف الْمَذْكُور دَلِيل (لموجب الِاثْنَيْنِ) أَي يَقُول بِوُجُوب اثْنَيْنِ (فِيهِ) أَي فِي الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد كَمَا عَن أبي عَليّ الجبائي لما فِي رِوَايَة من طَرِيق أَحْمد ثمَّ أقبل على أبي بكر وَعمر وَقَالَ: مَاذَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالَا صدق يَا رَسُول الله، فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وثاب النَّاس فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم فَسجدَ سَجْدَتي السَّهْو، وَتعين أَن يكون هَذَا قبل تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة فَتَأمل (وَإِلَّا) أَي لم يكن كَذَلِك وَجعل دَلِيلا على نَفْيه (فمعهما) أَي الِاثْنَيْنِ (لَا يخرج) الْخَبَر لذى رَوَاهُ الْوَاحِد (عَن) مَفْهُوم (خبر الْوَاحِد، وَكَونه) أَي خبر ذِي الْيَدَيْنِ (لَيْسَ فِي مَحل النزاع) لِأَنَّهُ فِي وجوب عمل الْمُجْتَهد بِخَبَر الْوَاحِد عَن الرَّسُول (لَا يضر: إِذْ يستلزمه) أَي خَبره مَحل النزاع، لِأَنَّهُ خبر وَاحِد عدل عَن فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نقل إِلَى سيد الْمُجْتَهد فَلم يعْمل بِهِ غير أَنه اتّفق أَن الْمَنْقُول عَنهُ هُوَ الْمَنْقُول إِلَيْهِ وَذَلِكَ لَا أثر لَهُ، كَذَا ذكر الشَّارِح. وَأَنت خَبِير بِأَن مَحل النزاع وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد على الْمُجْتَهد وَغَيره، وَأَن الْمخبر بِهِ فِيهِ حكم من الْأَحْكَام العملية، والمخبر بِهِ فِي خبر ذِي الْيَدَيْنِ عدم إتْمَام الصَّلَاة وَالْوَجْه أَن يُقَال: سلمنَا أَنه لَيْسَ فِي مَحل النزاع، لَكِن مورده يُشَارك مَحل النزاع فِي وجوب قبُول قَوْله لِأَن علته الْعَدَالَة مَعَ كَون الْمخبر بِهِ من الْأُمُور الدِّينِيَّة وَالله أعلم (قَالُوا: قَالَ الله تَعَالَى وَلَا تقف) الْآيَة: أَي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَنهى عَن اتِّبَاع الظَّن، وَأَنه يُنَافِي الْوُجُوب، وَخبر الْوَاحِد لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن (وَالْجَوَاب) أَن وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد الْمُفِيد للظن لَيْسَ بِهِ من حَيْثُ إفادته الظَّن فَقَط، بل (بِمَا ظهر) وَتبين غير مرّة (من أَنه) يجب الْعَمَل

(بِمُقْتَضى الْقَاطِع) وَهُوَ الْإِجْمَاع على وجوب الْعَمَل بِالظَّنِّ، فَهُوَ اتِّبَاع للْعلم الْحَاصِل بِالْإِجْمَاع (وَمِنْهُم من أثْبته) أَي وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد (بِالْعقلِ أَيْضا كَأبي الْحُسَيْن والقفال وَأحمد وَغَيرهم) كَابْن سُرَيج فِي جمَاعَة. (قَالَ أَبُو الْحُسَيْن: الْعَمَل بِالظَّنِّ فِي تفاصيل مَعْلُوم الأَصْل وَاجِب) عقلا: يَعْنِي إِذا علم وجوب أَمر كلي يتَحَقَّق فِي ضمن جزئيات كَثِيرَة هِيَ تفاصيله ثمَّ ظن تحَققه فِي ضمن بَعْضهَا أوجب الْعقل الْعَمَل بِمُوجب ذَلِك الظَّن احْتِرَازًا عَن الْوُقُوع فِي مُخَالفَة ذَلِك الْوَاجِب الْكُلِّي الْمَعْلُوم الَّذِي هُوَ أصل تِلْكَ التفاصيل (كإخبار وَاحِد بمضرة طَعَام) مَسْمُوم مثلا (وَسُقُوط حَائِط يُوجب الْعقل الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ) أَي الْأَخْبَار الْمَذْكُورَة (للْأَصْل الْمَعْلُوم من وجوب الاحتراس) عَن المضار (فَكَذَا خبر الْوَاحِد) يجب الْعَمَل بِهِ (للْعلم بِأَن الْبعْثَة للْمصَالح وَدفع المضار) ومضمون الْخَبَر لَا يخرج عَنْهُمَا (وَأجِيب بِأَنَّهُ) أَي هَذَا الدَّلِيل (بِنَاء على التحسين) الْعقلِيّ، وَقد أبطل، وَاقْتصر على التحسين لِأَن الْكَلَام فِي الْإِيجَاب سلمناه) أَي القَوْل بالتحسين (لكنه) أَي الْعَمَل بِالظَّنِّ فِي تفاصيل مَقْطُوع الأَصْل (أولى عقلا) للِاحْتِيَاط (لَا وَاجِب) وَيرد عَلَيْهِ أَن من يتتبع الْفُرُوع وجد فِي كثير من الْمسَائِل جعل الْفُقَهَاء الِاحْتِيَاط منَاط الْوُجُوب فَتَأمل (سلمناه) أَي أَن الْعَمَل بِهِ وَاجِب (لَكِن فِي العقليات لَا فِي الشرعيات) وَقد يُقَال: أَن قَوْله بِنَاء على التحسين دلّ على أَنه حل الْوُجُوب على الشَّرْعِيّ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يثبت عِنْد غير الْمُعْتَزلَة بالتحسين فَلَا يتَّجه هَذَا الدّفع بعد تَسْلِيم التحسين الْعقلِيّ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بالشرعيات السمعيات الْمَحْضَة الَّتِي لَيست معقولة الْمَعْنى، وبالعقليات مَا هُوَ مَعْقُول الْمَعْنى: يَعْنِي أَن كَانَ مَضْمُون خبر الْوَاحِد مَعْقُول الْمَعْنى يجب الْعَمَل بِهِ، وَإِلَّا فَلَا (سلمناه) أَي أَن الْعَمَل بِهِ وَاجِب أَيْضا فِي الشرعيات (لكنه) أَي قِيَاس الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِي التفاصيل الْمَذْكُورَة (قِيَاس تمثيلي يُفِيد الظَّن) على مَا عرف فِي كتب الْمِيزَان، وَالْكَلَام هُنَا فِي أصل ديني لَا يثبت إِلَّا بقطعي (قَالُوا) أَي الْبَاقُونَ من مثبتيه بِالْعقلِ أَولا خبر (يُمكن صدقه فَيجب الْعَمَل بِهِ احْتِيَاطًا فِي دفع الْمضرَّة قُلْنَا لم يذكرُوا أَصله) أَي الْقيَاس (فَإِن كَانَ) أَصله الْخَبَر (الْمُتَوَاتر فَلَا جَامع بَينهمَا) أَي الْمَقِيس والمقيس عَلَيْهِ (لِأَن الْوُجُوب فِيهِ) أَي الْمُتَوَاتر (للْعلم) أَي لإفادته الْعلم لَا للِاحْتِيَاط (وَإِن كَانَ) أَصله (الْفَتْوَى) من الْمُفْتى (فخاص) أَي فوجوب الْعَمَل خَاص (بمقلده) فِيمَا استفتى (وَمَا نَحن فِيهِ) من حكم خبر الْوَاحِد (عَام) فِي الْأَشْخَاص والأزمان (أَو خَاص بِغَيْر متعلقها) أَي الْفَتْوَى، فَإِن متعلقها الْمُقَلّد وَخبر الْوَاحِد خَاص بالمجتهد (فالمعدي غير حكم الأَصْل وَلَو سلم) عدم الْفرق وَصِحَّة الْقيَاس (فَقِيَاس كَالْأولِ) أَي تمثيلي يُفِيد الظَّن (قَالُوا) ثَانِيًا (لَو لم يجب) الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد (لخلت أَكثر الوقائع عَن الْأَحْكَام) لِأَن الْمُتَوَاتر

وَالْإِجْمَاع لَا يَفِي بِالْأَحْكَامِ، دلّ عَلَيْهِ الاستقراء، وخلوها يُنَافِي حِكْمَة الْبعْثَة (وَالْجَوَاب منع الْمُلَازمَة، بل الحكم فِي كل مَا لم يُوجد فِيهِ من الْأَدِلَّة) سوى الْخَبَر الْمَذْكُور (وجوب التَّوَقُّف فَلم تخل) أَكثر الوقائع عَمَّا سوى الْوَقْف من الْأَحْكَام (فَإِن كَانَ الْمَنْفِيّ غَيره) أَي غير وجوب الْوَقْف (منعنَا بطلَان التَّالِي) أَي لَا نسلم امْتنَاع خلو أَكثر الوقائع عَمَّا سوى الْوَقْف من الْأَحْكَام (وَإِذا لزم التَّوَقُّف ثبتَتْ الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الشَّيْء الَّذِي لم يُوجد فِيهِ سوى خبر الْوَاحِد (على الْخلاف) فِيهَا وَقد سبق تَفْصِيله (وَلَا يخفى بعده) أَي بعد هَذَا الْجَواب (من) بِكَسْر الْمِيم (حض الشَّارِع) أَي حثه كل من سمع حكما شَرعه للْأمة (على نقل مقَالَته) وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فوعاها فأداها كَمَا سَمعهَا " وَلَا يخفى أَنه لم يقْصد بِهِ مَا لم يعلم بِهِ مَا يعم الْوَقْف لِأَن الْوَقْف حَاصِل بِدُونِ الْإِخْبَار كَمَا سيشير إِلَيْهِ (مَعَ علمه بِأَن الْمَنْقُول من سنته لَا يصل مِنْهَا إِلَى) حد (التَّوَاتُر شَيْء) على رَأْي من ادّعى عدم بُلُوغ شَيْء من السّنة حد التَّوَاتُر أَو إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا أَو حديثين فَيلْزم على مَا قَالُوا أَن يكون حضه على ذَلِك الْأَمر لَا يحصل فَظن حُصُوله المستمر إِلَى آخر الْعُمر يلْزم أَن يكون خطأ: وَهُوَ لَا يقر على الْخَطَأ. قَالَ الشَّارِح: لَكِن فِي كَون الْمُتَوَاتر مَعْدُوما أَو مَقْصُورا على حَدِيث أَو حديثين تَأمل، فَذكر كلَاما طَويلا لَا طائل تَحْتَهُ. ثمَّ عطف على قَوْله بعده (أَو الأخيران) أَي لُزُوم التَّوَقُّف وَالْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة: أَي لَا يخفى مَا فيهمَا على تَقْدِير عدم وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد (فَإِن عدم النَّقْل يَكْفِي فِي الْوَقْف) عَن الحكم بِشَيْء خَاص (و) فِي (ثُبُوت) الْإِبَاحَة (الْأَصْلِيَّة) فَلَا يبْقى حَاجَة إِلَى خبر الْوَاحِد (بل الْجَواب أَنه) أَي الدَّلِيل الْمَذْكُور (من قبيل) الدَّلِيل (النقلي الصَّحِيح لَا عَقْلِي) على مَا زَعَمُوا (وَلمن شَرط الْمثنى) فِي قبُول أَخْبَار الْآحَاد (أَنه) أَي الْخَبَر (بِهِ) أَي باشتراطه (أولى من الشَّهَادَة لاقْتِضَائه) أَي الْخَبَر (شرعا عَاما بِخِلَافِهَا) أَي الشَّهَادَة فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أمرا خَاصّا (قُلْنَا الْفرق) بَينهمَا (وجود مَا لَيْسَ فِي الرِّوَايَة من الْحَوَامِل) عَلَيْهَا من عَدَاوَة وصداقة وجلب نفع وَدفع ضَرَر إِلَى غير ذَلِك كَمَا هُوَ الْمشَاهد بَين النَّاس مِمَّا لَا يُحْصى (أَو) اشْتِرَاط الْمثنى فِي الشَّهَادَة (بِخِلَاف الْقيَاس، وَلذَا) أَي وجود الْحَوَامِل فِي الشَّهَادَة دون الرِّوَايَة (اشْترط لفظ اشْهَدْ مَعَ ظُهُور انحطاطها) أَي الرِّوَايَة عَن الشَّهَادَة. قَوْله مَعَ مُتَعَلق بقوله وجود مَا لَيْسَ: يَعْنِي أَن الْفرق من جِهَتَيْنِ وجود الْحَامِل وَظُهُور الانحطاط (اتِّفَاقًا بِعَدَمِ اشْتِرَاط الْبَصَر و) عدم اشْتِرَاط (الْحُرِّيَّة وَعدم الولاد) فِي الرِّوَايَة واشتراطها فِي الشَّهَادَة على خلاف فِي بَعْضهَا فَلَو أخبر أعمى أَبَاهُ الْمُجْتَهد بِأَمْر ديني ولَايَته مَنْفَعَة فِي ذَلِك صَحَّ رِوَايَته وَوَجَب عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ خبر الْوَاحِد لَا يجب الْعَمَل بِهِ (رد عمر خبر أبي مُوسَى فِي الاسْتِئْذَان حَتَّى رَوَاهُ الْخُدْرِيّ) فِي الصَّحِيحَيْنِ

مسئلة

أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ اسْتَأْذن على عمر بن الْخطاب ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَرجع فَفَزعَ عمر فَقَالَ: ألم أسمع صَوت عبد الله بن قيس ائذنوا لَهُ فَقَالُوا رَجَعَ فَدَعَاهُ فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالَ كُنَّا نؤمر بذلك فَقَالَ: لتَأْتِيني على هَذَا بَيِّنَة فَانْطَلق إِلَى مجْلِس الْأَنْصَار فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَا يشْهد لَك على ذَلِك إِلَّا أصغرنا فَانْطَلق أَبُو سعيد فَشهد لَهُ فَقَالَ عمر لمن حوله خَفِي عَليّ هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألهاني الصفق بالأسواق (قُلْنَا لريبة فِي خصوصه) أَي خُصُوص خبر أبي مُوسَى. قَالَ الْخَطِيب لم يتهم عمر أَبَا مُوسَى وَإِنَّمَا كَانَ يشدد فِي الحَدِيث حفظا للرواية عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا) فِي (عُمُومه) أَي خبر الْوَاحِد (وَلذَا) أَي لكَون توقفهم فِي الْبَعْض لريبة فِي خصوصه لَا بِكَوْنِهِ خبر وَاحِد (عمِلُوا) أَي الصَّحَابَة كلهم (بِحَدِيث عَائِشَة) رَضِي الله عَنْهَا (فِي التقاء الختانين) كَمَا فِي حَدِيث أبي مُوسَى فِي صَحِيح مُسلم. مسئلة خبر (الْوَاحِد فِي الْحَد مَقْبُول: وَهُوَ قَول أبي يُوسُف والجصاص خلافًا للكرخي والبصري) أبي عبد الله (وَأكْثر الْحَنَفِيَّة لنا عدل ضَابِط جازم فِي) حكم (عَمَلي) مَبْنِيّ على الظَّن (فَيقبل كَغَيْرِهِ) أَي كَمَا فِي غير الْحَد من العمليات (قَالُوا تحقق الْفرق) بَينه وَبَين غَيره من العمليات (بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ادرءوا) أَي ادفعوا (الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ) أخرجه أَبُو حنيفَة (وَفِيه) أَي فِي خبر الْوَاحِد (شُبْهَة) وَهِي احْتِمَال الْكَذِب فَلَا يُقَام الْحَد بِخَبَرِهِ (قُلْنَا المُرَاد) بِالشُّبْهَةِ الَّتِي تدرأ الْحُدُود مَا كَانَت (فِي نفس السَّبَب لَا) فِي (الْمُثبت) للْحكم الْمُسَبّب (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يُرَاد مَا فِي الْمُثبت وَغَيره أَو فِي الْمُثبت فَقَط (انْتَفَت الشَّهَادَة) إِذْ احْتِمَال الْكَذِب فِيهَا مَوْجُودَة (و) انْتَفَى (ظَاهر الْكتاب فِيهِ) أَي الِاسْتِدْلَال فِيهِ إِذْ احْتِمَال التَّخْصِيص والإضمار وَالْمجَاز قَائِم وَاللَّازِم بَاطِل (وإلزامه) أَي هَذَا القَوْل بِأَن يَنْبَغِي أَن يثبت الْحَد (بِالْقِيَاسِ) أَيْضا لِأَن وجوب الْعَمَل بِهِ ثَابت (مُلْتَزم عِنْد غير الْحَنَفِيَّة) وَعِنْدهم غير مُلْتَزم (وَالْفرق لَهُم) بَين خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس فِي هَذَا (بِأَنَّهُ) أَي الْحَد ملزوم لكمية خَاصَّة لَا يدخلهَا الرَّأْي) بِخِلَاف خبر الْوَاحِد فَإِنَّهُ كَلَام صَاحب الشَّرْع وَإِلَيْهِ تعْيين الكميات وَغَيرهَا. (تَقْسِيم للحنفية) لخَبر الْوَاحِد بِاعْتِبَار مَحل وُرُوده (مَحل وُرُود خبر الْوَاحِد مشروعات لَيست حدودا كالعبادات) من الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج وَمَا هُوَ مُلْحق بهَا مِمَّا لَيْسَ عبَادَة مَقْصُودَة كالأضحية أَو معنى الْعِبَادَة فِيهِ تَابع كالعشر أَو لَيْسَ بخالص كصدقة الْفطر وَالْكَفَّارَات (والمعاملات وَهُوَ) أَي خبر الْوَاحِد الْمَشْرُوط فِيهِ الْعقل والضبط وَالْإِسْلَام وَالْعَدَالَة من غير اشْتِرَاط عدد فِي الرَّاوِي (حجَّة فِيهَا خلافًا لشارطي المثني لما تقدم من الْجَانِبَيْنِ) فِيمَا قبل هَذِه المسئلة الَّتِي فِي

ذيلها هَذَا التَّقْسِيم، لَكِن اشْترط فِي كَونه حجَّة عدم مُخَالفَة الْكتاب وَالسّنة الثَّابِتَة وَأَن لَا يكون شاذا وَلَا مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى كَمَا سَيَأْتِي (وحدود) عطف على مشروعات إِلَى آخِره (وفيهَا) أَي فِي الْحُدُود (مَا تقدم) فِي هَذِه المسئلة من الْخلاف وَفِي قبُول الْوَاحِد فِيهَا بِشُرُوطِهِ الْمَاضِيَة (فَإِن كَانَ) مَحل وُرُود الْخَبَر (حقوقا للعباد فِيهَا إِلْزَام مَحْض كالبيوع والأملاك الْمُرْسلَة) أَي الَّتِي لم يذكر فِيهَا سَبَب الْملك من هبة وَغَيرهَا، والأشياء الْمُتَّصِلَة بالأموال كالآجال والديون (فشرطه) أَي هَذَا الْقسم (الْعدَد وَلَفظ الشَّهَادَة مَعَ مَا تقدم) من الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام والضبط وَالْعَدَالَة وَالْبَصَر وَأَن لَا يجر بِشَهَادَتِهِ مغنما وَلَا يدْفع عَنْهَا مغرما، وَمَعَ الْمَذْكُورَة فِي وَاحِد من الْعدَد (احتيط لمحليته) أَي الْخَبَر بِهَذِهِ الْأُمُور (لدواع) إِلَى التزوير والحيل، وَهَذَا النَّوْع (لَيست فِيمَا عَن الشَّارِع) تقليلا لوُقُوع ذَلِك مِنْهَا (وَمِنْه) أَي هَذَا الْقسم (الْفطر) لانتفاع النَّاس فِيهِ، فَيشْتَرط فِي الشَّهَادَة بِهِلَال الْفطر الْعدَد وَلَفْظَة الشَّهَادَة مَعَ سَائِر شُرُوطهَا إِذا كَانَ بالسماء عِلّة، وَأورد مَا إِذا قبل الإِمَام شَهَادَة الْوَاحِد فِي هِلَال رَمَضَان وَأمر النَّاس بِالصَّوْمِ فكملوا الثَّلَاثِينَ وَلم يرَوا الْهلَال يفطرون فِي رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد رَحمَه الله إِذْ الْفَرْض لَا يكون أَكثر من الثَّلَاثِينَ فَإِن هَذَا فطر بِشَهَادَة الْوَاحِد وَأجِيب بِأَن الْفطر لم يثبت بِشَهَادَتِهِ، بل بالحكم فشهادته أفضت إِلَيْهِ كَشَهَادَة الْقَابِلَة على النّسَب أفضت إِلَى اسْتِحْقَاق الْمِيرَاث مَعَ أَنه لَا يثبت بِشَهَادَة الْقَابِلَة ابْتِدَاء: ذكره فِي الْمَبْسُوط. ثمَّ اسْتثْنى مِمَّا تضمن قَوْله مَعَ مَا تقدم من اشْتِرَاط الْإِسْلَام فِي هَذَا الْقسم قَوْله (إِلَّا أَن لم يكن الملزم بِهِ مُسلما فَلَا يشْتَرط الْإِسْلَام). ثمَّ اسْتثْنى من قَوْله الْعدَد، وَمِمَّا تقدم قَوْله (إِلَّا مَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كالبكارة والولادة والعيوب فِي الْعَوْرَة فَلَا عدد) أَي فَلَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد (و) لَا (ذكورة، وَإِن) كَانَ مَحل الْخَبَر حقوقا للعباد (بِلَا إِلْزَام) للْغَيْر (كالإخبار بالولايات والوكالات والمضاربات وَالْإِذْن فِي التِّجَارَة والرسالات فِي الْهَدَايَا والشركات) والودائع والأمانات (فبلا شَرط) أَي فَيقبل الْوَاحِد فِي هَذِه الْأَشْيَاء بِلَا شَرط من الْمَذْكُورَات وَغَيرهَا إِلَّا الْعقل والتمييز كَمَا أَفَادَ بقوله (سوى التَّمْيِيز مَعَ تَصْدِيق الْقلب) فيستوي فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالْحر وَالْعَبْد، وَالْمُسلم وَالْكَافِر، وَالْعدْل، وَغَيره والبالغ وَغَيره حَتَّى إِذا أخبر أحدهم غَيره بِأَن فلَانا وَكله، وَأَن مَوْلَاهُ أذن لَهُ وَوَقع فِي قلبه صدقه جَازَ أَن يتَصَرَّف بِمُوجبِه، ثمَّ اشْتِرَاط التَّحَرِّي ذكره شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وفخر الْإِسْلَام فِي مَوضِع من كِتَابه وَلم يذكرهُ فِي مَوضِع، ثمَّ بَين دَلِيل عدم الِاشْتِرَاط بِمَا ذكر بقوله (للأجماع العملي) فَإِن الْأَسْوَاق من لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِمَة بعدول وفساق ذُكُور وأناب وأحرار وَغير أَحْرَار، مُسلمين وَغَيرهم، وَالنَّاس يشْتَرونَ من الْكل ويعتمدون خبر كل مُمَيّز

بذلك من غير نَكِير (وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل خبر الْهَدِيَّة من الْبر والفاجر) كقبول هَدِيَّة الْيَهُودِيَّة الشَّاة المسمومة، وَمن العَبْد كقبول هَدِيَّة سلمَان إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى، وَإِنَّمَا يقبل من الْكل (دفعا للْحَرج اللَّازِم من اشْتِرَاط الْعَدَالَة فِي الرَّسُول) إِذْ قَلما يُوجد الْمُسلم الْحر الْبَالِغ الْعدْل فِي الْأَوْقَات والأماكن ليَبْعَثهُ إِلَى وَكيله أَو غُلَامه فتتعطل الْمصَالح لَو شرطت (بِخِلَافِهِ) أَي اشْتِرَاطهَا (فِي الرِّوَايَة) فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْحَرج لِكَثْرَة الْعدْل فِي الْمُسلمين (وَإِن) كَانَ مَحل الْخَبَر حقوقا للعباد (فِيهَا) إِلْزَام للْغَيْر (لغير) من (وَجه) دون وَجه (كعزل الْوَكِيل) إِلْزَام من حَيْثُ إبِْطَال عمله فِي الْمُسْتَقْبل، وَلَيْسَ بإلزام من حَيْثُ أَن الْوَكِيل يتَصَرَّف فِي حَقه (وَحجر الْمَأْذُون) إِلْزَام للْعَبد بِاعْتِبَار خُرُوج تَصَرُّفَاته من الصِّحَّة إِلَى الْفساد بِالْحجرِ وَلَيْسَ بإلزام من أَن الْمولى يتَصَرَّف فِي حَقه (وَفسخ الشّركَة وَالْمُضَاربَة) إِلْزَام للشَّرِيك وَالْمُضَارب من حَيْثُ لُزُوم كفهما عَن التَّصَرُّف فِي الْمُسْتَقْبل، وَلَيْسَ إلزاما لكَون الفاسخ متصرفا فِي حق نَفسه (فالوكيل وَالرَّسُول فِيهَا) أَي فِي هَذِه الْحُقُوق بِأَن قَالَ الْمُوكل: وَكلتك بعزل فلَان أَو حجره أَو بِفَسْخ أَحدهمَا، أَو قَالَ الْمُرْسل: أرسلتك إِلَى فلَان لتبلغه عني أحد هَذِه الْمَذْكُورَات لَا بِأَن قَالَ الْمُوكل: وَكلتك بِأَن تخبر فلَانا بِالْعَزْلِ إِلَى آخِره كَمَا توهم الشَّارِح: إِذْ لَا معنى للتوكيل بالإخبار، وَلَيْسَ هَذَا غير الْإِرْسَال (كَمَا) أَي الْقسم الَّذِي (قبله) وَهُوَ مَا كَانَ مَحل الْخَبَر حقوقا بِلَا إِلْزَام، فِي أَنه لَا يشْتَرط فِي شَيْء مِنْهُمَا سوى التَّمْيِيز مَعَ صدق الْقلب (وَكَذَا الْفُضُولِيّ) إِذا تصرف فِي ملك الْغَيْر بإنشاء عقد، فَأخْبر ذَلِك الْغَيْر بذلك لَا يشْتَرط فِيهِ شَيْء سوى التَّمْيِيز والتصديق (عِنْدهمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد لكَونه من العاملات الَّتِي لَا الْتِزَام فِيهَا، فَلَا يتَوَقَّف على شُرُوط الشَّهَادَات دفعا للْحَرج (وَشرط) أَبُو حنيفَة (عَدَالَته أَو الْعدَد) بِأَن يكون الْفُضُولِيّ اثْنَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَي هَذَا الْإِخْبَار عَن الْفُضُولِيّ (لإلزام الضَّرَر) من حَيْثُ التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر (كالثاني) أَي الْقسم الثَّانِي، وَهُوَ مَا فِيهِ إِلْزَام مَحْض (ولولاية من) يتَوَصَّل الْفُضُولِيّ (عَنهُ فِي ذَلِك) التَّصَرُّف حَتَّى لَا ينفذ بِدُونِ إِجَازَته (كالثالث) وَهُوَ مَا لَا إِلْزَام فِيهِ (فتوسطنا) فِيهِ بالاكتفاء بِأحد شرطي الشَّهَادَة وَهُوَ الْعدَد أَو الْعَدَالَة إعمالا (للشبهين) وَالشَّارِح جعل قَوْله لإلزام الضَّرَر تعليلا لحكم عزل الْوَكِيل وَحجر الْمَأْذُون، وَقَوله ولولاية إِلَى آخِره تَعْلِيل للفضولي، وفساده ظَاهر وَقيل اشْتِرَاط الْعَدَالَة فِي الْفُضُولِيّ إِذا كَانَ وَاحِدًا عِنْد أبي حنيفَة مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْمَشَايِخ، وَعدم اشْتِرَاطهَا إِذا كَانَ اثْنَيْنِ قَول بعض الْمَشَايِخ (وأخبار من أسلم بدار الْحَرْب) بالشرائع (قيل الِاتِّفَاق) إِضَافَة أَخْبَار للْمَفْعُول، وَخَبره مَحْذُوف: أَي فِيهِ تَفْصِيل، وَقيل الِاتِّفَاق مستأنفة لبيانه: يَعْنِي اتَّفقُوا (على اشْتِرَاط الْعَدَالَة) أَي كَون الْمخبر بهَا عدلا (فِي) لُزُوم (الْقَضَاء) لما فِيهِ من الْفَرَائِض بعد

إِسْلَامه قبل الْإِخْبَار بهَا (لِأَنَّهُ) أَي هَذَا الْإِخْبَار إِخْبَار (عَن الشَّارِع بِالدّينِ، وَالْأَكْثَر) من الْمَشَايِخ على أَنه (على الْخلاف) الْمَذْكُور فِي الْفُضُولِيّ (وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ قَالَ (الْأَصَح) عِنْدِي أَنه يلْزمه (الْقَضَاء) اتِّفَاقًا (لِأَنَّهُ) أَي الْمخبر (رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم). قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نضر الله أمرا سمع مني مَقَالَتي فوعاها كَمَا سَمعهَا ثمَّ أَدَّاهَا إِلَى من لم يسْمعهَا، وَقد بَين فِي خبر الرَّسُول أَنه بِمَنْزِلَة خبر الْمُرْسل، وَلَا يعْتَبر فِي الْمُرْسل أَن يكون عدلا، وَتعقبه المُصَنّف بقوله (وَلَو صَحَّ) هَذَا (انْتَفَى اشْتِرَاط الْعَدَالَة فِي الروَاة) لعين مَا ذكره (فَإِنَّمَا ذَاك) أَي الرَّسُول الَّذِي خَبره بِمَنْزِلَة خبر الْمُرْسل (الرَّسُول الْخَاص بِالْإِرْسَال) بِأَن يختاره الْمُرْسل من بَين النَّاس للسفارة بَينه وَبَين الْمُرْسل إِلَيْهِ، لَا كل من يبلغ كَلَام شخص إِلَى شخص بإذعان مِنْهُ (ومسوغ الرِّوَايَة التَّحَمُّل وبقاؤه) أَي التَّحَمُّل (وهما) أَي التَّحَمُّل وبقاؤه (عَزِيمَة) ورخصة (وَكَذَا الْأَدَاء) عَزِيمَة ورخصة (فالعزيمة فِي التَّحَمُّل) نَوْعَانِ (أصل) وَهُوَ (قِرَاءَة الشَّيْخ من كتاب أَو حفظ) عَلَيْك وَأَنت تسمع (وقراءتك أَو) قِرَاءَة (غَيْرك كَذَلِك) أَي من كتاب أَو حفظ على الشَّيْخ (وَهُوَ يسمع) سَوَاء كَانَ الشَّيْخ يحفظ مَا يقْرَأ عَلَيْهِ أَولا، لَكِن مُمْسك أَصله هُوَ أَو ثِقَة غَيره إِن لم يكن الْقَارئ يقْرَأ فِيهِ على هَذَا عمل كَافَّة الشُّيُوخ وَأهل الحَدِيث: كَذَا ذكره الشَّارِح (وَهِي) أَي قراءتك أَو غَيْرك على الشَّيْخ من كتاب أَو حفظ (الْعرض) لِأَن الْقَارئ يعرض على الشَّيْخ فَيَقُول أهوَ كَمَا قَرَأت عَلَيْك؟ (فيعترف) بِمثل نعم (أَو يسكت وَلَا مَانع). قَالَ الشَّارِح من السُّكُوت، وَالصَّوَاب من ترك السُّكُوت كَأَن يكون الْقَارئ مِمَّن يخَاف من مُخَالفَته (خلافًا لبَعْضهِم) وَهُوَ بعض الظَّاهِرِيَّة فِي جمَاعَة من مَشَايِخ الْمشرق فِي أَن إِقْرَاره شَرط، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح (لِأَن الْعرف أَنه) أَي السُّكُوت مِنْهُ بِلَا مَانع (تَقْرِير، وَلِأَنَّهُ) أَي السُّكُوت بِلَا مَانع (يُوهم الصِّحَّة فَكَانَ صَحِيحا وَإِلَّا فغش، ورجحها) أَي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ (أَبُو حنيفَة على قِرَاءَة الشَّيْخ من كتاب خلافًا للْأَكْثَر) حَيْثُ قَالُوا: قِرَاءَة الْمُحدث على الطَّالِب أرجح، لِأَنَّهَا طَريقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا رجح (لزِيَادَة عنايته) أَي الْقَارئ (بِنَفسِهِ) تخليصا لَهَا من الزلل (فَيَزْدَاد ضبط الْمَتْن والسند) بِخِلَاف الشَّيْخ، لِأَن عناية بِغَيْرِهِ: وَأورد أَن الْقِرَاءَة على الْمُحدث لَا يُؤمن فِيهَا غفلته عَن سَماع الْقَارئ وَأجِيب بِأَنَّهَا أَهْون من الْخَطَأ فِي الْقِرَاءَة، وَحَيْثُ لم يُمكن الِاحْتِرَاز عَنْهُمَا مَعًا وَجب الِاحْتِرَاز عَن الأهم مِنْهُمَا (و) روى (عَنهُ) أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله أَن الْقِرَاءَة وَالسَّمَاع مِنْهُ (يتساويان) فِي النَّوَازِل، عَن الصغاني قَالَ: سَمِعت أَبَا حنيفَة وَأَبا سُفْيَان يَقُولَانِ: الْقِرَاءَة على الْعَالم وَالسَّمَاع مِنْهُ سَوَاء، وَلِهَذَا حكى عَن مَالك وَأَصْحَابه ومعظم أَصْحَاب الْحجاز

والكوفة وَالشَّافِعِيّ وَالْبُخَارِيّ (فَلَو حدث) الشَّيْخ (من حفظه ترجح) على قِرَاءَة الْقَارئ عَلَيْهِ (بِخِلَاف قِرَاءَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) على غَيره فَإِنَّهَا راجحة على قِرَاءَة غَيره عَلَيْهِ: كَذَا ذكره الشَّارِح، وَهُوَ يحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل لِأَنَّهُ شيخ الْأمة كلهم، وَلَيْسَ لَهُ قِرَاءَة من الْكتاب فَلَا يُمكن إِخْرَاجه من حكم الشَّيْخ الْقَارئ من الْكتاب لَا من حكم الطَّالِب الْقَارئ على الشَّيْخ الْمُحدث من حفظه فَمَا معنى بِخِلَاف قِرَاءَته إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد قِرَاءَته على جِبْرِيل وَهُوَ معلمه، ثمَّ بَين كَون وَجه قِرَاءَته على خلاف قِرَاءَة غَيره بقوله (للأمن من الْقَرار على الْغَلَط) لَو وَقع مِنْهُ، وَلَا كَذَلِك غَيره (وَالْحق أَنه) أَي مَا ذكر من قِرَاءَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي غير مَحل النزاع) وَهُوَ قِرَاءَة الْقَارئ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قِرَاءَة الشَّيْخ من الْكتاب. وَقيل مَحَله أَن يروي الشَّيْخ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَخلف) عطف على الأَصْل (عَنهُ) أَي الأَصْل وَهُوَ (الْكتاب) كَانَ يكْتب الشَّيْخ (يحدثني فلَان) أَنه كَذَا عَن فلَان (فَإِذا بلغك كتابي هَذَا فَحدث بِهِ عني بِهَذَا الْإِسْنَاد) وَيكْتب فِي عنوانه من فلَان بن فلَان إِلَى فلَان ابْن فلَان ثمَّ يكْتب فِي دَاخله بعد التَّسْمِيَة وَالثنَاء على الله تَعَالَى وَالصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من فلَان وَيشْهد على ذَلِك شُهُودًا ثمَّ يختمه بحضرتهم: كَذَا ذكره الشَّارِح، وَسَيَأْتِي فِي كَلَام المُصَنّف مَا يدل على خِلَافه (والرسالة) أَن يُرْسل الشَّيْخ رَسُولا إِلَى آخر، وَيَقُول للرسول (بلغه عني أَنه حَدثنِي فلَان) بن فلَان عَن فلَان بن فلَان إِلَى أَن يَأْتِي على تَمام الْإِسْنَاد، فَإِذا بلغتك رسالتي إِلَيْك (فاروه عني بِهَذَا الْإِسْنَاد). قَالَ الشَّارِح فَشهد الشُّهُود عِنْد الْمُرْسل إِلَيْهِ على رِسَالَة الْمُرْسل حلت للمرسل إِلَيْهِ الرِّوَايَة عَنهُ (وَهَذَا) أَي قَوْله إِذا بلغك إِلَى آخِره فِي الْفَصْلَيْنِ إِنَّمَا يلْزم (على اشْتِرَاط الْإِذْن وَالْإِجَازَة فِي الرِّوَايَة عَنْهُمَا) أَي الْكتاب والرسالة (وَالْأَوْجه عَدمه) أَي عدم اشْتِرَاط الْإِجَازَة فيهمَا (كالسماع) فَإِنَّهُ جَازَ أَن يرويهِ بِلَا إِذن، بل لَو مَنعه عَن الرِّوَايَة جَازَ أَن يرْوى مَعَ مَنعه لَهُ، كَذَا نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف (وهما) أَي الْكِتَابَة والرسالة (كالخطاب شرعا لتبليغه عَلَيْهِ السَّلَام بهما) أَي الْكِتَابَة والرسالة، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى قَيْصر يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام مُتَّفق عَلَيْهِ. وَعَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي وَإِلَى كل جَبَّار عنيد يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى وَلَيْسَ بالنجاشي الَّذِي صلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ مُسلم (وَعرفا) كَمَا فِي تَقْلِيد الْمُلُوك الْقَضَاء والإمارة بهما كَمَا فِي المسافهة (وَيَكْفِي) فِي جَوَاز الرِّوَايَة عَن الْكَاتِب والمرسل (معرفَة خطه) أَي الْكَاتِب (وَظن صدق الرَّسُول) كَمَا عَلَيْهِ عَامَّة أهل الحَدِيث (وضيق أَبُو حنيفَة) حَيْثُ نسب إِلَيْهِ أَنه لَا يحل فِي كل

مِنْهُمَا إِلَّا (بِالْبَيِّنَةِ) كَمَا فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي (وَلَا يلْزم كتاب القَاضِي) أَي الْإِيرَاد بِهِ على مَا نَحن فِيهِ (للِاخْتِلَاف) بَين كتاب القَاضِي وَمَا نَحن فِيهِ (بالداعية) أَي بِسَبَب وجود الْأَغْرَاض الداعية إِلَى التزوير والتلبيس فِيهِ: أَي فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي، وَمَا نَحن فِيهِ بالداعية فِيمَا يرْوى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَلَا خَفَاء فِي) جَوَاز (حَدثنَا وَأخْبر، وسمعته فِي الأول) أَي فِي قِرَاءَة الشَّيْخ الطَّالِب (و) لفظ (قَالَ) أَيْضا مَعَ الْحَار وَالْمَجْرُور نَحْو لي وَلنَا وَبِدُون ذَلِك، إِنَّمَا النزاع فِي كَونهَا مَحْمُولَة على السماع إِذا تجردت عَنْهُمَا، فَقَالَ ابْن الصّلاح يحمل عَلَيْهِ إِذا علم اللِّقَاء خُصُوصا إِذا علم من حَال الرَّاوِي أَنه لَا يرْوى إِلَّا مَا سَمعه (وغلبت) لَفْظَة. قَالَ (فِي المذاكرة) والمناظرة (وَفِي الثَّانِي) أَي قِرَاءَة الطَّالِب على الشَّيْخ يَقُول: (قَرَأت) عَلَيْهِ وَهُوَ يسمع إِن كَانَ هُوَ الْقَارئ (وَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنا أسمع) إِن كَانَ الْقَارئ غَيره (وَحدثنَا بِقِرَاءَتِي) عَلَيْهِ (وَقِرَاءَة) عَلَيْهِ (وأنبأنا ونبأنا كَذَلِك) أَي بِقِرَاءَتِي أَو قِرَاءَة عَلَيْهِ (وَالْإِطْلَاق) لحدثنا وَأخْبرنَا من غير تَقْيِيد بِقِرَاءَتِي أَو قِرَاءَة عَلَيْهِ (جَائِز على الْمُخْتَار) كَمَا هُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَابْن عُيَيْنَة وَالزهْرِيّ وَمَالك وَالْبُخَارِيّ وَيحيى بن سعيد الْقطَّان ومعظم الْكُوفِيّين والحجازيين، لَا الْمَنْع مُطلقًا كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الْمُبَارك وَأحمد وَكثير من أَصْحَاب الحَدِيث. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر أَنه الصَّحِيح (وَقيل) الْإِطْلَاق جَائِز (فِي أخبرنَا فَقَط) وَهُوَ للشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَمُسلم وَجُمْهُور أهل الْمشرق (وَالْمُنْفَرد) فِي السماع يَقُول (حَدثنِي وَأَخْبرنِي وَجَاز الْجمع) أَي حَدثنَا وَأخْبرنَا كَمَا هُوَ الْعرف فِي كَلَام الْعَرَب وَقيل عِنْد الِانْفِرَاد: لَا يَقُول حَدثنَا، وَعند الِاجْتِمَاع لَا يَقُول: حَدثنِي (وَفِي الْخلف) أَي الْكِتَابَة والرسالة يَقُول (أَخْبرنِي) (وَقيل) لَا يجوز أَن يَقُول فيهمَا أَخْبرنِي (كحدثني) أَي كَمَا لَا يجوز أَن يَقُول حَدثنِي فيهمَا لِأَن الْأَخْبَار والتحديث وَاحِد (بل) يَقُول (كتب) إِلَيّ (وَأرْسل إِلَيّ لعدم المشافهة قُلْنَا قد اسْتعْمل الْأَخْبَار مَعَ عدمهَا) أَي المشافهة. وَفِي نُسْخَة الشَّارِح: قد اسْتعْمل للْأَخْبَار، فَجعل الضَّمِير كِنَايَة عَن أَخْبرنِي، وَالْأولَى أولى لقَوْله (كأخبرنا الله لَا حَدثنَا) مَعَ عدمهَا، إِذْ لَا يُقَال حَدثنَا الله، وَذهب كثير من الْمُحدثين إِلَى جَوَاز حَدثنَا وَأخْبرنَا فِي الرِّوَايَة بالمكاتبة (والرخصة) فِي التَّحَمُّل (الْإِجَازَة مَعَ مناولة الْمجَاز) بِهِ للمجاز لَهُ كَانَ يناوله شَيْئا من سَمَاعه أصلا أَو فرعا مُقَابلا (بِهِ) وَيَقُول هَذَا من سَمَاعي أَو روايتي فاروه عني (ودونها أَي وَبِدُون مناولة كَأَن يَقُول: أجزت أَن تروي هَذَا الْكتاب الَّذِي حَدثنِي بِهِ فلَان إِلَى أَن يَأْتِي على سَنَده (وَمِنْه) أَي من قسم الْإِجَازَة الْمُجَرَّدَة عَن المناولة (إجَازَة مَا صَحَّ من مسموعاتي) عنْدك: ذكر الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ: أَن نَحْو أجزت لَك مَا يَصح عنْدك من حَدِيثي لَيْسَ بِشَيْء كَمَا لَو صَحَّ عنْدك من صك

فِيهِ إقراري فاشهد بِهِ عَليّ لم يَصح، وَلم تجز الشَّهَادَة انْتهى. وَفِيه أَنه قد سبق قَرِيبا الْفرق بَين الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة مفصلا فَارْجِع إِلَيْهِ. ثمَّ اخْتلف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ (قيل بِالْمَنْعِ) وَهُوَ لجماعات من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء والأصوليين وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الشَّافِعِي. وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن وَالْمَاوَرْدِيّ: لَو جَازَت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة (وَالأَصَح الصِّحَّة للضَّرُورَة) إِذْ الْمَنْع قد يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل السّنَن وَانْقِطَاع الْأَسَانِيد: إِذْ السماع وَالْقِرَاءَة تَفْصِيلًا عَزِيز الْوُجُود (وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا (إِن كَانَ) الْمجَاز لَهُ (يعلم مَا فِي الْكتاب) الْمجَاز بِهِ فَقَالَ لَهُ الْمُجِيز أَن فلَانا حَدثنَا بِمَا فِي هَذَا الْكتاب بأسانيده هَذِه وأجزت لَك أَن تحدث بِهِ (جَازَت الرِّوَايَة) بِهَذِهِ الْإِجَازَة إِن كَانَ الْمُجِيز مَأْمُونا بالضبط والفهم (كَالشَّهَادَةِ على الصَّك) فَإِن الشَّاهِد إِذا وقف على جَمِيع مَا فِيهِ أَو أخبرهُ من عَلَيْهِ الْحق أَو أجَاز لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهِ كَانَ صَحِيحا: فَكَذَا رِوَايَة الْخَبَر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْمجَاز لَهُ عَالما بِمَا فِي الْكتاب (فَإِن احْتمل) الْكتاب (التَّغْيِير) بِزِيَادَة أَو نُقْصَان (لم تصح) الْإِجَازَة وَلَا تحل الرِّوَايَة اتِّفَاقًا (وَكَذَا) لَا يَصح عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد (إِن لم يحْتَمل) الْكتاب ذَلِك (خلافًا لأبي يُوسُف ككتاب القَاضِي) أَي قِيَاسا على اخْتلَافهمْ فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي (إِذْ علم الشُّهُود بِمَا فِيهِ شَرط) عِنْدهمَا لصِحَّة الشَّهَادَة (خلافًا لَهُ) أَي لأبي يُوسُف (وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ قَالَ (عدم الصِّحَّة) لهَذِهِ الْإِجَازَة (اتِّفَاق، وتجويز أبي يُوسُف) الشَّهَادَة (فِي الْكتاب) من القَاضِي إِلَى القَاضِي وَإِن يعلم الشُّهُود مَا فِيهِ (لضَرُورَة اشتماله) أَي الْكتاب الْمَذْكُور (على الْأَسْرَار) عَادَة (وَيكرهُ المتكاتبان الانتشار) للأسرار (بِخِلَاف كتب الْأَخْبَار) لِأَن أصل الدّين مَبْنِيّ على الشُّهْرَة (وَفِيه نظر، بل ذَلِك) أَي كَرَاهَة الانتشار لضَرُورَة الاشتمال على الْأَسْرَار (فِي كتب الْعَامَّة لَا) فِي كتاب (القَاضِي) إِلَى القَاضِي (بالحكم والثبوت) مُتَعَلق بِالْكِتَابَةِ المفهومة فِي كتاب القَاضِي: يَعْنِي الْكتاب الْمَسْبُوق بالحكم والثبوت الكائنين عَادَة فِي مَلأ النَّاس وحضرة الشُّهُود الْمُنْتَهى إِلَيّ قَاض آخر فِي مَلأ كَذَلِك لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَا ذكر من الْأَسْرَار وَكَرَاهَة الانتشار (وَهَذَا) التَّفْصِيل الَّذِي ذهب الْحَنَفِيَّة (للاتفاق على النَّفْي) لصِحَّة الرِّوَايَة (لَو قَرَأَ) الطَّالِب (فَلم يسمع الشَّيْخ أَو) قَرَأَ (الشَّيْخ) فَلم يسمع الطَّالِب (وَلم يفهم) فَفِي الْإِجَازَة الَّتِي هِيَ دون الْقِرَاءَة أولى، وَفِيه فتح بَاب التَّقْصِير والبدعة إِذْ لم ينْقل عَن السّلف مثل هَذِه الْإِجَازَة (وَقبُول) رِوَايَة (من سمع فِي صباه مُقَيّد بضبطه غير أَنه أُقِيمَت مظنته) أَي مَظَنَّة الضَّبْط وَهِي التَّمْيِيز مقَامه (وَلذَا) أَي لاشْتِرَاط ضبط السَّامع (منعت) صِحَة الرِّوَايَة (للمشغول عَن السماع بِكِتَابَة) كَمَا ذهب إِلَيْهِ الاسفرايني وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَابْن عدي، وَذهب إِلَى الصِّحَّة مُطلقًا بَعضهم (أَو نوم أَو لَهو، وَالْحق أَن الْمدَار) لعدم جَوَاز الرِّوَايَة (عدم الضَّبْط) للمروي (وأقيمت مظنته) أَي

عدم الضَّبْط (نَحْو الْكِتَابَة) مقَامه إِن كَانَ بِحَيْثُ يمْتَنع مَعهَا الْفَهم (لحكاية الدَّارَقُطْنِيّ) فَإِنَّهُ حضر فِي حداثته مجْلِس إِسْمَاعِيل الصفار فَجَلَسَ ينْسَخ جُزْءا كَانَ مَعَه وَإِبْرَاهِيم يملى، فَقَالَ بعض الْحَاضِرين لَا يَصح سماعك وَأَنت تنسخ فَقَالَ: فهمي للإملاء خلاف فهمك ثمَّ قَالَ تحفظ، كم أمْلى الشَّيْخ من من حَدِيث إِلَى الْآن، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أملي ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا فعددت الْأَحَادِيث فَوجدت كَمَا قَالَ، ثمَّ قَالَ الحَدِيث الأول مِنْهَا عَن فلَان وَمَتنه كَذَا، والْحَدِيث الثَّانِي عَن فلَان وَمَتنه وَلم يزل مُرْسلا أَسَانِيد الْأَحَادِيث ومتونها على ترتيبها فِي الْإِمْلَاء حَتَّى إِلَى آخرهَا فَعجب النَّاس مِنْهُ. هَذَا وَقَالَ أَحْمد فِي الْحَرْف يدغمه الشَّيْخ يفهم وَهُوَ مَعْرُوف أَرْجُو أَن لَا تضيق رِوَايَته عَنهُ، وَفِي الْكَلِمَة تستفهم من المستفهم إِن كَانَت مجمعا عَلَيْهَا فَلَا بَأْس، وَعَن خلف بن سَالم منع ذَلِك (وتنقسم) الْإِجَازَة (لمُعين فِي معِين) كأجزت لَك أَو لكم أَو لفُلَان ويصفه بِمَا يميزه فِي الْكتاب الْفُلَانِيّ أَو مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ فهرستي (وَغَيره) أَي لمُعين فِي غير معِين (كمروياتي) ومسموعاتي. قَالَ ابْن الصّلاح وَغَيره وَالْخلاف فِي هَذَا أقوى وَأكْثر، وَالْجُمْهُور من الْعلمَاء على تَجْوِيز الرِّوَايَة بهَا أَيْضا، وَمن المانعين لصحتها شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ، وَنقل عَن بعض الْأَئِمَّة التَّابِعين أَن سَائِلًا سَأَلَهُ الْإِجَازَة بِهَذِهِ الصّفة فتعجب وَقَالَ لأَصْحَابه: هَذَا يطْلب مني أَن أُجِيز لَهُ أَن يكذب عَليّ (ولغير معِين) نَحْو أجرت فِي الْكتاب الْفُلَانِيّ أَو مروياتي (للْمُسلمين من أدركني، وَمِنْه) أَي من الْإِجَازَة لغير معِين أجزت (من يُولد لفُلَان) فانقسم هَذَا الْقسم إِلَى مَوْجُود ومعدوم، وَفِيه تفاصيل ذكرتها فِي مُخْتَصر لشرح الألفية للشَّيْخ الْعِرَاقِيّ، وَبِالْجُمْلَةِ فالإجازة للمعدوم فِي صِحَّتهَا خلاف قوي (بِخِلَاف) الْإِجَازَة لغير الْمعِين (الْمَجْهُول فِي معِين) كأجزت لبَعض النَّاس رِوَايَة صَحِيح البُخَارِيّ (وَغَيره) أَي وَفِي غير معِين (ك) أجزت لبَعض النَّاس رِوَايَة (كتاب السّنَن) وَهُوَ يروي عدَّة من السّنَن الْمَعْرُوفَة بذلك فَإِنَّهَا غير صَحِيحَة (بِخِلَاف سنَن فلَان) كَأبي دَاوُد فَإِنَّهَا مَعْلُومَة (وَمِنْه) أَي من قبيل الْإِجَازَة فِي غير الْفَاسِدَة إجَازَة رِوَايَة (مَا سيسمعه الشَّيْخ) وَهِي بَاطِلَة على الصَّحِيح كَمَا نَص عَلَيْهِ القَاضِي عِيَاض وَابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ لِأَنَّهُ يُبِيح مَا لم يعلم هَل يَصح لَهُ الْإِذْن فِيهِ فَتَأمل (وَفِي التفاصيل اختلافات) ذكرت فِي محلهَا فِي علم الحَدِيث (ثمَّ الْمُسْتَحبّ) للمجاز فِي آرائه (قَوْله أجَاز لي وَيجوز أَخْبرنِي وحَدثني مُقَيّدا) بقوله: إجَازَة أَو مناولة أَو إِذْنا (ومطلقا) عَن الْقَيْد بِشَيْء من ذَلِك (للمشافهة فِي نفس الْإِجَازَة) وَعَلِيهِ الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ وَالْقَاضِي أَبُو زيد وفخر الْإِسْلَام وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَقيل هُوَ مَذْهَب مَالك وَأهل الْمَدِينَة (بِخِلَاف الْكتاب والرسالة) فَإِنَّهُ لَا يجوز فِيهَا أَخْبرنِي وَلَا حَدثنِي (إِذْ لَا خطاب أصلا) وَقيل يجوز أَن يَقُول فيهمَا حَدثنِي بالِاتِّفَاقِ وَإِن كَانَ الْمُخْتَار أَخْبرنِي لِأَنَّهُمَا من الْغَائِب كالخطاب من الْحَاضِر (وَقيل يمْنَع حَدثنِي لاختصاصه بِسَمَاع الْمَتْن) وَلم يُوجد فِي

الْإِجَازَة والمنازلة وَلَا يمْنَع من أَخْبرنِي وَعَلِيهِ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ. وَقَالَ ابْن الصّلاح وَالْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ عمل الْجُمْهُور وَأهل الْوَرع الْمَنْع فِي ذَلِك من إِطْلَاق حَدثنَا وَأخْبرنَا وَنَحْوهمَا (وَالْوَجْه فِي الْكل اعْتِمَاد عرف تِلْكَ الطَّائِفَة) فَيُؤَدِّي على مَا هُوَ عرفهَا فِي ذَلِك على وَجه سَالم من التَّدْلِيس (والاكتفاء الطَّارِئ فِي هَذِه الإعصار بِكَوْن الشَّيْخ مَسْتُورا) أَي كَونه مُسلما بَالغا عَاقِلا غير متظاهر بِالْفِسْقِ وَمَا يخرم الْمُرُوءَة (وَوُجُود سَمَاعه) مثبتا (بِخَط ثِقَة) غير مُتَّهم وبروايته من أصل (مُوَافق لأصل شَيْخه) كَمَا ذكره ابْن الصّلاح، وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ (لَيْسَ خلافًا لما تقدم) من اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَغَيرهَا فِي الرَّاوِي (لِأَنَّهُ) أَي الِاكْتِفَاء الْمَذْكُور (لحفظ السلسلة) أَي ليصير الحَدِيث مسلسلا بِحَدِيث وَأخْبرنَا (عَن الِانْقِطَاع) وَتبقى هَذِه الْكَرَامَة الَّتِي خصت بهَا هَذِه الْأمة شرفا لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَذَلِكَ) أَي مَا تقدم من اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَغَيرهَا (لَا يُجَاب الْعَمَل على الْمُجْتَهد والعزيمة فِي الْحِفْظ) عَن ظهر قلب من غير وَاسِطَة الْخط (ثمَّ دَوَامه إِلَى) وَقت (الْأَدَاء) إِذْ الْمَقْصُود بِالسَّمَاعِ الْعَمَل بالمسوغ وتبليغه إِلَى آخِره. قَالَ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ: هَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة فِي الْأَخْبَار والشهادات جَمِيعًا، وَلِهَذَا قلت رِوَايَته، وَهُوَ طَرِيق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بَينه للنَّاس (والرخصة) فِي الْحِفْظ (تذكره) أَي الرَّاوِي الْمَرْوِيّ (بعد انْقِطَاعه) أَي الْحِفْظ (عِنْد نظر الْكِتَابَة) سَوَاء كَانَت، خطه أَو خطّ غَيره مَعْرُوف أَو مَجْهُول، إِذْ الْمَقْصُود ذكر الْوَاقِعَة وَهُوَ يحصل بِخَط الْمَجْهُول أَيْضا، وَالنِّسْيَان الْوَاقِع قبله عَفْو لعدم إِمْكَان الِاحْتِرَاز عَنهُ (فَإِن لم يتَذَكَّر) الرَّاوِي الْمَرْوِيّ بِنَظَر الْمَكْتُوب (بعد علمه أَنه خطه أَو خطّ الثِّقَة وَهُوَ فِي يَده) بِحَيْثُ لَا يصل إِلَيْهِ يَد غَيره أَو مَخْتُومًا بِخَاتمِهِ أَو فِي يَد أَمِين) على هَذِه الصّفة (حرمت الرِّوَايَة وَالْعَمَل عِنْد أبي حنيفَة) بذلك (ووجبا) أَي الرِّوَايَة وَالْعَمَل بِهِ (عِنْدهمَا وَالْأَكْثَر، وعَلى هَذَا) الْخلاف (رُؤْيَة الشَّاهِد خطه) بِشَهَادَة (فِي الصَّك) أَي كتاب الشَّهَادَة (وَالْقَاضِي) خطه أَو خطّ نَائِبه بِقَضَائِهِ بِشَيْء (فِي السّجل) الَّذِي بديوانه وَلم يتَذَكَّر كل وَاحِد مِنْهُمَا ذَلِك: فروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة لَا يحل لَهُ أَن يعْتَمد على الْخط مَا لم يتَذَكَّر مَا تضمنه الْمَكْتُوب، لِأَن النّظر فِي الْكِتَابَة لمعْرِفَة الْقلب كالنظر للمرآة للرؤية بِالْعينِ وَالنَّظَر فِي الْمرْآة إِذا لم يفده إدراكا لَا يكون مُعْتَبرا، فالنظر فِي الْكتاب إِذا لم يفده تذكرا يكون هدرا لِأَن الرُّؤْيَة وَالشَّهَادَة وتنفيذ الْقَضَاء لَا يكون إِلَّا بِعلم والخط يشبه الْخط شبها لَا يُمكن التَّمْيِيز بَينهمَا إِلَّا بالتخمين فبصورة الْخط لَا يستفيدون علما من غير التَّذَكُّر (وَعَن أبي يُوسُف) فِي رِوَايَة بشر عَنهُ (الْجَوَاز فِي الرِّوَايَة) أَي فِي رِوَايَة الحَدِيث إِذا كَانَ خطا مَعْرُوفا لَا يخَاف تَغْيِيره بِأَن يكون بِيَدِهِ أَو بيد أَمِين، والتغيير فِي أُمُور الدّين غير مُتَعَارَف إِذْ لَا يعود بِهِ نفع إِلَى أحد، ودوام الْحِفْظ والتذكر مُتَعَذر (والسجل

إِذا كَانَ فِي يَده) أَي وَجَوَاز عمل القَاضِي بِمُجَرَّد خطه أَو خطّ مَعْرُوف مُفِيد قَضَاءَهُ بقضية فِي مَكْتُوب مَحْفُوظ بِيَدِهِ لَا تصل إِلَيْهِ يَد غَيره، أَو مختوم بختمه أَو بيد أمينة الموثوق بِهِ لِأَن خطّ القَاضِي جَمِيع جزئيات الوقائع مُتَعَذر عَادَة، وَلِهَذَا كَانَ من آدَاب القَاضِي كِتَابَة الوقائع وإيداعها قطره وختمه بِخَاتمِهِ وَلَو لم يجز لَهُ الرُّجُوع إِلَيْهَا عِنْد النسْيَان لم يكن لَهُ فَائِدَة، وَقد يُقَال: فَائِدَته تظهر عِنْد تذكره وَإِن لم تظهر عِنْد عدم التَّذَكُّر (لَا الصَّك) أَي لَا يجوز عِنْد عمل الشَّاهِد بِمُجَرَّد الْخط إِذا لم يكن بِيَدِهِ، إِذْ مَبْنِيّ الشَّهَادَة على الْيَقِين بالمشهود بِهِ، والصك إِذا كَانَ بيد الْخصم لَا يحصل الْأَمْن فِيهِ من التَّغْيِير. (وَعَن مُحَمَّد) فِي رِوَايَة ابْن رستم عَنهُ يجوز الْعَمَل للمذكورين بِمُجَرَّد الْخط إِذا تيقنوا أَنه خطهم (فِي الْكل) أَي فِي الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة وَالْقَضَاء، وَلَو كَانَ الصَّك بيد الْخصم (تيسيرا) على النَّاس والخط ينْدر شبهه بالخط على وَجه يخفي التَّمْيِيز بَينهمَا والنادر لَا يَدُور عَلَيْهِ الحكم (لنا) أَي للإمامين وَالْأَكْثَر (عمل الصَّحَابَة بكتابه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِلَا رِوَايَة مَا فِيهِ) للْعَالمين (بل لمعْرِفَة الْخط وَأَنه مَنْسُوب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ككتاب عَمْرو بن خرم). وَقد سبق مَا يفِيدهُ فِي مسئلة: الْعَمَل بِخَبَر الْعدْل وَاجِب (وَهُوَ) أَي عَمَلهم بكتابه بِمُجَرَّد معرفَة الْخط (شَاهد لما تقدم: من قبُول كتاب الشَّيْخ إِلَى الرَّاوِي) بِالتَّحْدِيثِ عَنهُ (بِلَا شَرط بَيِّنَة) على ذَلِك (وَهنا) أَي فِي الْعَمَل بِمُقْتَضى الْمَكْتُوب بِمُجَرَّد معرفَة الْخط (أولى) من عمل الرَّاوِي بِكِتَاب الشَّيْخ بِلَا بَيِّنَة، لِأَن احْتِمَال التزوير فِيهِ أبعد (وَمَا قيل النسْيَان) فِيهِ (غَالب فَلَو لزم التَّذَكُّر بَطل كثير من الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة غير مُسْتَلْزم لمحل النزاع، وَإِنَّمَا يستلزمه) أَي مَحل النزاع (غَلَبَة عدم التَّذَكُّر بعد معرفَة الْخط وَهُوَ) أَي مَا ذكر من غَلَبَة عدم التَّذَكُّر بعْدهَا (مَمْنُوع والعزيمة فِي الْأَدَاء) أَن يكون (بِاللَّفْظِ) نَفسه (والرخصة) فِيهِ أَن يكون الْمُؤَدِّي (مَعْنَاهُ بِلَا نقص وَزِيَادَة للْعَالم باللغة ومواقع الْأَلْفَاظ) إِذْ كل لفظ مُفردا كَانَ أَو مركبا لَهُ موقع من الْمَعْنى يُرَاد بِهِ بِحَسب الْوَضع والاستعمال إِلَى اللّغَوِيّ والعرفي، وبحسب قَرَائِن الْأَحْوَال والمقامات، وَلَا يعرف مُرَاد الْمُتَكَلّم إِلَّا من يعرفهَا (و) قَالَ (فَخر الْإِسْلَام) رخص فِي ذَلِك بِالشّرطِ الْمَذْكُور (إِلَّا فِي نَحْو الْمُشْتَرك) من الْخَفي والمشكل (و) إِلَّا فِي الْمُجْمل والمتشابه فَإِنَّهُ لَا يجوز أصلا (بِخِلَاف الْعَام والحقيقة المحتملين للخصوص وَالْمجَاز) على تَرْتِيب اللفّ والنشر فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ (للغوي الْفَقِيه) لَا اللّغَوِيّ فَقَط (أما الْمُحكم) أَي متضح الْمَعْنى بِحَيْثُ لَا يشْتَبه مَعْنَاهُ، وَلَا يحْتَمل وُجُوهًا مُتعَدِّدَة، كَذَا فسره فَخر الْإِسْلَام فِي هَذَا الْمقَام (مِنْهُمَا) أَي الْعَام والحقيقة (فتكفي اللُّغَة) أَي مَعْرفَتهَا فِيهِ (وَاخْتلف مجيز وَالْحَنَفِيَّة)، الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى (فِي الْجَوَامِع) أَي جَوَامِع الْكَلم، فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " بعثت بجوامع الْكَلم ". وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ " وَبَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم أَن الله عز وَجل يجمع الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي كَانَت تكْتب فِي الْكتب قبله فِي الْأَمر الْوَاحِد أَو الْأَمريْنِ أَو نَحْو ذَلِك ". وَقَالَ الْخطابِيّ إيجاز الْكَلَام فِي إشباع للمعاني يَقُول: الْكَلِمَة القليلة الْحُرُوف، فينتظم الْكثير من الْمَعْنى ويتضمن أنواعا من الْأَحْكَام (كالخراج بِالضَّمَانِ) حَدِيث حسن رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَتقدم مَعْنَاهُ (والعجماء جَبَّار) مُتَّفق عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: والعجماء الْمُتَقَدّمَة الَّتِي لَا يكون مَعهَا أحد. وَقَالَ ابْن مَاجَه: الْجَبَّار الهدر الَّذِي لَا يغرم فَقَالَ بَعضهم: يجوز للْعَالم بطرق الِاجْتِهَاد إِذا كَانَت الْجَوَامِع ظَاهِرَة الْمَعْنى، وَذهب فَخر الْإِسْلَام والسرخسي إِلَى الْمَنْع لإحاطة الْجَوَامِع بمعان قد تقصر عَنْهَا عقول ذَوي الْأَلْبَاب (فالرازي مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة (وَابْن سِيرِين) فِي جمَاعَة (على الْمَنْع مُطلقًا). قَالَ الشَّارِح: أَي سَوَاء كَانَ من الْمُحكم أَولا، كَذَا ذكره غير وَاحِد: وَفِيه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّازِيّ نظر، فَإِن لَفظه قد حكينا عَن الشّعبِيّ وَالْحسن أَنَّهُمَا كَانَا يحدثان بالمعاني، وَكَانَ غَيرهمَا يحدث بِاللَّفْظِ، والأحوط عندنَا أَدَاء اللَّفْظ وسياقته على وَجهه دون الِاقْتِصَار على الْمَعْنى سَوَاء كَانَ مِمَّا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل أَولا إِلَّا أَن يكون الرَّاوِي مثل الْحسن وَالشعْبِيّ فِي إتقانهما للمعاني وَصرف الْعبارَات إِلَى مَعْنَاهَا فقها غير فاضلة عَنْهَا وَلَا مقصرة، وَهَذَا عندنَا إِنَّمَا كَانَا يفعلانه فِي اللَّفْظ الَّذِي لَا يحْتَمل التَّأْوِيل وَيكون للمعنى عِبَارَات مُخْتَلفَة، فيعبران تَارَة بِعِبَارَة، وَتارَة بغَيْرهَا: فَأَما مَا يحْتَمل التَّأْوِيل من الْأَلْفَاظ فَإنَّا لَا نظن بهما أَنَّهُمَا كَانَا يغيرانه إِلَى لفظ غَيره مَعَ احْتِمَاله لِمَعْنى غير معنى لفظ الأَصْل، وَأكْثر فَسَاد أَخْبَار الْآحَاد وتناقضها واستحالتها من هَذَا الْوَجْه، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قد كَانَ مِنْهُم من يسمع اللَّفْظ الْمُحْتَمل للمعاني فيعبر عَنهُ بِلَفْظ غَيره، وَلَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا على أَنه هُوَ الْمَعْنى عِنْده فيفسده انْتهى وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ بِصَرِيح فِي خلاف مَا نَقله المُصَنّف، وَيجوز أَن يكون لَهُ نقل آخر عَنهُ أصرح من هَذَا فِيمَا نقل عَنهُ (لنا) فِيمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور (الْعلم بنقلهم) أَي الصَّحَابَة (أَحَادِيث بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة فِي وقائع متحدة) كَمَا يحاط بهَا علما فِي دواوين السّنة (وَلَا مُنكر) لوُقُوع ذَلِك مِنْهُم (وَمَا عَن ابْن مَسْعُود وَغَيره قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا أَو نَحوه أَو قَرِيبا مِنْهُ) عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: كنت لَا تفوتني عَشِيَّة خَمِيس إِلَّا آتِي عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَمَا سمعته يَقُول لشَيْء قطّ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كَانَت ذَات عَشِيَّة، فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغرورقت عَيناهُ، وَانْتَفَخَتْ أوداجه، ثمَّ قَالَ: أَو مثله أَو نَحوه أَو شَبيه بِهِ، قَالَ فَأَنا رَأَيْته وَإِزَاره محلولة مَوْقُوف صَحِيح. أخرجه أَحْمد وَابْن مَاجَه وَغَيرهمَا. وَعَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ إِذا حدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَحوه أَو شبهه. أخرجه

الدَّارمِيّ وَهُوَ مَوْقُوف مُنْقَطع رِجَاله ثِقَات (وَلَا مُنكر) على قَائِله (فَكَانَ) وُقُوع ذَلِك مِنْهُم من غير نَكِير من أحدهم (إِجْمَاعًا) على جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى (و) لنا أَيْضا (بَعثه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الرُّسُل) إِلَى النواحي بتبليغ الشَّرَائِع (بِلَا إِلْزَام) خُصُوص (لفظ) إِذْ لَو لم تجز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى كَانَ يلْزمه وَلَو لزم لنقل إِلَيْنَا (و) لنا أَيْضا (مَا روى الْخَطِيب) فِي كتاب الْكِفَايَة فِي معرفَة أصُول عليم الرِّوَايَة عَن يَعْقُوب بن عبد الله بن سُلَيْمَان اللَّيْثِيّ عَن أَبِيه عَن جده أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا أَنا لنسمع مِنْك وَلَا نقدر على تأديته كَمَا سمعناه مِنْك، قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِذا لم تحلوا حَرَامًا أَو تحرموا حَلَالا وأصبتم الْمَعْنى فَلَا بَأْس " انْتهى. وَقَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: رَوَاهُ ابْن مَنْدَه من حَدِيث عبد الله بن سُلَيْمَان قَالَ: قلت يَا رَسُول الله الحَدِيث، وَزَاد فِي آخِره فَذكر ذَلِك لِلْحسنِ، فَقَالَ لَوْلَا هَذَا مَا حَدثنَا انْتهى، وَغَايَة مَا ذكر فِيهِ أَنه يَنْتَهِي إِلَى عبد الله وَهُوَ تَابِعِيّ على الصَّحِيح لَيْسَ لَهُ صُحْبَة، والإرسال غير ضائر فِي الْإِسْنَاد من الثِّقَة بل هِيَ مِنْهُ زِيَادَة مَقْبُولَة (وَأما الِاسْتِدْلَال) لِلْجُمْهُورِ (بتفسيره) أَي بِالْإِجْمَاع على جَوَاز الحَدِيث (بالعجمية) فَإِنَّهُ إِذا جَازَ تَفْسِيره بهَا فَلِأَن يجوز بِالْعَرَبِيَّةِ أولى (فَمَعَ الْفَارِق) أَي قِيَاس مَعَ الْفَارِق (إِذْ لولاه) أَي تَفْسِيره بالعجمية (امْتنع معرفَة الْأَحْكَام للجم الْغَفِير) لِأَن العجمي لَا يفهم الْعَرَبِيّ إِلَّا بالتفسير: وَكَذَا يجوز تَفْسِير الْقُرْآن بِجَمِيعِ الألسن (و) لَا يجوز نَقله بِالْمَعْنَى بالِاتِّفَاقِ (أَيْضا) من الْأَدِلَّة (على تجويزه الْعلم بِأَن الْمَقْصُود الْمَعْنى) لِأَن الحكم يثبت بِهِ لَا بِاللَّفْظِ من حَيْثُ هُوَ (وَهُوَ) أَي الْمَعْنى (حَاصِل) فَلَا يضر اخْتِلَاف اللَّفْظ (وَأما اسْتثِْنَاء فَخر الْإِسْلَام) السَّابِق (لِأَنَّهُ) أَي النَّقْل بِالْمَعْنَى للمشترك وَنَحْوه (تَأْوِيله) أَي الرَّاوِي لهَذِهِ الرِّوَايَة الْأَقْسَام (وَلَيْسَ) تَأْوِيله (حجَّة على غَيره كقياسه) أَي كَمَا أَن قِيَاسه لَيْسَ حجَّة على غَيره (بِخِلَاف الْمُحكم) فَإِن النَّقْل فِيهِ بِالْمَعْنَى لَا يُفْضِي إِلَى الْغَلَط (والمحتمل للخصوص) أَي وَنقل الْفَقِيه الْعَالم الْمُحْتَمل للخصوص بِالْمَعْنَى على الْوَجْه الَّذِي يُسْتَفَاد مِنْهُ الْخُصُوص (مَحْمُول على سَمَاعه الْمُخَصّص كعمله) أَي الرَّاوِي فِي الْمُفَسّر (بِخِلَاف رِوَايَته) حَيْثُ يحمل عمله بِخِلَاف رِوَايَته (على النَّاسِخ) أَي على سَمَاعه النَّاسِخ لمرويه (وَيشكل) اسْتثِْنَاء فَخر الْإِسْلَام (بترجيح تَقْلِيده) أَي الصَّحَابِيّ فَإِنَّهُ يجْرِي فِيهِ الدَّلِيل الْمَذْكُور لاستثنائه بِأَن يُقَال مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده إِنَّمَا هُوَ تَأْوِيله وَلَيْسَ تَأْوِيله حجَّة على غَيره (فَإِن أُجِيب) بِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَرَجَّح تَقْلِيده (بِحمْلِهِ) أَي مَا قَلّدهُ فِيهِ (على السماع فَالْجَوَاب أَنه) أَي حمله على السماع ثَابت (مَعَ إِمْكَان قِيَاسه) أَي يُمكن أَنه قَالَه قِيَاسا واجتهادا (فَكَذَا فِي نَحْو الْمُشْتَرك) من الْخَفي والمشكل إِذا حمله على بعض وجوهه يحمل على السماع مَعَ إِمْكَان تَأْوِيله (تقدم) اجْتِهَاده (بترجيح اجْتِهَاده) لمشاهدته

الْأُمُور الْمُوجبَة لعلمه بِأَن الْعلَّة مَا ذكر فَإِن قيل ترجح اجْتِهَاد الصَّحَابِيّ على اجْتِهَاد غَيره بَاطِل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فوعاها، فحفظها فأداها: فَرب حَامِل فقه غير فَقِيه، وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ ": رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان وَغَيرهم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَإِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ) بِاعْتِبَار أَنه يدل على أَن الْمَحْمُول إِلَيْهِ وَهُوَ التَّابِعِيّ قد يكون أفقه من الْحَامِل الصَّحَابِيّ وَلَا يقدم اجْتِهَاد غير الأفقه على الأفقه: فَالْجَوَاب أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قلله بِرَبّ) أَي كَون الْمَحْمُول إِلَيْهِ أفقه (فَكَانَ الظَّاهِر بعد الِاشْتِرَاك) من الصَّحَابَة وَغَيرهم (فِي الْفِقْه أفقهيتهم) أَي الصَّحَابَة، وَهَذَا بِنَاء على حمل رب على حَقِيقَته لاعلى مجازه الْمَشْهُور وَهُوَ التكثير (إِلَّا قَلِيلا فَيحمل) حَالهم (على الْغَالِب) وَهُوَ أفقهيتهم (وَالتَّحْقِيق) أَنه (لَا يتْرك اجْتِهَاد لاجتهاد الأفقه و) ترك الِاجْتِهَاد: أَي مؤداه لاجتهاد الأفقه (فِي الصَّحَابَة) لَيْسَ بكونهم أفقه، بل (لقرب سَماع الْعلَّة) أَي لقرب احْتِمَال كَونه سمع هُنَا دَالا على علية الْعلَّة (أَو نَحوه) أَي مَا يقوم مقَام سماعهَا، ثمَّ بَينه بقوله (من مُشَاهدَة مَا يفيدها) أَي الْعلَّة من الْقَرَائِن (وعَلى هَذَا) التَّوْجِيه (نجيزه) أَي النَّقْل بِالْمَعْنَى (فِي الْمُجْمل، وَلَا يُنَافِي) هَذَا (قَوْلهم) أَي الْحَنَفِيَّة (لَا يتَصَوَّر) النَّقْل بِالْمَعْنَى (فِي الْمُجْمل والمتشابه) لأَنهم إِنَّمَا نفوه لما ذَكرُوهُ من قَوْلهم (لِأَنَّهُ لَا يُوقف على مَعْنَاهُ) إِذْ الْمُجْمل لَا يُسْتَفَاد المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بَيَان سَمْعِي، والمتشابه لَا ينَال فِي الدُّنْيَا أصلا. قَالَ الشَّارِح وَالْمُصَنّف يَقُول بذلك لكنه يَقُول: إِذا رَوَاهُ بِمَعْنى على أَنه المُرَاد أصححه حملا على السماع، فَإنَّا إِذا علمنَا بِتَرْكِهِ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ من الْمُفَسّر حكمنَا بِأَنَّهُ علم أَنه مَنْسُوخ إِذْ كَانَ يحرم عَلَيْهِ ترك الْعَمَل بِالْحَدِيثِ فَكَذَلِك إِذا روى الْمُجْمل بِمَعْنى مُفَسّر على أَنه المُرَاد مِنْهُ حكمنَا بِأَنَّهُ سمع تَفْسِيره: إِذْ لَا يحل أَن يفسره بِرَأْيهِ فَالْحَاصِل أَن الْأَقْسَام خَمْسَة: الْمُفَسّر الَّذِي لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا فَيجوز نَقله بِالْمَعْنَى اتِّفَاقًا بعد علمه باللغة، والحقيقة وَالْعَام المحتملان للمجاز والتخصيص، فَيجوز مَعَ الْفِقْه واللغة، فَلَو انسد بَاب التَّخْصِيص كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ - {وَالله بِكُل شَيْء عليم} - وَالْمجَاز بِمَا يُوجِبهُ رَجَعَ إِلَى الْجَوَاز إِلَى الِاكْتِفَاء بِعَدَمِ اللُّغَة فَقَط لصيرورته محكما لَا يحْتَمل إِلَّا وَجها وَاحِدًا والمشترك والمشكل والخفي، فَلَا يجوز نَقله بِالْمَعْنَى أصلا عِنْدهم: لِأَن المُرَاد لَا يعرف إِلَّا بِتَأْوِيل، وتأويله لَا يكون حجَّة على غَيره، وَحكم المُصَنّف بِجَوَاز ذَلِك لِأَنَّهُ دائر بَين كَونه تَأْوِيله أَو مسموعه، وكل مِنْهُمَا من الصَّحَابِيّ مقدم على غَيره، ومجمل ومتشابه، فَقَالُوا: لَا يتَصَوَّر نَقله بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ فرع معرفَة الْمَعْنى وَلَا يُمكن فيهمَا، وَالْمُصَنّف يَقُول كَذَلِك، وَلَكِن يَقُول: إِذا عين معنى على أَنه المُرَاد حكمنَا بِأَنَّهُ سَمعه على وزان حكمنَا فِي تَركه أَنه سمع النَّاسِخ حكما ودليلا، وَمَا هُوَ من جَوَامِع الْكَلم

فَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ، كَذَا أَفَادَ المُصَنّف انْتهى (قَالُوا) أَي المانعون: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نضر الله امْرأ) سمع منا شَيْئا فَبلغ كَمَا سَمعه، فَرب مبلغ أوعى من سامع. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان وَغَيرهم، فحرض على نقل أصل الحَدِيث على الْوَجْه الَّذِي سَمعه وَهَذَا إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا رَوَاهُ بِلَفْظِهِ (قُلْنَا) قَوْله نضر الله الخ (حث على الأولى) فِي نَقله سَوَاء كَانَ دُعَاء: أَي جمله وزينه، أَو خَبرا عَن أَنه من أهل نَضرة النَّعيم قيل هُوَ بتَخْفِيف الضَّاد، والمحدثون يثقلونها. وَفِي الغريبين رَوَاهُ الْأَصْمَعِي بِالتَّشْدِيدِ وَأَبُو عبيد بِالتَّخْفِيفِ وَقيل مَعْنَاهُ حسن الله وَجهه فِي خلقه: أَي جاهه وَقدره. وَعَن الفضيل بن عِيَاض " مَا من أحد من أهل الحَدِيث إِلَّا وَفِي وَجهه نَضرة لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نضر الله الحَدِيث (فَأَيْنَ منع خِلَافه) أَي خلاف الأولى، وَهُوَ النَّقْل بِالْمَعْنَى. وَفِي الشَّرْح العضدي: وَيُمكن أَن يُقَال أَيْضا بِالْمُوجبِ، فَإِن من نقل الْمَعْنى أَدَّاهُ كَمَا سَمعه، وَلذَلِك يَقُول المترجم أديته كَمَا سمعته (فَإِن قيل هُوَ) أَي الْمَانِع من خِلَافه (قَوْله فَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ أَفَادَ أَنه) أَي الرَّاوِي (قد يقصر لَفظه) عَن اسْتِيعَاب مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ اللَّفْظ النَّبَوِيّ من الْأَحْكَام: إِذا الأفقه يدْرك مَا لَا يُدْرِكهُ غَيره (فَيَنْتَفِي أَحْكَام يستنبطها الْفَقِيه) بِوَاسِطَة نَقله بِالْمَعْنَى وقصور لَفظه (قُلْنَا غَايَته) أَي غَايَة تصور لَفظه عَن اسْتِيعَاب ذَلِك أَنه ك (نقل بعض الْخَبَر بعد كَونه حكما تَاما) وَهُوَ جَائِز كَمَا تقدم (وَقد يفرق) بَين هَذَا وَبَين حذف بعض الْخَبَر الَّذِي لَا تعلق لَهُ بِالْبَاقِي تعلقا يُغير الْمَعْنى (بِأَن لَا بُد) للحاذق (من نقل الْبَاقِي فِي عمره كي لَا تَنْتفِي الْأَحْكَام) المستفادة مِنْهُ (بِخِلَاف من قصر) لَفظه عَنْهَا (فَإِنَّهَا) أَي الْأَحْكَام الَّتِي لَيست بمستفادة مِنْهُ (تَنْتفِي) لعدم مفيدها (بل الْجَوَاز) أَي جَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى (لمن لَا يخل) بِشَيْء من مقاصده (لفقهه قَالُوا) أَي المانعون أَيْضا: النَّقْل بِالْمَعْنَى (يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَال) بمقصود الحَدِيث (بِتَكَرُّر النَّقْل كَذَلِك) أَي بِالْمَعْنَى: يَعْنِي تجوزيه ينجر إِلَى التّكْرَار، وَفِي كل مرّة يحصل تَغْيِير لاخْتِلَاف الإفهام فيؤل إِلَى تَغْيِير فَاحش مفوت للمقصود (أُجِيب بِأَن) تَقْيِيد (الْجَوَاز) للنَّقْل بِالْمَعْنَى (بِتَقْدِير عَدمه) أَي عدم الْإِخْلَال بِالْمَقْصُودِ (يَنْفِيه). قَالَ الشَّارِح: أَي أَدَاء النَّقْل بِالْمَعْنَى، لِأَنَّهُ خلاف الْفَرْض انْتهى، وَلَا يفهم لَهُ معنى. فِي الشَّرْح العضدي الْجَواب أَن فرض تَغْيِير مَا فِي كل مرّة مِمَّا لَا يتَصَوَّر فِي مَحل النزاع، فَإِن الْكَلَام فِيمَن نقل الْمَعْنى سَوَاء من غير تَغْيِير أصلا، وَإِلَّا لم يجز اتِّفَاقًا. وَفِيه قد اخْتلف فِي جَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى، والنزاع فِيمَن هُوَ عَارِف بمواقع الْأَلْفَاظ، وَأما غَيره فَلَا يجوز مِنْهُ اتِّفَاقًا انْتهى: فَالْمَعْنى انْتَفَى مَا ذكر من التأدية إِلَى الاخلال

مسئلة

مسئلة (الْمُرْسل قَول الإِمَام) من أَئِمَّة النَّقْل وَهُوَ من لَهُ أَهْلِيَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل (الثِّقَة قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا مقول القَوْل " (مَعَ حذف من السَّنَد، وتقييده) أَي الْقَائِل أَو الإِمَام الْقَائِل (بالتابعي أَو الْكَبِير مِنْهُم) أَي التَّابِعين كَعبد الله بن عدي وَقيس بن أبي حَازِم (اصْطِلَاح) من الْمُحدثين (فَدخل) فِي التَّعْرِيف (الْمُنْقَطع) بالاصطلاح الْمَشْهُور للمحدثين: وَهُوَ مَا سقط من رُوَاته قبل الصَّحَابِيّ راو أَو اثْنَان فَصَاعِدا من مَوضِع وَاحِد (والمعضل) الْمَشْهُور عِنْدهم، وَهُوَ مَا سقط مِنْهُ اثْنَان فَصَاعِدا من مَوضِع وَاحِد (وَتَسْمِيَة قَول التَّابِعِيّ مُنْقَطِعًا) كَمَا عَن الْحَافِظ البرديجي (خلاف الِاصْطِلَاح الْمَشْهُور فِيهِ) أَي الْمُنْقَطع (وَهُوَ) أَي قَول التَّابِعِيّ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ هُوَ (الْمَقْطُوع) كَمَا ذكره الْخَطِيب وَغَيره (فَإِن كَانَ) الْمُرْسل صحابيا (فَحكى الِاتِّفَاق على قبُوله لعدم الِاعْتِدَاد بقول) أبي إِسْحَاق (الاسفرايني) لَا يحْتَج بِهِ (وَمَا عَن الشَّافِعِي من نَفْيه) أَي نفي قَوْله (إِن علم إرْسَاله) أَي الصَّحَابِيّ عَن غَيره كَمَا نقل عَنهُ فِي الْمُعْتَمد، وَلعدم الِاعْتِدَاد بِهَذَا أَيْضا فِي أصُول فَخر الْإِسْلَام بعد حِكَايَة الْإِجْمَاع على قبُول مُرْسل الصَّحَابِيّ، وَتَفْسِير ذَلِك أَن من الصَّحَابَة من كَانَ من الفتيان قلت صحبته، وَكَانَ يرْوى عَن غَيره من الصَّحَابَة فَإِذا أطلق الرِّوَايَة فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ذَلِك مِنْهُ مَقْبُولًا وَإِن احْتمل الْإِرْسَال، لِأَن من ثبتَتْ صِحَّته لم يحمل حَدِيثه الْأَعْلَى سَمَاعه بِنَفسِهِ إِلَّا أَن يُصَرح بالرواية عَن غَيره انْتهى (أَو) كَانَ الْمُرْسل (غَيره) أَي غير الصَّحَابِيّ (فالأكثر) أَي فمذهب أَكثر الْعلمَاء (مِنْهُم الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة إِطْلَاق الْقبُول، والظاهرية وَأكْثر) أهل (الحَدِيث من عهد الشَّافِعِي إِطْلَاق الْمَنْع، وَالشَّافِعِيّ) قَالَ (أَن عضد بِإِسْنَاد أَو إرْسَال مَعَ اخْتِلَاف الشُّيُوخ) من الْمُرْسلين (أَو قَول الصَّحَابِيّ أَو أَكثر الْعلمَاء أَو عرف) الْمُرْسل (أَنه لَا يُرْسل إِلَّا عَن ثِقَة قبل، وَإِلَّا) أَي وَأَن لم يُوجد أحد هَذِه الْخَمْسَة (لَا) يقبل (قيل وَقَيده) أَي الشَّافِعِي قبُوله مَعَ كَونه معتضدا بِمَا ذَكرْنَاهُ أَيْضا (بِكَوْنِهِ) أَي الْمُرْسل (من كبار التَّابِعين وَلَو خَالف الْحفاظ فبالنقص) أَي بِكَوْن حَدِيثه أنقص، ذكره الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ عَن نَص الشَّافِعِي (وَابْن أبان) يقبل (فِي الْقُرُون الثَّلَاثَة، وَفِيمَا بعْدهَا إِذا كَانَ) الْمُرْسل (من أَئِمَّة النَّقْل وروى الْحفاظ مرسله كَمَا رووا مُسْنده، وَالْحق اشْتِرَاط كَونه من أَئِمَّة النَّقْل مُطلقًا) أَي فِي الْقُرُون الثَّلَاثَة وَمَا بعْدهَا (لنا) فِي قبُول الْمُرْسل من أَئِمَّة الشَّأْن (جزم الْعدْل بِنِسْبَة الْمَتْن إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله قَالَ: يسْتَلْزم اعْتِقَاد ثِقَة الْمسْقط) وَإِلَّا كَانَ تلبيسا قادحا فِيهِ، وَالْفَرْض انتقاؤه (وَكَونه) أَي الْمُرْسل (من أَئِمَّة الشَّأْن قوى الظُّهُور فِي الْمُطَابقَة) أَي فِي مُطَابقَة الْخَبَر للْوَاقِع أَو فِي مُطَابقَة اعْتِقَاده ثِقَة الْمسْقط للْوَاقِع

وَهُوَ الْأَوْجه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَقد ثِقَة الْمسْقط (لم يكن عدلا إِمَامًا) وَالْأَوْجه أَن الْمَعْنى إِن لم يعْتَقد ثقته اعتقادا مطابقا يلْزم أحد الْأَمريْنِ: عدم الْعَدَالَة إِن لم يعْتَقد وَعدم كَونه إِمَامًا إِن اعْتقد وَلم يكن مطابقا (وَلذَا) أَي لاستلزام جزمه ذَلِك (حِين سُئِلَ النَّخعِيّ الْإِسْنَاد إِلَى عبد الله) أَي لما قَالَ الْأَعْمَش لإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: إِذا رويت حَدِيثا عَن عبد الله بن مَسْعُود فاسنده لي (قَالَ إِذا قلت حَدثنِي فلَان عَن عبد الله فَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ، فَإِذا قلت قَالَ عبد الله فَغير وَاحِد) أَي فقد رَوَاهُ غير وَاحِد، وَهَذَا كِنَايَة عَن كَثْرَة الروَاة (وَقَالَ الْحسن مَتى قلت لكم حَدثنِي فلَان فَهُوَ حَدِيثه) لَا غير (وَمَتى قلت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن سبعين) سمعته أَو أَكثر (فأفادوا أَن إرسالهم عِنْد الْيَقِين أَو قريب مِنْهُ فَكَانَ) الْمُرْسل (أقوى من الْمسند وَهُوَ) أَي كَونه أقوى مِنْهُ (مُقْتَضى الدَّلِيل، فَإِن قيل تحقق من الْأَئِمَّة كسفيان) الثَّوْريّ (وَبَقِيَّة تَدْلِيس التَّسْوِيَة) كَمَا سلف (وَهُوَ) أَي إرْسَال من تحقق فِيهِ هَذَا التَّدْلِيس (مشمول بدليلكم) الْمَذْكُور (قُلْنَا نلتزمه) أَي شُمُول الدَّلِيل لَهُ، ونقول بحجيته جملا على أَنه لم يُرْسل إِلَّا عَن ثِقَة (ووقف مَا أَوْهَمهُ إِلَى الْبَيَان) أَي جعل الِاحْتِجَاج بِمَا أوهم التَّدْلِيس من حَدِيث الْأَئِمَّة الْمَذْكُورين مَوْقُوفا إِلَى أَن يبين إرْسَاله عَن ثِقَة أَولا (قَول النافين) حجَّة الْمُرْسل (أَو مَحَله) أَي الْوَقْف (الِاخْتِلَاف) أَي اخْتِلَاف حَال المدلس بِأَن علم تَارَة أَنه يحذف المضعف عِنْد الْكل، وَتارَة يحذف المضعف عِنْد غَيره إِلَى غير ذَلِك (بِخِلَاف الْمُرْسل) فَإِنَّهُ يجد الحكم فِيهِ بِأَن الْمَحْذُوف لَيْسَ مجمعا على ضعفه بل ثِقَة أَو من يَعْتَقِدهُ الإِمَام الحاذف أَنه ثِقَة (وَاسْتدلَّ) للمختار فَقيل (اشْتهر إرْسَال الْأَئِمَّة كالشعبي وَالْحسن وَالنَّخَعِيّ وَابْن الْمسيب وَغَيرهم و) اشْتهر (قبُوله) أَي قبُول مرسلهم (بِلَا نَكِير فَكَانَ) قبُوله بِلَا نَكِير (إِجْمَاعًا، لَا يُقَال لَو كَانَ) قبُوله إِجْمَاعًا (لم يجز خِلَافه) لكَونه خرقا للْإِجْمَاع، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا، لأَنا نقُول لَا نسلم (لِأَن ذَلِك) أَي عدم جَوَاز الْخلاف إِنَّمَا هُوَ (فِي) الْإِجْمَاع (الْقطعِي) وَهنا ظَنِّي لِأَنَّهُ سكوتي (لَكِن ينْقض) هَذَا الْإِجْمَاع الْحَاصِل من قبولهم بِلَا نَكِير (بقول ابْن سِيرِين لَا نَأْخُذ بمراسيل الْحسن وَأبي الْعَالِيَة فَإِنَّهُمَا لَا يباليان عَمَّن أخذا الحَدِيث) يَعْنِي يروون الحَدِيث عَن الثِّقَة وَغَيره (وَهُوَ) أَي عدم مبالاتهما الْمَذْكُور (وَإِن لم يسْتَلْزم) إرسالهما عَن غير ثِقَة (إِذْ اللَّازِم) لدَلِيل الْقَائِل بالمرسل (أَن الإِمَام الْعدْل لَا يُرْسل إِلَّا عَن ثِقَة وَلَا يسْتَلْزم) كَونه لَا يُرْسل إِلَّا عَن ثِقَة (أَن لَا يَأْخُذ إِلَّا عَنهُ) أَي عَن ثِقَة إِذْ فِي الْأَخْذ عَن غير الثِّقَة، وَذكر عِنْد الرِّوَايَة يكون الْعهْدَة على الْمَرْوِيّ عَنهُ بِخِلَاف الْإِرْسَال فَإِن الْعهْدَة فِيهِ على الْمُرْسل، ثمَّ قَوْله: وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره (ناف للْإِجْمَاع) إِذْ لَا إِجْمَاع مَعَ مُخَالفَة ابْن سِيرِين (فَهُوَ) أَي نقل الْإِجْمَاع على قبُوله (خطأ) وَإِن كَانَ مخالفه خطأ لِأَنَّهُ علل بِمَا لَا يصلح

مَانِعا، كَيفَ وَالْعدْل إِن أَخذ من غير ثِقَة فَهُوَ ثِقَة يُبينهُ إِذا روى وَلَا يُرْسل لِأَنَّهُ عثر فِي الدّين وَاحْتج (الْأَكْثَر) لقبوله (بِهَذَا) الْإِجْمَاع، وَقد عرفت مَا فِيهِ (وَبِتَقْدِير تَمَامه) أَي الْإِجْمَاع (لَا يفيدهم) أَي الْأَكْثَرين (تعميما) فِي أَئِمَّة النَّقْل وَغَيرهم، فَإِن الْمَذْكُورين من أَئِمَّة النَّقْل فَلم يجب فِي غَيرهم، وَالْمُدَّعِي قبُول إرْسَال الإِمَام الثِّقَة سَوَاء كَانَ من أَئِمَّة النَّقْل أَولا (و) أَيْضا احْتج الْأَكْثَر (بِأَن رِوَايَة الثِّقَة) الْعدْل عَمَّن أسْقطه (تَوْثِيق لمن أسْقطه) لَا أَنه الظَّاهِر من حَاله فَيقبل كَمَا لَو صرح بالتعديل (وَدفع) هَذَا (بِأَن ظُهُور مُطَابقَة ظن الْجَاهِل) بِحَال السَّاقِط فِي نفس الْأَمر (ثِقَة السَّاقِط مُنْتَفٍ) إِذْ جَهله بِحَالهِ يمْنَع اعْتِبَار توثيقه: يَعْنِي إِنَّمَا يعْتَبر تَوْثِيق الْعدْل إِذا كَانَ من أَئِمَّة النَّقْل لِأَنَّهُ تَوْثِيق من إِمَام عَالم بأحوال الروَاة، وَالظَّاهِر كَونه مطابقا لكَون السَّاقِط ثِقَة فِي الْوَاقِع، وَأما إِذا لم يكن عَالما بهَا فَلَا عِبْرَة بظنه ثِقَة فَانْتفى ظُهُور مُطَابقَة ظَنّه ذَلِك (وَلَعَلَّ التَّفْصِيل) فِي الْمُرْسل بَين كَونه من الْأَئِمَّة فَيقبل وَإِلَّا فَلَا (مُرَاد الْأَكْثَر من الْإِطْلَاق) لقبُول الْمُرْسل (بِشَهَادَة اقْتِصَار دليلهم) للقبول (على الْأَئِمَّة) أَي على ذكر إرسالهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مُرَادهم هَذَا التَّفْصِيل (فبعيد قَوْلهم بتوثيق من لَا يعول على علمه، وَمثله) أَي مثل هَذَا الْإِطْلَاق وَإِرَادَة الْمُفِيد (من أَوَائِل الْأَئِمَّة كثير) فَلَا يكون الْأَكْثَر مذهبا غير الْمفصل (النافون) لقبوله قَالُوا أَولا الْإِرْسَال (يسْتَلْزم جَهَالَة الرَّاوِي) عينا وَصفَة (فَيلْزم) من قبُول الْمُرْسل (الْقبُول مَعَ الشَّك) فِي عَدَالَة الرَّاوِي، إِذْ لَو سُئِلَ هَل هُوَ عدل لجَاز أَن يَقُول لَا كَمَا يجوز أَن يَقُول نعم، كَذَا قَالَ الشَّارِح، وَفِيه مَا فِيهِ (قُلْنَا ذَلِك) أَي الاستلزام الْمَذْكُور (فِي غير أَئِمَّة الشَّأْن) وَأما الْأَئِمَّة فَالظَّاهِر أَنهم لَا يجزمون بقول السَّاقِط إِلَّا بعد علمهمْ بِكَوْنِهِ ثِقَة (قَالُوا) ثَانِيًا فَحَيْثُ يجوز الْعَمَل بالمرسل (فَلَا فَائِدَة للإسناد) فَيلْزم اتِّفَاقهم على ذكره عينا (قُلْنَا) الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة (بل يلْزم الْإِسْنَاد فِي غير الْأَئِمَّة ليقبل) مرويه، لأَنا لَا نقبل مَرْوِيّ غَيرهم إِلَّا بِالْإِسْنَادِ فالفائدة فِي حَقهم قبُول روايتهم (و) الْفَائِدَة (فِي الْأَئِمَّة إِفَادَة مرتبته) أَي الرَّاوِي الْمَنْقُول عَنهُ (للترجيح) عِنْد التَّعَارُض بِأَن يكون أَحدهمَا أفقه وأوثق إِلَى ذَلِك، فَهَذَا فَائِدَة الْإِسْنَاد فِي الْأَئِمَّة (و) الْفَائِدَة الْأُخْرَى (رفع الْخلاف) فِي قبُول الْمُرْسل ورده إِذْ لَا خلاف فِي الْمسند (و) الْفَائِدَة الْأُخْرَى (فحص الْمُجْتَهد بِنَفسِهِ) عَن حَال الرَّاوِي (إِن لم يكن مَشْهُورا) بِالْعَدَالَةِ وَالْأَمَانَة، الضَّمِير فِي لم يكن رَاجع إِلَى الرَّاوِي لَا الْمُرْسل كَمَا زعم الشَّارِح، إِذْ الْمَعْنى حِينَئِذٍ استلزم وَلم يُرْسل لعدم شهرة الْمُرْسل وَعدم شهرته يسْتَلْزم كَونه من غير الْأَئِمَّة، وَقد عرفت عدم قبُول إرْسَال غير الْأَئِمَّة فالإسناد للقبول، وَقَوله (لينال) الْمُجْتَهد (ثَوَابه) أَي الِاجْتِهَاد (ويقوى ظَنّه) بِصِحَّة الْمَرْوِيّ، فَإِن الظَّن الْحَاصِل بفحصه أقوى من الظَّن الْحَاصِل بفحص غَيره يدل على أَن الْإِسْنَاد لنيل الثَّوَاب وَقُوَّة الظَّن فيهمَا تدافع (قَالُوا) ثَالِثا (لَو تمّ) القَوْل بِقبُول الْمُرْسل (قبل

فِي عصرنا) أَيْضا لوُجُود الْعلَّة الْمُوجبَة للقبول من السّلف فِي عدل كل عصر (قُلْنَا نلتزمه) أَي قبُول الْمُرْسل فِي كل عصر (إِذا كَانَ) الْمُرْسل (من الْعُدُول وأئمة الشَّأْن) وَلَا يقبل إِذا لم يكن كَذَلِك. قَالَ (الشَّافِعِي إِن لم يكن) ذَلِك (العاضد) وَهُوَ مَا سبق من الْأُمُور الْخَمْسَة المفاد بقوله إِن عضدنا بِإِسْنَاد أَو إرْسَال إِلَى آخِره (لم يحصل الظَّن، وَهُوَ) أَي عدم حُصُول الظَّن عِنْد انْتِفَاء ذَلِك العاضد (مَمْنُوع بل) الظَّن حَاصِل (دونه) أَي دون ذَلِك العاضد (مِمَّا ذكرنَا) من جزم الْعدْل بنسبته الخ (وَقد شوحح) أَي نُوقِشَ الشَّافِعِي بقوله باعتضاد الْمُرْسل بمرسل آخر أَو بِمُسْنَد (فَقيل ضم غير الْمسند) إِلَى الْمُرْسل (ضم) خبر (غير مَقْبُول إِلَى) خبر (مثله) فِي عدم الْقبُول فَلَا يُفِيد الظَّن لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُتَّهم (فَلَا يُفِيد) الظَّن فَكَذَلِك الْمَجْمُوع (وَفِي) ضم (الْمسند) إِلَى الْمُرْسل (الْعَمَل بِهِ) أَي بالمسند (حِينَئِذٍ) لَا بالمرسل فالظن إِنَّمَا يحصل بالمسند لَا بِغَيْرِهِ (وَدفع الأول) وَهُوَ أَن ضم غير مَقْبُول إِلَى مثله لَا يُفِيد (بِأَن الظَّن قد يحصل عِنْده) أَي عِنْد الضَّم والتركيب مَعَ أَنه لَا يحصل بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا مُنْفَردا (كَمَا يقوى) الظَّن (بِهِ) أَي بِالضَّمِّ (لَو كَانَ حَاصِلا قبله) أَي قبل الضَّم لكَون المنضم إِلَيْهِ مُفِيدا (وَقدمنَا نَحوه فِي تعدد طرق الضَّعِيف) بِغَيْر الْفسق مَعَ الْعَدَالَة (قيل وَالثَّانِي) أَي كَون الْعَمَل بالمسند إِذا انْضَمَّ إِلَى الْمُرْسل (وَارِد) قَائِله ابْن الْحَاجِب (وَالْجَوَاب) عَن الثَّانِي ردا على قَوْله وَارِد (بِأَن الْمسند يبين صِحَة إِسْنَاد) الْمُرْسل الأول فَيحكم لَهُ) أَي للمرسل (مَعَ إرْسَاله) أَي مَعَ كَونه مُرْسلا (بِالصِّحَّةِ) صلَة الحكم، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الصِّحَّة الْمُعْتَبرَة فِي الصَّحِيح عِنْد الْمُحدثين بل الثُّبُوت والاحتجاج بِهِ اتِّفَاقًا ذكره ابْن الصّلاح (وَدفع) هَذَا الْجَواب. قَالَ الشَّارِح دافعه الشَّيْخ سراج الدّين الْهِنْدِيّ (بِأَنَّهُ إِنَّمَا يلْزم) تبين صِحَة الْإِسْنَاد الَّذِي فِيهِ الْإِرْسَال بالمسند (لَو كَانَ) الْإِسْنَاد فِي كليهمَا (وَاحِدًا ليَكُون الْمَذْكُور إِظْهَارًا للساقط وَلم يقصره) الشَّافِعِي: أَي أعضاد الْمُرْسل بالمسند (عَلَيْهِ) أَي على كَون الْإِسْنَاد فِي كليهمَا وَاحِدًا فَيتَنَاوَل مَا إِذا تعذر إسنادهما وَلَا يلْزم من صِحَة الحَدِيث بِإِسْنَاد صِحَّته بِإِسْنَاد آخر، (وَأجِيب أَيْضا بِأَنَّهُ يعْمل بالمرسل وَإِن لم تثبت عَدَالَة رُوَاة الْمسند أَو) يعْمل بالمرسل (بِلَا الْتِفَات إِلَى تعديلهم) أَي رُوَاة الْمسند (بِخِلَاف مَا لَو كَانَ الْعَمَل بِهِ) أَي بالمسند (ابْتِدَاء) فَإِنَّهُ إِنَّمَا يعْمل بِهِ بعد ثُبُوت عَدَالَة رُوَاته (وَاعْلَم أَن عبارَة الشَّافِعِي لم تنص على اشْتِرَاط عدالتهم) أَي رُوَاة الْمسند (وَهِي) أَي عِبَارَته (قَوْله) والمنقطع مُخْتَلف، فَمن شَاهد أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّابِعين فَحدث حَدِيثا مُنْقَطِعًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتبر عَلَيْهِ بِأُمُور مِنْهَا أَن ينظر إِلَى مَا أرسل من الحَدِيث (فَإِن شركه الْحفاظ المأمونون فَأَسْنَدُوهُ) بِمثل معنى مَا روى (كَانَت) هَذِه (دلَالَة) على صِحَة من قيل عَنهُ وَحفظه (وَهَذِه الصّفة)

فِي المخرجين (لَا توجب عِبَارَته ثُبُوتهَا فِي سندهم). قَوْله وَهَذِه الصّفة الخ حَاصله الْفرق بَين المخرجين والرواة، فَإِن المخرجين مثل البُخَارِيّ وَمُسلم، والرواة الَّذين يذكرُونَ فِي السَّنَد أَنه يستنبط من قَول الشَّافِعِي أَن الموصوفين بِالْحِفْظِ وَالْأَمَانَة المخرجون، لِأَن الْإِسْنَاد يُضَاف إِلَيْهِم فِي عرف الْمُحدثين، وَكَون مخرج الحَدِيث حَافِظًا أَمينا لَا يستدعى كَون رِجَالهمْ بذكرهم فِي السَّنَد على هَذَا الْوَصْف، فغاية مَا يلْزم من عبارَة الشَّافِعِي اشْتِرَاط الصّفة الْمَذْكُورَة فِي مخرج مُسْند شَارك الْمُرْسل فِي معنى حَدِيثه لَا فِي رُوَاة حَدِيثه الْمُتَّصِل (وَكَأن الْإِيرَاد) الَّذِي قَرَّرَهُ ابْن الْحَاجِب (بِنَاء على اشْتِرَاط الصِّحَّة) أَي صِحَة السَّنَد فِي الْمسند المعاضد (وَالْجَوَاب حِينَئِذٍ) أَي حِين يشْتَرط فِيهِ الصِّحَّة أَن يُقَال (صيررتهما) أَي الْمسند والمرسل (دَلِيلين) وَإِن لم يكن أَحدهمَا حجَّة بِنَفسِهِ (قد يُفِيد فِي الْمُعَارضَة) بِأَن يرجح بهما عِنْد مُعَارضَة دَلِيل وَاحِد، فَمَعْنَى قَول الشَّافِعِي الْمُرْسل عِنْد الاعتضاد بِهِ أحد اعْتِبَاره للترجيح. وَأما تحسينه إرْسَال ابْن الْمسيب فَفِيهِ قَولَانِ لأَصْحَابه: أَحدهمَا أَن مراسليه فتشت فَوجدت مُسندَة وَالثَّانِي أَنه يرجح بهَا لكَونه من أكَابِر عُلَمَاء التَّابِعين. قَالَ الْخَطِيب: الصَّحِيح عندنَا الثَّانِي فعلى هَذَا لَا يخْتَص بِهِ، بل كل من يكون مثله يكون مرسله ترجح بِهِ (وَاعْلَم أَن من الْمُحَقِّقين) وَهُوَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ (من أدرج) قَول الْمُحدث (عَن رجل فِي حكمه) أَي الْمُرْسل (من الْقبُول عِنْد قَابل الْمُرْسل، وَلَيْسَ) كَذَلِك (فَإِن تصريحه) أَي الْمُحدث (بِهِ) أَي بِمن روى عَنهُ حَال كَونه (مَجْهُولا لَيْسَ كتركه) أَي من روى عَنهُ من حَيْثُ أَنه (يسْتَلْزم توثيقه) هَكَذَا فِي نُسْخَة الشَّارِح. وَفِي نُسْخَة اعتمادي عَلَيْهَا ليستلزم توثيقه وَهَذَا أحسن (نعم يلْزم كَون) قَول الْمُحدث (عَن الثِّقَة تعديلا) بل كَونه فِي حكم الْمُرْسل أولى لتصريحه بالثقة فَقَوله حَدثنِي الْفَقِيه تَعْدِيل فَوق الْإِرْسَال عِنْد من يقبله (بِخِلَافِهِ) أَي قَوْله عَن الثِّقَة (عِنْد من يردهُ) أَي الْمُرْسل فَإِنَّهُ لَا يعتبره (إِلَّا إِن عرفت عَادَته أَي الْقَائِل عَن الثِّقَة (فِيهِ) أَي فِي قَوْله حَدثنِي (الثِّقَة) أَن يكون ذَلِك الشَّخْص ثِقَة فِي نفس الْأَمر فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يقبله من يرد الْمُرْسل (كمالك) أَي كَقَوْلِه حَدثنِي (الثِّقَة عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج ظهر أَن المُرَاد) بالثقة (مخرمَة بن بكير) (و) قَوْله حَدثنِي (الثِّقَة عَن عَمْرو بن شُعَيْب قيل) الثِّقَة (عبد الله بن وهب، وَقيل الزُّهْرِيّ) ذكره ابْن عبد الْبر (واستقرئ مثله) أَي إِطْلَاق الثِّقَة على من هُوَ ثِقَة فِي نفس الْأَمر (للشَّافِعِيّ) ذكره أَبُو الْحُسَيْن السجسْتانِي فِي كتاب فَضَائِل الشَّافِعِي سَمِعت بعض أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ يَقُول إِذا قَالَ الشَّافِعِي فِي كتبه: أخبرنَا الثِّقَة عَن ابْن أبي ذِئْب فَأَيْنَ أبي فديك؟، (وَلَا يخفى أَن رده) أَي عدم قبُول قَوْله حَدثنِي الثِّقَة إِذا لم يعرف عَادَته (يَلِيق بشارط الْبَيَان فِي التَّعْدِيل لَا الْجُمْهُور) الْقَائِلين بِأَن بَيَانه لَيْسَ بِشَرْط فِي حق الْعَالم بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل.

مسئلة

مسئلة (إِذا أكذب الأَصْل) أَي الشَّيْخ (الْفَرْع) أَي الرَّاوِي عَنهُ (بِأَن حكم بِالنَّفْيِ) فَقَالَ مَا رويت هَذَا الحَدِيث لَك أَو كذب عَليّ (سقط ذَلِك الحَدِيث) أَي إِن لم يعلم بِهِ (للْعلم بكذب أَحدهمَا وَلَا معِين) لَهُ، وَهُوَ قَادِح فِي قبُول الحَدِيث (وَبِهَذَا) التَّعْلِيل (سقط اخْتِيَار السَّمْعَانِيّ) ثمَّ السُّبْكِيّ عدم سُقُوطه لاحْتِمَال نِسْيَان الأَصْل لَهُ بعد رِوَايَته للفرع (وَقد نقل الْإِجْمَاع لعدم اعْتِبَاره) أَي ذَلِك الحَدِيث: نَقله الشَّيْخ سراج الدّين الْهِنْدِيّ وَالشَّيْخ قوام الدّين الكاكي. قَالَ الشَّارِح: وَفِيه نظر فَإِن السَّرخسِيّ وفخر الْإِسْلَام وَصَاحب التَّقْوِيم حكوا فِي إِنْكَار الرَّاوِي رِوَايَته مُطلقًا اخْتِلَاف السّلف (وهما) أَي الأَصْل وَالْفرع (على عدالتهما إِذْ لَا يبطل الثَّابِت) أَي الْمُتَيَقن من عدالتهما (بِالشَّكِّ) فِي زَوَالهَا (وَإِن شكّ) الأَصْل (فَلم يحكم بِالنَّفْيِ) بل قَالَ لَا أعرف أَنِّي رويت هَذَا الحَدِيث وَلَا أذكرهُ (فالأكثر) من الْعلمَاء: مِنْهُم مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ على أَن الحَدِيث (حجَّة) أَي يعْمل بِهِ (وَنسب لمُحَمد خلافًا لأبي يُوسُف تخريجا من اخْتِلَافهمَا فِي قَاض تقوم الْبَيِّنَة بِحكمِهِ وَلَا يذكر) ذَلِك القَاضِي حكمه الَّذِي قَامَت الْبَيِّنَة بِهِ (ردهَا) أَي الْبَيِّنَة (أَبُو يُوسُف) فَلَا ينفذ حكمه (وَقبلهَا مُحَمَّد) فَينفذ (وَنسبَة بَعضهم الْقبُول لأبي يُوسُف غلط) لِأَن المسطور فِي الْكتب إِنَّمَا هُوَ الأول (وَلم يذكر فِيهَا) أَي فِي مسئلة القَاضِي الْمُنكر لحكمه (قَول لأبي حنيفَة فضمه مَعَ أبي يُوسُف يحْتَاج إِلَى ثَبت، وعَلى الْمَنْع الْكَرْخِي وَالْقَاضِي أَبُو زيد وفخر الْإِسْلَام وَأحمد فِي رِوَايَة الْقَابِل) للرواية مَعَ الأَصْل قَالَ (الْفَرْع عدل جازم) بالرواية عَن الأَصْل (غير مكذب) لِأَن الْفَرْض شكّ الأَصْل لَا تَكْذِيبه (فَيقبل) لوُجُود الْمُقْتَضى وَعُمُوم الْمَانِع (كموت الأَصْل وجنونه) إِذْ نسيانه لَا يزِيد عَلَيْهِمَا بل دونهمَا قطعا، كَذَا قَالَ الشَّارِح، وَفِيه مَا فِيهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَيفرق) بَينهمَا وَبَينه (بِأَن حجيته) أَي الحَدِيث (بالاتصال بِهِ). وَفِي نُسْخَة مِنْهُ (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبنفي معرفَة الْمَرْوِيّ عَنهُ لَهُ) أَي للمروي (ينتفى) الِاتِّصَال (وَهُوَ) أَي انْتِفَاء الِاتِّصَال (مُنْتَفٍ فِي الْمَوْت) وَالْجُنُون، وَقد يُقَال: لَا نسلم الانتفاء فِي النسْيَان، لِأَن أَخْبَار الْعدْل أثبت وجود الِاتِّصَال وَلَا مكذب لَهُ، وَلَا يشْتَرط فِي الِاتِّصَال دوَام استحضار الرَّاوِي إِيَّاه (وَالِاسْتِدْلَال بِأَن سهيلا بعد أَن قيل لَهُ حدث عَنْك ربيعَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين فَلم يعرفهُ صَار يَقُول: حَدثنِي ربيعَة عني) كَمَا أخرجه أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه وَغَيره (دفع بِأَنَّهُ غير مُسْتَلْزم للمطلوب وَهُوَ وجوب الْعَمَل) بِهِ فَإِن ربيعَة لم ينْقل ذَلِك على طَريقَة إِسْنَاد الحَدِيث وَتَصْحِيح رِوَايَته وَإِنَّمَا

مسئلة

كَانَ يَقُوله على طَريقَة حِكَايَة الْوَاقِعَة (وَلَو سلم) استلزامه لَهُ على رَأْيه (فَرَأى سُهَيْل كَغَيْرِهِ) أَي كرأي غَيره، فَلَا يكون رَأْيه حجَّة على غَيره (وَلَو سلم) كَون رَأْيه حجَّة على غَيره (فعلى الْجَازِم) لصِحَّة هَذَا النَّقْل عَن سُهَيْل (فَقَط) لَا عُمُوم النَّاس (قَالُوا) أَي النافون للْعَمَل بِهِ (قَالَ عمار لعمر: أَتَذكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذْ أَنا وَأَنت فِي سَرِيَّة فأجنبنا فَلم نجد المَاء فَأَما أَنْت فَلم تصل، وَأما أَنا فتمعكت وَصليت، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا يَكْفِيك ضربتان فَلم يقبله عمر) مَعْنَاهُ فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَسنَن أبي دَاوُد، وَإِنَّمَا لم يقبله (إِذْ كَانَ نَاسِيا لَهُ) فَإِنَّهُ لَا يظنّ بِعَمَّار الْكَذِب وَلَا بعمر عدم الْقبُول (ورد بِأَنَّهُ) أَي هَذَا الْمَأْثُور عَن عمار وَعمر (فِي غير مَحل النزاع فَإِن عمارا لم يرو عَن عمر) ذَلِك، بل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ورد) هَذَا الرَّد (بِأَن عدم تذكر غير الْمَرْوِيّ عَنهُ) وَهُوَ عمر هَهُنَا (الْحَادِثَة الْمُشْتَركَة) بَينه وَبَين الرَّاوِي لَهَا (إِذا منع قبُول) الحكم (الْمَبْنِيّ عَلَيْهَا) أَي على رِوَايَة تِلْكَ الْحَادِثَة (فنسيان الْمَرْوِيّ عَنهُ) وَهُوَ الشَّيْخ (أصل رِوَايَته لَهُ أولى) أَن يمْنَع قبُول حكمه من ذَلِك، لِأَن غير الْمَرْوِيّ عَنهُ لَيْسَ أصلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَته بِخِلَاف هَذَا (فَالْوَجْه رده) تَفْرِيع على رد الرَّاوِي، الْوَجْه أَن قَوْله فِي غير مَحل النزاع مَرْدُود لِأَنَّهُ إِذا لزم مِنْهُ مَحل النزاع بطرِيق أولى كَانَ أَدخل فِي الْقَصْد، أَو الْمَعْنى رد مثل هَذَا الحَدِيث الَّذِي أنكرهُ الأَصْل، وأرجع الشَّارِح ضمير رده إِلَى عمر، وَلَا معنى لَهُ (لَكِن لَا يلْزم الرَّاوِي) أَن لَا يعْمل بروايته لِأَن غَايَة مَا يلْزم من الْأَثر الْمَذْكُور أَن عمر لم يقبل مَا رَوَاهُ عمار بِحَسب مَا اقْتَضَاهُ اجْتِهَاده، وَذَلِكَ لَا يسْتَلْزم عدم كَونه مَقْبُولًا عِنْد غَيره (لدَلِيل الْقبُول) أَي لقِيَام دَلِيل قبُوله فِي حَقه حَيْثُ جزم بِصِحَّة هَذِه الْحَادِثَة وَلزِمَ الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ جَوَاز التَّيَمُّم لمن ابتلى بِمثل تِلْكَ الْحَادِثَة فِيمَا نَحن فِيهِ (وَأما) قَول النافين للْعَمَل بِهِ (لم يصدقهُ) أَي الأَصْل الْفَرْع (فَلَا يعْمل بِهِ كشاهد الْفَرْع عِنْد نِسْيَان الأَصْل) بِجَامِع الفرعية وَالنِّسْيَان (فَيدْفَع بِأَنَّهَا) أَي الشَّهَادَة (أضيق) من الرِّوَايَة، وَلذَا اشْترطت بشرائط لم تشْتَرط فِي الرِّوَايَة، وَقد مر غير مرّة (و) شَهَادَة الْفَرْع (متوقفة على تحميل الأَصْل) الْفَرْع لَهَا فَتبْطل شَهَادَة الْفَرْع (بإنكاره) أَي الأَصْل الشَّهَادَة (بِخِلَاف الرِّوَايَة) فَإِنَّهَا مَبْنِيَّة على السماع دون التحميل وَهَذَا إِنَّمَا يتم عِنْد من شَرط التحميل فِي شَهَادَة الْفَرْع كالحنفية وَأما من لم يَشْتَرِطه كالشافعية فَلَا يتم عِنْده. مسئلة (إِذا انْفَرد الثِّقَة) من بَين ثقاة رووا حَدِيثا (بِزِيَادَة) على ذَلِك الحَدِيث (وَعلم اتِّحَاد الْمجْلس

بِسَمَاعِهِ وسماعهم ذَلِك الحَدِيث (وَمن مَعَه) أَي الثِّقَة الْمَذْكُور فِي ذَلِك الْمجْلس (لَا يغْفل مثلهم عَن مثلهَا) أَي تِلْكَ الزِّيَادَة (عَادَة لم تقبل) تِلْكَ الزِّيَادَة (لِأَن غلطه) أَي الْمُنْفَرد بهَا (وهم) أَي وَالْحَال أَن من مَعَه (كَذَلِك) أَي لَا يغْفل مثلهم عَن مثلهَا (أظهر الظاهرين) من غلطه وغلطهم، لِأَن احْتِمَال تطرق الْغَلَط إِلَيْهِ أولى من احْتِمَال تطرقه إِلَيْهِم، وَيحْتَمل أَنه سَمعهَا من الْمَرْوِيّ عَنهُ والتبس عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن كَانَ مثلهم يغْفل عَن مثلهَا (فالجمهور) من الْفُقَهَاء والمحدثين والمتكلمين (وَهُوَ الْمُخْتَار) تقبل تِلْكَ الزِّيَادَة، وَعَن أَحْمد فِي رِوَايَة بعض الْمُحدثين لَا (تقبل لنا) أَن راويها (ثِقَة جازم) بروايتها (فَوَجَبَ قبُوله) كَمَا لَو انْفَرد بِرِوَايَة حَدِيث، (قَالُوا) أَي نافو قبُولهَا راويها (ظَاهر الْوَهم لنفي المشاركين) لَهُ فِي السماع والمجلس (المتوجهين لما توجه لَهُ) (قُلْنَا إِن كَانُوا) أَي نافوها (من تقدم) أَي من لَا يغْفل مثلهم عَن مثلهَا عَادَة (فَمُسلم) كَونه ظَاهر الْوَهم فَلَا يقبل، وَلَكِن لَيْسَ هَذَا مَحل النزاع (وَإِلَّا) بِأَن كَانُوا غير من تقدم (فاظهر مِنْهُ) أَي من كَونه ظَاهر الْوَهم (عَدمه) أَي عدم كَونه ظَاهر الْوَهم (لِأَن سَهْو الْإِنْسَان فِي أَنه سمع وَلم يسمع) فِي نفس الْأَمر (بعيد) جدا وغفلة جمع مثلهم يغفلون لَيست بِتِلْكَ المثابة فِي الْبعد (بِخِلَاف مَا تقدم) من الشق الأول من كَونهم (إِذا كَانُوا من تبعد الْعَادة غفلتهم عَنهُ) فَإِن الْغَفْلَة من مثلهم أبعد من سَهْو ذَلِك الْمُنْفَرد فِي أَنه سمع وَلم يسمع (فقد علمت أَن حَقِيقَة الْوَجْهَيْنِ) بعد غَفلَة الْمُنْفَرد وَبعد غَفلَة من مَعَه فِي الْمجْلس فِي الشقين (ظاهران تَعَارضا فرجح) فِي الأول أَحدهمَا، وَفِي الثَّانِي الآخر لما عرفت (فَإِن تعدد الْمجْلس أَو جهل) تعدده (قبلت) الزِّيَادَة اتِّفَاقًا) لاحْتِمَال وُقُوع الزِّيَادَة فِي مجْلِس الِانْفِرَاد على التَّقْدِير (والإسناد مَعَ الْإِرْسَال زِيَادَة، وَكَذَا الرّفْع) لحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَعَ الْوَقْف) بِأَن وَقفه ثِقَة على الصَّحَابِيّ ثمَّ رَفعه آخر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالرفع أَيْضا حِينَئِذٍ يكون زِيَادَة (والوصل) لَهُ بِذكر الوسائط الَّتِي بَينه وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ثِقَة (مَعَ الْقطع) لَهُ ترك بَعْضهَا من ثِقَة أَيْضا زِيَادَة فيتأتى فِي كل مِنْهَا مَا يَتَأَتَّى فِي الزِّيَادَة من الحكم (خلافًا لمقدم الأحفظ) بِكَسْر الدَّال سَوَاء كَانَ هُوَ الْمُرْسل أَو الْمسند أَو الرافع أَو الْوَاقِف أَو الْوَاصِل أَو الْقَاطِع كَمَا هُوَ قَول بَعضهم (أَو الْأَكْثَر) كَذَلِك كَمَا هُوَ قَول بعض الْمُتَأَخِّرين (فَإِن قيل الْإِرْسَال وَالْقطع كالجرح فِي الحَدِيث) فَيَنْبَغِي أَن يقدما على الْإِسْنَاد والوصل كَمَا يقدم الْجرْح على التَّعْدِيل، (أُجِيب بِأَن تَقْدِيمه) أَي الْجرْح (لزِيَادَة الْعلم) فِي الْجرْح (لَا لذاته) أَي الْجرْح (وَذَلِكَ) أَي مزِيد الْعلم (فِي الْإِسْنَاد فَيقدم) على غَيره (وَهَذَا الْإِطْلَاق) عَن قيد عدم مُعَارضَة الأَصْل وَتعذر الْجمع لقبُول الزِّيَادَة المفاد بقوله: فالجمهور، وَقَوله فَإِن تعذر الْمجْلس (يُوجب قبُولهَا) أَي الزِّيَادَة سَوَاء كَانَت (من راو) وَاحِد (أَو أَكثر) من وَاحِد، الْمُتَبَادر من السِّيَاق أَن الْكَلَام فِي

زِيَادَة انْفَرد بهَا الرَّاوِي من بَين الثِّقَات فَقَوله: أَو أَكثر بِاعْتِبَار اقْتِضَاء عِلّة الْقبُول التَّعْمِيم وَيحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله: من راو وَاحِد أَو أَكثر أَن يكون مَجْمُوع الأَصْل وَالزِّيَادَة من شخص وَاحِد أَو أَكثر (وَإِن عارضت) الزِّيَادَة (الأَصْل وَتعذر الْجمع) بَينهمَا بِأَن تكون تِلْكَ الزِّيَادَة مُغيرَة لما يدل عَلَيْهِ الأَصْل (وَهَذَا) معنى (مَا قيل غيرت الحكم) الثَّابِت بِالْأَصْلِ (أم لَا وَنقل فِيهِ) أَي هَذَا القَوْل (إِجْمَاع) أهل (الحَدِيث) ذكره ابْن طَاهِر (وَقيل فِي الْكتب الْمَشْهُورَة الْمَنْع). قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَفِي الْكتب الْمَشْهُورَة أَنه إِن تعذر الْجمع بَين قبُول الزِّيَادَة وَالْأَصْل لم يقبل وَإِن لم يتَعَذَّر فَإِن تعدد الْمجْلس قبلت، وَإِن اتَّحد فَإِن كَانَت مَرَّات رِوَايَته للزِّيَادَة أقل لم يقبل إِلَّا أَن يَقُول سَهَوْت فِي تِلْكَ المرات وَإِن لم تكن أقل قبلت (وَهُوَ) أَي منع قبُول الزِّيَادَة الْمُعَارضَة مُطلقًا سَوَاء كَانَت من وَاحِد أَو أَكثر (مُقْتَضى حكم) أهل (الحَدِيث بِعَدَمِ قبُول الشاذ الْمُخَالف) لما رَوَاهُ الثِّقَات وَأَن رَاوِيه ثِقَة (بل أولى إِذْ مثلوه) أَي للشاذ الْمُخَالف (بِرِوَايَة الثِّقَة) وَهُوَ همام بن يحيى احْتج بِهِ أهل الحَدِيث (عَن ابْن جريج أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه) رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن (وَمن سواهُ) أَي الثِّقَة الْمَذْكُور إِنَّمَا روى (عَنهُ) أَي عَن جريج أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اتخذ خَاتمًا من ورق ثمَّ أَلْقَاهُ) كَمَا ذكره أَبُو دَاوُد. قَالَ وَالوهم فِيهِ من همام وَلم يروه الإهمام، وَهُوَ متعقب بِأَن يحيى بن المتَوَكل الْبَصْرِيّ رَوَاهُ عَن ابْن جريج أَيْضا كَمَا أخرجه الْحَاكِم، وَلَيْسَ مَرْوِيّ الثِّقَة الْمَذْكُور بمعارض رِوَايَة غَيره. وَفِي نُسْخَة (مَعَ كَونه لم يُعَارض) لجَوَاز كَون قَوْله كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء إِلَى آخِره حِكَايَة مُدَّة كَانَت قبل الْإِلْقَاء، فَإِذا حكمُوا قبل بِعَدَمِ قبُول رِوَايَة الثِّقَة عَن ابْن جريج مَعَ كَونه غير معَارض لما رَوَاهُ الثِّقَات فَأولى أَن يرووا الزِّيَادَة الْمُعَارضَة لما رَوَاهُ الثِّقَات (وَإِن لم يتَعَذَّر) الْجمع (مَعَ جهل الِاتِّحَاد) للمجلس: أَي وَمَعَ وحدة الرَّاوِي (ومرات رِوَايَتهَا) أَي الزِّيَادَة (لَيست أقل من تَركهَا قبلت، وَإِلَّا لم تقبل إِلَّا أَن يَقُول سَهَوْت فِي مَرَّات الْحَذف، وَالْمَعْرُوف أَنه مَذْهَب فِي قبُولهَا) أَي الزِّيَادَة (مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَت مُخَالفَة أَولا (من) الرَّاوِي (الْوَاحِد) ذكر الشَّارِح فِي تَفْسِير ضمير أَنه: أَي هَذَا، وَلَا يفهم من هَذَا إِلَّا القَوْل الْأَخير، وَمَا يُسْتَفَاد من قَوْله وَإِن لم يتَعَذَّر إِلَى آخِره وَلَا يصلح شَيْء مِنْهُمَا: أما الأول فَظَاهر، لأم محصوله الْمَنْع لَا الْقبُول مُطلقًا، وَأما الثَّانِي فَهُوَ أحد شقي قَول لإتمامه وَلَيْسَ فِيهِ الْقبُول الْمُطلق لزِيَادَة راو وَاحِد كَمَا لَا يخفى، والتأويل الْبعيد لَا يرتضيه الطَّبْع السَّلِيم، فَالْوَجْه أَنه رَاجع إِلَى إِفَادَة بقوله، وَهَذَا الْإِطْلَاق يُوجب قبُولهَا من راو أَو أَكثر وَمَا بَينهمَا جمل مُعْتَرضَة فَذكر هُنَاكَ مقتضي الدَّلِيل وَهَهُنَا مَا هُوَ الْمَعْرُوف من اخْتِصَاص الْقبُول بِمَا إِذا كَانَ من راو وَاحِد (لَا بِقَيْد) إِطْلَاق قبُولهَا (مخالفتها) أَي الزِّيَادَة

الأَصْل (ثمَّ مُوجب الدَّلِيل السَّابِق) وَهُوَ قَوْلنَا ثِقَة جازم (وَالْإِطْلَاق) الْمَذْكُور فِي نقل مَذْهَب الْجُمْهُور (قبُول) الزِّيَادَة (الْمُعَارضَة) مُطلقًا وَإِن تعذر الْجمع (أَي يسْلك التَّرْجِيح) تَفْسِير لما طوى ذكره لظُهُوره، يَعْنِي أَن تَقْدِيم أحد المعارضيين فِي بَاب الْمُعَارضَة بِشَيْء من المرجحات الْمَعْرُوفَة طَريقَة مسلوكة متعقبة أرادتها وَإِن لم يذكر (وَمِنْه) أَي من الْمَزِيد الْمعَارض أَو من هَذَا الْقَبِيل الزِّيَادَة (الْمُوجبَة نقصا مثل: وتربتها طهُورا) على مَا ظن بعد قَوْله وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا يدل على أَن قَوْله وَطهُورًا، فَإِن زِيَادَة تربَتهَا تنقص بِإِخْرَاج مَا عدا التُّرَاب مِمَّا يَشْمَلهُ جعلت لي الأَرْض طهُورا، وَإِنَّمَا قَالَ على مَا ظن لِأَن إِخْرَاج مَا عداهُ بِاعْتِبَار مَفْهُوم الْمُخَالفَة وَهُوَ غير مُعْتَبر عندنَا (والشاذ الْمَمْنُوع) أَي الْمَرْدُود هُوَ (الأول) أَي مَا انْفَرد بِالزِّيَادَةِ الكائنة فِي مجْلِس مُتحد لَهُ، وَيجمع فِي (مَا لَا يغْفل مثلهم) فِيهِ (عَنهُ) أَي عَن ذَلِك الْمَزِيد (وَعَلِيهِ) أَي قبُول الزِّيَادَة الْمُعَارضَة (جعل الْحَنَفِيَّة إِيَّاه) أَي مَجْمُوع الْمَزِيد وَالْأَصْل حَال كَونهمَا (من اثْنَيْنِ خبرين) مفعول ثَان للجعل (كنهيه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَن بيع الطَّعَام قبل الْقَبْض) كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا بِلَفْظ " من ابْتَاعَ طَعَاما فَلم يَبِعْهُ حَتَّى يقبضهُ ". (وَقَوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لعتاب بن أسيد) لما بَعثه إِلَى أهل مَكَّة (انههم عَن بيع مَا لم يقبضوا) رَوَاهُ أَبُو حنيفَة بِلَفْظ " مَا لم يقبض ". وَفِي سَنَده من لم يسم (أجروا) أَي الْحَنَفِيَّة (الْمُعَارضَة) بَينهمَا فَإِن قلت: فهم لَا يعتبرون مَفْهُوم الْمُخَالفَة فَلَا مُعَارضَة قلت مَعْنَاهُ: لَا يعتبرونه مدلولا للفظ، وَهُوَ لَا يُنَافِي اعْتِبَاره بِالْقَرِينَةِ (ورجحوا) مَا لعتاب فان فِيهِ (زِيَادَة الْعُمُوم) لتنَاوله الطَّعَام وَغَيره لَكِن أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لم يعملا بِهِ فِي حق الْعقار لكَون النَّص معلولا بغرر الِانْفِسَاخ بِالْهَلَاكِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعقار، لِأَن هَلَاكه نَادِر، والنادر لَا عِبْرَة بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا جَانب الْعُمُوم، وَلم يَقُولُوا: إِن المُرَاد من الْعُمُوم هَذَا الْخُصُوص (إِذْ لَا يحملون الْمُطلق على الْمُقَيد) فِي مثله على مَا مر فِي مبحثه (وَالْوَجْه فِيهِ) أَي فِي حَدِيث النَّهْي عَن بيع مَا لم يقبض، وَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِيهِ (وَفِي تربَتهَا تعين الْعَام) وَهُوَ النَّهْي عَن بيع مَا لم يقبض وطهورية الأَرْض لإجراء الْمُعَارضَة ثمَّ التَّرْجِيح بِالْعُمُومِ لما سَيَأْتِي (وَيلْزم الشَّافِعِيَّة مثله) أَي تعْيين الْعَام وَعدم إِجْرَاء الْمُعَارضَة وَالتَّرْجِيح (لِأَنَّهُ) أَي مثل هَذِه الصُّورَة (من قبيل أَفْرَاد فَرد من الْعَام) كالطعام بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأَرْض بِحكم الْعَام لَا بِحكم مُخَالف لحكمه (وَمن الْوَاحِد) مَعْطُوف على قَوْله اثْنَيْنِ: أَي وَجعل الْحَنَفِيَّة الزِّيَادَة وَالْأَصْل بِدُونِهَا إِذا كَانَ راويهما (وَاحِدًا) خَبرا (وَلزِمَ اعْتِبَارهَا) أَي الزِّيَادَة مُرَاده فِي الأَصْل (كَابْن مَسْعُود) كَمَا فِي رِوَايَة عَن ابْن مَسْعُود سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (إِذْ اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ) وَلم يكن لَهما بَيِّنَة

مسئلة

(والسلعة قَائِمَة) فَالْقَوْل مَا قَالَ البَائِع أَو يترادان (وَفِي أُخْرَى) عَنهُ (لم تذكر) السّلْعَة، رَوَاهُمَا أَبُو حنيفَة لَكِن بِلَفْظ البيعان، والْحَدِيث فِي السّنَن غَيرهَا وَهُوَ بِمَجْمُوع طرقه حسن يحْتَج بِهِ، لَكِن فِي لَفظه اخْتِلَاف ذكره ابْن عبد الْهَادِي (فقيدوا) أَي الْحَنَفِيَّة إِطْلَاق حكم الْأُخْرَى الَّتِي لم تذكر فِيهَا من التخالف والتراد (بهَا) أَي بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَة وَهِي السّلْعَة قَائِمَة (حملا على حذفهَا فِي الْأُخْرَى نِسْيَانا بِلَا ذَلِك التَّفْصِيل) السَّابِق، وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ مَرَّات تِلْكَ الزِّيَادَة أقل من مَرَّات رِوَايَتهَا أَو مثلهَا قبلت، وَإِلَّا لَا تقبل إِلَّا أَن يَقُول: سَهَوْت فِي مَرَّات الْحَذف (وَهُوَ) أَي قَوْلهم هَذَا هُوَ (الْوَجْه) لِأَن عَدَالَته وَثِيقَة دَالَّة على كَون الْحَذف على سَبِيل السَّهْو، وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يعبر عَنهُ بِلِسَانِهِ صَرِيحًا (فَلَيْسَ) هَذَا مِنْهُم (من حمل الْمُطلق) على الْمُقَيد بل من بَاب الْحَذف نِسْيَانا. مسئلة (خبر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى: أَي يحْتَاج الْكل إِلَيْهِ حَاجَة متأكدة مَعَ كَثْرَة تكرره لَا يثبت بِهِ وجوب دون اشتهار أَو تلقي الْأمة بِالْقبُولِ) لَهُ: أَي مُقَابلَته بِالتَّسْلِيمِ وَالْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ (عِنْد عَامَّة الْحَنَفِيَّة مِنْهُم الْكَرْخِي) كَأَنَّهُ رد لما يتَوَهَّم من كَلَام بَعضهم من اخْتِصَاص هَذَا الْجَواب بالكرخي فَلَا يتَّجه مَا ذكره الشَّارِح من أَنه لَا فَائِدَة لقَوْله مِنْهُم الْكَرْخِي لاندراجه فِي عامتهم (كَخَبَر مس الذّكر) أَي من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ: روته بسرة بنت صَفْوَان كَمَا أخرجه أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ أَحْمد وَغَيره، فَإِن نواقض الْوضُوء يحْتَاج إِلَى مَعْرفَتهَا الْخَاص وَالْعَام وَهَذَا السَّبَب كثير التّكْرَار وَلم يشْتَهر وَلم يتلقه الْأمة بِالْقبُولِ، قَالَ السَّرخسِيّ: القَوْل بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خصها بتعليم هَذَا الحكم مَعَ أَنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَلم يعلم سَائِر الصَّحَابَة مَعَ حَاجتهم إِلَيْهِ شبه الْمحَال انْتهى، وَلما كَانَ هُنَا مَظَنَّة سُؤال وَهُوَ أَنكُمْ قبلتم مثله فِي غسل الْيَدَيْنِ قبل إدخالهما فِي الْإِنَاء عِنْد الشُّرُوع فِي الْوضُوء وَفِي رفع الْيَدَيْنِ عِنْد إِرَادَة الشُّرُوع فِي الصَّلَاة مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى. قَالَ (وَلَيْسَ غسل الْيَدَيْنِ ورفعهما مِنْهُ) أَي من الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى على الْوَجْه الْمَذْكُور، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ لَا وجوب) يَعْنِي أَنا لَا نثبت بِكُل مِنْهُمَا وجوبا بل استئنافا لذَلِك فَلَا يضر قبولنا إِيَّاه فِيهِ (كالتسمية فِي قِرَاءَة الصَّلَاة) فَإِن أثبتناها بِمَا عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة وعدها. أخرجه ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم (وَالْأَكْثَر) من الْأُصُولِيِّينَ والمحدثين (يقبل) خبر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى إِذا صَحَّ إِسْنَاده (دونهمَا) أَي بِلَا اشْتِرَاط اشتهاره وَلَا تلقى الْأمة لَهُ بِالْقبُولِ (لنا لِأَن الْعَادة قاضية بتنقيب

المتدينين) أَي بحثهم (عَن أَحْكَام مَا) أَي عمل (اشتدت حَاجتهم إِلَيْهِ لِكَثْرَة تكرره) لَهُم نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف قَوْله واشتداد الْحَاجة بِالْوُجُوب (و) إِن الْعَادة قاضية (بإلقائه) أَي مَا اشتدت الْحَاجة إِلَيْهِ (إِلَى الْكثير) مِنْهُم (دون تَخْصِيص الْوَاحِد والاثنين، وَيلْزمهُ) أَي الْإِلْقَاء إِلَى الْكثير (شهرة الرِّوَايَة وَالْقَبُول وَعدم الْخلاف) فِيهِ (إِذا روى فَعدم أَحدهمَا) أَي الشُّهْرَة وَالْقَبُول (دَلِيل الْخَطَأ) أَي خطأ ناقله (أَو النّسخ فَلَا يقبل) اعْترض الشَّارِح بِأَن الْوَجْه أَن يَقُول: وَيلْزمهُ شهرة الرِّوَايَة وَالْقَبُول كَمَا قَالَ دون اشتهار وتلقى الْأمة انْتهى يَعْنِي أَنه قَالَ فِي صدر المسئلة: لَا يثبت بِهِ وجوب دون اشتهار أَو تلقي الْأمة بِكَلِمَة أَو وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَن يَقُول هَهُنَا أَيْضا كَذَلِك، وَقد غَيرهَا بِالْوَاو وَلم يدر أَن لثُبُوت الْوُجُوب بِخَبَر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى إِذا كَانَ لَهُ لَا زمَان لَا يفارقانه، فالعلم بتحقق الْمَلْزُوم يتَحَقَّق بِالْعلمِ بِأحد لازميه من غير أَن يتَعَلَّق الْعلم بهما جَمِيعًا، وَعدم الْعلم باللازم الآخر لَا يسْتَلْزم مفارفته عَن الْمَلْزُوم: وَهَذَا إِذا علم انْتِفَاء أَحدهمَا فِي نفس الْأَمر علم انْتِفَاء الْمَلْزُوم فِي نفس الْأَمر لفرض مساواتهما إِيَّاه، وَعدم الْعلم بِانْتِفَاء الآخر لَا يستلزمه فِي نفس الْأَمر، فَذكر الْوَاو فِي قَوْله وَيلْزمهُ إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى لُزُوم كل مِنْهُمَا، وَكلمَة أَو إِشَارَة إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ وَالله أعلم. (وَاسْتدلَّ) للمختار بمزيف، وَهُوَ (الْعَادة قاضية بنقله) أَي بِنَقْل مَا تعم بِهِ الْبلوى نقلا (متواترا) لتوفر الدعاوي على نَقله لذَلِك، وَلما لم يتواتر علم كذبه (ورد) هَذَا (بِالْمَنْعِ) أَي منع قَضَاء الْعَادة بتواتره (إِذْ اللَّازِم) لكَونه تعم بِهِ الْبلوى إِنَّمَا هُوَ (علمه) أَي الْخلاف الْكثير (لَا رِوَايَته) أَي الحكم لَهُم (إِلَّا عِنْد الاستفسار) عَنهُ (أَو يَكْتَفِي بِرِوَايَة الْبَعْض مَعَ تَقْرِير الآخرين قَالُوا) أَي الْأَكْثَرُونَ (قبلته) أَي خبر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى (الْأمة فِي تفاصيل الصَّلَاة وقبلتموه فِي مقدماتها كالفصد) أَي الْوضُوء مِنْهُ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام " الْوضُوء من كل دم سَائل ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عدي (والقهقهة) أَي وَالْوُضُوء مِنْهَا إِذا كَانَت فِي صَلَاة مُطلقَة بِمَا تقدم فِي مسئلة عمل الصَّحَابِيّ بِرِوَايَة الْمُشْتَرك من طَرِيق أبي حنيفَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " من قهقه مِنْكُم فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة " (وَقيل فِيهِ) أَي فِي حكم مَا تعم بِهِ الْبلوى (الْقيَاس) أَي الْعَمَل بِهِ (وَهُوَ) أَي الْقيَاس (دونه) أَي خبر الْوَاحِد كَمَا سَيَأْتِي، فخبر الْوَاحِد أولى بِالْقبُولِ (قُلْنَا التفاصيل إِن كَانَت رفع الْيَدَيْنِ وَالتَّسْمِيَة والجهر بهَا وَنَحْوه من السّنَن) كوضع الْيَمين على الشمَال تَحت السُّرَّة وإخفاء التَّأْمِين (فَلَيْسَ) إِثْبَات ذَلِك (مَحل النزاع) إِذْ النزاع فِي إِثْبَات الْوُجُوب بِهِ (أَو) كَانَت (الْأَركان الإجماعية) من الْقيام وَالْقِرَاءَة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود

(فبقاطع) أَي فأثبتناه بِدَلِيل قَطْعِيّ من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع (أَو) كَانَت الْأَركان (الخلافية كَخَبَر الْفَاتِحَة) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب ". (فَأَما اشْتهر أَو تلقى) بِالْقبُولِ (فَقُلْنَا بِمُقْتَضَاهُ من الْوُجُوب) لَا الْفَرْض (أَو) التَّفْصِيل الصلاتي الَّذِي أثبت بِخَبَر الْوَاحِد (لَيْسَ مِنْهُ) أَي مَا تعم بِهِ الْبلوى (إِذْ هُوَ) أَي مَا تعم بِهِ الْبلوى (فعل أَو حَال يكثر تكرره للْكُلّ) حَال كَونه (سَببا للْوُجُوب) كالبول والمس وَالنَّوْم، فَإِنَّهُ يكثر تكررها، بِخِلَاف التقاء الختانين لعدم كَثْرَة وُقُوعه (فَيعلم) الْوُجُوب عَلَيْهِم (لقَضَاء الْعَادة بالاستعلام) فِي مثل ذَلِك (أَو بِلُزُوم كثرته) مَعْطُوف على الاستعلام: أَي لقَضَاء الْعَادة بِلُزُوم كَثْرَة الْإِعْلَام فِي مثله (للشَّرْع) لبَيَان مشروعيته على سَبِيل الْوُجُوب (قطعا) لشدَّة الْحَاجة إِلَيْهِ (كمطلق الْقِرَاءَة) فِي الصَّلَاة، و (حِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ الْأَمر على هَذَا التَّفْصِيل (ظهر أَن لَيْسَ مِنْهُ) أَي مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى (نَحْو الفصد) فَإِنَّهُ لَا يكثر للمتوضئين (والقهقهة) فِي الصَّلَاة فَإِنَّهَا فِي غَايَة الندرة (فَلَا يتَّجه إيجابهم) أَي الْحَنَفِيَّة (السُّورَة) مَعَ الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة (مَعَ الْخلاف) فِي قبُول حَدِيثهَا وَعدم اشتهاره، بل وَفِي صِحَّته أَيْضا مَعَ أَنَّهَا مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى هَكَذَا ذكره الشَّارِح وَلم يتَقَيَّد بارتباط الْكَلَام، وَوجه تَفْرِيع عدم اتحاده إيجابهم السُّورَة على مَا قبله، وَبِأَن الحَدِيث وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِالْحَمْد وَسورَة فِي الْفَرِيضَة وَغَيرهَا إِذا كَانَ مُخْتَلفا فِي قبُوله وَصِحَّته كَيفَ يكون هَذَا الِاخْتِلَاف منشأ لعدم الِاعْتِرَاض على الْحَنَفِيَّة، وَقد أثبتوا الْوَاجِب بِخَبَر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى مَعَ كَثْرَة التّكْرَار للْكُلّ وَالصَّوَاب أَن يُقَال أَنه تَفْرِيع على اعْتِبَار تكْثر التكرر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكل سَببا للْوُجُوب بِأَن يكون وجود ذَلِك التّكْرَار عِلّة لوُجُوب أَمر عَلَيْهِم كوجوب الْوضُوء فِيمَا ذكر آنِفا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تشتد الْحَاجة إِلَى الاستعلام، وَأَن المُرَاد بِالْخِلَافِ كَون وجوب السُّورَة مُخْتَلفا فِيهِ بِمُوجب الْأَدِلَّة، فتكرر السُّورَة لَيْسَ سَببا لوُجُوب أَمر حَتَّى يدْخل فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى، على أَن وجوب نَفسه أَيْضا مُخْتَلف فِيهِ، فَمن لم يقل بِوُجُوبِهِ وَهُوَ الْأَكْثَر يحمل الحَدِيث على تَقْدِير صِحَّته على نفي الْكَمَال، فَلَيْسَ هُنَاكَ شدَّة احْتِيَاج تحيل الْعَادة شيوع الاستعلام، فَلَيْسَ مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى وَالله أعلم. (وَلُزُوم الْقيَاس) أَي وَلُزُوم خبر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى علينا بِسَبَب قبُول الْأمة الْقيَاس، وَفِيه على مَا قَالَه الْأَكْثَرُونَ (مُتَوَقف على لُزُوم الْقطع بِحكم مَا تعم بِهِ) الْبلوى كَانَ إلزامكم علينا بِاعْتِبَار الْقيَاس متجها لِأَن الْخَبَر الْمَذْكُور أَعلَى رُتْبَة من الْقيَاس (و) لَكنا (لَا نقُول بِهِ) أَي بِلُزُوم الْقطع بِهِ (بل بِالظَّنِّ) أَي بل نقُول بِلُزُوم الظَّن بِحكمِهِ (وَعدم قبُول مَا لم يشْتَهر) من أَخْبَار الْآحَاد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى (أَو) لم (يقبلوه) أَي لم تتلقه الْأمة بِالْقبُولِ (لانتفائه) أَي الظَّن لما

مسئلة

بَيناهُ (بِخِلَاف الْقيَاس) لِأَن الْمَانِع من إِفَادَة الظَّن فِي خبر الْوَاحِد كَون اخْتِصَاص فَرد معِين بمامسته شدَّة حَاجَة الْكل إِلَيْهِ يُوجب اتهامه فَلَا يُفِيد خَبره الظَّن، وَمثل هَذَا الْمَانِع لم يتَحَقَّق فِي الْقيَاس (وَيُمكن منع ثُبُوته) أَي حكم مَا تعم بِهِ الْبلوى (بِالْقِيَاسِ لاقْتِضَاء الدَّلِيل) وَهُوَ قَضَاء الْعَادة بالاستعلام أَو كَثْرَة إِعْلَام الشَّارِع بِهِ (سبق مَعْرفَته) أَي حكم مَا تعم بِهِ الْبلوى (على تَصْوِير الْمُجْتَهد إِيَّاه) أَي الْقيَاس فَيثبت الحكم بِتِلْكَ الْمعرفَة السَّابِقَة قبل التَّصْوِير الْمَذْكُور. مسئلة (إِذا انْفَرد) مخبر (بِمَا شَاركهُ) بِهِ (بالإحساس بِهِ خلق) كثير (مِمَّا تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله) دينيا كَانَ أَو غَيره (يقطع بكذبه خلافًا للشيعة لنا الْعَادة قاضية بِهِ) أَي بكذبه، لِأَن الطباع مجبولة على نَقله، وَالْعَادَة تحيل كِتْمَانه مَعَ توفر الدَّوَاعِي لإظهاره من مصَالح الْعباد وَصَلَاح الْبِلَاد إِلَى غير ذَلِك (قَالُوا) أَي الشِّيعَة (الْحَوَامِل على التّرْك) لنقله (كَثِيرَة) من مصلحَة بِالْجَمِيعِ فِي أُمُور الْولَايَة وَإِصْلَاح الْمَعيشَة، أَو خوف وَرَهْبَة من عَدو غَالب، أَو ملك قاهر إِلَى غير ذَلِك (وَلَا طَرِيق إِلَى علم عدمهَا) أَي الْحَوَامِل لعدم إِمْكَان ضَبطهَا (وَمَعَ احتمالها) إِي الْحَوَامِل لترك النواقل (لَيْسَ السُّكُوت) من المشاركين لَهُ (قَاطعا فِي كذبه، وَلذَا) أَي جَوَاز انْفِرَاد الْبَعْض مَعَ كِتْمَانه الْبَاقِي فِي مثله (لم ينْقل النَّصَارَى كَلَام عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي المهد) مَعَ توفر الدَّوَاعِي على نَقله (وَنقل اشتقاق الْقَمَر، وتسبيح الْحَصَى وَالطَّعَام، وحنين الْجذع، وسعي الشَّجَرَة، وَتَسْلِيم الْحجر والغزالة) للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (آحادا) مَعَ توفر الدَّوَاعِي على نقلهَا (أُجِيب بإحالة الْعَادة وشمول حَامِل) على الكتمان (للْكُلّ) كَمَا تحيل اتِّفَاقهم فِي دَاع لأكل طَعَام وَاحِد فِي وَقت وَاحِد (وَالظَّاهِر عدم) شُمُول حَامِل على الكتمان للْكُلّ كَمَا تحيل عدم (حُضُور عِيسَى) وَقت كَلَامه فِي المهد (إِلَّا الْآحَاد) من الْأَهْل وَالَّذين أَتَت بِهِ تحمل إِلَيْهِم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن حَضَره جم غفير (وَجب الْقطع بتواتره وَإِن انْقَطع) التَّوَاتُر (لحامل المبدلين) لدينِهِ (على إخفاء مَا تكلم بِهِ) وَهُوَ قَوْله أَنِّي عبد الله فَإِنَّهُ حملهمْ على الْإخْفَاء ادعاؤهم أَنه إِلَه وَأَنه ابْن (وَهُوَ) أَي حُضُور الجم الْغَفِير إِيَّاه مَعَ عدم نَقله متواترا و (إِن جَازَ) عقلا (فخلاف الظَّاهِر) فَلَا يقْدَح فِي الْقطع العادي (وَمَا ذكر) مِمَّا تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله من المعجزات الْمَذْكُورَة (حَضَره الْآحَاد ولازمه) بِاعْتِبَار توفر الدَّوَاعِي (الشُّهْرَة) لِامْتِنَاع التَّوَاتُر بِاعْتِبَار أَن الطَّبَقَة الأولى آحَاد فَلم يبْق إِلَّا أَن يتواتر فِي الثَّانِيَة وَهُوَ الشُّهْرَة (وَقد تحققت، على أَنه لَو فرض عدد التَّوَاتُر) فِي بَعْضهَا (وتخلف)

مسئلة

تواتره فِيمَا بعد (فلاكتفاء الْبَعْض) من الناقلين (بأعظمها) أَي المعجزات (الْقُرْآن) عطف بَيَان لأعظمها فَإِنَّهُ المعجزة المستمرة فِي مُسْتَقْبل الْأَزْمِنَة الدائرة على الْأَلْسِنَة فِي غَالب الْأَمْكِنَة. قَالَ السُّبْكِيّ: الصَّحِيح عِنْدِي فِي الْجَواب الْتِزَام أَن الانشقاق والحنين متواتران انْتهى وَالله أعلم. مسئلة (إِذا تعَارض خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس بِحَيْثُ لَا جمع) بَينهمَا مُمكن (قدم الْخَبَر مُطلقًا عِنْد الْأَكْثَر) مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد (وَقيل) قدم (الْقيَاس) وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى مَالك إِلَّا أَنه اسْتثْنى أَرْبَعَة أَحَادِيث، فَقَدمهَا على الْقيَاس. حَدِيث غسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب، وَحَدِيث الْمُصراة، وَحَدِيث الْعَرَايَا، وَحَدِيث الْقرعَة (وَأَبُو الْحُسَيْن) قَالَ قدم الْقيَاس (إِن / كَانَ ثُبُوت الْعلَّة بقاطع) لِأَن النَّص على الْعلَّة كالنص على حكمهَا، فَحِينَئِذٍ الْقيَاس قَطْعِيّ، وَالْخَبَر ظَنِّي، والقطعي مقدم على الظني قطعا (فَإِن لم يقطع) بِشَيْء (سوى بِالْأَصْلِ) أَي بِحكمِهِ (وَجب الِاجْتِهَاد فِي التَّرْجِيح) فَيقدم مَا ترجح من الظنيين، فَيُفَرق بَين الْعلَّة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا بظني، وَبَين المستنبطة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَحَقَّق شَيْء مِنْهُمَا (فَالْخَبَر) مقدم على الْقيَاس لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الظَّن، وترجح الْخَبَر على الظَّن الدَّال على الْعلَّة بِأَنَّهُ يدل على الحكم بِدُونِ وَاسِطَة، بِخِلَاف الدَّال على الْعلَّة وَيعلم مِنْهُ المستنبطة. قَالَ السُّبْكِيّ: إِن فرض أَبُو الْحُسَيْن صُورَة يكون الْقطع مَوْجُودا فِيهَا فَهَذَا مَا لَا يُنَازع فِيهِ، إِذْ الْقطع مُرَجّح على الظَّن، وَكَذَا أرجح الظنيين، فَلَيْسَ فِي تَفْصِيله عِنْد التَّحْقِيق كَبِير أَمر (وَالْمُخْتَار) عِنْد الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَالْمُصَنّف (إِن كَانَت الْعلَّة) ثَابِتَة (بِنَصّ رَاجِح على الْخَبَر ثبوتا) إِذا اسْتَويَا فِي الدّلَالَة (أَو دلَالَة) إِذا اسْتَويَا ثبوتا (وَقطع بهَا) أَي الْعلَّة (فِي الْفَرْع قدم الْقيَاس). قَالَ السُّبْكِيّ: لَا يلْزم من ثُبُوت الْعلية براجح، وَالْقطع بوجودها أَن يكون ظن الحكم الْمُسْتَفَاد مِنْهَا فِي الْفَرْع أقوى من الظَّن الْمُسْتَفَاد من الْخَبَر، لِأَن الْعلَّة عنْدكُمْ لَا يلْزمهَا الاطراد بل رُبمَا تخلف الحكم عَنْهَا لمَانع فَلم قُلْتُمْ أَنه لم يتَخَلَّف عَن الْفَرْع لمَانع الْخَبَر خُصُوصا إِذا كَانَت الْعلَّة تَشْمَل فروعا كَثِيرَة وَالْخَبَر يخْتَص بِهَذَا الْفَرْع. قَالَ الشَّارِح: هَذَا ذُهُول عَن مَوضِع الْخلاف، فَإِنَّهُ إِذا تَسَاويا فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص كَمَا سيصرح بِهِ فَلْيتَأَمَّل انْتهى وَجه التَّأَمُّل أَن اعْتِبَار الْمُسَاوَاة فِيمَا سيصرح لَيْسَ بَين الْعلَّة وَالْحكم، بل بَين الْخَبَر وَالْقِيَاس، فَكَانَ الأولى طي الِاعْتِرَاض (وَإِن ظنت) الْعلَّة فِي الْفَرْع (فالوقف) مُتَعَيّن، يَعْنِي إِذا لم يكن هُنَاكَ مَا يرجح أَحدهمَا (وَإِلَّا تكن) الْعلَّة ثَابِتَة (براجح) بِأَن تكون مستنبطة أَو ثَابِتَة بِنَصّ مَرْجُوح عَن الْخَبَر أَو مسَاوٍ لَهُ (فَالْخَبَر) مقدم، وَلَا بعد فِي كَون

هَذَا التَّفْصِيل إِظْهَار مُرَاد لَا خلافًا، إِذْ الْمَذْكُور فِي الْمُخْتَار لَا يَنْبَغِي أَن يَقع فِيهِ اخْتِلَاف. وَقَالَ / فَخر الْإِسْلَام: إِذا كَانَ الرَّاوِي من الْمُجْتَهدين كالخلفاء الرَّاشِدين قدم خَبره على الْقيَاس. وَقَالَ ابْن أبان: إِن كَانَ ضابطا غير متساهل فِيمَا يرويهِ قدم خَبره على الْقيَاس وَإِلَّا فَهُوَ مَوضِع اجْتِهَاد (للْأَكْثَر) أَنه (ترك عمر الْقيَاس فِي الْجَنِين وَهُوَ) أَي الْقيَاس (عدم الْوُجُوب) للغرة على ضرب بطن امْرَأَة فِيهِ جَنِين فأسقطته مَيتا (بِخَبَر حمل بن مَالك) كَمَا سبق فِي مسئلة الْعَمَل بِخَبَر الْعدْل وَاجِب (وَقَالَ لَوْلَا هَذَا لقضينا فِيهِ برأينا). أخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم، فَقَالَ عمر إِن كدنا أَن نقضي فِي هَذَا برأينا، وَعند أبي دَاوُد فَقَالَ الله أكبر لَو لم أسمع بِهَذَا لقضينا بِغَيْر هَذَا (فَأفَاد) عمر (أَن تَركه) فِي الرَّأْي إِنَّمَا كَانَ (للْخَبَر، و) ترك عمر الْقيَاس (فِي دِيَة الْأَصَابِع) أَيْضا (وَهُوَ) أَي الْقيَاس (تفاوتها) أَي الدِّيَة فِيهَا (لتَفَاوت مَنَافِعهَا) إِذْ مَنْفَعَة بَعْضهَا أَكثر (وخصوصه) أَي النَّفْع (أَمر آخر) يَعْنِي فِيهَا أَمْرَانِ يوجبان التَّفَاوُت وَعدم الْمُسَاوَاة فِي الدِّيَة: أكثرية مَنْفَعَة الْبَعْض، وَأَن لبعضها نفعا خَاصّا لَا يُوجد فِي غَيره (وَكَانَ رَأْيه فِي الْخِنْصر) بِكَسْر الْخَاء وَالصَّاد. وَقَالَ الْفَارِسِي: اللُّغَة الفصيحة فتح الصَّاد، وَكَذَا فِي الْقَامُوس (سِتا) من الْإِبِل (وَالَّتِي تَلِيهَا) وَهِي البنصر (تسعا) مِنْهَا (وكل من الآخرين) التَّذْكِير بِتَأْوِيل الْعُضْو، وهما الْوُسْطَى والمسبحة (عشرا) قَوْله سِتا وَمَا بعده خبر كَانَ، وَفِي الْإِبْهَام خَمْسَة عشر من الْإِبِل. قَالَ الشَّارِح: كَذَا ذكره غير وَاحِد، وَالَّذِي فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ أَنه كَانَ يرى فِي السبابَة اثْنَي عشر، وَفِي الْوسط عشرا، وَفِي الْإِبْهَام خَمْسَة عشر. وروى الشَّافِعِي رَحمَه الله قَضَاءَهُ فِي الْإِبْهَام بذلك أَيْضا (لخَبر عَمْرو بن حزم فِي كل أصْبع عشر) من الْإِبِل (وَفِي مِيرَاث الزَّوْجَة من دِيَة زَوجهَا وَهُوَ) أَي الْقيَاس (عَدمه) أَي عدم مِيرَاثهَا مِنْهَا (إِذْ لم يملكهَا) الزَّوْج (حَيا بل) إِنَّمَا يملكهَا الْوَرَثَة (جبرا لمصيبة الْقَرَابَة، وَيُمكن حذف الْأَخير). قَالَ الشَّارِح: أَي كَون ملكهم إِيَّاهَا جبر الْمُصِيبَة الْقَرَابَة، ثمَّ فسر قَوْله (فَلَا يكون من النزاع) بعد كَون تَوْرِيث الْقَرَابَة دون الزَّوْجَة من تعَارض خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس، وَعلله بقوله فَإِن الْقيَاس أَن يَرث الْجَمِيع، وَهَذَا مِمَّا يقْضِي مِنْهُ الْعجب، فَإِن عدم كَونه من مَحل النزاع إِن كَانَ هَذَا بِهَذَا السَّبَب فعلى تَقْدِير عدم الْحَذف أَيْضا كَذَلِك فَالصَّوَاب أَن يُقَال: المُرَاد ترك ذكر هَذِه المسئلة بكمالها، لِأَن توريثها مَعَ الْقَرَابَة قِيَاس لجَوَاز أَن يُقَال: الدِّيَة على سَائِر مختلفاته، غَايَة الْأَمر أَنه يُمكن تَرْتِيب دَلِيل آخر مُقْتَض لعدم توريثها، وَهُوَ أَن الزَّوْج لم يملكهَا حَيا إِلَى آخِره فعلى هَذَا الْوَاقِعَة من بَاب اخْتِيَار خبر الْوَاحِد الْمُوَافق للْقِيَاس على مُجَرّد الرَّأْي لذَلِك الْمَعْنى الفقهي، لَا من بَاب تعَارض الْخَبَر وَالْقِيَاس (وَلم يُنكره) أَي ترك عمر الْقيَاس للْخَبَر (أحد

فَكَانَ) تَقْدِيم الْخَبَر على الْقيَاس (إِجْمَاعًا، وعورض بمخالفة ابْن عَبَّاس خبر أبي هُرَيْرَة) مَرْفُوعا (توضؤا مِمَّا مسته النَّار) وَلَو من أثوار أقط إِذْ قَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس يَا أَبَا هُرَيْرَة أَنَتَوَضَّأُ من الدّهن، أَنَتَوَضَّأُ من الْحَمِيم؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: يَا ابْن أخي إِذا سَمِعت حَدِيثا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تضرب لَهُ مثلا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (وبمخالفته هُوَ) أَي ابْن عَبَّاس (وَعَائِشَة خَبره) أَي أبي هُرَيْرَة الْمُتَّفق عَلَيْهِ (فِي المستيقظ) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فليغسل يَده قبل أَن يدخلهَا فِي وضوئِهِ فَإِن أحدكُم لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده ". (وَقَالا) أَي ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة (كَيفَ نصْنَع بالمهراس) وَهُوَ حجر منقور مستطيل عَظِيم كالحوض لَا يقدر أحد على تحريكه، ذكره ابْن عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أَي إِذا كَانَ فِيهِ مَاء وَلم تدخل فِيهِ الْيَد فَكيف نَتَوَضَّأ مِنْهُ (وَلم يُنكر) إنكارهما (فَكَانَ) الْعَمَل بِالْقِيَاسِ عِنْد مُعَارضَة خبر الْوَاحِد لَهُ (إِجْمَاعًا قُلْنَا ذَلِك) أَي الْمُخَالفَة الْمَذْكُورَة (للاستبعاد لخصوصه) أَي الْمَرْوِيّ (لظُهُور خِلَافه) أَي الْمَرْوِيّ، روى الشَّارِح عَن بعض الْحفاظ أَن مَا روى عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَابْن عَبَّاس لَا وجود لَهُ فِي شَيْء من كتب الحَدِيث. وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَ هَذَا لأبي هُرَيْرَة رجل يُقَال لَهُ: قين الْأَشْجَعِيّ، وَقيل إِنَّه صَحَابِيّ وَعَن بعض الْحفاظ نفى صحبته، وَقيل الْقَائِل بعض أَصْحَاب عبد الله بن مَسْعُود (وَلَيْسَ) هَذَا الْخلاف (من مَحل النزاع) أَي مُعَارضَة الْقيَاس بِخَبَر الْوَاحِد (لَا) أَنه مِنْهُ (لتَركه) أَي خبر الْوَاحِد (بِالْقِيَاسِ) إِذْ لَا قِيَاس يَقْتَضِي عدم وجوب غسل الْيَد قبل الإدخال فِي الْإِنَاء (وَلَهُم) أَي الْأَكْثَر أَيْضا (تَقْرِيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَاذًا حِين أخر الْقيَاس) عَن الْكتاب وَالسّنة الَّتِي مِنْهَا أَخْبَار الْآحَاد حِين بَعثه إِلَى الْيمن قَاضِيا فَسَأَلَهُ بِمَ تحكم؟ وَقد سبق (وَأَيْضًا لَو قدم الْقيَاس لقدم الأضعف، وبطلانه إِجْمَاع: أما الْمُلَازمَة فلتعدد احتمالات الْخَطَأ بِتَعَدُّد الِاجْتِهَاد) وَضعف الظَّن بِتَعَدُّد الِاحْتِمَالَات (ومحاله) أَي الِاجْتِهَاد (فِيهِ) أَي الْقيَاس (أَكثر) من محاله فِي الْخَبَر (فالظن) فِي الْقيَاس حِينَئِذٍ (أَضْعَف) مِنْهُ فِي الْخَبَر، إِذْ محَال الِاجْتِهَاد فِي الْقيَاس سنة (حكم الأَصْل) أَي ثُبُوته (وَكَونه) أَي حكم الأَصْل (مُعَللا) بعلة مَا، وَلَيْسَ من الْأَحْكَام التعبدية (وَتَعْيِين الْوَصْف) الَّذِي هُوَ الْعلَّة (للعلية، ووجوده) أَي ذَلِك الْوَصْف (فِي الْفَرْع وَنفي الْمعَارض) للوصف من انْتِفَاء شَرط أَو وجود مَانع (فيهمَا) أَي فِي الأَصْل وَالْفرع (وَفِي الْخَبَر) مَحل الِاجْتِهَاد (فِي الْعَدَالَة) للراوي (وَالدّلَالَة) لمتنه على الحكم (وَأما احْتِمَال كفر الرَّاوِي وَكذبه وخطئه) لعدم عصمته عَنْهَا (وَاحْتِمَال الْمَتْن الْمجَاز) وَمَا فِي حكمه من الْإِضْمَار والاشتراك والتخصيص (فَمن الْبعد) بِحَيْثُ (لَا يحْتَاج إِلَى اجْتِهَاد فِي نَفْيه وَلَو) احْتِيجَ فِي الْمَذْكُورَات إِلَى الِاجْتِهَاد

(فَلَا) يحْتَاج إِلَيْهِ (على الْخُصُوص) أَي لَا يلْزم عَلَيْهِ أَن يحصل الْكل من نفي الْكفْر وَالْكذب وَالْخَطَأ وَالْمجَاز دَلِيلا على حِدة (بل ينتظمه) أَي نفي ذَلِك كُله (الْعَدَالَة) أَي الِاجْتِهَاد فِيهَا فَإِذا ثَبت عِنْده كفته (وَلَا يخفى أَن احْتِمَال الْخَطَأ فِي حكم الأَصْل) اعْتِبَاره فِي الْقيَاس (ليجتهد) الْمُجْتَهد (فِيهِ) أَي وَفِي ثُبُوت الأَصْل لمصلحته (مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَي حكم الأَصْل لمصلحته (مجمع عَلَيْهِ وَلَو) كَانَ ذَلِك الْإِجْمَاع بِاعْتِبَار اتِّفَاق (بَينهمَا) أَي المتناظرين (فِي الْمُخْتَار عِنْدهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (وَكَذَا نفي كَونه) أَي حكم الأَصْل (فرعا) لغيره مجمع عَلَيْهِ وَلَو بَينهمَا فِي الْمُخْتَار عِنْدهم (فَهِيَ) أَي محَال الِاجْتِهَاد فِي الْقيَاس (أَرْبَعَة لسقوطه) أَي الِاجْتِهَاد (فِي معَارض الأَصْل) وَهُوَ أحد الْمحَال الْمَذْكُورَة لَهُ (ضمنه) أَي فِي ضمن سُقُوط الِاجْتِهَاد فِي نفس الأَصْل (وَلَو سلم) أَنه لَا يشْتَرط الِاتِّفَاق عَلَيْهِ (فإثباته) أَي حكم الأَصْل (لَيْسَ من ضروريات الْقيَاس) بل هُوَ حكم سَمْعِي يجْتَهد فِيهِ ليعْمَل بِهِ كَسَائِر الْأَحْكَام الْمَأْخُوذَة من النُّصُوص، فَهُوَ مَقْصُود الْإِثْبَات لذاته لَا لمصْلحَة الْقيَاس، غير أَنه يقْصد بذلك اسْتِئْنَاف عمل آخر يستعلم أَن لَهُ محلا آخر، وَهُوَ الْقيَاس فَهُوَ عِنْد ذَلِك مفروغ مِنْهُ (و) لَا يخفى (أَن الِاجْتِهَاد فِي الْعَدَالَة لَا يسْتَلْزم ظن الضَّبْط فَهُوَ) أَي الضَّبْط (مَحل ثَالِث فِي الْخَبَر، و) أَن الِاجْتِهَاد (فِي الدّلَالَة أَن أفْضى إِلَى ظن كَونه) أَي الْمَدْلُول أَو اللَّفْظ (حَقِيقَة أَو مجَازًا لَا يُوجب ظن عدم النَّاسِخ) لعدم الْمُلَازمَة بَينهمَا (فرابع) أَي الْمَدْلُول أَو اللَّفْظ مَحل رَابِع بِاعْتِبَار كَونه غير مَنْسُوخ (وَلَا) يُوجب ظن عدم (الْمعَارض) لَهُ (فخامس) أَي فالتفحص لعدم الْمعَارض مَحل خَامِس للِاجْتِهَاد (ويندرج بَحثه) أَي الْمُجْتَهد (عَن الْمُخَصّص) إِذا كَانَ الْمَدْلُول عَاما فِي بَحثه على نفي الْمعَارض لِأَنَّهُ معَارض ضَرُورَة فِي بعض الْأَفْرَاد، ثمَّ لما بَين أَن الْمحَال فِي الْقيَاس الْأَرْبَعَة. وَفِي الْخَبَر خَمْسَة اتجه أَن يُقَال الأقيسة الَّتِي ثبتَتْ عَلَيْهَا بِنَصّ لَا بُد فِيهَا من الفحص عَن الدّلَالَة وَالْعَدَالَة، فَصَارَ محَال الْقيَاس حِينَئِذٍ أَكثر من محَال الْخَبَر فَأجَاب عَنهُ بقوله (وَفِي الأقيسة المنصوصة الْعلَّة بِغَيْر رَاجِح) الْجَار مُتَعَلق بالمنصوصة: أَي المنصوصة بِنَصّ غير رَاجِح على الْخَبَر الْمَذْكُور، قَيده بِهِ، لِأَنَّهُ إِن كَانَ براجح فَلَا شكّ فِي تَقْدِيم الْقيَاس حِينَئِذٍ، لِأَن النَّص على الْعلَّة كالنص على الحكم كَمَا سَيَأْتِي (إِن زَاد محلان) الْعَدَالَة وَالدّلَالَة (سقط) من محَال الِاجْتِهَاد فِيهَا (محلان) كَونه مُعَللا، وَتعين الْعلَّة (فقصر) الْقيَاس عَن الْخَبَر فِي عدد محَال الاجتهادين يرد عَلَيْهِ أَن المنصوصة الْعلَّة بِخَبَر يحْتَاج إِلَى كل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْخَبَر، وَهُوَ الْخَمْسَة على مَا حققت لَا بُد مِنْهَا فِي الْقيَاس، فَلَا يُقَال هَهُنَا إِن زَاد محلان نقص محلان، بل الْوَجْه فِي مثله تَقْدِيم. ثمَّ هَذَا نظر فِي هَذَا الدَّلِيل وللمطلوب أَدِلَّة أُخْرَى، فَلَا يقْدَح فِيهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَفِيمَا تقدم) من الْأَدِلَّة (كِفَايَة) عَن هَذَا

مسئلة

الدَّلِيل (وَاسْتدلَّ) للْأَكْثَر أَيْضا بقوله (بِثُبُوت أصل الْقيَاس بالْخبر) كَخَبَر معَاذ السَّابِق (فَلَا يقدم) الْقيَاس (على أَصله) أَي الْخَبَر (وَقد يمْنَع الْأَمْرَانِ) أَي ثُبُوته بالْخبر لما سَيَأْتِي فِي مسئلة تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط فِي أَوَاخِر مبَاحث الْقيَاس، وَلُزُوم التَّقْدِيم على الأَصْل إِن قدم على الْخَبَر على تَقْدِير ثُبُوته بالْخبر، إِذْ الأَصْل حِينَئِذٍ خبر مَخْصُوص، وأصالة فَرد من أَفْرَاد الْخَبَر لَا يسْتَلْزم أَصَالَة كل فَرد مِنْهُ، وَجعل الشَّارِح الْأَمر الثَّانِي تقدميه على الْخَبَر وَسَنَد الْمَنْع أَنه مصادرة على الْمَطْلُوب وَلَا معِين لَهُ (و) اسْتدلَّ أَيْضا للْأَكْثَر (بِأَنَّهُ) أَي الْخَبَر دَلِيل (قَطْعِيّ وَلَوْلَا الطَّرِيق) الموصلة لَهُ إِلَيْنَا، لِأَن قَائِله مخبر عَن الله صَادِق، وَإِنَّمَا الشُّبْهَة فِي الْوَاسِطَة (بِخِلَاف الْقيَاس) فَإِنَّهُ ظَنِّي فِي حد ذَاته (وَيُجَاب بِأَن الْمُعْتَبر الْحَاصِل الْآن وَهُوَ) أَي الْحَاصِل الْآن مِنْهُ (مظنون) ثمَّ مضى (هَذَا، وَأما تَقْدِيم مَا ذكر من الْقيَاس) الَّذِي علته ثَابِتَة بِنَصّ رَاجِح على الْخَبَر وَقطع بهَا فِي الْفَرْع (فلرجوعه) أَي التَّقْرِير الْمَذْكُور (إِلَى الْعَمَل براجح من الْخَبَرَيْنِ تَعَارضا، إِذْ النَّص على الْعلَّة نَص على الحكم فِي محلهَا) أَي الْعلَّة وَهُوَ الْفَرْع (وَقد قطع بهَا) أَي بِالْعِلَّةِ (فِيهِ) أَي محلهَا الَّذِي هُوَ الْفَرْع (والتوقف) فِيمَا أَوجَبْنَا التَّوَقُّف فِيهِ، وَهُوَ مَا إِذا ثبتَتْ بِنَصّ رَاجِح ووجودها فِي الْفَرْع ظَنِّي (لتعارض الترجيحين خبر الْعلَّة بِالْفَرْضِ) فَإِن الْمَفْرُوض رجحانه (وَالْآخر) أَي الْخَبَر الآخر (بقلة الْمُقدمَات) لعدم انضمام الْقيَاس إِلَيْهِ (وَعلمت مَا فِيهِ) من أَن الْقيَاس أقل محَال للِاجْتِهَاد من الْخَبَر (هَذَا إِذا تَسَاويا) أَي الْقيَاس، وَالْخَبَر المتعارضان بِأَن كَانَ كل مِنْهُمَا عَاما أَو خَاصّا (فَإِن كَانَا) أَي الْخَبَر وَالْقِيَاس (عَاما) أَحدهمَا (وخاصا) الآخر (فعلى الْخلاف فِي تَخْصِيص الْعَام بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ (كَيفَ اتّفق) أَي سَوَاء خص بِغَيْرِهِ أَو لَا (وَعَدَمه) أَي عدم تَقْدِير الْكَلَام فِي مسئلة مُسْتَقلَّة. مسئلة (الإتفاق فِي أَفعاله الجبلية) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الصادرة بِمُقْتَضى طَبِيعَته فِي أصل خلقته كالقيام وَالْقعُود وَالنَّوْم وَالْأكل وَالشرب (الْإِبَاحَة لنا وَله، وَفِيمَا ثَبت خصوصه) أَي كَونه من خَصَائِصه كإباحة الزِّيَادَة على أَربع فِي النِّكَاح وَإِبَاحَة الْوِصَال فِي الصَّوْم (اخْتِصَاصه) بِهِ لَيْسَ لأحد من الْأمة مشاركته فِيهِ (وَفِيمَا ظهر بَيَانا بقوله " كصلوا) كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " مُتَّفق عَلَيْهِ الصَّادِر بعد صلَاته فَإِنَّهَا بَيَان لقَوْله تَعَالَى - {وَأقِيمُوا الصَّلَاة} - (وخذوا) عني مَنَاسِككُم فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه (فِي أثْنَاء حجه) أَي وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَة على رَاحِلَته كَمَا رَوَاهُ مُسلم وَغَيره، فَإِن بَيَانه لقَوْله تَعَالَى - {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} - وَخبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي الإتفاق

بِاعْتِبَار هَذَا الْقسم مَحْذُوف بِقَرِينَة مَا يَأْتِي أَنه بَيَان (أَو) ظهر بَيَانا (بِقَرِينَة حَال كصدوره) أَي الْفِعْل (عِنْد الْحَاجة) أَي بَيَان مُجمل (بعد تقدم إِجْمَال) حَال كَون الْفِعْل (صَالحا لبيانه) فَيتَعَيَّن حمله عَلَيْهِ لِئَلَّا يلْزم تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة وَهُوَ غير جَائِز (كالقطع من الْكُوع وَالتَّيَمُّم إِلَى الْمرْفقين أَنه) أَي الْفِعْل المتحقق فِي الْقطع وَالتَّيَمُّم (بَيَان لآيتيهما) أَي السّرقَة وَالتَّيَمُّم إِذْ آيَة الْقطع مُجمل بِاعْتِبَار الْمحل، وَأما آيَة التَّيَمُّم فَقيل أَيْضا مُجمل بِاعْتِبَارِهِ، وَالرَّاجِح أَنه مُطلق وَالْفِعْل بَيَان لما هُوَ المُرَاد مِنْهُ، كَذَا ذكره الشَّارِح، ثمَّ إِن الْقطع لَيْسَ فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل فعله بأَمْره فَكَأَنَّهُ فعله. وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن نَاسا من أهل الْبَادِيَة أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فساقه إِلَى أَن قَالَ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " عَلَيْكُم بِالْأَرْضِ ثمَّ ضرب بِيَدِهِ على الأَرْض بِوَجْهِهِ ضَرْبَة وَاحِدَة، ثمَّ ضرب ضَرْبَة أُخْرَى فَمسح بهَا على يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين (بخلافهما) أَي الْمرْفقين (فِي الْغسْل) فِي الْوضُوء فَإِن غسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُمَا لَيْسَ بَيَانا لقَوْله تَعَالَى - {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} - (لذكر الْغَايَة وَعدم إِجْمَال أداتها) أَي الْغَايَة (وَمَا لم يظْهر فِيهِ ذَلِك) أَي الْبَيَان والخصوصية (وَعرف صفته) فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من وجوب وَنَحْوه) من ندب وَإِبَاحَة (فالجمهور) و (مِنْهُم الْجَصَّاص أمته مثله فَإِن وَجب عَلَيْهِ وَجب عَلَيْهِم: وَهَكَذَا الخ (وَقيل) وَالْقَائِل أَبُو عَليّ بن خَلاد مثله (فِي الْعِبَادَات) فَقَط (والكرخي) والأشعرية (يَخُصُّهُ) أَي الحكم الْمَعْرُوف صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِلَى) قيام (دَلِيل الْعُمُوم) لَهُم أَيْضا (وَقيل) هُوَ (كَمَا) قَالَ لَو جهل) أَي لم يعلم وَصفه (وَلَيْسَ) هَذَا القَوْل (محررا إِلَّا أَن يعرف قَوْله) أَي قَول هَذَا الْقَائِل (فِي الْمَجْهُول) وَصفه (وَلم يدر) أَي وَالْحَال أَنه لم يعلم قَول الْمَجْهُول وَصفه، فَفِي الْحِوَالَة عَلَيْهِ جَهَالَة (أَو يُرِيد) الْقَائِل الْمَذْكُور أَن (من قَالَ فِي الْمَجْهُول) مَا قَالَ (فَلهُ فِي الْمَعْلُوم مثله فَبَاطِل) أَي فَحِينَئِذٍ هَذَا القَوْل مِنْهُ بَاطِل لكَونه غير مُطَابق للْوَاقِع كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَمن سَيعْلَمُ) كَونه (قَائِلا بِالْإِبَاحَةِ) أَي بِكَوْن الْفِعْل مُبَاحا فِي الْجُمْهُور وَصفه، وهم فرق: مُبْهَم من يخص الْإِبَاحَة بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْهُم من يعمها فَيشْمَل الْأمة أَيْضا (قَوْلهم) قاطبة (فِي الْمَعْلُوم) وَصفه (شُمُول صفته) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأمة أَو صفة الْفِعْل من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَإِبَاحَة الْكل فَكيف يكون قَول من قَالَ فِي الْمَجْهُول مثل مَا قَالَ فِي الْمَعْلُوم؟ وَجمع الضَّمِير فِي قَوْلهم وأفرده بِاعْتِبَار أَفْرَاد لفظ الْمَوْصُول، أَعنِي من. بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ، وَجعل الشَّارِح قَوْله قَائِلا حَال من الْمُبْتَدَأ وَأَنت خَبِير بِأَن الْعلم لَا بُد لَهُ من مفعولين، فَالْأول الضَّمِير الرَّاجِح إِلَى الْمَوْصُول وَهُوَ نَائِب الْفَاعِل، وَالثَّانِي قَائِلا، فَلَا وَجه لَهُ وَقَوْلهمْ مُبْتَدأ ثَان خَبره شُمُول صفته، فالجملة خبر الأول (لنا)

فِي أَن الْأمة مثله فِيمَا عرف صفته (أَن الصَّحَابَة كَانُوا يرجعُونَ إِلَى فعله احتجاجا واقتداء أَي رُجُوع احتجاج فِي مقَام الِاقْتِدَاء فَيَقُولُونَ نَفْعل هَذَا لِأَنَّهُ فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكما شاركوه فِي أصل الْفِعْل شاركوه فِي كيفيته (كتقبيل الْحجر فَقَالَ عمر: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبلك مَا قبلتك) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَلم يُنكر) على عمر ذَلِك (وتقبيل الزَّوْجَة صَائِما) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا (وَكثير) خُصُوصا فِي الْعِبَادَات (وَأَيْضًا لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة والتأسي) للْغَيْر (فعل مثله) أَي يقبل مثل مَا فعله ذَلِك الْغَيْر (على وَجهه) بِأَن يكون مشاركا لَهُ فِي الصّفة كالوجوب وَالنَّدْب وَمَا بَينهمَا إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مقصد فِي ذَلِك التأسي، ثمَّ احْتَرز بقوله (لأَجله) عَمَّا هُوَ مثله لَكِن لَيْسَ فِي قصد فَاعله أَن يكون مثله تَابعا لفعل ذَلِك الْغَيْر مَبْنِيا على الِاقْتِدَاء بِهِ (وَمثله) أَي مثل قَوْله تَعَالَى - {لقد كَانَ لكم} - الْآيَة فِي الدّلَالَة على الْمَطْلُوب قَوْله تَعَالَى - {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} - فَإِن الْمُتَابَعَة للْغَيْر أَن يفعل مثل فعله على الْوَجْه الَّذِي يَفْعَله (وَأما) قَوْله تَعَالَى - {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا (زَوَّجْنَاكهَا لكيلا يكون} على الْمُؤمنِينَ حرج فِي أَزوَاج أدعيائهم} - (فبدلالة الْمَفْهُوم الْمُخَالف على اتِّحَاد حكمه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بهم) أَي مَعَ حكم الْأمة لِأَنَّهُ تَعَالَى علل تَزْوِيجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفْي الْحَرج الْكَائِن فِي تَحْرِيم زَوْجَات الأدعياء وَمَفْهُومه لَو لم يُزَوجهُ ثَبت الْحَرج على الْمُسلمين فِي ذَلِك، وَثُبُوت الْحَرج على ذَلِك التَّقْدِير إِنَّمَا يكون عِنْد اتِّحَاد حكمهم بِحكمِهِ وَلم يتحد، كَذَا ذكره الشَّارِح، فحاصل كَلَام المُصَنّف حِينَئِذٍ عدم دلَالَة الْآيَة على الْمَطْلُوب، وَالَّذِي يفهم من كَلَامه دلَالَته عَلَيْهِ لَكِن بطرِيق الْفَهم عِنْد من يَقُول بِهِ وَلَو صَحَّ قَوْله وَلم يتحد لما صَحَّ الدَّلِيل وَهُوَ ظَاهر: بل نقُول بِاعْتِبَار الْمَفْهُوم الْمُخَالف فِي خُصُوص هَذِه الْآيَة عِنْد الْكل وإلالم يَصح التَّعْلِيل (وَمَا جهل وَصفه) بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِيهِ مَذَاهِب (فَأَبُو الْيُسْر) قَالَ (أَن) كَانَ ذَلِك الْفِعْل (مُعَاملَة فالإباحة) بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وإلينا (إِجْمَاع وَالْخلاف) إِنَّمَا هُوَ (فِي الْقرب فمالك) أَي فمذهبه (شُمُول الْوُجُوب) لَهُ وَلنَا (كَذَا نَقله بَعضهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (متعرضا للْفِعْل بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَوْله متعرضا حَال من فَاعل نَقله، وَفِي الْكَلَام تدافع، لِأَن قَوْله كَذَا يدل على أَن منقوله مثل مَا ذكر وَمَا ذكر شُمُول إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِلَى الْأمة، وَقَوله متعرضا يدل على اخْتِصَاص مَا ذكر من الْإِبَاحَة وَالْوُجُوب بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للفهم إِلَّا أَن يكون مُرَاده بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِلَى الْأمة أَيْضا (كَقَوْل الْكَرْخِي مُبَاح فِي حَقه) أَي كَمَا أَن فِي قَول الْكَرْخِي تعرضا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَالْأمة (للتيقن) أَي لتيقن الْإِبَاحَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ (وَلَيْسَ لنا اتِّبَاعه) إِلَّا بِدَلِيل (وَقَول الْجَصَّاص وفخر الْإِسْلَام وشمس الْأَئِمَّة وَالْقَاضِي أبي زيد الْإِبَاحَة فِي حَقه، وَلنَا اتِّبَاعه) مَا لم يقم دَلِيل على الْخُصُوص (وَالْقَوْلَان) للكرخي والجصاص (يعكران نقل أبي الْيُسْر)

الْإِجْمَاع على الْإِبَاحَة فِي الْمُعَامَلَة لِأَن تَخْصِيص الْكَرْخِي الْإِبَاحَة بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مُطلق الْفِعْل مُعَاملَة كَانَ أَو قربَة، والجصاص يَقُول: يجوز الِاتِّبَاع فِي الْكل، فقد تحقق فِي حق الْمُعَامَلَة قَولَانِ مُخْتَلِفَانِ وَهُوَ يُنَافِي دَعْوَى الْإِجْمَاع (وَخص الْمُحَقِّقُونَ الْخلاف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأمة فالوجوب) وَهُوَ معزو فِي الْمَحْصُول إِلَى ابْن سُرَيج وَغَيره، وَفِي القواطع إِلَى مَالك والكرخي وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين وَبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي (وَالنَّدْب) وَهُوَ معزو فِي الْمَحْصُول إِلَى الشَّافِعِي، وَفِي القواطع إِلَى الْأَكْثَر من الْحَنَفِيَّة والمعتزلة والصيرفي والقفال (وَمَا ذكرنَا) أَي الْإِبَاحَة: وَهُوَ معزو فِي الْمَحْصُول إِلَى مَالك، كَذَا ذكره الشَّافِعِي، وَالْأَظْهَر أَنه إِشَارَة إِلَى مَا ذكر فِي قَول الْكَرْخِي لَيْسَ لنا اتِّبَاعه، وَفِي قَول الْجَصَّاص لنا اتِّبَاعه (وَالْوَقْف) وَهُوَ معزو فِي الْمَحْصُول إِلَى الصَّيْرَفِي وَأكْثر الْمُعْتَزلَة، وَفِي القواطع إِلَى أَكثر الأشعرية، وَفِي غَيره وَالْغَزالِيّ وَالْقَاضِي أبي الطّيب، وَاخْتَارَهُ أَبُو الطّيب، وَاخْتَارَهُ الإِمَام الرَّازِيّ (ومختار الْآمِدِيّ) وَابْن الْحَاجِب أَنه (إِن ظهر قصد الْقرْبَة فالندب وَإِلَّا فالإباحة وَيجب) أَن يكون هَذَا القَوْل (قيد القَوْل الْإِبَاحَة للْأمة) إِن لم يقل أحد بِأَن مَا هُوَ من الْقرب عمله مُبَاح من غير ندب (الْوُجُوب) أَي دَلِيله (وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ) أَي افعلوه وَفعله مِمَّا آتَاهُ وَالْأَمر للْوُجُوب (أُجِيب بِأَن المُرَاد مَا أَمركُم) بِهِ (بِقَرِينَة مُقَابِله وَمَا نهاكم) لتجاوب طرفِي النّظم: وَهُوَ اللَّائِق ببلاغة الْقُرْآن (قَالُوا) ثَانِيًا قَالَ الله تَعَالَى (فَاتَّبعُوهُ) وَالْأَمر للْوُجُوب (قُلْنَا هُوَ) أَي الِاتِّبَاع (فِي الْفِعْل فرع الْعلم بِصفتِهِ) أَي الْفِعْل (لِأَنَّهُ) أَي الِاتِّبَاع فِي الْفِعْل (فعله على وَجه فعله) المتبع (وَالْكَلَام فِي مجهولها) أَي الصّفة فَلَا يتَحَقَّق الِاتِّبَاع مَعَ عدم الْعلم بِصفة الْعلم فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَقد منع اعْتِبَار الْعلم بصلَة الْفِعْل فِي الِاتِّبَاع فِيهِ) أَي الْفِعْل، وَقيل لَا نسلم أَن الِاتِّبَاع مَوْقُوف على الْعلم بذلك بل نتبعه فِيهِ وَإِن لم يعلم صفته، (و) ذكر سَنَد هَذَا الْمَنْع (فِي عبارَة) هَكَذَا (الْإِبَاحَة) الْمُطلقَة متعينة فِي مجهولها وَهُوَ الْجَوَاز المتحقق فِي ضمن الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة الْمُقَابلَة لَهما (وَلنَا اتِّبَاعه) وَهُوَ مَعْلُوم من الدّين، فجهالة وصف الْفِعْل بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يمْنَع اتباعنا لَهُ، فَالْأَمْر بالاتباع يجْرِي فِي مَجْهُول الْوَصْف كَمَا يجْرِي فِي معلومه وَالْأَمر للْوُجُوب. ثمَّ أضْرب عَن هَذَا الْجَواب: أَعنِي كَون الِاتِّبَاع فرع الْعلم بِصفتِهِ إِلَى مَا هُوَ التَّحْقِيق فَقَالَ (بل الْجَواب) أَن يُقَال (الْقطع بِأَنَّهُ) أَي عُمُوم الْأَمر باتباعه (مَخْصُوص) غير مَحْمُول على عُمُومه بَالغا مَا بلغ (إِذْ لَا يجب قيام وقعود وتكوير عِمَامَة) أَي تدويرها (وَمَا لَا يُحْصى) من أَفعاله الجبلية وَغَيرهمَا مِمَّا لَا بجب اتِّبَاعه فِيهِ إِجْمَاعًا (وَلَا مُخَصص معِين) حَتَّى يَنْتَهِي التَّخْصِيص إِلَى حد معِين (فأخص الْخُصُوص) أَي فَتعين حلمه على أخص الْخُصُوص (من مَعْلُوم صفة الْوُجُوب) يَعْنِي أَن صفة الْفِعْل على قسمَيْنِ مَعْلُوم ومجهول، وَالْأول قسم هُوَ أخص

الْخُصُوص نظرا إِلَى حِكْمَة مقسمة وَهُوَ هَهُنَا لُزُوم الِاتِّبَاع، إِذْ لَيْسَ لمعلول الصّفة فَرد أَحَق وَأولى بِهَذَا اللُّزُوم من الْمَوْصُوف بِالْوُجُوب وَالْحَاصِل أَنا عرفنَا أَن الِاتِّبَاع مَطْلُوب فِي الْجُمْلَة من غير تَحْدِيد من قبل الشَّارِع، وَقد علمنَا يَقِينا كَون الْوَاجِب فعله بِحَيْثُ لَا يُمكن أَن يكون خَارِجا عَن الْمَطْلُوب الْمَذْكُور وَغَيره من الْأَفْعَال قد يكون خَارِجا عَنهُ، وَفِي مثل هَذَا الطّلب الإجمالي يتَعَيَّن مَا هُوَ الْمُتَعَيّن دُخُوله فِي الحكم وَغَيره لَا يعلم دُخُوله، وَالْأَصْل عدم الدُّخُول. فمعين الْآيَة طلب اتِّبَاعه فِيمَا علم وُجُوبه وَالله أعلم (قَالُوا) ثَالِثا (لقد كَانَ) لكم (إِلَى آخرهَا) محصوله قَضِيَّة (شَرْطِيَّة مضمونها لُزُوم التأسي) وَهُوَ تَالِيهَا (للْإيمَان) وَهُوَ مقدمها، إِذْ الْمَعْنى من كَانَ يُؤمن بِاللَّه فَلهُ أُسْوَة حَسَنَة، إِذْ المُرَاد بضمير الْمُخَاطب فِي قَوْله لكم يعم كل فَرد من الْمُؤمنِينَ (ولازمها عكس نقيضها) عطف بَيَان للازمها (عدم الْإِيمَان لعدم التأسي) لِأَن نقيض الْمَلْزُوم لَازم لنقيض اللَّازِم، وَاللَّازِم اجْتِمَاع عين الْمَلْزُوم مَعَ نقيض اللَّازِم لَازِما (وَعَدَمه) أَي الْإِيمَان (حرَام، فَكَذَا) ملزومه الَّذِي هُوَ (عدم التأسي فنقيضه) أَي نقيض عدم التأسي وَهُوَ التأسي (وَاجِب وَالْجَوَاب مثله) أَي مثل جَوَاب الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور قبله (لِأَن التأسي كالاتباع) فِي الْمَعْنى وَفِيمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من الْعلم بِوَصْف مَا فِيهِ الِاتِّبَاع (وَفِيه) من الْبَحْث (مثل مَا قبله) من منع اعْتِبَار الْعلم بِصفة الْفِعْل فِي الائتساء (وَمِنْه) أَي وَمِمَّا قبله من الْجَواب الْمُخْتَار يُؤْخَذ أَيْضا (الْجَواب الْمُخْتَار) هَهُنَا، وَهُوَ حمله على أخص الْخُصُوص (قَالُوا) رَابِعا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خلع نَعْلَيْه) فِي الصَّلَاة (فخلعوا) أَي أَصْحَابه نعَالهمْ، فَقَالَ مَا حملكم على أَن ألقيتم نعالكم؟ فَقَالُوا رَأَيْنَاك ألقيت فألقينا. قَالَ أَن جِبْرِيل أَتَانِي وَأَخْبرنِي أَن فيهمَا أَذَى. أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان (فأقرهم على استدلالهم) بِفِعْلِهِ (وَبَين سَبَب اخْتِصَاصه) أَي خلع النَّعْلَيْنِ (بِهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ذكر (إِذْ ذَاك) أَي إِذْ فعل ذَاك الْفِعْل (قُلْنَا: دليلهم) على الْوُجُوب قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي) أُصَلِّي (لَا فعله أَو فهمهم الْقرْبَة) من الْخلْع وَإِلَّا لحرم (أَو) كره فرأوه (مَنْدُوبًا) لَا وَاجِبا (قَالُوا) خَامِسًا (أَمرهم) أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه (بِالْفَسْخِ) أَي فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة (فتوقفوا) عَن الْفَسْخ (لعدم فَسخه) فَعلم أَنهم كَانُوا يرَوْنَ اتِّبَاعه وَاجِبا (فَلم يُنكره) أَي توقفهم (وَبَين مَانِعا يَخُصُّهُ) من النّسخ (وَهُوَ) أَي الْمَانِع (سوق الْهدى كَذَا ذكره) فِي الصَّحِيحَيْنِ لَوْلَا أَن معي الْهَدْي لأحللت، ثمَّ اعْترض على قَوْلهم فَلم ينكروه بِمَا روى عَنهُ من الْغَضَب فَدفعهُ المُصَنّف بقوله (وَمن نظر السّنَن فَعلم أَنه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (غضب من توقفهم) أخرج مُسلم وَغَيره عَن عَائِشَة قَالَت قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَرْبَع أَو خمس مضين ذِي الْحجَّة، فَدخل عَليّ وَهُوَ غَضْبَان، فَقلت من أغضبك يَا رَسُول الله؟

قَالَ أشعرت أَنِّي أمرت النَّاس بِأَمْر فَإِذا هم يَتَرَدَّدُونَ، وَلَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت الْهَدْي معي حَتَّى أحل كَمَا أحلُّوا (لم يلْزم) من الْإِلْزَام: أَي لم يَجْعَل الْغَضَب لَازِما للتوقف (لعدم الْفِعْل) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يفْسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، يَعْنِي أَن النَّاظر للسنن لم يحكم بِأَن غَضَبه إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب توقفهم لعدم فَسخه (بل) يحكم بِأَن غَضَبه من توقفهم إِنَّمَا كَانَ (لكَونه) أَي التَّوَقُّف (بعد الْأَمر) بِالْفَسْخِ، إِذْ بعده لَا مجَال للتوقف وَإِن لم يفْسخ الْأَمر بِنَفسِهِ (ثمَّ بَين مانعه) مَعْطُوف على مَا فهم من فحوى الْكَلَام قَالَ لكَونه أَمر ثمَّ بَين، كلمة ثمَّ للتفاوت بَين بَيَان الْمَانِع وَعَدَمه، يَعْنِي أَن مُجَرّد الْأَمر كَاف فِي إِيجَاب الْغَضَب من التَّوَقُّف، ثمَّ إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ بَيَان الْمَانِع الْقَاطِع لمادة الشُّبْهَة الملقية إِلَى التَّوَقُّف زَاد فِي الْإِيجَاب (وَأحسن المخارج) للْعُذْر (لَهُم) أَي الصَّحَابَة فِي عدم المسارعة إِلَى الِامْتِثَال (ظَنّه) أَي الْأَمر بِالْفَسْخِ (أَمر إِبَاحَة) حَال كَونه (رخصَة ترفيها) لَهُم وتسهيلا (وَأظْهر مِنْهُ) أَي من هَذَا الْخَبَر فِي الدّلَالَة على أَنهم كَانُوا يرَوْنَ اتِّبَاعه فِي الْفضل وَاجِبا (أمره) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِالْحلقِ فِي الْحُدَيْبِيَة) بِضَم الْحَاء وَفتح الدَّال، ثمَّ الْبَاء الْمُوَحدَة، ثمَّ الْيَاء مُخَفّفَة ومثقلة، وَأكْثر الْمُحدثين على التثقيل، مَوضِع مَعْرُوف من جِهَة جده بَينهَا وَبَين مَكَّة عشرَة أَمْيَال، كَذَا ذكره الشَّارِح (فَلم يَفْعَلُوا حَتَّى حلق فازدحموا) فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث الْمسور بن مخرمَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: قومُوا فَانْحَرُوا ثمَّ احْلقُوا، قَالَ وَالله مَا قَامَ مِنْهُم رجل حَتَّى قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، فَلَمَّا لم يقم مِنْهُم أحد دخل على أم سَلمَة فَذكر لَهَا مَا لَقِي من النَّاس، فَقَالَت أم سَلمَة: يَا نَبِي الله أَتُحِبُّ ذَلِك اخْرُج ثمَّ لَا تكلم أحدا مِنْهُم كلمة حَتَّى تنحر بدنك وَتَدْعُو حالقك فيحلقك، فَخرج فَلم يكلم أحدا مِنْهُم حَتَّى فعل ذَلِك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَامُوا ونحروا، وَجعل بَعضهم يحلق بَعْضًا حَتَّى كَاد بَعضهم يقتل بَعضهم غما انْتهى فَظهر أَن توقفهم كَانَ لعدم فعله (وَلَا يتم الْجَواب) عَن هَذَا الْخَامِس (بِأَن الْفَهم) لوُجُوب الْمُتَابَعَة إِنَّمَا نَشأ (من) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خُذُوا عني) مَنَاسِككُم، وَهُوَ لم يحل فَلم يحلوا (لِأَنَّهُ لم يكن) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَه بعد فِي الصُّورَتَيْنِ) صُورَة الْأَمر بِالْفَسْخِ، وَصُورَة الْأَمر بِالْحلقِ (بل) الْجَواب (مَا ذكرنَا) وَهُوَ ظنهم الْأَمر أَمر إِبَاحَة ورخصة ترفيها فَلم يَفْعَلُوا أخذا لما هُوَ الأشق حرصا مِنْهُم فِي زِيَادَة طلب الثَّوَاب (أَو بحلقه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عرف حتمه) وَأَنه إِيجَاب (قَالُوا) سادسا (اخْتلفت الصَّحَابَة فِي وجوب الْغسْل بالإيلاج) لقدر الْحَشَفَة فِي الْفرج من غير إِنْزَال (ثمَّ اتَّفقُوا عَلَيْهِ) أَي وجوب الْغسْل بِهِ كَمَا يفِيدهُ ظَاهر حَدِيث لِأَحْمَد فِي مُسْنده (لزواية عَائِشَة فعله) فَإِنَّهَا قَالَت فعلته أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغتسلنا

(أُجِيب بِأَن فِيهِ قولا) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا التقى) الختانان فقد وَجب الْغسْل رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة وَابْن وهب (وَإِنَّمَا يُفِيد) هَذَا الْجَواب (إِذا روته) أَي عَائِشَة حَدِيث: إِذا التقى إِلَى آخِره أَو مَعْنَاهُ (لَهُم) أَي للصحابة لِأَنَّهُ قد علم أَن اتِّفَاقهم إِنَّمَا حصل بخبرها (أَو هُوَ) أَي الْفِعْل الَّذِي روته عَائِشَة (بَيَان) قَوْله (وَإِن كُنْتُم جنبا) فاطهروا، وَالْأَمر للْوُجُوب: أَي فَلم يرجِعوا إِلَى الْفِعْل من حَيْثُ هُوَ فعله، بل إِلَى أمره تَعَالَى بالاطهار للْجنب، وَقد تبين بِالْفِعْلِ أَن الْجَنَابَة ثبتَتْ بِهِ كَمَا تثبت بالإنزال فالمرجع الْكتاب (أَو تنَاوله) أَي وجوب الْغسْل بالالتقاء قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي) أُصَلِّي (إِذْ هُوَ) أَي الْغسْل (شَرطهَا) أَي الصَّلَاة وَهُوَ إِنَّمَا صلى بعد التقاء الختانين بِالْغسْلِ (أَو لفهم الْوُجُوب) أَي وجوب الْغسْل بِمُجَرَّد الالتقاء (مِنْهَا) أَي عَائِشَة لِأَنَّهَا فهمت الْوُجُوب لقرائن ظَهرت لَهَا، وأفهمتهم ذَلِك حَتَّى حصل لَهُم الْعلم بذلك (إِذْ كَانَ خلافهم فِيهِ) أَي فِي الْوُجُوب والاستحباب (قَالُوا) سابعا الْوُجُوب (أحوط) لما فِيهِ من الْأَمْن من الْإِثْم قطعا فَيجب الْحمل عَلَيْهِ (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي الِاحْتِيَاط (فِيمَا لَا يحْتَمل التَّحْرِيم) على الْأمة (وَفعله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يحْتَملهُ) أَي التَّحْرِيم على الْأمة (ورد) هَذَا الْجَواب (بِوُجُوب صَوْم) يَوْم (الثَّلَاثِينَ) من رَمَضَان (إِذا غم الْهلَال) لشوال بِالِاحْتِيَاطِ مَعَ احْتِمَال كَونه حَرَامًا لكَونه يَوْم الْعِيد (بل الْجَواب أَنه) أَي الِاحْتِيَاط إِنَّمَا شرع (فِيمَا ثَبت وُجُوبه كَصَلَاة نسيت غير مُعينَة) فَيجب عَلَيْهِ الْخمس احْتِيَاطًا (أَو كَانَ) ثُبُوت الْوُجُوب (الأَصْل كَصَوْم) يَوْم (الثَّلَاثِينَ) إِذْ الأَصْل بَقَاء رَمَضَان (النّدب) أَي دَلِيله (الْوُجُوب يسْتَلْزم التَّبْلِيغ) دفعا للتكليف بِمَا لَا يُطَاق (وَهُوَ) أَي التَّبْلِيغ (مُنْتَفٍ بِالْفَرْضِ) إِذْ الْكَلَام فِيمَا وجد فِيهِ مُجَرّد الْفِعْل (وأسوة حَسَنَة تَنْفِي الْمُبَاح) إِذْ أقل مَرَاتِب الْحسن فِي التأسي أَن يكون مَنْدُوبًا (فَتعين النّدب أُجِيب بِأَن الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة (مُطلقًا) سَوَاء كَانَت وجوبا أَو ندبا أَو إِبَاحَة (تستلزمه) أَي التَّبْلِيغ، فَإِن وجوب التَّبْلِيغ يعمها (فَلَو انْتَفَى) التَّبْلِيغ (انْتَفَى النّدب أَيْضا، وَالْمَذْكُور فِي الْآيَة حسن الائتساء وَيصدق) حسنه (مَعَ الْمُبَاح) لِأَن الْمُبَاح حسن، وَلَا نسلم أَن أقل مراتبه النّدب، بل الْإِبَاحَة (قَالُوا) أَي النادبون ثَانِيًا (هُوَ) أَي النّدب (الْغَالِب من أَفعاله) فَيحكم عَلَيْهِ (أُجِيب بِالْمَنْعِ) أَي منع كَون الْغَالِب (الْإِبَاحَة) أَي دليلها (هُوَ) الْمُبَاح، وَكَونه مُبَاحا (الْمُتَيَقن). قَالَ الشَّارِح لانْتِفَاء الْمعْصِيَة وَالْوُجُوب انْتهى، أما الأول فَظَاهر، وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاجِبا لبينه وَلَا يخفى أَن تيقنه على تَقْرِير تَفْسِيره بِمَا لَيْسَ بِحرَام وَلَيْسَ بِوَاجِب وَأما إِذا فسر بِمَا هُوَ أخص من هَذَا التقابل الْمَنْدُوب وَالْمَكْرُوه أَيْضا كَمَا يَقْتَضِيهِ مَحل النزاع

فَلَا نسلم تيقنه (فينتفى الزَّائِد) عَلَيْهَا وَهُوَ كَونه مُسْتَحبا (لنفي الدَّلِيل) لَهُ (وَهُوَ) أَي التيقن مَعَ انْتِفَاء الزَّائِد لنفي الدَّلِيل (وَجه) قَول (الْآمِدِيّ) الَّذِي سبق ذكره (إِذا لم تظهر الْقرْبَة) أَي قَصدهَا فِيهِ فالإباحة (وَإِلَّا) بِأَن ظهر قَصدهَا فِيهِ (فالندب) إِذْ لَو لم يتَمَسَّك بِمَا ذكره لم يتَعَيَّن على تَقْدِير عدم ظُهُور قصد الْقرْبَة وَالْإِبَاحَة وعَلى تَقْدِير ظُهُوره النّدب (وَيجب كَونه) أَي الِاسْتِدْلَال (كَذَا) أَي على المنوال (لمن ذكرنَا من الْحَنَفِيَّة) أَنهم قَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ ويتمسك (بِمثلِهِ) أَي التَّوْجِيه الْمَذْكُور (وَهُوَ) أَي مثله أَن يُقَال (أَنه) أَي النّدب (الْمُتَيَقن مَعهَا) أَي الْقرْبَة (إِلَّا أَن لَا يتْرك) ذَلِك الْفِعْل (مرّة) بِنَاء (على أصولهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فالوجوب) أَي فَحكمه الْوُجُوب حِينَئِذٍ فَإِن خُلَاصَة هَذَا أَيْضا الِاقْتِصَار على الْمُتَيَقن وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ بِقدر الدَّلِيل (وَالْحَاصِل أَن عِنْد عدم ظُهُور الْقرْبَة) وَفِي نُسْخَة الشَّارِح عِنْد عدم الْقَرِينَة (الْمُتَيَقن الْإِبَاحَة وَعند ظُهُورهَا) أَي الْقرْبَة أَو الْقَرِينَة للقربة (وجد دَلِيل الزِّيَادَة) على الْإِبَاحَة (وَالنَّدْب مُتَيَقن فينتفى الزَّائِد) وَهُوَ الْوُجُوب (وَعدم التّرْك مرّة دَلِيل) الزِّيَادَة (حَامِل الْوُجُوب الْكَرْخِي) أَي دَلِيل فِي أَنه مُبَاح فِي حَقه الْمُتَيَقن وَلَيْسَ لنا اتِّبَاعه على مَا سبق أَنه (جَازَت الخصوصية) أَي كَون الْفِعْل جَائِزا لَهُ دون غَيره (فَاحْتمل فعله التَّحْرِيم) على الْأمة (فَيمْنَع) فعله فِي حق غَيره حَتَّى يقوم دَلِيل يرجح أحد الْجَانِبَيْنِ من الْحُرْمَة وَالْجَوَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأمة (الْجَواب أَن) يُقَال (وضع مقَام النُّبُوَّة للاقتداء. قَالَ تَعَالَى لإِبْرَاهِيم {إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا} فَثَبت) جَوَاز الِاقْتِدَاء فِيهِ (مَا لم يتَحَقَّق خُصُوص) لَهُ فِيهِ (وَهُوَ) أَي الْخُصُوص (نَادِر لَا يمْنَع احْتِمَاله) الْمَرْجُوح جَوَاز الِاقْتِدَاء فِيهِ مَا لم يتَحَقَّق (الْوَاقِف) أَي دَلِيل مَذْهَب الْوَقْف (صفته) أَي الْفِعْل (غير مَعْلُومَة) على مَا هُوَ الْمَفْرُوض (والمتابعة) إِنَّمَا تكون (بعلمها) أَي صفته (فَالْحكم بِأَن الْمَجْهُول كَذَا) أَي وَاجِب أَو مَنْدُوب أَو مُبَاح (بِعَيْنِه فِي حَقه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كالكرخي) أَي كحكمه (وَمن ذكرنَا) هم (من الْحَنَفِيَّة) من الخصائص وفخر الْإِسْلَام وشمس الْأَئِمَّة وَالْقَاضِي أبي زيد (وناقل الْوُجُوب) لم يقل وَمَالك لِأَنَّهُ لم يثبت عِنْده (على الْوَجْه الأول) من الْوَجْهَيْنِ: وهما شُمُول الْوُجُوب لَهُ وَلنَا واختصاصه بالأمة، ثمَّ قَوْله فَالْحكم مُبْتَدأ خَبره (تحكم بَاطِل يجب التَّوَقُّف عَنهُ) أَي عَن هَذَا التحكم فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا يجب الْوَقْف عَن خُصُوص حكم فِيهِ: أَي الْفِعْل للْأمة لكَونه تحكما بَاطِلا (وَنَصّ على إِطْلَاقهم) أَي الواقفين (الْفِعْل) للْأمة لكَونه تحكما بَاطِلا على مَا فِي التَّلْوِيح أثبتوا إِذْنا عَاما للْأمة فِي اتِّبَاعه فِي كل فعل غير مَعْلُوم الصّفة فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَلَا يُنَافِي) إِطْلَاقهم الْمَذْكُور (الْوَقْف) فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحقنا (لِأَنَّهُ) أَي الْإِطْلَاق الَّذِي هُوَ عبارَة عَن مُجَرّد الْإِذْن فِي الْفِعْل لَيْسَ الحكم الَّذِي هُوَ الْإِبَاحَة وَإِنَّمَا هُوَ (جُزْء الحكم) أَي الْإِبَاحَة لِأَنَّهُ عبارَة عَن مَجْمُوع إِطْلَاق الْفِعْل وَإِطْلَاق التّرْك (فَلم يحكم فِي

مسئلة

حَقه وَلَا فِي حق الْأمة بِحكم) وَإِن حكمُوا فِيهَا يُجزئهُ (وَهُوَ) إِطْلَاقهم الْفِعْل فِي حَقه وحقنا (مُقْتَضى الدَّلِيل لمنع شَرط الْعلم) بِحَال الْفِعْل (فِي الْمُتَابَعَة) فِي جَانب الْفِعْل (والتحكم) مَعْطُوف على شَرط الْفِعْل: أَي وَمنع التحكم فِي جَانب التّرْك فَلَا يُمكن أَن يحكم بِأَنَّهُ لَا بُد من تَركه للْأمة (وَيجب حمل الْإِبَاحَة عَلَيْهِ) أَي على إِطْلَاق الْفِعْل (لَا) على الْمَعْنى (المصطلح) لَهَا وَهُوَ جَوَاز الْفِعْل مَعَ جَوَاز التّرْك (لانْتِفَاء التيقن فِيهِ) أَي فِي الْمَعْنى المصطلح لعدم الدَّلِيل (وَمثله) أَي مثل حمل الْإِبَاحَة على غير الْمَعْنى المصطلح يحمل (النّدب) على قَول من قَالَ بِهِ على غير المصطلح (فِي) صُورَة قصد (الْقرْبَة) فَيحمل (على مُجَرّد تَرْجِيح الْفِعْل) على التّرْك لَا مَعَ تَجْوِيز التّرْك كَمَا هُوَ المصطلح فَيصدق مَعَ الْوُجُوب وَالنَّدْب المصطلح (لنفي التحكم) اللَّازِم على تَقْدِير حمله على المصطلح لعدم الدَّلِيل (وَحِينَئِذٍ) أَي حِين إِذْ كَانَ الْوَقْف مَا ذكرنَا تبين أَن الْوَقْف لَا يمْنَع الِاتِّبَاع مُطلقًا حَتَّى يرد عَلَيْهِ أَن المنصب للاقتداء إِلَى آخِره كَمَا أورد على الْكَرْخِي بل يُجِيز الْفِعْل وَحِينَئِذٍ (فدليلهم) أَي الواقفين وَهُوَ صفته غير مَعْلُومَة إِلَى آخِره (من غَيرهم) بقوله (على لسانهم وَإِنَّمَا هُوَ) أَي دليلهم قَوْلهم مَا ذكر من أَدِلَّة غَيرهم (احتمالات مُتَسَاوِيَة فَلَا يتحكم بِشَيْء مِنْهَا وَمُجَرَّد إِطْلَاق الْفِعْل ثَابت بِمَا ذكرنَا) فَيجب القَوْل بِهِ. مسئلة (إِذا علم النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِفعل وَإِن لم يره) أَي ذَلِك الْفِعْل (فَسكت) عَن إِنْكَار حَال كَونه (قَادِرًا على إِنْكَاره فَإِن) كَانَ الْفِعْل (مُعْتَقد كَافِر فَلَا أثر لسكوته) وَلَا دلَالَة لَهُ على الْجَوَاز اتِّفَاقًا، فَإِن عدم إِنْكَاره حِينَئِذٍ لعلمه بِأَنَّهُ لَا يَنْتَهِي وَلَيْسَ بمأمور بِخَبَرِهِ (وَإِلَّا) وَإِن لم يكن مُعْتَقد كَافِر (فَإِن سبق تَحْرِيمه بغام ف) هُوَ (نسخ) لتحريمه مِنْهُ عِنْد الْحَنَفِيَّة (أَو تَخْصِيص) لَهُ بِهِ عِنْد الشَّافِعِيَّة (على الْخلاف) بَينهم فِي أَن مثل ذَلِك نسخ أَو تَخْصِيص (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن يسْبق تَحْرِيمه بِهِ (فدليل الْجَوَاز، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن دَلِيل الْجَوَاز (كَانَ) سُكُوته مستلزما (تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة) وَهُوَ غير وَاقع كَمَا سَيَأْتِي (فَإِن استبشر) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِهِ) أَي بذلك الْفِعْل (فأوضح) أَي فَذَلِك السُّكُوت المقرون بالاستبشار أوضح دلَالَة على الْجَوَاز من السُّكُوت الْغَيْر المقرون بالاستبشار (إِلَّا أَن يدل دَلِيل على أَنه) أَي استبشاره (عِنْده) أَي الْفِعْل (لأمر آخر، لابه) أَي بذلك الْفِعْل، و (قد يخْتَلف فِي ذَلِك) أَي فِي كَون الاستبشار بِهِ (فِي الْمَوَارِد، وَمِنْه) أَي من الْمُخْتَلف فِيهِ من الْمَوَارِد (إِظْهَاره)، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْبشر) أَي السرُور (عِنْد قَول) مجزز بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وزاءين معجمتين، الأولى مُشَدّدَة مَكْسُورَة (المدلجي) بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة من

مسئلة

بني مُدْلِج بن مرّة لَهُ صُحْبَة، وَذكر ابْن يُونُس أَنه شهد فتح مصر لما دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أُسَامَة بن زيد وَزيد بن حَارِثَة عَلَيْهِمَا قطيفة قد غطيا رؤوسهما (وبدت لَهُ أَقْدَام زيد وَأُسَامَة: أَن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض) كَمَا فِي كتب السّنة. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَانَ أُسَامَة أسود وَكَانَ زيد أَبيض. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد: كَانَ أُسَامَة مثل اللَّيْل، وَكَانَ يزِيد أَبيض أَحْمَر أشقر (فاعتبره) أَي بشر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الشَّافِعِي بقوله) أَي المدلجي (فَأثْبت) الشَّافِعِي (النّسَب بالقيافة، ونفاه) أَي ثُبُوته بهَا (الْحَنَفِيَّة وصرفوا الْبشر إِلَى مَا يثبت عِنْده) أَي قَول المدلجي (من تَركهم الطعْن فِي نسبه وإلزامهم بخطئهم فِيهِ) أَي فِي الطعْن فِيهِ (على اعْتِقَادهم) حقية القيافة (وَدفع) هَذَا (بِأَن ترك إِنْكَاره) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الطَّرِيق) فِي إِثْبَات النّسَب على مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة، يَعْنِي القيافة (ظَاهر فِي حقيتها) أَي القيافة (فَلَا يجوز) ترك إِنْكَاره (إِلَّا مَعَه) أَي كَونهَا حَقًا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يكون بشره مَعَ عدم حقية الطَّرِيق (لذكره) أَي إنكارها (وَلَا يَنْفِي) ذكره الْإِنْكَار (الْمَقْصُود من رجوعهم) أَي الطاعنين: إِذْ الْإِنْكَار لَا يردهم عَن عقيدتهم، وَفَائِدَة الْإِنْكَار رَاجِعَة إِلَى الْمُؤمنِينَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَالْجَوَاب) عَن الدّفع الْمَذْكُور (أَن انحصار ثُبُوت النّسَب فِي الْفراش كَانَ ظَاهرا عِنْد أهل الشَّرْع، والطعن لَيْسَ مِنْهُم بل من الْمُنَافِقين وهم يَعْتَقِدُونَ بطلَان قَوْلهم) فِي الطعْن (لقَوْله) أَي المدلجي (فالسرور لذَلِك) أَي لبُطْلَان قَوْلهم (وَترك إِنْكَار السَّبَب) الَّذِي هُوَ القيافة لَا تضر (لِأَنَّهُ) أَي هَذَا التّرْك (كتركه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِنْكَار (على تردد كَافِر إِلَى كَنِيسَة فَلَا يكون) سُكُوته عَن إنكارهم (تقريرا). مسئلة (الْمُخْتَار أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل بعثته متعبد) أَي مُكَلّف (قيل بشرع نوح) عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ أول الرُّسُل المشرعين، وَحكى ابْن برهَان تعبده بشرع آدم لِأَنَّهُ أول الشَّرَائِع وَكَأن المُصَنّف لم يعْتد بِهَذَا القَوْل (وَقيل) بشرع (إِبْرَاهِيم) عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ صَاحب الْملَّة الْكُبْرَى (وَقيل) بشرع (مُوسَى) لِأَنَّهُ صَاحب الْكتاب الَّذِي نسخ وَلم ينْسَخ أَكثر (وَقيل) بشرع (عِيسَى) عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ بعدهمْ وَلم ينْسَخ إِلَى حِين بَعثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يخفى مَا فِي هَذِه الْأَوْجه. (وَالْمُخْتَار) عِنْد المُصَنّف أَنه متعبد (بِمَا ثَبت أَنه شرع إِذْ ذَاك) فِي ذَاك الزَّمَان بطريقه لِأَنَّهُ فِي غير الْمُتَوَاتر إِنَّمَا يثبت بعدالة النقلَة المخبرين بِأَن حكم الله كَذَا

وَلم ينْسَخ إِلَى هَذَا الْيَوْم وَكَانَ ذَلِك متعسرا فَكَانَ يَكْتَفِي بِمُجَرَّد ثُبُوت كَونه مَشْرُوعا فِي شرع نَبِي، لِأَن الأَصْل عدم النّسخ فَيعْمل بِهِ مَا لم يتَعَلَّق الْعلم بالنسخ، وَنقل الشَّارِح عَن المُصَنّف مَا يُقَارب هَذَا (إِلَّا أَن يثبتا) أَي الشرعان أَمريْن (متضادين فبالأخيرة) أَي فَيجب حِينَئِذٍ أَن يعْمل بالشريعة الْمُتَأَخِّرَة للْعلم بِكَوْنِهَا ناسخة للأولى (فَإِن لم يعلم الْمُتَأَخر) من الشرعين (لعدم معلومية طَرِيقه) أَي الْأَخير (فبمَا ركن إِلَيْهِ) أَي فَهُوَ متعبد بِمَا اطْمَأَن قلبه إِلَيْهِ (مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا كقياسين) لَا رُجْحَان لأَحَدهمَا على الآخر وَالْحكم فِي الْقيَاس مَا ذكرُوا وَذَلِكَ (لعدم مَا بعدهمَا) أَي لعدم الْعلم بشرع ثَالِث (ونفاه) أَي تعبده قبل الْبعْثَة بشرع من قبله (الْمَالِكِيَّة). قَالَ القَاضِي وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْمُتَكَلِّمين، ثمَّ اخْتلفُوا فمنعته الْمُعْتَزلَة عقلا. وَقَالَ القَاضِي وَغَيره من أهل الْحق وَيجوز وَلم يَقع. قَالَ المُصَنّف (والآمدي وَتوقف الْغَزالِيّ) وَنسب التَّوَقُّف السُّبْكِيّ إِلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ والآمدي وَابْن الْأَنْبَارِي وَغَيرهم (لنا لم يَنْقَطِع التَّكْلِيف من بعثة آدم عُمُوما) أَي بعثا عَاما إِلَى كَافَّة النَّاس (كآدم ونوح وخصوصا) كشعيب إِلَى أهل مَدين وَأهل الأيكة (وَلم يتْركُوا) أَي النَّاس (سدى) أَي مهملين غير مأمورين وَلَا منهيين فِي زمن من الْأَزْمَان (قطّ فَلَزِمَ) التَّعَبُّد (كل من تأهل) لَهُ من الْعباد (وبلغه) مَا يتعبد بِهِ (وَهَذَا) الدَّلِيل (يُوجِبهُ) أَي التَّعَبُّد (فِي غَيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَيْضا (وَهُوَ كَذَلِك، وتخصيصه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اتفاقي. وَاسْتدلَّ) للمختار (بتضافر رِوَايَات صلَاته وصومه وحجه) أَي تعاونهما واجتماعهما. قَوْله بتظافر بالظاء الْمُعْجَمَة فِي النّسخ المصححة. وَقَالَ الشَّارِح بالضاد الْمُعْجَمَة (للْعلم الضَّرُورِيّ أَنه) أَي فعلهَا (لقصد الطَّاعَة وَهِي) أَي الطَّاعَة (مُوَافقَة الْأَمر) فَلَا يتَصَوَّر من غير شرع (وَالْجَوَاب أَن الضَّرُورِيّ قصد الْقرْبَة وَهِي) أَي الْقرْبَة (أَعم من مُوَافقَة الْأَمر والتنفل فَلَا يسْتَلْزم) الْقرْبَة (معينا) مِنْهُمَا (ظَاهرا) أَي لَيْسَ لُزُوم الْمعِين ظَاهرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقرْبَة (فضلا عَن ضروريته) أَي كَونه ضَرُورِيًّا. (وَاسْتدلَّ أَيْضا بِعُمُوم كل شَرِيعَة) جَمِيع الْمُكَلّفين فيتناوله أَيْضا (وَمنع) عُمُوم كل شَرِيعَة، وَكَيف لَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة وَبعثت إِلَى النَّاس عَامَّة انْتهى قلت وَفِي قَوْله تَعَالَى - {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} - إِشَارَة إِلَيْهِ. قَالَ (النَّافِي لَو كَانَ) متعبدا بشريعة من قبله (قَضَت الْعَادة بمخالطته أَهلهَا وَوَجَبَت) مخالطته لَهُم لأخذ الشَّرْع مِنْهُم (وَلم يفعل) ذَلِك، إِذْ لَو فعل لنقل لتوفر الدَّوَاعِي على نَقله (أُجِيب الملزم) للتعبد بِمَا إِذا علم أَنه شرع (إِذْ ذَاك) أَي قبل الْبعْثَة (التَّوَاتُر) لِأَنَّهُ الْمُفِيد للْعلم (وَلَا حَاجَة

مَعَه) أَي التَّوَاتُر (إِلَيْهَا) أَي مخالطته لَهُم (لَا) أَن الْمَلْزُوم لَهُ (الْآحَاد لِأَنَّهَا) أَي الْآحَاد (مِنْهُم) أَي أهل شرع من قبله (لَا تفِيد ظنا) لما وَقع من التحريف على مَا أخبر بِهِ التَّنْزِيل. قَالَ الشَّارِح وَالْخلاف فِي هَذَا يجب أَن يكون مَخْصُوصًا بالفروع، إِذْ النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة مكلفون بقواعد العقائد، وَلِهَذَا انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن موتاهم فِي النَّار يُعَذبُونَ بهَا على كفرهم وَلَوْلَا التَّكْلِيف مَا عذبُوا، فعموم إِطْلَاق الْعلمَاء مَخْصُوص بِالْإِجْمَاع. ذكره الْقَرَافِيّ، ثمَّ هَذِه المسئلة. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهمَا: وَلَا يظْهر لَهَا ثَمَرَة فِي الْأُصُول وَلَا فِي الْفُرُوع بل تجْرِي مجْرى التواريخ وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا حكم فِي الشَّرِيعَة وَفِيه تَأمل انْتهى. (وَأما) تعبده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشرع من قبله (بعد الْبَعْث فَمَا ثَبت) أَنه شرع لمن قبله فَهُوَ (شرع لَهُ ولأمته) عِنْد جُمْهُور الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة وَعَن الْأَكْثَرين الْمَنْع، فالمعتزلة مستحيلة عقلا وَغَيرهم شرعا، وَاخْتَارَهُ القَاضِي وَالْإِمَام الرَّازِيّ والآمدي و (لنا مَا اخترناه) بَين الْأَدِلَّة (من الدَّلِيل) السَّابِق، وَهُوَ أَنه لم يَنْقَطِع التَّكْلِيف إِلَى آخِره (فَيثبت) ذَلِك شرعا لَهُ (حَتَّى يظْهر النَّاسِخ وَالْإِجْمَاع) مُنْعَقد (على الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى وكتبنا عَلَيْهِم) أَي أَوجَبْنَا على بني إِسْرَائِيل أَو فَرضنَا (فِيهَا) أَي التَّوْرَاة - {أَن النَّفس بِالنَّفسِ} - على وجوب الْقصاص فِي شرعنا، وَلَوْلَا أَنا متعبدون بِهِ لما صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِوُجُوبِهِ فِي دينهم على وُجُوبه فِي ديننَا. (وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَام عَن صَلَاة) أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا (وتلا - {أقِم الصَّلَاة لذكري} وَهِي) أَي هَذِه الْآيَة (مقولة لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام) فاستدل بهَا على وجوب قَضَاء الصَّلَاة عِنْد تذكرها، وَإِلَّا لم يكن لتلاوتها فَائِدَة فِي هَذَا الْمقَام، فَعلم تعبده بِمَا فِي شَرعه (قَالُوا) أَي النافون أَولا (لم يذكر) شرع من قبلنَا (فِي حَدِيث معَاذ) السَّابِق (وَصَوَّبَهُ) أَي مَا فِيهِ من الْقَضَاء بِكِتَاب الله تَعَالَى ثمَّ بِسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بِاجْتِهَادِهِ. وَلَو كَانَ شرع من قبلنَا شرعا لنا لذكره (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي عدم ذكره (إِمَّا لِأَن الْكتاب يتضمنه) لقَوْله تَعَالَى - {فبهداهم اقتده} - فَإِنَّهُ يعم الْأُصُول وَالْفُرُوع (أَو لقلته) أَي قلَّة وُقُوعه، وَإِنَّمَا صرنا فِي أحد التَّأْويلَيْنِ (جمعا للأدلة) دليلنا الدَّال على كَونه متعبدا بِهِ ودليلكم الدَّال على نَفْيه (قَالُوا) ثَانِيًا إِلَى أحد التَّأْويلَيْنِ (الْإِجْمَاع على أَن شريعتنا ناسخة) لجَمِيع الشَّرَائِع (قُلْنَا) ناسخة (لما خالفها) أَي شريعتنا (لَا مُطلقًا للْقطع بِعَدَمِهِ) أَي النّسخ (فِي الْإِيمَان وَالْكفْر وَغَيرهمَا) كَالْقصاصِ وحد الزِّنَا (قَالُوا) ثَالِثا (لَو كَانَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متعبدا بِهِ (وَجَبت خلطته) لأَهله (أُجِيب بِمَا تقدم) بِأَن الملزم للتعبد إِذْ ذَاك التَّوَاتُر إِلَى آخِره (وَاعْلَم أَن الْحَنَفِيَّة قيدوه) أَي كَون شرع من قبلنَا شرعا لنا (بِمَا إِذا قصّ الله وَرَسُوله) ذَلِك (وَلم يُنكره فَجعل) هَذَا مِنْهُم قولا (ثَالِثا وَالْحق أَنه)

مسئلة

أَي هَذَا التَّقْيِيد (وصل بَيَان طَرِيق ثُبُوته) أَي شرع من قبلنَا (لَا يَتَأَتَّى فِيهِ خلاف، إِذْ لَا يُسْتَفَاد) شرعهم (عَنْهُم) أَي عَن أهل تِلْكَ الشَّرَائِع (آحادا وَلم يعلم متواتر) مِنْهُ (لم ينْسَخ، وَلَا بُد من ثُبُوته) شرعا لَهُم أَولا ليترتب عَلَيْهِ وجوب اتباعنا لَهُ ثَانِيًا (فَكَانَ) ثُبُوته (بذلك) بِأَن يقص الله وَرَسُوله من غير إِنْكَار (وَبَيَان رده إِلَى الْكتاب أَو السّنة يمْنَع كَونه) قسما (خَامِسًا من الِاسْتِدْلَال كَمَا سَيَأْتِي). مسئلة (تَخْصِيص السّنة بِالسنةِ كالكتاب) أَي كتخصيص الْكتاب بِالْكتاب (على الْخلاف) إِمَّا فِي الْجَوَاز كَمَا بَين الْجُمْهُور وشذوذ، وَإِمَّا فِي اشْتِرَاط الْمُقَارنَة فِي الْمُخَصّص الأول بِكَوْنِهِ مَوْصُولا بِالْعَام على مَا سبق فِي بحث التَّخْصِيص، فَأكْثر الْحَنَفِيَّة يشْتَرط وَبَعْضهمْ كالشافعية لَا يشْتَرط إِلَى غير ذَلِك مِمَّا تقدم فِي بَحثه (قَالُوا) أَي الْجُمْهُور (خص) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِيمَا سقت السَّمَاء) والعيون أَو كَانَ عثريا (الْعشْر، بليس فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة) مُتَّفق عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَي تَخْصِيصه الأول، وَهُوَ فِيمَا سقت السَّمَاء إِلَى آخِره بِالثَّانِي، وَهُوَ لَيْسَ إِلَى آخِره (تَامّ على) قَول (الشَّافِعِيَّة) وَبَعض الْحَنَفِيَّة لعدم الْمُقَارنَة، وتقديمهم الْخَاص مُطلقًا (لَا) على قَول (أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِذْ لم تثبت مقارنته) أَي الثَّانِي للْأولِ (وَلَا تَأْخِيره ليخص) على تَقْدِير مقارنته (وينسخ) على تَقْدِير تَأْخِيره (فتعارضا) أَي الحديثان فِي الْإِيجَاب فِيمَا دون خَمْسَة أوسق فَقدم أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الثَّانِي. قَالَ الشَّارِح بِمَا الله أعلم بِهِ، فَإِن وَجهه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأَصْل المذهبي غير ظَاهر انْتهى. وَلَا يبعد أَن يُقَال بِأَن عدم الْإِيجَاب وَبَرَاءَة الذِّمَّة هُوَ الأَصْل فيصلح مرجحا، فَإِن الِاسْتِصْحَاب يصلح للدَّفْع وَإِن لم يصلح للإثبات (وَقدم) أَبُو حنيفَة (الأول) أَي الْعَام (احْتِيَاطًا) لتقدم الْمُوجب على الْمُبِيح، وَحمل كثير من الْمَشَايِخ كصاحب الْهِدَايَة وَغَيره مرويهما على زَكَاة التِّجَارَة جمعا بَين الْحَدِيثين وَقَالُوا لأَنهم يتبايعون بالأوساق وَقِيمَة الوسق كَانَت يَوْمئِذٍ أَرْبَعِينَ درهما، وَلَفظ الصَّدَقَة يُنبئ عَنْهَا. مسئلة (ألحق) أَبُو بكر (الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة والبردعي وفخر الْإِسْلَام وَأَتْبَاعه) والسرخسي وَأَبُو الْيُسْر والمتأخرون وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يُمكن فِي الْقَدِيم وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه (قَول الصَّحَابِيّ) الْمُجْتَهد (فِيمَا يُمكن فِيهِ الرَّأْي) أَي فِي حكم يُمكن إثْبَاته بِالْقِيَاسِ (بِالسنةِ) صلَة الْإِلْحَاق بِالسنةِ وَهَذَا الْإِلْحَاق بِالنِّسْبَةِ إِلَى غير الصَّحَابِيّ (لَا لمثله) أَي صَحَابِيّ آخر (فَيجب) على غير الصَّحَابِيّ

(تَقْلِيده) أَي الصَّحَابِيّ (ونفاه) أَي إِلْحَاقه بِالسنةِ (الْكَرْخِي وَجَمَاعَة) من الْحَنَفِيَّة: مِنْهُم القَاضِي أَبُو زيد (كالشافعي) فِي الْجَدِيد (وَلَا خلاف فِيمَا لَا يجْرِي فِيهِ) أَي فِي قَوْله الَّذِي لَا يجْرِي فِيهِ الرَّأْي لعدم إِمْكَانه (بَينهم) أَي الْحَنَفِيَّة ظرف للْخلاف وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كالمرفوع لِأَنَّهُ لَا يدْرك بِالرَّأْيِ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي أَيْضا فِي الْجَدِيد على مَا حَكَاهُ السُّبْكِيّ (وتحريره) أَي مَحل النزاع (قَوْله) أَي الصَّحَابِيّ (فِيمَا) يدْرك بِالْقِيَاسِ لَكِن (لَا يلْزمه الشُّهْرَة) بَين الصَّحَابَة لكَونه (مِمَّا لَا تعم بِهِ الْبلوى وَلم ينْقل خلاف) فِيهِ بَين الصَّحَابَة، ثمَّ ظهر نَقله فِي التَّابِعين (وَمَا يلْزمه) الشُّهْرَة لكَونه مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى واشتهر وَلم يظْهر خلاف (فَهُوَ إِجْمَاع كالسكوتي حكما بشهرته) أَي قَوْلنَا بِكَوْنِهِ إِجْمَاعًا كالإجماع السكوتي لحكمنا بِكَوْنِهِ مَشْهُور الْوُجُود مُقْتَضى الشُّهْرَة وَهُوَ عدم الْبلوى وَعدم خلافهم مَعَ شهرته بِمَنْزِلَة اطلَاع أهل الْحل وَالْعقد على أَمر ديني مَعَ سكوتهم عَن إِنْكَاره (وَفِي) صُورَة (اخْتلَافهمْ) أَي الصَّحَابَة فِيمَا يُمكن فِيهِ أَن تعم الْبلوى، أَو لَا يسْلك (التَّرْجِيح) بمرجح لأحد الْأَقْوَال (فَإِن تعذر) التَّرْجِيح (عمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ). قَالَ الشَّارِح بعد أَن يَقع فِي أَكثر رَأْيه أَنه هُوَ الصَّوَاب. وَلَا يخفى أَن مَا يفهم من الْمَتْن أَعم من ذَلِك، وَقَالَ أَيْضا بعد أَن يعْمل بِأَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَن يعْمل بِالْآخرِ بِلَا دَلِيل (لَا يطْلب تَارِيخ) بَين أَقْوَالهم كَمَا يفعل بَين النصين، لأَنهم لما اخْتلفُوا وَلم يتحاجوا بِالسَّمَاعِ تعين أَن تكون أَقْوَالهم عَن اجْتِهَاد لَا سَماع فَكَانَا (كالقياسين) تَعَارضا (بِلَا تَرْجِيح) لأَحَدهمَا على الآخر حَيْثُ يكون هَذَا حكمهمَا: وَذَلِكَ لِأَن الْحق لَا يعدو أَقْوَالهم حَتَّى لَا يجوز لأحد أَن يَقُول بِالرَّأْيِ قولا خَارِجا عَنْهَا (وَاخْتلف عمل أئمتهم) أَي الْحَنَفِيَّة فِي هَذِه المسئلة، وَهِي تَقْلِيده فِيمَا يُمكن فِيهِ للرأي، فَلم يسْتَقرّ عَنْهُم مَذْهَب فِيهَا، وَلَا يثبت فِيهَا عَنْهُم رِوَايَة ظَاهِرَة (فَلم يشترطا) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي صِحَة السّلم (إِعْلَام قدر رَأس مَال السّلم الْمشَاهد) أَي تَسْمِيَة قدره إِذا كَانَ مشارا إِلَيْهِ (قِيَاسا) على الْإِعْلَام بِالتَّسْمِيَةِ يَصح إِجْمَاعًا: فَكَذَا بِالْإِشَارَةِ وَقِيَاسًا على البيع الْمُطلق فَإِن الْبَدَل فِيهِ إِذا كَانَ مشارا إِلَيْهِ يُغني عَن التَّسْمِيَة (وَشَرطه) أَي أَبُو حنيفَة إِعْلَام قدر رَأس المَال الْمشَاهد فِي صِحَّته (وَقَالَ بلغنَا) ذَلِك (عَن ابْن عمر) كَذَا فِي الْكَشْف وَفِي غَيره عَن عمر وَابْن عمر (وضمنا) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (الْأَجِير الْمُشْتَرك) وَهُوَ من يعْقد على عمله كالصباغ والقصار الْعين الَّتِي هِيَ مَحل الْعَمَل إِذا هَلَكت (فِيمَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ كالسرقة بِخِلَاف) مَا إِذا هَلَكت بِالسَّبَبِ (الْغَالِب) وَهُوَ مَا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ كالحرق وَالْغَرق والغارة الْعَامَّة فَإِنَّهُ لَا ضَمَان فِيهِ عَلَيْهِ آنِفا وَإِنَّمَا ضمناه فِي الأول (بقول عَليّ رَضِي الله عَنهُ) رَوَاهُ ابْن أَب شيبَة عَنهُ من طرق. وَأخرج الشَّافِعِي عَنهُ أَنه كَانَ يضمن الصّباغ والصائغ

وَيَقُول لَا يصلح للنَّاس إِلَّا ذَلِك (ونفاه) أَي أَبُو حنيفَة تضمين الْأَجِير الْمُشْتَرك (بِقِيَاس أَنه أَمِين كَالْمُودعِ) والأجير الْوَاحِد وَهُوَ من يعْقد على مَنَافِعه، وروى الشَّارِح عَن أبي حنيفَة عَن عَليّ خلاف هَذَا وَهُوَ عدم تضمين الْقصار والصباغ، وَأَنه رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَول الاسبيجابي أَن عليا رَجَعَ عَن ذَلِك وَأَن شريحا كَانَ لَا يضمن بِحَضْرَة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من غير نَكِير وَالله أعلم (وَاتفقَ فِيمَا لَا يدْرك رَأيا كتقدير أقل الْحيض) ثَلَاثَة أَيَّام (بِمَا) روى (عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَأنس) رَضِي الله عَنْهُم، ك 1 افي جَامع الْأَسْرَار (وَاعْترض الشَّارِح بِأَن التَّقْدِير الْمَذْكُور بالمرفوع من طرق عديدة وَإِن كَانَ فِيهَا ضعف، فَإِن تعددها يرفعها إِلَى دَرَجَة الْحسن، وَبِأَن حِكَايَة الِاتِّفَاق فِيهَا نظر، لِأَن فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة ثَلَاثَة أَيَّام والليلتان يتخللانها، وَعند أبي يُوسُف يَوْمَانِ وَأكْثر الثَّالِث وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الِاسْتِدْلَال بِمَا عَن الصَّحَابَة طَرِيق مُسْتَقل فِي إِثْبَات الْمطلب وَهُوَ لَا يُنَافِي أَن يسْتَدلّ بطرِيق آخر، وَهُوَ جمع الطّرق الضعيفة على مَا ذكر وَأَن أَبَا يُوسُف لم يُخَالف فِي تَقْدِير ثَلَاثَة أَيَّام، لِأَن الْأَكْثَر فِي حكم الْكل، وَرِوَايَة الْحسن لم تخَالف فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن خَالَفت فِي اللَّيَالِي فَيجوز أَن يُقَال بِهَذَا الِاعْتِبَار أَنهم اتَّفقُوا فِي تَقْدِير الْأَقَل على أَن الْحيض بعض الرِّوَايَات لَا يعْتد بهَا، ثمَّ عطف على تَقْدِير أقل الْحيض قَوْله (وَفَسَاد بيع مَا اشْترى) بِأَقَلّ مِمَّا اشْترى (قبل نقد الثّمن بقول عَائِشَة) لأم ولد زيد بن أَرقم لما قَالَت لَهَا: إِنِّي بِعْت من زيد غُلَاما بثمانمائة دِرْهَم نَسِيئَة واشتريته بستمائة نَقْدا، بلغي زيدا أَن قد أبطلت جهادك مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَن تتوب بئس مَا اشْتريت وَبئسَ مَا شريت، رَوَاهُ أَحْمد. قَالَ ابْن عبد الْهَادِي إِسْنَاده جيد (لما تقدم) أَي لِأَنَّهُ لَا يدْرك رَأيا، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِكَوْن مَا قالته مِمَّا لَا يدْرك بِالرَّأْيِ (لِأَن الأجزية) على الْأَعْمَال كبطلان الْجِهَاد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تعلم إِلَّا (بِالسَّمْعِ) فَهُوَ فِي حكم الرّفْع. (للنافي) إِلْحَاق قَول الصَّحَابِيّ بِالسنةِ أَنه (يمْتَنع تَقْلِيد الْمُجْتَهد) غَيره (وَهُوَ) أَي الصَّحَابِيّ (كَغَيْرِهِ) من الْمُجْتَهدين فِي احْتِمَال اجْتِهَاده الْخَطَأ لانْتِفَاء الْعِصْمَة فَيمْتَنع تَقْلِيده. (الْمُوجب) أَي الْقَائِل بِوُجُوب تَقْلِيده (منع) الْمُقدمَة (الثَّانِيَة) وَهُوَ كَون الْمُجْتَهد الصَّحَابِيّ كَغَيْرِهِ فِي الِاحْتِمَال الْمَذْكُور (بل يُقَوي فِيهِ) أَي فِي قَوْله (احْتِمَال السماع) لِأَنَّهُ الْأَغْلَب فِي أَقْوَالهم (وَلَو انْتَفَى) السماع (فأصابته) الْحق (أقرب) من غَيره (لبركة الصُّحْبَة ومشاهدتهم الْأَحْوَال المستنزلة للنصوص) يَعْنِي أَسبَاب نُزُولهَا (والمحال الَّتِي لَا تَتَغَيَّر) الْأَحْكَام (باعتبارها) وبذلهم المجهود فِي طلب الْحق وقوام الدّين أَكثر (بِخِلَاف غَيره) أَي الصَّحَابِيّ، وَاحْتِمَال الْخَطَأ لَا يُوجب الْمَنْع عَن اتِّبَاع مَا يحْتَملهُ كالقياس: أَي كَمَا أَن احْتِمَال الْقيَاس الْخَطَأ لَا يمْنَع اتِّبَاع الْمُجْتَهد الْقيَاس إِيَّاه بل

يجب عَلَيْهِ اتِّبَاعه (فَصَارَ) قَول الصَّحَابِيّ (كالدليل الرَّاجِح) فَإِنَّهُ إِن ظهر للمجتهد أَدِلَّة متعارضة وَكَانَ أَحدهَا راجحا بتعين الْعَمَل بِهِ (وَقد يفِيدهُ) أَي وجوب تَقْلِيد الصَّحَابِيّ أَو نَدبه (عُمُوم) قَوْله تَعَالَى - {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان} فَإِن مدح التَّابِعين بِاعْتِبَار الِاتِّبَاع على مَا يَقْتَضِيهِ تعلق الْمَدْح بالموصوف بِهِ يُفِيد ذَلِك، إِذْ كَمَال الِاتِّبَاع بِالرُّجُوعِ إِلَى رَأْيهمْ، لِأَن الِاتِّبَاع فِيمَا يدل على الْكتاب وَالسّنة إِنَّمَا هُوَ اتِّبَاع لَهما كَمَا لَا يخفى (وَالظَّاهِر) من الْمُجْتَهد أَي من جَوَاب مسئلة الْمُجْتَهد (فِي) التَّابِعِيّ (الْمُجْتَهد فِي عصرهم) أَي الصَّحَابَة (كَابْن الْمسيب الْمَنْع) أَي منع من بعده من الْمُجْتَهدين من تَقْلِيده (لفَوَات المناط الْمسَاوِي) للمناط فِي وجوب التَّقْلِيد للصحابي وَهُوَ ترك الصُّحْبَة ومشاهدة الْأُمُور المثيرة والمقيدة لاطلاقهما، كَذَا ذكر الشَّارِح وَلَا يخفى أَن مُرَاده أَنه لَا يُقَاس من عاصر الصَّحَابِيّ على الصَّحَابِيّ لعدم الْجَامِع، لَكِن تَقْرِيره يدل على أَنه لَا بُد فِي الْفَرْع من منَاط غير منَاط الأَصْل مسَاوٍ لَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك بل مناطهما وَاحِد كَمَا أَن حكمهمَا وَاحِد، وَغَايَة التَّأْوِيل أَن يُقَال لما كَانَ المناط مفهوما كليا يتَحَقَّق فِي الأَصْل فِي ضمن فَرد، وَفِي الْفُرُوع فِي ضمن فَرد آخر مماثل للْأولِ سمى كل مِنْهُمَا مناطا، أَو عبر عَن مماثلتهما بالمساواة وَالله أعلم. (و) ذكر (فِي النَّوَادِر نعم كالصحابي) وَاخْتَارَهُ حَافظ الدّين النَّسَفِيّ (وَالِاسْتِدْلَال) لهَذَا (بِأَنَّهُم) أَي الصَّحَابَة (لما سوغوا لَهُ) أَي للمجتهد الْمَذْكُور الِاجْتِهَاد وزاحمهم فِي الْفَتْوَى (صَار مثلهم) فِي وجوب التَّقْلِيد أَيْضا (مَمْنُوع الْمُلَازمَة لِأَن التسويغ) لاجتهاده (لرتبة الِاجْتِهَاد) أَي لكَونه بلغ رتبته وَمن بلغَهَا لَا يجوز مَنعه (لَا يُوجب ذَلِك المناط) المثير لوُجُوب تَقْلِيد الصَّحَابِيّ، وَإِذا عرفت أَن التسويغ للِاجْتِهَاد لَا يسْتَلْزم كَونه مثل الصَّحَابِيّ (فبرد شُرَيْح) أَي فالاستدلال برد شُرَيْح (الْحسن) أَي شَهَادَته (على عَليّ) ذكر الْمَشَايِخ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ تحاكم إِلَى شُرَيْح فَخَالف عليا فِي رد شَهَادَة الْحسن لَهُ لِلْقَرَابَةِ (وَهُوَ) أَي عَليّ (يقبل الابْن) أَي كَانَ يرى جَوَاز شَهَادَة الابْن لِأَبِيهِ (وَمُخَالفَة مَسْرُوق ابْن عَبَّاس فِي إِيجَاب مائَة من الْإِبِل فِي النّذر بِذبح الْوَلَد إِلَى) إِيجَاب (شَاة) كلمة إِلَى مُتَعَلقَة بِمَا تضمنته الْمُخَالفَة من معنى الْعُدُول والانصراف قَالُوا وَرجع ابْن عَبَّاس إِلَى قَوْله (لَا يُفِيد) الْمَطْلُوب (وَجعل شمس الْأَئِمَّة الْخلاف) فِي قَوْلنَا التَّابِعِيّ (لَيْسَ) فِي شَيْء (إِلَّا فِي أَنه هَل يعْتد بِهِ) أَي بالتابعي (فِي إِجْمَاع الصَّحَابَة فَلَا ينْعَقد) أَي إِجْمَاعهم (دونه) أَي دون اتفاقه مَعَهم (أَولا) يعْتد بِهِ (فعندنا نعم) يعْتد بِهِ، وَعند الشَّافِعِي لَا يعْتد بِهِ وَقَالَ لَا خلاف فِي أَن قَول التَّابِعِيّ لَيْسَ بِحجَّة على وَجه يتْرك بِهِ الْقيَاس.

فصل في التعارض

فصل فِي التَّعَارُض (وغالبه) أَي التَّعَارُض (فِي) أَخْبَار (الْآحَاد) فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى وَجه ذكره بعْدهَا، و (هُوَ) أَي التَّعَارُض لُغَة (التمانع) بطرِيق التقابل، تَقول عرض لي كَذَا إِذا استقبلك بِمَا يمنعك مِمَّا قصدته، وَسمي السَّحَاب عارضا لمَنعه شُعَاع الشَّمْس وحرارتها (وَفِي الِاصْطِلَاح اقْتِضَاء كل من الدَّلِيلَيْنِ عدم مُقْتَضى الآخر، فعلى مَا قيل) وَالْقَائِل غير وَاحِد من الْمَشَايِخ كفخر الْإِسْلَام (لَا يتَحَقَّق) التَّعَارُض (إِلَّا مَعَ الوحدات) الثمان، وحدة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه، وَالزَّمَان وَالْمَكَان وَالْإِضَافَة وَالْقُوَّة، وَالْفِعْل وَالْكل والجزء، وَالشّرط، قيل ووحدة الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، ومرجع الْكل إِلَى وحدة النِّسْبَة كَمَا عرف فِي الْمنطق، فالتعارض (لَا يتَحَقَّق فِي) الْأَدِلَّة (الشَّرْعِيَّة للتناقض) أَي لِأَنَّهُ يسْتَلْزم التَّنَاقُض، والشارع منزه عَنهُ لكَونه أَمارَة الْعَجز، وَقد يُقَال لَا نسلم أَن عدم تحقق التَّعَارُض بِدُونِ تحقق الوحدات فِي نفس الْأَمر يسْتَلْزم عدم تحَققه فِي الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة، إِذْ التَّنَاقُض إِنَّمَا يلْزم لَو اعْتبر فِيمَا صدق عَلَيْهِ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ كَونه فِي نفس الْأَمر من الله سُبْحَانَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك: إِذْ كل مَا ثَبت عِنْد الْمُجْتَهد إفادته لحكم شَرْعِي فَهُوَ دَلِيل شَرْعِي، غَايَة الْأَمر أَنه إِذا تَيَقّن تحقق الوحدات بَين دَلِيلين علم أَن أَحدهمَا لَيْسَ مِنْهُ تَعَالَى فَإِن قلت مُرَاده نفي التَّعَارُض بَين الْأَدِلَّة الَّتِي أَقَامَهَا الله تَعَالَى فِي نفس الْأَمر، قلت هَذَا مُسلم لكنه قَلِيل الجدوى لِأَنَّهُ مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ وَلَا سَبِيل لنا إِلَى معرفَة خصوصياتها، نعم يقطع بِكَوْن ذَات الدَّلِيل مِنْهُ تَعَالَى كالكتاب، لَكِن كَون هَذَا الْخُصُوص دَلِيلا لخُصُوص هَذَا الحكم بِشَيْء آخر وَالْقطع بِهِ نَادِر وَلَا يسْتَشْكل على قَوْلهم (وَمَتى تَعَارضا) أَي الدليلان (فيرجح) أَحدهمَا (أَو يجمع) بَينهمَا أَو (مَعْنَاهُ) تَعَارضا (ظَاهرا) وَذَلِكَ (لجهلنا) بالمراد أَو بالمتقدم مِنْهُمَا (لَا) أَنَّهُمَا تَعَارضا (فِي نفس الْأَمر، وَهُوَ) أَي كَون المُرَاد بِهِ وَهَذَا هُوَ (الْحق فَلَا يعْتَبر) تحقق الوحدات الْمَذْكُورَة فِيهِ بِحَسب نفس الْأَمر بل بِحَسب مَا يفهمهُ ظَاهرا الْعقل، لِأَن المبوب لَهُ صُورَة الْمُعَارضَة لَا حَقِيقَتهَا (وَلَا يشْتَرط تساويهما) أَي الدَّلِيلَيْنِ المتعارضين (قُوَّة وَيثبت) التَّعَارُض (فِي) دَلِيلين (قطعيين وَيلْزمهُ) أَي التَّعَارُض فِي قطعيين (محملان) لَهما إِذا لم يعلم تقدم أَحدهمَا على الآخر (أَو نسخ أَحدهمَا) بِالْآخرِ إِن علم ذَلِك (فَمَنعه) أَي التَّعَارُض (بَينهمَا) أَي القطعيين (وإجازته فِي الظنيين) كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره، وَعلله الْعَلامَة الشِّيرَازِيّ بِأَنَّهُ يلْزم الْجمع بَين النقيضين إِن عمل بهما أَو لم يعْمل بِشَيْء مِنْهُمَا أَو التحكم إِن عمل بِأَحَدِهِمَا دون الآخر، ثمَّ

قَوْله مَنعه مُبْتَدأ خَبره (تحكم) إِذْ حَقِيقَة التَّعَارُض لَا تتَصَوَّر فِي شَيْء مِنْهُمَا وَصورته تجْرِي فيهمَا على السوية (والرجحان) لأحد المتعارضين القطعيين أَو الظنيين إِنَّمَا يكون (بتابع) أَي بِوَصْف تَابع لذَلِك الرَّاجِح كَمَا فِي خبر الْوَاحِد الَّذِي يرويهِ عدل فَقِيه مَعَ خبر الْوَاحِد الَّذِي يرويهِ عدل غير فَقِيه (مَعَ التَّمَاثُل) أَي تساويهما فِي الْقطع وَالظَّن فَلَا رُجْحَان بِغَيْر التَّابِع وَبِدُون التَّمَاثُل (وَمِنْه) أَي من قبيل المتماثلين السّنة (الْمَشْهُورَة مَعَ الْكتاب حكما) أَي من حَيْثُ وجوب تَقْيِيد مطلقه وَتَخْصِيص عُمُومه وَجَوَاز نسخه بهَا وَإِن لم يكن بَينهمَا تماثل من حَيْثُ اكفار جاحده على مَا هُوَ الْحق كَمَا سلف (فَلَا يُقَال النَّص رَاجِح على الْقيَاس) لِأَن رجحانه عَلَيْهِ بِاعْتِبَار ذَاته بِكَوْنِهِ قَطْعِيا لَا بِاعْتِبَار وصف تَابع وَأَيْضًا لَا مماثلة بَينهمَا (بِخِلَاف عَارضه) أَي الْقيَاس النَّص (فَقدم) النَّص فِيهِ لِأَن المُرَاد صُورَة التَّعَارُض وَقد سبق أَنه لَا يشْتَرط تَسَاوِي المتعارضين قُوَّة (إِذْ حكمه) أَي التَّعَارُض (النّسخ إِن علم الْمُتَأَخر وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعلم الْمُتَأَخر (ف) الحكم (التَّرْجِيح) لأَحَدهمَا على الآخر بطريقه إِن أمكن (ثمَّ الْجمع) بَينهمَا بِحَسب الْإِمْكَان إِذا لم يُمكن التَّرْجِيح لِأَن أَعمال كليهمَا فِي الْجُمْلَة أولى من إلغائهما مَعًا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يُمكن شَيْء مِمَّا ذكر (تركا) أَي المتعارضان ويصار (إِلَى مَا دونهمَا) من الْأَدِلَّة (على التَّرْتِيب إِن كَانَ) أَي وجد مَا دونهمَا فَإِن كَانَ المتروكان من الْكتاب يُصَار إِلَى الْكتاب إِن وجد، وَإِلَّا فَإلَى السّنة وَإِلَّا لم يُوجد فَإلَى قَول الصَّحَابِيّ اتِّفَاقًا إِذا لم يكن الحكم مِمَّا يدْرك بِالرَّأْيِ وَكَذَا فِيمَا يدْرك بِهِ فِي الْمُخْتَار عِنْد المُصَنّف وَغَيره ثمَّ إِلَى الْقيَاس (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يُوجد دون المتعارضين دَلِيل آخر أَو وجد وَمَعَهُ معَارض كَذَا (قررت الْأُصُول) فِي التَّلْوِيح بعد قَوْله وَإِلَّا يتْرك الْعَمَل بالدليلين، وَحِينَئِذٍ إِن أمكن الْمصير من الْكتاب إِلَى السّنة وَمِنْهَا إِلَى الْقيَاس، وَقَول الصَّحَابِيّ يُصَار إِلَيْهِ، وَألا يُقرر الحكم على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل وُرُود الدَّلِيلَيْنِ، وَهَذَا معنى تَقْرِير الْأُصُول انْتهى. (أما) التَّعَارُض (فِي القياسين) إِذا احْتِيجَ إِلَى الْعَمَل (فبأيهما شهد قلبه) أَي أَيهمَا أدّى تحري الْمُجْتَهد إِلَيْهِ يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ (إِن) ظهر أَنه (لَا تَرْجِيح) لأَحَدهمَا على الآخر وَلَا يسقطان لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْعَمَل بِلَا دَلِيل شَرْعِي إِذْ لَا دَلِيل بعد الْقيَاس يرجع إِلَيْهِ كَذَا قَالُوا، وَيعْمل بِشَهَادَة الْقلب، لِأَن لقلب الْمُؤمن نورا يدْرك مَا هُوَ بَاطِن كَمَا أُشير إِلَيْهِ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يعْمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ من غير تحر (وَقَول الصحابيين بعد السّنة قبل الْقيَاس كالقياسين) فِي أَنه يعْمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ (فَلَا يصارعنهما) أَي عَن قوليهما المتعارضين (إِلَى الْقيَاس) وَهَذَا فِيمَا يُمكن فِيهِ الرَّأْي فَإِنَّهُ إِذا لم يُوجد فِيهِ مَا يرجح أحد الْقَوْلَيْنِ يعْمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يُصَار إِلَى الْقيَاس لاحْتِمَال

كَونه بِالسَّمَاعِ وَإِن كَانَ بِالرَّأْيِ فرأيهم أقرب إِلَى الصَّوَاب كَمَا عرفت، وَأَيْضًا يكون الْحَاصِل أَنهم أَجمعُوا على قَوْلَيْنِ فَلَا يجوز إِحْدَاث ثَالِث، وَأما مَا لَا يُمكن فِيهِ الرَّأْي فَهُوَ فِي حكم الْمَرْفُوع. وَلما بَين التَّرْتِيب أَرَادَ بَيَان كَيْفيَّة الْجمع بقوله (وَالْجمع فِي العامين بِحمْل كل) مِنْهُمَا (على بعض) من أفرادهما بِحَيْثُ لَا يجْتَمع حكمان فِي مَحل وَاحِد كاقتلوا الْمُشْركين إِذا أُرِيد الحربيون وَلَا تقتلُوا الْمُشْركين إِذا أُرِيد بِهِ الذميون (أَو) يحمل على (الْقَيْد) أَي على قيد غير قيد الآخر كإذا لم يَكُونُوا ذمَّة فِي الأول، وَإِذا كَانُوا ذمَّة فِي الثَّانِي (وَكَذَا) الْجمع (فِي الخاصين) يحمل كل على قيد غير قيد الآخر (أَو يحمل أَحدهمَا على الْمجَاز) وَالْآخر على الْحَقِيقَة (و) الْجمع (فِي الْعَام وَالْخَاص) إِذا تَعَارضا (وَلَا مُرَجّح للعام) على الْخَاص (كإخراج من تَحْرِيم) تَمْثِيل لمرجح الْعَام فَإِن مُقْتَضى حكم الْعَام إِذا كَانَ خُرُوج أَفْرَاده عَن التَّحْرِيم، وَمُقْتَضى الْخَاص دُخُول أَفْرَاده المندرجة تَحت الْعَام فِي التَّحْرِيم كَانَ الْعَمَل بِالْعَام مُوَافقا لما هُوَ الأَصْل فِي الْأَفْعَال: وَهُوَ الْإِبَاحَة وبالخاص مُخَالفا لَهُ (وَلَا الْخَاص) أَي وَلَا مُرَجّح لَهُ على الْعَام (كمن اباحة) أَي إِخْرَاج من إِبَاحَة: يَعْنِي فِي جَانب الْعَام ليَكُون عكس الأول، وَيحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله. كإخراج إِخْرَاج الْخَاص من تَحْرِيم، وَمعنى قَوْله من إِبَاحَة أَيْضا إِخْرَاجه مِنْهَا فالمنظور حِينَئِذٍ تَقْدِيم الْمحرم على الْمُبِيح (فبالخاص) يَعْنِي إِذا لم يكن مُرَجّح فِي أَحدهمَا ونسلك مَسْلَك الْجمع فَالْعَمَل بالخاص (فِي مَحَله) أَي الْخَاص وَهُوَ مَا يَشْمَلهُ الْخَاص من جملَة أَفْرَاد الْعَام (وَالْعَام) أَي وَالْعَمَل بِالْعَام (فِيمَا سواهُ) أَي سوى مَحل الْخَاص (فيتحد الْحَاصِل مِنْهُ) أَي من الْجمع بَين الْعَام وَالْخَاص على هَذَا الْوَجْه (وَمن تَخْصِيص الْعَام بِهِ) أَي بالخاص (مَعَ اخْتِلَاف الِاعْتِبَار) تسميه الشَّافِعِيَّة تخيص الْعَام بالخاص بِنَاء على قاعدتهم، وَالْحَنَفِيَّة الْجمع بَينهمَا بِالْحملِ الْمَذْكُور على أصلهم، وَأما إِذا وجد مُرَجّح فِي أحد الْجَانِبَيْنِ فيرجح ذَلِك الْجَانِب (وَقد يخال) أَي يظنّ (تقدم الْجمع) بَينهمَا على التَّرْجِيح عِنْد الْحَنَفِيَّة (لقَولهم الْأَعْمَال أولى من الإهمال وَهُوَ) أَي أعمالهما (فِي الْجمع) لَا التَّرْجِيح: إِذْ فِيهِ إبِْطَال لأَحَدهمَا (لَكِن الاستقراء خِلَافه) أَي يدل على خلاف مَا يدل عَلَيْهِ ظَاهر القَوْل الْمَذْكُور أَلا ترى أَنه (قدم عَام استنزهوا) الْبَوْل (على) خَاص (شرب العرنيين أَبْوَال الْإِبِل) بِإِذْنِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد سبق فِي مبَاحث الْعَام (لمرجح التَّحْرِيم) لشربها، لَا يُقَال كَون الأَصْل الْإِبَاحَة يرجح الْخَاص الْمَذْكُور، لِأَن ذَلِك فِيمَا لم يكن فِيهِ الدَّلِيل السمعي غير مَا فِيهِ الْمُعَارضَة قَائِما فِي جَانب الْحُرْمَة (مَعَ إِمْكَان حمله) أَي عَام استنزهوا الْبَوْل (على) مَا (سوى) بَوْل (مَا يُؤْكَل) كَمَا ذهب إِلَيْهِ مُحَمَّد وَأحمد، وللتداوي فَقَط كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف (و) قدم (عَام مَا سقت) أَي فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثريا الْعشْر (على خَاص الأوسق) أَي لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة

أوسق صَدَقَة (لمرجح الْوُجُوب) للعشر فِي كل مَا سقته السَّمَاء أَو سقى سيحا أَو كثر (مَعَ إِمْكَان نَحوه) أَي نَحْو حمل الْعَام الأول بِأَن يحمل على مَا كَانَ خَمْسَة أوسق فَصَاعِدا كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَغَيرهمَا (وَكَيف) يقدم الْجمع على التَّرْجِيح (وَفِي تَقْدِيمه مُخَالفَة مَا أطبق عَلَيْهِ الْعُقُول من تَقْدِيم الْمَرْجُوح على الرَّاجِح) الْمَرْجُوح الْجمع، وَالرَّاجِح الْعَمَل بِمَا هُوَ رَاجِح بمرجح تَوْضِيحه أَن الْعَام مثلا إِذا كَانَ مرجحا على الْخَاص وَأَنت جمعت بَينهمَا وحملت الْعَام على مَا سوى الْخَاص كَانَ ذَلِك مرجوحا لمقْتَضى الْخَاص وتركا لرعاية مُوجب الْعَام وَهُوَ الِاسْتِغْرَاق المستلزم لاندراج الْخَاص تَحت حكم الْعَام (وَتَأْويل) أَخْبَار (الْآحَاد) الْمُعَارضَة ظَاهر الْكتاب (عِنْد تَقْدِيم الْكتاب) عَلَيْهَا (لَيْسَ مِنْهُ) أَي من الْجمع بَين المتعارضين (بل اسْتِحْسَان حكما للتقديم) للْكتاب عَلَيْهَا مِنْهُ الِاسْتِحْسَان على مَا سَيَأْتِي يُطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا الْقيَاس الْخَفي بِالنِّسْبَةِ إِلَى قِيَاس ظَاهر، وَالثَّانِي كل دَلِيل فِي مُقَابلَة الْقيَاس الظَّاهِر نَص أَو إِجْمَاع أَو ضَرُورَة، فَالْقِيَاس الظَّاهِر أَن يتْرك الْخَبَر الْمَذْكُور رَأْسا لمعارضة الْكتاب، وَالْقِيَاس الْخَفي أَن لَا يتْرك بِالْكُلِّيَّةِ لكَونه خبر عدل وَالْأَصْل عدم إهدار مَا صدر من الشَّارِع، فَالْمَعْنى أَن التَّأْوِيل الْمَذْكُور مَبْنِيّ على الِاسْتِحْسَان حَال كَونه حكما لتقديم الْكتاب على ظَاهر السّنة لَا حكما للْجمع بَينهمَا (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي تَقْدِيم النَّص على الظَّاهِر تَعَارضا فِيمَا وَرَاء الْأَرْبَع) من النِّسَاء بِاعْتِبَار ملك النِّكَاح للأحرار (أَي) قَوْله تَعَالَى - {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} - فَإِن ظَاهر فِي حل الْأَكْثَر من الْأَرْبَع لصدق - مَا وَرَاء ذَلِكُم - عَلَيْهِ (ومثنى الخ) أَي قَوْله تَعَالَى - {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} - فَإِنَّهُ نَص على قصر الْحل على الْأَرْبَع على مَا بَين فِي مَحَله (فيرجح النَّص) على الظَّاهِر (وَيحمل الظَّاهِر عَلَيْهِ) أَي النَّص وَقَوْلهمْ مُبْتَدأ خَبره (اتِّفَاق مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة (عَلَيْهِ) فيرجح أَي على تَقْدِيم التَّرْجِيح على الْجمع لعدم رِعَايَة جَانب الظَّاهِر وأعمال النَّص بقصر الْحل على الْأَرْبَع (وَلَو خالفوا) أَي الْحَنَفِيَّة هَذَا الأَصْل (كغيرهم) وَقدمُوا الْجمع على التَّرْجِيح (منعناه) أَي منعنَا قَوْلهم الْأَعْمَال أولى من الإهمال على الْإِطْلَاق، إِذْ الْأَعْمَال الَّذِي يسْتَلْزم تَقْدِيم الْمَرْجُوح على الرَّاجِح مُخَالف لما أطبق عَلَيْهِ الْعُقُول وَهُوَ غير جَائِز فضلا عَن كَونه أولى (وَمِنْه) أَي من التَّعَارُض فِي الْكتاب (مَا) أَي التَّعَارُض الَّذِي (بَين قراءتي آيَة الْوضُوء من الْجَرّ) لِابْنِ كثير وَابْن عَمْرو وَحَمْزَة (وَالنّصب) للباقين (فِي أَرْجُلكُم) فِي قَوْله تَعَالَى - {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم} - (المقتضيتين مسحهما) أَي الرجل وَهُوَ ظَاهر قِرَاءَة الْجَرّ (وغسلهما) وَهُوَ ظَاهر قِرَاءَة النصب (فيتخلص من هَذَا

التَّعَارُض (بِأَنَّهُ تجوز بمسحهما) المفاد بعطفها على مَدْخُول امسحوا (عَن الْغسْل) مشاكلة كَمَا فِي قَول الشَّاعِر: (قَالُوا اقترح شَيْئا نجد لَك طبخه ... قلت اطبخوا لي جُبَّة وقميصا) لَا يُقَال يلْزم الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي لفظ وَاحِد أَي امسحوا لِأَن مُوجب الْعَطف تَقْدِير امسحوا فِي جَانب الْمَعْطُوف على مَا تقرر فِي مَحَله (والعطف فيهمَا) أَي عطف أَرْجُلكُم فِي الْقِرَاءَتَيْن (على رءوسكم) وَقيل فَائِدَة التَّعْبِير عَن غسلهمَا بِالْمَسْحِ الْإِشَارَة إِلَى ترك الْإِسْرَاف، لِأَن غسلهمَا مَظَنَّة لَهُ، لكَونه يصب المَاء عَلَيْهِمَا، كَأَنَّهُ قَالَ: اغسلوهما غسلا خَفِيفا شَبِيها بِالْمَسْحِ كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَن كَون الْقَصْد من غسل الْأَعْضَاء تحسينها على مَا عرف، وَأَن الرجلَيْن تحسينهما يحْتَاج إِلَى زِيَادَة الْمُبَالغَة فِي الْغسْل يَأْبَى عَن التَّوْجِيه الْمَذْكُور، وَإِنَّمَا لزم صرف الْعبارَة إِلَى التجويز 0 لتواتر الْغسْل) لَهما (عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِذْ قد (أطبق) على (من حكى وضوءه) من الصَّحَابَة (ويقربون من ثَلَاثِينَ عَلَيْهِ) أَي على غسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَيْهِ، وَقد أسعف المُصَنّف بِذكر الِاثْنَيْنِ وَعشْرين فِي شرح الْهِدَايَة، وَقَالَ الشَّارِح: بلغت الْجُمْلَة أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ، وَيمْتَنع عِنْد الْعقل تواطؤ هَذَا الجم الْغَفِير من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْكَذِب فِي أَمر ديني، على أَن الْمسْح أَهْون على النَّفس (وتوارثه) أَي ولتوارث غسلهمَا (من الصَّحَابَة) أَي قد أَخذنَا عسلهما عَمَّن أدركناهم وهم كَذَلِك إِلَى الصَّحَابَة وهم عَن صَاحب الْوَحْي فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى نَص معِين (وانفصال ابْن الْحَاجِب) أَي تجاوزه (عَن) تَوْجِيه (الْمُجَاورَة) أَي جر الأرجل بالمجاورة لقَوْله برءوسكم (إِذْ لَيْسَ) الْجَرّ بهَا (فصيحا) لعدم وُقُوعه فِي الْقُرْآن، وَلَا فِي كَلَام فصيح اسْتغْنَاء عَنْهَا (بتقارب الْفِعْلَيْنِ) أَي امسحوا واغسلوا (وَفِي مثله) أَي تقاربهما (تحذف الْعَرَب) الْفِعْل (الثَّانِي وَتعطف مُتَعَلّقه على مُتَعَلق) الْفِعْل (الأول) فَيجْعَل مُتَعَلق الْفِعْل الثَّانِي (كَأَنَّهُ مُتَعَلّقه) أَي الْفِعْل الأول كَقَوْلِهِم مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا، وعلفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا، إِذْ الأَصْل ومعتقلا رمحا وسقيتها مَاء بَارِدًا، وَالْآيَة من هَذَا الْقَبِيل (غلط) خبر انْفِصَال (إِذْ لَا يُفِيد) مَا ذكر تقَارب الْفِعْلَيْنِ إِلَى آخِره (إِلَّا فِي اتِّحَاد إعرابهما) أَي إِلَّا إِذا كَانَ إِعْرَاب المتعلقين وَاحِدًا كَمَا سَيَأْتِي فِي سَيْفا ورمحا وتبنا وَمَاء (وَلَيْسَت الْآيَة مِنْهُ) أَي مِمَّا اتَّحد فِيهِ إِعْرَاب الْفِعْلَيْنِ فَلَا ينحيه من الْجوَار، وَفِي نُسْخَة (فَلَا يخرج عَن الْجوَار، وَمَا قيل) على مَا فِي التَّلْوِيح (فِي) حق (الْغسْل) من أَنه (الْمسْح) وَزِيَادَة (إِذْ لَا إسالة) وَهِي معنى الْغسْل (بِلَا إِصَابَة) وَهِي معنى الْمسْح (فينتظمه) أَي الْغسْل الْمسْح (غلط) يظْهر (بِأَدْنَى تَأمل) إِذْ الإسالة مُعْتَبرَة مَعَ الْإِصَابَة فِي الْغسْل وَعدمهَا

مُعْتَبر فِي الْمسْح وَاللَّفْظ لَا يَنْتَظِم عدم مُسَمّى لَا ضِدّه (وَلَو جعل) الْعَطف (فيهمَا) أَي الْقِرَاءَتَيْن (على وُجُوهكُم) وَقد كَانَ من حَقه النصب (و) لَكِن (الْجَرّ) لأرجلكم (للجوار) برءوسكم (عورض بِأَنَّهُ) أَي الْعَطف (فيهمَا) أَي الْقِرَاءَتَيْن (على رءوسكم وَالنّصب) بالْعَطْف (على الْمحل) أَي مَحل رءوسكم كَمَا هُوَ اخْتِيَار الْمُحَقِّقين من النُّحَاة من أَن مَحَله النصب (ويترجح) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَي الْعَطف على الْمحل (قِيَاس) مطرد فِي الفصيح من الْكَلَام مَعَ اعْتِبَار الْعَطف على الْأَقْرَب وَعدم وُقُوع الْفَصْل بالأجنبي (لَا الْجوَار) أَي لَيْسَ الْجوَار بِقِيَاس بِلَا حق شَاذ (و) مِنْهُ مَا بَين (قراءتي التَّشْدِيد فِي يطهرن) لِحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَعَاصِم من قَوْله تَعَالَى - {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} - (الْمَانِعَة) من قربانهن (إِلَى الْغسْل، التَّخْفِيف) فِيهِ للباقين الْمَانِعَة من قربانهن (إِلَى الطُّهْر فَيحل) القربان (قبله) أَي الْغسْل (بِالْحلِّ الَّذِي انْتهى مَا عَارضه من الْحُرْمَة فَتحمل تِلْكَ) أَي فيتخلص من هَذَا التَّعَارُض بِحمْل قِرَاءَة التَّشْدِيد (على مَا دون الْأَكْثَر) من مُدَّة الْحيض الَّتِي هُوَ الْعَادة لَهَا ليتأكد جَانب الِانْقِطَاع بهَا أَو بِمَا يقوم مقَامه (وَهَذِه) أَي قِرَاءَة التَّخْفِيف (عَلَيْهِ) أَي على أَكثر مُدَّة الْحيض، وَهُوَ الْعشْر عندنَا لِأَن الِانْقِطَاع عِنْده مُتَيَقن، وَحُرْمَة القربان كَانَت بِسَبَبِهَا فَلَا يجوز تَحْرِيمه بعد ذَلِك إِلَى الِاغْتِسَال وَمنع الزَّوْج من حَقه، وَقد زَالَت عِلّة الْحُرْمَة، وَهِي الْأَذَى وَقد يُقَال أَن قَوْله تَعَالَى - {فَإِذا تطهرن} - بعد ذَلِك يَقْتَضِي تَأَخّر جَوَاز الْإِتْيَان عَن الْغسْل فَلَو كَانَ هَهُنَا قِرَاءَة أُخْرَى أَعنِي إِذا تطهرن كَانَ تَوْجِيه الْجمع بَين الْقِرَاءَتَيْن وَاحِدًا وَهُوَ الطُّهْر مَعَ الِاغْتِسَال، وَالْجَوَاب مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وتطهرن بِمَعْنى طهرن) فَإِن تفعل يَجِيء بِمَعْنى فعل من غير أَن يدل على صنع (كتكبر) وتعظم (فِي صِفَاته تَعَالَى) إِذْ لَا يُرَاد بِهِ صفة أُخْرَى تكون بإحداث الْفِعْل (وَتبين) بِمَعْنى ظهر (مُحَافظَة على حَقِيقَة يطهرن بِالتَّخْفِيفِ) وَأورد عَلَيْهِ أَنه يلْزم على هَذَا تَعْمِيم الْمُشْتَرك إِن كَانَ يطهرن حَقِيقَة فِي الِانْقِطَاع كَمَا فِي الِاغْتِسَال وَالْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز إِن كَانَ مجَازًا فِي الِانْقِطَاع وَأجِيب بِأَن قَوْله تَعَالَى - {فَإِذا تطهرن} - إِن قرئَ مَعَ قِرَاءَة التَّشْدِيد يُرَاد بِهِ الِاغْتِسَال، وَإِن قرئَ مَعَ قِرَاءَة التَّخْفِيف يُرَاد بِهِ الِانْقِطَاع وَالْجمع بَينهمَا إِنَّمَا يمْنَع فِي إِطْلَاق وَاحِد لَا اطلاقين فَتَأمل (وَكِلَاهُمَا) أَي المجملين الْمَذْكُورين (خلاف الظَّاهِر) إِذْ فِي كل مِنْهُمَا إِرَادَة خُصُوصِيَّة لَا تفهم من ظَاهر اللَّفْظ (لكنه) أَي حمل قِرَاءَة التَّخْفِيف على مُجَرّد الِانْقِطَاع على الْأَكْثَر (أقرب) من حملهَا على الِاغْتِسَال نظرا إِلَى الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة (إِذْ لَا يُوجب) حملهَا على ذَلِك (تَأَخّر حق الزَّوْج) فِي الْوَطْء (بعد الِانْقِطَاع بارتفاع الْعَارِض الْمَانِع) من القربان، وَهُوَ الْحيض. قَوْله بارتفاع صلَة الِانْقِطَاع

يَعْنِي الْعلم بالانقطاع قطعا لانْتِهَاء مدَّته (مَعَ قيام الْمُبِيح) وَهُوَ الْحل الثَّابِت قبل عرُوض هَذَا الْمَانِع، بِخِلَاف الْحمل على الِاغْتِسَال فَإِنَّهُ يُوجب ذَلِك (و) مِنْهُ مَا (بَين آيتي اللَّغْو) فِي الْيَمين، وَهِي عِنْد أَصْحَابنَا وَأحمد الْحلف على أَمر يظنّ أَنه كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة كل يَمِين صدرت من غير قصد فِي الْمَاضِي وَفِي الْمُسْتَقْبل، وهما قَوْله تَعَالَى - {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} - وَالْأُخْرَى مثلهَا إِلَّا أَنه ذكر فِيهَا - {بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} - بدل {بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} (تفِيد إِحْدَاهمَا) وَهِي الأولى (الْمُؤَاخَذَة بالغموس) وَهِي الْحلف على أَمر مَاض أَو حَال يتَعَمَّد الْكَذِب بِهِ (لِأَنَّهَا) أَي الْيَمين الْغمُوس (مكسوبة) لِأَن تعمد الْكَذِب من كذب الْقلب وَعَمله (وَالْأُخْرَى) وَهِي الثَّانِيَة تفِيد (عَدمه) أَي لَا يُؤَاخذ بالغموس (إِذْ لَيست) الْغمُوس (معقودة) لِأَن العقد قد يكون لَهُ حكم فِي الْمُسْتَقْبل شرعا كَالْبيع وَنَحْوه والغموس لَيست كَذَلِك (فَدخلت) الْغمُوس (فِي اللَّغْو) الْمُقَابل للمعقودة، وَإِنَّمَا سمي بِهِ (لعدم الْفَائِدَة الَّتِي تقصد الْيَمين لَهَا) شرعا وَهِي تَحْقِيق الْبر فَلَا يكون مؤاخذا بهَا (وَخرجت) أَي الْغمُوس (مِنْهُ) أَي اللَّغْو (فِي) الْآيَة (الْأُخْرَى) وَدخلت فِي المكسوبة (بشمول الْكسْب إِيَّاهَا) أَي الْغمُوس (وأفادت ضدية اللَّغْو للكسب) أَي أفادت الْآيَة ضديته للتقابل بَينهمَا (فَهُوَ) أَي اللَّغْو هَهُنَا (السَّهْو) فتعارضتا فِي الْغمُوس بِاعْتِبَار الْمُؤَاخَذَة وَعدمهَا وَبِاعْتِبَار الاندراج فِي اللَّغْو وَعَدَمه (والتخلص) بِهَذَا الِاعْتِبَار (عِنْد الْحَنَفِيَّة بِالْجمعِ) بَينهمَا (بِأَن المُرَاد بالمؤاخذة) الثَّابِتَة للغموس (فِي) الْآيَة (الأولى) الْمُؤَاخَذَة (الأخروية) وَهِي المُرَاد (و) المُرَاد بالمؤاخذة المنفية عَن الْغمُوس (فِي) الْآيَة (الثَّانِيَة) الْمُؤَاخَذَة (الدُّنْيَوِيَّة بِالْكَفَّارَةِ) فَلم يتحد مُتَعَلق المؤاخذتين فَلَا تعَارض (أَو) المُرَاد بِاللَّغْوِ فِي الْآيَتَيْنِ الْخَالِي عَن الْقَصْد وبالمؤاخذة (فيهمَا) أَي الْآيَتَيْنِ الْمُؤَاخَذَة (الأخروية) والغموس دَاخِلَة فِي المكسوبة لَا فِي المعقودة فالآية الأولى أوجبت الْمُؤَاخَذَة على الْغمُوس (و) الْآيَة (الثَّانِيَة ساكتة عَن الْغمُوس وَهِي) أَي الْغمُوس (ثَالِثَة) وَالْيَمِين منقسمة على أَقسَام ثَلَاثَة، وَالْمَذْكُور فِيهَا حكم الْقسمَيْنِ مِنْهَا، وَلما كَانَ هُنَا مَظَنَّة سُؤال وَهُوَ كَون المُرَاد من الْمُؤَاخَذَة الأخروية لَا يُوَافق قَوْله تَعَالَى - فكفارته - إِلَى آخِره لِأَنَّهُ لَا مُؤَاخذَة دنيوية دَفعه بقوله (أَي يُؤَاخِذكُم فِي الْآخِرَة بِمَا عقدتم) عِنْد الْحِنْث (فطريق دَفعه) أَي طَرِيق دفع الْعقَاب الْحَاصِل بِهِ (وستره إطْعَام) عشرَة مَسَاكِين، نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَن وَجه الْمُؤَاخَذَة فِي هَذَا مَا يتضمنه من سوء الْأَدَب على الشَّرْع إِلَى آخر مَا ذكر وَحَاصِله الْمُؤَاخَذَة بِمُجَرَّد الْيَمين وَإِن لم يَحْنَث وَحمل الْيَمين على الْحلف على شرب الْخمر بعد تَحْرِيمهَا، وَسُوء الْأَدَب إقدامه على مثل

هَذَا، وَلَا يخفى مَا فِيهِ وَالله أعلم بِصِحَّة هَذَا النَّقْل، وَقد يشْتَبه على بعض الطّلبَة كَلَام المدرسين (وَاحْتج) الْمُجيب (الأول) الْقَائِل بِأَن المُرَاد بالمؤاخذة فِي الأولى الأخروية، وَفِي الثَّانِيَة الدُّنْيَوِيَّة فَلَا تكون الْغمُوس وَاسِطَة بَين اللَّغْو والمنعقدة كَمَا يَقُول الْمُجيب الثَّانِي (بِأَن الْمَفْهُوم من) قَول الْقَائِل (لَا يُؤَاخذ بِكَذَا لَكِن) يُؤَاخذ (بِكَذَا عدم الْوَاسِطَة) يَعْنِي إِذا قصد الْمُتَكَلّم بَيَان حكم حَقِيقَة يتَحَقَّق فِي ضمن أَفْرَاد كَثِيرَة بِاعْتِبَار الْمُؤَاخَذَة وَعدمهَا مثلا. فَقَالَ: يُؤَاخذ بِهَذَا الْقسم مِنْهَا وَلَا يُؤَاخذ بِذَاكَ فالمتبادر من هَذَا الْبَيَان أَن لَا يبْقى شَيْء مِنْهَا خَارج من الْقسمَيْنِ، وَإِلَّا لم يكن الْبَيَان وافيا فَيلْزم كَون الْغمُوس فِي اللَّغْو أَو المعقودة وَلَيْسَت بمعقودة فَلَزِمَ دُخُولهَا فِي اللَّغْو فَلَزِمَ أَن لَا يكون المُرَاد بالمؤاخذة المنفية عَن اللَّغْو الأخروية فَيتَعَيَّن الدُّنْيَوِيَّة وَهِي الْكَفَّارَة (وَعند الشَّافِعِي) المُرَاد بالمؤاخذة (فيهمَا) أَي الْآيَتَيْنِ (الدُّنْيَوِيَّة وَهِي) أَي الْغمُوس (دَاخِلَة فِي المعقودة) عِنْده بِنَاء على حمل العقد على عقد الطّلب وعزمه كَقَوْلِه الشَّاعِر: (عقدت على قلبِي بِأَن يكتم الْهوى ...) (كَمَا) هِيَ دَاخِلَة (فِي المكسوبة فَلَا تعَارض) بَين الْآيَتَيْنِ لاتِّفَاقهمَا على الْمُؤَاخَذَة فِي الْغمُوس (وَدفعه) أَي دُخُولهَا فِي المعقودة (بِأَن حَقِيقَة العقد) إِنَّمَا تكون (بِغَيْر الْقلب) لِأَن العقد فِي الأَصْل ربط الشَّيْء بالشَّيْء وَذَلِكَ فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء لما فِيهِ من ربط أحد الْكَلَامَيْنِ بِالْآخرِ، أَو ربط الْكَلَام بِمحل الحكم وَلَيْسَ فِي عزم الْقلب شَيْء مِنْهُمَا، وَصرف الْكَلَام عَن الْحَقِيقَة بِغَيْر ضَرُورَة لَا يجوز (قد يمْنَع) على صِيغَة الْمَجْهُول (بِأَنَّهُ) أَي العقد (أَعم) من أَن يكون فِي الْأَعْيَان أَو الْمعَانِي فَيعم المصطلح وَعقد الْقلب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (يسند إِلَى الْأَعْيَان فيراد) بِهِ (الرَّبْط) لبعضها بِبَعْض (وَإِلَى الْقلب فعزمه) أَي فيراد بِهِ عزم الْقلب (وَكثر) إِطْلَاق العقد عَلَيْهِ (فِي اللُّغَة) وَفِي التَّلْوِيح أَن إِطْلَاقه عَلَيْهِ فِي اللُّغَة أشهر من العقد المصطلح فَإِنَّهُ من مخترعات الْفُقَهَاء وَأجِيب بِأَن العقد فِيمَا لَهُ حكم فِي الْمُسْتَقْبل صَار حَقِيقَة شَرْعِيَّة قَالَ تَعَالَى - {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} - وَالْأَمر بالإيفاء لَا يَصح إِلَّا فِيمَا لَهُ حكم فِي الْمُسْتَقْبل (بل) الأولى فِي الْجَواب أَن يُقَال (الظَّاهِر) أَن المُرَاد بالمؤاخذة (فِي) الْآيَة (الأولى الأخروية للإضافة إِلَى كسب الْقلب) إِذْ الْغَالِب فِي الْمُؤَاخَذَة على عمل الْقلب والأخروية، على أَن الْغمُوس كَبِيرَة مَحْضَة لَا تناسب الْكَفَّارَة الدائرة بَين الْعباد والعقوبة، وَأَيْضًا فالمتبادر من الْمُؤَاخَذَة إِذا أطلقت أَن تكون بِحَسب الْآخِرَة (وَهَذَا) الْجمع بَين هَاتين الْآيَتَيْنِ (جمع من قبل الحكم) إِذْ الِاخْتِلَاف بَين الْآيَتَيْنِ إِنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَار الْمُؤَاخَذَة فِي الْغمُوس وَعدمهَا اللَّتَيْنِ كَانَا حكم الْآيَتَيْنِ فيتصرف فِي مفهومهما بتعميمه بِحَيْثُ انقسمت إِلَى الأخروية والدنيوية فَجعلت احداهما مَحل الْإِثْبَات وَالْأُخْرَى مَحل النَّفْي لِئَلَّا يتحد موردهما

فيرتفع التَّنَاقُض والتعارض (وَمِنْه) أَي الْجمع من قبل الحكم (توزيعه) أَي الحكم بإثباته فِي بعض مَحَله بِأحد الدَّلِيلَيْنِ ونفيه فِي بعضه بِالْآخرِ (كقسمة الْمُدَّعِي بَين المثبتين) كَمَا إِذا ادّعى رجلَانِ أَن هَذِه الدَّار ملكه كملا وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة وَلَا رُجْحَان لأَحَدهمَا على الْأُخْرَى فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تنصف بَينهمَا فقد أثبت الْملك لأَحَدهمَا فِي بعض الدَّار بِبَيِّنَة وَنفى ملكه عَن الْبَعْض الآخر بيينة الرجل الآخر، وَهَذَا هُوَ التَّوْزِيع فِي الحكم الَّذِي هُوَ الْملك (وَمَا قيل) أَي قيل هَذَا الْجمع وَهُوَ الْجمع فِي قِرَاءَة التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف (من قبل الْحَال) إِذْ حمل احداهما على حَالَة وَالْأُخْرَى على حَالَة أُخْرَى، وَعبر عَنهُ صدر الشَّرِيعَة بِالْمحل (و) قد (يكون) الْجمع بَين المتعارضين (من قبل الزَّمَان) إِمَّا (صَرِيحًا بِنَقْل التَّأَخُّر) لأَحَدهمَا عَن الآخر كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}، وَقَوله تَعَالَى - {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} - فَإِن بَينهمَا تَعَارضا فِي حق الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا، وَجمع الْجُمْهُور بَينهمَا بِأَن أولات الْأَحْمَال الْآيَة (بعد وَالَّذين يتوفون) الْآيَة كَمَا صَحَّ عَن ابْن مَسْعُود، وَتقدم فِي الْبَحْث الْخَامِس فِي التَّخْصِيص يكون من قبل الزَّمَان (أَو حكما كالمحرم) أَي كتقديمه (على الْمُبِيح) إِذا تَعَارضا (اعْتِبَارا لَهُ) أَي الْمحرم (مُتَأَخِّرًا) عَن الْمُبِيح (كي لَا يتَكَرَّر النّسخ بِنَاء على أَصَالَة الْإِبَاحَة) فَيلْزم كَون الْمحرم الْمُقدم على الْمُبِيح نَاسِخا للْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة ومنسوخا بالمبيح الْمُتَأَخر عَنهُ بِخِلَاف الْعَكْس وَهُوَ ظَاهر، وَهَذَا مُخَالف لما سَيَأْتِي من أَن رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة لَيْسَ بنسخ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتجوز بِهِ عَن تغير الحكم أَعم من أَن يكون ذَلِك الحكم إِبَاحَة أَصْلِيَّة أَو غَيرهَا، وَتقدم فِي المسئلة الثَّانِيَة من مسئلتي التنزل فِي فصل الْحَاكِم مَا فِيهِ من الْبَحْث والتحرير (وَلِأَنَّهُ) أَي تَقْدِيم الْمحرم على الْمُبِيح (الِاحْتِيَاط) إِذْ احْتِمَال ترك الْعَمَل بِمَا يَقْتَضِيهِ الْمُبِيح أَهْون من احْتِمَال تَركه بِمَا يَقْتَضِيهِ الْمحرم كَمَا فِي تَحْرِيم الضَّب بِمَا روى أَحْمد وَغَيره بِرِجَال الصَّحِيح عَن عبد الرَّحْمَن بن حَسَنَة قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنزلنا أَرضًا كَثِيرَة الضباب فأصبنا مِنْهَا فذبحنا فَبَيْنَمَا الْقُدُور تغلي بهَا خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أمة من بني إِسْرَائِيل فقدت، وَإِنِّي أَخَاف أَن تكون هِيَ فاكفئوها فكفأناها، وَإِنَّا لجياع، وروى الْجَمَاعَة إِلَّا التِّرْمِذِيّ مَا دلّ على أَنه أكل مِنْهُ فَلم ينْدر عَنهُ وَلم يكن مَعَه معتذرا بِأَنَّهُ يعافه لعدمه بِأَرْض قومه (وَلَا يقدم الْإِثْبَات) لأمر عَارض (على النَّفْي) كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْكَرْخِي وَالشَّافِعِيَّة (إِلَّا أَن كَانَ) النَّفْي لَا يعرف بِالدَّلِيلِ بل (بِالْأَصْلِ) وَهُوَ كَون الأَصْل فِي الْعَوَارِض الْعَدَم والانتفاء فَإِن الْإِثْبَات بِالدَّلِيلِ يقدم عَلَيْهِ (كحرية) مغيث (زوج بَرِيرَة لِأَن عبديته كَانَت مَعْلُومَة فالإخبار بهَا) أَي بعبديته كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة أَن

النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيرهَا وَكَانَ زَوجهَا عبدا (بِالْأَصْلِ) أَي بِنَاء على أَن رقبته لم تَتَغَيَّر فَهَذَا نفي لحريته بِنَاء على مَا كَانَت عَلَيْهِ فالإخبار بحريَّته حِين إعْتَاقهَا كَمَا فِي كتب السّير بِنَاء على مَا ثَبت عِنْد المخبرين بِمَا دلّ على حدوثها بعد العبدية إِثْبَات مقدم على النَّفْي الْمَذْكُور (فَإِن) كَانَ النَّفْي (من جنس مَا يعرف بدليله عَارضه) أَي الْإِثْبَات لتساويهما حِينَئِذٍ بِاعْتِبَار مُوجب الْعلم (وَطلب التَّرْجِيح) لأَحَدهمَا بِوَجْه آخر (كالإحرام فِي حَدِيث مَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهَا) وَهُوَ مَا فِي الْكتب السِّتَّة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَة وَهُوَ محرم، زَاد البُخَارِيّ وَبنى بهَا وَهُوَ حَلَال، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ تزوج نَبِي الله مَيْمُونَة وهما محرمان فَإِنَّهُ (نفي لأمر) عَارض وَهَذَا الْحَد الطَّارِئ (يدل عَلَيْهِ هَيْئَة محسوسة) من التجرد وَرفع الصَّلَوَات وَغَيرهمَا (فساوى رِوَايَة) مُسلم وَابْن مَاجَه عَن يزِيد بن الْأَصَم حَدَّثتنِي مَيْمُونَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تزَوجهَا وَهُوَ حَلَال) قَالَ وَكَانَت خَالَتِي وَخَالَة ابْن عَبَّاس، وَزَاد فِيهِ أَبُو يعلى بعد أَن رَجعْنَا إِلَى مَكَّة، وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن أبي رَافع " تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَة وَهُوَ حَلَال وَبنى بهَا وَهُوَ حَلَال، وَكنت الرَّسُول بَينهمَا " (وَرجح نفي ابْن عَبَّاس على) إِثْبَات (ابْن الْأَصَم وَأبي رَافع) بِقُوَّة السَّنَد وبضبط الروَاة وفقههم خُصُوصا ابْن عَبَّاس. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَمَا يدْرِي ابْن الْأَصَم أَعْرَابِي بوال على سَاقه أنجعله مثل ابْن عَبَّاس، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ الَّذين رووا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج بهَا وَهُوَ محرم أهل علم وَثَبت من أَصْحَاب ابْن عَبَّاس مثل سعيد بن جُبَير وَعَطَاء وَطَاوُس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وَجَابِر بن زيد وَهَؤُلَاء كلهم فُقَهَاء، وَالَّذين نقلوا عَنْهُم عَمْرو بن دِينَار وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَعبد الله بن أبي نجيح وَهَؤُلَاء أَئِمَّة يعْتد برأيهم (هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحل اللَّاحِق) للْإِحْرَام (وَأما على إِرَادَة) الْحل (السَّابِق) على الْإِحْرَام (كَمَا فِي بعض الرِّوَايَات) فِي موطأ مَالك عَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا رَافع مَوْلَاهُ ورجلا من الْأَنْصَار فزوجاه مَيْمُونَة بنت الْحَارِث وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ قبل أَن يخرج، وَفِي معرفَة الصَّحَابَة للمستغفري قبل أَن يحرم (فَابْن عَبَّاس مُثبت) لِلْأَمْرِ الْعَارِض وَهُوَ الْإِحْرَام (وَيزِيد) بن الْأَصَم (ناف) لَهُ (فيترجح) حَدِيث ابْن عَبَّاس (بِذَات الْمَتْن) أَي متن الحَدِيث لِأَن الْمُثبت فِي حد ذَاته يرجع على النَّافِي لاشْتِمَاله على زِيَادَة الْعلم (وَلَو عَارضه) أَي نفي يزِيد إِثْبَات ابْن عَبَّاس لكَون نَفْيه مِمَّا يعرف بدليله لِأَن حَالَة الْحل أَيْضا تعرف بِالدَّلِيلِ أَيْضا وَهِي هَيْئَة الْحَلَال (فِيمَا قُلْنَا) أَي فيرجح حَدِيث ابْن عَبَّاس بِمَا قُلْنَا من قُوَّة السَّنَد وَفقه الرَّاوِي ومزيد ضَبطه كَذَا ذكر الشَّارِح، وَلَا يخفى

عَلَيْك أَن المُصَنّف لم يقل هَهُنَا هَذِه المرجحات الْمَذْكُورَة اللَّهُمَّ أَن يُقَال قَوْله من جنس مَا يعرف بدليله عَارضه وَطلب التَّرْجِيح يُشِير إِلَى الْمَذْكُورَات وَغَيرهَا إِجْمَالا (وَعرف) من هَذَا (أَن النَّافِي رَاوِي الأَصْل) أَي الْحَالة الْأَصْلِيَّة فالمثبت رَاوِي خِلَافه (فَإِن أمكنا) أَي كَون النَّفْي بِنَاء على الدَّلِيل، وَكَونه بِنَاء على الْعَدَم الْأَصْلِيّ (كبحل الطَّعَام) أَي كالإخبار بِهِ (وطهارة المَاء) فَإِن كلا مِنْهُمَا (نفي يعرف بِالدَّلِيلِ) بِأَن ذبح شَاة وَذكر اسْم الله عَلَيْهَا وَغسل إِنَاء بِمَاء السَّمَاء أَو بِمَاء جَار لَيْسَ لَهُ أثر نَجَاسَة وملأه بِأَحَدِهِمَا وَلم يغب عَنهُ أصلا وَلم يُشَاهد وُقُوع نَجَاسَة فِيهِ (وَالْأَصْل) أَي يعرف بِالْأَصْلِ بِأَن يعْتَمد على أَن الأَصْل فِي المذبوحة الْحل وَلم يعلم ثُبُوت حُرْمَة فِيهَا، وَفِي المَاء الطَّهَارَة وَلم يعلم وُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ (فَلَا يُعَارض) الْإِخْبَار بهما (مَا) أَي الْإِخْبَار (بحرمته) أَي الطَّعَام (ونجاسته) أَي المَاء (وَيعْمل بهما) أَي بِالْحلِّ فِي الطَّعَام وَالطَّهَارَة فِي المَاء (إِن تعذر السُّؤَال) للمخبر عَن مُسْتَنده لِأَن الِاسْتِصْحَاب إِن لم يصلح دَلِيلا يصلح مرجحا فيرجح خبر النَّافِي بِهِ كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَن اعْتِبَاره مرجحا إِنَّمَا يتم أَن تَسَاويا والتساوي هَهُنَا مَحل نظر إِذْ الْمُثبت يعْتَمد الدَّلِيل قطعا واعتمادنا فِي علية مَشْكُوك الِاحْتِمَال اعْتِمَاده على الأَصْل فَتَأمل. فَالْوَجْه أَن يُفَسر قَوْله بهما بِالْحُرْمَةِ والنجاسة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَعَذَّر السُّؤَال (سُئِلَ) الْمخبر (عَن مبناه) أَي مبْنى خَبره (فَعمل بِمُقْتَضَاهُ) فَإِن تمسك الْمخبر بِظَاهِر الْحَال، وَالْأَصْل فِي الشَّاة الْحل، وَفِي المَاء الطَّهَارَة، وَلم يعلم مَا ينافيهما فخبر الْحُرْمَة والنجاسة يعْمل بِهِ لكَونه عَن دَلِيل، وَإِن تمسك بِالدَّلِيلِ كَانَ مثل الْإِثْبَات فَيَقَع التَّعَارُض وَيجب الْعَمَل بِالْأَصْلِ (وَمثل الْحَنَفِيَّة تَقْرِير الْأُصُول) لمتعلق المتعارضين إِذا لم يكن بعدهمَا دَلِيل يُصَار إِلَيْهِ (بسؤر الْحمار) أَي الْبَقِيَّة من المَاء الَّذِي شرب مِنْهُ فِي الْإِنَاء (تعَارض فِي حل لَحْمه وحرمته المستلزمتين لطهارته) أَي سؤره (ونجاسته الْآثَار) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر " نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَر عَن لُحُوم الْحمر " وَهُوَ يدل على تَحْرِيمهَا وَحُرْمَة الشَّيْء مَعَ صلاحيته للغذاء إِذا لم تكن للكرامة آيَة النَّجَاسَة ونجاسة اللَّحْم تَسْتَلْزِم نَجَاسَة اللعاب لِأَنَّهُ متحلب مِنْهُ وَهُوَ يخالط المَاء فَيكون نجسا، وَفِي سنَن أبي دَاوُد، وَعَن غَالب بن أبجر قَالَ أصابتنا سنة فَلم يكن لي فِي مَالِي إِلَّا شَيْء من حمر، وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرم لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله أصابتني السّنة وَلم يكن فِي مَالِي مَا أطْعم أَهلِي إِلَّا سمان حمر وَأَنَّك حرمت لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. فَقَالَ: أطْعم أهلك من سمين حمرك فَإِنَّمَا حرمتهَا من أجل جوَار الْقرْيَة، وَهَذَا يدل على حلهَا وَهُوَ يسْتَلْزم طَهَارَتهَا وطهارة السؤر (فقرر حَدِيث الْمُتَوَضِّئ بِهِ) أَي بسؤره على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل التوضئ (وطهارته) أَي طَهَارَة السؤر على

مسئلة

مَا كَانَ عَلَيْهِ المَاء قبل مُخَالطَة اللعاب (وَلَا يخفى أَنه) أَي اعْتِبَار الْأُصُول (حكم عدم التَّرْجِيح) بِشَيْء من الطَّهَارَة والنجاسة على الآخر من حَيْثُ الْأَثر (لَكِن رجحت الْحُرْمَة) على الْإِبَاحَة إِذا تَعَارَضَتَا لما تقدم آنِفا، على أَن حَدِيث التَّحْرِيم صَحِيح الْإِسْنَاد والمتن لَا اضْطِرَاب فِيهِ، وَحَدِيث الْإِبَاحَة مُضْطَرب الْإِسْنَاد، وَذكره الْبَيْهَقِيّ ثمَّ النَّوَوِيّ ثمَّ الْمزي ثمَّ الذَّهَبِيّ، وَأَيْضًا فِي دلَالَته على الْإِبَاحَة مُطلقًا نظر إِذْ الْقِصَّة تُشِير إِلَى اضطرارهم كَيفَ وَهُوَ مُصَرح بِتَأْخِيرِهِ عَن حَدِيث التَّحْرِيم فَلَو صَحَّ مُفِيدا للْإِبَاحَة مُطلقًا لَكَانَ نَاسِخا للتَّحْرِيم مُوجبا للطَّهَارَة (وَالْأَقْرَب) فِي تَقْرِير الْأُصُول فِي هَذَا الْمِثَال أَن يُقَال (تَعَارَضَت الْحُرْمَة الْمُقْتَضِيَة للنَّجَاسَة والضرورة الْمُقْتَضِيَة للطَّهَارَة) فِيهِ لِأَن الْحمار يرْبط فِي الدّور والأفنية وَيشْرب فِي الْأَوَانِي المستعملة وَيحْتَاج فِي الرّكُوب وَالْحمل (وَلم تترجح) الطَّهَارَة (لتردد فِيهَا) أَي الضَّرُورَة المسقطة للنَّجَاسَة (إِذْ لَيْسَ كالهرة) فِي المخالطة حَتَّى تسْقط نَجَاسَته كَمَا سَقَطت نَجَاسَة سُؤْر الْهِرَّة لِأَن الْهِرَّة تلج المضايق دونه (وَلَا الْكَلْب) فِي المجانبة الْغَالِبَة حَتَّى لَا تسْقط نَجَاسَته لِانْعِدَامِ الضَّرُورَة فِي الْكَلْب دونه (وَلَا النَّجَاسَة) أَي وَلم تترجح النَّجَاسَة لما فِيهَا من إِسْقَاط حكم الضَّرُورَة بِالْكُلِّيَّةِ فتساقطتا وَوَجَب الْمصير إِلَى الأَصْل وَهُوَ إبْقَاء مَا كَانَ من الْحَدث فِي الْمُتَوَضِّئ، وَالطَّهَارَة فِي المَاء. مسئلة (لَا شكّ فِي جرى التَّعَارُض بَين قَوْلَيْنِ و) لَا شكّ فِي (نَفْيه) أَي نفي جرى التَّعَارُض (بَين فعلين متضادين كَصَوْم يَوْم وَفطر فِي مثله) أَي فِي مثل ذَلِك الْيَوْم كَأَن يَصُوم فِي يَوْم السبت وَيفْطر فِي سبت آخر، وَذَلِكَ لجَوَاز أَن يكون أَحدهمَا وَاجِبا أَو مَنْدُوبًا أَو مُبَاحا فِي وَقت وَلَيْسَ كَذَلِك فِي وَقت آخر مثله من غير رفع وَإِبْطَال لذَلِك الحكم إِذْ لَا عُمُوم للفعلين وَلَا لأَحَدهمَا (إِلَّا إِن دلّ على وُجُوبه) أَي ذَلِك الْفِعْل (عَلَيْهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَنَحْوه) أَي أَو على نَدبه أَو إِبَاحَته (وسببية متكرر) أَي وَدلّ مَعَ ذَلِك على سَبَبِيَّة أَمر لذَلِك الْوُجُوب أَو النّدب بِتَكَرُّر وجوده كَأَن يدل على أَن يَوْم السبت جعل سَببا لذَلِك فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يثبت التَّعَارُض بِوَاسِطَة هَذِه الدّلَالَة فَيكون فطره فِي يَوْم السبت الآخر بعد هَذِه الدّلَالَة دَلِيل عدم وجوب صَوْم كل سبت، وَذكر الشَّارِح أَن قَوْله إِلَّا إِلَى آخِره اسْتثِْنَاء من نَفْيه، وَيَنْبَغِي أَن يحمل على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع إِذْ لَيْسَ التَّعَارُض فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة بَين ذاتي الْفِعْلَيْنِ إِلَّا أَن يعمم قَوْله بَين فعلين بِحَيْثُ يشملهما بِضَرْب من الْمُسَامحَة (وَتَقَدَّمت الدّلَالَة على أَن الْأمة مثله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا عرفت فِيهِ صفة الْفِعْل وَقد فرض أَنه دلّ هَهُنَا على صفة الْفِعْل فِي حَقه وتكرره بِتِلْكَ الصّفة.

بِتَكَرُّر سَببه فَيثبت فِي حق الْأمة كَذَلِك (فالنافي) وَهُوَ فطره مثلا (نَاسخ عَن الْكل) أَي ينْسَخ وجوب ذَلِك الْفِعْل عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأمة لِأَن فطره الْمُتَأَخر اقْتضى فطر الْأمة بِمُوجب تِلْكَ الدّلَالَة الْمُتَقَدّمَة كَمَا أَن صَوْمه اقْتضى صومهم وَقد كَانَ فِي حَقه نَاسِخا فَكَذَلِك فِي حَقهم (وَعَن الْكَرْخِي وَطَائِفَة) أَن فعله الثَّانِي ينْسَخ (عَنهُ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَقَط) وَزعم الشَّارِح أَنه مَبْنِيّ على أَن الْكَرْخِي لَا يُوجب فِي حق الْأمة شَيْئا بِدَلِيل الْوُجُوب عَلَيْهِ وَنَحْوه من النّدب وَالْإِبَاحَة ويخص دَلِيل التكرر بِهِ، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مُخَالفَته فِي حَقه النّسخ عَن الْأمة إِنَّمَا يشْعر بموافقته فِي مُشَاركَة الْأمة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وجوب الْفِعْل وَنَحْوه (وَأما) التَّعَارُض (بَين فعل) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عرفت صفته) من وجوب أَو ندب مثلا (فِي حَقه وَقَول) يَنْفِي ذَلِك كَأَن يَصُوم يَوْم السبت ثمَّ يَقُول صَوْمه حرَام (فعلى الْمُخْتَار من أَن أمته مثله) سَوَاء كَانَت تِلْكَ الصّفة (وجوبا أَو غَيره فَمَعَ دَلِيل سَبَبِيَّة متكرر وَالْقَوْل خَاص بِهِ) كَقَوْلِه صَوْم يَوْم السبت حرَام (نسخ) على صِيغَة الْمَعْلُوم (عَنهُ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْمُتَأَخر مِنْهُمَا) أَي الْفِعْل أَو القَوْل الْمُتَقَدّم (وَلَا مُعَارضَة فيهم) أَي الْأمة (فيستمر مَا فيهم) أَي مَا كَانَ ثَبت عَلَيْهِم من الِاتِّبَاع على الْوَجْه الثَّالِث فِي حَقه إِذْ النَّاسِخ لم يتَعَرَّض لسواه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَإِن جهل) الْمُتَأَخر مِنْهُمَا (قيل يُؤْخَذ بِالْفِعْلِ فَيثبت) الْفِعْل (على صفته على الْكل) فيستمر مَا كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم (وَقيل) يُؤْخَذ (بالْقَوْل فيخصه النّسخ) إِذْ الْمَفْرُوض خَاص بِهِ (وَيثبت مَا فيهم) أَي يسْتَمر على مَا كَانَ (وَقيل يتَوَقَّف) فِي حَقه (وَهُوَ الْمُخْتَار دفعا للتحكم) أَي يرجح أَحدهمَا على الآخر بِلَا مُرَجّح إِذْ يحْتَمل تَأَخّر كل مِنْهُمَا (فِي حَقه وَيثبت مَا فيهم) على صفته لعدم الْمُعَارضَة فِي حَقهم (وَإِن) كَانَ القَوْل (خَاصّا بهم) أَي الْأمة بِأَن صَامَ يَوْم السبت وَقَالَ لَا يحل للْأمة صَوْمه (فَلَا تعَارض فِي حَقه فَمَا كَانَ لَهُ) ثَابت عَلَيْهِ (كَمَا كَانَ، وَفِيهِمْ) أَي فِي حق الْأمة (الْمُتَأَخر نَاسخ وَإِن جهل) الْمُتَأَخر مِنْهُمَا فِيمَا إِذا كَانَ القَوْل خَاصّا بهم فأقوال أَحدهَا يُؤْخَذ بِالْفِعْلِ فَيجب عَلَيْهِم الصَّوْم، وَثَانِيها الْوَقْف فَلَا يثبت حكم (فثالثها) وَهُوَ (الْمُخْتَار) يوخذ (بالْقَوْل) فَيحرم عَلَيْهِم الصَّوْم (لوضعه) أَي القَوْل (لبَيَان المرادات) الْقَائِمَة بِنَفس الْمُتَكَلّم (وأدليته) من الْفِعْل على خُصُوص المُرَاد (وأعميته) لِأَنَّهُ أَعم دلَالَة لِأَن أَفْرَاد مَدْلُوله أَكثر إِذْ يدل بِهِ على الْمَوْجُود والمعدوم والمعقول والمحسوس (بِخِلَاف الْفِعْل) فَإِن لَهُ محامل، وَإِنَّمَا يفهم مِنْهُ ذَلِك فِي بعض الْأَحْوَال بِقَرِينَة خارجية فَيَقَع الْخَطَأ كثيرا وَيخْتَص بالموجود والمحسوس لِأَن الْمَعْدُوم والمعقول لَا يُمكن مشاهدتهما، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِنَّمَا يدل على إِطْلَاقه) نَفسه عَن قيد الممنوعية (للْفَاعِل) فَيعلم أَنه يجوز لَهُ أَن يفعل من غير أَن يعلم خُصُوص كَيْفيَّة من الْوُجُوب

أَو النّدب أَو الْإِبَاحَة (فَإِن دلّ) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي بِدَلِيل خارجي (على الِاقْتِدَاء) أَي على اقْتِدَاء غير الْفَاعِل بِهِ (فبذلك) أَي ففهم ذَلِك بذلك الدَّال لَا بِالْفِعْلِ (وَإِنَّمَا يثبت مَعَه) أَي الْإِطْلَاق الْمَذْكُور (احتمالات) من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة للْفَاعِل وَغَيره وَلَا يتَعَيَّن شَيْء مِنْهَا للْفِعْل بل (إِن تعين بَعْضهَا فبغيره) أَي غير الْفِعْل (وَكَونه) أَي الْفِعْل (قد يَقع بَيَانا لِلْقَوْلِ) إِنَّمَا هُوَ (عِنْد إجماله) أَي القَوْل وَقد مر قَرِيبا (وكلامنا) فِي التَّرْجِيح (مَعَ عَدمه) أَي الْإِجْمَال فَإِن قلت الْكَلَام فِيمَا إِذا تعَارض الْفِعْل وَالْقَوْل الْمَذْكُور وَجَهل الْمُتَأَخر مِنْهُمَا من غير تَقْيِيد بِعَدَمِ كَون الْفِعْل بَيَانا لقَوْل مُجمل فَمَا معنى قَوْله مَعَ عَدمه قلت مَعْنَاهُ إِذا نَظرنَا إِلَى ذاتي الْفِعْل وَالْقَوْل مَعَ قطع النّظر عَن الْأُمُور الْخَارِجَة عَنْهُمَا وجدنَا الْأُمُور الثَّلَاثَة لَازِمَة لِلْقَوْلِ دون الْفِعْل، والإجمال السَّابِق من جملَة تِلْكَ الْأُمُور (وَالْفرق) بَين مَا تقدم من اخْتِيَار التَّوَقُّف عِنْد جهل الْمُتَأَخر واختصاص القَوْل بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَبَين مَا هُنَا من الْأَخْذ بالْقَوْل عِنْد جهل الْمُتَأَخر واختصاص القَوْل بالأمة (أَنا هُنَا) أَي فِيمَا إِذا كَانَ خَاصّا بِنَا (متعبدون بالاستعلام) وَطلب الْعلم (لتعبدنا بِالْعَمَلِ) المتوقف على الْعلم فَصَارَ الْبَحْث عَن الْمُتَأَخر لتَحْصِيل الْعلم بِمَا يبْنى عَلَيْهِ الْعَمَل من الْفِعْل وَالْقَوْل عبَادَة، لِأَن تَحْصِيل مَا تتَوَقَّف عَلَيْهِ الْعِبَادَة عبَادَة (لَا هُنَاكَ) أَي لسنا مأمورين بالاستعلام عِنْد جهلنا بالمتأخر من الْفِعْل وَالْقَوْل الْخَاص بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ النَّهْي مَخْصُوص بِهِ وَالْفِعْل يقْتَدى بِهِ سَوَاء كَانَ مُتَقَدما أَو مُتَأَخِّرًا، فالبحث عَن تعْيين الْمُتَأَخر فِي نفس الْأَمر ليعلم حَاله لَيْسَ مِمَّا يتعبد بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ لم نؤمر بِهِ) أَي بالاستعلام فِي تعْيين الْمُتَأَخر (فِي حَقه) ليعلم كَيْفيَّة تعبده فِي ذَلِك، وَأما فِي حَقنا فقد علمت عدم احتياجنا فِي التَّعَبُّد إِلَيْهِ ثمَّ إِنَّه لَو اجتهدنا فِي طلب الْعلم بالمتأخر ليعلم حَاله لربما اسْتَقر رَأينَا على خلاف مَا فِي علمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أدرى بِهِ) أَي بالمتأخر (أَو) كَانَ القَوْل (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُم مَعْطُوف على قَوْله وَإِن خَاصّا بهم بِأَن صَامَ يَوْم السبت ثمَّ قَالَ حرم عَليّ وَعَلَيْكُم (فالمتأخر نَاسخ عَن الْكل) أَي عَنهُ وَعَن أمته، فَإِن كَانَ الْفِعْل ثَبت فِي حق الْكل، وَإِن كَانَ القَوْل حرم على الْكل (وَفِي الْجَهْل) بالمتأخر يعْمل (بالْقَوْل) فَيحرم الصَّوْم (لوُجُوب الاستعلام فِي حَقنا) كَمَا وَجب فِيمَا خص بِنَا للاشتراك فِي الْمُوجب، وَهُوَ التَّعَبُّد على مَا عرفت فَيجب الْبَحْث عَنهُ (وباتفاق الْحَال) أَي بِسَبَب مشاركتنا إِلَيْهِ فِي الْحَال من حَيْثُ شُمُول القَوْل (يعلم حَاله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مُقْتَضى للشمول) الْمَذْكُور إِذا لزم الْبَحْث لوُجُوب الاستعلام فِي حَقنا، فاختبر الْعَمَل بالْقَوْل لما ذكر فِي حَقنا، وَقد كَانَ الْحَال وَاحِدًا فَعلم حَاله لَا بِالْقَصْدِ بالبحث إِلَى استعلامه فِي حَقه (لَكنا لَا نحكم

بِهِ) أَي فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لما ذكرنَا) من أَنا لم نؤمر بِهِ وَهُوَ أدرى بِهِ، ثمَّ شرع فِي قسيم قَوْله فَمَعَ دَلِيل سَبَبِيَّة متكرر، فَقَالَ (وَأما مَعَ عدم دَلِيل التّكْرَار) وَالْكَلَام فِيمَا علم صفته، فَأَما أَن يكون خَاصّا بِهِ، أَو بالأمة، أَو شَامِلًا للْكُلّ، فَالْأول أَفَادَهُ بقوله (وَالْقَوْل الْخَاص بِهِ مَعْلُوم التَّأَخُّر) بِأَن فعل شَيْئا على سَبِيل الْوُجُوب أَو النّدب أَو الْإِبَاحَة، ثمَّ علم أَنه قَالَ بعده لَا يحل لي فعله فَلَا مُعَارضَة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فقد أخذت صفة الْفِعْل) وَهِي إِحْدَى الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة (مقتضاها مِنْهُ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بذلك الْفِعْل الْوَاحِد، وَالْقَوْل) الصَّادِر بعد ذَلِك الْفِعْل الْوَاحِد مسئلة (شَرْعِيَّة مستأنفة فِي حَقه لَا نَاسخ، وَيثبت) الْفِعْل (فِي حَقهم) أَي الْأمة (مرّة بِصفتِهِ) من وجوب أَو غَيره (إِذْ لَا تعَارض فِي حَقهم) لفرض أَن القَوْل خَاص بِهِ (وَلَا سَبَب تكْرَار أَو) مَعْلُوم (التَّقَدُّم) كَأَن يَقُول: لَا يحل لي كَذَا ثمَّ يَفْعَله (نسخ عَنهُ الْفِعْل مُقْتَضى القَوْل: أَي دلّ) الْفِعْل (عَلَيْهِ) أَي نسخ القَوْل (وَيثبت) الْفِعْل (على الْأمة على صفته) من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَغَيره (مرّة) أَي ثبوتا مرّة وَاحِدَة (لفرض الِاتِّبَاع فِيمَا علم) لِأَن الْمَفْرُوض أَن اتِّبَاعه فِي فعله الْمَعْلُوم صفته وَاجِب (وَعدم التكرر) أَي عدم تكْرَار السَّبَب وَلم يتَكَرَّر صُدُور الْفِعْل عَنهُ، بل صدوره مرّة وَاحِدَة فالاتباع بِحَسبِهِ (وَإِن جهل) الْمُتَأَخر (فالثلاثة) الْأَقْوَال كائنة فِيهِ: تَقْدِيم الْفِعْل فَيثبت الْفِعْل فِي حَقهم، وَتَقْدِيم القَوْل فَيحرم، الْوَقْف فَلَا يثبت حكم (قيل وَالْمُخْتَار الْوَقْف، وَنظر فِيهِ) أَي فِي الشَّرْح العضدي (بِأَن لَا تعَارض مَعَ تَأَخّر القَوْل) الْخَاص بِهِ، لَا يَخْلُو نفس الْأَمر من الِاحْتِمَالَيْنِ إِمَّا تقدم القَوْل وَإِمَّا تقدم الْفِعْل، وَفِيه السَّلامَة من لُزُوم النّسخ (فَيُؤْخَذ بِهِ) أَي بالْقَوْل حكما بِأَن الْفِعْل مُتَقَدم، لِأَنَّهُ لَو أَخذ بِالْفِعْلِ لزم النّسخ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (تَرْجِيحا لرفع مُسْتَلْزم النّسخ وَعلمت اسْتِوَاء حالتي الْأمة فيهمَا) أَي تقدم القَوْل وتأخره (من ثُبُوته) آي الْفِعْل (مرّة مِنْهُم) أَي الْأمة، يَعْنِي أَن الْعلم باستواء حَالهم يُؤْخَذ من ثُبُوت الْفِعْل من الْأمة مرّة وَاحِدَة، إِذْ على تَقْدِير تقدم الْفِعْل وَتَأَخر الْمحرم فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحرم فِي حَقهم، والاتباع لَا يَسْتَدْعِي إِلَّا صُدُور الْفِعْل مرّة وَاحِدَة، وَكَذَلِكَ على تَقْدِير تَأَخّر تَارِيخه وناسخيته فِي حَقه، لِأَن الْمَفْرُوض أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا صدر مِنْهُ الْفِعْل إِلَّا مرّة وَاحِدَة، وَلَا وَجه للتوقف بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم. هَذَا وَيحْتَمل أَن تكون من فِي قَوْله من ثُبُوته بَيَانِيَّة، وَالْمعْنَى ظَاهر (وَإِن) كَانَ القَوْل (خَاصّا بهم) بِأَن فعل وَقَالَ: لَا يحل للْأمة هَذَا (فَلَا تعَارض فِي حَقه) لعدم تَعْلِيق القَوْل بِهِ علم تقدمه أَولا (وَفِيهِمْ) أَي الْأمة (الْمُتَأَخر) من القَوْل أَو الْفِعْل (نَاسخ الْمرة) على تَقْدِير تَأَخّر القَوْل، فالنسخ لما لزم عَلَيْهِم مرّة بِسَبَب الِاتِّبَاع ظَاهر، وَأما على تَقْدِير تقدمه بِأَن قَالَ: صَوْم يَوْم السبت حرَام على الْأمة ثمَّ صَامَ فالصوم حرَام

عَلَيْهِم على مَا كَانَ وَلَا نسخ، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَلَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، لَا يُقَال الأسوة تَقْتَضِي اتِّبَاع الْأمة فَينْسَخ التَّحْرِيم السَّابِق، لِأَن الِاقْتِدَاء فِيمَا لم يعلم اخْتِصَاص الْفِعْل بِهِ، وَقد علم بقوله: لَا يحل للْأمة، فَإِنَّهُ دلّ على أَنه يحل لَهُ دونهم، وَمثل هَذَا الْبَحْث يدل على مَا سبق فِي أَوَائِل الْبَحْث (وَإِن جهل) الْمُتَأَخر (فالثلاثة) الْأَقْوَال فِيهِ: الْوَقْف، وَالْأَخْذ بِالْفِعْلِ، وَالْأَخْذ بالْقَوْل. (وَالْمُخْتَار القَوْل، وَإِن) كَانَ (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُم (فعلى مَا تقدم فِيهِ وَفِيهِمْ فِي) صُورَة (علم الْمُتَأَخر) من القَوْل وَالْفِعْل، فَفِي القَوْل حَقه أَن يقدم الْفِعْل فَلَا تعَارض لعدم تكَرر الْفِعْل، وَإِن تقدم القَوْل فالفعل نَاسخ لَهُ، وَفِي حَقنا الْمُتَأَخر نَاسخ (وَإِن جهل) الْمُتَأَخر فِي حَقه وحقنا (فالثلاثة) الْأَقْوَال الْوَقْف وَالْأَخْذ بِالْفِعْلِ وَالْأَخْذ بالْقَوْل (وَالْمُخْتَار القَوْل) أَي الْأَخْذ بِهِ (فَينْسَخ عَنْهُم الْمرة لَكِن لَو قدم الْفِعْل) فِي الِاعْتِبَار (وَجَبت) الْمرة (فالاحتياط فِيهِ) أَي فِي وُجُوبه مرّة وَفِيه نظر، لِأَن قَضِيَّة الِاحْتِيَاط إِنَّمَا تسلم لَو كَانَ هُنَاكَ احْتِمَال الْوُقُوع فِي النَّهْي (ثمَّ نقُول فِي الْوَجْه الَّذِي قدم بِهِ القَوْل) على الْفِعْل وَالْوَقْف (حَيْثُ قدم) وَهُوَ أَن وضع القَوْل لبَيَان المرادات إِلَى آخر مَا سبق آنِفا (نظر وَإِنَّمَا يُفِيد) الْوَجْه الْمَذْكُور (تَقْدِيمه) أَي القَوْل (لَو كَانَ) النّظر (بِاعْتِبَار مُجَرّد مُلَاحظَة ذَات الْفِعْل مَعَه) أَي مَعَ القَوْل (لَكِن النّظر بَين فعل دلّ على خُصُوص حكمه) من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة (وعَلى ثُبُوته) أَي الْفِعْل (فِي حق الْأمة) فَكل قَول دلّ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالدَّال النُّصُوص الدَّالَّة على وجوب الِاقْتِدَاء أَو نَدبه فِي حق خُصُوص حِكْمَة النُّصُوص والقرائن (فَفِي الْحَقِيقَة النّظر) إِنَّمَا هُوَ (فِي تَقْدِيم القَوْل على مَجْمُوع أَدِلَّة مِنْهَا قَول و) مِنْهَا (فعل، وَالْقَوْل وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يدل) على صِيغَة الْمَجْهُول (بِهِ) أَي بالْقَوْل (على هَذَا الْمَجْمُوع) أَي الْأَدِلَّة المركبة من القَوْل وَالْفِعْل أَو مَدْلُول هَذَا الْمَجْمُوع (فَإِنَّمَا عَارضه) أَي هَذَا الْمُرَجح، وفاعل عَارضه قَوْله (مَا دلّ) على صِيغَة الْمَجْهُول (بِهِ) أَي بِالْفِعْلِ (أَيْضا عَلَيْهِ) أَي على القَوْل فِيمَا إِذا وَقع الْفِعْل بَيَانا لِلْقَوْلِ، وَكلمَة مَا مَصْدَرِيَّة: أَي عَارضه كَون الْفِعْل بِحَيْثُ يدل بِهِ عَلَيْهِ، وَفسّر الشَّارِح ضمير عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَجْمُوع، وَلَا يظْهر لَهُ معنى (فاستويا) أَي الْفِعْل وَالْقَوْل (والأدلية وَنَحْوه) مِمَّا تقدم من الأعمية وَغَيرهَا (طرد) أَي أَوْصَاف مَوْجُودَة فِي الْمحل لَكِنَّهَا لَا أثر لَهَا فِيمَا نَحن بصدده (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين عرفت مَا فِي هَذَا الْوَجْه (فَالْوَجْه فِي كل مَوضِع من ذَلِك) التَّعَارُض (مُلَاحظَة أَن الِاحْتِيَاط يَقع فِيهِ) أَي أَي فِي ذَلِك الْموضع (على تَقْدِير) تَرْجِيح (القَوْل أَو الْفِعْل فَيقدم ذَلِك) الَّذِي فِيهِ الِاحْتِيَاط (كَفعل عرفت صفته) من أَنَّهَا (وجوب أَو ندب أَو حكم فِيهِ بذلك) أَي الْوُجُوب أَو النّدب بِمُوجب (يقدم) الْفِعْل (على القَوْل الْمُبِيح) احْتِيَاطًا واحترازا عَن الْوُقُوع فِي ترك الْوَاجِب

أَو الْمَنْدُوب على احْتِمَال تَأَخّر الْفِعْل (وَقَلبه) بِأَن يكون (القَوْل) وَالْفِعْل نسخا لما تقدم فِيهِ القَوْل على الْفِعْل (وَكَذَا القَوْل) حَال كَونه (محرما مَعَ الْفِعْل) مُوجبا أَو تأدبا يقدم على الْفِعْل (مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ وَاجِبا أَو مَنْدُوبًا (و) كَذَا (قَول كَرَاهَة مَعَ فعل إِبَاحَة) تقدم فِيهِ القَوْل (وَقس) على هَذِه أَمْثَالهَا (فَأَما إِذا لم تعرف صفة الْفِعْل فعلى) أَي فبناء على (الْوُجُوب عَلَيْهِ) السَّلَام (وَعَلَيْهِم) أَي الْأمة كَمَا نقل عَن مَالك، و) بِنَاء على (النّدب وَالْإِبَاحَة كَذَلِك) أَي لَهُ وَلَهُم عِنْد الْقَائِلين بالندب فِيمَا إِذا لم تعرف صفته والقائلين بِالْإِبَاحَةِ فِيهِ (وعَلى خُصُوص هَذِه بالأمة الْمُتَأَخر) من الْفِعْل وَالْقَوْل (نَاسخ عَنْهُم فعلا) كَانَ ذَلِك الْمُتَأَخر (أَو قولا شَامِلًا) لَهُ وَلَهُم (أَو خَاصّا بهم) أَي الْأمة، فسر الشَّارِح قَوْله هَذِه بِالْأَحْكَامِ من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة وَلم يبين مَعْنَاهُ على مَا هُوَ عَادَته فِي مشكلات هَذَا الْكتاب وعذره ظَاهر، وَالَّذِي يظْهر أَنه إِشَارَة إِلَى مَا سبق، من أَن الْخلاف فِي فعله الْمَجْهُول الصّفة عِنْد الْمُحَقِّقين بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأمة: فَالْمَعْنى وَبِنَاء على خُصُوص هَذِه الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة بالأمة على مَا هُوَ التَّحْقِيق الْمُتَأَخر فعلا أَو قولا شَامِلًا أَو خَاصّا، أَو على تَقْدِير شُمُول القَوْل أَيْضا لَا يفتش عَمَّا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا سبق تَفْصِيله (فَإِن جهل) الْمُتَأَخر (فالمختار مَا فِيهِ الِاحْتِيَاط كَمَا ذكرنَا، وعَلى الْوَقْف فِي الْكل) أَي فِي حَقه وحقهم أَو فِي كل الْأَحْكَام بخصوصها من الْوُجُوب وَغَيره، إِذْ الْكَلَام فِيمَا إِذا لم تعرف صفته فَلَا يعرف فِيهِ سوى الْإِطْلَاق الَّذِي هُوَ لَازم الْفِعْل على مَا مر آنِفا كَمَا أُشير إِلَيْهِ بقوله (سوى إِطْلَاق الْفِعْل) فَقَوله وعَلى الْوَقْف بَيَان لحكم مَجْهُول الصّفة على قَول من لم يقل بِالْوُجُوب وَلَا بالندب وَلَا بِالْإِبَاحَةِ، بل يَقُول بِالْإِطْلَاقِ (إِن تَأَخّر القَوْل النَّافِي لَهُ) أَي لإِطْلَاق الْفِعْل حَال كَونه (خَاصّا بِهِ) عَلَيْهِ السَّلَام كَأَن صَامَ يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ قَالَ لَا يحل لي صَوْم الْجُمُعَة (مَنعه) أَي نسخ هَذَا القَوْل إِطْلَاق الْفِعْل (فِي حَقه دونهم) فيستمر لَهُم حل صَوْمه مَعَ الْوَقْف عَمَّا زَاد على ذَلِك لما ذكر (أَو) حَال كَونه خَاصّا (بهم) كَأَن قَالَ لَا يحل لأمتي صَوْم يَوْم الْجُمُعَة (فَفِي حَقهم) أَي نسخ القَوْل إِطْلَاق الْفِعْل فِي حَقهم فَقَط وحكمنا بالاطلاق لَهُ مَعَ الْوَقْف عَمَّا زَاد عَلَيْهِ (أَو) حَال كَونه (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُم فَلَا يحل لي وَلَا لكم (نفى الْإِطْلَاق مُطلقًا) أَي نسخ الْحل الَّذِي كَانَ لَازم الْإِطْلَاق عَن الْكل وَزَالَ الْوَقْف مُطلقًا (فَلَو كَانَ) القَوْل الْمُتَأَخر (مُوجبا للْفِعْل أَو نادبا) لَهُ، وَقد كَانَ الْفِعْل الْمُتَقَدّم مُفِيدا للإطلاق لعدم كَونه مَعْرُوف الصّفة (قَرَّرَهُ) أَي الْمُتَأَخر الْفِعْل (على مُقْتَضَاهُ) أَي القَوْل من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَلَا يخفى أَنه حِينَئِذٍ لَا يكون القَوْل مُعَارضا للْفِعْل، وَقد كَانَ بِنَاء الْبَحْث على معارضته إِيَّاه نفى بِكَوْن هَذَا استطراديا فَتَأمل (وَإِن) تَأَخّر (الْفِعْل وَالْقَوْل خَاص بِهِ) عَلَيْهِ السَّلَام كَأَن يَقُول

فصل الشافعية

وَلَا يحل لي صَوْم يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ يَصُوم (فالوقف فِيمَا سوى مُجَرّد الْإِطْلَاق فِي حق الْكل) لِأَنَّهُ ثَبت الْحل فِي حَقه وحقهم بِمُقْتَضى الْفِعْل مَعَ الْوَقْف عَمَّا سوى الْإِطْلَاق فِي حق الْكل (أَو) كَانَ القَوْل خَاصّا (بهم) كَأَن يَقُول لَا يحل للْأمة ثمَّ اسْتمرّ يَصُومهُ (أَو شَامِلًا) لَهُ وَلَهُم كلا يحل لي وَلكم ثمَّ صَامَهُ (منعُوا) أَي منع الْحل فِي حَقهم (دونه) فَيحل لَهُ (وَإِن جهل) الْمُتَأَخر (فَفِي الأول) أَي إِذا كَانَ (القَوْل) خَاصّا بِهِ (الْوَقْف فِي حَقه) لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْمُتَأَخر القَوْل حرم عَلَيْهِ أَو الْفِعْل حل لَهُ ولسنا مأمورين بالبحث عَن ذَلِك فنقف عَن الحكم عَلَيْهِ بِشَيْء (والحل لَهُم) لِأَنَّهُ ثَابت لَهُم تقدم هَذَا القَوْل أَو تَأَخّر (وَفِي الثَّانِي) أَي إِذا كَانَ القَوْل خَاصّا بهم (منعُوا) مُطلقًا إِذْ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون القَوْل مقدما أَو مُؤَخرا أما على الثَّانِي فَظَاهر، وَأما على الأول فَلِأَن الْمحرم قد سبق، والمبيح فِي حَقهم لم يتَحَقَّق (وَحل لَهُ) لِأَن الْفِعْل يُوجِبهُ وَلم يُعَارضهُ القَوْل (وَفِي الثَّالِث) إِذا كَانَ شَامِلًا لَهُ وَلَهُم (الْوَقْف فِي حَقه) إِذْ على تَقْدِير تَأَخّر القَوْل حرم عَلَيْهِ وعَلى تَقْدِير تقدمه حل، وَلَا يحكم فِي حَقه بِشَيْء (وَمنعُوا) لأَنهم فِي التَّأَخُّر والتقدم كَذَلِك أما على التَّأَخُّر فَظَاهر، وَأما فِي التَّقْدِيم فالفعل لَا يَسْتَدْعِي الْإِبَاحَة فِي حَقهم بل فِي حَقه فَقَط وَالله أعلم. (فصل الشَّافِعِيَّة} قَالُوا (التَّرْجِيح اقتران الْإِمَارَة بِمَا تقوى الأمارة بِهِ على معارضها) فتغلبه فَيعْمل بهَا دونه (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَعْنى (وَإِن كَانَ) هُوَ (الرجحان وَسبب التَّرْجِيح) لَا نَفسه، لِأَنَّهُ جعل أحد المتعادلين راجحا بِإِظْهَار فضل فِيهِ (فالترجيح) أَي هَذَا التَّرْجِيح (اصْطِلَاحا) فَهُوَ حَقِيقَة عرفية خَاصَّة فِيهِ، ومجاز لغَوِيّ من تَسْمِيَة الشَّيْء باسم مسببه (والأمارة) أَي اعْتِبَار الأمارة الَّتِي هِيَ دَلِيل ظَنِّي، لِأَن الْقطعِي من الْأَدِلَّة (لِأَنَّهُ لَا تعَارض مَعَ قطع) وَالتَّرْجِيح مَا يتَخَلَّص بِهِ من التَّعَارُض (وَتقدم مَا فِيهِ) أَي فِي عدم التَّعَارُض مَعَ الْقطع فِي أول فصل التَّعَارُض: من أَن التَّحْقِيق جَرَيَانه فِي القطعيين أَيْضا كَمَا فِي الظنيين، وَأَن تَخْصِيص الظنيين بِهِ تحكم (فَيجب تَقْدِيمهَا) أَي الأمارة المقترنة بِمَا تقَوِّي بِهِ على معارضها (للْقطع عَن الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ بِهِ) أَي بتقديمها (وَأورد) على الْأَكْثَرين (شَهَادَة أَرْبَعَة مَعَ) شَهَادَة (اثْنَيْنِ) إِذا تَعَارَضَتَا فَإِن الظَّن بالأربعة أقوى، وَلَا تقدم شَهَادَة الْأَرْبَعَة على شَهَادَة الِاثْنَيْنِ (فالتزم) تَقْدِيم شَهَادَة الْأَرْبَعَة كَمَا هُوَ قَول لمَالِك وَالشَّافِعِيّ (وَالْحق الْفرق) بَين الشَّهَادَة وَالدَّلِيل، إِذْ كم من وَجه ترجح بِهِ الْأَدِلَّة دون الشَّهَادَات: وَذَلِكَ لِأَن الشَّهَادَة مقدرَة فِي الشَّرْع بِعَدَد مَعْلُوم فكفينا الِاجْتِهَاد فِيهَا، بِخِلَاف الرِّوَايَة فَإِنَّهَا مَبْنِيَّة عَلَيْهِ (وللحنفية) فِي تَعْرِيف التَّرْجِيح بِنَاء (على أَنه) أَي التَّرْجِيح (فعل) الْمُجْتَهد (إِظْهَار الزِّيَادَة لأحد المتماثلين على الآخر بِمَا لَا يسْتَقلّ) فَخرج النَّص مَعَ الْقيَاس الْمعَارض لَهُ صُورَة، فَلَا يُقَال النَّص رَاجِح عَلَيْهِ

لانْتِفَاء الْمُمَاثلَة الَّتِي هِيَ الِاتِّحَاد فِي النَّوْع، وَقد عرفت فَائِدَة التَّقْيِيد بِمَا لَا يسْتَقلّ من قَوْله فِي التَّعَارُض: والرجحان تَابع مَعَ التَّمَاثُل (و) لَهُم بِنَاء (على مثل مَا قبله) أَي من قبل هَذَا التَّعْرِيف، يَعْنِي إِظْهَار الزِّيَادَة إِلَى آخِره، وَهُوَ تَعْرِيف الشَّافِعِيَّة (فضل الخ) أَي لأحد المتماثلين على الآخر وَصفا، وَهُوَ قَول فَخر الْإِسْلَام وَغَيره كَمَا أَن اصْطِلَاح الشَّافِعِيَّة وضع لفظ التَّرْجِيح بِإِزَاءِ مَا هُوَ مُنَاسِب بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ كَذَلِك اصْطِلَاح بعض الْحَنَفِيَّة وضع لَهُ بِإِزَاءِ مَا هُوَ سَبَب بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ (وَأفَاد) تَعْرِيف الْحَنَفِيَّة (نفي التَّرْجِيح بِمَا يصلح دَلِيلا) فِي نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن الدَّلِيل الْمُوَافق لَهُ فَلَا يرجح دَلِيل مُسْتَقل وَافقه دَلِيل مُسْتَقل آخر على دَلِيل مُنْفَرد لَيْسَ لَهُ ذَلِك: وَهَكَذَا فِي الْقيَاس (فَبَطل) التَّرْجِيح لأحد الْحكمَيْنِ المتعارضين (بِكَثْرَة الْأَدِلَّة) على الآخر (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة لاستقلال كل من تِلْكَ الْأَدِلَّة فِي إِثْبَات الْمَطْلُوب فَلَا يَنْضَم إِلَى الآخر وَلَا يتحد بِهِ ليُفِيد تقويته، لِأَن الشَّيْء إِنَّمَا يتقوى بِصفة تُؤْخَذ فِي ذَاته لَا بانضمام مثله إِلَيْهِ (وترجيح مَا) أَي نَص (يُوَافق الْقيَاس على مَا) أَي نَص (يُخَالِفهُ) أَي الْقيَاس (لَيْسَ بِهِ) أَي بالترجيح لِكَثْرَة الْأَدِلَّة (عِنْد قابله) أَي من يقبل التَّرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة (لِأَنَّهُ) أَي الْقيَاس الْمُوَافق للنَّص (غير مُعْتَبر هُنَاكَ) لِأَنَّهُ لَا يعْتَبر فِي مُقَابلَة النَّص فَلَا يصلح دَلِيلا فِي نَفسه هُنَاكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَيْسَ) الْقيَاس ثمَّة (دَلِيلا والاستقلال (فَرعه) أَي كَونه دَلِيلا، بل هُوَ بِمَنْزِلَة الْوَصْف لذَلِك النَّص (وَصَحَّ عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (نَفْيه) أَي نفي تَرْجِيح مَا يُوَافق الْقيَاس على مَا يُخَالِفهُ. وَفِي الْكَشْف وَغَيره أَن الْأَصَح (لِأَنَّهُ) أَي الْقيَاس (دَلِيل فِي نَفسه مُسْتَقل) وَلذَا يثبت الحكم بِهِ عِنْد عدم النَّص وَالْإِجْمَاع و (لَكِن عدم شَرط اعْتِبَاره) هُنَا لما ذكرنَا (وَالْقِيَاس على مثله) أَي وترجح الْقيَاس على قِيَاس مثله معَارض لَهُ (بِكَثْرَة الْأُصُول) كَمَا سَيَأْتِي بَيَانهَا فِي محلهَا (لَيْسَ مِنْهُ) أَي من التَّرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة (لِأَنَّهَا) أَي الْأُصُول (لَا توجب حكم الْفَرْع) بل الْمُوجب لَهُ الْفَرْع الْمَوْجُود فِيهَا المثير للْحكم فَيحدث فِيهِ قُوَّة مرجحة (وَهُوَ) أَي وجوب حكم الْفَرْع هُوَ (الْمَطْلُوب) من الْقيَاس (فَيعْتَبر فِيهِ) أَي فِي حكم الْفَرْع (التَّعَارُض) بَين القياسين، ثمَّ يرجح الْقيَاس الَّذِي هُوَ أصُول يُؤْخَذ فِيهَا جنس الْوَصْف أَو نَوعه على مَا لَيْسَ كَذَلِك (فَهُوَ) أَي التَّرْجِيح بِكَثْرَة الْأُصُول ترجح (بِقُوَّة الْأَثر) وَهُوَ من الطّرق المصححة فِي تَرْجِيح الأقيسة كَمَا سَيَأْتِي. ثمَّ شرع فِي بَيَان مَا بِهِ التَّرْجِيح، فَقَالَ (فَفِي الْمَتْن) أَي مَا تضمنه الْكتاب وَالسّنة من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْعَام وَالْخَاص وَنَحْوهَا يكون التَّرْجِيح (بِقُوَّة الدّلَالَة كالمحكم فِي عرف الْحَنَفِيَّة على الْمُفَسّر، وَهُوَ) أَي الْمُفَسّر عِنْدهم يرجح (على النَّص) فِي عرفهم (وَهُوَ) أَي النَّص فِي عرفهم

(على الظَّاهِر) فِي عرفهم، وَقد سبق تَفْسِيرهَا على التَّفْصِيل فِي التَّقْسِيم الثَّانِي من الْفَصْل الثَّانِي من المبادي اللُّغَوِيَّة (وَلذَا) أَي ولترجح الْأَقْوَى دلَالَة (لزم نفي التَّشْبِيه) عَن الله تَعَالَى (فِي) قَوْله عز وَجل {على الْعَرْش اسْتَوَى} وَنَحْوه مِمَّا يُوهم الْمَكَان لَهُ (ب) قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء} لِأَنَّهُ مُقْتَضى نفي الْمُمَاثلَة بَينه وَبَين شَيْء مَا مُطلقًا، وَالْمَكَان والمتمكن متماثلان من حَيْثُ الْقدر، أَو يُقَال لَو كَانَ لَهُ مَكَان لَكَانَ مثل الْأَجْسَام فِي التَّمَكُّن، وَقدم الْعَمَل بِهَذِهِ الْآيَة لكَونهَا محكمَة لَا تحْتَمل تَأْوِيلا (ويضبط مَا تقدم من الاصطلاحين) للحنفية وَالشَّافِعِيَّة فِي ألقاب أَقسَام تقسيمات الدّلَالَة للمفرد فِي الْفَصْل الثَّانِي من الْمقَالة الأولى (يجمع وَيفرق) فسر الشَّارِح الْجمع بِأَن يحكم بِوُجُود بعض الْأَقْسَام على الاصطلاحين جَمِيعًا فِي بعض الْمَوَارِد، وَالْفرق بِأَن يحكم بِوُجُود بَعْضهَا على أحد الاصطلاحين دون الآخر، ثمَّ قَالَ وينشأ من ذَلِك تَرْجِيح الْبَعْض على الْبَعْض بِحَسب التَّفَاوُت بَينهمَا فِي قُوَّة الدّلَالَة انْتهى. وَالَّذِي يظْهر لي من السِّيَاق أَنه لما ذكر أَن التَّرْجِيح فِي الْمَتْن بِقُوَّة الدّلَالَة، وَذكر أقساما من الدوال وَأفَاد كَون بَعْضهَا أقوى من الْبَعْض فِي الدّلَالَة أَرَادَ أَن يرشدك إِلَى ضابطة يسهل مَعْرفَتهَا عَلَيْك بِسَبَب ضبطك الاصطلاحين وَهِي أَن تجمع بَين مَا لم يذكر من أَقسَام الدوال وَتنظر إِلَى النِّسْبَة بَين كل قسمَيْنِ من حَيْثُ قُوَّة الدّلَالَة ومقابلها وَهُوَ الْجمع، وتحكم بِكَوْن أَحدهمَا أقوى دلَالَة وَهُوَ الْفرق (والخفي) يرجح (على الْمُشكل عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة لما عرف من أَن الخفاء فِي الْمُشكل أَكثر مِنْهُ فِي الْخَفي (وَأما الْمُجْمل مَعَ الْمُتَشَابه) باصطلاح الْحَنَفِيَّة (فَلَا يتَصَوَّر) تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر (وَلَو) قصد إِلَى التَّرْجِيح (بعد الْبَيَان) للمجمل (لِأَنَّهُ) أَي تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر (بعد فهم مَعْنَاهُمَا) والمتشابه انْقَطع رَجَاء مَعْرفَته فِي الدُّنْيَا عِنْدهم (والحقيقة) ترجح (على الْمجَاز الْمسَاوِي) فِي الِاسْتِعْمَال لَهَا (شهرة اتِّفَاقًا) لِأَنَّهَا الأَصْل فِي الْكَلَام (وَفِي) تَرْجِيح الْمجَاز (الزَّائِد) فِي الِاسْتِعْمَال من حَيْثُ الشُّهْرَة على الْحَقِيقَة (خلاف أبي حنيفَة) فَإِنَّهُ يرجحها عَلَيْهِ وَقَالَ الْجُمْهُور وَمِنْهُم الصاحبان يرجح عَلَيْهَا، وَتقدم الْكَلَام فِي ذَلِك فِي الْفَصْل الْخَامِس فِي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز (والصريح على الْكِنَايَة، والعبارة على الْإِشَارَة وَهِي) أَي الْإِشَارَة (على الدّلَالَة مَفْهُوم الْمُوَافقَة، وَهِي) أَي الدّلَالَة (على الْمُقْتَضى وَلم يُوجد لَهُ) أَي لترجيح الدّلَالَة عَلَيْهِ (مِثَال فِي الْأَدِلَّة وَقيل يتَحَقَّق) لَهُ مِثَال فِيهَا، وَهُوَ مَا (إِذا بَاعه) أَي عبدا (بِأَلف ثمَّ قَالَ) البَائِع وَالْمُشْتَرِي قبل نقد الثّمن (أعْتقهُ عني بِمِائَة) فَفعل، إِذْ (دلَالَة حَدِيث زيد بن أَرقم) الْمَذْكُور فِي المسئلة الَّتِي يَليهَا فصل التَّعَارُض (تَنْفِي صِحَّته) أَي بيع العَبْد الْمَذْكُور الثَّابِت اقْتِضَاء لشراء مَا بَاعَ بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ قبل نقد الثّمن (واقتضاء الصُّورَة) أَي قَول غير مَالك العَبْد لمَالِكه

عتق عَبدك عني بِمِائَة فِي غير هَذِه الْوَاقِعَة (يُوجِبهَا) أَي صِحَة البيع الْمُقْتَضى (وَلَيْسَ) هَذَا أَمْثَالًا لترجح الدّلَالَة على الْمُقْتَضى (إِذْ ليسَا) أَي بيع زيد واقتضاء الصُّورَة صِحَة البيع (دَلِيلين) سمعيين كَمَا هُوَ ظَاهر، فَأَيْنَ تعَارض الدَّلِيلَيْنِ الَّذِي التَّرْجِيح فَرعه، هَكَذَا شرح الشَّارِح هَذَا الْمحل وَمضى. وَأَنت خَبِير بِأَن النزاع فِي تحقق الْمِثَال بعد تَسْلِيم كَون تَرْجِيح الدّلَالَة على الْمُقْتَضى من جملَة المرجحات فِي بَاب التَّعَارُض بَين الْأَدِلَّة وَعدم كَونهمَا دَلِيلين سمعيين إِن كَانَ بِسَبَب كَون بيع زيد أَو البَائِع الْمَذْكُور، واقتضاء لَفْظَة صِحَة البيع أَمريْن جزئيين لَا يُقَال لشَيْء مِنْهُمَا دَلِيل سَمْعِي فَالْجَوَاب أَنه إِذا حررنا النّظر عَن خصوصيتهما يرجعان إِلَى أصليين كليين، وَإِن كَانَ بِسَبَب أَن هذَيْن الدَّلِيلَيْنِ ليسَا دَلِيلين سمعيين، فللخصم أَن يَقُول حَدِيث زيد بن أَرقم من الْأَدِلَّة السمعية، وَالدّلَالَة على الْمُقْتَضى أَيْضا مِنْهَا، وعَلى تَقْدِير تَسْلِيم عدم كَونهمَا دَلِيلين لَا يَنْبَغِي أَن يُنَازع فِي تحقق الْمِثَال فِي عدم هَذَا لترجيح مِمَّا نَحن فِيهِ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال فِي قَوْله لم يُوجد لَهُ مِثَال فِي الْأَدِلَّة إِشَارَة إِلَى أَنه لَو فرض لَهُ مِثَال لَا يكون ذَلِك من جملَة التَّرْجِيح الْكَائِن بَين الْأَدِلَّة وَعدم كَونهمَا ليسَا من الْأَدِلَّة، وَفِيه مَا فِيهِ (وَلِأَن حَدِيث زيد إِنَّمَا نسب إِلَيْهِ) أَي إِلَى زيد (لِأَنَّهُ صَاحب الْوَاقِعَة فِي زمن عَائِشَة الرادة عَلَيْهِ) بِهِ بَيْعه وشراءه (فَلَا يكون غَيره) مِمَّن وَقع مِنْهُ مثل مَا وَقع من زيد (مثله) أَي مثل زيد (دلَالَة) يَعْنِي أَن مردودية وُقُوع مَا صدر من زيد بذلك الحَدِيث لَيست بطرِيق دلَالَة لنَصّ، وَكَذَلِكَ مردودية مثل صَنِيعه من غَيره بذلك الحَدِيث لَيست بِدلَالَة النَّص (إِذْ هُوَ) أَي الحَدِيث الْمَرْدُود بة على زيد (نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شِرَاء مَا بَاعَ بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ قبل نقد الثّمن فَيثبت) هَذَا النَّهْي (فِي غَيره) أَي غير زيد (عبارَة كَمَا) يثبت (فِيهِ) أَي فِي زيد عبارَة أَيْضا (وَكَيف) يكون هَذَا من الدّلَالَة (وَلَا أَوْلَوِيَّة) لكَونه مَنْهِيّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مورد النَّص كأولوية ضرب الْأَبَوَيْنِ بِالْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حُرْمَة التأفيف على قَول من اشْترط فِي دلَالَة النَّص أَوْلَوِيَّة الْمَسْكُوت بالحكم فِي الدّلَالَة (وَلَا لُزُوم فهم المناط) للْحكم الْمَذْكُور فِي الْمَسْكُوت على مَا بَين فِي محلّة (فِي مَحل الْعبارَة) وَلَا دلَالَة بِدُونِهِ (والمقتضى) بِفَتْح الضَّاد أَي وترجح الْمُقْتَضى الَّذِي أثبت (للصدق عَلَيْهِ) أَي لكَون صدق الْكَلَام مَوْقُوفا على الْمُقْتَضى الَّذِي أثبت (لغيره) أَي لغير الصدْق وَهُوَ وُقُوعه شَرْعِيًّا لِأَن الصدْق فهم من وُقُوعه شَرْعِيًّا (وَمَفْهُوم الْمُوَافقَة على) مَفْهُوم (الْمُخَالفَة عِنْد قابله) بِالْبَاء الْمُوَحدَة كَذَا قَالَ الشَّارِح: أَي من يقبل مَفْهُوم الْمُخَالفَة لِأَن مَفْهُوم الْمُوَافقَة أقوى، وَلذَا لم يَقع خلاف وَألْحق بالقطعيات، وَقيل بِخِلَافِهِ لَكِن الأول هُوَ الصَّحِيح على مَا ذكره ابْن

الْحَاجِب (و) يرجح (الْأَقَل احْتِمَالا) على الْأَكْثَر احْتِمَالا (كالمشترك) الْمَوْضُوع (لاثْنَيْنِ على مَا) أَي الْمُشْتَرك (لأكْثر وَالْمجَاز الْأَقْرَب) إِلَى الْحَقِيقَة على مَا هُوَ أبعد مِنْهُ إِلَيْهَا (وَفِي كتب الشَّافِعِيَّة) يرجح الْمجَاز على مجَاز آخر (بأقربية الْمُصَحح) أَي العلاقة إِلَى الْحَقِيقَة مَعَ اتِّحَاد الْجِهَة (كالسبب الْأَقْرَب) فِي الْمُسَبّب (على) الْمُسَبّب (الْأَبْعَد) مِنْهُ فِي الْمُسَبّب (و) يرجح ب (قربه) أَي بِقرب الْمُصَحح إِلَى الْحَقِيقَة (دون) الْمُصَحح (الآخر) فِي الْمجَاز الآخر بِأَن يكون بَعيدا (كالسبب) أَي كإطلاق اسْم السَّبَب (على الْمُسَبّب على عَكسه) أَي إِطْلَاق اسْم الْمُسَبّب على السَّبَب كَأَن الْمُسَبّب لَا يسْتَلْزم سَببا معينا لجَوَاز ثُبُوته بِسَبَب آخر، بِخِلَاف السَّبَب فَإِنَّهُ يسْتَلْزم مسببا معينا (وَيَنْبَغِي تعارضهما) أَي مَا سمي باسم سَببه وَمَا سمي باسم مسببه (فِي) السَّبَب (المتحد) لمسبب فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يسْتَلْزم كل مِنْهُمَا الآخر بِعَيْنِه لِأَن الْمَفْرُوض أَنه لَيْسَ إِلَّا سَبَب وَاحِد (وَمَا) أَي الْمجَاز الَّذِي (جَامعه) أَي علاقته (أشهر) مترجح على مَا علاقته دون ذَلِك فِي الشُّهْرَة (و) الْمجَاز (الْأَشْهر) اسْتِعْمَالا (مُطلقًا) أَي فِي اللُّغَة أَو فِي الشَّرْع أَو فِي الْعرف على غَيره (وَالْمَفْهُوم وَالِاحْتِمَال الشرعيان) يترجحان على الْمَفْهُوم وَالِاحْتِمَال اللَّذين ليسَا بشرعيين، لم يذكر الشَّارِح للمفهوم الشَّرْعِيّ وَمُقَابِله مِثَالا وَلم يبين مَعْنَاهُ وَهَكَذَا فعل فِي الِاحْتِمَال الشَّرْعِيّ مُقَابِله، وَالَّذِي يظْهر لي أَن الحكم الْمَنْطُوق إِذا كَانَ شَرْعِيًّا كَانَ الْمَفْهُوم أَيْضا شَرْعِيًّا وَإِذا لم يكن شَرْعِيًّا كَانَ مَفْهُومه كَذَلِك، وَإِن كَانَ مفَاد مَفْهُومه حكما شَرْعِيًّا وَلَا تتَحَقَّق الْمُعَارضَة إِلَّا إِذا كَانَ مفَاد الْمَفْهُوم الشَّرْعِيّ ومفاد مُقَابِله حكما شَرْعِيًّا، وَأما مِثَال الِاحْتِمَال الشَّرْعِيّ وَمَا قابله فَمثل الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يُرَاد صَلَاة فِي اللُّغَة وَأَنه كَالصَّلَاةِ فِي اشْتِرَاط الطَّهَارَة (بِخِلَاف) اللَّفْظ (الْمُسْتَعْمل) للشارع (فِي) مَعْنَاهُ (اللّغَوِيّ مَعَه) أَي اسْتِعْمَاله (فِي) الْمَعْنى (الشَّرْعِيّ) فَإِنَّهُ يقدم الْمَعْنى اللّغَوِيّ على الشَّرْعِيّ عِنْد تعارضهما ممكنين فِي اطلاق، وَمعنى اسْتِعْمَاله فيهمَا أَنه يحْتَمل أَن يكون مُسْتَعْملا فِي كل مِنْهُمَا على سَبِيل الْبَدَلِيَّة، مِثَاله النِّكَاح يسْتَعْمل لُغَة فِي الْوَطْء وَشرعا فِي العقد (وَفِيه) أَي فِي هَذَا (نظر) لِأَن اسْتِعْمَاله فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ (كأقربية الْمُصَحح وقربه وأشهريته) أَي كَمَا فِي تَرْجِيح كل من هَذِه الثَّلَاثَة على مَا يُقَابله نظر (بل وأقربية نفس الْمَعْنى الْمجَازِي) أَي بل فِي تَرْجِيح هَذَا على مجَاز لَيْسَ كَذَلِك نظر أَيْضا كَمَا سَيعْلَمُ (وأولوية) الْمجَاز الَّذِي هُوَ نفى (الصِّحَّة فِي لَا صَلَاة) لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب على الْمجَاز الَّذِي هُوَ نفي الْكَلَام فِيهِ (لذَلِك) أَي لِأَن نفى الصِّحَّة الْمجَاز الْأَقْرَب إِلَى نفى الذَّات (مَمْنُوع لِأَن النَّفْي) وَارِد (على النِّسْبَة لَا) على (طرفها) الأول (و) طرفها (الثَّانِي مَحْذُوف فَمَا قدر) أَي فَهُوَ مَا قدر خبر للطرف الأول وَإِذا كَانَ الْأَمر هَكَذَا (كَانَ كل الْأَلْفَاظ) الملفوظ مِنْهَا والمقدر فِي

التَّرْكِيب الْمَذْكُور (حقائق) لاستعمالها فِي مَعَانِيهَا الوضعية (غير أَن خصوصه) أَي الْمُقدر إِنَّمَا يتَعَيَّن (بِالدَّلِيلِ) الْمعِين لَهُ (وَوَجهه) أَي النّظر فِي تَرْجِيح مَا اشْتَمَل على أقربية الْمُصَحح إِلَى آخِره (أَن الرجحان) إِنَّمَا هُوَ (بِمَا يزِيد قُوَّة دلَالَة على المُرَاد أَو) بِمَا يزِيد قُوَّة دلَالَة على (الثُّبُوت) وَهَذِه الْمَذْكُورَات لَيْسَ فِيهَا ذَلِك (والحقيقي) أَي وَالْفَرْض أَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ (لم يرد) من إِطْلَاق اللَّفْظ (فَهُوَ) أَي الْحَقِيقِيّ الَّذِي لَيْسَ بِمُرَاد مِنْهُ (كَغَيْرِهِ) من الْمعَانِي الَّتِي لَيست بمرادة مِنْهُ (وَتعين الْمجَازِي فِي كل) أَي كل اسْتِعْمَال لَهُ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ (بِالدَّلِيلِ) الْمعِين لَهُ (فاستويا) أَي المجازيان (فِيهِ) أَي فِيمَا ذكر أَو فِي اللَّفْظ بِاعْتِبَار مَا ذكر وَالْحَاصِل أَنه إِذا ذكر لفظ وَصرف الدَّلِيل عَن إِرَادَة مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ إِلَى مَا يَصح أَن يتجوز فِيهِ فَلَا يتَعَيَّن المُرَاد إِلَّا بالمعين فالمدار عَلَيْهِ فكون أحد المفادين مجَازًا بِحَيْثُ يكون بَينه وَبَين الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ قرب فِي ذَاته أَو فِي مصححه أَو بِحَيْثُ يكون مصححه أشهر لَا أثر لَهُ، وَقد يُقَال المجازيان إِذا كَانَ لكل مِنْهُمَا قرينَة مُعينَة فاستويا فِيهِ بِاعْتِبَار ذَلِك لَكِن تكون العلاقة المصححة لأَحَدهمَا مَوْصُوفَة بِالْقَرِينَةِ مثلا كَانَ دلَالَته أوضح فَإِن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَإِن لم يكن مرَادا لكنه وَاسِطَة فِي الِانْتِقَال إِلَى الْمجَازِي، وَلَا نسلم أَنه كَسَائِر الْمعَانِي الَّتِي لَيست مُرَادة فَتَأمل (نعم لَو احتملت دلَالَته) أَي دلَالَة الْمعِين لأحد المجازيين (دون الآخر) بِأَن يكون التَّعْيِين على احْتِمَال فَقَط وَأما الْمعِين للْآخر فَلَا يكون مُحْتملا بل يكون نصا فِي المُرَاد فَحِينَئِذٍ يكون هَذَا أرجح (وَذَلِكَ) أَي التَّعْيِين بِاعْتِبَار الِاحْتِمَال وَعَدَمه (شَيْء آخر) غير الْقرب من الْحَقِيقِيّ والبعد مِنْهُ (وَمَا أكدت دلَالَته) يرجح على مَا لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أغلب على الظَّن (والمطابقة) ترجح على التضمن والالتزام لِأَنَّهَا أضبط (والنكرة فِي) سِيَاق (الشَّرْط) تترجح (عَلَيْهَا) أَي النكرَة (فِي) سِيَاق (النَّفْي وَغَيرهَا) أَي وعَلى غير النكرَة كالجمع الْمحلى والمضاف (لقُوَّة دلالتها) أَي النكرَة فِي سِيَاق الشَّرْط (بإفادة التَّعْلِيل) لِأَن الشَّرْط كالعلة وَالْحكم الْمُعَلل دلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ أقوى (وَالتَّقْيِيد) للنكرة الَّتِي رجحت عَلَيْهَا النكرَة فِي سِيَاق الشَّرْط (بِغَيْر المركبة) أَي المبنية على الْفَتْح لِأَن لَا فِيهَا لنفي الْجِنْس لكَونهَا نصا فِي الِاسْتِغْرَاق (تقدم) فِي الْبَحْث الثَّانِي من مبَاحث الْعَام (مَا يَنْفِيه) أَي التَّقْيِيد الْمَذْكُور فيستوي الْحَال بَين أَن تكون مركبة أَولا (وَكَذَا الْجمع الْمحلي والموصول) يتَرَجَّح كل مِنْهُمَا (على) اسْم الْجِنْس (الْمُعَرّف) بِاللَّامِ لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله فِي الْمَعْهُود فَتَصِير دلَالَته على الْعُمُوم ضَعِيفَة، على أَن الْمَوْصُول مَعَ صلته يُفِيد التَّعْلِيل كَمَا تفيده النكرَة فِي سِيَاق الشَّرْط (وَالْعَام) يتَرَجَّح (على الْخَاص فِي الِاحْتِيَاط) أَي فِيمَا إِذا كَانَ الِاحْتِيَاط فِي الْعَمَل كَمَا لَو كَانَ محرما وَالْخَاص مبيحا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الِاحْتِيَاط فِيهِ

(جمع) بَينهمَا بِالْعَمَلِ بالخاص فِي مَحَله وبالعام فِيمَا سواهُ (كَمَا تقدم) فِي فصل التَّعَارُض (وَالشَّافِعِيَّة) يتَرَجَّح عِنْدهم (الْخَاص دَائِما) على الْعَام لِأَنَّهُ غير مُبْطل للعام بِخِلَاف الْعَمَل بِالْعَام فَإِنَّهُ مُبْطل للخاص وَلِأَنَّهُ أقوى دلَالَة (وَمَا) أَي الْعَام الَّذِي (لزمَه تَخْصِيص) يتَرَجَّح (على خَاص ملزوم التَّأْوِيل) لِأَن تَخْصِيص الْعَام أَكثر من تَأْوِيل الْخَاص (وَالتَّحْرِيم) يتَرَجَّح (على غَيره) من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة وَالْكَرَاهَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب (فِي الْمَشْهُور احْتِيَاطًا) إِذْ غَايَة مَا يلْزم من تَقْدِيمه ترك الْوَاجِب وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ فِي مُقَابلَة الْمُوجب وَإِن كَانَ للمناقشة مجَال، وَقد يسْتَدلّ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام " مَا اجْتمع الْحَرَام والحلال إِلَّا وَغلب الْحَرَام الْحَلَال " وَفِيه مقَال للحفاظ (وَإِذا ثَبت أَنه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَانَ يحب مَا خفف على أمته) وَالْأَخْبَار فِيهِ أَكثر من أَن تحصى، وَمِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا أم أحدكُم النَّاس فليخفف، فَإِن فيهم الصَّغِير وَالْكَبِير والضعيف وَالْمَرِيض وَذَا الْحَاجة " مُتَّفق عَلَيْهِ (اتجه قلبه) أَي تَرْجِيح غير التَّحْرِيم، وَتعقبه الشَّارِح بِأَن هَذَا لَا يتم فِي الْوُجُوب إِذْ لَيْسَ فِي تَرْجِيحه عَلَيْهِ تَخْفيف لِأَن الْمحرم يتَضَمَّن اسْتِحْقَاق الْعقَاب على الْفِعْل، والموجب يتضمنه على التّرْك فَتعذر الِاحْتِيَاط، فَلَا جرم أَن جزم بالتساوي بَينهمَا الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور وَقَالَ لَا يقدم أَحدهمَا على الآخر انْتهى، وَقد يُقَال أَن التَّحْرِيم منع عَن الْفِعْل، والإيجاب إِلْزَام بِهِ، والمرء حَرِيص لما منع فَهُوَ أشق على النَّفس، وَهُوَ الَّذِي أخرج آدم من الْجنَّة فَإِن الصَّبْر عَن الْمنْهِي أصعب (وَالْوُجُوب) يرجح (على مَا سوى التَّحْرِيم) من الْكَرَاهَة وَالنَّدْب للِاحْتِيَاط (وَالْكَرَاهَة) ترجح (على النّدب) لما ذكر (وَالْكل) من الْكَرَاهَة وَالتَّحْرِيم وَالْوُجُوب وَالنَّدْب يرجح (على الْإِبَاحَة) لما ذكر أَيْضا (فتقديم الْأَمر) على مَا سوى النَّهْي (وَالنَّهْي) على مَا سواهُ مُطلقًا أَو على الْأَمر (لَيْسَ لذاتيهما) بل لِأَن مَدْلُول الْأَمر الْوُجُوب، وَقد قدم للِاحْتِيَاط ومدلول النَّهْي التَّحْرِيم وَقد قدم كَذَلِك (وَالْخَاص من وَجه) أَي من بعض جهاته لَا من كل وَجه يرجح (على الْعَام مُطلقًا) أَي من جَمِيع جهاته لِأَن احْتِمَال تَخْصِيصه أَكثر من الْخَاص من وَجه لَا يدْخلهُ التَّخْصِيص من ذَلِك الْوَجْه (و) الْعَام (الَّذِي لم يخص) يرجح على الْعَام الَّذِي خص، نَقله إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن الْمُحَقِّقين مُعَللا بِأَن دُخُول التَّخْصِيص يضعف اللَّفْظ، والرازي بِأَن الَّذِي دخله قد أزيل عَن تَمام مُسَمَّاهُ والحقيقة ترجح على الْمجَاز (وَذكر من) تعَارض (الْأَدِلَّة) للْأَحْكَام (مَا) أَي التَّعَارُض بَين الدَّلِيلَيْنِ اللَّذين (بَينهمَا) عُمُوم (من وَجه) لَا يخفى عَلَيْك أَن التَّعَارُض إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا أَفَادَ كل مِنْهُمَا نقيض الآخر فَلَا بُد من اتِّحَاد النِّسْبَة، وَلها بِاعْتِبَار طرقه ومتعلقاتها جِهَات، وَتلك الْجِهَات تقبل الْعُمُوم وَالْخُصُوص فَإِن كَانَ أحد الدَّلِيلَيْنِ

عَاما بِاعْتِبَار جِهَة وخاصا بِاعْتِبَار أُخْرَى، وَالْآخر على عَكسه بِأَن يكون خَاصّا بِاعْتِبَار مَا كَانَ بَينهمَا عُمُوما من وَجه (مثل لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِالْفَاتِحَةِ) وَلَفظ الصَّحِيحَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب فَإِن هَذَا (عَام فِي الْمُصَلِّين) لِأَن الْمَعْنى لَا صَلَاة لكل مصل لم يقْرَأ بهَا ضَرُورَة كَون كلمة من من صِيغ الْعُمُوم (خَاص فِي المقروء) إِذْ الْفَاتِحَة اسْم لسورة مَخْصُوصَة (وَمن كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة) أخرجه ابْن منيع بِإِسْنَاد صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم فَإِن هَذَا (خَاص بالمقتدى) لَيْسَ المُرَاد بالخاص مَا يُقَابل الْمجَاز الاصطلاحي إِذْ لَا فرق بَين من كَانَ بِإِمَام وَبَين من لم يقْرَأ فِي الْعُمُوم الاصطلاحي، بل المُرَاد أَنه يَشْمَل المقتدى فَقَط بِخِلَاف من لم يقْرَأ، فَإِنَّهُ يعمه وَغَيره (عَام فِي المقروء) إِذْ يعم كل مَا يقْرَأ الإِمَام فَاتِحَة كَانَ أَو غَيره (فَإِن خص عُمُوم الْمُصَلِّين) فِي لَا صَلَاة (بالمقتدى) وَيُقَال أَن المُرَاد بالمصلين هُنَاكَ من عدا المقتدى (عَن وُجُوبهَا) أَي حكم وجوب الْفَاتِحَة (عَلَيْهِ) أَي على المقتدى فَلَا يجب عَلَيْهِ (وَجب أَن يخص خُصُوص المقروء) فِي الحَدِيث الأول (وَهُوَ) أَي المقروء (الْفَاتِحَة عُمُوم المقروء الْمَنْفِيّ) فِي الحَدِيث الثَّانِي (عَن المقتدى) إِذْ جعل قِرَاءَة الإِمَام قِرَاءَة لَهُ تفِيد أَن لَا يقْرَأ بِنَفسِهِ (فَتجب عَلَيْهِ الْفَاتِحَة فيتدافعان) أَي الدليلان فِي المقتدى، أوجب الأول عَلَيْهِ قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَنفى الثَّانِي وُجُوبهَا عَلَيْهِ تَوْضِيحه أَن الأول نفى صَلَاة كل مصل بِدُونِ الْفَاتِحَة فَلَزِمَ نفى صَلَاة المقتدى بِدُونِهَا ضمنا فأوجبها عَلَيْهِ، وَالثَّانِي نفى جنس الْقِرَاءَة عَنهُ فنفى وجوب الْفَاتِحَة بِخُصُوصِهِ فَعِنْدَ ذَلِك يطالبنا الْخصم بِمثل هَذِه الْمُعَامَلَة ومثبته هَذَا بِخُصُوصِهِ (فَالْوَجْه فِي هَذَا) الْمِثَال (أَن) يُقَال (لَا تعَارض) بَين الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورين (إِذْ لم ينف) الدَّلِيل الثَّانِي (قرَاءَتهَا) أَي وجوب قِرَاءَة الْفَاتِحَة (على المقتدين بل ثَبت أَن قِرَاءَة الإِمَام جعلت شرعا قِرَاءَة لَهُ) أَي المقتدى (بِخِلَاف النَّهْي عَنْهَا) أَي الصَّلَوَات (فِي الْأَوْقَات) الثَّلَاثَة: وَقت طُلُوع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع، وَوقت استوائها حَتَّى تَزُول، وَوقت ميلها إِلَى الْغُرُوب حِين تغرب. لما فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره (مَعَ من نَام عَن صَلَاة) فليصلها إِذا ذكرهَا أخرجه بِمَعْنَاهُ مُسلم (وَفِي بعض كتب الشَّافِعِيَّة) كشرح منهاج الْبَيْضَاوِيّ للأسنوي (يطْلب التَّرْجِيح فيهمَا) أَي المتعارضين اللَّذين بَينهمَا عُمُوم من وَجه (من خَارج وَكَذَا يجب للحنفية) أَي يطْلب التَّرْجِيح فيهمَا من خَارج لِأَن كلا أَخذ مُقْتَضى خصوصه فِي عُمُوم الآخر ثمَّ وَقع التَّعَارُض بَينهمَا (وَالْمحرم مُرَجّح) على غَيره، وَحَدِيث النهى محرم وَحَدِيث من نَام مُطلق فيترجح (وَمَا جرى بِحَضْرَتِهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَسكت) عَنهُ يتَرَجَّح (على مَا بلغه) فَسكت عَنهُ ذكره الْآمِدِيّ (وَالْوَجْه تَقْيِيده)

أَي مَا بلغه فَسكت عَنهُ (بِمَا إِذا ظهر عدم ثُبُوته) أَي ثُبُوت وُقُوع هَذَا الَّذِي بلغه (لَدَيْهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجَوَاز أَن يكون سُكُوته عَنهُ حِينَئِذٍ لعلمه بِعَدَمِ وُقُوعه من وَحي أَو غَيره، إِذْ عِنْد اطِّلَاعه بِمَا جرى لَا فرق بَين الْحُضُور والغيب فِي عدم جَوَاز السُّكُوت عَنهُ على تَقْدِير كَونه مُنْكرا (وَمَا) روى (بصيغته) أَي بِلَفْظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَرَجَّح (على المنفهم عَنهُ) أَي على الَّذِي انفهم عَنهُ فروى عَنهُ فالعبارة للراوي لَا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوَاء أفهمهُ من لَفظه أَو من فعله إِذْ يتَطَرَّق إِلَى هَذَا احْتِمَال الْغَلَط فِي الْفَهم، وَقيل لِأَن المحكى بِاللَّفْظِ أجمع على قبُوله بِخِلَاف المحكى بِالْمَعْنَى (ونافى مَا يلْزمه) أَي الْخَبَر الَّذِي يَنْفِي حكما شَرْعِيًّا يلْزمه (دَاعِيَة) إِلَى مَعْرفَته لكَونه مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى (فِي) خبر (الْآحَاد) يتَرَجَّح (على) مُثبت (مثله) مِمَّا يلْزمه دَاعِيَة من خبر الْآحَاد كَخَبَر مُطلق يَنْفِي وجوب الْوضُوء من مس الذّكر، وَخبر بسرة بإثباته، وَتقدم وَجهه على أصُول الْحَنَفِيَّة، وَنقل إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن جُمْهُور الْعلمَاء تقدم الْمُثبت وَقيل بتسويتهما وَاخْتَارَهُ الْغَزالِيّ. وَقَالَ النَّوَوِيّ النَّفْي المحصور وَالْإِثْبَات سيان (ومثبت دَرْء الْحَد) أَي رفع إِيجَابه يتَرَجَّح (على مُوجبه) أَي الْحَد لما فِي الأول من الْيُسْر وَعدم الْحَرج. قَالَ تَعَالَى - {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر. وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} - وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " ادرءوا الْحُدُود " رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ (وَمُوجب الطَّلَاق وَالْعتاق) يتَرَجَّح على نافيهما، وَذَلِكَ لِأَن الأول محرم للتَّصَرُّف فِي الزَّوْجَة وَالرَّقِيق، وَثَانِيهمَا مُبِيح والحظر مقدم على الْإِبَاحَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (ويندرج) موجبهما (فِي الْمحرم، وَقيل بِالْعَكْسِ) أَي يتَرَجَّح نافيهما على، مُوجبهَا لِأَنَّهُ على وفْق الدَّلِيل الْمُقْتَضى لصِحَّة النِّكَاح وَإِثْبَات ملك الْيَمين (وَالْحكم التكليفي) يتَرَجَّح (على الوضعي) قَالَ الشَّارِح لِأَن التكليفي مُحَصل للثَّواب الْمَقْصُود للشارع بِالذَّاتِ وَأكْثر الْأَحْكَام تكليفي (وَقيل بعكسه، وَمَا يُوَافق الْقيَاس) من النُّصُوص يتَرَجَّح على نَص لم يُوَافقهُ (فِي الأحق) من الْقَوْلَيْنِ، لِأَن الْقيَاس حِينَئِذٍ لَيْسَ بِدَلِيل مُسْتَقل لوُجُود النَّص فَيصير مُوَافقا على مَا مر (وَمَا لم يُنكر الأَصْل) رِوَايَة الْفَرْع فِيهِ يتَرَجَّح على مَا أنكر الأَصْل رِوَايَة الْفَرْع فِيهِ. قَالَ السُّبْكِيّ: وَهَذَا فِيمَا أنكر الأَصْل وصمم على إِنْكَاره أهـ قلت وَكَذَا إِذا أنكر ثمَّ شكّ فِيهِ، وَمَا لم يَقع فِيهِ مثل ذَلِك لَا شكّ أَنه أرجح فَتَأمل، ثمَّ إِذا عَارض الْإِجْمَاع نَص أطلق ابْن الْحَاجِب تَقْدِيم الْإِجْمَاع على النَّص، وَقَالَ المُصَنّف (وَالْإِجْمَاع الْقطعِي) يتَرَجَّح (على نَص كَذَلِك) أَي قَطْعِيّ كتابا كَانَ أَو سنة متواترة، وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: يَنْبَغِي أَن يُقيد بالظنيين وَتوقف المُصَنّف فِيهِ حَيْثُ قَالَ (وَكَون) الْإِجْمَاع (الظني كَذَلِك) أَي يرجح على نَص ظَنِّي (ترددنا فِيهِ) أَي لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيم الْإِجْمَاع مُطلقًا

على النَّص كَمَا فِي تَقْدِيم الْإِجْمَاع الْقطعِي على النَّص الْقطعِي بِعَدَمِ قبُوله النّسخ غير أَن وجود التَّعَارُض بَين القطعيين مُشكل لِأَن النَّص الْقطعِي مقدم على الْإِجْمَاع وَكَيف ينْعَقد الْإِجْمَاع فِي مُقَابلَة قَطْعِيّ، إِذْ يلْزم اجْتِمَاع الْأمة على الضَّلَالَة، وَأما الْإِجْمَاع الظني فقد يكون الظني الْمَتْن إِذا كَانَ الْمجمع عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يدل على الحكم دلَالَة قَطْعِيَّة وَقد يكون ظنية بِاعْتِبَار طَرِيق نَقله الينا فَيَنْبَغِي أَن يعْتَبر فِي تعَارض الظنيين قُوَّة الظَّن وَضَعفه وَذَلِكَ يتَفَاوَت بِاعْتِبَار الْموَاد وَلَا يحكم بِتَقْدِيم الْإِجْمَاع الظني على النَّص الظني على الْإِطْلَاق (وَمَا عمل) بِهِ الْخُلَفَاء (الراشدون) أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم يرجح على مَا لَيْسَ كَذَلِك، إِذْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بمتابعتهم والاقتداء بهم، ولكونهم أعرف بالتنزيل ومواقع الْوَحْي والتأويل: وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ بِمحضر من الصَّحَابَة وَلم يُخَالف فِيهِ أحد فَإِنَّهُ يحل مَحل الْإِجْمَاع، وَذهب أَبُو حَازِم أَن مَا اتّفقت الْأَرْبَعَة عَلَيْهِ إِجْمَاع، وَالْأَكْثَر على خِلَافه كَمَا سَيَأْتِي (أَو علل) أَي الحكم الَّذِي تعرض فِيهِ لِلْعِلَّةِ يتَرَجَّح على الَّذِي لم يتَعَرَّض فِيهِ لَهَا (لإِظْهَار الاعتناء بِهِ) لِأَن ذكر علته يدل على الاهتمام بِهِ والحث عَلَيْهِ (لَا الأقبلية) أَي لِأَن الْفَهم أقبل لَهُ لسُهُولَة فهمه لكَونه مَعْقُول الْمَعْنى كَمَا فِي الشَّرْح العضدي، وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْآمِدِيّ (كَمَا) يتَرَجَّح مَا (ذكر مَعَه السَّبَب) هُوَ الْعلَّة الباعثة عَلَيْهِ ظَاهرا فدلالته قَوِيَّة (وَفِي السَّنَد) أَي وَالتَّرْجِيح للمتن بِاعْتِبَار حِكَايَة طَرِيقه (كالكتاب) أَي كترجيحه (على السّنة) وَهَذَا على إِطْلَاق قَول بَعضهم. قَالَ السُّبْكِيّ وَلَا يقدم الْكتاب على السّنة وَلَا السّنة عَلَيْهِ خلافًا لزاعميهما: أما الأول فلحديث معَاذ الْمُشْتَمل على أَنه يقْضِي بِكِتَاب الله فَإِن لم يجد فبسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ، وَأقرهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما الثَّانِي فَلقَوْله تَعَالَى - {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} -. ثمَّ قَالَ وَالأَصَح تساوى الْمُتَوَاتر من كتاب أَو سنة وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ أصُول أَصْحَابنَا على مَا قدمه المُصَنّف فِي أول فصل التَّعَارُض أَن الْقطعِي الدّلَالَة من السّنة القطعية السَّنَد يتَرَجَّح على الظنية الدّلَالَة من الْكتاب، والقطعي الدّلَالَة مِنْهُمَا إِذا لم يعلم تاريخهما لَا يرجح أَحدهمَا على الآخر بِكَوْنِهِ كتابا أَو سنة، بل بِمَا سوغ تَرْجِيحه بِهِ إِن أمكن، وَإِلَّا جمع بَينهمَا إِن أمكن، وَإِلَّا تساقطا، وَإِن علم تاريخهما نسخ الْمُتَأَخر الْمُتَقَدّم، فقطعي الدّلَالَة من الْكتاب يتَرَجَّح على الْقطعِي السَّنَد الظني الدّلَالَة من السّنة لقُوَّة دلَالَته فَلم يبْق مَا ينطبق عَلَيْهِ إِلَّا مَا كَانَ من السّنة قَطْعِيّ الدّلَالَة ظَنِّي السَّنَد مَعَ مَا كَانَ من أَمر الْكتاب ظَنِّي الدّلَالَة لرجحان الْكتاب حِينَئِذٍ بِاعْتِبَار السَّنَد، هَكَذَا ذكر الشَّارِح (ومشهورها) أَي وكترجيح الْخَبَر الْمَشْهُور من السّنة (على الْآحَاد) لرجحان سَنَده (كاليمين على من أنكر) فَإِنَّهُ خبر مَشْهُور رجح (على خبر الشَّاهِد وَالْيَمِين) أَي الْقَضَاء بهما للْمُدَّعِي. أخرجه مُسلم وَغَيره، وَهُوَ من أَخْبَار الْآحَاد الَّتِي لم تبلغ حد

الشُّهْرَة: فَلِذَا لم يَأْخُذ بِهِ أَصْحَابنَا مُطلقًا خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة فِي بعض الموراد على مَا عرف فِي الْفِقْه (و) يرجح الْخَبَر (بِفقه الرَّاوِي) وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ الِاجْتِهَاد كَمَا هُوَ عرف السّلف (وَضَبطه) وَتقدم بَيَانه (وورعه) أَي تقواه، وَهُوَ الْإِتْيَان بالواجبات والمندوبات والاجتناب عَن الْمُحرمَات والمكروهات، كَذَا ذكره الشَّارِح، لَعَلَّ الْإِتْيَان بالمندوبات والاجتناب عَن المكروهات وَلَو كَانَت تنزيهية إِنَّمَا اعْتبر فِي مَفْهُوم الْوَرع لَا التَّقْوَى، فعلى هَذَا تَفْسِيره للتقوى مَحل مناقشة (وشهرته) أَي ويرجح الْخَبَر بشهرة روايه (بهَا) أَي بالأمور الْمَذْكُورَة على خبر روايه مَوْصُوف بهَا، لكنه لم يشْتَهر بهَا (وبالرواية وَأَن لم يعلم رجحانه فِيهِ) أَي يرجح لشهرته بالرواية لِأَن الظَّن فِيهِ أقوى، وَذكر شمس الْأَئِمَّة أَن اعْتِبَار الرِّوَايَة لَيْسَ بمرجح على من لم يقيدها ثمَّ مِنْهُم من خص التَّرْجِيح بالفقه بالمروي بِالْمَعْنَى. وَفِي الْمَحْصُول وَالْحق الْإِطْلَاق لِأَن الْفَقِيه يُمَيّز بَين مَا يجوز وَمَا لَا يجوز، فَإِذا سمع مَا لَا يجوز أَن يحمل على ظَاهره بحث عَنهُ وَسَأَلَ عَن مقدماته وَسبب نُزُوله فَيطلع على مَا يَزُول بِهِ الْإِشْكَال، بِخِلَاف الْعَاميّ. قَالَ ابْن برهَان وبكون أَحدهمَا أفقه من الآخر بِقُوَّة حفظه، وَزِيَادَة ضَبطه، وَشدَّة اعتنائه: حَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن إِجْمَاع أهل الحَدِيث قيل وبعلمه بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يتحفظ عَن مواقع الزلل، وَقيل بِالْعَكْسِ لاعتماد ذَلِك على مَعْرفَته، وَالْجَاهِل يخَاف فيبالغ بِالْحِفْظِ وَلَيْسَ بِشَيْء: إِذْ الْعَدَالَة تمنع عَن الِاعْتِمَاد وَعدم المبالاة (وَفِي) كَون (علو السَّنَد) أَي قلَّة الوسائط بَين الرَّاوِي للمجتهد وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرجحا لكَونه أبعد من الْخَطَأ كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّة (خلاف الْحَنَفِيَّة، وبكونها) أَي ويرجح بِكَوْن إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (عَن حفظه) أَي الروي (لَا نسخته) فَيقدم خبر الْمعول على حفظه على خبر الْمعول على كِتَابه، وَفِيه أَن احْتِمَال النسْيَان والاشتباه على الْحَافِظ لَيْسَ دون احْتِمَال الزِّيَادَة وَالنَّقْص فِي الْكتاب المصون تَحت يَده (وخطه) أَي وترجح رِوَايَة الْمُعْتَمد على خطه (مَعَ تذكره) كَذَلِك على رِوَايَة الْمُعْتَمد فِي رِوَايَته (على مُجَرّد خطه، وَهَذَا) التَّرْجِيح (على قَول غَيره) أَي أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة عِنْده لِلْخَطِّ بِلَا تذكر فَلم يحصل التَّعَارُض، وَالتَّرْجِيح فَرعه (وبالعلم بِأَنَّهُ) أَي رَاوِيه (عمل بِمَا رَوَاهُ على قسيميه) أَي على الَّذِي لم يعلم أَنه عمل بِهِ أَولا، وَالَّذِي علم أَنه لم يعْمل بِهِ (أَو) للْعلم بِأَن رَاوِيه (لَا يروي إِلَّا عَن ثِقَة) على مَا رَاوِيه لَيْسَ كَذَلِك، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُرْسلين، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (على) قَول (مجيز الْمُرْسل) أَي لَا على قَول من لَا يُجِيزهُ إِلَّا بديل (وَالْوَجْه نَفْيه) أَي نفى هَذَا التَّرْجِيح على قَول الْمُجِيز أَيْضا (لِأَن الْغَرَض) أَنه (فِيهِ) أَي قبُول الْمُرْسل مُطلقًا (مَا يُوجِبهُ) أَي الْعلم بِأَنَّهُ لَا يُرْسل إِلَّا عَن ثِقَة إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا عِنْده (و) يرجح مَا يكون رَاوِيه (من أكَابِر الصَّحَابَة على) مَا كَانَ روايه

من (أصاغرهم، وَيجب لأبي حنيفَة تَقْيِيده) أَي مَا يرجح مَا رَوَاهُ أكابرهم (بِمَا إِذا رجح) مَا رَوَاهُ الأكابر (فقها) أَي بِالنّظرِ إِلَى قَوَاعِد الْفِقْه بِأَن يكون انتسب إِلَيْهَا (إِذْ قَالَ) أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف. (بِرَأْي الأصاغر فِي الْهدم) أَي هدم الزَّوْج الثَّانِي مَا دون الثَّلَاث من الطَّلَاق وهم ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن فِي الْآثَار دون الأكابر فِي عدم الْهدم كَمَا ذهب إِلَيْهِ مُحَمَّد وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وهم عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا، فَقَالَ المُصَنّف فِيمَا سبق وَالْحق وَعدم الْهدم. وَفِي فتح الْقَدِير القَوْل الألولي مَا قَالَه مُحَمَّد وَبَاقِي الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة (فَلَا يتَرَجَّح فِي) بَاب (الرِّوَايَة) خبر الْأَكْبَر على الْأَصْغَر (بعد فقه الْأَصْغَر وَضَبطه إِلَّا بِذَاكَ) أَي برجحانه بِالنّظرِ إِلَى قَوَاعِد الْفِقْه (أَو غَيره) من المرجحات (و) يرجح (بأقر بَيته) أَي الرَّاوِي عِنْد السماع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَبِه) أَي بِالْقربِ عِنْد السماع (رجح الشَّافِعِيَّة الْإِفْرَاد) بِالْحَجِّ عَن الْعمرَة على غَيره (من رِوَايَة ابْن عمر لِأَنَّهُ كَانَ تَحت نَاقَته). أخرج أَبُو عوَانَة أَنه قَالَ: وَإِنِّي كنت عِنْد نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسني لُعَابهَا أسمعهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وهم فِي ذَلِك تبع لإمامهم قَالَ الشَّافِعِي أخذت بِرِوَايَة جَابر لتقدم صحبته وَحسن سياقته لابتداء الحَدِيث وبرواية عَائِشَة لفضل حفظهَا، وَبِحَدِيث ابْن عمر لقُرْبه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَلَا يخفى عدم صِحَة إِطْلَاقه) أَي التَّرْجِيح بِالْقربِ (وَوُجُوب تَقْيِيده) أَي الْقرب الْمُرَجح (ببعد الآخر بعدا يتَطَرَّق مَعَه الِاشْتِبَاه) فِي المسموع على الْبعيد (للْقطع بِأَن لَا أثر لبعد شبر) مثلا (لقريبين) بِأَن يكون أَحدهمَا أقرب من الآخر بِقدر شبر (ثمَّ للحنفية) التَّرْجِيح بِالْقربِ أَيْضا لِلْقُرْآنِ من رِوَايَة أنس (إِذْ) روى (عَن أنس أَنه كَانَ آخِذا بزمامها حِين أهل بهما) أَي بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة فَفِي الْمَبْسُوط عَنهُ كنت آخِذا بزمام نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي تَقْصَعُ بجرتها ولعابها يسيل على كَتِفي وَهُوَ يَقُول لبيْك بِحجَّة وَعمرَة: أَي تجر مَا تجتره من الْعلف وتخرجه إِلَى الْفَم وتمضغه ثمَّ تبلعه (وتعارض ماعن ابْن عمر فِي الصَّحِيح) إِذْ كَمَا عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ مُفردا فَعَنْهُ أَيْضا فيهمَا بَدَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأهل بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أهل بِالْحَجِّ، وَلم تعَارض الرِّوَايَة عَن أنس، وَالْأَخْذ بِرِوَايَة من لم تضطرب رِوَايَته أولى إِلَى غير ذَلِك من وُجُوه تَرْجِيحه قرانه على الْإِفْرَاد والتمتع (وبكونه تحمل بَالغا) أَي ويرجح بِكَوْن رَاوِي الحَدِيث تحمله بَالغا على مَا تحمل صَبيا لكَونه أضبط وَأقرب مِنْهُ غَالِبا (وَيَنْبَغِي) أَن يعْتَبر (مثله فِيمَن تحمل مُسلما) فرجح بِدُونِهِ على خبر من تحمل كَافِرًا (لِأَنَّهُ) أَي الْكَافِر (لَا يحسن ضَبطه لعدم إِحْسَان إصغائه) وَعدم اهتمامه بشأن الْحِفْظ (وبقدم الْإِسْلَام) لزِيَادَة أصالته فِي الْإِسْلَام (وَقد يعكس) أَي يرجح خبر مُتَأَخّر الْإِسْلَام على خبر مُتَقَدّمَة، وَذكر السُّبْكِيّ أَن الَّذِي ذكره جُمْهُور

الشَّافِعِيَّة، لَكِن شَرط فِي الْمَحْصُول أَن يعلم أَن سَمَاعه وَقع بعد إِسْلَامه (للدلالة على آخرية الشَّرْعِيَّة) يَعْنِي أَن كَون مُتَأَخّر الْإِسْلَام يدل على أَن مَا رَوَاهُ شرع آخر نَاسِخا للْأولِ: وَذكر الإِمَام الرَّازِيّ أَن الأولى إِذا علمنَا أَن الْمُتَقَدّم مَاتَ قبل إِسْلَام الْمُتَأَخر، أَو أَن رِوَايَات الْمُتَقَدّم أَكْثَرهَا مُتَقَدم على رِوَايَات الْمُتَأَخر، فَهُنَا يحكم بالرجحان، لِأَن النَّادِر مُلْحق بالغالب انْتهى. وَقَالَ الإِمَام أَبُو مَنْصُور أَن جهل تاريخهما فالغالب أَن رِوَايَة مُتَأَخّر الْإِسْلَام نَاسخ وَأَن علم فِي أَحدهمَا وَجَهل فِي الآخر، فَإِن كَانَ المؤرخ فِي آخر أَيَّامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ النَّاسِخ فَينْسَخ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الإِمَام قَاعِدا فصلوا قعُودا بِصَلَاة أَصْحَابه قيَاما وَهُوَ قَاعد فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَإِن لم يعلم التَّارِيخ فيهمَا، واحتيج إِلَى نسخ أَحدهمَا بِالْآخرِ، فَقيل النَّاقِل عَن الْعَادة أولى من الْمُوَافق لَهَا كَذَا وجدنَا فِي نُسْخَة الشَّرْح وَالظَّاهِر أَنه تَصْحِيف، وَالصَّوَاب وَإِن لم يعلم كَون المؤرخ فِي آخر أَيَّامه بدل وَإِن لم يعلم التَّارِيخ فيهمَا لِئَلَّا يلْزم التّكْرَار، وَقيل الْمحرم والموجب أولى من الْمُبِيح، فَإِن كَانَ أَحدهمَا مُوجبا وَالْآخر محرما لم يقدم أَحدهمَا على الآخر إِلَّا بِدَلِيل (كَكَوْنِهِ (مدنيا) أَي كَمَا يتَرَجَّح الْخَبَر الْمدنِي على الْخَبَر الْمَكِّيّ لتأخيره عَنهُ ثمَّ المصطلح عَلَيْهِ أَن الْمَكِّيّ مَا ورد قبل الْهِجْرَة فِي مَكَّة وَغَيرهَا، وَالْمَدَنِي مَا ورد بعْدهَا فِي الْمَدِينَة أَو مَكَّة أَو غَيرهمَا (وشهرة النّسَب) أَي ويرجح أحد المتعارضين بشهرة نسب رَاوِيه، لِأَن احْتِرَاز مَشْهُور النّسَب عَمَّا يُوجب نقص مَنْزِلَته يكون أَكثر (وَلَا يخفى مَا فِيهِ، وصريح السماع) أَي ويرجح أحد المتعارضين بتصريح رَاوِيه بِسَمَاعِهِ كسمعته يَقُول كَذَا (على محتمله) أَي على الآخر الرَّاوِي بِلَفْظ يحْتَمل السماع وَغَيره (كقال، وصريح الْوَصْل) أَي ويرجح أَحدهمَا بِكَوْن سَنَده مُتَّصِلا صَرِيحًا بِأَن ذكر كل من رُوَاته تحمله عَمَّن رَوَاهُ كحدثنا وَأخْبرنَا، أَو سَمِعت أَو نَحْو ذَلِك (على العنعنة) أَي على الَّذِي رَوَاهُ كل رُوَاته أَو بَعضهم بِلَفْظ عَن من غير ذكر صَرِيح اتِّصَال على مَا ذكر (وَيجب عَدمه) أَي عدم التَّرْجِيح بتصريح الْوَصْل على العنعنة (لقابل الْمُرْسل بعد عَدَالَة المعنعن وأمانته) وَكَونه غير مُدَلّس تَدْلِيس التَّسْوِيَة (وَمَا لم تنكر رِوَايَته) أَي ويرجح أحد المتعارضين الَّذِي لم يُنكر على رَاوِيه رِوَايَته على الَّذِي أنكر على رَاوِيه رِوَايَته، وَالْمُعْتَبر إِنْكَار الثِّقَات (وبدوام عقله) أَي يرجح أحد المتعارضين بسلامة عقل رَاوِيه على الَّذِي اخْتَلَّ عقل رَاوِيه فِي وَقت من الْأَوْقَات (وَالْوَجْه فِيمَا) أَي الحَدِيث الَّذِي (علم أَنه) رَوَاهُ رَاوِيه الَّذِي اخْتَلَّ عقله (قبل زَوَاله) أَي عقله (نَفْيه) أَي التَّرْجِيح بِهَذَا الْعَارِض (وَذَاكَ) التَّرْجِيح بالعارض الْمَذْكُور (إِذا لم يُمَيّز) على صِيغَة الْمَجْهُول: أَي لم يعلم هَل رَوَاهُ فِي سَلامَة عقله أم فِي اخْتِلَاطه كَمَا شَرطه فِي الْمَحْصُول (وصريح التَّزْكِيَة) أَي

ويرجح أَحدهمَا بِكَوْن رَاوِيه مزكى بِلَفْظ صَرِيح فِي التَّزْكِيَة (على) الآخر الْمُزَكي رَاوِيه بِسَبَب (الْعَمَل بروايته) أَو الحكم بِشَهَادَتِهِ) فَإِنَّهُمَا قد يبينان على الظَّاهِر من غير تَزْكِيَة (و) يرجح (مَا) أَي الْخَبَر الَّذِي حكم (بِشَهَادَتِهِ) أَي بِشَهَادَة رَاوِيه (عَلَيْهَا) أَي على الْخَبَر الَّذِي عمل رَاوِيه بِرَأْيهِ لِأَنَّهُ يحْتَاط فِي الشَّهَادَة أَكثر (و) الْخَبَر (الْمَنْسُوب إِلَى كتاب عرف بِالصِّحَّةِ) كالصحيحين يرجح (على) الْخَبَر الْمَنْسُوب إِلَى (مَا) أَي كتاب (لم يلتزمها) أَي الصِّحَّة، وَالَّذِي يرويهِ أَي صَاحب الصِّحَّة، بل يروي الصَّحِيح وَغَيره (فَلَو أبدى) صَاحب الْكتاب الَّذِي لم يلْتَزم فِيهِ الصِّحَّة، وَالَّذِي يرْوى عَنهُ (سندا) فَذَلِك الْمَرْوِيّ (اعْتبر الْأُضْحِية) بَينهمَا طَرِيقا فَأَيّهمَا أصح يرجح (وَكَون مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ) راجحا (على مَا روى برجالهما) بِأَن يكون رجال مُسْنده رجَالًا روى عَنْهُم فِيهَا بأعيانهم (فِي غَيرهمَا) أَي فِي غير الصَّحِيحَيْنِ يتَعَلَّق بروي (أَو تحقق) مَعْطُوف على روى (فِيهِ) وَالضَّمِير رَاجع إِلَى الْمَوْصُول (شَرطهمَا) أَي الصَّحِيحَيْنِ أَي جَمِيع مَا شرطا فِي صِحَة الحَدِيث (بعد إِمَامَة الْمخْرج) كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الصّلاح وَغَيره (تحكم) وَهُوَ ظَاهر (وَيجب) التَّرْجِيح للمروي (بالذكورة) لراويه (فِيمَا يكون خَارِجا) أَي فِيمَا يَقع من الْأَفْعَال والأقوال خَارج الْبيُوت (إِذْ الذّكر فِيهِ) أَي فِيمَا يَقع من الْأَفْعَال والأقوال خَارج الْبيُوت (أقرب) من الْأُنْثَى (و) يجب التَّرْجِيح لَهُ (بالأنوثة) لراويه (فِي عمل الْبيُوت) لِأَنَّهُنَّ بِهِ أعرف (وَرجح) فِي فصل (كسوف الْهِدَايَة حَدِيث سَمُرَة) ابْن جُنْدُب أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كل رَكْعَة بركوع وسجدتين كَمَا أخرجه أَصْحَاب السّنَن. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح غير أَن صَاحب الْهِدَايَة عزاهُ إِلَى رِوَايَة ابْن عمر وَلم تُوجد عَنهُ (على) حَدِيث (عَائِشَة) أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كل رَكْعَة بركوعين وسجدتين كَمَا أخرجه أَصْحَاب الْكتب السِّتَّة (بِأَن الْحَال أكشف لَهُم) أَي للرِّجَال لقربهم، لَكِن حَدِيث ركوعين قد رَوَاهُ ابْن عَبَّاس كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعبد الله بن عَمْرو على مَا فِي صَحِيح مُسلم (وَكَثْرَة المزكين) للراوي فِي التَّرْجِيح بهَا (ككثرة الروَاة) وَسَيَأْتِي مَا فِيهَا (و) يرجح (بفقههم) أَي المزكين بِأَن يكون أحد الْحَدِيثين مزكى رَاوِيه فَقِيه (ومداخلتهم للمزكى) أَي ويرجح مُخَالطَة قَول رَاوِيه فِي الْبَاطِن، لِأَن صدقه حِينَئِذٍ أقوى (و) يرجح (بِعَدَمِ الِاخْتِلَاف فِي رَفعه) إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على معارضه الْمُخْتَلف فِي رَفعه إِلَيْهِ وَوَقفه على رَاوِيه لزِيَادَة قُوَّة الظَّن فِي صدق الأول (وَتَركنَا) مرجحات أُخْرَى (للضعف) كَقَوْلِهِم يرجح الْمُوَافق لدَلِيل آخر، وَأحمد أهل الْمَدِينَة. قَالَ الشَّارِح وَفِي ضعف التَّرْجِيح بالموافقة لدَلِيل آخر مُطلقًا نظر، وَكَيف والأحق

من الْقَوْلَيْنِ عِنْد المُصَنّف تَرْجِيح مَا يُوَافق الْقيَاس على مَا لَا يُوَافقهُ انْتهى، وَقد سبق فِي الْفَصْل الَّذِي قبل هَذَا نفي التَّرْجِيح بِمَا يصلح دَلِيلا عِنْد الْحَنَفِيَّة وَأَن ترجح مَا يُوَافق الْقيَاس لَيْسَ لعدم استقلاله عِنْد وجود النَّص إِلَى آخِره فَكَأَنَّهُ نَسيَه، وَذكر الشَّارِح طَائِفَة من المتروكات (والوضوح) مَعْطُوف على الضعْف فَإِن الوضوح من أَسبَاب التّرْك كَقَوْلِهِم يقدم الْإِجْمَاع الْمُتَقَدّم عِنْد تعَارض إجماعين، وَفِي تعَارض تأويلين يقدم مَا دَلِيله أرجح إِلَى غير ذَلِك مِمَّا ذكره الشَّارِح (وتتعارض التراجيح) فَيحْتَاج إِلَى بَيَان المخلص (كفقه ابْن عَبَّاس وَضَبطه) فِي رِوَايَة (نِكَاح) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَيْمُونَة) وَهُوَ محرم بل وهما محرمان (بِمُبَاشَرَة أبي رَافع) الرسَالَة بَينهمَا فِي رِوَايَته لتزوجها وَهُوَ حَلَال (حَيْثُ قَالَ كنت السفير بَينهمَا وكسماع الْقَاسِم) ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر (مشافهة من عَائِشَة). وَفِي نُسْخَة مصححة وكالسماع مشافهة فِي الْقَاسِم عَن عَائِشَة أَن (بَرِيرَة عتقت وَكَانَ زَوجهَا عبدا) فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ أَحْمد وَمُسلم وَغَيرهمَا وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهَا عمته فَلم يكن بَينهَا وَبَينه حجاب (مَعَ إِثْبَات الْأسود عَنْهَا) أَي كَانَ زوج بَرِيرَة حرا، فَلَمَّا أعتقت خَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَصْحَاب السّنَن وَإِنَّمَا جعل الْأسود مثبتا لِأَن كَونه عبدا فِي الأَصْل بالِاتِّفَاقِ فَهُوَ يثبت أمرا عارضا على الأَصْل وَهُوَ الْحُرِّيَّة، وَالقَاسِم يصغي لذَلِك، والمثبت يقدم على النَّافِي لزِيَادَة الْعلم فِيهِ، لكنه أَجْنَبِي عَن عَائِشَة وَالقَاسِم محرم لَهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَإِنَّهُ) أَي سَمَاعه يكون (من وَرَاء حجاب) فيعارض الْإِثْبَات والمشافهة الْمُشْتَملَة على النَّفْي (وَإِذا قطع) الْأسود (بِأَنَّهَا) أَي المخبرة من وَرَاء حجاب (هِيَ) أَي عَائِشَة، كَذَا فِي نُسْخَة الشَّارِح، وَفِي نُسْخَة مصححه وَإِذن لَا تردد أَنَّهَا هِيَ (فَلَا أثر لارتفاعه) أَي الْحجاب فَلَا يصلح مرجحا، فيرجح الْإِثْبَات لما ذكر (وَلَو رجح) حَدِيث أبي رَافع (بالسفارة لَكَانَ) التَّرْجِيح (لزِيَادَة الضَّبْط) لِأَن السفير يكون ضَبطه أَكثر (فِي خُصُوص الْوَاقِعَة) الَّتِي هُوَ سفير فِيهَا (فَإِذا كَانَ) الضَّبْط (صفة النَّفس) أَي نفس أبي رَافع كَمَا أَنه صفة نفس ابْن عَبَّاس، وَبهَا يغلب ظن الصدْق (اعتدلا) أَي تساوى ابْن عَبَّاس وَأَبُو رَافع (فِيهَا) أَي فِي هَذِه الصّفة (وترجح) خبر ابْن عَبَّاس (بِأَن الْإِخْبَار بِهِ) أَي بِالْإِحْرَامِ (لَا يكون إِلَّا عَن سَبَب علم هُوَ) أَي سَبَب الْعلم (هَيْئَة الْمحرم نعم مَا) روى (عَن صَاحِبَة الْوَاقِعَة) مَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهَا (تزَوجنِي) رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَنحن حلالان). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (إِن صَحَّ قوى) خبر أبي رَافع، فَعلم أَن خبر صَاحب الْوَاقِعَة يتَرَجَّح على غَيره إِذا عَارضه، وَفِي قَوْله إِن صَحَّ إِشَارَة إِلَى أَنه مَا صَحَّ عِنْد المُصَنّف. وَقَالَ الشَّارِح وَقد صَحَّ وَلم يبين دَلِيل الصِّحَّة (فَيجب) أَن يكون قَوْلهَا تزَوجنِي (مجَازًا عَن الدُّخُول) لعلاقة السَّبَبِيَّة

العادية (جمعا) بَين الْحَدِيثين (وَمِنْه) أَي تعَارض التَّرْجِيح (للحنفية الْوَصْف الذاتي) وَهُوَ (مَا) يعرض للشَّيْء (بِاعْتِبَار الذَّات أَو الْجُزْء) مِنْهَا، وَقَيده الشَّارِح بالغالب، وَأطْلقهُ المُصَنّف (على الْحَال) وَهُوَ (مَا) يعرض للشَّيْء (بِخَارِج) أَي بِسَبَب أَمر خَارج عَنهُ، لِأَن مَا بِالذَّاتِ أسق وجودا، وَأَعْلَى رُتْبَة (كَصَوْم) من رَمَضَان أَو من النّذر الْمعِين (لم يبيت) أَي لم ينْو من اللَّيْل بل نوى قبل نصف النَّهَار فَأدى (بعضه منوي وَبَعضه لَا) بِالضَّرُورَةِ (وَلَا تجزأ) أَي وَالْحَال أَن صَوْم يَوْم من رَمَضَان وَاحِد لَا يتَجَزَّأ صِحَة وَفَسَادًا بل إِمَّا يفْسد الْكل أَو يَصح (فتعارض) حِينَئِذٍ (مُفسد الْكل) وَهُوَ عدم النِّيَّة فِي الْبَعْض (ومصححه) أَي الْكل وَهُوَ وجود النِّيَّة فِي الْبَعْض (فترجح الأول) وَهُوَ الْإِفْسَاد للْكُلّ كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي (بِوَصْف الْعِبَادَة المقتضيها) أَي النِّيَّة صفة للوصف الأول (فِي الْكل) أَي كل الْأَجْزَاء فالوصف الْمَذْكُور بِسَبَب اقتضائه النِّيَّة مَعَ انتفائها يُوجب الْفساد فِي الْكل لعدم التجزئ، (و) يرجح (الثَّانِي) وَهُوَ الصِّحَّة للْكُلّ (بِكَثْرَة الْأَجْزَاء المتصفة) بِالنِّيَّةِ. وَفِي بعض النّسخ الْمُتَّصِلَة بِدُونِ المتصفة (وَهُوَ) أَي هَذَا التَّرْجِيح (بالذاتي) لِأَن الْكَثْرَة ثَابِتَة الْأَجْزَاء فِي حد ذَاتهَا وَإِن كَانَ اتصافها واتصالها بِالنِّسْبَةِ بِاعْتِبَار أَمر خَارج عَن الذَّات: أَي النِّيَّة بِخِلَاف وصف الْعِبَادَة فَإِنَّهُ ثَابت للْفِعْل بِاعْتِبَار قصد الْقرْبَة الْمُنْفَصِل عَن الذَّات (وينقض) هَذَا (بِالْكَفَّارَةِ) أَي بصومها، وَكَذَا بِصَوْم النّذر الْمُطلق فَإِنَّهُم لم يجيزوهما إِلَّا مبيتين مَعَ إِمْكَان الِاعْتِبَار الْمَذْكُور (وَيدْفَع بِأَن الْغَرَض) مَعَ ذَلِك الِاعْتِبَار (توقف الْأَجْزَاء) أَي كَون تِلْكَ الامساكات الْوَاقِعَة فِي أَجزَاء الْيَوْم الْمَذْكُور مُتَوَقف حكمهَا من حَيْثُ الْبطلَان وَالصِّحَّة إِلَى أَن يظْهر لُحُوق النِّيَّة بِالْأَكْثَرِ فَيصح أَولا فَيبْطل (لما فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت من الشُّرُوع قبل النِّيَّة (وَذَلِكَ) التَّوَقُّف على مَا ذكر إِنَّمَا يتَحَقَّق (فِي الْوُجُوب) أَي وجوب الصَّوْم (فِي) الْيَوْم (الْمعِين) لأَدَاء ذَلِك الصَّوْم (بِخِلَاف نَحْو) صَوْم (الْكَفَّارَة) إِذْ (لم يتَعَيَّن يَوْمهَا للْوَاجِب) فَلم يعْتَبر من لم يبيت النِّيَّة قبل النِّيَّة شَارِعا حَتَّى يتَوَقَّف حكم تِلْكَ الامساكات على مَا ذكر فِي حق صَوْم الْكَفَّارَة (فلمشروع الْوَقْت) أَي فَيعْتَبر شَارِعا فِي مَشْرُوع الْوَقْت (وَهُوَ النَّفْل) فَإِذا لم يبيت كَانَت تِلْكَ الامساكات السَّابِقَة على النِّيَّة متوقفة لصوم النَّفْل فَلَا تصير وَاجِبَة بنية وَاجِب، بل يتَعَيَّن أحد الْأَمريْنِ النَّفْل أَو الْفطر، وَلما كَانَ الحكم بالتوقف يحْتَاج إِلَى مَا يفْسد اعْتِبَاره شرعا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَهُوَ) أَي النَّفْل (الأَصْل) فِي الِاعْتِبَار (إِذْ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينويه من النَّهَار) كَمَا فِي صَحِيح مُسلم وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بالتوقف (وَهَذَا) التَّوْجِيه بِنَاء (على أَنه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صَائِم) فِي (كل الْيَوْم) فِي الْهِدَايَة وَعِنْدنَا يصير صَائِما من أول النَّهَار لِأَنَّهُ عبَادَة قهر النَّفس، وَهُوَ إِنَّمَا

مسئلة

يتَحَقَّق بإمساك مُقَدّر فَيعْتَبر قرَان النِّيَّة بأكثره مسئلة قَالَ (أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا تَرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة والرواة مَا لم يبلغ) الْمَرْوِيّ بِكَثْرَة (الشُّهْرَة) فَعلم التَّوَاتُر بطرِيق أولي (وَالْأَكْثَر) من الْعلمَاء قَوْلهم (خِلَافه) أَي خلاف قَوْلهمَا فيترجح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة والرواة إِن لم يبلغ (لَهما تقوى الشَّيْء) أَي تَرْجِيحه إِنَّمَا يكون (بتابع) لذَلِك الشَّيْء (لَا بمستقل) بالتأثير، وكل من الْأَدِلَّة والرواة مُسْتَقل بِإِيجَاب الحكم فَلَا يعْتَبر مرجحا لموافقه (بل يُعَارض) الدَّلِيل الْمُنْفَرد فِي أحد الْجَانِبَيْنِ كل دَلِيل من الْجَانِب الآخر (كَالْأولِ) أَي كَمَا يُعَارض الدَّلِيل الْمَطْلُوب تَرْجِيحه مِنْهَا إِذْ لَيست معارضته لوَاحِد مِنْهَا بِأولى من معارضته للْآخر (وَيسْقط الْكل) عِنْد عدم الْمُرَجح (كَالشَّهَادَةِ) من حَيْثُ إِنَّه لَا يرجح لإحدى الشَّهَادَتَيْنِ المتعارضتين بعد استكمال نصابها بِزِيَادَة لأحداهما فِي الْعدَد على الْأُخْرَى، وَحكى غير وَاحِد كصدر الشَّرِيعَة الْإِجْمَاع على هَذَا. قَالَ الشَّارِح: وَقد ينظر فِي مَا قدمنَا من أَن مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ فِي قَول لَهما يريان ذَلِك انْتهى إِن رَجعْنَا إِلَى هَذَا القَوْل لَا يصير بِالْإِجْمَاع (ولدلالة إِجْمَاع سوى ابْن مَسْعُود على عدم تَرْجِيح عصوبة ابْن عَم هُوَ أَخ لأم) بِأَن تزوج عَم إِنْسَان من أَبَوَيْهِ أَو لأَب أمه فَولدت لَهُ ابْنا (على ابْن عَم لَيْسَ بِهِ) أَي بِأَخ لأم فِي الْإِرْث مِنْهُ (ليحرم) ابْن الْعم الَّذِي لَيْسَ بِأَخ لأم مَعَ ابْن الْعم الَّذِي هُوَ أَخ لأم (بل يسْتَحق) ابْن الْعم الَّذِي هُوَ أَخ لأم (بِكُل) من السببين: بِكَوْنِهِ ابْن عَم، وَكَونه أَخا لأم (مُسْتقِلّا) نَصِيبا من الْإِرْث فَيسْتَحق السُّدس بِكَوْنِهِ أَخا لأم من حَيْثُ كَونه صَاحب فرض وَنصف الْبَاقِي بِكَوْنِهِ عصبَة إِذا لم يتْرك وَارِثا سواهُمَا، أما ابْن مَسْعُود فَذهب إِلَى أَنه يحجب ابْن الْعم الَّذِي لَيْسَ بِأَخ لأم. وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن النَّخعِيّ أَنه قضى عمر وَعلي وَزيد رَضِي الله عَنْهُم كَقَوْل الْجُمْهُور، وَقضى عبد الله أَن المَال لَهُ دون ابْن عَمه (و) لدلَالَة إِجْمَاع (للْكُلّ) على عدم التَّرْجِيح (فِيهِ) أَي فِي ابْن عَم حَال كَونه (زوجا) على ابْن عَم لَيْسَ بِزَوْج فَيكون لَهُ النّصْف بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْبَاقِي بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ فَلَو رجح بِكَثْرَة الدَّلِيل لرجح بِكَثْرَة دَلِيل الْإِرْث، وَهَذَا (بِخِلَاف كَثْرَة) يكون (بهَا هَيْئَة اجتماعية) لأجزائها (وَالْحكم وَهُوَ الرجحان مَنُوط بالمجموع) من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع لَا بِكُل وَاحِد من أَجْزَائِهَا فَإِنَّهُ يرجح بهَا على مَا لَيْسَ كَذَلِك (لحُصُول زِيَادَة الْقُوَّة لوَاحِد) فِيهِ قُوَّة زَائِدَة وَهِي الْهَيْئَة الاجتماعية (فَلِذَا) أَي لثُبُوت التَّرْجِيح بِالْكَثْرَةِ لَهَا هَيْئَة اجتماعية وَالْحكم مَنُوط بمجموعها من حَيْثُ هُوَ (رجح) أَي أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف أحد القياسين المتعارضين (بِكَثْرَة الْأُصُول)

أَي بِشَهَادَة أصلين أَو أصُول لوصفه المنوط بِهِ الحكم على معارضه الَّذِي لَيْسَ كَذَلِك (فِي) بَاب تعَارض (الْقيَاس) لِأَن كَثْرَة الْأُصُول توجب زِيَادَة تَأْكِيد وَلُزُوم الحكم بِكَوْن ذَلِك الْوَصْف عِلّة (بِخِلَافِهِ) أَي مَا إِذا كَانَ الحكم مَنُوطًا (بِكُل) لَا بالمجموع فَإِنَّهُ لَا يرجح بِالْكَثْرَةِ الْحَاصِلَة من ضم غَيره إِلَيْهِ (وَأَجَابُوا) أَي الْأَكْثَر (بِالْفرقِ) بَين الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة بِأَن الحكم فِي الشَّهَادَة مَنُوط بِأَمْر وَاحِد وَهُوَ هَيْئَة اجتماعية فالأكثرية والأقلية فِيهَا سَوَاء، لِأَن الْمُؤثر هُوَ تملك الْهَيْئَة فَقَط، بِخِلَاف الرِّوَايَة فَإِن الحكم فِيهَا بِكُل وَاحِد، فَإِن كل راو بمفرده يناط بِهِ الحكم وَهُوَ وجوب الْعَمَل بروايته، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَن الْهَيْئَة الاجتماعية بِاعْتِبَار أفرادها وَمَا صدقاتها مُتَقَارِبَة، إِذْ الْهَيْئَة الْحَاصِلَة من اثْنَيْنِ لَيست كالهيئة الْحَاصِلَة من عشْرين شَاهدا فَلَا تَأْثِير لإناطة الحكم بهَا (وَبِأَن الْكَثْرَة تزيد الظَّن بالحكم قُوَّة) فَإِنَّهُ يحصل بِكُل وَاحِد ظن، وَلَا شكّ أَن الظنين فَصَاعِدا أقوى من ظن وَاحِد، وَهَكَذَا، وَالْعَمَل بالأقوى وَاجِب (فيترجح، وَيدْفَع) هَذَا (بِدلَالَة الْإِجْمَاع الْمَذْكُور على عدم اعْتِبَاره) أَي هَذَا الْقدر من زِيَادَة قُوَّة الظَّن، وَقد يُقَال مُقْتَضى الْقيَاس اعْتِبَاره، وَقد ورد السّمع على عدم اعْتِبَاره فِي الشَّهَادَة وَخلاف الْقيَاس يقْتَصر على مورد النَّص على أَن عدم اعْتِبَاره فِي الشَّهَادَة لَا يسْتَلْزم عدم اعْتِبَاره فِي الرِّوَايَة لجَوَاز أَن يكون بَينهمَا فرق وَأَنه يخفى علينا (بِخِلَاف بُلُوغه) أَي الْخَبَر (الشُّهْرَة) حَيْثُ يتَرَجَّح بِهِ على معارضه، فَإِن للهيئة الاجتماعية تَأْثِيرا فِي الْقُوَّة لمنعها احْتِمَال الْكَذِب وَقبل الْبلُوغ كل وَاحِد يجوز كذبه كَذَا قيل (وَقد يُقَال) من قبل الْأَكْثَر (إِن لم تفده كَثْرَة الروَاة قُوَّة الدّلَالَة) على الصدْق (فتجويز كَونه) أَي كَون مَا رُوَاته أقل صادرا (بِحَضْرَة) جمع (كثير لَا) الْخَبَر (الآخر) الْمعَارض لَهُ وَهُوَ الَّذِي رُوَاته كثير بِأَن لم يكن صادرا بِحَضْرَة كثير (أَو) تَجْوِيز كَونهمَا (متساويين) فِي عدد الْحَاضِرين عِنْد صدورهما بِأَن يساوى من حضر سَماع هَذَا الْخَبَر فِي الْعدَد من حضر سَماع هَذَا الْخَبَر (وَاتفقَ نقل كثير) للْخَبَر الَّذِي رُوَاته كثير مَعَ كَون سامعيه مساوين لسامعي الآخر أَو أقل مِنْهُ (دونه) أَي دون الْخَبَر الَّذِي رُوَاته أقل وحاضروه أَكثر ويساوون (بل جَازَ الْأَكْثَر) أَي كَون رِوَايَة الْأَكْثَر (بِحَضْرَة الْأَقَل) أَي بِسَبَب حُضُور الْأَقَل بِأَن لَا تكون رِوَايَة بَعضهم عَن السماع بِغَيْر وَاسِطَة الْأَقَل، وَفسّر الشَّارِح الْأَكْثَر بِمَا رُوَاته أَكثر فَإِن لم يؤول بِمَا قُلْنَا لزم التّكْرَار لكَونه عين الِاحْتِمَال الأول ثمَّ قَوْله فتجويز مُبْتَدأ خَبره (لَا يَنْفِي قُوَّة الثُّبُوت) لما رُوَاته أَكثر، يَعْنِي إِن لم تفد كَثْرَة الروَاة قُوَّة الظَّن فِي مرويهم على مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور فتجويز الْخصم مَا ذكر من الِاحْتِمَالَات النافية للترجيح للكثرة لَا يَنْفِي قُوَّة ثُبُوت مرويهم (لِأَنَّهُ) أَي التجويز الْمَذْكُور (معَارض بضده) وَهُوَ أَن

فصل

يكون الْخَبَر الَّذِي رُوَاته أَكثر صادرا بِحَضْرَة جمع كثير دون معارضه (فيسقطان) أَي التجويزان الْمَذْكُورَان (وَيبقى مُجَرّد كَثْرَة تفِيد قُوَّة الثُّبُوت) والتذكير بِاعْتِبَار كَونه رجحانا، هَذَا وليت شعري بِأَن التجويز الْمَذْكُور على تَقْدِير كَونه مُعَارضا بالضد هَل يُفِيد عدم إِفَادَة كَثْرَة الروَاة قُوَّة للدلالة، كَيفَ ومدار ظن الْمُجْتَهد بِصدق الْخَبَر نقل الْخَبَر وبلوغه إِلَيْهِ، وَأما كَون الْحَاضِرين صدوره بِكَثْرَة أَو قلَّة فِي نفس الْأَمر من غير أَن يجروا فِيهِ قسما لَا يظْهر لنا تَأْثِيره وَالله أعلم. (بِخِلَاف ثُبُوت جهتي الْعُصُوبَة وَمَا مَعهَا) من الْأُخوة لأم أَو الزَّوْجِيَّة فالمضاف إِلَيْهِ مَجْمُوع الْأَمريْنِ وَالْإِضَافَة بَيَانِيَّة (عَن الشَّارِع) مُتَعَلق بثبوتهما (فَإِنَّهُمَا) أَي الْجِهَتَيْنِ (سَوَاء) ظَاهر الْعبارَة التَّسْوِيَة بَين جِهَة الْعُصُوبَة وجهة كَونه صَاحب فرض، وَلَيْسَ المُرَاد هَذَا، بل المُرَاد التَّسْوِيَة بَين كَونه عصبَة وَصَاحب فرض، وَمعنى التَّسْوِيَة الْكَائِن عَن الشَّارِع عدم اعْتِبَاره مزية للثَّانِي على الأول، وَلما احتجينا بتسوية الشَّارِع بَينهمَا مَعَ اجْتِمَاع السببين للإرث فِي الثَّانِي دون الأول واجتماع السببين بِمَنْزِلَة كَثْرَة الْأَدِلَّة فِي جَانب أحد المتعارضين، أجَاب من قبل الْأَكْثَر بِأَن ذَلِك بالتنصيص من قبل الشَّارِع وَلَا مجَال للْقِيَاس فِي مُقَابلَة النَّص، وَلَا يخفى أَنه يفهم من كَلَام المُصَنّف ميله إِلَى جَانب الْأَكْثَر، وللشارح هَهُنَا كَلَام طَوِيل يفهم مِنْهُ عدم استنباطه مُرَاد المُصَنّف على الْوَجْه الَّذِي حررناه. فصل (يلْحق السمعيين) الْكتاب وَالسّنة (الْبَيَان) وَهُوَ (الْإِظْهَار لُغَة) قَالَ تَعَالَى - {ثمَّ إِن علينا بَيَانه} - أَي إِظْهَار مَعَانِيه وشرائعه (وَاصْطِلَاحا إِظْهَار المُرَاد) من لفظ متلو ومرادف لَهُ (بسمعي) متلو أَو مَرْوِيّ (غير مَا) أَي اللَّفْظ الَّذِي أدّى المُرَاد (بِهِ) ابْتِدَاء فَخرجت النُّصُوص الْوَارِدَة لبَيَان الْأَحْكَام ابْتِدَاء، فعلى هَذَا هُوَ فعل الْمُبين. (وَيُقَال) إِن الْبَيَان أَيْضا (لظُهُوره) أَي المُرَاد الَّذِي هُوَ أثر الدَّلِيل، يُقَال بِأَن الْأَمر والهلال إِذا ظهر وانكشف، وَنسبه شمس الْأَئِمَّة إِلَى بعض أَصْحَابنَا وَاخْتَارَهُ أَصْحَاب الشَّافِعِي كَذَا ذكره الشَّارِح (و) يُقَال أَيْضا (للدال على المُرَاد بذلك) أَي بِمَا لحقه الْبَيَان. قَالَ الشَّارِح: فعلى هَذَا كل مُقَيّد من كَلَام الشَّارِع وَفعله وَتَقْرِيره وسكوته واستبشاره وتنبيهه بالفحوى على الحكم بَيَان (و) يجب (على) مَذْهَب (الْحَنَفِيَّة زِيَادَة أَو) إِظْهَار (انتهائه) أَي المُرَاد من المتلو أَو الْمَرْوِيّ (أَو رفع احْتِمَال) لإِرَادَة غَيره وتخصيصه (عَنهُ) أَي عَن المُرَاد بذلك اللَّفْظ نَحْو بجناحيه فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلَا طَائِر يطير بجناحيه} - فَإِنَّهُ يُفِيد نفي التبوز بالطائر عَن سريع لحركة فِي السّير كالبريد، والتأكيد فِي قَوْله

تَعَالَى - {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} - فَإِنَّهُ يُفِيد نفي احْتِمَال التَّخْصِيص (لأَنهم) أَي الْحَنَفِيَّة سوى القَاضِي أبي زيد (قسموه) أَي الْبَيَان (إِلَى خَمْسَة) من الْأَقْسَام، وَهُوَ إِلَى أَرْبَعَة: (بَيَان تَبْدِيل سَيَأْتِي) وَهُوَ النّسخ وَمَعْلُوم أَنه لَيْسَ بِبَيَان المُرَاد من اللَّفْظ بل بَيَان انْتِهَاء إِرَادَة المُرَاد مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي أسْقطه أَبُو زيد وَوَافَقَهُ شمس الْأَئِمَّة إِلَّا أَنه أثبت بدله قسما آخر كَمَا سَيَأْتِي (و) بَيَان (تَقْرِير وَهُوَ التَّأْكِيد) يُفِيد رفع احْتِمَال غير المُرَاد من الْمُبين، ثمَّ إِن بَيَان التَّقْرِير قسم من الْبَيَان الْمُطلق (وَقسم الشَّيْء مِمَّن مَا صدقاته) وَلَا يظْهر صدق الْمقسم عَلَيْهِ، إِذْ إِظْهَار المُرَاد بسمعي غير مَا بِهِ فرع عدم ظُهُوره من الْمُبين قبل هَذَا الْبَيَان وَالْمرَاد ظَاهر مِنْهُ قبله (وَتَحْصِيل الْحَاصِل مُنْتَفٍ) فَلَا يُمكن بعد ظُهُور المُرَاد إِظْهَاره (فَلَزِمَ ذَلِك) أَي زِيَادَة أَو رفع احْتِمَال عَنهُ ليعلم صدق تَعْرِيفه الْبَيَان عَلَيْهِ، وَلَا يبعد أَن يُقَال احْتِمَال خلاف المُرَاد محَال بظهوره فَلَا يظْهر ظهورا تَاما إِلَّا بعد رفع الِاحْتِمَال الْمَذْكُور، وَهَذَا الْقسم يجوز كَونه مَفْصُولًا عَن الْمُبين وموصولا بِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مُقَرر للظَّاهِر فَلَا يفْتَقر إِلَى التَّأْكِيد بالاتصال (و) بَيَان (تَغْيِير كالشرط وَالِاسْتِثْنَاء وتقدما) فِي بحث التَّخْصِيص (إِلَّا أَن تَغْيِير الشَّرْط من إِيجَاب الْمُعَلق فِي الْحَال) أَي من إثْبَاته الحكم الْمُتَرَتب عَلَيْهِ شرعا مُنجزا (إِلَى) زمَان (وجوده) أَي الشَّرْط فَهُوَ تَغْيِير من وصف التَّنْجِيز إِلَى وصف التَّعْلِيق فَيتَأَخَّر حكمه إِلَى أَن يُوجد الشَّرْط (و) تَغْيِير (الِاسْتِثْنَاء) من إِثْبَات الحكم الَّذِي كَانَ فِي معرض الثُّبُوت للمستثنى قبل الِاسْتِثْنَاء (إِلَى عَدمه) أَي الحكم الْمَذْكُور فَهُوَ صَارف لأوّل الْكَلَام عَن ظَاهره إِلَى خِلَافه (وَبِه) أَي بِسَبَب كَون تَغْيِير الِاسْتِثْنَاء إِلَى عدم (فرقوا) أَي الْحَنَفِيَّة (بَين تعلقه) أَي بَيَان التَّغْيِير (بمضمون الْجمل المتعقبها) الْإِضَافَة لفظية من إِضَافَة الصّفة إِلَى مفعولها أَي الْجمل الَّتِي تعقبها بَيَان التَّغْيِير (وَعَدَمه) أَي عدم تعلقه بِمَا ذكر أَي وَبَين تعلقه بِغَيْر مَضْمُون الْجمل المتعاقبة (فِي الِاسْتِثْنَاء) فَإِنَّهُ تعلق بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَة بِخِلَاف الشَّرْط فَإِنَّهُم فِيهِ لم يفرقُوا بَين تعلقه بمضمون الْجمل الْمَذْكُورَة وَبَين تعلقه بغَيْرهَا، وَذَلِكَ بِأَن تذكر جمل وَيذكر بعْدهَا اسْتثِْنَاء وَأمكن أَن يَجْعَل مُتَعَلقا بِكُل وَاحِدَة مِنْهَا وَأَن يَجْعَل بالأخيرة يعْتَبر تعلقه بالأخيرة (تقليلا للأبطال مَا أمكن) أَي بِقدر الْإِمْكَان، يَعْنِي لَو اعْتبر تعلقه بِكُل وَاحِد من تِلْكَ الْجمل لزم عدم الحكم الْمَأْخُوذ فِي جَانب الْمُسْتَثْنى مِنْهُ من الْمُسْتَثْنى بِاعْتِبَار كل وَاحِدَة مِنْهَا، وَإِذا علق بالأخيرة لَا يلْزم إِلَّا إبِْطَال الحكم الَّذِي تضمنته لَا الْأَحْكَام الَّتِي تضمنها مَا قبلهَا (وَيمْتَنع تراخيهما) عَن متعلقهما يَعْنِي الشَّرْط وَالِاسْتِثْنَاء وَلَا يَكُونَا إِلَّا موصولين (وَتقدم قَول ابْن عَبَّاس فِي الِاسْتِثْنَاء) بِجَوَاز تراخيه على خلاف فِي مِقْدَاره وَوَجهه وَدفعه (وَمِنْه) أَي بَيَان التَّغْيِير (تَخْصِيص الْعَام وَتَقْيِيد الْمُطلق) إِذْ تبين أَن الأول أَي الْعَام غير جَار على عُمُومه، وَالثَّانِي أَي الْمُطلق غير جَار

مسئلة

على إِطْلَاقه وَهُوَ تَغْيِير النّظر إِلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ السامعة من الْعُمُوم وَالْإِطْلَاق (وتقدما) فِي بحث الْعُمُوم والتخصيص (وَيجب مثله) أَي امْتنَاع التَّرَاخِي (فِي صرف كل ظَاهر) لِئَلَّا يلْزم الْإِيقَاع فِي خلاف الْوَاقِع (وعَلى الْجَوَاز) لتأخير بَيَان تَخْصِيص الْعَام عَنهُ كَمَا هُوَ قَول مَشَايِخ سَمَرْقَنْد، وَعَلِيهِ أَيْضا تَفْرِيع جَوَاز تَأْخِير صرف كل ظَاهر عَن ظَاهره أَن يُقَال (تَأْخِيره عَلَيْهِ السَّلَام تَبْلِيغ الحكم) الشَّرْعِيّ الْمَأْمُور بتبليغه (إِلَى) وَقت (الْحَاجة) إِلَيْهِ وَهُوَ وَقت تَنْجِيز التَّكْلِيف (أجوز) أَي أَشد جَوَازًا إِذْ لَا يلْزم فِي تبليغه شَيْء مِمَّا يلْزم فِي تَأْخِير بَيَان مَخْصُوص الْعَام إِذْ لَا تَكْلِيف قبل التَّبْلِيغ وَلم يُؤمر بالتبليغ إِلَّا عِنْد أَوَانه فَإِذا جَازَ التَّأْخِير مَعَ وجود التَّكْلِيف فَمَعَ عَدمه أولى كَذَا ذكره الشَّارِح (وعَلى الْمَنْع) لتأخير بَيَان مُخَصص الْعَام (وَهُوَ) أَي الْمَنْع لتأخيره (الْمُخْتَار للحنفية) من مَشَايِخ الْعرَاق وَالْقَاضِي أبي زيد وَمن تبعه من الْمُتَأَخِّرين يجوز تَأْخِيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبْلِيغ الحكم إِلَى وَقت الْحَاجة أَيْضا (إِذْ لَا يلْزم) فِيهِ (مَا تقدم) وَهُوَ الْإِيقَاع فِي خلاف الْوَاقِع ومطلوبية الْجَهْل الْمركب، وَقيل لَا يجوز لقَوْله تَعَالَى - {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} - لِأَن وجوب التَّبْلِيغ مَعْلُوم بِالْعقلِ ضَرُورَة فَلَا فَائِدَة لِلْأَمْرِ بِهِ (وَكَون أَمر التَّبْلِيغ فوريا مَمْنُوع) وَالْعقل لَا يسْتَقلّ بِمَعْرِِفَة الْأَحْكَام، وَلَو سلم فَلْيَكُن لتقوية الْعقل بِالنَّقْلِ (وَلَعَلَّه) أَي التَّبْلِيغ (وَجب لمصْلحَة) لم تفت بِتَأْخِيرِهِ (وَأَيْضًا ظَاهره) أَي مَا أنزل إِلَيْك من رَبك (لِلْقُرْآنِ) لِأَنَّهُ السَّابِق إِلَى الْفَهم من لفظ الْمنزل. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: وَظَاهر الْآيَة يُوجب تَبْلِيغ كل مَا أنزل وَلَعَلَّ المُرَاد تَبْلِيغ مَا يتَعَلَّق بِهِ مصَالح الْعباد وَقصد بإنزاله اطلاعهم عَلَيْهِ فَإِن من الْأَسْرَار الإلهية مَا يحرم إفشاؤه. مسئلة (وَالْأَكْثَر) مِنْهُم الإِمَام الرَّازِيّ وَابْن الْحَاجِب (يجب زِيَادَة قُوَّة الْمُبين للظَّاهِر) عَلَيْهِ: أَي السمعي الَّذِي يصرف الظَّاهِر عَن ظَاهره يجب أَن يكون لَهُ زِيَادَة قُوَّة (وَالْحَنَفِيَّة تجوز الْمُسَاوَاة) بَينهمَا فِي الْقُوَّة (وَدفع) تجويزهم ذَلِك (بِعَدَمِ أَوْلَوِيَّة الْمُبين مِنْهُمَا) أَي المتساويين، يَعْنِي أَنَّهُمَا سمعيان متساويان فِي الْقُوَّة متعارضان بِحَسب الظَّاهِر وَلَيْسَ أَحدهمَا أولى بِالِاعْتِبَارِ من الآخر فَكيف يقدم أَحدهمَا وَهُوَ الْمُبين على الآخر ويصرفه عَن ظَاهره (بِخِلَاف الرَّاجِح) مَعَ / الْمَرْجُوح (لتقدمه) أَي الرَّاجِح على الْمَرْجُوح (فِي الْمُعَارضَة، وَيدْفَع) هَذَا الدّفع (بِأَن مُرَادهم) أَي الْحَنَفِيَّة الْمُسَاوَاة (فِي الثُّبُوت) أَي ثُبُوت الْمَتْن (لَا الدّلَالَة) وَعدم أَوْلَوِيَّة الْمُبين إِنَّمَا هُوَ على تَقْدِير الْمُسَاوَاة فِي الدّلَالَة، وَأما إِذا كَانَا متساويين فِي الثُّبُوت لَا فِي الدّلَالَة بِأَن يكون

أَحدهمَا نصا وَالْآخر ظَاهرا فالنص يصلح لِأَن يكون مُبينًا للظَّاهِر (وَمَعْلُوم أَن الأول) من السمعيين (مُبين) على صِيغَة الْمَفْعُول، وَهَذَا دفع لما يُقَال من أَنَّهُمَا إِذا كَانَا متساويين لَا يتَعَيَّن الْمُبين عَن الْمُبين وَأما قَول أبي الْحُسَيْن وَيجوز بالأدنى أَيْضا فَبَاطِل لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ إِلْغَاء الرَّاجِح بالمرجوح كَذَلِك لَا يجوز إِلْغَاء أحد المتساويين بِالْآخرِ، فَإِن قيل يجوز إِلْغَاء أحد المتساويين فِي الثُّبُوت بِالْآخرِ الْمَرْجُوح فِيهِ فَلْيتَأَمَّل. (و) بَيَان (تَفْسِير، وَهُوَ بَيَان الْمُجْمل) باصطلاح الشَّافِعِيَّة، وَهُوَ مَا فِيهِ خَفَاء فَيعم باصطلاح الْحَنَفِيَّة الْخَفي والمشترك والمجمل (وَيجوز) بَيَان التَّفْسِير (بأضعف) دلَالَة أَو ثبوتا (إِذْ لَا تعَارض بَين الْمُجْمل وَالْبَيَان ليترجح) الْبَيَان عَلَيْهِ فَيلْزم إِلْغَاء الرَّاجِح بالمرجوح (و) يجوز (تراخيه) أَي بَيَان الْمُجْمل عَن وَقت الْخطاب بِهِ (إِلَى وَقت الْحَاجة إِلَى الْفِعْل وَهُوَ وَقت تَعْلِيق التَّكْلِيف) بِالْفِعْلِ (مضيقا) لَا وَقت تَعْلِيقه موسعا عِنْد الْجُمْهُور مِنْهُم أَصْحَابنَا والمالكية وَأكْثر الشَّافِعِيَّة، وَاخْتَارَهُ الإِمَام الرَّازِيّ وَابْن الْحَاجِب وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين (وَعَن الْحَنَابِلَة والصيرفي وَعبد الْجَبَّار والجبائي وَابْنه) وَبَعض الشَّافِعِيَّة كَأبي إِسْحَاق الْمروزِي وَالْقَاضِي أبي حَامِد (مَنعه) أَي منع تراخيه عَن وَقت الْخطاب بِهِ إِلَّا أَن الاسفرايني ذكر أَن الْأَشْعَرِيّ نزل ضيفا على الصَّيْرَفِي فناظره فِي هَذَا فَرجع إِلَى الْجَوَاز لنا لَا مَانع عقلا) من جَوَازه (وَوَقع شرعا كآيتي الصَّلَاة وَالزَّكَاة) أَي أقِيمُوا الصَّلَاة وَأتوا الزَّكَاة (ثمَّ بَين) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَفْعَال) للصَّلَاة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا (والمقادير) لِلزَّكَاةِ كَمَا فِي كتب الصَّدقَات ككتاب الصّديق رَضِي الله عَنهُ فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَكتاب عمر رَضِي الله عَنهُ فِي كتاب أبي دَاوُد وَغَيره (أما) ترَاخى بَيَان الْمُجْمل (عَن وَقت الْحَاجة فَيجوز) عقلا (عِنْد من يجوز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق) وهم الأشاعرة (لكنه) أَي تراخيه عَن وَقتهَا (غير وَاقع) وَمن لَا يجوزه لَا يجوز هَذَا لِأَن التَّكْلِيف بِمَا لَا يُعلمهُ الْمُكَلف تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاف، ثمَّ علل جَوَازه بِالْعقلِ بِمَا يُفِيد أَن يجوزه من لَا يجوز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق بقوله (لِأَنَّهُ) أَي الْجمل (قبل الْبَيَان لَا يُوجب شَيْئا) على الْمُكَلف بل إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ اعْتِقَاد حقية المُرَاد مِنْهُ لَا غير حَتَّى يلْحقهُ الْبَيَان (فَلم يحكم) الشَّارِع عَلَيْهِ (بِوُجُوب مَال يعلم) الْمُكَلف وُجُوبه عَلَيْهِ (بِحَيْثُ) إِذا لم يفعل ذَلِك (يُعَاقب بِعَدَمِ الْفِعْل) فَانْتفى وَجه المانعين عَنهُ بِأَن الْمَقْصُود إِيجَاب الْعَمَل وَهُوَ مُتَوَقف على الْفَهم والفهم لَا يحصل بِدُونِ الْبَيَان، فَلَو جَازَ تَأْخِيره أدّى إِلَى تَكْلِيف مَا لَيْسَ فِي الوسع واليه أَشَارَ بقوله (وَبِه) أَي بالْقَوْل بِأَنَّهُ لَا يُوجب شَيْئا قبل الْبَيَان (انْدفع قَوْلهم) أَي المانعين لَهُ تَأْخِير بَيَان الْمُجْمل (يودى إِلَى الْجَهْل المخل بِفعل الْوَاجِب فِي وقته) وَجه الاندفاع أَن وَقت الْأَدَاء وَقت الْبَيَان وَقبل الْبَيَان لَا تَكْلِيف بإيقاع الْفِعْل بل باعتقاد حقية المُرَاد مِنْهُ إِجْمَالا

مسئلة

(وَقَوْلهمْ) أَي المانعين لَهُ أَيْضا لَو جَازَ تَأْخِير بَيَان الْمُجْمل لَكَانَ الْخطاب بالمجمل (كالخطاب بالمهمل) فَيلْزم جَوَاز الْخطاب بِهِ وَاللَّازِم بَاطِل، ثمَّ قَوْلهم مُبْتَدأ خَبره (مهمل) إِذْ فِي الْمُجْمل يعلم أَن المُرَاد أحد محتملاته أَو معنى مَا، بِخِلَاف المهمل فَإِنَّهُ لَا معنى لَهُ أصلا (وَمَا قيل) على مَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب (جَوَاز تَأْخِير اسماع الْمُخَصّص) للعام الْمُكَلف بِهِ إِلَى وَقت الْحَاجة (أولى من) جَوَاز (تَأْخِير بَيَان الْمُجْمل) إِلَى وَقت الْحَاجة (لِأَن عدم الإسماع) أَي اسماع الْمُكَلف الْمُخَصّص مَعَ وجوده فِي نفس الْأَمر (أسهل من الْعَدَم) أَي عدم بَيَان الْمُجْمل لانْقِطَاع الِاطِّلَاع على الْمَوْجُود لَا الْمَعْدُوم، وَهَذَا إِلْزَام من الشَّافِعِيَّة المجيزين لتأخير بَيَان الْمُجْمل للحنفية الْقَائِلين بِهِ دون تراخي التَّخْصِيص، ثمَّ مَا قيل مُبْتَدأ خَبره (غير صَحِيح لِأَن الْعَام غير مُجمل فَلَا يتَعَذَّر الْعَمَل بِهِ) قبل الِاطِّلَاع على الْمُخَصّص (فقد يعْمل بِهِ) أَي بِعُمُومِهِ بزعم أَنه مُرَاد (وَهُوَ) أَي وَالْحَال أَن عُمُومه (غير مُرَاد) فَيَقَع فِي الْمَحْذُور خُصُوصا إِذا كَانَ الأَصْل فِيهِ التَّحْرِيم (بِخِلَاف الْمُجْمل) فَإِنَّهُ لَا يعْمل بِهِ قبل الْبَيَان (فَلَا يسْتَلْزم تَأْخِير بَيَانه محذورا) كالعمل بِمَا هُوَ غير مُرَاد (بِخِلَافِهِ) أَي تَأْخِير الْبَيَان (فِي الْمُخَصّص) فَإِنَّهُ يستلزمه كَمَا بَينا (ثمَّ تمنع الْأَوْلَوِيَّة) أَي كَون تَأْخِير اسماع الْمُخَصّص بِالْجَوَازِ أولى من تَأْخِير بَيَان الْمُجْمل (بل كل من الْعَام والمجمل أُرِيد بِهِ معِين آخر ذكر داله فَقبل ذكره) أَي داله (هُوَ) أَي ذَلِك الْمعِين (مَعْدُوم إِلَّا فِي الْإِرَادَة) للمتكلم لعلمه بذلك الْمُتَعَيّن، وَإِنَّمَا الْإِبْهَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطب. قَالَ الشَّارِح: أَي إِلَّا فِي جَوَاز كَونه المُرَاد من اللَّفْظ وَهُوَ غير موجه كَمَا لَا يخفى (فهما) أَي الْمُجْمل وَالْعَام (فِيهَا) أَي فِي الْإِرَادَة سَوَاء. مسئلة (وَيكون) الْبَيَان (بِالْفِعْلِ كالقول) أَي وَيكون بالْقَوْل (إِلَّا عِنْد شذوذ لنا) فِي أَنه يكون بِالْفِعْلِ (يفهم) من الإفهام أَو الْفَهم (أَنه) أَي الْفِعْل الصَّالح لِأَن يكون مرَادا من القَوْل هُوَ (المُرَاد بالْقَوْل) الْمُجْمل (بِفِعْلِهِ عَقِيبه) أَي طَرِيق إفهامه أَنه يفعل عقيب ذَلِك القَوْل الْمُجْمل (فصلح) الْفِعْل (بَيَانا بل هُوَ) الْفِعْل (أدل) على تعْيين المُرَاد، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة) أخرجه أَحْمد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وَزَاد فِيهِ، فَإِن الله تَعَالَى أخبر مُوسَى بن عمرَان عَمَّا صنع قومه من بعده فَلم يلق الألواح، فَلَمَّا عاين ذَلِك ألْقى الألواح وَقد صَار هَذَا القَوْل مثلا (وَبِه) أَي بِالْفِعْلِ (بَين) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الصَّلَاة وَالْحج) لكثير من الْمُكَلّفين كَمَا تشهد بِهِ كتب السّنة (قَالُوا) أَي المانعون لم يبينها بِالْفِعْلِ (بل يصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وخذوا عني) مَنَاسِككُم (أُجِيب بِأَنَّهُمَا) أَي الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورين (دَلِيلا كَونه) أَي الْفِعْل (بَيَانا)

لِأَنَّهُ هُوَ الْبَيَان لِأَنَّهُ لم يبين المُرَاد لكنه يُفِيد أَن فعله بَيَان (وَهَذَا) الْجَواب (يَنْفِي الدَّلِيل الأول) وَهُوَ أَن الْفِعْل بِوُقُوعِهِ عقيب الْمُجْمل يفهم أَنه المُرَاد بِهِ (إِذْ يُفِيد أَن كَونه بَيَانا) إِنَّمَا عرف (بِالشَّرْعِ) لَا بِكَوْنِهِ وَقع عَقِيبه (وَبِه) أَي بِالشَّرْعِ (كِفَايَة) فِي إِثْبَات كَون الْفِعْل بَيَانا (فَالْأولى أَن يُقَال أَنه) أَي كلا من صلوا وخذوا (لزِيَادَة الْبَيَان) إِذْ الْبَيَان حصل لَهُم بِمُبَاشَرَة تِلْكَ الْأَفْعَال بحضرتهم، فَقَوله صلوا وخذوا لزِيَادَة التَّوْضِيح والتأكيد (وَقَوْلهمْ) أَي المانعين (الْفِعْل أطول) من القَوْل زَمَانا (فَيلْزم تَأْخِيره) أَي الْبَيَان بِهِ (مَعَ إِمْكَان تَعْجِيله) بالْقَوْل وَأَنه غير جَائِز (مَمْنُوع الأطولية) إِذْ قد يطول الْبَيَان بالْقَوْل أَكثر مِمَّا يطول بِالْفِعْلِ (و) مَمْنُوع (بطلَان اللَّازِم) أَي التَّأْخِير مَعَ إِمْكَان التَّعْجِيل (بعده) أَي بعد تَسْلِيم الأطولية، وَقَالَ الشَّارِح: أَي بعد إِمْكَان تَعْجِيله وَلَا معنى لَهُ لِأَن إِمْكَان التَّعْجِيل قيد اعْتبر فِي اللَّازِم وَهُوَ يلائم مَعَ بطلَان التَّأْخِير بل يلائم بُطْلَانهَا، ومسند هَذَا الْمَنْع أَن التَّعْجِيل قبل الْحَاجة أَيْضا مُمكن وَلَا مَحْذُور فِي التَّأْخِير عِنْد ذَلِك، ثمَّ الْمَمْنُوع إِنَّمَا هُوَ التَّأْخِير المفوت لأَدَاء الْوَاجِب (فَلَو تعاقبا) أَي القَوْل وَالْفِعْل الصالحان للْبَيَان (وَعلم الْمُتَقَدّم فَهُوَ) أَي الْمُتَقَدّم الْبَيَان قولا كَانَ أَو فعلا وَالثَّانِي تَأْكِيد (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعلم الْمُتَقَدّم (فأحدهما) من غير تعْيين هُوَ الْبَيَان وَهَذَا إِذا اتفقَا فِي الدّلَالَة على حكم وَاحِد (فَإِن تَعَارضا) أَي الْفِعْل وَالْقَوْل كَمَا روى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه جمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة وَطَاف طوافين وسعى سعيين وَحدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل ذَلِك رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد رُوَاته ثِقَات، وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " من أحرم بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة أَجزَأَهُ طواف وَاحِد وسعى وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى يحل مِنْهُمَا جَمِيعًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح غَرِيب (فالمختار) للْإِمَام الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه وَابْن الْحَاجِب أَن أَن الْبَيَان هُوَ (القَوْل) لِأَنَّهُ الدَّال نَفسه وَالْفِعْل لَا يدل إِلَّا بِأَن يعلم ذَلِك بِالضَّرُورَةِ من قَصده وَأَن يَقُول هَذَا الْفِعْل بَيَان للمجمل أَو بِأَن يذكر الْمُجْمل وَقت الْحَاجة لم يفعل مَا يصلح بَيَانا لَهُ وَلَا يفعل غَيره وَلَا بَينه بالْقَوْل. قَالَ الشَّارِح: وَقد أوردت على المُصَنّف يَنْبَغِي على مَا تقدم من أَن الْفِعْل دلّ من القَوْل أَن يقدم الْفِعْل على القَوْل، فَأجَاب بِأَن معنى أدليته أَن الْفِعْل الجزئي الْمَوْجُود فِي لخارج لَا يحْتَمل غَيره لِأَنَّهُ بهيآته أدل على كَونه المُرَاد بالمجمل من دلَالَة القَوْل على المُرَاد بِهِ فَإِن الاستقراء يُفِيد أَن كثيرا من الْأَفْعَال المبينة للمجمل تشْتَمل على هيآت غير مُرَادة من الْمُجْمل من وَجه آخر والمنظور هَهُنَا هَذَا الْوَجْه (وَقَول أبي الْحُسَيْن) الْبَيَان (هُوَ الْمُتَقَدّم) قولا كَانَ أَو فعلا (يسْتَلْزم لُزُوم النّسخ) للْفِعْل (بِلَا مُلْزم لَو كَانَ) الْمُتَقَدّم (الْفِعْل) فِي الشَّرْح العضدي وَأما إِذا اخْتلفَا كَأَن طَاف طوافين وَأمر بِطواف وَاحِد فالمختار أَن القَوْل هُوَ الْبَيَان وَالْفِعْل ندب

لَهُ أَو وَاجِب عَلَيْهِ مِمَّا اخْتصَّ بِهِ، وَلَا فرق بَين أَن يكون القَوْل مُتَقَدما أَو مُتَأَخِّرًا، وَذَلِكَ لِأَن فِيهِ جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ أولى من إبِْطَال أَحدهمَا كَمَا سَنذكرُهُ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن الْمُتَقَدّم مِنْهُمَا هُوَ الْبَيَان أيا كَانَ وَهُوَ بَاطِل إِذْ يلْزمه نسخ الْفِعْل إِذا كَانَ هُوَ الْمُتَقَدّم مَعَ إِمْكَان الْجمع وَأَنه بَاطِل. بَيَانه إِذا تقدم الْفِعْل وَهُوَ طوافان وَجب علينا طوافان، فَإِذا أَمر بِطواف وَاحِد فقد نسخ أحد الطوافين عَنَّا انْتهى، فَإِن قيل القَوْل الْمُتَأَخر يُوجب النّسخ فَمَا معنى قَوْله بِلَا مُلْزم، قُلْنَا مَعْنَاهُ أَن النّسخ إِنَّمَا لزم بِسَبَب جعل الْفِعْل بَيَانا، لِأَن القَوْل إِذن على تَقْدِير كَون القَوْل بَيَانا لَا يلْزم النّسخ بل يحمل على أَن الْفِعْل ندب لنا وَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو وَاجِب مُخْتَصّ بِهِ فَلَا يسْتَلْزم النّسخ فِي حَقنا وَفِي حَقه إِذْ لَيْسَ فِي القَوْل تنصيص على مُشَاركَة الْأمة (وَلَا يتَصَوَّر فِيهِ) أَي فِي الْمُجْمل (أرجحية دلَالَته على دلَالَة الْمُبين) بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل (على) الْمَعْنى (الْمعِين) من الْمُجْمل (بل يُمكن) أَن يكون دلَالَة الْمُجْمل (على مَعْنَاهُ الإجمالي وَهُوَ أحد الِاحْتِمَالَيْنِ) أرجح من دلَالَة الْمُبين على المُرَاد مِنْهُ (كثلاثة قُرُوء) فَإِنَّهُ أقوى دلَالَة (على ثَلَاثَة أَقراء من الطُّهْر أَو الْحيض وَيتَعَيَّن) المُرَاد من الْمُجْمل (بأضعف دلَالَة على الْمعِين) بِالنِّسْبَةِ إِلَى دلَالَة الْمُجْمل على مَعْنَاهُ الإجمالي (وَسلف للحنفية) فِي بحث الْمُجْمل (مَا تقصر مَعْرفَته) أَي معرفَة المُرَاد مِنْهُ (على السّمع، فَإِن ورد) سمعى بَين المُرَاد مِنْهُ بَيَانا (قَطْعِيا شافيا صَار) ذَلِك الْمُجْمل بعد لُحُوق هَذَا الْبَيَان (مُفَسرًا، أَولا) يكون شافيا (فمشكل) ذكر فِيمَا سبق أَن مَا خَفِي المُرَاد مِنْهُ لتَعَدد مَعَانِيه الاستعمالية مَعَ الْعلم بالاشتراك وَلَا معِين أَو مَعَ تجويزها مجازية أَو بَعْضهَا إِلَى التَّأَمُّل مُشكل. ثمَّ ذكر أَن مَا لحقه الْبَيَان خرج عَن الْإِجْمَال بالِاتِّفَاقِ، وسمى بَيَانا عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَعند الْحَنَفِيَّة إِن كَانَ شافيا بقطعي فمفسر أَو بظني فمؤول أَو غير شاف خرج عَن الاجمال إِلَى الاشكال، فَظَاهر عِبَارَته هَهُنَا أَن الْبَيَان الَّذِي لَيْسَ بقطعي إِذا لم يكن شافيا هُوَ الْمُشكل وَالَّذِي يظْهر من هُنَاكَ بِأَن الَّذِي لَيْسَ بشاف فَهُوَ مُشكل سَوَاء كَانَ قَطْعِيا أَو ظنيا (أَو ظنا فمشكل) مَعْطُوف على قَطْعِيا وَكَانَ مُقْتَضى الظَّن أَن يَقُول أَو ظنيا مَحَله، وَلَعَلَّه تَصْحِيف من النَّاسِخ فَأول (وَقبل الِاجْتِهَاد فِي استعلامه) لجَوَاز الِاجْتِهَاد فِي مُقَابلَة الظني دون الْقطعِي (وَهُوَ) أَي هَذَا الْخلاف (لَفْظِي مَبْنِيّ على الِاصْطِلَاح) فِي المُرَاد بالمجمل، وَسبق تَفْصِيله فِي مَوْضِعه (وَقَالُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (إِذا بَين الْمُجْمل الْقطعِي الثُّبُوت بِخَبَر وَاحِد نسب) الْمَعْنى الْمُبين (إِلَيْهِ) أَي الْمُجْمل لكَونه أقوى، لَا إِلَى خبر الْوَاحِد مَعَ كَونه دَالا عَلَيْهِ (فَيصير) الْمَعْنى الْأَعَمّ (ثَابتا بِهِ) أَي بالمجمل (فَيكون) ذَلِك الْمَعْنى

(قَطْعِيا) بِنَاء على أَنه ثَابت بقطعي (وَمنعه صَاحب التَّحْقِيق، إِذْ لَا تظهر مُلَازمَة) بَينهمَا توجب ذَلِك وَقيل لَا فرق بَين أَن يعرف المُرَاد من الْمُشْتَرك بِالرَّأْيِ الَّذِي هُوَ ظَنِّي، وَبَين أَن يعرف بِخَبَر الْوَاحِد (وَهُوَ) أَي مَنعه (حق وَلَو انْعَقَد عَلَيْهِ) أَي على أَن المُرَاد من الْمُجْمل ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي بَينه الْخَبَر الْمَذْكُور (إِجْمَاع فشيء آخر. وَإِلَى بَيَان ضَرُورَة تقدم) فِي التَّقْسِيم الأول من الْفَصْل وَهَذَا أَيْضا لم يَجعله القَاضِي أَبُو زيد من أَقسَام الْبَيَان، وَجعله فَخر الْإِسْلَام وشمس الْأَئِمَّة وموافقوهما مِنْهَا، وَالْإِضَافَة فِيهِ إِلَى السَّبَب (وَأما بَيَان التبديل فَهُوَ النّسخ، وَهُوَ) أَي النّسخ لُغَة (الْإِزَالَة) حَقِيقَة كنسخت الشَّمْس الظل، والشيب الشَّبَاب، وَالرِّيح آثَار الدَّار، يسْتَعْمل (مجَازًا للنَّقْل) أَي التَّحْوِيل للشَّيْء من مَكَان إِلَى مَكَان، أَو من حَالَة إِلَى حَالَة مَعَ بَقَائِهِ فِي نَفسه كنسخت النَّحْل الْعَسَل: إِذا نقلته من خلية إِلَى خلية لما فِي النَّقْل من الْإِزَالَة عَن مَوْضِعه الأول (أَو قلبه) أَي حَقِيقَة للنَّقْل مجَاز للإزالة، وَهَذَا قَول جمَاعَة مِنْهُم الْقفال، وَالْأول قَول الْأَكْثَرين، وَرجحه الإِمَام الرَّازِيّ (أَو مُشْتَرك) لَفْظِي بَينهمَا، إِذْ الأَصْل فِي الْإِطْلَاق الْحَقِيقَة، وَهَذَا قَول القَاضِي وَالْغَزالِيّ، أَو معنوي، وَبِه قَالَ ابْن الْمُنِير، وَالْقدر الْمُشْتَرك هُوَ الرّفْع (وتمثيل النَّقْل بنسخت مَا فِي هَذَا الْكتاب) كَمَا ذكر كثير (تساهل) لِأَنَّهُ فعل مثل مَا فِيهِ فِي غَيره لَا نقل فِيهِ عينه، ثمَّ قيل هَذَا نزاع لَفْظِي لَا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض علمي وَقيل بل معنوي تظهر فَائِدَته فِي جَوَاز النّسخ بِلَا بدل، وَفِيه مَا فِيهِ. (وَاصْطِلَاحا رفع تعلق مُطلق) عَن تَقْيِيد بتأقيت أَو تأبيد (بِحكم شَرْعِي) الْجَار مُتَعَلق بتعلق (ابْتِدَاء) لَا يُقَال مَا ثَبت فِي الْمَاضِي من التَّعَلُّق لَا يتَصَوَّر بُطْلَانه لتحققه قطعا، وَمَا فِي الْمُسْتَقْبل لم يثبت بعد فَكيف يبطل، فَلَا رفع، لأَنا نقُول المُرَاد بِالرَّفْع زَوَال ظن الْبَقَاء فِي الْمُسْتَقْبل، وَلَوْلَا النَّاسِخ لَكَانَ فِي عقولنا ظن أَنه بَاقٍ فِي الْمُسْتَقْبل فقد علم أَن الَّذِي رفع إِنَّمَا هُوَ التَّعَلُّق الْحَادِث المتجدد لَا نفس الحكم (فَانْدفع) مَا قيل من (أَن الحكم قديم لَا يرْتَفع) لِأَن كل أزلي أبدي، وَلَا يتَصَوَّر رَفعه (و) انْدفع (بِمُطلق مَا) أَي رفع تعلق الحكم (بالغاية) نَحْو - {وَأَتمُّوا الصّيام إِلَى اللَّيْل} -. (و) انْدفع أَيْضا بِمُطلق رفع تعلقه بِسَبَب (الشَّرْط) نَحْو: صل الظّهْر إِن زَالَت الشَّمْس، فَإِن طلب الظّهْر تنجيزا قد رفع بِسَبَب تَعْلِيقه بِشَرْط الزَّوَال (و) انْدفع بِهِ أَيْضا رفع تعلقه بالمستثنى فِي صدر الْكَلَام بِحَسب الظَّاهِر من حَيْثُ الْعُمُوم بِسَبَب (الِاسْتِثْنَاء) نَحْو: اقْتُلُوا الْمُشْركين إِلَّا أهل الذِّمَّة، إِذْ لَيْسَ شَيْء من الْمَذْكُورَات نسخا وَاعْترض الشَّارِح بِأَن الرّفْع يَقْتَضِي سَابِقَة الثُّبُوت وَلم يرفع شَيْء مِنْهَا مَا سبق ثُبُوته قبل ذكرهَا، فَلَا يحْتَاج إِلَى الِاحْتِرَاز عَنْهَا وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الِاحْتِرَاز فِي مثل هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِحَسب مَا يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن دُخُوله فِي جنس التَّعْرِيف، فَإِن الرّفْع كَمَا يُطلق

على إِزَالَة مَا ثَبت يُطلق على إِزَالَة احْتِمَال وجود شَيْء بِسَبَب وجود مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهرا كَمَا فِي الشَّرْط وَالِاسْتِثْنَاء، فَإِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقتضى التَّنْجِيز لَوْلَا الشَّرْط وَالْأَمر بقتل الْمُشْركين يقتضى قتل أهل الذِّمَّة لَوْلَا الِاسْتِثْنَاء، وَالْحكم المغيا كَانَ ظَاهره أَن يَشْمَل مَا بعد الْغَايَة لولاها، لِأَن الأَصْل فِي الشَّيْء الثَّابِت الاستمراز، على أَن الِاحْتِرَاز قد يُرَاد بِهِ رفع توهم دُخُول مَا لَيْسَ من أَفْرَاد الْمُعَرّف، وَقيل أَنه احْتِرَاز عَن الحكم الْمُؤَقت بِوَقْت خَاص، فَإِنَّهُ لَا يَصح نُسْخَة قبل انتهائه، وَلَا يتَصَوَّر بعد انتهائه، وَعَن الحكم الْمُقَيد بالتأييد، كَذَا ذكره الشَّارِح وَلَا يخفى مَا فِيهِ وَقَالَ انْدفع بقولنَا الحكم الشَّرْعِيّ مَا كَانَ رفعا للْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة قبل وُرُود الشَّرْع عِنْد الْقَائِل بهَا، فَإِنَّهُ لَا يُسمى نسخا اتِّفَاقًا، لَا يُقَال خرج مِنْهُ مَا نسخ لَفظه وَبَقِي حكمه، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَفْع حكم، بل لفظ لِأَنَّهُ مُتَضَمّن لرفع أَحْكَام كَثِيرَة كالتعبد بتلاوته وَمنع الْجنب إِلَى غير ذَلِك فَتَأمل (و) انْدفع (بالأخير) أَي ابْتِدَاء (مَا) أَي رفع تعلقه (بِالْمَوْتِ وَالنَّوْم) وَالْجُنُون وَنَحْوهَا، وبانعدام الْمحل كذهاب الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَي الرّفْع فِي هَذِه الْأَشْيَاء (لعَارض) من هَذِه الْعَوَارِض لَا ابْتِدَاء بخطاب شَرْعِي وَأورد بِأَن رفع تعلق الحكم بِالنَّوْمِ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ ": الحَدِيث. وَقد يُجَاب بِأَن هَذَا الحَدِيث مَبْنِيّ على الْعَارِض وإخبار عَمَّا رفع لعَارض، وَالْمرَاد بقوله ابْتِدَاء مَا لَا يكون لعَارض فَتَأمل (وَيعلم التَّأَخُّر من الرّفْع) فِي الشَّرْح العضدي بعد تَعْرِيف النّسخ بِرَفْع الحكم الشَّرْعِيّ بِدَلِيل شَرْعِي مُتَأَخّر، وَقَوله مُتَأَخّر ليخرج، نَحْو: صل عِنْد كل زَوَال إِلَى آخر الشَّهْر وَإِن كَانَ يُمكن أَن يُقَال أَنه لَيْسَ يرفع التَّوَهُّم مِمَّا يقْصد فِي الْحُدُود انْتهى. وَالْمُصَنّف ترك ذكر الدَّلِيل الشَّرْعِيّ لِأَن رفع تعلق الحكم الشَّرْعِيّ لَا يُمكن بِدُونِهِ فَذكره مُسْتَلْزم لذكره وَكَون ذَلِك الدَّلِيل مُتَأَخِّرًا عَن الحكم الْمَرْفُوع تعلقه يعلم من مَفْهُوم الرّفْع لِأَنَّهُ فرع وجوده السَّابِق، وَفسّر الشَّارِح التَّأَخُّر بالتراخي وَلَيْسَ بجيد إِذْ الرّفْع لَا يدل عَلَيْهِ وَلَا يلْزمه، ثمَّ قَالَ وَإِنَّمَا فسر التَّأَخُّر بالتراخي لِأَن الْمُتَأَخر قد يكون مُخَصّصا نَاسِخا كالاستثناء والمخصص الأول انْتهى. وَأَنت خَبِير بِأَن الِاسْتِثْنَاء قد خرج بِمُطلق والمخصص الأول لم يرفع تعلق الحكم بل بَين أَن مَا خصص بِهِ لم يكن مُتَعَلّقه (والسمعي المستقل) بِنَفسِهِ (دَلِيله) أَي الرّفْع الَّذِي هُوَ النّسخ (وَقد يَجْعَل) النّسخ (إِيَّاه) أَي الدَّلِيل (اصْطِلَاحا) كَمَا وَقع (فِي قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ) هُوَ (اللَّفْظ الدَّال على ظُهُور انْتِفَاء شَرط دوَام الحكم الأول) فِي الشَّرْح العضدي مَعْنَاهُ أَن الحكم كَانَ دَائِما فِي علم الله دواما مَشْرُوطًا بِشَرْط لَا يُعلمهُ إِلَّا هُوَ، وَأجل الدَّوَام أَن يظْهر انْتِفَاء ذَلِك بِالشّرطِ الْمُكَلف فَيَنْقَطِع الحكم وَيبْطل دَوَامه، وَمَا ذَلِك إِلَّا بتوفيقه تَعَالَى إِيَّاه، فَإِذا قَالَ قولا دَالا

عَلَيْهِ فَذَلِك هُوَ النّسخ (و) فِي قَول (الْغَزالِيّ) وفَاقا للْقَاضِي أبي بكر (الْخطاب الدَّال على ارْتِفَاع الحكم الثَّابِت بِالْخِطَابِ الأول على وَجه لولاه كَانَ ثَابتا مَعَ تراخيه عَنهُ) فَخرج نَحْو: لَا تَصُومُوا بعد غرُوب الشَّمْس بعد أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل، لِأَنَّهُ وَإِن دلّ على ارْتِفَاع الحكم الثَّابِت لَكِن لَا على وَجه لولاه لَكَانَ ثَابتا مَعَ تراخيه لِأَنَّهُ لَو اتَّصل بِهِ لَكَانَ بَيَانا لمُدَّة الحكم كالشرط وَالصّفة والغاية وَالِاسْتِثْنَاء، كَذَا ذكره الشَّارِح. (وَمَا قيل) وَعَزاهُ ابْن الْحَاجِب إِلَى الْفُقَهَاء (النَّص الدَّال على انْتِهَاء أمد الحكم) أَي غَايَته (مَعَ تراخيه عَن مورده) أَي زمَان وُرُود الحكم الأول احْتِرَاز عَن الْبَيَان الْمُتَّصِل بالحكم مُسْتقِلّا كَانَ أَو غير مُسْتَقل، وَهَذِه التعاريف غير مرضية (فَإِنَّهُ اعْترض عَلَيْهَا) أَي على هَذِه التعاريف (بِأَن جِنْسهَا) من اللَّفْظ وَالْخطاب وَالنَّص (دَلِيله) أَي النّسخ (لَا هُوَ) أَي النّسخ، وَقد يُقَال: النّسخ الحكم بِالْآيَةِ وَالْخَبَر (وَأجِيب بالتزامه) أَي كَون جِنْسهَا نفس النّسخ (كَمَا أَنه) أَي جِنْسهَا هُوَ (الحكم) وَهُوَ خطاب الله الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف إِلَى آخِره. فِي الشَّرْح العضدي، وَقد يُجَاب عَنْهَا بِأَنَّهُ قد علم أَن الحكم يَدُوم مَا وجد شَرط دَوَامه وَلَيْسَ شَرطه إِلَّا عدم قَول الله تَعَالَى الدَّال على انتفائه، فقاطع الدَّوَام هُوَ ذَلِك القَوْل، وَهُوَ النّسخ، فَكَمَا أَن الحكم لَيْسَ إِلَّا قَوْله افْعَل، فالنسخ لَيْسَ إِلَّا ذَلِك القَوْل (وَهَذَا) أَي كَون الْكَلَام نفس الحكم (إِنَّمَا يَصح) حَقِيقَة (فِي) الْكَلَام (النَّفْسِيّ والمجعول جِنْسا) فِي التعاريف الْمَذْكُورَة (اللَّفْظ) لتصريحهم بِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَي الْجِنْس الْمَذْكُور (جعل دَالا لنا، والنفسي مَدْلُول) عَلَيْهِ بِهِ (وَأَيْضًا يدْخل قَول الْعدْل نسخ) حكم كَذَا فِي التعاريف الْمَذْكُورَة لصدقها عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بنسخ فَلَا تكون مطردَة (وَيخرج) عَنْهَا (فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقد يكون النّسخ بِهِ فَلَا تكون منعكسة (وَأجِيب بِأَن المُرَاد) بِالدَّال فِي التعاريف (الدَّال بِالذَّاتِ) أَي بِاعْتِبَار الذَّات لَا بِوَاسِطَة مَا يفهم مِنْهُ (وهما) أَي قَول الْعدْل وَفعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دَلِيلا ذَلِك، لَا هُوَ) أَي الدَّال بِالذَّاتِ (وَخص الْغَزالِيّ بورود اسْتِدْرَاك) قَوْله على وَجه الخ) لِأَن مَا قصد بِهِ إِخْرَاجه وَقد عَرفته آنِفا غير دَاخل فِي الدَّال على ارْتِفَاع الحكم الثَّابِت إِلَى آخِره إِذْ لم يثبت الصَّوْم بعد الْغُرُوب وَلم يظْهر لَهُ فَائِدَة أُخْرَى (وَأجِيب بِأَنَّهُ) أَي الْقَيْد الْمَذْكُور (احْتِرَاز عَن قَول الْعدْل لِأَنَّهُ) أَي قَول الْعدْل (لَيْسَ كَذَلِك) أَي لولاه لَكَانَ ثَابتا (لِأَن الِارْتفَاع) للْحكم لَيْسَ بقول الْعدْل بل (بقول الشَّارِع قَالَه هُوَ) أَي الْعدْل (أَولا) أَي أَو لم يقلهُ (والتراخي لإِخْرَاج الْمُقَيد بالغاية) وَنَحْوهَا من المخصصات الْمُتَّصِلَة (وَلَا يخفى أَن صِحَّته) أَي هَذَا الْجَواب (توجب اعْتِبَار قَول الْعدْل دَاخِلا) فِي الْخطاب الدَّال إِلَى آخِره، إِذْ لَا يحْتَرز عَمَّا لَيْسَ بداخل، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن المُرَاد الدَّال بِالذَّاتِ فَلَا يكون دَاخِلا

مسئلة

(فَلَا ينْدَفع) النَّقْض بقوله الْعدْل (عَن) التعريفين (الآخرين) الأول وَالثَّالِث لإيجابه حمل الدَّال على أَعم مِمَّا يكون بِالذَّاتِ (وَلَو صَحَّ ذَلِك) أَي رفع الإيرادين عَنْهُمَا (بادعاء أَنه) أَي الدَّال بِالذَّاتِ هُوَ (الْمُتَبَادر من الدَّال لزم الِاسْتِدْرَاك) الْمَذْكُور على الْغَزالِيّ فدار الْأَمر بَين دُخُول قَول الْعدْل فِي صدر التعاريف الثَّلَاثَة وَيلْزمهُ الِاسْتِدْرَاك وَبَين دُخُوله وَعدم اندفاع الْبَعْض بقول الْعدْل عَن التعريفين (ويندفع قَول) الْعدْل (الرَّاوِي) نسخ كَذَا (عَن (الثَّالِث) وَهُوَ النَّص الدَّال على انْتِهَاء أمد الحكم مَعَ تراخيه عَن مورده (أَيْضا) أَي كَمَا ينْدَفع بِإِرَادَة الدَّال بِالذَّاتِ (بِأَنَّهُ) أَي قَوْله (لَيْسَ بِنَصّ فِي) الْمَعْنى (الْمُتَبَادر) مِنْهُ لما فِيهِ من الِاحْتِمَال، إِن أَرَادَ بِالنَّصِّ مَا يُقَابل الظَّاهِر فكونه لَيْسَ بِنَصّ فِيهِ على الْإِطْلَاق مَمْنُوع، وَإِن أَرَادَ بِهِ مَا يُقَابل الْإِجْمَاع وَالْقِيَاس: وَهُوَ الْكتاب وَالسّنة، وَقَول الرَّاوِي لَيْسَ مِنْهُمَا فَقَوله فِي الْمُتَبَادر يَأْبَى عَنهُ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مَعْنَاهُ بِاعْتِبَار مَا هُوَ الْمُتَبَادر من لفظ النَّص، وَقد يُقَال مُرَاده أَن الرَّاوِي قد يظنّ أَن الحكم مَنْسُوخا وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الْوَاقِع (وَذكرهمْ) أَي الْفُقَهَاء (الِانْتِهَاء) فِي تَعْرِيف النّسخ (دون الرّفْع) كَمَا فِي الثَّالِث (إِن كَانَ لظُهُور فَسَاده) أَي ذَلِك الرّفْع (إِذْ لَا يرْتَفع الْقَدِيم لم يفد) ذكر الِانْتِهَاء (لِأَنَّهُ) أَي الرّفْع (لَازم الِانْتِهَاء) لِأَنَّهُ إِذا انْتهى ارْتَفع، على أَن الْقَدِيم كَمَا لَا يرْتَفع لَا يَنْتَهِي، وَإِن أُرِيد انْتِهَاء تعلقه فَكَذَلِك الرّفْع (وَإِن) كَانَ ذكرهم إِيَّاه (لِاتِّفَاق اختيارهم عبارَة أُخْرَى) لَا لقصد ذَلِك: يَعْنِي قصدُوا تعبيرا آخر فَوَقع فِيهِ ذكر الِانْتِهَاء اتِّفَاقًا (فَلَا بَأْس) إِذْ لَا حجر فِي ذَلِك. مسئلة (أجمع أهل الشَّرَائِع على جَوَازه) أَي النّسخ عقلا (ووقوعه) نسخا (وَخَالف غير العيسوية من الْيَهُود فِي جَوَازه ففرقة) وهم الشمعونية مِنْهُم ذَهَبُوا إِلَى امْتِنَاعه (عقلا، وَفرْقَة) هم العنانية إِلَى امْتِنَاعه (سمعا) أَي نصا لَا عقلا، واعترف بِجَوَازِهِ عقلا وسمعا العيسوية مِنْهُم وهم أَصْحَاب أبي عِيسَى الْأَصْفَهَانِي المعترفون ببعثه نَبيا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني إِسْمَاعِيل خَاصَّة وهم الْعَرَب، لَا إِلَى الْأُمَم كَافَّة (و) خَالف (أَبُو مُسلم الْأَصْفَهَانِي) المعتزلي الملقب بِالْحَافِظِ واسْمه مُحَمَّد ابْن بَحر، وَقيل ابْن عمر، وَقيل هُوَ عَمْرو بن يحيى وَهُوَ مَعْرُوف بِالْعلمِ ذُو تَأْلِيفَات كَثِيرَة مَا بَين تَفْسِير وَغَيره (فِي وُقُوعه فِي شَرِيعَة وَاحِدَة) وَحكى الإِمَام الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه إِنْكَاره نسخ شَيْء من الْقُرْآن لِأَنَّهُ تَعَالَى وصف كِتَابه بِأَنَّهُ - {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} - فَلَو نسخ بعضه لبطل وَأجَاب الْبَيْضَاوِيّ بِأَن الضَّمِير لمجموع الْقُرْآن، وَهُوَ لَا ينْسَخ اتِّفَاقًا، وَفِي

الْمَحْصُول مَعْنَاهُ لم يتقدمه من الْكتب مَا يُبطلهُ وَلَا يَأْتِي بعده مَا يُبطلهُ وَأجَاب آخَرُونَ بِأَنا لَا نسلم أَن النّسخ إبِْطَال، سلمنَا أَنه إبِْطَال، لَكِن نمْنَع أَن هَذَا الْإِبْطَال بَاطِل: بل هُوَ حق - يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت -. (لنا لَا يلْزم قطعا مِنْهُ) أَي النّسخ (محَال عَقْلِي إِن لم تعْتَبر الْمصَالح) أَي رِعَايَة جلب مَنْفَعَة أَو دفع مضرَّة فِي التكاليف (فَظَاهر) عدم لُزُومه، إِذْ على ذَلِك التَّقْدِير لَا يقْصد مِنْهَا إِلَّا الِابْتِلَاء وَالله تَعَالَى يفعل الله مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد من غير اعْتِبَار مصلحَة فِي حكمه (وَإِن) اعْتبر الْمصَالح فِيهَا (فلاختلافها) أَي الْمصَالح (بالأوقات) أَي بِحَسب اختلافها كشرب الدَّوَاء نَافِع فِي وَقت ضار فِي آخر (فيختلف حسن الشَّيْء وقبحه) باخْتلَاف الْأَوْقَاف (وَالْأَحْوَال) مَعْطُوف على الْأَوْقَات أَي وباختلاف الْأَحْوَال فاختلاف الْمصَالح تَارَة ينشأ من اخْتِلَاف الْأَوْقَات، وَأُخْرَى باخْتلَاف أَحْوَال الْمُكَلّفين، فاختلاف الْأَوْقَات لذَلِك بِدُونِ الْأَحْوَال غير ظَاهر (فَبَطل قَوْلهم) أَي مانعي جَوَازه عقلا (النَّهْي يَقْتَضِي الْقبْح وَالْوُجُوب الْحسن فَلَو صَحَّ) كَون الْفِعْل الْوَاحِد مَنْهِيّا مَأْمُورا بِهِ (حسن وقبح) وَهُوَ محَال لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع الضدين، وَوجه الْبطلَان أَن الْمحَال اجْتِمَاع الْحسن والقبح من جِهَة وَاحِدَة، وَعند اخْتِلَاف الْجِهَة لَا مَحْذُور فِيهِ كَمَا إِذا كَانَ فِي قتل شخص صَلَاح للْعَالم فَإِن قَتله قَبِيح بِالنّظرِ إِلَى ذَاته حسن بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَلَاح الْعَالم (وَلِأَنَّهُ) أَي نسخ الحكم (إِن) كَانَ (لحكمة ظَهرت) لَهُ تَعَالَى (بعد عَدمه) أَي عدم ظُهُورهَا عِنْد شرع الحكم الأول (فبداء) بِالْمدِّ أَي ظُهُور بعد الخفاء، وَهُوَ محَال عَلَيْهِ تَعَالَى لاستلزامه الْعلم بعد الْجَهْل (أَولا) لحكمة ظَهرت لَهُ تَعَالَى (وَهُوَ) أَي مَا لَا يكون لحكمة من الْأَحْكَام (الْعَبَث) وَهُوَ فعل الشَّيْء لَا لغَرَض صَحِيح، وَهُوَ محَال على الله سُبْحَانَهُ (وَإِنَّمَا يكون) أَي يتَحَقَّق مَا ذكرُوا (لَو نسخ مَا حسن) لنَفسِهِ (وقبح لنَفسِهِ كالإيمان وَالْكفْر) وَمحل النزاع مَا حسن وقبح لغيره، ثمَّ هَذَا كُله عِنْد غير الأشاعرة (أما الأشاعرة فيمنعون وجوده) أَي وجود كل من الْحسن والقبح عقلا، فالحسن عِنْدهم مَا حسنه الشَّرْع والقبيح مَا قبحه فالمنسوخ كَانَ حسنا فِي وقته والناسخ صَار حسنا فِي وقته (وَأما الْوُقُوع فَفِي التَّوْرَاة أَمر آدم بتزويج بَنَاته من بنيه) أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس كَانَ لَا يُولد لآدَم غُلَام إِلَّا ولدت مَعَه جَارِيَة فَكَانَ يُزَوّج توءمة هَذَا للْآخر وتوءمة الآخر لهَذَا، وَقد حرم فِي شَرِيعَة من بعده من الْأَنْبِيَاء اتِّفَاقًا وَهَذَا هُوَ النّسخ (وَفِي السّفر الأول) من التَّوْرَاة (قَالَ تَعَالَى لنوح) عِنْد خُرُوجه من الْفلك (إِنِّي جعلت كل دَابَّة حَيَّة مأكلا لَك ولذريتك) وأطلقت ذَلِك أَي أبحت كنبات العشب مَا خلا الدَّم فَلَا تأكلوه (ثمَّ حرم مِنْهَا) أَي من الدَّوَابّ على من بعده (على لِسَان مُوسَى كثير) مِنْهَا كَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ السّفر الثَّالِث من التَّوْرَاة. (وَأما الِاسْتِدْلَال) عَلَيْهِم

(بِتَحْرِيم السبت) أَي الْعَمَل الدنيوي كالاصطياد فِيهِ فِي شَرِيعَته عَلَيْهِ السَّلَام (بعد إِبَاحَته) قبل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام (وَوُجُوب الْخِتَان عِنْدهم) أَي الْيَهُود (يَوْم الْولادَة) وَقيل فِي ثامن يَوْمهَا (بعد إِبَاحَته فِي مِلَّة يَعْقُوب) أَو فِي شَرِيعَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَي وَقت أَرَادَ الْمُكَلف فِي الصغر وَالْكبر، وَإِبَاحَة الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ فِي شَرِيعَة يَعْقُوب، وبتحريمه عِنْد الْيَهُود (فَيدْفَع بِأَن رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة لَيْسَ نسخا) وَإِبَاحَة هَذِه الْأُمُور كَانَت بِالْأَصْلِ فَلَا يكون رَفعهَا نسخا (واحكم بِالْإِبَاحَةِ وَإِن كَانَ حكما بتحقق كَلمته النفسية) وَهُوَ مَضْمُون أَنه مُبَاح وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى - {وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين} - أَي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَهُوَ مَا فِيهِ كَلِمَاته الدَّالَّة على كَلمته النفسية (وَهِي) أَي كَلمته النفسية (الحكم) بِمَعْنى خطاب الله الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف (لَكِن) الحكم (الشَّرْعِيّ أخص مِنْهُ) أَي من الحكم بِمَعْنى الْخطاب الْمَذْكُور، وَقَالَ الشَّارِح أَي من الحكم بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّة (وَهُوَ) أَي الحكم الشَّرْعِيّ (مَا علق بِهِ خطاب) أَي خطابه تَعَالَى (فِي شَرِيعَة) من الشَّرَائِع أَرَادَ بالحكم هَهُنَا مُتَعَلق الحكم بِمَعْنى الْخطاب، وَهُوَ كَيْفيَّة فعل الْمُكَلف من وجوب أَو حُرْمَة (وَبَعض الْحَنَفِيَّة التزموه) أَي رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة (نسخا لِأَن الْخلق لم يتْركُوا سدى) أَي مهملين غير مأمورين وَلَا منهيين (فِي وَقت) من الْأَوْقَات (فَلَا إِبَاحَة وَلَا تَحْرِيم قطّ إِلَّا بشرع فَمَا يذكر من حَال الْأَشْيَاء) يَعْنِي كَيْفيَّة أَفعَال الْمُكَلّفين (قبل الشَّرْع) فَيُقَال الأَصْل فِيهَا الْإِبَاحَة مثلا (فرض) أَي أَمر ذكر على سَبِيل الْفَرْض، وَالْوَاقِع فِي نفس الْأَمر أَن الْخلق فِي كل وَقت مأمورون بأَشْيَاء ومنهيون عَن أَشْيَاء ومخيرون فِيمَا سواهُمَا (وَأما) النّسخ (فِي شَرِيعَة) وَاحِدَة (فوجوب التَّوَجُّه إِلَى الْبَيْت) أَي فمثاله وجوب الِاسْتِقْبَال إِلَى الْكَعْبَة شرفها الله تَعَالَى بقوله - {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} - الْآيَة بعد أَن كَانَ التَّوَجُّه إِلَى بَيت الْمُقَدّس كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا (وَنسخ الْوَصِيَّة للْوَالِدين) الثَّابِتَة بقوله تَعَالَى - {كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة للْوَالِدين} - فنسخ الله من ذَلِك - {والأقربين} -. فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ المَال للْوَلَد، وَكَانَت الْوَصِيَّة للْوَالِدين فنسخ الله من ذَلِك مَا أحب فَجعل للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجعل لِلْأَبَوَيْنِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس، وَسَيَأْتِي ذكر النَّاسِخ فِي مسئلة السّنة بِالْقُرْآنِ (وَكثير) وستقف على كثير مِنْهُ (لَا يُنكره إِلَّا مكابر أَو جَاهِل بالوقائع). قَالَ (المانعون سمعا لَو نسخت شَرِيعَة مُوسَى لبطل قَوْله) أَي قَول مُوسَى أَو قَوْله تَعَالَى على زعمهم (هَذِه شَرِيعَة مُؤَبّدَة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض أُجِيب بِمَنْع أَنه) أَي هَذَا القَوْل (قَالَه) بل هُوَ مُخْتَلف فِيهِ فضلا عَن كَونه متواترا، وَكَونه فِي التَّوْرَاة الْآن لَا ينفع لوُقُوع التَّغْيِير والتبديل فِيهَا. قيل أَن

أول من اختلقه للْيَهُود ابْن الراوندي ليعارض بِهِ رِسَالَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَإِلَّا) لَو قَالَه (لقضت الْعَادة بمحاجتهم) أَي الْيَهُود (بِهِ) أَي بِهَذَا القَوْل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحرصهم على معارضته (وشهرته) أَي ولقضت شهرة الْحجَّاج لَو وَقع لتوفر الدَّوَاعِي على نقلهَا، ثمَّ يمْنَع كَونه متواترا مَعَ كَونه فِي التَّوْرَاة (لِأَنَّهُ لَا تَوَاتر فِي نقل التَّوْرَاة الكائنة الْآن لِاتِّفَاق أهل النَّقْل عَن إحراق بخْتنصر) فِي الْقَامُوس بخْتنصر بِالتَّشْدِيدِ أَصله بوخت وَمَعْنَاهُ ابْن وَنصر كبقم صنم، وَكَانَ وجد عِنْد الصَّنَم وَلم يعرف لَهُ أَب فنسب إِلَيْهِ. حَرْب الْقُدس (أسفارها) فِي الْقَامُوس السّفر الْكتاب الْكَبِير أَو جُزْء من أَجزَاء التَّوْرَاة (و) أَنه (لم يبْق من يحفظها، وَذكر أَحْبَارهم أَن عُزَيْرًا ألهمها فكتبها وَدفعهَا إِلَى تِلْمِيذه لِيَقْرَأهَا عَلَيْهِم) فَأَخَذُوهَا من التلميذ، وَبقول الْوَاحِد لَا يثبت التَّوَاتُر وَبَعْضهمْ زعم أَن التلميذ زَاد فِيهَا وَنقص (وَلذَلِك لم تزل نسخهَا الثَّلَاث) الَّتِي بيد العنانية وَالَّتِي بيد السامرية وَالَّتِي بيد النَّصَارَى (مُخْتَلفَة فِي أَعمار الدُّنْيَا) فَفِي نُسْخَة السامرية زِيَادَة ألف سنة وَكسر على مَا فِي نُسْخَة العنانية وَفِي الَّتِي بيد النَّصَارَى زِيَادَة ألف وثلثمائة سنة وفيهَا الْوَعْد بِخُرُوج الْمَسِيح وبخروج الْعَرَبِيّ صَاحب الْجمل وارتفاع تَحْرِيم السبت عِنْد خروجهما. قَالَ الشَّارِح كَذَا ذكر غير وَاحِد من مَشَايِخنَا. وَفِي تَتِمَّة الْمُخْتَصر فِي أَخْبَار الْبشر نسخ التَّوْرَاة ثَلَاث السامرية والعبرانية وَهِي الَّتِي بأيدي الْيَهُود إِلَى زَمَاننَا وَعَلَيْهَا اعتمادهم وكلتاهما فَاسِدَة لأنباء السامرية بِأَن من هبوط آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الطوفان ألف سنة وثلاثمائة وَسبع سِنِين وَكَانَ الطوفان لستمائة سنة خلت من عمر نوح عَلَيْهِ السَّلَام وعاش آدم تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ سنة بِاتِّفَاق فَيكون نوح على حكم هَذِه التَّوْرَاة أدْرك جَمِيع آبَائِهِ إِلَى آدم، وَمن عمر آدم فَوق مِائَتي سنة وَهُوَ بَاطِل بِاتِّفَاق، ولأنباء العبرانية بِأَن بَين هبوط آدم الطوفان ألفي سنة وَخَمْسمِائة وستا وَخمسين سنة، وَبَين الطوفان وولادة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِائَتي سنة واثنتين وَتِسْعين سنة وعاش نوح بعد الطوفان ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة بِاتِّفَاق فَيكون نوح أدْرك من عمر إِبْرَاهِيم ثَمَانِيَة وَخمسين سنة، وَهَذَا بَاطِل بالِاتِّفَاقِ لِأَن قوم هود أمة نجت بعد نوح، وَأمة صَالح نجت بعد أمة هود، وَإِبْرَاهِيم وَأمته بعد أمة صَالح بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى خَبرا عَن هود فِيمَا يعظ بِهِ قومه وهم عَاد - {واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد قوم نوح} - وَقَوله تَعَالَى فِيمَا يعظ بِهِ صَالح قومه وهم ثَمُود - {واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد عَاد} -. وَالنُّسْخَة الثَّالِثَة اليونانية وَذكر أَنَّهَا اخْتَارَهَا محققو المؤرخين، وَهِي توراة نقلهَا اثْنَان وَسَبْعُونَ حبرًا قبل ولادَة الْمَسِيح بقريب ثلثمِائة سنة لبطليموس اليوناني بعد الْإِسْكَنْدَر. قَالَ الشَّارِح، وَإِن كَانَت بِهَذِهِ المثابة فَلم يثبت تواترها، وَقَالَ الطوفي فِيهَا نُصُوص كَثِيرَة وَردت مؤيدة ثمَّ تبين أَن المُرَاد بهَا التَّوْقِيت بِمدَّة مقدرَة. (قَالُوا) أَي مانعو جَوَاز النّسخ سمعا وعقلا الحكم (الأول إِمَّا مُقَيّد بغاية) أَي

بِوَقْت مَحْدُود معِين (فالمستقبل) أَي فَالْحكم الَّذِي ورد بِخِلَاف الأول (بعده لَيْسَ نسخا) للْأولِ (إِذْ لَيْسَ رفعا) لَهُ قطعا لِأَنَّهُ انْتهى بِنَفسِهِ بانتهاء وقته الْمعِين (أَو) مُقَيّد (بتأبيد فَلَا رفع) يتَصَوَّر فِيهِ (للتناقض) على تَقْدِير الرّفْع لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ الْإِخْبَار بتأبيد الحكم وبنفيه. فَإِن قلت التَّنَاقُض فِي الْأَخْبَار والحكمين سيان. قلت لكنهما يستلزمان اخبارين لِأَن لَازم افْعَل كَذَا كَونه مَطْلُوب الْفِعْل للشارع، ولازم الْفِعْل كَونه مَطْلُوب التّرْك لَهُ (ولتأديته) أَي جَوَاز نسخه (إِلَى تعذر الْإِخْبَار بِهِ) بالتأبيد على وَجه يُوجب الْعلم بالتأبيد فِي زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ مَا من عبارَة تذكر إِلَّا وَتقبل النّسخ وَاللَّازِم بَاطِل اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ غير مُتَعَذر إِجْمَاعًا (و) إِلَى (نفي الوثوق) بتأبيد حكم مَا (فَلَا يجْزم بِهِ) أَي بالتأبيد (فِي نَحْو الصَّلَاة) أَي فِي فرضيتها وفرضية الصَّلَاة إِلَى غير ذَلِك بل (وشريعتكم) أَي وَلَا نجزم بتأبيدها أَيْضا لجَوَاز نسخهَا (الْجَواب إِن عني بالتأبيد إِطْلَاقه) أَي الحكم عَن التَّوْقِيت والتأبيد (فَلَا يمْتَنع) جَوَاز نسخه (إِذْ لَا دلَالَة لفظية عَلَيْهِ) أَي التَّأْبِيد المستلزم امْتنَاع جَوَاز نسخه إِذْ اللَّفْظ سَاكِت عَن التَّأْبِيد وَلَيْسَ بِلَا لَام لَا دلَالَة لفظية لِأَن الأَصْل فِي الشَّيْء الثَّابِت الْبَقَاء فَمن هَذَا الْوَجْه يفهم التَّأْبِيد (بل) يُقَال على سَبِيل الْجَزْم من غير تردد (أَنه) أَي النّسخ (مَشْرُوع) فِيمَا شَأْنه هَذَا (أَو) عني بالتأبيد (صَرِيحه) أَي التَّأْبِيد (فَكَذَلِك) أَي لِامْتِنَاع نسخه (أَن جعل) التَّأْبِيد (قيد الْفِعْل الْوَاجِب لَا وُجُوبه) قَالَ الشَّارِح إِذْ لَا تنَاقض بَين دوَام الْفِعْل وَعدم دوَام الحكم الْمُتَعَلّق بِهِ كَصَوْم رَمَضَان أبدا فَإِن التَّأْبِيد قيد للصَّوْم الَّذِي هُوَ الْفِعْل الْوَاجِب، لَا لإيجابه على الْمُكَلف لِأَن الْفِعْل مِمَّا يعْمل بمادته لَا بهيئته وَدلَالَة الْأَمر على الْوُجُوب بالهيئة لَا بالمادة فَقَوله لَا تنَاقض إِلَى آخِره صَحِيح فتجويز الْعقل أَن تدوم الْأَفْعَال وَلَا يَدُوم وُجُوبهَا والتناقض إِنَّمَا يكون عِنْد اتِّحَاد مورد النَّفْي والإيجاب. وَأما قَوْله فَإِن التَّأْبِيد إِلَى آخِره فأصله فِي التَّلْوِيح حَيْثُ قَالَ لَا مُنَافَاة بَين إِيجَاب فعل مُقَيّد بِزَمَان وَأَن لَا يُوجد التَّكْلِيف فِي ذَلِك الزَّمَان كَمَا يُقَال صم غَدا ثمَّ ينْسَخ قبله وَذَلِكَ كَأَن يُكَلف بِصَوْم غَد ثمَّ يَمُوت قبل غَد فَلَا يُوجد التَّكْلِيف بِهِ. وتحقيقه أَن قَوْله صم أبدا يدل على أَن صَوْم كل شهر من شهور رَمَضَان إِلَى الْأَبَد وَاجِب فِي الْجُمْلَة من غير تَقْيِيد الْوُجُوب بالاستمرار إِلَى الْأَبَد انْتهى. أَقُول وَمَعَ هَذَا التَّحْقِيق الْبَالِغ مَا انْقَطع مَادَّة الْإِشْكَال بالكيلة لِأَن قَوْله صم حَقِيقَته طلب الصَّوْم الطّلب، مَدْلُول الْهَيْئَة وَالصَّوْم مَدْلُول الْمَادَّة والظرف الْمُتَعَلّق بِالْفِعْلِ ظرفيته بِالنّظرِ إِلَى النِّسْبَة الملحوظة فِي ذَلِك الْفِعْل وَالنِّسْبَة هَهُنَا طلبية والظرف لَيْسَ مظروفه حُدُوث

ذَلِك الطّلب وصدوره عَن الطَّالِب بِالضَّرُورَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مظروف النِّسْبَة الإيقاعية الَّتِي قصد الطَّالِب صدورها عَن الْمَطْلُوب فِيهِ عِنْد الِامْتِثَال فقد طلب مِنْهُ على سَبِيل الْإِيجَاب صوما مستمرا فَمَا معنى عدم تَقْيِيد الْإِيجَاب بالتأبيد، نعم يَصح أَن يُقَال طلب الِاسْتِمْرَار ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك الطِّبّ، وَلَا يلْزم مِنْهُ التَّنَاقُض غير أَن مَانع جَوَاز النّسخ يَقُول: لَا يَلِيق بِجَانِب الْحق سُبْحَانَهُ، أَن يطْلب الِاسْتِمْرَار ثمَّ يرجع، وَله أَن يَقُول طلبه الِاسْتِمْرَار يدل على أَنه مُقْتَضى الْحِكْمَة والنسخ يدل على أَنه لَيْسَ مُقْتَضى الْحِكْمَة، وَهَذَا تنَاقض وَلَا حَاجَة إِلَى الْتِزَام كَون التَّأْبِيد قيدا للْحكم الأول وَأما قَول الشَّارِح الْعَامِل هُوَ مَادَّة الْفِعْل لَا صورته فَلَا طائل تَحْتَهُ كَمَا لَا يخفى على من ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد (وَإِن لزم) كَون صَرِيح التَّأْبِيد (قيدا لَهُ) أَي للْحكم (فمختلف) فِي جَوَاز نسخه، فَمنهمْ من أجَازه أَيْضا، وَمِنْهُم من مَنعه كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه (وَلَا يُفِيد) هَذَا الترديد عدم جَوَاز النّسخ (لجوازه) أَي النّسخ (بِمَا تقدم) من الدَّال على جَوَازه ثمَّ وُقُوعه فالتشكيك فِيهِ سفسطة، وَفِي نُسْخَة الشَّارِح هَهُنَا زِيَادَة وَهِي قَوْله (وَتَسْلِيم كَون الحكم الْمُقَيد) بالتأبيد (صَرِيحًا لَا يجوز نسخه لَا يفيدهم) أَي مانعي جَوَاز النّسخ (النَّفْي الْكُلِّي) لجوازه (الَّذِي هُوَ مطلوبهم مَعَ أَن الحكم الْمُقَيد بالتأبيد أقل من الْقَلِيل) انْتهى (قَالُوا) أَي مانعو جَوَازه سمعا وعقلا (أَيْضا: لَو رفع) تعلق الحكم (فإمَّا) أَن يكون رَفعه (قبل وجوده) أَي الْفِعْل امتثالا (فَلَا ارْتِفَاع، أَو) يكون رَفعه (بعده) أَي الْفِعْل (أَو) يكون (مَعَه) أَي الْفِعْل (فيستحيل) رَفعه لِاسْتِحَالَة رفع مَا وجد وانقضى، لِأَن ارْتِفَاع الْمَعْدُوم محَال كَمَا يَسْتَحِيل كَونه مرتفعا وَكَونه متحققا (وَلِأَنَّهُ تَعَالَى إِمَّا عَالم باستمراره) أَي بدوام الحكم الْمَنْسُوخ (أبدا فَظَاهر) أَنه لَا نسخ، وَإِلَّا يلْزم وُقُوع خلاف علم الله وَهُوَ محَال، لِأَنَّهُ جهل (أَولا) يعلم استمراره أبدا (فَهُوَ) أَي الحكم الْمَنْسُوخ (فِي علمه مُؤَقّت فينتهي) الحكم (عِنْده) أَي عِنْد ذَلِك الْوَقْت (وَالْقَوْل الَّذِي يَنْفِيه) أَي ذَلِك الحكم بعد ذَلِك الْوَقْت (لَيْسَ رفعا) لحكم ثَابت فَلَا يكون نسخا (وَالْجَوَاب عَن الأول أَنه) أَي قَوْلكُم لَو رفع، فَأَما إِلَى آخِره (ترديد فِي الْفِعْل) الَّذِي تعلق بِهِ الحكم (لَا) فِي (الحكم) الَّذِي هُوَ مَحل النزاع، إِذْ النّسخ ارْتِفَاع الحكم لَا الْفِعْل وَبطلَان ارْتِفَاع الْفِعْل لَا يسْتَلْزم بطلَان ارْتِفَاع الحكم (وَلَو أجْرى) الترديد (فِيهِ) أَي فِي الحكم (قُلْنَا المُرَاد) بالنسخ (انْقِطَاع تعلقه) أَي الحكم، يَعْنِي كَانَ تعلقه بِفعل الْمُكَلف مستمرا إِلَى زمَان النَّاسِخ وَعِنْده انْقَطع وارتفع مَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يرْتَفع لَوْلَا النَّاسِخ (كَمَا قدمْنَاهُ فِي التَّعْرِيف ونختار علمه) أَي أَنه تَعَالَى علم اسْتِمْرَار الحكم، الْمَنْسُوخ (مؤقتا ويتضمن) علمه بِهِ مؤقتا (علمه بِالْوَقْتِ الَّذِي ينسخه فِيهِ) وَعلمه

مسئلة

بارتفاعه بالنسخ لَا يمنعهُ بل يُثبتهُ ويحققه (فَكيف يُنَافِيهِ). مسئلة (الِاتِّفَاق على جَوَاز النّسخ) للْحكم (بعد التَّمَكُّن) من الْفِعْل الَّذِي تعلق بِهِ الحكم بعد علمه بتكليفه بِهِ (بِمُضِيِّ مَا يسمع) الْفِعْل (من الْوَقْت الْمعِين لَهُ) أَي للْفِعْل (شرعا إِلَّا مَا عَن الْكَرْخِي) من أَنه لَا يجوز إِلَّا بعد حَقِيقَة الْفِعْل سَوَاء مضى من الْوَقْت مَا يسمع الْفِعْل أَولا، كَذَا ذكره الشَّارِح وَلَا يخفى مَا فِيهِ: من أَنه لَا يتَصَوَّر تحقق حَقِيقَته من غير أَن يمْضِي مَا يَسعهُ الْوَقْت: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مُرَاده أَنه إِن لم تتَحَقَّق حَقِيقَته لَا يجوز سَوَاء إِلَى آخِره (وَاخْتلف فِيهِ) أَي فِي النّسخ (قبله) أَي قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل (بِكَوْنِهِ) أَي بِوُقُوعِهِ (قبل) دُخُول (الْوَقْت) الْمعِين للْفِعْل (أَو بعده) أَي بعد دُخُوله (قبل) مُضِيّ (مَا يسع) الْفِعْل مِنْهُ سَوَاء (شرع) فِي الْفِعْل (أَو لَا كصم غَدا وَرفع) وجوب صَوْمه (قبله) أَي الْغَد (أَو) رفع (فِيهِ) أَي فِي الْغَد (وَإِن شرع) فِي صَوْمه (قبل التَّمام) لصيامه (فالجمهور من الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم) كالشافعية والأشاعرة قَالُوا (نعم) يجوز نسخه (بعد التَّمَكُّن من الِاعْتِقَاد) لحقيقته (وَجُمْهُور الْمُعْتَزلَة وَبَعض الْحَنَابِلَة والكرخي) والجصاص والماتريدي والدبوسي (والصيرفي لَا) يجوز وَإِن كَانَ بعد التَّمَكُّن من الِاعْتِقَاد (لنا لَا مَانع عَقْلِي وَلَا شَرْعِي) من ذَلِك (فَجَاز) جَوَازًا عقليا شَرْعِيًّا (و) أما الْوُقُوع فقد (نسخ) الشَّارِع (خمسين) من الصَّلَوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة بِفَرْض الْخمس، وَيحْتَمل أَن يكون نسخ على صِيغَة الْمصدر مُضَافا إِلَى خمسين مَعْطُوفًا على لَا مَانع، وَالْمرَاد من نسخ الْخمسين نسخ مَا زَاد على الْخمس وَهُوَ خمس وَأَرْبَعُونَ كَمَا يدل عَلَيْهِ ظَاهر الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَمن ذهب إِلَى نسخ مَجْمُوع الْخمسين لم يَجْعَل هَذِه الْخَمْسَة جُزْءا مِنْهَا (فِي) لَيْلَة (الْإِسْرَاء وإنكار الْمُعْتَزلَة إِيَّاه) أَي نسخ الْخمسين بعد وُجُوبهَا، وَكَذَا إِنْكَار جمهورهم الْمِعْرَاج (مَرْدُود بِصِحَّة النَّقْل) كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا مَعَ عدم إِحَالَة الْعقل لَهُ فإنكاره بِدعَة وضلالة. وَأما إِنْكَار الْإِسْرَاء من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَكفر ثمَّ هَذَا يَقْتَضِي جَوَاز النّسخ، بل وُقُوعه قبل التَّمَكُّن من الِاعْتِقَاد أَيْضا لِأَن المتمكن مِنْهُ فرع الْعلم بِوُجُوب الْخمسين، وَالْأمة لم يعلموها، كَذَا قيل، وَهُوَ مَدْفُوع بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُكَلّفين وَقد علم ذَلِك وَهُوَ الأَصْل، وَالْأمة تبع لَهُ (وقلولهم) أَي المانعين (لَا فَائِدَة) فِي التَّكْلِيف بِالْفِعْلِ، لِأَن الْعَمَل بِالْبدنِ هُوَ الْمَقْصُود من شرع الْأَحْكَام العملية (مُنْتَفٍ بِأَنَّهَا) أَي الْفَائِدَة فِي التَّكْلِيف حِينَئِذٍ (الِابْتِلَاء للعزم) على الْفِعْل إِذا حضر وقته وتهيأت أَسبَابه (وَوُجُوب

الِاعْتِقَاد) لحقيته، وَلَا نسلم أَن الْعَمَل وَحده هُوَ الْمَقْصُود، وعزيمة الْقلب قد تصير قربَة بِلَا فعل كَمَا دلّ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَغَيره من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من هم بحسنة فَلم يعملها كتبهَا الله عِنْده حَسَنَة كَامِلَة ": إِلَى غير ذَلِك، وَأعظم الطَّاعَات وَهُوَ الْإِيمَان من أَعمال الْقلب الَّذِي هُوَ رَئِيس الْأَعْضَاء (وَأما الحاقه) أَي النّسخ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل (بِالرَّفْع) أَي رفع الحكم (للْمَوْت) قبل التَّمَكُّن من فعل مَا كلف بِهِ، فَكَمَا أَن ذَلِك لَا يعد تناقضا: فَكَذَا النّسخ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل (وَمَا قيل كل رفع قبل الْفِعْل) إِشَارَة إِلَى مَا فِي الشَّرْح العضدي من رد الْمُعْتَزلَة والصيرفي حَيْثُ منعُوا جَوَاز النّسخ قبل وَقت الْفِعْل: من أَن كل مَا نسخ قبل وَقت الْفِعْل، وَقد اعترفتم بِثُبُوت الْفِعْل فيلزمكم تجويزه قبل الْفِعْل بَيَانه أَن التَّكْلِيف بِالْفِعْلِ بعد وقته محَال، لِأَنَّهُ إِن فعل أطَاع، وَإِن ترك عصى فَلَا نسخ، فَكَذَلِك فِي وَقت فعله، لِأَنَّهُ فعل وأطاع بِهِ فَلَا يُمكن إِخْرَاجه عَن كَونه طَاعَة بعد تحققها (فليسا بِشَيْء لتقييد الأول) أَي الرّفْع بِالْمَوْتِ (عقلا) أَي بِالْعقلِ، إِذْ الْعقل قَاض بِأَن طلب الْفِعْل من الْمُكَلف مُقَيّد بِشَرْط الْحَيَاة: فَكَأَنَّهُ قَالَ افْعَل فِي وَقت كَذَا أَن تمت فِي ذَلِك الْوَقْت، وَاعْتِبَار مثل هَذَا التَّقْيِيد فِي الثَّانِي بِأَن يُقَال المُرَاد إِن لم ينْسَخ بعيد جدا. وَقَالَ الشَّارِح إِذْ الْعقل قَاض بِأَن لَا تَكْلِيف للْمَيت فَلم يُوجد الْجَامِع: لِأَن الرّفْع بِالْمَوْتِ بِالْعقلِ لَا بِدَلِيل شَرْعِي، وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي الْوَاقِع بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيّ وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَيْسَ المُرَاد بالإلحاق أَن يَجْعَل الرّفْع بِالْمَوْتِ نسخا، بل قِيَاس النّسخ على الرّفْع بِالْمَوْتِ لكَون كل مِنْهُمَا رفعا للْحكم قبل التَّمَكُّن، فَلَا يضر كَون أَحدهمَا بِالْعقلِ وَالْآخر بِدَلِيل شَرْعِي، على أَنه لَا مُنَاسبَة بَين عبارَة الْمَتْن وَبَين شَرحه (لَا مَا قيل) يَعْنِي كَونه لَيْسَ بِشَيْء لما قُلْنَا (من منع تَكْلِيف الْمَعْلُوم مَوته قبل التَّمَكُّن) من الْفِعْل (ليدفع بِأَنَّهُ) أَي تَكْلِيفه (إِجْمَاع) وإلزام الْمُعْتَزلَة حَيْثُ اعْتَرَفُوا بِكَوْنِهِ مُكَلّفا على مَا ذكره التَّفْتَازَانِيّ (وَالثَّانِي) أَن كل رفع قبل وَقت الْفِعْل (فِي غير) مَحل (النزاع لِأَنَّهُ) أَي الْقَائِل بِالثَّانِي (يُرِيد) بقوله كل نسخ قبل وَقت الْفِعْل (وَقت الْمُبَاشرَة) كَمَا يدل عَلَيْهِ بَيَانه فِي الشَّرْح العضدي على مَا سبق أَيْضا (والنزاع فِي وقته) أَي الْفِعْل (الَّذِي حد لَهُ) أَي قدر وَعين لَهُ شرعا. فِي الشَّرْح الْمَذْكُور مسئلة النّسخ قبل الْفِعْل وَصورتهَا أَن يَقُول حجُّوا هَذِه السّنة، ثمَّ يَقُول قبل دُخُول عَرَفَة: لَا تَحُجُّوا، وَلَا يخفى أَنه لَو أَرَادَ وقته الَّذِي حد لَهُ لما صَحَّ قَوْله كل نسخ قبله، إِذْ قد يكون فِيهِ أَبُو بعده (وَاسْتدلَّ) للمختار (بِقصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَمر) بِذبح وَلَده فَوَجَبَ عَلَيْهِ (ثمَّ ترك) إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ذبحه (فَلَو) كَانَ تَركه لَهُ مَعَ التَّمَكُّن مِنْهُ (بِلَا نسخ عصى) بِتَرْكِهِ لَكِن لم يعْص إِجْمَاعًا (وَأجِيب بِمَنْع وجوب الذّبْح) عَن أَمر لَهُ (بل)

رَأْي (رُؤْيا فَظَنهُ) أَي الْوُجُوب ثَابتا كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى - {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} - (وَمَا تُؤمر) أَي وَقَول وَلَده لَهُ افْعَل مَا تُؤمر (يَدْفَعهُ) أَي منع وجوب الذّبْح قيل تُؤمر مضارع فَلَا يعود إِلَى مَا مضى فِي الْمَنَام. وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ بِاعْتِبَار الِاسْتِمْرَار والبقاء (مَعَ) لُزُوم (الْإِقْدَام على مَا يحرم) من قصد الذّبْح وترويع الْوَلَد (لولاه) أَي الْوُجُوب الْقطعِي، فَإِن مثل هَذَا الْفِعْل مُمْتَنع شرعا وَعَادَة: وَلَا سِيمَا من الْأَنْبِيَاء، على أَن مَنَام الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِيمَا يتَعَلَّق بِالْأَمر وَالنَّهْي وَحي مَعْمُول بِهِ (وعَلى أصلهم) أَي الْمُعْتَزلَة أَن الْأَحْكَام ثَابِتَة عقلا وَالشَّرْع كاشف عَنْهَا، وَيجب عَلَيْهِ تَعَالَى تَمْكِين الْمُكَلف من فهمها لَا بُد فِي إقدامه على الذّبْح من إِدْرَاكه لوُجُوب عقلا، وَمن تحقق شرع كاشف عَنهُ، وَمن تمكنه من فهم ذَلِك فنسبة الْإِقْدَام إِلَيْهِ بِمُجَرَّد ظن (توريط لَهُ) أَي إِيقَاع لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام (فِي الْجَهْل) فَيمْتَنع). فِي الشَّرْح العضدي وعَلى أصلهم هُوَ توريط لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجَهْل بِمَا يظْهر أَنه أَمر وَلَيْسَ بِأَمْر وَذَلِكَ غير جَائِز انْتهى: وَهَذَا يحْتَمل وَجها آخر وَهُوَ أَن يكون التوريط من الله تَعَالَى بِأَن مَا يظْهر إِلَى آخِره (وَقَوْلهمْ) أَي الْمُعْتَزلَة (جَازَ التَّأْخِير) للذبح من غير لُزُوم عصيان (لِأَنَّهُ) أَي وُجُوبه (موسع). فِي الشَّرْح العضدي: وَاسْتدلَّ بِقصَّة إِبْرَاهِيم، وَهِي أَنه أَمر بِذبح وَلَده وَنسخ عَنهُ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل، أما الأول فدليل قَوْله افْعَل مَا تُؤمر وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لم يفعل، فَلَو كَانَ مَعَ حُضُور الْوَقْت لَكَانَ عَاصِيا وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنا لَا نسلم أَنه لَو لم يفعل وَقد حضر الْوَقْت لَكَانَ عَاصِيا لجَوَاز أَن يكون الْوَقْت موسعا فَيحصل التَّمَكُّن وَلَا يعْصى بِالتَّأْخِيرِ ثمَّ ينْسَخ، الْجَواب أما أَولا فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ موسعا لَكَانَ الْوُجُوب مُتَعَلقا بالمستقبل لِأَن الْأَمر بَاقٍ عَلَيْهِ قطعا فَإِذا نسخ عَنهُ فقد نسخ تعلق الْوُجُوب بالمستقبل وَهُوَ الْمَانِع عِنْدهم من النّسخ فقد جَازَ مَا قَالُوا بامتناعه وَهُوَ الْمَطْلُوب انْتهى (فِيهِ) أَي فِي قَوْلهم هَذَا (الْمَطْلُوب) وَهُوَ النّسخ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل، لِأَن حَاصِل هَذَا القَوْل تَسْلِيم وجوب الذّبْح ونسخه وَعدم لُزُوم الْعِصْيَان بِالتّرْكِ مَعَ حُضُور الْوَقْت لكَونه موسعا، وَلَا شكّ أَن الْوَقْت الموسع كل جُزْء مِنْهُ مُتَعَلق الْوُجُوب مَا لم يفعل الْوَاجِب، فالجزء الَّذِي وَقع فِيهِ النّسخ مِمَّا تعلق بِهِ الْوُجُوب وَعَدَمه يُوجب النّسخ، والمحذور الَّذِي ذَكرُوهُ على تَقْدِير النّسخ قبل التَّمَكُّن هَذَا بِعَيْنِه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لتَعَلُّقه) أَي الْوُجُوب (بالمستقبل) بِالنّظرِ إِلَى مَا قبل النّسخ من الْأَجْزَاء الَّتِي مَضَت من الْمُسْتَقْبل، وَإِنَّمَا ذكر تعلقه بالمستقبل لِأَنَّهُ المستلزم للتناقض بِخِلَاف الْأَجْزَاء الْمَاضِيَة فَإِنَّهَا مُتَعَلقَة للْوُجُوب فَقَط (وَهُوَ) أَي تعلق الْوُجُوب بالمستقبل (الْمَانِع عِنْدهم) أَي الْمُعْتَزلَة من النّسخ لَا من حَيْثُ أَنه مُسْتَقْبل بل من حَيْثُ أَنه مَحل للتناقض لما عرفت، وَقَالَ الشَّارِح

لاشتراطهم فِي تحقق النّسخ كَون الْمَنْسُوخ وَاجِبا فِي وقته وَتعلق الْوُجُوب بالمستقبل يُنَافِيهِ انْتهى، وَلَا يخفى أَنهم لَو اشترطوا ذَلِك لزم اجْتِمَاع الْوُجُوب وَعَدَمه فِي وَقت وَاحِد وَلزِمَ امْتنَاع النّسخ مُطلقًا بل بامتناعه قبل التَّمَكُّن وَأَيْضًا كَون تعلق الْوُجُوب بالمستقبل منافيا بِكَوْن الْمَنْسُوخ وَاجِبا فِي وقته لَا يظْهر جِهَة سَوَاء أُرِيد بوقته وَقت النّسخ أَو الْوَقْت الْمَحْدُود للمنسوخ، وَذكر الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَن مانعية تعلق الْوُجُوب بالمستقبل من النّسخ تستفاد من تَقْرِير شبهتهم الْمَذْكُورَة. فِي الشَّرْح العضدي لَو كَانَ الْفِعْل وَاجِبا فِي الْوَقْت الَّذِي عدم الْوُجُوب فِيهِ لَكَانَ مَأْمُورا بِهِ فِي ذَلِك غير مَأْمُور بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت فَلَا يكون نفي الْوُجُوب فِيهِ نسخا لَهُ انْتهى، وَلم يذكر الْمُحَقق وَجه الاستفادة وَلَا يبعد أَن يكون الْوَجْه مَا ذكرنَا (لَكِن نقل الْمُحَقِّقُونَ عَنْهُم) أَي الْمُعْتَزلَة (أَنه) أَي النّسخ (بَيَان مُدَّة الْعَمَل بِالْبدنِ فَلَا يتَحَقَّق) النّسخ (إِلَّا بعد التَّمَكُّن) من الْعَمَل بِالْبدنِ (الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ) من شرع الْأَحْكَام (لَا الْعَزْم) على الْعَمَل (وَمَعَهُ) أَي التَّمَكُّن من الْعَمَل (يجوز) النّسخ وَإِن لم يعْمل (لِأَن الثَّابِت) حِينَئِذٍ (تَفْرِيط الْمُكَلف) وتقصيره لِأَن الْعَجز وَعدم الْقُدْرَة (وَلَيْسَ) تفريطه (مَانِعا) من النّسخ لعدم تحقق الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ لِأَن تفريطه الْمُوجب للعقاب يقوم مقَامه عمله الْمُوجب للثَّواب فِي المقصودية من الِابْتِلَاء (وَهَذَا) التَّمَكُّن من الْعَمَل (مُتَحَقق فِي الموسع) فَيجوز فِيهِ النّسخ عِنْدهم قبل وُقُوع الْعَمَل (وَدفعه) أَي دفع منع الْمُعْتَزلَة لُزُوم الْعِصْيَان فِي الموسع (بتعلق الْوُجُوب بالمستقبل) وَهُوَ الْمَانِع عِنْدهم على مَا مر لَا يصدق (فِي الموسع إِنَّمَا يصدق فِي الْمضيق) إِذْ كل جُزْء من الْوَقْت فِيهِ مُتَعَلق وجوب الْأَدَاء وَمِنْه الْمُسْتَقْبل، وبالنسخ يصير مُتَعَلق عَدمه أَيْضا بِخِلَاف الموسع إِذا لم يتَعَيَّن فِيهِ جُزْء الْأَدَاء لَا الْجُزْء الْأَخير وَفِيه سَعَة يُمكن اعْتِبَار بعض أَجْزَائِهِ مُتَعَلق الْوُجُوب وَبَعضهَا مُتَعَلق عَدمه فَلَزِمَ الْمَحْذُور بِاعْتِبَار تعلق وجوب الْأَدَاء فَوْرًا، لَا بِاعْتِبَار أصل الْوُجُوب (وَإِلَّا فقد يثبت الْوُجُوب) أَي اصله فِي الموسع وَغَيره بِمُجَرَّد دُخُول الْوَقْت (وَلذَا) أَي لوُجُوبه (لَو فعله) أَي الْوَاجِب (سقط بِخِلَاف مَا) لَو فعل (قبل الْوُجُوب مُطلقًا) أَي فِي الْمضيق والموسع لَا يسْقط بِهِ الْوَاجِب (ثمَّ الْجَواب) عَن قَوْلهم الْمَقْصد الْأَصْلِيّ الْعَمَل بِالْبدنِ وَفِي نُسْخَة وَالْجَوَاب (أَن ذَلِك) أَي كَونه مَقْصُودا أَصْلِيًّا (لَا يُوجب الْحصْر) بِأَن لَا يكون غَيره مَقْصُود للشارع وَقد مر بَيَانه آنِفا (وَمنعه) أَي وجوب الذّبْح معينا (بِأَنَّهُ) أَي وُجُوبه (لَو كَانَ) موسعا (لأخر) إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الشُّرُوع فِي الْمَأْمُور بِهِ كَمَا يُؤَخر (عَادَة فِي مثله) أَي ذبح الْوَلَد أما رَجَاء أَن ينْسَخ عَنهُ أَو يَمُوت أَحدهمَا فَيسْقط عَنهُ لعظم الْأَمر (مُنْتَفٍ) أَي غير موجه فَهُوَ مُلْحق بالمعدوم (لِأَن حَاله عَلَيْهِ السَّلَام يَقْتَضِي الْمُبَادرَة) إِلَى الِامْتِثَال. قَالَ تَعَالَى - (إِنَّهُم

كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات} - (وَإِن كَانَ) الْمَأْمُور بِهِ أصعب (مَا كَانَ) أَي مَا دخل فِي الْوَجْه كَيفَ وَهُوَ فِي أَعلَى دَرَجَات الْخلَّة (وَقَوْلهمْ) أَي المانعين (فعل) أَي ذبح و (لَكِن) كلما قطع شَيْئا (التحم) أَي اتَّصل مَا تفرق عقيب الْقطع فقد فعل مَا هُوَ مَقْدُور لَهُ من إمرار السكين على الْحلق وَقطع الْأَوْدَاج وَلذَا قيل قد صدقت الرُّؤْيَا - (دَعْوَى مُجَرّدَة) عَن الْبَيِّنَة من حَيْثُ النَّقْل (وَكَذَا) قَوْلهم (منع) الْقطع (بصفيحة) من حَدِيث أَو نُحَاس خلقت على حلقه فَلم يحصل مُطَاوع الذّبْح مَعَ كَونه خلاف الْعَادة لم ينْقل نقلا يعْتد بِهِ وَلَو صَحَّ لنقل واشتهر فِي جملَة الْآيَات الظَّاهِرَة والمعجزة الباهرة وتصديق الرُّؤْيَا قد حصل بالعزم والشروع فِي مقدماته وبذل جهده فِي الِامْتِثَال. وَقد أخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد رِجَاله موثقون عَن السّديّ وَهُوَ تَابِعِيّ من رجال مُسلم لما أَمر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِذبح ابْنه قَالَ الْغُلَام اشْدُد عَليّ رباطي لِئَلَّا أَضْطَرِب واكفف عني ثِيَابك لِئَلَّا ينضح عَلَيْك من دمي وأسرع السكين على حلقي ليَكُون أَهْون عَليّ قَالَ فأمرّ السكين على حلقه وَهُوَ يبكي فَضرب الله على حلقه صفيحة من نُحَاس، قَالَ فقلبه على وَجهه وخر الْقَفَا فَذَلِك قَوْله تَعَالَى - {وتله للجبين - فَنُوديَ - أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدّقت الرُّؤْيَا} - فَإِذا الْكَبْش فَأَخذه وذبحه وَأَقْبل على ابْنه يقبله وَيَقُول: يَا بني الْيَوْم وهبت لي، كَذَا ذكره الشَّارِح وَكَأَنَّهُ لم يثبت عِنْد المُصَنّف (مَعَ أَنه) أَي الذّبْح (حِينَئِذٍ) أَي على التَّقْدِير الثَّانِي (تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق) لعدم قدرته حِينَئِذٍ على الذّبْح، والمعتزلة لَا يجوزونه (ثمَّ هُوَ) أَي هَذَا الْمَنْع (نسخ) لإِيجَاب الذّبْح (أَيْضا قبل التَّمَكُّن) مِنْهُ إِذْ لَو فرض بعده لزم ترك الْوَاجِب مَعَ التَّمَكُّن وَهُوَ بَاطِل: يَعْنِي أَن قَول الْمَانِع دلَالَة قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام على النّسخ قبل التَّمَكُّن أَن منع بصفيحة لَا يصلح سندا للْمَنْع، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم النّسخ قبل التَّمَكُّن وَهُوَ الْمَطْلُوب، لَا يُقَال النّسخ إِنَّمَا يكون بِدَلِيل شَرْعِي، وَالْمَنْع بالصفيحة لَيْسَ بِهِ، لأَنا نقُول يدل على ارْتِفَاع وجوب الذّبْح إِذْ لَا يتَصَوَّر أَن يكون الذّبْح مَطْلُوبا حَال كَونه مَمْنُوعًا، وَلما كَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْقَصْدِ الْمَذْكُور غير مرضِي للحنفية، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وللحنفية) فِي الْجَواب عَنهُ (منع النّسخ وَالتّرْك) للْمَأْمُور بِهِ (للْفِدَاء) يَعْنِي لما منعُوا النّسخ ورد عَلَيْهِم لُزُوم الْعِصْيَان لترك الْمَأْمُور الِامْتِثَال فَقَالُوا إِنَّمَا تَركه لوُجُود الْفِدَاء لقَوْله تَعَالَى - {وفديناه بِذبح عَظِيم} - (وَهُوَ) أَي الْفِدَاء (مَا يقوم مقَام الشَّيْء فِي تلقي الْمَكْرُوه) المتوجه عَلَيْهِ بِأَن يتلَقَّى ذَلِك الْمَكْرُوه بدل أَن يتلقاه ذَلِك الشَّيْء فيتحمل عَنهُ، وَمِنْه فدتك نَفسِي أَي قبلت مَا توجه عَلَيْك من الْمَكْرُوه. نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف فِي بَيَان هَذَا أَن النّسخ رفع الحكم، وَالْولد وَنَحْوه مَحل الْفِعْل الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الحكم فَهُوَ مَحل الحكم، وَمحل الحكم لَيْسَ دَاخِلا فِي الحكم فضلا عَن مَحل حَاله

وَإِنَّمَا بتحقق نسخ الحكم بِرَفْعِهِ لإبدال مَحَله يدل على بَقَاء الحكم، غير أَنه جعل هَذَا عوضا عَن ذَلِك، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَو ارْتَفع) وجوب ذبح الْوَلَد (لم يفد) إِذا لم يبْق مقَام حَتَّى يقوم الآخر مقَامه (وَمَا قيل) ردا لهَذَا الْجَواب (الْأَمر بذَبْحه) أَي الْفِدَاء (بَدَلا) عَن الْوَلَد (هُوَ النّسخ) لِأَنَّهُ رفع لطلب ذبح الْوَلَد وَإِيجَاب لذبح الْفِدَاء (مَوْقُوف على ثُبُوته) أَي ثُبُوت رفع ذَلِك الْوُجُوب وَإِثْبَات وجوب آخر (وَهُوَ) أَي الثُّبُوت الْمَذْكُور (مُنْتَفٍ) إِذْ لم يثبت نقلا وَلم يلْزم من مُجَرّد إِبْدَال الْمحل على مَا عرفت، لَا يُقَال إِن لم يلْزم ذَلِك فَهُوَ ظَاهر فِيهِ لِأَنَّهُ مَمْنُوع إِذْ الْإِبْدَال كَمَا جَازَ أَن يكون مَعَ إِيجَاب آخر جَازَ أَن يكون مَعَ الْإِيجَاب الأول بل مَا لَا يُؤدى إِلَى النّسخ أرجح، وَفِي التَّلْوِيح وَلَو قيل أَن الْخلف قَامَ مقَام الأَصْل لكنه استلزم حُرْمَة الأَصْل: أَعنِي ذبح الْوَلَد وَتَحْرِيم الشَّيْء بعد وُجُوبه نسخ لَا محَالة، فَجَوَابه أَنا لَا نسلم كَونه نسخا، وَإِنَّمَا يلْزم لَو كَانَ حكما شَرْعِيًّا وَهُوَ مَمْنُوع، فَإِن حُرْمَة ذبح الْوَلَد ثَابِتَة فِي الأَصْل فَزَالَتْ بِالْوُجُوب ثمَّ عَادَتْ بِقِيَام الشَّاة مقَام الْوَلَد. قَالَ الشَّارِح وَهَذَا على منوال مَا تقدم من أَن رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة لَيست نسخا كَمَا الْتَزمهُ بعض الْحَنَفِيَّة إِذْ لَا إِبَاحَة وَلَا تَحْرِيم إِلَّا لشرع يكون رفع الْحُرْمَة الْأَصْلِيَّة نسخا، ثمَّ إِذا كَانَ رَفعهَا نسخا يكون ثُبُوتهَا بعد رَفعهَا نسخا أَيْضا فَيبقى الْإِيرَاد الْمَذْكُور مُحْتَاجا إِلَى الْجَواب فَلْيتَأَمَّل. ثمَّ اخْتلف فِي الذَّبِيح. قَالَ الطوفي فالمسلمون على أَنه إِسْمَاعِيل وَأهل الْكتاب على أَنه إِسْحَاق، وَعَن أَحْمد فِيهِ الْقَوْلَانِ انْتهى. وَفِي الْكَشَّاف عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَمُحَمّد ابْن كَعْب الْقرظِيّ وَجَمَاعَة من التَّابِعين أَنه إِسْمَاعِيل، وَعَن عَليّ بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَالْعَبَّاس وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَجَمَاعَة من التَّابِعين أَنه إِسْحَاق، وَذكر كَونه إِسْحَاق عَن الْأَكْثَرين الْمُحب الطَّبَرِيّ، وَكَونه إِسْمَاعِيل مِنْهُم النَّوَوِيّ وَصحح الْقَرَافِيّ أَنه إِسْحَاق، وَابْن كثير أَنه إِسْمَاعِيل وَزَاد: وَمن قَالَ أَنه إِسْحَاق فَإِنَّهُ تَلقاهُ مِمَّا حرفه النقلَة من بني إِسْرَائِيل، وَذكر الفاكهي أَنه اثْبتْ الْبَيْضَاوِيّ أَنه الْأَظْهر (قَالُوا) أَي الْمُعْتَزلَة (ان كَانَ) أَي الْمَنْسُوخ (وَاجِبا وَقت الرّفْع اجْتمع الْأَمْرَانِ بالنقضين) الْأَمر بِالْفِعْلِ وَالْأَمر بِتَرْكِهِ (فِي وَقت) وَاحِد وتوارد النَّفْي والاثبات على مَحل وَاحِد (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن وَاجِبا وَقت الرّفْع (فَلَا نسخ) لعدم الرّفْع (أُجِيب بِاخْتِيَار الثَّانِي) وَهُوَ أَنه لم يكن وَاجِبا وَقت الرّفْع (وَالْمعْنَى رفع) أَن يُوجب. وَفِي نُسْخَة الشَّارِح رفع (إِيجَابه) أَي الْمَنْسُوخ (حكمه) الثَّابِت لَهُ (عِنْد حُضُور وقته) الْمُقدر لَهُ شرعا (لولاه) أَي النَّاسِخ فَإِن قلت: الْمَنْسُوخ هُوَ عين الحكم الأول فَمَا معنى إِيجَابه الحكم قلت الحكم الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف المتكرر سَببه الْمُؤَقت بِوَقْت قدر لَهُ شرعا لَهُ تعلقات جزئية بِاعْتِبَار تكَرر سَببه وتجدد وقته، فَكلما تجدّد سَبَب لَهُ وَقت يحدث وجوب

مسئلة

جَدِيد، فَالْمُرَاد الحكم الْمَذْكُور فِي قَوْله يُوجب حكمه هَذَا الْحَادِث فَإِنَّهُ يُسمى حكما وَإِن كَانَ فِي الْحَقِيقَة تعلقا من تعلقات الْكَلَام النَّفْسِيّ الأزلي على مَا حقق فِي مَحَله (وَهُوَ) أَي رفع النَّاسِخ حكم الْمَنْسُوخ عِنْد حُضُور وَقت الْمَنْسُوخ الْمُقدر لَهُ (ممنوعكم) أَيهَا الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قُلْتُمْ: تعلق الْوُجُوب بالمستقبل مَانع من نسخه بزعم أَنه يسْتَلْزم توارد النَّفْي وَالْإِثْبَات على مَحل وَاحِد فِي وَقت: وَذَلِكَ لأنكم ظننتم أَن الحكم الأول يُوجب تعلق الْوُجُوب مُنجزا بِالْفِعْلِ فِي وَقت النّسخ وَمَا علمْتُم أَن مرادنا كَونه بِحَيْثُ يُوجِبهُ لَوْلَا النَّاسِخ فَإِن كَونه فِي معرض الْإِيجَاب نوع تعلق يرْتَفع بِسَبَب النَّاسِخ وَالله أعلم. (فَإِن أجزتموه) أَي رفع النَّاسِخ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (وَلم تسموه نسخا فلفظية) أَي فالمنازعة لفظية (وَقد وافقتم) على جَوَاز النّسخ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل (وَأَيْضًا لَو صَحَّ) مَا ذكرْتُمْ من قَوْلكُم إِن كَانَ وَاجِبا وَقت الرّفْع إِلَى آخِره (انْتَفَى النّسخ) مُطلقًا وَلَو بعد التَّمَكُّن بل بعد الْفِعْل لجَرَيَان الترديد الْمَذْكُور فِي جَمِيع الْمَرَاتِب. (ثمَّ استبعد) نقل هَذَا الِاسْتِدْلَال (عَنْهُم) أَي الْمُعْتَزلَة (لذَلِك الرّفْع مِنْهُم) أَي قَوْلهم فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام جَازَ التَّأْخِير لِأَنَّهُ موسع فَإِنَّهُ يُفِيد تعلق الْوُجُوب بِوَقْت الرّفْع، لِأَن حَاصِل ذَلِك الْجَواب تَسْلِيم وجوب الذّبْح، وَتَسْلِيم النّسخ، وَعدم الْعِصْيَان بِالتّرْكِ لكَون الْوُجُوب موسعا وَلَا شكّ أَن الْوُجُوب فِي الموسع بَاقٍ مَا لم يَأْتِ بِالْفِعْلِ فَيلْزم وُقُوع النّسخ فِي وَقت تعلق الْوُجُوب (وللتعارض) من عدم تجويزهم النّسخ قبل التَّمَكُّن للُزُوم اجْتِمَاع الْأَمريْنِ بالنقيضين، وتجويزهم إِيَّاه بعد التَّمَكُّن لما عرفت، من أَن عِلّة التجويز مُشْتَركَة بَين الصُّورَتَيْنِ (يجب نِسْبَة ذَلِك) الَّذِي ذكره الْمُحَقِّقُونَ عَنْهُم إِلَيْهِم لسلامته عَن التَّعَارُض حملا لكَلَام الْعُقَلَاء على مَا لَا يلْزم التَّنَاقُض مَا أمكن. مسئلة قَالَ (الْحَنَفِيَّة والمعتزلة لَا يجوز نسخ حكم فعل لَا يقبل حسنه وقبحه السُّقُوط) الْوَاو بِمَعْنى أَو وَيحْتَمل التَّوْزِيع لِأَن لفعل الَّذِي لَا يجوز نسخ حكمه كل بِاعْتِبَار بعض مَا صدقاته لَا يقبل حسنه السُّقُوط، وَبِاعْتِبَار بَعْضهَا لَا يقبل قبحه السُّقُوط أَو يقدر السُّقُوط قبل الْوَاو وَلَا يجوز تَأْخِيره بعْدهَا (كوجوب الْإِيمَان وَحُرْمَة الْكفْر) لِأَنَّهُ لَا يرْتَفع شَيْء مِنْهُمَا لقِيَام دَلِيله وَهُوَ الْعقل (وَالشَّافِعِيَّة يجوز) وَالْإِجْمَاع على عدم الْوُقُوع (وَهِي) أَي هَذِه المسئلة (فرع التحسين والتقبيح) العقليين. قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّة والمعتزلة، وَلم يقل بِهِ الأشاعرة من الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم فَقَالُوا

بِجَوَاز نسخهما عقلا. وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي فصل الْحَاكِم (وَلَا) يجوز نسخ حكم (نَحْو الصَّوْم عَلَيْكُم وَاجِب مستمرا أبدا اتِّفَاقًا) فَعِنْدَ غير الْحَنَفِيَّة (للنصوصية) على تأبيد الحكم (وَعند الْحَنَفِيَّة لذَلِك) أَي للنصوصية (على رَأْي) فِي النَّص وَهُوَ اللَّفْظ المسوق للمراد الظَّاهِر مِنْهُ (وعَلى) رَأْي (آخر) فِيهِ وَهُوَ مَا ذكر مَعَ قيد آخر وَهُوَ أَن لَا يكون مدلولا وضعيا كالتفرقة بَين البيع والربا فِي الْحل وَالْحُرْمَة فِي أحل الله البيع وَحرم الرِّبَا (للتَّأْكِيد) فَإِن الْأَبَد هُوَ الِاسْتِمْرَار الدَّائِم فَهُوَ وَإِن سيق لَهُ لكنه مَدْلُول وضعي (على مَا سلف من تَحْقِيق الِاصْطِلَاح) فِي التَّقْسِيم الثَّانِي للدلالة (وَاخْتلف فِي) حكم (ذِي مُجَرّد تأبيد قيدا للْحكم) كيجب عَلَيْكُم أبدا صَوْم رَمَضَان (لَا الْفِعْل كصوموا أبدا) فَإِن أبدا هَهُنَا ظرف للصَّوْم لَا لإيجابه عَلَيْهِم، لِأَن الْفِعْل يعْمل بمادته لَا بهيئته، وَدلَالَة الْأَمر على الْوُجُوب بالهيئة لَا بالمادة، وَفِيه مَا فِيهِ (أَو) فِي حكم ذِي مُجَرّد (تأقيت قبل مضيه) أَي مُضِيّ ذَلِك الْوَقْت (كحرمته عَاما) حَال كَونه حرمته (إنْشَاء فالجمهور وَمِنْهُم طَائِفَة من الْحَنَفِيَّة يجوز) نسخه (وَطَائِفَة كَالْقَاضِي أبي زيد وَأبي مَنْصُور وفخر الْإِسْلَام والسرخسي) والجصاص (يمْتَنع) نسخه (للُزُوم الْكَذِب) فِي الأول لِأَن الحكم الأول يدل على أَن الصَّوْم مَطْلُوب دَائِما والنسخ يدل على خِلَافه (أَو البداء) على الله تَعَالَى فِي الثَّانِي لِأَن النّسخ فِيهِ يدل على حُدُوث (وَهُوَ) أَي اللُّزُوم الْمَذْكُور (الْمَانِع) من النّسخ (فِي الْمُتَّفق) على عدم جَوَاز نسخه كَقَوْلِه الصَّوْم عَلَيْكُم وَاجِب مُسْتَمر أبدا (قَالُوا) أَي المجوزون للنسخ فِي الأول: أَن أبدا (ظَاهر فِي عُمُوم الْأَوْقَات) المستقلة (فَجَاز تَخْصِيصه) بِوَقْت فِيهَا دون وَقت كَمَا يجوز تَخْصِيص عُمُوم سَائِر الظَّوَاهِر، إِذْ التَّخْصِيص فِي الْأَزْمَان كالتخصيص فِي الْأَعْيَان (قُلْنَا نعم) يجوز تَخْصِيصه (إِذا اقْترن) الْمَخْصُوص (بدليله) أَي التَّخْصِيص (فَيحكم حِينَئِذٍ) أَي حِين اقترانه بِدَلِيل التَّخْصِيص (بِأَنَّهُ) أَي التَّأْبِيد (مُبَالغَة) أُرِيد بِهِ الزَّمن الطَّوِيل مجَازًا (أما مَعَ عَدمه) أَي دَلِيل التَّخْصِيص (وَهُوَ) أَي عَدمه (الثَّابِت) فِيمَا نَحن فِيهِ (فَذَلِك اللَّازِم) أَي فلزوم الْكَذِب هُوَ اللَّازِم لإِرَادَة التَّخْصِيص فِيمَا نَحن فِيهِ (وَحَاصِله) أَي هَذَا الْجَواب (حِينَئِذٍ يرجع إِلَى اشْتِرَاط الْمُقَارنَة فِي دَلِيل التَّخْصِيص) للعام الْمَخْصُوص (وَتقدم) فِي بحث التَّخْصِيص (وَالْحق أَن لُزُوم الْكَذِب) إِنَّمَا هُوَ (فِي) نسخ (الْأَخْبَار) الَّتِي لَا يتَغَيَّر مَعْنَاهَا كوجود الصَّانِع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (كماض) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الْجِهَاد مَاض (إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَلِذَا) أَي لُزُوم الْكَذِب (اتّفق عَلَيْهِ) أَي على عدم جَوَاز النّسخ فِي الْأَخْبَار الْمَذْكُورَة (الْحَنَفِيَّة، وَالْخلاف) إِنَّمَا هُوَ (فِي غَيره) أَي غير نسخ الْأَخْبَار الْمَذْكُورَة (مِمَّا يتَغَيَّر مَعْنَاهُ كفر زيد بِخِلَاف حُدُوث الْعَالم) وَنَحْوه مِمَّا لَا يتبدل قطعا

فَإِن الْإِجْمَاع على أَنه لَا يجوز نسخه فِي الشَّرْح العضدي إِن كَانَ مَدْلُول الْخَبَر مِمَّا لَا يتَغَيَّر كوجود الصَّانِع وحدوث الْعَالم فَلَا يجوز نسخه اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ مِمَّا يتَغَيَّر كَإِيمَانِ زيد وكفره فقد اخْتلف فِيهِ، وَالْمُخْتَار أَنه مثل مَا لَا يتَغَيَّر مَدْلُوله وَعَلِيهِ الشَّافِعِي وَأَبُو هَاشم خلافًا لبَعض الْمُعْتَزلَة انْتهى، ثمَّ لما بَين مَحل الْخلاف بقوله فِي ذِي مُجَرّد إِلَى آخِره، وَذكر اخْتِلَاف الْحَنَفِيَّة فِيهِ وَدَلِيل المجوزين للنسخ من الظُّهُور فِي عُمُوم الْأَوْقَات وَجَوَاز التَّخْصِيص وَجَوَاب المانعين من عدم اقتران الْمُخَصّص أَرَادَ أَن يذكر مَا هُوَ المرضى عِنْده فَقَالَ (ولازم تراخي الْمُخَصّص) فِي مَحل اتّفق الْحَنَفِيَّة على عدم جَوَازه (من التَّعْرِيض على الْوُقُوع) أَي وُقُوع الْمُكَلف بِمَا ترَاخى عَنهُ مخصوصه (فِي غير الْمَشْرُوع) بإتيانه بِمَا سيخرجه الْمُخَصّص (غير لَازم هُنَا) أَي فِيمَا نَحن فِيهِ من مَحل الْخلاف الْمَذْكُور لِأَن الْمُخَصّص إِنَّمَا هُوَ النَّاسِخ وَقبل ظُهُوره يعْمل بالحكم الأول إِذْ الْمَشْرُوع حِينَئِذٍ (بل غَايَته) أَي غَايَة مَا يلْزمه عدم الاقتران هُنَا (اعْتِقَاد أَنه) أَي الحكم الأول (لَا يرفع) لما يَقْتَضِيهِ ظَاهر التَّأْبِيد فِي نَحْو صُومُوا أبدا والتوقيت فِي مثل حرمته عَلَيْكُم عَاما (وَهُوَ) أَي الِاعْتِقَاد الْمَذْكُور (غير ضائر) وَإِذا علم أَن اللَّازِم الَّذِي كَانَ مَحْظُور التَّرَاخِي من جِهَة مُنْتَفٍ فِيمَا نَحن فِيهِ (فَالْوَجْه) فِيهِ (الْجَوَاز) أَي جَوَاز النّسخ (كصم غَدا ثمَّ نسخ قبله) أَي الْغَد (فَإِنَّهُ) أَي جَوَاز نسخه (اتِّفَاق) وَجه الشّبَه اشتراكهما فِي تعلق وجوب الْفِعْل بِزَمَان مُسْتَقْبل ثمَّ نسخه قبل انْقِضَاء ذَلِك الزَّمَان (وَمَا قيل) على مَا فِي الشَّرْح العضدي من أَنه (لَا مُنَافَاة بَين إِيجَاب فعل مُقَيّد بالأبد وَعدم أبدية التَّكْلِيف) بذلك إِذْ الْمَوْصُوف بالأبدية إِنَّمَا هُوَ نفس الْفِعْل وبعدمها الْإِيجَاب الْمُتَعَلّق بهَا، فَمحل الْإِثْبَات غير مَحل النَّفْي وَحَاصِله أَن الطَّالِب يطْلب فِي بعض الْأَوْقَات أمرا دَائِما ثمَّ يطْلب فِي وَقت آخر ترك ذَلِك الْأَمر (بعد مَا قرر فِي) تَقْرِير (النزاع من أَنه) أَي النزاع مَبْنِيّ (على) تَقْدِير (جعله) أَي التَّأْبِيد (قيدا للْحكم مَعْنَاهُ) أَي معنى مَا قيل (بالنسخ يظْهر خِلَافه) أَي فِي كل مَحل جعل التَّأْبِيد قيدا للْحكم يظْهر بعد النّسخ أَنه لَيْسَ بِقَيْد لَهُ بل هُوَ قيد للْفِعْل، إِذْ لَا مُنَافَاة بَين النّسخ وَبَينه بِخِلَاف الأول فان النّسخ يُنَافِيهِ وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا التَّوْجِيه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالْوَجْه حِينَئِذٍ) أَي حِين يقْصد الْجَواب بِعَدَمِ الْمُنَافَاة (أَن لَا يَجْعَل النزاع على ذَلِك التَّقْدِير، بل) يَجْعَل (هُوَ مَا) أَي تَصْوِير (هُوَ ظَاهر فِي تَقْيِيد الحكم) لَا نَص فمانع النّسخ ينظر إِلَى ظَاهره، والمجيب يحملهُ على خلاف الظَّاهِر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن تَصْوِير مَحل النزاع على هَذَا المنوال (فَالْجَوَاب) بِلَا مُنَافَاة الخ (على خلاف الْمَفْرُوض) وَهُوَ كَون التَّأْبِيد قيدا للْحكم قطعا (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ التَّأْبِيد قيدا للْفِعْل

مسئلة

لَا الحكم (فقد لَا يخْتَلف فِي الْجَوَاز) أَي جَوَاز النّسخ. مسئلة قَالَ (الْجُمْهُور لَا يجْرِي) النّسخ (فِي الْأَخْبَار) مَاضِيَة كَانَت أَو مُسْتَقْبلَة (لِأَنَّهُ) أَي النّسخ فِيهَا (الْكَذِب) أَي يستلزمه (وَقيل نعم) يجْرِي فِيهَا مُطلقًا مَاضِيَة كَانَت أَو مُسْتَقْبلَة وَعدا أَو وعيدا إِذا كَانَ مدلولها مِمَّا يتَغَيَّر، وَعَلِيهِ الإِمَام الرَّازِيّ والآمدي لقَوْله تَعَالَى ({يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت. أَن لَك أَلا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى}). وَقد قَالَ تَعَالَى - {فبدت لَهما سوآتهما} - (وعَلى قَوْلهم) أَي المجوزين لنسخ الْأَخْبَار (يجب إِسْقَاط) قيد (شَرْعِي من التَّعْرِيف) إِذْ لَا يصدق على نسخ الْخَبَر رفع تعلق مُطلق الحكم الشَّرْعِيّ (وَالْجَوَاب) لمانعي نسخه عَن الْآيَتَيْنِ أَن معنى يمحوا الله مَا يَشَاء (ينْسَخ بِمَا يستصوبه) ويتركه غير مَنْسُوخ. قَالَ الشَّارِح وَالْوَجْه حذف الْبَاء كَمَا فِي الْكَشَّاف ينْسَخ مَا يستصوب نسخه، وَيثبت بدله مَا تَقْتَضِي حكمته إثْبَاته انْتهى. وَالْمُصَنّف لم يذكر الْمَنْسُوخ، وَذكر مَا ينْسَخ بِهِ اختصارا مَعَ أَنه يفهم ضمنا، لِأَن فِي استصواب مَا ينْسَخ بِهِ إِشَارَة إِلَيْهِ، وَهُوَ توهم أَن المُصَنّف أَدخل الْبَاء على الْمَنْسُوخ وَحَاصِل الْجَواب أَن قَوْله مَا يَشَاء لَا يحمل على الْعُمُوم لتندرج تَحْتَهُ الْأَخْبَار على أَنه لَو حمل عَلَيْهَا أبدا لَا يلْزم نسخهَا لجَوَاز أَن لَا يتَعَلَّق بنسخها الْمُشبه (أَو) يمحو (من ديوَان الْحفظَة). قَالَ الشَّارِح مَا لَيْسَ بحسنة وَلَا بسيئة، لأَنهم مأمورون بكتبة كل قَول وَفعل (و) يثبت (غَيره) انْتهى كَأَنَّهُ حمله على هَذَا التَّخْصِيص قَوْله تَعَالَى - {مَا لهَذَا الْكتاب لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أحصاها} -. وَفِيه نظر لجَوَاز أَن يكون ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعْض لَا الْكل وَغَيره من الْأَقْوَال نَحْو: يمحو سيئات التائب وَيثبت الْحَسَنَات مَكَانهَا، أَو يمحو قرنا وَيثبت آخر إِلَى غير ذَلِك. وَقَوله أَن لَك أَلا تجوع فِيهَا (وَلَا تعرى من الْقَيْد وَالْإِطْلَاق) يَعْنِي مُطلق صُورَة وتقيد حَقِيقَة بِشَرْط عدم الْمُخَالفَة لِلْأَمْرِ (لَا) من (النّسخ وَأما نسخ إِيجَاب الْأَخْبَار) عَن شَيْء (بالأخبار) أَي بِإِيجَاب الْأَخْبَار (عَن نقيضه) فالمأمور بِهِ حِينَئِذٍ أَن يخبر الْمُكَلف عَن شَيْء ثمَّ عَن نقيضه (فَمَنعه الْمُعْتَزلَة لاستلزامه) أَي هَذَا النّسخ (الْقَبِيح كذب أَحدهمَا) أَي النَّاسِخ والمنسوخ (بِنَاء على حكم الْعقل) بالتحسين والتقبيح (وَيجب) أَن يعْتَبر (للحنفية مثله) أَي الْمَنْع لما ذكر من الاستلزام لقَولهم بِاعْتِبَار الْعقل بالتحسين والتقبيح (إِلَّا أَن تغير الأول إِلَيْهِ). قَالَ الشَّارِح عَن ذَلِك الْوَصْف الَّذِي وَقع الْإِخْبَار بِهِ أَولا إِلَى الْوَصْف الَّذِي يُكَلف بالإخبار عَنهُ ثَانِيًا لانْتِفَاء الْمَانِع حِينَئِذٍ انْتهى. وَلم يبين أَن الْخَبَر الأول كَيفَ يتَغَيَّر وَصفه الَّذِي بِهِ حسن الْأَمر بالإخبار بِهِ إِلَى

مسئلة

الْوَصْف الَّذِي كلف بالإخبار ثَانِيًا، وَهل ينْتَقل وصف أحد النقيضين إِلَى الآخر فَالْوَجْه أَن يُقَال إِذا كَانَ مَضْمُون الْخَبَر مِمَّا يتَغَيَّر ويتبدل ككفر زيد، فَفِي زمَان اتصافه بالْكفْر يحسن أَن يُؤمر بِأَن يَقُول زيد لَيْسَ بِكَافِر (وَكَذَا الْمُعْتَزلَة) يَنْبَغِي أَن يكون قَوْلهم على هَذَا التَّفْصِيل. مسئلة (قيل) وقائله بعض الْمُعْتَزلَة والظاهرية (لَا ينْسَخ) الحكم (بِلَا بدل) عَنهُ (فَإِن أُرِيد) بِالْبَدَلِ بدل مَا (وَلَو) كَانَ ثُبُوته (بِإِبَاحَة أَصْلِيَّة فاتفاق) كَونه لَا يجوز بِلَا بدل لِأَنَّهُ تَعَالَى لم يتْرك عباده هملا فِي وَقت من الْأَوْقَات، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الرسَالَة: وَلَيْسَ ينْسَخ فرض أبدا إِلَّا أثبت مَكَانَهُ فرض كَمَا نسخت قبْلَة بَيت الْمُقَدّس، فَأثْبت مَكَانهَا الْكَعْبَة انْتهى. وَقَالَ الصَّيْرَفِي فِي شرحها أَنه ينْقل من حظر إِلَى إِبَاحَة وَمن إِبَاحَة إِلَى حظر أَو تَخْيِير على حسب أَحْوَال الْفُرُوض قَالَ: وَمثل ذَلِك الْمُنَاجَاة كَأَن يُنَاجِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَا تَقْدِيم صَدَقَة، ثمَّ فرض الله تَقْدِيم الصَّدَقَة، ثمَّ أَزَال ذَلِك فردهم إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ. قَالَ فَهَذَا معنى قَول الشَّافِعِي فرض مَكَان فرض فتفهمه انْتهى. (أَو) أُرِيد بِالْبَدَلِ بدل (مفَاد بِدَلِيل النّسخ فَالْحق نَفْيه) أَي نفي هَذَا السَّلب الْكُلِّي أَعنِي لَا نسخ بِلَا بدل (لِأَنَّهُ) أَي السَّلب الْمَذْكُور قَول (بِلَا مُوجب وَالْوَاقِع خِلَافه كنسخ حُرْمَة الْمُبَاشرَة) للنِّسَاء (بعد الْفطر) فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَغَيره عَن الْبَراء بن عَازِب كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ الرجل صَائِما فَحَضَرَ الْإِفْطَار فَنَامَ قبل أَن يفْطر لم يَأْكُل ليلته وَلَا يَوْمه حَتَّى يُمْسِي، وَفِي سنَن أبي دَاوُد وَغَيرهَا عَن ابْن عَبَّاس، وَكَانَ النَّاس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلوا الْعَتَمَة حرم عَلَيْهِم الطَّعَام وَالشرَاب، وَالنِّسَاء وصاموا إِلَى الْقَابِلَة، وَالْمَشْهُور فِي رِوَايَة ابْن عبد الْبر، أَو الْمَقْطُوع فِي رِوَايَات الْبَراء أَن ذَلِك كَانَ مُقَيّدا بِالنَّوْمِ، ويترجح بِقُوَّة سَنَده (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَي من النَّاسِخ لحكم بِغَيْر بدل (نَاسخ ادخار لُحُوم الْأَضَاحِي) فَوق ثَلَاث لِأَنَّهُ مقرون بِبَدَل: حَيْثُ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها ونهيتكم عَن لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاث فأمسكوا مَا بدا لكم " رَوَاهُ مُسلم فَهَذِهِ إِبَاحَة شَرْعِيَّة هِيَ بدل مفَاد بِدَلِيل النّسخ، وَفِي هَذَا تَعْرِيض بِابْن الْحَاجِب فِي تمثيله لوُقُوع النّسخ بِلَا بدل (وَجَاز أَن لَا يتَعَرَّض الدَّلِيل) النَّاسِخ (لغير الرّفْع) لتَعلق حكم الْمَنْسُوخ (أَو) أُرِيد بقوله بِلَا بدل (بِلَا ثُبُوت حكم شَرْعِي) لذَلِك الْفِعْل (وَإِن لم يكن) ذَلِك الحكم ثَابتا (بِهِ) أَي بِدَلِيل النّسخ (فَكَذَلِك) أَي الْحق نَفْيه (لذَلِك) أَي لكَونه بِلَا مُوجب إِلَى آخِره (وَتَكون) الصّفة (الثَّابِتَة) للْفِعْل (الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة) فَإِنَّهَا لَيست بِحكم شَرْعِي على الْمُخْتَار، و (لَكِن لَيْسَ مِنْهُ) أَي من النّسخ بِلَا ثُبُوت حكم شَرْعِي (نسخ تَقْدِيم الصَّدَقَة)

عِنْد إِرَادَة مُنَاجَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لثُبُوت الحكم الشَّرْعِيّ) وَهُوَ ندبية الصَّدَقَة (بِالْعَام النادب للصدقة) فِي الْكتاب وَالسّنة وَنسخ حُرْمَة الْمُبَاشرَة من الشق الثَّالِث الثَّابِت فِيهِ بدل الْمَنْسُوخ بِدَلِيل غير دَلِيل النّسخ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {أحل لكم} - الْآيَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بِثُبُوت إِبَاحَة الْمُبَاشرَة يباشروهن) فِي قَوْله - {فَالْآن باشروهن} - وَقَوله بِثُبُوت مُتَعَلق بمقدر نَحْو إِنَّمَا قُلْنَا بِأَن بدل حُرْمَة الْمُبَاشرَة ثَبت بِغَيْر دَلِيل النّسخ، وَكَانَ مَحَله عِنْد قَوْله كنسخ حُرْمَة الْمُبَاشرَة ليبين بِهِ قَوْله وَالْوَاقِع بِخِلَافِهِ لَكِن أَخّرهُ لكَونه مِثَالا للشق الثَّالِث، وَلِأَنَّهُ ذكر فِي الشَّرْح العضدي مَعَ نسخ تَقْدِيم الصَّدَقَة مثالين للنسخ بِلَا بدل فقصد الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا فيهمَا تبعا. (قَالُوا) أَي مانعو النّسخ بِلَا بدل قَالَ تَعَالَى (مَا ننسخ الْآيَة) أَي - من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا - فَفِي كل نسخ لَا بُد من الْإِتْيَان بِأحد الْأَمريْنِ، وَلَا يَعْنِي بِالْبَدَلِ إِلَّا هَذَا، وَفِي الشَّرْح العضدي: وَلَا يتَصَوَّر كَونه خيرا أَو مثلا إِلَّا فِي بدل (أُجِيب بالخيرية لفظا) أَي من حَيْثُ اللَّفْظ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي تَجْدِيد حكم آخر، وَهَذَا الْجَواب مَبْنِيّ (على إِرَادَة نسخ التِّلَاوَة لِأَنَّهُ) أَي كَون المُرَاد هَذَا هُوَ (الظَّاهِر) وَذَلِكَ لِأَن الْآيَة اسْم للنظم الْخَاص، فَالظَّاهِر أَن الْخَيْرِيَّة بِاعْتِبَار مَا يرجع إِلَى اللَّفْظ (وَأما ادِّعَاء أَن مِنْهُ) أَي من الْإِتْيَان بِخَير من حَيْثُ الحكم (على) تَقْدِير (التنزل) وَتَسْلِيم أَن الْخَيْرِيَّة بِاعْتِبَار الحكم، وَالْجَار مُتَعَلق بالادعاء، وَاسم أَن قَوْله (ترك الْبَدَل). فِي الشَّرْح العضدي سلمنَا أَن المُرَاد نأتي بِحكم خير مِنْهَا، لكنه عَام يقبل التَّخْصِيص، فَلَعَلَّهُ خصص بِمَا نسخ لَا إِلَى بدل، سلمناه لَكِن إِذا أَتَى بنسخه من غير بدل وَهُوَ حكم فَلَعَلَّهُ خير للمكلف لمصْلحَة يعلمهَا الله تَعَالَى انْتهى. فَجعل ترك الْبَدَل حكما، فَقَالَ المُصَنّف (فَلَيْسَ) أَي لَيْسَ هَذَا الْجَواب فِي مَحل النزاع (إِذْ لَيْسَ) ترك الْبَدَل (حكما شَرْعِيًّا) وَهُوَ المنازع فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَصرح أَن الْخلاف فِيهِ) أَي فِي الحكم الشَّرْعِيّ، وَقد يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون هَذَا سندا آخر. يمْنَع استلزام الْآيَة مدعاهم، وَهُوَ لُزُوم حكم آخر شَرْعِي فِي كل نسخ. وَحَاصِله أَن الْخَيْرِيَّة لَيْسَ بِاعْتِبَار النّظم بل بِاعْتِبَار الحكم الشَّرْعِيّ خَاصَّة، فَلَا يلْزم الْخُرُوج من مَحل النزاع فَتَأمل (وتجويز التَّخْصِيص) لعُمُوم - نأت بِخَير مِنْهَا - الْمشَار إِلَيْهِ فِي الشَّرْح الْمَذْكُور على مَا مر آنِفا (لَا يُوجب وُقُوعه) أَي التَّخْصِيص، فَإِذا لم يثبت الْوُقُوع لَا يضر الْخصم لأَنهم لَا يمْنَعُونَ جَوَاز النّسخ بِلَا بدل عقلا كَمَا سيشير إِلَيْهِ (والتنزل) كَمَا فعله ابْن الْحَاجِب (إِلَى أَنَّهَا) أَي الْآيَة (لَا تفِيد نفي الْوُقُوع) أَي وُقُوع النّسخ بِلَا بدل (وَالْخلاف) إِنَّمَا هُوَ (فِي الْجَوَاز تَسْلِيم لَهُم) أَي للنافين للنسخ بِلَا بدل، لِأَن مَعْنَاهُ سلمنَا أَن الْآيَة تدل على نفي الْوُقُوع لَكِن نزاعنا مَعكُمْ فِي الْجَوَاز، لأَنهم إِذا قَالُوا لَا نزاع لنا فِي الْجَواب عقلا لَا يَنْبَغِي مَعَهم نزاع

مسئلة

وَقد سلمتم مَا هُوَ مطلوبهم، وَهُوَ نفي الْوُقُوع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَن الظَّاهِر إرادتهم) أَي النافين (نَفْيه) أَي جَوَاز النّسخ بِلَا بدل (سمعا). وَحَاصِله نفي الْوُقُوع (لَا عقلا) وَإِنَّمَا عرفنَا ذَلِك (باستدلالهم) بِالْآيَةِ، فَإِنَّهَا لَا تكون على نفي الْوُقُوع وَمَا ثمَّة تَصْرِيح مِنْهُم بِأَن مُرَادهم نفي الْجَوَاز وَالله أعلم. مسئلة وَاتَّفَقُوا على جَوَاز النّسخ بالأخف والمساوى كالمباشرة والتوجه إِلَى الْكَعْبَة، وَهل يجوز بالأثقل. قَالَ (الْجُمْهُور يجوز بأثقل، ونفاه) أَي الْجَوَاز بِهِ (شذوذ) بَعضهم عقلا، وَبَعْضهمْ سمعا (لنا أَن اعْتبرت الْمصَالح) فِي التَّكْلِيف (وجوبا) كَمَا هُوَ رَأْي الْمُعْتَزلَة (أَو تفضلا) كَمَا هُوَ رَأْي غَيرهم (فلعلها) أَي الْمصلحَة للمكلف (فِيهِ) أَي فِي النّسخ بأثقل كَمَا يَنْقُلهُ من الصِّحَّة إِلَى السقم، وَمن الشَّبَاب إِلَى الْهَرم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِيهِ كَمَا يُومِئ إِلَيْهِ - يحكم مَا يَشَاء - وَيفْعل مَا يُرِيد. (فأظهر) أَي فالجواز أظهر (وَيلْزم) من عدم جَوَاز الأثقل لكَونه أثقل (نفي ابْتِدَاء التَّكْلِيف) فَإِنَّهُ نقل من سَعَة الْإِبَاحَة إِلَى مشقة التَّكْلِيف. قَالَ القَاضِي وَلَا جَوَاب لَهُم عَن ذَلِك (وَوَقع) النّسخ بِالْأَكْثَرِ (بِتَعْيِين الصَّوْم) أَي صَوْم رَمَضَان (بعد التَّخْيِير بَينه) أَي الصَّوْم (وَبَين الْفِدْيَة) عَن كل يَوْم بإطعام مِسْكين نصف صَاع بر أَو صَاع تمر أَو شعير عندنَا، ومدبر أَو غَيره من قوت الْبَلَد عِنْد الشَّافِعِيَّة، أَو مُدبر أَو مدى تمر أَو شعير عِنْد أَحْمد، فَإِن التَّعْيِين أثقل من التَّخْيِير. عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع لما نزلت - {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} - كَانَ من أَرَادَ أَن يفْطر يفتدي حَتَّى نزلت الْآيَة بعْدهَا، فنسختها. وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ نزل رَمَضَان، فشق عَلَيْهِم، من أطْعم كل يَوْم مِسْكينا ترك الصّيام مِمَّن يطيقُونَهُ، وَرخّص لَهُم ذَلِك، فنسختها - {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} - فَأمروا بالصيام لَكِن يعارضها مَا فِي الصَّحِيح أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس لَيست مَنْسُوخَة، وَهِي للشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْأَة الْكَبِيرَة لَا يستطيعان أَن يصوما، فيطعمان مَكَان كل يَوْم مِسْكينا. هَذَا، وَاخْتَارَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة مَا عَن ابْن عَبَّاس، لِأَن مثله لَا يُقَال بِالرَّأْيِ لكَونه مُخَالفا لظَاهِر الْقُرْآن، وَيحْتَاج إِلَى تَقْدِير حرف النَّفْي كَمَا فِي تالله تفتؤ - {يبين الله لكم أَن تضلوا} - فَهُوَ فِي حكم الْمَرْفُوع، ولكونه أفقه، وَفِي قِرَاءَة حَفْصَة - {وعَلى الَّذين لَا يطيقُونَهُ} - (وَالْوَجْه أَنه) قَالَ الشَّارِح: أَي الْوُجُوب الَّذِي هُوَ الحكم الأول، وَالْوَجْه أَن تعْيين الصَّوْم بعد التَّخْيِير كَمَا لَا يخفى (لَيْسَ بنسخ أصلا) قَالَ الشَّارِح أَي بمنسوخ بِنَاء على التَّفْسِير الأول (على وزان مَا تقدم فِي فدَاء إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام)

مسئلة

من أَن الْإِبْدَال يَقْتَضِي بَقَاء وجوب الْمُبدل مِنْهُ. قَالَ الشَّارِح الَّذِي يظْهر لي أَن يَقُول على ضد وزان مَا تقدم فِي فدَاء الذَّبِيح، لِأَن الْوُجُوب هُنَا صَار بِحَيْثُ لَا يسْقط عَنهُ مُتَعَلّقه مَعَ قدرته على مُتَعَلّقه بعد أَن كَانَ بِحَيْثُ يسْقط بِكُل مِنْهُمَا مَعَ قدرته عَلَيْهِمَا وثمة صَار الْوُجُوب يسْقط عَنهُ بِبَدَل مُتَعَلّقه قطعا بِحَيْثُ لَا يجوز لَهُ الْعُدُول إِلَى مُتَعَلّقه، وَإِن كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ انْتهى، وَالَّذِي يظْهر أَن مُرَاد المُصَنّف التَّشْبِيه بِاعْتِبَار عدم منسوخية أصل الْوُجُوب، لما ذكر من قصَّة الْإِبْدَال، وَلَا يُنَافِي هَذَا منسوخية كَيْفيَّة الْوُجُوب من التَّخْيِير إِلَى التَّعْيِين (ورجم الزواني) المحصنة (وجلدهن) إِن كن غير محصنات (بعد الْحَبْس فِي الْبيُوت) عَن ابْن عَبَّاس كَانَت الْمَرْأَة إِذا زنت حبست فِي الْبَيْت حَتَّى تَمُوت إِلَى أَن نزلت - {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} - قَالَ فَإِن كَانَا محصنين رجما بِالنِّسْبَةِ فَهُوَ سبيلهن الَّذِي جعل الله، وَلَا يضر مَا فِيهِ لتضافر الرِّوَايَات الصَّحِيحَة بِهَذَا الْمَعْنى وانعقاد الْإِجْمَاع عَلَيْهِ، وَالرَّجم أثقل من الْحَبْس. (قَالُوا) أَي الشذوذ. قَالَ الله تَعَالَى ({يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم}) والنسخ إِلَى الأثقل لَيْسَ بتَخْفِيف فَلَا يُريدهُ الله تَعَالَى (أُجِيب بِأَن سياقها) أَي الْآيَة تدل على إِرَادَة التَّخْفِيف (فِي الْمَآل) أَي الْمعَاد (وَفِيه) أَي فِي الْمَآل (يكون) التَّخْفِيف (بالأثقل فِي الْحَال، وَسلم) الْعُمُوم فِي الْحَال والمآل (كَانَ) الْعُمُوم (مَخْصُوصًا بالوقوع) أَي بِقَرِينَة وُقُوع أَنْوَاع التكاليف الثَّقِيلَة المبتدأة وأنواع الِابْتِلَاء فِي الْأَبدَان وَالْأَمْوَال بالِاتِّفَاقِ (وَهُوَ) أَي هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِنَاء على مَا نفيناه) فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة من أَن النزاع لَيْسَ فِي الْجَوَاز الْعقلِيّ بل فِي (الْجَوَاز السمعي الَّذِي مآله النزاع فِي الْوُقُوع قَالُوا) ثَانِيًا. قَالَ تَعَالَى ({مَا ننسخ الْآيَة}) فَيجب الأخف لِأَنَّهُ الْخَيْر أَو المساوى والأشق لَيْسَ بِخَير وَلَا مثل (أُجِيب بخيرية الأثقل عَاقِبَة) لكَونه أَكثر ثَوابًا. قَالَ تَعَالَى - {لَا يصيبهم ظمأ وَلَا نصب} - الْآيَة (أَو مَا تقدم) من أَن المُرَاد الْخَيْرِيَّة لفظا مسئلة (يجوز نسخ الْقُرْآن بِهِ) أَي بِالْقُرْآنِ (كآية عدَّة الْحول بِآيَة الْأَشْهر) قَالَ الْبَيْضَاوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى - {مَتَاعا لكم إِلَى الْحول} - غير إِخْرَاج كَانَ ذَلِك أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ الْمدَّة بقوله تَعَالَى - {أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} - (والمسالمة) أَي ولنسخ آيَات المسالمة للْكفَّار كَقَوْلِه - {فَاعْفُ عَنْهُم وَاصْفَحْ} - (بِالْقِتَالِ) أَي بآياته كَقَوْلِه تَعَالَى - {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة} - (وَالْخَبَر الْمُتَوَاتر بِمثلِهِ) أَي بالْخبر الْمُتَوَاتر (و) خبر (الْآحَاد بِمثلِهِ) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور أَلا فزورها، وَعَن لُحُوم الْأَضَاحِي أَن تمسكوا فَوق ثَلَاثَة أَيَّام: فأمسكوا مَا بدا لكم الخ)

ونهيتكم عَن شرب النَّبِيذ إِلَّا فِي سقاء فَاشْرَبُوا فِي الأوعية، وَلَا تشْربُوا مُسكرا (فبالمتواتر) أَي فجواز نسخ الْآحَاد بالمتواتر (أولى) من جَوَاز نسخهَا بالآحاد لِأَنَّهُ أقوى (وَأما قلبه) وَهُوَ نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد (فَمَنعه الْجُمْهُور كل مانعي تَخْصِيص الْمُتَوَاتر بالآحاد، وَأكْثر مجيزيه) أَي تَخْصِيص الْمُتَوَاتر بالآحاد حَال كَون الْأَكْثَر (فارقين بِأَن التَّخْصِيص جمع لَهما) أَي الْمُتَوَاتر والآحاد (والنسخ إبِْطَال أَحدهمَا) الَّذِي هُوَ الْمُتَوَاتر بالآحاد (وَأَجَازَهُ) أَي نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد (بَعضهم) أَي بعض المجيزين لتخصيص الْمُتَوَاتر بالآحاد لتأخير الْآحَاد (لنا لَا يقاومه) أَي الْمُتَوَاتر لِأَنَّهُ قَطْعِيّ وَخبر الْآحَاد ظَنِّي (فَلَا يُبطلهُ) أَي خبر الْآحَاد الْمُتَوَاتر لِأَن الشَّيْء لَا يبطل أقوى مِنْهُ (قَالُوا) أَي المجيزون (وَقع) نسخ الْمُتَوَاتر بِخَبَر الْآحَاد (إِذْ ثَبت التَّوَجُّه) لأهل مَسْجِد قبَاء (إِلَى الْبَيْت بعد الْقطعِي) الْمُفِيد لتوجههم إِلَى بَيت الْمُقَدّس مَا يزِيد على عَام على خلاف مِقْدَاره (الْآتِي لأهل) مَسْجِد (قبَاء) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَلم يُنكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِذْ لَو أنكر لنقل، وَيشْهد لَهُ مَا أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن تويلة بنت مُسلم قَالَت صلينَا الظّهْر وَالْعصر فِي مَسْجِد بني حَارِثَة واستقبلنا مَسْجِد إيلياء فصلينا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ جَاءَنَا من يحدثنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اسْتقْبل الْبَيْت الْحَرَام فتحول النِّسَاء مَكَان الرِّجَال وَالرِّجَال مَكَان النِّسَاء فصلينا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَنحن مستقبلون الْبَيْت الْحَرَام فَحَدثني رجل من بني حَارِثَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أُولَئِكَ رجال آمنُوا بِالْغَيْبِ. (وَبِأَنَّهُ) أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَانَ يبْعَث الْآحَاد للتبليغ) للْأَحْكَام مُطلقًا أَي مُبتَدأَة كَانَت أَو ناسخة لَا يفرق بَينهمَا، والمبعوث إِلَيْهِم متعبدون بِتِلْكَ الْأَحْكَام وَرُبمَا كَانَ فِي الْأَحْكَام مَا ينْسَخ متواترا إِذا لم ينْقل الْفرق بَين مَا نسخ متواترا وَغَيره (وَقل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ الْآيَة) نسخ مِنْهَا حل ذِي الناب (بِتَحْرِيم كل ذِي نَاب) من السبَاع بِخَبَر الْوَاحِد كَمَا فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره مَرْفُوعا " كل ذِي نَاب من السبَاع حرَام " و (أُجِيب بِجَوَاز اقتران خبر الْوَاحِد بِمَا يُفِيد الْقطع، وَجعله) أَي المقترن الْمُفِيد للْقطع (النداء) أَي نِدَاء الْمخبر بذلك (بِحَضْرَتِهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رُءُوس الأشهاد على مَا فِي الشَّرْح العضدي (غلط أَو تساهل) بِأَن يُرَاد بِحَضْرَتِهِ وجوده فِي مَكَان قريب بِحَيْثُ لَا يخفى عَلَيْهِ كالواقع بِحُضُورِهِ (وَهُوَ) أَي التساهل (الثَّابِت) لبعد سَماع أهل قبَاء نِدَاء الْمخبر فِي مَجْلِسه (وَالثَّانِي) وَهُوَ بعثة الْآحَاد لتبليغ الْأَحْكَام إِنَّمَا يتم (إِذا ثَبت إرسالهم) أَي الْآحَاد (بنسخ) حكم (قَطْعِيّ عِنْد الْمُرْسل إِلَيْهِم، وَلَيْسَ) ذَلِك بِثَابِت وَمن ادَّعَاهُ فَعَلَيهِ الْبَيَان (وَلَا أجد الْآن تَحْرِيمًا) بِغَيْر مَا اسْتثْنى: أَي معنى الْآيَة هَذَا لِأَن لَا أجد للْحَال فإباحة غير الْمُسْتَثْنى مُؤَقَّتَة بِوَقْت الْإِخْبَار (فالثابت) عَن الْإِبَاحَة فِي ذَلِك الْوَقْت (إِبَاحَة أَصْلِيَّة ورفعها) أَي الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة

مسئلة

فِي الْمُسْتَقْبل بِالتَّحْرِيمِ (لَيْسَ نسخا) لِأَن النّسخ رفع لحكم شَرْعِي وَالْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة لَيست إِيَّاه على الْمُخْتَار وَقد مر. مسئلة (يجوز نسخ السّنة بِالْقُرْآنِ) عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء والمتكلمين ومحققي الشَّافِعِيَّة (وَأَصَح قولي الشَّافِعِي الْمَنْع) فَإِنَّهُ قَالَ لَا ينْسَخ كتاب الله إِلَّا كتاب الله كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئ بفرضه فَهُوَ المزيل الْمُثبت بِمَا شَاءَ مِنْهُ جلّ جَلَاله وَلَا يكون ذَلِك لأحد من خلقه وَهَكَذَا سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاخْتلف أَصْحَابه فَقيل المُرَاد نفي الْجَوَاز الْعقلِيّ، وَنسب إِلَى المحاسبي وَعبد الله ابْن سعيد والقلانسي وهم من أكَابِر أهل السّنة، ويروى عَن أَحْمد وَأبي إِسْحَاق الإسفرايني وَأبي الطّيب الصعلوكي وَأبي مَنْصُور، وَقيل لم يمْنَع الْعقل والسمع لكنه لم يقل وَهُوَ قَول ابْن سُرَيج. قَالَ السُّبْكِيّ: وَنَصّ الشَّافِعِي لَا يدل على أَكثر مِنْهُ ثمَّ قَالَ حَيْثُ وَقع نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ فمعها قُرْآن عاضد لَهَا يبين توَافق الْكتاب وَالسّنة أَو نسخ السّنة بِالْقُرْآنِ فمعه سنة عاضدة لَهُ تبين توافقهما (لنا لَا مَانع) عَقْلِي وَلَا شَرْعِي من ذَلِك (وَوَقع) والوقوع دَلِيل الْجَوَاز (فَإِن التَّوَجُّه إِلَى الْقُدس) أَي بَيت الْمُقَدّس (لَيْسَ فِي الْقُرْآن وَنسخ) التَّوَجُّه إِلَيْهِ (بِهِ) أَي بِالْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى - {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} - (وَكَذَا حُرْمَة الْمُبَاشرَة) بقوله تَعَالَى - {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} - الْآيَة فَإِن تَحْرِيمهَا لَيْسَ فِي الْقُرْآن (وتجويز كَونه) أَي نسخ كل مِنْهُمَا (بِغَيْرِهِ) أَي غير الْقُرْآن (من سنة أَو) تَجْوِيز ثُبُوت حكم (الأَصْل) فِيهَا (بِتِلَاوَة) أَي بمتلوّ من الْقُرْآن (نسخت وَذَلِكَ) التجويز (على) تَقْدِير (الْمُوَافقَة) فِيهِ مَعَ الْخصم (احْتِمَال بِلَا دَلِيل) فَلَا يسمع (ثمَّ لَو صَحَّ) مَا ذكرْتُمْ من التجويز الْمَذْكُور (لم يتَعَيَّن نَاسخ علم تَأَخره مَا لم يقل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا نَاسخ) لكذا وَنَحْوه لذَلِك الِاحْتِمَال (وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع قَالُوا أَي المانعون) أَولا قَوْله تَعَالَى - {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} - يَقْتَضِي أَن شَأْنه الْبَيَان للْأَحْكَام، والنسخ رفع لَا بَيَان (أُجِيب) بِتَسْلِيم شَأْنه وَمنع أَنه لَيْسَ بِبَيَان بقوله (والنسخ) رفع لَا بَيَان (مِنْهُ) أَي من الْبَيَان لِأَنَّهُ بَيَان انْتِهَاء مُدَّة الحكم (قَالُوا) ثَانِيًا نسخ السّنة بِالْقُرْآنِ (يُوجب التنفير) للنَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ يفهم أَن الله تَعَالَى لم يرض بِمَا سنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ منَاف لمقصد الْبعْثَة وَهُوَ التأسي بِهِ والاقتداء (أُجِيب) بِأَنا لَا نسلم حُصُول النفرة على تَقْدِير النّسخ (إِذا آمنا بِأَنَّهُ مبلغ) وسفير يعبر بِهِ عَن الله تَعَالَى لَا غير، وَإِذا كَانَ التَّصَرُّف كُله من الله - {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} -

حكما معينا فِي مَحل الإجتهاد يُصِيبهُ تَارَة ويخطئه أُخْرَى، وَلَيْسَ كل مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد حكم الله تَعَالَى فِي نفس الْأَمر (لَو كَانَ الحكم) أَي خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِفعل العلد هُوَ عبن (مَا) أدّى الِاجْتِهَاد (إِلَيْهِ كَانَ) الْمُجْتَهد (بظنه) الْحَاصِل بِالِاجْتِهَادِ (يقطع بِأَنَّهُ) أَي المظنون الَّذِي أدّى إِلَيْهِ (حكمه تَعَالَى) (مَشْرُوط بِبَقَاء ظَنّه) الْحَاصِل بِالِاجْتِهَادِ، لِأَن الَّذِي علم قطعا أَن مطنونه عين حكم الله تَعَالَى فِي حَقه كَيفَ يتَصَوَّر أَن يتَحَوَّل عَنهُ بِأَن يشك فِيهِ أَو يظنّ خِلَافه فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون قطعه بِكَوْن المظنون حكم الله تَعَالَى فِي حَقه مُقَيّدا بِعَدَمِ طروّ مَا ينافى ذَلِك الظَّن من شكّ أوظن بِخِلَافِهِ، وَعند طروه يتَغَيَّر حكم الله تَعَالَى فِي حَقه إِلَى بدل أَن تعلق ظَنّه بِخِلَاف مُتَعَلق الظَّن الأول أَولا إِلَى بدل أَن لم يتَعَلَّق قلت: يلْزم حِينَئِذٍ تعدد حكم الله تَعَالَى فِي حَادِثَة وَاحِدَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى شخص وَاحِد والنسخ، وسيجئ تَفْصِيله (والاجماع) مُنْعَقد (على جَوَاز تغيره) أَي الظَّن الْمَذْكُور بِأحد الْوَجْهَيْنِ (وَوُجُوب الرُّجُوع) عَن الظَّن الْمَذْكُور مَعْطُوف على مَدْخُول على الْمُتَعَلّقَة بالاجماع (وَأَنه) أَي الْمُجْتَهد (لم يزل عِنْد ذَلِك الْقطع) أَي لاقطع بِأَنَّهُ حكمه تَعَالَى. قَوْله أَنه لم يزل مَعْطُوف على بَقَاء ظَنّه، وَالْمرَاد بِاشْتِرَاط الْقطع بِكَوْنِهِ لم يزل عِنْد ذَلِك الْقطع للْقطع بِأَنَّهُ حكم الله تَعَالَى فِي حَقه بهت، لِأَن الْعلم الْقطعِي لَا يتَغَيَّر: وَهَذَا أظهر من حَيْثُ الْعبارَة، لَكِن القَاضِي عضد الدّين صدر بِهِ فِي شرح الْمُخْتَصر بِالْمَعْنَى الأول (فيجتمع الْعلم) الْقطعِي بِأَنَّهُ حكم الله تَعَالَى (وَالظَّن) بِأَنَّهُ حكمه تَعَالَى (فيجتمع النقيضان: تَجْوِيز النقيض) اللَّازِم لحقيقة الظَّن الْمُتَعَلّق بِأَنَّهُ حكم الله تَعَالَى (وَعَدَمه) أَي عدم تَجْوِيز النقيض اللَّازِم لحقيقة الْعلم وَالْقطع بِأَنَّهُ حكمه، وَيحْتَمل أَن يُرَاد الْعلم وَالظَّن المتعلقان بِمَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد ومآ لَهما وَاحِد حَاصِل الِاسْتِدْلَال أَن كَون مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد حكم الله تَعَالَى فِي حَقه يسْتَلْزم الْقطع المستلزم للمحظورات الثَّلَاث لُزُوم بَقَاء الظَّن والاجماع على عدم لُزُومه واستمرار الْقطع المزيل للظن وانكار بَقَاء الظَّن بهت، واجتماع الْعلم وَالظَّن المستلزم لِاجْتِمَاع النقيضين (وإلزام كَونه) أَي كَون اجْتِمَاع النقيضين (مُشْتَرك الالزام) بِأَن الاجماع مُنْعَقد على وجوب اتِّبَاع الظَّن، فَيجب الْفِعْل إِذا ظن الْوُجُوب قطعا، وَيحرم إِذا ظن الْحُرْمَة قطعا، ثمَّ شَرط الْقطع بَقَاء الظَّن بِمَا ذكرْتُمْ، فليلزم الظَّن وَالْقطع مَعًا، ويجتمع النقيضان (مُنْتَفٍ) خبر الْمُبْتَدَأ (لاخْتِلَاف مَحل الظَّن) أَي مُتَعَلّقه على الْمَذْهَب الْحق (وَهُوَ)

مسئلة

ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ مِمَّا لَا يجْرِي فِيهِ الرَّأْي فَإِذا قَامَ الدَّلِيل الْقَاطِع على أَنه لَا يصلح نَاسِخا يجب الْعَمَل بِمُوجبِه فَإِن قَول الصَّحَابِيّ فِيمَا يجْرِي فِيهِ الرَّأْي لَيْسَ بِحجَّة على الْمُجْتَهد (قَالُوا) أَي المانعون قَالَ تَعَالَى (مَا ننسخ الْآيَة وَالسّنة لَيست خيرا مِنْهُ) أَي من الْقُرْآن (وَلَا مثلا) لَهُ (ونأت يُفِيد أَنه) أَي الْآتِي بِالْخَيرِ والمثل (هُوَ تَعَالَى) والآتي بِالسنةِ هُوَ الرَّسُول (أُجِيب بِمَا تقدم) من أَن المُرَاد الْخَيْر والمثل من جِهَة اللَّفْظ، وَلَا يخفى أَن الِاسْتِدْلَال يُفِيد أَمريْن: أَحدهمَا أَن عدم خيرية السّنة وَعدم مثليتها يمْنَع من كَونهَا نَاسِخا لِلْقُرْآنِ، وَالثَّانِي أَن كَون الْآتِي بالناسخ لَيْسَ إِلَّا الله تَعَالَى يَأْبَى عَن كَون مَا أَتَى بِهِ الرَّسُول نَاسِخا فَمَا تقدم لَا يصلح إِلَّا جَوَابا عَن الأول ومتممه قَوْله (وَعدم تفاضله) أَي لفظ السّنة (بالخيرية أَي البلاغة) يَعْنِي من حَيْثُ البلاغة (مَمْنُوع) قَالَ الشَّارِح إِذْ فِي الْقُرْآن الفصيح والأفصح والبليغ والأبلغ انْتهى وَهَذَا غَفلَة مِنْهُ عَن الْبَحْث، إِذْ الْكَلَام فِي نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ لَا بِالْقُرْآنِ، وَأَنت خَبِير بِأَن أبلغية السّنة من الْقُرْآن إِذا لم يكن قدر السُّورَة لَيْسَ بممتنع شرعا لَكِن ترك هَذَا الْوَجْه أوجه (وَلَو سلم) أَن المُرَاد كَونه خيرا أَو مثلا من حَيْثُ الْمَعْنى (فَالْمُرَاد بِخَير من حكمهَا) أَو بِمثل حكمهَا بِالنّظرِ إِلَى الْعباد (وَالْحكم الثَّابِت بِالسنةِ جَازَ كَونه أصلح للمكلف) مِمَّا ثَبت بِالْقُرْآنِ أَو مُسَاوِيا لَهُ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى جَوَاب الْأَمر الثَّانِي بقوله (وَهُوَ) أَي الحكم الثَّابِت بِالسنةِ (من عِنْده تَعَالَى وَالسّنة مبلغة ووحي غير متلوّ بَاطِن) أَي كَونه وَحيا (لَا من عِنْد نَفسه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَعَالَى - {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} - فالآتي بهَا فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الله تَعَالَى، وَالرَّسُول سفير. مسئلة نسخ جَمِيع الْقُرْآن غير جَائِز بِالْإِجْمَاع. قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ وَغَيره لِأَنَّهُ معْجزَة مستمرة على التَّأْبِيد، وَنسخ بعضه جَائِز، وتفصيله مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (ينْسَخ الْقُرْآن تِلَاوَة وَحكما أَو أَحدهمَا) أَي تِلَاوَة لَا حكما أَو عَكسه (وَمنع بعض الْمُعْتَزلَة غير الأول) أَي تِلَاوَة وَحكما (لنا جَوَاز تِلَاوَة حكم)، وَلذَا تحرم على الْجنب إِجْمَاعًا (وَمفَاده) من الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم وَغَيرهمَا حكم (آخر وَلَا يلْزم من نسخ حكم نسخ آخر) لَا تلازم بَينهمَا يُوجب ذَلِك، وَهَذَانِ الحكمان كَذَلِك فَيجوز نسخ أَحدهمَا دون الآخر كَسَائِر الْأَحْكَام الَّتِي لَيْسَ بَينهَا هَذَا التلازم (وَوَقع) نسخ أَحدهمَا دون الآخر (روى عَن عمر كَانَ فِيمَا أنزل الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة نكالا من الله). قَالَ الشَّارِح: كَذَا ذكره ابْن الْحَاجِب، وَالَّذِي وقفت عَلَيْهِ مَا أخرجه الشَّافِعِي

عَنهُ أَنه قَالَ " إيَّاكُمْ أَن تهلكوا عَن آيَة الرَّجْم أَن يَقُول قَائِل لَا نجد حَدَّيْنِ فِي كتاب الله: فَلَقَد رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَقُول النَّاس زَاد عمر فِي كتاب الله لكتبتها الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة فَإنَّا قد قرأناهما " فَإِن قلت كَيفَ يَكْتُبهَا وَهُوَ مَنْسُوخ التِّلَاوَة قلت لم يقل بكتبها فِي الْمُصحف: بل أَرَادَ كتَابَتهَا فِي صحيفَة للْعَمَل بحكمها وليعلم أَنَّهَا كَانَت فِي الْقُرْآن فنسخت تلاوتها، وللترمذي نَحوه. ثمَّ أخرجه النَّسَائِيّ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زيادات لمُسْند وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أبي بن كَعْب قَالَ كم تَعدونَ سُورَة الْأَحْزَاب. قَالَ قلت ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَسبعين آيَة قَالَ كَانَت توازي سُورَة الْبَقَرَة أَو أَكثر، وَكُنَّا نَقْرَأ فِيهَا الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نكالاً من الله، وَإِنَّمَا عبر عَنْهُمَا بهما لِأَن الْغَالِب فيهمَا الاستبعاد (وَحكمه) أَي هَذَا الْمَنْسُوخ التِّلَاوَة (ثَابت) لِأَن المُرَاد بالشيخ وَالشَّيْخَة الْمُحصن والمحصنة وهما إِذا زَنَيَا رجما إِجْمَاعًا (وَلَقَد استبعد) كَون هَذَا قُرْآنًا نسخ تِلَاوَته استبعادا ناشئا (من طلاوة الْقُرْآن) بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة أَي حسنه لما أَنه يُوجد فِيهِ ذَلِك وَلَا يلْزم على الاستبعاد إِيهَام إِنْكَار يخْشَى عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك فِيمَا ثَبت قرآنيته بالمتواتر وَثُبُوت هَذَا بأخبار الْآحَاد (وَمِنْه) أَي الْمَنْسُوخ تِلَاوَته فَقَط عِنْد أَصْحَابنَا (الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة لِابْنِ مَسْعُود) - فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام (مُتَتَابِعَات) - إِذْ لَا وَجه لقرَاءَته ذَلِك فِي الْقُرْآن إِلَّا أَن يُقَال كَانَ يُتْلَى فِيهِ ثمَّ انتسخت تِلَاوَته فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَرْف الْقلب عَن حفظه إِلَّا قلب ابْن مَسْعُود فَبَقيَ الحكم بنقله فَإِن خبر الْوَاحِد يُوجب الْعَمَل بِهِ غير أَن كِتَابَته فِي الْمَصَاحِف لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا بُد فِيهَا من التَّوَاتُر، (و) مِنْهُ أَيْضا الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة ل (ابْن عَبَّاس فَأفْطر فَعدَّة) بعد قَوْله تَعَالَى - {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر} - وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه كَانَ فِي الْقُرْآن " فَلَو أَن لِابْنِ آدم واديان من ذهب لابتغى أَن يكون لَهُ ثَالِث، وَلَا يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب، وَيَتُوب الله على من تَابَ " قَالَ ابْن عبد الْبر قيل إِنَّه كَانَ من صُورَة ص (وَقَلبه) أَي نسخ الحكم لَا التِّلَاوَة (آيَة الِاعْتِدَاد حولا متلوة وارتفاع مفادها) بأَرْبعَة أشهر وَعشرا (وهما) أَي نسخ التِّلَاوَة وَالْحكم (مَعًا قَول عَائِشَة كَانَ فِيمَا أنزل عشر رَضعَات) مَعْلُومَات (يحرمن) رَوَاهُ مُسلم (قَالُوا) أَي مانعو نسخ أَحدهمَا بِدُونِ الآخر وَلَا (التِّلَاوَة مَعَ مفادها) من الحكم (كَالْعلمِ مَعَ العالمية والمنطوق مَعَ الْمَفْهُوم) فَكَمَا لَا يَنْفَكّ كل من العالمية وَالْمَفْهُوم عَن صَاحبه وَبِالْعَكْسِ كَذَلِك لَا يَنْفَكّ الحكم عَن التِّلَاوَة وَبِالْعَكْسِ، وَوجه الشّبَه أَن كلا مِنْهُمَا لَا يتَصَوَّر تحَققه بِدُونِ الآخر (وَالْمَقْصُود أَنه) أَي كلا مِنْهُمَا (ملزوم) للْآخر (فَلَا يضرّهُ) أَي الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (منع ثُبُوت الْأَحْوَال) رد

لما قيل من قبل الْجُمْهُور من أَن العالمية من الْأَحْوَال أَي الصِّفَات النفسية الَّتِي لَيست بموجودة وَلَا مَعْدُومَة قَائِمَة بموجودة، وَالْحق عندنَا منع ثُبُوتهَا وَإِن قَالَ بِهِ بعض منا كَالْقَاضِي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَا يخفى أَن الَّذِي سموهُ حَالا وَإِن كَانَ مَعْدُوما لكنه من الْأُمُور الَّتِي نفس الْأَمر نفس لظرفها وَإِن لم يكن ظرفا لوجودها كزوجية الْأَرْبَعَة بِخِلَاف زوجية الْخَمْسَة، وَهَذَا الْقدر كَاف فِي تحقق الْمُلَازمَة بَينه وَبَين أَمر آخر. (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال (إِن قلت) المتلوّ أَو الحكم (ملزوم الثُّبُوت) أَي ثُبُوت الْمَعْنى أَو التِّلَاوَة (ابْتِدَاء سلمناه وَلَا يُفِيد) لِأَن الْكَلَام لَيْسَ فِيهِ (أَو) ملزوم الثُّبُوت (بَقَاء منعناه) إِذْ لَا يلْزم من الثُّبُوت ابْتِدَاء الثُّبُوت بَقَاء (وَالْكَلَام فِيهِ) أَي فِي ثُبُوته بَقَاء (قَالُوا) أَي المانعون ثَانِيًا (بَقَاء التِّلَاوَة دون الحكم يُوهم بَقَاءَهُ) أَي الحكم (فيوقع) بَقَاؤُهَا دونه (فِي الْجَهْل) وَهُوَ اعْتِقَاد بَقَاء الحكم وَهُوَ غير مُطَابق للْوَاقِع، وَهُوَ قَبِيح لَا يَقع من الله سُبْحَانَهُ (وَأَيْضًا فَائِدَة إنزاله) أَي الْقُرْآن (إفادته) أَي الحكم (وتنتفي) إفادته الحكم (بِبَقَائِهِ) أَي الحكم (دونهَا) أَي التِّلَاوَة هَكَذَا فِي النّسخ المصححة، وَالشَّارِح بنى عَلَيْهِ، وَالصَّوَاب ببقائها دونه اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يرجع ضمير بَقَائِهِ إِلَى الْقُرْآن وَضمير دونهَا إِلَى الحكم بِاعْتِبَار أَنه فَائِدَة لَا يخفى مَا فِيهِ. فِي الشَّرْح العضدي وَأَيْضًا فتزول فَائِدَة الْقُرْآن لانحصار فَائِدَة اللَّفْظ فِي إِفَادَة مَدْلُوله وَإِذا لم يقْصد بِهِ ذَلِك فقد بطلت فَائِدَته، وَالْكَلَام الَّذِي لَا فَائِدَة فِيهِ يجب أَن ينزه عَنهُ الْقُرْآن (أُجِيب) بِأَن (مبناه) أَي الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (على التحسين والتقبيح) العقليين وَقد نفاهما الأشاعرة (وَلَو سلم) القَوْل بهما (فَإِنَّمَا يلْزم الْإِيقَاع) فِي الْجَهْل عِنْد نسخ الحكم لَا التِّلَاوَة (لَو لم ينصب دَلِيل عَلَيْهِ) أَي على عدم بَقَاء الحكم لكنه نصب عَلَيْهِ فالمجتهد يعْمل بِالدَّلِيلِ والمقلد بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ (وَيمْنَع حصر فَائِدَته) أَي الْقُرْآن فِي إِفَادَة الحكم (بل) إنزاله كَمَا يكون لإفادته يكون (للإعجاز ولثواب التِّلَاوَة أَيْضا وَقد حصلتا) إِذْ الإعجاز لَا ينتفى بنسخ تعلق حكم اللَّفْظ وَكَذَا الثَّوَاب (كالفائدة الَّتِي عينتموها) أَي كَمَا حصلت الإفادة الْمَذْكُورَة ابْتِدَاء وَلَا يلْزم بَقَاء الْفَائِدَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر حُصُول الْفَائِدَة ابْتِدَاء قبل النّسخ لعدم بَقَاء الحكم بعده (انْتَفَى النّسخ بعد) طلب (الْفِعْل الْوَاجِب تكرره) بِتَكَرُّر سَببه إِذْ الْمَطْلُوب فِيهِ استمراره باستمرار سَببه وَهُوَ فَائِدَة الْخطاب الْمُتَعَلّق بِهِ وبالنسخ يَزُول ذَلِك، والمستلزم للمحال مُنْتَفٍ فالنسخ مُنْتَفٍ، والقائلون بالنسخ لَا يَقُولُونَ بِانْتِفَاء هَذَا النّسخ بل أَجمعُوا على صِحَّته بل وُقُوعه، وَإِنَّمَا قيد الانتفاء بِهَذَا النّسخ لِأَن نسخ فعل لم يجب تكرره لَا يسْتَلْزم انْتِفَاء الْفَائِدَة لِأَن الْمَطْلُوب فِيهِ أصل الْفِعْل وَهُوَ يحصل بِمرَّة قبل النّسخ فَلْيتَأَمَّل.

مسئلة

مسئلة (لَا ينْسَخ الْإِجْمَاع) الْقطعِي أَي لَا يرْتَفع الحكم الثَّابِت بِهِ (وَلَا ينْسَخ بِهِ) غَيره (أما الأول فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ) أَي لَو تحقق رفع حكمه (فبنص) أَي فَينْسَخ بِنَصّ (قَاطع أَو إِجْمَاع) قَاطع (وَالْأول) أَي نسخه بِنَصّ قَاطع (يسْتَلْزم خطأ قَاطع الْإِجْمَاع) أَي الْإِجْمَاع الْقَاطِع مثل جرد قطيفة (لِأَنَّهُ) أَي الْإِجْمَاع حِينَئِذٍ بِخِلَاف الْوَاقِع الَّذِي هُوَ النَّص وخلافه خطأ لتقدم ذَلِك عَلَيْهِ لما سَيَجِيءُ، وَلَا ينْعَقد الْإِجْمَاع على (خلاف الْقَاطِع، وَالثَّانِي) أَي رفع الْإِجْمَاع بِالْإِجْمَاع يسْتَلْزم (بطلَان أَحدهمَا) أَي الاجماعين النَّاسِخ والمنسوخ وَهُوَ ظَاهر (وَلَيْسَ) هَذَا الدَّلِيل (بِشَيْء لِأَن النّسخ لَا يُوجب خطأ) لاستلزامه خطأ الحكم الْمَنْسُوخ مُطلقًا، بل إِنَّمَا ينْسَخ الْإِجْمَاع بِنَصّ مُتَأَخّر لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر الْإِجْمَاع (الأول، وَإِلَّا) أَي وَإِن كَانَ النّسخ مُوجبا إِيَّاه (امْتنع) النّسخ (مُطلقًا) لاستلزامه خطأ الحكم الْمَنْسُوخ مُطلقًا (بل) إِنَّمَا لَا ينْسَخ الْإِجْمَاع بِنَصّ مُتَأَخّر (لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر لِأَن حجيته) أَي الْإِجْمَاع مَشْرُوطَة (بِقَيْد بعديته) أَي بِأَن يكون انْعِقَاده بعد زَمَانه (عَلَيْهِ السَّلَام فَلَا يتَصَوَّر تَأَخّر النَّص عَنهُ) أَي الْإِجْمَاع (وثمرته) أَي الْخلاف فِي أَن الْإِجْمَاع لَا ينْسَخ بِغَيْرِهِ تظهر (فِيمَا إِذا أجمع على قَوْلَيْنِ) فِي الشَّرْح العضدي. قَالَ المجيزون: اخْتلفت الْأمة على قَوْلَيْنِ فَهُوَ إِجْمَاع على أَن المسئلة اجتهادية يجوز الْأَخْذ بكلهما، ثمَّ يجوز إِجْمَاعهم على أحد الْقَوْلَيْنِ كَمَا مر فَإِذا أَجمعُوا بَطل الْجَوَاز الَّذِي هُوَ مُقْتَضى ذَلِك الْإِجْمَاع وَهُوَ معنى النّسخ (جَازَ بعده) أَي بعد الْإِجْمَاع على الْقَوْلَيْنِ الْإِجْمَاع (على أَحدهمَا) بِعَيْنِه (فَإِذا وَقع) الْإِجْمَاع على أَحدهمَا بِعَيْنِه (ارْتَفع جَوَاز الْأَخْذ بِالْآخرِ) لتعين الْأَخْذ بِمَا أجمع عَلَيْهِ على سَبِيل التَّعْيِين، وَبطلَان الْأَخْذ بمخالفه (فالمجيز) لجَوَاز نسخ الْإِجْمَاع وصيرورته مَنْسُوخا يَقُول ارْتِفَاع جَوَاز الْأَخْذ بِالْآخرِ بعد أَن كَانَ مجمعا عَلَيْهِ (نسخ) لذَلِك الْإِجْمَاع (وَالْجُمْهُور) يَقُولُونَ (لَا) أَي لَيْسَ بنسخ (لمنع الْإِجْمَاع على أَحدهمَا) بِعَيْنِه: يَعْنِي ثُبُوت هَذَا النّسخ مَوْقُوف على صِحَة انْعِقَاد الْإِجْمَاع على أحد ذَيْنك الْقَوْلَيْنِ بِعَيْنِه وَهِي مَمْنُوعَة (لِأَنَّهُ) أَي انْعِقَاد الْإِجْمَاع على أَحدهمَا بِعَيْنِه (مُخْتَلف) فِيهِ (وَلَو سلم) انْعِقَاد الْإِجْمَاع على أَحدهمَا بِعَيْنِه (ف) لَيْسَ الِارْتفَاع الْمَذْكُور نسخا للْإِجْمَاع التَّام، لِأَن تَمَامه وتقرره (مَشْرُوط بِعَدَمِ قَاطع يمنعهُ) أَي يمْنَع انْعِقَاده على وَجه اللُّزُوم (وَالْإِجْمَاع على أَحدهمَا) بِعَيْنِه (مَانع) من ذَلِك، وَفِيه نظر، لِأَن الْمُخْتَار أَنه إِذا أجمع أهل الْحل وَالْعقد على حكم فِي عصر فبمجرد انْعِقَاده صَار قَطْعِيا وَيلْزم أَن يكون تَاما وَيَكْفِي عدم الْمَانِع فِي وَقت الِانْعِقَاد فَتدبر

(وَأما الثَّانِي) وَهُوَ أَن الْإِجْمَاع لَا ينْسَخ بِهِ غَيره (فالأكثر على مَنعه) أَي منع أَن ينْسَخ بِهِ غَيره (خلافًا لِابْنِ أبان وَبَعض الْمُعْتَزلَة لنا أَن) كَانَ الْإِجْمَاع (عَن نَص) من كتاب أَو سنة (فَهُوَ) أَي النَّص (النَّاسِخ) وَلما كَانَ مَا زعم الْمُجِيز نسخ الْإِجْمَاع لَهُ أَعم مِمَّا يجوز نسخه وَالنَّص لَا ينْسَخ إِلَّا مَا يجوز نسخه فسره بقوله (يَعْنِي لما بِحَيْثُ ينْسَخ) إِشَارَة إِلَى أَن مَا بِحَيْثُ لَا ينْسَخ فَهُوَ بمعزل عَن مَظَنَّة النّسخ مُطلقًا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْإِجْمَاع عَن نَص (فَالْأول) أَي الحكم الَّذِي زعم الْمُجِيز أَنه مَنْسُوخ بِالْإِجْمَاع مُطلقًا (أَن) كَانَ (قَطْعِيا لزم خطا الثَّانِي) وَهُوَ الْإِجْمَاع الَّذِي ظن أَن كَونه نَاسِخا (لِأَنَّهُ) أَي الثَّانِي حِينَئِذٍ (على خلاف) النَّص (الْقَاطِع) وكل مَا هَذَا شَأْنه خطأ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن قَطْعِيا بل ظنيا (فالإجماع) المنعقد (على خِلَافه) أَي الظني الْمَذْكُور (أظهر أَنه لَيْسَ دَلِيلا) لِأَن شَرط الِاحْتِجَاج بالظني أَن لَا يكون على خلاف الْقطعِي (فَلَا حكم) ثَابت لَهُ (فَلَا رفع) لِأَنَّهُ فرع الثُّبُوت (و) يرد (عَلَيْهِ) أَي على هَذَا الِاسْتِدْلَال (منع خطأ) حَيْثُ قَالَ أَن قَطْعِيا لزم خطأ (الثَّانِي لِأَنَّهُ) أَي الثَّانِي (قَطْعِيّ مُتَأَخّر عَن قَطْعِيّ) مُتَقَدم، والناسخ لَا يَسْتَدْعِي خطأ الْمَنْسُوخ، وَإِلَّا امْتنع النّسخ مُطلقًا، وَقد مر غير مرّة (وَإِن) كَانَ الحكم ناشئا (عَن ظَنِّي) كَمَا هُوَ التَّقْدِير الثَّانِي (فيرفعه) الثَّانِي، لِأَن الْقَاطِع يرفع مَا دونه (كالكتاب للْكتاب) أَي كنسخ قَطْعِيّ الدّلَالَة مِنْهُ وظنيتها مِنْهُ (وَإِذن فللخصم منع الْأَخير) وَهُوَ أَن الْإِجْمَاع أظهر إِلَى آخِره (بل ينْسَخ) الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاع الْقطعِي الأول (الظني، لَا أَنه) أَي الثَّانِي (يظْهر بُطْلَانه) أَي الأول (فَالْوَجْه) فِي دَلِيل منع نسخ الْإِجْمَاع (مَا للحنفية) من أَنه (لَا مدْخل للآراء فِي معرفَة انْتِهَاء الحكم فِي علمه تَعَالَى) وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك بِالْوَحْي وَلَا وَحي بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالُوا) أَي المجيزون (وَقع) نسخ الْقُرْآن بِالْإِجْمَاع (بقول عُثْمَان) لما قَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس كَيفَ تحجب الْأُم بالأخوين وَقد قَالَ تَعَالَى - {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} - والأخوان ليسَا إخْوَة (حجبها قَوْمك) يَا غُلَام. قَالَ ابْن الملقن رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَإِبْطَال حكم الْقُرْآن بِالْإِجْمَاع نسخ (وبسقوط سهم الْمُؤَلّفَة) من الزَّكَاة عِنْد الْحَنَفِيَّة وَمن وافقهم بِإِجْمَاع الصَّحَابَة فِي زمن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ روى الطَّبَرِيّ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ لما أَتَاهُ عُيَيْنَة بن حصن قَالَ - {الْحق من ربكُم فَمن شَاءَ فليؤمن وَمَا شَاءَ فليكفر} -: يَعْنِي الْيَوْم لَيْسَ مؤلفة من غير إِنْكَار أحد من الصَّحَابَة ذَلِك (قُلْنَا الأول) أَي الِاسْتِدْلَال بقول عُثْمَان على كَون الْإِجْمَاع نَاسِخا لِلْقُرْآنِ (يتَوَقَّف على إِفَادَة الْآيَة) أَي - {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} - (عدم حجب مَا لَيْسَ إخْوَة قطعا) للْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس، إِذْ لَو لم يفد

جَازَ أَن يكون حجبهم لدَلِيل آخر (و) على (أَن الْأَخَوَيْنِ ليسَا أخوة قطعا) إِذْ لَو جَازَ كَونهمَا فِي اللُّغَة إخْوَة كَانَ معنى قَول عُثْمَان أَن قَوْمك يجعلونهما إخْوَة من حَيْثُ اللُّغَة (لَكِن الأول) أَي إِفَادَة الْآيَة عدم حجب مَا لَيْسَ إخْوَة ثَابت (بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالف (الْمُخْتَلف) فِي صِحَة كَونه حجَّة، وَهُوَ إِن لم يكن لَهُ إخْوَة لَا يكون لأمه السُّدس. (وَالثَّانِي) وَهُوَ أَن الْأَخَوَيْنِ ليسَا إخْوَة قطعا (فرع أَن صِيغَة الْجمع لَا تطلق على الِاثْنَيْنِ لَا) حَقِيقَة (وَلَا مجَازًا قطعا) وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْإِطْلَاق عَلَيْهِمَا مجَازًا لَا يُنكر (وَلَو سلم) أَن عُثْمَان أَرَادَ حجبها بِالْإِجْمَاع، كَذَا ذكره الشَّارِح وَالْوَجْه أَن الْمَعْنى وَلَو سلم تحقق مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الِاسْتِدْلَال مِمَّا ذكر (وَجب تَقْدِير نَص) قَطْعِيّ ثَبت عِنْدهم ليَكُون النّسخ بِهِ، وَإِلَّا كَانَ الْإِجْمَاع على خلاف الْقيَاس، وَهُوَ بَاطِل (وَسُقُوط الْمُؤَلّفَة من قبيل انْتِهَاء الحكم لانْتِهَاء علته المفردة) إِنَّمَا قيدها بِهِ إِذْ لَو كَانَت مُتعَدِّدَة لم يلْزم من انْتِهَاء بَعْضهَا انْتِهَاء الحكم. قَالَ الشَّارِح وَهِي الإعزاز لِلْإِسْلَامِ، وَمعنى انتهائها أَن الإعزاز كَانَ حَاصِلا فِي زمن أبي بكر دون إِعْطَاء سهمهم (وَلَيْسَ) انْتِهَاء الحكم لانْتِهَاء علته (نسخا وَلَو ادعوا) أَي المجيزون، يَعْنِي سموا (مثله) أَي كَون الْإِجْمَاع مُبينًا رفع الحكم بانتهاء مدَّته (نسخا فلفظي) أَي فَالْخِلَاف لَفْظِي (مَبْنِيّ على الِاصْطِلَاح فِي اسْتِقْلَال دَلِيله) أَي النّسخ، فَمن اشْتَرَطَهُ فِيهِ وَهُوَ الْجُمْهُور لم يَجْعَل الْإِجْمَاع نَاسِخا، فَإِن الْإِجْمَاع لَيْسَ مُسْتقِلّا بِذَاتِهِ فِي إِثْبَات الحكم، بل لَا بُد لَهُ من مُسْتَند هُوَ الدَّلِيل فِي الْحَقِيقَة، وَهُوَ كاشف عَنهُ وَإِن لم ينْقل إِلَيْنَا لَفظه، وَمن لم يشْتَرط فِيهِ جعله نَاسِخا. قَالَ شمس الْأَئِمَّة، وَأما النّسخ بِالْإِجْمَاع فقد جوزه بعض مَشَايِخنَا بطرِيق أَن الْإِجْمَاع مُوجب علم الْيَقِين كالنص فَيجوز أَن يثبت النّسخ بِهِ وَالْإِجْمَاع فِي كَونه حجَّة أقوى من الْخَبَر الْمَشْهُور، وَإِذا كَانَ يجوز النّسخ بِهِ فجوازه بِالْإِجْمَاع أولى، وَأَكْثَرهم على أَنه لَا يجوز ذَلِك، لِأَن الْإِجْمَاع عبارَة عَن اجْتِمَاع الآراء على شَيْء، وَلَا مجَال للرأي فِي معرفَة نِهَايَة الْحسن والقبح فِي الشَّيْء عِنْد الله تَعَالَى (وَصرح فَخر الْإِسْلَام بمنسوخيته) أَي الْإِجْمَاع (أَيْضا). قَالَ الشَّارِح وَهَذَا يُفِيد أَنه مُصَرح بنسخ الْإِجْمَاع والنسخ بِهِ، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون قَوْله أَيْضا بِاعْتِبَار تحقق القَوْل بهما مَعًا من الْحَنَفِيَّة وَإِن لم يكن الْقَائِل بهما وَاحِدًا (قَالَ والنسخ فِي ذَلِك كُله) أَي فِي الْإِجْمَاع (بِمثلِهِ) أَي بِإِجْمَاع مثله (جَائِز حَتَّى إِذا ثَبت حكم بِإِجْمَاع فِي عصر يجوز أَن يجمع أُولَئِكَ على خِلَافه فَينْسَخ بِهِ الأول وَكَذَا فِي عصرين. وَوجه) قَول فَخر الْإِسْلَام (بِأَنَّهُ لَا يمْتَنع ظُهُور انْتِهَاء مُدَّة الحكم) الأول (بالهامه تَعَالَى للمجتهدين، وَإِن لم يكن للرأي دخل فِي معرفَة انْتِهَاء مُدَّة الحكم وزمان نسخ مَا ثَبت بِالْوَحْي) من

الْأَحْكَام (وَإِن انْتهى بوفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِامْتِنَاع نسخ مَا ثَبت بِالْوَحْي بعده) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَكِن زمَان نسخ مَا ثَبت بِالْإِجْمَاع لم ينْتَه بِهِ) أَي بِمَوْتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لبَقَاء زمَان انْعِقَاده) أَي الْإِجْمَاع وحدوثه (فَجَاز أَن يجمع على خلاف مَا أجمع عَلَيْهِ أهل الْعَصْر الأول) بِاعْتِبَار تبدل الْمصَالح (فَيظْهر بِالْإِجْمَاع الْمُتَأَخر انْتِهَاء مُدَّة حكم الْإِجْمَاع السَّابِق إِلَّا أَن شَرطه) أَي نسخ الْإِجْمَاع الاجماع (الْمُمَاثلَة) بَينهمَا فِي الْقُوَّة من غَيرهم (بعده) أَي بعد إِجْمَاعهم (بِخِلَاف مَا) أَي إِجْمَاع انْعَقَد (بعده) أَي بعد إِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِنَّهُ ينسخه مَا بعده. (وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا) التَّوْجِيه (لَا يَتَأَتَّى إِلَّا على القَوْل بِجَوَاز الْإِجْمَاع لَا عَن مُسْتَند) وتجويز أَن يكون للْإِجْمَاع الأول مُسْتَند ظَنِّي ثمَّ يظْهر لأهل عصر الْمُتَأَخر مُسْتَند آخر أقوى من الأول سَيَأْتِي مَعَ جَوَابه (وَلَيْسَ) القَوْل بِهِ القَوْل (السديد، ثمَّ نَاقض) فَخر الْإِسْلَام فِي هَذَا التَّصْرِيح (قَوْله فِي) مَبْحَث (النّسخ، وَأما الْإِجْمَاع فَذكر بعض الْمُتَأَخِّرين أَنه يجوز النّسخ بِهِ، وَالصَّحِيح أَن النّسخ بِهِ) أَي بِالْإِجْمَاع (لَا يكون) لِأَن النّسخ لَا يكون (إِلَّا فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْإِجْمَاع لَيْسَ بِحجَّة فِي حَيَاته لِأَنَّهُ لَا إِجْمَاع بِدُونِ رَأْيه) لِأَنَّهُ أول الْمُجْتَهدين، وَالْإِجْمَاع اتِّفَاق كلهم، وَإِذا تحقق رَأْيه فَهُوَ الدَّلِيل لَا الْإِجْمَاع أَشَارَ إِلَى دَلِيل آخر على عدم انْعِقَاد الْإِجْمَاع فِي زَمَانه بقوله (وَالرُّجُوع إِلَيْهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْحَاجة إِلَى الْبَيَان فِيمَا لم يتَبَيَّن حكمه عِنْد أهل الْعلم (فرض، وَإِذا وجد مِنْهُ الْبَيَان فالموجب للْعلم هُوَ الْبَيَان المسموع مِنْهُ) لَا غَيره (وَإِذا صَار الْإِجْمَاع وَاجِب الْعَمَل بِهِ) بعده (لم يبْق النّسخ مَشْرُوعا) إِذا لم يصر مَشْرُوعا إِلَّا بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعند ذَلِك قد انْقَضى أَوَان النّسخ كَمَا عرفت (وَجوز أَن يُرِيد) فَخر الْإِسْلَام بِعَدَمِ النّسخ بِالْإِجْمَاع أَنه لَا ينْسَخ الْكتاب وَالسّنة بِالْإِجْمَاع، وَأما نسخ الْإِجْمَاع بِالْإِجْمَاع فَيجوز) وَالْفرق أَن الْإِجْمَاع لَا ينْعَقد بخلافهما، وَينْعَقد بِخِلَاف الْإِجْمَاع لما عرفت من تبدل الْمصَالح (وَهُوَ) أَي هَذَا الِاحْتِمَال الَّذِي جوزه (لمُجَرّد دفع المناقضة) عَن فَخر الْإِسْلَام (لَا يُقَوي اخْتِيَاره) أَي فَخر الْإِسْلَام (للضعيف) وَهُوَ أَن النّسخ يكون بِالْإِجْمَاع للْإِجْمَاع (ثمَّ هُوَ) أَي التجويز الْمَذْكُور (منَاف لقَوْله النّسخ لَا يكون إِلَّا فِي حَيَاته الخ) إِذْ الْمُتَبَادر مِنْهُ أَن مُطلق النّسخ لَا يكون إِلَّا فِيهَا (وَمَا قيل) على مَا فِي التَّلْوِيح (جَازَ وُقُوع الْإِجْمَاع الثَّانِي عَن نَص رَاجِح على مُسْتَند الْإِجْمَاع الأول وَلَا يعلم تَأَخره) أَي النَّص الرَّاجِح (عَنهُ) أَي عَن مُسْتَند الأول (كي لَا ينْسب النّسخ إِلَى) هَذَا (النَّص) الْمُتَأَخر (فَيَقَع الْإِجْمَاع الثَّانِي مُتَأَخِّرًا) عَن الْإِجْمَاع الأول (فَيكون نَاسِخا) للْأولِ. وَقَوله مَا قيل مُبْتَدأ خَبره (لم يزدْ على اشْتِرَاط تَأَخّر النَّاسِخ) وَوُجُود اشْترط (ثمَّ لَا يُفِيد)

مسئلة

تَوْجِيه نسخ الْإِجْمَاع وَيكون مُسْتَنده أقوى (لِأَنَّهُ إِذا فرض تحقق الْإِجْمَاع عَن نَص امْتنع مُخَالفَته) أَي ذَلِك الْإِجْمَاع (وَلَو ظهر نَص أرجح مِنْهُ) أَي من نَص الْإِجْمَاع الأول (لصيرورة ذَلِك الحكم) الْمجمع عَلَيْهِ (قَطْعِيا بِالْإِجْمَاع فَلَا تجوز مُخَالفَته فَلَا يتَصَوَّر الْإِجْمَاع بِخِلَافِهِ). مسئلة (إِذا رجح قِيَاس مُتَأَخّر لتأخر شَرْعِيَّة حكم أَصله عَن نَص) صلَة لتأخر (على نقيض حكمه) أَي الأَصْل مُتَعَلق بِنَصّ (فِي الْفَرْع) الَّذِي عدى الْقيَاس الْمَذْكُور فِيهِ حكم الأَصْل إِلَيْهِ فقد وَقعت الْمُعَارضَة بَين هَذَا الْقيَاس وَبَين ذَلِك النَّص لاقْتِضَاء كل مِنْهُمَا نقيض الآخر. وَفِي الْحَقِيقَة الْمُعَارضَة بَين النَّص الدَّال على حكم أصل الْقيَاس وَبَين النَّص الْمَذْكُور، ورجحان الْقيَاس يسبب رجحانه على النَّص الآخر بِشَيْء من أَسبَاب التَّرْجِيح، وَجَوَاب الشَّرْط قَوْله (وَجب نسخه) أَي الْقيَاس (إِيَّاه) أَي النَّص السَّابِق، وَهَذَا الأَصْل (لمن يُجِيز تَقْدِيمه) أَي الْقيَاس (على خبر الْوَاحِد بِشُرُوطِهِ). قَالَ الشَّارِح: أَي النّسخ وَالظَّاهِر أَن إرجاع الضَّمِير إِلَى التَّقْدِيم (دون غَيره) أَي غير من يُجِيز تَقْدِيمه على خبر الْوَاحِد. وَلما ذكر حكم الْقيَاس الرَّاجِح بِاعْتِبَار نَص حكم أَصله على النَّص الآخر ألحق بِهِ الْقيَاس المساوى بذلك الِاعْتِبَار إِيَّاه، فَقَالَ (وَكَذَا) أَي وَمثل الْقيَاس الرَّاجِح الْقيَاس (المساوى) مِثَاله نَص الشَّارِع على عدم ربوية الذّرة، ثمَّ نَص بعده على ربوية الْقَمْح وَهُوَ أصل قِيَاس ربوية الذّرة، ثمَّ نَص بعده على ربوية الْقَمْح، وَهُوَ أصل قِيَاس ربوية الذّرة على الْقَمْح فقد اقْتضى الْقيَاس الْمُتَأَخر لتأخر شَرْعِيَّة حكم أَصله فِي الذّرة وَهُوَ الربوية عَن النَّص الدَّال على عدم ربوبيتها أَن تكون الذّرة ربوية، وَنسخ حكم ذَلِك الْمُتَقَدّم (وَمَا قيل فِي نَفْيه) أَي النّسخ (فِي الظنيين) على مَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب لِأَنَّهُ (بَين الْقيَاس) المظنون (زَوَال شَرط الْعَمَل بِهِ وَهُوَ رجحانه). فِي الشَّرْح العضدي: اخْتلف فِي الْقيَاس هَل يكون نَاسِخا ومنسوخا. وتفصيله أَنه إِمَّا مظنون أَو مَقْطُوع الأول لَا يكون نَاسِخا وَلَا مَنْسُوخا، أما أَنه لَا يكون نَاسِخا فَلِأَن مَا قبله إِمَّا قَطْعِيّ أَو ظَنِّي، فَإِن كَانَ قَطْعِيا لم يجز نسخه بالمظنون وَإِن كَانَ ظنيا تبين زَوَال شَرط الْعَمَل بِهِ وَهُوَ رجحانه، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبت مُقَيّدا لعدم ظُهُور معَارض رَاجِح أَو مسَاوٍ، و (لَيْسَ بِشَيْء بعد فرض تَأَخره) أَي الْقيَاس عَن الظني الأول (و) بعد فرض (الحكم بِصِحَّة الحكم السَّابِق) الثَّابِت بالظني الْمَذْكُور (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْقيَاس مُتَأَخِّرًا (فَلَا نسخ) إِذْ النَّاسِخ لَا يتَصَوَّر أَن يكون مُقَارنًا هَذَا على مَا فسره الشَّارِح فَلَا وَجه أَن يُقَال أَن الْمَعْنى وَإِن لم يكن الْقيَاس الْمَذْكُور نَاسِخا لما قلت لم يبْق نسخ أصلا إِذْ يُمكن مثل هَذَا الْكَلَام

فِي كل نسخ (وَإِنَّمَا ذَاك) أَي نفي النّسخ (فِي الْمُعَارضَة الْمَحْضَة) بَين الظنيين من غير تَأَخّر أَحدهمَا (وَأما نسخه) أَي الْقيَاس (قِيَاسا آخر بنسخ حكم أَصله) أَي الآخر (مَعَ) وجود (عِلّة الرّفْع الثَّابِتَة فِي الْفَرْع على مَا قيل فَفِيهِ نظر عندنَا) تَفْسِيره مَا أَفَادَهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَته على الشَّرْح العضدي بقوله، وَصُورَة ذَلِك أَن ينْسَخ حكم الأَصْل بِنَصّ مُشْتَمل على عِلّة متحققة فِي الْفَرْع فَينْسَخ حكم الْفَرْع أَيْضا بِالْقِيَاسِ على الأَصْل فَيتَحَقَّق قِيَاس نَاسخ وَآخر مَنْسُوخ: مِثَاله أَن يثبت حُرْمَة الرِّبَا فِي الذّرة بِقِيَاس على الْبر مَنْصُوص الْعلَّة ثمَّ ينْسَخ حُرْمَة الرِّبَا فِي الْبر تنصيصا على عِلّة مُشْتَركَة بَينه وَبَين الذّرة، فيقاس عَلَيْهِ وترفع حُرْمَة الرِّبَا فِيهَا فَيكون نسخا للْقِيَاس بِالْقِيَاسِ أه فعلة الرّفْع الثَّابِتَة فِي الْفَرْع عبارَة عَن الْعلَّة المنصوصة فِي الْقيَاس الثَّانِي فَإِنَّهَا مَوْجُودَة على هَذَا التَّصْوِير فِي الْفَرْع الَّذِي هُوَ الذّرة، ثمَّ بَين وَجه النّظر بقوله (إِذْ لَا نجيز الْقيَاس) الْمُرَتّب (لعدم حكم) وَالْقِيَاس الثَّانِي فِي التَّصْوِير الْمَذْكُور من هَذِه الْقَبِيل (كَمَا سَيعْلَمُ) فِي المرصد الثَّانِي فِي شُرُوط الْعلَّة (وَلَا يُعلل) الحكم (النَّاسِخ) من حَيْثُ أَنه نَاسخ، وَألا يلْزم تَعديَة النّسخ إِلَى حكم آخر مشارك لَهُ فِي تِلْكَ الْعلَّة لحكم مماثل للمنسوخ عِنْد إِلْغَاء خُصُوصِيَّة النَّاسِخ والمنسوخ، وَلما كَانَ قَوْله مَعَ عِلّة الرّفْع الثَّابِتَة فِي الْفَرْع على مَا قيل بِظَاهِرِهِ مُخَالف هَذَا دَفعه بقوله (وَمَا فَرْضه الْقَائِل) الْمشَار إِلَيْهِ بقوله كَمَا قيل (لَا يكون غير بَيَان وَجه انْتِهَاء الْمصلحَة) فِي شرح حكم الأَصْل للْقِيَاس الْمَنْسُوخ فَلَا يكون تعليلا للناسخ بِأَن يبين مثلا أَن الْمصلحَة الَّتِي كَانَت منشأ حُرْمَة الرِّبَا فِي الْبر انْتَهَت وَصَارَت الْمصلحَة فِي عدم حرمته، وَالْفرق بَين الْمصلحَة وَالْعلَّة سَيَأْتِي فِي مبَاحث الْقيَاس (وَهُوَ) أَي بَيَان وَجه انْتِهَاء الْمصلحَة (مَعْلُوم فِي كل نسخ فَلَو اعْتبر ذَلِك) أَي بَيَان وَجه انتهائها وَجعل تعليلا للناسخ (كَانَ) النَّاسِخ (مُعَللا دَائِما) وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع (وَإِنَّمَا يتَصَوَّر) نسخ الْقيَاس شرعا (عندنَا بشرعية بدل) غير حكم الأَصْل (فِيهِ) أَي فِي الأَصْل (يضاد) الحكم (الأول فيستلزم) شرع ذَلِك (رفع حكمه) الأول وَحِينَئِذٍ (فقد يُقَال بِمُجَرَّد رفع حكم الأَصْل أهْدر الْجَامِع) بَين الأَصْل وَالْفرع (فيرتفع حكم الْفَرْع بِالضَّرُورَةِ وَلَا أثر للْقِيَاس فِيهِ) أَي فِي ارْتِفَاع حكم الْفَرْع، وَإِنَّمَا الْأَثر بشرعية ضد حكم الأَصْل فِيهِ المستلزم رفع حكمه الأول المستدعى إهدار الْجَامِع الْمُرَتّب عَلَيْهِ ارْتِفَاع حكم الْفَرْع (وأغنى هَذَا) الْبَيَان (عَن) وضع (مسئلتها) أَي الصُّورَة الْمَذْكُورَة (وَتَمَامه) أَي هَذَا الْبَحْث (فِي) المسئلة (الَّتِي تَلِيهَا) أَي هَذِه المسئلة، وَنقل الشَّارِح عَن الْأَبْهَرِيّ أَن مِثَال نسخ الْقيَاس بِالْقِيَاسِ اتِّفَاقًا أَن ينص الشَّارِع على خلاف حكم الْفَرْع فِي مَحل يكون قِيَاس الْفَرْع عَلَيْهِ أقوى انْتهى وَلَا يخفى عَلَيْك أَن تحقق النّسخ فِي هَذَا التَّصْوِير

مَوْقُوف على تَأَخّر هَذَا التَّنْصِيص عَن النَّص الدَّال على حكم الأَصْل، وعَلى كَون الحكم الثَّانِي مُخَالفا للْحكم الأول فبمجرد ذَلِك التَّنْصِيص نسخ الحكم الأول وأهدر علته وارتفع حكم الْفَرْع وَيلْزمهُ نسخ الْقيَاس فَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى قِيَاس آخر وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْقيَاس الثَّانِي لإِثْبَات الحكم الْمُتَأَخر للفرع لَا لنسخ الْقيَاس الأول، وَقد يُقَال لَيْسَ مُرَاد الْأَبْهَرِيّ كَون النَّص الثَّانِي دَالا على خلاف الحكم الأول أَيْنَمَا وجد، بل على خِلَافه بِشَرْط أَن يُوجد فِي مَحَله، فمجرد هَذَا لَا ينْسَخ الحكم الأول لَا فِي الأَصْل وَلَا فِي الْفَرْع، نعم إِذا قيس الْفَرْع على مَحل النَّص الثَّانِي لزم نسخ حكمه الْحَاصِل بِالْقِيَاسِ الأول فيرتفع الْقيَاس الأول حِينَئِذٍ (وَلَا حَاجَة إِلَى تَقْسِيم الْقيَاس إِلَى قَطْعِيّ وطني) كَمَا فعله ابْن الْحَاجِب وَغَيره، وَذَلِكَ لما عرفت من حُصُول الْمَقْصُود بِمَا ذَكرْنَاهُ من غير تعرض لذَلِك التَّقْسِيم (وستعلم) فِي ذيل الْكَلَام فِي أَرْكَان الْقيَاس (أَن لَا قطع) ناشئ (عَن قِيَاس وَلَو قطع بعلته) أَي بعلة حكم أَصله (ووجودها فِي الْفَرْع لجَوَاز شَرْطِيَّة الأَصْل) إِذْ عَلَيْهِ الْعلَّة لَا تنَافِي شرطيته (أَو مانعية الْفَرْع) مِنْهُ، وَلَا يبعد أَن يُقَال قد يقوم فِي بعض الْموَاد قَاطع دَال على عدم شَرْطِيَّة الأَصْل وَعدم مانعية الْفَرْع، فَحِينَئِذٍ يصير الْقيَاس قَطْعِيا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال علم بالاستقراء عدم وجود قَاطع كَذَلِك (وَلَو تجوز بِهِ) أَي بِالْقطعِ (عَن كَونه) أَي الْقيَاس (جليا فَفرض غير المسئلة) أَي فالمفروض غير المسئلة الَّتِي نَحن بصددها (أَن عني بِهِ) أَي بالجلي (مَفْهُوم الْمُوَافقَة) كَمَا سَيَجِيءُ فِي المسئلة الَّتِي تلِي هَذِه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعن بِهِ ذَلِك، بل مَا يُقَابل الْقيَاس الْخَفي (فَمَا فرضناه) فِي وضع المسئلة (عَام) ينْدَرج فِيهِ الْجَلِيّ والخفي فَهُوَ أولى لاقْتِضَائه عدم تعلق الْمَقْصُود بِخُصُوص الْجَلِيّ والخفي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا يحْتَاج إِلَيْهِ) أَي إِلَى ذكر الْجَلِيّ. (قَالُوا) أَي مجيزو النّسخ بِالْقِيَاسِ نسخ الْقيَاس (تَخْصِيص) عُمُوم (الزَّمَان) أَي زمَان الحكم (بِإِخْرَاج بعضه) أَي الزَّمَان من أَن يكون الحكم مَشْرُوعا فِيهِ (فكتخصيص المُرَاد) مِمَّا يتَنَاوَلهُ لفظ الْعَام من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا إِخْرَاج بعض من مُتَعَدد، وَتَخْصِيص الْقيَاس للعام لَا نزاع فِيهِ، وَكَون أَحدهمَا فِي الْأَعْيَان وَالْآخر فِي الْأَزْمَان لَا يصلح فارقا إِذْ لَا أثر لَهُ. (الْجَواب منع الْمُلَازمَة) بَين التخصيصين (إِذْ لَا مجَال للرأي فِي الِانْتِهَاء) للْحكم فِي علم الله تَعَالَى، و (كَمَا تقدم) فِي الَّتِي قبل هَذِه (وَلَو علم) الحكم (مَنُوطًا بمصلحة علم ارتفاعها) أَي تِلْكَ الْمصلحَة (فكسهم الْمُؤَلّفَة) أَي فَهُوَ من قبيل انْتِهَاء الحكم لانْتِهَاء علته كسقوط سهم الْمُؤَلّفَة من الزَّكَاة وَلَيْسَ نسخا، وَفِي الشَّرْح العضدي الْجَواب أَنه منقوض بِالْإِجْمَاع وبالفعل وبخبر الْوَاحِد فَإِن ثَالِثهَا يخصص بِهَذَا وَلَا ينْسَخ بهَا.

مسئلة

مسئلة (نسخ أحد الْأَمريْنِ) أَي الْحكمَيْنِ المستنبطين (من فحوى مَنْطُوق) وَمن ذَلِك الْمَنْطُوق (وَهُوَ) أَي فحواه (الدّلَالَة) أَي مُسَمّى بهَا (للحنفية) أَي عِنْدهم، وبمفهوم الْمُوَافقَة عِنْد غَيرهم، وَفِيه أَقْوَال. فِي الشَّرْح العضدي الفحوى مَفْهُوم الْمُوَافقَة وَالْأَصْل مَاله الْمَفْهُوم ونسخهما مَعًا جَائِزا اتِّفَاقًا. وَاخْتلف فِي نسخ أَحدهمَا دون الآخر: فَمنهمْ من جوزهما وَمِنْهُم من منعهما إِلَى آخِره، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (ثَالِثهَا الْمُخْتَار للآمدي وَأَتْبَاعه جَوَاز) نسخ (الْمَنْطُوق) لِأَنَّهُ: أَي الْمَنْطُوق بِدُونِ الفحوى (لَا) جَوَاز (قلبه) أَي يمْتَنع نسخ الفحوى بِدُونِ الْمَنْطُوق (لِأَنَّهُ) أَي الْمَنْطُوق كتحريم التأفيف (ملزوم) لفحواه كتحريم الضَّرْب (فَلَا ينْفَرد) الْمَنْطُوق (عَن لَازمه) فَلَا يُوجد تَحْرِيم التأفيف مَعَ عدم تَحْرِيم الضَّرْب (بِخِلَاف نسخ التأفيف فَقَط) بِأَن ينتفى تَحْرِيم التأفيف مَعَ بَقَاء تَحْرِيم الضَّرْب على حَاله فَإِنَّهُ لَا يمْتَنع (لِأَنَّهُ) أَي نسخ التأفيف (رفع للملزوم) وَانْتِفَاء الْمَلْزُوم لَا يسْتَلْزم انْتِفَاء اللَّازِم لجَوَاز أَن يكون اللَّازِم أَعم. قَالَ (المجيزون) لنسخ كل مِنْهُمَا بِدُونِ الآخر (مدلولان) متغايران بِالذَّاتِ: صَرِيح، وَغير صَرِيح (فَجَاز رفع كل دون الآخر أُجِيب) بِجَوَازِهِ (مَا لم يكن أَحدهمَا ملزوما للْآخر فَإِذا كَانَ) ملزوما للْآخر (فَمَا ذكرنَا) من أَن اللَّازِم كَمَا لَا ينتفى بِدُونِ انْتِفَاء الْمَلْزُوم والملزوم يَنْتَفِي بدن انْتِفَاء اللَّازِم قَالَ (المانعون) لنسخ شَيْء مِنْهُمَا بِدُونِ الآخر يمْتَنع نسخ (الفحوى دون الأَصْل لما قُلْتُمْ) من لُزُوم وجود الْمَلْزُوم بِدُونِ اللَّازِم (و) يمْتَنع (قلبه) أَي نسخ الأَصْل دون الفحوى (لِأَنَّهُ) أَي الفحوى (تَابع) للْأَصْل (فَلَا يثبت) الفحوى (دون الْمَتْبُوع) وَهُوَ الأَصْل (أُجِيب بِأَن التابعية) أَي تابعية الفحوى للْأَصْل إِنَّمَا هِيَ (فِي الدّلَالَة) أَي دلَالَة اللَّفْظ على الأَصْل (وَلَا ترْتَفع) الدّلَالَة إِجْمَاعًا (لَا) أَن الفحوى تَابع للْأَصْل فِي (الحكم) حدوثا وَبَقَاء حَتَّى ينتفى حكم الفحوى بِانْتِفَاء حكم الْمَنْطُوق فَإِن فهمنا تَحْرِيم الضَّرْب من فهمنا لتَحْرِيم التأفيف، لِأَن الضَّرْب إِنَّمَا يكون حَرَامًا لِأَن التأفيف حرم (وَهُوَ) أَي حكم الأَصْل هُوَ (الْمُرْتَفع) لَا دلَالَته. (وَاعْلَم أَن تَحْقِيقه أَن الفحوى) إِنَّمَا تثبت (بعلة الأَصْل متبادرة) إِلَى الْفَهم بِمُجَرَّد فهم اللُّغَة (حَتَّى تسمى قِيَاسا جليا فالتفصيل) الْمَذْكُور من تَجْوِيز نسخ الْمَنْطُوق بِدُونِ الفحوى لَا الْعَكْس (حَتَّى على اشْتِرَاط الْأَوْلَوِيَّة) أَي أَوْلَوِيَّة الْمَسْكُوت بالحكم فِي الفحوى كَمَا هُوَ قَول بَعضهم (لِأَن نسخ الأَصْل بِرَفْع اعْتِبَار قدره) أَي الأَصْل: يَعْنِي أَن الْعلَّة كلي مشكك مِقْدَار مِنْهُ فِي حِصَّة متحققة فِي الأَصْل وَمِقْدَار آخر مِنْهُ زَائِد على الأول فِي حِصَّة كائنة فِي الفحوى فنسخ

الأَصْل بِرَفْع اعْتِبَار ذَلِك الْمِقْدَار الْكَائِن فِي الأَصْل من الْعلَّة (وَجَاز) مَعَ رفع اعْتِبَار ذَلِك الْمِقْدَار مِنْهُ (بَقَاء الْمَفْهُوم بِقدر) من الْعلَّة (فَوْقهَا) أَي فَوق تِلْكَ الْحصَّة الَّتِي فِي الأَصْل من الْعلَّة وَنسخ الأضعف لَا يسْتَلْزم نسخ الأشد فَبَقيَ حكم الْمَفْهُوم لبَقَاء علته (بِخِلَاف الْقلب) أَي نسخ الفحوى دون الأَصْل فَإِنَّهُ لَا يجوز (إِذْ لَا يتَصَوَّر إهدار الأشد فِي التَّحْرِيم) كالضرب (وَاعْتِبَار مَا دونه) أَي مَا دون الأشد كالتأفيف (فِيهِ) أَي فِي التَّحْرِيم حَتَّى يجوز نسخ حُرْمَة الضَّرْب وَلَا ينْسَخ حُرْمَة التأفيف وَلَا يخفى أَن هَذَا التَّعْلِيل إِنَّمَا يجْرِي فيهمَا إِذا كَانَ حكم الْمَنْطُوق تَحْرِيم فعل قَبِيح فِي الْجُمْلَة وَحكم الفحوى تَحْرِيم فعل أقبح مِنْهُ، وَأما إِذا كَانَا إيجابين والمفروض أَن الفحوى أولى بالحكم فيفهم تَعْلِيله بالمقايسة فَيُقَال: لَا يتَصَوَّر إهدار مَا فِيهِ الْحسن على الْوَجْه الْأَكْمَل وَاعْتِبَار مَا دونه فِي الْحسن فَتدبر. وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال وَهُوَ أَن يُقَال مَا ذكرته منقوض بِنَحْوِ اقتله وَلَا تهنه أجَاب عَنهُ بقوله (وَنَحْو اقتله وَلَا تهنه) إِنَّمَا جَازَ مَعَ أَن الْقَتْل أَشد من الإهانة (لعرف صير الإهانة فَوق الْقَتْل أَذَى، وَتقدم) فِي التَّقْسِيم الأول من الْفَصْل الثَّانِي فِي الدّلَالَة (أَن الْحَنَفِيَّة وَكَثِيرًا من الشَّافِعِيَّة أَن لَا يشْتَرط) فِي مَفْهُوم الْمُوَافقَة (سوى التبادر) أَي تبادر حكم الْمَذْكُور للمسكوت بِمُجَرَّد فهم اللُّغَة سَوَاء (اتَّحد كمية المناط) للْحكم (فيهمَا) أَي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم بِأَن تَسَاويا فِي مِقْدَاره (أَو تفَاوت) المناط فيهمَا كمية بِكَوْنِهِ فِي الْمَسْكُوت أَشد (فيلزمهم) أَي الْحَنَفِيَّة وَمن وافقهم (التَّفْصِيل الْمَذْكُور) من جَوَاز نسخ الْمَنْطُوق فَقَط لَا عَكسه (فِي الأولى) أَي فِيمَا إِذا كَانَ الْمَسْكُوت أولى من الحكم الْمَذْكُور فِي الْمَنْع (وَالْمَنْع) عَن جَوَاز نسخ أحد الْأَمريْنِ دون الآخر (فيهمَا) أَي فِي نسخ الْمَنْطُوق بِدُونِ الْمَفْهُوم وَعَكسه (فِي الْمُسَاوَاة) فِي المناط (فَلَو نسخ إِيجَاب الْكَفَّارَة للجماع لَا نتفى) إِيجَابهَا (للْأَكْل) وَفِي بعض النّسخ لَا يبْقى للْأَكْل، وَالْمعْنَى وَاحِد (ومبناه) أَي مبْنى هَذَا الْكَلَام (على) الْمَذْهَب (الْمُخْتَار من أَن نسخ حكم الأَصْل لَا يبْقى مَعَه حكم الْفَرْع) لَا على الأَصْل الَّذِي هُوَ مبحثنا، إِذْ النَّص إِنَّمَا ورد فِي إِيجَاب الْكَفَّارَة للجماع، وَلَيْسَ إِيجَابهَا للْأَكْل بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة، إِذْ لَيْسَ مِمَّا يثبت بعلة الأَصْل متبادرة إِلَى الْفَهم بِمُجَرَّد فهم اللُّغَة سَوَاء شرطنا فِيهِ أَوْلَوِيَّة الْمَسْكُوت أَولا، أما على الأول فَظَاهر لِأَن إِيجَابهَا للجماع أولى، وَأما على الثَّانِي فلعدم اتِّحَاد كمية المناط فيهمَا، وَفِيه نظر، فَالْوَجْه أَن يُقَال فلعدم التبادر إِلَى الْفَهم بِمُجَرَّد فهم اللُّغَة (وَكَونه) أَي عدم بَقَاء حكم الْفَرْع (يُسمى نسخا أَولا) نزاع (لَفْظِي) إِذْ حَقِيقَة النّسخ وَهُوَ الرّفْع متحققة بِلَا شُبْهَة فَمَا يبْقى النزاع إِلَّا فِي التَّسْمِيَة (أَو سَهْو الْمُخَالف) الَّذِي سَمَّاهُ نسخا إِذْ لَا نسخ حَقِيقَة، وَإِنَّمَا هُوَ من زَوَال الحكم لزوَال علته، مَعْطُوف على لَفْظِي، وَحَاصِله أَن أحد الْأَمريْنِ لَازم: أما سَهْو الْمُخَالف

مسئلة

إِن كَانَ من قبيل سُقُوط سهم الْمُؤَلّفَة، وَأما النزاع لَفْظِي إِن لم يَجْعَل من قبيله (لنا نسخه) أَي حكم الأَصْل (بِرَفْع اعْتِبَار كل عِلّة لَهُ) أَي لحكم الأَصْل (وَبهَا) أَي وبعلة الأَصْل (ثَبت حكم الْفَرْع فينتفى) بانتفائها (فَقَوْل المبقين) أَيْضا هَذَا أَي الحكم لحكم (الْفَرْع للدلالة لَا للْحكم) أَي لحكم الأَصْل (وَلَا يلْزمه) أَي كَونه تَابعا لدلَالَة الأَصْل (انتفاؤه) أَي انْتِفَاء حكم الْفَرْع (لانتفائه) أَي حكم الأَصْل (وَقَوْلهمْ هَذَا) أَي الحكم بِأَن حكم الْفَرْع لَا يبْقى مَعَ نسخ حكم الأَصْل (حكم يرفع حكم الْفَرْع قِيَاسا على رفع حكم الأَصْل وَهُوَ) أَي هَذَا الْقيَاس (بِلَا جَامع) بَينهمَا مُوجب للرفع (بعد عَظِيم) كَمَا هُوَ ظَاهر مِمَّا تقدم. مسئلة مَذْهَب الْحَنَفِيَّة والحنابلة وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب وَغَيره أَنه (لَا يثبت حكم النَّاسِخ) فِي حق الْأمة (بعد تبليغه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) من إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول، فالمبلغ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام (قبل تبليغه) من الْإِضَافَة إِلَى الْفَاعِل فالمبلغ (هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وتأكيد الْمَجْرُور بالمرفوع بِاعْتِبَار كَونه فَاعِلا معنى على أَنه يجوز فِي الضمائر وضع الْمَرْفُوع مَوضِع الْمَجْرُور والمنصوب وَنَحْوه، وَقيل يثبت، وَالْخلاف فِيمَا نزل إِلَى الأَرْض، وَأما إِذا بلغ جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السَّمَاء كَمَا فِي لَيْلَة الْمِعْرَاج فَلَا خلاف فِيهِ (لِأَنَّهُ) أَي ثُبُوته (يُوجب تَحْرِيم شَيْء ووجوبه فِي وَقت) وَاحِد، إِذْ وجوب الْمَنْسُوخ بَاقٍ على الْمُكَلف قبل بُلُوغ النّسخ فِي صُورَة تقدم الْوُجُوب، وتحريمه بَاقٍ عَلَيْهِ فِي سُورَة التَّحْرِيم (لِأَنَّهُ لَو ترك الْمَنْسُوخ قبل تمكنه من علمه) بالناسخ (أَثم) بِالْإِجْمَاع إِنَّمَا قَالَ قبل تمكنه من الْعلم وَلم يقل قبل علمه إِشَارَة إِلَى أَنه لَو ترك قبل الْعلم بعد التَّمَكُّن مِنْهُ لأثم بالتقصير فِي تَحْصِيله (وَهُوَ) أَي الْإِثْم على تَقْدِير التّرْك (لَازم الْوُجُوب) فَكَانَ الْعَمَل بِهِ وَاجِبا (وَالْفَرْض أَنه) أَي الْعَمَل بِهِ (حرَام) بالناسخ فَكَانَ وَاجِبا حَرَامًا فِي وَقت وَاحِد (وَلِأَنَّهُ لَو علمه) أَي مُوجب النّسخ (غير مُعْتَقد شرعيته لعدم علمه) بِكَوْنِهِ نَاسِخا للْأولِ (أَثم) بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا (فَلم يثبت حكمه) أَي النَّاسِخ وَهَذَا التَّعْلِيل مَعْطُوف على التَّعْلِيل الأول لَا الثَّانِي، لِأَنَّهُ يثبت عدم ثُبُوت حكم النَّاسِخ لَا اجْتِمَاع التَّحْرِيم وَالْوُجُوب (وَأَيْضًا لَو ثَبت) حكمه (قبله) أَي قبل تبليغه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأمة (ثَبت) حكمه (قبل تَبْلِيغ جِبْرِيل) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لاتحادهما) أَي الصُّورَتَيْنِ (فِي وجود النَّاسِخ) فِي نفس الْأَمر (الْمُوجب لحكمه) أَي النَّاسِخ (مَعَ عدم تمكن الْمُكَلف من علمه) أَي النَّاسِخ (وَقد يُقَال) على الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين (الْإِثْم) إِنَّمَا هُوَ (لقصد الْمُخَالفَة) للمشروع عِنْده (مَعَ

الِاعْتِقَاد) للمخالفة (فيهمَا) أَي الْوَجْهَيْنِ (لَا لنَفس الْفِعْل) كَمَا فِي من وطئ امْرَأَته يَظُنهَا أَجْنَبِيَّة فَإِنَّهُ لَا يَأْثَم بِالْوَطْءِ بل بالجراءة عَلَيْهِ (وَلَا نؤثمه) بترك الْعَمَل بالناسخ (قبل تمكن الْعلم) بالناسخ لعدم لُزُوم الِامْتِثَال قبل التَّمَكُّن: يَعْنِي لم لَا يجوز أَن يكون حكم النَّاسِخ ثَابتا فِي نفس الْأَمر وَيكون إِثْم التّرْك لما ذكر، لَا لِأَنَّهُ لَو ترك مَا هُوَ الْوَاجِب عَلَيْهِ: أَي الْمَنْسُوخ، وإثم الْفِعْل أَيْضا لذَلِك لَا لِأَنَّهُ فعل الْمحرم، ثمَّ أَشَارَ إِلَى فَائِدَة اعْتِبَار ثُبُوت الحكم الْمَذْكُور مَعَ عدم التأثيم بِالتّرْكِ بقوله (إِنَّمَا يُوجب) بِاعْتِبَار ثُبُوت حكمه (التَّدَارُك) بِالْقضَاءِ فِيمَا يُمكن التَّدَارُك (كَمَا لَو لم يعلم بِدُخُول الْوَقْت) الَّذِي عين للموقت كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم (وَخُرُوجه) فَإِن الشَّرْع يعْتَبر الْوُجُوب بِدُخُولِهِ مَعَ عدم إِمْكَان الْأَدَاء لمصْلحَة الْقَضَاء إِذا علم فِيمَا بعد أَنه فَاتَهُ الْأَدَاء، ثمَّ أَشَارَ إِلَى جَوَاب النَّقْض بقوله أَيْضا الخ فَقَالَ (وَالْفرق) بَين مَا قبل تَبْلِيغ جِبْرِيل وَمَا بعده (أَن مَا قبل تَبْلِيغ جِبْرِيل) هِيَ حَالَة للناسخ (قبل التَّعَلُّق) أَي قبل تعلقه بِفعل الْمُكَلف (أَن شَرطه) أَي شَرط تعلقه بِفِعْلِهِ (أَن يبلغ وَاحِدًا) من الْمُكَلّفين، وَلم يُوجد إِذْ ذَاك، بِخِلَاف مَا بعد التَّبْلِيغ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ مِنْهُم، فبمجرد بُلُوغه حصل الشَّرْط، وَأَيْضًا لَا يتَمَكَّن غَيره من الْعلم إِلَّا بعد الْبلُوغ إِذْ لَا يُمكن تلقيهم من جِبْرِيل (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِثُبُوت حكم النَّاسِخ فِي حكم الْأمة إِذا بلغ النَّبِي قبل أَن يبلغ الْأمة (حكم تجدّد) تعلقه وَظهر (فَلَا يعْتَبر الْعلم بِهِ) أَي لَا يتَوَقَّف ثُبُوته فِي حق الْأمة على وَاحِد مِنْهُم (للاتفاق على عدم اعْتِبَاره) أَي الْعلم بِهِ (فِيمَن لم يُعلمهُ) من الْأمة (بعد بُلُوغه وَاحِدًا) مِنْهُم فِي ثُبُوت الحكم عَلَيْهِ، فَكَذَا هَذَا فَثَبت فِي حق الْأمة إِذا بلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن لم يبلغهم (قُلْنَا بِبُلُوغِهِ وَاحِدًا حصل التَّمَكُّن) من الْعلم (وَلذَا) أَي ولحصول التَّمَكُّن ببلوغ الْوَاحِد (شرطناه) أَي بُلُوغ الْوَاحِد فِي تعلق الحكم فِي حق الْجَمِيع (بِخِلَاف مَا قبله) أَي قبل بُلُوغ الْعلم وَاحِد من الْأمة (فَافْتَرقَا) أَي صُورَة بُلُوغ الْعلم وَاحِدًا من الْأمة، وَصُورَة عَدمه، وَفِيه أَن الِاشْتِرَاط للتمكن من الْعلم، وَهُوَ حَاصِل ببلوغ الْعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الأَرْض، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقد يُقَال النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ذَلِك) الْوَاحِد (فبه) أَي بِبُلُوغِهِ (يحصل التَّمَكُّن) لَهُم من الْعلم بِهِ، وَلما أورد على دَلِيل مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة مَا أَفَادَهُ بقوله، وَقد يُقَال إِلَى آخِره قَالَ (فَالْوَجْه) فِي الِاسْتِدْلَال لنفي ثُبُوت حكم النَّاسِخ بعد تبليغه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل تبليغه هُوَ (السّمع) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف فِي حجَّة الْوَدَاع، فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله لم أشعر فحلقت قبل أَن أذبح قَالَ " اذْبَحْ وَلَا حرج " فساقه إِلَى أَن قَالَ فسائل يَوْمئِذٍ عَن شَيْء قدم وَلَا أخر إِلَّا قَالَ (افْعَل وَلَا حرج) بِنَاء (على) قَول (أبي حنيفَة) بِوُجُوب التَّرْتِيب بَين تِلْكَ الْمَنَاسِك حَتَّى يجب

مسئلة

بالإخلال بِهِ الدَّم بِمَا عَن ابْن عَبَّاس من قدم شَيْئا فِي حجه أَو أَخّرهُ فليهرق دَمًا فَإِن ظَاهر الحَدِيث أَنه إِنَّمَا سقط الدَّم لعدم الْعلم، فَعلم أَن عدم الْعلم يسْتَلْزم عدم تعلق الْوُجُوب وَعدم ثُبُوت الحكم فِي حَقهم، وَلَكِن قَول الحنقية عذرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْجَهْل، لِأَن الْحَال كَانَ فِي ابْتِدَاء أَمر الْحَج قبل أَن تتقرر مَنَاسِكه يدل على ثُبُوت الحكم فِي حَقهم: غير أَنهم عذروا لما ذكر فَتَأمل، وَأما وَاقعَة أهل قبَاء وإتيان خبر نسخ الْقبْلَة إيَّاهُم وهم فِي الصَّلَاة واستدارتهم إِلَى الْكَعْبَة من غير أَن يستأنفوا فتدل على عدم وجوب استقبالها فِي حَقهم قبل الْعلم. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَن هَذِه المسئلة مُلْحقَة بالمجتهد: يَعْنِي لَيست بقطعية. مسئلة (إِذا زَاد) الشَّارِع (فِي مَشْرُوع جُزْءا أَو شرطا لَهُ) حَال كَون ذَلِك الْمَزِيد (مُتَأَخِّرًا) عَن الْمَزِيد عَلَيْهِ بِزَمَان يَصح القَوْل بالنسخ فِيهِ (هُوَ) أَي الْمَزِيد (فعل) للمكلف (أَو وصف) لَهُ (كركعة فِي الْفجْر) مِثَال للْفِعْل فَرضِي إِذْ لم يشرع فِي المكتوبات رَكْعَة وَاحِدَة بل ورد فِي الْخَبَر الصَّحِيح أَنَّهَا شرعت ابْتِدَاء رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فالمفروض أَن تزاد فَتَصِير ثَلَاثَة (والتغريب فِي الْحَد) مِثَال آخر للْفِعْل، وَكِلَاهُمَا من أَمْثَال الْجُزْء (وَالطَّهَارَة فِي الطّواف) فعل وَشرط (وَوصف الْإِيمَان فِي الرَّقَبَة) وَهَذِه الْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء، وَهُوَ (فَهَل هُوَ) أَي الْمَزِيد (نسخ) للمزيد عَلَيْهِ أم لَا (فالشافعية والحنابلة) وَجمع من الْمُعْتَزلَة كالجبائي وَأبي هَاشم وَأكْثر الأشعرية (لَا) يكون نسخا (وَقيل إِن رفعت) الزِّيَادَة حكما شَرْعِيًّا كَانَت نسخا وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا للْقَاضِي وَأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ وَاسْتَحْسنهُ الإِمَام الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والآمدي وَابْن الْحَاجِب (بِنَاء على أَنَّهَا) أَي الزِّيَادَة (قد) ترفع حكما شَرْعِيًّا (وَقد) لَا ترفعه. وَفِي التَّلْوِيح نقلا عَن صَاحب التفتيح أَن هَذَا كَلَام خَال عَن التَّحْصِيل لِأَن كل وَاحِد يعلم ذَلِك. وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي أَي صُورَة تَقْتَضِي رفع حكم شَرْعِي وَأي صُورَة لَا تَقْتَضِيه. (وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا (نعم) هِيَ نسخ (لِأَنَّهَا ترفع حكما شَرْعِيًّا) قَالَ السُّبْكِيّ، وَاخْتَارَهُ بعض أَصْحَابنَا وَادّعى أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي (أما رفع مَفْهُوم الْمُخَالفَة) إِضَافَة الرّفْع إِلَى الْمَفْهُوم إِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول (كفى المعلوفة) زَكَاة (بعد) قَوْلنَا فِي (السَّائِمَة) زَكَاة، فَإِن مَفْهُوم هَذَا أَن لَا يكون فِي المعلوفة زَكَاة فقولنا فِي المعلوفة زَكَاة بعد هَذَا يرفع عدم وجوب الزَّكَاة الْمُسْتَفَاد بمفهومها (فنسبته) أَي رفع مَفْهُوم الْمُخَالفَة (إِلَى الْحَنَفِيَّة) كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (غلط إِذْ ينفونه) أَي الْحَنَفِيَّة مَفْهُوم الْمُخَالفَة ونسخه فرع وجوده، قيل والاعتذار أَن يُقَال مَعْنَاهُ أَنه لَو قَالُوا بِمَفْهُوم الْمُخَالفَة كَانَ نسخه رفعا عِنْدهم

وَلَا يخفى مَا فِيهِ (وَإِذا لزم) الزِّيَادَة (الرّفْع) والنسخ للمزيد عَلَيْهِ (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (امْتنع) اعْتِبَار الزِّيَادَة (بِخَبَر الْوَاحِد على الْقَاطِع) أَي على مَا ثَبت بِهِ لأَنهم لَا يجوزون نسخ مَا ثَبت بالقطعي بالظني (فمنعوا) أَي الْحَنَفِيَّة (زِيَادَة الطَّهَارَة) فِي الطّواف (وَالْإِيمَان) فِي كَفَّارَة الظِّهَار وَالْيَمِين (والتغريب) فِي حد الزِّنَا بِخَبَر الْوَاحِد فِي الأول كَمَا تقدم فِي المسئلة الَّتِي يَليهَا بَاب السّنة، وَفِي الْأَخير كَمَا تقدم فِي مسئلة حمل الصَّحَابِيّ مرويه الْمُشْتَرك الخ، وبالقياس على كَفَّارَة الْقَتْل فِي الثَّانِي (على مَا سلف) أَي الطّواف والرقبة وَالْحَد (إِذْ يرفع) الظني فِي هَذِه الصُّورَة أحكاما: يَعْنِي (حُرْمَة الزِّيَادَة فِي الْحَد والأجزاء بِلَا طَهَارَة) فِي الطّواف (و) الْأَجْزَاء بِلَا (إِيمَان) فِي تَحْرِير الرَّقَبَة فِي الكفارتين (وإباحته) أَي كل من الطّواف والتحرير (كَذَلِك) أَي بِلَا طَهَارَة فِي الأول وَبلا إِيمَان فِي الثَّانِي (وَهُوَ) أَي كل من الْحُرْمَة والأجزاء وَالْإِبَاحَة (حكم شَرْعِي هُوَ مُقْتَضى إِطْلَاق النَّص) أَي - {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} - وتحرير رَقَبَة - وَآيَة الْجلد (فَهُوَ) أَي كل مِنْهَا ثَابت (بِدَلِيل شَرْعِي) هُوَ النَّص (وعمومات تَحْرِيم الْأَذَى) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا ضَرَر وَلَا ضرار " وَقد ذكر أَبُو دَاوُد أَنه من الْأَحَادِيث الَّتِي يَدُور الْفِقْه عَلَيْهَا، وَقَوله وعمومات مَعْطُوف على إِطْلَاق النَّص، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زِيَادَة التَّغْرِيب على الْحَد. (وَعبد الْجَبَّار) قَالَ الزِّيَادَة (إِن غيرته) أَي الْمَزِيد عَلَيْهِ تغييرا شَرْعِيًّا (حَتَّى لَو فعل) الْمَزِيد عَلَيْهِ بعد الزِّيَادَة كَمَا كَانَ يفعل قبلهَا (وَجب استئنافه كزيادة رَكْعَة فِي الْفجْر أَو) كَانَ (تخييره) أَي الْمُكَلف (بَين) خِصَال (ثَلَاث) كأعتق أَو صم أَو أطْعم (بعده) أَي تخييره (فِي ثِنْتَيْنِ) مِنْهَا كأعتق أَو صم فَقَوله أَو تخييره بِتَقْدِير كَانَ مَعْطُوف على مَدْخُول أَن وجوابهما مَحْذُوف: أَي فَهِيَ نسخ، وَالْأول ظَاهر، وَالثَّانِي (لرفع حُرْمَة تَركهمَا) أَي الخصلتين الأولتين مَعًا مَعَ فعل الثَّالِثَة بعد أَن كَانَ تَركهمَا محرما (بِخِلَاف زِيَادَة التَّغْرِيب على الْحَد وَعشْرين على الثَّمَانِينَ) فَإِنَّهَا لَيست نسخا عِنْده لِأَن وجود الْمَزِيد عَلَيْهِ بِدُونِ الزِّيَادَة لَيْسَ كَالْعدمِ، وَلَا يجب فِيهِ اسْتِئْنَاف الْمَزِيد عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يجب ضمهَا إِلَى الْمَزِيد عَلَيْهِ (وَغلط فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْأَخير (بَعضهم) أَي ابْن الْحَاجِب حَيْثُ جعل وجود الْمَزِيد فِيهِ بِدُونِهَا كَالْعدمِ وَأَن الزِّيَادَة فِيهِ نسخ قَالَ السُّبْكِيّ: وَمَا يُقَال شَرط الضربات أَن تكون مُتَوَالِيَة فَلَو أَتَى بِثَمَانِينَ مُنْفَصِلَة من عشْرين لم يكن ضم الْعشْرين إِلَيْهَا تكلّف مَحْض، ثمَّ إِنَّه قد يجلد فِي يَوْم ثَمَانِينَ، وَفِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ عشْرين وَذَلِكَ يجزى، قَالَه الْأَصْحَاب إِنَّمَا الْمُمْتَنع تَفْرِقَة لَا يحصل بهَا إيلام وتنكيل وزجر كَمَا إِذا ضربه فِي كل يَوْم سَوْطًا أَو سوطين، وَعَن الْكَرْخِي وَأبي عبد الله الْبَصْرِيّ أَن زِيَادَة مثل وجوب ستر شَيْء من الرّكْبَة بعد وجوب ستر الْفَخْذ لَا يكون نسخا لوُجُوب ستر كل الْفَخْذ وَهُوَ لَا يتَصَوَّر

بِدُونِ ستر الْبَعْض بل يقرره انْتهى وَفِيه تَأمل (وَالأَصَح فِي زِيَادَة صَلَاة) على الْخمس لَو وَقعت (عَدمه) أَي النّسخ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور (وَقيل نسخ) وَنسب إِلَى بعض مَشَايِخنَا الْعِرَاقِيّين (لوُجُوب الْمُحَافظَة على الْوُسْطَى) الْمُسْتَفَاد من قَوْله تَعَالَى - {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} - إِذْ الزِّيَادَة تخرجها عَن كَونهَا وسطى (وَالْجَوَاب) أَن الزِّيَادَة (لَا تبطل وجوب مَا كَانَ مُسَمّى الْوُسْطَى صَادِقا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا بَطل كَونهَا وسطى) لِأَن مَعْنَاهَا الْمُتَوَسّط بَين الصَّلَوَات فَلَو زيدت عَلَيْهَا صلاتان لَا تبطل الْوُسْطَى إِلَّا إِذا كَانَت اسْما لصَلَاة مَخْصُوصَة وَاعْتبر لَهَا مُبْتَدأ مَخْصُوص أما الصُّبْح أَو الْعَصْر أَو غَيرهمَا على اخْتِلَاف الْأَقْوَال (وَلَيْسَ) كَونهَا وسطى (حكما شَرْعِيًّا) بل أَمر حَقِيقِيّ فَلَا يكون رَفعه نسخا (وَأما نقص جُزْء) من الْمَشْرُوع (أَو) نقص (شَرط) (فنسخ اتِّفَاقًا لحكمه) أَي حكم ذَلِك الْجُزْء أَو الشَّرْط (ثمَّ قيل هُوَ نسخ لما) هُوَ جُزْء (مِنْهُ) أَو شَرط لَهُ. وَفِي الشَّرْح العضدي. وَأما النُّقْصَان فِيهَا وَهُوَ أَن ينقص جُزْء أَو شَرط مثل أَن يسْقط من الظّهْر رَكْعَتَانِ أَو يبطل اشْتِرَاط الطَّهَارَة فِيهِ فَهُوَ نسخ للجزء وللشرط اتِّفَاقًا وَهل هُوَ نسخ لتِلْك الْعِبَادَة؟ الْمُخْتَار أَنه لَيْسَ بنسخ لَهَا، وَقيل نسخ، وَقَالَ عبد الْجَبَّار: إِن كَانَ جُزْءا فنسخ وَإِن كَانَ شرطا فَلَا انْتهى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَعبد الْجَبَّار أَن) كَانَ (جُزْءا لنا لَو كَانَ) نقص بعض الرَّكْعَات مثلا (نسخا لوُجُوب الرَّكْعَات الْبَاقِيَة افْتَقَرت) الرَّكْعَات الْبَاقِيَة (إِلَى دَلِيل آخر لَهُ) أَي للْوُجُوب، لِأَن ارْتِفَاع الحكم مسلتزم لارْتِفَاع دَلِيله وَالْإِجْمَاع على عدم افتقارها إِلَى دَلِيل ثَان وَكَذَا الْكَلَام فِي الشَّرْط (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِأَن نُقْصَان الْجُزْء أَو الشَّرْط نسخ للمشروع (حرمت) الصَّلَاة (بِلَا شَرطهَا) الَّذِي هُوَ الطَّهَارَة مثلا (و) حرمت بِدُونِ (بَاقِيهَا) الَّذِي هُوَ جزؤها السَّاقِط (وَارْتَفَعت حرمته) أَي الْمَشْرُوع الَّذِي هُوَ الصَّلَاة مثلا (بِنَقص الشَّرْط) والجزء (وَإِذن فَلَا معنى لتفصيل عبد الْجَبَّار) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ارْتِفَاع تَحْرِيم الْمَشْرُوع بدونهما بعد أَن كَانَ محرما (أُجِيب بِأَن وجوب الْبَاقِي) بعد النَّقْص (عين وُجُوبه الأول وَلم يَتَجَدَّد وجوب بل) إِنَّمَا يَتَجَدَّد (إبِْطَال وجوب مَا نقص، فَظهر أَن حكمهم) أَي الْقَائِلين بِأَن نقص الْجُزْء وَالشّرط نسخ للمشروع (بِهِ) أَي بنسخ الْمَشْرُوع إِنَّمَا هُوَ (لرفع حُرْمَة لَهَا) أَي لتِلْك الْحُرْمَة (نِسْبَة) أَي تعلق (بِالْبَاقِي) بعد النَّقْص. وَفِي نُسْخَة للْبَاقِي: أَي إِلَيْهِ (على تَقْدِير) الْبَاقِي (الِاقْتِصَار) على مَا سوى الْجُزْء وَالشّرط المنسوخين قبل وُرُود النُّقْصَان (وَعِنْدنَا هُوَ) أَي نسخ الْمَشْرُوع النَّاقِص جزؤه أَو شَرطه إِنَّمَا يكون (بِرَفْع الْوُجُوب) أَي وجوب الْمَشْرُوع الْمَذْكُور (لِأَنَّهُ) أَي الْوُجُوب هُوَ (الحكم) الثَّابِت لذَلِك الْمَشْرُوع (الْآن) أَي فِي حَال طرُو النَّقْص من حَيْثُ الْجُزْء أَو الشَّرْط (وَذَاكَ) أَي الْحُرْمَة الْمُتَعَلّقَة بِالْبَاقِي على تَقْدِير الِاقْتِصَار

مسئلة

على مَا ذكر (كالمضاف) أَي كَالْحكمِ الْمُضَاف علته إِلَى وَقت مُسْتَقْبل كَمَا إِذا قَالَ فِي رَجَب أجرت الدَّار من غرَّة رَمَضَان يثبت الحكم من غرَّة رَمَضَان فالحرمة الْمَذْكُورَة لَيست بثابتة الْآن بل على التَّقْدِير الْمَذْكُور، وَالْمُعْتَبر فِي النّسخ رفع حكم ثَابت أَن تحقق النَّاسِخ، هَذَا. وَجعل الشَّارِح ضمير هُوَ لنُقْصَان الْجُزْء وَالشّرط، وَفسّر الْوُجُوب بوجوبهما لِأَنَّهُ يرفع وجوبهما الْآن بِمَا بعد النُّقْصَان، فَالْمَعْنى حِينَئِذٍ وَعِنْدنَا نُقْصَان الْجُزْء وَالشّرط يرفع وجوبهما، لِأَن رفع وجوبهما هُوَ الحكم بعد النُّقْصَان، وَهَذَا كَمَا ترى لَا مُحَصل لَهُ وَلَا مُقَابلَة بَين هَذَا وَبَين مَضْمُون مَا ظهر من حكمهم بالنسخ لرفع الْحُرْمَة الْمَذْكُورَة، على أَن ارْتِفَاع حكم الْجُزْء وَالشّرط مِمَّا لَا نزاع فِيهِ (وَقيل) وَالْقَائِل الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (الْخلاف) إِنَّمَا هُوَ (فِي) نسخ (الْعِبَادَة) الَّتِي نقص جزؤها أَو شَرطهَا (وَهِي الْمَجْمُوع) من الْأَجْزَاء (لَا مُجَرّد الْبَاقِي) مِنْهَا فالنزاع فِي نسخهَا بِمَعْنى ارْتِفَاع وجوب جَمِيع أَجْزَائِهَا (وَلَا شكّ فِي ارْتِفَاع وجوب الْأَرْبَع) بارتفاع وجوب رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا (واتجه) بتحرير مَحل النزاع على هَذَا الْوَجْه (تَفْصِيل عبد الْجَبَّار) بَين الْجُزْء وَالشّرط وَلذَا قَالَ الْمُحَقق وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا مُرَاد القَاضِي عبد الْجَبَّار (وَلَا شكّ فِي صدق ذَلِك) أَي ارْتِفَاع وجوب الْأَرْبَع (بِصدق كل من نسخ وجوب أَحدهَا) أَي أحد أَجْزَائِهَا (أَو) نسخ (وجوب كل) أَي كل جُزْء (مِنْهَا وَالثَّانِي) أَي نسخ وجوب كل جُزْء مِنْهَا (مَمْنُوع وَالْأول) أَي نسخ وجوب أحد أَجْزَائِهَا (مرادنا فَفِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا نسخ وجوب) جُزْء (وَاحِد دون الْبَاقِي وَإِن كَانَ يصدق ذَلِك) أَي ارْتِفَاع وجوب الْأَرْبَع (بِهِ) أَي بنسخ وجوب جُزْء مِنْهَا (فبمَا فِي التَّحْقِيق اعتبارنا) أَي فَثَبت بِالْوَجْهِ الثَّابِت فِي التَّحْقِيق على مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ بقولنَا فَفِي الْحَقِيقَة إِلَى آخِره اعتبارنا: يَعْنِي الْجُمْهُور، وَمِنْهُم الْحَنَفِيَّة (ولبعضهم هُنَا خبط) فَائِدَة هَذَا الْكَلَام الْأَشْعَار بِأَن الْمحل مزلقة الْأَقْدَام يحْتَاج إِلَى مزِيد التَّأَمُّل، قَالَ السُّبْكِيّ وَقد يُقَال إِن قُلْنَا أَن الْعِبَادَة مركبة من السّنَن والفرائض كَانَ القَوْل بِأَن نُقْصَان السّنَن نسخ لَهَا كالقول فِي نُقْصَان الْجُزْء، وصنيع الْفُقَهَاء يدل عَلَيْهِ حَيْثُ يذكرُونَ فِي وصف الصَّلَاة سننها انْتهى، وَالْأَمر فِيهِ سهل لِأَنَّهُ إِن أُرِيد بنسخها نسخهَا بِاعْتِبَار تِلْكَ الصّفة فَلَا نزاع فِيهِ، وَإِن أُرِيد نسخهَا بِاعْتِبَار أَرْكَانهَا وفرائضها فَلَا وَجه لَهُ. مسئلة (يعرف النَّاسِخ بنصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) على كَونه نَاسِخا (وَضبط تَأَخره) أَي وَيعرف بضبط تَأَخّر النَّاسِخ عَن الْمَنْسُوخ (وَمِنْه) أَي من ضبط تَأَخره مَا فِي صَحِيح مُسلم

(كنت نَهَيْتُكُمْ) عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها: الحَدِيث فَإِن تَأَخّر زوروها مَنْصُوص فضبط بِهَذَا الطَّرِيق (وَالْإِجْمَاع على أَنه نَاسخ) مَعْطُوف على نَصه (أما) الحكم بِأَن هَذَا نَاسخ (بقول الصَّحَابِيّ هَذَا نَاسخ فَوَاجِب عِنْد الْحَنَفِيَّة لَا الشَّافِعِيَّة) قَالُوا لَا يجب (لجَوَاز اجْتِهَاده) أَي لجَوَاز أَن يكون حكمه بالنسخ عَن اجْتِهَاده وَلَا يجب على الْمُجْتَهد اتِّبَاع اجْتِهَاده (وَتقدم) فِي مسئلة حمل الصَّحَابِيّ مرويه الْمُشْتَرك وَنَحْوه على أحد مَا يحْتَملهُ (مَا يفِيدهُ) أَي وجوب قبُوله كَمَا هُوَ قَول الْحَنَفِيَّة (وَفِي تعَارض متواترين) إِذا عين الصَّحَابِيّ أَحدهمَا (فَقَالَ هَذَا نَاسخ لَهُم) أَي الشَّافِعِيَّة (احْتِمَال النَّفْي) لقبُول كَونه النَّاسِخ (لرجوعه) أَي قبُول كَونه نَاسِخا (إِلَى نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد) أَي قَول الصَّحَابِيّ (و) نسخ الْمُتَوَاتر (بِهِ) أَي بالمتواتر (والآحاد دَلِيله) أَي دَلِيل كَونه نَاسِخا، يَعْنِي أحد الْأَمريْنِ لَازم إِذْ مُجَرّد التَّعَارُض بَين المتواترين لَا يسْتَلْزم نسخ أَحدهمَا للْآخر، وَلَو سلم لم يتَعَيَّن أَحدهمَا بِعَيْنِه أَن يكون نَاسِخا إِلَّا بقوله فإمَّا ينْسب النّسخ إِلَيْهِ نظرا إِلَى إِنَّه الْوَاجِب لعلمنا بالنسخ، وَإِمَّا ينْسب إِلَى الْمُتَوَاتر لِأَنَّهُ الْمعَارض الْمُتَأَخر، وَدَلِيل تَأَخره قَوْله والآحاد كَمَا لَا يصلح نَاسِخا للمتواتر لَا يصلح دَلِيلا للنسخ لَهُ (وَالْقَبُول) مَعْطُوف على النَّفْي أَي وَلَهُم احْتِمَال الْقبُول (إِذْ مَا لَا يقبل) على صِيغَة الْمَجْهُول (ابْتِدَاء قد يقبل مَآلًا كشاهدي الاحصان) فَإِن شَهَادَة الِاثْنَيْنِ فِي حق الرَّجْم لَا تقبل ابْتِدَاء، بل لَا بُد من الْأَرْبَعَة ليشهدوا بِالزِّنَا ابْتِدَاء، ثمَّ أَن الرَّجْم مَشْرُوط بِكَوْن الزَّانِي مُحصنا، فَفِي إِثْبَات الاحصان تقبل شَهَادَتهمَا فقد قبل شَهَادَتهمَا فِي الرَّجْم مَآلًا، وَشَهَادَة النِّسَاء فِي الْولادَة مَقْبُولَة مَعَ أَنه يَتَرَتَّب عَلَيْهِ النّسَب، وَلَا تقبل فِي النّسَب إِلَى غير ذَلِك (فَوَجَبَ الْوَقْف) لتساوي احتمالي النَّفْي وَالْقَبُول وَعدم مَا يرجح أَحدهمَا (فَإِن) كَانَ الْوَقْف (عَن الحكم بالنسخ فكالأول) أَي فَلَا وَجه لَهُ إِذْ هُوَ كَالْأولِ، وَهُوَ قَوْله هَذَا نَاسخ فِي غير المتواترين، وَقد عرفت أَنه لَا وقف هُنَاكَ بل هُوَ نَاسخ عِنْد الْحَنَفِيَّة غير نَاسخ عِنْد الشَّافِعِيَّة (وَإِن) كَانَ (عَن التَّرْجِيح) لأحد المتواترين (فَلَيْسَ) التَّرْجِيح (لَازِما) للمتعارضين ليلزم من عَدمه إلغاؤهما مَعًا (بل) اللَّازِم (أحد الْأَمريْنِ مِنْهُ) أَي التَّرْجِيح (وَمن الْجمع) بَينهمَا إِذا أمكن. هَذَا، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ وَغَيره لَو قَالَ هَذَا الحَدِيث سَابق قبل إِذْ لَا مدْخل للِاجْتِهَاد فِيهِ، وَالضَّابِط أَن لَا يكون نَاقِلا فَيُطَالب بالحجاج، وَأما إِذا كَانَ نَاقِلا فَتقبل ثمَّ هِيَ الطّرق الصَّحِيحَة فِي معرفَة النَّاسِخ (بِخِلَاف بعديته) أَي أحد النصين عَن الآخر (فِي الْمُصحف) فيستدل بهَا على بعديته فِي النُّزُول (و) بِخِلَاف (حَدَاثَة سنّ الصَّحَابِيّ) الرَّاوِي لأحد النصين (فتتأخر صحبته) أَي فيستدل بحداثة سنه على تَأَخّر صحبته (فمرويه) أَي فيستدل بحداثة سنه بتأخر صحبته على تَأَخّر مرويه (و) بِخِلَاف (تَأَخّر إِسْلَامه)

فيستدل بِهِ على تَأَخّر مروية (لجَوَاز قلبه) أَي جَوَاز أَن يكون الْوَاقِع عكس هَذِه الصُّورَة فَإِن تَرْتِيب الْمُصحف لَيْسَ على تَرْتِيب النُّزُول، وَكم من صَحَابِيّ حَدِيث السن رِوَايَته مُتَقَدّمَة على رِوَايَة كَبِير السن، وَهَكَذَا فِي الْمُتَأَخر إِسْلَامه (وَكَذَا) لَيْسَ من الطّرق الصَّحِيحَة لتعيين النَّاسِخ (مُوَافَقَته) أَي أحد النصين (للبراءة الْأَصْلِيَّة تدل على تَأَخره) عَن الْمُخَالف لَهَا (لفائدة رفع الْمُخَالف) يَعْنِي على تَقْدِير تقدمه لَا يُفِيد إِلَّا مَا أَفَادَهُ الْأَصْلِيّ وَهُوَ لَيْسَ بفائدة جَدِيدَة. وَفِي الشَّرْح العضدي وَمِنْهَا مُوَافَقَته لحكم الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة فَيدل على تَأَخره من جِهَة أَنه لَو تقدم لم يفد إِلَّا مَا علم بِالْأَصْلِ فيعرى عَن الْفَائِدَة، وَإِذا تَأَخّر أَفَادَ الآخر رفع حكم الأَصْل وَهَذَا رفع حكم الأول. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ هَهُنَا بَيَان لكيفية الِاسْتِدْلَال وَلم يبين ضعفه لظُهُوره بِنَاء على أَنه لَا يزِيد على قَول الصَّحَابِيّ واجتهاده مَعَ أَن الْعلم يكون مَا علم بِالْأَصْلِ ثَابتا عِنْد الشَّرْع حكما من أَحْكَامه فَائِدَة جليلة، وَالشَّارِح الْعَلامَة عكس فَتوهم أَن مُوَافقَة الأَصْل تجْعَل دَلِيل التَّقَدُّم والمنسوخية انْتهى، فقد علم بذلك أَنه على تَقْدِير تَأَخّر الْمُوَافق يحصل لكل من النصين فَائِدَة جليلة، وعَلى تقدمه لَا تحصل الْفَائِدَة الجديدة إِلَّا لمخالف البراة الْأَصْلِيَّة، غير أَن الْمُحَقق أَفَادَ أَنه على تقدمه أَيْضا فَائِدَة جَدِيدَة وَقد عرفت (بِخِلَاف الْقلب) بِأَن يَجْعَل الْمُوَافق مُتَقَدما على الْمُخَالف وَقد بَيناهُ بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ ثمَّ تعقب الْمُحَقق بقوله (فَإِن حَاصله نسخ اجتهادي كَقَوْل الصَّحَابِيّ) هَذَا نَاسخ (اجْتِهَادًا) على أَنه يُمكن أَن يُعَارض بِأَن تَأَخّر الْمُوَافق يسْتَلْزم تغييرين وتقدمه لَا يسْتَلْزم إِلَّا تغييرا وَاحِدًا وَالْأَصْل قلَّة التَّغْيِير. (وَمَا قيل مَعَ أَن الْعلم بِكَوْن مَا علم بِالْأَصْلِ ثَابتا عِنْد الشَّرْع حكما من أَحْكَامه فَائِدَة جَدِيدَة) وَهَذَا مقول القَوْل، وَخبر مَا قيل (مُتَوَقف على تَسْمِيَة الشَّارِع رَفعه) أَي رفع حكم الأَصْل (نسخا، وَهُوَ) أَي كَون رَفعه يُسمى نسخا شرعا (مُنْتَفٍ بل الثَّابِت) شرعا (حِينَئِذٍ) أَي حِين رفع الْمُخَالف للبراءة الْأَصْلِيَّة حكم الْمُوَافق لَهَا (رَفعه) أَي رفع حكم الأَصْل (وَلَا يسْتَلْزم) رَفعه (ذَلِك) أَي كَونه نسخا (كرفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة) فَإِنَّهُ لَا يُسمى نسخا وَإِن كَانَ رفعا هَذَا، وَالَّذِي يظْهر أَن الحكم الْمُوَافق للبراءة الْأَصْلِيَّة الْمُسْتَفَاد من نَص الشَّارِع لَا شكّ فِي كَونه حكما شَرْعِيًّا وَلَو لم يكن قبل إِفَادَة النَّص إِيَّاه حكما شَرْعِيًّا عِنْد الْجُمْهُور لكَونه بِمَنْزِلَة الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة وَإِذا ثَبت كَونه شَرْعِيًّا لَا شُبْهَة فِي كَون رَفعه نسخا إِذْ لم يعْتَبر فِي مَفْهُوم النّسخ إِلَّا رفع الحكم الشَّرْعِيّ، وَالله تَعَالَى أعلم (وَمَا للحنفية فِي مثله) أَي فِي مثل مَا نَحن فِيهِ (فِي) بَاب (التَّعَارُض) بَين الْمحرم والمبيح (تَرْجِيح الْمُخَالف) أَي أحد النصين المتعارضين الَّذِي هُوَ مُخَالف لما هُوَ الأَصْل (حكما بتأخره) بَيَان لكيفية التَّرْجِيح أَي بِأَن يحكموا بِتَأْخِير الْمُخَالف حكما (كي لَا يتَكَرَّر النّسخ) إِن اعْتبر الْمُخَالف مقدما لِأَنَّهُ يلْزم

الباب الرابع في الإجماع

حِينَئِذٍ كَون الْمُقدم نَاسِخا للْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة ثمَّ نسخ هَذَا النَّاسِخ، وَلما كَانَ رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة لَيْسَ بنسخ فِي التَّحْقِيق فسر النّسخ بقوله (أَي الرّفْع أَو) النّسخ مَحْمُولا (على حَقِيقَته بِنَاء على مَا سلف عَن الطَّائِفَة) من الْحَنَفِيَّة الْقَائِلين بِأَن رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة نسخ (فَلَا يجب الْوَقْف) عَن الْعَمَل بِأحد النصين (غير أَنه) أَي الْمُخَالف لما هُوَ الأَصْل (مُرَجّح) على الْبناء للْمَفْعُول (لَا نَاسخ) على القَوْل الْمُخْتَار. الْبَاب الرَّابِع فِي الْإِجْمَاع (الْإِجْمَاع الْعَزْم والاتفاق لُغَة) على كَذَا، يَعْنِي تَارَة يُرَاد بِهِ الْعَزْم فَيُقَال فلَان أجمع على كَذَا إِذا عزم عَلَيْهِ، وَتارَة يُرَاد بِهِ الِاتِّفَاق فَيُقَال أجمع الْقَوْم على كَذَا: أَي اتَّفقُوا، وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى الاصطلاحي أنسب. وَعَن الْغَزالِيّ أَنه مُشْتَرك لَفْظِي، وَقيل أَن الْمَعْنى الْأَصْلِيّ لَهُ الْعَزْم، والاتفاق لَازم ضَرُورِيّ إِذا وَقع من جمَاعَة. (وَاصْطِلَاحا اتِّفَاق مجتهدي عصر من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَمر شَرْعِي) إِضَافَة مجتهدي عصر استغراقية فتفيد اتِّفَاق جَمِيعهم كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور، فَلَا يصدق التَّعْرِيف على قَول مُجْتَهد مُنْفَرد فِي عصره بِأَمْر شَرْعِي، وَعلم بذلك أَن لَا عِبْرَة بمخالفة غير الْمُجْتَهد: كَمَا لَا عِبْرَة بِاتِّفَاق غير الْمُجْتَهدين. قيل عدم اعْتِبَار الْعَاميّ فِي الْإِجْمَاع بالِاتِّفَاقِ، وَقيل القَاضِي أَبُو بكر يعْتَبر اتفاقه، وَالْمرَاد الْإِجْمَاع الْخَاص الَّذِي هُوَ أحد أَدِلَّة الْأَحْكَام، وَقد يُطلق الْإِجْمَاع وَيُرَاد بِهِ مَا يعم الْكل كالإجماع على أُمَّهَات الشَّرَائِع كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَتَحْرِيم الرِّبَا وَهُوَ خَارج المبحث، وَإِنَّمَا لم يعْتَبر قَول الْعَاميّ لِأَنَّهُ بِغَيْر دَلِيل فَلَا يعْتد بِهِ مَعَ أَنه لَو اعْتبر قَول الْعَوام لَا يتَحَقَّق الْإِجْمَاع لعدم إِمْكَان ضبطهم لانتشارهم شرقا وغربا، وَأما من حصل علما مُعْتَبرا من فقه أَو أصُول فَمنهمْ من اعْتبر اتفاقه أَيْضا، وَالْجُمْهُور على عدم اعْتِبَاره، ويفيد التَّعْرِيف اخْتِصَاص الْإِجْمَاع بِالْمُسْلِمين لِأَن الْإِسْلَام شَرط لاجتهادهم فَيخرج من يكفر ببدعته، وَبِقَوْلِهِ عصر أَي زمن طَال أَو قصر انْدفع توهم اعْتِبَار جَمِيع الْأَعْصَار إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَبِقَوْلِهِ أمة مُحَمَّد خرج إِجْمَاع الْأُمَم السالفة، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحجَّة كَمَا نَقله فِي اللمع عَن الْأَكْثَرين خلافًا للاسفرايني فِي جمَاعَة أَن إِجْمَاعهم قبل نسخ مللهم حجَّة، وَالْمرَاد بِالْأَمر الشَّرْعِيّ مَا لَا يدْرك لَوْلَا خطاب الشَّارِع سَوَاء كَانَ قولا أَو فعلا أَو اعتقادا أَو تقريرا، وَسَيَأْتِي أَنه حجَّة فِي بعض العقليات، خلافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة. وَقَالَ السُّبْكِيّ: وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي غير زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْإِجْمَاع لَا ينْعَقد فِي زَمَانه كَمَا ذكره الْأَكْثَرُونَ لِأَن قَوْلهم لَا يَصح دونه وَإِن كَانَ مَعَهم فالحجة

فِي قَوْلهم. وَقَالَ بَعضهم: ينْعَقد وَيُؤَيِّدهُ إِسْقَاط هَذَا الْقَيْد من التَّعْرِيف الْمَذْكُور (وعَلى) قَول (من شَرط لحجيته) أَي الْإِجْمَاع (والتعريف لَهُ) أَي وَالْحَال أَن يفْرض التَّعْرِيف لَهُ فَهُوَ جملَة مُعْتَرضَة بَين الْفِعْل ومفعوله أَعنِي (انْقِرَاض عصرهم) أَي المجمعين من مجتهدي ذَلِك الْعَصْر (زِيَادَة) قيد (إِلَى انقراضهم) بعد أَمر شَرْعِي سَوَاء كَانَت فَائِدَة الِاشْتِرَاط جَوَاز الرُّجُوع لَا دُخُول من سيحدث فِي إِجْمَاعهم كَمَا هُوَ قَول أَحْمد، أَو إِدْخَال من أدْرك عصرهم من الْمُجْتَهدين كَمَا هُوَ قَول بَاقِي المشترطين (و) على قَول (من شَرط) لحجية الْإِجْمَاع (عدم سبق خلاف مُسْتَقر) وَهُوَ يرى جَوَاز حُصُول الْإِجْمَاع بعد الْخلاف المستقر وَفرض التَّعْرِيف لَهُ وَقَيده بالمستقر لِأَن غير المستقر كَالْعدمِ (زِيَادَة غير مَسْبُوق بِهِ) أَي بِخِلَاف مُسْتَقر (وَإِذن) أَي وَإِذا عرفت طَرِيق الزِّيَادَة فِي التَّعْرِيف عِنْد قصد جعله لمن يشْتَرط زِيَادَة قيد (فَمن شَرط الْعَدَالَة) فِي أهل الْإِجْمَاع كاشتراط الْإِسْلَام (و) من شَرط (عدد التَّوَاتُر) فيهم لَهُ أَن يزِيد فِي التَّعْرِيف (مثله) أَي مَا ذكر فَزَاد للْأولِ عدُول بعد مجتهدي عصر، وَللثَّانِي لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب بعد عدُول إِن اتَّحد الشارط فيهمَا والإمكان عدُول. قَالَ الشَّارِح الأول للحنفية وموافقيهم، وَالثَّانِي لبَعض الْأُصُولِيِّينَ مِنْهُم إِمَام الْحَرَمَيْنِ (وَقَول الْغَزالِيّ) فِي تَعْرِيفه (اتِّفَاق أمة مُحَمَّد على أَمر ديني معترض بِلُزُوم عدم تصَوره) أَي وجوده لِأَن أمته كل الْمُسلمين من بعثته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَقبل الْقِيَامَة لَا إِجْمَاع وَبعدهَا لَا حجية (و) بِلُزُوم فَسَاد طرده) لَو أُرِيد بِهِ تنزلا اتِّفَاقهم فِي عصر مَا (أَن) اتَّفقُوا على أَمر ديني (لم يكن فيهم مُجْتَهد) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاع والتعريف يصدق عَلَيْهِ فَلَا يكون مطردا (وَأجِيب بسبق إِرَادَة الْمُجْتَهدين فِي عصر للمتشرعة) من اتِّفَاق أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمتبادر إِلَى الأذهان كالمصرح بِهِ (كَمَا سبق) هَذَا المُرَاد (من) الْمَرْوِيّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة) كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه (و) بِفساد (عَكسه لَو اتَّفقُوا على عَقْلِي أَو عرفي) لوُجُود الْمُعَرّف وَعدم صدق التَّعْرِيف. (أُجِيب) بِأَن وجود الْمُعَرّف فِي كل مِنْهُمَا (لَا يضر) بالتعريف (إِذا كَانَ) كل مِنْهُمَا (دينيا) لصدقه عَلَيْهِمَا (وَغَيره) أَي غير الديني (خرج) وَلَا يضر خُرُوجه إِذْ لَا حجية فِي الْإِجْمَاع عَلَيْهِ (وَادّعى النظام وَبَعض الشِّيعَة استحالته) أَي الْإِجْمَاع (عَادَة)، كَذَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره، وَقَالَ السُّبْكِيّ أَن هَذَا قَول بعض أَصْحَاب النظام، وَأما رَأْيه نَفسه فَهُوَ أَنه يتَصَوَّر، لَكِن لَا حجَّة فِيهِ، كَذَا نَقله القَاضِي وَأَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَابْن السَّمْعَانِيّ وَهِي طَريقَة الإِمَام الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه فِي النَّقْل عَنهُ هَكَذَا ذكره الشَّارِح وَإِنَّمَا أَحَالهُ من أَحَالهُ (لِأَن انتشارهم) أَي الْمُجْتَهدين فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وقفار الفيافى

وسباسبها (يمْنَع من نقل الحكم إِلَيْهِم) عَادَة (وَلِأَن الِاتِّفَاق) على الحكم الشَّرْعِيّ (إِن) كَانَ (عَن) دَلِيل (قَطْعِيّ أحالت الْعَادة عدم الِاطِّلَاع عَلَيْهِ) لتوفر الدَّوَاعِي على نَقله وَشدَّة تفحصهم وَحِينَئِذٍ فَيطلع عَلَيْهِ (فيغني) الْقطعِي (عَنهُ) أَي عَن الْإِجْمَاع (أَو) كَانَ (عَن ظَنِّي أحالت) الْعَادة (الِاتِّفَاق) النَّاشِئ (عَنهُ لاخْتِلَاف القرائح) أَي الْقُوَّة المفكرة (والأنظار) ومواد الاستنباط، وإحالتها لهَذَا (كإحالتها اتِّفَاقهم على اشتهاء طَعَام) وَاحِد. قَالُوا (وَلَو تصور) ثُبُوته فِي نَفسه (اسْتَحَالَ ثُبُوته) عِنْد النَّاقِل (عَنْهُم) أَي المجتمعين (لقضائها) أَي الْعَادة (بِعَدَمِ معرفَة أهل الْمشرق وَالْمغْرب) بأعيانهم (فضلا عَن أَقْوَالهم مَعَ خَفَاء بَعضهم) أَي الْمُجْتَهدين عَن النَّاس لحموله) أَي لكَونه غير مَعْرُوف مُطلقًا أَو بِالِاجْتِهَادِ (وَنَحْو أسره) فِي دَار الْحَرْب فِي مطمورة أَو عزلته وانقطاعه عَن النَّاس بِحَيْثُ خَفِي أَثَره (وتجويز رُجُوعه) عَن ذَلِك الْأَمر (قبل تقرره) أَي الْإِجْمَاع عَلَيْهِ بِأَن يرجع قبل قَول الآخر بِهِ فَلَا يَجْتَمعُونَ على قَول فِي زمَان يعْتد بِهِ وَيحكم فِيهِ بتقرر اتِّفَاقهم. قَالُوا (وَلَو أمكن) ثُبُوته عَنْهُم عِنْد الناقلين (اسْتَحَالَ نَقله إِلَى من يحْتَج بِهِ، وهم) أَي المحتجون بِهِ (من بعدهمْ لذَلِك بِعَيْنِه) أَي لقَضَاء الْعَادة بإحالة ذَلِك، فَإِن طَرِيق نَقله إِمَّا التَّوَاتُر أَو الْآحَاد (و) اسْتَحَالَ (لُزُوم التَّوَاتُر فِي المبلغين) يَعْنِي أَن عدد المبلغين إِن لم يبلغ حد التَّوَاتُر لَا يُفِيد الْقطع بتحقق الْإِجْمَاع فَكَانَ التَّوَاتُر فيهم أمرا لَازِما وَالْعَادَة تحيل لُزُومه لبعد أَن يُشَاهد أهل التَّوَاتُر جَمِيع الْمُجْتَهدين شرقا وغربا ويسمعوا مِنْهُم وينقلوا عَنْهُم إِلَى أهل التَّوَاتُر فِي الْعَصْر الآخر، وَهَكَذَا طبقَة عَن طبقَة إِلَى أَن يتَّصل بِنَا وَأما الْآحَاد فَلَا ينفع (إِذْ لَا يُفِيد الْآحَاد) الْعلم بِوُقُوعِهِ، هَكَذَا فسر الشَّارِح هَذَا الْمحل، ثمَّ قَالَ وَكَانَ الأولى حذف (وَالْعَادَة تحيله) أَي لُزُوم التَّوَاتُر فِي المبلغين وَذكر عَادَة بعد المبلغين انْتهى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عطف قَوْله وَلُزُوم التَّوَاتُر على فَاعل اسْتَحَالَ، وَالْوَجْه أَن يعْطف على مَدْخُول اللَّام فِي ذَلِك، وَالْمعْنَى اسْتَحَالَ نَقله لقَضَاء الْعَادة بإحالته وللزوم الثَّوَاب فِي المبلغين فَيكون قَوْله إِذْ لَا يُفِيد إِلَى آخِره تعليلا للزومه، وتلخيصه اسْتَحَالَ نَقله على وَجه يُفِيد الْعلم لِأَنَّهُ إِمَّا بطرِيق لآحاد أَو بطرِيق التوتر، لَا سَبِيل إِلَى الأول إِذْ لَا يُفِيد الْعلم، وانتفى لُزُوم الثَّانِي وَهُوَ التَّوَاتُر وَالْعَادَة تحيله فِي المبلغين وَالْحَاصِل أَنه علل اسْتِحَالَة النَّقْل أَولا بِقَضَاء الْعَادة بإحالته إِجْمَاعًا ثمَّ عللها على وَجه التَّفْصِيل بِكَوْنِهِ منحصرا فِي الطَّرِيقَيْنِ وَإِبْطَال كل مِنْهُمَا، غَايَة الْأَمر إِنَّه يتَمَسَّك فِي إبِْطَال الطَّرِيق الثَّانِي بإحالة الْعَادة. (وَالْجَوَاب منع الْكل) أَي القَوْل بِعَدَمِ ثُبُوته فِي نَفسه وَالْقَوْل بِعَدَمِ ثُبُوته عَن المجمعين على تَقْدِير ثوبته فِي نَفسه وَالْقَوْل بِعَدَمِ إِحَالَة الْعَادة للتواتر فِي المبلغين (مَعَ ظُهُور الْفرق بَين الْفَتْوَى بِحكم و) بَين (اشتهاء طَعَام) وَاحِد وَأكله

للْكُلّ لعدم الْجَامِع لاختلافهم فِي الدَّوَاعِي المشتهية باخْتلَاف الأمزجة بِخِلَاف الحكم الشَّرْعِيّ فَإِنَّهُ تَابع للدليل وَقد يكون بعض الْأَدِلَّة بِحَيْثُ تقبله الطبائع السليمة كلهَا لوضوحه (وَمَا بعد) أَي وَمَا بعد هَذَا الْقيَاس مَعَ الْفَارِق من المشبهتين الْأَخِيرَتَيْنِ (تشكيك مَعَ الضَّرُورَة) أَي فِي مُقَابلَة البديهي (إِذْ نقطع بِإِجْمَاع كل عصر) من الصَّحَابَة وهلم جرا (على تَقْدِيم الْقَاطِع على المظنون) وَمَا ذَاك إِلَّا بِثُبُوتِهِ عَنْهُم وَنَقله إِلَيْنَا وَلَا عِبْرَة بالتشكيك فِي الضروريات (وَيحمل قَول أَحْمد من ادَّعَاهُ) أَي الْإِجْمَاع (كَاذِب على استبعاد انْفِرَاد اطلَاع ناقله) عَلَيْهِ إِذْ لَو كَانَ صَادِقا لنقله غَيره أَيْضا، كَيفَ وَقد أخرج الْبَيْهَقِيّ عَنهُ قَالَ: أجمع النَّاس على أَن هَذِه الْآيَة فِي الصَّلَاة: يَعْنِي إِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا، فقد نقل الْإِجْمَاع، وَذهب ابْن تَيْمِية والأصفهاني إِلَى أَنه أَرَادَ اجماع غير الصَّحَابَة، أما إِجْمَاعهم فحجة مَعْلُوم تصَوره لكَون المجمعين ثمَّة فِي قلَّة والآن فِي كَثْرَة وانتشار. قَالَ الْأَصْفَهَانِي وَالْمنصف يعلم أَنه لَا خبر لَهُ من الْإِجْمَاع إِلَّا مَا يجد مَكْتُوبًا فِي الْكتب، وَمن الْبَين أَنه لَا يحصل الِاطِّلَاع عَلَيْهِ إِلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْهُم أَو بِنَقْل التَّوَاتُر إِلَيْنَا وَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِك إِلَّا فِي عصر الصَّحَابَة، وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: أَن مَا قَالَه إِنْكَار على فُقَهَاء الْمُعْتَزلَة الَّذين يدعونَ إِجْمَاع النَّاس على مَا يَقُولُونَهُ وَكَانُوا من أقل النَّاس معرفَة بأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَأحمد لَا يكَاد يُوجد فِي كَلَامه احتجاج بِإِجْمَاع بعد التَّابِعين وَبعد الْقُرُون الثَّلَاثَة انْتهى. قَالَ أَبُو إِسْحَاق الاسفرايني نَحن نعلم أَن مسَائِل الْإِجْمَاع أَكثر من عشْرين ألف مسئلة (وَهُوَ) أَي الْإِجْمَاع (حجَّة قَطْعِيَّة) عِنْد الْأمة (إِلَّا) عِنْد (من لم يعْتَمد بِهِ من بعض الْخَوَارِج والشيعة لأَنهم) أَي الْخَوَارِج والشيعة (مَعَ فسقهم) إِنَّمَا وجدوا (بعد الْإِجْمَاع) النَّاشِئ (عَن عدد التَّوَاتُر من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على حجيته) أَي الْإِجْمَاع (وتقديمه على الْقَاطِع) وَهَذَا متوارث بالتواتر، الشَّك فِيهِ كالشك فِي الضروريات (وَقطع مثلهم) أَي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اللَّازِم من تقديمهم إِيَّاه على الدَّلِيل الْقطعِي بِكَوْنِهِ حجَّة (عَادَة لَا يكون إِلَّا عَن سَمْعِي قَاطع فِي ذَلِك) لِأَن تَركهم الْقَاطِع الظني مِمَّا لَا يجوزه الْعقل السَّلِيم، فَقَوْلهم لأَنهم إِلَى آخِره تَعْلِيل لعدم الِاعْتِذَار بالمخالفين لفسقهم بِالْخرُوجِ عَن طَاعَة الإِمَام وَالْبَعْض للخلفاء وَمُخَالفَة مُوجب الدَّلِيل الْقطعِي الَّذِي علم وجوده إِجْمَاعًا لَا مُسْتَندا لِاتِّفَاق الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على حجيته، على أَنهم إِنَّمَا وجدوا بعد ذَلِك الإتفاق وَلَو كَانُوا موجودين فِي زَمَانه كَانَ يتَوَهَّم عدم انْعِقَاد الْإِجْمَاع بوجودهم لكَوْنهم مخالفين، وَقد علم بذلك أَن الْإِجْمَاع انْعَقَد على حجية الْإِجْمَاع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَيثبت) كَون الْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة (بِهِ) أَي بذلك السمعي الْقَاطِع فِي الْحَقِيقَة (وَذَلِكَ الإتفاق) الصَّادِر من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ (بِلَا اعْتِبَار حجيته دَلِيله) أَي السمعي الْمَذْكُور: يَعْنِي لَو كَانَ إِجْمَاع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ دَلِيلا

على السمعي الْمَذْكُور بِاعْتِبَار حجيته لَكَانَ يلْزم الدّور فِي إِثْبَات حجية الْإِجْمَاع مُطلقًا بذلك السمعي لِأَن توقف مُطلق حجية الْإِجْمَاع على ذَلِك السمعي يسْتَلْزم توقف هَذَا الْإِجْمَاع الْخَاص على ذَلِك السمعي، والمفروض توقف ذَلِك السمعي على حجية هَذَا الْإِجْمَاع الْخَاص لكَونه دَلِيله، وَحَيْثُ لم يكن الْإِجْمَاع الْخَاص بِاعْتِبَار حجيته دَلِيلا لم يكن السمعي الْمَذْكُور مَوْقُوفا على حجيته (فَلَا دور). وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه لَو كَانَ الْإِجْمَاع الْمَذْكُور دَلِيلا على وجود دَلِيل قَاطع لأحال الْعقل اتِّفَاق هَذَا الجم الْغَفِير لَا عَن قَطْعِيّ للُزُوم وجود دَلِيل قَطْعِيّ فِي إِجْمَاع الفلاسفة على قدم الْعَالم دفع ذَلِك بقوله (بِخِلَاف إِجْمَاع الفلاسفة على قدم الْعَالم لِأَنَّهُ) أَي إِجْمَاع الفلاسفة نَاشِئ (عَن) دَلِيل (عَقْلِي) مَحْض غير مَأْخُوذ من لوحي الإلهي والنصوص القاطعة. وَلِأَن ذَلِك (يزاحمه) أَي الْعقل (الْوَهم) لعدم مساعدة نور الْهِدَايَة فِي أفكارهم بِسَبَب اعتمادهم على الْعقل الْمَحْض - {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور} - {يهدي الله لنوره من يَشَاء} - وَقد علم من طَرِيق السّمع أَن نور الْهِدَايَة مَقْصُور على اتِّبَاع الْأَنْبِيَاء - {وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله} - فالعروة الوثقى التَّمَسُّك بِحَبل الله والتتبع لآثار الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام (على أَن التواريخ دلّت على) وجود (من يَقُول بحدوثه) أَي الْعَالم (مِنْهُم) الفلاسفة، وَنقل الشَّارِح عَن المُصَنّف عِنْد قِرَاءَة هَذَا الْمحل عَلَيْهِ قصَّة بِطُولِهَا تفِيد مَا ذكر (و) بِخِلَاف (إِجْمَاع الْيَهُود على نفي نسخ شرعهم) بِنَاء على نَص نقلوه (عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، و) بِخِلَاف إِجْمَاع (النَّصَارَى على صلب عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لاتباع الْآحَاد الأَصْل) أَي لاتباعهم فِي هذَيْن الافتراءين أَخْبَار الْآحَاد من أوائلهم (لعدم تحقيقهم) إِذْ لَو حققوا لم يجمعوا عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا موضوعان (بِخِلَاف من ذكرنَا) من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَإِنَّهُم محققون غير متبعين لأحد فِي ذَلِك (لأَنهم الْأُصُول) وَغَيرهم فروع لَهُم أخذُوا الْعلم عَنْهُم، لَا يُقَال هم أَيْضا يدعونَ التَّحْقِيق، لأَنا نقُول قد علم مَا يدل على عدم الِاعْتِمَاد عَلَيْهِم كالتحريف وَقتل الْأَنْبِيَاء إِلَى غير ذَلِك مِمَّا نطق بِهِ الْكتاب وَالسّنة (وَمن) الْأَدِلَّة (السمعية آحَاد) أَي أَخْبَار آحَاد (تَوَاتر: مِنْهَا) أَي من جملَة مضمونها قدر هُوَ (مُشْتَرك) مِنْهَا (لَا تَجْتَمِع أمتِي على الْخَطَأ وَنَحْوه) مِمَّا يدل على خُلَاصَة مضمونه (كثير)، وَقَالَ الشَّارِح بِإِضَافَة مُشْتَرك إِلَى مَا بعده وجر نَحوه بالْعَطْف على لَا تَجْتَمِع وَكثير على أَنه صفته: أَي الْقدر الْمُشْتَرك بَين هَذَا الحَدِيث وَغَيره انْتهى، وَلَا يخفى مَا فِيهِ وَالْقدر الْمُشْتَرك هُوَ عصمَة الْأمة عَن الْخَطَأ، وَمِنْهَا: إِن الله لَا يجمع أمتِي أَو قَالَ أمة مُحَمَّد على ضَلَالَة وَيَد الله مَعَ الْجَمَاعَة وَمن شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّار، وَمِنْهَا: أَن الله لَا يجمع هَذِه الْأمة على ضَلَالَة أبدا، وَأَن يَد الله مَعَ الْجَمَاعَة فاتبعوا السوَاد الْأَعْظَم، فَإِن من شَذَّ شَذَّ فِي النَّار، رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية إِلَى غير

ذَلِك مِمَّا لَا يَسعهُ الْمقَام، وَهَذَا طَرِيق الْغَزالِيّ وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْحَاجِب (وَمِنْهَا) قَوْله تَعَالَى - {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم} - (وَهُوَ) أَي غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ (أَعم من الْكفْر) فَيعم مَا يُخَالف إِجْمَاعهم (جمع بَينه) أَي اتِّبَاع غير سبيلهم (وَبَين المشاقة) للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي الْوَعيد فَيحرم) اتِّبَاع غير سبيلهم، إِذْ لَا يضم مُبَاح إِلَى حرَام فِي الْوَعيد، وَإِذا حرم اتِّبَاع غير سبيلهم يجب اتِّبَاع سبيلهم، لِأَن ترك اتِّبَاع سبيلهم اتِّبَاع لسبيل غَيرهم فَتَأمل (ويعترض) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ إِثْبَات حجية الْإِجْمَاع بِمَا) أَي بِشَيْء (لم تثبت حجيته) أَي ذَلِك الشَّيْء (إِلَّا بِهِ) أَي بِالْإِجْمَاع (وَهُوَ) أَي ذَلِك الشَّيْء (الظَّاهِر) وَهُوَ الْآيَة الْكَرِيمَة (لعدم قَطْعِيَّة) لفظ (سَبِيل الْمُؤمنِينَ فِي خُصُوص الْمُدَّعِي) وَهُوَ مَا أجمع عَلَيْهِ، لجَوَاز أَن يُرَاد سبيلهم فِي مُتَابعَة الرَّسُول، أَو فِي مناصرته، أَو فِيمَا صَارُوا بِهِ مُؤمنين، وَإِذا قَامَ الِاحْتِمَالَات كَانَ غَايَته الظُّهُور، والتمسك بِالظَّاهِرِ إِنَّمَا ثَبت بِالْإِجْمَاع على التَّمَسُّك بالظواهر المفيدة للظن إِذْ لولاه لوَجَبَ الْعَمَل بِالدّلَالَةِ الْمَانِعَة من اتِّبَاع الظَّن نَحْو قَوْله تَعَالَى - {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} - فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ إِثْبَاتًا للْإِجْمَاع بِمَا لم تثبت حجيته إِلَّا بِهِ فَيصير دورا، قَالَ الشَّارِح: وأفادنا المُصَنّف فِي الدَّرْس بِأَنَّهُ يُمكن الْجَواب عَن هَذَا على طَريقَة أَكثر الْحَنَفِيَّة بِأَن هَذَا الِاحْتِمَال لَا يقْدَح فِي قطعيته، فَإِن حكم الْعَام عِنْدهم ثُبُوت الحكم فِيمَا تنَاوله قطعا ويقينا فَيتم التَّمَسُّك بِهِ من غير احْتِيَاج إِلَى الْإِجْمَاع الْمَذْكُور انْتهى: يَعْنِي أَن سَبِيل الْمُؤمنِينَ عَام يتَنَاوَل جَمِيع تِلْكَ الِاحْتِمَالَات فيعمها، وَمن جُمْلَتهَا خُصُوص الْمُدَّعِي، ثمَّ قَالَ إِلَّا أَن السُّبْكِيّ ذكر أَن الشَّافِعِي استنبط الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَة على حجية الْإِجْمَاع وَأَنه لم يسْبق إِلَيْهِ. وَحكى أَنه تَلا الْقُرْآن ثَلَاث مَرَّات حَتَّى استخرجه، روى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل وَلم يدع: أَعنِي الشَّافِعِي الْقطع فِيهِ انْتهى. فَإِذا ادّعى الظَّن فَلَا إِشْكَال لَكِن الْمَطْلُوب الْقطع وَإِن ادّعى الْقطع أشكل بقوله بظنية دلَالَة الْعَام. وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا لَا يضر الْحَنَفِيَّة إِذا احْتَجُّوا بِهِ لإِفَادَة الْقطع (وَالِاسْتِدْلَال) على حجية الْإِجْمَاع كَمَا ذكره إِمَام الْحَرَمَيْنِ (بِأَنَّهُ) أَي الْإِجْمَاع (يدل على) وجود دَلِيل (قَاطع فِي الحكم) الْمجمع عَلَيْهِ (عَادَة) فحجيته قطعا بذلك الْقَاطِع (مَمْنُوع) فَإِن مُسْتَند الْإِجْمَاع قد يكون ظنيا، نعم يمْتَنع عَادَة اتِّفَاقهم على مظنون دق فِيهِ النّظر، لَا فِي الْقيَاس الْجَلِيّ وَنَظِيره من أَخْبَار الْآحَاد (بِخِلَاف مَا تقدم) من إِجْمَاع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على حجية الْإِجْمَاع (فَإِنَّهُ) أَي الْقطع بِهِ (قطع كل) أَي قطع كل وَاحِد من المجمعين بالمجمع عَلَيْهِ قبل انْعِقَاد الْإِجْمَاع وَإِن لم يقدمهُ على الْقَاطِع (وَالْقطع هُنَا) أَي فِيمَا سوى ذَلِك الْفَرد الْخَاص من سَائِر أَفْرَاد الْإِجْمَاع

مسئلة

يتَحَقَّق (بعده) أَي الْإِجْمَاع. قَالَ الشَّارِح: وَهَذَا من خَواص المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى (قَالُوا) أَي المخالفون. قَالَ الله تَعَالَى - {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء (فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول}} فَلَا مرجع عَن الْكتاب وَالسّنة. (الْجَواب لَو تمّ) هَذَا (لانتفى الْقيَاس وَلَا ينفونه) أَي المخالفون الْقيَاس (فَإِن رجعتموه) أَي الْقيَاس (إِلَى أَحدهمَا) أَي الْكتاب وَالسّنة (لثُبُوت أَصله) أَي الْقيَاس وَهُوَ الْمَقِيس عَلَيْهِ (بِهِ) أَي بِأَحَدِهِمَا (فَكَذَا لَا إِجْمَاع إِلَّا عَن مُسْتَند) وَهُوَ أَحدهمَا أَو الْقيَاس الرَّاجِع إِلَى أَحدهمَا (أَو خص) وجوب الرَّد (بِمَا) يَقع (فِيهِ) النزاع (وَهُوَ) أَي مَا فِيهِ النزاع (ضد الْمجمع عَلَيْهِ) فَإِن الْمجمع لَيْسَ مَحل الْخلاف، وَهَذَا (إِن لم يكن) وجوب الرَّد (خص بالصحابة) بِقَرِينَة الْخطاب (ثمَّ) لَو سلم عدم الِاخْتِصَاص وَهُوَ (ظَاهر لَا يُقَاوم الْقَاطِع) الَّذِي يدل على حجية الْإِجْمَاع من الْأَدِلَّة الْمَذْكُورَة وَغَيرهَا (وَأَيْضًا) قَالُوا (نَحْو) قَوْله تَعَالَى {(لَا تَأْكُلُوا} أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ - وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} - إِلَى غير ذَلِك مِمَّا ورد نهيا عَاما للْأمة (يُفِيد جَوَاز خطئهم) أَي الْأمة إِذْ لَو لم يجز صُدُور تِلْكَ المنهيات على سَبِيل الْعُمُوم لما أَفَادَ النَّهْي الْعَام إِذْ لَا يُنْهِي عَن الْمُمْتَنع (أُجِيب بعد كَونه) أَي النَّهْي (منعا لكل) لفظ كلي إفرادي يَكْفِي فِيهِ جَوَاز الْخَطَأ من كل فَرد على سَبِيل الْبَدَل (لَا الْكل) أَي الْكل المجموعى كَمَا زَعَمُوا ورتبوا عَلَيْهِ جَوَاز صُدُور المنهيات عَن جَمِيعهم (يمْنَع استلزام النَّهْي جَوَازًا صُدُور الْمنْهِي) عَنْهُم فِي نفس الْأَمر (بل يَكْفِي فِيهِ) أَي فِي كَون الْمنْهِي صَحِيحا (الْإِمْكَان الذاتي) لوُقُوع الْمنْهِي (مَعَ الِامْتِنَاع بِالْغَيْر وَمفَاده) أَي الْمنْهِي حِينَئِذٍ (الثَّوَاب بالعزم) على ترك الْمنْهِي إِذا خطر لَهُ فعله، وَهِي فَائِدَة عَظِيمَة. مسئلة (انْقِرَاض المجمعين) أَي مَوْتهمْ على مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ (لَيْسَ شرطا لحجيته) أَي لحجية إِجْمَاعهم (عِنْد الْمُحَقِّقين) مِنْهُم الْحَنَفِيَّة، وَنَصّ أَبُو بكر الرَّازِيّ وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب على أَنه الصَّحِيح وَابْن السَّمْعَانِيّ على أَنه أصح الْمذَاهب لأَصْحَاب الشَّافِعِي فَهُوَ حجَّة بِمُجَرَّد انْعِقَاده (فَيمْتَنع رُجُوع أحدهم) أَي المجمعين عَن ذَلِك الحكم لدلَالَة إِجْمَاعهم على أَنه حكم الله تَعَالَى يَقِينا (و) يمْتَنع (خلاف من حدث) من الْمُجْتَهدين بعد انْعِقَاد إِجْمَاعهم (وَشَرطه) أَي انقراضهم (أَحْمد وَابْن فورك) وسليم الرَّازِيّ والمعتزلة على مَا نَقله ابْن برهَان والأشعري على مَا ذكره الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور (مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ سَنَده قِيَاسا أَو غَيره، وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ (إِن كَانَ سَنَده قِيَاسا) لَا إِن كَانَ نصا قَاطعا، كَذَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره، قَالَ السُّبْكِيّ: وَهُوَ

وهم، فإمام الْحَرَمَيْنِ لَا يعْتَبر إِلَّا نقرض ألبته بل يفرق بَين الْمُسْتَند إِلَى قَاطع وَغَيره، فَلَا يشْتَرط فِيهِ تمادي زمَان (وَقيل) يشْتَرط الانقراض (فِي السكوتي) وَهُوَ مَا كَانَ بفتوى الْبَعْض وسكوت البَاقِينَ وَهُوَ مَذْهَب أبي إِسْحَاق الأسفرايني وَبَعض الْمُعْتَزلَة، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ، ثمَّ من المشترطين من اشْتِرَاط انْقِرَاض جَمِيع أَهله، وَمِنْهُم من اشْترط انْقِرَاض أَكْثَرهم فَإِن بَقِي من لَا يَقع الْعلم بِصدق خَبره كواحد واثنين لم يعْتَبر بِبَقَائِهِ، ثمَّ قَالَ الْغَزالِيّ قيل يَكْتَفِي بموتهم تَحت هدم دفْعَة إِذْ الْغَرَض انْتِهَاء أعمارهم عَلَيْهِ، والمحققون لَا بُد من انْقِضَاء مُدَّة تفِيد فَائِدَة فَإِنَّهُم قد يجمعُونَ على رَأْي وَهُوَ معرض للتغيير، ثمَّ الْقَائِلُونَ بالاشتراط. مِنْهُم من شَرط فِي انْعِقَاد، وَمِنْهُم فِي كَونه حجَّة. وَاخْتلف فِي فَائِدَة هَذَا الِاشْتِرَاط، فَأَحْمَد وَمن وَافقه جَوَاز رُجُوع المجمعين أَو بَعضهم قبل الانقراض وَلَو أَجمعُوا فانقرضوا مصرين على مَا قَالُوا كَانَ إِجْمَاعًا وَإِن خالفهم الْمُجْتَهد اللَّاحِق فِي زمانهم، وَذهب الْبَاقُونَ إِلَى أَنَّهَا جَوَاز الرُّجُوع وَإِدْخَال من أدْرك عصرهم من الْمُجْتَهدين فِي إِجْمَاعهم، ثمَّ لَا يشْتَرط انْقِرَاض عصر الْمدْرك الْمدْخل فِي إِجْمَاعهم وَإِلَّا لم يتم إِجْمَاع أصلا كَمَا نَقله إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره عَنْهُم (لنا) الْأَدِلَّة (السمعية توجبها) أَي حجَّة الْإِجْمَاع (بِمُجَرَّدِهِ) أَي بِمُجَرَّد اتِّفَاق مجتهدي عصر وَلَو فِي لَحْظَة، إِذْ الحجية تترتب على نفس الْإِجْمَاع وَهُوَ عبارَة عَن الِاتِّفَاق الْمَذْكُور فالاشتراط لَا مُوجب لَهُ، بل الْأَدِلَّة توجب خِلَافه (قَالُوا) أَي المشترطون (يلْزم) عدم اشْتِرَاطه (منع الْمُجْتَهد عَن الرُّجُوع) عَن ذَلِك الحكم (عِنْد ظُهُور مُوجبه) أَي الرُّجُوع (خَبرا) كَانَ الْمُوجب (أَو غَيره) وَاللَّازِم بَاطِل أما إِذا كَانَ خَبرا فلاستلزامه ترك الْعَمَل بالْخبر الصَّحِيح وَأما إِذا كَانَ عَن اجْتِهَاد فَلِأَنَّهُ لَا حجر على الْمُجْتَهد فِي الرُّجُوع عِنْد تغير الِاجْتِهَاد اتِّفَاقًا فِي غير الْمُتَنَازع فِيهِ فَهُوَ مُلْحق بِهِ (أُجِيب) وجود الْخَبَر مَعَ غَفلَة الْكل عَنهُ (بعيد بعد فحصهم) عَنهُ، والذهول عَنهُ بعد الِاطِّلَاع الْكَائِن بعد الفحص أبعد (وَلَو سلم) وجوده بعد ذَلِك (فَكَذَا) يُقَال للمشترطين إجماعكم بعد الانقراض لَيْسَ بِحجَّة وَإِلَّا لزم إِلْغَاء الْخَبَر الصَّحِيح إِذا اطلع عَلَيْهِ من بعدهمْ (فَهُوَ) أَي هَذَا الْإِلْزَام (مُشْتَرك) بَيْننَا وَبَيْنكُم فَمَا هُوَ جوابكم فَهُوَ جَوَابنَا، وَهَذَا جَوَاب جدلي (والحل) أَي حل شبهتهم بِحَيْثُ تضمحل (يجب ذَلِك) أَي إِلْغَاء الْخَبَر الصَّحِيح الْمُخَالف للمجمع عَلَيْهِ تَقْدِيمًا للقاطع وَهُوَ الْإِجْمَاع على مَا لَيْسَ بقاطع وَهُوَ الْخَبَر، وَلَا نسلم أَنه لَيْسَ بممنوع من الرُّجُوع من اجْتِهَاده الْمجمع عَلَيْهِ (وَلذَا) أَي التَّقْدِيم الْقَاطِع. قَالَ الشَّارِح: أَي كَون الرُّجُوع عِنْد ظُهُور مُوجبه لَيْسَ مُطلقًا بباطل، بل فِيمَا إِذا انْعَقَد الْإِجْمَاع عَلَيْهِ انْتهى، وسيظهر لَك مَا فِيهِ. (قَالَ عُبَيْدَة) بِفَتْح الْعين السَّلمَانِي (لعَلي) رَضِي الله عَنهُ (حِين رَجَعَ) عَليّ عَن عدم جَوَاز بيع أُمَّهَات

مسئلة

الْأَوْلَاد (قبله) أَي قبل انْقِرَاض المجمعين عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ اجْتمع رَأْيِي ورأي عمر فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد أَن لَا يبعن، ثمَّ رَأَيْت بعد أَن يبعن وَيَقُول عُبَيْدَة (رَأْيك) ورأي عمر (فِي الْجَمَاعَة أحب) إِلَيّ (من رَأْيك وَحدك) فِي الْفرْقَة فَضَحِك عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق وَلَيْسَ هَذَا مُخَالفَة الْإِجْمَاع (وَغَايَة الْأَمر أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) كَانَ (يرى اشْتِرَاطه) أَي انْقِرَاض الْعَصْر على أَن فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه خطب على مِنْبَر الْكُوفَة فَقَالَ: اجْتمع رَأْيِي ورأي أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر أَن لَا تبَاع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، وَأَنا الْآن أرى بيعهنَّ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدَة السَّلمَانِي: رَأْيك مَعَ الْجَمَاعَة أحب إِلَيْنَا من رَأْيك وَحدك فَأَطْرَقَ عَليّ رَأسه ثمَّ قَالَ اقضوا فِيهِ مَا أَنْتُم قاضون فَأَنا أكره أَن أُخَالِف أَصْحَابِي انْتهى. الظَّاهِر أَن المُرَاد بِأَصْحَابِي عُبَيْدَة وَمن مَعَه لَا عمر وَسَائِر الْأَصْحَاب، لِأَنَّهُ صرح أَولا بِقصد مخالفتهم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون رُجُوعا عَن ذَلِك الْقَصْد (قَالُوا) أَي المشترطون (لَو لم تعْتَبر مُخَالفَة الرَّاجِع لِأَن) القَوْل (الأول) وَفِي بعض النّسخ الأولى: أَي الْحجَّة الأولى (كل الْأمة) بِتَقْدِير الْمُضَاف أَي قَوْلهم (لم تعْتَبر مُخَالفَة من مَاتَ) قبل انْقِرَاض أهل عصر (لِأَن الْبَاقِي) بعد مَوته وهم المجمعون (كل الْأمة) وَاللَّازِم بَاطِل (أُجِيب) بِمَنْع بطلَان اللَّازِم إِذْ (عدم اعْتِبَار) مُخَالفَة الأول (الْمَيِّت مُخْتَلف) فِيهِ، فَمنهمْ من قَالَ لَا يعْتَبر (وعَلى) تَقْدِير (الِاعْتِبَار الْفرق) بَين الْمُخَالف السَّابِق على الْإِجْمَاع والمخالف الْمُتَأَخر عَنهُ (تحقق الْإِجْمَاع) أَولا بموافقته (قبل الرُّجُوع فَامْتنعَ) مُخَالفَته بعد (وَلم يتَحَقَّق) الْإِجْمَاع (قبل الْمَوْت) أَي قبل موت الْمُخَالف قبل اجْتِهَاده ليمنعه عَن الْمُخَالفَة، ثمَّ القَوْل لم يمت بِمَوْت قَائِله، لِأَن اعْتِبَار القَوْل بدليله لَا لذات الْقَائِل، وَدَلِيل الْمَيِّت بَاقٍ بعد مَوته. مسئلة (أَكثر الْحَنَفِيَّة والمحققون من الشَّافِعِيَّة) كالمحاسبي والاصطخري والقفال الْكَبِير وَالْقَاضِي أبي الطّيب وَابْن الصّباغ وَالْإِمَام الرَّازِيّ (وَغَيرهم) كالجبائي وَابْنه قَالُوا (لَا يشْتَرط لحجيته) أَي الْإِجْمَاع (انْتِفَاء سبق خلاف مُسْتَقر) لغير المجمعين، واستقرار الْخلاف أَن يتَّخذ كل من الْمُخَالفين مَا ذهب إِلَيْهِ مذهبا لَهُ، ويفتي بِهِ، وَقيل اسْتِقْرَار الْخلاف وَهُوَ زمَان المباحثة لم يثبت مذْهبه (وَخرج عَن أبي حنيفَة اشْتِرَاطه) أَي انْتِفَاء سبق خلاف مُسْتَقر لغَيرهم. قَوْله خرج دون نقل دلّ على أَنه لم يُصَرح بذلك (و) خرج (نَفْيه) أَي نفي الِاشْتِرَاط (عَن مُحَمَّد (و) خرج (عَن أبي يُوسُف كل) من اشْتِرَاطه وَنفي اشْتِرَاطه (من الْقَضَاء) أَي من سئلة

الْقَضَاء (بِبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد الْمُخْتَلف) فِيهِ جَوَازًا وَعدم جَوَاز (للصحابة) مُتَعَلق بالمختلف، وَهُوَ صفة بيع الْأُمَّهَات، وَذكر الشَّارِح أَن سَبَب الِاخْتِلَاف أَنه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوَرَثَة باعوا أم ولد " لَا تَبِيعُوهَا وأعتقوها فَإِذا سَمِعْتُمْ برقائق فائتوني أعوضكم مِنْهَا ". فَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَينهم بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ بَعضهم: أم الْوَلَد مَمْلُوكَة وَلَوْلَا ذَلِك لم يعوضهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ بَعضهم: بل هِيَ حرَّة أعْتقهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ (الْمجمع للتابعين على أحد قوليهم) أَي الصَّحَابَة فِيهِ صفة أُخْرَى للْبيع الْمَذْكُور، ثمَّ بَين أحد الْقَوْلَيْنِ بقوله (من الْمَنْع) عَن بيعهَا (لَا ينفذ) الْقَضَاء لصِحَّة بيعهنَّ (عِنْد مُحَمَّد) لِأَنَّهُ قَضَاء بِخِلَاف الْإِجْمَاع لِأَن جَوَاز البيع لم يبْق اجتهاديا بِالْإِجْمَاع فِي الْعَصْر الثَّانِي، وَمحل النَّفاذ فِي الخلافية لَا بُد أَن يكون اجتهاديا. (وَعَن أبي حنيفَة) أَنه (ينفذ) لِأَن الْخلاف السَّابِق منع انْعِقَاد الْإِجْمَاع الْمُتَأَخر فَلَا ينْقض الْقَضَاء (وَلأبي يُوسُف مثلهمَا). ذكره السَّرخسِيّ مَعَ أبي حنيفَة وَصَاحب الْمِيزَان مَعَ مُحَمَّد (وَالْأَظْهَر) من الرِّوَايَات كَمَا فِي الْفُصُول الاستروشنية وَغَيرهَا (لَا ينفذ عِنْدهم) أَي الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة جَمِيعًا، فِي التَّقْوِيم أَن مُحَمَّدًا روى عَنْهُم جَمِيعًا أَن الْقَضَاء بِبيع أم الْوَلَد لَا يجوز، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَن كلامنا فِي النَّفاذ لَا الْجَوَاز، وَكم من تصرف غير جَائِز لكنه بعد الْوُقُوع ينفذ (وَفِي الْجَامِع يتَوَقَّف) نفاذه (على إِمْضَاء قَاض آخر) أَن إمضاه نفذ وَإِلَّا بَطل، وَلما كَانَ يَقْتَضِي قَوْله وَالْأَظْهَر الخ عدم النَّفاذ عِنْد الْكل مُطلقًا، وَهُوَ مُوجب عِنْدهم اشْتِرَاط انْتِفَاء سبق الْخلاف، وَمَا فِي الْجَامِع يدل على النَّفاذ على تَقْدِير إِمْضَاء قَاض آخر، وَبَينهمَا نوع تدافع أَرَادَ أَن يدْفع ذَلِك، فَقَالَ (فالتخريج لهَذَا القَوْل) كَمَا فِي الْجَامِع واستنباط الْمَعْنى الفقهي فِيهِ بِنَاء (على عَدمه) أَي اشْتِرَاط انْتِفَاء الْخلاف السَّابِق لحجية الْإِجْمَاع اللَّاحِق (أَن) الْإِجْمَاع (الْمَسْبُوق) بِخِلَاف مُسْتَقر (مُخْتَلف) فِي كَونه إِجْمَاعًا، فَعِنْدَ الْأَكْثَر إِجْمَاع، وَعند الآخرين لَيْسَ بِإِجْمَاع (فَفِيهِ) أَي فَفِي كَونه إِجْمَاعًا (شُبْهَة) عِنْد من جعله إِجْمَاعًا، وَكَذَا لَا يكفر جاحده وَلَا يضلل (فَكَذَا مُتَعَلّقه) أَي فَكَمَا أَن فِي نفس هَذَا الْإِجْمَاع شُبْهَة كَذَلِك فِي مُتَعَلّقه الَّذِي هُوَ الحكم الْمجمع عَلَيْهِ شُبْهَة (فَهُوَ) أَي فالقضاء بذلك نَافِذ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمخالف للْإِجْمَاع الْقطعِي: بل للْإِجْمَاع الْمُخْتَلف فِيهِ فَكَانَ (كقضاء فِي مُجْتَهد) فِيهِ أَي فِي حكم اخْتلف فِيهِ فَإِن قلت هُوَ من أَفْرَاد الْقَضَاء فِي الحكم الْمُخْتَلف فِيهِ فَمَا معنى قَوْله كقضاء فِي مُجْتَهد قلت الْمُشبه بِهِ قَضَاء لَا شُبْهَة فِي كَون مُتَعَلّقه مُجْتَهدا فِيهِ لعدم تعلق الْإِجْمَاع بِهِ أصلا لَا الْقطعِي وَلَا الظني فَكَانَ مُقْتَضى ذَلِك أَن لَا يحْتَاج نفاذه إِلَى إِمْضَاء قَاض آخر بل يكون لَازِما لكَونه قَضَاء صَادف مَحَله، لكنه لما كَانَ حجية هَذَا الْإِجْمَاع

كالقطعي لقُوَّة أدلتها، وَهُوَ يسْتَلْزم رُجْحَان عدم نَفاذ الْقَضَاء الْمُتَعَلّق بنقيض الحكم الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الْإِجْمَاع الْمَذْكُور صَار نفاذه مرجوحا ضَعِيفا عِنْد من لم يشْتَرط انْتِفَاء سبق الْخلاف فِي الْإِجْمَاع وَمثله لَا ينفذ فنفاذه مُخْتَلف فِيهِ يحْتَاج إِلَى إِمْضَاء آخر لينفذه ويقرره بِحَيْثُ لَا يقدر على إِبْطَاله قَاض ثَالِث. ثمَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة: عدم جَوَاز بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، وقضاة الزَّمَان مَا فوض إِلَيْهِم إِلَّا الحكم بِمُوجب مَذْهَب مقلدهم فحكمهم بِمَا يُخَالف مَذْهَبهم وَلَيْسَ عَن ولَايَة فَلَا ينفذ (لنا) على عدم اشْتِرَاط هَذَا الشَّرْط (الْأَدِلَّة) الْمُتَقَدّمَة (لَا تفصل) بَين مَا سبقه خلاف وَبَين مَا لم يسْبقهُ فَيعْمل بِمُقْتَضى إِطْلَاقهَا. (قَالُوا) أَي الشارطون (لَا ينتفى القَوْل بِمَوْت قَائِله حَتَّى جَازَ تَقْلِيده) أَي تَقْلِيد قَائِله (وَالْعَمَل بِهِ) أَي بقول الْمَيِّت، وَلِهَذَا يدون ويحفظ (فَكَانَ) قَوْله (مُعْتَبرا حَال اتِّفَاق اللاحقين فَلم يَكُونُوا) أَي اللاحقون (كل الْأمة) فَلَا إِجْمَاع (قُلْنَا جَوَاز ذَلِك) أَي تَقْلِيد الْمَيِّت وَالْعَمَل بقوله (مُطلقًا مَمْنُوع بل) جَوَاز ذَلِك (مَا لم يجمع على) القَوْل (الآخر) الْمُقَابل لَهُ، أما إِذا أجمع على الآخر (فينتفى اعْتِبَاره) أَي ذَلِك القَوْل السَّابِق لَا وجوده من الأَصْل كَمَا ينتفى اعْتِبَار القَوْل السَّابِق، و (لَا) ينتفى (وجوده كَمَا بالناسخ، وَبِه) أَي بِمَا ذكر من الْإِجْمَاع بِنَفْي اعْتِبَار القَوْل الْمُقَابل للْجمع عَلَيْهِ بعد الْإِجْمَاع فَلَا يَنْفِي وجوده من الأَصْل، وَلَا يَنْفِي أَيْضا اعْتِبَاره قبل الْإِجْمَاع (يبطل قَوْلهم) أَي الشارطين (يُوجب) عدم اعْتِبَار قَول الْمَيِّت الْمُخَالف (تضليل بعض الصَّحَابَة) الْقَائِل بِخِلَاف مَا أجمع عَلَيْهِ بِالآخِرَة وَجه الْبطلَان أَن الْإِجْمَاع اللَّاحِق لم يسْتَلْزم عدم اعْتِبَاره قبله بل كَانَ مُعْتَبرا مَعْمُولا بِهِ غَايَة الْأَمر أَنه ظهر بالاجماع اللَّاحِق كَونه خطأ اجتهاديا لِأَن الْمجمع عَلَيْهِ عين حكم الله تَعَالَى قطعا وَهُوَ يسْتَلْزم خطأ نقيضه وَلَا مَحْذُور فِي هَذَا فَإِن الْمُجْتَهد يُخطئ ويصيب، وَمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده يجب أَن يعْمل بِهِ، وَإِن كَانَ مخطئا فِي نفس الْأَمر وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع خطأ كل الْأمة (وبإجماع التَّابِعين) الْمَذْكُور (بَطل مَا) نقل (عَن الْأَشْعَرِيّ وَأحمد وَالْغَزالِيّ وَشَيْخه) إِمَام الْحَرَمَيْنِ (من إِحَالَة الْعَادة إِيَّاه) أَي الْإِجْمَاع على أحد الْقَوْلَيْنِ السَّابِقين (لقضائها) أَي الْعَادة (بالإصرار على المعتقدات) أَي الثَّبَات على أَحْكَام شَرْعِيَّة اعتقدوها (و) خص هَذَا الْإِصْرَار (خُصُوصا من الِاتِّبَاع) على معتقدات متبوعهم، وَجه الْبطلَان أَن الْعَادة لَا تتَصَوَّر أَن تحيل أمرا وَاقعا فِي نفس الْأَمر وَلَا وَجه للاحتجاج بِمَا نقل عَنْهُم (على أَنه) أَي قَضَاء الْعَادة بِمَا ذكر على تَقْدِير تَسْلِيمه (إِنَّمَا يسْتَلْزم ذَلِك) أَي إِحَالَة وُقُوع الْإِجْمَاع (من الْمُخْتَلِفين) أنفسهم (لَا) إِحَالَة وُقُوعه (مِمَّن بعدهمْ) إِذْ لَا نسلم كَون من بعدهمْ على اعْتِقَادهم، والمسئلة مَفْرُوضَة فِي وُقُوعه مِمَّن بعدهمْ. وَأَنت خَبِير بِأَن الشَّخْص الْوَاحِد يُنَاقض نَفسه فِي وَقْتَيْنِ بِمُوجب اجْتِهَاده

مسئلة

(و) بَطل (مَا) نقل (عَن المجوزين) لانعقاده وحجيته (من عدم الْوُقُوع) لما ثَبت بالأخبار الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة بِالْإِجْمَاع الصَّحِيح الْمَذْكُور (قَوْلهم) أَي الْقَائِلين بامتناع الْوُقُوع فِي الْوُقُوع (تعَارض الإجماعين القطعيين) الأول (على تسويغ القَوْل بِكُل) مِنْهُمَا (و) الثَّانِي (على مَنعه) أَي منع تسويغ القَوْل بِكُل مِنْهُمَا (قُلْنَا) تعارضهما غير لَازم إِذْ (التسويغ) أَي تسويغ القَوْل بِكُل مِنْهُمَا (مُقَيّد بِعَدَمِ الْإِجْمَاع على أَحدهمَا) إِجْمَاعًا (وجوبا) أَي تقييدا وَاجِبا (لأدلة الِاعْتِبَار) للْإِجْمَاع الْمَسْبُوق بِخِلَاف مُسْتَقر كَمَا ذَكرْنَاهُ (أما إِجْمَاعهم) أَي الْمُخْتَلِفين أنفسهم (بعد اخْتلَافهمْ) المستقر (على أَحدهمَا فَكَذَلِك) أَي فَالْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا تقدم جَوَابا واستدلالا، فَمَنعه الْآمِدِيّ مُطلقًا لِأَن اسْتِقْرَار الْخلاف بَينهم يتَضَمَّن اتِّفَاقهم على جَوَاز الْأَخْذ بِكُل من شقي الْخلاف بِاجْتِهَاد أَو تَقْلِيد فَيمْتَنع اتِّفَاقهم بعد على أَحدهمَا وَجوزهُ الإِمَام الرَّازِيّ وَنَقله إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن أَكثر الْأُصُولِيِّينَ (وَكَونه) أَي الْإِجْمَاع (حجَّة) فِي هَذِه الصُّورَة (أظهر) من كَونه حجَّة فِي الصُّورَة الأولى (إِذْ لَا قَول لغَيرهم مُخَالف لَهُم) فِي المسئلة (وَقَوْلهمْ) أَي الَّذين كَانُوا على خلاف مَا أجمع عَلَيْهِ آخرا (بعد الرُّجُوع) إِلَى قَول البَاقِينَ (لم يبْق مُعْتَبرا فَهُوَ) أَي مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ آخرا (اتِّفَاق كل الْأمة) بِلَا شُبْهَة (بِخِلَاف مَا) أَي المسئلة الَّتِي (قبلهَا) أَي قبل هَذِه المسئلة، فَإِن المجمعين فِيهَا غير الْمُخْتَلِفين فَلم يَقع من قَائِل القَوْل الْمُخَالف للمجمع عَلَيْهِ رُجُوع من قَوْله ليزول اعْتِبَاره فَقَوْل الْمُخَالف هُنَاكَ (يعْتَبر فهم) أَي المجمعون فِي تِلْكَ المسئلة (كبعض الْأمة) على مَا ذهب إِلَيْهِ المشترطون انْتِفَاء الْخلاف السَّابِق، وَالْقَاضِي حَيْثُ قَالَ لَا يكون إِجْمَاعًا لِأَن الْمَيِّت فِي حكم الْمَوْجُود وَالْبَاقُونَ بعض الْأمة وَأَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَذكر فِي الْمُسْتَصْفى أَنه الرَّاجِح. مسئلة مُعظم الْعلمَاء على مَا ذكره ابْن برهَان ذَهَبُوا إِلَى أَنه (لَا يشْتَرط فِي حجيته) أَي الْإِجْمَاع (عدد التَّوَاتُر لِأَن) الدَّلِيل (السمعي) لحجيته (لَا يُوجِبهُ) أَي عدد التَّوَاتُر بل يتَنَاوَل الْأَقَل مِنْهُم لكَوْنهم كل الْأمة (و) الدَّلِيل (الْعقلِيّ) لحجيته (وَهُوَ أَنه) أَي الْإِجْمَاع (لَو لم يكن عَن دَلِيل قَاطع لم يحصل) أَي الْإِجْمَاع لِأَن الْعَادة تحكم بِأَن الْكثير من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين لَا يَجْتَمعُونَ على الْقطع فِي شَرْعِي بِغَيْر نَص قَاطع بَلغهُمْ فِيهِ بِوَجْه (لم يَصح) مثبتا لاشْتِرَاط عدد التَّوَاتُر فِي حجيته. قَالَ القَاضِي، وَأما من اسْتدلَّ بِالْعقلِ، وَهُوَ أَنه لَو لم يكن الْإِجْمَاع عَن قَاطع لما حصل فَلَا بُد من القَوْل بِعَدَد التَّوَاتُر انْتِفَاء حكم الْعَادة فِي غَيره ظَاهر

مسئلة

انْتهى وَهُوَ فِي حيّز الْمَنْع. قَالَ الشَّارِح: فِي سَنَد هَذَا الْمَنْع لِأَن اشْتِرَاط عدد التَّوَاتُر فِي انتهاض الْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة دون انتهاضه حجَّة ظنية (وَإِذن) أَي وَإِذ لم يشْتَرط فِي المجمعين عدد التَّوَاتُر (لَا إِشْكَال فِي تحَققه) أَي الْإِجْمَاع (لَو لم يكن) ذَلِك الْإِجْمَاع (لَا) اتِّفَاق (اثْنَيْنِ) لصدق التَّعْرِيف عَلَيْهِ، وَقيل أَن أقل مَا ينْعَقد بِهِ الْإِجْمَاع ثَلَاثَة لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من الْجَمَاعَة، وَأَقل الْجمع ثَلَاثَة، وَفِي كَلَام شمس الْأَئِمَّة إِشَارَة إِلَيْهِ (فَلَو اتَّحد) الْمُجْتَهد وانحصر فِي وَاحِد فِي عصر (فَقيل) قَوْله (حجَّة) جزم بِهِ ابْن سُرَيج (لتضمن) الدَّلِيل (السمعي) السَّابِق فِي بَيَان حجية الْإِجْمَاع (عدم خُرُوج الْحق عَن الْأمة) فَلَو انحصر مُجْتَهد الْأمة فِي الْوَاحِد وَلم يكن قَوْله حَقًا لزم خلوهم عَنهُ وَهَذَا إِنَّمَا يلْزم لولم يَتَمَسَّكُوا بقول من سبق زَمَانه من الْمُجْتَهدين بِأَن لَا يكون لَهُم قَول فِي المسئلة (وَقيل لَا) يكون قَوْله حجَّة (لِأَن الْمَنْفِيّ عَنهُ الْخَطَأ الِاجْتِمَاع) الْمُسْتَفَاد من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " سَأَلت رَبِّي أَن لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة " إِلَى غير ذَلِك (وسبيل الْمُؤمنِينَ) المُرَاد بِهِ الْإِجْمَاع فِي الْآيَة الْكَرِيمَة، مَعْطُوف على الِاجْتِمَاع (وَهُوَ) أَي كل مِنْهُمَا (مُنْتَفٍ) فِي الْوَاحِد إِذْ لَيْسَ لَهُ اجْتِمَاع وَلَيْسَ هُوَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِطْلَاق الْأمة على إِبْرَاهِيم مجَازًا إِذْ كَونهَا حَقِيقَة فِي الْجَمَاعَة لَا شُبْهَة فِيهِ، فَلَو كَانَ حَقِيقَة فِي الْوَاحِد أَيْضا لزم الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ وَالْأَصْل عَدمه، وَكَونه للقدر الْمُشْتَرك خلاف الظَّاهِر، وَقيل هِيَ فعلة بِمَعْنى مفعول كالنخبة والرحلة، من أمه إِذا قَصده واقتدى بِهِ، فَالْمَعْنى كَانَ مقتدى. مسئلة (وَلَا) يشْتَرط (فِي حجيته) أَي الْإِجْمَاع (مَعَ الْأَكْثَر) أَي مَعَ كَون المجمعين أَكثر مجتهدي عصر (عَدمه) أَي عدم عدد التَّوَاتُر (فِي الْأَقَل) أَي الَّذين لم يوافقوا الْأَكْثَر بِحَيْثُ لَو لم يكن عَدمه فِي الْأَقَل بِأَن لم يبلغ عدد التَّوَاتُر لَا يكون اتِّفَاق الْأَكْثَر حجَّة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَحَقَّق الْعَدَم الْمَذْكُور (فَلَا) حجية لإِجْمَاع الْأَكْثَر فَهُوَ من تَتِمَّة المنفى وَهُوَ الِاشْتِرَاط (ومطلقا) أَي وَلَا يشْتَرط فِي حجية إِجْمَاع الْأَكْثَر كَون الْأَقَل عددا مَخْصُوصًا كعدد التَّوَاتُر وَغَيره، بل إِجْمَاع الْأَكْثَر حجَّة مُطلقًا كَمَا عزى (لِابْنِ جرير وَبَعض الْمُعْتَزلَة) أبي الْحسن الْخياط أستاذ الكعبي ذكره فِي كشف الْبَزْدَوِيّ (وَنقل عَن أَحْمد) أَيْضا هَكَذَا فسر الشَّارِح قَوْله مُطلقًا إِلَى آخِره، وَالْوَجْه أَن يُفَسر الْإِطْلَاق بِمَا يُقَابل التَّقْيِيد الْمُسْتَفَاد من التَّفْصِيل المفاد بقوله وَقَالَ الْجِرْجَانِيّ إِلَى آخِره فَيكون قَوْله مُطلقًا إِلَى آخِره مَعَ قَوْله وَقَالَ إِلَى آخِره كالتقسيم لعدم اشْتِرَاط عدم عدد التَّوَاتُر فِي الْأَقَل عِنْد إِجْمَاع الْأَكْثَر، إِذْ الْإِطْلَاق بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكره الشَّارِح مَوْجُود فِيمَا قبله، فَالْمَعْنى وَلَا يشْتَرط فِي حجية إِجْمَاع الْأَكْثَر شرطا مُطلقًا (وَقَالَ) أَبُو عبد الله (الْجِرْجَانِيّ)

(و) أَبُو بكر (الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة أَن سوغ الْأَكْثَر اجْتِهَاد الْأَقَل كخلاف أبي بكر فِي مانعي الزَّكَاة) أَي فِي قِتَالهمْ (فَلَا) ينْعَقد الْإِجْمَاع مَعَ خِلَافه (بِخِلَاف) مَا إِذا لم يسوغ الْأَكْثَر اجْتِهَاد الْأَقَل فَإِنَّهُ ينْعَقد إِجْمَاع الْأَكْثَر مَعَ خِلَافه وَلَكِن يكون حجَّة ظنية كخلاف (أبي مُوسَى) الْأَشْعَرِيّ (فِي نقض النّوم) حَيْثُ لَا ينْقض عِنْده وينقض عِنْد غَيره. قَالَ الشَّارِح وَنقل عَن غَيره من الصَّحَابَة أَيْضا، وَصَحَّ عَن جمَاعَة من التَّابِعين مِنْهُم ابْن الْمسيب. قَالَ وَاخْتَارَهُ شمس الْأَئِمَّة، لَيْسَ هَذَا فِي نُسْخَة الشَّرْح لكنه قَالَ. قَالَ السَّرخسِيّ وَالأَصَح عِنْدِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو بكر الرَّازِيّ أَن الْوَاحِد إِذا خَالف الْجَمَاعَة فَإِن سوغوا لَهُ ذَلِك الِاجْتِهَاد لَا يثبت حكم الْإِجْمَاع بِمَنْزِلَة خلاف ابْن عَبَّاس الصَّحَابَة: فِي زوج وأبوين وَامْرَأَة وأبوين أَن للْأُم ثلث جَمِيع المَال وَأَن لم يسوغوا لَهُ الِاجْتِهَاد، وأنكروا عَلَيْهِ قَوْله فَإِنَّهُ يثبت حكم الْإِجْمَاع بِدُونِ قَوْله كَقَوْل ابْن عَبَّاس فِي حل التَّفَاضُل فِي أَمْوَال الرِّبَا فَإِن الصَّحَابَة لم يسوغوا لَهُ هَذَا الِاجْتِهَاد حَتَّى روى أَنه رَجَعَ إِلَى قَوْلهم فَكَانَ الْإِجْمَاع ثَابتا بِدُونِ قَوْله. وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء: لَو قضى القَاضِي بِجَوَاز بيع الدِّرْهَم بالدهمين لم ينفذ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مُخَالف للْإِجْمَاع فَجعل المسئلة مَوْضُوعَة فِي خلاف الْوَاحِد لَا غير وَلَا يخفى عَلَيْك أَن خلاف الْوَاحِد مندرج فِي خلاف الْأَقَل وَحكمه فِي بَيَان المُصَنّف (وَالْمُخْتَار) أَنه (لَيْسَ) إِجْمَاع الْأَكْثَر (إِجْمَاعًا) أصلا فَلَا يكون حجَّة ظنية وَلَا قَطْعِيَّة لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكِتَاب وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع وَلَا قِيَاس وَلَا من الْأَدِلَّة الْمُعْتَبرَة عِنْد الْأمة (و) الْمُخْتَار (لبَعْضهِم) أَنه (لَيْسَ إِجْمَاعًا لَكِن حجَّة لِأَن الظَّاهِر إصابتهم) أَي الْأَكْثَر، لَا الْأَقَل (خُصُوصا) إِذا انْضَمَّ هَذَا الظَّاهِر (مَعَ) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم) فَإِن الْأَكْثَر سَواد أعظم (وَأما الأول) أَي أما دَلِيل الأول وَهُوَ أَن اتِّفَاق الْأَكْثَر لَيْسَ إِجْمَاعًا (فانفراد ابْن عَبَّاس فِي) مسئلة (الْعَوْل) من بَين الصَّحَابَة (و) انْفِرَاد (أبي هُرَيْرَة وَابْن عمر فِي جَوَاز أَدَاء الصَّوْم) يَعْنِي انفرادهما بإنكار صِحَة أَدَاء صَوْم رَمَضَان (فِي السّفر) كَمَا ذكره أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة عَن أبي هُرَيْرَة وَبَعض أَصْحَابنَا عَن ابْن عمر كَذَا ذكره الشَّارِح، وَنقل عَن شَيْخه الْحَافِظ أَنه حكى عَن عمر وَابْنه وَأبي هُرَيْرَة قَالَ ابْن الْمُنْذر روينَا عَن ابْن عمر أَنه قَالَ إِن صَامَ فِي السّفر فَكَأَنَّهُ أفطر فِي الْحَضَر، وَعَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف مثله، وروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَا يجْزِيه (عدوه) أَي الصَّحَابَة مَا وَقع فِيمَا بَينهم (خلافًا لَا إِجْمَاعًا) وَمُخَالفَة للْإِجْمَاع (وَأَيْضًا فالأدلة إِنَّمَا توجبه) أَي الْإِجْمَاع (فِي الْأمة) أَي توجب حجيته فيهم حَال كَون الْأمة (غير مَعْقُول لُزُوم إصابتهم) وَمَا ثَبت غير مَعْقُول الْمَعْنى يجب رِعَايَة جَمِيع أَوْصَاف النَّص فِيهِ، وَالنَّص يتَنَاوَل كل أهل الأجماع فَالْحَاصِل إِنَّمَا عرفنَا بِالنَّصِّ أَن الْحق لَا يتجاوزهم، فَإِن خرج وَاحِد مِنْهُم عَن الِاتِّفَاق

مسئلة

جَازَ أَن يكون الْحق مَعَه، وَصَحَّ أَن الْحق لم يتعداهم (أَو إِكْرَاما لَهُم) مَعْطُوف على غير مَعْقُول يَعْنِي أَو مَعْقُول لُزُوم إصابتهم لكَونه إِكْرَاما للْكُلّ، وَالْأَكْثَر لَيْسَ بِكُل، (واستدلال المكتفي بِالْأَكْثَرِ) فِي انْعِقَاد الْإِجْمَاع قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَد الله مَعَ الْجَمَاعَة، فَمن شَذَّ شَذَّ فِي النَّار مفاده منع الرُّجُوع بعد الْمُوَافقَة) أَي الْمُخَالفَة، لِأَنَّهُ مَأْخُوذ (من شَذَّ الْبَعِير) وند إِذا توحش بعد مَا كَانَ أهليا، فالشاذ من خَالف بعد الْمُوَافقَة، لَا من لَا يُوَافق ابْتِدَاء، وَإِذا عرفت أَنه لَيْسَ المُرَاد بِمن شَذَّ الْأَقَل فِي مُقَابلَة الْأَكْثَر ليَكُون المُرَاد من الْجَمَاعَة الْأَكْثَر (فالجماعة) الْمَذْكُورَة فِي قَوْله يَد الله مَعَ الْجَمَاعَة (الْكل وَكَذَا السوَاد الْأَعْظَم) الْمَذْكُور فِي عَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم الْكل إِذْ هُوَ أعظم مِمَّا دونه، وَإِنَّمَا وَجب الْحمل عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَين الْأَدِلَّة (و) اسْتِدْلَال المكتفى بِالْأَكْثَرِ (باعتماد الْأمة عَلَيْهِ) أَي على إِجْمَاع الْأَكْثَر (فِي خلَافَة أبي بكر مَعَ خلاف على، و) سعد (بن عبَادَة وسلمان فَلم يعتدوهم) أَي لم يعْتد الصَّحَابَة بِخِلَاف هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ (مَدْفُوع بِأَنَّهُ) أَي عدم اعْتِدَاد الصَّحَابَة بِخِلَاف هَؤُلَاءِ فِي الْإِجْمَاع على خِلَافَته إِنَّمَا هُوَ (بعد رجوعهم) أَي هَؤُلَاءِ إِلَى مَا اتّفق عَلَيْهِ الْعَامَّة لِأَن برجوعهم تقرر الْإِجْمَاع على خِلَافَته (وَقَبله) أَي قبل رجوعهم خِلَافَته (صَحِيحَة بِالْإِجْمَاع على الِاكْتِفَاء فِي الِانْعِقَاد) أَي انْعِقَاد الْإِمَامَة (ببيعة الْأَكْثَر) إِذْ هِيَ كَافِيَة فِي انْعِقَادهَا بل هِيَ تَنْعَقِد بِمحضر عَدْلَيْنِ (لَا) أَن خِلَافَته قبل رجوعهم (مجمع عَلَيْهَا) ليستدل بِهِ على أَن اتِّفَاق الْأَكْثَر إِجْمَاع وَلَا يلْزم عدم انْعِقَاد خِلَافَته قبل رجوعهم كَمَا زعم بَعضهم. مسئلة (وَلَا) يشْتَرط فِي حجية الْإِجْمَاع (عَدَالَة الْمُجْتَهد فِي) القَوْل (الْمُخْتَار للآمدي) وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ فَيتَوَقَّف الْإِجْمَاع على مُوَافقَة الْمُجْتَهد غير الْعدْل كَمَا يتَوَقَّف على الْعدْل (لِأَن الْأَدِلَّة) المفيدة لحجية الْإِجْمَاع (لَا توقفه) أَي الْإِجْمَاع (عَلَيْهَا) أَي على عَدَالَته (وَالْحَنَفِيَّة تشْتَرط) عَدَالَة الْمُجْتَهد فَلَا يتَوَقَّف الْإِجْمَاع على مُوَافقَة الْمُجْتَهد غير الْعدْل: نَص الْجَصَّاص على أَنه الصَّحِيح عندنَا، وَعَزاهُ السَّرخسِيّ إِلَى الْعِرَاقِيّين، وَابْن برهَان إِلَى كَافَّة الْفُقَهَاء والمتكلمين، والسبكي إِلَى الْجُمْهُور (لِأَن الدَّلِيل) الدَّال على حجية الْإِجْمَاع (يتضمنها) أَي الْعَدَالَة (إِذْ الحجية) لإِجْمَاع الْأمة إِنَّمَا هِيَ (للتكريم) لَهُم، وَمن لَيْسَ بِعدْل لَيْسَ من أهل التكريم، وَهَذَا بِنَاء على القَوْل بثبوتها لَهُم بِمَعْنى مَعْقُول (ولوجوب التَّوَقُّف فِي إخْبَاره) بِأَن رَأْيه كَذَا قَالَ تَعَالَى - {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ} - الْآيَة، وَقَالَ السَّرخسِيّ

وَالأَصَح عِنْدِي أَنه إِن كَانَ مُعْلنا بِفِسْقِهِ فَلَا يعْتد بقوله، وَإِلَّا يعْتد بقوله فِي الْإِجْمَاع وَإِن علم بِفِسْقِهِ حَتَّى ترد شَهَادَته إِذْ يقطع لمن يَمُوت مُؤمنا مصرا على فسقه أَنه لَا يخلد فِي النَّار، فَهُوَ أهل للكرامة بِالْجنَّةِ فَكَذَلِك فِي الدُّنْيَا بِاعْتِبَار قَوْله فِي الْإِجْمَاع (وَقيل) وقائله إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ (يعْتَبر قَوْله) أَي غير الْعدْل (فِي حق نَفسه فَقَط كإقراره) أَي كَمَا يقبل إِقْرَاره فِي حق نَفسه بِالْمَالِ والجنايات إِلَى غير ذَلِك (وَيدْفَع) هَذَا الْقيَاس (بِأَنَّهُ) أَي إِقْرَاره مُعْتَبر (فِيمَا) أَي فِي حق يجب (عَلَيْهِ، وَهَذَا) أَي اعْتِبَار قَوْله فِيمَا نَحن فِيهِ (لَهُ) لَا عَلَيْهِ (إِذْ يَنْتَفِي حجيته) أَي الِاجْتِمَاع بإظهاره وَعدم الْمُوَافقَة فَيحصل لَهُ شرف الِاعْتِدَاد بِهِ وَالِاعْتِبَار بمقاله وَلَا يَصح الْقيَاس على إِقْرَاره، وَذهب بعض الشَّافِعِيَّة إِلَى أَنه إِذا خَالف يسْأَل عَن مأخذه لجَوَاز أَن يحملهُ فسقه على الْفتيا من غير دَلِيل، فَإِن ذكر مَا يصلح مأخذا لَهُ اعْتبر وَإِلَّا فَلَا، وَاخْتَارَهُ ابْن السَّمْعَانِيّ (وَعَلِيهِ) أَي على اشْتِرَاط عَدَالَة الْمُجْتَهد (يَنْبَنِي شَرط عدم الْبِدْعَة إِذا لم يكفر بهَا) أَي بالبدعة (كالخوارج) إِلَّا الغلاة مِنْهُم فَإِنَّهُم من أَصْحَاب الْبدع الجلية كَمَا مر فِي مبَاحث الْخَبَر وَلم يكفروا ببدعتهم (وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا يشْتَرط فِيهِ عدم الْبِدْعَة (إِذا دَعَا) صَاحب الْبِدْعَة النَّاس (إِلَيْهَا) أَي إِلَى بدعته (لِأَنَّهُ) أَي كَونه دَاعيا إِلَى بدعته (يُوجب تعصبا) فِي ذَلِك المبتدع وَهُوَ عدم قبُول الْحق عِنْد ظُهُور الدَّلِيل بِنَاء إِلَى الْميل إِلَى جَانب الْهوى (يُوجب) ذَلِك التعصب (خفَّة سفه) أَي خفَّة عقل يكون للسفهاء (فيتهم) فِي أَمر دينه، فَإِن لم يدع إِلَيْهَا يكون قَوْله فِي غير بدعته مُعْتَبرا فَيعْتَبر فِي انْعِقَاد الْإِجْمَاع لِأَنَّهُ من أهل الشَّهَادَة وَلَا يعْتَبر فِي بدعته لِأَنَّهُ يضلل فِيهَا لمُخَالفَته نصا مُوجبا للْعلم. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ: الصَّحِيح عندنَا لَا اعْتِبَار بموافقة أهل الضَّلَالَة لأهل الْحق فِي صِحَة الْإِجْمَاع، وَإِنَّمَا الْإِجْمَاع الَّذِي هُوَ حجَّة عِنْد الله تَعَالَى إِجْمَاع أهل الْحق الَّذين لم يثبت فسقهم وَلَا ضلالتهم، وَوَافَقَهُ صَاحب الْمِيزَان وَالْمُصَنّف حَيْثُ قَالَ (وَالْحق إِطْلَاق منع الْبِدْعَة المفسقة لَهُم) أَي لأصحابها، يَعْنِي أَن الْبِدْعَة الْمَذْكُورَة تمنع اعْتِبَار قَول صَاحبهَا فِي الْإِجْمَاع على الْإِطْلَاق. قَالَ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ: قَالَ أهل السّنة لَا يعْتَبر فِي الْإِجْمَاع وفَاق الْقَدَرِيَّة والخوارج وَالرَّوَافِض، وَلَا اعْتِبَار بِخِلَاف هَؤُلَاءِ المبتدعة فِي الْفِقْه، وَإِن اعْتبر فِي الْكَلَام، هَكَذَا روى أَشهب عَن مَالك وَالْعَبَّاس بن الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو سُلَيْمَان الْجوزجَاني عَن مُحَمَّد بن الْحسن، وَذكر أَبُو ثَوْر أَنه قَول أَئِمَّة الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْقطَّان الْإِجْمَاع عندنَا إِجْمَاع أهل الْعلم، وَأما من كَانَ من أهل الْأَهْوَاء فَلَا مدْخل لَهُ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو يعلى واستقراره من كَلَام أَحْمد (وَلذَا) أَي وَلكَون الْبِدْعَة المفسقة مَانِعَة من اعْتِبَار قَول صَاحبهَا (لم يعْتَبر خلاف الروافض فِي الْإِجْمَاع على خلَافَة الشُّيُوخ) أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله

مسئلة

تَعَالَى عَنْهُم، لِأَن أدنى حَال الرافضة أَنهم فسقة فَإِن قلت كَانَ مُوجب هَذَا أَن لَا تقبل شَهَادَتهم قلت فسقهم مَبْنِيّ على شُبْهَة أوقعتهم فِي مثل ذَلِك، وَمثل هَذَا الْفسق الْمَبْنِيّ على الضلال يمْنَع عَن اعتبارهم فِي الْإِجْمَاع الْمنَافِي للضلال كَرَامَة لأَهله، لَا عَن قبُول الشَّهَادَة الْمَبْنِيّ على الِاحْتِرَاز عَن تعمد الْكَذِب: أَلا ترى أَن الْفَاسِق إِذا لم يجْهر بِفِسْقِهِ تقبل شَهَادَته (وَقد يُقَال ذَلِك) أَي عدم اعْتِبَار خلاف الروافض فِي الْإِجْمَاع الْمَذْكُور (لتقرره) أَي الْإِجْمَاع من الصَّحَابَة وَغَيرهم على خلافتهم (قبلهم) أَي قبل وجود الروافض (فعصوا) أَي الروافض (بِهِ) أَي بخلافهم لَهُ (وَخلاف الْخَوَارِج فِي خلَافَة عَليّ) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (خلاف الْحجَّة) الظنية على اسْتِحْقَاقه الْخلَافَة على سَبِيل التَّعْيِين (لَا) خلاف (إِجْمَاع الصَّحَابَة) الْمُفِيد للْقطع بِنَاء على أَنه كَانَ فِي الْمُخَالفين من الصَّحَابَة مُجْتَهد (إِلَّا إِن لم يكن فِي الْمُخَالفين كمعاوية وَابْن الْعَاصِ) تَمْثِيل للمخالفين (مُجْتَهد) فَإِنَّهُ على هَذَا التَّقْدِير يلْزم أَن يكون خلاف الْخَوَارِج خلاف الْإِجْمَاع، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن كَونهمَا مجتهدين لَيْسَ بِمَعْلُوم فَالْقَوْل بِأَن النزاع بَين الْفَرِيقَيْنِ بِنَاء على أَن اجْتِهَاد كل مِنْهُمَا أدّى إِلَى نقيض مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد الآخر لَيْسَ على سَبِيل الْقطع بل على سَبِيل الِاحْتِمَال (وَإِنَّمَا هُوَ) أَي مَا ذكر من أَن خلاف الروافض بعد انْعِقَاد الْإِجْمَاع على خلَافَة الشُّيُوخ، وَخلاف الْخَوَارِج خلاف الْحجَّة فَلَا يسْتَدلّ بِخِلَاف الْفَرِيقَيْنِ على اشْتِرَاط الْعَدَالَة فِيمَن يعْتَبر قَوْله فِي الْإِجْمَاع (إبِْطَال دَلِيل معِين) على اعْتِبَار الْعَدَالَة فِي الْإِجْمَاع (وَالْمَطْلُوب) وَهُوَ اعْتِبَاره (ثَابت بِالْأولِ) وَهُوَ أَن الدَّلِيل الدَّال على حجية الْإِجْمَاع يتَضَمَّن الْعَدَالَة، إِذْ الحجية للتكريم، وَمن لَيْسَ بِعدْل لَيْسَ بِأَهْل للتكريم. مسئلة (إِذْ وَلَا) يشْتَرط فِي حجيته القطيعة (كَونهم) أَي المجمعين (الصَّحَابَة خلافًا للظاهرية) حَيْثُ قَالُوا إِجْمَاع من بعدهمْ لَيْسَ بِحجَّة. قَالَ الشَّارِح وَهُوَ ظَاهر كَلَام ابْن حبَان فِي صَحِيحه (وَلأَحْمَد قَولَانِ) أَحدهمَا كالظاهرية وأوضحهما عِنْد أَصْحَابه كالجمهور (لعُمُوم الْأَدِلَّة) المفيدة لحجية الْإِجْمَاع حجية إِجْمَاع (من سواهُم) أَي الصَّحَابَة فَلَا وَجه لتخصيصهما بإجماعهم (قَالُوا) أَي الظَّاهِرِيَّة أَولا انْعَقَد (إِجْمَاع الصَّحَابَة) قبل مَجِيء من بعدهمْ (على أَن مَا لَا قَاطع فِيهِ) من الْأَحْكَام (جَازَ) الِاجْتِهَاد فِيهِ، وَجَاز (مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد) من أحد طَرفَيْهِ أَن يُؤْخَذ بِهِ (فَلَو صَحَّ إِجْمَاع من بعدهمْ) أَي الصَّحَابَة (على بَعْضهَا) أَي بعض الْأَحْكَام الَّتِي لَا قَاطع فِيهَا (لم يجز) الِاجْتِهَاد (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْبَعْض إِجْمَاعًا، وَلم يجز الْأَخْذ بالجانب الْمُخَالف لما أجمع عَلَيْهِ أَن أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد (فيتعارض الإجماعان) إِجْمَاع الصَّحَابَة على مَا ذكر وَالْإِجْمَاع الْمَفْرُوض

(وَالْجَوَاب) أَن الصَّحَابَة (أَجمعُوا على مَشْرُوطَة) عَامَّة (أَي) كل مَا لَا قَاطع فِيهِ جَائِز الِاجْتِهَاد (مَا دَامَ لَا قَاطع فِيهِ) فجواز الِاجْتِهَاد فِي غير زمَان وجود الْقَاطِع فِيهِ وَعدم جَوَازه فِي زَمَانه فَلَا تنَاقض، وَعند انْعِقَاد الْإِجْمَاع على أحد طرفِي مَا لم يكن فِيهِ قَاطع يتَحَقَّق فِيهِ قَاطع (قَالُوا) أَي الظَّاهِرِيَّة ثَانِيًا (لَو اعْتبر) إِجْمَاع غير الصَّحَابَة (اعْتبر مَعَ مُخَالفَة بعض الصَّحَابَة فِيمَا إِذا سبق خلاف) مُسْتَقر، لِأَن مُخَالفَة بَعضهم لَا تمنع إِجْمَاع غَيرهم (الْجَواب إِنَّمَا يلْزم) بطلَان هَذَا (من شَرط عدم سبق الْخلاف المتقرر وَلَو من وَاحِد) فِي انْعِقَاد الِاجْتِمَاع الْقطعِي (لَا) يلْزم (من لم يشرط) عدم سبق الْخلاف (أَو جعل الْوَاحِد) أَي خِلَافه مَعْطُوف على شَرط (مَانِعا) من انْعِقَاد الْإِجْمَاع بِمن سواهُ، فَإِن من لم يَجْعَل خلاف الْوَاحِد الْمَوْجُود فِي زمَان الْإِجْمَاع صحابيا كَانَ أَو غَيره مَانِعا عَن انْعِقَاده كَيفَ يَجْعَل خِلَافه وَهُوَ مَعْدُوم فِي زَمَانه مَانِعا عَنهُ (وَيعْتَبر التَّابِعِيّ الْمُجْتَهد فيهم) أَي فِي زمَان الصَّحَابَة مُوَافقَة عِنْد انْعِقَاد الِاجْتِمَاع فَلَا ينْعَقد مَعَ مُخَالفَته كَمَا هُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَرِوَايَة عَن أَحْمد وَقَول أَكثر الْمُتَكَلِّمين وَهُوَ الصَّحِيح (وَأما من بلغ) من التَّابِعين (دَرَجَته) أَي الِاجْتِهَاد (بعد الِانْعِقَاد اجماعهم فاعتباره وَعَدَمه) أَي عدم اعْتِبَاره فيهم مَبْنِيّ (على اشْتِرَاط انْقِرَاض الْعَصْر) فِي حجية الْإِجْمَاع (وَعَدَمه) أَي عدم اشْتِرَاطه، فَمن اشْترط اعْتَبرهُ، وَمن لم يشْتَرط لم يعتبره. قَالَ الشَّارِح إِلَّا أَن هَذَا إِنَّمَا يتم على رَأْي من يَقُول فَائِدَة الِاشْتِرَاط جَوَاز رُجُوع بعض المجمعين، وَدخُول مُجْتَهد يحدث قبل انقراضهم، أما من قَالَ فَائِدَته جَوَاز الرُّجُوع لَا غير يَنْبَغِي أَن لَا يعتبره أَيْضا انْتهى. وَكَأن المُصَنّف لم يلْتَفت إِلَى هَذَا التَّفْصِيل، لِأَنَّهُ إِذا شَرط الانقراض فِي الِانْعِقَاد، فَقبل الِانْعِقَاد إِذا دخل بَينهم مُجْتَهد آخر لَا وَجه لعدم اعْتِبَاره فَتَأمل (وَقيل) وقائله أَحْمد فِي رِوَايَة وَبَعض الْمُتَكَلِّمين (لَا يعْتَبر) التَّابِعِيّ فِي إِجْمَاع الصَّحَابَة (مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ مُجْتَهدا قبل انْعِقَاد إِجْمَاعهم أَو بعده (لنا) على اعْتِبَار التَّابِعِيّ الْمُجْتَهد فيهم (لَيْسُوا) أَي الصَّحَابَة (كل الْأمة دونه) أَي التَّابِعِيّ، لِأَنَّهُ مثلهم فِي الِاجْتِهَاد غير أَنه لَا رِوَايَة لَهُ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذَلِكَ لَا يُوجب كَون الْحق مَعَهم دونه، والعصمة إِنَّمَا هِيَ للْكُلّ (وَاسْتدلَّ لهَذَا) الْمُخْتَار (بِأَن الصَّحَابَة سوغوا لَهُم) أَي للتابعين الِاجْتِهَاد (مَعَ وجودهم) فقد مَلأ شُرَيْح الْكُوفَة وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يُنكر عَلَيْهِ، وَابْن الْمسيب بِالْمَدِينَةِ فَتَاوَى وَهِي مشحونة بأصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا عَطاء بِمَكَّة وَجَابِر بن زيد بِالْبَصْرَةِ، وَلَوْلَا اعْتِبَار قَوْلهم لما سوغوا لَهُم (قُلْنَا إِنَّمَا يتم) الِاسْتِدْلَال بِهَذَا على اعْتِبَار قَوْلهم بِحَيْثُ لَا ينْعَقد إِجْمَاعهم مَعَ مخالفتهم أَو بِدُونِ موافقتهم (لَو نقل تسويغ خلافهم)

مسئلة

أَي التَّابِعين (مَعَ إِجْمَاعهم) أَي الصَّحَابَة (وَلم يثبت) تسويغ خلافهم إِلَّا مَعَ اخْتلَافهمْ (كالمنقول من قَول أبي سَلمَة) بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي صَحِيح مُسلم (تذاكرت مَعَ ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة فِي عدَّة الْحَامِل لوفاة زَوجهَا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس بأبعد الْأَجَليْنِ، وَقلت أَنا بِوَضْع الْحمل، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَنا مَعَ ابْن أخي، يَعْنِي أَبَا سَلمَة) وَلَيْسَ هَذَا مَحل النزاع. مسئلة (وَلَا) ينْعَقد الْإِجْمَاع (بِأَهْل الْبَيْت النَّبَوِيّ وحدهم) مَعَ مُخَالفَة غَيرهم لَهُم، وهم عَليّ وَفَاطِمَة، والحسنان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم لما روى التِّرْمِذِيّ عَن عمر بن أبي سَلمَة أَنه لما نزل - {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} - لف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم كسَاء وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وخاصتي، اللَّهُمَّ أذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا، إِذْ لَا يخفى أَن هَذَا لَا يدل على أَن غَيرهم لَيْسَ من أهل الْبَيْت، وَإِنَّمَا خصهم بِهَذَا اللف وَالدُّعَاء لمزيد التكريم لَهُم، ولدفع توهم أَنهم لَيْسُوا من أهل الْبَيْت لكَوْنهم ساكنين فِي غير بَيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خلافًا للشيعة) وَاقْتصر فِي الْمَحْصُول وَغَيره على الزيدية والإمامية، فَإِن إِجْمَاعهم عِنْدهم حجَّة لِلْآيَةِ، فَإِن الْخَطَأ رِجْس فَيكون منفيا عَنْهُم، فَيكون إِجْمَاعهم حجَّة وَأجِيب بِمَنْع كَون الْخَطَأ رجسا، وَإِنَّمَا الرجس هُوَ الْعَذَاب، أَو الْإِثْم أَو كل مستقذر ومستنكر، وَلَيْسَ الْخَطَأ مِنْهَا، على أَن المُرَاد أهل الْبَيْت هم مَعَ أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن مَا قبلهَا - {يَا نسَاء النَّبِي لستن كَأحد من النِّسَاء} - إِلَى آخِره، وَمَا بعْدهَا وَهُوَ - {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بُيُوتكُمْ} - الْآيَة يدل عَلَيْهِ. مسئلة (وَلَا) ينْعَقد (بالأربعة) الْخُلَفَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم مَعَ مُخَالفَة غَيرهم، أَو توقفهم أَو عدم سماعهم الحكم (عِنْد الْأَكْثَر خلافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة) وَأحمد فِي رِوَايَة (حَتَّى رد) مِنْهُم القَاضِي (أَبُو حَازِم) بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: عبد الحميد بن عبد الْعَزِيز (على ذَوي الْأَرْحَام أَمْوَالًا) فِي خلَافَة المعتضد بِاللَّه لكَون الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة على ذَلِك (بعد الْقَضَاء بهَا) أَي بِتِلْكَ الْأَمْوَال (لبيت المَال) مُبْطلًا (لنفاذه) أَي الْقَضَاء لبيت المَال، وَقبل المعتضد قَضَاءَهُ بذلك وَكتب بِهِ إِلَى الْآفَاق، وَكَانَ ثِقَة دينا ورعا عَالما بِمذهب أهل الْعرَاق والفرائض والحساب، أَصله من الْبَصْرَة وَسكن بَغْدَاد، وَأخذ عَن هِلَال الرَّازِيّ، وَأخذ عَنهُ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ وَأَبُو طَاهِر الدباس وَغَيرهمَا، وَولي الشَّام والكوفة والكرخ من بَغْدَاد، وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الأولى

مسئلة

سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة. مسئلة (وَلَا) ينْعَقد (بالشيخين) أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إِلَى آخر مَا ذكر آنِفا خلافًا لبَعْضهِم (لِأَن الْأَدِلَّة) المفيدة لحجية الْإِجْمَاع (توجب وَقفه) أَي تحقق الْإِجْمَاع (على غَيرهم) أَي غير أهل الْبَيْت فِي الصُّورَة الأولى وَغير الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة فِي الصُّورَة الثَّانِيَة، وَغير الشَّيْخَيْنِ فِي الثَّالِثَة. (وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر) رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم اسْتدلَّ بِهِ لِأَنَّهُ أَمر بالاقتداء بهما فَانْتفى عَنْهُمَا الْخَطَأ، وَلما لم يجب الِاقْتِدَاء بهما حَال اخْتِلَافهمَا وَجب حَال اتِّفَاقهمَا، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين) المهديين عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ. رَوَاهُ أَحْمد وَغَيره، وَأَنَّهُمْ: أَبُو بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ وَغَيره، وَبَين دَلِيله. وَلما ألزمهم بالتمسك بسنتهم علم أَن الْخَطَأ مُنْتَفٍ عَنْهُمَا (أُجِيب) عَنهُ بِأَن الْحَدِيثين (يفيدان) (أَهْلِيَّة الِاقْتِدَاء) أَي أَهْلِيَّة الشَّيْخَيْنِ وَالْأَرْبَعَة لاتباع المقلدين لَهُم (لَا منع الِاجْتِهَاد) لغَيرهم من الْمُجْتَهدين ليَكُون قَوْلهم حجَّة عَلَيْهِم فَلَا يقدروا على مخالفتهم. (و) يرد (عَلَيْهِ) أَي على هَذَا الْجَواب (أَن ذَلِك) أَي أَهْلِيَّة الِاقْتِدَاء بهم (مَعَ إِيجَابه) أَي الِاقْتِدَاء يُفِيد منع الِاجْتِهَاد لغَيرهم وَلُزُوم اقتدائه بهم فَيكون قَوْلهم حجَّة على غَيرهم، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوب (إِلَّا أَن يدْفع بِأَنَّهُ) أَي كلا مِنْهُمَا (آحَاد) أَي أَخْبَار آحَاد لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن فَلَا يثبت بِهِ الْقطع بِكَوْن إجماعهما أَو إِجْمَاعهم حجَّة قَطْعِيَّة. (و) أُجِيب أَيْضا (بمعارضته بِأَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ، وخذوا شطر دينكُمْ عَن الْحُمَيْرَاء) أَي عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَإِن هذَيْن الْحَدِيثين يدلان على جَوَاز لأخذ بقول كل صَحَابِيّ وَقَول عَائِشَة وَإِن خَالف قَول الشَّيْخَيْنِ أَو الْأَرْبَعَة (إِلَّا أَن الأول) أَي أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ: الحَدِيث (لم يعرف) لما قَالَه ابْن حزم فِي رسَالَته الْكُبْرَى مَكْذُوب مَوْضُوع بَاطِل وَإِلَّا فَلهُ طرق من رِوَايَة عمر وَابْنه وَجَابِر وَابْن عَبَّاس وَأنس بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة، أقربها إِلَى اللَّفْظ الْمَذْكُور مَا أخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَابْن عبد الْبر فِي كتاب الْعلم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مثل أَصْحَابِي مثل النُّجُوم يهتدى بهَا فَبِأَيِّهِمْ أَخَذْتُم بقوله اهْتَدَيْتُمْ ". نعم لم يَصح مِنْهَا شَيْء: قَالَه أَحْمد وَالْبَزَّار، والْحَدِيث الصَّحِيح يُؤَدِّي بعض مَعْنَاهُ، وَهُوَ حَدِيث أبي مُوسَى الْمَرْفُوع " النُّجُوم أَمَنَة السَّمَاء، فَإِذا ذهبت النُّجُوم أَتَى أهل السَّمَاء مَا يوعدون، وَأَنا أَمَنَة لِأَصْحَابِي، فَإِذا ذهبت أَتَى أَصْحَابِي مَا يوعدون، وأصحابي أَمَنَة لأمتي، فَإِذا ذهبت أَصْحَابِي أَتَى

مسئلة

أمتِي مَا يوعدون ". رَوَاهُ مُسلم، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَذكر فِي الحَدِيث الثَّانِي أَن الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير سَأَلَ الحافظين: الْمزي والذهبي عَنهُ فَلم يعرفاه، وَنقل عَن كثير من الْحفاظ مثله. وَقَالَ الذَّهَبِيّ هُوَ من الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة الَّتِي لَا يعرف لَهَا إِسْنَاد. وَقَالَ السُّبْكِيّ والحافظ: أَبُو الْحجَّاج الْمزي كل حَدِيث فِيهِ لفظ الْحُمَيْرَاء لَا أصل لَهُ إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا فِي النَّسَائِيّ. (وَالثَّانِي) أَي خُذُوا شطر دينكُمْ الحَدِيث مَعْنَاهُ (أَنكُمْ ستأخذون) فَلَا يعارضان الْأَوَّلين (وَالْحق أَن مُقْتَضَاهُ) أَي مُقْتَضى دَلِيل كل من القَوْل بحجية إِجْمَاع الْأَرْبَعَة والشيخين (الحجية الظنية) أما الحجية فللطلب الْجَازِم لِلِاتِّبَاعِ لَهُم وَلَهُمَا، وَأما الظنية فَلِأَنَّهُ خبر وَاحِد (ورد أبي حَازِم) على ذَوي الْأَرْحَام أَمْوَالًا تَركهَا أقرباؤهم بعد الْقَضَاء بهَا لبيت المَال لم يُوَافقهُ عَلَيْهِ كَافَّة معاصريه من الْحَنَفِيَّة، فقد (رده أَبُو سعيد) أَحْمد بن الْحُسَيْن البرذعي من كبارهم وَقَالَ هَذَا فِيهِ خلاف بَين الصَّحَابَة، لَكِن نقل الْجَصَّاص عَن أبي حَازِم أَنه قَالَ فِي جَوَابه لَا أعد زيدا خلافًا على الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، وَإِذا لم أعده خلافًا وَقد حكمت برد هَذَا المَال إِلَى ذَوي الْأَرْحَام فقد نفذ قضائي بِهِ، وَلَا يجوز لأحد أَن يتعقبه بالنسخ: وَمن هُنَا قيل يحْتَمل أَن يكون أَبُو حَازِم بناه على أَن خلاف الْوَاحِد والاثنين لَا يقْدَح فِي الْإِجْمَاع. وَفِي شرح البديع أَنه وَافقه عُلَمَاء الْمَذْهَب فِي زَمَانه. مسئلة (وَلَا) ينْعَقد (بِأَهْل الْمَدِينَة) طيبَة (وحدهم خلافًا لمَالِك) أنكر كَونه مذْهبه ابْن بكير وَأَبُو يَعْقُوب الرَّازِيّ وَأَبُو بكر بن منيات وَالطَّيَالِسِي وَالْقَاضِي أَبُو الْفرج وَالْقَاضِي أَبُو بكر (قيل مُرَاده) أَي مَالك (أَن روايتهم مُقَدّمَة) على رِوَايَة غَيرهم، وَنقل ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره أَن للشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم مَا يدل على هَذَا (وَقيل) مَحْمُول (على المنقولات المستمرة) أَي المتكررة الْوُجُود من غير انْقِطَاع (كالأذان وَالْإِقَامَة والصاع) وَالْمدّ دون غَيرهَا (وَقيل بل) هُوَ حجَّة (على الْعُمُوم) فِي المستمرة وَغَيرهَا وَهُوَ رَأْي أَكثر المغاربة من الصَّحَابَة، وَذكر ابْن الْحَاجِب أَنه الصَّحِيح قَالُوا وَفِي رِسَالَة مَالك إِلَى اللَّيْث بن سعد مَا يدل عَلَيْهِ، وَقيل أَرَادَ بِهِ فِي زمن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم، وَعَلِيهِ ابْن الْحَاجِب (لنا الْأَدِلَّة) المفيدة حجية الْإِجْمَاع (توقفه) أَي تحقق الْإِجْمَاع (على غَيرهم) أَي غير أهل الْمَدِينَة، لِأَن أَهلهَا لَيْسُوا كل الْأمة (واستدلالهم) أَي الْمَالِكِيَّة (بِأَن الْعَادة قاضية بِأَن مثل هَذَا الْجمع المنحصر) أَرَادَ بِهِ انحصارهم فِي الْمَدِينَة واجتماعهم فِيهَا، وَقلة غيبتهم عَنْهَا حَتَّى لَو اتّفق عدتهمْ أَو أَكثر مُتَفَرّقين فِي الْبِلَاد لم تقض الْعَادة بذلك مَعَ اجتهادهم (يتشاورون ويتناظرون) فِي الْوَاقِعَة الَّتِي لَا نَص فِيهَا وَإِذا أَجمعُوا على

حكم (لَا يجمعُونَ إِلَّا عَن) مُسْتَند (رَاجِح) فَيَكْفِي بإجماعهم (منع قَضَائهَا) أَي الْعَادة (بِهِ) أَي بإجماعهم عَن رَاجِح دون سَائِر عُلَمَاء الْأَمْصَار، إِذْ لَا دَلِيل يُفِيد الْفرق بَينهمَا بِحَيْثُ يكون إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة وحدهم مُفِيد للْقطع، وَإِجْمَاع بلد آخر لَا يكون مُفِيدا لَهُ. فِي الشَّرْح العضدي: فَإِن قيل لَا نسلم الْعَادة فِي اتِّفَاق مثلهم عَن رَاجِح لأَنهم بعض الْأمة فَيجوز أَن يكون متمسك غَيرهم أرجح، فَرب رَاجِح لم يطلع عَلَيْهِ الْبَعْض قُلْنَا لَا نقُول الْعَادة قاضية باطلاع الْكل، فيراد ذَلِك، بل اطلَاع الْأَكْثَر، وَالْأَكْثَر كَاف فِي تتميم دليلنا بِأَن يُقَال إِذا وَجب اطلَاع الْأَكْثَر امْتنع أَن لَا يطلع عَلَيْهِ من أهل الْمَدِينَة أحد، وَيكون ذَلِك الْأَكْثَر غَيرهم مَا فِيهَا أحد مِنْهُم والاحتمالات الْبَعِيدَة لَا تَنْفِي الظُّهُور انْتهى. وَإِلَى هَذِه الْجُمْلَة أَشَارَ بقوله. (وَدفع) الْمَنْع (بِأَن المُرَاد) من أَن الْعَادة قاضية إِلَى آخِره أَنَّهَا (قاضية باطلاع الْأَكْثَر) زعم الشَّارِح أَن مَعْنَاهُ قاضية فِي انْعِقَاد الْإِجْمَاع أَنه لَا ينْعَقد على حكم إِلَّا باطلاع الْأَكْثَر من الْمُجْتَهدين على دَلِيله انْتهى، فَلَزِمَ من كَلَامه أَن اطلَاع الْأَكْثَر على دَلِيل الحكم إِنَّمَا هُوَ على تَقْدِير انْعِقَاد الْإِجْمَاع فَيُقَال لَهُ مرادك إِمَّا إِجْمَاع الْأمة أَو إِجْمَاع مثل هَذَا الْجمع المنحصر، وَالْأول خُرُوج عَن الْبَحْث، لِأَن الْمَفْرُوض إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة لَا إِجْمَاع الْأمة، أَو اجماع مثل هَذَا الْجمع المنحصر حَتَّى يلْزم إطلاع الْأَكْثَر وَيتَفَرَّع عَلَيْهِ (فَامْتنعَ أَن لَا يطلع عَلَيْهِ من أهل الْمَدِينَة أحد بِأَن لَا يكون فِي الْأَكْثَر أحد مِنْهُم) إِذْ امْتنَاع عدم اطلَاع أحد من أَهلهَا لِامْتِنَاع أَن لَا يكون أحد مِنْهُم من جمَاعَة الْأَكْثَر على تَقْدِير اطلَاع الْأَكْثَر، واطلاع الْأَكْثَر على تَقْدِير إِجْمَاع الْأمة وَهُوَ غير مَعْلُوم، وَالثَّانِي وَهُوَ لُزُوم اطلَاع الْأَكْثَر عِنْد إِجْمَاع مثل هَذَا الْجمع لَا وَجه لَهُ: إِذْ لَا مُلَازمَة عَادَة بَين اتِّفَاق مثل هَذَا الْجمع وَبَين اطلَاع أَكثر الْأمة على دَلِيل الحكم، فَالْحق أَن الْمَعْنى أَن كل حكم لَا بُد لَهُ من دَلِيل رَاجِح فِي نفس الْأَمر، وَقد جرت الْعَادة أَن أَكثر الْمُجْتَهدين فِي الْمَدِينَة احْتِمَال فِي غَايَة الْبعد، وعَلى تَقْدِير وجود وَاحِد مِنْهُم فِيهَا وَهُوَ عَالم بالراجح مخبر بِهِ سَائِر أَهلهَا، لِأَن الْمَفْرُوض اجتهادهم وتشاورهم وتناظرهم كَمَا عرفت وَالله تَعَالَى أعلم (وَالِاحْتِمَال) الْبعيد (لَا يَنْفِي الظُّهُور، وَهَذَا) الْجَواب (انحطاط) لإِجْمَاع أهل الْمَدِينَة عَن كَونه حجَّة قَطْعِيَّة (إِلَى كَونه حجَّة ظنية، لَا) أَنه يَجْعَلهَا (إِجْمَاعًا) قَطْعِيا. وَنقل السُّبْكِيّ عَن أَكثر المغاربة أَنه لَيْسَ بقطعي بل ظَنِّي يقدم على خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس، وَعَن الْقُرْطُبِيّ أَن تَقْدِيم الْخَبَر أولى (فَإِن قيل يلْزم مثله) من انْعِقَاد الْإِجْمَاع بِمثل هَذَا الْجمع إِلَى آخِره (فِي أهل) بَلْدَة (أُخْرَى) كمكة والكوفة (لذَلِك) أَي انْعِقَادهَا: أَي لقَضَاء الْعَادة باطلاع الْأَكْثَر الخ (الْتزم) مُوجبه (وَصَارَ الْحَاصِل أَن اتِّفَاق مثلهم حجَّة يحْتَج بِهِ عِنْد عدم الْمعَارض من خلاف مثلهم).

مسئلة

مسئلة (إِذا أفتى بَعضهم) أَي الْمُجْتَهدين بمسئلة اجتهادية (أَو قضى) بَعضهم واشتهر بَين أهل عصره وَعرف الْبَاقُونَ: أَي جَمِيع من سواهُ من الْمُجْتَهدين (وَلم يُخَالف) فِي الْفتيا فِي الصُّورَة الأولى، وَفِي الْقَضَاء فِي الصُّورَة الثَّانِيَة (قبل اسْتِقْرَار الْمذَاهب) فِي تِلْكَ الْحَادِثَة وَاسْتمرّ الْحَال على هَذَا (إِلَى مُضِيّ مُدَّة التَّأَمُّل) وَهِي على مَا ذكره القَاضِي أَبُو زيد حِين تبين للساكت الْوَجْه فِيهِ، وَفِي الْمِيزَان وَأَدْنَاهُ إِلَى آخر الْمجْلس: أَي مجْلِس بُلُوغ الْخَبَر، وَقيل يقدر بِثَلَاثَة أَيَّام بعد بُلُوغ الْخَبَر، قيل وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بكر الرَّازِيّ حَيْثُ قَالَ فَإِذا استمرت الْأَيَّام عَلَيْهِ وَلم يظْهر السَّاكِت خلافًا مَعَ الْعِنَايَة مِنْهُم بِأَمْر الدّين وحراسة الْأَحْكَام علمنَا أَنهم إِنَّمَا لم يظهروا الْخلاف لأَنهم موافقون لَهُ، وَعنهُ أَنه إِنَّمَا يكون دلَالَة على الْمُوَافقَة إِذا انْتَشَر القَوْل وَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْقَات يعلم فِي مجْرى الْعَادة أَن لَو كَانَ هُنَاكَ مُخَالف لأظهر الْخلاف، وعَلى هَذَا الِاعْتِمَاد (وَلَا تقية) أَي خوف يمْنَع السَّاكِت من الْمُخَالفَة (فَأكْثر الْحَنَفِيَّة) وَأحمد وَبَعض الشَّافِعِيَّة كَأبي إِسْحَاق الاسفراينى أَن هَذَا (إِجْمَاع قَطْعِيّ، وَابْن أبي هُرَيْرَة) من الشَّافِعِيَّة هُوَ فِي الْفتيا (كَذَلِك) أَي إِجْمَاع قَطْعِيّ (لَا فِي الْقَضَاء). قَالَ الشَّارِح ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهم، وَالَّذِي فِي الْمَحْصُول عَنْهُم إِن كَانَ الْقَائِل حَاكما لم يكن إِجْمَاعًا وَلَا حجَّة، وَإِلَّا فَنعم، وَالْفرق بَين النقلين وَاضح، إِذْ لَا يلْزم من صدوره عَن الْحَاكِم أَن يكون على وَجه الحكم، فقد يُفْتى الْحَاكِم تَارَة وَيقْضى أُخْرَى أهـ. وَلم يظْهر لي فرق بَينهمَا إِذْ الْمُتَبَادر من كَون الْقَائِل أَن يكون حَاكما فِي قَوْله وَالَّذِي يظْهر لي أَن سكوتهم لَا يدل على موافقتهم إِيَّاه لجَوَاز الْقَضَاء بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَإِن كَانَ مُخَالفا لرأي غَيره فقضاؤه صَحِيح وَلَيْسَ عَلَيْهِم إِنْكَاره لِأَنَّهُ تَأَكد رَأْيه بِالْقضَاءِ بِخِلَاف الْفتيا فَإِنَّهَا لم تتأكد بِهِ، وَفِيه مَا فِيهِ (وَعَن الشَّافِعِي لَيْسَ بِحجَّة) فضلا عَن أَن يكون إِجْمَاعًا (وَبِه قَالَ ابْن أبان والباقلاني وَدَاوُد وَبَعض الْمُعْتَزلَة) وَالْغَزالِيّ بل ذكر الإِمَام الرَّازِيّ والآمدي أَن هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي والسبكي الْأَكْثَرُونَ من الْأُصُولِيِّينَ نقلوا أَن الشَّافِعِي يَقُول أَن السكوتي لَيْسَ بِإِجْمَاع وَاخْتَارَهُ القَاضِي، وَذكر أَنه آخر أَقْوَاله. قَالَ الْبَاجِيّ وَهُوَ قَول أَكثر الْمَالِكِيَّة، وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَب أَصْحَابنَا، وَقَالَ ابْن برهَان: إِلَيْهِ ذهب كَافَّة الْعلمَاء: مِنْهُم الْكَرْخِي وَنَصره ابْن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو زيد الدبوسي والرافعي أَنه الْمَشْهُور عِنْد الْأَصْحَاب، وَالنَّوَوِيّ أَنه الصَّوَاب (و) قَالَ (الجبائي إِجْمَاع بِشَرْط الانقراض) للعصر وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَنَقله ابْن فورك عَن أَكثر أَصْحَاب مذْهبه، والرافعي أَنه أصح الْأَوْجه (ومختار الْآمِدِيّ)

والكرخي والصيرفي وَبَعض الْمُعْتَزلَة كَأبي هَاشم (إِجْمَاع ظَنِّي أَو حجَّة ظنية) وَقيل إِن كَانَ الساكتون أقل كَانَ إِجْمَاعًا وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مُخْتَار الْجَصَّاص، وَقيل إِن وَقع فِي شَيْء مفوت استدراكه من اراقة دم واستباحة فرج فإجماع وَإِلَّا فحجة، وَذهب الرَّوْيَانِيّ إِلَى هَذَا التَّفْصِيل فِيمَا إِذا كَانَ فِي عصر الصَّحَابَة وَألْحق الْمَاوَرْدِيّ التَّابِعين بالصحابة فِي ذَلِك، وَذكر النَّوَوِيّ أَنه الصَّحِيح. قَالَ (الْحَنَفِيَّة لَو شَرط سَماع قَول كل) من المجمعين (انْتَفَى) الْإِجْمَاع (لتعذره) أَي سَماع قَول كل (عَادَة) قَالَ السَّرخسِيّ: إِذْ لَيْسَ فِي وسع عُلَمَاء الْعَصْر السماع من الَّذين كَانُوا قبلهم بقرون فَهُوَ سَاقِط عِنْدهم، لِأَن المتعذر كالممتنع، وَكَذَا يتَعَذَّر السماع عَن جَمِيع عُلَمَاء الْعَصْر وَالْوُقُوف على قَول كل فريق مِنْهُم فِي حكم حَادِثَة حَقِيقَة لما فِيهِ من الْحَرج الْبَين، لَكِن الْإِجْمَاع غير مُنْتَفٍ فَالشَّرْط الْمَذْكُور مُنْتَفٍ انْتهى. وَأَنت خَبِير بِأَن الْفرق بَين السماع من الَّذين قبلهم بقرون وَبَين السماع من جَمِيع عُلَمَاء الْعَصْر فِي غَايَة الوضوح فَكيف يُقَاس هَذَا عَلَيْهِ، الأول كالمحال، وَالثَّانِي فِيهِ بعض حرج، وَالْفرق بَين السكوتي والقولي حِينَئِذٍ بالتتبع لكيفية وُقُوعه. (وَأَيْضًا الْعَادة فِي كل عصر إِفْتَاء الأكابر وسكوت الأصاغر تَسْلِيمًا، وللإجماع على أَنه) أَي السكوتي (إِجْمَاع فِي الْأُمُور الاعتقادية فَكَذَا) الْأَحْكَام (الفرعية) بل يثبت هَهُنَا بطرِيق أولى. قَالَ (النافون) لحجيته (مُطلقًا) أَي قطعا وظنا (السُّكُوت يحْتَمل غير الْمُوَافقَة من خوف أَو تفكر أَو عدم اجْتِهَاد أَو تَعْظِيم) للقائل فَلَا يكون إِجْمَاعًا وَلَا حجَّة مَعَ قيام هَذِه الِاحْتِمَالَات. (أجَاب الظني) أَي الْقَائِل بِأَنَّهُ إِجْمَاع ظَنِّي (بِأَنَّهُ) أَي السُّكُوت (ظَاهر فِي الْمُوَافقَة) للمفتي وَالْقَاضِي (وَفِي غَيرهَا) أَي وَالسُّكُوت فِي غير الْمُوَافقَة مِمَّا ذكر (احتمالات) غير ظَاهِرَة وَهِي (لَا تَنْفِي الظُّهُور. و) أجَاب (الْحَنَفِيَّة) بِأَنَّهُ (انْتَفَى الأول) وَهُوَ السُّكُوت للخوف (بِالْعرضِ) حَيْثُ قُلْنَا وَلَا تقية (و) انْتَفَى (مَا بعده) وَهُوَ السُّكُوت للتفكر (بِمُضِيِّ مُدَّة التَّأَمُّل فِيهِ عَادَة، و) السُّكُوت (للتعظيم بِلَا تقية فسق) لترك الْوَاجِب الَّذِي هُوَ الرَّد لِأَن الْفَتْوَى أَو الْقَضَاء إِذا كَانَ غير حق يكون مُنْكرا وَاجِب الرَّد فَلَا ينْسب إِلَى المتدين، وَلَا سِيمَا أَئِمَّة الدّين. (وَمَا) روى (عَن ابْن عَبَّاس فِي سُكُوته عَن عمر فِي القَوْل) من قَوْله (كَانَ مهيبا نفوا) أَي الْحَنَفِيَّة كفخر الْإِسْلَام وَالْقَاضِي أبي زيد (صِحَّته) عَنهُ نقلا (وَلِأَنَّهُ) أَي عمر رَضِي الله عَنهُ (كَانَ يقدمهُ) أَي ابْن عَبَّاس (على كثير من الأكابر) ويسأله عَن مسَائِل (ويستحسن قَوْله) فَعَنْهُ كَانَ عمر يدخلني مَعَ أَشْيَاخ بدر فَكَانَ بَعضهم وجد فِي نَفسه فَقَالَ: لم يدْخل هَذَا مَعنا وَلنَا أَبنَاء مثله؟ فَقَالَ عمر: أَنه من حَيْثُ علمْتُم فَدَعَا ذَات يَوْم فَأَدْخلنِي مَعَهم فَمَا رَأَيْت أَنه دَعَاني يَوْمئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ مَا تَقولُونَ

فِي قَول الله - {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} - فَقَالَ بَعضهم: أمرنَا أَن نحمد الله وَنَسْتَغْفِرهُ إِذا نصرنَا وَفتح علينا، فَسكت بَعضهم فَلم يقل شَيْئا، فَقَالَ لي أكذاك تَقول يَا ابْن عَبَّاس؟ فَقلت لَا، قَالَ فَمَا نقُول؟ قلت هُوَ أجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلمهُ لَهُ قَالَ {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} وَذَلِكَ عَلامَة أَجلك {فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا}، فَقَالَ عمر مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تَقول: رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعنهُ قَالَ دَعَا عمر الْأَشْيَاخ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَقَالَ لَهُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي لَيْلَة الْقدر " التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر وترا فَفِي أَي التوتر ترونها؟ فَقَالَ رجل بِرَأْيهِ إِنَّهَا تاسعة سابعة خَامِسَة ثَالِثَة، فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس تكلم، قلت أَقُول برأيي. قَالَ عَن رَأْيك أَسأَلك، قلت إِنِّي سَمِعت الله أَكثر من ذكر السَّبع فَذكر الحَدِيث وَفِي آخِره. قَالَ عمر أعجزتم أَن تَقولُوا مثل مَا قَالَ هَذَا الْغُلَام الَّذِي لم تستو شؤون رَأسه. أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُسْند عمر وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد إِلَى غير ذَلِك (وَكَانَ) عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (أَلين للحق) وَأَشد انقيادا لَهُ من غَيره (وَعنهُ) رَضِي الله عَنهُ (لَا خير فِيكُم إِن لم تَقولُوا) يَعْنِي كلمة الْحق (وَلَا خير فِي ان لم أسمع) ذكره فِي التَّقْوِيم وَغَيره (وقصته مَعَ الْمَرْأَة فِي نَهْيه عَن مغالاة الْمهْر شهيرة) رَوَاهُ غير وَاحِد مِنْهُم أَبُو يعلى الْموصِلِي بِسَنَد قوي عَن مَسْرُوق قَالَ: ركب عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس مَا إكْثَاركُمْ فِي صدَاق النِّسَاء وَقد كَانَ الصَّدقَات فِيمَا بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أَصْحَابه أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فَمَا دون ذَلِك وَلَو كَانَ الْإِكْثَار فِي ذَلِك تقوى عِنْد الله أَو مكرمَة لم تَسْبِقُوهُمْ إِلَيْهَا فَلَا أَعرفن مَا زَاد رجل فِي صدَاق امْرَأَة على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، قَالَ ثمَّ نزل فَاعْتَرَضتهُ امْرَأَة من قُرَيْش فَقَالَت لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نهيت النَّاس أَن يزِيدُوا النِّسَاء فِي صداقهن على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، قَالَ نعم قَالَت: أما سَمِعت الله يَقُول - {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} - فَقَالَ عمر اللَّهُمَّ عفوا كل أحد أفقه من عمر، قَالَ ثمَّ رَجَعَ فَركب الْمِنْبَر ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي كُنْتُم نَهَيْتُكُمْ أَن تَزِيدُوا النِّسَاء فِي صداقهن على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فَمن شَاءَ أَن يُعْطي من مَاله مَا أحب. قَالَ الشَّارِح لَكِن فِي نفي صِحَة اعتذار ابْن عَبَّاس عَن ترك مُرَاجعَة عمر بالهيبة نظر، فقد روى الطَّحَاوِيّ وَإِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق وَالْقَاضِي فِي الْأَحْكَام عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة قَالَ: دخلت أَنا وَزفر بن الْحدثَان على ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا بعد مَا ذهب بَصَره فتذاكرنا فَرَائض الْمَوَارِيث فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَتَرَوْنَ من أحصى رمل عالج عددا لم يخص فِي مَال نصفا وَنصفا وَثلثا إِذا ذهب نصف وَنصف فَأَيْنَ الثُّلُث، فساق الحَدِيث، ورأيه فِي ذَلِك وَفِي آخِره، فَقَالَ لَهُ زفر مَا مَنعك أَن تُشِير عَلَيْهِ بِهَذَا الرَّأْي، قَالَ هَيْبَة وَالله. قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ مَوْقُوف حسن انْتهى، فَإِن قلت كَيفَ تمنع المهابة

عَن إِظْهَار الْحق قُلْنَا لعلمه بِأَنَّهُ علم الآراء فِيهِ، وَاخْتَارَ مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور وَاسْتَحْسنهُ وَلم يرجع عَن ذَلِك، وَلَا فَائِدَة فِي المناظرة والمحاجة مَعَه، والاحتشام والإجلال مَنعه عَن أَمر علم فَائِدَته وَلم يبْق إِلَّا احْتِمَال مَرْجُوح وَهُوَ أَن يرجع بمناظرته، وَقيل يُمكن أَنه لم يكن إِذْ ذَاك فِي دَرَجَة الِاجْتِهَاد (وَقد يُقَال السُّكُوت عَن) إِنْكَار (الْمُنكر مَعَ الْقُدْرَة) عَلَيْهِ (فسق، وَقَول الْمُجْتَهد لَيْسَ إِيَّاه) أَي مُنْكرا (فَلَا يجب) على الْمُجْتَهد السَّاكِت (إِظْهَار خِلَافه) أَي خلاف الْمُجْتَهد الْمُفْتِي أَو القَاضِي (ليَكُون السُّكُوت) عَن إِنْكَاره (فسقا، بل هُوَ) أَي الْمُجْتَهد السَّاكِت (مُخَيّر) بَين السُّكُوت وَإِظْهَار الْخلاف، وَهَذَا (بِخِلَاف الاعتقادي فَإِنَّهُ) أَي الْمُجْتَهد فِيهِ (مُكَلّف) فِيهِ (بِإِصَابَة الْحق فَغَيره) أَي غير الْحق إِذا أَتَى بِهِ (عَن اجْتِهَاد مُنكر فَامْتنعَ السُّكُوت) فِيهِ كَيْلا يكون ساكتا عَن مُنكر فيضيق (إِلَّا أَن يُقَال يجب) على السَّاكِت إِظْهَار خلاف قَول الْمُفْتِي وَالْقَاضِي فِي الْفُرُوع أَيْضا (لتجويزه) أَي الْمُجْتَهد السَّاكِت (رُجُوع الْمُفْتى) أَو القَاضِي (إِلَيْهِ) أَي إِلَى قَوْله (لحقيته) أَي حقية قَول السَّاكِت فِي اعْتِقَاده ورجاء أَن يظْهر ذَلِك عِنْد الْمُفْتِي أَو القَاضِي فَيرجع إِلَيْهِ، وَقد يُقَال أَن هَذَا التجويز لَا يقتضى وجوب إِظْهَار الْخلاف، كَيفَ وَهُوَ يعلم أَن كلا من الافتاء وَالْقَضَاء صَحِيح وَاجِب الْعَمَل فِي حق الْمُفْتِي وَالْقَاضِي وَإِن كَانَ خطأ فِي نفس الْأَمر وسيشير إِلَيْهِ. قَالَ الشَّارِح على أَنا سنذكر من الْمِيزَان أَن العملى والاعتقادي فِي الْجَواب سَوَاء على قَول أهل السّنة وَالْقَائِل بِأَن الْمُجْتَهد قد يُخطئ ويصيب (واذن) أَي وَإِذا كَانَ الْإِظْهَار وَاجِبا للتجويز الْمَذْكُور (فَقَوْل معَاذ فِي جلد الْحَامِل) الَّتِي زنت لما هم عمر بجلدها أَن جعل الله لَك على ظهرهَا سَبِيلا (مَا جعل الله لَك على مَا فِي بَطنهَا سَبِيلا) فَقَالَ لَوْلَا معَاذ لهلك عمر (للْوُجُوب) أَي بِسَبَب وجوب إِظْهَار الْمُخَالفَة على الْمُجْتَهد (فَيبْطل) بِهِ (تَفْصِيل ابْن أبي هُرَيْرَة) الْمشَار إِلَيْهِ بقوله وَابْن أبي هُرَيْرَة كَذَلِك لَا فِي الْقَضَاء (لكنه) أَي وجوب إِظْهَار الْمُخَالفَة إِذا جوز رُجُوعه إِلَيْهِ (مَمْنُوع) لِأَن التجويز غير مُلْزم، وَلَيْسَ مَا ذهب إِلَيْهِ الْمُجْتَهد الأول مَعْلُوم الْبطلَان وَإِن كَانَ خطأ فَالْعَمَل بِهِ صَحِيح بظنه، وَلَا نسلم أَن قَول معَاذ يدل على الْوُجُوب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقَول معَاذ اخْتِيَار لأحد الجائزين) من السُّكُوت وَإِظْهَار الْمُخَالفَة (أَو) إِظْهَار الْمُخَالفَة وَاجِب (فِي خُصُوص) هَذِه (الْمَادَّة) لما فِيهِ من صِيَانة نفس مُحْتَرمَة عَن تعرضها للهلاك (وَقَوله) أَي ابْن أبي هُرَيْرَة (الْعَادة أَن لَا يُنكر الحكم بِخِلَاف الْفَتْوَى) فَإِنَّهَا تنكر فَلَا يكون السُّكُوت فِي الْقَضَاء دَلِيل الْمُوَافقَة وَيكون فِي الْفَتْوَى دليلها، وَقَوله مُبْتَدأ حبره (يعد اسْتِقْرَار الْمذَاهب) لَا قبله والنزاع إِنَّمَا هُوَ فِيمَا قبله، مفَاد هَذِه الْعبارَة أَن الْفرق بَينهمَا بالإنكار وَعَدَمه بعد الِاسْتِقْرَار مُسلم، وَأما قبله فكلاهما يُنكر، وَلَا يخفى أَن استقرارها

مسئلة

إِنَّمَا يكون سَببا لعدم الْإِنْكَار فِي الحكم، لِأَن الْمذَاهب إِذا تقررت وَعرف أهل كل مَذْهَب لَا وَجه للإنكار على صَاحب مَذْهَب فِي الْعَمَل على مُوجبه، وَهَذِه الْعلَّة مُشْتَركَة بَين الحكم وَالْفَتْوَى فَلَا وَجه للْفرق بَين الِاسْتِقْرَار أَيْضا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال ارتباط الظّرْف بالْقَوْل بِاعْتِبَار عدم إِنْكَار الحكم فَقَط، لَا بِاعْتِبَار التَّفْرِقَة بَينهمَا فَتَأمل (وَقَول الجبائي) فِي اعْتِبَاره الْإِجْمَاع السكوتي بِشَرْط الانقراض (الِاحْتِمَالَات) الْمَذْكُورَة من الْخَوْف والتفكر وَغَيرهمَا (تضعف بعد الانقراض) لبعد اسْتِمْرَار هَذِه الْمَوَانِع إِلَى انْقِرَاض عصرهم (لَا قبله) أَي الانقراض (مَمْنُوع بل الضعْف) لَهَا (يتَحَقَّق بعد مُضِيّ مُدَّة التَّأَمُّل فِي مثله) أَي فِي مثل ذَلِك القَوْل (عَادَة وَمن الْمُحَقِّقين) إِشَارَة إِلَى مَا فِي الشَّرْح العضدي (من قيد قطعيته) أَي الْإِجْمَاع السكوتي (بِمَا إِذا كثر) وُقُوع تِلْكَ الْحَادِثَة (وتكرر) تكررا يكون (فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى) وَهُوَ: أَي هَذَا التَّقْيِيد أوجه، هَكَذَا فِي نُسْخَة اعْتمد عَلَيْهَا، وَفِي نُسْخَة الشَّارِح (وَحِينَئِذٍ يحْتَمل) أَن يكون مُفِيدا للْقطع بمضمونه على مَا فسره، وَقَالَ السُّبْكِيّ تكَرر الْفتيا مَعَ طول الْمدَّة وَعدم الْمُخَالفَة يفضى إِلَى الْقطع وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ. مسئلة (إِذا أجمع على قَوْلَيْنِ فِي مسئلة) فِي عصر (لم يجز إِحْدَاث) قَول (ثَالِث) فِيهَا (عِنْد الْأَكْثَر) مِنْهُم الإِمَام الرَّازِيّ فِي المعالم، وَنَصّ عَلَيْهِ مُحَمَّد بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ فِي رسَالَته (وَخَصه) أَي عدم جَوَاز إِحْدَاث ثَالِث (بعض الْحَنَفِيَّة بالصحابة) أما إِذا كَانَ الْإِجْمَاع على قَوْلَيْنِ مِنْهُم فَلم يجوزوا لمن بعدهمْ أَحْدَاث ثَالِث فِيهَا (ومختار الْآمِدِيّ) وَابْن الْحَاجِب يجوز إِن لم يرفع شَيْئا مِمَّا أجمع عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ، وَلَا يجوز (إِن رفع مجمعا عَلَيْهِ كرد الْمُشْتَرَاة بكرا بعد الْوَطْء لعيب قبل الْوَطْء) كَانَ بهَا عِنْد البَائِع على المُشْتَرِي بعد الْوَطْء (قيل لَا) يردهَا (وَقيل) يردهَا (مَعَ الْأَرْش) أَي أرش الْبكارَة. (لَا يُقَال) يردهَا (مجَّانا) أَي بِغَيْر أرش الْبكارَة لِأَنَّهُ قَول ثَالِث رَافع لمجمع عَلَيْهِ. نقل الأول عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود، وَالثَّانِي عَن عمر وَزيد بن ثَابت، وأنهما قَالَا يرد مَعهَا عشر قيمتهَا إِن كَانَت بكرا، وَنصف عشر قيمتهَا إِن كَانَت ثَيِّبًا، فقد اتَّفقُوا على عدم ردهَا مجَّانا. قَالَ الشَّارِح: وَقَالَ شَيخنَا الْحَافِظ، وَفِي هَذَا الْمِثَال نظر. فَإِن الَّذِي يرْوى عَنْهُم ذَلِك من الصَّحَابَة لم يثبت عَنْهُم، وَأما التابعون فَصحت عَنْهُم الْأَقْوَال الثَّلَاثَة: الأول عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَالثَّانِي عَن سعيد بن الْمسيب وَشُرَيْح وَمُحَمّد ابْن سِيرِين وَكثير، وَالثَّالِث عَن الْحَارِث العكلي وَهُوَ من فُقَهَاء الْكُوفَة من أَقْرَان إِبْرَاهِيم

النَّخعِيّ (ومقاسمة الْجد) الصَّحِيح، وَهُوَ الَّذِي لَا يدْخل فِي نسبته إِلَى الْمَيِّت أُنْثَى (الْأُخوة) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب (وحجبه الْأُخوة فَلَا يُقَال بحرمانه) أَي بحرمان الْجد بهم لِأَنَّهُ قَول ثَالِث رَافع الْمجمع عَلَيْهِ لِاتِّفَاق الْقَوْلَيْنِ على أَن للْجدّ حظا من الْمِيرَاث، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي قدره. وَنقل الشَّارِح عَن شَيْخه الْمَذْكُور فِي هَذَا الْمِثَال أَيْضا أقوالا ثَلَاثَة مَشْهُورَة عَن الصَّحَابَة: حجبه لَهُم عَن أبي بكر الصّديق وَعمر وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَغَيرهم، وَأَنه رَجَعَ بَعضهم إِلَى الْمُقَاسَمَة، وَهُوَ قَول الْأَكْثَر، وَجَاء حرمانه عَن زيد بن ثَابت وَعلي بن أبي طَالب وَعبد الرَّحْمَن ابْن غنم، ثمَّ رَجَعَ زيد وَعلي إِلَى الْمُقَاسَمَة. ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يثبت إِجْمَاع من بعدهمْ على بطلَان الثَّالِث الَّذِي هُوَ الحرمان فَلَا يسمع بعد ذَلِك بِنَاء على أَن الْإِجْمَاع اللَّاحِق يرفع الْخلاف السَّابِق (وعدة الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا) زَوجهَا (بِالْوَضْعِ) لحملها كَمَا عَلَيْهِ عَامَّة أهل الْعلم من الصَّحَابَة وَغَيرهم (أَو أبعد الْأَجَليْنِ) من الْوَضع ومضي أَرْبَعَة أشهر وَعشر كَمَا روى عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس. (لَا يُقَال) تنقضى عدتهَا (بِالْأَشْهرِ فَقَط) لِأَنَّهُ قَول ثَابت رَافع لمجمع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا مضى الشَّهْر الأول وَلم تضع الْحمل اتّفق الْفَرِيقَانِ على عدم مُضِيّ الْعدة. أما على القَوْل بِالْوَضْعِ فَظَاهر، وَأما على القَوْل بالأبعد فَإِن الْأَبْعَد يتَحَقَّق (بِخِلَاف الْفَسْخ) للنِّكَاح (بالعيوب) من الْجُنُون والجذام والبرص والجب والعنة والقرن والرتق وَعدم الْفَسْخ بهَا (وَزَوْجَة وأبوين أَو زوج) وأبوين (للْأُم ثلث الْكل أَو ثلث مَا بَقِي) بعد فرض الزَّوْجَيْنِ (يجوز) فيهمَا قَول ثَالِث وَهُوَ (التَّفْصِيل فِي الْعُيُوب). قَالَ الشَّارِح: الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فِيهَا مَشْهُورَة عَن الصَّحَابَة (وَبَين الزَّوْج وَالزَّوْجَة) فَإِن التَّفْصِيل فِي كل من هذَيْن لَا يرفع مجمعا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَافق فِي كل صُورَة قولا. (وَطَائِفَة) كالظاهرية وَبَعض الْحَنَفِيَّة قَالُوا (يجوز) إِحْدَاث ثَالِث (مُطلقًا) سَوَاء كَانَ المجمعون على قَوْلَيْنِ الصَّحَابَة أَو غَيرهم، وَسَوَاء رفع الثَّالِث مجمعا عَلَيْهِ أَو لم يرفع. قَالَ (الْآمِدِيّ) إِنَّمَا يجوز الْأَحْدَاث إِذا لم يرفع مجمعا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ (لم يُخَالف مجمعا) عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَي خلاف الْمجمع عَلَيْهِ (الْمَانِع) من الْأَحْدَاث لِأَنَّهُ خرق للْإِجْمَاع وَلم يُوجد (بل) الثَّالِث حِينَئِذٍ (وَافق كلا) من الْقَوْلَيْنِ (فِي شَيْء) إِذْ حَاصِل التَّفْصِيل كَون الْمفصل مَعَ أحد الْفَرِيقَيْنِ فِي صُورَة، وَمَعَ الآخر فِي غير تِلْكَ الصُّورَة. وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال وَهُوَ أَن الطَّائِفَتَيْنِ أجمعتا على عدم التَّفْصِيل. فالتفصل خلاف الْإِجْمَاع قَالَ (وَكَون عدم التَّفْصِيل مجمعا مَمْنُوع بل هُوَ) أَي الْإِجْمَاع على عدم التَّفْصِيل (القَوْل بِهِ) أَي بِعَدَمِ التَّفْصِيل، وَالْفَرْض أَنهم سكتوا عَنهُ، بل يجوز عدم خطوره ببالهم فَكيف يكون مجمعا عَلَيْهِ لَهُم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْأَمر كَذَلِك بِأَن يكون السُّكُوت عَن الشَّيْء قولا بِعَدَمِهِ (امْتنع القَوْل فِيمَا يحدث) أَي فِي

مسئلة لم يَقع ذكرهَا بَين الْعلمَاء، وَفِي الزَّمَان السَّابِق وَلَيْسَ لأحد مِنْهُم قَول فِيهَا (إِذْ) لَو (كَانَ عدم القَوْل قولا بِالْعدمِ) أَي بِعَدَمِ القَوْل على ذَلِك التَّقْدِير، فَذَلِك بَاطِل إِجْمَاعًا فَإِن قلت فرق بَين أَن لم يكن للمسئلة ذكر أصلا، وَبَين أَن يَقع الِاجْتِهَاد فِي طلب الثَّوَاب فِيهَا. ثمَّ ينْحَصر مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي الْقَوْلَيْنِ قلت مَعَ ذَلِك لَا يلْزم أَن يخْطر التَّفْصِيل ببالهم فَلم يرتضوا بِهِ ليَكُون قولا بِعَدَمِهِ. (وَلنَا) على الْمُخْتَار وَهُوَ عدم جَوَاز إِحْدَاث الثَّالِث مُطلقًا (لَو جَازَ التَّفْصِيل كَانَ) جَوَازه (مَعَ الْعلم بخطئه) أَي التَّفْصِيل (لِأَنَّهُ) أَي التَّفْصِيل لَا عَن دَلِيل مُمْتَنع فَهُوَ (عَن دَلِيل) وَحِينَئِذٍ (فَإِن اطلعوا) أَي المطلقون (عَلَيْهِ) أَي على ذَلِك الدَّلِيل (وتركوه أَو لم يطلعوا) عَلَيْهِ (حَتَّى تقرر إِجْمَاعهم على خِلَافه) وَهُوَ الاطلاق وَعدم التَّفْصِيل (لزم خَطؤُهُ) أَي ذَلِك الدَّلِيل (إِذْ لَو كَانَ) أَي ذَلِك الدَّلِيل (صَوَابا) لزم أَن المطلقين وهم جَمِيع مجتهدي الْعَصْر السَّابِق (أخطؤا) بترك الْعَمَل بِهِ علموه أَو جهلوه (والتالي) أَي خطؤهم (مُنْتَفٍ) وَإِلَّا يلْزم اجْتِمَاع الْأمة فِي ذَلِك الْعَصْر على الضَّلَالَة (فَلَيْسَ) دَلِيل التَّفْصِيل (صَوَابا) وَإِذا كَانَ دَلِيل التَّفْصِيل خطأ فدليل من يحدث ثَالِثا بِلَا تَفْصِيل كَانَ أولى بالْخَطَأ إِذْ فِي التَّفْصِيل مُوَافقَة لكل من الْقَوْلَيْنِ فِي شَيْء وَقد عرفت (وَالْمَانِع) من أَحْدَاث القَوْل الثَّالِث (لم ينْحَصر فِي الْمُخَالفَة) لما أجمع عَلَيْهِ. لجَوَاز أَن يكون مانعه الْعلم بِأَنَّهُ لَو صَحَّ لزم خطأ الْكل لما عرفت (مَعَ أَنا نعلم أَن الْمُطلق) من الْفَرِيقَيْنِ (يَنْفِي التَّفْصِيل) لِأَنَّهُ يَقُول: الْحق مَا ذهبت إِلَيْهِ لَا غير (فتضمنه) أَي نفي التَّفْصِيل (إِطْلَاقه) أَي الْمُطلق فَيكون بِمَنْزِلَة التَّنْصِيص على نفي التَّفْصِيل من الْكل. (وَأما قَوْلهم) أَي الْأَكْثَرين بِأَنَّهُ لَو جَازَ التَّفْصِيل (يلْزم تخطئة كل فريق) لكَوْنهم لم يفصلوا (فَيلْزم تخطئتهم) أَي الْأمة كلهَا، وَهُوَ غير جَائِز للنَّص على أَنَّهَا لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة، فالتفصيل غير جَائِز (فَدفع بِأَن المنتفى) فِي النَّص (تخطئة الْكل فِيمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ، لَا تخطئة كل) أَي كل فريق من الْكل (فِي غير مَا خطئَ فِيهِ) وَفِي بعض النّسخ فِي غيرما أَخطَأ فِيهِ (الآخر) ولازم التَّفْصِيل من هَذَا الْقَبِيل قَالَ الْبَيْضَاوِيّ: وَفِيه نظر وَلم يُبينهُ، وَوَجهه الأسنوى وَغَيره بِأَن الْأَدِلَّة المتضمنة لعصمة الْأمة عَن الْخَطَأ شَامِلَة للصورتين. وَقَالَ السُّبْكِيّ: وَهَذَا النّظر لَهُ أصل مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ أَنه هَل يجوز انقسام الْأمة إِلَى شطرين كل شطر مُخطئ فِي مسئلة الْأَكْثَر أَنه لَا يجوز، وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب خِلَافه وَهُوَ مُتَّجه ظَاهر فَإِن الْمَحْذُور حُصُول الْإِجْمَاع مِنْهَا على الْخَطَأ إِذْ لَيْسَ كل فَرد من الْأمة بمعصوم فَإِذا انْفَرد كل وَاحِد بخطأ غير خطأ صَاحبه فَلَا إِجْمَاع انْتهى قلت يرجع هَذَا الْكَلَام إِلَى أَن المُرَاد من الضَّلَالَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا تَجْتَمِع أمتِي على الضَّلَالَة " الشخصية إِذْ

مسئلة

لَو حمل على مُطلق الضَّلَالَة لزم كَونهَا شَامِلَة للصورتين وَالله تَعَالَى أعلم. قَالَ (المجوز مُطلقًا اخْتلَافهمْ) أَي المجمعين على قَوْلَيْنِ (دَلِيل تسويغ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد) فِيهَا لدلالته على كَونهَا اجتهادية والتسويغ الْمَذْكُور من لوازمه (فَلَا يكون) إِجْمَاعهم على قَوْلَيْنِ المتضمن ذَلِك التسويغ (مَانِعا) من إِحْدَاث ثَالِث فِيهَا بل مسوغا لَهُ (أُجِيب) بِأَن اخْتلَافهمْ دَلِيل تسويغ ذَلِك (بِشَرْط عدم حُدُوث إِجْمَاع مَانع) من الِاجْتِهَاد، وَهَهُنَا قد حدث ضمنا لِأَن كلا من الْفَرِيقَيْنِ يَنْفِي قَول الآخر، وكل قَول سوى قَوْله فاختلفا فِي الْقَوْلَيْنِ واتفقا فِيمَا سواهُمَا نفيا، وَالْقَوْل الثَّالِث مِمَّا سواهُمَا (كَمَا لَو اخْتلفُوا) فِي حكم حَادِثَة (ثمَّ أَجمعُوا هم) بِأَنْفسِهِم على قَول وَاحِد فِيهِ. وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ لَوْلَا أَن هَذَا الْكَلَام ذكر فِي مقَام الْمَنْع كَانَ يُقَال لَا يُقَاس الْإِجْمَاع الضمني الْمَشْكُوك فِيهِ على الْإِجْمَاع الصَّرِيح الْمَقْطُوع بِهِ، كَيفَ والمتبادر من الْإِجْمَاع الْمَذْكُور فِي لَا تَجْتَمِع أمتِي إِنَّمَا هُوَ الصَّرِيح. (قَالُوا) أَي المجوزون مُطلقًا أَيْضا (لَو لم يجز) إِحْدَاث قَول ثَالِث (لأنكر إِذْ وَقع) لكنه وَقع (وَلم يُنكر. قَالَ الصَّحَابَة للْأُم ثلث مَا بَقِي) بعد فرض الزَّوْجَيْنِ (فيهمَا) أَي فِي مسئلة زوج وأبوين، وَزَوْجَة وأبوين (و) قَالَ (ابْن عَبَّاس) لَهَا (ثلث الْكل) فيهمَا، روى الدَّارمِيّ عَنهُ وَعَن عَليّ أَيْضا (وأحدث ابْن سِيرِين وَغَيره) وَهُوَ جَابر وَابْن زيد أَبُو الشعْثَاء كَمَا ذكر الْجَصَّاص (أَن) اللَّازِم (فِي مسئلة الزَّوْج) وأبوين (كَابْن عَبَّاس) أَي كَمَا عين لَهَا (و) للْأُم فِي مسئلة (الزَّوْجَة) مَعَ الْأَبَوَيْنِ (كالصحابة وَعكس تَابِعِيّ آخر) وَهُوَ القَاضِي شُرَيْح. كَذَا فِي الْكَافِي، فَفِي مسئلة الزَّوْج كالصحابة، وَفِي مسئلة الزَّوْجَة كَابْن عَبَّاس (وَلم يُنكر) إِحْدَاث كل من هذَيْن الْقَوْلَيْنِ (وَإِلَّا) لَو أنكر (نقل) وَلم ينْقل (أجَاب الْمفصل بِأَنَّهُ) أَي هَذَا التَّفْصِيل (من قسم الْجَائِز) إحداثه إِذْ لم يرفع مجمعا عَلَيْهِ (و) أجَاب (مطلقو الْمَنْع بِمَنْع) كل من (انْتِفَاء الْإِنْكَار وَلُزُوم النَّقْل لَو أنكر، و) لُزُوم (الشُّهْرَة لَو نقل) بل يجوز أَن يكون أنكر وَلم ينْقل الْإِنْكَار، وَيجوز أَن يكون نقل وَلم يشْتَهر فَإِن مثل هَذَا لَيْسَ مِمَّا تتوفر الدَّوَاعِي على حِكَايَة إِنْكَاره، وَفِيه تَأمل. مسئلة قَالَ (الْجُمْهُور إِذا أَجمعُوا) أَي أهل عصر (على دَلِيل) لحكم (أَو تَأْوِيل جَازَ إِحْدَاث غَيرهمَا). فِي الشَّرْح العضدي. إِذا اسْتدلَّ أهل الْعَصْر بِدَلِيل، أَو أولُوا تَأْوِيلا فَهَل لمن بعدهمْ إِحْدَاث دَلِيل أَو تَأْوِيل آخر لم يَقُولُوا بِهِ، الْأَكْثَرُونَ على أَنه جَائِز وَهُوَ الْمُخْتَار، وَمنعه الأقلون هَذَا إِذا لم ينصوا على بُطْلَانه، وَأما إِذا نصوا فَلَا يجوز اتِّفَاقًا انْتهى، وَهَذَا الْقَيْد لم يُصَرح بِهِ

مسئلة

المُصَنّف لظُهُوره، إِذْ يسْتَلْزم أَحْدَاث غَيرهمَا على تَقْدِير التَّنْصِيص خلاف الْإِجْمَاع (وَهُوَ الْمُخْتَار، وَقيل لَا) يجوز (لنا) أَن كلا من الدَّلِيل والتأويل (قَول) عَن اجْتِهَاد (لم يُخَالف إِجْمَاعًا لِأَن عدم القَوْل) بذلك الدَّلِيل أَو التَّأْوِيل (لَيْسَ قولا بِالْعدمِ) أَي بِعَدَمِ حقيته، فَجَاز لوُجُود الْمُقْتَضى وَعدم الْمَانِع (بِخِلَاف عدم التَّفْصِيل فِي مسئلة وَاحِدَة) الْمَذْكُور فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة (لِأَنَّهُ) أَي أحد المطلقين (يَقُول لَا يجوز التَّفْصِيل لبُطْلَان دَلِيله) أَي التَّفْصِيل، وَهَذَا القَوْل لَيْسَ بتصريح مِنْهُ، بل (بِمَا ذكرنَا) من أَنه لَو جَازَ التَّفْصِيل كَانَ مَعَ الْعلم بخطئه إِلَى آخِره وَيرد عَلَيْهِ أَن الْمُطلق صَاحب أحد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة كَابْن عَبَّاس فِيمَا سبق وَكَيف يتَصَوَّر فِيهِ أَن يَقُول بِلِسَان الْحَال لَو جَازَ التَّفْصِيل كَانَ مَعَ الْعلم بخطئه. وَأَقُول يتَصَوَّر لِأَنَّهُ يعلم أَن التَّفْصِيل بَاطِل إِجْمَاعًا فَهُوَ مَعْلُوم الْخَطَأ عِنْده فَهُوَ يَقُول لَو فرض جَوَازه كَانَ مَعَ الْعلم بخطئه وَالْأَظْهَر أَن يُقَال قَوْله مَا ذكرنَا إِشَارَة إِلَى قَوْله مَعَ أَنا نعلم أَن الْمُطلق يَنْفِي التَّفْصِيل إِلَى آخِره، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُول: الْحق مَا ذهبت إِلَيْهِ لَا غير فَافْهَم (وَكَذَا) الْمُطلق (الآخر) يَقُول مثل ذَلِك القَوْل بذلك التَّأْوِيل (فَيلْزم) من الْأَحْدَاث لَهُ (خطؤهم) أَي الْأمة. (وَأَيْضًا لولم يجز) أَحْدَاث كل من الدَّلِيل والتأويل (لأنكر) أحداثه (حِين وَقع) لكَونه مُنْكرا، وهم لَا يسكتون عَنهُ (لَكِن) لم يُنكر، بل (كل عصر بِهِ) أَي بأحداث كل مِنْهُمَا (يتمدحون) ويعدون ذَلِك فضلا. قَالَ مانعو جَوَازه هُوَ اتِّبَاع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ إِذْ سبيلهم الدَّلِيل أَو التَّأْوِيل السَّابِق فَرد عَلَيْهِم بقوله (وَاتِّبَاع غير سبيلهم اتِّبَاع خلاف مَا قَالُوهُ) مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من الْمُغَايرَة (لَا مَا لم يقولوه) كَمَا نَحن فِيهِ، ثمَّ أَن الْمُحدث لَهُ لم يتْرك دَلِيل الْأَوَّلين وَلَا تأويلهم وَإِنَّمَا ضم دَلِيلا وتأويلا إِلَى دليلهم وتأويلهم كَذَا ذكره الشَّارِح، وَلَا يخفى أَنه لَا يَسْتَقِيم إِلَّا إِذا كَانَ مَا أحدثه مستلزما لبُطْلَان مَا قَالُوهُ. (قَالُوا) أَي مانعو جَوَازه قَالَ الله تَعَالَى - {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ} - أَي بِكُل مَعْرُوف للاستغراق (فَلَو كَانَ) الدَّلِيل أَو التَّأْوِيل (مَعْرُوفا أمروا) أَي الْأَولونَ (بِهِ) أَي بذلك الدَّلِيل أَو التَّأْوِيل لَكِن لم يأمروا بِهِ فَلم يكن مَعْرُوفا فَلم يجز الْمصير إِلَيْهِ (عورض) الدَّلِيل الْمَذْكُور بِأَنَّهُ (لَو كَانَ) الدَّلِيل أَو التَّأْوِيل (مُنْكرا لنهوا عَنهُ) لقَوْله تَعَالَى - {وتنهون عَن الْمُنكر} - مسئلة (لَا إِجْمَاع إِلَّا عَن مُسْتَند) أَي لدَلِيل قَطْعِيّ أَو ظَنِّي إِذْ رُتْبَة الِاسْتِدْلَال بِإِثْبَات الْأَحْكَام لَيست للبشر كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه نظر لِأَنَّهُ على تَقْدِير إِجْمَاعهم على حكم يصير ذَلِك حَقًا بالأدلة

الدَّالَّة على نفي ضَلَالَة الْأمة فَلَا يلْزم الِاسْتِدْلَال فَافْهَم (وَإِلَّا) لَو تحقق الْإِجْمَاع صَوَابا لَا عَن مُسْتَند (انقلبت الأباطيل) وَهُوَ مَجْمُوع أَقْوَال أهل الْإِجْمَاع (صَوَابا أَو أجمع على خطأ) إِن لم يكن صَوَابا، ثمَّ بَين وَجه الانقلاب بقوله (لِأَنَّهُ) أَي مَا أجمع عَلَيْهِ بِلَا مُسْتَند (قَول كل) أَي قَول كل الْأمة (وَقَول كل) فَرد مِنْهُم (بِلَا دَلِيل محرم) فَثَبت بِهَذِهِ الْمُقدمَة كَون مَجْمُوع الْأَقْوَال أباطيل، وبالمقدمة الأولى انقلابها صَوَابا لعدم اجْتِمَاعهم على الضَّلَالَة، وَقد يُقَال لَا نسلم امْتنَاع انقلاب الأباطيل صَوَابا. أَلا ترى أَن صَاحب التَّرْتِيب إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة وَلم يقضها وَصلى بعْدهَا خمس صلوَات وقتية حكمنَا بِفساد الْكل. ثمَّ إِذا ضم السَّادِسَة إِلَيْهَا انقلبت صَحِيحَة، وَله نَظَائِر غير هَذَا فَتَأمل (وَاسْتدلَّ) لهَذَا القَوْل الْمُخْتَار بِأَنَّهُ (يَسْتَحِيل) الْإِجْمَاع (عَادَة من الْكل لَا لداع) يَدْعُو إِلَى الحكم من دَلِيل أَو أَمارَة (كالاجتماع) أَي كاستحالة اجْتِمَاعهم (على اشتهاء طَعَام) وَاحِد. (وَيدْفَع) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ) أَي الِاجْتِمَاع لَا يلْزم أَن يكون بِسَبَب دَلِيل. بل يجوز أَن يكون (بِخلق) الْعلم (الضَّرُورِيّ) بِكَوْن ذَلِك حكم الله تَعَالَى فِي قُلُوبهم جَمِيعًا (وَيصْلح) هَذَا الدّفع أَن يكون (جَوَاب) الدَّلِيل (الأول) وَهُوَ لُزُوم انقلاب الأباطيل صَوَابا (أَيْضا إِذْ) الْعلم (الضَّرُورِيّ حق) فَلَا يصدق على قَول وَاحِد مِنْهُم أَنه محرم إِذْ حرمته على تَقْدِير عدم الدَّلِيل وَعدم الْعلم الضَّرُورِيّ فَلَيْسَ الْجَواب أَن الدَّلِيل الثَّانِي أَن انْتَفَى. فَالْأول كَاف فِي إِثْبَات الْمَطْلُوب (بل الْجَواب أَنه) أَي احْتِمَال خلق الضَّرُورِيّ (فرض غير وَاقع) بِإِضَافَة فرض إِلَى غير وَاقع أَو بتوصيفه بِهِ، وَالْمرَاد بِهِ مَفْرُوض غير مُحْتَمل للوقوع، وَإِلَّا فمجرد عدم الْوُقُوع لَا يُفِيد عدم جَوَاز الْإِجْمَاع بِلَا مُسْتَند إِلَّا أَن يكون الْمطلب عدم الْوُقُوع لَا عدم الْجَوَاز (لِأَن كَونه تَعَالَى خَاطب بِكَذَا) لَا بُد مِنْهُ فِي الحكم الشَّرْعِيّ بل هُوَ هُوَ لِأَنَّهُ خطاب الله الْمُتَعَلّق بِفعل العَبْد وَهُوَ (لَا يثبت) شرعا (ضَرُورَة عقلية) أَي ثبوتا بطرِيق البداهة من غير مَأْخَذ سَمْعِي (بل) يثبت (بِالسَّمْعِ) أَي بِالدَّلِيلِ السمعي وَالْفَرْض انتفاؤه، لَا يُقَال هَذَا أول الْبَحْث، لِأَن مَأْخَذ الْأَحْكَام مضبوطة محصورة إِجْمَاعًا والضرورة لَيست مِنْهَا وَالْكَلَام فِي ثُبُوته عِنْد كل وَاحِد من المجمعين قبل انْعِقَاد الْإِجْمَاع (وَلَو ألْقى فِي الروع) بِضَم الرَّاء الْقلب (فالهام) فِي الْقَامُوس ألهمه لله خيرا لقنه الله إِيَّاه، وَلَا يظْهر الْفرق بَين هَذَا الْإِلْقَاء وَبَين ذَلِك الْعلم الضَّرُورِيّ الْحَاصِل بِغَيْر سَبَب من الْأَسْبَاب، وَهل هُوَ إِلَّا إِلْقَاء من الله فِي الْقلب دون الإلهام بطرِيق الْفَيْض بِخِلَاف ذَلِك غير ظَاهر، والإلهام (لَيْسَ بِحجَّة إِلَّا عَن نَبِي. قَالُوا) أَي المجوزون (لَو كَانَ) الْإِجْمَاع عَن سَنَد (لم يفد الْإِجْمَاع) للاستغناء بالسند عَنهُ (أُجِيب بِأَن فَائِدَته) أَي الْإِجْمَاع حِينَئِذٍ (التَّحَوُّل) من الْأَحْكَام الظنية

(إِلَى الْأَحْكَام القطعية) وَهَذَا إِذا كَانَ السَّنَد ظنيا، وَأما إِذا كَانَ قَطْعِيا فالفائدة تَأْكِيد الْقطع وَإِثْبَات الحكم بِكُل مِنْهُمَا وَسُقُوط الْبَحْث عَن ذَلِك الدَّلِيل وَكَيْفِيَّة دلَالَته، وسنشير إِلَى بَعْضهَا (على أَنه) أَي نفي فَائِدَة لإِجْمَاع على دَلِيل (يسْتَلْزم لُزُوم نفي الْمُسْتَند) لإيجابه كَونه عَن غير دَلِيل، وَلَا قَائِل بِهِ لأَنهم يَقُولُونَ لَا يجب الْمُسْتَند، لَا أَنه يجب عَدمه (ثمَّ يجوز كَونه) أَي الْمُسْتَند (قِيَاسا خلافًا للظاهرية) وَابْن جرير الطَّبَرِيّ، أما الظَّاهِرِيَّة فَلَا يستغرب مِنْهُم لأَنهم لَا يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ، وَأما ابْن جرير فَهُوَ قَائِل بِالْقِيَاسِ (وَبَعْضهمْ) أَي الْأُصُولِيِّينَ (يجوزه) أَي كَونه عَن قِيَاس عقلا (و) يَقُول (لم يَقع لنا لَا مَانع يقدر) أَي لَا يُوجد شَيْء يفْرض مَانِعا عَن كَون الْقيَاس سَنَد الاجماع (الا الظنية) أَي كَونه دَلِيلا ظنياً بِأَن يُقَال كَيفَ يكون الظني سَبَب انْعِقَاد قَطْعِيّ (وَلَيْسَت) الظنية (مَانِعَة) عَن ذَلِك (كالآحاد) فَإِنَّهُ ظَنِّي، فِي البديع لَا خلاف فِي انْعِقَاد الْإِجْمَاع عَن خبر الْآحَاد (وَوَقع قِيَاس الْإِمَامَة) الْكُبْرَى للصديق (على إِمَامَة الصَّلَاة) مُسْتَند إِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عين أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ لإمامة الصَّلَاة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: لما قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت الْأَنْصَار منا أَمِير ومنكم أَمِير فَأَتَاهُم عمر فَقَالَ: ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَبَا بكر أَن يصلى بِالنَّاسِ فَأَيكُمْ تطيب نَفسه أَن يتَقَدَّم أَبَا بكر، فَقَالُوا نَعُوذ بِاللَّه أَن نتقدم أَبَا بكر حَدِيث حسن أخرجه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن النزال بن سُبْرَة، وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قيل لَهُ حَدثنَا عَن أبي بكر قَالَ: ذَاك رجل سَمَّاهُ الله تَعَالَى الصّديق على لِسَان جِبْرِيل خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّلَاة رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا (وَفِيه) أَي كَون مُسْتَند هَذَا الْإِجْمَاع الْقيَاس (نظر لأَنهم) أَي الصَّحَابَة (أثبتوه) أَي كَونه خَليفَة (بِأولى وَهِي) أَي طَريقَة إفادته (الدّلَالَة) فِي اصْطِلَاح الْحَنَفِيَّة (وَمَفْهُوم الْمُوَافقَة) فِي اصْطِلَاح الشَّافِعِيَّة، وَقد مر تَفْسِيره غير مرّة، ومرجعه النَّص لَا الْقيَاس (لَكِن مَأْخَذ وُقُوع الْإِجْمَاع مُسْتَندا إِلَى الْقيَاس (حد الشّرْب) للخمر فَإِنَّهُ ثَمَانُون بِإِجْمَاع الصَّحَابَة قِيَاسا (على) حد (الْقَذْف) وأصل هَذَا الْقيَاس (لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) فِي الْمُوَطَّأ وَغَيره أَن عمر اسْتَشَارَ فِي الْخمر يشْربهَا الرجل، فَقَالَ لَهُ عَليّ بن أبي طَالب: نرى أَن يجلد ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إِذا شرب سكر وَإِذا سكر هذى وَإِذا هذى افترى وعَلى المفتري ثَمَانُون انْتهى، فالجامع بَينهمَا الافتراء (ويمنعه) أَي ثُبُوت الْحَد بِالْقِيَاسِ (بعض الْحَنَفِيَّة) بِنَاء على أَنه لَا يثبت الْحَد عِنْدهم بِخَبَر الْوَاحِد، وَإِذا منع هَذَا (فالشيرج النَّجس على السّمن فِي الإراقة) أَي الْإِجْمَاع على إِرَاقَة الشيرج النَّجس الْمَائِع الْمُسْتَفَاد مِمَّا فِي سنَن أبي دَاوُد وصحيح ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

مسئلة

عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن فَقَالَ إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وكلوه، وَإِن كَانَ مَائِعا فَلَا تقربوه وَقد أعل بتفرد معمر عَن الزُّهْرِيّ، وبالاضطراب فِي إِسْنَاده وَمَتنه على أَنه مَتْرُوك الظَّاهِر عِنْد عَامَّة السّلف لتجويزهم الاستصباح بِهِ، وَكثير مِنْهُم يجوز بَيْعه. وَقَوله فالشيرج خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَعنِي أولى بِالْمَنْعِ: أَي فمثاله، وَيحْتَمل أَن يكون مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف: أَعنِي أولى بِالْمَنْعِ، لِأَن أصل الْقيَاس مطعون وَالْإِجْمَاع غير ثَابت، إِذْ لَو ثَبت لما جوز السّلف وَالْخلف مَا ذكر (وَصرح مُتَأَخّر من الْحَنَفِيَّة أَيْضا بِنَفْي قَطْعِيَّة الْمُسْتَند) للْإِجْمَاع (فِي الشرعيات، بل الْإِجْمَاع يفيدها) أَي القطعية (كَأَنَّهُ) أَي التَّصْرِيح بِمَا ذكر (لنفي الْفَائِدَة) للْإِجْمَاع على تَقْدِير كَون الْمُسْتَند قَطْعِيا لثُبُوت الْقطع بالحكم بِنَفس الْمُسْتَند، وَقد عرفت مَا فِيهِ، ولعامة الْعلمَاء أَن الدَّلَائِل الْمُوجبَة لكَون الْإِجْمَاع حجَّة لَا تفصل بَينهمَا (وَإِذا قيل) الْإِجْمَاع الْمُسْتَند إِلَى قَطْعِيّ (يفيدها) أَي القطعية (بِأولى) أَي بطرِيق أولى لما فِيهِ من زِيَادَة التَّأْكِيد واطمئنان الْقلب (انْتَفَى) مَا ذكر من نفي الْفَائِدَة، ثمَّ (هَذَا) بِنَاء (على عدم تفَاوت الْقطعِي قُوَّة كَمَا أسلفناه) وَأما على تفاوته فَالْأَمْر ظَاهر. وَفِي التَّلْوِيح: وَاعْلَم أَنه لَا معنى للنزاع فِي كَون السَّنَد قَطْعِيا لِأَنَّهُ إِن أُرِيد بِهِ أَنه لَا يَقع اتِّفَاق مجتهدي عصر على حكم ثَابت بِدَلِيل قَطْعِيّ فَظَاهر الْبطلَان، وَكَذَا إِن أُرِيد بِهِ أَنه لَا يُسمى إِجْمَاعًا، لِأَن الْحَد صَادِق عَلَيْهِ، وَإِن أُرِيد أَنه لَا يثبت الحكم فَلَا يتَصَوَّر النزاع فِيهِ لِأَن إِثْبَات الثَّابِت محَال انْتهى. وَمُوجب هَذَا أَن لَا يصلح قَوْلنَا هَذَا الحكم ثَبت بِالْكتاب وَالسّنة فَلْيتَأَمَّل. مسئلة (لَا يجوز أَن يعلمُوا) أَي مجتهدو عصر (دَلِيلا راجحا) أَي سالما عَن الْمعَارض المكافئ لَهُ، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَلَا يخفى أَن هَذَا تَفْسِير باللازم وَمَفْهُوم الرجحان بَين، والمحتاج إِلَى الْبَيَان تعْيين الْمَدْلُول: وَهُوَ خلاف مَا أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم: كَمَا يفِيدهُ قَوْله (عمِلُوا بِخِلَافِهِ) أَي بِخِلَاف مُوجبه. تَوْضِيحه أَنه لَا يُمكن أَن يكون لخلاف مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ دَلِيل رَاجِح على دَلِيل مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وهم لَا يعلمُونَ ذَلِك الدَّلِيل (وَاخْتلفُوا فِيمَا) أَي فِي عدم الْعلم بِدَلِيل رَاجِح (عمِلُوا على وَفقه) بِأَن يكون عَمَلهم مَبْنِيا على دَلِيل مَرْجُوح لعدم علمهمْ بالمرجح فهم حِينَئِذٍ مصيبون فِي الحكم مخطئون فِي الدَّلِيل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (مصيبين) أَي فِي الحكم لَكِن بِدَلِيل مَرْجُوح (فَقيل كَذَلِك) أَي لَا يجوز (لِأَن الرَّاجِح سبيلهم) أَي الْمُؤمنِينَ (وَعمِلُوا بِغَيْرِهِ) حَيْثُ بنوا مَذْهَبهم

مسئلة

على الْمَرْجُوح (والمجوز) لعدم علمهمْ بِالدَّلِيلِ الرَّاجِح الَّذِي عمِلُوا على وَفقه يَقُول: (لَيْسَ) عدم الْعلم بالراجح (بِإِجْمَاع على عَدمه) أَي الرَّاجِح (ليَكُون خطأ) واجتماعا على الضَّلَالَة كَمَا إِذا لم يحكموا بِحكم هُوَ صَوَاب لَا يكون ذَلِك قولا بِعَدَمِهِ (وسبيلهم) أَي الْمُؤمنِينَ (مَا عمِلُوا بِهِ، لَا مَا لم يخْطر لَهُم) بالبال (بل هُوَ) أَي الَّذِي لم يخْطر لَهُم (حِينَئِذٍ) أَي حِين لم يخْطر لَهُم (من شَأْنه) أَن يكون سبيلهم، لَا أَنه سبيلهم بِالْفِعْلِ. مسئلة (الْمُخْتَار امْتنَاع ارتداد أمة عصر سمعا وَإِن جَازَ) ارتدادهم (عقلا) إِذْ لَا مَانع مِنْهُ (وَقيل يجوز) شرعا كَمَا يجوز عقلا (لنا أَنه) أَي ارتدادهم (إِجْمَاع على الضَّلَالَة والسمعية) من الْأَدِلَّة الْمُتَقَدّمَة على حجية الْإِجْمَاع (تنفيه) أَي الْإِجْمَاع على الضَّلَالَة (وَاعْترض بِأَن الرِّدَّة تخرجهم) أَي الَّذين كَانُوا أمة قبل الرِّدَّة (عَن تنَاولهَا) أَي الْأَدِلَّة: أَي السمعية إيَّاهُم حَال الرِّدَّة (إِذْ لَيْسُوا أمته) حِينَئِذٍ (وَالْجَوَاب يصدق) إِذا ارْتَدُّوا أَنه (ارْتَدَّت أمته قطعا) أَو رد عَلَيْهِ أَن صدقه بطرِيق الْحَقِيقَة غير مُسلم، وَإِنَّمَا هُوَ مجَاز بِاعْتِبَار مَا كَانَ وَأجِيب بِأَن ذَلِك إِذا أطلق بعد وُقُوع الرِّدَّة، أما فِي حَالهَا فَالظَّاهِر أَنه حَقِيقَة. قَالَ السُّبْكِيّ الارتداد عِلّة الْخُرُوج فَإِن كَانَت الْعلَّة سَابِقَة فَهِيَ حَقِيقَة، وَإِلَّا فَلَا انْتهى. مسئلة (ظن أَن قَول الشَّافِعِي: دِيَة الْيَهُودِيّ الثُّلُث) من دِيَة الْمُسلم (يتَمَسَّك فِيهِ بِالْإِجْمَاع لقَوْل الْكل بِالثُّلثِ، إِذْ قيل بِهِ) أَي بِالثُّلثِ (وبالنصف و) ب (الْكل، وَلَيْسَ) كَذَلِك (لِأَن نفي الزَّائِد) على الثُّلُث (جُزْء قَوْله) أَي الشَّافِعِي لِأَنَّهُ يَقُول بِوُجُوب الثُّلُث فَقَط (وَلم يجمع عَلَيْهِ) أَي على نفي الزَّائِد، وَقد يُقَال أحد الجزءين وَهُوَ وجوب الثُّلُث ثَابت بِالْإِجْمَاع، وَوُجُوب مَا زَاد عَلَيْهِ مَشْكُوك فِيهِ لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ فَلَا يثبت مَعَ وجود الشَّك، وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة، وَهَذَا معنى التَّمَسُّك فِيهِ بِالْإِجْمَاع فَتَأمل. مسئلة (إِنْكَار حكم الْإِجْمَاع الْقطعِي يكفر) متعاطيه وَيجوز أَن يكون بِصِيغَة الْمَعْلُوم بِأَن يَجْعَل سَبَب التَّكْفِير مكفرا (عِنْد الْحَنَفِيَّة وَطَائِفَة) لما ذكر من أَن إِجْمَاع مثل هَذَا الْجمع الْعَظِيم لَا يكون إِلَّا بِسَنَد قَاطع، فإنكاره إِنْكَار لذَلِك الْقَاطِع، وإنكاره كفر لاستلزامه تَكْذِيب الرَّسُول

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الشَّارِح: أَن نسبته إِلَى الْحَنَفِيَّة لَيْسَ على الْعُمُوم، إِذْ فِي الْمِيزَان فَأَما إِنْكَار مَا هُوَ ثَابت قطعا من الشرعيات بِأَن علم بِالْإِجْمَاع وَالْخَبَر الْمَشْهُور فَالصَّحِيح من الْمَذْهَب أَنه لَا يكفر انْتهى، وَفِي التَّقْوِيم نفي تَكْفِير الروافض والخوارج فِي إنكارهم إِمَامَة أبي بكر وَعمر لكَونه عَن شُبْهَة وَإِن كَانَت فَاسِدَة. (و) قَالَت (طَائِفَة لَا) يكفر وَهُوَ معزو إِلَى بعض الْمُتَكَلِّمين بِنَاء على أَن الْإِجْمَاع حجَّة ظنية لِأَن دَلِيل حجيته لَيْسَ بقطعي، وَقد عرفت قطعيته فِي أول الْبَاب (وَيُعْطِي) أَي يُفِيد (الْأَحْكَام) للآمدي (وَغَيره) كمختصر ابْن الْحَاجِب أَن فِي هَذِه المسئلة (ثَلَاثَة) من الْأَقْوَال (هذَيْن وَالتَّفْصِيل) وَهُوَ (مَا) كَانَ (من ضروريات الدّين) أَي دين الْإِسْلَام: وَهُوَ مَا يعرفهُ الْخَواص والعوام من غير قبُول للتشكيك كالتوحيد والرسالة وَوُجُوب الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج (يكفر) منكره (وَإِلَّا فَلَا) يكفر (وَهُوَ) أَي هَذَا الَّذِي أَفَادَهُ الْأَحْكَام من كَون الْأَقْوَال ثَلَاثَة (غير وَاقع) لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ عدم إكفار مُنكر نَحْو الصَّلَاة عِنْد الْبَعْض، وَهَذَا لَا يتَصَوَّر (إِذْ لَا مُسلم يَنْفِي كفر مُنكر نَحْو الصَّلَاة) فَلَيْسَ فِي الْوَاقِع إِلَّا قَولَانِ: أَحدهمَا التَّكْفِير مُطلقًا، وَهُوَ الَّذِي مَشى عَلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَكِن قَالَ: فَشَا فِي لِسَان الْفُقَهَاء أَن خارق الْإِجْمَاع يكفر، وَهُوَ بَاطِل قطعا، فَإِن من يُنكر أصل الْإِجْمَاع لَا يكفر، نعم من اعْترف بِالْإِجْمَاع وَأقر بِصدق المجمعين فِي النَّقْل، ثمَّ أنكر مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ كَانَ تَكْذِيبًا للشارع وَهُوَ كفر، وَثَانِيهمَا التَّفْصِيل الْمَذْكُور، وَقد يُقَال: إِن مُرَاد الْآمِدِيّ أَن مِنْهُم من قَالَ إِنْكَار حكم الْإِجْمَاع الْقطعِي كفر مُطلقًا، وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ بِكفْر مُطلقًا بِمَعْنى أَنه لَيْسَ بِكفْر من حَيْثُ أَنه مُنكر للْإِجْمَاع، غَايَة الْأَمر أَنه يلْزم عَلَيْهِ عدم تَكْفِير مُنكر الصَّلَاة من حَيْثُ الْإِجْمَاع، وَهَذَا لَا يُنَافِي تكفيره من حَيْثُ الضَّرُورَة الدِّينِيَّة، وَصَاحب القَوْل الثَّالِث يَجْعَل الضَّرُورَة رَاجِعَة إِلَى الْإِجْمَاع فَتَأمل (وَإِذا حمل حكم الْإِجْمَاع) المبحوث عَن تَكْفِير منكره الْمَذْكُور فِي الْأَحْكَام (على الْخُصُوص) وَهُوَ مَا لَيْسَ من ضروريات الدّين دفعا للإيراد الْمَذْكُور لَا يَصح أَيْضا إِذْ (لم يتَنَاوَلهُ) أَي الْإِجْمَاع على مَا هُوَ من ضروريات الدّين بل يباينه، هَكَذَا فسر الشَّارِح هَذَا الْمحل ولارتباط قَول المُصَنّف (لِأَن حكمه حِينَئِذٍ مَا لَيْسَ إِلَّا عَنهُ) قدر قبل التَّعْلِيل قَوْله وَلَيْسَ كَون الشَّيْء ملزما بِالضَّرُورَةِ عَن الدّين حكم الْإِجْمَاع، وَلَا يخفى مَا فِيهِ، وَالْأَوْجه أَن يُقَال أَن حكم الشَّيْء أَثَره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ، وَإِذا حمل حكم الْإِجْمَاع على مَا يَتَرَتَّب على خُصُوص كَونه إِجْمَاعًا: أَي على حكم الْإِجْمَاع من حَيْثُ هُوَ إِجْمَاع لَا بِالنّظرِ إِلَى الْمجمع لم يتَنَاوَل الحكم بِهَذَا الْمَعْنى حكم الْإِجْمَاع وَلَا يخفى مَا فِيهِ، وَالْأَوْجه أَن يُقَال أَن حكم الشَّيْء أَثَره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَعْنى حكم الْإِجْمَاع المنضم إِلَيْهِ الضَّرُورَة الدِّينِيَّة، فنحو تَكْفِير مُنكر الصَّلَاة أثر يَتَرَتَّب على خُصُوصِيَّة الْمجمع عَلَيْهِ

بِاعْتِبَار كَونه من ضروريات الدّين، وَمعنى قَوْله لِأَن حكمه الخ: أَي حكم الْإِجْمَاع حِينَئِذٍ: أَي حِين حمل الحكم على الْخُصُوص بِالْمَعْنَى الَّذِي عَرفته: أَي حكم لَيْسَ إِلَّا ناشئا عَن الْإِجْمَاع من حَيْثُ هُوَ إِجْمَاع وَالله تَعَالَى أعلم، وَإِنَّمَا قيد الْإِجْمَاع بالقطعي لِأَن الظني لَا يكفر جاحده وفَاقا (و) قيد (فَخر الْإِسْلَام) الْإِجْمَاع الَّذِي يكفر جاحده (بالقطعي) الَّذِي (من إِجْمَاع الصَّحَابَة نصا) أَي إِجْمَاعًا على سَبِيل التَّنْصِيص من الْبَعْض (كعلي) أَي كالإجماع على (خلَافَة أبي بكر و) كالإجماع على (قتال مانعي الزَّكَاة وَمَعَ سكُوت بَعضهم) أَي الصَّحَابَة. قَالَ الشَّارِح بعد مَا نقل من كَلَام فَخر الْإِسْلَام مَا يدل على أَن الْإِجْمَاع بِاعْتِبَار الْعلَّة أَصله كالكتاب وَالسّنة المتواترة فيكفر جاحده، وَأَن التَّقْيِيد بِالْأَصْلِ لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يُوجب لعَارض كَمَا إِذا ثَبت بِنَصّ بعض وسكوت آخَرين إِلَى غير ذَلِك، فَظهر أَن كَون فَخر الْإِسْلَام قَائِلا بإكفار مُنكر الْإِجْمَاع السكوتي من الصَّحَابَة غير ظَاهر انْتهى. وَالْمُصَنّف لَو لم يثبت عِنْده مَا نَقله عَنهُ مَا كَانَ يَنْقُلهُ فَكَأَنَّهُ يفرق بَين سكُوت الصَّحَابَة وسكوت غَيرهم (وَأما) مُنكر إِجْمَاع (من بعدهمْ) أَي الصَّحَابَة (بِلَا سبق خلاف فيضلل) ويخطأ من غير اكفار (كالخبر الْمَشْهُور) أَي كمكره (و) الْإِجْمَاع (الْمَسْبُوق بِهِ) أَي بِخِلَاف مُسْتَقر (ظَنِّي مقدم على الْقيَاس كالمنقول) أَي كالإجماع الْمَنْقُول (آحادا) بِأَن روى ثِقَة أَن الصَّحَابَة أَجمعُوا على كَذَا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة السّنة المنقولة بالآحاد فَيُوجب الْعَمَل لَا الْعلم عِنْد الْعلمَاء. (وَوجه التَّرْتِيب) فِي هَذِه الاجماعات (قَطْعِيَّة) إِجْمَاع (الصَّحَابِيّ) (إِذْ لم يعْتَبر خلاف منكره) أَي إِجْمَاعهم (وَضعف الْخلاف) أَي خلاف مُنكر الْإِجْمَاع (فِيمَن سواهُم فَنزل) إِجْمَاع من سواهُم (عَن القطعية إِلَى قربهَا) أَي القطعية (من الطُّمَأْنِينَة، وَمثله) أَي مثل إِجْمَاع من سواهُم فِي النُّزُول إِلَى الطُّمَأْنِينَة (يجب) أَن يتَحَقَّق (فِي) الْإِجْمَاع (السكوتي على) الراي (الْأَوْجه فضلل) مُنكر حكمه (وقوى) الْخلاف (فِي) الْإِجْمَاع (الْمَسْبُوق) بِخِلَاف مُسْتَقر (و) الْإِجْمَاع (الْمَنْقُول آحادا) أَي حَال كَون ناقله آحادا (فحجة ظنية تقدم على الْقيَاس فَيجوز فيهمَا) أَي فِي حكمي الْمَسْبُوق وَالْمَنْقُول آحادا (الِاجْتِهَاد) لمجتهد من غير المجمعين، كَذَا قَيده الشَّارِح، وَلَا يظْهر وَجه التَّقْيِيد فِي الْمَسْبُوق فَإِنَّهُ يجوز أَن يجْتَهد بَعضهم أَيْضا (بِخِلَافِهِ) بعد اتفاقه مَعَهم عِنْد الِانْعِقَاد، ويسوغ لَهُ الْعَمَل بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده مُخَالفا لرأيه الأول، وأو فِي الْمَنْقُول فَلَا يتَصَوَّر مثل هَذَا إِلَّا إِذا أخبر بعض المجمعين بِاتِّفَاق من سواهُ من أهل عصره بأخبار الْآحَاد فَتَأمل، وَيدل على مَا قُلْنَاهُ قَوْله (فرجوع بَعضهم) أَي المجمعين عَنهُ إِلَى غَيره اجْتِهَادًا يجوز بطرِيق (أولى) إِذْ فِي مُخَالفَة غَيرهم الْإِجْمَاع مَوْجُود عِنْد من يشْتَرط انْقِرَاض عصر المجمعين، وَعند غَيره رُجُوع الْبَعْض فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْعَدِم

(ثمَّ لَيْسَ) هَذَا الْإِجْمَاع (نسخا) للْأولِ هَكَذَا فسر الشَّارِح ضمير لَيْسَ بِتَأْوِيل أَن قَوْله فَيجوز فيهمَا الِاجْتِهَاد بِاعْتِبَار إِطْلَاقه مُفِيد جَوَاز أَن يَنْتَهِي تضافر الاجتهادات فِي جَانب الْخلاف إِلَى دَرَجَة الْإِجْمَاع عَلَيْهِ فَيصير مجمعا عَلَيْهِ، بِخِلَاف مَا أجمع عَلَيْهِ، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا تكلّف مُسْتَغْنى عَنهُ، إِذْ الظَّاهِر أَن يرجع الضَّمِير إِلَى الْمَذْكُور من جَوَاز الِاجْتِهَاد بِخِلَاف مَا أجمع أَو جَوَاز رُجُوع الْبَعْض فَإِنَّهُ يُوهم نسخ الْإِجْمَاع السَّابِق، وَمَعَ عدم منسوخيته لَا مجَال للْخلاف (بل) الِاجْتِهَاد بِخِلَافِهِ (معَارض) لذَلِك الْإِجْمَاع الظني لجَوَاز التَّعَارُض بَين ظنيين (رجح) الِاجْتِهَاد بِخِلَافِهِ على ذَلِك الْإِجْمَاع بمرجح من المرجحات بِحَسب مَا ظهر لأَجله، وَإِذا كَانَ كَذَلِك (فَلَا يقطع بخطأ الأول وَلَا صَوَابه) فِي الْوَاقِع (بل هُوَ) أَي قَول كل بخطأ مخالفه وإصابة نَفسه بِنَاء (على ظن الْمُجْتَهد) ذَلِك، وَهُوَ قد يكون مطابقا للْوَاقِع، وَقد لَا (فدليل القطعية) للْإِجْمَاع الْمُسْتَفَاد (من إِجْمَاع الصَّحَابَة على تَقْدِيمه) أَي الْإِجْمَاع (على الْقَاطِع) إِنَّمَا يتم (فِي) حق (إِجْمَاعهم) لما أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله فِي أَوَائِل الْبَاب من أَن قطع مثلهم عَادَة لَا يكون إِلَّا عَن سَمْعِي قَاطع فِي ذَلِك (وَمنع الْغَزالِيّ وَبَعض الْحَنَفِيَّة حجية الآحادي) أَي الْإِجْمَاع الَّذِي نقل إِلَيْنَا بأخبار الْآحَاد (إِذْ لَيْسَ) الْآحَاد (نصا) وَهُوَ ظَاهر (وَلَا إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ) أَي الْإِجْمَاع دَلِيل (قَطْعِيّ) والآحادي لَيْسَ بقطعي (وحجية غير الْقَاطِع) إِنَّمَا تثبت (بقاطع كَخَبَر الْوَاحِد) أَي كَمَا تثبت حجية خبر الْوَاحِد بقطعي على مَا مر (وَلَا قَاطع فِيهِ) أَي فِي الآحادي (وَالْجَوَاب بل فِيهِ) أَي كَون الآحادي حجَّة قَاطع (وَهُوَ) أَي الْقَاطِع فِيهِ (أولويته) أَي الْإِجْمَاع الآحادي (بهَا) أَي بالحجية (من خبر الْوَاحِد الظني الدّلَالَة، لِأَن الْإِجْمَاع على وجوب الْعَمَل بِهِ) أَي بِخَبَر الْوَاحِد الظني الدّلَالَة الَّذِي تخللت الْوَاسِطَة بَين الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين من بلغه (إِجْمَاع عَلَيْهِ) أَي على وجوب الْعَمَل (فِي) الْإِجْمَاع (الْقطعِي الْمَنْقُول آحادا) إِذْ كل مِنْهُمَا يُفِيد الْقطع بِاعْتِبَار أَصله، وَنقل إِلَيْنَا بِوَاسِطَة الْآحَاد فاستويا من حَيْثُ الشُّبْهَة الناشئة عَن الْوَاسِطَة، وترجح الْإِجْمَاع الآحادي بِاعْتِبَار قَطْعِيَّة دلَالَته، بِخِلَاف الْخَبَر الْمَذْكُور (وَقد فرق) بَين خبر الْوَاحِد وَالْإِجْمَاع الآحادي (بإفادة نقل الْوَاحِد الظَّن فِي الْخَبَر دون الْإِجْمَاع لبعد انْفِرَاده) أَي الْوَاحِد (بالاطلاع) على إِجْمَاع أهل عصر، وَعدم بعد انْفِرَاده بالاطلاع على الْخَبَر (وَيدْفَع) هَذَا (الاستبعاد بعدالة النَّاقِل) إِذْ صُدُور الْكَذِب من الْعدْل فِي أصل ديني أبعد من الِانْفِرَاد، خُصُوصا إِذا كَانَ خبر الْآحَاد متحققا فِي جمع كثير فَإِن عدد المخبرين إِذا كَانَ دون عدد التَّوَاتُر يُقَال لَهُ خبر الْوَاحِد (وَلَا يسْتَلْزم) نقل الْوَاحِد (الِانْفِرَاد) فِي الْعلم بتحقق ذَلِك الْإِجْمَاع فِي نفس الْأَمر (بل) يسْتَلْزم (مُجَرّد علمه أَي النَّاقِل مَعَ تَجْوِيز أَن يكون لَهُ شَرِيكا فِي الْعلم بِهِ (فَجَاز علم من لم يَنْقُلهُ أَيْضا، مِثَاله) أَي الْإِجْمَاع

مسئلة

الآحادي (قَول عُبَيْدَة) السَّلمَانِي (مَا اجْتمع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على شَيْء كاجتماعهم على مُحَافظَة الْأَرْبَع قبل الظّهْر، والأسفار بِالْفَجْرِ، وَتَحْرِيم نِكَاح الْأُخْت فِي عدَّة الْأُخْت). قَالَ الشَّارِح: كَذَا توارده الْمَشَايِخ رَحِمهم الله تَعَالَى وَالله أعلم بِهِ. أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن معمر ابْن مَيْمُون قَالَ: لم يكن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتركون أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر على حَال. وَعَن إِبْرَاهِيم قَالَ: مَا أجمع أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على شَيْء مَا أَجمعُوا على التَّنْوِير بِالْفَجْرِ. هَذَا وَفِي التَّقْوِيم حكى مَشَايِخنَا عَن مُحَمَّد بن الْحسن نصا أَن إِجْمَاع كل عصر حجَّة إِلَّا أَنه على مَرَاتِب أَرْبَعَة، فالأقوى إِجْمَاع الصَّحَابَة نصا لِأَنَّهُ لَا خلاف فِيهِ بَين الْأمة، لِأَن الْعشْرَة وَأهل الْمَدِينَة يكونُونَ فيهم، ثمَّ الَّذِي ثَبت بِنَصّ الْبَعْض وسكوت البَاقِينَ، ثمَّ إِجْمَاع من بعد الصَّحَابَة على حكم لم يظْهر فِيهِ قَول من سبقهمْ. قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " خير النَّاس رهطي الَّذِي أَنا فيهم، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ يفشو الْكَذِب "، ثمَّ إِجْمَاعهم على حكم سبقهمْ فِيهِ مُخَالف لِأَن هَذَا فصل اخْتلف الْفُقَهَاء فِيهِ انْتهى فَإِن قلت كَيفَ يَصح قَوْله لَا خلاف فِيهِ بَين الْأمة، وَقد سبق خلاف النظام وَبَعض المبتدعة قلت خلافهم فِي أصل انْعِقَاده لَا فِي حجيته بعد الِانْعِقَاد مستجمعا للشروط، على أَنه لَو فرض خلاف فِيهِ لَا يعْتد بِهِ. مسئلة (يحْتَج بِهِ) أَي بِالْإِجْمَاع (فِيمَا لَا يتَوَقَّف حجيته) أَي الْإِجْمَاع (عَلَيْهِ من الْأُمُور الدِّينِيَّة) بَيَان للموصول سَوَاء كَانَ ذَلِك (عقليا كالرؤية) أَي رُؤْيَة الله تَعَالَى فِي دَار الْآخِرَة. رزقنا الله تَعَالَى إِيَّاهَا (لَا فِي جِهَة) أَي حَال كَون المرئي لَيْسَ فِي جِهَة من الْجِهَات السِّت لتعاليه عَن ذَلِك (وَنفي الشَّرِيك) لَهُ تَعَالَى. (ولبعض الْحَنَفِيَّة) وَهُوَ صدر الشَّرِيعَة (فِي الْعقلِيّ) أَي فِي الِاحْتِجَاج بِالْإِجْمَاع فِيمَا يدْرك بِالْعقلِ خلاف بقول (مفيده) أَي مُفِيد مَا يدْرك بِالْعقلِ (الْعقل لَا الْإِجْمَاع) لاستقلال الْعقل بإفادة الْيَقِين فِيهِ، وَمَشى عَلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي برهانه، وَلَا أثر للْإِجْمَاع فِي العقليات فَإِن الْمُمْتَنع فِيهَا الْأَدِلَّة القاطعة، فَإِذا انتصبت لم يعارضها شقَاق وَلم يعضدها وفَاق (أَولا) أَي أَو غير عَقْلِي (كالعبادات) أَي كوجوبها من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج (وَفِي الدُّنْيَوِيَّة كترتيب أُمُور الرّعية والعمارات) لمصَالح الْمُسلمين (وتدبير الجيوش قَولَانِ لعبد الْجَبَّار) أَحدهَا، وَعَلِيهِ جمَاعَة أَنه لَيْسَ بِحجَّة فِي القواطع هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ من قَول الرَّسُول، وَقد ثَبت أَن قَوْله إِنَّمَا هُوَ حجَّة فِي أَحْكَام الشَّرْع دون مصَالح الدُّنْيَا. قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " أَنْتُم أعلم بِأُمُور دنياكم وَأَنا أعلم بِأُمُور دينكُمْ ". وَكَانَ إِذا رأى رَأيا فِي الْحَرْب يُرَاجِعهُ

الباب الخامس

الصَّحَابَة فِي ذَلِك، وَرُبمَا ترك رَأْيه برأيهم كَمَا وَقع فِي حَرْب بدر وَالْخَنْدَق، ثَانِيهمَا هُوَ الْأَصَح عِنْد الإِمَام الرَّازِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب مَا أَفَادَهُ المُصَنّف بقوله. (وَالْمُخْتَار) أَنه (حجَّة إِن كَانَ اتِّفَاق أهل الِاجْتِهَاد وَالْعَدَالَة) لِأَن الْأَدِلَّة السمعية على حجيته لَا تفصل. وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَمر الْحَرْب وَغَيره إِن كَانَ عَن وَحي فَهُوَ الصَّوَاب، وَإِن كَانَ عَن رَأْي وَكَانَ خطأ فَهُوَ لَا يقر عَلَيْهِ. وَفِي الْمِيزَان ثمَّ على قَول من جعله إِجْمَاعًا هَل يجب الْعَمَل بِهِ فِي الْعَصْر الثَّانِي كَمَا فِي الْإِجْمَاع فِي أُمُور الدّين أم لَا؟ إِن لم يتَغَيَّر الْحَال يجب وَإِن تغير لَا يجب (بِخِلَافِهِ) أَي الْإِجْمَاع (على المستقبلات من أَشْرَاط السَّاعَة) وقيدها الشَّارِح بالحسيات (وَأُمُور الْآخِرَة لَا يعْتَبر إِجْمَاعهم عَلَيْهِ من حَيْثُ هُوَ إِجْمَاع) لأَنهم لَا يعلمُونَ الْغَيْب (بل) يعْتَبر (من حَيْثُ هُوَ مَنْقُول) عَمَّن أعلم بِالْغَيْبِ (كَذَا للحنفية). وَفِي التَّلْوِيح أَن الِاسْتِقْبَال قد لَا يكون مِمَّا لم يُصَرح بِهِ الْمخبر الصَّادِق، بل استنبطه الْمُجْتَهد من نصوصه فَيُفِيد الْإِجْمَاع قطعيته، وَدفع بِأَن الْحسي الاستقبالي لَا مدْخل للِاجْتِهَاد فِيهِ. فَإِن ورد بِهِ نَص فَهُوَ ثَابت بِهِ وَلَا اجتياج إِلَى الاجماع، وَإِن لم يرد فَلَا مساغ للِاجْتِهَاد فِيهِ: هَذَا وَلَا يتَمَسَّك بِالْإِجْمَاع فِيمَا تتَوَقَّف صِحَة الْإِجْمَاع عَلَيْهِ كوجود البارئ تَعَالَى، وَصِحَّة الرسَالَة، وَدلَالَة المعجزة على صدق الرَّسُول للُزُوم الدّور، لِأَن صِحَة الْإِجْمَاع متوقفة على النَّص الدَّال على عصمَة الْأمة عَن الْخَطَأ الْمَوْقُوف على ثُبُوت صدق الرَّسُول الْمَوْقُوف على دلَالَة المعجزة على صدقه الْمَوْقُوف على وجود البارئ وإرساله، فَلَو توقفت صِحَة هَذِه الْأَشْيَاء على صِحَة الْإِجْمَاع لزم الدّور وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. الْبَاب الْخَامِس من الْأَبْوَاب الْخَمْسَة من الْمقَالة الثَّانِيَة فِي أَحْوَال الْمَوْضُوع (الْقيَاس) خبر لمبتدأ مَحْذُوف الْمُضَاف: أَي أَحْوَال الْقيَاس من قبيل حمل الْمَدْلُول على الدَّال مجَازًا، فَإِن الْبَاب عبارَة عَن جُزْء من الْكتاب (قيل هُوَ) أَي الْقيَاس (لُغَة التَّقْدِير) وَهُوَ أَن يقْصد معرفَة قدر أحد الْأَمريْنِ بِالْآخرِ كَمَا يُقَال قسمت الثَّوْب بالذراع: أَي قدرته بِهِ (والمساواة) يُقَال فلَان لَا يُقَاس بفلان: أَي لَا يساوى بِهِ (وَالْمَجْمُوع) أَي مَجْمُوع التَّقْدِير والمساواة فَلهُ ثَلَاثَة معَان، التَّقْدِير، والمساواة فَقَط، وَالْمَجْمُوع، وَفَسرهُ بقوله (أَي يُقَال: إِذا قصدت الدّلَالَة على مَجْمُوع ثُبُوت الْمُسَاوَاة عقيب التَّقْدِير قست النَّعْل بالنعل) أَي قدرته بِهِ فساواه (وَلم يزدْ الْأَكْثَر) أَي أَكثر الْأُصُولِيِّينَ كفخر الْإِسْلَام وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ والنسفي

(على التَّقْدِير، واستعلام الْقدر) أَي طلب معرفَة مِقْدَار الشَّيْء نَحْو (قست الثَّوْب بالذراع والتسوية) بَين أَمريْن (فِي مِقْدَار) سَوَاء كَانَت حسية نَحْو (قست النَّعْل بالنعل) أَو معنوية، وَإِلَى هَذَا التَّعْمِيم أَشَارَ بقوله وَلَو معنويا (وَلَو) كَانَت أمرا (معنويا) آتى بلو الوصلية إِشَارَة إِلَى أَن إِطْلَاق التَّسْوِيَة على الحسية أولى، ثمَّ لما ذكر الْمَعْنَوِيّ أَرَادَ أَن يعرفهُ تعريفا بالمثال، فَقَالَ (أَي) يُقَال (فلَان لَا يُقَاس بفلان) بِمَعْنى (لَا يقدر) بفلان (أَي لَا يساوى) لما ذكر أَن الْأَكْثَر لم يزِيدُوا فِي تَفْسِير الْقيَاس لُغَة على مُجَرّد التَّقْدِير أَرَادَ إدراج الْمعَانِي الَّتِي تفهم من موارد اسْتِعْمَال لفظ الْقيَاس فِي اللُّغَة الْمشَار إِلَيْهَا بالتقدير والمساواة وَالْمَجْمُوع فِيمَا سبق تَحت مَفْهُومه الْكُلِّي، ففسر الْقيَاس فِي الْمِثَال بالتقدير، ثمَّ فسر التَّقْدِير بالمساواة تَنْبِيها على الِاتِّحَاد بَينهمَا وَلم يُفَسر بِمثلِهِ فِي الْمِثَال الَّذِي قبله للظهور، ثمَّ زَاد فِي التَّصْرِيح بقوله (فَردا مَفْهُومه) أَي مَفْهُوم التَّقْدِير خبر للمبتدأ، أَعنِي قَوْله استعلام الْقدر وَمَا عطف عَلَيْهِ وَهُوَ التَّسْوِيَة (فَهُوَ) أَي الْقيَاس إِذن (مُشْتَرك معنوي) فِي اللُّغَة، يَعْنِي مَوْضُوع بِإِزَاءِ معنى كلي يعم كل وَاحِد من تِلْكَ الْمعَانِي الْمَذْكُورَة، وَهُوَ الَّذِي عبر عَنهُ بالتقدير. وَمُلَخَّصه مُلَاحظَة الْمُسَاوَاة بَين شَيْئَيْنِ سَوَاء كَانَ بطرِيق الاستعلام أَو لَا (لَا) مُشْتَرك (لَفْظِي) فيهمَا فَقَط أَو فِي الْمَجْمُوع أَيْضا (وَلَا) حَقِيقَة فِي التَّقْدِير (مجَاز فِي الْمُسَاوَاة كَمَا قيل) فِي البديع التَّقْدِير يَسْتَدْعِي شَيْئَيْنِ يُضَاف أَحدهمَا إِلَى الآخر بالمساواة فيستلزمهما، وَاسْتِعْمَال لفظ الْمَلْزُوم فِي لَازمه شَائِع: لِأَن التواطؤ مقدم على الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ وَالْمجَاز إِذا أمكن وَالْحَاصِل أَن الْمَفْهُوم فِي الشَّرْح العضدي اشْترك بَين الْمعَانِي الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، ومختار المُصَنّف أَنه مُشْتَرك معنوي بَينهمَا كَمَا يدل عَلَيْهِ كَلَام بَعضهم. (وَفِي الِاصْطِلَاح) على قَول الْجُمْهُور (مُسَاوَاة مَحل) من محَال الحكم (لآخر) أَي لمحل آخر (فِي عِلّة حكم لَهُ) أَي لذَلِك الْمحل الآخر (شَرْعِي) صفة لحكم، احْتِرَاز عَمَّا لَيْسَ بشرعي كالعلة الْعَقْلِيَّة (لَا تدْرك) تِلْكَ الْعلَّة (من نَصه) أَي ذَلِك الْمحل الآخر (بِمُجَرَّد فهم اللُّغَة) بِأَن تفهم تِلْكَ الْعلَّة من النَّص كل من يفهم مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ بل يحْتَاج فهمها إِلَى تَأمل واجتهاد (فَلَا يُقَاس فِي اللُّغَة) كَأَن يعدى اسْم الْخمر إِلَى النَّبِيذ بِأَن يخال كَون المخامرة الْمُشْتَركَة بَينهمَا عِلّة فِي تَسْمِيَتهَا (وَإِطْلَاق حكمه) أَي الأَصْل بِأَن لَا يُقيد بِقَيْد شَرْعِي (يدْخلهُ) أَي الْقيَاس فِي اللُّغَة كَمَا يدْخل الْقيَاس فِي الْعقلِيّ الصّرْف لصدق مَا عداهُ من أَجزَاء التَّعْرِيف عَلَيْهِ والاقتصار على مُسَاوَاة فرع لأصل فِي عِلّة حكمه) أَي الأَصْل كَمَا فِي مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب والبديع (يفْسد طرده) أَي مانعية التَّعْرِيف لانتقاضه (بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة) كدلالة النَّهْي عَن التأفيف على النَّهْي عَن الضَّرْب، لِأَن فِيهِ مُسَاوَاة فرع هُوَ الضَّرْب لأصل هُوَ التأفيف فِي عِلّة حكم التأفيف، وَهُوَ الْحُرْمَة المعللة بالأذى (وَاسم الْقيَاس) أَي إِطْلَاقه (من

بَعضهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (عَلَيْهِ) أَي على مَفْهُوم الْمُوَافقَة (مجَاز للُزُوم التَّقْيِيد بالجلي) أَي التزموا فِي إِطْلَاق الْقيَاس عَلَيْهِ أَن يقيدوه بالجلي فيقولوا الْقيَاس الْجَلِيّ وَهَذَا التَّقْيِيد على سَبِيل اللُّزُوم عَلامَة الْمجَاز على مَا عرف (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مجَازًا (فعلي) تَقْدِير إِطْلَاقه على مَا نَحن فِيهِ وعَلى مَفْهُوم الْمُوَافقَة على سَبِيل (النواطؤ) بِأَن يكون للْقِيَاس فِي الِاصْطِلَاح مَفْهُوم عَام يشملهما (بَطل اشتراطهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (عدم كَون دَلِيل حكم الأَصْل شَامِلًا لحكم الْفَرْع) لِأَنَّهُ على تَقْدِير التواطؤ ينْدَرج فِي الْقيَاس، وَدَلِيل حكم الأَصْل فِيهِ شَامِل لحكم الْفَرْع وَلَا شكّ أَن اشْتِرَاط مَا يخرج من بعض أَفْرَاد الْمُعَرّف فِي التَّعْرِيف بَاطِل (و) بَطل (إطباقهم على تَقْسِيم دلَالَة اللَّفْظ إِلَى مَنْطُوق وَمَفْهُوم) أَي اتَّفقُوا على أَن مَدْلُول اللَّفْظ يَنْقَسِم اليهما وَلم يَخْتَلِفُوا فِي مَفْهُوم الْمُوَافقَة، وغن اخْتلفُوا فِي مَفْهُوم الْمُخَالفَة، وَكَون مَفْهُوم الْمُوَافقَة من مَدْلُول اللَّفْظ منَاف لكَونه من الْقيَاس لِأَنَّهُ مُقَابل للْكتاب وَالسّنة والاجماع الَّتِي مَدْلُول اللَّفْظ شرعا عبارَة عَن مدلولها (وَلَو) كَانَ لفظ الْقيَاس مُشْتَركا (لفظيا) بَين مَا هُوَ قِيَاس اتِّفَاقًا، وَبَين مَفْهُوم الْمُوَافقَة (فالتعريف) الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ (لخُصُوص أحد المفهومين) يَعْنِي مَا يُقَابل الْمَفْهُوم وَكلمَة لَو إِشَارَة إِلَى أَن اشتراكه لَيْسَ بِمُسلم (وَأورد عَلَيْهِ) أَي على هَذَا التَّعْرِيف (الدّور) أَي استلزامه الدّور (فَإِن تعقل الأَصْل وَالْفرع فرع تعقله) أَي الْقيَاس، فَيكون تعقلهما مَوْقُوفا على تعقله، وَذَلِكَ لِأَن الأَصْل هُوَ الْمَقِيس عَلَيْهِ، وَالْفرع هُوَ الْمَقِيس، وَإِذا كَانَا جزءين من تَعْرِيفه لزم أَن يتَوَقَّف تعقله على تعقلهما فَيلْزم الدّور (وَأجِيب بِأَن المُرَاد) بِالْأَصْلِ وَالْفرع (مَا صدق عَلَيْهِ) مفهومهما الْكُلِّي من أَفْرَاده. وَفِي بعض النّسخ مَا صدقا عَلَيْهِ وحاصلهما وَاحِد (وَهُوَ) أَي مَا صدق مفهومهما عَلَيْهِ (مَحل) مَنْصُوص على حكمه، وَمحل غير مَنْصُوص على حكمه، وَإِنَّمَا فسر مَا صدق عَلَيْهِ بقوله مَحل لِئَلَّا يرد أَن تَفْسِير الأَصْل بِمَا صدق عَلَيْهِ الأَصْل، وَالْفرع بِمَا صدق عَلَيْهِ الْفَرْع لَا يدْفع الدّور، لِأَن تعقل فَرد الشَّيْء من حَيْثُ هُوَ فَرده مُسْتَلْزم لتعقله، وَأما تعقله لَا من حَيْثُ أَنه فَرده، بل يعنون آخر كالمحلية مثلا لَا يستلزمه (وَهُوَ) أَي هَذَا المُرَاد (خلاف) مُقْتَضى (اللَّفْظ) لِأَن الْمُتَبَادر من إِطْلَاق الْوَصْف إِرَادَة الذَّات من حَيْثُ أَنَّهَا متصفة بِهِ، فإرادتها مُجَرّدَة عَنهُ ملحوظة بعنوان آخر خلاف مُقْتَضَاهُ (وَقُلْنَا) فِي الْجَواب عَن الدّور إِن كل وَاحِد من الأَصْل وَالْفرع (ركن) فِي الْقيَاس وركن الشَّيْء يذكر فِي تَعْرِيفه، وَلَا يتَوَقَّف تعقل الرُّكْن على تعقله، بل الْأَمر بِالْعَكْسِ. وَلَا نسلم أَن يُلَاحظ الأَصْل وَالْفرع فِي التَّعْرِيف بعنوان الْمَقِيس عَلَيْهِ والمقيس وَإِن كَانَا فِي نفس الْأَمر مصداقين لَهما. وَفِي بعض النّسخ فليذكره بعد قَوْله ركن: أَي فليذكر صَاحب التَّعْرِيف الرُّكْن

ويكفيه أَن يُلَاحظ الأَصْل بِاعْتِبَار أصالته من حَيْثُ ثُبُوت الحكم نصا، وَالْفرع بِاعْتِبَار كَونه مُلْحقًا بذلك الأَصْل من حَيْثُ الحكم (ويستغنى) بِمَا قُلْنَا (عَن الدُّف) الْمَذْكُور (المنظور) فِيهِ بِمَا ذكر من خلاف اللَّفْظ (ثمَّ إِن عمم) التَّعْرِيف تعميما يحققه (فِي) الْقيَاس (الْفَاسِد) كتحققه فِي الصَّحِيح (زيد) لتَحْصِيل هَذَا التَّعْمِيم (فِي نظر الْمُجْتَهد) الْجَار وَالْمَجْرُور فِي مَحل الرّفْع بقوله زيد: أَي زيد هَذَا اللَّفْظ (لتبادر) الْمُسَاوَاة (الثَّابِتَة فِي نفس الْأَمر من) لفظ (الْمُسَاوَاة) إِن لم يزدْ، لِأَن الْمُتَبَادر من النّسَب إِذا أطلقت أَن تكون بِحَسب نفس الْأَمر وَكَونهَا بِحَسب نظر الْعقل خلاف الْمُتَبَادر (وَعنهُ) أَي عَن تبادرها عِنْد الْإِطْلَاق (لزم المصوبة) أَي الْقَائِلين بِأَن كل مُجْتَهد مُصِيب (زيادتها) أَي زِيَادَة الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة أُرِيد بالمضاف الْمَعْنى المصدري، وبالمضاف إِلَيْهِ معنى الْمَفْعُول (لِأَنَّهَا) أَي الْمُسَاوَاة عِنْدهم (لما لم تكن إِلَّا) الْمُسَاوَاة (فِي نظره) أَي الْمُجْتَهد، إِذْ كل مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَهُوَ عين حكم الله تَعَالَى عِنْدهم وَلَيْسَ لله تَعَالَى فِي كل حَادِثَة حكم معِين فِي نفس الْأَمر تَارَة يُوَافقهُ مَا فِي نظر الْمُجْتَهد، وَتارَة لَا يُوَافقهُ (كَانَ الْإِطْلَاق) للمساواة عَن الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة (كقيد مخرج للأفراد) أَي أَفْرَاد الْمُعَرّف كلهَا (إِذْ يُفِيد) الْإِطْلَاق (التَّقْيِيد) أَي تَقْيِيد الْمُسَاوَاة (بِنَفس الْأَمر وَافق نظره) أَي نظر الْمُجْتَهد (أَولا) يُوَافق وَلَا شَيْء من أَفْرَاد الْقيَاس بِحَيْثُ يصدق عَلَيْهِ أَنه مُسَاوَاة فِي نفس الْأَمر مَعَ قطع النّظر عَن نظر الْمُجْتَهد لما عرفت، وَإِنَّمَا قَالَ كقيد لِأَنَّهُ فِي نفس الْأَمر لَيْسَ بمخرج بل يتَوَهَّم أَن يكون مخرجا لِأَن نفس الْأَمر فِي الْمسَائِل الاجتهادية عِنْدهم عبارَة عَمَّا هُوَ فِي نظر الْمُجْتَهد فَيصدق على كل فَرد أَنه فِي نفس الْأَمر مُسَاوَاة (وَمن نفي كَونه) أَي الْقيَاس (فعل مُجْتَهد بِاخْتِيَار الْمُسَاوَاة) فِي تَعْرِيفه فَإِنَّهَا صفة إضافية قَائِمَة بالمنتسبين الْفَرْع وَالْأَصْل (فَأبْطل التَّعْرِيف ببذل الْجهد الخ) مُتَعَلق بأبطل: أَي فِي اسْتِخْرَاج الْحق على مَا نقل عَن بَعضهم (بِأَنَّهُ) أَي بذل الْمُجْتَهد (حَال القائس) لَا الْقيَاس (مَعَ أعميته) فَإِنَّهُ مُتَحَقق فِي استنباط كل حكم من الْأَحْكَام سَوَاء كَانَ بطرِيق الْقيَاس أَو بِدلَالَة النُّصُوص إِلَى غير ذَلِك، والتعريف بالأعم لَا يُفِيد الْعلم بالمعرف. (ثمَّ اخْتَار فِي) مقَام (قصد التَّعْمِيم) فِي التَّعْرِيف على وَجه يعم الصَّحِيح وَالْفَاسِد قَوْله (تَشْبِيه) فرع بِأَصْل بدل الْمُسَاوَاة، فَقَالَ هُوَ تَشْبِيه فرع بِالْأَصْلِ فِي عِلّة حكمه، لِأَنَّهُ قد يكون مطابقا لحُصُول الشّبَه، وَقد لَا يكون لعدمه، وَقد يكون الْمُشبه يرى ذَلِك وَقد لَا يرَاهُ على مَا ذكر فِي الشَّرْح العضدي (نَاقض) نَفسه، فَإِن التَّشْبِيه أَيْضا فعل الْمُجْتَهد كَمَا أَن بذل الْمُجْتَهد فعله (وَدفعه) أَي التَّنَاقُض (بِأَن المُرَاد تَشْبِيه الشَّارِع) لَا تَشْبِيه الْمُجْتَهد حَتَّى يكون فعله وَهُوَ ببذل جهده لمعْرِفَة تَشْبِيه الشَّارِع فَإِن وَافق أصَاب وَإِلَّا أَخطَأ (قد يدْفع) هَذَا

الدّفع (بِأَن شَرعه تَعَالَى) الحكم (فِي كل الْمحَال) وَاقع (ابْتِدَاء) فَيلْزم أَن يكون دفْعَة وَاحِدَة، وَإِلَّا لم يكن الِابْتِدَاء فِي الْكل فَلم يبْق احْتِمَال تقدم الأَصْل على الْفَرْع ثمَّ إِلْحَاقه بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا بِنَاء على التَّشْبِيه) بِأَن أثبت الحكم فِي مَحل ابْتِدَاء ثمَّ أثبت فِي مَحل آخر لشبهه بِالْأولِ فِي المناط (وَإِن وَقع) التشريع الدفعي فِي حق الْمحل الأول مَقْرُونا (بذلك الشّبَه) فِي نفس الْأَمر لكنه لَا مدْخل لَهُ فِي تشريع الحكم فِي الْفَرْع، لِأَن الْكل ابتدائي (وَأكْثر عباراتهم تفِيد) كَون الْقيَاس (فعله) أَي فعل الْمُجْتَهد (فَمَا أمكن رده) من تِلْكَ الْعبارَات بِضَرْب من التَّأْوِيل (إِلَى فعله) تَعَالَى على وَجه يسوغ مثله فِي الاستعمالات (فَهُوَ) أَي فَذَلِك الرَّد (مخلص) لذَلِك التَّعْرِيف من عدم الصِّحَّة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يُمكن الرَّد إِلَى فعله تَعَالَى كَمَا فِي بعض تِلْكَ الْعبارَات (لم يَصح) ذَلِك التَّعْرِيف الَّذِي لم يُمكن فِيهِ الرَّد الْمَذْكُور (لِأَنَّهُ) أَي الْقيَاس (دَلِيل نَصبه الشَّارِع نظر فِيهِ مُجْتَهد أَولا كالنص) أَي كَمَا أَن النَّص من الْكتاب وَالسّنة دَلِيل نَصبه الشَّارِع نظر فِيهِ مُجْتَهد أَولا لَا، وَمَا كَانَ وجوده أمرا مفروغا عَنهُ بِنصب الشَّارِع بِحَيْثُ يَسْتَوِي فِيهِ وجود الْمُجْتَهد وَعَدَمه لم يكن فعلا للمجتهد وَهُوَ ظَاهر. فقد استبان لَك مِمَّا ذكرنَا أَن مَا قيل من أَنه لَا يلْزم من مُجَرّد هَذَا أَن لَا يكون فعلا للمجتهد وَهُوَ ظَاهر بِدَلِيل أَن الْإِجْمَاع دَلِيل نَصبه الشَّارِع مَعَ أَنه فعل الْمُجْتَهدين لجَوَاز أَن يَجْعَل الشَّارِع فعل الْمُكَلف مناطا لحكم شَرْعِي كَلَام سَاقِط، على أَن كَون الْإِجْمَاع فعل الْمُجْتَهدين غير مُسلم، إِذْ الْإِجْمَاع الَّذِي هُوَ حجَّة إِنَّمَا هُوَ تِلْكَ الْهَيْئَة الاجتماعية الْحَاصِلَة من آرائهم، وَكَون كل وَاحِد من تِلْكَ الآراء فعل الْمُكَلف مَحل بحث لكَونه من مقولة الكيف، وَإِن كَانَ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ وَهُوَ الِاجْتِهَاد فعله كَمَا سَيَأْتِي فضلا عَن تِلْكَ الْهَيْئَة اللَّازِمَة لِاجْتِمَاعِهِمْ على وَجه الِاسْتِيعَاب (فَمن الثَّانِي) أَي مِمَّا لَا يُمكن رده إِلَى كَونه فعل الله تَعَالَى (تَعديَة الحكم من الأَصْل الخ) أَي إِلَى الْفَرْع بعلة متحدة لَا تدْرك بِمُجَرَّد اللُّغَة (لصدر الشَّرِيعَة) فَإِنَّهُ لَا يُوصف بِكَوْنِهِ معديا حكم أصل إِلَى فرع فَإِن قلت لم لَا يجوز أَن يكون عبارَة عَن جعله تَعَالَى حكم الأَصْل مَقْرُونا بعلة تصلح لِأَن تكون سَببا تقدمه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُجْتَهد قُلْنَا يأباه مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله. (ثمَّ فَسرهَا) أَي صدر الشَّرِيعَة مَعْطُوف على مُقَدّر تَقْدِيره عرفه بهَا. ثمَّ فَسرهَا (بِإِثْبَات حكم مثل) حكم (الأَصْل) فِي الْفَرْع فَإِنَّهُ تَصْرِيح بحدوث حكم الْفَرْع بعد حكم الأَصْل بطرِيق التَّعْدِيَة والإلحاق، (وَأورد) على هَذَا التَّعْرِيف (مَا سَنذكرُهُ) قَرِيبا فِي حكم الْقيَاس (فَأفَاد أَنَّهَا) أَي التَّعْدِيَة (فعل مُجْتَهد وَلَيْسَت) التَّعْدِيَة (بِهِ) أَي بِفعل الْمُجْتَهد، وَهَذِه الْعبارَة تدل على وجود التَّعْدِيَة غير أَنَّهَا لَيست بِفِعْلِهِ بل هِيَ فعل الشَّارِع إِذْ لَا ثَالِث يكون فعلا لَهُ، وَقد عرفت شرع الحكم فِي كل الْمحَال ابْتِدَاء. فاحتيج إِلَى تَأْوِيل، وَمَا ذكرنَا

آنِفا يصلح لِأَن يكون تَأْوِيله، وسيشير إِلَى تَأْوِيل، ثمَّ بَين عدم كَونهَا فعل الْمُجْتَهد بقوله (إِذْ لَا فعل لَهُ) أَي للمجتهد فِي ذَلِك (سوى النّظر فِي دَلِيل الْعلَّة) بِعَدَمِ مُلَاحظَة كَون الأَصْل مُعَللا (و) سوى النّظر فِي (وجودهَا) أَي الْعلَّة فِي الْفَرْع (ثمَّ يلْزمه) أَي النّظر فِي دَلِيل الْعلَّة ووجودها فِي الْفَرْع إِذا أدّى إِلَيْهَا وَإِلَى وجودهَا (ظن حكم الأَصْل فِي الْفَرْع بخلقه تَعَالَى) إِيَّاه مُتَعَلق باللزوم (عَادَة) أَي لُزُوما عاديا لَا عقليا بِحَيْثُ يَسْتَحِيل عدم حُصُوله (فَلَيْسَتْ التَّعْدِيَة سواهُ) أَي سوى ظن حكم الأَصْل فِي الْفَرْع، وَالظَّن كَيفَ، وَلَيْسَ بِفعل (وَهُوَ) أَي الظَّن الْمَذْكُور (ثَمَرَة الْقيَاس لَا نفس الْقيَاس) وَهَذَا يدل على أَن الْقيَاس هُوَ النّظر الْمَذْكُور، وَقد صرح فِيمَا قبل أَن الْقيَاس دَلِيل نَصبه الشَّارِع نظر فِيهِ مُجْتَهد أَولا، فبينهما تدافع، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن النّظر الْمُؤَدِّي إِلَى تعْيين الْعلَّة ووجودها فِي الْفَرْع نتيجة نصب الشَّارِع، وَالظَّن الْمَذْكُور نتيجة النّظر الْمَذْكُور ونتيجة نتيجة الشَّيْء نتيجة لذَلِك الشَّيْء فَتَأمل (وَمثله) أَي مثل تَعْرِيف صدر الشَّرِيعَة فِي عدم إِمْكَان الرَّد إِلَى فعله تَعَالَى (قَول القَاضِي أبي بكر: حمل مَعْلُوم على مَعْلُوم فِي إِثْبَات حكم لَهما الخ) أَي أَو نَفْيه عَنْهُمَا بِأَمْر جَامع بَينهمَا من إِثْبَات حكم أَو صفة أَو نفيهما، إِنَّمَا قَالَ مَعْلُوم على مَعْلُوم دون شَيْء على شَيْء ليشْمل الْمَعْدُوم والمستحيل أَيْضا، وعمم الحكم ليتناول الوجودي نَحْو قتل عمد عدوان، فَيجب الْقصاص كَمَا فِي الْمَحْدُود، والعدمي نَحْو قَتِيل تمكن فِيهِ الشُّبْهَة فَلَا يُوجب الْقصاص كالعصا الصَّغِيرَة، وَفصل فِي الْجَامِع ليعم الحكم الشَّرْعِيّ نَحْو العدوانية، وَالْوَصْف الْعقل نَحْو العمدية، ونفيهما كَمَا يُقَال فِي الْخَطَأ لَيْسَ بعمد وَلَا عدوان: فَلَا يجب الْقصاص كَمَا فِي الصَّبِي، (وَفِيه زِيَادَة إِشْعَار بِأَن حكم الأَصْل) أَيْضا (بِالْقِيَاسِ) يَعْنِي شَارك صدر الشَّرِيعَة فِي عدم إِمْكَان الرَّد لِأَن الْحمل الْمَذْكُور هُوَ التَّعْدِيَة الْمَذْكُورَة فِي الْمَآل، وَزَاد عَلَيْهِ بِهَذَا الْإِشْعَار (وَأجِيب بِأَن الْمَعْنى) أَي معنى إِثْبَات حكم لَهما أَنه (كَانَ حكم الأَصْل) قبل الْقيَاس هُوَ (الظَّاهِر فَظهر) أَن الْقيَاس (فيهمَا) أَي فِي الأَصْل وَالْفرع جَمِيعًا وَالْحَاصِل أَن ثُبُوت الحكم فيهمَا بِحَسب نفس الْأَمر مُتَحَقق قبل الْقيَاس، وَأما ظُهُوره عِنْد الْمُكَلّفين فَفِي الأَصْل مُتَحَقق قبل الْقيَاس، أَعنِي النّظر وَالِاجْتِهَاد، وَفِي الْفَرْع يتَحَقَّق بعده، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بِإِظْهَار الْقيَاس إِيَّاه) أَي حكم الأَصْل (فِي الْفَرْع) وَإِضَافَة الْإِظْهَار إِلَى الْقيَاس مجازية من قبيل إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى السَّبَب. (وَمن الأول) أَي مِمَّا يُمكن رده إِلَى فعله تَعَالَى (تَقْدِير الْفَرْع بِالْأَصْلِ فِي الحكم وَالْعلَّة فَإنَّك علمت أَن التَّقْدِير يُقَال) أَي يُطلق لُغَة (على التَّسْوِيَة فَرجع) التَّقْدِير الْمَذْكُور (إِلَى تسويته تَعَالَى محلا بآخر) أَي بِمحل آخر (على مَا ذكر) آنِفا من (أَنَّهُمَا) أَي المحلين (المُرَاد بهما) أَي بالفرع وَالْأَصْل (وَيقرب مِنْهُ) أَي من هَذَا التَّعْرِيف

فِي إِمْكَان الرَّد إِلَى فعله تَعَالَى (قَول أبي مَنْصُور) الماتريدي (إبانة مثل حكم أحد الْمَذْكُورين بِمثل علته فِي الآخر) فَالْمُرَاد بالمذكورين الأَصْل وَالْفرع، ومذكورية الأَصْل ظَاهر لكَونه مَنْصُوصا عَلَيْهِ من حَيْثُ الحكم، وَأما مذكورية الْفَرْع فباعتبار أَن ذكر الأَصْل مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِحكم مُعَلل بعلة مَوْجُودَة فِي الْفَرْع يسْتَلْزم ذكر الْفَرْع ضمنا بِأحد الْمَذْكُورين الأَصْل وَالْآخر الْفَرْع. وَإِنَّمَا قَالَ بِمثل علته لِأَن الْعلَّة الْمَوْجُودَة فِي الْفَرْع لَيست عين الْعلَّة الْمَوْجُودَة فِي الأَصْل لكَون كل مِنْهُمَا عرضا شخصيا قَائِما بمحله الشخصي كَمَا أَن حكم كل وَاحِد مِنْهُمَا كَذَلِك (فتصحيحه) أَي التَّعْرِيف الْمَذْكُور (بإبانة الشَّارِع) أَي بِحمْل الْإِبَانَة على إبانة الشَّارِع لَا على إبانة الْمُجْتَهد، وَهَذَا التَّوْجِيه وَقع (بِخِلَاف قَوْلهم) أَي جمع من الْحَنَفِيَّة (أَنه) أَي اخْتِيَار الْإِبَانَة (لإِفَادَة أَن الْقيَاس مظهر للْحكم لَا مُثبت) لَهُ (بل الْمُثبت هُوَ الله سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى ثمَّ أَشَارَ إِلَى رد مَا قَالُوا بقوله (لِأَن) الْأَدِلَّة (السمعية) من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع (حِينَئِذٍ) أَي حِين لوحظ هَذَا الْمَعْنى (كلهَا كَذَلِك) أَي مظهرة للْحكم فِي الْحَقِيقَة لَا مثبتة لَهُ لأئها (إِنَّمَا تظهر الثَّابِت من حكمه) تَعَالَى (وَهُوَ) أَي حكمه أَو الثَّابِت من حكمه الْخطاب (النَّفْسِيّ) لكَونه مندرجا فِي كَلَامه النَّفْسِيّ. (ثمَّ) يرد (عَلَيْهِ) أَي على تَعْرِيف الماتريدي (أَن إبانته) أَي الْمُجْتَهد على مَا هُوَ الظَّاهِر، أَو الشَّارِع على التَّصْحِيح (الحكم) مفعول إبانته (لَيْسَ نفس الدَّلِيل) الَّذِي هُوَ الْقيَاس، وَلَا بُد من صِحَة الْحمل بَين الْمُعَرّف والمعرف (بل) ذَلِك أَمر (مُرَتّب على النّظر الصَّحِيح فِيهِ) أَي فِي الدَّلِيل عَادَة، وكلامنا إِنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيف نفس الدَّلِيل الَّذِي هُوَ الْقيَاس (وَيجب حذف مثل فِي) قَوْله (مثل حكم) أحد الْمَذْكُورين (لِأَن حكم الْفَرْع هُوَ حكم الأَصْل) فَإِن حكم الْخمر والنبيذ مثلا شَيْء وَاحِد، وَهُوَ الْحُرْمَة، وخصوصية الْمحل غير مَنْظُور فِي كَونهَا حكما (غير أَنه نَص عَلَيْهِ فِي مَحل) وَهُوَ الأَصْل (وَالْقِيَاس يُفِيد أَنه) أَي الحكم ثَابت (فِي غَيره) أَي فِي غير ذَلِك الْمحل وَهُوَ الْفَرْع (أَيْضا) نقل عَن المُصَنّف هَهُنَا، يَعْنِي أَن حكم كل من الأَصْل وَالْفرع وَاحِد لَهُ إضافتان إِلَى الأَصْل بِاعْتِبَار تعلقه بِهِ، وَإِلَى الْفَرْع كَذَلِك فَلَا يَتَعَدَّد فِي ذَاته بِتَعَدُّد الْمحل، بل هُوَ وَاحِد لَهُ تعلق بكثيرين كَمَا أَن الْقُدْرَة شَيْء وَاحِد مُتَعَلق بالمقدورات (وَكَذَا) يجب حذف (مثل فِي بِمثل علته) فَإِن الْعلَّة المثيرة للْحكم فِي الأَصْل بِعَينهَا المثيرة لَهُ فِي الْفَرْع (ومبنى هَذَا الْوَهم) وَهُوَ أَنه لَا بُد من ذكر مثل فِي كلا هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ على كثير (حَتَّى قَالَ مُحَقّق) وَهُوَ القَاضِي شَارِح الْمُخْتَصر (لَا بُد أَن يعلم عِلّة الحكم فِي الأَصْل، وَثُبُوت مثلهَا فِي الْفَرْع، إِذْ ثُبُوت عينهَا) فِي الْفَرْع (لَا يتَصَوَّر لِأَن الْمَعْنى) المتحقق (الشخصي لَا يقوم بمحلين، وَبِذَلِك) أَي بِالْعلمِ بعلة الحكم فِي الأَصْل

وَثُبُوت مثلهَا فِي الْفَرْع (يحصل ظن مثل الحكم فِي الْفَرْع، وَبَيَان وهمهم أَن الحكم وَهُوَ الْخطاب النَّفْسِيّ جزئي حَقِيقِيّ لِأَنَّهُ) أَي الْخطاب النَّفْسِيّ (وصف مُتَحَقق فِي الْخَارِج قَائِم بِهِ تَعَالَى فَهُوَ وَاحِد لَهُ متعلقات كَثِيرَة) شارة إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ أهل الْحق من أَنه تَعَالَى مُتَكَلم بِكَلَام قديم وَاحِد بالشخص قَائِم بِذَاتِهِ لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت هُوَ بِهِ طَالب بِهِ مخبر، فَالْكَلَام النَّفْسِيّ من حَيْثُ إِضَافَته إِلَى فعل العَبْد من حَيْثُ الطّلب اقْتِضَاء، أَو تَخْيِير، وَمن حَيْثُ أَنه حكم بتعلق شَيْء بِشَيْء كالسببية والشرطية إِلَى غير ذَلِك يُسمى خطابا نفسيا، وَهَذِه إِضَافَة على وَجه الْعُمُوم ينْدَرج تَحْتَهُ أَنْوَاع وأصناف وأشخاص من الْإِضَافَة، فالتعلقات الْكَثِيرَة عبارَة عَن تِلْكَ الإضافات (وَمَا ذكر) من أَن الْمَعْنى الشخصي لَا يقوم بمحلين (إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِيقَة قيام الْعرض الشخصي بِالْمحل كالبياض الشخصي الْقَائِم بِالثَّوْبِ الشخصي يمْتَنع أَن يقوم) هَذَا الْبيَاض الشخصي الْمَذْكُور حَال كَونه متلبسا (بِعَيْنِه) أَي بتعينه الشخصي (بِغَيْرِهِ) صلَة للْقِيَام، أَي بِغَيْر ذَلِك الثَّوْب الشخصي الْمَذْكُور، وصفات الله تَعَالَى لَيست من مقولة الْعرض وَلَا يُقَاس بهَا، على أَنه لَو سلم كَونهَا مثل الْأَعْرَاض فِي اسْتِحَالَة قِيَامهَا بمحلين لَا ينفع الواهم الْمَذْكُور، لِأَن الْخطاب الْمَذْكُور لَا يقوم إِلَّا بِذَاتِهِ المقدسة، غَايَة الْأَمر أَن لَهُ تعلقات وإضافات بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرهَا لَا أَنه قَائِم بِالْغَيْر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والكائن هُنَا) أَي فِي الْخطاب النَّفْسِيّ الْمُتَعَلّق بالمحال المتعددة إِنَّمَا هُوَ (مُجَرّد إضافات مُتعَدِّدَة لوَاحِد شخصي) هُوَ الْخطاب النَّفْسِيّ (وَكَذَلِكَ لَا يمنعهُ الشخصية) أَي مثل هَذَا الْقدر وَهُوَ أَن يكون بِاعْتِبَار الإضافات لَا يمنعهُ شخصية الْمَعْنى الْقَائِم بالشخص (فالتحريم الْمُضَاف إِلَى الْخمر بِعَيْنِه لَهُ إِضَافَة أُخْرَى إِلَى النَّبِيذ وَمثله مِمَّا لَا يُحْصى) من الْمعَانِي الشخصية المتكثرة بِاعْتِبَار التعلقات (كالقدرة الْوَاحِدَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى المقدورات لَيست) الْقُدْرَة (قَائِمَة بهَا) أَي بالمقدورات (بل) قَائِمَة (بِهِ تَعَالَى، وَلها إِلَى كل مَقْدُور إِضَافَة يَعْتَبِرهَا الْعقل، وَكَذَا الْوَصْف) الَّذِي هُوَ عِلّة الحكم فِي الأَصْل وَالْفرع وَاحِد وَلَا يلْزم مِنْهُ قيام شخص بمحلين (إِذْ لَيْسَ) الْوَصْف (المنوط بِهِ) الحكم (الْوَصْف الجزئي، بل) هُوَ الْوَصْف (الْكُلِّي، وَهُوَ) أَي ذَلِك الْكُلِّي (بِعَيْنِه ثَابت فِي الْمحَال) الأَصْل وَالْفرع بِاعْتِبَار أَفْرَاد كل مِنْهُمَا، فَإِن الْخمر مثلا مَفْهُوم تحتهَا جزئيات لَا تحصى، وَكَذَا النَّبِيذ (فمناط حُرْمَة الْخمر الْإِسْكَار مُطلقًا لَا إسكار الْخمر، وَلِأَنَّهُ) أَي إسكار الْخمر مَعْطُوف على الْمَعْنى: أَي لما ذكرنَا أَن المنوط بِهِ كلي ثَابت بِعَيْنِه فِي الْمحَال، وَلِأَنَّهُ (قَاصِر عَلَيْهِ) أَي على الأَصْل الَّذِي هُوَ الْخمر (فتمتنع التَّعْدِيَة) لكَونه قاصرا على الأَصْل كَمَا سَيَأْتِي (وَهَذَا) أَي كَون المناط فِي حُرْمَة الْخمر كليا (لِأَنَّهُ) أَي المناط إِنَّمَا هُوَ الْأَمر (الْمُشْتَمل على الْمَفَاسِد واشتماله) عَلَيْهَا (لَيْسَ بِقَيْد كَونه إسكار كَذَا)

أَي الْخمر مثلا (بل) بِاعْتِبَار أَنه (إسكار) مُطلق (وَهُوَ) أَي الْإِسْكَار الْمُطلق (بِعَيْنِه ثَابت فِي الْمحَال) كلهَا (وعَلى هَذَا كَلَام النَّاس) فِيهِ تَعْرِيض بِأَن مَا ابتدعه هَؤُلَاءِ خلاف كَلَام النَّاس (وَإِنَّمَا يحصل من العلمين) أَي الْعلم بعلة الحكم فِي الأَصْل وَالْعلم بثبوتها فِي الْفَرْع (ظن) للْحكم فِي الْفَرْع لَا قطع (لجَوَاز كَون خُصُوص الأَصْل شرطا) للْحكم فِيهِ (و) كَون خُصُوص (الْفَرْع مَانِعا) مِنْهُ، وَلَا يخفى أَن هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ لَا يُنَافِي وَاحِد مِنْهُمَا الْعلم بعلية الْوَصْف، إِذْ لَيْسَ المُرَاد من الْعلم بعليته الْقطع بِكَوْنِهِ عِلّة تَامَّة بِحَيْثُ لَا يحْتَاج فِي إِثْبَات الحكم إِلَى شَرط. وَدفع مَانع، على أَن الظَّاهِر أَن المُرَاد بِالْعلمِ مُطلق التَّصْدِيق فَيشْمَل الظَّن (وَأورد على عكس التَّعْرِيف) الْمَذْكُور وَهُوَ مُسَاوَاة مَحل لآخر فِي عِلّة حكم شَرْعِي إِلَى آخِره (أَمْرَانِ: الأول قِيَاس الْعَكْس) وَهُوَ إِثْبَات نقيض حكم الشَّيْء فِي شَيْء آخر بنقيض علته فَإِنَّهُ قِيَاس، وَلَا يصدق عَلَيْهِ التَّعْرِيف لعدم الْمُسَاوَاة فِيهِ بَين الأَصْل وَالْفرع فِي الحكم وَالْعلَّة وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَإِنَّهُ) أَي قِيَاس الْعَكْس (مُثبت لنقيض حكم الأَصْل فِي الْفَرْع كَقَوْل حَنَفِيّ) لإِثْبَات وجوب الصَّوْم فِي الِاعْتِكَاف الْوَاجِب كَمَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة، أَو فِي مطلقه كَمَا فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة (لما وَجب الصَّوْم شرطا للاعتكاف بنذره) أَي الصَّوْم مَعَ الِاعْتِكَاف بِأَن يَقُول مثلا: نذرت الِاعْتِكَاف صَائِما (وَجب) الصَّوْم للاعتكاف (بِلَا) شَرط (نذر) للصَّوْم مَعَ الِاعْتِكَاف بِأَن يَقُول نذرت الِاعْتِكَاف من غير ذكر الصَّوْم إِن كَانَ الْمُدعى إِثْبَات وجوب الصَّوْم فِي الِاعْتِكَاف الْوَاجِب، أَو بِأَن يعْتَكف من غير نذر إِن كَانَ الْمُدعى إِثْبَات وجوب الصَّوْم فِي مطلقه (كَالصَّلَاةِ لما لم تجب شرطا لَهُ) أَي الِاعْتِكَاف (بِالنذرِ) أَي بِنذر الصَّلَاة مَعَ الِاعْتِكَاف بِأَن يَقُول نذرت الِاعْتِكَاف مُصَليا من غير ذكر الصَّلَاة أَو يعْتَكف من غير نذر (لم تجب بِغَيْر نذر) للصَّلَاة مَعَ الِاعْتِكَاف بِأَن يَقُول نذرت الِاعْتِكَاف، ثمَّ أَرَادَ أَن يبين الأَصْل وَالْفرع وَالْعلَّة وَالْحكم فِي الْقيَاس الْمَذْكُور، فَقَالَ (ومضمون الشَّرْط) يَعْنِي وجوب الصَّوْم شرطا للاعتكاف بنذره على مَا سبق وَعدم وجوب الصَّلَاة شرطا للاعتكاف بِالنذرِ (فِي الأَصْل الصَّلَاة) عطف بَيَان للْأَصْل (وَالْفرع) عطف على الأَصْل: أَي ومضمون الشَّرْط فِي الْفَرْع (الصَّوْم) عطف بَيَان وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مَضْمُون الشَّرْط عبارَة عَن المضمونين المتخالفين مُتَحَقق فِي كل من الأَصْل وَالْفرع وَاحِد مِنْهُمَا (عِلّة) خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي مَضْمُون الشَّرْط (لمضمون الْجَزَاء) يَعْنِي وجوب الصَّوْم بِلَا نذر، وَعدم وجوب الصَّلَاة بِغَيْر نذر والتوزيع هَهُنَا كالتوزيع فِي مَضْمُون الشَّرْط (فيهمَا) أَي فِي الأَصْل وَالْفرع، فقد عرفت أَن حكم الأَصْل يُخَالف حكم الْفَرْع وَأَن عِلّة الحكم فِي الأَصْل تخَالف عِلّة الحكم فِي الْفَرْع، وَعرفت أَن قَول المُصَنّف مُثبت لنقيض حكم

الأَصْل فِيهِ مُسَامَحَة لِأَن وجوب الصَّوْم بِلَا نذر لَيْسَ بنقيض عدم وجوب الصَّلَاة بِلَا نذر لعدم اتِّحَاد النِّسْبَة (أُجِيب بِأَن الِاسْم) أَي اسْم الْقيَاس (فِيهِ) أَي فِي قِيَاس الْعَكْس (مجَاز وَلذَا) أَي ولكونه مجَازًا (لزم تَقْيِيده) أَي تَقْيِيد الِاسْم الْمَذْكُور عِنْد إِطْلَاق علته بِقَيْد الْعَكْس: فَيُقَال قِيَاس الْعَكْس، وَلَا يُطلق الْقيَاس وَيُرَاد بِهِ، وَهَذَا عَلامَة كَونه مجَازًا فِيهِ (أَو) الِاسْم فِيهِ (حَقِيقَة و) لَا نسلم عدم صدق التَّعْرِيف عَلَيْهِ لانْتِفَاء (الْمُسَاوَاة) بل الْمُسَاوَاة فِيهِ (حَاصِلَة ضمنا) وَبَيَان ذَلِك من وَجْهَيْن. أَحدهمَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لِأَن المُرَاد) فِي الْمِثَال الْمَذْكُور مثلا (مُسَاوَاة الِاعْتِكَاف بِلَا نذر الصَّوْم) وَهُوَ الْفَرْع (لَهُ) أَي للاعتكاف المتلبس (بنذره) أَي الصَّوْم وَهُوَ فِي الأَصْل (فِي حكم هُوَ) أَي فِي ذَلِك الحكم (اشْتِرَاط الصَّوْم) فعلى هَذَا التَّقْدِير الْفَرْع وَالْأَصْل وَالْحكم وَالْعلَّة غير مَا ذكر أَولا من أَن الْفَرْع هُوَ الصَّوْم، وَالْأَصْل هُوَ الصَّلَاة، وَالشّرط وَالْعلَّة هُوَ مَضْمُون الشَّرْط، وَالْحكم مَضْمُون الْجَزَاء، وَسَيَجِيءُ أَن الْعلَّة فِي هَذَا التَّقْدِير الِاعْتِكَاف (بِمَعْنى) أَنه (لَا فَارق) بَين الاعتكافين فرقا يَقْتَضِي اخْتِلَافهمَا فِي حكم اشْتِرَاط الصَّوْم الْجَارِي فِي قَوْله بِمَعْنى إِمَّا مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ صفة لمصدر مَنْصُوب بِلَفْظ المُرَاد أَي إِرَادَة متلبسة بِهَذَا الْمَعْنى أَو بمساواة، وَالْبَاء للسَّبَبِيَّة فَإِنَّهُ سَبَب للْحكم بعلية الِاعْتِكَاف الْمُوجبَة للمساواة وَحَاصِله إِلْغَاء الْفَارِق وَهُوَ النّذر لِاسْتِوَاء وجوده وَعَدَمه كَمَا فِي الصَّلَاة فَمَا يبْقى مَا يصلح للعلية فِي الأَصْل سوى الِاعْتِكَاف، وَهَذَا يُسمى تَنْقِيح المناط كَمَا سَيَأْتِي (أَو بالسبر) بِالْمُوَحَّدَةِ عطف على قَوْله بِمَعْنى، وَهُوَ على مَا سَيَأْتِي حصر الْأَوْصَاف ثمَّ حذف بَعْضهَا فَيتَعَيَّن الْبَاقِي، وَيَكْفِي عِنْد مَنعه بحثت فَلم أجد غَيرهَا، وَالْأَصْل الْعَدَم (عِنْد قَائِله) أَي الَّذِي يقبل إِثْبَات الْعلَّة بمسلك السبر ظرف للإرادة الْمَذْكُورَة بِاعْتِبَار تلبسها بالسبر أَو للمساواة (مِنْهُم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (أَي) تَفْسِير للسبر فِي الْمِثَال الْمَذْكُور (هِيَ) أَي الْعلَّة لوُجُوب الصَّوْم هِيَ صُورَة النّذر، و (أما الِاعْتِكَاف، أَو هُوَ) أَي الِاعْتِكَاف (بِنذر الصَّوْم أَو غَيرهمَا) أَي غير الِاعْتِكَاف الْمُجَرّد والمقترن بِالنذرِ (وَالْأَصْل عَدمه) أَي عدم غَيرهمَا، وَلَا يعدل عَن الأَصْل بِغَيْر مُوجب (وَالنّذر ملغي) من حَيْثُ كَونه (فارقا) بَين الاعتكافين فِي وجوب الصَّوْم وَعَدَمه (أَو وَصفا للسبر) مَعْطُوف على قَوْله فارقا لما ذكر فِي إِثْبَات وجوب الصَّوْم بعلة الِاعْتِكَاف مسلكين: أَحدهمَا تَحْقِيق المناط الْمشَار إِلَيْهِ بقوله لَا فَارق، وَالثَّانِي السبر الْمُفَسّر بِمَا ذكرُوا احْتَاجَ فِي كل مِنْهُمَا إِلَى إِلْغَاء خُصُوصِيَّة النّذر ذكر على سَبِيل اللف والنشر والالغاء من حَيْثُ كَونه وَصفا للسبر، وَمعنى إِلْغَاء النّذر وَصفا للسبر أَنه لَا يصلح لِأَن يكون وَصفا مؤثرا فِي علته مَا يبْقى من أَوْصَاف السبر بعد حذف مَا سواهُ (بِالصَّلَاةِ) مُتَعَلق بملغي: أَي بِسَبَب عدم

وجوب الصَّلَاة بنذرها مَعَ الِاعْتِكَاف فَلَو كَانَ للنذر تَأْثِير فِي وجوب مَا اقْترن بالاعتكاف عِنْد انْعِقَاده لَوَجَبَتْ الصَّلَاة المقترنة بالاعتكاف مُصَليا (فَهِيَ) أَي الْعلَّة (الِاعْتِكَاف) فَقَط، فَعلم أَن الصَّلَاة لم تذكر للْقِيَاس عَلَيْهَا بل لبَيَان إِلْغَاء مَا يتَوَهَّم كَونه فارقا وَالْوَجْه الثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو الصَّوْم) بالْخبر عطفا على الِاعْتِكَاف فِي قَوْله مُسَاوَاة الِاعْتِكَاف: أَي وَلِأَن المُرَاد مُسَاوَاة الصَّوْم (مَعَ نَذره) أَي مَعَ نذر الصَّوْم فِي الِاعْتِكَاف فَهُوَ الْفَرْع (بِالصَّلَاةِ) المتلبسة أَو (بِالنذرِ) فِي الِاعْتِكَاف، فَهِيَ الأَصْل (فِي حكم هُوَ عدم إِيجَاب النّذر) قرن بالاعتكاف من الصَّوْم أَو الصَّلَاة فَإِنَّهُمَا متساويان فِي عدم إِيجَاب النّذر إِيَّاه وَإِن اخْتلفَا فِي الْوُجُوب وَعَدَمه، وَلم يذكر الْعلَّة لعدم إِيجَابه فِي الصَّلَاة ولعلها كَونهَا عبَادَة مَقْصُودَة لذاتها فَلَا تجب شرطا لما هُوَ مثلهَا بل دونهَا (وَهُوَ) أَي الحكم المفاد للْقِيَاس على هَذَا التَّقْدِير (ملزوم الْمَطْلُوب) لَا عينه (وَهُوَ) أَي الْمَطْلُوب (أَن وُجُوبه) أَي الصَّوْم (بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر النّذر وَغَيره مِمَّا يصلح عِلّة لوُجُوب الصَّوْم منحصر فِي الِاعْتِكَاف لما عرفت وَالِاعْتِكَاف مَوْجُود فِي اعْتِكَاف لم ينذر فِيهِ الصَّوْم فَيجب الصَّوْم فِيهِ لوُجُود الْعلَّة، فقد علم بذلك أَن الْقيَاس تَارَة لَا ينْتج غير الْمَطْلُوب بل ملزوم لملزوم الْمَطْلُوب فَتدبر (وَالْأَوْجه كَونه) أَي قِيَاس الْعَكْس (مُلَازمَة وَقِيَاسًا) لبيانها أَي حَقِيقَة مركبة من شَرْطِيَّة وَقِيَاس مَذْكُور لبيانها، فالشرطية نَحْو (لَو لم يشرط الصَّوْم للاعتكاف) الْمُطلق (لم يشرط) الصَّوْم لَهُ (بِالنذرِ) وَالْقِيَاس مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (كَالصَّلَاةِ) يَعْنِي أَن الصَّوْم كَالصَّلَاةِ فِي كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحَيْثُ يتَفَرَّع على عدم اشْتِرَاطه للاعتكاف الْمُطلق عدم اشْتِرَاطه للاعتكاف الْمُقَيد بِالنذرِ، وَهَذِه قَضِيَّة حملية إِحْدَى مقدمتي الْقيَاس الْمَذْكُور لبَيَان الْمُلَازمَة. وَالْأُخْرَى مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله (لم تشرط فَلم تشرط بِهِ) أَي حَيْثُ لم تشْتَرط الصَّلَاة للاعتكاف الْمُطلق لم تشْتَرط للاعتكاف الْمُقَيد بِالنذرِ، وَهَذِه قَضِيَّة حملية إِحْدَى مقدمتي الْقيَاس الْمَذْكُور الْمُطلق أَمر مُقَرر فَألْحق بهَا الصَّوْم فِي هَذَا الْمَعْنى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي معنى الْقرْبَة الْمُوجبَة للاعتكاف زِيَادَة الثَّوَاب من غير فَارق، لَكِن يبْقى هَهُنَا مناقشة وَهُوَ أَن انْتِفَاء الاشتراطين فِي الصَّلَاة مُسلم لَكِن تفرع أَحدهمَا على الآخر غير مُسلم، وَالِاسْتِدْلَال مَبْنِيّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا التَّوْجِيه أوجه (لعمومه) أَي هَذَا التَّوْجِيه مَا ذكر من قَول الْحَنَفِيّ وَغَيره فَيعم (قَول شَافِعِيّ فِي تَزْوِيجهَا) أَي الْحرَّة الْعَاقِلَة الْبَالِغَة (نَفسهَا يثبت الِاعْتِرَاض) للأولياء (عَلَيْهَا) فَادّعى أَولا عدم لُزُوم صِحَة تَزْوِيج الْمَرْأَة نَفسهَا لثُبُوت اعْتِرَاض الْوَلِيّ عَلَيْهَا. ثمَّ بَين الْمُلَازمَة بقوله كَالرّجلِ إِلَى آخِره، وتلخيص الْبَيَان نَحن وجدنَا صِحَة تَزْوِيج النَّفس فِي الرجل مَعَ عدم ثُبُوت

الِاعْتِرَاض فَعرفنَا أَن الصِّحَّة لَا تفارق عدم ثُبُوته، فَحَيْثُ انْتَفَى عدم ثُبُوته حكمنَا بِعَدَمِ الصِّحَّة. وَلَا يخفى ضعفه، لِأَن اجْتِمَاع الصِّحَّة مَعَ عدم ثُبُوت الِاعْتِرَاض لَا يُفْضِي أَن لَا تُفَارِقهُ الصِّحَّة لجَوَاز أَن يجْتَمع مَعَ نقيضه أَيْضا (فَلَا يَصح مِنْهَا كَالرّجلِ لما صَحَّ مِنْهُ) تَزْوِيج نَفسه (لم يثبت) الِاعْتِرَاض لَهُم (عَلَيْهِ فمضمون الْجَزَاء) وَهُوَ عدم ثُبُوت الِاعْتِرَاض (فِي الأَصْل وَهُوَ) فِي الأَصْل (الرجل عِلّة للْحكم مَضْمُون الشَّرْط) بِالْجَرِّ على الْبَدَل من الحكم، أَو عطف بَيَان وَهُوَ صِحَة تَزْوِيج النَّفس حَال كَون مَضْمُون الشَّرْط (قلب الأَصْل) أَي عكس مَا هُوَ الأَصْل فِي بَيَان الْمُلَازمَة (وَالْوَجْه) الْوَجِيه (قلبه) أَي قلب الْقلب بِأَن يُقَال لما لم يثبت الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ صَحَّ مِنْهُ، فَيُقَال حِينَئِذٍ فمضمون الشَّرْط فِي الأَصْل عَلَيْهِ لمضمون الْجَزَاء على طبق مَا مر أَولا فِي تَقْرِيره، وَلما كَانَ الْمَقْصُود من هَذِه التوجيهات تَحْصِيل الْمُسَاوَاة بَين الْفَرْع وَالْأَصْل فِي عِلّة الحكم، وَكَانَ الْفَرْع وَالْأَصْل فِي الصُّورَة الأولى الِاعْتِكَاف بِلَا نذر الصَّوْم وَالِاعْتِكَاف بنذره وهما متساويان فِي الْعلَّة الَّتِي هِيَ الِاعْتِكَاف. وَفِي الثَّانِيَة الْمَرْأَة وَالرجل، وَالْعلَّة فِي الأَصْل عدم ثُبُوت الِاعْتِرَاض، وَهُوَ غير مُتَحَقق فِي الْفَرْع أَرَادَ أَن يبين وَجه مساواتهما، فَقَالَ (والمساواة فِي هَذَا) الْقلب من قِيَاس الْعَكْس حَاصِلَة (على تَقْدِير مَضْمُون الْجَزَاء) يَعْنِي عدم ثُبُوت الِاعْتِرَاض (الْمَقِيس عَلَيْهِ) صفة لمضمون الْجَزَاء على سَبِيل التَّجَوُّز لِأَن الْمَقِيس عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الرجل غير انه ملحوظ ومعتبر فِي جَانِبه كَأَنَّهُ متمم لَهُ وَتَقْدِيره عبارَة عَن وُقُوعه جَزَاء لشرط مَفْرُوض كَمَا يُشِير إِلَيْهِ بقوله (وَتَقْدِيره) أَي مَضْمُون الْجَزَاء (فِي الْمِثَال) الْمَذْكُور (لَو صَحَّ) مِنْهَا تَزْوِيج النَّفس (لما ثَبت الِاعْتِرَاض) عَلَيْهَا كَالرّجلِ لما لم يثبت الِاعْتِرَاض صَحَّ مِنْهُ تَزْوِيج النَّفس (فَعدم الِاعْتِرَاض تساوى) الْمَرْأَة الَّتِي هِيَ الْفَرْع (بِهِ) أَي بِسَبَب عدم الِاعْتِرَاض (الرجل) بِالنّصب على أَنه مفعول تساوى بِنَاء (على التَّقْدِير) وَالْفَرْض لصِحَّة نِكَاحهَا فَعدم الِاعْتِرَاض ملحوظ فِي جَانب الْفَرْع، أَعنِي الْمَرْأَة، وَفِي جَانب الأَصْل وَهُوَ الرجل، وَإِن كَانَ فِي الأول بِحَسب الْفَرْض، وَفِي الثَّانِي بِحَسب نفس الْأَمر فَصَارَ عدم الِاعْتِرَاض عِلّة لصِحَّة التَّزْوِيج وَعدم صِحَّته فِي الأَصْل وَالْفرع وجودا وعدما (والمساواة) الْمَذْكُورَة (فِي التَّعْرِيف وَإِن تبادر مِنْهُ) أَي من إِطْلَاقهَا (مَا) أَي الْمُسَاوَاة الكائنة (فِي نفس الْأَمر كَمَا تقدم) آنِفا، لَكِن بِحَسب أصل الْوَضع (هِيَ) أَي الْمُسَاوَاة (أَعم مِمَّا) أَي من الْمُسَاوَاة الكائنة بِنَاء (على التَّقْدِير) وَالْفَرْض، وَمِمَّا فِي نفس الْأَمر فليحمل مَا فِي التَّعْرِيف على مَا يَقْتَضِيهِ أصل الْوَضع، وَالْمَقْصُود من هَذَا الإطناب إِدْخَال قِيَاس الْعَكْس فِي تَعْرِيف الْقيَاس الْمُطلق وَلَو بِضَرْب من التَّكْلِيف، لَا تَصْحِيح قِيَاس الْعَكْس، فَلَا نطول الْكَلَام بِبَيَان وُجُوه ضعفه، وَجَوَاب الْحَنَفِيَّة

عَن هَذِه الْمُلَازمَة عدم تَسْلِيم عِلّة ثُبُوت الِاعْتِرَاض لعدم صِحَة تَزْوِيج النَّفس لجَوَاز أَن يكون تَزْوِيجهَا صَحِيحا، وَيكون ثُبُوت الِاعْتِرَاض لدفع ضَرَر الْعَار عَن الْوَلِيّ وَأَيْضًا الشَّافِعِي يَقُول بِعَدَمِ صِحَة تَزْوِيجهَا نَفسهَا مُطلقًا، وَثُبُوت الِاعْتِرَاض لَيْسَ إِلَّا فِي غير الْكُفْء فَلَا تفِيد هَذِه الْعلَّة مدعاه مُطلقًا. (الثَّانِي) من الْأَمريْنِ الموردين على عكس التَّعْرِيف (قِيَاس الدّلَالَة) وَهُوَ (مَا) أَي الْقيَاس الَّذِي (لم تذكر) الْعلَّة (فِيهِ بل) ذكر فِيهِ (مَا يدل عَلَيْهَا) من وصف ملازم لَهَا (كَقَوْل الشَّافِعِي فِي الْمَسْرُوق يجب) على السَّارِق (رده) حَال كَونه (قَائِما) وَإِن انْقَطَعت الْيَد فِيهِ (فَيجب ضَمَانه) عَلَيْهِ حَال كَونه (هَالكا) وَإِن قطعت الْيَد فِيهِ (كالمغصوب) فَإِنَّهُ يجب رده قَائِما وضمانه هَالكا، فَإِن الْعلَّة فِيهِ الْيَد العادية، وَفِي الْحَقِيقَة قصد الشَّارِع حفظ مَال الْغَيْر وَهِي مُشْتَركَة بَينهمَا (وَأجِيب بِأَن الِاسْم فِيهِ) أَي لفظ قِيَاس الدّلَالَة (مجَاز) وَلِهَذَا لم يُطلق عَلَيْهِ إِلَّا مُقَيّدا بِقَيْد الدّلَالَة، وإفادة علاقَة الْمجَاز بقوله (لاستلزام الْمَذْكُور فِيهِ) من الْوَصْف الملازم كَمَا ذكر (الْعلَّة). وَالْمُعْتَبر فِي حَقِيقَة الْقيَاس ذكر الْعلَّة بِعَينهَا (وَمِنْهُم من رده) أَي قِيَاس الدّلَالَة (إِلَى مُسَمَّاهُ) أَي قِيَاس الْعلَّة، وَجعله من أَفْرَاده كردهم قِيَاس الْعَكْس إِلَيْهِ (بِأَنَّهُ) أَي قِيَاس الدّلَالَة (يتَضَمَّن الْمُسَاوَاة فِيهَا) أَي الْعلَّة، وَهَذَا الْقدر كَاف فِي حَقِيقَة الْقيَاس وتضمنه بِاعْتِبَار مَا ذكر فِيهِ مِمَّا يدل على الْعلَّة على وَجه يفهم مِنْهُ مُسَاوَاة الْفَرْع الأَصْل فِي الْعلَّة (فَقِيَاس النَّبِيذ) فِي وجوب الْحَد لشربه (على الْخمر برائحة المشتد) الَّتِي تدل على الْعلَّة: أَي الْإِسْكَار، فَإِن الرَّائِحَة تدل على مشاركتها فِي الاشتداد الَّذِي يلازم الْإِسْكَار (يتَضَمَّن ثُبُوت الْمُسَاوَاة) بَينهمَا (فِي الْإِسْكَار. وَلَا يخفى أَن الْقيَاس حِينَئِذٍ) أَي حِين كَانَت الْعلَّة متضمنة (غير الْمَذْكُور) وَهَذَا إِذا شَرط فِي الْقيَاس أَن تكون الْمُسَاوَاة فِيهِ مدلولا صَرِيحًا. (وأركانه) أَي أَجزَاء الْقيَاس (لِلْجُمْهُورِ) أَي لقَوْل الْجُمْهُور أَرْبَعَة: الأول الْوَصْف (الْجَامِع. و) الثَّانِي (الأَصْل) وَهُوَ إِمَّا (مَحل الحكم الْمُشبه بِهِ) وَعَلِيهِ الْأَكْثَر من الْفُقَهَاء والنظار (أَو حكمه) أَي حكم الْمحل الْمَذْكُور، وَعَلِيهِ طَائِفَة (أَو دَلِيله) أَي دَلِيل حكم الْمحل الْمَذْكُور، وَعَلِيهِ المتكلمون (ومبناه) أَي مبْنى الْخلاف الْمَذْكُور فِي تَفْسِير الأَصْل (على أَن الأَصْل مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيره) وكل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة يصلح لهَذَا الْمَعْنى (و) بِنَاء (عَلَيْهِ) أَي على أَن الأَصْل مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيره (قيل) وَالْقَائِل: الإِمَام الرَّازِيّ (الْجَامِع فرع حكم الأَصْل) لِأَنَّهُ لَوْلَا حكم الأَصْل لما فتش عَن الْعلَّة المثيرة لَهُ وَتَحْصِيل الْجَامِع بِوَاسِطَة التفتيش والفحص عَنهُ (أصل حكم الْفَرْع) خبر بعد خبر لقَوْله الْجَامِع، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْلَا وجود الْجَامِع فِي الْفَرْع لم يكن لحكم الْفَرْع وجود، فالجامع فرع من وَجه وأصل من وَجه

آخر (إِلَّا أَنه) أَي كَون الْجَامِع بِهَذِهِ الصّفة (يخص) الْعِلَل (المستنبطة) من حكم الأَصْل لَا المنصوصة، لَكِن الْأَغْلَب غير المنصوصة، وَلَا يبعد أَن يُقَال: المنصوصية أَيْضا لَهَا نوع فرعية لِأَنَّهُ لَو لم يكن حكم الأَصْل لما نَص الشَّارِع على عليته. (و) الثَّالِث (حكم الأَصْل). (و) الرَّابِع (الْفَرْع) وَهُوَ (الْمحل الْمُشبه) على القَوْل بِأَن الأَصْل هُوَ الْمُشبه بِهِ (أَو حكمه) أَي حكم الْمُشبه على القَوْل بِأَن الأَصْل هُوَ حكم الْمُشبه بِهِ، ثمَّ أَخذ يبين قَول غير الْجُمْهُور، فَقَالَ (وَظَاهر قَول فَخر الْإِسْلَام: وركنه مَا جعل علما على حكم النَّص) مِمَّا اشْتَمَل عَلَيْهِ النَّص (وَجعل الْفَرْع نظيرا لَهُ فِي حكمه بِوُجُودِهِ فِيهِ) إِلَى هُنَا مقول قَوْله وَجعل الْفَرْع، الضَّمِير فِي لَهُ وَحكمه للنَّص، وَفِي بِوُجُودِهِ لما، وَالْبَاء للسَّبَبِيَّة، وَفِي فِيهِ للفرع: يَعْنِي ركن الْقيَاس وَهُوَ الْوَصْف الَّذِي جعل عَلامَة وأمارة على حكم يدل عَلَيْهِ النَّص بِحَيْثُ يَدُور عَلَيْهِ الحكم وجودا وعدما، وَجعل الْفَرْع مماثلا للنَّص الَّذِي هُوَ مَحل الحكم فِي الحكم بِسَبَب وجود ذَلِك الْوَصْف فِي الْفَرْع، وَإِنَّمَا قَالَ علما لِأَن الْمُوجب هُوَ الله تَعَالَى والعلل أَمَارَات، وَوَافَقَهُ القَاضِي أَبُو زيد وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وَالْجُمْهُور على أَن الحكم مُضَاف إِلَى الْعلَّة فِي الأَصْل وَالْفرع، ومشايخ الْعرَاق وَأَبُو زيد والسرخسي وفخر الْإِسْلَام على أَنه فِي الْمَنْصُوص مُضَاف إِلَى النَّص. وَفِي الْفَرْع إِلَى الْعلَّة. وَفِي قَوْله مِمَّا اشْتَمَل إِشَارَة إِلَى أَنه يشْتَرط أَن يكون ذَلِك الْوَصْف من الْأَوْصَاف الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا النَّص، (أَنه) أَي ركن الْقيَاس (الْعلَّة الثَّابِتَة فِي المحلين) الأَصْل وَالْفرع، فَقَوله: أَنه إِلَى آخِره خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي ظَاهر قَول فَخر الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهر قَوْله نظرا إِلَى الْمُتَبَادر من إِضَافَة الرُّكْن إِلَى الضَّمِير للاستغراق مَعَ احْتِمَال أَن لَا يكون ركن سواهُ، وَالْمرَاد بالركن مَا لَيْسَ بِخَارِج عَنهُ لَا الْجُزْء فَلَا يرد أَنه لَا يتَصَوَّر أَن يكون للماهية جُزْء وَاحِد للتنافي بَين العينية والجزئية، وَبِمَا ذكرنَا انْدفع أَن كَلَام فَخر الْإِسْلَام صَرِيح فِي الْمَقْصُود لَا ظَاهر، لَكِن بَقِي شَيْء أَن مَا ذكره أَفَادَ ركنية الأَصْل وَالْفرع وَلم يدل على عدم ركنية حكم الأَصْل، وَقد يُقَال كَمَا أَن طرفِي الْمُسَاوَاة خارجان عَنْهَا كَذَلِك مَا فِيهِ الْمُسَاوَاة خَارج عَنْهَا (وَالْمرَاد ثُبُوتهَا) وَالْمرَاد بِالْعِلَّةِ فِي قَوْله أَنه الْعلَّة الثَّابِتَة ثُبُوتهَا فيهمَا لأنفسهما، إِذْ لَا وَجه لجعل الْقيَاس عبارَة عَن الْوَصْف الْجَامِع إِذْ هُوَ مَعَ قطع النّظر عَن ثُبُوته فِي الأَصْل وَالْفرع لَيْسَ من الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة فَإِن قلت الدَّلِيل الشَّرْعِيّ مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ إِلَى الحكم، وَالْوَصْف هَكَذَا قلت مَا ذكرت موصل بعيد، وَمَا ذكرنَا موصل قريب، وترجيح الْبعيد على الْقَرِيب لَيْسَ من دأب أهل الْعلم، وَلذَلِك اخْتَار الْمُحَقِّقُونَ الْمُسَاوَاة فِي تَعْرِيف الْقيَاس، وَأَرَادَ المُصَنّف إرجاع كَلَام فَخر الْإِسْلَام إِلَى مَا اختاروه، فَقَالَ (وَهُوَ) أَي ثُبُوتهَا فيهمَا (الْمُسَاوَاة) يَعْنِي الْفَرْع وَالْأَصْل فِي الْعلَّة وَالْحكم على سَبِيل الْمُسَامحَة من قبيل تَفْسِير الْمَلْزُوم

باللازم، إِذْ ثُبُوتهَا فيهمَا يسْتَلْزم (الْجُزْئِيَّة) المحققة فِي خصوصيات الأقيسة (لَا) الْمُسَاوَاة (الْكُلية) الَّتِي تعم الأقيسة كلهَا (لِأَنَّهَا) أَي الْمُسَاوَاة الْكُلية (مَفْهُوم الْقيَاس الْكُلِّي الْمَحْدُود والركن) الَّذِي نَحن بصدد تَعْيِينه هُوَ (جزؤه) أَي الْقيَاس المتحقق فِي حَقِيقَته حِين يدْخل (فِي الْوُجُود) الْخَارِجِي فِي ضمن الْفَرد وَإِذا لم يكن للْقِيَاس ركن غير الْمُسَاوَاة كَانَ جزئيته بِاعْتِبَار حَقِيقَته الخارجية المركبة فِي الْمَاهِيّة والتشخص (وَقد يخال) أَي يظنّ أَن قَول فَخر الْإِسْلَام أوجه فِي تعْيين الرُّكْن من قَول الْجُمْهُور بعد اخْتِيَار الْمُسَاوَاة (لظُهُور أَن الطَّرفَيْنِ) أَي طرفِي كل نِسْبَة (شَرط) تِلْكَ (النِّسْبَة) وَذَلِكَ (كالأصل وَالْفرع) بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسَاوَاة الْمَشْرُوطَة بهما (هُنَا) أَي فِيمَا نَحن فِيهِ (لَا أَرْكَانهَا) مَعْطُوف على شَرط، يَعْنِي أَن الطَّرفَيْنِ شَرط النِّسْبَة لَا أَرْكَان النِّسْبَة (فهما) أَي الأَصْل وَالْفرع (خارجان عَن ذَات) هَذِه (النِّسْبَة المتحققة خَارِجا) يَعْنِي الْمُسَاوَاة الْمَذْكُورَة (والركنية بِهَذَا الِاعْتِبَار) أَي ركنية الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَاهِيّة إِنَّمَا تكون بِاعْتِبَار وجودهَا فِي الْخَارِج فِي ضمن الْفَرد، وَإِذا نَظرنَا إِلَى الْمُسَاوَاة الْجُزْئِيَّة الَّتِي هِيَ فَرد الْمُسَاوَاة الْمُطلقَة وجدنَا الأَصْل وَالْفرع خَارِجين عَنْهَا شرطين لَهَا، نعم إِن نَظرنَا إِلَى مَفْهُوم الْمُسَاوَاة الْمُطلقَة وجدناهما داخلين فِي الْمَفْهُوم من حَيْثُ التَّصَوُّر، لَكِن الركنية لَيست بِهَذَا الِاعْتِبَار (ثمَّ اسْتمرّ تمثيلهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (مَحل الحكم الأَصْل) بِالنّصب عطف بَيَان لمحل الحكم (بِنَحْوِ الْبر وَالْخمر) فِي قِيَاس الذّرة والنبيذ عَلَيْهِمَا فِي حكمهمَا (تساهلا) وتسامحا (تعورف) صفة التساهل: أَي صَار متعارفا بَينهم (وَإِلَّا) وَإِن لم يكن تمثيلهم بنحوهما بطرِيق التساهل وقصدوا الْحَقِيقَة (فَلَيْسَ) مَحَله أَي الحكم (فِي) نفس الْأَمر على (التَّحْقِيق إِلَّا فعل الْمُكَلف لَا الْأَعْيَان) الْمَذْكُورَة (فَفِي نَحْو النَّبِيذ الْخَاص) أَي المشتد الْمُسكر (محرم كَالْخمرِ: الأَصْل شرب الْخمر وَالْفرع شرب النَّبِيذ وَالْحكم الْحُرْمَة) وَفِي قِيَاس الذّرة الأَصْل بيع الْبر ببر أَكثر مِنْهُ، وَالْفرع بيع الذّرة كَذَلِك وَهَكَذَا. (وَحكمه) أَي الْقيَاس (وَهُوَ الْأَثر الثَّابِت بِهِ) أَي (الْقيَاس ظن حكم الأَصْل فِي الْفَرْع أَيْضا) أَي آض ثُبُوت الحكم وَعَاد عودا، فَلَيْسَ قَوْله أَيْضا بِاعْتِبَار الظَّن لِأَنَّهُ قد يكون حكم الأَصْل قَطْعِيا فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الحكم مُطلقًا الظَّن لجَوَاز كَون خُصُوص الأَصْل شرطا فِيهِ وَالْفرع مَانِعا (وَهُوَ) أَي ظن حكم الأَصْل فِي الْفَرْع (معنى التَّعْدِيَة وَالْإِثْبَات وَالْحمل) الْمَذْكُور فِي عِبَارَات الْقَوْم فِي تَعْرِيف الْقيَاس، وَقد سبق نقل التَّعْدِيَة عَن الشَّرِيعَة، ثمَّ تَفْسِيره إِيَّاهَا بِإِثْبَات حكم مثل الأَصْل، وَحمل مَعْلُوم على مَعْلُوم عَن القَاضِي أبي بكر (فتسميته) أَي ظن حكم الأَصْل فِي الْفَرْع (تَعديَة اصْطِلَاح) مِمَّن سموا (فَلَا يُبَالِي بإشعاره) أَي الِاسْم الْمَذْكُور، وَهُوَ لفظ التَّعْدِيَة (لُغَة) أَي من حَيْثُ مَعْنَاهُ

فصل في الشروط

اللّغَوِيّ (بانتفائه) أَي الحكم (من الأَصْل) لِأَن الَّذِي يتَعَدَّى عَن مَحل ينتفى عَنهُ بانتقاله إِلَى مَحل آخر (وَمَا قيل) الْقَائِل صدر الشَّرِيعَة فِي الْجَواب عَن الْأَشْعَار (بل يشْعر بِبَقَائِهِ) أَي الحكم (فِيهِ) أَي فِي الأَصْل (كَقَوْلِنَا) أَي كإشعار قَوْلنَا (للْفِعْل مُتَعَدٍّ إِلَى الْمَفْعُول مَعَ أَنه) أَي الْفِعْل (ثَابت فِي الْفَاعِل) فِي نفس الْأَمر بِبَقَائِهِ فِي الْفَاعِل (إِثْبَات اللُّغَة بالاصطلاح) أَي إِثْبَات معنى فِي اللُّغَة للفظ بِنَاء على أَنه قصد ذَلِك بِهِ فِي الِاصْطِلَاح وَهُوَ غير جَائِز، فَقَوله إِثْبَات اللُّغَة خبر قَوْله مَا قيل (مَعَ أَنه) أَي بَقَاء الْفِعْل فِي الْفَاعِل (مِمَّا لَا يشْعر بِهِ) لفظ التَّعَدِّي فِي القَوْل الْمَذْكُور (بل) إِنَّمَا يشْعر (بانتقاله) أَي انْتِقَال الْفِعْل عَن الْفَاعِل وَلَو كَانَ فِي نفس الْأَمر ثَابتا فِيهِ (إِذْ تعدى الشَّيْء) من مَحل (إِلَى) مَحل (آخر انْتِقَاله) أَي انْتِقَال ذَلِك الشَّيْء (إِلَيْهِ) إِلَى الآخر (برمتِهِ) أَي جملَته بِحَسب اللُّغَة (لَوْلَا الِاصْطِلَاح) فِي التَّعْدِيَة الْمَذْكُورَة فِي الْفِعْل على خلاف مَا تَقْتَضِيه اللُّغَة لَكنا نفهم مِنْهَا الِانْتِقَال لَكِن الْعلم بِالْوَضْعِ الاصطلاحي صرفنَا عَنهُ. (وتقسيم الْمَحْصُول) اسْم كتاب (الْقيَاس إِلَى قَطْعِيّ وظني لَا يُخَالِفهُ) أَي قَوْلنَا حكم الْقيَاس ظن حكم الأَصْل فِي الْفَرْع (إِذْ قطعيته) أَي الْقيَاس (بقطعية الْعلَّة ووجودها) أَي الْعلَّة (فِي الْفَرْع، وَلَا يسْتَلْزم) مَجْمُوع الْأَمريْنِ (قَطْعِيَّة) ثُبُوت (حكمه) أَي الْفَرْع (لما تقدم) من جَوَاز كَون خُصُوص الأَصْل شرطا وخصوص الْفَرْع مَانِعا فَيجوز أَن يكون الْقيَاس قَطْعِيا بِاعْتِبَار قَطْعِيَّة الْعلَّة ووجودها، وَيكون الحكم ظنيا لما ذكر، فَعلم أَن المُرَاد بالعلية الْمَقْطُوع بهَا غير الْعلَّة التَّامَّة، إِذْ لَو كَانَت عِلّة تَامَّة للْحكم لاستحال تخلفه عَنْهَا أَيْنَمَا وجدت، وَكَانَ يلْزم حِينَئِذٍ الْقطع بالحكم فِي الْفَرْع فتمام الْكَلَام مَوْقُوف على عدم تحقق عِلّة كَذَا (غير أَن تمثيله) أَي الْمَحْصُول الْقيَاس الْقطعِي (بِمَا هُوَ مَدْلُول النَّص، أَعنِي الفحوى) أَي فحوى الْخطاب كقياس تَحْرِيم الضَّرْب على تَحْرِيم التأفيف يكون قِيَاسا قَطْعِيا، لأَنا نعلم أَن الْعلَّة هِيَ الْأَذَى ونعلم وجودهَا فِي الضَّرْب (مناقضة) لِأَن الْقيَاس إِلْحَاق مسكوت عَنهُ بملفوظ. فصل فِي الشُّرُوط أَي فِي بَيَان شُرُوط صِحَة الْقيَاس (مِنْهَا لحكم الأَصْل أَن لَا يكون معدولا عَن سنَن الْقيَاس) قَوْله أَن لَا يكون إِلَى آخِره مُبْتَدأ خَبره قَوْله مِنْهَا، وَضمير لَا يكون رَاجع إِلَى حكم الأَصْل: يَعْنِي عدم كَون الحكم معدولا بِهِ عَن طَريقَة الْقيَاس من جملَة الشُّرُوط وَقَوله لحكم الأَصْل مُتَعَلق بِمَحْذُوف: أَي شَرط هَذَا لحكم الأَصْل فَهِيَ مُعْتَرضَة، وَيجوز أَن يكون حَالا من

الضَّمِير المستكن فِي الْخَبَر، وَيحْتَمل أَن يكون الْعُدُول بِمَعْنى الصّرْف فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير الْبَاء وحذفها: أَي لَا يكون مصروفا عَنهُ، ثمَّ بَين سنَن الْقيَاس بقوله (أَن يعقل مَعْنَاهُ) أَي معنى حكم الأَصْل، وَالْمرَاد بمعقولية مَعْنَاهُ أَن تدْرك علته وحكمته الَّتِي شرع لَهَا (وَيُوجد) مَعْنَاهُ (فِي) مَحل (آخر فَمَا لم يعقل) مَعْنَاهُ من الْأَحْكَام (كأعداد الرَّكْعَات والأطوفة) فَإِن كَون رَكْعَات الْفجْر ثِنْتَيْنِ وَالظّهْر أَرْبعا وَالْمغْرب ثَلَاثًا وَكَون اشْتِرَاط الطّواف سبعا أَحْكَام لَا نَعْرِف علتها (ومقادير الزَّكَاة) من ربع الْعشْر فِي النَّقْدَيْنِ وَنَحْوهمَا وَغَيره على أنحاء مُخْتَلفَة (و) حكم (بعض مَا) أَي مَحل (خص) ذَلِك الْمحل (بِحكمِهِ كالأعرابي) الْمَعْهُود فَإِنَّهُ مَحل خص (بإطعام كَفَّارَته) عَن وُقُوعه على أَهله فِي نَهَار رَمَضَان، وقصته مَشْهُورَة (أَهله) مفعول إطْعَام، وَالْحكم الَّذِي اخْتصَّ بِهِ هُوَ الْإِطْعَام الْمَذْكُور فَإِنَّهُ لَا يُوجد فِي مَحل آخر غَيره (أَو عقل) مَعْنَاهُ (وَلم يَتَعَدَّ) حكمه إِلَى غَيره وَإِن كَانَ غَيره أعلا رُتْبَة مِنْهُ فِي ذَلِك الْمَعْنى (كَشَهَادَة خُزَيْمَة) بن ثَابت، روى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْترى فرسا من سَوَاء بن الْحَارِث الْمحَاربي فجحده فَشهد لَهُ فَقَالَ مَا حملك على هَذَا وَلم تكن حَاضرا مَعنا، فَقَالَ صدقتك بِمَا جِئْت بِهِ وَعلمت أَنَّك لَا تَقول إِلَّا حَقًا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من شهد لَهُ خُزَيْمَة أَو شهد عَلَيْهِ فحسبه " (نَص على الِاكْتِفَاء بهَا) أَي بِشَهَادَتِهِ فَلَا حَاجَة إِلَى شَاهد آخر مَعَه (وَلَيْسَ) النَّص على الِاكْتِفَاء بهَا (مُفِيد الِاخْتِصَاص) أَي اخْتِصَاصه بالخصوصية (بل) مفيده (الْمَجْمُوع) الْمركب (مِنْهُ) أَي النَّص على الِاكْتِفَاء بهَا (وَمن دَلِيل منع تَعْلِيله) أَي النَّص على الِاكْتِفَاء (وَهُوَ) أَي دَلِيل منع تَعْلِيله (تكريمه) أَي خُزَيْمَة (لاختصاصه بفهم جلّ الشَّهَادَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) شَهَادَة ناشئة عَن إخْبَاره لَا عَن مُعَاينَة الْمخبر بِهِ من بَين الْحَاضِرين لإِفَادَة إخْبَاره الْعلم بِمَنْزِلَة العيان (فَلَا يبطل) اخْتِصَاصه (بِالتَّعْلِيلِ) المستلزم وجود الِاكْتِفَاء بِشَهَادَة غَيره عِنْد وجود الْعلَّة فِيهِ (فَقَوْل فَخر الْإِسْلَام) أَن الله شَرط الْعدَد فِي عَامَّة الشَّهَادَات وَثَبت بِالنَّصِّ قبُول شَهَادَة خُزَيْمَة وَحده لكنه (ثَبت كَرَامَة فَلَا يبطل بِالتَّعْلِيلِ فِي غير مَوْضِعه) قَوْله فِي غير مَوْضِعه خبر قَوْله، فَقَوْل فَخر الْإِسْلَام: وَإِنَّمَا اكْتفى بِالنَّقْلِ فِي الْمَنْقُول بِمُجَرَّد قَوْله ثَبت كَرَامَة فَلَا يبطل بِالتَّعْلِيلِ إِشَارَة إِلَى أَن عدم إِفَادَة مَا قبله للمقصود ظَاهر، نقل عَن المُصَنّف فِي بَيَان هَذَا الْمحل أَنه قَالَ: لِأَن التَّعْلِيل لَا يبطل كَونه كَرَامَة حَتَّى يمْتَنع بل تعديها إِلَى غَيره فَإِنَّمَا يبطل اخْتِصَاصه بِهَذِهِ الْكَرَامَة، فَالْوَجْه أَن يُقَال ثَبت كَرَامَة خص بهَا فَلَا يبطل بِالتَّعْلِيلِ، وَدَلِيل اخْتِصَاصه بهَا كَونهَا وَقعت فِي مُقَابلَة اخْتِصَاصه بالفهم فَإِن قلت اشْتِرَاط الْعدَد

فِي عَامَّة الشَّهَادَات من غير اسْتثِْنَاء لما سوى شَهَادَته دَلِيل الِاخْتِصَاص قلت لَا يدل عَلَيْهِ لجَوَاز أَن يكون حكم الْمُسْتَثْنى مُعَللا بعلة تُوجد فِي غَيره، غَايَة الْأَمر أَن غَيره لَا يكون مَنْصُوصا عَلَيْهِ فِي الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ لَا يسْتَلْزم الِاخْتِصَاص. وسيشير المُصَنّف إِلَى هَذَا الْجَواب (وَالنِّسْبَة) أَي نِسْبَة الِاخْتِصَاص (إِلَى الْمَجْمُوع) من دَلِيل الِاكْتِفَاء، وَدَلِيل منع التَّعْلِيل على مَا ذكر (لِأَنَّهُ) أَي الِاخْتِصَاص (بالإثبات) أَي إِثْبَات الِاكْتِفَاء بِشَهَادَتِهِ (وَهُوَ) أَي إثْبَاته (نَص الِاكْتِفَاء بِهِ) شَاهدا بِحَذْف الْمُضَاف فِي جَانب الْمُبْتَدَأ: أَي دَلِيل الْإِثْبَات، أَو الْخَبَر: أَي مَدْلُول نَص الِاكْتِفَاء (وَالنَّفْي) أَي وبنفي الِاكْتِفَاء (عَن غَيره وَهُوَ) أَي النَّفْي عَن غَيره (بمانع الْإِلْحَاق) لغيره بِهِ، وَهُوَ اخْتِصَاصه بِهَذِهِ الْكَرَامَة لاختصاصه بالفهم الْمَذْكُور (فمجرد خُرُوجه) أَي خُرُوج هَذَا الحكم الْمَخْصُوص بِهِ خُزَيْمَة (عَن قَاعِدَة) عَامَّة هِيَ اشْتِرَاط الْعدَد فِي الشَّهَادَات مُطلقًا (لَا يُوجِبهُ) أَي الِاخْتِصَاص (كَمَا ظن) وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب إِلَّا أَنَّهُمَا جعلاه من قبيل مَا لَا يعقل مَعْنَاهُ، وَقد عرفت أَنه لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا لَا يُوجِبهُ (لجَوَاز الْإِلْحَاق بالمخصص) على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول: يَعْنِي إِذا خصص حكم من عُمُومه حكم كل وَكَانَ ذَلِك الْمُخَصّص مَعْقُول الْمَعْنى مُعَللا بعلة وجدت فِي مَحل آخر جَازَ إِلْحَاق ذَلِك الآخر بذلك الْمُخَصّص وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بِجَوَاز تَعْلِيل دَلِيل التَّخْصِيص) أَي يجوز أَن يُعلل النَّص الَّذِي يدل على خُرُوج الْمُخْتَص عَن الْقَاعِدَة الْعَامَّة وَيتَفَرَّع على جَوَاز الْإِلْحَاق لما مر (وَمثله) أَي مثل الِاكْتِفَاء بِشَهَادَة خُزَيْمَة فِي كَونه عقل وَلم يَتَعَدَّ إِلَى غَيره (قصر الْمُسَافِر) الرّبَاعِيّة من الْمَكْتُوبَة فَإِنَّهُ (امْتنع تَعْلِيله) أَي تَعْلِيل قصره (بِمَا) أَي بِمَعْنى (يعديه) أَي يعدى الْقصر إِلَى غير الْمُسَافِر (لِأَنَّهَا) أَي الْعلَّة للقصر (فِي الْحَقِيقَة الْمَشَقَّة) لِأَنَّهَا الْمَعْنى الْمُنَاسب للرخصة بِالْقصرِ وَأَمْثَاله (وَامْتنع اعْتِبَارهَا) أَي اعْتِبَار الْمَشَقَّة نَفسهَا (لتفاوتها) أَي الْمَشَقَّة (وَعدم ضبط مرتبَة) مِنْهَا (تعْتَبر) تِلْكَ الْمرتبَة (مناطا) لحكم الْقصر (فتعينت) الْمَشَقَّة أَي مشقة السّفر: أَي تعْيين إِطْلَاقهَا فِي ضمن هَذِه الخصوصية بقوله (مشقة السّفر) مفعول تعيّنت لتَضَمّنه معنى الضَّرُورَة: يَعْنِي لَا بُد أَن يكون المناط وَصفا منضبطا، وَلَا انضباط لمُطلق الْمَشَقَّة للتفاوت الْفَاحِش بَين أفرادها مَعَ الْعلم بِعَدَمِ الِاعْتِدَاد بِبَعْض أفرادها، وَكَانَ هَذَا الْقدر: أَي كَونهَا مشقة السّفر مَعْلُوما فاعتبرت ضَرُورَة وَكَانَ مشقة السّفر أَيْضا غير منضبط (فَجعلت) الْعلَّة (السّفر) لكَونه مظنتها مَعَ الانضباط (فَامْتنعَ) الْقصر (فِي غَيره) أَي السّفر (وَالسّلم) أَي وَمثل الِاكْتِفَاء الْمَذْكُور فِيمَا ذكر السّلم، وَهُوَ (بيع مَا لَيْسَ فِي الْملك) أَي ملك البَائِع الْمَشْرُوع (لمصْلحَة المفاليس) وَلذَا سمي بيع المفاليس (يَنْتَفِعُونَ) أَي البائعون بذلك البيع (بِالثّمن)

عَاجلا ويحصلون الْبَدَل) أَي الْمَبِيع الْمَعْدُوم (آجلا) عِنْد حُلُول الْأَجَل الْمُسَمّى فِي البيع وَالْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة فِي البيع تَقْتَضِي محلا مَمْلُوكا للْبَائِع حَال البيع، وَقد أخرج السّلم عَن عمومها النَّص الدَّال على جَوَازه لعِلَّة أُشير إِلَيْهَا وَهِي مصلحَة المفاليس لما ذكر، وَفِيه إِشَارَة لما أَن الْعلَّة فِيهِ مَا ذكرنَا لَا مَا سَيذكرُهُ الشَّافِعِي (على مَا تشهد بِهِ الْآثَار) مُتَعَلق بِمَحْذُوف، تَقْدِير الْكَلَام شرع للْمصْلحَة الْمَذْكُورَة بِنَاء على مَا تشهد بِهِ الْآثَار فِي مَوْضِعه، وَلَا خلاف فِي جَوَاز السّلم آجلا (غير أَنه اخْتلف فِي جَوَازه حَالا فَلَمَّا كَانَ حَاصله) أَي السّلم (تَخْصِيصًا) لعُمُوم النَّهْي عَن بيع مَا لَيْسَ ملك الْإِنْسَان (عِنْد الشَّافِعِي علله) أَي الشَّافِعِي التَّخْصِيص أَو النَّص الدَّال عَلَيْهِ (بِدفع الْحَرج بإحضار السّلْعَة مَحل البيع وَنَحْوه) أَي نَحْو مَحَله أَو نَحْو إِحْضَار السّلْعَة بِمَا يُوجب الْحَرج لِأَن دَلِيل التَّخْصِيص يُعلل كَمَا ذكر، وَهَذِه الْعلَّة تَشْمَل الْحَال والمؤجل (وَوَقع للحنفية أَنه) أَي هَذَا التَّعْلِيل وَاقع (فِي مُقَابلَة النَّص الْقَائِل: من أسلف فِي شَيْء فليسلف فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم) وَوصف النَّص بالْقَوْل مجَاز، أَو المُرَاد بِهِ اللَّفْظ، وَأَرَادَ بِمن أسلف إِلَى آخِره الْمَعْنى فَلَا يلْزم اتِّحَاد الْقَائِل وَالْمقول فقد (أوجب فِيهِ) أَي فِي السّلم (الْأَجَل فالتعليل لتجويزه) أَي الْحَال (مُبْطل لَهُ) أَي للنَّص الْمُوجب للتأجيل، وَالتَّعْلِيل الْمُبْطل للنَّص بَاطِل، فَقَالَ الْحَنَفِيَّة وَمَالك وَأحمد لَا يجوز حَالا (وَمِنْه) أَي من الحكم الْمُخْتَص بِمحل كَرَامَة بِالنَّصِّ فَلَا يجوز إِبْطَاله بِالتَّعْلِيلِ بِنَاء (على ظن الشَّافِعِيَّة النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة) أَي صِحَة النِّكَاح بلفظها (خص) النَّبِي (بِهِ) أَي بالحكم الْمَذْكُور (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخالصة لَك) فِي قَوْله تَعَالَى - {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ}) - خَالِصَة مصدر مُؤَكد: أَي خلص إحلالها: أَي إحلال مَا أَحللنَا لَك على الْقُيُود الْمَذْكُورَة خلوصا لَك (فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (غَيره) فِي انْعِقَاد نِكَاحه بِهِ لما فِيهِ من إبِْطَال الخصوصية الثَّابِتَة لَهُ كَرَامَة (وَالْحَنَفِيَّة) يَقُولُونَ الِاخْتِصَاص للمفهوم من قَوْله تَعَالَى - {خَالِصَة لَك} - (يرجع إِلَى نفي الْمهْر) أَي صِحَة النِّكَاح بِدُونِ الْمهْر خَالِصَة لَك لَيست لغيرك (وَمن تَأمل) فِي قَوْله تَعَالَى قبل هَذِه الْآيَة - {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا (أحلننا لَك أَزوَاجك اللَّاتِي آتيت أُجُورهنَّ وَامْرَأَة} مُؤمنَة إِن (وهبت نَفسهَا لَك}) أَي للنَّبِي (حَتَّى فهم الطباق) بَين الْقسمَيْنِ، حَتَّى غَايَة للتأمل، والطباق فِي علم البديع عبارَة عَن الْجمع بَين مَعْنيين مُتَقَابلين (فهم) من السِّيَاق، والسياق أَن مَدْلُول الْكَلَام أَنا (أَحللنَا لَك بِمهْر وَبلا مهر) خَالِصَة هَذِه الْخصْلَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ (وتعليل الِاخْتِصَاص بِنَفْي الْحَرج) فِي قَوْله تَعَالَى - {لكيلا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج} - بعد قَوْله خَالِصَة لَك (يُنَادي بِهِ) أَي بِرُجُوعِهِ إِلَى نفي الْمهْر (زِيَادَة) حَال من ضمير يُنَادي: أَي التَّعْلِيل الْمَذْكُور يُنَادي بِمَا ذكره حَال كَونه زَائِدا فِي إِفَادَة المُرَاد على مَا يدل عَلَيْهِ بِالتَّأَمُّلِ

الْمَذْكُور (إِذْ هُوَ) أَي الْحَرج (فِي لُزُوم المَال لَا فِي ترك لفظ) يَعْنِي الْهِبَة قصدا (إِلَى) لفظ (آخر) لَا على سَبِيل التَّعْيِين (بِالنِّسْبَةِ إِلَى أقدر الْخلق على التَّعْبِير) عَن مُرَاده لِأَنَّهُ أفْصح الْعَرَب والعجم فَإِن لم يُوسع عَلَيْهِ بتجويز لفظ الْهِبَة فِي تزَوجه فَعنده وسعة من الْأَلْفَاظ الْأُخَر فَلَا يلْزم حرج عَلَيْهِ (وَمِنْه) وَمن الحكم الْمُخْتَص بمحله الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بِمَا يمْنَع عَن تَعْلِيله (مَا عقل مَعْنَاهُ) حَال كَونه وَاقعا (على خلاف مُقْتَضى) على صِيغَة الْمَفْعُول (مُقْتَض شَرْعِي كبقاء صَوْم) الصَّائِم (النَّاسِي) الْآكِل أَو الشَّارِب (مَعَ عدم الرُّكْن) وَهُوَ الْكَفّ عَن المفطرات، إِذْ بَقَاؤُهُ مَعَ عدم رُكْنه (معدول) أَي مَصْرُوف (عَن مُقْتَضى عدم الرُّكْن) إِذْ مُقْتَضَاهُ بطلَان الصَّوْم لِأَن الشَّيْء لَا يبْقى مَعَ عدم رُكْنه كَمَا أَن من نسي فَترك ركنا من الصَّلَاة تفْسد صلَاته كَمَا لَو تَركه عَامِدًا غير أَن النَّص سلم بِبَقَائِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وسيشير إِلَى وَجه معقولية مَعْنَاهُ وَأَنه لَا يجوز تَعْلِيله بِسَبَب ذَلِك الْمُقْتَضى. (فَإِن قيل لما علل دَلِيل التَّخْصِيص) أَي لما جَازَ تَعْلِيل النَّص الدَّال على تَخْصِيص عُمُوم انْتِفَاء الشَّيْء بِانْتِفَاء رُكْنه وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " تمّ على صومك فَإِنَّمَا أطعمك الله " الحَدِيث بِمَا عدا صُورَة النسْيَان بِنَاء على رَأْي من يجوز تَعْلِيل دَلِيل التَّخْصِيص (لزم مجيزي تَخْصِيص الْعلَّة من الْحَنَفِيَّة تَعْلِيله) أَي تَعْلِيل دَلِيل التَّخْصِيص الْمَذْكُور (لإلحاق الْمُخطئ) كمن تمضمض فسبقه المَاء إِلَى جَوْفه (وَالْمكْره والمصبوب فِي حلقه) المَاء وَهُوَ صَائِم بِعَدَمِ قصد الْجِنَايَة صلَة التَّعْلِيل، قد اخْتلف فِي جَوَاز تَخْصِيص الْعلَّة فَمن جوزه من الْحَنَفِيَّة لزمَه تَعْلِيل النَّص الْمَذْكُور، وَمِنْهُم من جوزه فالمجوز إِن علل النَّص الْمَذْكُور (ب) عِلّة (عدم قصد الْجِنَايَة) فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الْمَحْذُور بِأَن يُقَال هَذِه الْعلَّة منقوضة بِكَذَا وَكَذَا كَتَرْكِ ركن الصَّلَاة نَاسِيا لِأَنَّهُ يخصصها على وَجه لَا ينْتَقض بِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ لَزِمَهُم لأَنهم مِمَّن يجوز تَعْلِيل دَلِيل التَّخْصِيص والضرورة وَهِي إِلْحَاق مَا ذكر دعت إِلَى التَّعْلِيل بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة، وَالْمَانِع وَهُوَ النَّقْض مَدْفُوع بتخصيص الْعلَّة، وَعند وجود الْمُقْتَضى وَدفع الْمَانِع يلْزم أَن يعْمل بالمقتضى وَالله أعلم (كالشافعي) مُتَعَلق بقوله تَعْلِيله أَي تعليلا كتعليله (لكِنهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (اتَّفقُوا على نَفْيه) أَي التَّعْلِيل الْمَذْكُور للإلحاق (فَالْجَوَاب أَن ظنهم) أَي الْحَنَفِيَّة (أَنه) أَي التَّخْصِيص للناسي ثَابت (بعلة منصوصة هِيَ قطع نِسْبَة الْفِعْل) الْمُفطر (عَن الْمُكَلف) صلَة الْقطع (مَعَ النسْيَان وَعدم الْمُذكر) لَهُ بِالصَّوْمِ إِذْ لَا هَيْئَة لَهُ مُخَالفَة للهيئة القادمة وَقَوله مَعَ النسْيَان إِلَى آخِره حَال من الْفِعْل مشْعر بِمَا يُنَاسب الْمَقْصُود من الْقطع عَنهُ (إِلَيْهِ تَعَالَى بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَعَلق بمنصوصه (تمّ على صومك فَإِنَّمَا أطعمك الله وسقاك) هَذَا لفظ الْهِدَايَة، وَفِي صَحِيح ابْن حبَان وَسنَن الدَّارَقُطْنِيّ " أتم صومك فَإِن الله أطعمك وسقاك " وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ " وَلَا قَضَاء عَلَيْك " (لِأَنَّهُ) أَي قطع نِسْبَة الْفِعْل

إِلَيْهِ تَعَالَى (فَائِدَته) أَي قَوْله تَعْلِيل لكَونه نصا فِيمَا ذكر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْقطع الْمَذْكُور مَقْصُودا بِهِ (فمعلوم أَنه الْمطعم) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ (مُطلقًا) أَي فَلَا يبْقى للْكَلَام فَائِدَة لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنه الْمطعم فِي كل أكل سَهوا كَانَ أَو عمدا (وقطعه) أَي الشَّارِع نِسْبَة للْفِعْل (مَعَه) أَي النسْيَان الْمَذْكُور (وَهُوَ) أَي النسْيَان (جبلي لَا يُسْتَطَاع الاحتراس عَنهُ بِلَا مُذَكّر) الْجَار مُتَعَلق بقوله لَا يُسْتَطَاع، وَهُوَ صفة قَوْله جبلي، وَالْجُمْلَة الاسمية حَال عَن ضمير النسْيَان فِي مَعَه وَقَوله بِلَا مُذَكّر يُشِير إِلَى أَنه تَعَالَى الْمُذكر فَإِن قلت الْأَمر الْجبلي لَا يَدْفَعهُ شَيْء قلت لَيْسَ كَونه جبليا بِمَعْنى أَن الطبيعة تَقْتَضِيه ضَرُورَة بل كَونه بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيع الْإِنْسَان أَن يحترس عَنهُ بِلَا مُذَكّر، وَمَعَ الْمُذكر وُقُوعه نَادِر فَهُوَ عِنْد ذَلِك ينْسب إِلَى التَّقْصِير فَلَا يستأصل لِأَن قطع نِسْبَة الْفِعْل عَنهُ إِلَيْهِ تَعَالَى، وَخبر قَوْله وقطعه قَوْله (لَا يستلزمه) أَي الْقطع عَنهُ إِلَيْهِ تَعَالَى (فِيمَا هُوَ دونه) أَي فِيمَا دون جبلي لَا يُسْتَطَاع الاحتراس عَنهُ بِلَا مُذَكّر، وَإِنَّمَا وصف النسْيَان الْمَذْكُور بذلك إشعارا بِمَا هُوَ مُوجب لقطع النِّسْبَة عَن الْمُكَلف إِلَيْهِ تَعَالَى ليَكُون كالدليل على عدم الاستلزام الْمَذْكُور. ثمَّ لما بَين أَن عِلّة الْقطع مَجْمُوع الْأَوْصَاف الجبلية وَعدم إِمْكَان الاحتراس وَعدم الْمُذكر لزم أَن ينتفى الْمَعْلُول بِانْتِفَاء كل وَاحِد مِنْهَا فَأخذ بَين ذَلِك وَبَدَأَ بِانْتِفَاء الْأَخير. فَقَالَ (مَعَ مُذَكّر) حَال عَن الْمَوْصُول أَي لم يقطع مَا دونه حَال كَونه مَعَ مُذَكّر من حَيْثُ النِّسْبَة، مِثَال الْمُذكر (كَالصَّلَاةِ) أَي كَهَيئَةِ الصَّلَاة (ففسدت) الصَّلَاة (فعله مُفسد) فَلَعَلَّهُ الْمُصَلِّي (سَاهِيا) ثمَّ بَين مَا انْتَفَى فِيهِ الثَّانِي بقوله (وَمَا يُمكن الاحتراس) عَنهُ، مِثَاله (كالخطأ، وَلذَا) أَي كَون الْخَطَأ مِمَّا يُمكن الاحتراس عَنهُ (ثَبت عدم اعْتِبَاره) فِي الشَّرْع مسْقطًا للمجازاة بِالْكُلِّيَّةِ (فِي خطأ الْقَتْل فَأوجب) الشَّارِع بِهِ (الدِّيَة) بدل الْمحل (حَقًا للْعَبد) فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن مُوجب تَعْلِيل الشَّافِعِي بَقَاء الصَّوْم بعلة قصد الْجِنَايَة بطلَان حق العَبْد فِي قتل الْخَطَأ لعدم قصد الْجِنَايَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (مَعَ تحقق مَا عينه) الشَّافِعِي فِي مقَام التَّعْلِيل فِيمَا نَحن (فِيهِ) أَي فِي الْقَتْل الْخَطَأ طرف الْحجَّة لتحَقّق مَا عينه فَلَزِمَ الدِّيَة إِجْمَاعًا فِي الْقَتْل الْخَطَأ يرد عَلَيْهِ فِي تعْيين مَا عينه (و) أوجب (الْكَفَّارَة) تأهبا (لتَقْصِيره) أَي الْقَاتِل خطأ فِي التحفظ فِيمَا يُسْتَطَاع الاحتراس عَنهُ فَلم يسْقط فِيهِ إِلَّا الْإِثْم بِمُوجب " رفع عَن أمتِي " الحَدِيث ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يَنْفِي الأول بقوله (وَالْمكْره أمكنه الالتجاء) إِلَى من يخلصه من الْمُكْره (والهرب) مِنْهُ (وَلَو عجز) عَن الالتجاء والهرب (وانقطعت النِّسْبَة) أَي نِسْبَة الْفِعْل عَنهُ بِسَبَب الْعَجز (صَارَت) النِّسْبَة (إِلَى غَيره تَعَالَى أَعنِي الْمُكْره كَفعل الصب) أَي كانقطاع نِسْبَة فعل الصب عَن المصبوب فِي عِلّة (نسب) فعل الصب (إِلَى العَبْد لَا إِلَيْهِ تَعَالَى حَتَّى أثمه) أَي أَثم الله

تَعَالَى الصاب أَو أَثم الصاب إِلَيْهِ (فانتفت الْعلَّة) الْمُعَلل بهَا دَلِيل التَّخْصِيص وَهُوَ قطع نِسْبَة الْفِعْل عَن الْمُكَلف مَعَ النسْيَان وَعدم الْمُذكر إِلَيْهِ تَعَالَى فِي الصُّور الْمَذْكُورَة فَلَا يحوز إلحاقها بالناسي فِي بَقَاء الصَّوْم (وَمِنْه) أَي وَمن الحكم الْمُخْتَص بمحله الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بِمَا يمْنَع من التَّعْلِيل (تقوم الْمَنَافِع فِي الْإِجَارَة) ثَبت بِالنَّصِّ واختص بمحله لما سَيَأْتِي (يمنعهُ) أَي تقومها فِي الْإِجَارَة (الْقيَاس على الْحَشِيش وَالصَّيْد) وَصُورَة الْقيَاس (هَكَذَا لم تحرز) للمنافع كَمَا أَنه لم يحرز الْحَشِيش وَالصَّيْد (فَلَا مَالِيَّة) لَهَا لِأَن الْمَالِيَّة بالإحراز وَالدُّخُول تَحت الْيَد (فَلَا تقوم) إِذْ لَا قيمَة إِلَّا لِلْمَالِ (كالصيد قبل) الِاصْطِيَاد، والحشيش قبل الاحتشاش فِي عدم (الْإِحْرَاز) والمالية والتقوم (أما الأول) أَي أَنَّهَا لم تحرز (فَلِأَنَّهَا) أَي الْمَنَافِع (أَعْرَاض متصرمة) أَي متلاشية مضمحلة بِمُجَرَّد الْوُجُود (فَلَو قُلْنَا بِبَقَاء شخص الْعرض) فِي الْجُمْلَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ غير الْأَشْعَرِيّ فِيمَا نَحن فِيهِ (لم يكن مِنْهُ) أَي مِمَّا نقُول بِبَقَائِهِ، بل مِمَّا لَا بَقَاء لَهُ بِإِجْمَاع الْعُقَلَاء (ثمَّ الْمَالِيَّة بالإحراز والتقوم بالمالية فَلَا يلْحق بِهِ) أَي بتقويم الْمَنَافِع فِي الْإِجَارَة (غصبهَا) أَي غصب الْمَنَافِع بإتلافها وتعطيلها (إِذْ لَا جَامع مُعْتَبر) بَينهمَا فِي ذَلِك شرعا (لتَفَاوت الْحَاجة) الَّتِي كَانَت الْمَنَافِع بِسَبَبِهَا مُتَقَومَة (وَعدم ضبط مرتبَة) مُعينَة مِنْهَا يناط التَّقْوِيم بهَا (كمشقة السّفر) فَإِنَّهُ لما لم تكن الْمَشَقَّة فِيهِ منضبطة للتفاوت بَين مراتبها نيط حكم الْقصر بِمَشَقَّة السّفر، وَكَانَ مشقة السّفر أَيْضا غير منضبطة نيط بِأَصْل السّفر (فنيط) تقوم الْمَنَافِع (بِعقد الْإِجَارَة) لِأَنَّهُ مظنتها كالسفر. وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَن عدم تقوم مَنَافِع الْغَصْب فتح لباب الْعدوان أَشَارَ إِلَى دَفعه بقوله (وَالْحَاجة لدفع الْعدوان تدفع بالتعزيز) على ارْتِكَاب الْمحرم، وَهُوَ الْغَصْب (وإحرازها) أَي الْمَنَافِع (بِالْمحل) وَهُوَ الْمَغْصُوب إِحْرَاز (ضمني) ثَبت بتبعية إِحْرَاز الْمحل والضمني (غير مضمن كالحشيش النَّابِت فِي أرضه) فَإِنَّهُ مُحرز تبعا لإحراز الأَرْض، وَلَا ضَمَان على متلفه اتِّفَاقًا (وَلَو سلم) أَن الْإِحْرَاز المضمني كالقصدي فِي التَّضْمِين (ففحش تفَاوت الْمَالِيَّة) بَين الْمَنَافِع الَّتِي هِيَ الْأَعْرَاض وَبَين الْأَعْيَان الَّتِي تلْزم الْغَاصِب عِنْد إِتْلَاف الْمَنَافِع على تَقْدِير التقوم والتضمين (يمْنَع) أَي فحش التَّفَاوُت (ضَمَان الْعدوان الْمَبْنِيّ) صفة الضَّمَان (على) اشْتِرَاط (الْمُمَاثلَة) بَين قطعه بِالتَّعَدِّي، وَمَا وَجب عَلَيْهِ فِي مُقَابلَته مجازاة بقوله - {فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} - {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} - ومدار الْمُمَاثلَة على الْمُسَاوَاة فِي الْمَالِيَّة، وَقد عرفت انتفاءها بَين الْمَنَافِع والأعيان (بِخِلَاف الْفَاكِهَة مَعَ النَّقْد) جَوَاب سُؤال وَهُوَ أَنكُمْ ضمنتم متْلف الْفَاكِهَة بِالنَّقْدِ مَعَ عدم الْمُمَاثلَة لكَون الْفَاكِهَة مِمَّا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد بِخِلَاف النَّقْد، وَالْمعْنَى أَن اشْتِرَاط الْمُمَاثلَة يمْنَع ضَمَان الْعدوان بِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ لَا يمْنَع

الضَّمَان فيهمَا لوُجُود الْمُمَاثلَة بَينهمَا فِي الْجُمْلَة (لاتصافهما) أَي الْفَاكِهَة والنقد (بالاستقلال بالوجود والبقاء) فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُوجد مُسْتقِلّا من غير أَن يكون تَابعا لوُجُود شَيْء آخر كتبعية الْمَنَافِع للمحال، وَلذَلِك يسْتَقلّ بِالْبَقَاءِ وَإِن اخْتلفَا فِي زمَان الْبَقَاء بِخِلَاف الْمَنَافِع فَإِنَّهُ لَا اسْتِقْلَال لَهَا بالوجود وَلَا بَقَاء لَهَا أصلا (والتفاوت) بَينهمَا (فِي قدره) أَي فِي مِقْدَار زمَان الْبَقَاء (لَا يعْتَبر) لِأَن قدره غير مضبوط فأدير الحكم على نفس الْبَقَاء دفعا للْحَرج (وسره) أَي سر عدم اعْتِبَار الْمُسَاوَاة فِي الْبَقَاء (أَن اعْتِبَار الْمُسَاوَاة لَا يُجَاب الْبَدَل إِنَّمَا هُوَ حَال الْوُجُوب) أَي وجوب الْبَدَل (لِأَنَّهُ) أَي حَال الْوُجُوب (حَال إِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر والتساوي) بَين الْبَدَلَيْنِ الْفَاكِهَة والنقد (فِيهِ) أَي فِي الِاسْتِقْلَال بالوجود والبقاء (إِذْ ذَاك) أَي حَال الْوُجُوب (ثَابت) فَلَا يضر التَّفَاوُت فِي الْبَقَاء بعد ذَلِك. (وَمِنْه) أَي من الحكم الْمُخْتَص بمحله الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بِمَا يمْنَع من التَّعْلِيل (حل مَتْرُوك التَّسْمِيَة) تركا (نَاسِيا) أَي ذَا نِسْيَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " فَإِن نسي أَن يُسَمِّي حِين يذبح فليسم وليذكر الله ثمَّ ليَأْكُل " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ إِلَى غير ذَلِك (على خلاف الْقيَاس) مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ حَال من ضمير الْمُبْتَدَأ أَعنِي حل المستكن فِي الظّرْف (على ترك شَرط الصَّلَاة) قَوْله على صلَة الْقيَاس وَذَلِكَ أَنه إِذا ترك شَرط الصَّلَاة من الطَّهَارَة أَو غَيرهَا (نَاسِيا لَا تصح) الصَّلَاة عِنْد ذَلِك (حَتَّى وَجَبت) إِعَادَتهَا (إِذا ذكر) مَا تَركه، وَكَانَ مُقْتَضى هَذَا أَن لَا يحل مَتْرُوك التَّسْمِيَة نَاسِيا لفَوَات شَرط حلّه، وَهُوَ التَّسْمِيَة. قَالَ الله تَعَالَى - {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} - وَإِذا كَانَ على خلاف الْقيَاس (فَلَا يلْحق بِهِ) أَي بمتروك التَّسْمِيَة نَاسِيا (الْعمد) أَي مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا، سمي بالعمد مُبَالغَة، أَو الْمَعْنى لَا يلْحق بِالنِّسْيَانِ الْعمد على الْمُسَامحَة لِأَن خلاف الْقيَاس مقتصر على مورد النَّص، وَلَيْسَ الْعمد فِي مَعْنَاهُ لَو فرض كَونه مَعْقُول الْمَعْنى (لعدم) الْجَامِع (الْمُشْتَرك) بَينهمَا لِأَن النَّاسِي مَعْذُور غير معرض عَن ذكر الله تَعَالَى، والعامد جَان معرض عَنهُ (وَلِأَنَّهُ) لَو ألحق الْعَامِد بِهِ (لم يبْق تَحت الْعَام شَيْء) من أَفْرَاده يَعْنِي قَوْله {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} لِأَن مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ لَا يَخْلُو من أحد الْأَمريْنِ إِمَّا مَتْرُوك التَّسْمِيَة نِسْيَانا وَإِمَّا متروكها عمدا (فَينْسَخ) الْكتاب (بِالْقِيَاسِ) أَي بِقِيَاس الْعمد على النسْيَان وَهُوَ غير جَائِز (وَفِيه) أَي فِي هَذَا الدَّلِيل (نظر يَأْتِي) فِي الْكَلَام فِي فَسَاد الِاعْتِبَار. (وَمِنْهَا) أَي الشُّرُوط لحكم الأَصْل (أَن يكون) حكم الأَصْل حكما (شَرْعِيًّا فَلَا قِيَاس فِي اللُّغَة) بِأَن يُقَاس معنى على معنى فِي التَّسْمِيَة باسم لِكَوْنِهِمَا مشتركين فِيمَا يُنبئ عَنهُ الِاسْم (وَتقدم) هَذَا الشَّرْط فِي المبادئ اللُّغَوِيَّة (وَلَا فِي العقليات) كقياس الْغَائِب على الشَّاهِد كَمَا يُقَال العالمية فِي

الشَّاهِد: أَي الْمَخْلُوق معللة بِالْعلمِ، فَكَذَا فِي الْغَائِب عَن الْحس: أَي الْخَالِق (خلافًا لأكْثر الْمُتَكَلِّمين) فَإِنَّهُم جوزوه فِيهَا إِذا تحقق جَامع عَقْلِي كالعلة، أَو الْحَد، أَو الشَّرْط، أَو الدَّلِيل، وَإِنَّمَا لَا يكون الْقيَاس فِي العقليات (لعدم إِمْكَان إِثْبَات المناط) أَي منَاط الحكم فِي الأَصْل (فَلَو أثبت حرارة حُلْو قِيَاسا) مفعول لَهُ للإثبات (على الْعَسَل لَا تثبت عَلَيْهِ الْحَلَاوَة) للحرارة (إِلَّا أَن استقرئ) أَي بِأَن استقرئ: أَي تتبع كل حُلْو فَوجدَ حارا، وَيحْتَمل أَن تكسر الْهمزَة بِمَعْنى إِذا (فَتثبت) حِينَئِذٍ عَلَيْهِ الْحَلَاوَة للحرارة (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الحلو (بِهِ) أَي بالاستقراء كَذَا قَالَ الشَّارِح، وَالصَّوَاب فَتثبت حِينَئِذٍ الْحَرَارَة فِي ذَلِك الحلو بالاستقراء لِأَن الثَّابِت بِالْقِيَاسِ حكم الْفَرْع، لَا علية الْعلَّة وَهُوَ ظَاهر (لَا بِالْقِيَاسِ فَلَا أصل وَلَا فرع) لِأَنَّهُمَا فرع الْقيَاس، وَهُوَ مَعْدُوم حِينَئِذٍ فَإِن قلت لَا نسلم أَن الْعلية فِيهَا لَا تثبت إِلَّا بالاستقراء قلت: لَو ثَبت عليتها بِدَلِيل آخر صَحَّ أَيْضا قَوْلنَا فَتثبت بِهِ لَا بِالْقِيَاسِ من غير تفَاوت، لِأَن مَدْلُول ذَلِك الدَّلِيل علية الْحَلَاوَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَرَارَة مَعَ قطع النّظر عَن محلهَا الْمَخْصُوص كالعسل، بِخِلَاف الْعِلَل الشَّرْعِيَّة فَإِن النَّص أَو الاستنباط يُفِيد عليتها بِالنِّسْبَةِ إِلَى الحكم الْمُضَاف إِلَى الْمحل الْخَاص وَهُوَ الأَصْل ابْتِدَاء، ثمَّ يجرد الحكم عَن خُصُوصِيَّة الْمحل فَيجْعَل الْمَعْلُوم نفس الحكم وَيقطع النّظر عَن خُصُوصِيَّة الْمحل (وَعنهُ) أَي عَن لُزُوم حكم الْفَرْع بِالْقِيَاسِ (اشْترط عدم شُمُول دَلِيل حكم الأَصْل الْفَرْع) خلافًا لمشايخ سَمَرْقَنْد، إِذْ لَو شَمله ابْتِدَاء كَانَ نِسْبَة ذَلِك الدَّلِيل إِلَى حكم الْفَرْع كنسبته إِلَى حكم الأَصْل فَلَا يبْقى لأصالته وَجه (وَبِهَذَا) أَي مَا اشْترط من عدم الشُّمُول (بَطل قياسهم) أَي الْمُتَكَلِّمين (الْغَائِب على الشَّاهِد فِي أَنه) أَي الشَّاهِد (عَالم بِعلم) هُوَ صفة زَائِدَة على الذَّات ردا على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ زَعَمُوا أَن علمه تَعَالَى عين ذَاته كَسَائِر صِفَاته (مَعَ فحش الْعبارَة) حَيْثُ أطْلقُوا عَلَيْهِ الْغَائِب وَإِن أَرَادوا الْغَيْبَة عَن الْحس، فَإِن الْفَاحِش من الْكَلَام مَا يستهجن ذكره، {وَالله لَا يعزب عَنهُ شَيْء - وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم} - وَإِنَّمَا بَطل قياسهم (لِأَن ثُبُوته) أَي الْعلم (فيهمَا) أَي الْخَالِق والمخلوق (بِاللَّفْظِ لُغَة) أَي بِمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر اللَّفْظ من حَيْثُ اللُّغَة (وَهُوَ) أَي مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ لُغَة (أَن الْعَالم من قَامَ بِهِ) الْعلم فِي لُغَة الْعَرَب، وَإِثْبَات صِفَات الْحق بِمَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ من حَيْثُ الْوَضع مَعَ أَن الْمجَاز فِي الْكتاب وَالسّنة أَكثر من أَن يُحْصى رجم بِالْغَيْبِ (وثمرته) أَي كَون حكم الأَصْل شَرْعِيًّا تظهر (فِي قِيَاس النَّفْي) وَهُوَ قِيَاس يكون حكم الأَصْل فِيهِ نفيا سَوَاء كَانَ حكم الْفَرْع فِيهِ أَيْضا نفيا أَو وجود مَا (لَو كَانَ) النَّفْي (أَصْلِيًّا) بِأَن لَا يكون حَادِثا (فِي الأَصْل امْتنع) الْقيَاس عَلَيْهِ (لعدم مناطه) أَي النَّفْي الْأَصْلِيّ، لِأَن المناط وصف اعْتَبرهُ الشَّارِع وَجعله إجَازَة لحكم شَرْعِي، والعدم الْأَصْلِيّ لَيْسَ بِحكم شَرْعِي لِأَنَّهُ

لَا يصلح لِأَن يكون مَطْلُوبا من العَبْد لِاسْتِحَالَة طلب حُصُول الْحَاصِل (بِخِلَافِهِ) أَي النَّفْي إِذا كَانَ (شَرْعِيًّا) بِأَن لَا يكون أَصْلِيًّا بل عدما حَادِثا مَطْلُوبا من العَبْد كَعَدم الْإِتْيَان بالمحرم بِمَعْنى كف النَّفس عَنهُ، وكالعدم الطَّارِئ على الْوُجُود (يَصح) الْقيَاس عَلَيْهِ (بِوُجُودِهِ) أَي بِسَبَب وجود مناطه فِيهِ (وَهُوَ) أَي المناط (عَلامَة شَرْعِيَّة) نصبها الشَّارِع على حكم شَرْعِي وَالنَّفْي إِذا كَانَ حكما شَرْعِيًّا يصلح لِأَن ينصب لَهُ، فَلَا يُقَال: إِن الْعَدَم الْأَصْلِيّ أَيْضا لَهُ عِلّة لِأَنَّهُ إِن كَانَ عدما مُطلقًا فعلته عدم عِلّة الْوُجُود الْمُطلق، وَإِن كَانَ عدما مُضَافا فعلته عدم عِلّة وجود مَا أضيف إِلَيْهِ، لِأَن الْكَلَام فِي الْعِلَل الشَّرْعِيَّة المنصوبة على الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة كَمَا عرفت لَا فِي الْعِلَل الْحكمِيَّة، وَسَيَأْتِي لَك بَيَان لهَذَا الْمَعْنى. (وَمِنْهَا) أَي شُرُوط حكم الأَصْل (أَن لَا يكون) حكم الأَصْل (مَنْسُوخا للْعلم بِعَدَمِ اعْتِبَار) الْوَصْف (الْجَامِع) فِيهِ للشارع لزوَال الحكم مَعَ ثُبُوت الْوَصْف فِيهِ فَلَا يتَعَدَّى الحكم بِهِ إِذا لم يبْق الاستلزام الَّذِي كَانَ دَلِيلا للثبوت. (وَمِنْهَا) أَي أَي من شُرُوط حكم الأَصْل (أَن لَا يثبت) حكم الأَصْل (بِالْقِيَاسِ بل بِنَصّ أَو إِجْمَاع) كَمَا هُوَ معزو إِلَى الْكَرْخِي وَجُمْهُور الشَّافِعِيَّة، وَفِي البديع هُوَ الْمُخْتَار (وَهَذَا) معنى (مَا يُقَال أَن لَا يكون) حكم الأَصْل (فرعا) أَي حكم فرع (لاستلزامه) أَي كَون حكم الأَصْل فرعا تحقق (قياسين) أَحدهمَا مقدم وَهُوَ الَّذِي فَرعه صَار أصلا فِي الْقيَاس الثَّانِي (فالجامع إِن اتَّحد فيهمَا كالذرة) أَي كقياس الذّرة (على السمسم بعلة الْكَيْل، ثمَّ هُوَ) أَي السمسم بل قِيَاسه (على الْبر) بعلة الْكَيْل (فَلَا فَائِدَة فِي الْوسط) الَّذِي هُوَ السمسم (لَا مَكَانَهُ) أَي قِيَاس الذّرة (على الْبر، وَإِنَّمَا هِيَ) أَي هَذِه المناقشة (مشاحة لفظية) لِأَن الْمُعْتَرض معترف بِصِحَّة قِيَاس الذّرة على السمسم، غير أَنه يَقُول: تَطْوِيل للمسافة بِغَيْر فَائِدَة وَقد يُجَاب عَن التَّطْوِيل بِأَنَّهُ قد ينسى أصل الْقيَاس الأول ويتذكر أصل الْقيَاس التَّالِي، والتطويل إِنَّمَا يتَحَقَّق عِنْد تذكرهما مَعًا (أَو اخْتلف) مَعْطُوف على اتَّحد أَي أَو اخْتلف الْجَامِع فيهمَا (كقياس الجذام على الرتق) وَهُوَ التحام مَحل الْجِمَاع بِاللَّحْمِ (فِي أَنه) أَي الرتق (يفْسخ بِهِ النِّكَاح) بِأَن يُقَال يفْسخ النِّكَاح بالجذام كَمَا يفْسخ بالرتق (بِجَامِع أَنه) أَي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا (عيب يفْسخ فِيهِ البيع) وَإِذا اشْتَركَا فِي الْجَامِع الْمَذْكُور فَكَمَا أَنه يفْسخ بالرتق النِّكَاح كَذَلِك يفْسخ بالجذام (فَيمْنَع) الْخصم (فسخ النِّكَاح بالرتق) الَّذِي هُوَ الأَصْل الْمَقِيس عَلَيْهِ (فيعلله) أَي الْمُسْتَدلّ فسخ النِّكَاح بالرتق (بِأَنَّهُ) أَي الرتق (مفوت للاستمتاع) الَّذِي شرع النِّكَاح لَهُ (كالجب) أَي كَمَا أَن الْجب قطع الذّكر مفوت للاستمتاع الْمَذْكُور وَقد ثَبت فسخ النِّكَاح بالجب مَنْصُوصا عَلَيْهِ فَيلْحق بِهِ الرتق لاشْتِرَاكهمَا فِي الْجَامِع الْمَذْكُور: أَعنِي تَفْوِيت الِاسْتِمْتَاع

(وَهَذِه) الْعلَّة بِمَعْنى تَفْوِيت الِاسْتِمْتَاع (لَيست) مَوْجُودَة (فِي الْفَرْع الْمَقْصُود بالإثبات) أَي الَّذِي قصد إِثْبَات فسخ النِّكَاح فِيهِ، يَعْنِي الجذام لِأَنَّهُ غير مفوت للاستمتاع. (وَمَا نقل عَن الْحَنَابِلَة وَأبي عبد الله الْبَصْرِيّ من تجويزه) أَي تَجْوِيز الْقيَاس على فرع قِيَاس آخر مَعَ اخْتِلَاف الْجَامِع (لتجويز أَن يثبت) الحكم (فِي الْفَرْع بِمَا لم يثبت فِي الأَصْل) أَي بعلة وَوصف لم يثبت بِهِ الحكم فِي الأَصْل (كالنص وَالْإِجْمَاع) يَعْنِي كَمَا أَنه يثبت الحكم فِي الأَصْل بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع وَالْفرع بِغَيْرِهِمَا، وَهُوَ الْقيَاس كَذَلِك يثبت فِي الأَصْل بعلة وَفِي الْفَرْع بِأُخْرَى فَقَوله كالنص وَالْإِجْمَاع لَيْسَ تمثيلا للموصول فِي قَوْله بِمَا لم يثبت فِي الأَصْل، إِذْ لَا معنى لَهُ بل لتشبيه مَا لم يثبت بِهِ فِي الأَصْل بهما فِي الِاخْتِصَاص بِأحد الْحكمَيْنِ وَعدم التحقق فِي الآخر (يبعد صدوره) أَي صُدُور مَا نقل عَنْهُم (مِمَّن عقل الْقيَاس) وَفهم مَعْنَاهُ (فَإِن ذَاك) أَي ثُبُوت حكم الأَصْل بِدَلِيل غير مَا ثَبت بِهِ حكم الْفَرْع (فِي أصل لَيْسَ فرع قِيَاس) وَلَا مَحْذُور فِي ذَلِك، لِأَن حَاصله يرجع إِلَى أَن الشَّارِع نصب لحكم الأَصْل دَلِيلا ظَاهرا، وَهُوَ النَّص أَو الْإِجْمَاع وأمارة خُفْيَة، وَهُوَ الْعلَّة المثيرة لَهُ وَلم ينصب لحكم الْفَرْع إِلَّا أَمارَة خُفْيَة هِيَ بِعَينهَا تِلْكَ الْعلَّة المثيرة وَحَاصِل الْقيَاس إِظْهَار مُسَاوَاة الْحكمَيْنِ فِي الأمارة الْمَذْكُورَة، فَلَا بُد فِي الْقيَاس من الْمُسَاوَاة بَينهمَا بعلة وَاحِدَة مثيرة للْحكم فيهمَا، وَإِذا فرض كَون مثير حكم الأَصْل الَّذِي هُوَ فرع فِي الْقيَاس الْمُقدم غير مثير حكم الْفَرْع فِي الثَّانِي لزم عدم تحقق معنى الْقيَاس، وَهُوَ ظَاهر فَإِن قلت: مدَار الْجَواب وجود تِلْكَ الأمارة وَعدمهَا، لَا نفي الفرعية ووجودها قلت: الفرعية المعللة بِوَصْف لَا يُوجد فِي الْفَرْع الثَّانِي يسْتَلْزم عدم وجودهَا، فنفي الفرعية كِنَايَة عَن عدم مَا يسْتَلْزم ذَلِك، مَعَ أَن وجودهَا فِيمَا اسْتشْهدُوا بِهِ ظَاهر لَا يحْتَاج إِلَى الذّكر (هَذَا) الْمَذْكُور (إِذا كَانَ الأَصْل) فِي الْقيَاس الْمُتَأَخر (فرعا يُوَافقهُ الْمُسْتَدلّ) لكَون حكمه على وفْق مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (لَا الْمُعْتَرض) لكَونه على خلاف ذَلِك (فَلَو) كَانَ الأَصْل (قلبه) أَي عكس مَا ذكر بِأَن كَانَ فرعا لَا يُوَافقهُ الْمُسْتَدلّ وَيُوَافِقهُ الْمُعْتَرض (فَلَا يعلم فِيهِ) أَي فِي قلبه قَول (الإعدام الْجَوَاز) مِثَاله (كشافعي) أَي كَقَوْلِه (فِي نفي قتل الْمُسلم بالذمي) أَي بقتْله الذِّمِّيّ قصاصا قتل الْمُسلم لَهُ قتل (تمكنت فِيهِ شُبْهَة) وَهِي عدم التكافؤ فِي الشّرف المنشئ عَنهُ الْقصاص (فَلَا يقتل) الْمُسلم (بِهِ) أَي بالذمي (كَمَا) لَا يقتل الْقَاتِل (بالمثقل) لتمكن شُبْهَة العمدية والشبهة دارئة للحد، وَإِنَّمَا لم يجز (لاعْتِرَافه) أَي الْمُسْتَدلّ (بِبُطْلَان دَلِيله بِبُطْلَان مقدمته) أَي مُقَدّمَة ضَرُورَة بطلَان الْكل بِبُطْلَان الْجُزْء، لِأَن الْمُسْتَدلّ يثبت الْقصاص عِنْده بالمثقل (وَلَو) كَانَ هَذَا (فِي مناظرة) لم يقْصد بهَا الْمُسْتَدلّ إِثْبَات الْمطلب (فَأَرَادَ) بهَا (الْإِلْزَام) للمعترض الْحَنَفِيّ

مثلا (لم يلْزم) تَسْلِيمه الْمُعْتَرض (لجَوَاز قَوْله) أَي الْمُعْتَرض (هِيَ) أَي الْعلَّة فِي الأَصْل وَهُوَ الْقَتْل بالمثقل (عِنْدِي غير مَا ذكرت) من تمكن شُبْهَة العمدية وَلَا يجب عَليّ بَيَانهَا فِي عرف المناظرة وَفِيه مَا فِيهِ (أَو اعْترف بخطئي فِي الأَصْل) وَهُوَ الْقَتْل بالمثقل فَلَا يضرني ذَلِك الْفَرْع الَّذِي قسته عَلَيْهِ، وَهُوَ قتل الْمُسلم بالذمي. (وَمِنْهَا) أَي من شُرُوط حكم الأَصْل (فِي كتب الشَّافِعِيَّة) مُعْتَرضَة: أَي ذكر فِيهَا، وَقَوله (أَن لَا يكون) حكم الأَصْل (ذَا قِيَاس مركب) مُبْتَدأ خَبره الظّرْف الْمُقدم، وَمعنى كَونه ذَا قِيَاس مركب ثُبُوته (وَهُوَ) أَن الْقيَاس الْمركب (أَي يسْتَغْنى) الْمُسْتَدلّ (عَن إِثْبَات حكم الأَصْل) للْأَصْل بِالدَّلِيلِ (بموافقة الْخصم) مَعَه (عَلَيْهِ) أَي على ثُبُوته للْأَصْل من غير أَن يكون مَنْصُوصا أَو مجمعا عَلَيْهِ. ثمَّ الْقيَاس الْمركب قِسْمَانِ: أَحدهمَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (مَانِعا علية وصف الْمُسْتَدلّ) حَال من الْخصم لكَونه فَاعِلا للموافقة بِحَسب الْمَعْنى، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْخصم أَيْضا يُعلل حكم الأَصْل لَكِن بِوَصْف آخر كَمَا صرح بِهِ بقوله (معينا) عِلّة (أُخْرَى على أَنَّهَا) أَي الْعلَّة الَّتِي عينهَا (إِن لم تصح منع) أَي الْخصم (حكم الأَصْل) يَعْنِي تَعْيِينه الْعلَّة الْأُخْرَى وَاقع على هَذَا الْوَجْه، وَهُوَ أَنه إِن لم تصح عَلَيْهِ مَا عينه منع حكم الأَصْل، وَلَا يسلم ثُبُوته فِي الأَصْل، فَقَوله على أَنَّهَا حَال عَن الْعلَّة الْأُخْرَى أَي كائنة على أَنَّهَا الخ، أَو عَن ضمير معينا أَي عَازِمًا على أَنَّهَا الخ. وَلما كَانَ محصول هَذَا الْقيَاس إِلْحَاق فرع بِأَصْل حكمه مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْمُسْتَدلّ وخصمه، والخصم يمْنَع كَون ذَلِك الحكم مُعَللا بعلة الْمُسْتَدلّ إِمَّا بِمَنْعه لعليتها أَو لوجودها فِي الأَصْل انقسم إِلَى قسمَيْنِ، فعين المُصَنّف الْقسم الأول بقوله (وَهَذَا) الَّذِي منع فِيهِ الْعلية (مركب الأَصْل لِأَن الْخلاف فِي عِلّة حكم الأَصْل يُوجب اجْتِمَاع قياسيهما) الْمُسْتَدلّ وخصمه (فِيهِ) أَي فِي الأَصْل، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يثبت حكمه بِقِيَاس آخر، وَذَلِكَ لِأَن حكمه لم يثبت بِنَصّ أَو إِجْمَاع كَمَا سَيَأْتِي بل ثَبت بِالْقِيَاسِ، وَعند اخْتِلَافهمَا فِي تعْيين الْعلَّة لزم اخْتِلَاف الْقيَاس فَلَزِمَ اجْتِمَاع قياسهما فِي الأَصْل (فَكَانَ) الْقيَاس بِاعْتِبَار المتخاصمين (مركبا وَهُوَ) أَي اجْتِمَاع القياسين فِي الأَصْل (بِنَاء) أَي مَبْنِيّ (على لُزُوم فرعية الأَصْل) وَقد بَيناهُ آنِفا، (وَلذَا) أَي وَلأَجل لُزُوم فرعيته (صَحَّ مَنعه) أَي الْخصم (حكم الأَصْل بِتَقْدِير عدم صِحَّتهَا) أَي علته على مَا مر (فَلَو) كَانَ حكم الأَصْل ثَابتا (بِنَصّ أَو إِجْمَاع عِنْده) أَي الْخصم (انْتَفَى) مَنعه حكم الأَصْل على تَقْدِير عدم صِحَة مَا ادَّعَاهُ وَصفا مَنُوطًا بِهِ الحكم الْمَذْكُور وَأَشَارَ إِلَى الْقسم الثَّانِي بقوله (أَو) حَال كَون الْخصم مَانِعا (وجودهَا) أَي الْعلَّة نَفسهَا فِي الأَصْل معينا عِلّة أُخْرَى (وَهُوَ) أَو وجودهَا (وصفهَا فمركب الْوَصْف) وبأدنى تَمْيِيز يفرق

بَينهمَا بِاعْتِبَار الْأَصَالَة والوصفية بالتأويل الْمَذْكُور (أَو بِأَدْنَى تَمْيِيز) بَينهمَا، وَفِيه مَا فِيهِ (فَإِن قلت كَيفَ يَصح قَوْله) أَي الْخصم (إِن لم تصح) الْعلَّة الَّتِي عينهَا (منعت حكم الأَصْل وَظُهُور عدم الصِّحَّة) لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة (فرع الشُّرُوع فِي الْإِثْبَات) أَشَارَ إِلَى أَن كل وَاحِد من وَجْهي التَّسْمِيَة مَوْجُود فِي كل من الْقسمَيْنِ، إِذْ اجْتِمَاع القياسين فِي الأَصْل على تَقْدِير منع وجودهَا فِيهِ أَيْضا حَاصِل: كَمَا أَن مورد الْمَنْع فِي الأول أَيْضا وصف: أَعنِي عَلَيْهِ الْعلَّة غير أَن مُلَاحظَة عليتها يكون قبل مُلَاحظَة وجودهَا، فَبِهَذَا الِاعْتِبَار يحسن اعْتِبَار الْأَصَالَة فِي الأول، وَالْوَصْف فِي الثَّانِي، وَهُوَ التَّمْيِيز الْأَدْنَى، وَفِيه مَا فِيهِ (بِدُونِ الْمُطَالبَة بِهِ) أَي الْإِثْبَات (فيعجز) الْمُعْتَرض عَنهُ (وَفِيه) أَي فِي تَصْحِيح هَذَا (قلب الْوَضع) لِأَنَّهُ يَنْقَلِب الْمُسْتَدلّ مُعْتَرضًا، والمعترض مستدلا. أما الأول فَلِأَن الْمُعْتَرض لم يقل إِن لم تصح علتي الخ إِلَّا بعد طعن الْمُسْتَدلّ فِيهَا والاعتراض عَلَيْهَا بِإِظْهَار عدم صِحَّتهَا. وَأما الثَّانِي فَلِأَن قَوْله إِن لم تصح منعت استدلالي. حَاصله أَن أحد الْأَمريْنِ لَازم: إِمَّا صِحَة علته المستلزمة ثُبُوت مدعاه، وَأما منع حكم الأَصْل الْمُوجب لهدم مدعي الْمُسْتَدلّ فَإِن قلت سلمنَا أَن ظُهُور عدم الصِّحَّة فرع الشُّرُوع إِلَى آخِره، لَكِن قَوْله إِن لم تصح إِلَى آخِره لَا يَسْتَدْعِي ظُهُوره، بل يَكْفِيهِ فَرْضه إِجْمَالا قلت إِذا كَانَ الْمَنْع مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الصِّحَّة بِحَسب نفس الْأَمر وَإِن لم يعلم بِعَيْنِه، وَذَلِكَ غير مَعْلُوم يلْزم عدم الْعلم بِوُجُود الْمَنْع، وَقد يُقَال أَن مُرَاده أَن أحد الْأَمريْنِ لَازم بِحَسب نفس الْأَمر وَإِن لم يعلم بِعَيْنِه (قلت) يَصح قَوْله الْمَذْكُور (لِأَن الصُّورَة الْمَذْكُورَة للْقِيَاس الْمركب) فِي الْقسمَيْنِ (من صور الْمُعَارضَة فِي حكم الأَصْل) لِأَن كل وَاحِد من المتخاصمين يدعى كَون حكم الأَصْل مُعَللا بعلة خلاف عِلّة الآخر، وَيُقِيم الدَّلِيل على مَا ادَّعَاهُ بِخِلَاف الصُّورَة الْأُخْرَى من الْقيَاس الْمركب، وَهُوَ الْقسم الثَّانِي فَإِنَّهَا لَيست من صور الْمُعَارضَة فِي حكم الأَصْل لِأَنَّهُ لم يدع كل مِنْهُمَا فِيهَا كَون حكم الأَصْل مُعَللا بعلة أُخْرَى، بل الْمُسْتَدلّ يلْحق فرعا بِأَصْل فِي حكم زعم وجوده فِي الأَصْل لعِلَّة زعم اشتراكهما فِيهَا وَحَاصِل اعْتِرَاض الْمُعْتَرض أحد الْأَمريْنِ: إِمَّا منع وجود تِلْكَ الْعلَّة، وَإِمَّا منع وجود ذَلِك الحكم فِي الأَصْل (وَفِيه) أَي وَفِيمَا ذكر يَعْنِي صور الْمُعَارضَة يكون (ذَلِك) الانقلاب (فَإِن جوابها) أَي الْمُعَارضَة (منع الْمُسْتَدلّ لما عينه) الْمعَارض من الْعلَّة الَّتِي بهَا يثبت الحكم الَّذِي يَدعِيهِ (فَلَزِمَهُ) أَي الْمعَارض (الْإِثْبَات) لعلية مَا عينه (وَإِذا صَار) الْمعَارض (مَانع) أَي منع مَا عينه الْمُسْتَدلّ من الْعلَّة (لزم الْمُسْتَدلّ إِثْبَاتهَا) أَي إِثْبَات عِلّة مَا عينه (ووجودها) أَي وجود تِلْكَ الْعلَّة وكما أَنه يلْزم الْمُسْتَدلّ إِثْبَات الْعلية والوجود كَذَلِك يلْزم الْمعَارض غير أَنه اكْتفى بالتفصيل هَهُنَا وَالْحَاصِل أَن كلا من المتخاصمين فِي الْمُعَارضَة مستدل بِالنّظرِ إِلَى مَا يَدعِيهِ، ومانع بِالنّظرِ إِلَى مَا يَدعِيهِ خَصمه (وينتهض)

دَلِيل الْمُسْتَدلّ على الْمعَارض بِإِثْبَات الْوُجُود كَمَا أَنه ينتهض دَلِيل الْمعَارض على الْمُسْتَدلّ بِهِ (إِذْ لَيْسَ ثُبُوته) أَي ثُبُوت حكم الأَصْل (إِلَّا بهَا) أَي بِالْعِلَّةِ (للفرعية) أَي للُزُوم فرعية الأَصْل فِيمَا نَحن فِيهِ (بِخِلَاف مَا إِذا أثبت) الْمُسْتَدلّ (الْوُجُود) أَي وجود الْعلَّة (فِي مركب الْوَصْف) إِذْ لَا ينْتَقض دَلِيله حِينَئِذٍ بِإِثْبَات الْوُجُود (فَإِنَّهُ) أَي الْمُعْتَرض (مَعَه) أَي مَعَ إِثْبَات الْمُسْتَدلّ الْوُجُود فِيهِ (يمْنَع حكم الأَصْل، وَهُوَ) أَي مَنعه حكم الأَصْل (دَلِيل أَنه) أَي الْمُعْتَرض (مَانع صِحَة مَا عينه الْمُسْتَدلّ فيهمَا) أَي مركبي الأَصْل وَالْوَصْف (وَإِذن) أَي وَإِذا كَانَ وجود الْعلَّة فِي الأَصْل تَارَة يجْتَمع مَعَ منع الحكم فِيهِ (فَقَوْلهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (للمستدل) فِي مركب الْوَصْف (أَن يثبت وجودهَا) أَي الْعلَّة فِي الأَصْل (بدليله) أَي بِدَلِيل الثُّبُوت (من حس أَو عقل أَو شرع أَو لُغَة) بِأَن يكون وجودهَا فِيهِ محسوسا أَو ثَابتا بِدَلِيل عَقْلِي أَو شَرْعِي أَو بِمُقْتَضى اللُّغَة (فينتهض) جَوَاب الشَّرْط: أَي يقوم الدَّلِيل (عَلَيْهِ) أَي على الْمُعْتَرض (لِأَنَّهُ) أَي الْمُعْتَرض (معترف بِصِحَّة الْمُوجب) بِكَسْر الْجِيم، وَهُوَ عَلَيْهِ عِلّة الحكم (ووجوده) أَي الْمُوجب فِي الأَصْل (إِذْ قد ثَبت بِالدَّلِيلِ) فَلَزِمَهُ القَوْل بِمُقْتَضَاهُ (فِيهِ نظر) هَذِه الْجُمْلَة خبر للمبتدأ أَعنِي قَوْلهم، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى مَنْظُور فِيهِ على أَن يكون الظّرْف لَغوا قدم لكَون الْمصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول، أَو توسعة فِي الظروف (بل) ينتهض (إِذا أثبتهما) أَي صِحَة مَا عينه الْمُسْتَدلّ ووجوده فِي الأَصْل (كَالْأولِ) أَي مركب الأَصْل حَاصِل الْكَلَام أَن قَوْلهم الْمَذْكُور يُفِيد أَنه يَكْفِي الْمُسْتَدلّ فِي مركب الْوَصْف إِثْبَات الْوُجُود، وَإِذ قد عرفت أَن منع حكم الأَصْل منع لصِحَّة مَا عينه الْمُسْتَدلّ علمت أَنه لَا بُد فِيهِ أَيْضا من إِثْبَات الْأَمريْنِ غير أَنه يتَّجه على عِبَارَته مَا قصرت الطَّاقَة عَن تَوْجِيهه بِحَيْثُ ترْتَفع الْعبارَة وَالله تَعَالَى أعلم. (فَالْأول) أَي مِثَال الأول: يَعْنِي مركب الأَصْل (قَول الشَّافِعِي) فِي أَن الْحر لَا يقتل بِعَبْد قَتله الْمَقْتُول (عبد فَلَا يقتل بِهِ الْحر كَالْمكَاتبِ الْمَقْتُول) ذَاهِبًا (عَمَّا بَقِي) من المَال (بكتابته) أَي ببدلها (و) عَن (وَارِث غير سَيّده) لَا يقتل قَاتله الْحر بِهِ، وَإِن اجْتمع السَّيِّد وَالْوَارِث على طلب الْقصاص فَيلْحق العَبْد بِهِ بِجَامِع الرّقّ (والحنفي يُوَافقهُ) أَي الشَّافِعِي (فِيهِ) أَي فِي فِي حكم الأَصْل، وَهُوَ عدم قتل الْحر بالمكاتب الْمَذْكُور وَيُخَالِفهُ فِي الْعلَّة (فَيَقُول الْعلَّة جَهَالَة الْمُسْتَحق) للْقصَاص (من السَّيِّد وَالْوَرَثَة لاخْتِلَاف الصَّحَابَة فِي عبديته) نظرا إِلَى عدم أَدَائِهِ بدل الْكِتَابَة (وحريته) نظرا إِلَى مَا ينزل منزلَة الْأَدَاء. أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ كَانَ زيد بن ثَابت يَقُول الْمكَاتب عبد مَا بقى عَلَيْهِ دِرْهَم لَا يَرث وَلَا يُورث، وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَقُول إِذا مَاتَ الْمكَاتب وَترك مَالا قسم مَا ترك على مَا أدّى وعَلى مَا بقى، فَمَا أصَاب مَا أدّى فللورثة وَمَا أصَاب مَا بَقِي فللمسلمين، وَكَانَ عبد الله يَقُول

يُؤَدِّي إِلَى موَالِيه مَا بَقِي من مُكَاتبَته ولورثته مَا بَقِي، وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ مثل هَذَا، وَاخْتِلَافهمْ يُوجب اشْتِبَاه الْوَلِيّ، وَالْقصاص يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ (فَإِن صحت) علتي (بَطل إلحاقك) العَبْد بالمكاتب (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تصح علتي بل صحت علتك، وَهِي العبدية (منعت حكم الأَصْل فَيقْتل الْحر بِهِ) أَي بالمكاتب فَلم يَنْفَكّ الْحَنَفِيّ عَن عدم الْعلَّة فِي الْفَرْع على تَقْدِير كَونهَا الْجَهَالَة، أَو منع الحكم على تَقْدِير أَنَّهَا الرّقّ فَلَا يتم الْقيَاس على التَّقْدِيرَيْنِ (وَلَا يَتَأَتَّى) أَي لَا يَصح منع حكم الأَصْل فِي الصُّورَتَيْنِ (إِلَّا من مُجْتَهد) إِذْ لَيْسَ للمقلد مُخَالفَة إِمَامه (أَو من علم عَنهُ) أَي الْمُجْتَهد (مساواتها) أَي الْعلَّة الَّتِي أبداها فِي مقَام الِاعْتِرَاض لحكم الأَصْل فينتفى الحكم بانتفائها وَالْمرَاد مساواتها بِحَسب التحقق، وَذَلِكَ لِأَن منع حكم الأَصْل من الْمعَارض عِنْد عدم صِحَة علته مَبْنِيّ على علمه بالتلازم بَينهمَا، وَالْعلم بِهِ إِمَّا بِالِاجْتِهَادِ أَو بالتقليد للمجتهد (وَالثَّانِي) أَي مِثَال مركب الْوَصْف قَول شَافِعِيّ فِي عدم صِحَة تَعْلِيق الطَّلَاق قبل النِّكَاح بِمَا هُوَ سَبَب الْملك (فِي أَن تزوجت زَيْنَب) وَفِي بعض النّسخ فُلَانَة (فطالق) هَذَا (تَعْلِيق للطَّلَاق قبل النِّكَاح فَلَا يَصح كَقَوْلِه) أَي الْقَائِل فُلَانَة (الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق) حَيْثُ لَا يَصح حَتَّى إِذا تزَوجهَا لَا تطلق (فَيَقُول) الْحَنَفِيّ (كَونه) القَوْل الْمَذْكُور (تَعْلِيقا مُنْتَفٍ فِي الأَصْل) أَي فُلَانَة الَّتِي أَتَزَوَّجهَا (بل تنجيزا) للطَّلَاق (فَإِن صَحَّ) كَونه تنجيزا (بَطل إلحاقك) الْفَرْع الْمَذْكُور بِالْأَصْلِ الْمَذْكُور (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَصح كَونه تنجيزا بل كَانَ تَعْلِيقا (منعت حكم الأَصْل) وَهُوَ عدم وُقُوع الطَّلَاق (فَتطلق) فُلَانَة فِي قَوْله فُلَانَة الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق إِذا تزَوجهَا فَلَا يتم الْقيَاس على التَّقْدِيرَيْنِ، فقد علم بذلك أَن الصُّورَتَيْنِ اشتركتا فِي أَن الأَصْل فيهمَا فرع، وَفِي أَن كل وَاحِد من المتخاصمين يعين عِلّة أُخْرَى لحكم الأَصْل، وَفِي أَن الْخصم فِي كل مِنْهُمَا يمْنَع أَولا عِلّة الْمُسْتَدلّ ويعين عِلّة أُخْرَى، ثمَّ يَقُول إِن لم تصح علتي منعت حكم الأَصْل غير أَنه يمْنَع فِي الصُّورَة الأولى علية الْمُسْتَدلّ، وَفِي الثَّانِيَة وجودهَا، ومنشأ اخْتِلَافهمَا فِي كَيْفيَّة الْمَنْع أَن الْمَذْكُور للتَّعْلِيل فِي الثَّانِيَة ذُو وَجْهَيْن بِاعْتِبَار أَحدهمَا يصلح للعلية عِنْد الْخصم كتعليق الطَّلَاق قبل النِّكَاح إِن كَانَ بِدُونِ الْإِضَافَة إِلَى الْملك يَقْتَضِي عدم وُقُوعه، وَإِن كَانَ مَعَه يَقْتَضِي وُقُوعه فيحمله الْخصم أَولا على الْوَجْه الأول وَيمْنَع وجوده فِي فُلَانَة الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق لِأَنَّهُ تَنْجِيز كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ، ثمَّ نقُول وَإِن لم ترض بذلك أَيهَا الْمُسْتَدلّ وَتقول أَنه تَعْلِيق أمنع الحكم فِي الأَصْل وَأَقُول تطلق لِأَنَّهُ مَعَ الْإِضَافَة وَلَيْسَ مثل هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فِي الصُّورَة الأولى فَافْتَرقَا، وَالله تَعَالَى أعلم (وَهَذَا) القَوْل الْمَذْكُور فِي الْجَواب عَن الْقيَاس الْمَذْكُور حَاصِل (مَا ذكرنَا من مَنعه) أَي الْمُعْتَرض (الْأَمريْنِ): وجود الْعلَّة فِي الأَصْل، وَحكمه (وَلَو كَانَ اخْتِلَافهمَا)

أَي الْمُسْتَدلّ والمعترض (ظَاهرا من الأول) أَي قبل الشُّرُوع فِي الِاسْتِدْلَال (فِيهِ) أَي فِي حكم الأَصْل (وَلَيْسَ) حكم الأَصْل (مجمعا) عَلَيْهِ مُطلقًا وَلِأَنَّهُمَا تَأْكِيد للْكَلَام السَّابِق (فحاول) الْمُسْتَدلّ (إثْبَاته) أَي حكم الأَصْل بِنَصّ (ثمَّ) إِثْبَات (علته) أَي عِلّة ذَلِك الحكم بمسلك من مسالك الْعلَّة (قيل لَا يقبل) هَذَا الأسلوب لِئَلَّا يلْزم الِانْتِقَال من مَطْلُوب إِلَى آخر، وانتشار كَلَام يُوجب تسلسل الْبَحْث الْمَانِع من حُصُول الْمَقْصُود (وَالأَصَح يقبل) أَي قَوْله (لِأَن إِثْبَات حكم الأَصْل) حِينَئِذٍ مُقَدّمَة (من مُقَدمَات دَلِيله) أَي القائس (على إِثْبَات حكم الْفَرْع) لِأَن ثُبُوت الحكم للفرع فرع ثُبُوته للْأَصْل (فَلَو لم يقبل) إِثْبَات حكم الأَصْل وَهُوَ من مُقَدمَات دَلِيله (لم يقبل) مَنعه أَي أَن يُؤْخَذ فِي الِاسْتِدْلَال (مُقَدّمَة تقبل الْمَنْع) مُطلقًا لِأَن أَخذهَا فِيهِ يسْتَلْزم إِثْبَاتهَا فَلَزِمَ الْمَحْذُور الْمَذْكُور، وَجه الاستلزام أَنَّهَا تمنع فَيجب على الْمُسْتَدلّ إِثْبَاتهَا (وَكَونه) أَي حكم الأَصْل (يَسْتَدْعِي) من الْأَدِلَّة والشرائط (كالآخر) أَي حكم الْفَرْع لكَونه حكما شَرْعِيًّا مثله فيكثر الْجِدَال، بِخِلَاف مُقَدمَات تقبل الْمَنْع فِي المناظرة فِي إِثْبَات حكم وَاحِد (لَا أثر لَهُ) أَي للكون الْمَذْكُور فِي الْفرق بعد مَا تبين أَن حكم الأَصْل صَار من مُقَدمَات دَلِيل القائس على حكم الْفَرْع، إِذْ قد تكْثر مُقَدمَات دَلِيل الْمُدَّعِي أَكثر من ذَلِك، وَفِيه تَعْرِيض لما فِي الشَّرْح العضدي (وَمَا قيل) من أَن (هَذِه اصْطِلَاحَات لَا يشاح فِيهَا) يَعْنِي أَن أَمْثَال عدم قبُول المجادلة لإِثْبَات حكم الأَصْل فِي أثْنَاء إِثْبَات حكم الْفَرْع أُمُور قد اصْطلحَ عَلَيْهَا الأصوليون فِي آدَاب المناظرة، وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح على مَا ذكر فِي الشَّرْح الْمَذْكُور (غير لَازم) خبر الْمَوْصُول إِذْ لَا يلْزم اتِّبَاع مُوجبه (لمن لم يلتزمه) أَي الِاصْطِلَاح الْمَذْكُور فَلهُ أَن يعْمل بِخِلَاف ذَلِك الِاصْطِلَاح فِي مناظرته (وَلم يذكر الْحَنَفِيَّة هَذَا) الشَّرْط، وَهُوَ أَن لَا يكون حكم الأَصْل ذَا قِيَاس مركب (لبُطْلَان كَونه شرطا لحكم الأَصْل، بل) انتفاؤه شَرط (للانتهاض) وَقيام الْحجَّة للمناظرة (على المناظر) فِي المناظرة (بِهَذَا الطَّرِيق من الجدل) يَعْنِي لَيْسَ بِشَرْط فِي إِثْبَات حكم الأَصْل، بل فِي إِلْزَام الْخصم فِي إِلْحَاق الْفَرْع الْمَذْكُور فَإِن قلت فِيهِ تنَاقض لِأَن المناظرة بِهَذَا الطَّرِيق تستدعي تحقق الْقيَاس الْمركب، وَشرط الانتهاض على المناظر بِهِ يَسْتَدْعِي انتفاءه قُلْنَا المُرَاد الَّذِي هُوَ من شَأْنه أَن يناظر بِهِ، فَإِنَّهُ إِذا انْتَفَى لزم عدم قابلية الْمحل للمعارضة بِهَذَا الطَّرِيق فيعجز الَّذِي من شَأْنه عَنْهَا فَتدبر فَهِيَ مسئلة جدلية لَا أصولية (وأفادوه) أَي الْحَنَفِيَّة اشْتِرَاطه (بِاخْتِصَار) فَقَالُوا (لَا يُعلل بِوَصْف مُخْتَلف) فِيهِ اخْتِلَافا ظَاهرا (كَقَوْل شَافِعِيّ فِي إبِْطَال الْكِتَابَة الْحَالة) كَقَوْلِك كاتبتك على ألف من غير ذكر أجل (عقد) مقول القَوْل خبر مَحْذُوف (يَصح مَعَه التَّكْفِير بِهِ) أَي بالمكاتب بِهَذَا العقد، وَالْجُمْلَة صفة عقد، وَلَو كَانَ هَذَا العقد صَحِيحا لما جَازَ أَن يكفر بِهِ عَن ظِهَار أَو غَيره مِمَّا يُوجب الْكَفَّارَة

لِأَنَّهُ لَا يجوز التَّكْفِير إِلَّا بِمَا هُوَ عقد حَقِيقِيّ وَالْمكَاتب لَيْسَ كَعبد يدا وَإِن كَانَ عبدا رَقَبَة (فَكَانَ بَاطِلا كالكتابة على الْخمر) إِذا كَانَ الْمكَاتب وَالْمكَاتب مُسلمين أَو أَحدهمَا مُسلما (فَحكم الأَصْل) وَهُوَ بطلَان الْكِتَابَة على الْخمر (مُتَّفق) عَلَيْهِ (لَكِن علته عِنْد الْحَنَفِيَّة كَون المَال) الَّذِي جعل بدل لكتابة وَهُوَ الْخمر (غير مُتَقَوّم، لَا مَا ذكر من صِحَة التَّكْفِير بِهِ) أَي الْمكَاتب (وَله) أَي للمستدل (إثْبَاته) أَي إِثْبَات الْوَصْف الْمُخْتَلف فِيهِ من حَيْثُ أَنه عِلّة (على مَا تقدم) من جَوَاز إِثْبَات مُقَدمَات الدَّلِيل، أَن كل مُقَدّمَة تقبل الْمَنْع مِنْهَا فإثباتها مَقْبُول. (ولبعضهم) وَهُوَ صدر الشَّرِيعَة أَنه (لَا يجوز التَّعْلِيل بعلة اخْتلف فِي وجودهَا فِي الْفَرْع أَو) فِي (الأَصْل كَقَوْل شَافِعِيّ فِي الْأَخ) هُوَ (شخص يَصح التَّكْفِير بإعتاقه فَلَا يعْتق إِذا ملكه كَابْن الْعم فَإِن أَرَادَ) الشَّافِعِي بإعتاقه (عتقه) أَي الْأَخ (إِذا ملكه) بشرَاء قصد بِهِ الْكَفَّارَة. فِي الْهِدَايَة أَن اشْترى أَبَاهُ أَو ابْنه يَنْوِي بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَة جَازَ عَنْهَا، فِي شرح المُصَنّف عَلَيْهَا الْحَاصِل أَنه إِذا دخل فِي ملكه بضع مِنْهُ أَن نوى عِنْد صنعه أَن يكون عتقه عَن الْكَفَّارَة أَجزَأَهُ انْتهى، فقد علم أَنه يتَحَقَّق الْملك ويعقبه الْعتْق، وَالنِّيَّة السَّابِقَة تُؤثر فِي وُقُوع الْعتْق عَن الْكَفَّارَة فقد تحقق هَاهُنَا عتق بِمُوجب الْقَرَابَة من غير إِعْتَاق بعد الْملك، فَإِن كَانَ مُرَاده هَذَا الْعتْق (فَغير مَوْجُود فِي ابْن الْعم) فَلم يتَحَقَّق بِالْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ صِحَة التَّكْفِير بِالْإِعْتَاقِ فِي الأَصْل فَإِنَّهُ إِذا اشْتَرَاهُ بنية الْكَفَّارَة لَا يجوز عَنْهَا اتِّفَاقًا (أَو) أَرَادَ (إِعْتَاقه بعده) بِأَن يصير ملكه ثمَّ يعتقهُ قصدا (فَمَمْنُوع فِي الْأَخ) أَي لَا نسلم وجود هَذَا الْوَصْف فِيهِ، إِذْ هُوَ يعْتق بِمُجَرَّد الْملك (وَذكر) الْبَعْض الْمَذْكُور (الصُّورَتَيْنِ) المذكورتين: أَن تزوجت فُلَانَة، وَعبد فَلَا يقتل بِهِ الْحر إِلَى آخرهما (ثمَّ على مَا ذكرنَا) من أَن الْأَصَح قبُول إِثْبَات حكم الأَصْل مِمَّن هُوَ بصدد إِثْبَات حكم الْفَرْع (لَهُ) أَي للمستدل هُنَا (إِثْبَاتهَا) أَي الْعلَّة الَّتِي اخْتلف فِي وجودهَا فِي الْفَرْع أَو الأَصْل، لِأَن إِثْبَاتهَا من مُقَدمَات دَلِيله على حكم الْفَرْع (وَلَيْسَ من الشُّرُوط) لحكم الأَصْل (كَونه) أَي كَون حكم الأَصْل (قَطْعِيا بل يَكْفِي ظَنّه فِيمَا) أَي فِي قِيَاس (يقْصد بِهِ) أَي بذلك الْقيَاس (الْعَمَل) فَإِن مَا يقْصد بِهِ الِاعْتِقَاد لَا يَكْفِي فِيهِ الظَّن، وَفِيه نظر لأَنهم ذكرُوا فِي العقائد مَا لَا مطمع فِيهِ للْقطع فَتدبر (وَكَون الظَّن يضعف بِكَثْرَة الْمُقدمَات) الظنية، فَإِن كل مُقَدّمَة مُشْتَمِلَة على احْتِمَال خلاف الْمُدَّعِي (لَا يسْتَلْزم الاضمحلال) أَي بطلَان الظَّن رَأْسا فَلَا يبْقى للْقِيَاس فَائِدَة غَايَة الْأَمر لُزُوم ضعفه (بل هُوَ) أَي اجْتِمَاع الظنون (انضمام مُوجب) أَي أَمر يُفِيد الظَّن بِثُبُوت الحكم (إِلَى مُوجب فِي الشَّرْع) إِشَارَة إِلَى أَن الْمُوجب الْعقلِيّ لَا يُفَارق الْمُوجب، وانضمام الْمُوجب إِلَى الْمُوجب يُوجب قُوَّة فِي الْمُوجب. (وَالْخلاف فِي كَونه) أَي حكم الأَصْل (ثَابتا بِالْعِلَّةِ عِنْد

الشَّافِعِيَّة) وَالْحَنَفِيَّة السمرقنديين (وبالنص عِنْد الْحَنَفِيَّة) الْعِرَاقِيّين والدبوسي والبزدوي والسرخسي وَغَيرهم (لَفْظِي) عِنْد تَحْقِيق مُرَادهم يرجع إِلَى أَمر يُوهِمهُ ظَاهر لَفظهمْ، وَلَا نزاع بَينهم بِحَسب الْمَعْنى والحقيقة (فمراد الشَّافِعِيَّة) من علية الْوَصْف (أَنَّهَا) أَي الْعلَّة (الباعثة عَلَيْهِ) أَي على شرع الحكم فِي الأَصْل، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون عِلّة غائية فَيلْزم استكمال الشَّارِع بهَا بل هِيَ الْحِكْمَة الْمُقْتَضِيَة للتشريع (و) مُرَاد (الْحَنَفِيَّة) من ثُبُوت الحكم بِالنَّصِّ (أَنه) أَي النَّص إِنَّمَا هُوَ (الْمُعَرّف) لِلْعِلَّةِ الباعثة لِأَنَّهَا تستنبط مِنْهُ (وَلَا يتَأَكَّد فِي ذَلِك) أَي مرادي الْفَرِيقَيْنِ (وَكَيف) يَصح إِرَادَة أَنَّهَا تثبت الحكم (وَقد تكون) الْعلَّة (ظنية) بِاعْتِبَار عليتها لَهُ لعدم مَا يُفِيد الْقطع بهَا، أَو بِاعْتِبَار وجودهَا فِيهِ (وَحكم الأَصْل قَطْعِيّ) لثُبُوته بِنَصّ أَو إِجْمَاع قَطْعِيّ، والظني لَا يُوجب الْقطع، وَعَن السُّبْكِيّ إِنْكَار تَفْسِير الْعلَّة بالباعث، وتفسيرها بالمعرف بِمَعْنى كَونهَا أَمارَة مَنْصُوبَة يسْتَدلّ بهَا الْمُجْتَهد على وجود الحكم إِذا لم يكن عَارِفًا بِهِ، وَيجوز أَن يتَخَلَّف فِي حق الْعَارِف كالغيم الرطب أَمارَة للمطر وَقد يتَخَلَّف، الاسكار مثلا عِلّة للتَّحْرِيم فَهُوَ حَيْثُ وجده قضى بِالتَّحْرِيمِ مَعَ أَنه يعرف تَحْرِيمهَا بِالنَّصِّ، كَذَا ذكره الشَّارِح فِي إطناب غير منقح، وَكَانَ مُرَاد السُّبْكِيّ أَن تَحْرِيم الْخمر على وَجه الْإِطْلَاق يعرفهُ بِالنَّصِّ، ووجوده فِي الخصوصات يعرفهُ بالإسكار، فَعلمه بِأَن تَحْرِيم الْخمر بِسَبَب الْإِسْكَار وَقد يعرفهُ فِي بعض الخصوصات بِدُونِ الْإِسْكَار لاطلاعه على النَّص الدَّال على تَحْرِيم الْخمر وَعلمه بِأَنَّهَا خمر، فالتخلف هَاهُنَا من جَانب الأمارة على عكس الْغَيْم الرطب، فَإِن التَّخَلُّف فِيهِ من جَانب ذِي الأمارة وَبِالْجُمْلَةِ لم يعْتَبر فِي الْمُعَرّف الطَّرْد وَالْعَكْس كَمَا قَالَ بعض المنطقيين من أَنه يجوز التَّعْرِيف بالأعم والأخص. وَأَنت خَبِير بِأَن مَا ذكره المُصَنّف أقرب إِلَى التَّحْقِيق (وَمن شُرُوط الْفَرْع) أَي من شُرُوط الْقيَاس الْمُعْتَبر وجودهَا فِي جَانب الْفَرْع الْمُعَرّف (لبَعض الْمُحَقِّقين) كَابْن الْحَاجِب (أَن يُسَاوِي) الْفَرْع (الأَصْل فِيمَا علل بِهِ حكمه) أَي الأَصْل (من عين) بَيَان للموصول: أَي يُسَاوِي الْفَرْع الأَصْل فِي عين الْعلَّة بِأَن تُوجد بِعَينهَا فِي الْفَرْع كَمَا وجدت فِي الأَصْل (كالنبيذ) أَي كمساواة النَّبِيذ (للخمر فِي الشدَّة المطربة) اللَّازِمَة للإسكار، وَلذَا يُفَسر بهَا (وَهِي) أَي الشدَّة المطربة (بِعَينهَا مَوْجُودَة فِي النَّبِيذ، أَو جنس) لِلْعِلَّةِ مَعْطُوف على عين وَعند ذَلِك مَا يقْصد مُسَاوَاة الْفَرْع للْأَصْل فِيهِ إِنَّمَا هُوَ الْجِنْس كَمَا أَنه الْعين فِي الأول (كالأطراف) وَهِي الْفَرْع (على الْقَتْل) وَهُوَ الأَصْل (فِي الْقصاص بِالْجِنَايَةِ) وَالْمرَاد إِتْلَاف الْأَطْرَاف قِيَاسا (على إِتْلَاف النَّفس) بِجَامِع الْجِنَايَة الْمُشْتَركَة بَينهمَا فَإِنَّهَا جنس للجناية المحققة فِي إِتْلَاف النَّفس والأطراف، وهما مُخْتَلِفَانِ بِالْحَقِيقَةِ (وَفِيمَا يقْصد) مَعْطُوف على الْمَوْصُول: أَي وَمن شُرُوط الْفَرْع أَن يُسَاوِي الأَصْل فِيمَا يقْصد الْمُسَاوَاة

بَين الْفَرْع وَالْأَصْل (من عين الحكم) بَيَان لما يقْصد (كَالْقَتْلِ بالمثقل) الْمَقِيس (عَلَيْهِ) أَي على الْقَتْل بالمحدد فِي الْقصاص فَإِن الْقَتْل الْكَائِن فِي الْفَرْع بِعَيْنِه هُوَ الْكَائِن فِي الأَصْل، وَفِي إِطْلَاق عين الحكم على الْقصاص مُسَامَحَة، لِأَن الحكم فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ وجوب الْقصاص (أَو جنسه) أَي جنس الحكم (كالولاية) أَي كثبوت الْولَايَة (على الصَّغِيرَة فِي انكاحها) مُتَعَلق بِالْولَايَةِ المقيسة (على) ثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهَا فِي (مَالهَا) فَإِن ولَايَة الانكاح من جنس ولَايَة المَال لَا عينهَا، كَذَا قَالُوا. (و) قَالَ المُصَنّف (لَا معنى للتقسيم) فِي كل من هذَيْن الشَّرْطَيْنِ (أما فِي الْعلَّة فَلَا نعني بِالْعينِ) أَي بِعَين الْعلَّة (إِلَّا مَا علل بِهِ) فِي الْقيَاس (حكم الأَصْل) وَلَا شكّ أَنما علل بِهِ نفس الْجِنْس لَا نَوعه، وَإِلَّا فَلَا يَصح الْقيَاس، لِأَنَّهُ لَا بُد من مُشَاركَة الْفَرْع وَالْأَصْل فِي عين الْعلَّة (وَكَونه) أَي كَون مَا علل بِهِ (جِنْسا لشَيْء) مُتَحَقق فِي الأَصْل، وَشَيْء آخر مُتَحَقق فِي الْفَرْع (لَا يُوجب أَن الْعلَّة جنس الْوَصْف) لِأَن الْوَصْف وَالْعلَّة شَيْء وَاحِد لَا مُغَايرَة بَينهمَا (فالجناية على الذَّات) احْتِرَاز عَن الْجِنَايَة على المَال والذات تعم الْكل والجزء (عين مَا علل بِهِ) حكم الأَصْل (لَا جنس مَا علل بِهِ) كَمَا عرفت (وَإِن كَانَ هُوَ) أَي الْجِنَايَة الْمَذْكُورَة، ذكر الضَّمِير بِاعْتِبَار الْخَبَر (جنس جِنَايَة الْقَتْل. وَأما الحكم فَلَيْسَ المعدى قطّ) من الأَصْل إِلَى الْفَرْع، وَهُوَ (جنس حكم الأَصْل بل عينه) وَقد سبق مَا يُغْنِيك عَن زِيَادَة الْبَيَان (فَالْمَال الأَصْل، وَالنَّفس الْفَرْع، وَحكم الأَصْل ثيوت الْولَايَة) الْمُطلقَة عَن قيد النَّفس وَالْمَال (فيعدى) أَي ثُبُوت الْولَايَة بِعَيْنيهِ من المَال (إِلَى النَّفس، وَقَوله) أَي بعض الْمُحَقِّقين هَا هُنَا (وَهِي بِعَينهَا الخ) حَال كَونه (يُنَاقض مَا قدمه) فِي أول بحث الْقيَاس (من الْمثل) أَي الثَّابِت فِي الْفَرْع مثل عِلّة الأَصْل لَا عينهَا لِأَن الْمَعْنى الشخصي لَا يقوم بمحلين (رَجَعَ إِلَى الصَّوَاب) خبر المتبدأ، فِيهِ تَعْرِيض بِأَن قَوْله رَجَعَ إِلَى الصَّوَاب لَا نَفسه، هَذَا، وَلَا يخفى عَلَيْك سَعَة ميدان التَّوْجِيه إِن حصلت الْعِنَايَة (وَأَن لَا يتَغَيَّر فِيهِ) أَي وَمن شُرُوط الْفَرْع أَن لَا يتَغَيَّر فِي الْفَرْع، وَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله أَن يُسَاوِي (حكم نَص أَو إِجْمَاع على حكم الأَصْل) الْجَار مُتَعَلق من حَيْثُ الْمَعْنى بِالْإِجْمَاع وَالنَّص على سَبِيل التَّنَازُع أعمل الثَّانِي، وَقدر فِي الأول: أَي نَص دَال على حكم الأَصْل، يَعْنِي إِذا كَانَ هُنَاكَ نَص دَال أَو إِجْمَاع على حكم الأَصْل على وَجه وَكَيْفِيَّة من الْعُمُوم وَالْخُصُوص وَغير ذَلِك، وَقد تحقق فِي الأَصْل فَلَا بُد أَن يتَحَقَّق ذَلِك فِي الْفَرْع على ذَلِك الْوَجْه أَيْضا (كظهار الذِّمِّيّ) الْمَقِيس (على) ظِهَار (الْمُسلم فِي الْحُرْمَة) على الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الْفِقْه (فَإِن المعدى) من الأَصْل وَهُوَ ظِهَار الْمُسلم إِلَى الْفَرْع وَهُوَ ظِهَار الذِّمِّيّ (غير حكم الأَصْل وَهِي) أَي حكم الأَصْل، أنثه بِاعْتِبَار الْخَبَر (الْحُرْمَة المتناهية بِالْكَفَّارَةِ) المتضمنة لِلْعِبَادَةِ (إِذْ لَا عبَادَة) تصح (مِنْهُ) أَي الذِّمِّيّ لعدم الْإِيمَان، تَعْلِيل للتغير الْمَذْكُور

(فالحرمة فِي الْفَرْع مُؤَبّدَة) لعدم انتهائها بِالْكَفَّارَةِ لما ذكر فَإِن قيل فَلَا يُقَاس ظِهَار العَبْد على ظِهَار الْحر أَيْضا، لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِعْتَاق وَالْإِطْعَام كَمَا فِي الْحر فقد تغير فِي الْفَرْع حكم النَّص الدَّال على حكم الأَصْل لما فِيهِ من تَرْتِيب خِصَال الْكَفَّارَة فَالْجَوَاب مَا أَفَادَهُ المُصَنّف بقوله (بِخِلَاف العَبْد) فَإِنَّهُ (أهل) لِلْكَفَّارَةِ إِلَّا أَنه (عَاجز) عَن التَّكْفِير بِالْمَالِ لانْتِفَاء الْملك (كالفقير) أَي الْحر الْعَاجِز عَن ذَلِك، فَكَمَا صَحَّ ظِهَار الْفَقِير صَحَّ ظِهَار العَبْد الْمُسلم حَتَّى لَو عتق وَأصَاب مَالا كَانَت كَفَّارَته بِالْمَالِ فَإِن قلت فَكَذَلِك الذِّمِّيّ أَن أسلم صَار أَهلا وَالْحَاصِل أَنكُمْ إِن اعتبرتم الْأَهْلِيَّة بِالْفِعْلِ فَقَط فَهِيَ مفقودة فيهمَا مَعًا، وَإِن عممتم فَلَا فرق بَينهمَا أَيْضا قلت بل بَينهمَا فرق، لِأَن الذِّمِّيّ لَا أَهْلِيَّة لَهُ لِلْكَفَّارَةِ مُطلقًا، بِخِلَاف العَبْد فَإِن لَهُ أَهْلِيَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى بعض أَنْوَاعهَا، على أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على عدم الْفرق بَين الْمُسلم الْغَنِيّ وَالْفَقِير فِي صِحَة الظِّهَار بِخِلَاف الذِّمِّيّ (أَو على غَيره) عطف على حكم الأَصْل: أَي وَأَن لَا يتَغَيَّر فِي الْفَرْع حكم نَص أَو إِجْمَاع على غير حكم الأَصْل لِئَلَّا يلْزم إبِْطَال النَّص أَو الْإِجْمَاع بِالْقِيَاسِ (فَبَطل قِيَاس تمْلِيك الطَّعَام على) تمْلِيك (الْكسْوَة) فِي وُجُوبه عينا (فِي الْكَفَّارَة) لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يتَغَيَّر فِي الْفَرْع الَّذِي هُوَ تمْلِيك الطَّعَام حكم النَّص الَّذِي يدل على حكم هُوَ وجوب الطَّعَام مَعَ عدم التَّعْيِين، وَلَا شكّ أَنه غير حكم الأَصْل (فَإِنَّهُ فِي الْفَرْع) أَي فَإِن حكم النَّص فِي الْإِطْعَام (أَعم من الْإِبَاحَة وَالتَّمْلِيك) لِأَن الْإِطْعَام الْمَنْصُوص أَعم مِنْهُمَا بِحَسب اللُّغَة إِذْ هُوَ جعل الْغَيْر طاعما، لِأَنَّهُ فعل مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ، لَازمه ومطاوعه طعم، وَذَلِكَ يحصل بالتمكين من الطَّعَام على أَي وَجه كَانَ، فالتغيير بِغَيْر (وَالسّلم الْحَال) أَي وَبَطل قِيَاس السّلم الْغَيْر الْمُؤَجل فِي الْحَال (بالمؤجل) أَي عَلَيْهِ (لِأَن حكم الأَصْل، وَهُوَ السّلم الْمُؤَجل اشْتَمَل على جعل الْأَجَل خلفا عَن ملك الْمُسلم فِيهِ) للْمُسلمِ إِلَيْهِ (وَالْقُدْرَة عَلَيْهِ) أَي الْمُسلم فِيهِ لِأَن من شُرُوط جَوَاز البيع كَون الْمَبِيع مَوْجُودا مَمْلُوكا للْبَائِع أَو مُوكله، فَلَمَّا رخص الشَّارِع فِي السّلم بِصِيغَة الْأَجَل الْمَعْلُوم علمنَا أَنه أَقَامَ الْأَجَل الَّذِي هُوَ سَبَب الْقُدْرَة الْحَقِيقِيَّة عَلَيْهِ مقَامهَا، وفوات الشَّيْء إِلَى خلف كلا فَوَات (وَإِن) كَانَ الْمُسلم فِيهِ (عِنْده) أَي الْمُسلم إِلَيْهِ (بِنَاء على كَونه) أَي الْمُسلم فِيهِ (مُسْتَحقّا لحَاجَة أُخْرَى) فَيكون بِمَنْزِلَة الْعَدَم كَالْمَاءِ الْمُسْتَحق للشُّرْب فِي جَوَاز التَّيَمُّم (والإقدام) على الْإِسْلَام (دَلِيله) أَي كَونه مُسْتَحقّا لَهَا، وَإِلَّا لباعه فِي الْحَال بأوفر ثمن (بِدَلِيل النَّص على الْأَجَل) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أجل مَعْلُوم الْجَار مُتَعَلق بقوله اشْتَمَل، كَأَنَّهُ قيل من أَيْن لكم أَن حكم الأَصْل مُشْتَمل على جعل الْأَجَل خلفا عَن الْملك وَالْقُدْرَة، فَأجَاب بِهِ فَإِن قلت: النَّص دلّ على اعْتِبَار الْأَجَل لَا مَا ذكرت من الخلفية قلت: لما كَانَ اشْترط الْملك وَالْقُدْرَة أَمر مقررا فِي البيع مُطلقًا وَوجدنَا

فِي النَّص مَا يصلح لِأَن يكون بَدَلا عَنْهُمَا عرفنَا أَن الْمَقْصُود من اشْتِرَاطه ذَلِك (وَهُوَ) أَي جعل الْأَجَل خلفا الخ (مُنْتَفٍ من) السّلم (الْحَال) قيل: يلْزم من هَذَا تَغْيِير حكم الأَصْل الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْفَرْع، لَا تَغْيِير حكم نَص على غير حكم الأَصْل وَأجِيب بِأَنَّهُ فِيهِ تَغْيِير حكم نَص آخر أَيْضا، وَهُوَ نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع مَا لَيْسَ عِنْد الْإِنْسَان فَهُوَ يصلح مِثَالا لكل من الْقسمَيْنِ (وَلَا يخفى أَنه) أَي الشَّرْط الْمَذْكُور (بِالذَّاتِ شَرط التَّعْلِيل، لَا) شَرط (حكم الْفَرْع، ويستلزم) انتفاؤه (التَّغَيُّر فِي الْفَرْع) فَإِن قيل جوزتم دفع قيمَة الْوَاجِب فِي الزَّكَاة قِيَاسا على الْعين، وَصرف الزَّكَاة إِلَى صنف وَاحِد قِيَاسا على صرفهَا إِلَى الْكل بعلة دفع الْحَاجة، وَفِيه تَغْيِير لحكم النَّص الدَّال على وجوب عين الشَّاة، وَالدَّال على كَونهَا جَمِيع الْأَصْنَاف قُلْنَا: تَغْيِير النصين مَمْنُوع كَمَا سبق فِي أَوَاخِر التَّقْسِيم الثَّانِي للمفرد بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَتقدم دفع النَّقْض بِدفع الْقيم) وَكَذَا تقدم دَفعه فِي جَوَاز دفع الزَّكَاة لصنف وَأورد أَيْضا بِأَنَّهُ ثَبت وجوب اسْتِعْمَال المَاء فِي تَطْهِير الثَّوْب من النَّجَاسَة بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقد جوزتم إِزَالَتهَا بِكُل مَائِع طَاهِر قالع سوى المَاء فَفِيهِ تَغْيِير النَّص، فَأجَاب بقوله (وإلحاق غير المَاء بِهِ) أَي بِالْمَاءِ فِي إِزَالَة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة إِنَّمَا هُوَ (للْعلم بِأَن الْمَقْصُود) للشارع من الْأَمر بِغسْل الثَّوْب (الْإِزَالَة) للنَّجَاسَة (لَا الِاسْتِعْمَال) للْمَاء من حَيْثُ هُوَ (وَإِن نَص على المَاء فِي قَوْله: واغسليه بِالْمَاءِ للاكتفاء بِقطع محلهَا (أَي النَّجَاسَة تَعْلِيل للْعلم بِالْمَقْصُودِ: أَي للْإِجْمَاع على الِاكْتِفَاء عَن اسْتِعْمَال المَاء بِقطع محلهَا فِي إِسْقَاط الْوَاجِب، وَلَو كَانَ اسْتِعْمَاله وَاجِبا لعَينه لم يسْقط بذلك (فيتعدى) هَذَا الحكم وَهُوَ طَهَارَة الثَّوْب (إِلَى كل مزيل) الخ، وَإِنَّمَا نَص على المَاء، لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي الِاسْتِعْمَال مَعَ مَا فِيهِ من الْيُسْر (بِخِلَاف) إِزَالَة (الْحَدث) بالمائع الْمَذْكُور، وَجَوَاب سُؤال، وَهُوَ أَنه: جوزتم إِزَالَة النَّجَاسَة عَن الثَّوْب بالمائع الْمَذْكُور لكَون مَقْصُود الشَّارِع إِزَالَة النَّجَاسَة وَهِي حَاصِلَة بِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يجوز إِزَالَة الْحَدث بِهِ أَيْضا، لِأَن مَقْصُوده إِزَالَة تِلْكَ النَّجَاسَة الْحكمِيَّة. فَأجَاب بِمَا حَاصله أَن إِزَالَة الْحَدث غير مَعْقُول الْمَعْنى كإزالة النَّجَاسَة عَن الثَّوْب إِذْ (لَيْسَ) الْحَدث (أمرا محققا) مَوْجُودا فِي الْخَارِج مَعَ قطع النّظر عَن اعْتِبَار الشَّرْع (يزَال) بِالْمَاءِ كالنجاسة على الثَّوْب وَالْبدن (بل) هُوَ (اعْتِبَار) شَرْعِي اعْتَبرهُ قَائِما بالأعضاء ثمَّ (وضع المَاء لقطعه) فَهُوَ أَمر تعبدي، وَإِلَّا فالماء إِنَّمَا يزِيل الأجرام الحسية لَا الْأُمُور المعنوية (فاقتصر حكمه) أَي حكم الْقطع الْمَذْكُور (على مَا علم قطع الشَّارِع اعْتِبَاره) أَي اعْتِبَار الْحَدث (عِنْده) وَهُوَ اسْتِعْمَال المَاء، وَلَا يُقَاس الْمَائِع الآخر عَلَيْهِ فِي هَذَا، فَإِن الطَّهَارَة على خلاف الْقيَاس لما ذكر، وَقيل الْقيَاس أَن يَتَنَجَّس المَاء بِمُجَرَّد ملاقاة النَّجَاسَة فَتخلف النَّجَاسَة البلة النَّجِسَة، وَكَذَا فِي الْمرة الثَّانِيَة وهلم جرا. وَأجِيب بِأَن الشَّارِع أسقط

هَذَا لتتحقق إِزَالَة النَّجَاسَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِذ سقط التنجس بالملاقاة فِيهِ) أَي فِي المَاء (لتحَقّق الْإِزَالَة سقط) التنجس بالملاقاة (فِي غَيره) أَي غير المَاء من الْمَائِعَات (لذَلِك) أَي لتحَقّق الْإِزَالَة، والاشتراك فِي الْعلَّة يُوجب الِاشْتِرَاك فِي الحكم. (وَمَا يُقَال) من أَن (فِي المَاء) سقط مُقْتَضى الْقيَاس الْمَذْكُور وَهُوَ التنجس بالملاقاة (للضَّرُورَة) بِخِلَاف غَيره لعدم الضَّرُورَة (أَن أُرِيد ضَرُورَة الْإِزَالَة فَكَذَا فِي غَيره) سقط مُقْتَضَاهُ فِي غَيره من سَائِر الْمَائِعَات لتِلْك الضَّرُورَة، وَفِيه أَن حَقِيقَة الضَّرُورَة اسْتِحَالَة الْإِزَالَة عِنْد عدم السُّقُوط، وَهِي لَا تُوجد فِي غير المَاء لاندفاع الضَّرُورَة بِهِ فَتدبر (أَو) أُرِيد (أَنه لَا يزِيل سواهُ) أَي المَاء حسا (فَلَيْسَ) هَذَا المُرَاد (وَاقعا) وَهُوَ ظَاهر (أَو لَا يزِيل) النَّجَاسَة غَيره: أَي غير المَاء (شرعا فَمحل النزاع) فَعلم أَنه لَا وَجه لما يُقَال، وَقد يُقَال أَن الْخصم إِن كَانَ مستدلا فَجعله الشَّارِع فِيهِ عِلّة الحكم غير صَحِيح، وَأما إِذا كَانَ مَانِعا فَيجوز أَن يَجْعَل سندا لمنع وجود الْعلَّة فِي الْفَرْع، وَحَاصِله لم لَا يجوز أَن تكون الْعلَّة هَكَذَا وَلَا يضرّهُ عدم تَسْلِيم الْخصم إِيَّاه (وَأَن لَا يتَقَدَّم) حكم الْفَرْع بالشرعية (على حكم الأَصْل) أَي وَمن شُرُوط الْفَرْع هَذَا (كَالْوضُوءِ) إِذا قيس (فِي وجوب النِّيَّة) فِيهِ (على التَّيَمُّم) بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا تَطْهِير حكمي، لِأَن شَرْعِيَّة الْوضُوء قبل شَرْعِيَّة التَّيَمُّم، إِذْ شرع الْوضُوء قبل الْهِجْرَة، وَالتَّيَمُّم بعْدهَا (لثُبُوته) أَي حكم الْفَرْع: أَي الْوضُوء من (قبل علته) أَي قبل ثُبُوت علته لِأَنَّهَا مستنبطة من حكم الأَصْل الْمُتَأَخر (إِلَّا) أَن يكون (إلزاما بِمَعْنى لَا فَارق) الِاسْتِثْنَاء إِمَّا مُنْقَطع، وَالْمعْنَى قِيَاس الْوضُوء على التَّيَمُّم لَا يَصح لما ذكر لَكِن إِن لم يكن الِاسْتِدْلَال بطرِيق الْإِلْزَام على الْخصم يَصح، تَقْرِيره أَن النِّيَّة فِي التَّيَمُّم وَاجِبَة إِجْمَاعًا، وَقد اعترفتم بِعَدَمِ الْفرق بَين الْوضُوء وَالتَّيَمُّم كل مِنْهُمَا طَهَارَة حكمِيَّة وَلم يخْتَص كل شَيْء مِنْهُمَا بخصوصية لَا تُوجد فِي الآخر، فَلَزِمَ عَلَيْكُم الِاعْتِرَاف بِوُجُوب النِّيَّة فِي الْوضُوء أَيْضا وَإِلَّا لاختص التَّيَمُّم بخصوصية لم تُوجد فِي الْوضُوء، وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض، وَإِمَّا مُتَّصِل، وَالْمعْنَى لَا يسْتَدلّ بِوُجُوب النِّيَّة فِي التَّيَمُّم على وُجُوبهَا فِي الْوضُوء بِوَجْه من الْوُجُوه إِلَّا بطرِيق الْإِلْزَام (وأبدل متأخرو الْحَنَفِيَّة هَذَا) الشَّرْط (بِأَن يكون) الْفَرْع (نَظِيره) أَي مثل الأَصْل فِي الْوَصْف الَّذِي تعلق بِهِ الحكم فِي الأَصْل بِأَن يُوجد مثل ذَلِك فِي الْفَرْع من غير تفَاوت (وَلَيْسَ الْوضُوء نَظِيره) أَي التَّيَمُّم (لِأَنَّهُ) أَي الْوضُوء (مطهر فِي نَفسه: أَي منظف) فسره لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد من الطَّهَارَة الْمَعْنى الْمُتَنَازع، فتلزم المصادرة على الْمَطْلُوب، بل المُرَاد التَّنْظِيف من الأخباث والأوساخ (وَالتَّيَمُّم ملوث، اعْتبر مطهرا شرعا عِنْد قصد أَدَاء الصَّلَاة، وَهُوَ) أَي قصد أَدَائِهَا (النِّيَّة) الْوَاجِبَة فِيهِ (فَلَا يلْزم فِيمَا هُوَ مطهر فِي نَفسه منظف قصر طَهَارَته شرعا على

ذَلِك الْقَصْد) أَي قصد أَدَاء الصَّلَاة حَتَّى لَا تستباح بِهِ إِلَّا مَعهَا (وَحَاصِله) أَي حَاصِل هَذَا الْمَنْع (فرق) بَين الْمَقِيس والمقيس عَلَيْهِ (من جِهَة الْآلَة الَّتِي يُقَام بهَا الفعلان) الْوضُوء وَالتَّيَمُّم وَهِي المَاء، الْمُطلق والصعيد الطَّاهِر (وَتجوز بِالْوضُوءِ فِي المَاء) وبالتيمم فِي التُّرَاب، يَعْنِي ذكر الْوضُوء فِي قَوْلهم الْوضُوء مطهر وَالتَّيَمُّم ملوث (كَمَا يفِيدهُ التَّعْلِيل) فَإِنَّهُ صرح فِيهِ بقوله من جِهَة الْآلَة إِلَى آخِره، بعد ذكر التَّنْظِيف والتلويث. وَلما نفى الْمُعْتَرض كَون الْوضُوء نَظِير التَّيَمُّم فِيمَا علل بِهِ وجوب النِّيَّة فِيهِ. وَهُوَ كَونه ملوثا فَإِنَّهُ منظف فِي نَفسه أجَاب المُصَنّف عَن الْمُسْتَدلّ بِبَيَان عدم كَونه ملوثا فِي وُجُوبهَا لكَونه فِي ذَلِك اعْتِبَارا شَرْعِيًّا يَسْتَوِي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تنظيف الْآلَة وتلويثها فَقَالَ (وَأَنت تعلم أَن التَّعْدِيَة) هُنَا (لحكم شَرْعِي هُوَ اشْتِرَاط النِّيَّة لثُبُوت التَّطْهِير بِالتُّرَابِ). ثمَّ فسر التَّطْهِير بقوله (أَي رفع المانعية الشَّرْعِيَّة) من قرْبَان الصَّلَاة وَنَحْوهَا الْقَائِمَة بالأعضاء (لَا) أَن التَّعْدِيَة (لوصف طبيعي) للمقيس عَلَيْهِ: أَي لَا لثُبُوت وصف طبعي المَاء وَالتُّرَاب من حَيْثُ الْإِفْضَاء إِلَى ذَلِك الثُّبُوت (وَالْمَاء كالتراب فِي ذَلِك) أَي فِي رفع المانعية الشَّرْعِيَّة فَكَمَا أَن الرّفْع الْمَذْكُور بِسَبَب اسْتِعْمَال التُّرَاب لَيْسَ مَعْقُول الْمَعْنى، فَكَذَلِك سَبَب اسْتِعْمَال المَاء لَيْسَ مَعْقُول الْمَعْنى (وَقد شَرط الشَّرْع فِي ذَلِك) أَي الرّفْع الْمَذْكُور (النِّيَّة) فِي اسْتِعْمَال التُّرَاب (فَكَذَا المَاء، وَكَونه) أَي المَاء (لَهُ وصف اخْتصَّ بِهِ طبيعي هُوَ إِزَالَة القذر والتنظيف لَا دخل لَهُ فِي الحكم) الْمَذْكُور: أَي اشْتِرَاط النِّيَّة لرفع المانعية (وَلَا الْجَامِع) بَين الْمَقِيس والمقيس عَلَيْهِ: وَهُوَ الطَّهَارَة الْحكمِيَّة مَعْطُوف على الحكم (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (عِنْد قصد الصَّلَاة تجوز) بِالصَّلَاةِ (عَن قربَة مَقْصُودَة لذاتها) أَي مَشْرُوعَة ابْتِدَاء يعقل فِيهَا معنى الْعِبَادَة (لَا تصح إِلَّا بِالطَّهَارَةِ) فَدخل التَّيَمُّم لسجدة التِّلَاوَة كَمَا هُوَ الصَّحِيح، وَخرج التَّيَمُّم لمس الْمُصحف لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعبَادة مَقْصُودَة لذاتها، وَالتَّيَمُّم لِلْإِسْلَامِ وَالسَّلَام، لِأَن كلا مِنْهُمَا وَإِن كَانَ عبَادَة مَقْصُودَة لذاتها لكنه يَصح بِدُونِ الطَّهَارَة (وَيُمكن دَفعه) أَي دفع هَذَا الْبَحْث الْمَذْكُور بقوله: وَأَنت تعلم إِلَى آخِره (بِمَنْع المثلية) بَين المَاء وَالتُّرَاب: بِأَن يُقَال (بل جعل) المَاء (مزيلا بِنَفسِهِ) أَي بطبعه (شرعا) للمانعية (كالخبث) أَي كإزالته الحسية للخبث عملا (باطلاق - ليطهركم بِهِ) سَوَاء قرن تَطْهِيره بِالنِّيَّةِ أَولا، بِخِلَاف التُّرَاب فَإِنَّهُ لم يَجعله رَافعا لتِلْك المانعية شرعا إِلَّا بِالْقَصْدِ، إِذْ طبعه ملوث ومغير فَلَا مثلية (وَإِذن يبطل) قَول الْخصم (لَا فَارق) بَين التَّيَمُّم وَالْوُضُوء للْفرق بَينهمَا بِاعْتِبَار الْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد (وَأَن لَا ينص على حكمه مُوَافقا) أَي وَمن شُرُوط الْفَرْع أَن لَا يكون حكمه مَنْصُوصا عَلَيْهِ حَال كَون ذَلِك الحكم الْمَنْصُوص عَلَيْهِ مُوَافقا لما يَقْتَضِيهِ الْقيَاس (إِذْ لَا حَاجَة) حِينَئِذٍ إِلَى الْقيَاس لثُبُوت حكم الْفَرْع مِمَّا هُوَ أقوى: نقل هَذَا الشَّرْط عَامَّة أَصْحَابنَا

كالجصاص وَأبي زيد وفخر الْإِسْلَام وشمس الْأَئِمَّة، وَبِه قَالَ الْغَزالِيّ والآمدي (وَاعْترض على هَذَا الشَّرْط (بِأَن وجوده) أَي النَّص الْمَذْكُور (لَا يُنَافِي صِحَّته) أَي صِحَة الْقيَاس (وَلذَا) أَي لعدم الْمُنَافَاة (لم يشرطه) أَي الشَّرْط الْمَذْكُور (مَشَايِخ سَمَرْقَنْد) بل شرطُوا أَن لَا يثبت الْقيَاس زِيَادَة على النَّص، وَقيل هَذَا القَوْل أشبه فَإِن فِيهِ تَأْكِيد النَّص، وَلَا مَانع شرعا وعقلا من تعاضد الْأَدِلَّة وتأكيد بَعْضهَا بِبَعْض (وَكثير) بل نَقله الرَّازِيّ عَن الْأَكْثَرين. وَنقل عَن الشَّافِعِي جَوَازه سَوَاء لم يثبت زِيَادَة لم يتَعَرَّض لَهَا النَّص أَو أثبت لاحْتِمَال النَّص الْبَيَان، ورد بِأَن إِثْبَات زِيَادَة كَذَا بِمَنْزِلَة النّسخ، فَإِن مُوجب النَّص أَن الْعَمَل بِمُجَرَّد مَا تنَاوله النَّص كَاف فِي بَرَاءَة الذِّمَّة سَوَاء كَانَ مَقْرُونا مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَة أَولا، وَالْقِيَاس يبطل إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ، وَإِمَّا أَنه لَا ينص على حكم الْفَرْع مُخَالفا فَهُوَ إجماعي، وَمن شُرُوط حكم الْفَرْع أَيْضا مَا أَفَادَهُ بقوله (وَعدم الْمعَارض الرَّاجِح أَو المساوى فِيهِ) أَي فِي الْفَرْع يُوجب غير ذَلِك الحكم، فِيهِ ظرف للوجود الْمُضَاف إِلَيْهِ الْعَدَم، وَيجوز أَن يكون ظرفا للعدم (لعِلَّة الأَصْل) مُتَعَلق بالمعارض فَهِيَ الْمعَارض بزنة اسْم الْمَفْعُول. ثمَّ بَين الْمُعَارضَة بقوله (بِثُبُوت وصف فِيهِ) أَي فِي الْفَرْع (يُوجب غير ذَلِك الحكم فِيهِ) أَي فِي الْفَرْع (إِلْحَاقًا بِأَصْل آخر، وَإِلَّا) وَإِن لم يشْتَرط ذَلِك (ثَبت حكم الْمَرْجُوح فِي مُقَابلَة الرَّاجِح) فِيمَا إِذا كَانَ فِي الْفَرْع معَارض رَاجِح (أَو) ثَبت (التحكم فِيمَا إِذا كَانَ فِيهِ معَارض مسَاوٍ (وَحَقِيقَته) أَي هَذَا الشَّرْط (أَنه شَرط إِثْبَات الحكم بِالْعِلَّةِ، لَا شَرط تحققها عِلّة لِأَن وجوده) أَي الْمعَارض (لَا يبطل شهادتها) أَي الْعلَّة، إِذْ الْمُنَاسبَة لَا تَزُول بالمعارضة كَالشَّهَادَةِ إِذا عورضت بِأُخْرَى، فَإِنَّهُ لَا يبطل إِحْدَاهمَا حَتَّى إِذا ترجحت بمرجح لم يحْتَج إِلَى الْإِعَادَة. (وَمِنْهَا) مَا عزى (لأبي هَاشم كَون حكمه) أَي الْفَرْع (ثَابتا بِالنَّصِّ جملَة وَالْقِيَاس) احْتِيجَ إِلَيْهِ (لتفصيله) أَي ذَلِك الْمُجْمل (كثبوت حد الْخمر) من غير تَقْدِير بِعَدَد معِين عَن الشَّارِع كَمَا يفِيدهُ الصحيحان وَغَيرهمَا (فَيتَعَيَّن عدده) ثَمَانِينَ (بِالْقِيَاسِ على حد الْقَذْف) كَمَا تقدم تَخْرِيجه عَن عَليّ وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنْهُمَا فِي مسئلة: لَا إِجْمَاع إِلَّا عَن مُسْتَند، وَيَأْتِي الْجَواب عَنهُ كَمَا فِي مسئلة الْحَنَفِيَّة لَا يثبت بِهِ الْحُدُود (ورد) اشْتِرَاط هَذَا (بِأَنَّهُم قاسوا) قَوْله لزوجته (أَنْت عَليّ حرَام تَارَة على الطَّلَاق فَيَقَع، وَتارَة على الظِّهَار فالكفارة) أَي فَحكمه الْكَفَّارَة حِينَئِذٍ (وعَلى الْيَمين فإيلاء) أَي فَالْقَوْل الْمَذْكُورَة إِيلَاء وعَلى هَذَا التَّقْدِير (فَيثبت حكمه) أَي الْإِيلَاء (وَلَا نَص فِي الْفَرْع أصلا) لَا جملَة وَلَا تَفْصِيلًا، ذكر ابْن الْحَاجِب فِي الْمُخْتَصر الْكَبِير أَن المُرَاد بالقائسين الْأَئِمَّة، وَالزَّرْكَشِيّ أَنهم الصَّحَابَة، وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه يَمِين، وَعَن ابْن الْمُنْذر قَالَت طَائِفَة أَنه طَلَاق ثَابت، مِنْهُم عَليّ وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر، وَبِه قَالَ الْحسن وَالْحكم وَمَالك وَابْن

مسئلة

فِي الْمُسْتَقْبل بِالتَّحْرِيمِ (لَيْسَ نسخا) لِأَن النّسخ رفع لحكم شَرْعِي وَالْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة لَيست إِيَّاه على الْمُخْتَار وَقد مر. مسئلة (يجوز نسخ السّنة بِالْقُرْآنِ) عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء والمتكلمين ومحققي الشَّافِعِيَّة (وَأَصَح قولي الشَّافِعِي الْمَنْع) فَإِنَّهُ قَالَ لَا ينْسَخ كتاب الله إِلَّا كتاب الله كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئ بفرضه فَهُوَ المزيل الْمُثبت بِمَا شَاءَ مِنْهُ جلّ جَلَاله وَلَا يكون ذَلِك لأحد من خلقه، وَهَكَذَا سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاخْتلف أَصْحَابه فَقيل المُرَاد نفي الْجَوَاز الْعقلِيّ، وَنسب إِلَى المحاسبي وَعبد الله ابْن سعيد والقلانسي وهم من أكَابِر أهل السّنة، ويروى عَن أَحْمد وَأبي إِسْحَاق الاسفراينى وَأبي الطّيب الصعلوكي وَأبي مَنْصُور، وَقيل لم يمْنَع الْعقل والسمع لكنه لم يقل وَهُوَ قَول ابْن سُرَيج. قَالَ السُّبْكِيّ: وَنَصّ الشَّافِعِي لَا يدل على أَكثر مِنْهُ ثمَّ قَالَ حَيْثُ وَقع نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ فمعها قُرْآن عاضد لَهَا يبين توَافق الْكتاب وَالسّنة أَو نسخ السّنة بِالْقُرْآنِ فمعه سنة عاضدة لَهُ تبين توافقهما (لنا لَا مَانع) عَقْلِي وَلَا شَرْعِي من ذَلِك (وَوَقع) والوقوع دَلِيل الْجَوَاز (فَإِن التَّوَجُّه إِلَى الْقُدس) أَي بَيت الْمُقَدّس (لَيْسَ فِي الْقُرْآن وَنسخ) التَّوَجُّه إِلَيْهِ (بِهِ) أَي بِالْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى - {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} - (وَكَذَا حُرْمَة الْمُبَاشرَة) بقوله تَعَالَى - {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} - الْآيَة فَإِن تَحْرِيمهَا لَيْسَ فِي الْقُرْآن (وتجويز كَونه) أَي نسخ كل مِنْهُمَا (بِغَيْرِهِ) أَي غير الْقُرْآن (من سنة أَو) تَجْوِيز ثُبُوت حكم (الأَصْل) فِيهَا (بِتِلَاوَة) أَي بمتلو من الْقُرْآن (نسخت وَذَلِكَ) التجويز (على) تَقْدِير (الْمُوَافقَة) فِيهِ مَعَ الْخصم (احْتِمَال بِلَا دَلِيل) فَلَا يسمع (ثمَّ لَو صَحَّ) مَا ذكرْتُمْ من التجويز الْمَذْكُور (لم يتَعَيَّن نَاسخ علم تَأَخره مَا لم يقل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا نَاسخ) لكذا وَنَحْوه لذَلِك الِاحْتِمَال (وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع قَالُوا أَي المانعون) أَولا قَوْله تَعَالَى - {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} - يقتضى أَن شَأْنه الْبَيَان للْأَحْكَام، والنسخ رفع لَا بَيَان (أُجِيب) بِتَسْلِيم شَأْنه وَمنع أَنه لَيْسَ بِبَيَان بقوله (والنسخ) رفع لَا بَيَان (مِنْهُ) أَي من الْبَيَان لِأَنَّهُ بَيَان انْتِهَاء مُدَّة الحكم (قَالُوا) ثَانِيًا نسخ السّنة بِالْقُرْآنِ (يُوجب التنفير) للنَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ يفهم أَن الله تَعَالَى لم يرض بِمَا سنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ منَاف لمقصد الْبعْثَة وَهُوَ التأسي بِهِ والاقتداء (أُجِيب) بِأَنا لَا نسلم حُصُول النفرة على تَقْدِير النّسخ (إِذا آمنا بِأَنَّهُ مبلغ) وسفير يعبر بِهِ عَن الله تَعَالَى لَا غير، وَإِذا كَانَ التَّصَرُّف كُله من الله - {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} -

الْمَذْكُورَة (وَهَذَا) أَي كَون مَا شرع الحكم عِنْده لحُصُول الْحِكْمَة مَظَنَّة الْحِكْمَة إِلَى آخِره (معنى اشتماله) أَي الْوَصْف (على حِكْمَة مَقْصُودَة للشارع من شرع الحكم) والإ فَنَفْس الْوَصْف غير مُشْتَمل لذَلِك، إِذْ الاسكار الَّذِي هُوَ عِلّة حُرْمَة الْخمر مثلا لَا يشْتَمل على الْحِكْمَة الْمَقْصُودَة وَهِي حفظ الْعُقُول من شرع الحكم الَّذِي هُوَ التَّحْرِيم بل على ذهَاب الْعقل (فحقيقة الْعلَّة) فِي الْعُقُود (الرِّضَا) لِأَنَّهُ مَظَنَّة أَمر هُوَ الْحَاجة، وَتَحْصِيل الْحِكْمَة الَّتِي هِيَ دفع الْحَاجة من شرع الحكم الْخَاص، وَهُوَ ملك الْبَدَل وحله مَعَه وَلكنه خَفِي لِأَنَّهُ أَمر قلبِي لَا اطلَاع للنَّاس عَلَيْهِ (وَإِذ خفى) الرضى (علق الحكم) وَهُوَ ملك الْبَدَل وحله (بالصيغة فَهِيَ) أَي الصِّيغَة (الْعلَّة اصْطِلَاحا وَهِي) أَي الصِّيغَة (دَلِيل مَظَنَّة مَظَنَّة مَا تحصل الْحِكْمَة مَعَه بالحكم) إِذْ هِيَ مَظَنَّة الرضى الَّذِي هُوَ مَظَنَّة الْحَاجة الَّتِي شرع الحكم الَّذِي هُوَ ملك الْبَدَل مِنْهُ لدفع الْحَاجة الَّتِي هِيَ الْمصلحَة (فَظهر أَن الرضى لَيْسَ الْحِكْمَة) فِي التِّجَارَة (كَمَا قيل) قَالَه عضد الدّين، وَهَذَا مِثَال الثَّالِث (وَالْقَتْل الْعمد الْعدوان مَظَنَّة انتشاره) أَي الْعدوان (إِن لم يشرع الْقصاص فَوَجَبَ) الْقصاص (دفعا لَهُ) أَي لانتشار الْعدوان وَهَذَا مِثَال الثَّانِي فاللف والنشر مشوش (وَكَون الْوَصْف كَذَلِك) أَي بِحَيْثُ يكون مَظَنَّة الْحِكْمَة إِلَى آخِره وَجعل الشَّارِح الْإِشَارَة إِلَى كَونه بِحَيْثُ شرع الحكم عِنْده لحُصُول الْحِكْمَة لِأَنَّهَا مظنتها، وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه حِينَئِذٍ لَا يُنَاسب قَوْله (فَهُوَ) (مَا قَالَ أَبُو زيد) الخ لِأَنَّهُ محصول مَا قُلْنَا، وَشرع الحكم عِنْده أَمر زَائِد عَلَيْهِ لَا يسلتزمه، نعم ذكر صدر الشَّرِيعَة أَن أَصْحَابنَا اعتبروا فِي الْمُنَاسبَة اعْتِبَار الشَّارِع عين الْوَصْف أَو جنسه فِي نوع الحكم أَو جنسه لذَلِك، وَقد عرفت تَفْسِيره، وَالضَّمِير رَاجع إِلَى الْوَصْف (وَهُوَ) أَي الْوَصْف (مناسبته) خبر الْمُبْتَدَأ (كَذَلِك الْمُنَاسب فَهُوَ) أَي مَا ذكرنَا فِي تَفْسِير الْمُنَاسب بِحُصُول مَا قَالَ أَبُو زيد (مَا لَو عرض على الْعُقُول) كَونه عِلّة الحكم (تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ وَكَون الشَّارِع قضى بالحكم عِنْده) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور (للحكمة اعْتِبَاره) أَي الشَّارِع لذَلِك الْوَصْف أَو الْوَصْف، وَهَذَا أَيْضا يُؤَيّد مَا ذكرنَا فِي تَفْسِير الْمُنَاسبَة (ومعرفته) أَي معرفَة اعْتِبَار الشَّارِع إِيَّاه (مسالك الْعلَّة) وطرقها (وَشَرطهَا) أَي اشْتِرَاط الْعلَّة فِي كل حكم بِحَسب نفس الْأَمر (تفضل) من الله تَعَالَى على الْعباد (لَا وجوب) كَمَا زعمت الْمُعْتَزلَة، تَعَالَى عَن ذَلِك، نعم لَو فسروا الْوُجُوب بِأَنَّهُ أَمر لَا بُد مِنْهُ لَا يتَخَلَّف أَلْبَتَّة فَلَا نزاع، وَلَكِن إِن نفوا قدرته على خلاف ذَلِك فالتنزيه عَنهُ وَاجِب (وَهَذَا) أَي القَوْل بالاشتراط حَاصِل معنى (مَا يُقَال: الْأَحْكَام مَبْنِيَّة على مصَالح الْعباد دنيوية كَمَا ذكر) من الرُّخْصَة للْمُسَافِر وَدفع الْحَاجة وَدفع انتشار الْفساد (وأخروية للعبادات) أَي موعودة للعبادات (وَهُوَ) أَي كَونهَا مَبْنِيَّة على مصالحهم (وفَاق) أَي مَحل اتِّفَاق (بَين النافين للطرد) أَي

الْقَائِلين بِأَن الْعلَّة لَا تصح إِلَّا بالمناسبة (وَإِن اخْتلف اسْمه) أَي التَّعْبِير عَن هَذَا، إِذْ مِنْهُم من قَالَ أَحْكَام الشَّارِع مَبْنِيَّة على مصَالح الْعباد، وَمِنْهُم من قَالَ أَفعَال البارئ سُبْحَانَهُ معللة بمصالح الْعباد، أَو معللة بالأغراض كالمعتزلة، نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه قَالَ: فَلَو قيل النزاع لَفْظِي جَازَ (وَمنع أَكثر الْمُتَكَلِّمين) الِاشْتِرَاط الْمَذْكُور مُبْتَدأ (لظنهم لُزُوم استكماله فِي ذَاته كَمَا لَا لم يكن) أَي ظنُّوا لِأَنَّهُ لَو اشْترط لزم أَن يكون الْحق سُبْحَانَهُ طَالبا بِوُقُوع تِلْكَ الْأَفْعَال حُصُول كَمَال فِي ذَاته لم يكن لَهُ قبل ذَلِك، وَهَذَا نقص فِي حَقه سُبْحَانَهُ (ذُهُول) خبر للمبتدأ: يَعْنِي أَنهم ذهلوا عَن أَمر ظَاهر كَانُوا يعلمونه بل صَرَّحُوا بِهِ مرَارًا (بل) إِنَّمَا يلْزم (ذَلِك) الاستكمال (لَو رجعت) الْمصَالح (إِلَيْهِ) تَعَالَى (أما) إِذا رجعت (إِلَى غَيره) من الْعباد (فَمَمْنُوع) لُزُوم ذَلِك. قَالَ الشَّارِح أَنه قَالَ المُصَنّف قَوْله مَمْنُوع يُشِير إِلَى أَنه على تَقْدِير رُجُوعهَا إِلَى الْعباد أَيْضا ألزموا مثل ذَلِك؟ وَهُوَ أَن رُجُوعهَا إِلَى الْعباد يسْتَلْزم كمالا لَهُ فَأجَاب بِمَنْع ذَلِك (بل هُوَ) أَي رُجُوع الْمصَالح إِلَى الْفُقَرَاء (أثر كَمَاله الْقَدِيم) وَهُوَ كَونه فِي الْأَزَل مفيضا معطيا جوادا بِالْإِطْلَاقِ الْعَام فَإِن صدق الْمُطلقَة دائمي فَإِن قلت فرق بَين أَن تكون الْإِفَاضَة فِي عَالم الْإِمْكَان وَبَين أَن تخرج من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل، فَإِن مَا بِالْفِعْلِ لَهُ مزية على مَا بالقوه، وَلِهَذَا يُسَمِّيه الحكم كمالا فَالْجَوَاب مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَلَا يخفى أَن اللَّازِم فِي المتجدد) أَي الْمَحْذُور الَّذِي ادعيتم أَن لُزُومه فِيمَا يَتَجَدَّد وَيحدث من مصَالح الْعباد على تَقْدِير الِاشْتِرَاط الْمَذْكُور (بتعلق الْأَحْكَام) أَي بِسَبَب تعلقهَا بهم (لَازم فِي فواضله) أَي يلْزم بِعَيْنِه فِي انعاماته (المتجددة) الذوات والاقتضاء المستمرة (فِي ممر الْأَيَّام على الْأَنَام) قَالَ الشَّارِح: أَنه قَالَ المُصَنّف هَذَا إِلْزَام على قَوْلهم يلْزم كَمَال لَهُ لم يكن أَي لَو صَحَّ مَا ذكرْتُمْ لزم مثله فِي الْمصَالح الْوَاصِلَة إِلَى الْعباد ابْتِدَاء لَا بِوَاسِطَة شرع من إِنْزَال الْمَطَر وإنبات الشّجر والأقوات إِلَى غير ذَلِك (فَمَا هُوَ جوابهم) أَي المانعين (فِيهِ) أَي فِي الْإِلْزَام الْمَذْكُور فَهُوَ (جَوَابنَا) عَن كَون الْأَحْكَام مَبْنِيَّة على مصَالح الْعباد (وَلَقَد كثرت لَوَازِم بَاطِلَة لكلامهم) كَمَا عرف فِي فن الْكَلَام فَلَا يعول عَلَيْهَا. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَالْحق أَن تَعْلِيل بعض الْأَفْعَال سِيمَا شَرْعِيَّة الْأَحْكَام بالحكم والمصالح ظَاهر كإيجاب الْحُدُود وَالْكَفَّارَات وَتَحْرِيم المسكرات وَمَا أشبه ذَلِك، والنصوص أَيْضا شاهدة بذلك كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون}. من أجل ذَلِك كتبنَا على بني إِسْرَائِيل. فَلَمَّا قضى زيد - إِلَى قَوْله تَعَالَى - {لكيلا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج} - وَلِهَذَا كَانَ الْقيَاس حجَّة إِلَّا عِنْد شرذمة لَا يعْتد بهم، وَأما تَعْمِيم ذَلِك بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو فعل من أَفعاله من غَرَض فَمحل بحث (وَالْأَقْرَب) إِلَى التَّحْقِيق (أَنه) أَي الْخلاف (لَفْظِي مَبْنِيّ على معنى الْغَرَض) فَمن فسره بِالْمَنْفَعَةِ العائدة إِلَى الْفَاعِل قَالَ لَا تعلل وَلَا يَنْبَغِي أَن

يُنَازع فِي هَذَا، وَمن فسره بالعائدة إِلَى الْعباد قَالَ تعلل وَكَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَن يُنَازع فِيهِ (أَو) أَنه (غلط) وَقع (من اشْتِبَاه الحكم بِالْفِعْلِ فاذكر مَا قدمْنَاهُ) فِي فصل الحكم (من أَنه) عز وَجل (غير مُخْتَار فِيهِ) أَي فِي الحكم لِأَنَّهُ قديم، وَأثر الْفَاعِل الْمُخْتَار لَا يكون إِلَّا حَادِثا، وَهُوَ فِي حق صِفَاته الْقَدِيمَة فَاعل مُوجب وَفِي حق غَيرهَا مُخْتَار (بِخِلَاف الْفِعْل) فَإِنَّهُ مُخْتَار فِيهِ تَعَالَى فَمن لم يُعلل الْفِعْل اشْتبهَ عَلَيْهِ بالحكم (غير أَن اتصافه) تَعَالَى (بأقصى مَا يُمكن من الكمالات مُوجب لموافقة حكمه للحكمة بِمَعْنى أَنه لَا يَقع إِلَّا كَذَلِك) أَي على الْوَجْه الْمُوَافق للحكمة (وَإِذ لزم فِيهَا الْمُنَاسبَة بطلت الطردية) أَي الْوَصْف الَّذِي لم يتَحَقَّق فِيهِ الْمُنَاسبَة (لِأَن عَلَيْهِ الْوَصْف) أَي الحكم بِأَن هَذَا الْوَصْف عِلّة لهَذَا الحكم (حكم نَظَرِي بتعلق حكمه) تَعَالَى (عِنْده) أَي ذَلِك الْوَصْف الْبَاء صلَة الحكم: يَعْنِي مَضْمُون ذَلِك أَن حكم الله تَعَالَى مُتَعَلق بِهَذَا الْمحل عِنْد هَذَا الْوَصْف، وَقد عرفت كَيْفيَّة التَّعَلُّق (وَهِي) أَي الطردية اباطة الحكم بهَا قَول (بِلَا دَلِيل فبطلت، وَمَا قيل) قَائِله ابْن الْحَاجِب من أَن بطلَان الطردية (للدور لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ) أَي حِين كَونهَا طردية (أَمارَة مُجَرّدَة لَا فَائِدَة لَهَا إِلَّا تَعْرِيف الحكم) للْأَصْل (فتوقف) الحكم عَلَيْهَا (وَكَونهَا مستنبطة مِنْهُ) أَي الحكم (يُوجب توقفها عَلَيْهِ) أَي الحكم (مَدْفُوع) خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي مَا قيل (بِأَن الْمُعَرّف لحكم الأَصْل النَّص، وَهِي) الطردية معرفَة (أَفْرَاد الأَصْل فَيعرف حكمهَا) أَي أَفْرَاد الأَصْل (بِوَاسِطَة ذَلِك) أَي عرفان أَفْرَاد الأَصْل (مثلا معرف حُرْمَة الْخمر النَّص والإسكار يعرف) الجزئي (الْمشَاهد أَنه مِنْهَا) أَي من أَفْرَاد الأَصْل (فتعرف حرمته) أَي الأَصْل (فِيهِ) أَي فِي الْمشَاهد (فَلَا دور، ثمَّ لَيْسَ) تَعْرِيف الْعلَّة لأفراد الأَصْل أمرا (كليا بل) إِنَّمَا هُوَ (فِيمَا) أَي وصف (لَهُ لَازم ظَاهر خَاص كرائحة الْمُسكر إِن لم يشركها) أَي الْخمر (فِيهَا) أَي الرَّائِحَة (غَيرهَا) أَي الْخمر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن لَهُ لَازم كَذَا أَو شاركها غَيرهَا (فتعريف الْإِسْكَار بِنَفسِهِ) أَي معرفَة الْإِسْكَار فِي حد ذَاته لمن يُرِيد الحكم بِحرْمَة الْمشَاهد (لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِشرب) الْفَرد (الْمشَاهد) لعدم اللَّازِم الْمَذْكُور فالشرب طَرِيق مَعْرفَته فتتوقف الحكم بِحرْمَة الْمشَاهد على شربه (وَهُوَ) أَي توقفها عَلَيْهِ (بَاطِل) بِالْإِجْمَاع (وَكَون الْإِسْكَار طردا) إِنَّمَا هُوَ (على) قَول (الْحَنَفِيَّة) لِأَن حُرْمَة الْخمر عِنْدهم لعينها (وعَلى) قَول (غَيرهم هُوَ) أَي الْإِسْكَار (مِثَال) لِلْعِلَّةِ. (وَالْكَلَام فِي تقسيمها) أَي الْعلَّة (وشروطها وطرق مَعْرفَتهَا) الدَّالَّة على اعْتِبَار الشَّارِع عليتها (فِي مراصد) ثَلَاثَة.

المرصد الأول في تقسيمها

المرصد الأول: فِي تقسيمها (تَنْقَسِم) الْعلَّة (بِحَسب الْمَقَاصِد، و) بِحَسب (الْإِفْضَاء إِلَيْهَا) أَي إِلَى الْمَقَاصِد (و) بِحَسب (اعْتِبَار الشَّارِع) لَهَا عِلّة. (فَالْأول) أَي انقسامها بِحَسب الْمَقَاصِد (وَهُوَ) أَي هَذَا الانقسام (بِالذَّاتِ للمقاصد ويستتبعه) أَي يستتبع انقسام الْمَقَاصِد انقسام الْعلَّة (وَهِي) أَي الْمَقَاصِد الَّتِي تدل على اعْتِبَار الْوَصْف (ضَرُورِيَّة) وَهِي مَا انْتَهَت الْحَاجة إِلَيْهَا إِلَى حد الضَّرُورَة، وَلِهَذَا (لم تهدر فِي مِلَّة) من الْملَل السالفة، بل روعيت لما يتَوَقَّف عَلَيْهَا نظام الْعَالم وَأَنه لَا يبْقى النَّوْع مُسْتَقِيم الْحَال إِلَّا بهَا وَهِي خَمْسَة (حفظ الدّين بِوُجُوب الْجِهَاد وعقوبة الدَّاعِي إِلَى الْبدع، وَقد يُوَجه للحنفية أَنه) أَي وجوب الْجِهَاد (لكَوْنهم) أَي الْكفَّار (حَربًا علينا لَا) ل (كفرهم وَلذَا) لَا تقتل الْمَرْأَة) لعدم كَونهَا أَهلا للحرب غَالِبا (والرهبان) أَي المعتزلون عَن النَّاس لِلْعِبَادَةِ إِذا لم يزِيدُوا على الْكفْر بسلطنة أَو قتال أَو رَأْي أَو حث عَلَيْهِ بِمَال أَو مُطلقًا فَإِن مثلهم لَا يَتَأَتَّى مِنْهُم الْحَرْب غَالِبا (وَقبلت الْجِزْيَة) مِمَّن هُوَ أهل لَهَا لعدم الْحِرَابَة وتقوى الْمُسلمين بهَا (ولزمت المهادنة) أَي الْمُصَالحَة إِذا احْتِيجَ إِلَيْهَا لانْتِفَاء حربهم مَعَ وجود كفرهم (وَلَا يُنَافِيهِ) أَي وجوب الْجِهَاد لكَوْنهم حَربًا علينا وُجُوبه لحفظ الدّين، فَإِنَّهُ لَا يتم مَعَ خرابتهم فَإِنَّهَا مفضية إِلَى قتل الْمُسلم أَو تفتنه عَن دين الْإِسْلَام، ويؤيدهم الْإِجْمَاع على عدم قتل الذِّمِّيّ والمستأمن وَالصَّبِيّ وَالْمَرْأَة إِلَى غير ذَلِك (و) حفظ (النَّفس بِالْقصاصِ، و) حفظ (الْعقل بِكُل من حُرْمَة) السكر (وَحده) أَي الْمُسكر (و) حفظ (النّسَب بِكُل من حُرْمَة الزِّنَا وَحده، و) حفظ (المَال بعقوبة السَّارِق والمحارب) وَزَاد السُّبْكِيّ وَغَيره حفظ الْعرض بِحَدّ الْقَذْف (وَيلْحق بِهِ) أَي بالضروري (مكملة من حُرْمَة قَلِيل الْخمر الْمُسكر وَحده) أَي حد قليلها مَعَ أَنه لَا يزِيل الْعقل (إِذْ كَانَ) قليلها (يَدْعُو إِلَى كثير) مِنْهَا بِمَا يُورث النَّفس من الطَّرب الْمَطْلُوب زِيَادَته، وَالشَّارِح قَرَأَهَا بِالْهَاءِ وَاعْتذر عَن التَّذْكِير بِأَنَّهُ بِتَأْوِيل الْمُسكر، وَفِيه مَا فِيهِ (فيزيل) كثيرها (الْعقل فتحريم كل) فعل (دَاعِيَة) إِلَى محرم (مُقْتَضى) هَذَا (الدَّلِيل) بِمَعْنى تَحْرِيم الْقَلِيل لكَونه يَدْعُو إِلَى التكثير، ثمَّ أَنه (ثَبت الشَّرْع على وَفقه) أَي مُقْتَضَاهُ (فِي الِاعْتِكَاف وَالْحج) فَحرمت دواعي الْجِمَاع فِيهِ كَمَا حرم الْجِمَاع (و) ثَبت (على خِلَافه فِي الصَّوْم) فَلم تحرم دواعي الْجِمَاع فِيهِ كَمَا حرم الْجِمَاع، وَإِنَّمَا يكره إِذا لم يَأْمَن على نَفسه (وَلم يثبت) الشَّرْع على خِلَافه (فِي الظِّهَار فتحريم) الْجِمَاع (الْحَنَفِيَّة إِيَّاهَا) أَي الدَّوَاعِي (فِيهِ) أَي الظِّهَار (على وَفقه وَهَذَا) الْمَقْصُود الضَّرُورِيّ والمكمل لَهُ هُوَ (الْمُنَاسب الْحَقِيقِيّ، ودونها) أَي الضرورية مَقَاصِد

(حاجية) لم تَنْتَهِ إِلَى حد الضَّرُورَة (شرع) إِلَى دونهَا (لَهَا) أَي للْحَاجة إِلَيْهَا (نَحْو البيع) لملك الْعين بعوض (وَالْإِجَارَة) لملك الْمَنْفَعَة كَذَلِك (والقراض) للمشتركين فِي الرِّبْح بِمَال من وَاحِد وَعمل من الآخر (وَالْمُسَاقَاة) كدفع الشّجر إِلَى من يعْمل فِيهِ بِجُزْء من ثَمَرَة (فَإِنَّهَا) أَي هَذِه المشروعات (لَو لم تشرع لم يلْزم فَوَات شَيْء من الضروريات) الْخمس (إِلَّا قَلِيلا كالاستئجار لإرضاع من لَا مُرْضِعَة لَهُ وتربيته وَشِرَاء المطعوم والملبوس للعجز عَن الِاسْتِقْلَال بالتسبب فِي وجودهَا) أَي الْمَذْكُورَات فاحتيج (إِلَى دفع حَاجته) أَي الْمُحْتَاج إِلَيْهَا (بهَا) أَي إِطْلَاق الحاجي هَذِه الْعُقُود، فَهَذِهِ المستثنيات من قبيل الضَّرُورِيّ لحفظ النَّفس لِأَن الْهَلَاك قد يحصل بِتَرْكِهَا (فالتسمية) أَي إِطْلَاق الحاجي على الْمَذْكُورَات (بِاعْتِبَار الْأَغْلَب) فَإِن أَكثر الشراآت والإجارات مُحْتَاج إِلَيْهِ، لَا ضَرُورِيّ (ومكملها) أَي مكمل الحاجية أَيْضا دون الضرورية بل هُوَ أولى بذلك (كوجوب رِعَايَة الْكَفَاءَة وَمهر الْمثل على الْوَلِيّ فِي) تَزْوِيج (الصَّغِيرَة) فَإِن أصل الْمَقْصُود من شرع النِّكَاح وَإِن كَانَ حَاصِلا بِدُونِهَا لَكِنَّهَا إفضاء إِلَى دَوَامه وإتمام مقاصده من الألفة وَغَيرهَا فَوَجَبَ رعايتها احْتِرَازًا عَن الاختلال (إِلَّا لدلَالَة عِنْد أبي حنيفَة وَحده على حُصُول الْمَقْصُود دونهَا) أَي دون رعايتها، اسْتثِْنَاء من وجوب رعايتها على مَذْهَب أبي حنيفَة وَحده من غير مُشَاركَة أَصْحَابه مَعَه: أَي وَجب رعايتها عِنْد الْكل فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا عِنْده إِذا دلّ الدَّلِيل على حُصُول الْمَقْصُود الَّذِي هُوَ مَبْنِيّ وجوب الرِّعَايَة بِدُونِ الرِّعَايَة وسيظهر لَك كَيْفيَّة الدّلَالَة (كتزويج أَبِيهَا) أَي الصَّغِيرَة أوجدها الصَّحِيح أبي أَبِيهَا (من عبد وبأقل) من مهر مثلهَا، وكل مِنْهَا غير مَعْرُوف بِسوء الِاخْتِيَار وَلَا بالمجانة وَالْفِسْق، فَإِن عِنْد ذَلِك لَا تتَحَقَّق الدّلَالَة على حُصُول الْمَقْصُود لعدم كَمَال الرَّأْي ووفورا لشفقة فَإِن الْأَب بِاعْتِبَار كَمَال قربه مَظَنَّة وفور الشَّفَقَة فَلَا يتْرك رعايتها إِلَّا لمصْلحَة تربو عَلَيْهَا. فاتضح كَيْفيَّة الدّلَالَة، بِخِلَاف غَيرهمَا من الْعصبَة لوفور الشَّفَقَة وَالأُم لنُقْصَان الرَّأْي (وَهَذَا) الْقسم الْمُشْتَمل على الحاجي ومكمله (الْمُنَاسب المصلحي، وَغير الحاجي) المصلحي (تحسيني) أَي من قبيل رِعَايَة أحسن المناهج فِي محَاسِن الْعَادَات (كَحُرْمَةِ القاذورات حثا على مَكَارِم الْأَخْلَاق والتزام الْمُرُوءَة) قَالَ تَعَالَى فِي وصف نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - {يحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} - وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " بعثت لأتمم مَكَارِم الْأَخْلَاق " (وكسلب العَبْد) وَإِن كَانَ ذَا رَأْي يظنّ صدقه (أَهْلِيَّة الْولَايَة من الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَغَيرهمَا) كالإمامة الْكُبْرَى لانحطاط رتبته عَن الْحر لكَونه مستسخرا للْمَالِك مَشْغُولًا بخدمته فَلَا تلِيق بِهِ المناصب الشَّرِيفَة إِجْرَاء للنَّاس على مَا ألفوه من الْعَادَات المستحسنة.

(الثَّانِي) انقسامها بِحَسب الْإِفْضَاء، وأقسامه (خَمْسَة: لِأَن حُصُول الْمَقْصُود) من شرع الحكم عِنْد الْوَصْف لجلب الْمَنْفَعَة للْعَبد أَو دفع الْمفْسدَة أَو لكليهما فِي الدُّنْيَا أَو الْآخِرَة (إِمَّا) أَن يكون (يَقِينا كَالْبيع للْحلّ) أَي لثُبُوت الْملك فِي الْبَدَلَيْنِ حَلَالا (أَو ظنا كَالْقصاصِ للإنزجار) عَن الْقَتْل الْعمد الْعدوان فَإِن صِيَانة النَّفس تحصل بِهِ ظنا (لأكثرية الممتنعين عَنهُ) أَي عَن الْقَتْل الْعمد الْعدوان بِالنِّسْبَةِ إِلَى المقدمين عَلَيْهِ (والاتفاق) ثَابت (عَلَيْهِمَا) أَي على هذَيْن الْقسمَيْنِ (أَو شكا أَو وهما) وَفِيه خلاف (وَالْمُخْتَار فيهمَا الِاعْتِبَار) ثمَّ مَا تساوى فِيهِ حُصُوله ونفيه لَا مِثَال لَهُ فِي الشَّرْع على التَّحْقِيق بل على التَّقْرِيب (كَحَد الْخمر) فَإِنَّهُ شرع (للزجر) عَن شربهَا لحفظ الْعقل (وَقد ثَبت) حَدهَا (مَعَ الشَّك فِيهِ) أَي الإنزجار عَن شربهَا لِأَن استدعاء الطباع شربهَا يُقَاوم خوف عِقَاب الْحَد، وَلَا يظْهر عَادَة غَلَبَة أَحدهمَا، وَاعْترض بِأَن ذَلِك للمسامحة فِي إِقَامَة الْحُدُود وَالْكَلَام مَبْنِيّ على فرض الْإِقَامَة وَأجِيب بِأَنَّهُ على ذَلِك التَّقْدِير أَيْضا لَا شكّ أَن الانزجار بِحَدّ الشّرْب دون الانزجار بِالْقصاصِ، وَهُنَاكَ ظَنِّي فَيكون هَهُنَا مشكوكا، وَفِيه مَا فِيهِ فَإِن قلت إِن أُرِيد بظنية حُصُول الْحِكْمَة ظن ترتبها على الحكم بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل من خُوطِبَ بِهِ فَهُوَ غير صَحِيح للْقطع بترتبها فِي الْبَعْض وَلعدم ترتبها فِي الآخر، وَإِن أُرِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعْض فَهُوَ حَاصِل فِي جَمِيع الْأَحْكَام قطعا قُلْنَا نَخْتَار الأول وَالظَّن حَاصِل فِي كل شخص إِذا نظر الْفِعْل إِلَى نفس الحكم وَالْحكمَة وَمن خُوطِبَ بِهِ مَعَ قطع النّظر عَن الِاطِّلَاع على حَاله فِي الْخَارِج من حَيْثُ حُصُوله الْحِكْمَة فِي حَقه وَعدمهَا غير أَن ظَاهر قَوْله لأكثرية الممتنعين إِلَى آخِره يَأْبَى عَنهُ، فلك أَن تحمله على التَّنْوِير والتأييد لَا على الِاسْتِدْلَال، وَيُؤَيّد مَا قُلْنَا قَوْلهم لِأَن استدعاء الخ فَإِنَّهُ يُشِير إِلَى أَن استدعاء الطباع الانتقام لَا يُقَاوم خوف الْقصاص، أَلا ترى أَن الممتنعين عَنهُ أَكثر، فقد يخْتَلف فِي بعض الْأَحْكَام حَال أَفْرَاد من خُوطِبَ بِهِ نظرا إِلَى أَحْوَالهم كالملك المرفه وَالْفَقِير الضَّعِيف فِي رخصَة السّفر والمشرقي المتزوج بالمغربية والمصاحب امْرَأَته فِي إِلْحَاق الْوَلَد إِلَى العقد لنفي التُّهْمَة (ورخصة السّفر) شرعت (للْمَشَقَّة وَالنِّكَاح وللنسل) وَقد (ثبتا مَعَ ظن الْعَدَم) أَي عدم الْمَشَقَّة والنسل (فِي) سفر (ملك مرفه) يسير فِي كل يَوْم مِقْدَارًا لَا يتعبه (و) نِكَاح (آيسة، فَعلم أَن الْمُعْتَبر) فِي إفضاء الْوَصْف للْحكم (الْحُصُول فِي جنس الْوَصْف لَا فِي كل جزئي) من جزئياته (وَلَا) فِي (أَكْثَرهَا) أَي الجزئيات (أَو) يكون يَقِين الْعَدَم كإلحاق ولد مغربية بمشرقي) تزوج بهَا وَقد (علم عدم تلاقيهما جعلا للْعقد مَظَنَّة حُصُول النُّطْفَة فِي الرَّحِم وَوُجُوب الِاسْتِبْرَاء) المجعول مَظَنَّة لبراءة الرَّحِم من الْوَلَد (على من اشْتَرَاهَا) أَي أمة (فِي مجْلِس رَبِيعه) إِيَّاهَا لآخر فِيهِ وَلم يغيبا عَنهُ، وَهَذَا مُخْتَلف فِيهِ أَيْضا

(وَالْجُمْهُور على مَنعه) أَي اعْتِبَار هَذَا الطَّرِيق (لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة بالمظنة) وَمحل ظن وجود الْحِكْمَة (مَعَ الْعلم بِانْتِفَاء المئنة) أَي نفس الْحِكْمَة (وَنسب) فِي بعض شُرُوح البديع (إِلَى الْحَنَفِيَّة اعْتِبَاره) أَي هَذَا الطَّرِيق (وَلَا شكّ فِي الثَّانِي) أَي فِي انْتِفَاء المئنة فِي الْأمة الْمَذْكُورَة للْقطع بِعَدَمِ الْجِمَاع (بِخِلَاف الأول) أَي ولد المغربية الْمَذْكُورَة (لتعذر الْقطع بِعَدَمِ الملاقاة) بَينهمَا لجَوَاز أَن يكون صَاحب كَرَامَة أَو صَاحب جني (ومجيزه) أَي هَذَا الطَّرِيق (أَبُو حنيفَة لَا هما) أَي صَاحِبَاه، وَإِنَّمَا أجَازه (نظرا إِلَى ظَاهر الْعلَّة) يَعْنِي العقد (لَا إِلَى مَا تضمنته) الْعلَّة (من الْحِكْمَة) أَي النّسَب كَمَا قَالَه الْجُمْهُور (أما لَو لم تخل) الْعلَّة (مصلحَة الْوَصْف) أَي مصلحَة يتضمنها الْوَصْف بِأَن كَانَت مَوْجُودَة فِيهَا (لَكِن استلزم شرع الحكم لَهَا) أَي لتِلْك الْمصلحَة (مفْسدَة تساويها) أَي تِلْكَ الْمصلحَة (أَو ترجحها فَقيل لَا تنخرم الْمُنَاسبَة) الْمُعْتَبرَة فِي الْعلَّة (الْمُوجبَة للاعتبار) نعم ينتفى الحكم بِوُجُود الْمَنَافِع، وَهَذَا اخْتِيَار الرَّازِيّ (ومختار الْآمِدِيّ وَأَتْبَاعه الانخرام لِأَنَّهُ لَا مصلحَة مَعَ مُعَارضَة مفْسدَة مثلهَا) فِي الرُّتْبَة، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت حقيرة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمصلحَة فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تمنع اعْتِبَار الحكم (وَمن قَالَ بِعْهُ بِرِبْح مثل مَا تخسر) يَعْنِي بِعْ متاعك بِرِبْح نظرا إِلَى مشتراك وَخذ فِي مُقَابلَته مَتَاعا فِيهَا خسارة مِقْدَار ذَلِك الرِّبْح (عد) هَذَا البيع (خَارِجا عَن تصرف الْعُقَلَاء قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الانخرام (لَا ترجح مصلحَة) صِحَة (الصَّلَاة فِي) الأَرْض (الْمَغْصُوبَة) على مفْسدَة حرمتهَا فِيهَا، بل هِيَ إِمَّا مُسَاوِيَة أَو دونهَا وَقد جَازَت فهيا فَعلم عدم اشْتِرَاط رُجْحَان الْمصلحَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تكن مصلحتها مُسَاوِيَة للمفسدة وَلَا مرجوحة، بل تكون راجحة على الْمفْسدَة (أجمع على الْحل) أَي على حل الصَّلَاة فِي الْمَغْصُوبَة للاتفاق على عدم اعْتِبَار الْمفْسدَة المرجوحة (أُجِيب) عَن الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور بِأَن كلامنا فِيمَا إِذا نَشأ الْمصلحَة والمفسدة من شَيْء وَاحِد، وَهُوَ الْوَصْف، وَفِي الصَّلَاة الْمَذْكُورَة (لم ينشأ من) شَيْء (وَاحِد كَالصَّلَاةِ) فَإِن الْمفْسدَة لم تنشأ مِنْهَا بل من الْغَصْب، وَلذَا لَو شغلها بِغَيْر الصَّلَاة كَانَت الْحُرْمَة ثَابِتَة والمصلحة من الصَّلَاة وَلَو نشآ مَعًا من الصَّلَاة لما صحت قطعا (وَإِذا لزم) فِي عدم انحزام الْمُنَاسبَة (رُجْحَانهَا) أَي الْمصلحَة على الْمفْسدَة (فَلهُ) أَي للمرجح (فِي تَرْجِيح إِحْدَاهمَا) الْمصلحَة والمفسدة (عِنْد تعارضهما طرق تفصيلية فِي خصوصيات المسالك تنشأ) تِلْكَ الطّرق (مِنْهَا) أَي من تِلْكَ الخصوصيات (و) طَرِيق (إجمالي شَامِل) لجَمِيع الْمسَائِل (يسْتَعْمل فِي مَحل النزاع) وَهُوَ مَا أَفَادَهُ بقوله (لَو لم يقدر رُجْحَانهَا) أَي الْمصلحَة على الْمفْسدَة (هُنَا) أَي فِي مَحل النزاع (لزم التَّعَبُّد الْبَاطِل) أَي ثُبُوت الحكم لَا لمصْلحَة وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا إِنَّمَا هُوَ فِي أَحْكَام لم يقصر الْعقل عَن دَرك حكمهَا والمصالح فِيهَا (بِخِلَاف مَا قصر

عَن دركه) فَإِن التَّعَبُّد فِيهِ لَيْسَ بباطل، لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يُقَال فِيهِ أَن الحكم ثَبت لَا لمصْلحَة لقُصُور عقولنا عَن دركه، ثمَّ بَين السَّبَب فِي أَنهم اتَّفقُوا على اعْتِبَار الْوَصْف عِنْد رُجْحَان الْمصلحَة وَلم يتفقوا على الْغَايَة عِنْد رُجْحَان الْمفْسدَة بقوله: (قيل وَوُقُوع الِاتِّفَاق على الِاعْتِبَار عِنْد رُجْحَان الْمصلحَة دون الإلغاء لرجحان الْمفْسدَة لشدَّة اهتمام الشَّارِع برعاية الْمصَالح وابتناء الْأَحْكَام عَلَيْهَا فَلم تهمل) الْمصلحَة (مرجوحة على الِاتِّفَاق) بل كَانَت على الْخلاف. (وَأما الثَّالِث) أَي انقسام الْعلَّة بِسَبَب اعْتِبَار الشَّارِع الْوَصْف عِلّة (فَإِذا كَانَ الْقَصْد إصْلَاح المذهبين) للحنفية وَالشَّافِعِيَّة، وَفِي بعض النّسخ اصْطِلَاح المذهبين، وعَلى هَذَا يقدر الْمُضَاف: أَي بَيَان اصطلاحهما وعَلى الأول لَا يلْزم عدم اصطلاحهما فِي حد ذاتيهما قبله: بل بِاعْتِبَار النُّقْصَان فِي بَيَان ناقليهما (فَاخْتلف طرق الشَّافِعِيَّة من الْغَزالِيّ وَشَيْخه) إِمَام الْحَرَمَيْنِ (والرازي والآمدي اقتصرنا على) الطَّرِيق (الشهيرة) يَعْنِي قصدت اسْتِيفَاء مصلحاتهما فَوجدت كَثْرَة الِاخْتِلَاف على وَجه يطول الْكَلَام جدا بِاسْتِيفَاء الْأَقْوَال فاقتصرت على الشهيرة (المثبتة) المتقنة المحكمة وَترك الْأَقْوَال الضعيفة (وَالْمُنَاسِب بذلك) الْمحل (الِاعْتِبَار) أَي اعْتِبَار الشَّارِع ذَلِك الْوَصْف عِلّة أَرْبَعَة (مُؤثر وملائم وغريب ومرسل، فالمؤثر مَا) أَي وصف (اعْتبر عينه فِي عين الحكم بِنَصّ) من كتاب أَو سنة (كالحدث بالمس) أَي بِمَسّ الذّكر، فَإِن عين الْمس اعْتبر فِي عين الْحَدث فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ " وَهَذَا الْمِثَال على قَول الشَّافِعِيَّة (وعَلى) قَول (الْحَنَفِيَّة سُقُوط نَجَاسَة الْهِرَّة بالطوف) فَإِن عين الطوف اعْتبر فِي عين السُّقُوط بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " أَنَّهَا لَيست بنجسة إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات " (فتعدى) بسقوطها (إِلَى الْفَأْرَة) بِعَين الطّواف (والأوضح) فِي التَّمْثِيل (السكر فِي الْحُرْمَة) فَإِن عين السكر اعْتبر فِي عين التَّحْرِيم بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " كل مُسكر حرَام " وَجه الأوضحية أَن عين الْوَصْف وَعين الحكم منصوصان فِي هَذَا النَّص بِخِلَاف الْأَوَّلين فَإِن الْحَدث نَفسه غير مَنْصُوص وَكَذَا السُّقُوط فِي الْمِثَال الثَّانِي (أَو إِجْمَاع) مَعْطُوف على نَص (كولاية المَال بالصغر) أَو ولَايَة التَّصَرُّف للْوَلِيّ فِي مَال الصَّغِير، فَإِن عين الصغر اعْتبر فِي عين الولايتين بِالْإِجْمَاع (وَقد يُقَال) مَا اعْتبر (نَوعه) فِي نوع الحكم بدل عَنهُ فِي عينه كَمَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة (نفيا لتوهم اعْتِبَاره) أَي الْوَصْف (مُضَافا لمحل) كالسكر الْمَخْصُوص بِالْخمرِ وَالْحُرْمَة الْمَخْصُوصَة بهَا فَيكون للخصوصية مدْخل فِي الْعلية وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا سمى بالمؤثر لظُهُور تَأْثِيره فِي الحكم أَو الْإِجْمَاع وَالْمرَاد ثُبُوته بالِاتِّفَاقِ لذكر الْمُرْسل فِي مُقَابِله وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ فَلَا اتِّفَاق إِلَّا فِيهِ وَلم يعْتَبر الثُّبُوت بِالْقِيَاسِ. هَاهُنَا، لِأَن الْقيَاس فِي الْأَسْبَاب غير مُعْتَبر (والملائم مَا) أَي وصف (ثَبت) عينه

(مَعَه) أَي مَعَ عين الحكم (فِي الأَصْل مَعَ ثُبُوت اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو قلبه) أَي مَا ثَبت مَعَه فِي الأَصْل مَعَ اعْتِبَار جنسه فِي عين الحكم، سمى بِهِ لكَونه مُوَافقا لما اعْتَبرهُ الشَّرْع (أَو جنسه) مَعْطُوف على مَا عطف عَلَيْهِ قلبه (فِي جنسه) أَي الحكم (فَالْأول) أَي الْعين مَعَ الْعين فِي الأَصْل بِمُجَرَّد تَرْتِيب الحكم على وَفقه مَعَ ثُبُوت اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم (كالصغر فِي حمل انكاحها) أَي الصَّغِيرَة (على مَا لَهَا فِي ولَايَة الْأَب) فَإِنَّهُ وصف ملائم لترتيب ثُبُوت ولَايَة الْأَب لانكاحها غليه كَمَا فِي تَرْتِيب ثُبُوتهَا على مَا لَهَا (فَإِن عين الصغر (مُعْتَبر فِي جنس الْولَايَة بِالْإِجْمَاع لاعتباره) أَي الصغر (فِي ولَايَة المَال) بِالْإِجْمَاع. وَلما كَانَ فِي هَذَا الْمِثَال نظر لِأَنَّهُ لم يعْتَبر فِيهِ أَولا عين الْوَصْف مَعَ عين الحكم بل ابْتِدَاء جعل عين الْوَصْف مؤثرا فِي جنس الحكم، قَالَ (وصواب الْمِثَال للحنفية الثّيّب الصَّغِيرَة على الْبكر الصَّغِيرَة فِي ولَايَة الانكاح بالصغر) أَي ثُبُوت إنكاح الْأَب الثّيّب قِيَاسا على ثُبُوت ولَايَة إنكاحه الصَّغِيرَة الْبكر بِجَامِع الصغر (وعينه) أَي الصغر اعْتبر (فِي جِنْسهَا) أَي الْولَايَة (لاعتباره) أَي الصغر (الخ) أَي فِي جنس الْولَايَة بِاعْتِبَارِهِ فِي ولَايَة المَال لثبوتها بِالْإِجْمَاع (لِأَن إِثْبَات اعْتِبَاره) أَي الْوَصْف عِلّة (بِنَصّ أَو إِجْمَاع فِي الْجِنْس) إِنَّمَا هُوَ (بإظهاره) أَي بِاعْتِبَارِهِ (فِي) مَحل (آخر) من جنس الأَصْل (لَا فِي عين حكم الأَصْل لِأَن ذَلِك) أَي الَّذِي اعْتبر فِي عين حكم الأَصْل إِنَّمَا هُوَ (الْمُؤثر) لَا الملائم. (وَالثَّانِي) وَهُوَ قلب الأول اعْتِبَار جنس الْوَصْف فِي عين الحكم (فِي حمل الْحَضَر حَالَة الْمَطَر على السّفر فِي) جَوَاز (الْجمع) بَين المكتوبتين (بِعُذْر الْمَطَر، وجنسه) أَي جنس عذر الْمَطَر (الْحَرج) أَي الضّيق مُؤثر (فِي عين رخصَة الْجمع بِالنَّصِّ على اعْتِبَاره) أَي الْجِنْس الْمَذْكُور (فِي عين الْجمع) فِي السّفر إِذْ الْحَرج جنس يَشْمَل الضّيق الْحَاصِل من خوف الضلال والانقطاع، وَمِنْه الْمَطَر، ونه التأذي بِهِ، عَن أنس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا عجل بِهِ السّير يُؤَخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر فَيجمع بَينهمَا وَيُؤَخر الْمغرب حَتَّى يجمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء حَتَّى يغيب الشَّفق إِلَى غير ذَلِك فَإِن قلت النَّص إِنَّمَا دلّ على جَوَاز الْجمع فِي السّفر لَا على علية الْحَرج لَهُ قُلْنَا من الْمَعْلُوم كَونه من فروع - {مَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} - (أما حرج لسفر فبالثبوت مَعَه فَقَط) أَي إِنَّمَا اعْتبر عين حرج السّفر فِي الحكم الَّذِي هُوَ الْجمع بِمُجَرَّد ترَتّب الحكم على وَفقه إِذْ لَا نَص وَلَا إِجْمَاع على علية نفس حرج السّفر (وَالْحق أَن الْمُضَاف هُوَ مَحل النَّص) أَي أَن الْمُعْتَبر فِي حكم الأَصْل هُوَ الْمُضَاف إِلَى السّفر، يَعْنِي حرج السّفر (فَلَا يتَعَدَّى) حكم الأَصْل إِلَى غَيره ضَرُورَة أَن الْمحل جُزْء من الْمُعْتَبر فِي حكمه (لَا) أَن مَحل النَّص هُوَ الْحَرج (الْمُطلق) عَن الْإِضَافَة (وَإِلَّا تعدى) حكم

رخصَة الْجمع (إِلَى ذِي الصِّنَاعَة الشاقة) لوُجُود الْحَرج فِيهِ (وَلم يحْتَج إِلَى الإناطة بِالسَّفرِ) بل كَانَ يُضَاف إِلَى الْحَرج مُطلقًا (إِذْ لَا خَفَاء فِي الْمُطلق) أَي مَا يُطلق عَلَيْهِ الْحَرج عرفا (كالإسكار فِي الْخمر) والإناطة فِي السّفر لَيْسَ إِلَّا لعدم انضباط مَا هُوَ الْعلَّة بِالْحَقِيقَةِ فَإِنَّهَا حرج خَاص بِمَعْرِِفَة الْإِضَافَة، فَلَيْسَ مِثَالا للملائم الَّذِي اعْتبر فِيهِ جنس الْوَصْف فِي عين الحكم (وَأَيْضًا فَذَلِك) أَي دلَالَة ثُبُوت الْجِنْس فِي الْعين على صِحَة اعْتِبَار الْعين إِنَّمَا يكون (بعد ثُبُوت الْعين فِي المحلين) الأَصْل وَالْفرع كالصغر فِي الْمِثَال السَّابِق (وَلَيْسَ الْمَطَر) الَّذِي هُوَ الْعين هَهُنَا (هُوَ الأَصْل) الَّذِي هُوَ السّفر، وَإِنَّمَا هُوَ الْفَرْع فَقَط وَهُوَ الْحَضَر. قَالَ الشَّارِح هَذَا مِثَال تقديري على قَول من جوز الْجمع بَينهمَا بِلَا عذر فِي الْحَضَر بِشَرْط أَن لَا يتَّخذ عَادَة، وَمِمَّنْ نقل عَنهُ ابْن سِيرِين وَرَبِيعَة وَأَشْهَب وَابْن الْمُنْذر خلافًا لعامة الْعلمَاء تمسكا بِمَا عَن ابْن عَبَّاس " جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا مطر. قَالَ سعيد بن جُبَير فَقلت لِابْنِ عَبَّاس لم فعل ذَلِك؟ قَالَ أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته " رَوَاهُ مُسلم (ولبعض الْحَنَفِيَّة) لصَاحب البديع وَصدر الشَّرِيعَة فِي تَمْثِيل الثَّانِي (كاعتبار جنس الْمَضْمَضَة المومى إِلَيْهَا فِي عدم إفسادها الصَّوْم) فِي حَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَيْثُ قَالَ " هششت فَقبلت وَأَنا صَائِم فَقلت يَا رَسُول الله صنعت الْيَوْم أمرا عَظِيما فَقبلت وَأَنا صَائِم قَالَ: أَرَأَيْت لَو تمضمضت بِالْمَاءِ وَأَنت صَائِم؟ قلت لَا بَأْس قَالَ فَمه " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح على شَرط مُسلم، وَقَالَ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَمعنى فَمه: أَي فَمَا الْفرق بَينهمَا فَإِن جنس الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْمَضْمَضَة اعْتبر فِي عين الحكم وَهُوَ عدم الْإِفْسَاد (وَهُوَ) أَي جنسه (عدم دُخُول شَيْء إِلَى الْجوف وَلَيْسَ) هَذَا (مِمَّا نَحن فِيهِ، وَهُوَ) أَي مَا نَحن فِيهِ (الْعلَّة بِمَعْنى الْبَاعِث بل الانتفاء) للإفساد (لانْتِفَاء ضد الرُّكْن) للصَّوْم: يَعْنِي دُخُول شَيْء إِلَى الْجوف (مَعَ أَنه من الْعين) أَي اعْتِبَار عين الْوَصْف هُوَ عدم دُخُول شَيْء فِي الْجوف (فِي الْعين) أَي عين الحكم وَهُوَ عدم إِفْسَاد الصَّوْم فَهُوَ من الْمُؤثر. (وَالثَّالِث) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور مَعَ ثُبُوت جنسه فِي جنس الحكم (كَالْقَتْلِ بالمثقل) أَي كقياسه (عَلَيْهِ) أَي على الْقَتْل (بالمحدد) فِي الحكم الَّذِي هُوَ الْقَتْل (بِالْقَتْلِ الْعمد الْعدوان) أَي بِهَذَا الْجَامِع كَمَا عَلَيْهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهم (وجنسه) أَي الْقَتْل الْعمد الْعدوان (الْجِنَايَة على البنية) للْإنْسَان، وَقد يعْتَبر (فِي جنس الْقصاص وَلَيْسَ) من هَذَا الْقَتِيل (فَإِنَّهُ من الْمُؤثر) لِأَن الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْقَتْل الْعمد الْعدوان فِي حكم الأَصْل الَّذِي هُوَ الْقَتْل بِهِ ثَابت بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع (فَقيل) وقائله التَّفْتَازَانِيّ (لَا نَص وَلَا إِجْمَاع على أَن الْعلَّة) فِي الأَصْل (الْقَتْل وَحده أَو) الْقَتْل (مَعَ قيد كَونه بالمحدد، وَلَو صَحَّ) مَا قيل (لزم انْتِفَاء الْمُؤثر لتأتيه) أَي مثل مَا قَالَ (فِي كل

وصف مَنْصُوص بِالنِّسْبَةِ إِلَى قيد يفْرض فَإِن قيل إِنَّمَا قُلْنَا) ذَلِك (إِذا قَالَ بالقيد مُجْتَهد وَلَيْسَ) هَذَا (فِي الْكل) أَي كل أَمْثِلَة الْمُؤثر (قُلْنَا إِن سلم) أَن إبداء قيد يفْرض إِنَّمَا يسمع إِذا قَالَ بِهِ مُجْتَهد، وَفِيه إِشَارَة إِلَى منع اعْتِبَار قَول الْمُجْتَهد فِي إبداء قيد يفْرض بل يرد على ذَلِك الْمُجْتَهد فَإِن إبداء قيد مَا لم يقل بِهِ مُجْتَهد فَتَأمل (فمنتف) جَوَاب الشَّرْط: أَي قَول الْمُجْتَهد مُنْتَفٍ (فِي الْمِثَال) الْمَذْكُور (فَإِن أَبَا حنيفَة لم يعْتَبر فِي الْعلَّة سواهُ) أَي غير الْقَتْل الْعمد الْعدوان (غير أَنه يَقُول انْتَفَت الْعلَّة بِانْتِفَاء دَلِيل العمدية) وَهُوَ الْقَتْل بِمَا لَا يثبت لتفريقه الْأَجْزَاء فَإِنَّهَا أَمر مبطن، وَهَذَا يظهرها فأقيم مقَام الْوُقُوف على حَقِيقَة الْقَصْد (ولبعض الْحَنَفِيَّة) كصدر الشَّرِيعَة فِي التَّمْثِيل الثَّالِث (الطوف فِي طَهَارَة سُؤْر الْهِرَّة) اعْتبر جنسه (وجنسه الضَّرُورَة: أَي الْحَرج فِي جنسه) أَي الحكم (التَّخْفِيف وَهُوَ) أَي مَا قَالَه إِنَّمَا يتم (على تَقْدِير عدم النَّص عَلَيْهِ) أَي على عين الْوَصْف: أَي الطوف وَلَيْسَ كَذَلِك فَهُوَ (كَالَّذي قبله) من قبيل الْمُؤثر. (والغريب مَا) أَي وصف (لم يثبت) فِيهِ (سوى) اعْتِبَار (الْعين) أَي عين ذَلِك الْوَصْف (مَعَ الْعين) أَي عين الحكم بترتب الحكم عَلَيْهِ فَقَط (فِي الْمحل كالفعل الْمحرم لغَرَض فَاسد فِي حرمَان الْقَاتِل) الْإِرْث من الْمَقْتُول، فَإِن هَذَا الْوَصْف: أَي الْفِعْل الْمحرم (يثبت) الحرمان (مَعَه فِي الأَصْل) أَي قتل الْوَارِث مُوَرِثه (وَلَا نَص وَلَا إِجْمَاع على اعْتِبَار عينه) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور (فِي جنسه) أَي الحكم (أَو) على اعْتِبَار (جنسه) أَي الْوَصْف (فِي أَحدهمَا) عين الحكم أَو جنسه (ليلحق بِهِ) أَي الْفَاعِل فعلا محرما لغَرَض فَاسد (الفار) من تَوْرِيث زَوجته بِطَلَاقِهَا فِي مرض مَوته إِذا مَاتَ وَهِي فِي الْعدة (وبالثبوت) أَي بِثُبُوت الْوَصْف مَعَ الحكم (بعد مَا قيل إِنَّمَا هُوَ مِثَال لغريب الْمُرْسل) الَّذِي لم يظْهر إلغاؤه وَلَا اعْتِبَاره، كَذَا وجدنَا فِي النّسخ المصححة. وَكَانَ فِي نُسْخَة الشَّارِح قبل قَوْله وبالثبوت زِيَادَة، فَقَالَ الشَّارِح: كَانَ فِي النُّسْخَة مَكَان يثبت مَعَه فِي الأَصْل ثَبت مَعَه فِي الْجُمْلَة فَقَالَ قِيَاسا على ذَلِك (وَقَوْلنَا فِي الْجُمْلَة لِأَنَّهُ) أَي الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْفِعْل الْمحرم (قد ثَبت مَعَ عَدمه) أَي عدم الحكم، وَهُوَ الحرمان (فِيمَا لم يقْصد المَال) أَي أَخذه بذلك الْفِعْل وَهُوَ مَا إِذا كَانَ أَجْنَبِيّا وَلَيْسَ بِزَوْج وَلَا زَوْجَة، فَإِن حرمَان الْإِرْث فرع مَا إِذا كَانَ بِحَيْثُ يَرث مِنْهُ أهـ (وَاعْلَم أَنه يُمكن فِي الأَصْل اعتباران: الْقَتْل) فِي الْوَصْف (والحرمان) فِي الحكم (فَيكون) الْوَصْف مناسبا (مؤثرا) فِي الحكم لاعْتِبَار عين الْوَصْف فِي عين الحكم بِنَصّ، وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا يَرث الْقَاتِل شَيْئا من قَاتله " (أَو) الْفِعْل (الْمحرم) فِي الْوَصْف (ونقيض قَصده) أَي الْفَاعِل فِي الحكم (وَيتَعَيَّن) هَذَا الِاعْتِبَار (فِي الْمِثَال، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر هَكَذَا (اخْتلف الحكم فيهمَا) أَي فِي الأَصْل وَالْفرع (إِذْ هُوَ) أَي الحكم (فِي الأَصْل عدم الْمِيرَاث وَالْفرع الْمِيرَاث

فَإِن لم يثبت) الْوَصْف مَعَ الحكم (أصلا فالمرسل) أَي فَهُوَ الْمُرْسل. (وينقسم) الْمُرْسل (إِلَى مَا علم إلغاؤه كَصَوْم الْملك عَن كَفَّارَته لمشقته) أَي الصَّوْم (بِخِلَاف إِعْتَاقه) فَإِنَّهُ سهل عَلَيْهِ وَالصِّيَام مَعَ الْقُدْرَة على الْإِعْتَاق مُخَالف للنَّص، فَهَذَا الْقسم مَعْلُوم الإلغاء (وَمَا لم يعلم) إلغاؤه (وَلم يعلم اعْتِبَار جنسه) أَي الْوَصْف (فِي جنسه) أَي الحكم (أَو) لم يعلم اعْتِبَار (عينه) أَي الْوَصْف (فِي جنسه) أَي الحكم (أَو) لم يعلم اعْتِبَار (قلبه) أَي الْجِنْس فِي الْعين (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم الثَّانِي (الْغَرِيب الْمُرْسل وهما) أَي القسمان الْمَذْكُورَان (مردودان اتِّفَاقًا، وَأنكر على يحيى بن يحيى) تلميذ الإِمَام مَالك (إفتاؤه) بعض مُلُوك الغرب فِي كَفَّارَة (بِالْأولِ) أَي بِحكم مَا علم إلغاؤه، وَهُوَ الصَّوْم (بِخِلَاف الْحَنَفِيّ) أَي إِفْتَاء من أفتى من الْحَنَفِيَّة عِيسَى بن ماهان وَإِلَى خُرَاسَان فِي كَفَّارَة يَمِين بِالصَّوْمِ (مُعَللا) تعين الصَّوْم عَلَيْهِ (بفقره لتبعاته) فَإِن مَا عَلَيْهِ من التَّبعَات فَوق مَاله من الْأَمْوَال، فَعَلَيهِ كَفَّارَة من لَا يملك شَيْئا (وَهُوَ) أَي هَذَا التَّعْلِيل (ثَانِي تعليلي يحيى بن يحيى: حَكَاهُمَا بعض الْمَالِكِيَّة) الْمُتَأَخِّرين، وَهُوَ ابْن عَرَفَة (عَنهُ) أَي عَن يحيى بن يحيى فَإِنَّهُ تَعْلِيل مُتَّجه لَيْسَ من قبيل مَعْلُوم الإلغاء فَلْيَكُن الْمعول عَلَيْهِ، وَالْأول علاوته (وَمَا علم اعْتِبَار أَحدهَا) أَي جنسه فِي جنسه أَو عينه فِي جنسه أَو جنسه فِي عينه (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (الْمُرْسل الملائم. وَعَن الشَّافِعِي وَمَالك قبُوله): وَذكر الْأَبْهَرِيّ أَنه لم يثبت عَنْهُمَا والسبكي أَن الَّذِي صَحَّ عَن مَالك اعْتِبَار جنس الْمصَالح قطعا، وَإِنَّمَا يسوغ الشَّافِعِي تَعْلِيق الْأَحْكَام بالمصالح الشبيه بالمصالح الْمُعْتَبرَة وفَاقا، وبالمصالح المستندة إِلَى أَحْكَام ثَابِتَة الْأُصُول وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ يخْتَار نَحْو ذَلِك (وَشرط الْغَزالِيّ) فِي قبُوله ثَلَاثَة شُرُوط (كَون مصْلحَته ضَرُورِيَّة قَطْعِيَّة: أَي ظنا يقرب مِنْهُ كُلية) كَمَا لَو تترس الْكفَّار بأسرى الْمُسلمين فِي حربهم، وَعلمنَا أَنه لَو لم نرم الترس استأصلوا الْمُسلمين المتترس بهم وَغَيرهم بِالْقَتْلِ وَإِن رميناهم سلم أَكثر الْمُسلمين، فَيجوز رميهم وَإِن قتل فيهم مُسلم بِلَا ذَنْب لحفظ بَاقِي الْأمة لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَقْصُود الشَّارِع، فَعلم الْمصلحَة الْمَقْصُودَة للشارع بِالضَّرُورَةِ بأدلة كَثِيرَة، وَكَونهَا قريبَة من الْقطع لجَوَاز دفعهم عَن الْمُسلمين بِغَيْر رميهم، وَكَونهَا كُلية لتعلقها ببيضة الْإِسْلَام إِلَّا أَنَّهَا مُخْتَصَّة بِبَعْض مِنْهُم، وَدَلِيل كَون هَذَا من الملائم أَنه لم يُوجد الْمعِين وَثَبت اعْتِبَار الْجِنْس فِي الْجِنْس وَلم يعْتَبر الشَّارِع الْجِنْس الْقَرِيب لهَذَا الْوَصْف فِي الْجِنْس الْقَرِيب لهَذَا الحكم، لَكِن اعْتبر جنسه فِي جنس الحكم كَمَا فِي الرُّخْصَة فِي اسْتِبَاحَة الْمُحرمَات وَاعْترض بِأَن هَذَا فِي جنسه الْأَبْعَد، أَعنِي الْأَعَمّ من ضَرُورَة حفظ النَّفس، وَهُوَ مُطلق الضَّرُورَة، والأبعد غير كَاف فِي الملاءمة، وَفِي التَّلْوِيح: الأولى أَن يُقَال اعْتبر الشَّرْع حُصُول النَّفْع الْكثير فِي تحمل الضَّرَر الْيَسِير، وَتَحْقِيق هَذِه الشُّرُوط فِي غَايَة الندرة

فَلَا يجوز بِنَاء الحكم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدُور على وصف ظَاهر منضبط، وَإِلَى مَا ذكرنَا أَشَارَ بقوله (فَلَا يَرْمِي المتترسون بِالْمُسْلِمين لفتح حصن) لِأَن فَتحه لَيْسَ بضروري (وَلَا) يَرْمِي المتترسون بِالْمُسْلِمين (لظن استئصال الْمُسلمين) ظنا بَعيدا من الْقطع (وَلَا يَرْمِي بعض أهل السَّفِينَة لنجاة بعض) لأَنهم لَيْسُوا كل الْأمة، على أَنه تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (الْمُسَمّى بالمصالح الْمُرْسلَة) لإطلاقها عَمَّا يدل على اعْتِبَارهَا أَو إلغائها (وَالْمُخْتَار) عِنْد أَكثر الْعلمَاء (رده) مُطلقًا (إِذْ لَا دَلِيل على الِاعْتِبَار) أَي اعْتِبَار الشَّرْع (وَهُوَ دَلِيل شَرْعِي) فَلَا يَصح بِدُونِ اعْتِبَار الشَّارِع (فَوَجَبَ رده) لعدم الِاعْتِبَار (قَالُوا فتخلوا وقائع) كَثِيرَة مِمَّا يبتلى بِهِ الْمُكَلف فَيحْتَاج إِلَى معرفَة حكم الله تَعَالَى فِيهَا للْعَمَل (قُلْنَا نمْنَع الْمُلَازمَة) أَي لَا نسلم أَنه يلْزم من عدم اعْتِبَار مَا ذكر أَن تَخْلُو الوقائع من الحكم (لِأَن العمومات) من الْكتاب وَالسّنة (والأقسية شَامِلَة) لجَمِيع الوقائع (وَبِتَقْدِير عَدمه) أَي عدم الشُّمُول (فنفى كل مدرك خَاص حكمه الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة) يَعْنِي إِذا انْتَفَى فِي حَادِثَة وجود مَأْخَذ من الْأَدِلَّة الْأَرْبَعَة فَعمل بِمُوجب أصل كلي مُقَرر فِي الشَّرْع اتِّفَاقًا، وَهِي الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة فَإِنَّهُ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء على مَا عرف فِي مَحَله (فَلم تخل عَن حكم الشَّرْع) وَاقعَة (وَهُوَ الْمُبْطل) أَي الْخُلُو عَن الحكم هُوَ الْمُبْطل للرَّدّ الْمَذْكُور (فَظهر اشْتِرَاط لفظ الْغَرِيب والملائم بَين مَا ذكر من الْأَقْسَام الأول للمناسب، والثواني للمرسل، وَسَيذكر أَنه يجب من الْحَنَفِيَّة قبُول الْقسم الْأَخير من الْمُرْسل، فاتفاقهم) إِنَّمَا هُوَ (فِي نفي الْأَوَّلين، وَجعل الْآمِدِيّ الْخَارِجِي) أَي الْمُحَقق فِي الْخَارِج (من الملائم) قسما (وَاحِدًا) وَهُوَ مَا اعْتبر فِيهِ خُصُوص الْوَصْف فِي خُصُوص الحكم وعمومه فِي عُمُومه (قَالَ الْمُنَاسب أَن) كَانَ (مُعْتَبرا بِنَصّ أَو إِجْمَاع فالمؤثر وَإِلَّا فَإِن) كَانَ مُعْتَبرا (بترتيب الحكم على وَفقه فتسعة، لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يعْتَبر خُصُوص الْوَصْف أَو عُمُومه أَو خصوصه وعمومه) مَعًا (فِي عين الحكم) مِمَّا لَا يكون بِنَصّ أَو إِجْمَاع لِأَن ذَلِك من الْمُؤثر، بل اعْتِبَار ناشي مِنْهُ اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم (أَو جنسه أَو عينه) أَي الحكم (وجنسه) فَإِن قلت فعلى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يقْتَصر على هَذِه الاعتبارات الثَّلَاثَة قلت فرق بَين أَن يكون للوصف صَلَاحِية اعْتِبَار الْعين فِي الْعين بِسَبَب أَحدهمَا وَبَين أَن يعْتَبر أهل الشَّرْع ذَلِك، فَإِنَّهُ تتأكد تِلْكَ الصلاحية، وَقد يعْتَبر مُجَرّد ثُبُوت الْعين مَعَ الْعين من غير أحد الْأُمُور الثَّلَاثَة: كَذَا فِي الْغَرِيب (ثمَّ غير الْمُعْتَبر) بِأَن لَا يَتَرَتَّب الحكم على وَقفه فِي الأَصْل (إِمَّا أَن يظْهر إلغاؤه أَو لَا) فَهَذِهِ جملَة الْأَقْسَام (وَالْوَاقِع مِنْهَا فِي الشَّرْع لَا يزِيد على خَمْسَة: مَا اعْتبر خُصُوص الْوَصْف فِي خُصُوص الحكم وعمومه) أَي الْوَصْف (فِي عُمُومه) أَي الحكم فِي مَحل آخر (وَيُسمى الملائم كَقَتل المثقل إِلَى الخ) فَإِنَّهُ ظهر تَأْثِير عينه، فِي عين الحكم وَهُوَ وجوب الْقَتْل فِي المحدد لَكِن لم يثبت بِالنَّصِّ

أَو الْإِجْمَاع عَلَيْهِ مُجَرّد الْقَتْل عُدْوانًا لجَوَاز مدخلية المحدد فِي الْعلية كَيفَ وَإِلَّا لَكَانَ من الْمُؤثر وتأثير جنسه وَهُوَ الْجِنَايَة على الْمحل الْمَعْصُوم بالقود فِي جنس الْقَتْل من حَيْثُ الْقصاص فِي الْأَيْدِي فَهَذَا هُوَ الأول اتّفق القائسون على قبُوله، وَمَا عداهُ فمختلف فِيهِ (وَمَا اعْتبر الْخُصُوص) فِي الْخُصُوص (فَقَط) لَكِن (لَا بِنَصّ أَو إِجْمَاع، وَهُوَ الْمُنَاسب الْغَرِيب كالإسكار فِي تَحْرِيم الْخمر لَو لم ينص) أَي على تَقْدِير عدم النَّص (إِنَّمَا على عينه) أَي الْإِسْكَار (فِي عينه) أَي التَّحْرِيم (إِذْ لم يظْهر اعْتِبَار عينه) أَي الْوَصْف فِي جنس الحكم (وَلَا جنسه) أَي الْإِسْكَار (فِي جنسه) أَي التَّحْرِيم (أَو عينه) أَي التَّحْرِيم (وَمَا اعْتبر جنسه) أَي الْوَصْف (فِي جنسه) أَي أَي الحكم (فَقَط وَلَا نَص وَلَا إِجْمَاع، وَهَذَا من جنس الْمُنَاسب الْغَرِيب إِلَّا أَنه) أَي هَذَا الْقسم (دون مَا سبق) وَكَذَا قَالَ فِي الأول وَهُوَ الْمُنَاسب الْغَرِيب (وَذَلِكَ كاعتبار جنس الْمَشَقَّة الْمُشْتَركَة بَين الْحَائِض وَالْمُسَافر فِي جنس التَّخْفِيف المتناول لإِسْقَاط الصَّلَاة) رَأْسا (و) إِسْقَاط (الرَّكْعَتَيْنِ) من الرّبَاعِيّة فَهَذَا هُوَ الثَّالِث (وَمَا لم يثبت) اعْتِبَاره وَلَا إلغاؤه (كالتترس) كَمَا سبق وَهُوَ الْمُنَاسب الْمُرْسل فَهَذَا هُوَ الرَّابِع (أَو) الْمُنَاسب الَّذِي (ثَبت إلغاؤه) وَلم يثبت اعْتِبَاره كَمَا فِي إِيجَاب الصَّوْم فِي كَفَّارَة الْملك فِي فطر رَمَضَان، فَهَذَا هُوَ الْخَامِس (ثمَّ جنس كل) من الحكم وَالْوَصْف ثَلَاث مَرَّات (قريب) أَو سافل (وبعيد) تَحْتَهُ جنس لَا فَوْقه (ومتوسط) بَينهمَا (فالعالي) من الحكم (الحكم ثمَّ الْوُجُوب وَأحد مقابلاته) من التَّحْرِيم وَالنَّدْب وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة (ثمَّ الْعِبَادَة أَو الْمُعَامَلَة ثمَّ الصَّلَاة أَو البيع ثمَّ الْمَكْتُوبَة أَو النَّافِلَة أَو البيع بِشَرْطِهِ على تساهل لَا يخفى لِأَنَّهَا) أَي الْعِبَادَة وَمَا بعْدهَا (أَفعَال لَا أَحْكَام، وَالْوَصْف) العالي جنسه (كَونه وَصفا يناط بِهِ الْأَحْكَام، ثمَّ الْمُنَاسب، ثمَّ الْمصلحَة الضرورية، ثمَّ حفظ النَّفس، أَو مقابلاته) أَو حفظ الدّين وَحفظ الْعقل وَحفظ المَال، وَهَذَا جنس سافل (وَمثل الْوَصْف أَيْضا بعجز الصَّبِي غير الْعَاقِل وَعجز الْمَجْنُون نَوْعَانِ) من الْعَجز (جنسهما الْعَجز لعدم الْعقل وفوقه الْعَجز لضعف القوى أَعم من الظَّاهِرَة والباطنة على مَا يَشْمَل الْمَرِيض) وفوقه الْجِنْس الَّذِي هُوَ الْعَجز النَّاشِئ عَن الْفَاعِل بِدُونِ اخْتِيَاره على مَا يَشْمَل الْمَحْبُوس وفوقه الْجِنْس الَّذِي هُوَ الْعَجز النَّاشِئ عَن الْفَاعِل وَعَن مَحل الْفِعْل وَعَن الْخَارِج، كَذَا فِي التَّلْوِيح فَهَذَا هُوَ الْجِنْس العالي (وَلَا يشكل أَن الظَّن بِاعْتِبَار الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب أقوى لِكَثْرَة مَا بِهِ الِاشْتِرَاك) فِي الْأَقْرَب بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَبْعَد، مثلا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ النَّاس اشْتَمَل عَلَيْهِ الحساس مَعَ زِيَادَة وَهَكَذَا (وَشرط بَعضهم) أَي الشَّافِعِيَّة فِي وجوب الْعَمَل بالملائم (شَهَادَة الْأُصُول) بعد مُطَابقَة الْوَصْف قوانين الشَّرْع، وَالْمرَاد بالأصول مَا يتَعَلَّق بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع بالحكم الْمُعَلل بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي المُرَاد بِشَهَادَة الأَصْل

أَن يكون للْحكم الْمُعَلل أصل معِين من نَوعه يُوجد فِيهِ جنس الْوَصْف أَو نَوعه (سَلَامَته) أَي الْوَصْف إِمَّا بِالرَّفْع خبر الضَّمِير الرَّاجِح إِلَى شَهَادَة الْأُصُول، وَإِمَّا بِالنّصب عطف بَيَان لَهَا من قبيل التَّفْسِير باللازم (من إِبْطَاله بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو تخلف) للْحكم المنوط بِهِ (عَنهُ) فِي بعض صور وجوده (أَو وجود وصف يَقْتَضِي ضد مُوجبه كلا زَكَاة فِي ذُكُور الْخَيل فَلَا) زَكَاة (فِي إناثها بِشَهَادَة الْأُصُول بالتسوية) بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث فِي سَائِر السوائم فِي الزَّكَاة وجوبا وسقوطا. ثمَّ قيل لَا بُد من الْعرض على كل الْأُصُول لينقطع احْتِمَال النَّقْض والمعارضة، وَقيل أدنى مَا يجب عَلَيْهِ خرق الْعرض أصلان، لِأَن الْعرض على الْكل مُتَعَذر أَو متعسر فَوَجَبَ الِاقْتِصَار على أصلين كَمَا فِي الِاقْتِصَار فِي تَزْكِيَة الشَّاهِد. قَالَ شمس الْأَئِمَّة وَمن شَرط الْعرض على الْوَصْف بالتأثير وَالْعرض ظُهُوره، وَالْعرض على الأَصْل كل لم يجد بدا على الْعَمَل، فَإِنَّهُ يَقُول خَصمه وَرَاء هَذَا أصل آخر معَارض أَو نَاقض. وَقَالَ مَشَايِخنَا إِنَّمَا تثبت عَدَالَة الْوَصْف بالتأثير وَالْفَرْض ظُهُوره، وَالْعرض على الْأُصُول لَا يَقع بِهِ التَّعْدِيل، وَالْأُصُول شُهُود للْحكم (وَاعْلَم أَن الْحَنَفِيَّة) قَائِلُونَ (التَّعْلِيل بِكُل من الْأَرْبَعَة) الْعين فِي الْعين، وَفِي الْجِنْس كالجنس فِي الْجِنْس وَفِي الْعين (مَقْبُول، فَإِن) كَانَ التَّعْلِيل (بِمَا عينه أَو جنسه) مُؤثر (فِي عين الحكم فَقِيَاس إنفاقا للُزُوم أصل الْقيَاس) فِي كل من هذَيْن، وَيُقَال لما تَأْثِير عينه فِي عين الحكم أَنه فِي معنى الأَصْل وَهُوَ الْمَقْطُوع بِهِ الَّذِي رُبمَا يقر بِهِ مُنكر الْقيَاس، إِذْ لَا فرق إِلَّا بتعذر الْمحل (وَإِلَّا) فَإِن كَانَ عينه فِي جنس الحكم أَو جنسه فِي جنسه (فقد) يكون قِيَاسا اتِّفَاقًا (بِأَن يكون) مَا عينه فِي جنس الحكم من قبيل مَا يكون (الْعين فِي الْعين أَيْضا) فيستدعي أصلا مقيسا عَلَيْهِ (فَيكون مركبا) وَكَذَا مَا جنسه فِي جنسه قد يكون مَعَ ذَلِك فِي عينه، فَيكون لَهُ أصل فَيكون قِيَاسا وَقد لَا، وَيجب قبُولهَا للحنفية، إِذْ كل من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة من أَقسَام الْمُؤثر عِنْدهم (وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ قَالَ الْأَصَح عِنْدِي (الْكل قِيَاس دَائِما لِأَن مثله) أَي هَذَا الْوَصْف (لَا بُد لَهُ) فِي الشَّرْع (من أصل قِيَاس) فِي الشَّرْع لَا محَالة (إِلَّا أَنه قد يتْرك لظُهُوره) كَمَا قُلْنَا فِي إِيدَاع الصَّبِي لَا يضمن لِأَنَّهُ سلطه على ذَلِك فَإِنَّهُ بِهَذَا الْوَصْف يكون مقيسا على أصل وَاضح، وَهُوَ أَن من بَاعَ الصَّبِي طَعَاما فتناوله لم يضمن لَهُ لِأَنَّهُ بِالْإِبَاحَةِ مسلط على تنَاوله، وَرُبمَا لَا يَقع الِاسْتِغْنَاء عَنهُ، فيذكر كَمَا قُلْنَا فِي طول الْحرَّة أَنه لَا يمْنَع نِكَاح الْأمة إِن كل نِكَاح يَصح من العَبْد بِإِذن الْمولى هُوَ صَحِيح من الْحر كَنِكَاح الْحرَّة، هَذَا إِشَارَة إِلَى معنى مُؤثر، وَهُوَ أَن الرّقّ ينصف الْحل الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ عقد النِّكَاح وَلَا يبد لَهُ غَيره بِحل آخر، فَيكون الرَّقِيق فِي النّصْف الْبَاقِي بِمَنْزِلَة الْحر فِي الْكل، كَذَا ذكر الشَّارِح الْمَذْكُور.

فِي التَّلْوِيح من كَلَام شمس الْأَئِمَّة مَا فِي الْمَتْن فَقَط وَلَا يخفى أَن الْمِثَال الثَّانِي حَاصله جَوَاز نِكَاح ذِي الطول الْأمة مُعَللا بِالْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَة الْمَأْخُوذَة، من أَن الرّقّ منصف لما ذكر مبدل، وَهِي على تَقْدِير تَسْلِيمهَا اسْتِدْلَال غير الْقيَاس، وَنِكَاح الْحرَّة لَا يصلح مقيسا عَلَيْهِ للفرع الْمَذْكُور سَوَاء فسرناه بِنِكَاح الْحر الْحرَّة، أَو العَبْد الْحرَّة لعدم كَونه مُعَللا بِالْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَة (وعَلى هَذَا) الَّذِي ذهب إِلَيْهِ شمس الْأَئِمَّة (لَا بُد فِي التَّعْلِيل مُطلقًا من الْعين فِي الْعين أَو الْجِنْس فِيهِ) أَي الْعين (فَإِن أصل الْقيَاس لَا يتَحَقَّق إِلَّا بذلك) أَي بتأثير الْعين فِي الْعين أَو الْجِنْس فِي الْعين (فَلَا يُعلل بِالْجِنْسِ فِي الْجِنْس أَو الْعين فِي الْجِنْس تعليلا بسيطا أصلا وَيحْتَاج إِلَى استقراء يفِيدهُ) أَي هَذَا الْمَطْلُوب (ثمَّ قَوْلهم) أَي الْحَنَفِيَّة (بِكُل من الْأَرْبَعَة يَشْمَل الْعين فِي الْعين فَقَط) كَمَا يَشْمَل الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الْأُخَر: جنسه فِي عينه فَقَط، وجنسه فِي جنسه فَقَط (ومرادهم) أَي الْحَنَفِيَّة (إِذا ثَبت) التَّأْثِير الْمَذْكُور (بِنَصّ أَو إِجْمَاع وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يثبت بِأَحَدِهِمَا بل بِالْقِيَاسِ (لزمَه) أَي الْوَصْف الْمُعَلل بِهِ (التَّرْكِيب) من القياسين وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي الْبَسِيط (وسمى بَعضهم) أَي صدر الشَّرِيعَة تبعا للرازي (مَا يُوجد) فِيهِ (من أصل الْقيَاس) أَي مَا يكون لحكمه أصل معِين من نَوعه يُوجد فِيهِ جنس الْوَصْف أَو نَوعه سَوَاء اعْتبر الشَّارِع علته أَولا (شَهَادَة الأَصْل فشهادة الاصل أَعم من كل من الاعتبارين) اعْتِبَار النَّوْع فِي النَّوْع وَالْجِنْس فِي النَّوْع (مُطلقًا. أَي يصدق) شَهَادَة الأَصْل (عِنْده) أَي مَا يُوجد من أصل الْقيَاس، لِأَنَّهُ كلما وجد اعْتِبَار نوع الْوَصْف أَو جنسه فِي نوع الحكم فقد وجد للْحكم أصل معِين من نوع يُوجد فِيهِ جنس الْوَصْف أَو نَوعه، لَكِن لَا يلْزم أَنه كلما وجد لَهُ أصل معِين فَوجدَ فِيهِ جنس الْوَصْف أَو نَوعه وجد فِيهِ بِاعْتِبَار نوع الْوَصْف أَو جنسه فِي نوع الحكم لجَوَاز عدم اعْتِبَار الشَّارِع لَهُ مَعَ وجوده (وَمن الآخرين) أَي وَشَهَادَة الأَصْل أَعم من اعْتِبَار الْجِنْس فِي الْجِنْس، واعتباره النَّوْع فِي الْجِنْس (من وَجه) فتوجد شَهَادَة الأَصْل بِدُونِ كل مِنْهُمَا وَيُوجد كل مِنْهُمَا بِدُونِ شَهَادَة الأَصْل، وَقد يوجدان مَعًا، كَذَا ذكره صدر الشَّرِيعَة وَيلْزم مِنْهُ إِثْبَات شَهَادَة بِدُونِ التَّأْثِير، وَتعقبه فِي التَّلْوِيح (وَالْمَشْهُور من معنى شَهَادَة الأَصْل مَا ذكرنَا. ثمَّ لَا يخفى أَن لُزُوم الْقيَاس مِمَّا جنسه) أَي جنس الْوَصْف الثَّابِت اعْتِبَاره فِي الأَصْل بِنَصّ أَو إِجْمَاع (فِي الْعين) أَي عين الحكم فِي الأَصْل (لَيْسَ إِلَّا بِجعْل الْعين) أَي عين الْوَصْف (عِلّة) لذَلِك الحكم (بِاعْتِبَار تضمنها) أَي عين الْوَصْف (الْعلَّة) لذَلِك الحكم (جنسه) بدل من الْعلَّة (فَيرجع إِلَى اعْتِبَار الْعين فِي الْعين) يُرِيد بَيَان كَيْفيَّة لُزُوم الْقيَاس مِمَّا ذكر على وَجه يسْتَلْزم كَون عين الْوَصْف عِلّة للْحكم الْمَطْلُوب فِي الْقيَاس الْمَذْكُور. تلخيصه أَنا إِذا

وجدنَا أَن الشَّارِع اعْتبر جنس الْوَصْف عِلّة لعين الحكم فِي مَحل، وأردنا أَن نجْعَل عين الْوَصْف عِلّة لَهُ فِي مَحل آخر قُلْنَا: إِن عين بِالْوَصْفِ عِلّة لَهُ فِي ذَلِك الْمحل الآخر، لِأَن عينه يتَضَمَّن لجنسه، وَقد علم اعْتِبَار الشَّارِع علية ذَلِك الْجِنْس لعين هَذَا الحكم فِي الْمحل الأول، فنعتبره عِلّة لَهُ فِي هَذَا الْمحل أَيْضا لوُجُود الْمُنَاسبَة مَعَ الِاعْتِبَار الْمَذْكُور، فَتكون علية الْعين فِي الْحَقِيقَة بِاعْتِبَار جِنْسهَا. نقل عَن المُصَنّف فِي تَمْثِيل هَذَا تَعْلِيل عتق الْأَخ عِنْد شِرَاء أَخِيه إِيَّاه بِأَنَّهُ ملكه أَخُوهُ بِاعْتِبَار الشَّارِع تَأْثِير جنسه، أَعنِي ملك ذِي الرَّحِم الْمحرم فِي عين الحكم وَهُوَ الْعتْق، فالمؤثر فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ إِلَّا ملك ذِي الرَّحِم الْمحرم، فثبوت الْعتْق مَعَ ملك الْأَخ لَيْسَ من حَيْثُ أَنه ملك الْأَخ، بل من حَيْثُ أَنه ملك ذِي الرَّحِم الْمحرم (والبسائط أَربع) حَاصِلَة (من) ضرب (الْعين وَالْجِنْس فِي الْعين وَالْجِنْس) عين الْوَصْف فِي عين الحكم، وجنسه فِي جنسه، وَعين الْوَصْف فِي جنس الحكم، وَقَلبه (هِيَ) أَن هَذِه الْأَرْبَع هِيَ (الْمُؤثر، وَثَلَاثَة ملائم الْمُرْسل) الْمَذْكُورَة (أما الملائم) الَّذِي هُوَ من مُقَابل الْمُرْسل (فَيلْزمهُ التَّرْكِيب لِأَنَّهُ لَا بُد من ثُبُوت عينه) أَي الْوَصْف (فِي عينه) أَي الحكم (بترتب الحكم مَعَه فِي الْمحل، ثمَّ ثُبُوت اعْتِبَار عينه) أَي الْوَصْف (فِي جنس الحكم أَو) ثُبُوت اعْتِبَار (قلبه) أَي جنسه فِي عين الحكم (أَو) ثُبُوت اعْتِبَار (جنسه فِي جنسه، فَأَقل مَا يلْزم فِي الملائم تركيبه من اثْنَيْنِ) وَقد يكون من أَكثر. (والمركب إِمَّا) مركب (من الْأَرْبَعَة قيل) كَمَا فِي التَّلْوِيح (كالسكر) الْمُؤثر عينه (فِي) عين (الْحُرْمَة، وجنسه) أَي السكر هُوَ (إِيقَاع الْعَدَاوَة والبغضاء) مُؤثر (فِيهَا) أَي عين الْحُرْمَة وَهُوَ ثَان، فَإِن الْإِيقَاع الْمَذْكُور كَمَا يكون بالسكر يكون بِغَيْرِهِ (ثمَّ) السكر مُؤثر (فِي وجوب الزاجر أَعم من الأخروي كالحرق والدنيوي كالحد) وَهَذَا جنس الحكم (وجنسه) أَي السكر (الْإِيقَاع) فِي الْعَدَاوَة مُؤثر فِي وجوب الزاجر (فِي الْحَد فِي الْقَذْف) وَهُوَ جنس الحكم (وَلَا يخفى أَن وجوب الحرق) فِي الْآخِرَة (يعد أَنه اعتزال) لجوار عَدمه عِنْد أهل السّنة (غير الحكم الَّذِي نَحن فِيهِ) وَهُوَ التكليفي (وَأَن تَأْثِيره) أَي السكر (فِي وجوب الزاجر لَيْسَ) تَأْثِيرا (فِي جنس حُرْمَة الشّرْب) لكَون من تَأْثِير الْعين فِي الْجِنْس، وَذَلِكَ لِأَن جنس حُرْمَة شرب الْخمر الْحُرْمَة الْمُطلقَة، وَمَا هُوَ أَعم مِنْهُ كَالْحكمِ الْمُطلق، وَمَا هُوَ أخص مِنْهُ كَحُرْمَةِ الشّرْب ونظائره لَا غير، وَلبس وجوب الزاجر مِنْهُ (وَإِنَّمَا يَصح) كَونه مؤثرا فِي جنس حُرْمَة الشّرْب (لتأثير السكر فِي حُرْمَة الْإِيقَاع) فِي الْعَدَاوَة والبغضاء، لِأَنَّهُ عِلّة للإيقاع الْمَذْكُور، وَالْعلَّة مُؤثرَة فِي الْمَعْلُول فقد تحقق بَينهمَا مُنَاسبَة يحسن بهَا مَشْرُوعِيَّة حُرْمَة الْإِيقَاع عِنْد السكر، وَهَذَا من تَأْثِير الْعين فِي الْجِنْس، وَمَا بعده من تَأْثِير الْجِنْس فِي الْجِنْس، وَمَا بعده من تَأْثِير الْجِنْس فِي الْعين

وَإِنَّمَا لم يذكر الرَّابِع وَهُوَ تَأْثِير الْعين فِي الْعين، أَعنِي السكر فِي حُرْمَة الشّرْب لظُهُوره وشهرته (و) تَأْثِير (الْإِيقَاع فِي حُرْمَة الْقَذْف) فَإِنَّهُ كالعلة الغائية لحُرْمَة الْقَذْف. وَالْقَذْف من نَظَائِر الشّرْب، فَتكون حرمته من جنس حُرْمَة الشّرْب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (كَمَا أثر) الْإِيقَاع (فِي الشّرْب) يَعْنِي أثر فِي جنسه كَمَا أثر فِي عينه، وَإِنَّمَا قُلْنَا تَأْثِيره فِي وجوب الزاجر إِلَى آخِره (للتصريح): أَي تَصْرِيح الْأُصُولِيِّينَ (بِأَن المُرَاد بجنسهما) أَي الْوَصْف وَالْحكم (مَا هُوَ أَعم من كل) من الْوَصْف وَالْحكم، وَوُجُوب الزاجر لَيْسَ أَعم من حُرْمَة الشّرْب، بل هُوَ مباين لَهُ مَا كَمَا لَا يخفى، وَالْحُرْمَة الشاملة للشُّرْب وَالْقَذْف أَعم من حُرْمَة الشّرْب (فليزم التصادق) بَين كل من الْوَصْف وَالْحكم وَبَين جنسه، وَقد عرفت تَفْصِيله. (لَا يُقَال مَجِيء مثله) من الْإِيرَاد بِاعْتِبَار عدم التصادق (فِي الْإِيقَاع مَعَ السكر) وَقد جعلت الْإِيقَاع جنس السكر وَالْقَذْف فيحرمهما، وَذَلِكَ بِأَن يُقَال لَا تصادق بَينهمَا (لِأَن المُرَاد بِهِ) أَي الْإِيقَاع (موقع الْعَدَاوَة، وَهُوَ) أَي موقع الْعَدَاوَة، (أَعم من السكر وَالْقَذْف فيحرمهما) أَي يحرم الْإِيقَاع، بل الْموقع السكر والإيقاع وَالْقَذْف (وَإِمَّا) مركب (من ثَلَاثَة فَأَرْبَعَة) أَي فَهُوَ أَرْبَعَة أَقسَام. ثمَّ عين أَمْثِلَة تِلْكَ الْأَرْبَعَة بقوله (فَمَا سوى الْعين فِي الْعين) الخ (التَّيَمُّم عِنْد خوف فَوت صَلَاة الْعِيد، فالجنس) للوصف (الْعَجز بِحَسب الْمحل) عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ شرعا مُؤثر (فِي الْجِنْس) أَي جنس التَّيَمُّم: أَي (سُقُوط مَا يحْتَاج) إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة (و) مُؤثر (فِي الْعين) وَهُوَ (التَّيَمُّم، وَالْعين) للوصف (الْعَجز عَن المَاء) مُؤثر (فِي الْجِنْس) أَي (سُقُوط) وجوب (اسْتِعْمَاله فَإِنَّهُ) أَي اسْتِعْمَاله (أَعم من اسْتِعْمَاله للْحَدَث والخبث لَكِن الْعين) للوصف وَهُوَ (خوف الْفَوْت لم يُؤثر فِي الْعين) للْحكم: أَي (التَّيَمُّم من حَيْثُ هُوَ تيَمّم بِنَصّ أَو إِجْمَاع) فِيهِ أَنكُمْ جعلتم الْعَجز عَن المَاء عين الْوَصْف آنِفا، وَقد اعْتَبرهُ الشَّرْع فِي التَّيَمُّم فَتدبر (فقد جعلت) الْعين للوصف (مرّة خوف الْفَوْت وَمرَّة الْعَجز عَن المَاء لِأَنَّهُمَا) أَي الْخَوْف وَالْعجز (وَاحِد) معنى (لِأَن الْعَجز مخيف فَإِن قلت خوف الْفَوْت هُوَ الْوَصْف الْمُعَلل بِهِ فِي التَّنَازُع فِيهِ وَهُوَ الْفَرْع) أَي صَلَاة الْعِيد (وَالْمرَاد من الْوَصْف المنظور فِي أَن جنسه أثر فِي جنس الحكم أَو عينه) أَي الحكم (مَا فِي الأَصْل ليدل بِهِ) أَي بتأثير جنسه فِي جنس الحكم أَو عينه (على اعْتِبَاره) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور (عِلّة فِي نظر الشَّارِع قلت ذَلِك) أَي كَون المُرَاد بِالْوَصْفِ مَا فِي الأَصْل إِنَّمَا هُوَ (فِي غير الْمُرْسل وَالتَّعْلِيل بِهِ) أَي بِغَيْر الْمُرْسل (قِيَاس وَلَيْسَ هَذَا الْقسم) أَي الْمركب من ثَلَاثَة لَيْسَ مِنْهَا الْعين فِي الْعين (إِلَّا مُرْسلا فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ قِيَاس وَإِلَّا استدعى أصلا فَلَزِمَهُ) حِينَئِذٍ (الْعين مَعَ الْعين فِي الأَصْل، والمرسل مَأْخُوذ فِيهِ عَدمه) أَي عدم الْعين

مَعَ الْعين فِي الْعين فِي الْمحل الأَصْل (فالتعليل بالمرسل) تَعْلِيل (بمصالح خَاصَّة ابْتِدَاء اعْتبرت فِي جنس الحكم الَّذِي يُرَاد إثْبَاته أَو جِنْسهَا) أَي الْمصَالح (فِي عينه) أَي الحكم (أَو جنسه لَكِن تشْتَرط الضرورية والكلية) فِيهَا (على مَا تقدم عِنْد قَائِله) وَهُوَ الْغَزالِيّ (فَإِن قلت الْمِثَال حَنَفِيّ وَهُوَ) أَي الْحَنَفِيّ (بِمَنْع الْمُرْسل) فَكيف يتم قَوْله (قُلْنَا سبق أَنه يجب القَوْل بعملهم بِبَعْض مَا يُسمى مُرْسلا عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَيدخل) ذَلِك (فِي الْمُؤثر عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (كَمَا سَيظْهر، والمركب مِمَّا سوى الْجِنْس فِي الْعين الْعَجز عَن غير مَاء الشّرْب) أَي الْعَجز الْحَقِيقِيّ عَمَّا يتَوَضَّأ أَو يغْتَسل بِهِ بِأَن لَا يُوجد عِنْده مَا يَكْفِي لأَحَدهمَا أصلا (فِي التَّيَمُّم) أَي أَي جَوَازه (وَهُوَ الْعين فِي الْعين فِي مَحل النَّص) أَي قَوْله تَعَالَى (فَلم تَجدوا) الْآيَة (وجنسه) أَي عين الْوَصْف الْمَنْصُوص عَلَيْهِ (الْعَجز الْحكمِي) عَن المَاء بِأَن يكون عَجزه عَن غير مَاء الشّرْب فَقَط، فَالَّذِي للشُّرْب لما كَانَ مُسْتَحقّا بِالْحَاجةِ الْأَصْلِيَّة صَار صَاحبه كَأَنَّهُ غير وَاجِد للْمَاء مُطلقًا، وَفِيه مُسَامَحَة، لِأَن الْجِنْس مَا يعم الْحَقِيقِيّ والحكمي، غير أَنه اكْتفى بِذكر مَا يتَحَقَّق بِهِ الأعمية مُؤثر (فِي جنسه) أَي الْحكمِي، يَعْنِي (سُقُوط اسْتِعْمَاله) أَي مَاء الشّرْب، فَإِنَّهُ أَعم من اسْتِعْمَاله فِي الْحَدث والخبث (وعينه) أَي الْوَصْف (عدم وجدانه) أَي المَاء الْكَافِي لوجدانه مُؤثر (فِي جنسه) أَي الحكم الْمَذْكُور: أَي (السُّقُوط دفعا للهلاك) فَإِن قلت: عين الْوَصْف على مَا سبق عدم وجدان مَا يَكْفِي لرفع الْحَدث لَا يسْتَلْزم عدم الْوُجُود مُطلقًا وتأثيره فِي الْجِنْس بِاعْتِبَار عدم وجوب اسْتِعْمَاله لرفع الْخبث دفعا للهلاك فَافْهَم (وَالْجِنْس غير مُؤثر فِيهِ) أَي الْعين (لِأَن الْعَجز الْمَذْكُور) وَهُوَ الْعَجز الْحكمِي مُطلقًا (غير مُؤثر فِي) جَوَاز أَو وجوب (التَّيَمُّم من حَيْثُ هُوَ تيَمّم) بل إِنَّمَا أثر فِي سُقُوط اسْتِعْمَال المَاء مُطلقًا من حدث أَو خبث كَمَا ذكر آنِفا (و) الْمركب (من غير الْعين فِي الْجِنْس كالحيض فِي حُرْمَة القربان) وَهُوَ (الْعين فِي الْعين وجنسه) أَي الْحيض (الْأَذَى) مُؤثر (فِيهِ) أَي فِي تَحْرِيم القربان (أَيْضا و) مُؤثر (فِي الْجِنْس) لحُرْمَة القربان: أَي (حُرْمَة الْجِمَاع مُطلقًا). قَالَ الشَّارِح فَتدخل فِيهِ حُرْمَة اللواطة، وَغير خَافَ أَن هَذَا أولى مِمَّا فِي التَّلْوِيح أَنه وجوب الاعتزال (و) الْمركب (من غير الْجِنْس فِي الْجِنْس كالحيض عِلّة لحُرْمَة الصَّلَاة، وَهُوَ الْعين فِي الْعين وجنسه) أَي عين الحكم مَعْطُوف على حُرْمَة الصَّلَاة، و (حُرْمَة الْقِرَاءَة) عطف بَيَان لجنسه (أَعم مِمَّا فِي الصَّلَاة و) خَارِجهَا على (جنسه) أَي الْحيض (الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ) مُؤثر (فِي حُرْمَة الصَّلَاة لَا الْجِنْس) مَعْطُوف على حُرْمَة الصَّلَاة: أَي غير مُؤثر فِي جنس الحكم (حُرْمَة الْقِرَاءَة مُطلقًا) عطف بَيَان للْجِنْس (والمركب من اثْنَيْنِ الْعين فِي الْعين مَعَ الْجِنْس فِيهِ) أَي الْعين (الطوف) فَإِنَّهُ عِلّة (فِي

طَهَارَة سُؤْر الْهِرَّة وجنسه) أَي الطوف (مُخَالطَة نَجَاسَة يشق الِاحْتِرَاز عَنْهَا) عِلّة الطَّهَارَة كآبار الفلوات (و) الْمركب (من الْعين فِي الْعين وَفِي الْجِنْس الْمَرَض) فَإِنَّهُ مُؤثر (فِي الْفطر و) مُؤثر (فِي جنسه) أَي الْفطر (التَّخْفِيف فِي الْعِبَادَة بِثُبُوت الْقعُود) فِي الْمَكْتُوبَة (و) الْمركب (من الْعين فِي الْعين مَعَ الْجِنْس فِي الْجِنْس كالجنون المطبق) فَإِنَّهُ مُؤثر (فِي ولَايَة النِّكَاح) فَهَذَا من الْعين فِي الْعين (وجنسه) أَي الْجُنُون (الْعَجز بِعَدَمِ الْعقل لشُمُوله) أَي الْعَجز (الصغر) مُؤثر (فِي جِنْسهَا) أَي ولَايَة الانكاح، وَهُوَ ولَايَة مُطلقَة (لثبوتها) أَي الْولَايَة (فِي المَال، و) الْمركب (من الْجِنْس فِي الْعين فالجنس كجنس الصغر الْعَجز لعدم الْعقل) مُؤثر (فِي ولَايَة المَال) للْحَاجة إِلَى بَقَاء النَّفس (و) فِي (مُطلقهَا) أَي الْولَايَة (فثبتت) أَي الْولَايَة (فِي كل مِنْهُمَا) أَي المَال وَالنَّفس (و) الْمركب (من الْجِنْس فِي الْعين وَقَلبه) أَي من الْعين فِي الْجِنْس (خُرُوج النَّجَاسَة) لِأَنَّهَا أَعم من كَونهَا من السَّبِيلَيْنِ أَو غَيرهمَا وَهُوَ مُؤثر (فِي وجوب الْوضُوء ثمَّ خُرُوجهَا من غير السَّبِيلَيْنِ) مُؤثر (فِي وجوب إِزَالَتهَا) وَهُوَ أَعم من الْوضُوء، لِأَنَّهُ إِزَالَة النَّجَاسَة الْحكمِيَّة، وَإِزَالَة النَّجَاسَة تعم الْحكمِيَّة والحقيقة، فَكَانَ جنس الْوضُوء (وَهَذَا لَا يَسْتَقِيم لانْتِفَاء تَأْثِير خُرُوج النَّجَاسَة إِلَّا فِي الْحَدث، ثمَّ بِوُجُوب مَا شَرط لَهُ) إِزَالَتهَا (تجب) إِزَالَتهَا (و) الْمركب (من الْعين وَالْجِنْس فِي الْجِنْس الْجُنُون وَالصبَا) فَإِن كلا مِنْهُمَا مُؤثر (فِي سُقُوط الْعِبَادَة) للاحتياج إِلَى النِّيَّة (وجنسه) أَي كل مِنْهُمَا (الْعَجز لخلل القوى) فَإِنَّهُ مُؤثر (فِيهِ) أَي فِي سُقُوط الْعِبَادَة (وَظهر أَن سِتَّة) الْمركب (الثنائي ثَلَاثَة) مِنْهَا (قِيَاس) وَهِي الأول (وَثَلَاثَة مُرْسل) لَيست بِقِيَاس لوُجُود الْعين مَعَ الْعين فِي الأول وَعَدَمه فِي الآخر (وَثَلَاثَة من أَرْبَعَة) الْمركب (الثلاثي قِيَاس) وَهِي الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة مِنْهَا (وَوَاحِد لَا) أَي لَيْسَ بِقِيَاس وَهُوَ الأول (هَذَا، وَالْأَكْثَر تركيبا يقدم عِنْد تعارضها) أَي المركبات (والمركب) يقدم (على الْبَسِيط) عِنْد تعارضهما، لِأَن قُوَّة الْوَصْف بِحَسب التَّأْثِير، والتأثير بِحَسب اعْتِبَار الشَّرْع، فَكلما كثر قوى الْأَثر كَمَا قَالَ فِي التَّلْوِيح. وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَقِيم فِيمَا سوى اعْتِبَار النَّوْع فِي النَّوْع فَإِنَّهُ أقوى الْكل لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة النَّص حَتَّى كَاد يقر بِهِ منكرو الْقيَاس، إِذْ لَا فرق إِلَّا بِتَعَدُّد الْمحل فالمركب فِي غَيره لَا يكون أقوى مِنْهُ (وَأما الْحَنَفِيَّة فطائفة مِنْهُم فَخر الْإِسْلَام) والسرخسي وَأَبُو زيد (لَا بُد قبل التَّعْلِيل فِي المناظرة من الدّلَالَة على معلولية هَذَا الأَصْل) الْمَقِيس عَلَيْهِ. قَالَ السَّرخسِيّ وَالْأَشْبَه بِمذهب الشَّافِعِي أَن الْأُصُول معلولة فِي الأَصْل إِلَّا أَنه لَا بُد لجَوَاز التَّعْلِيل فِي كل أصل من دَلِيل مُمَيّز، وَالْمذهب عِنْد عُلَمَائِنَا أَنه لَا بُد مَعَ هَذَا من قيام دَلِيل يدل على كَونه معلولا فِي الْحَال انْتهى (وَلَا يَكْفِي) قَول الْمُعَلل (الأَصْل) فِي النُّصُوص التَّعْلِيل عزاهُ فِي الْمِيزَان إِلَى عَامَّة مثبتي الْقيَاس وَالشَّافِعِيّ وَبَعض عُلَمَائِنَا

(لِأَنَّهُ) أَي الأَصْل (مستصحب يَكْفِي للدَّفْع) أَي لدفع ثُبُوت مَا لم يعلم ثُبُوته (لَا الْإِثْبَات) على الْخصم (كَمَا سَيعْلَمُ) فِي بحث الِاسْتِصْحَاب آخر هَذِه الْمقَالة وَهَذَا (بِخِلَاف الْإِثْبَات لنَفسِهِ) فَإِنَّهُ لَا يلْزم قبل التَّعْلِيل لنَفسِهِ الدّلَالَة على معلولية ذَلِك الأَصْل الَّذِي هُوَ بصدد الْقيَاس عَلَيْهِ (كنقض الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ يسْتَدلّ) بِهِ (على معلوليته) أَي كَون الْخَارِج النَّجس عِلّة للنقض (بِالْإِجْمَاع على ثُبُوته) أَي النَّقْض بالخارج النَّجس (فِي مثقوب السُّرَّة) إِذا خرج مِنْهَا قِيَاسا على النَّقْض بالخارج من السَّبِيلَيْنِ (فَعلم) بِدلَالَة الْإِجْمَاع (تعديه) أَي النَّقْض (عَن مَحل النَّص) أَي السَّبِيلَيْنِ إِلَى مَا سواهُ من الْبدن إِذْ لَو كَانَ خُصُوص الْمحل معينا فِي النَّقْض لما جَازَ قيام غَيره مَكَانَهُ بِالرَّأْيِ، لِأَن الأبدال لَا تنصب بِالرَّأْيِ (فصح تَعْلِيله) أَي النَّقْض بالخارج من السَّبِيلَيْنِ (بِنَجَاسَة الْخَارِج) لِأَن الضِّدّ هُوَ الْمُؤثر فِي رفع ضِدّه، وَصفَة النَّجَاسَة هِيَ الرافعة للطَّهَارَة وَالْعين الْخَارِجَة معروضها (ليثبت النَّقْض بِهِ) أَي بالخارج النَّجس (من سَائِر الْبدن وَطَائِفَة لَا) تشْتَرط الدّلَالَة على مَعْلُول الأَصْل قبل التَّعْلِيل فِي المناظرة (إِذْ لم يعرف) ذَلِك (فِي مناظرة قطّ للصحابة وَالتَّابِعِينَ) وَكفى بهم قدوة (وَلِأَن إِقَامَة الدَّلِيل على علية الْوَصْف وَلَا بُد مِنْهُ) أَي من الدَّلِيل عَلَيْهِ فِي إِلْحَاق الْفَرْع بِالْأَصْلِ. قَوْله وَلَا بُد مِنْهُ مُعْتَرضَة وَخبر أَن قَوْله (يتضمنه) أَي كَون الأَصْل معلولا (فأغنى) الدَّلِيل عَلَيْهَا عَن الِاسْتِدْلَال على كَون الأَصْل معلولا لِأَن ثُبُوت عليته مُسْتَلْزم لمعلولية الأَصْل (وَهَذَا) القَوْل (أوجه، ثمَّ دَلِيل اعْتِبَاره) أَي الْوَصْف الْمُدَّعِي عليته فِي الحكم الْمعِين (النَّص وَالْإِجْمَاع وسيأتيان والتأثير ظُهُور أَثَره) أَي الْوَصْف (شرعا) أَي ظهورا شَرْعِيًّا وَسَيَأْتِي تَفْسِيره (ويسمونه) أَي التَّأْثِير أَو ظُهُور أَثَره (عَدَالَته) أَي الْوَصْف (ويستلزم) التَّأْثِير و (مناسبته) أَي الْوَصْف للْحكم بِأَن يَصح إِضَافَة الحكم إِلَيْهِ (ويسمونها ملاءمته) بِالْهَمْزَةِ أَي مُوَافَقَته للْحكم (وتستلزم) مناسبته (كَونه) أَي الْوَصْف عَن (غير نَاب) أَي بعيد (عَن الحكم) وَهَذَا الَّذِي يعبر عَنهُ بصلاح الْوَصْف للْحكم (كتعليل) وُقُوع (الْفرْقَة) بَين الزَّوْجَيْنِ الْكَافرين إِذا أسلمت وأبى (بالأباء) فَإِنَّهُ يُنَاسِبه (بِخِلَافِهَا) أَي الْفرْقَة: يَعْنِي تعليلها (بِإِسْلَام الزَّوْجَة) فَإِنَّهُ نَاب عَنهُ فَإِن الْإِسْلَام عرف عَاصِمًا للحقوق والإملاك، لَا قَاطعا لَهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: فافعلوا ذَلِك يَعْنِي الشَّهَادَتَيْنِ عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ الحَدِيث، والمحظور يصلح سَببا للعقوبة، والفرقة عُقُوبَة، وإباء الْإِسْلَام رَأس الْمَحْظُورَات (كَمَا سَيَأْتِي) ذكره فِي فَسَاد الْوَضع (وَفسّر) التَّأْثِير (بِأَن يكون لجنسه) أَي الْوَصْف (تَأْثِير فِي عين الحكم كإسقاط الصَّلَوَات الْكَثِيرَة) بِأَن تزيد على خمس (بالإغماء) إِذْ (بِجِنْسِهِ) أَي جنس الْإِغْمَاء وَهُوَ الْعَجز عَن الْأَدَاء تَأْثِير (فِيهِ) أَي فِي الحكم: أَي إِسْقَاط الصَّلَاة، وَمَا يُقَال إِن جنسه الْحَرج حَتَّى لَا يجب الْقَضَاء إِذا ذهب الْعَجز فَهُوَ عِلّة الْعلَّة (أَو) لجنسه تَأْثِير (فِي جنسه) أَي الحكم

(كالإسقاط) للصَّلَاة عَن الْحَائِض (بمشقته) أَي بِمَشَقَّة فعلهَا لكثرتها (وجنسه) أَي هَذَا الْوَصْف (الْمَشَقَّة المتحققة فِي مشقة السّفر) يُؤثر (فِي جنسه) أَي الحكم (السُّقُوط الْكَائِن فِي الرَّكْعَتَيْنِ) من الرّبَاعِيّة (وَعَن بَعضهم نَفْيه) أَي كَون تَأْثِير الْجِنْس فِي الْجِنْس من التَّأْثِير (وَمن الْحَنَفِيَّة من يقْتَصر عَلَيْهِ) أَي على أَن التَّأْثِير هُوَ اعْتِبَار الْجِنْس فِي الْجِنْس فِي مَوضِع آخر نصا أَو إِجْمَاعًا، عزاهُ صَاحب الْكَشْف إِلَى فَخر الْإِسْلَام (وَالْوَجْه سُقُوط الْجِنْس فِي الْعين) من التَّأْثِير (بِمَا قدمنَا) هـ من أَن لُزُوم الْقيَاس مِمَّا جنسه فِي الْعين لَيْسَ إِلَّا بِجعْل الْعين عِلّة بِاعْتِبَار تضمنها لعِلَّة جنسه فَيرجع إِلَى اعْتِبَار الْعين فِي الْعين (دون) سُقُوط (قلبه) أَي الْعين فِي الْجِنْس من التَّأْثِير يظْهر ذَلِك (بتأمل يسير) لِأَن علية الْحَاجة بِاعْتِبَار مَا فِي ضمنه من الْعَام مَعْقُول بِخِلَاف معلولية الْعَام بِاعْتِبَار تضمنه للخاص فَإِنَّهُ لَا معنى لَهُ فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون من قبيل الْعين فِي الْعين (أَو) يكون (لعَينه) أَي لوصف تَأْثِير فِي جنس الحكم (كالأخوة لأَب وَأم فِي التَّقَدُّم) على الْأَخ لأَب (فِي ولَايَة الْإِنْكَاح) للصَّغِير وَالصَّغِيرَة، وَهِي عين الحكم الْمُؤثر فِيهِ، فَإِن عين الْوَصْف الْمَذْكُور مُؤثر (فِي جنسه) أَي الحكم الْمَذْكُور (التَّقَدُّم) الصَّادِق على كل من التَّقَدُّم (فِي الْمِيرَاث) والإنكاح (أَو) يكون لعَينه تَأْثِير (فِي عينه ذكره) أَي التَّفْسِير الْمَذْكُور (فِي الْكَشْف الصَّغِير) ثمَّ صدر الشَّرِيعَة (وَيلْزمهُ) أَي التَّأْثِير على هَذَا التَّفْسِير (كَونه) أَي التَّأْثِير (بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع كالسكر فِي الْحُرْمَة) إِذْ السكر عِلّة للْحُرْمَة بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع (وَهُوَ) أَي كَونه بهما أَو بِأَحَدِهِمَا (مخرج لَهُ عَن دلَالَة التَّأْثِير على الِاعْتِبَار) أَي يخرج الْوَصْف عَن كَونه بِحَيْثُ يدل تَأْثِيره ومناسبته على اعْتِبَار الشَّرْع إِيَّاه (إِلَى المنصوصة): إِذْ دلّ على اعْتِبَاره النَّص وَالْإِجْمَاع لَا التَّأْثِير والمناسبة، ثمَّ علل الْإِخْرَاج الْمَذْكُور بقوله (إِذْ لم يبْق) دَلِيل على الِاعْتِبَار بعد (مَعَ ظُهُور الْمُنَاسبَة) بعد النَّص وَالْإِجْمَاع (إِلَّا الإخالة) وَهُوَ إبداء الْمُنَاسبَة بَين الْوَصْف وَالْأَصْل بملاحظتهما على مَا سَيَأْتِي قَرِيبا: يَعْنِي أَن دلَالَة التَّأْثِير على الِاعْتِبَار إِنَّمَا تكون مَعَ ظُهُور الْمُنَاسبَة بَين الْوَصْف وَالْحكم، وَمَعَ ظُهُورهَا إِن وجد أحد الْأَمريْنِ فالدلالة وَإِن لم يُوجد لم يكن هُنَاكَ إِلَّا الإخالة وهم ينفونها فَلَا يتَحَقَّق للتأثير دلَالَة، غير أَن لُزُوم أَحدهمَا التَّأْثِير يُغني عَن هَذَا التَّعْلِيل (وينفون) أَي الْحَنَفِيَّة (إِيجَابهَا) أَي الإخالة الحكم (مجوزي الْعَمَل قبله بهَا) أَي حَال كَونهم يجوزون الْعَمَل قبل ظُهُور التَّأْثِير بموجبها (كالقضاء بالمستورين ينفذ وَلَا يجب) الظَّاهِر أَنه تنظير لَا تَمْثِيل، وَوجه الشّبَه أَنه كَمَا يجوز الْقَضَاء بِشَاهِدين مستوري الْعَدَالَة وَلَا يجب لذَلِك تجوز الْعَمَل بالإخالة وَلَا يجب، وَأما كَون الْقَضَاء الْمَذْكُور ثَابتا بِوَصْف ظهر بَينه وَبَين أَصله الْمُنَاسبَة بملاحظتهما فَهُوَ غير ظَاهر (وَظهر أَن الْمُؤثر عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (أَعم مِنْهُ) أَي الْمُؤثر عِنْد الشَّافِعِيَّة وَهُوَ مَا ثَبت بِنَصّ أَو إِجْمَاع اعْتِبَار عينه فِي عين الحكم وَعند الْحَنَفِيَّة

يصدق على هَذَا وعَلى الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة مَعَه فِي التَّفْسِير الْمَذْكُور (وَمن الملائم الأول) الَّذِي هُوَ من أَقسَام الْمُنَاسب عِنْد الشَّافِعِيَّة بأقسامه الثَّلَاثَة مَا ثَبت اعْتِبَار عينه فِي عينه بِمُجَرَّد ثُبُوته مَعَ الحكم فِي الْمحل مَعَ اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم بِنَصّ أَو اجماع اعْتِبَار عينه أَو جنسه فِي عينه أَو فِي جنسه (وَمَا من الْمُرْسل) أَي وَثَلَاثَة أَقسَام الملائم الْمُرْسل وَهِي مَا لم يثبت الْعين مَعَ الْعين فِي الْمحل لَكِن ثَبت بِنَصّ أَو إِجْمَاع اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم أَو جنسه فِي عينه أَو جنسه (فَشَمَلَ) الْمُؤثر الْحَنَفِيّ (سَبْعَة أَقسَام فِي عرف الشَّافِعِيَّة إِذْ لم يقيدوا) أَي الْحَنَفِيَّة (الثَّلَاثَة) الَّتِي هِيَ تَأْثِير الْجِنْس فِي عين الحكم أَو فِي جنسه وتأثير الْعين فِي جنس الحكم (بِوُجُود الْعين مَعَ الْعين فِي الْمحل: أَي الأَصْل وَكَذَا) يُقيد أعمية الْمُؤثر عِنْدهم (تصريحهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِيمَا تقدم بِأَن التَّعْلِيل بِمَا اعْتبر جنسه الخ) أَي فِي عين الحكم أَو جنسه وَمَا اعْتبر عينه فِي عين الحكم أَو جنسه (مَقْبُول، وَقد لَا يكون) التَّعْلِيل بِأَحَدِهِمَا (قِيَاسا بِأَن لم يتركب مَعَ أحد الْأَمريْنِ) أَي الْعين أَو الْجِنْس مَعَ الْعين (وَلَا حَاجَة إِلَى تَقْيِيده) أَي المقبول (بِغَيْر مَا جنسه أبعد) أَي مَا اعْتبر الشَّارِع جنسه الْأَبْعَد (كتضمن مُطلق مصلحَة) أَي كَون الْوَصْف متضمنا لمصْلحَة مَا فِي إِثْبَات الحكم (بِخِلَاف) جنسه (الْبعيد) الَّذِي هُوَ أقرب من ذَلِك الْأَبْعَد فَإِنَّهُ اعْتَبرهُ الشَّارِع إِذا كَانَت الْمصلحَة ضَرُورِيَّة قَطْعِيَّة كُلية (كالرمي) أَي كجوازه (إِلَى الترس الْمُسلم إِذا غلب ظن نجاتهم) أَي أهل الْإِسْلَام بِالرَّمْي إِلَيْهِ (إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْقطع) بالنجاة فَإِنَّهُ يقبل عِنْد بعض الْعلمَاء (كالغزالي) أَو التَّقْدِير كَقَوْل الْغَزالِيّ (بِخِلَاف) نجاة (بَعضهم) أَي بعض أهل الْإِسْلَام كَمَا (فِي السَّفِينَة) أَي رمي بعض من فِي السَّفِينَة من الْمُسلمين بِمَا إِذا علمت نجاة الْبَعْض الآخرين فِي ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجوز، لِأَن الْمصلحَة غير كُلية كَمَا سبق (إِذْ دَلِيل الِاعْتِبَار بِالنَّصِّ أَو بِالْإِجْمَاع لم يتَحَقَّق فِي مُطلقهَا) أَي مُطلق الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة، وَالْكَلَام فِيمَا يثبت اعْتِبَاره بِالنَّصِّ أَو بِالْإِجْمَاع: فَهَذَا تَعْلِيل لقَوْله لَا حَاجَة إِلَى تَقْيِيده (والإخالة إبداء الْمُنَاسبَة بَين) حكم (الأَصْل وَالْوَصْف بملاحظتهما) أَي الْوَصْف وَالْحكم، سمي بهَا، لِأَن بالمناسبة يخال ويظن علية الْوَصْف للْحكم (فينتهض) إبداء مُنَاسبَة ذَلِك الْوَصْف لذَلِك الحكم (على الْخصم الْمُنكر للمناسبة) بَينهمَا لَا الْمُنكر للْحكم، لِأَن مُجَرّد الْمُنَاسبَة لَا توجب عِلّة الْوَصْف عِنْد الْحَنَفِيَّة لما عرف بكلامهم فِي الإخالة (وَهُوَ) أَي الْوَصْف الْمُنَاسب (مَا عَن القَاضِي أبي زيد مَا لَو عرض على الْعُقُول تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ) فِي نُسْخَة الشَّارِح تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ، وَقَالَ وَلَفظه فِي التَّقْوِيم بِدُونِ ذكر الْأمة كَمَا كَانَت عَلَيْهِ النُّسْخَة أَولا، وَلَعَلَّه إِنَّمَا زَادهَا إِشَارَة إِلَى أَن المُرَاد عَامَّة الْعُقُول. وَأَنت خَبِير بِأَنَّهَا لَا تناسب أول الْكَلَام واستغراق لَام الْعُقُول يُفِيد الْإِشَارَة الْمَذْكُورَة فَالظَّاهِر أَنه من تصرف الْكَاتِب (فَإِن الْمُنكر) للمناسبة (حِينَئِذٍ مكابر) أَي معاند فَلَا يقبل المكاره (وَقيل أَرَادَ) القَاضِي بِهَذَا التَّفْسِير (حجيته) أَي الْوَصْف الْمُنَاسب (فِي حق نَفسه) أَي

القائس (فَقَط) لَا فِي حَقه وَحقّ الْخصم، إِذْ رُبمَا يَقُول لَا يتلقاه عَقْلِي بِالْقبُولِ وَلَيْسَ الِاحْتِجَاج بقول الْغَيْر على أولى من شَهَادَة قلبِي، وَمن ثمَّة منع أَبُو زيد التَّمَسُّك بالمناسبة فِي إِثْبَات علية الْوَصْف فِي مقَام المناظرة بل شَرط ضم الْعَدَالَة إِلَيْهَا بِإِقَامَة الدَّلِيل على كَونه مؤثرا (وَقَوْلهمْ) أَي الحنفنة (فِي نَفْيه) أَي هَذَا الطَّرِيق الْمُسَمّى بالاخالة لِأَنَّهُ (لَا يَنْفَكّ عَن الْمُعَارضَة إِذْ يُقَال) أَي بقول المناظر (لم يقبله عَقْلِي) عِنْد قَوْله هَذَا مُنَاسِب تتلقاه الْعُقُول بِالْقبُولِ (يفِيدهُ) أَي أَن مُرَاد أبي زيد حجيته فِي حق نَفسه (وَإِلَّا لم يسمع) أَي وَإِن لم يكن مُرَاده فِي حق نَفسه فَقَط، بل فِي حق الْخصم أَيْضا لم يسمع حِينَئِذٍ قَول الْمُسْتَدلّ الْعُقُول تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ، لِأَنَّهُ يَقُول الْخصم لَا يتلقاه بِالْقبُولِ عَقْلِي، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى لم يسمع قَول أبي زيد (وَالْحق أَن المُرَاد بإبداء الْمُنَاسبَة تفصيلها) أَي الْمُنَاسبَة (للمخاطب كَقَوْلِه الْإِسْكَار إِزَالَة الْعقل، وَهُوَ) أَي الْإِزَالَة (مفْسدَة يُنَاسب حُرْمَة مَا تحصل) الْإِزَالَة (بِهِ) وَهُوَ شرب الْمُسكر (والزجر عَنهُ) مَعْطُوف على حُرْمَة وَالضَّمِير رَاجع إِلَى الْمَوْصُول (وَتلك الْمُعَارضَة) الْمَذْكُورَة فِي قَوْلهم لَا يَنْفَكّ عَن الْمُعَارضَة إِنَّمَا تكون (فِي الإجمالي) لِأَنَّهُ قد يخفى على الْخصم تَفْصِيله، وَأما إِذا فصل وَبَين وَجه الْمُنَاسبَة فالإنكار بعد ذَلِك عناد خَارج عَن قانون المناظرة. ثمَّ بَين كَيْفيَّة الْإِجْمَال بقوله (كقبله) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور فِي قِيَاسه (عَقْلِي أَو ناسب) الْوَصْف الْمَذْكُور الحكم (عِنْدِي) فِي ظَنِّي فَانْتفى نفيهم صِحَة اعْتِبَار الإخالة بِأَنَّهَا لَا تنفك عَن الْمُعَارضَة (نعم ينتهض) فِي دفع الإخالة وَعدم ثُبُوت علية الْوَصْف للْحكم (أَنَّهَا) أَي الْمُنَاسبَة (لَيست ملزومة لوضع الشَّارِع علية مَا قَامَت) الْمُنَاسبَة (بِهِ) أَي الْوَصْف الْمُنَاسب، يَعْنِي أَن كل مَا قَامَت بِهِ الْمُنَاسبَة من الْأَوْصَاف لَا يلْزمه أَن يُعينهُ الشَّارِع للعلية بِالنِّسْبَةِ إِلَى الحكم الَّذِي يُنَاسِبه (للتخلف) أَي لتخلف الْوَضع الْمَذْكُور (فِي) وصف (مَعْلُوم الإلغاء من الْمُرْسل وَغَيره) كَمَا تقدم، فَإِن الْمُنَاسبَة فِيهِ مَوْجُودَة والشارع ألغاه وَلم يَضَعهُ للعلية (فَإِن قيل الظَّن حَاصِل) أَي الظَّن بِكَوْنِهِ عِلّة حَاصِل فَيجب الْعَمَل بِالظَّنِّ للمجتهد (قُلْنَا أَن عني ظن الْمُنَاسبَة للْحكم فَمُسلم، وَلَا يسْتَلْزم وضع الشَّارِع إِيَّاه) أَي الْوَصْف عِلّة للْحكم (لما ذكرنَا) من التَّخَلُّف (وَاعْلَم أَن مُقْتَضى هَذَا) الْوَجْه الْمَذْكُور لبَيَان إبِْطَال الإخالة (وَمَا زادوه) أَي الْحَنَفِيَّة (من أوجه الْإِبْطَال عدم جَوَاز الْعَمَل بِهِ) أَي بِالْوَصْفِ المخال (قبل ظُهُور الْأَثر، وَلَيْسَ الْقيَاس) لجَوَاز الْعَمَل بهَا قبل ظُهُور التَّأْثِير (على) جَوَاز (الْقَضَاء بمستورين) كَمَا قَالُوا (صَحِيحا، لِأَنَّهُ إِن فرض فِيهِ) أَي فِي جَوَاز الْقَضَاء بهما (دَلِيل على خلاف الأَصْل) أَي الْقيَاس، إِذْ الْقيَاس أَن لَا يجوز الحكم بِشَهَادَة الشَّاهِدين مَا لم تعلم عدالتهما (فَهُوَ) أَي الدَّلِيل الْمَفْرُوض (مُنْتَفٍ فِي جَوَاز الْعَمَل) بالإخالة. وَفِي قَوْله أَن فرض إِشَارَة إِلَى انتفائه فِي نفس الْأَمر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم ينتف، بل كَانَ دَلِيل جَوَاز الْعَمَل بِهِ مَوْجُودا (وَجب على الْمُجْتَهد) الْعَمَل بِهِ (لِأَنَّهُ) أَي دَلِيل جَوَاز الْعَمَل بِهِ (يُفِيد اعْتِبَار الشَّارِع)

تتمة

(وَهُوَ) أَي اعْتِبَار الشَّارِع إِنَّمَا يتَحَقَّق (تَرْتِيب الحكم) عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يجب على الْمُجْتَهد إِثْبَات الحكم بِهِ، لَا أَنه يجوز أَن يحكم وَأَن لَا يحكم: وَهَذَا مَا تقدم الْوَعْد بالتنبيه عَلَيْهِ (وَاعْلَم أَن الْمُنَاسبَة لَو) كَانَت (بِحِفْظ أحد الضروريات) الْخمس (لزم) الْعَمَل بهَا (على) قَول (الْكل) من الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (وَلَيْسَ) هَذَا الطَّرِيق (إخالة، بل من الْمجمع على اعْتِبَاره) فَلَا تذهل عَنهُ. تَتِمَّة (قسم الْحَنَفِيَّة مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْعلَّة بالاشتراك) اللَّفْظِيّ (أَو الْمجَاز لَا حَقِيقَتهَا) مَعْطُوف على مفعول قسم، يَعْنِي الْمقسم للأقسام السَّبْعَة إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى الْمجَازِي للفظ الْعلَّة الَّذِي يعم جَمِيع مَا يسْتَعْمل فِيهِ، لَا الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، ثمَّ علله بقوله (إِذْ لَيست) حَقِيقَة الْعلَّة، يَعْنِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ الَّذِي لَا شُبْهَة فِي كَونه حَقِيقَة لَهَا فِي عرف الشَّرْع، فَلَا يُنَافِي مَا ذكره من احْتِمَال الِاشْتِرَاك (إِلَّا الْخَارِج) عَن الْمَعْلُول (الْمُؤثر) فِيهِ. وَمن الْمَعْلُوم أَن الْخَارِج الْمَذْكُور لَا يَنْقَسِم (إِلَى سَبْعَة) من الْأَقْسَام (ثَلَاثَة) مِنْهَا (بسائط) غير مركبة من الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة الَّتِي ستذكر، وَأَرْبَعَة مِنْهَا مركبة من تِلْكَ الْأَوْصَاف (إِلَى عِلّة) بدل من قَوْله إِلَى سَبْعَة وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض (اسْما) تَمْيِيز عَن نِسْبَة عِلّة إِلَى مَوْصُوف مُقَدّر: أَي إِلَى خَارج عليته من حَيْثُ الِاسْم فَقَط لَا الْمَعْنى وَالْحكم، ثمَّ فَسرهَا بقوله (وَهِي الْمَوْضُوعَة) شرعا (لموجبها) أَي معلولها الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من غير تَأْثِير وَعدم تراخ (أَو الْمُضَاف إِلَيْهَا) على سَبِيل منع الْخُلُو: أَي الْعلَّة الَّتِي يُضَاف الحكم إِلَيْهَا إِضَافَة نحوية كَمَا يُقَال كَفَّارَة الْيَمين، أَو لغوية كَمَا يُقَال: قتل بِالرَّمْي، وَعتق بِالشِّرَاءِ وَهلك بِالْجرْحِ (بِلَا وَاسِطَة) عِنْد الْإِضَافَة، وَإِن كَانَت الْوَاسِطَة ثَابِتَة فِي الْوَاقِع (وَمعنى بِاعْتِبَارِهِ تأثيرها) أَي عِلّة تأثيرها فِي إِثْبَات الحكم (وَحكما بِأَن يتَّصل بهَا) الحكم (بِلَا تراخ وَهِي) أَي الْعلَّة اسْما وَمعنى وَحكما (الْحَقِيقَة وَمَا سواهُ) أَي مَا سوى هَذَا الْقسم (مجَاز أَو حَقِيقَة قَاصِرَة) كَمَا هُوَ مُخْتَار فَخر الْإِسْلَام، وَلَا يخفى أَن الْحَقِيقَة القاصرة حَيْثُ لم يحتو جَمِيع أَجزَاء الْحَقِيقَة لَا بُد أَن يكون مجَازًا غير أَنَّهَا خصت بِهَذَا الِاسْم لقربها من الْحَقِيقَة (وَالْحق أَن تِلْكَ) أَي الْعلَّة اسْما وَمعنى وَحكما (التَّامَّة تلازمها) وَهُوَ الحكم الْمُتَّصِل بهَا (وَمَا سواهَا قد يكون) عِلّة (حَقِيقِيَّة لدورانها) أَي الْحَقِيقَة (مَعَ الْعلَّة معنى) فَيلْزم أَن تكون الْعلَّة معنى أَيْضا حَقِيقَة (فَتثبت) الْحَقِيقَة (فِي أَرْبَعَة) تُوجد فِيهَا الْعلَّة معنى التَّامَّة (كَالْبيع) الصَّحِيح (الْمُطلق) على شَرط الْخِيَار فَإِنَّهُ عِلّة (للْملك وَالنِّكَاح) فَإِنَّهُ عِلّة (للْحلّ وَالْقَتْل) الْعمد الْعدوان فَإِنَّهُ عِلّة (للْقصَاص وَالْإِعْتَاق لزوَال الرّقّ) فَإِن كلا مِنْهَا عِلّة اسْما وَمعنى وَحكما (وَيجب كَونه) أَي الْإِعْتَاق لزوَال الرّقّ (على قَوْلهمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد بِنَاء على أَن الْإِعْتَاق لَا يتَجَزَّأ عِنْدهمَا (أما على قَوْله) أَي أبي حنيفَة (فلإزالة الْملك) فَإِنَّهُ يتَجَزَّأ عِنْده على مَا عرف (وَإِلَى الْعلَّة اسْما فَقَط

كالإيجاب الْمُعَلق) بِشَرْط من طَلَاق وَغَيره قبل وجود الْمُعَلق عَلَيْهِ، وَمن ثمَّة يثبت بِهِ ويضاف إِلَيْهِ بعد وجود الْمُعَلق عَلَيْهِ وَلَا تَأْثِير لَهُ فِي حكمه، ويتراخى حكمه إِلَى زمَان وجود الْمُعَلق عَلَيْهِ (قيل وَالْيَمِين قبل الْحِنْث للإضافة) للْحكم إِلَيْهَا (يُقَال كَفَّارَة الْيَمين، لَكِن لَا يُؤثر) الْيَمين (فِيهِ) أَي الحكم قبل الْحِنْث (وَلَا يثبت الحكم للْحَال، وَهُوَ) أَي كَون الْيَمين عِلّة اسْما إِنَّمَا هُوَ (على) الشق (الثَّانِي) من تَعْرِيف الْعلَّة اسْما، وَهُوَ الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمَذْكُور (لِأَنَّهَا) أَي الْيَمين (لَيست بموضوعة إِلَّا للبر وَإِلَى الْعلَّة اسْما وَمعنى فَقَط كَالْبيع بِشَرْط الْخِيَار) للْبَائِع أَو الْمُشْتَرى أَولهمَا (و) البيع (الْمَوْقُوف) كَبيع الْإِنْسَان مَال غَيره بِلَا ولَايَة وَلَا وكَالَة، وَيُسمى بيع الفضول (لوضعه) أَي البيع شرعا للْملك (وتأثيره فِي) إِثْبَات (الحكم) وَإِن كَانَ ظهروه عِنْد زَوَال الْمَانِع (وَإِنَّمَا تراخي) الحكم عَنهُ (لمَانع) وَهُوَ اقترانه بِالشّرطِ فِي بيع الْخِيَار وَعدم الشَّرْط، وَعدم إِذن الْمَالِك وَهُوَ من يقوم مقَامه فِي بيع الفضول (حَتَّى يثبت) الحكم (عِنْد زَوَاله) أَي الْمَانِع (من وَقت الْإِيجَاب) أَي العقد مُتَعَلق بيثبت (فَيملك) المُشْتَرِي (الْمَبِيع بولده الَّذِي حدث قبل زَوَاله) أَي الْمَانِع، وَكَذَا سَائِر الزَّوَائِد الْمُنْفَصِلَة والمتصلة (بعد الْإِيجَاب) وَهَذَا عَلامَة كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا عِلّة لَا سَببا، لِأَن السَّبَب يثبت مَقْصُورا لَا مُسْتَندا إِلَى وَقت وجود السَّبَب. نعم فرق بَين البيعين، وَهُوَ أَن الأَصْل الْملك فِي بيع الْخِيَار، وَلما تعلق بِالشّرطِ لم يُوجد قبله فَلَا يتَوَقَّف إِعْتَاق المُشْتَرِي فِي هَذِه الْحَالة، وَفِي الْمَوْقُوف يثبت بِصفة التَّوَقُّف فَيتَوَقَّف إِعْتَاقه قبل الْإِجَازَة عَلَيْهَا: قيل القَوْل بتراخي الحكم إِنَّمَا يَسْتَقِيم على قَول مجوزي تَخْصِيص الْعلَّة كَالْقَاضِي أبي زيد وَأما على قَول منكره كفخر الْإِسْلَام فَلَا، وَالْجَوَاب مَا فِي التَّلْوِيح من أَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْصَاف المؤثرة يَعْنِي عقلا فِي الحكم لَا فِي الْعِلَل الَّتِي هِيَ أَحْكَام شَرْعِيَّة كالعقود والفسوخ (والإيجاب الْمُضَاف إِلَى وَقت) كلله عَليّ أَن أَتصدق بدرهم غَدا لوضعه شرعا لحكمه وَإِضَافَة حكمه إِلَيْهِ وتأثيره فِيهِ (وَلذَا) أَي وَلكَون الْمُضَاف عِلّة اسْما وَمعنى لَا حكما (أسقط التَّصَدُّق الْيَوْم مَا أوجبه قَوْله: عَليّ التَّصَدُّق بدرهم غَدا) فَاعل أسقط التَّصَدُّق ومفعوله مَا أوجبه الخ، وَالْيَوْم ظرف للتصدق، يَعْنِي إِذا تصدق بالدرهم الْيَوْم أسقط هَذَا التَّصَدُّق مُوجب هَذَا الْإِيجَاب الْمُضَاف إِلَى الْغَد، وَذَلِكَ لوُقُوعه بعد انْعِقَاد علته اسْما وَمعنى و (لم يلْزمه) التَّصَدُّق (فِي الْحَال) لتراخيه عَنهُ إِلَى الزَّمَان الْمُضَاف إِلَيْهِ فَيثبت الحكم عَنهُ عِنْد مَجِيء الْوَقْت مُقْتَصرا عَلَيْهِ لَا مُسْتَندا إِلَى زمَان الْإِيجَاب كَذَا ذكره الشَّارِح وَلَا يظْهر وَجهه (وَمِنْه) أَي من هَذَا الْقسم (النّصاب) لوُجُوب الزَّكَاة فِي أول الْحول فَإِنَّهُ علته اسْما لوضعه لَهُ شرعا وإضافته إِلَيْهِ، وَمعنى لتأثيره فِي وجوبة مَا من حَيْثُ الْمُوَاسَاة من الْغَنِيّ للْفَقِير، وَلَا حكما لتراخيه إِلَى زمَان تحقق النَّمَاء، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أَلا أَن لهَذَا) النّصاب (شبها بِالسَّبَبِ لتراخي حكمه إِلَى مَا يشبه الْعلَّة) من جِهَة ترَتّب الحكم عَلَيْهِ (وَهُوَ) مَا يشبه الْعلَّة (النَّمَاء الَّذِي أقيم الْحول الْمُمكن مِنْهُ) أَي من النَّمَاء (مقَامه) لقَوْله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَيْسَ فِي مَال زَكَاة حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول " والنماء فضل على الْغَنِيّ يُوجب الْإِحْسَان كأصل الْغنى، وَفِيه الْيُسْر فِي الْوَاجِب (لَا) إِلَى (الْعلَّة وَإِلَّا) لَو كَانَ عِلّة (تمحض) النّصاب (سَببا) لوُجُوبهَا، لِأَن السَّبَب الْحَقِيقِيّ مَا يتوسط بَينه وَبَين الحكم عِلّة مُسْتَقلَّة، والنماء لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ وصف غير مُسْتَقل بِنَفسِهِ فِي الْوُجُود، وَأَيْضًا شبه النّصاب بِالْعِلَّةِ أغلب على شبهه بِالسَّبَبِ لِأَن شبهه بهَا حَاصِل من جِهَة نَفسه لِأَنَّهُ أصل لوضعه، وَشبهه بِالسَّبَبِ من جِهَة توقف حكمه على النَّمَاء الَّذِي هُوَ وَصفه. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ قبل الْحول عِلّة تَامَّة لَيْسَ فِيهِ شبه السَّبَب، والحول بِمَنْزِلَة الأَصْل لتأخير الْمُطَالبَة تيسيرا كالسفر فِي حق الصَّوْم، وَلذَا صَحَّ تَعْجِيله قبله وَلَو كَانَ وصف الحولية من الْعلية لما صَحَّ قُلْنَا لَو كَانَ عِلّة تَامَّة قبل الْحول لَوَجَبَتْ باستهلاكه فِي الْحول كَمَا فِيمَا بعده، وَإِنَّمَا صَحَّ التَّعْجِيل لشبهه بِالْعِلَّةِ والنماء عِنْد وجوده يسْتَند إِلَى أصل النّصاب فَيصير كَأَنَّهُ من أول الْحول جعلى، ويستند الحكم أَيْضا إِلَى أَوله، وَكَذَا التَّعْجِيل، وَبِه يحصل الْجَواب عَن مَالك حَيْثُ قَالَ لَيْسَ لَهُ قبل الْحول حكم الْعلَّة لِأَن وصف النَّمَاء كالجزء الْأَخير من عِلّة ذَات وصفين، فَلَا يَصح التَّعْجِيل قبل الْحول، كَمَا لَا تصح الصَّلَاة قبل الْوَقْت. نعم هَذَا الْمُعَجل إِنَّمَا يصير زَكَاة إِذا انْقَضى الْحول وَلَيْسَ الْحول كالأجل لِأَنَّهُ يسْقط بِمَوْت الْمَدْيُون، وَيصير حَالا، وَلَو مَاتَ المزكى فِي أثْنَاء الْحول سقط الْوَاجِب (وَعقد الْإِجَارَة) عِلّة لملك الْمَنْفَعَة، اسْما لوضعه لَهُ وَالْحكم يُضَاف إِلَيْهِ، وَمعنى لِأَنَّهُ الْمُؤثر فِي إِثْبَات ملكهَا، (وَلذَا) أَي ولكونه اسْما وَمعنى (صَحَّ تَعْجِيل الْأُجْرَة) قبل الْوُجُوب وَاشْتِرَاط تَعْجِيلهَا (وَلَيْسَ عِلّة حكما) لملك الْمَنَافِع (لعدم الْمَنَافِع) الَّتِي تُوجد فِي مُدَّة الْإِجَارَة وَقت العقد (و) عدم (ثُبُوت الْملك فِيهَا) أَي الْمَنَافِع (فِي الْحَال) لانعدامها (وَكَذَا) لَيْسَ بعلة حكما (فِي الْأُجْرَة) لِأَنَّهَا بدل الْمَنْفَعَة فَلَمَّا لم يملكهَا فِي الْحَال لم يملك بدلهَا تَحْقِيقا لِمَعْنى الْمُسَاوَاة (مَعَ أَنه) أَي عقد الْإِجَارَة (وضع لملكهما) أَي الْمَنَافِع وَالْأُجْرَة (و) هُوَ (الْمُؤثر فيهمَا، وَيُشبه السَّبَب لما فِيهِ من معنى الْإِضَافَة فِي حق ملك الْمَنْفَعَة إِلَى مقارنته) أَي انْعِقَادهَا (الِاسْتِيفَاء) للمنفعة (إِذْ لَا بَقَاء لَهَا) أَي للمنفعة، فَالْإِجَارَة وَإِن صحت فِي الْحَال بِإِقَامَة الْعين مقَام الْمَنْفَعَة إِلَّا أَنَّهَا فِي حق الْمَنْفَعَة مُضَافَة إِلَى زمَان وجود الْمَنْفَعَة كَأَنَّهَا تَنْعَقِد حِين وجود الْمَنْفَعَة آنا فآنا ليقترن الِانْعِقَاد بِالِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا معنى قَوْلهم: الْإِجَارَة عُقُود مُتَفَرِّقَة يَتَجَدَّد انْعِقَادهَا بِحَسب مَا يحدث من الْمَنْفَعَة (وَمِمَّا يشبه السَّبَب) أَي من الْعِلَل اسْما وَمعنى لَا حكما الشبيهة بِالسَّبَبِ (مرض الْمَوْت عِلّة الْحجر عَن التَّبَرُّع) بِالْهبةِ وَالصَّدَََقَة والمحاباة وَنَحْوهَا (لحق الْوَارِث) أَي لما يتَعَلَّق بِهِ حق الْوَارِث (مَا زَاد على الثُّلُث) لِأَنَّهُ وضع شرعا للتغيير من الْإِطْلَاق إِلَى الْحجر وَالْحجر مُضَاف إِلَيْهِ، وَهُوَ مُؤثر فِيهِ كَمَا فِي حَدِيث سعد حَيْثُ قَالَ: " أفأوصى بِمَالي كُله، قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا، قَالَ: فبالنصف.

قَالَ لَا، قَالَ فبالثلث؟ قَالَ الثُّلُث، وَالثلث كثير: إِنَّك إِن تدع وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تَدعهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس " مُتَّفق عَلَيْهِ (وَيُشبه) مرض الْمَوْت (السَّبَب لِأَن الحكم) الَّذِي هُوَ الْحجر (يثبت بِهِ إِذا اتَّصل بِهِ الْمَوْت لِأَن الْعلَّة مرض مميت، وَلما كَانَ) الْمُؤمن (منعدما فِي الْحَال لم يثبت الْحجر فَصَارَ الْمُتَبَرّع بِهِ ملكا) للمتبرع لَهُ (للْحَال) لِانْعِدَامِ الْمَانِع حِينَئِذٍ (فَلَا يحْتَاج إِلَى تمْلِيك) جَدِيد (لَو برأَ) لاستمرار الْمَانِع على الْعَدَم (وَإِذا مَاتَ صَار كَأَنَّهُ تصرف بعد الْحجر) لاتصاف الْمَرَض بِكَوْنِهِ مميتا من أول وجوده لِأَن الْمَوْت يحدث بالألم وعوارض مزيلة لقوى الْحَيَاة من ابْتِدَاء الْمَرَض فيضاف إِلَيْهِ كُله، وَإِذا اسْتندَ الْوَصْف إِلَى أول الْمَرَض اسْتندَ بِحكمِهِ (فتوقف) نفاذه (على إجازتهم) أَي الْوَرَثَة لتَعلق حَقهم بِهِ (وَكَذَا التَّزْكِيَة) أَي تَعْدِيل شُهُود الزِّنَا (عِلّة وجوب الحكم بِالرَّجمِ) للزاني الْمُحصن (لَكِن بِمَعْنى عِلّة الْعلَّة عِنْده) أَي أبي حنيفَة (فَإِن الشَّهَادَة لَا توجب الرَّجْم دونهَا) أَي التَّزْكِيَة بل تفِيد ظُهُوره، وَعلة الْعلَّة بِمَنْزِلَة الْعلَّة فِي إِضَافَة الحكم كَمَا ستقام فَيكون مُضَافا إِلَى التَّزْكِيَة (فَلَو رَجَعَ المزكون) وَقَالُوا تعمدنا الْكَذِب (ضمنُوا الدِّيَة عِنْده) أَي أبي حنيفَة (غير أَنه إِذا كَانَ) التَّزْكِيَة، تذكير الضَّمِير بِاعْتِبَار أَنه تَعْدِيل (صفة للشَّهَادَة أضيف الحكم إِلَيْهَا) أَي إِلَى الشَّهَادَة أَيْضا فَأَي الْفَرِيقَيْنِ رَجَعَ ضمن (وَعِنْدَهُمَا لَا) يضمن المزكون إِذا رجعُوا لأَنهم أثنوا على الشُّهُود خيرا فَهُوَ كَمَا لَو أثنوا على الْمَشْهُود عَلَيْهِ خيرا بِأَن قَالُوا هُوَ مُحصن، وَالضَّمان يُضَاف إِلَى سَبَب هُوَ تعد، لَا إِلَى مَا هُوَ حسن وَخير، أَلا ترى أَن الشُّهُود والمزكين إِذْ رجعُوا جَمِيعًا لم يضمن المزكون شَيْئا، وَالْجَوَاب أَن المزكين لَيْسُوا كشهود الْإِحْصَان فَإِنَّهُم لم يجْعَلُوا مَا لَيْسَ بِمُوجب مُوجبا إِذْ الشَّهَادَة بِالزِّنَا بِدُونِ الْإِحْصَان مُوجب للعقوبة، وَالشَّهَادَة لَا توجب شَيْئا بِدُونِ التَّزْكِيَة، فالمزكون أعملوا سَبَب التّلف بطرِيق التَّعَدِّي فضمنوا، وَأما إِذا رَجَعَ الشُّهُود مَعَهم فقد انقلبت الشَّهَادَة تَعَديا وَأمكن الْإِضَافَة إِلَيْهَا على الْقُصُور لِأَنَّهَا تعد لم يحدث بالتزكية لاختيارهم فِي الْأَدَاء فَلم يضف إِلَى عِلّة الْعلَّة كَذَا فِي الْأَسْرَار (وكل عِلّة عِلّة) هِيَ (عِلّة شَبيهَة بِالسَّبَبِ كَشِرَاء الْقَرِيب وَهُوَ) أَي عِلّة الْعلَّة الشبيهة بِالسَّبَبِ (السَّبَب فِي معنى الْعلَّة، أما عِلّة فَلِأَن الْعلَّة لما كَانَت مُضَافَة إِلَى عِلّة أُخْرَى) هِيَ الأولى (كَانَ الحكم مُضَافا إِلَيْهَا) أَي للأولى (بِوَاسِطَة الثَّانِيَة فَهِيَ) أَي الأولى (كعلة توجب) الحكم (بِوَصْف لَهَا فيضاف) الحكم (إِلَيْهَا) أَي الأولى (دون الصّفة) بِهَذَا الِاعْتِبَار، فَلَا يرد أَنه لَا بُد فِي الْعلَّة من الْإِضَافَة أَو الْوَضع، والوضع مُنْتَفٍ هَاهُنَا لِأَن الْملك غير مَوْضُوع للعين (وَأما الشّبَه) بِالسَّبَبِ (فَلِأَنَّهَا) أَي الأولى (لَا توجب) الحكم (إِلَّا بِوَاسِطَة) هِيَ الثَّانِيَة كَمَا أَن السَّبَب كَذَلِك (وَحَقِيقَة هَذَا نفي الْعلَّة) لِأَن الْعلَّة الْحَقِيقِيَّة لَا تتَوَقَّف على وَاسِطَة بَينهَا وَبَين الْمَعْلُول (مِثَال ذَلِك شِرَاء الْقَرِيب فَإِنَّمَا هُوَ عِلّة لذَلِك للْملك الْعلَّة لِلْعِتْقِ

فَهُوَ) أَي شِرَاؤُهُ (عِلّة الْعلَّة) لِلْعِتْقِ (فَبين الْعلَّة اسْما وَمعنى لَا حكما، وَالْعلَّة الَّتِي تشبه الْأَسْبَاب عُمُوم من وَجه لصدقهما فِيمَا قبله) أَي قبل هَذَا الْقسم وَهُوَ عِلّة الْعلَّة من النّصاب وَمَا بعده (وانفراد) قسم الْعلَّة (الْمُشبه) بِالسَّبَبِ (فِي شِرَاء الْقَرِيب) فَإِنَّهُ لَا يتَحَقَّق فِيهِ التَّرَاخِي (و) انْفِرَاد (الْعلَّة اسْما وَمعنى لَا حكما فِي البيع بِشَرْط) الْخِيَار (وَالْمَوْقُوف وَإِلَى عِلّة معنى وَحكما كآخر) أَجزَاء الْعلَّة (المركبة) من وصفين مؤثرين مترتبين فِي الْوُجُود لوُجُود التَّأْثِير والاتصال (لَا اسْما إِذْ لم يضف) الحكم (إِلَيْهِ) أَي إِلَى هَذَا الْجُزْء الْأَخير (فَقَط) بل يُضَاف إِلَى الْمَجْمُوع قَالَ الشَّارِح: هَذَا قَول فَخر الْإِسْلَام، وَذهب غير وَاحِد إِلَى أَن مَا عدا الْأَخير بِمَنْزِلَة الْعَدَم فِي ثُبُوت الحكم وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْجُزْء الْأَخير كَمَا فِي أثقال السَّفِينَة والقدح الْأَخير فِي السكر انْتهى. قيل يلْزم على هَذَا أَن يُضَاف الحكم إِلَى الشَّاهِد الْأَخير وَيضمن كل الْمُتْلف إِذا رَجَعَ وَأجِيب بِأَن الشَّهَادَة إِنَّمَا تعْمل بِقَضَاء القَاضِي، وَالْقَضَاء يَقع بالمجموع فالراجع يضمن النّصْف أيا كَانَ (وَإِلَى عِلّة اسْما وَحكما) وَهِي كل مَظَنَّة للمعنى الْمُؤثر وَهِي (كل مَظَنَّة أُقِيمَت مقَام حَقِيقَة الْمُؤثر) لخفائه دفعا للْحَرج أَو احْتِيَاطًا (كالسفر وَالْمَرَض للترخص) فَالْحكم الَّذِي هُوَ رخصَة يُضَاف إِلَيْهَا فَيُقَال: رخصَة السّفر ورخصة الْمَرَض وَيثبت عِنْد وجودهما (لَا معنى لِأَن الْمُؤثر) فِي حكم الرُّخْصَة إِنَّمَا هُوَ (الْمَشَقَّة) لَا نفس السّفر وَالْمَرَض لَكِن أقيما مقَامهَا لخفائها ولكونهما سَببهَا دفعا للْحَرج (وكالنوم للْحَدَث إِذْ الْمُعْتَبر) فِي تحَققه (خُرُوج النَّجس) من أحد السَّبِيلَيْنِ أَو من الْبدن إِلَى مَوضِع يلْحقهُ حكم التَّطْهِير على الِاخْتِلَاف بَين الْأمة (إِلَّا أَنه) أَي النّوم (عِلّة سَببه) أَي خُرُوج النَّجس (الاسترخاء) بِالْجَرِّ بَدَلا من السَّبَب فَإِن النّوم عِلّة استرخاء المفاصل الْمُوجب لزوَال المسكة (فأقيم) النّوم (مقَامه) أَي الْخُرُوج إِقَامَة لعِلَّة السَّبَب للشَّيْء مقَام ذَلِك الشَّيْء احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَات (فَكَانَ) النّوم (عِلّة اسْما) للْحَدَث (لإضافة الْحَدث) إِلَيْهِ، يُقَال حدث النّوم، وَحكما لِأَنَّهُ يثبت عِنْد النّوم لَا معنى لعدم التَّأْثِير لما عرفت (وَإِلَى عِلّة معنى فَقَط وَهُوَ بعض أَجزَاء) الْعلَّة (المركبة غير) الْجُزْء (الْأَخير) مِنْهَا، فَإِن ذَلِك الْبَعْض مُؤثر فِي الْجُمْلَة وَلَا يُضَاف الحكم إِلَيْهِ بل إِلَى الْمَجْمُوع وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ (وَلَيْسَ) هَذَا الْبَعْض (سَببا) للْحكم (لَو تقدم) على الْبَعْض الآخر لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْط بطرِيق مَوْضُوع لثُبُوت الحكم (خلافًا لأبي زيد وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ، فَإِنَّهُ سَبَب عِنْدهمَا إِذا تقدم لَا يثبت مَا لم تتمّ الْعلَّة فَكَانَ المبدأ مُعْتَبرا لتَمام الْعلَّة، وكالطريق إِلَى الْمَقْصُود وَلَا تَأْثِير لَهُ مَا لم يَنْضَم إِلَيْهِ الْبَاقِي وَقد تخَلّل بَينه وَبَين الحكم وجود غَيره وَهُوَ غير مُضَاف إِلَيْهِ فَكَانَ سَببا، وَإِنَّمَا ذهب فَخر الْإِسْلَام إِلَى أَنه لَيْسَ بِسَبَب بل لَهُ شبه الْعلية (وَإِن لم يجب) الحكم (عِنْده لفرض عقلية دخله فِي التَّأْثِير)

فِي الحكم، وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا يكون سَببا مَحْضا (وَلذَا) أَي فرض عقلية دخله فِي التَّأْثِير (جعلُوا) أَي أَصْحَابنَا (كلا من الْقدر وَالْجِنْس محرما للنسيئة لشُبْهَة الْعلَّة بالجزئية) فَإِن جُزْء الْعلَّة لَهُ شبه بهَا بِاعْتِبَار توقف الحكم ودخله فِي التَّأْثِير، وَفِي النَّسِيئَة شُبْهَة الْفضل لمزية النَّقْد على النَّقْد على النَّسِيئَة عرفا وَكَذَا يكون الثّمن فِي النَّسِيئَة أَكثر مِنْهُ فِي النَّقْد (فَامْتنعَ إِسْلَام حِنْطَة فِي شعير) فَإِن الْمُسلم وَهُوَ الْحِنْطَة نقد، وَالْمُسلم فِيهِ وَهُوَ الشّعير نَسِيئَة وجزء الْعلَّة وَهُوَ الْقدر مَوْجُود، وَإِسْلَام ثوب (قوهي فِي) ثوب (قوهي) وَهُوَ نِسْبَة إِلَى قوهستان كورة من كور فَارس لشُبْهَة الْعلَّة (والشبهة مَانِعَة هُنَا) فِي بَاب الرِّبَا (للنَّهْي عَن الرِّبَا والريبة) أَي الْفضل الْخَالِي عَن الْعِوَض، وشبهته فِي الْمغرب أَنه إِشَارَة إِلَى حَدِيث " دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك " فَإِن الْكَذِب رِيبَة وَإِن الصدْق طمأنينة. الرِّيبَة فِي الأَصْل قلق النَّفس واضطرابها فَهِيَ إِذن بِكَسْر الرَّاء، ثمَّ الْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة ثمَّ الْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة، وَمن روى رِيبَة على أَنَّهَا تَصْغِير الرِّبَا فقد أَخطَأ لفظا وَمعنى، قيل وعَلى هَذَا فَفِي ثُبُوت الْمَطْلُوب بِهِ نظر (وَخرج الْعلَّة حكما فَقَط على الشَّرْط). قَالَ الشَّارِح الْمخْرج لِلْعِلَّةِ حكما فَقَط على هذَيْن: يَعْنِي الشَّرْط وَمَا ذكر بعده. صدر الشَّرِيعَة: وَمعنى تخريجها عَلَيْهِمَا استنباطها منطبقا أَو صَادِقا عَلَيْهِمَا، أما الشَّرْط فَهُوَ كدخول الدَّار (فِي تَعْلِيق الْإِيجَاب) كَأَنْت طَالِق (لثُبُوت الحكم) كَالطَّلَاقِ (عِنْده) أَي عِنْد وجود الشَّرْط وَهُوَ دُخُول الدَّار مثلا (مَعَ انْتِفَاء الْوَضع) أَي وضع دُخُول الدَّار لوُقُوع الطَّلَاق وَانْتِفَاء إِضَافَته إِلَيْهِ (و) انْتِفَاء (التَّأْثِير) لَهُ فِيهِ (وَكَذَا الْجُزْء الْأَخير من السَّبَب الدَّاعِي) إِلَى الحكم (الْمقَام) بِضَم الْمِيم مقَام الْمُسَبّب الَّذِي هُوَ الحكم (إِذا كَانَ) السَّبَب الدَّاعِي) (مركبا) عَلَيْهِ حكما فَقَط لوُجُود الِاتِّصَال من غير وضع لَهُ وَلَا إِضَافَة إِلَيْهِ وَلَا تَأْثِير لَهُ فِيهِ، لِأَن السَّبَب الدَّاعِي لَا تَأْثِير لَهُ فَكيف بجزئه (وَمَا أقيم من دَلِيل مقَام مَدْلُوله كالإخبار عَن الْمحبَّة) فِي أَن كنت تحبيني فَأَنت طَالِق لوُجُود الطَّلَاق عِنْد إخبارها عَن حبها مَعَ انْتِفَاء وَصفه لَهُ وتأثيره فِيهِ: وَإِنَّمَا أقيم للعجز عَن الْوُقُوف على حَقِيقَته. فِي كشف الْبَزْدَوِيّ لكنه يقْتَصر على الْمجْلس حَتَّى لَو أخْبرت عَنْهَا خَارج الْمجْلس لَا يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ يشبه التَّخْيِير من حَيْثُ أَنه جعل الْأَمر إِلَى إخبارها والتخيير مقتصر عَلَيْهِ، وَلَو كَانَت كَاذِبَة يَقع فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى، لِأَن حَقِيقَة الْمحبَّة لَا يُوقف عَلَيْهَا من جِهَة غَيرهَا وَلَا من جِهَتهَا، لِأَن الْقلب لَا يسْتَقرّ على شَيْء: فَصَارَ الشَّرْط الْإِخْبَار عَن الْمحبَّة وَقد وجد. قَالَ الشَّارِح: لَعَلَّ هَذَا من تَخْرِيج المُصَنّف. (تمّ الْجُزْء الثَّالِث: ويليه الْجُزْء الرَّابِع، وأوله: المرصد الثَّانِي فِي شُرُوط الْعلَّة)

الجزء 4

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم المرصد الثَّانِي فِي شُرُوطهَا أَي الْعلَّة (استلزم مَا تقدم من تَعْرِيفهَا اشْتِرَاط الظُّهُور والانضباط ومظنية الْحِكْمَة) وَهِي الَّتِي شرع الحكم لأَجلهَا (أَولا أَو بِوَاسِطَة مَظَنَّة أُخْرَى فلزمت الْمُنَاسبَة) بَينهَا وَبَين الحكم الَّذِي هُوَ معلولها (وَعدم الطَّرْد) أَي مُجَرّد وجود الحكم لأَجلهَا الَّذِي هُوَ معلولها عِنْد وجودهَا كَمَا مر بَيَانه. (وَمِنْهَا) أَي من شُرُوط الْعلَّة (أَن لَا يكون عدما لوجودي) وَهَذَا الشَّرْط (لطائفة من الشَّافِعِيَّة) مِنْهُم الْآمِدِيّ (وَغَيرهم) كَابْن الْحَاجِب وَصَاحب البديع وَغَيرهمَا (وَالْأَكْثَر) مِنْهُم الْبَيْضَاوِيّ مَذْهَبهم (الْجَوَاز) أَي جَوَاز كَونهَا عدما لوجودي (قيل وَجَوَاز) تَعْلِيل (العدمي بِهِ) أَي بالعدمي كَعَدم نَفاذ التَّصَرُّف بِعَدَمِ الْعقل (اتِّفَاق) كَمَا ذكره القَاضِي عضد الدّين وَغَيره. قَالَ (النَّافِي) جَوَاز تَعْلِيل الوجودي بالعدمي: (الْعلَّة) هِيَ الْأَمر (الْمُنَاسب) لمشروعية الحكم (أَو مظنته) أَي مَظَنَّة الْمُنَاسب فَإِن الْعلَّة باعث والباعث منحصر فِي الْمُنَاسبَة ومظنته (والعدم الْمُطلق ظَاهر) أَنه لَيْسَ مناسبا وَلَا مظنته، بل نسبته إِلَى جَمِيع الْمحَال وَالْأَحْكَام سَوَاء (و) الْعَدَم (الْمُضَاف إِمَّا) مُضَاف (إِلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّة) أَي مَشْرُوعِيَّة الحكم (مَعَه مصلحَة) لذَلِك الحكم (فَهُوَ) أَي الْعَدَم الْمُضَاف (مَانع) من الحكم، لِأَن الْفَرْض أَن الْمصلحَة مَعَ وجوديه الَّذِي هُوَ مُضَاف إِلَيْهِ وَعدم الْمصلحَة مَانع مِنْهُ فَلَا يكون الْعَدَم الْمَذْكُور مناسبا للْحكم وَلَا مَظَنَّة لَهُ (أَو) مُضَاف إِلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّة مَعَه (مفْسدَة) لذَلِك الحكم (فَهُوَ) أَي الْعَدَم الْمُضَاف حِينَئِذٍ (عَدمه) أَي عدم الْمَانِع وَهُوَ لَا يكون عِلّة لِأَن الْعلَّة مُقْتَض وَعدم الْمَانِع لَيْسَ بمقتض. وَاعْترض بِأَنَّهُ لم لَا يجوز أَن يكون منشأ لمصْلحَة ودافعا لمفسدة فَيكون مقتضيا من الْحَيْثِيَّة وعدما للمانع فَيصح التَّعْلِيل بِهِ (أَو) إِلَى (منَاف مُنَاسِب) للْحكم (حَتَّى جَازَ أَن يسْتَلْزم) الْعَدَم الْمُضَاف إِلَى منَاف مُنَاسِب (الْمُنَاسب) فَيحصل بِهِ الْحِكْمَة لاشْتِمَاله عَلَيْهِ من حَيْثُ الاستلزام (فَيكون) الْعَدَم الْمَذْكُور (مظنته) أَي الْمُنَاسب بِهَذَا الِاعْتِبَار

(ثمَّ) نقُول بعد ذَلِك (لَا يصلح) لِأَن تكون مَظَنَّة لَهُ (لِأَن مَا) أَي الْمُنَاسب الَّذِي (هُوَ) أَي الْعَدَم الْمَذْكُور (مَظَنَّة لَهُ ان كَانَ) وَصفا (ظَاهرا) صَالحا لترتب الحكم عَلَيْهِ (أُغني) بِنَفسِهِ عَن المظنة الَّتِي هِيَ الْعَدَم فَكَانَ هُوَ الْعلَّة (أَو) كَانَ (خفِيا فنقيضه) أَي نقيض ذَلِك الْمُنَاسب الْخَفي (وَهُوَ) أَي نقيضه (مَا) أَي الَّذِي (عَدمه مَظَنَّة) للمناسب (خَفِي) أَيْضا، وَإِطْلَاق النقيض على كل وَاحِد من المنافيين شَائِع (لِاسْتِوَاء النقيضين جلاء وخفاء). وَفِيه أَنه قد يخْتَلف النقيضان جلاء وخفاء لتكرار وإلف وَغير ذَلِك من الْأَسْبَاب، كَيفَ والملكات أجلى من الأعدام، هَذَا وَإِذا كَانَ منافي الْمُنَاسب خفِيا كَانَ عَدمه أَيْضا خفِيا لِاسْتِوَاء النقيضين إِلَى آخِره فَلَا يصلح الْعَدَم الْمَذْكُور عِلّة للْحكم لخفائه (أَو) مُضَاف إِلَى (غير منَاف) للمناسب (فوجوده) أَي غير الْمنَافِي (وَعَدَمه سَوَاء) فِي تحصل الْمصلحَة (فَلَيْسَ عَدمه بِخُصُوصِهِ عِلّة) أَي لَيْسَ كَون عَدمه عِلّة (بِأولى من عَكسه) بِأَن يكون وجوده عِلّة فَلَا يصلح عِلّة (كَمَا لَو قيل يقتل الْمُرْتَد لعدم إِسْلَامه فَلَو كَانَ فِي قَتله مَعَ إِسْلَامه مصلحَة فَاتَت) تِلْكَ الْمصلحَة فِي عَدمه فَيكون مَانِعا من الْقَتْل وَالتَّعْلِيل بِمَا يمْنَع من الحكم بَاطِل (أَو) كَانَ فِي قَتله مَعَ إِسْلَامه (مفْسدَة فَعدم مَانع) أَي الْعَدَم الْمُضَاف حِينَئِذٍ عدم مَانع (أَو يُنَافِي) الْإِسْلَام الَّذِي أضيف إِلَيْهِ الْعَدَم (مناسبا للْقَتْل) الَّذِي هُوَ الحكم فَهَذَا من عطف الْمُضَارع على الْمَاضِي (ظَاهرا) صفة لقَوْله مناسبا (وَهُوَ) أَي الْمُنَاسب الظَّاهِر للْقَتْل (الْكفْر، فَهُوَ) أَي الْكفْر (الْعلَّة) للْقَتْل لِأَنَّهُ أغْنى بِنَفسِهِ عَن المظنية (أَو) يُنَافِي الْإِسْلَام مناسبا (خفِيا) بِأَن يفْرض الْكفْر خفِيا (ف) إِن (الْإِسْلَام كَذَلِك) أَي خَفِي لتماثل النقيضين على مَا مر (فعدمه) أَي الْإِسْلَام (كَذَلِك) أَي خَفِي (أَولا) يُنَافِي الْإِسْلَام مناسبا أصلا ظَاهرا وَلَا خفِيا: بِأَن يفْرض عدم مُنَاسبَة الْكفْر للْقَتْل كَمَا قَالَ مَالك يقتل وَإِن رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام (فَالْمُنَاسِب) شَيْء (آخر يُجَامع كلا من الْإِسْلَام وَعَدَمه) فهما سيان فِي تَحْصِيل الْمصلحَة فَلَا يكون عَدمه مُتَعَيّنا فِيهِ (وَدفع) الدَّلِيل الْمَذْكُور (من) قبل (الْأَكْثَر بِاخْتِيَار أَنه) أَي مَا أضيف إِلَيْهِ الْعَدَم (يُنَافِيهِ) أَي الْمُنَاسب وَهُوَ الشق الثَّالِث من الترديد (وَجَاز كَونه) أَي الْمُنَاسب الَّذِي يُنَافِيهِ مَا أضيف إِلَيْهِ الْعَدَم (الْعَدَم) الْمُضَاف (نَفسه، لَا) كَون الْعَدَم الْمَذْكُور (مظنته) أَي الْمُنَاسب فَلَا يتَّجه قَوْله: ثمَّ لَا يصلح إِلَى آخِره، ثمَّ علل الْجَوَاز بقوله (لاشْتِمَاله) أَي الْعَدَم (على الْمصلحَة كَعَدم الْإِسْلَام) فَإِنَّهُ مُشْتَمل (على مصلحَة الْتِزَامه) إِضَافَة الْمصلحَة بَيَانِيَّة، وَالضَّمِير لِلْإِسْلَامِ (بِالْقَتْلِ) أَي بِسَبَب خَوفه من الْقَتْل يلْتَزم الْإِسْلَام بِأَن لَا يرْتَد أَو يرجع إِلَيْهِ بعد الارتداد ثمَّ يلازمه إِذا علم أَن عدم الْإِسْلَام عِلّة للْقَتْل. (وَالْحَنَفِيَّة يمْنَعُونَ الْعَدَم الْمُطلق) أَي لَا يجوزون التَّعْلِيل بِالْعدمِ مُطلقًا كَانَ مُضَاف

وجوديا كَانَ الحكم أَو عدميا (فَلم يَصح النَّقْل السَّابِق) أَي نقل الِاتِّفَاق على جَوَاز العدمي بالعدمي (وَالدَّلِيل الْمَذْكُور) للنافي للوجودي خَاصَّة (يصلح لَهُم) أَي للحنفية فِي نفيهم مُطلقًا (لِأَنَّهُ) أَي الدَّلِيل الْمَذْكُور (يبطل الْعَدَم مُطلقًا) أَي كَونه عِلّة لوجودي أَو عدمي، لانْتِفَاء الْمُنَاسبَة ومظنتها فِيهِ، وَعدم الحكم لَا يحْتَاج إِلَى عِلّة لِأَنَّهُ ثَابت بِالْعدمِ الْأَصْلِيّ فَلَا يصلح عِلّة لَا للعدم وَلَا للوجود، كَذَا قيل، وَفِيه أَنه لم لَا يجوز أَن يكون عدم الحكم عدما طارئا (وَيرد) الدَّلِيل الْمَذْكُور لعدم جَوَاز تَعْلِيل الوجودي بِالْعدمِ (نقضا من) قبل (الْأَكْثَر على) دَلِيل (الطَّائِفَة) الْقَائِلين بِعَدَمِ جَوَاز تَعْلِيل الوجودي وَجَوَاز تَعْلِيل العدمي بِهِ بِأَن يُقَال: إِن صَحَّ مَا ذكرْتُمْ فِي منع تَعْلِيل الوجودي بِهِ لزم أَن لَا يجوز تَعْلِيل العدمي بِهِ أَيْضا بِعَين مَا ذكرْتُمْ (وَكَون الْعَدَم نَفسه الْمُنَاسب لم يتَحَقَّق) أورد النَّقْض على الدَّلِيل أَولا، ثمَّ أبطل مَا ذكر سَنَد للْمَنْع على مقدمته وَإِبْطَال السَّنَد إِذا كَانَ مُسَاوِيا للْمَنْع يسْتَلْزم إِثْبَات الْمُقدمَة الممنوعة، ثمَّ بَين عدم التحقق بقوله (وَالْمُنَاسِب فِي الْمِثَال) الْمَذْكُور (الْكفْر، وَهُوَ) أَي الْكفْر (اعْتِقَاد قَائِم) بِذَات الْكَافِر (وجودي ضد الْإِسْلَام، ويستلزم) الْكفْر أَو الِاعْتِقَاد الْمَذْكُور (عَدمه) أَي عدم الْإِسْلَام (كَمَا هُوَ شَأْن الضدين فِي استلزام كل) مِنْهُمَا (عدم الآخر فالإضافة للْقَتْل (فِيهِ) أَي الْمِثَال الْمَذْكُور (إِلَى الْعَدَم) حَيْثُ قيل يقتل لعدم إِسْلَامه إِنَّمَا يكون (لفظا) أَي بِحَسب ظَاهر اللَّفْظ وَفِي الْمَعْنى والحقيقة إِلَى أَمر وجودي وَهُوَ الْكفْر فِي الْمِثَال، وعَلى هَذَا الْقيَاس سَائِر الْأَمْثِلَة، ثمَّ لما ذكر أَن الْحَنَفِيَّة يمْنَعُونَ الْعَدَم مُطلقًا وَأَن الدَّلِيل الْمَذْكُور يصلح لَهُم وَجعل إِضَافَة الحكم إِلَى الْعَدَم لفظا اتجه أَن الْحَنَفِيَّة فِي كثير من الْأَحْكَام عللوا بِالْعدمِ وَأَرَادَ الْجَواب عَن ذَلِك فَقَالَ: (ويطرد) تَعْلِيل الْعَدَم بِالْعدمِ (فِي عدم عِلّة ثَبت اتحادها) يَعْنِي لَيْسَ لحكمها عِلّة غَيرهَا (لعدم حكمهَا) مِثَاله (كَقَوْل مُحَمَّد) أَي كالتعليل فِي قَوْله (فِي ولد الْمَغْصُوب) أَي ولد الْحَيَوَان الْمَغْصُوب الَّذِي لم يكن وَقت الْغَصْب مَوْجُودا (لَا يضمن) بِصِيغَة الْمَجْهُول وَالضَّمِير للْوَلَد، وَيجوز أَن يكون بِصِيغَة الْمَعْلُوم: أَي لَا يضمن الْغَاصِب إِيَّاه (لِأَنَّهُ) أَي الْوَلَد (لم يغصب) لعدم وجوده وَقت الْغَصْب، فَإِن الْغَضَب سَبَب معِين للضَّمَان لَا سَبَب سواهُ فعدمه يسْتَلْزم عدم الضَّمَان (و) كَقَوْل (أبي حنيفَة فِي نفي) وجوب (خمس العنبر لم يوجف عَلَيْهِ) لِأَن سَببه وَاحِد إِجْمَاعًا، وَهُوَ الإيجاف بِالْخَيْلِ والركاب، وَهُوَ إسراعها فِي السّير، من الوجف، وَهُوَ سرعَة السّير، فَإِن الْخمس إِنَّمَا يجب فِيمَا أَخذ من أَيدي الْكفَّار بِإِيجَاف الْخَيل والركاب، والمستخرج من الْبَحْر لَيْسَ فِي أَيْديهم، فَإِن قهر المَاء يمْنَع قهر غَيره عَلَيْهِ فَلم يكن غنيمَة (وَالْوَجْه) فيهمَا (مَا قُلْنَا) من (أَنه) أَي التَّعْلِيل بِالْعدمِ وَإِضَافَة الحكم إِلَيْهِ (لَيْسَ حَقِيقِيًّا وإضافتهما). قَالَ الشَّارِح

أَي إِضَافَة أبي حنيفَة عدم الْخمس وَمُحَمّد عدم الضَّمَان. وَلَا يخفى مَا فِيهِ، فَالْأولى أَن يُقَال: أَي إِضَافَة الْحكمَيْنِ الْمَذْكُورين فِي كَلَامهمَا، وَقَوله: اضافتهما بِالنّصب عطفا على اسْم إِن واضافتهما لَيست حَقِيقِيَّة بل بِحَسب اللَّفْظ على مَا مر، أَو نقُول تَقْدِير الْكَلَام وَحَقِيقَة إضافتهما (إِنَّمَا هُوَ عدم الحكم لعدم الدَّلِيل) على سَبِيل التَّوَسُّع فِي الْكَلَام (وَلَيْسَ) مَا علل بِهِ من عدم الدَّلِيل (مَا نَحن فِيهِ من الْعلَّة) بِمَعْنى الْبَاعِث وَهُوَ ظَاهر (قَالُوا) أَي الْأَكْثَرُونَ (علل الضَّرْب بِعَدَمِ الِامْتِثَال) وَهُوَ عدمي (وَالضَّرْب ثبوتي أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي التَّعْلِيل (بالكف) أَي كف العَبْد نَفسه عَن الِامْتِثَال وَهُوَ ثبوتي (قَالُوا) أَي الْأَكْثَرُونَ أَيْضا (معرفَة المعجز) أَي كَون المعجز معجزا أَمر (ثبوتي مُعَلل بالتحدي) بالمعجزة (مَعَ انْتِفَاء الْمعَارض) أَي الَّذِي يَأْتِي بِمِثْلِهَا (وَهُوَ) أَي انْتِفَاء الْمعَارض (جُزْء الْعلَّة) لِأَنَّهَا الْإِتْيَان بخارق الْعَادة وَطلب الْإِتْيَان بِمثلِهِ عِنْد دَعْوَى النُّبُوَّة مَعَ انْتِفَاء الْمعَارض، والانتفاء عدم، وَمَا جزؤه عدم فَهُوَ عدم و (كَذَا معرفَة كَون الْمدَار) وَهُوَ مَا أدير عَلَيْهِ الحكم وجودا أَو عدما (عِلّة) للدائر وَهُوَ الحكم (بالدوران) وَكَونه علته وجودي (وجزؤه) أَي الدوران (عدم) وَهُوَ مركب من الطَّرْد، وَالْعَكْس عدمي إِذْ هُوَ عبارَة عَن الْوُجُود مَعَ الْوُجُود والعدم مَعَ الْعَدَم (أُجِيب بِكَوْنِهِ) أَي الْعَدَم (فيهمَا) فِي العلتين (شرطا) خَارِجا عَن حقيقتهما لَا جُزْءا حَتَّى يلْزم عدم العلتين (وَلَو سلم كَون التحدي لَا يسْتَقلّ) عِلّة لمعْرِفَة الْعَجز بل يحْتَاج إِلَى شَيْء آخر مَعَه فِي الْعلية (فمعرف) أَي فَهُوَ معرف للمعجزة (وَالْكَلَام فِي الْعلَّة بِمَعْنى الْمُشْتَمل على مَا ذكرنَا) من الْمُنَاسبَة الباعثة على الحكم، لَا بِمَعْنى الْمُعَرّف. قَالَ القَاضِي عضد الدّين فِي الْجَواب: لَا يخفى أَن نفس التحدي لَا يسْتَقلّ بتعريف المعجز يَعْنِي أَن قَوْلهم مُعَلل بالتحدي يدل على استقلاله بتعريف المعجز وَهُوَ غير صَحِيح، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو اسْتَقل تحصل الْمعرفَة لكل من حَضَره: وَالْمُصَنّف يُشِير إِلَى أَن عدم استقلاله مَمْنُوع فَإِنَّهُ إِذا تَأمل فِيهِ حق التَّأَمُّل حصل الْعلم بِأَن مَا يتحدى بِهِ معجز، وَلَو سلم فَلَا يحْتَاج فِي ردهم عدم الِاسْتِقْلَال، لأَنا نقُول لَيْسَ من بَاب الْعلَّة الَّتِي كلامنا فِيهِ. (وَمِنْهَا) أَي من شُرُوط صِحَة الْعلَّة (على مَا) عزى (لجمع من الْحَنَفِيَّة) الْكَرْخِي من الْمُتَقَدِّمين وَأبي زيد من الْمُتَأَخِّرين، وَحكى عَن مَشَايِخ الْعرَاق وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَهُوَ (أَن لَا تكون) الْعلَّة (قَاصِرَة) على الأَصْل مستنبطة، وَذهب جُمْهُور الْفُقَهَاء مِنْهُم مَشَايِخنَا السمرقنديون وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَغَيرهم إِلَى صِحَة التَّعْلِيل بهَا، وَاخْتَارَهُ صَاحب الْمِيزَان وَالْمُصَنّف فَقَالَ: (لنا) فِي صِحَة التَّعْلِيل بهَا (ظن كَون الحكم لأَجلهَا) أَي القاصرة (لَا ينْدَفع) عَن النَّاظر فِي حكم الأَصْل (وَهُوَ) أَي هَذَا الظَّن (التَّعْلِيل) والمجتهد يجب عَلَيْهِ اتِّبَاع ظَنّه (والاتفاق على) صِحَة الْعلَّة القاصرة (المنصوصة)

أَي الثَّابِتَة بِالنَّصِّ وعَلى الْمجمع عَلَيْهَا، مِثَال القاصرة (كجوهرية النَّقْدَيْنِ) أَي كَون الذَّهَب وَالْفِضَّة جوهرين متعينين لثمنية الْأَشْيَاء فِي تَعْلِيل حُرْمَة الرِّبَا فيهمَا فَإِنَّهُ وصف قَاصِر عَلَيْهِمَا (وَأما الِاسْتِدْلَال) للمختار بِأَنَّهُ (لَو توقف صِحَّتهَا) أَي الْعلَّة (على تعديها لزم الدّور) لتوقف تعديها على صِحَّتهَا إِجْمَاعًا (فدور معية) أَي فَغير تَامّ لِأَنَّهُ دور معية حَاصله التلازم لَا تقدم كل مِنْهُمَا على الآخر بِالذَّاتِ كتوقف كل من المتضايفين على الآخر، وَمَعْنَاهُ الْعلَّة لَا تكون إِلَّا متعدية، والمتعدية لَا تكون إِلَّا عِلّة (قَالُوا) أَي مانعو صِحَة التَّعْلِيل بهَا (لَا فَائِدَة) فِيهَا لانحصار فَائِدَة الْعلَّة فِي إِثْبَات الحكم بهَا فِي الْفَرْع وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَمَا لَا فَائِدَة فِيهِ لَا يَصح شرعا وَلَا عقلا (أُجِيب بِمَنْع حصرها) أَي الْفَائِدَة (فِي التَّعْدِيَة، بل معرفَة كَون الشَّرْعِيَّة) للْحكم (لَهَا) أَي لِلْعِلَّةِ فَائِدَة (أَيْضا لِأَنَّهُ) أَي كَون الشَّرْعِيَّة لَهَا لِأَنَّهُ (شرح للصدر بالحكم للاطلاع) على الْمُنَاسب الْبَاعِث لَهُ فَإِن الْقُلُوب إِلَى قبُول الْأَحْكَام المعقولة أميل مِنْهَا إِلَى قهر التَّعَبُّد (وَلَا شكّ أَنه) أَي الْخلاف (لَفْظِي فَقيل لِأَن التَّعْلِيل هُوَ الْقيَاس باصطلاح) للحنفية وَهُوَ أَعم من الْقيَاس باصطلاح الشَّافِعِيَّة فالنفي للأخص وَالْإِثْبَات للأعم فَلَا نزاع بِحَسب الْحَقِيقَة (وَلِأَن الْكَلَام فِي عِلّة الْقيَاس لِأَن الْكَلَام فِي شُرُوطه) أَي الْقيَاس (وأركانه) وَلَا شكّ أَن النَّافِي فِي هَذَا السِّيَاق لَا يزِيد إِلَّا عِلّة الْقيَاس وَلَا نزاع بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي هَذَا، فالمثبت لَا يزِيد إِثْبَات الْعلَّة القاصرة للْقِيَاس إِذْ لَا معنى لَهُ فَلَا يتوارد النَّفْي وَالْإِثْبَات فِي مَحل كل وَاحِد، وَلم يرد الْمُثبت مُخَالفَة النَّافِي بل بَيَان أصل التَّعْلِيل، بل يَصح بالقاصرة، والمولعون بِنَقْل الْخلاف نظرُوا إِلَى مَا توهمه ظَاهر كَلَامهم وَحَمَلُوهُ على الْخلاف (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مُرَاد النَّافِي عِلّة الْقيَاس (فَلهم) أَي النافين من الْحَنَفِيَّة مَعَ غَيرهم (كثير مثله) من إِثْبَات الْعلَّة القاصرة (فِي الْحَج وَغَيره) كَمَا فِي الرمل فِي الأشواط الأول، وَكَانَ سَببه إِظْهَار الْجلد للْمُشْرِكين حَيْثُ قَالُوا: أضناهم حمى يثرب، ثمَّ بَقِي الحكم بعد زَوَال السَّبَب فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعده، وكما فِي وجوب الِاسْتِبْرَاء فِيمَا إِذا حدث لَهُ ملك الرَّقَبَة بتعرف بَرَاءَة الرَّحِم قَاصِر عَن الصَّغِيرَة والآيسة، كَذَا ذكره الشَّارِح. وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا الْأَخير قُصُور آخر غير مَا نَحن فِيهِ فَتدبر (لَكِن رُبمَا سموهُ) أَي الْحَنَفِيَّة التَّعْلِيل بالقاصرة (إبداء حِكْمَة لَا تعليلا) تمييزا بَين القاصرة والمتعدية (وَجعله) أَي الْخلاف (حَقِيقِيًّا مَبْنِيا على اشْتِرَاط التَّأْثِير) فِي التَّعْلِيل (أَو الِاكْتِفَاء بالاخالة) فِيهِ من غير اشْتِرَاط التَّأْثِير كَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة (فعلى الأول) وَهُوَ اشْتِرَاط التَّأْثِير كَمَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّة (تلْزم التَّعْدِيَة) على الثَّانِي، وَهُوَ الِاكْتِفَاء بالاخالة (غلط، إِذْ لَا يلْزم فِيهِ) أَي فِي التَّأْثِير (وجود عين) الْمُدعى (عِلّة) أَي وجود عين الْوَصْف الَّذِي ادّعى

كَونه عِلّة (لحكم الأَصْل فِي) مَحل (آخر يكون فرعا للاكتفاء بِجِنْسِهِ) أَي بِوُجُود حد جنس الْمُدعى عِلّة (فِي) مَحل (آخر لما صرح بِهِ من صِحَة التَّعْلِيل بِلَا قِيَاس) وَالتَّصْرِيح بِصِحَّتِهِ بِلَا قِيَاس دَلِيل على الِاكْتِفَاء بِوُجُود الْجِنْس فِي مَحل آخر، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا بُد فِي التَّأْثِير عندنَا من اعْتِبَار الشَّارِع الْعين فِي الْعين، وَهُوَ أَعلَى الْمَرَاتِب، أَو فِي الْجِنْس، أَو الْجِنْس فِي الْعين أَو فِي الْجِنْس، وَالْأول يسْتَلْزم وجود عين الْوَصْف فِي عين الحكم فِي مَحل آخر. لَا يُقَال سلمنَا أَنه يسْتَلْزم وجوده فِي عين الحكم فِي مَحل آخر. لأَنا نقُول: كلامنا فِي بَيَان شَرط الْعلَّة المستنبطة وَصِحَّة التَّعْلِيل بهَا، فَلَو كَانَ اعْتِبَار الشَّارِع لعين الْوَصْف فِي عين الحكم فِي الأَصْل لَا فِي مَحل آخر كَانَت الْعلَّة منصوصة لَا مستنبطة، فَلم يحْتَج فِي التَّعْلِيل بهَا إِلَى بَيَان التَّأْثِير، وَإِذا وجد اعْتِبَار الْوَصْف فِي مَحل آخر غير الأَصْل صَحَّ، قِيَاس حكم الأَصْل، وَصِحَّة الْقيَاس لَا تنَافِي كَونه مَنْصُوصا على مَا مر، فَحِينَئِذٍ يكون صِحَة التَّعْلِيل مَعَ الْقيَاس، وَحَيْثُ صَرَّحُوا بِصِحَّة التَّعْلِيل بِلَا قِيَاس كَانَ ذَلِك عِنْد عدم وجود الْعين فِي الْعين فِي مَحل آخر، فَلَزِمَ وجود الْجِنْس فِي مَحل آخر، وَإِلَّا لانتفى التَّأْثِير. وَفِيه أَن صِحَة التَّعْلِيل بِلَا قِيَاس لَا يسْتَلْزم الِاكْتِفَاء بِجِنْسِهِ لانْتِفَاء الْقيَاس فِيمَا إِذا اعْتبر عينه فِي جنس الحكم وَامْتنع اجْتِمَاع الْحكمَيْنِ فِي مَحل وَاحِد من غير تحقق جنسه فِي مَحل آخر، غير أَن تَعْلِيل الِاكْتِفَاء بِمَا ذكر الْتِزَام مِنْهُ لما لَا يلْزم عَلَيْهِ، لِأَن الِاكْتِفَاء بِالْجِنْسِ مُصَرح بِهِ، ثمَّ الِاكْتِفَاء بِهِ يتَحَقَّق فِي صُورَة الْجِنْس فِي الْجِنْس وَفِي الْعين فِي مَحل آخر (وَبِذَلِك) أَي بِوُجُود الْجِنْس فِي مَحل آخر (إِنَّمَا تعدد مَحل الْجِنْس) أَي مَحل جنس الْوَصْف لَا مَحل عينه لتحَقّق الْجِنْس فِي ضمن فَرد آخر غير عين الْوَصْف، والتعدية لَا تحصل إِلَّا بِتَعَدُّد مَحل عين الْوَصْف (وَلَيْسَ) الْجِنْس هُوَ (الْمُعَلل بِهِ وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن كَانَ الْجِنْس هُوَ الْمُعَلل بِهِ (لَكَانَ الْأَخَص) الَّذِي هُوَ الْمُعَلل بِهِ فِي نفس الْأَمر (عين الْأَعَمّ) الَّذِي هُوَ جنسه (و) على هَذَا التَّقْدِير (كَانَت الْعلَّة جنسه لَا هُوَ) أَي الْوَصْف نَفسه وَالْمَقْصُود من هَذَا التَّطْوِيل دفع توهم الِاتِّحَاد بَين الْوَصْف وجنسه الْمَحْمُول عَلَيْهِ لِئَلَّا يُقَال أَن تعدد مَحل الْجِنْس تعدد لمحله (وَهُوَ) أَي كَون الْمُعَلل بِهِ الْجِنْس لَا الْعين (غير الْفَرْض) لِأَن لِأَن الْمَفْرُوض كَون الْمُعَلل بِهِ الْعين لَا جنسه (فَلَا يسْتَلْزم التَّأْثِير تعدِي مَا علل بِهِ) لما عرفت من الِاكْتِفَاء وَصِحَّة التَّعْلِيل بِلَا قِيَاس (وَجعل ثَمَرَته) مُبْتَدأ مُضَاف إِلَى مَفْعُوله الأول، وَالضَّمِير للْخلاف الْمَذْكُور (منع تَعديَة) مفعول ثَان للجعل مُضَاف إِلَى مَفْعُوله: أَي إِلَى (حكم أصل فِيهِ) صفة مَا أضيف إِلَيْهِ الحكم (مُتَعَدٍّ وقاصر) فَاعل الظّرْف وَتَابعه (للمجيز) مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ حَال عَن منع التَّعْدِيَة (لَا الْمَانِع) مَعْطُوف على الْمُجِيز، يَعْنِي أَن من أجَاز التَّعْلِيل بالقاصرة

يمْنَع تَعديَة الحكم بالمتعدية، وَمن منع التَّعْلِيل بهَا لَا يمْنَعهَا. قَالَ صدر الشَّرِيعَة: وَثَمَرَة الْخلاف أَنه إِذا وجد فِي مورد النَّص وصفان: قَاصِر، ومتعد، وَغلب على ظن الْمُجْتَهد أَن الْقَاصِر عِلّة هَل يمْتَنع التَّعْلِيل بالمتعدي أم لَا، فَعنده يمْتَنع، وَعِنْدنَا لَا يمْتَنع، فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَار لغَلَبَة الظَّن لعلية القاصرة فَإِنَّهَا مُجَرّد وهم، فَلَا يُعَارض غَلَبَة الظَّن بعلية الْمُتَعَدِّي الْمُؤثر انْتهى (كَذَلِك) خبر الْمُبْتَدَأ: أَي جعل ثَمَرَته مَا ذكر غلط أَيْضا كَمَا أَن بِنَاء الْخلاف على اشْتِرَاط التَّأْثِير غلط لما ذكر، ثمَّ بَين وَجه الْغَلَط بقوله (بل الْوَجْه) فِيمَا إِذا كَانَ فِي الأَصْل وصفان على مَا ذكر (إِن ظهر اسْتِقْلَال) الْوَصْف (الْمُتَعَدِّي) فِي الْعلية (لَا يمْنَع اتِّفَاقًا) من الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَغَيرهم لِأَن الْمُجِيز يمْنَع، وَالْمَانِع لَا يمْنَع (أَو) ظهر (التَّرْكِيب) لِلْعِلَّةِ من الْمُتَعَدِّي والقاصر (منع اتِّفَاقًا). وَلَا يخفى أَن الْمَفْهُوم من كَلَام صدر الشَّرِيعَة تحقق غَلَبَة الظَّن فِي كل وَاحِد من الوصفين، وَلَا يتَصَوَّر بِالنِّسْبَةِ إِلَى شخص وَاحِد أَن يظنّ علية كل وَاحِد مِنْهُمَا اسْتِقْلَالا فِي وَقت وَاحِد بِنَاء على عدم تَجْوِيز تعدد الْعِلَل المستقلة، وَسَيَأْتِي بَيَانه، وبالنسبة إِلَى شَخْصَيْنِ لَا تعَارض، لِأَنَّهُ يجب على كل مُجْتَهد الْعَمَل بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وَعدم الِالْتِفَات إِلَى مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد الآخر بِاعْتِبَار الْوَقْتَيْنِ كَذَلِك لتعين الظَّن الآخر، وَإِن أُرِيد مدخلية كل من الوصفين فِي الْجُمْلَة من غير اسْتِقْلَال، فالعلة التَّامَّة هِيَ الْمَجْمُوع وَهُوَ قَاصِر فَيتَعَيَّن الْمَنْع اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ المُصَنّف: نعم لَو لم يعْتَبر غَلَبَة الظَّن بل تَسَاويا فِي الِاحْتِمَال فَهُوَ كَمَا ذكر السُّبْكِيّ عَن الشَّافِعِيَّة أَنهم اخْتلفُوا، وَالْجُمْهُور يرجح المتعدية، وَقيل يرجح القاصرة، وَقيل بِالْوَقْفِ (وَمَا أورد على الْحَنَفِيَّة) حَيْثُ قَالُوا بِعَدَمِ صِحَة القاصرة (من التَّعْلِيل بالثمنية لِلزَّكَاةِ) فِي الْمَضْرُوب (على ظن الْخلاف) الْمَعْنَوِيّ وَقد عرفت أَنه لَفْظِي (وَهُوَ) أَي الثمنية وصف (قَاصِر منع) وُرُوده خبر الْمَوْصُول (بتعديه) أَي بِسَبَب تعدِي وصف الثمنية (إِلَى الْحلِيّ) فَلَا يكون قاصرا (وَلَقَد كَانَ الْأَوْجه جعل الْخلاف) الْمَذْكُور (على عَكسه) أَي على عكس مَا ذكر من عدم صِحَة التَّعْلِيل بالقاصرة عِنْد جمع من الْحَنَفِيَّة، وَصِحَّته عِنْد الشَّافِعِيَّة وَجُمْهُور الْفُقَهَاء. ثمَّ بَين الْعَكْس بقوله (من التَّعْلِيل) أَي من جَوَاز التَّعْلِيل (بعلة يثبت بهَا) أَي بِتِلْكَ الْعلَّة (حكم مَحل غير مَنْصُوص لما تقدم من قبولهم) أَي الْحَنَفِيَّة (التَّعْلِيل بِلَا قِيَاس) فَلَا تكون الْعلَّة فِي ذَلِك التَّعْلِيل متعدية إِلَى فرع، وَإِلَّا لَكَانَ بِقِيَاس (بِمَا ثَبت لجنسها الخ) أَي بعلة ثَبت لجنسها أَو لعينها اعْتِبَار فِي جنس الحكم، أَو هُوَ من جِنْسهَا فِي الحكم فِي مَحل آخر لجنسها نَفسه وَإِلَّا لصَحَّ قِيَاس الْمحل الثَّانِي على الأول لما مر (وَهُوَ) أَي التَّعْلِيل بعلة يثبت لَهَا حكم مَحل بِلَا قِيَاس تَعْلِيل (بقاصرة، إِذْ لم تُوجد) تِلْكَ الْعلَّة (بِعَينهَا فِي محلين) وَإِذا كَانَ التَّعْلِيل بِمَا ذكر أمرا مقررا عِنْد الْحَنَفِيَّة (فالحنفية)

قَوْلهم (نعم) يجوز التَّعْلِيل بِالْعِلَّةِ القاصرة (إِذا ثَبت الِاعْتِبَار) لَهَا (بِمَا ذكرنَا فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة) للتأثير اعْتِبَار جِنْسهَا فِي عين الحكم أَو جنسه أَو عينهَا فِي جنسه من النَّص أَو الْإِجْمَاع (وَالشَّافِعِيَّة) قَوْلهم (لَا) يجوز التَّعْلِيل بهَا (لِأَنَّهُ) أَي الْوَصْف الَّذِي هَذَا شَأْنه (من الْمُرْسل) الملائم. وَالْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي عدم قبُوله (وَمِنْهَا) أَي من شُرُوط صِحَة الْعلَّة (على) قَول (من قدم قَول الصَّحَابِيّ) على الْقيَاس (أَن لَا تكون) الْعلَّة (معدية إِلَى الْفَرْع حكما يُخَالف قَول الصَّحَابِيّ فِيهِ) أَي فِي الْفَرْع (بِشَرْطِهِ) أَي حَال كَون قَوْله فِيهِ مَقْرُونا تَقْدِيمه على الْقيَاس (السَّابِق) أَي الَّذِي سبق ذكره فِي مسئلة قبيل: فصل فِي التَّعَارُض (فِي وجوب تَقْلِيده) مُتَعَلق بِشَرْطِهِ (وتجويز كَونه) أَي قَول الصَّحَابِيّ فِي الْفَرْع ناشئا (عَن) عِلّة (مستنبطة) من أصل آخر ليَكُون اجْتِهَاده بطرِيق الْقيَاس لَا بِسَمَاعِهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمجتهد لَا يجب عَلَيْهِ تَقْلِيد مُجْتَهد آخر بل يجب اتِّبَاع ظَنّه على مَا يَقُوله من لم يقدم قَوْله على الْقيَاس (عِنْد هَؤُلَاءِ) الْقَائِلين بالتقديم ظرف لقَوْله (احْتِمَال) هُوَ خبر تَجْوِيز (مُقَابل) صفة احْتِمَال (لظُهُور كَونه) أَي قَول الصَّحَابِيّ وَاقعا (عَن نَص) سَمعه من الشَّارِع، وَاللَّام صلَة مُقَابل، وَلَا عِبْرَة بِالِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوح فِي مُقَابلَة الظَّاهِر الرَّاجِح (كَمَا سبق) فِي مَحَله الْمَذْكُور فيطلب تَفْصِيله هُنَاكَ. (وَمِنْهَا) أَي شُرُوط صِحَة الْعلَّة (عدم نقض) الْعلَّة (المستنبطة)، والمنصوصة سَيَجِيءُ حكمهَا (تخلف الحكم عَنْهَا فِي مَحل) تحققت فِيهِ الْعلَّة وَلَو بمانع أَو عدم شَرط، وَإِنَّمَا يعرف التَّخَلُّف بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس رَاجِح علته على هَذِه المستنبطة بنصوصية أَو غَيرهَا. وَقَوله تخلف الحكم بِالْجَرِّ عطف بَيَان. لنقض المستنبطة (لمشايخ مَا وَرَاء النَّهر من الْحَنَفِيَّة) كَأبي مَنْصُور الماتريدي وفخر الْإِسْلَام وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه، وَقَوله لمشايخ مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ حَال عَن ضمير الْمُبْتَدَأ (وَأبي الْحُسَيْن) الْبَصْرِيّ (إِلَّا أَبَا زيد) من الْمَشَايِخ الْمَذْكُورين فَإِنَّهُ ومالكا وَأحمد وَعَامة الْمُعْتَزلَة على أَنه لَيْسَ بِشَرْط (وَاخْتلفُوا) أَي الْحَنَفِيَّة الشارطون (فِي المنصوصة فمانع أَيْضا) مِنْهُم يمْنَع صِحَة المنصوصة، وَبِه قَالَ الاسفرايني وَعبد القاهر الْبَغْدَادِيّ وَنقل عَن الشَّافِعِي (و) مِنْهُم (مجوز، وَالْأَكْثَر وَمِنْهُم عراقيو الْحَنَفِيَّة كالكرخي والرازي) وَأبي عبد الله الْجِرْجَانِيّ وَأكْثر الشَّافِعِيَّة على مَا فِي البديع (يجوز) التَّخَلُّف فِي مَحل (بمانع أَو عدم شَرط فيهمَا) المستنبطة والمنصوصة، وَقيل يقْدَح مُطلقًا، نسبه السُّبْكِيّ إِلَى الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وَقَالَ بعده أَصْحَابنَا فِي مرجحات مَذْهَب الشَّافِعِي بسلامة علله عَن الانتقاض جَارِيَة على مقتضاها. ثمَّ قَالَ وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْمُحَقِّقين (وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ) كَابْن الْحَاجِب (الْجَوَاز) للتخلف (فِي المستنبطة إِذا تعين الْمَانِع) وَلَو عدم شَرط وَكَذَا (وَفِي المنصوصة بِنَصّ عَام) يدل بِعُمُومِهِ على الْعلية (لَكِن إِن لم يتَعَيَّن)

الْمَانِع فِي المنصوصة فِي مَحل التَّخَلُّف (قدر) وجوده فِيهِ، مِثَاله أَن خُرُوج النَّجس نَاقض وَثَبت أَن الفصد لَيْسَ بناقض كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي، فَيقدر فِي الفصد مَانع من النَّقْض (أما) إِذا كَانَت منصوصة (بقاطع فِي مَحل النَّقْض فَيلْزم الثُّبُوت) أَي ثُبُوت الحكم (فِيهِ) أَي فِي مَحل النَّقْض لعدم إِمْكَان تخلف مَدْلُول الْقطعِي عَنهُ فَلَا نقض، وَهَذَا إِذا كَانَ دَلِيل التَّخَلُّف ظنيا ظَاهر، وَأما كَونه قَطْعِيا فَالظَّاهِر أَنه لَا تحقق لَهُ (أَو فِي غَيره) أَي غير مَحل النَّقْض (فَقَط) فالقاطع إِنَّمَا يدل على عليتها فِي غير مَحل النَّقْض، وَلَا دَلِيل سوى الْقَاطِع على عليتها فِي مَحل النَّقْض (فَلَا تعَارض) وَلَا نقض (قيل وَلَا فَائِدَة فِي قيد) هَذَا (الْقَاطِع لِأَن الظني) أَيْضا (كَذَلِك) كَمَا أَفَادَهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بقوله لَو ثَبت الْعلية فِي غير مَحل النَّقْض خَاصَّة بظني فَلَا تعَارض أَيْضا (وَهَذَا) التَّفْصِيل فِي كَلَام الْمُحَقِّقين (مُرَاد الْأَكْثَر) الْقَائِلين يجوز بمانع أَو عدم شَرط فيهمَا لِأَنَّهُ مُقْتَضى الدَّلِيل فَلَا يخالفونه (وَلَيْسَ) هَذَا الَّذِي نسب إِلَى الْمُحَقِّقين مذهبا (آخر) كَمَا يدل عَلَيْهِ كَلَام ابْن الْحَاجِب (وَنقل الْجَوَاز) أَي جَوَاز النَّقْض (فيهمَا) أَي فِي المستنبطة والمنصوصة (بِلَا مَانع) قَالَ الشَّارِح: أَي بِلَا قدح عِنْد أَكثر أَصْحَاب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد انْتهى. وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بالمانع هُنَا مَا أُرِيد بِهِ فِي قَوْله يجوز بمانع فِي قَول الْأَكْثَر (و) فِي المستنبطة (كَذَلِك) فَقَط أَي وَنقل الْجَوَاز (فِي المستنبطة فَقَط) بِلَا مَانع. (وَالْحق نقل بَعضهم) وَهُوَ الشَّيْخ قوام الدّين الكاكي (الِاتِّفَاق على الْمَنْع) من التَّعْلِيل بعلة منقوضة (بِلَا مَانع) من تَأْثِير الْعلَّة (وَمعنى قَوْلهم) يجوز فيهمَا أَو فِي المستنبطة بِلَا مَانع (الحكم بِهِ) أَي بالمانع، فالمنفي الحكم بِتَعْيِين الْمَانِع، وَهُوَ مُجْتَمع مَعَ الظَّن بِوُجُودِهِ إِجْمَالا، وَلذَا قَالَ (إِن لم يتَعَيَّن) الْمَانِع، وَإِنَّمَا قُلْنَا معنى قَوْلهم كَذَا (لدليلهم) أَي المجوزين فِي المستنبطة بِلَا مَانع (الْقَائِل) صفة لدليلهم على التَّجَوُّز، ومقول القَوْل (المستنبطة عِلّة بِمَا) أَي بِدَلِيل (يُوجب الظَّن) بعليتها (والتخلف) أَي تخلف الحكم فِي بعض الْموَاد (مشكك) أَي يُوجب الشَّك (فِي عدمهَا) أَي الْعلية (فَلَا يُوجب ظن عدمهَا فَإِنَّهُ) أَي التَّخَلُّف (إِن) كَانَ (لَا لمَانع). وَفِي بعض النخس بِلَا مَانع (فَلَا عِلّة) لاستناد التَّخَلُّف على هَذَا التَّقْدِير إِلَى عدم الْمُقْتَضى (و) إِن كَانَ (مَعَه) أَي الْمَانِع فالعلة (ثَابِتَة وجوازهما) أَي الِاحْتِمَالَيْنِ وجود الْمَانِع، وَعَدَمه (على السوَاء). قَالَ الشَّارِح: قَالَ المُصَنّف وَوجه دلَالَة دليلهم على اشْتِرَاط تَقْدِيره أَن قَوْلهم أَن بِلَا عِلّة وَمَعَهُ الْعلية ثَابِتَة فَلم يعلم الْوَاقِع من الْأَمريْنِ وَدَلِيل الْعلية الْقَائِم أوجب ظَنّهَا، فلزوم اعْتِبَار عليتها يُوجب تَقْدِيره (وَأجِيب) عَن هَذَا الدَّلِيل بِأَن التَّخَلُّف (إِن) كَانَ (أوجب الشَّك فِي عدمهَا) أَي الْعلية (أوجب فِي نقيضها) أَي الْعلية، لِأَن الشَّك فِي أحد النقيضين شكّ فِي الآخر (فناقض قَوْلكُم) الْعلَّة (مظنونة) قَوْلكُم الْعلَّة

(مشكوكة) لعدم إِمْكَان اجْتِمَاع الظَّن وَالشَّكّ فِي مَحل وَاحِد. (وَقَول الْفُقَهَاء لَا يرفع الظَّن بِالشَّكِّ: أَي حكمه السَّابِق لَا يرفع شرعا لطرو الشَّك فِيهِ) أَي فِي مَحل الظَّن (المستلزم لارتفاعه) أَي الظَّن (عَن الْبَقَاء) بَعْدَمَا كَانَ مَوْجُودا، فجوز الشَّرْع بَقَاء حكم الزائل فَإِنَّهُ جوز الصَّلَاة مَعَ زَوَال الظَّن الطَّهَارَة بِالشَّكِّ فِي الْحَدث فَلَيْسَ مَعْنَاهُ وجود نفس الظَّن مَعَ طرُو الشَّك فِي مُتَعَلّقه (وَلَا يُمكن مثله) أَي مثل مَا قَالَه الْفُقَهَاء (هُنَا، لِأَنَّهُ) أَي الْكَلَام (فِي ظن الْعلية لَا حكمهَا) فَإِذا زَالَ بِالشَّكِّ حكمنَا بِعَدَمِ اعْتِبَارهَا، لِأَنَّهُ لم يثبت من الشَّارِع جَوَاز الْقيَاس مَعَ زَوَال ظن الْعلية بِالشَّكِّ. ثمَّ لما حكم بِأَن الْحق نقل الِاتِّفَاق على الْمَنْع، وَأول قَول المجوزين لدليلهم الْمَذْكُور، ثمَّ رد ذَلِك الدَّلِيل بِكَوْنِهِ مستلزما للتناقض أَرَادَ تَقْرِير الدَّلِيل على وَجه يسلم عَن التَّنَاقُض، فَقَالَ (وَإِذا لزم من كَلَامهم) أَي المجوزين (تَقْدِير الْمَانِع) على مَا نقل من الِاتِّفَاق وَبَين معنى قَول المجوزين (كفاهم) فِي مُعَارضَة المانعين أَن يَقُولُوا (التَّخَلُّف) أَي تخلف الحكم عَن الْعلَّة فِي مَحل النَّقْض لَا (لمَانع يُوجب نفي ظَنّهَا) أَي الْعلية (وَالدَّلِيل) الدَّال عَلَيْهَا (أوجبه) أَي ظَنّهَا (وَأمكن الْجمع) بَين القَوْل بَان التَّخَلُّف بِلَا مَانع يُوجب نفي الظَّن، وَالدَّلِيل الدَّال على عليتها، أَو بَين دَلِيل الْعلية وَدَلِيل الإهدار، وَهُوَ التَّخَلُّف، فَعمل بِمُوجب الأول فِي غير صُورَة النَّقْض، وَبِالثَّانِي فِي صورته (بتقديره) أَي الْمَانِع، فَيُقَال: نعم التَّخَلُّف بِلَا مَانع يُوجب نَفْيه، لَكِن لَا تخلف هَهُنَا، لأَنا نقدر الْمَانِع، وَالْمَانِع مَوْجُود تَقْديرا احْتِرَازًا عَن إهدار الدَّلِيل بِحَسب الْإِمْكَان (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ فِي المستنبطة ثَانِيًا (لَو توقف الثُّبُوت) للْحكم (بهَا) أَي بالعلية (فِي غير مَحل التَّخَلُّف عَلَيْهِ) أَي على ثُبُوت الحكم (بهَا) أَي بالعلية (فِيهِ) أَي فِي مَحل التَّخَلُّف كَمَا زعمتم أَيهَا الشارطون عدم النَّقْض فِي ثُبُوت الحكم بهَا (انعكس) أَي توقف ثُبُوت الحكم فِي مَحل التَّخَلُّف عَلَيْهِ بهَا فِي غير مَحل التَّخَلُّف (فدار) وَهُوَ ظَاهر (أَولا) ينعكس (فتحكم) أَي فَعدم انعكاسه تحكم، لِأَن ثُبُوت الحكم بهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ على السوية فِي التَّوَقُّف وَعدم التَّوَقُّف، فإثبات توقف أَحدهمَا دون الآخر تحكم (أُجِيب) بِاخْتِيَار الأول، وَهُوَ التَّوَقُّف من الْجَانِبَيْنِ وَمنع بطلَان اللَّازِم، إِذْ هُوَ (دور معية) لَا دور تقدم (وَهَذَا) الْجَواب (صَحِيح إِذا أُرِيد توقف اعْتِبَار الشَّارِع) كَونهَا عِلّة فِي غير مَحل التَّخَلُّف على اعْتِبَار كَونهَا عِلّة فِي مَحل التَّخَلُّف (لَكِن الْكَلَام فِي الدّلَالَة عَلَيْهَا) أَي على الْعلية، يَعْنِي لَيْسَ الْكَلَام فِي توقف الثُّبُوت على الثُّبُوت بِحَسب التحقق، بل بِحَسب الْعلم وَمَا يفِيدهُ وَيدل عَلَيْهِ وَالْحَاصِل أَن قَوْلهم لَو توقف الثُّبُوت بهَا إِلَى آخِره يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا توقف ثُبُوت الحكم بهَا عِنْد الشَّارِع بِاعْتِبَارِهِ عليتها للْحكم فِي غير مَحل النَّقْض على

ثُبُوت الحكم بهَا كَذَلِك فِي مَحل النَّقْض، وَحِينَئِذٍ يكون التَّوَقُّف من الْجَانِبَيْنِ بِمَعْنى التلازم وَلَا مَحْذُور فِيهِ، وَالثَّانِي توقف الْعلم بعليتها فِي غير مَحل النَّقْض على الْعلم بعليتها لَهُ فِي مَحل النَّقْض وَهَذَا معنى قَوْله (أَي لَو توقف الْعلم بالثبوت بهَا: أَي بعليتها الخ). قَوْله: أَي بعليتها تَفْسِير للثبوت بهَا من قبيل التَّفْسِير باللازم، فَإِن ثُبُوت الحكم بهَا يلْزمه عليتها (وَإِذن) أَي وَإِذا توقف الْعلم بعليتها فِي غير مَحل النَّقْض على الْعلم بعليتها فِي مَحَله وانعكس (فترتب) أَي فالدور دور تَرْتِيب وَتقدم من الْجَانِبَيْنِ لَا دور معية (لأَنا لَا نعلمها) أَي الْعلية (إِلَّا بالثبوت) أَي بِالْعلمِ بِثُبُوت الحكم (فِي الْكل) فِي جَمِيع صور وجودهَا (فَلَو علم بهَا) أَي بالعلية (الثُّبُوت تقدم كل) مِنْهُمَا على الآخر وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْمُدعى إِثْبَات الترتب والتقدم لكل من الْعلم بعليتها فِي غير مَحل النَّقْض، وَالْعلم بعليتها فِي مَحَله، وَالدَّلِيل يُفِيد إثْبَاته لكل من الْعلم بالعلية وَالْعلم بِثُبُوت الحكم بهَا فِي جَمِيع صور وجودهَا، فالدليل لَا يُطَابق الْمُدعى. وَاعْلَم أَن هَذَا نَظِير مَا فِي الشَّرْح العضدي من قَوْله لَو توقف كَونهَا أَمارَة، وَهُوَ ثُبُوت الحكم بهَا فِي غير صُورَة التَّخَلُّف على ثُبُوت الحكم بهَا فِي صُورَة التَّخَلُّف لانعكس فتوقف ثُبُوته فِيهَا على ثُبُوته فِي غَيرهَا وَيلْزم الدّور، ثمَّ ذكر أَنه دور معية ثمَّ رده وَقَالَ هَذَا لَيْسَ بِحَق، إِذْ لَا يعلم عليتها إِلَّا بِثُبُوت الحكم بهَا فِي جَمِيع صور وجودهَا، فَلَو علم ثُبُوت الحكم بهَا لزم دور تقدم قطعا، إِذْ مَا بِهِ يعلم الشَّيْء قبل الْعلم بالشَّيْء فالمصنف ترك كَونهَا أَمارَة وَاكْتفى بتفسيره، فالإيراد مُشْتَرك بَينهمَا. وَالْجَوَاب أَن قَوْلهم فِي الِاسْتِدْلَال ثُبُوت الحكم بهَا أُرِيد بِهِ علية الْعلَّة فِي جَانب الْمَوْقُوف فِي التَّوَقُّف الأول لكَونه مَعْنَاهُ وَأُرِيد بِهِ حَقِيقَته، وَهُوَ تحقق الحكم بِسَبَب الْعلَّة فِي جَانب الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِي ذَلِك التَّوَقُّف، فَالْمَوْقُوفُ حِينَئِذٍ الْعلم بعليتها، وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ الْعلم بتحقق الحكم بِسَبَبِهَا، وَفِي التَّوَقُّف الثَّانِي عكس ذَلِك: فَالْمَوْقُوفُ فِيهِ الْعلم بتحقق الحكم بِسَبَبِهَا، وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ الْعلم بعليتها، فانطبق الدَّلِيل على الْمُدعى، غير أَنه لم يذكر المحلين فِي هَذَا التَّقْدِير تسهيلا للفهم مَعَ الِاسْتِغْنَاء عَنهُ فَهُوَ جَوَاب بتفسير يسير للدليل (لِأَن مَا بِهِ الْعلم قبله) تَعْلِيل لتقدم كل من الْعلم بالعلية وَالْعلم بالثبوت، يَعْنِي مَا يحصل بِهِ الْعلم بالشَّيْء الْعلم بِهِ قبل الْعلم بذلك الشَّيْء (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين قرر الِاسْتِدْلَال على هَذَا الْوَجْه (الْجَواب) عَن الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (منع لُزُوم الانعكاس و) منع لُزُوم (التحكم) على تَقْدِير عدم الانعكاس (إِذْ ابْتِدَاء ظن الْعلية) إِنَّمَا يكون (بِأحد المسالك) لِلْعِلَّةِ من الْمُنَاسبَة وَغَيرهَا على مَا بَين فِي مَوْضِعه فبذلك يحصل الظَّن بهَا، غير أَنه يبْقى احْتِمَال ظُهُور مَا يُنَافِيهِ (فَإِذا استقرئت الْمحَال) لِلْعِلَّةِ (لاستعلام معارضه) أَي لطلب الْعلم بِوُجُود مَا يُعَارض ذَلِك الْمُوجب للظن (من التَّخَلُّف) بِأَن تُوجد الْعلَّة فِي مَحل وَلَا يُوجد

فِيهِ الحكم (لَا لمَانع) مُتَعَلق بالتخلف، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ لمَانع لَا يضر بعليتها (فَلم يُوجد) التَّخَلُّف مَعْطُوف على استقرئت (اسْتمرّ) الظَّن الْحَاصِل بِأحد المسالك (فاستمراره) أَي الظَّن الْمَذْكُور هُوَ (الْمَوْقُوف على الثُّبُوت) أَي على الْعلم بِثُبُوت الحكم فِي جَمِيع الْمحَال (أَو) على (عَدمه) أَي عدم الثُّبُوت فِي بعض الْمحَال (مَعَ الْمَانِع، وَالْحكم بالثبوت) أَي بِثُبُوت الحكم (بِهِ) أَي بِالْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْعلَّة يتَوَقَّف (على ابْتِدَاء ظَنّهَا) أَي علية الْوَصْف الْمَذْكُور (فِي الْجُمْلَة) لما بَين عدم توقف الْعلم بالعلية على الثُّبُوت انْدفع بذلك الدّور، ثمَّ أَرَادَ أَن يبين التَّوَقُّف من جَانب الثُّبُوت بهَا فَقَالَ وَالْحكم الخ: يَعْنِي الْعلم بِأَن الحكم ثَابت بِالْعِلَّةِ يتَوَقَّف على ابْتِدَاء ظَنّهَا الْحَاصِل بِأحد المسالك فِي بعض الْموَاد، وَالْمرَاد نفي الْعلَّة أصل الظَّن من غير قيد الِاسْتِمْرَار فقد علم بذلك أَن توقف الْعلم بالعلية على الثُّبُوت فِي الْكل إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار اسْتِمْرَار الظَّن بهَا، لَا بِاعْتِبَار أصل الظَّن، وَتوقف الْعلم بالثبوت إِنَّمَا هُوَ على ابْتِدَاء الظَّن، فالاستمرار الَّذِي هُوَ الْمَوْقُوف فِي التَّوَقُّف الأول لم يصر مَوْقُوفا عَلَيْهِ فِي التَّوَقُّف الثَّانِي حَتَّى يلْزم الانعكاس بل الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِي التَّوَقُّف الثَّانِي إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاء الظَّن الْحَاصِل بِأحد المسالك. (وَاسْتشْكل) الْجَواب الْمَذْكُور (بِمَا إِذا قَارن) ظن الْعلية (الْعلم بالتخلف) أَي تخلف الحكم عَن الْعلَّة (كَمَا لَو سَأَلَهُ فقيران): غير فَاسق، وفاسق (فَأعْطى أَحدهمَا) وَهُوَ غير الْفَاسِق (وَمنع الْفَاسِق) فالمشاهد لصنيعه يشك بِسَبَب ذَلِك الْمَنْع فِي أَن عِلّة الْإِعْطَاء هَل هُوَ الْفقر أَو غَيره فَلَا يحصل لَهُ الْعلم بعليته، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَإِن الْعلم بعلية الْفقر يتَوَقَّف على الْعلم بمانعية الْفسق) من تحقق الحكم وَهُوَ الْإِعْطَاء فَإِن ظهر أَن بِالْفِسْقِ منع علم أَن الْفقر هُوَ الْعلَّة وَإِنَّمَا تخلف الحكم عَنهُ فِي الْمَمْنُوع بِسَبَب الْفسق الْمَانِع من تَأْثِيره، والاعلم أَنه لَيْسَ بعلة وَإِلَّا يلْزم تخلف الْمَعْلُول عَن الْعلَّة (وَبِالْعَكْسِ) أَي ويتوقف الْعلم بمانعية الْفسق على الْعلم بعلية الْفقر لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْعلَّة أمرا آخر مفقودا فِي الْمَمْنُوع كَانَ عدم الْإِعْطَاء لعدم الْمُقْتَضى لَا لوُجُود الْمَانِع، فَحِينَئِذٍ توقف الْعلم بِثُبُوت الحكم بِهِ على الْعلم بالعلية فِي حق من أعْطى فَلَزِمَ الدّور، وَإِذا علم أَن الْجَواب الْمَذْكُور لَا يدْفع الدّور فِي صُورَة الْمُقَارنَة (فَالصَّوَاب) فِي الْجَواب مَا يدْفع الدّور فِي جَمِيع الصُّور وَهُوَ (أَن المتوقف على الْعلم بالعلية الْعلم بالمانعية بِالْفِعْلِ) لَا المانعية بِالْقُوَّةِ لِأَنَّهُ قد يعلم كَون الشَّيْء بِحَيْثُ إِذا جَامع وَصفا منع مُقْتَضَاهُ مَعَ أَن ذَلِك الْوَصْف لم تعلم عليته بِالنِّسْبَةِ إِلَى حكم بِخِلَاف الْعلم بتحقق المانعية فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر بِدُونِ الْعلم بعلية الْوَصْف للْحكم للْعلم بتخلفه عَنهُ فِي بعض الْموَاد بِسَبَب الْمَانِع (والمتوقف عَلَيْهِ الْعلية هُوَ المانعية بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ) أَي المانعية بِالْقُوَّةِ، والتذكير بِاعْتِبَار الْخَبَر (كَون الشَّيْء بِحَيْثُ إِذا جَامع باعثا مَنعه) أَي الْبَاعِث (مُقْتَضَاهُ) فَفِي الْمِثَال الْمَذْكُور علمنَا بِأَن الْفسق منع عَن

الْإِعْطَاء مَوْقُوف على الْعلم بِكَوْن الْفقر عِلّة لَهُ وَلَكِن علمنَا بِأَن الْفقر عِلّة لَهُ لَا يتَوَقَّف على علمنَا بِأَن الْفسق قد يمْنَع بل يَكْفِي فِيهِ أَن الْفسق من شَأْنه أَن يمْنَع فَظن الْعلية المقرون بتخلف الْإِعْطَاء لَا يحْتَاج إِلَى الْعلم بِأَن الْفسق قد منع بل يَكْفِيهِ كَون الْفسق بِحَيْثُ إِذا جَامع الْفقر يمنعهُ مُقْتَضَاهُ (وَهَذَا) الدَّلِيل مَعَ جَوَابه (مُشْتَرك) صَالح (للقولين) اللَّذين أَحدهمَا جَوَاز النَّقْض فِي المنصوصة والمستنبطة، وَالْآخر جَوَازه فِي المستنبطة فَقَط (وَيزِيد الْمَانِع فِي المنصوصة) فِي تَعْلِيل الْمَنْع قَوْله (باستلزامه) أَي النَّقْض فِيهَا، فتقرير الْكَلَام لَا يجوز فِي المنصوصة بِسَبَب استلزامه (بطلَان النَّص لمقْتَضى الثُّبُوت) أَي ثُبُوت الحكم (فِي مَحل التَّخَلُّف) لتناول النَّص الْمَذْكُور إِيَّاه (بِخِلَاف المستنبطة) فَإِن دليلها يَسْتَدْعِي ترَتّب الحكم عَلَيْهَا عِنْد خلوها عَن الْمَانِع فَلَا تخلف للْحكم عَن هَذَا الدَّلِيل عِنْد وجود الْمَانِع (أُجِيب) عَن هَذِه الزِّيَادَة بِأَنَّهُ (إِن) كَانَ النَّص (قَطْعِيا) يقطع (بالثبوت) أَي ثُبُوت الحكم (فِي مَحل التَّخَلُّف لم يقبل) عُمُوم ذَلِك النَّص الدَّال على علية المنصوصة الثَّابِت مَعهَا الحكم فِي مَحل التَّخَلُّف قطعا (التَّخْصِيص) بِمَا عدا مَحل التَّخَلُّف، لِأَن ثُبُوت الحكم فِيهِ قَطْعِيّ فَلَا تخلف حِينَئِذٍ (أَو) كَانَ النَّص الْمَذْكُور (ظنيا) فَكَانَ ثُبُوت الحكم فِي مَحل التَّخَلُّف بِمُقْتَضى ذَلِك النَّص ظنيا (وَجب قبُوله) أَي قبُول عُمُوم ذَلِك النَّص الظني التَّخْصِيص (و) وَجب (تَقْدِير الْمَانِع جمعا) بَين الدَّلِيلَيْنِ أَحدهمَا مَا يُفِيد ظن الْعلية، وَالْآخر مَا يُفِيد إهدارها، وَهُوَ التَّخَلُّف (وَأَنت علمت مَا يكفيهم) فِي الْجَواب عَن هَذَا من أَن التَّخَلُّف لَا لمَانع يُوجب نفي ظَنّهَا، وَالدَّلِيل أوجبه وَأمكن الْجمع بتقديره فَوَجَبَ (فَإِنَّمَا هَذَا) أَي التَّطْوِيل فِي الْبَيَان مَعَ الِاسْتِغْنَاء بِمَا يَكْفِي فِي أَدَاء المُرَاد وَدفع الْإِيرَاد (من تَصَرُّفَات المولعين بِنَقْل الْخلاف دون تَحْرِير) منقح عَن الإطناب المخل (وللعاكس) للْجُوَاز فِي المستنبطة لَا المنصوصة بتجويره فِي المنصوصة لَا المستنبطة (نَحوه) أَي نَحْو هَذَا الدَّلِيل الْمَذْكُور للْجُوَاز فِي المستنبطة، وَهُوَ قَوْلهم (لَو صحت المستنبطة مَعَ نقضهَا كَانَ) كَونهَا صَحِيحَة (للمانع) أَي لوُجُود الْمَانِع فِي مَحل النَّقْض (فتوقفت صِحَّتهَا) حَال كَونهَا (منقوضة عَلَيْهِ) أَي الْمَانِع (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَوَقَّف عَلَيْهِ وَجَاز التَّخَلُّف بِلَا مَانع (فَلَا اقْتِضَاء) لتِلْك الْعلَّة (وتحققه) أَي الْمَانِع (فرع صِحَة عليتها) إِذْ لَو لم تصح الْعلية لَكَانَ عدم الحكم لعدم الْعلَّة لَا لوُجُود الْمَانِع فتوقف الصِّحَّة على الْمَانِع وَالْمَانِع على الصِّحَّة (فدار أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي هَذَا الدّور (معية) أَي دور معية كَمَا مر فِي جَوَاب الِاسْتِدْلَال السَّابِق. (وَدفع) هَذَا الْجَواب (بِأَن حَقِيقَة المُرَاد) من الْمَوْقُوف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ (الْعلم بِالصِّحَّةِ) أَي صِحَة الْعلية (والمانعية) أَي وَالْعلم بالمانعية، وَإِضَافَة الْحَقِيقَة إِلَى المُرَاد من قبيل إِضَافَة حُصُول الصُّورَة: أَي المُرَاد الْحق وَفِي

ذكر الْحَقِيقَة مَوضِع الْحق مُبَالغَة، وَإِذا كَانَ الْعلم بِالصِّحَّةِ مَوْقُوفا على الْعلم بالمانعية وَبِالْعَكْسِ كَانَ الدّور دور ترَتّب، إِذْ مَا بِهِ الْعلم بالشَّيْء قبل الْعلم بذلك الشَّيْء بِالذَّاتِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي توقف كل مِنْهُمَا على الآخر (ترَتّب) أَي دور تقدم (بل الْجَواب أَنا نظن صِحَّتهَا) أَي الْعلية (أَولا بِمُوجبِه) أَي الظَّن (ثمَّ نستقرئ الخ) أَي الْمحَال لاستعلام معارضه من التَّخَلُّف، لَا لمَانع فَإِن لم نجد اسْتمرّ الظَّن بِصِحَّتِهَا إِلَى آخر مَا ذكر قَرِيبا فَارْجِع إِلَيْهِ (وَيجْرِي فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْجَواب مَا جرى فِي الْجَواب السَّابِق، وَهُوَ (إِشْكَال الْمُقَارنَة) أَي إِذا كَانَ الْعلم بالتخلف مُقَارنًا للْعلم بِالصِّحَّةِ لَا يَتَأَتَّى الْجَواب، فَإِن الْمَوْقُوف على الْعلم بالمانعية إِنَّمَا هُوَ الِاسْتِمْرَار (وَدفعه) أَي وَيجْرِي أَيْضا دفع الْإِشْكَال الْمَذْكُور بِأَن يُقَال مَا يتَوَقَّف على الْعلم بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الْعلم بالمانعية بِالْفِعْلِ إِنَّمَا هُوَ الِاسْتِمْرَار، وَمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْعلم بِالصِّحَّةِ هُوَ الْعلم بالمانعية بِالْقُوَّةِ على مَا مر (وَجه) الْمَذْهَب (الْمُخْتَار) من أَن عدم النَّقْض فِي كل من المنصوصة لَيْسَ بِشَرْط فِي صِحَّتهَا (أَنه) أَي التَّخَلُّف وَعدم ثُبُوت الحكم فِي مَحل النَّقْض (تَخْصِيص لعُمُوم دَلِيل حكم) وَهُوَ مَا يدل عَلَيْهِ الْوَصْف من نَص فِي المنصوصة وَأحد المسالك فِي المستنبطة، وَالْحكم كَون الْوَصْف عِلّة، وعمومه شُمُوله جَمِيع صور وجود الْعلَّة بِاعْتِبَار ثُبُوت الحكم، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِدَلِيل الحكم الْعلَّة وبالحكم مَا هُوَ الْمُتَعَارف (فَوَجَبَ قبُوله) أَي قبُول تَخْصِيص عُمُومه (كاللفظ) أَي كَمَا يجب قبُول تَخْصِيص عُمُوم اللَّفْظ عِنْد وجود مَا يَقْتَضِيهِ. (وَمَا قيل) مَا مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير، وَقَوْلهمْ (الْخلاف مَبْنِيّ على الْخلاف فِي قبُول الْمعَانِي الْعُمُوم) أَو مَوْصُولَة، وَالتَّقْدِير: أَعنِي الْخلاف إِلَى آخِره، أَو الْمحل بدل من الْمَوْصُول: يَعْنِي الْخلاف الْمَذْكُور فِي هَذَا الْمقَام مَبْنِيّ على الْخلاف الْوَاقِع فِي قبُول الْمعَانِي الْعُمُوم (فالمانع) ثمَّ أَن لَهَا عُمُوما (إِذْ) الْمَعْنى وَاحِد (لَا تعدد إِلَّا فِي محاله) بِخِلَاف الْأَلْفَاظ لشمولها المتعدد بِذَاتِهِ (مَانع هُنَا) من تَخْصِيص الْعلَّة لِأَنَّهَا معنى، وَالْمعْنَى لَا يقبل الْعُمُوم، والتخصيص فرع الْعُمُوم (غير لَازم) خبر لقَوْله مَا قيل، وَقَول الشَّارِح الْخلاف مُبْتَدأ وَخَبره غير لَازم غير مُسْتَقِيم وَهُوَ ظَاهر (لوُقُوع الِاتِّفَاق حِينَئِذٍ) أَي حِين كَانَت حجَّة الْمَانِع هَذَا (على تعدد محاله) أَي الْمَعْنى (وَالْكَلَام هُنَا) أَي فِي تَخْصِيص الْعلَّة (لَيْسَ إِلَّا باعتبارها) أَي محالها، والمناقشة بِأَن التَّخْصِيص فرع الْعُمُوم، وَالْمعْنَى لَا يُوصف بِالْعُمُومِ غير موجه (إِذْ حَاصله) أَي حَاصِل تَخْصِيص الْعلَّة (أَنه) أَي الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْعلَّة (يُوجب الحكم فِي محاله) أَي فِي محَال ذَلِك الْوَصْف (إِلَّا مَحل الْمَانِع) وَإِذا صَحَّ حَاصِل الْمَعْنى المُرَاد فالمضايقة فِي التَّعْبِير بِلَفْظ التَّخْصِيص لَيْسَ من دأب المحصلين (وَالْمَانِع هُوَ دَلِيل التَّخْصِيص. وَبِه) أَي بِمَا ذكر من معنى تَخْصِيص الْعلَّة المستلزم عِنْد اعْتِبَارهَا لُزُوم الحكم لمُطلق الْعلَّة فِي جَمِيع الصُّور لكَون المخصصة من جملَة أفرادها

(انْدفع قَول المانعين) من تَخْصِيص الْعلَّة (أَنه) أَي تخصيصها (تنَاقض لَا تَخْصِيص، لِأَن دَلِيل الْعلية يُوجب قَوْله) أَي الشَّارِع لَا الْمُعَلل كَمَا زعم الشَّارِح (هَذَا الْوَصْف مُؤثر فِي الحكم كَقَوْلِه جعلته أَمارَة عَلَيْهِ) أَي كَمَا أَنه يُوجب قَوْله جعلته أَمارَة على الحكم (أَيْنَمَا وجد) الْوَصْف الْمَذْكُور، فَقَوله أَيْنَمَا مُتَعَلق بِكُل من التَّأْثِير، والجعل على سَبِيل التَّنَازُع، وَإِنَّمَا انْدفع قَوْلهم لِأَن دَلِيل الْعلية لَا يُوجب جعله أَمارَة عَلَيْهِ أَيْنَمَا وجد (بل فِي غير مَحل التَّخَلُّف) فَإِن قلت دليلها لَا يخْتَص بِغَيْر مَحل التَّخَلُّف، فَإِن نسبته إِلَى جَمِيع الْمحَال على السوية قلت نعم وَلَكِن فِي مَحل التَّخَلُّف يَقع مُعَارضَة بَينه وَبَين دَلِيل التَّخْصِيص فَيعْمل بِمُقْتَضَاهُ فِي غير مَحل التَّخَلُّف. وبمقضتى دَلِيل التَّخْصِيص فِي مَحَله احْتِرَاز عَن إهدار أحد الدَّلِيلَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ فِي مَحل التَّخَلُّف مَانع عَن إِيجَاب مُقْتَضَاهُ صَحَّ قَوْلنَا لَا يُوجب جعله أَمارَة فِي مَحل التَّخَلُّف بل فِي غَيره (غير أَنا إِذا قَطعنَا بِانْتِفَاء الحكم فِي بعض محاله) أَي الْوَصْف (مَعَ النَّص على الْعلَّة، وَلم يظْهر مَا يَصح إِضَافَة التَّخَلُّف إِلَيْهِ) من أَمر معِين مَانع عَن تَأْثِير الْعلَّة فِي مَحل الانتفاء (قَدرنَا مَانِعا) على سَبِيل الْإِجْمَال فِي ذَلِك الْمحل (جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ) دَلِيل الْعلية وَدَلِيل الإهدار على مَا مر (وَهُوَ) أَي الْجمع بالتقدير أَو التَّقْدِير للْجمع (أولى من إبِْطَال دَلِيل الْعلَّة) يرد عَلَيْهِ أَن الْأَوْلَوِيَّة تَقْتَضِي جَوَاز إِبْطَاله مرجوحا وَالْمَفْهُوم مِمَّا سبق عدم جَوَازه، وَذَلِكَ أَن تَقول إِذا ثَبت أَوْلَوِيَّة الْجمع وَجب على الْمُجْتَهد الْعَمَل بِهِ لِئَلَّا يلْزم تَرْجِيح الْمَرْجُوح وَإِذا وَجب لم يجز الْإِبْطَال. (وَمَا قيل) على مَا أَشَارَ إِلَيْهِ صدر الشَّرِيعَة وَقرر فِي التَّلْوِيح من أَن (التَّخْصِيص ملزوم للمجاز) أَي يلْزمه اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ، وَذَلِكَ لِأَن اللَّفْظ الْمَوْضُوع بِإِزَاءِ مَجْمُوع إِذا أخرج مِنْهُ الْبَعْض وَاسْتعْمل فِيهِ كَانَ بِالضَّرُورَةِ مُسْتَعْملا فِي غير مَا وضع لَهُ (الْمَلْزُوم للفظ) وَإِنَّمَا وصف الْمجَاز بالملزومية بِاللَّفْظِ لَا باللزوم لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِم للفظ، على أَن اللَّازِم قد يتَحَقَّق بِدُونِ الْمَلْزُوم، وَأَن الْمَقْصُود أَن غير اللَّفْظ لَا يُوصف بِهِ (منع) خبر للموصول (بِأَن الْمَلْزُوم للمجاز مِنْهُ) أَي من التَّخْصِيص (تَخْصِيص اللَّفْظ لَا) التَّخْصِيص حَال كَونه (مُطلقًا، بل هُوَ) أَي التَّخْصِيص مُطلقًا (أَعم) من أَن يكون ملزوما للمجاز أَولا، فَالْمَعْنى الْأَعَمّ لَهُ مثل أَن يُقَال هُوَ بَيَان إِرَادَة الْبَعْض من مُتَعَدد حكم عَلَيْهِ بِحكم يَشْمَل الْمَجْمُوع لَو لم يبين المُرَاد سَوَاء كَانَ مدلولا لفظا أَولا، والمتعدد هَهُنَا موارد الْعلَّة الْمَحْكُوم عَلَيْهَا بِثُبُوت الحكم فِيهَا وَالْبَعْض المُرَاد مَا لم يكن فِيهِ مَانع من ثُبُوت حكمه (قَالُوا) أَي المانعون الْمَوْجُود الْعلَّة فِي غير مَحل التَّخَلُّف (إِذْ لَا بُد فِي صِحَّتهَا من الْمَانِع) أَي من عدم الْمَانِع. قَالَ الشَّارِح سقط لفظ عدم من الْقَلَم (وَوُجُود الشَّرْط فعدمه) أَي الْمَانِع (ووجوده) أَي الشَّرْط (جُزْء الْعلَّة لِأَن الْمَجْمُوع) مِنْهُمَا وَمن الْوَصْف هُوَ (المستلزم) للْحكم وَقد وجد الْمَانِع أَو فقد الشَّرْط فِي مَحل التَّخَلُّف فَلم يُوجد

تَمام الْعلَّة (قُلْنَا فَرجع) حِينَئِذٍ (لفظيا مَبْنِيا على تَفْسِيرهَا: أَهِي الْبَاعِث) على الحكم فَلَا يلْزم من عدم الحكم عدمهَا، لِأَن الْعلَّة الباعثة قد يتَخَلَّف عَنْهَا الْمَعْلُول لمَانع أَو فَوَات شَرط (أَو) هِيَ (جملَة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ) الحكم فَلَا يُمكن أَن يتَخَلَّف عَنْهَا فَحَيْثُ لم يُوجد الحكم يحكم لعدمها (لَكِن الْحق خطؤكم) فِي جعلكُمْ الْعلَّة هَهُنَا جملَة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ (لتفسيركم) الْعلَّة (بالمؤثر) كَمَا نفسرها بِهِ (وَالشّرط وَعدم الْمَانِع لَا دخل لَهما فِي التَّأْثِير بموافقتكم) مَعنا فِي هَذَا، فالمجموع الْمركب من الْمُؤثر وَغَيره لَا يصدق عَلَيْهِ أَنه مُؤثر (وَأما إِلْزَام تصويب كل مُجْتَهد) على القَوْل بِجَوَاز تَخْصِيص الْعلَّة فَإِن كل مُجْتَهد إِذا ورد عَلَيْهِ النَّقْض فِي عليته لَهُ أَن يَقُول خصت بِمَا عدا تِلْكَ الْمَادَّة، وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَا ينْحَصر إبِْطَال دَلِيله فِي النَّقْض حَتَّى يتَخَلَّص فِي كل بحث بِهَذَا الْجَواب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فمنتف لِأَن ادعاءه علية الْوَصْف لَا يقبل مِنْهُ أَولا إِلَّا بِدَلِيل) وَيتَّجه عَلَيْهِ أَنْوَاع من الْإِبْطَال (وَمَعَ التَّخَلُّف لَا يقبل مِنْهُ) أَنه امْتنع الحكم فِي مَحل كَذَا لمَانع (إِلَّا أَن يبين مَانِعا، وَإِنَّمَا ذَلِك) أَي قبُول مَا ذكر (لَازم مَعَ إِجَازَته) أَي الْبَعْض (بِلَا تَعْيِينه كَمَا حررناه) وَعرفت من أَن الْحق أَنه لَا بُد من بَيَان مَانع صَالح للتخصيص (أَو) إِجَازَته (بِلَا مَانع كَمَا قيل أَو دَلِيل) مَعْطُوف على إِجَازَته: أَي لَا يقبل مِنْهُ ادِّعَاء الْعلية مَعَ التَّخَلُّف إِلَّا مَعَ دَلِيل يدل على اعْتِبَار عليته مَعَ التَّخَلُّف. (وَقَوْلهمْ: صِحَة الْعلية تَسْتَلْزِم ثُبُوت الحكم فِي مَحل التَّخَلُّف لَيْسَ بِشَيْء بَعْدَمَا ذَكرْنَاهُ) من وجوب الْجمع بَين دليلي الْعلَّة والتخلف. (وَقَوْلهمْ تعَارض دَلِيل الِاعْتِبَار) لِلْعِلَّةِ (و) دَلِيل (الإهدار فَلَا اعْتِبَار) بِشَيْء مِنْهَا للتساقط فَلَا علية (مَمْنُوع لِأَن التَّخَلُّف لَيْسَ دَلِيل الإهدار إِلَّا بِلَا مَانع) فِي الشَّرْح العضدي اخْتلف فِي جَوَاز النَّقْض على مَذَاهِب: أَولهَا يجوز مُطلقًا، ثَانِيهَا لَا يجوز مُطلقًا، ثَالِثهَا يجوز فِي المنصوصة دون المستنبطة، رَابِعهَا يجوز فِي المستنبطة لمَانع أَو عدم شَرط دون المنصوصة، خَامِسهَا يجوز فِي المستنبطة وَلَو بِلَا مَانع أَو عدم شَرط دون المنصوصة. ثمَّ ذكر مذهبا مُخْتَارًا حَاصله أَنه لَا بُد من مَانع أَو عدم شَرط، لَكِن فِي المستنبطة يجب الْعلم بِعَيْنِه، وَفِي المنصوصة يَكْفِي التَّقْدِير، وَمَا ذكره المُصَنّف من الْمذَاهب خَمْسَة: أَولهَا لَا يجوز فِي المستنبطة والمنصوصة، ثَانِيهَا لَا يجوز فِي المستنبطة وَيجوز فِي المنصوصة، ثَالِثهَا يجوز بمانع أَو عدم شَرط فيهمَا، ورد إِلَى هَذَا مُخْتَار الْمُحَقِّقين من الْجَوَاز فِي المستنبطة إِذا تعين الْمَانِع، وَفِي المنصوصة بِنَصّ عَام: لَكِن إِن لم يتَعَيَّن قدر، رَابِعهَا الْجَوَاز فيهمَا، خَامِسهَا يجوز فِي المستنبطة بِلَا مَانع دون المنصوصة. فَأول مَا فِي الْعَضُد رَابِع المُصَنّف، وثانيه أَوله، وثالثه ثَانِيه، وخامسه خامسه، وَأما رابعه وَهُوَ الْجَوَاز فِي المستنبطة لمَانع أَو عدم شَرط دون المنصوصة فَلَيْسَ فِي أَقسَام المُصَنّف: كَمَا أَن ثَالِث المُصَنّف، وَهُوَ الْجَوَاز فِي المستنبطة

لمَانع أَو عدم شَرط لَيْسَ فِي أقسامه، وَالْمُصَنّف من أَئِمَّة النَّقْل وَهُوَ مُخْتَار مُتَحَقق. (تَنْبِيه: قسم المصححون) لتخصيص الْعلَّة (مَعَ الْمَانِع من الْحَنَفِيَّة الْمَوَانِع إِلَى خَمْسَة) الأول (مَا يمْنَع انْعِقَاد الْعلَّة كَبيع الْحر) فَإِن الْحُرِّيَّة المستلزمة لعدم الْمَحَلِّيَّة للْبيع تمنع انْعِقَاد البيع فَإِنَّهُ عبارَة عَن مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ، وَالْحر لَيْسَ بِمَال، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي الْمَانِع من انْعِقَادهَا هَهُنَا (انْتِفَاء محلهَا) أَي مَحل الْعلَّة الَّتِي هِيَ البيع (وَلَا عِلّة فِي غير مَحل. و) الثَّانِي مَا يمْنَع (تَمامهَا) أَي الْعلَّة (فِي حق غير الْعَاقِد كَبيع عبد الْغَيْر) من غير ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ فَإِن بَيْعه عِلّة (تَامَّة فِي حق الْعَاقِد) حَتَّى لَا يبْقى لَهُ ولَايَة إِبْطَاله (لَا) فِي حق (الْمَالِك) وَكَذَا يبطل بِمَوْتِهِ وَلَا يتَوَقَّف على إجَازَة وَارثه (فَجَاز) البيع (بإجازته) أَي الْمَالِك (وَبَطل بإبطاله. و) الثَّالِث (مَا يمْنَع ابْتِدَاء الحكم كَخِيَار الشَّرْط للْبَائِع يمْنَع الْملك) ابْتِدَاء (للْمُشْتَرِي) وَإِن انْعَقَد البيع تَاما، فالمنع بِاعْتِبَار ترَتّب الحكم ابْتِدَاء على الْعلَّة. (و) الرَّابِع مَا يمْنَع (تَمَامه) أَي تَمام الحكم وَلَا يمْنَع أَصله (كَخِيَار الرُّؤْيَة لَا يمْنَع ثُبُوته) أَي الحكم وَهُوَ الْملك (لَكِن لَا يتم) الحكم (بِالْقَبْضِ مَعَه) أَي مَعَ خِيَار الرُّؤْيَة (ويتمكن من لَهُ الْخِيَار من الْفَسْخ بِلَا قَضَاء و) لَا (رضَا) للمتعاقد الآخر، وَكَانَ غير لَازم. (و) الْخَامِس مَا يمْنَع (لُزُومه) أَي الحكم (كَخِيَار الْعَيْب يثبت) الحكم (مَعَه تَاما) حَتَّى لَا يكون لَهُ ولَايَة التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع (وَلَا يتَمَكَّن من الْفَسْخ بعد الْقَبْض إِلَّا بتراض) من الْمُتَعَاقدين (أَو قَضَاء) وَإِنَّمَا اخْتلفت مَرَاتِب الخيارات بِكَوْن الأول مَا خلا على الحكم فَهُوَ مَعَه، وَتمّ قبل وجوده، وَفِي الثَّانِي صدر البيع مُطلقًا عَن الشَّرْط فَأوجب الحكم لَكِن غير تَامّ لاحْتِمَال زَوَال الرِّضَا عِنْد الرُّؤْيَة، وَفِي الثَّالِث ثمَّ السَّبَب وَالرِّضَا لوُجُود الرُّؤْيَة، لَكِن قُلْنَا بِعَدَمِ اللُّزُوم لاحْتِمَال تضرر المُشْتَرِي بِظُهُور الْعَيْب وَلذَا يتَمَكَّن من رد بعض الْمَبِيع بعد الْقَبْض، لِأَنَّهُ تَفْرِيق للصفقة بعد التَّمام وَإنَّهُ جَائِز، وَلَا يتَمَكَّن مِنْهُ فِي خِيَار الرُّؤْيَة لِأَنَّهُ تَفْرِيق قبل التَّمام وَهُوَ غير جَائِز. ثمَّ الْمَوَانِع خَمْسَة عِنْد جمَاعَة كفخر الْإِسْلَام وشمس الْأَئِمَّة وَغَيرهمَا، والحصر استقرائي، وَعند القَاضِي أبي زيد وَبَعض (7) أَرْبَعَة يَجْعَل خِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب مِمَّا يمْنَع من لُزُوم الحكم (وَخرج بَعضهم) أَي الْحَنَفِيَّة (على الْخلاف) فِي تَخْصِيص الْعلَّة (فرعا على مَذْهَبهم) وَهُوَ الصَّائِم (النَّائِم إِذا صب حلقه مَاء فسد) صَوْمه (عِنْدهم لفَوَات رُكْنه) وَهُوَ الْإِمْسَاك عَن الْمُفطر (فَهُوَ) أَي فَوَات الرُّكْن (عِلّة الْفساد) أَي (تخلف) الحكم (عَنْهَا) أَي عَن الْعلَّة الْمَذْكُورَة (فِي النَّاسِي) أَي فِي الصَّائِم الَّذِي أكل وَشرب نَاسِيا فَإِن الْعلَّة وَهِي فَوَات الرُّكْن أعنى الْإِمْسَاك مَوْجُود فِيهِ، وَالْحكم وَهُوَ الْفساد غير مَوْجُود فِيهِ (فالمجيز) تَخْصِيص الْعلَّة يَقُول: تخلف الحكم

(لمَانع هُوَ الحَدِيث) الدَّال على عدم فَسَاد صَوْم النَّاسِي كَونه صَائِما بِفَوَات رُكْنه (مَعَ وجود الْعلَّة وَالْمَانِع) تَخْصِيص الْعلَّة، يَقُول: تخلف الحكم (لعدمها) أَي الْعلَّة الْمَذْكُورَة (حكما) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الْعَدَم إِلَى الضَّمِير، يَعْنِي أَن فَوَات الرُّكْن وَإِن كَانَ مَوْجُودا صُورَة لكنه مَعْدُوم حكما: أَي فِي حكم الْمَعْدُوم (لِأَن فعل النَّاسِي) وَهُوَ الْأكل وَالشرب (نسب إِلَى مُسْتَحقّ الصَّوْم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فِي جَوَاب من استفتاه عَن أكله وشربه نَاسِيا (إِنَّمَا أطعمك الله وسقاك) والمستحق هُوَ الله سُبْحَانَهُ، لِأَن الصَّوْم عبَادَة وَلَا يسْتَحق الْعِبَادَة إِلَّا هُوَ، وَإِنَّمَا قَالَ فعل النَّاسِي نسب إِلَيْهِ، مَعَ أَن فعله الطّعْم وَالشرب، والمنسوب إِلَيْهِ الْإِطْعَام، والسقي لِأَن مَدْلُول الحَدِيث بِحَسب سِيَاق كَلَام السَّائِل الظَّان فَسَاد الصَّوْم بِالْفِعْلِ الْمُضَاف إِلَى الصَّائِم المفوت ركن الصَّوْم سلب إِضَافَته إِلَى العَبْد، لِأَنَّهُ لَو لم يرد ذَلِك لم يَصح إِيرَاد هَذَا الْكَلَام فِي معرض التَّعْلِيل على عدم الْفساد فَإِن قلت كَيفَ يَصح سلب إِضَافَته إِلَيْهِ مَعَ أَنه صدر عَنهُ بِالْحَقِيقَةِ قلت هَذَا من قبيل قَوْله تَعَالَى - {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} - (فَكَانَ أكله كلا أكل) لإِسْقَاط إِضَافَته إِلَيْهِ ونسبته إِلَى من لَهُ الصَّوْم (فَبَقيَ الرُّكْن) وَهُوَ الْإِمْسَاك (حكما) وَإِن انْتَفَى صُورَة لعدم الِاعْتِدَاد بِمَا يُنَافِيهِ لما ذكر (والمصبوب فِي فِيهِ) المَاء (لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ) أَي فِي معنى النَّاسِي (إِذْ لَيْسَ) الصاب (مُضَافا إِلَى الْمُسْتَحق) للصَّوْم ليَكُون صبه بِمَنْزِلَة إطعامه سُبْحَانَهُ وَيصير شربه كلا شرب بِنِسْبَة فعل الشَّارِب إِلَيْهِ (فَلم يسْقط اعْتِبَاره) أَي اعْتِبَار الْمُفطر أَو فَوَات الرُّكْن فِي تَأْثِيره فِي فَسَاد الصَّوْم (بِخِلَاف) الصَّائِم (السَّاقِط فِي حلقه نَائِما مطر) فَإِنَّهُ لَا يفْسد صَوْمه (كَمَا هُوَ مُقْتَضى النّظر) فَإِن إِسْقَاط الْمَطَر سقى من الله تَعَالَى وَالنَّوْم أَدخل فِي الْمَقْصُود من النسْيَان، لِأَن النَّاسِي يُبَاشر الْفِعْل بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَاف النَّائِم، فإسقاط إِضَافَة الْفِعْل إِلَيْهِ ونسبته إِلَى الله تَعَالَى بِالطَّرِيقِ الأولى (وَلَا خَفَاء أَنه) أَي الْفَرْع الْمَذْكُور (غير مَا نَحن فِيهِ) من الْعلَّة بِمَعْنى الْبَاعِث الَّتِي شرع الحكم عِنْدهَا لحُصُول الْحِكْمَة على مَا مر تَفْصِيله فَإِن عدم الرُّكْن لَيْسَ من ذَلِك (فَظهر أَن حَقِيقَة الْمَانِع الْإِضَافَة إِلَى الْمُسْتَحق) وَقَوْلهمْ لمَانع هُوَ الحَدِيث مَبْنِيّ على الظَّاهِر، وَكَونه متضمنا للإضافة إِلَيْهِ فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون الْمَانِع فِي الْحَقِيقَة نفس الحَدِيث لدلالته على عدم فَسَاد الصَّوْم المستلزم لعدم تَأْثِير الْعلَّة قلت قد علل فِي الحَدِيث عدم الْفساد بِالْإِضَافَة الْمَذْكُورَة فينسب الْمَنْع إِلَيْهِ (وَأما نقض الْحِكْمَة) الَّتِي شرع الحكم لحصولها (فَقَط بِأَن تُوجد الْحِكْمَة) لَعَلَّ وضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر، لِأَن لفظ نقض الْحِكْمَة صَار فِي عرف الْأُصُول بِمَنْزِلَة كلمة وَاحِدَة مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ نوع من النَّقْض كنقض الْعلَّة، وَلَا يجوز إرجاع الضَّمِير إِلَى أَجزَاء الْكَلِمَة، فَلَا يَنْبَغِي إرجاعه إِلَى مَا هُوَ كجزئها

(دون الْعلَّة فِي مَحل وَلم يُوجد الحكم، وَيُسمى) نقض الْحِكْمَة (كسرا) لما يحصل بِهِ من نوع انكسار فِي علية الْعلَّة، إِذْ الحكم إِنَّمَا شرع عِنْدهَا لحُصُول تِلْكَ الْحِكْمَة وَلَو لم تُوجد بِدُونِ تِلْكَ الْعلَّة لَكَانَ أَدخل فِي عليتها (باصطلاح) لطائفة من الْأُصُولِيِّينَ (فَشرط عَدمه) أَي عدم نقض الْحِكْمَة عِنْد بعض (لصِحَّة الْعلَّة. وَالْمُخْتَار نَفْيه) أَي نفي اشْتِرَاط عدم نقض الْحِكْمَة (فَلَو قَالَ) قَائِل (لَا تصح علية السّفر) لرخصه الْقصر والإفطار (لانتقاض حكمتها الْمَشَقَّة) عطف بَيَان لحكمتها (بصنعة شاقة فِي الْحَضَر) لوُجُود الْمَشَقَّة الَّتِي هِيَ الْحِكْمَة مَعَ عدم السّفر وَالْحكم. وَالْفَاء فِي قَوْله فَلَو قَالَ لَيْسَ للتفريع على عدم الِاشْتِرَاط، بل لتفصيل بعض مَا يتَعَلَّق بالْمقَام، يدل عَلَيْهِ الْجَواب وَمَا بعده (لم يقبل) قَوْله جَوَاب للشرطية (لِأَنَّهَا) أَي الْمَشَقَّة بالصنعة الشاقة (غَيرهَا) أَي غير الْمَشَقَّة الَّتِي هِيَ حِكْمَة علية السّفر، وَهِي مشقة السّفر، فَعدم وجود الحكم مَعهَا لَا يسْتَلْزم انْتِقَاض الْحِكْمَة الْمُعْتَبرَة بِالسَّفرِ (وَكَونهَا) أَي كَون الْمَشَقَّة مَعَ قطع النّظر عَمَّا أضيفت إِلَيْهِ (الْمَقْصُودَة) من اعْتِبَار الْعلية وَشرع الحكم (فَيبْطل ببطلانها مَا لم يعْتَبر إِلَّا لَهَا) أَي فَيبْطل الَّذِي لم يعْتَبر شرعا إِلَّا لَهَا بِمَعْنى علية الْعلَّة بِسَبَب بُطْلَانهَا بالانتقاض بِمَشَقَّة الصَّنْعَة الشاقة، وَقَوله كَونهَا مُبْتَدأ خَبره قَوْله (إِنَّمَا يلْزم) الْكَوْن المتفرع عَلَيْهِ مَا ذكر (لَو اعْتبر) فِي الْعلية (مُطلقهَا) يَعْنِي علية الْعلَّة: أَي الْمَشَقَّة (وَهُوَ) أَي اعْتِبَار مُطلقهَا (مُنْتَفٍ بالصنعة) أَي بِسَبَب عدم رخصَة السّفر بِمَشَقَّة الصَّنْعَة، وَلَو كَانَ الْمُعْتَبر فِي السّفر مُطلق الْمَشَقَّة لرخص بهَا لوُجُود الْمُطلق فِي ضمنهَا، وَحَيْثُ لم يرخص علم عدم اعْتِبَار الْمُطلق (فالحكمة الَّتِي هِيَ الْعلَّة فِي الْحَقِيقَة مشقة السّفر) لَا الْمَشَقَّة الْمُطلقَة حَتَّى يرد النَّقْض بِمَا ذكر، وَالْحكم بالاتحاد بَين الْحِكْمَة وَالْعلَّة بِحَسب الْحَقِيقَة بِاعْتِبَار أَن الْعلَّة عبارَة عَن الْبَاعِث على شرع الحكم، والباعث الْحَقِيقِيّ إِنَّمَا هُوَ حُصُول الْحِكْمَة، وَإِنَّمَا جعلت الْعلَّة عِلّة لاشتمالها على الْحِكْمَة (وَلم يعلم مساواتها المنقوضة) أَي مُسَاوَاة مشقة السّفر للْمَشَقَّة المنقوضة بهَا، وَهِي مشقة الصَّنْعَة، وَإِنَّمَا نفي الْعلم بالمساواة لِئَلَّا يرد أَنه سلمنَا الْمُغَايرَة بَينهمَا لكنهما متساويتان فِي المقصودية والمصلحة فَيجب مساواتهما فِي علية الرُّخْصَة أَيْضا (وَلَو فرض الْعلم برجحان) الْحِكْمَة (المنقوضة) بهَا فِي الْمَعْنى الَّذِي صَارَت الْحِكْمَة بِاعْتِبَارِهِ باعثا لعلية الْعلَّة وَشرع الحكم على المنقوضة (فِي مَوضِع) غير الْموضع الْمَذْكُور فَإِنَّهُ نفي فِيهِ الْعلم بالمساواة فضلا عَن الرجحان أَن يذكر (يلْزم بطلَان الْعلَّة) فِي ذَلِك الْموضع، لِأَنَّهُ لَو كَانَ منشأ اعْتِبَار عليتها اشتمالها على الْحِكْمَة المتضمنة للمعنى الْمَذْكُور لاعتبر عليتها فِي مَحل النَّقْض بِالطَّرِيقِ الأولى، وَيرد عَلَيْهِ أَنه كَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر صُورَة مُسَاوَاة المنقوضة بهَا للمنقوضة أَيْضا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال يعلم حكمهَا ضمنا لاشْتِرَاكهمَا فِيمَا هُوَ

سَبَب الْبطلَان. وَأَنت خَبِير بِأَن الأولى حِينَئِذٍ ذكر الْمُسَاوَاة ليعلم مِنْهُ الرجحان بِالطَّرِيقِ الأولى، ثمَّ اسْتثْنى من جملَة لمواضع الَّتِي علم فِيهَا رُجْحَان المنقوضة فِيهَا بقوله (إِلَّا أَن شرع) فِي ذَلِك الْموضع (حكم أليق بهَا) أَي بِتِلْكَ الْحِكْمَة (كالقطع بِالْقطعِ) كَقطع الْيَد بِقطع الْيَد (لحكمة الزّجر) عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ (تخلف) الْقطع الَّذِي هُوَ الحكم عَن الْحِكْمَة الَّتِي هِيَ الزّجر (فِي الْقَتْل) الْعمد مَعَ أَن الْحِكْمَة فِيهِ أرجح (لشرع مَا هُوَ أنسب بِهِ) أَي بِالْقَتْلِ الْعمد (وَهُوَ) أَي مَا هُوَ أنسب (الْقَتْل) قصاصا (وَأَنت إِذْ علمت أَن الْحِكْمَة الْمُعْتَبرَة) عِنْد الشَّارِع (ضبطت شرعا) بمظنة خَاصَّة وَهُوَ الْوَصْف الظَّاهِر المنضبط، وَذَلِكَ لعسر ضبط نفس الْحِكْمَة وَتعذر تعْيين قدرهَا (لم تكد تقف على الْجَزْم) أَي تجزم أَلْبَتَّة (بِأَن التَّخَلُّف) أَي تخلف الحكم (عَن مثلهَا) أَي عَن مثل حكمته (أَو) عَن أَمر (أكبر) من حكمته لرجحانه عَلَيْهَا فِي الْمَعْنى الَّذِي صَارَت بِاعْتِبَارِهِ باعثا لشرع الحكم (مِمَّا لم يدْخل تَحت ضابطها) بَيَان لكل وَاحِد من الْمثل والأكبر المتخلف عَنهُ الحكم، وَالْمرَاد بضابط الْحِكْمَة الْوَصْف الظَّاهِر المنضبط الَّذِي أَقَامَهُ الشَّرْع مقَامهَا لظُهُوره وانضباطه دونهَا لما مر، وَلَو كَانَ ذَلِك التَّخَلُّف (بِلَا مَانع) عَن ترَتّب الحكم عَلَيْهِ لَا ينْقض التَّخَلُّف الْمَذْكُور عليتها: أَي الْحِكْمَة، قَوْله لَا ينْقض خبر أَن فِي قَوْله بِأَن التَّخَلُّف خُصُوصا إِذا (كَانَت) الْحِكْمَة (مومى إِلَيْهَا) فِي الْكتاب أَو السّنة: مثل إِيمَاء قَوْله تَعَالَى فِي رخصَة الْإِفْطَار فِي السّفر - {أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} - بعد قَوْله - {كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون أَيَّامًا معدودات فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} - فَإِنَّهُ يُومِئ إِلَى علية وصف السّفر لرخصة الْإِفْطَار وَقَضَاء الصَّوْم فِي أَيَّام أخر (لِأَن الْحِكْمَة الْمُعْتَبرَة شرعا مثلا مشقة السّفر بِخُصُوصِهِ) تَعْلِيل لعدم نقض عليتها وَحَاصِله أَن الشَّرْع لم يعْتَبر إِلَّا علية مشقة السّفر بِخُصُوصِهِ، وَلم يعْتَبر مُطلق الْمَشَقَّة، وَلَا يتَوَجَّه النَّقْض إِلَّا عِنْد تخلف الحكم عَن الْعلَّة الْمُعْتَبرَة شرعا فَقَوله وَأَنت إِذا علمت الخ تَحْقِيق للمقام من المُصَنّف وَقَوله وَلَو فرض الخ كَلَام الْقَوْم (أَلا ترى أَن الْبكارَة عِلّة الِاكْتِفَاء فِي الْإِذْن بِالسُّكُوتِ) فِي النِّكَاح، الظرفان الْأَوَّلَانِ متعلقان بالاكتفاء وَالثَّالِث بِالْإِذْنِ، وَيجوز أَن يتَعَلَّق بالاكتفاء (لحكمة الْحيَاء) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قلت أَن الْبكر تَسْتَحي فتسكت قَالَ سكُوتهَا إِذْنهَا (وَلَو فرض ثيب أوفر حَيَاء من الْبكر (أَو سَبَب اقْتَضَاهُ) مَعْطُوف على ثيب، وَالْمعْنَى وَلَو فرض سَبَب فِي الثّيّب اقْتضى حَيَاء) أوفر من حَيَاء الْبكر (كزنا اشْتهر) فِي ثيب فَتَسْتَأْذِن فِي نِكَاح من اشْتهر بزناها (لم يكتف بسكوتها) أَي بسكوت الثّيّب فِي الصُّورَتَيْنِ (إِجْمَاعًا فَتخلف) حكم الِاكْتِفَاء بِالسُّكُوتِ

عَمَّا هُوَ أكبر من حكمته (وَلم تبطل علية الْبكارَة) إِجْمَاعًا (وَمَا ذَاك) أَي عدم بُطْلَانهَا وأمثالها (إِلَّا لِأَن الْحِكْمَة حَيْثُ ضبطت بالبكارة) لانضباطها وَعدم انضباط الْحيَاء من حَيْثُ الْقدر (كَانَت الْعلَّة بِالْحَقِيقَةِ حَيَاء الْبكر فَلم يلْزم فِي حَيَاء فَوْقه) أَي فَوق حَيَاء الْبكر (ثُبُوت الحكم) وَهُوَ الِاكْتِفَاء الْمَذْكُور (مَعَه) أَي مَعَ ذَلِك الْحيَاء الَّذِي هُوَ فَوق حَيَاء الْبكر (لعدم دَلِيله) أَي دَلِيل اعْتِبَار ذَلِك الْحيَاء الأوفر شرعا (بِخُصُوصِهِ فَلَا تنْتَقض الْعلَّة) وَهِي الْبكارَة (بنقضه) أَي بِنَقْض حَيَاء الْبكر، لِأَنَّهُ لم ينْتَقض لعدم تحَققه فِي مَادَّة النَّقْض وَإِن سمينا توهم النَّقْض نقضا فَالْمَعْنى لَا تنْتَقض الْعلَّة بِهَذَا النَّقْض الموهوم (لِأَنَّهُ) أَي ذَلِك الْحيَاء الأوفر (غير) الْحيَاء (الْمُعْتَبر) شرعا فِي الحكم الْمَذْكُور (وَأما النَّقْض المكسور وَهُوَ نقض بعض) الْعلَّة (المركبة على اعْتِبَار استقلاله) أَي الْبَعْض المنقوض (بالحكمة) لاشْتِمَاله كاشتمال الْكل عَلَيْهَا (كَمَا لَو قَالَ) الشَّافِعِي (فِي منع بيع الْغَائِب) هُوَ بيع فِيهِ مَبِيع (مَجْهُول الصّفة فَلَا يَصح كَبيع عبد بِلَا تعْيين فنقض المجهولية) الَّتِي هِيَ بعض من الْعلية، وَهُوَ الْمَجْمُوع الْمركب من المبيعية والمجهولية على اعْتِبَار استقلالها بالحكمة الَّتِي هِيَ الْإِفْضَاء إِلَى الْمُنَازعَة (بتزوج من لم يرهَا) لتحَقّق المجهولية فِي هَذَا العقد (مَعَ الصِّحَّة) فقد تحقق جُزْء الْعلَّة المستقل بالحكمة، وتخلف عَنهُ الحكم وَهُوَ عدم الصِّحَّة (وَحذف) على صِيغَة الْمَاضِي الْمَجْهُول مَعْطُوف على نَظِيره، وَهُوَ قَوْله نقض، ونائب الْفَاعِل قَوْله (الْمَبِيع) أَي نقض بعض أَجزَاء الْعلَّة وَهُوَ قَوْله مَجْهُول الصِّيغَة وَحذف بَعْضهَا: وَهُوَ قَوْله مَبِيع (وَالْمُخْتَار لَا يمْنَع) أَي اخْتلف فِي منع النَّقْض الْمَذْكُور صِحَة الْعلَّة، قيل يمْنَع، وَالْمُخْتَار أَنه لَا يمْنَع صِحَّتهَا وَهَذَا عِنْد الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَالْمُصَنّف وَغَيرهم (لِأَنَّهَا) أَي الْعلَّة (الْمَجْمُوع) الْمركب (وَلم ينْقض) الْمَجْمُوع (فَلَو أضَاف) الْقَائِل بِالْمَنْعِ أَو الناقض (إِلَيْهِ) أَي إِلَى نقض الْبَعْض (إِلْغَاء الْمَتْرُوك) أَي الْمَحْذُوف وَقَالَ لَا دخل فِي الْعلية كَمَا أَشَارَ بقوله (بِأَن قَالَ الْجَهَالَة) الْمَذْكُورَة فِي الْعلَّة (مُسْتَقلَّة بالمناسبة) الْمُوجبَة للعلية (وَلَا دخل لكَونه) أَي الْمَعْقُود عَلَيْهِ (مَبِيعًا صَحَّ) جَوَاب لَو: أَي صَحَّ النَّقْض الْمَذْكُور لوروده على مَا هُوَ الْعلَّة فِي الْحَقِيقَة إِذْ لَا دخل للملغي فِي الْعلية، وَإِذا صَحَّ النَّقْض بَطل الْعلية (وَحَاصِله) أَي حَاصِل النَّقْض بعد مَا أضَاف إِلَيْهِ أَنه (إِن عنيت) أَيهَا الْمُسْتَدلّ بِمَا جعلته عِلّة فِي قياسك (الْمَجْمُوع لم يَصح) مَا عنيت (لإلغاء الملغي، أَو) عنيت بهَا (مَا سواهُ) أَي مَا سوى الملغى (فَكَذَا) لَا يَصح مَا عنيت (للنقض) أَي لوُرُود النَّقْض على مَا جعلته عِلّة، وَهُوَ مَا سوى الملغي. (وَمِنْهَا) أَي من شُرُوط الْعلَّة (انعكاسها) أَي الْعلَّة (عِنْد قوم وَهُوَ) أَي انعكاسها (انْتِفَاء الحكم لانتفائها) أَي الْعلَّة، وَإِنَّمَا يلْزم: أَي انْتِفَاء الحكم لانْتِفَاء الْعلَّة (لمنع تعدد) الْعلَّة (المستقلة فينتفى) الحكم الَّذِي هُوَ مدلولها علته المستقلة الْمَخْصُوصَة (لانْتِفَاء خُصُوص هَذَا الدَّلِيل

وَهُوَ) أَي هَذَا الدَّلِيل (الْعلَّة إِذْ لَا يكون الحكم بِلَا باعث) وَلم يكن لَهُ باعث سوى الْمَفْرُوض انتفاؤه وَعدم كَونه بِلَا باعث إِمَّا أَن يكون (تفضلا) من الله سُبْحَانَهُ ليهتدوا بذلك الْبَاعِث إِلَى الحكم، أَو يكون وجوبا كَمَا قَالَه الْمُعْتَزلَة بِنَاء على مسئلة وجوب الْأَصْلَح عَلَيْهِ، تَعَالَى شَأْنه عَن ذَلِك، وَلَيْسَ المُرَاد من كلمة أَو التَّسْوِيَة بَينهمَا، بل تَقْسِيم مَا ذهب إِلَيْهِ الأصولي (وَالْمُخْتَار جَوَاز التَّعَدُّد) فِي الْعلَّة الباعثة (مُطلقًا) منصوصة كَانَت أَو مستنبطة (والوقوع) مَعْطُوف على الْجَوَاز (فَلَا يشْتَرط انعكاسها) أَي الْعلَّة كَيفَ وَانْتِفَاء عِلّة بِعَينهَا لَا يسْتَلْزم انتفاءها مُطلقًا فَيجوز أَن يتَحَقَّق بغَيْرهَا من الْعِلَل فَلَا يلْزم أَنه كلما انْتَفَى الْعلَّة الْمعينَة يَنْتَفِي الحكم. جوز (القَاضِي) أَبُو بكر تعددها (فِي المنصوصة لَا المستنبطة، وَقيل عَكسه) أَي يجوز فِي المستنبطة لَا المنصوصة. قَالَ (الإِمَام) يَعْنِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ (يجوز) التَّعَدُّد (وَلم يَقع لنا) على الْمُخْتَار جَوَاز التَّعَدُّد ووقوعه (أَن الْبَوْل والمذى والرعاف) وَهِي أُمُور مُخْتَلفَة الْحَقِيقَة (ثمَّ كل) مِنْهَا (يُوجب الْحَدث) إِذا تحققت مَعًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِسْنَاد الْإِيجَاب إِلَى أَحدهَا دون الآخر تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح، بِخِلَاف مَا إِذا تحققت متعاقبة فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُضَاف إِلَى الأول لَا الثَّانِي، وَألا يلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل فَتَأمل (وَهُوَ) أَي إِيجَاب الْحَدث (الِاسْتِقْلَال) فالعلية فَكل مِنْهَا عِلّة مُسْتَقلَّة للْحَدَث، وَهُوَ حكم وَاحِد (وَكَذَا الْقَتْل) عُدْوانًا (وَالرِّدَّة تحله) أَي الْقَتْل فَكل مِنْهُمَا عِلّة مُسْتَقلَّة لَهُ (فَإِن منع اتِّحَاد الحكم) وَيُقَال (بل وجوب الْقَتْل قصاصا) بعلة الْقَتْل عُدْوانًا (غَيره) أَي غير وُجُوبه (بِالرّدَّةِ وَلذَا) أَي وللمغايرة بَينهمَا (انْتَفَى) كل مِنْهُمَا (ب) مسْقط ك (الْعَفو) من الْمولى فِي الْقَتْل قصاصا (أَو الْإِسْلَام) فِي قتل الرِّدَّة (وَبَقِي) الْقَتْل ل (لآخر) يَعْنِي انْتَفَى الْقَتْل الْقصاص وَبَقِي الْقَتْل للردة، وَبِالْعَكْسِ (عورض) كل مِنْهُمَا جَوَاب الشَّرْط: أَي عورض دَلِيل الْمَانِع اتِّحَاد الحكم بِأَنَّهُ (لَو تعدّدت) الْأَحْكَام فِي أَمْثَال ذَلِك (كَانَ) تعددها (بالإضافات) إِلَى أدلتها (إِذْ لَيْسَ مَا بِهِ الِاخْتِلَاف) فِيهَا (سواهُ) أَي سوى مَا ذكر من الإضافات (وَاللَّازِم بَاطِل لِأَن الإضافات لَا توجب تعددا فِي ذَات الْمُضَاف وَإِلَّا لوَجَبَ لكل حدث وضوء) لكَون الْحَدث الْحَاصِل بِسَبَب الْبَوْل مثلا حِينَئِذٍ غير الْحَاصِل بالرعاف، فبارتفاع الأول لَا يرْتَفع الثَّانِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَكَانَ) اسْمه ضمير الشَّأْن وَخَبره (يرْتَفع أَحدهَا وَيبقى الآخر، ثمَّ الْجَواب) عَن لُزُوم الْوضُوء لكل حدث (أَن ذَلِك) أَي بِأَن ارْتِفَاع أَحدهمَا وَبَقَاء الآخر وَعَدَمه مفوض (إِلَى الشَّرْع فَجَاز أَن يعْتَبر التلازم بَين مسببات فِي الأرتفاع) فيستلزم ارْتِفَاع حدث الْبَوْل مثلا ارْتِفَاع حدث الرعاف (وَلَا يعْتَبر) التلازم (فِي) مسببات (أُخْرَى) فَلَا يسْتَلْزم ارْتِفَاع الْقَتْل بِسَبَب الْقَتْل مثلا ارتفاعه بِسَبَب الرِّدَّة (كَلَام على السَّنَد) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي قَوْله وَالْجَوَاب، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن قَول عورهض إِلَى آخِره منع

وَسَنَد، وَإِطْلَاق الْمُعَارضَة على سَبِيل الِاسْتِعَارَة تَشْبِيها لَهَا بالمعارضة الْحَقِيقِيَّة بِاعْتِبَار دلَالَة السَّنَد على خلاف مَا يدل عَلَيْهِ دَلِيل الْمُسْتَدلّ فَكَأَنَّهُ أَقَامَ الدَّلِيل على خلاف مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْخصم وَيلْزمهُ قَوْله: فَإِن منع على الْمُعَارضَة فِي الْمُقدمَة فَإِن قلت للخصم أَن يَقُول مرادي الْمَنْع لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ الْمَنْع قلت لَا يَنْفَعهُ، لِأَن سَنَده مسَاوٍ للْمَنْع فإبطاله إِثْبَات للمقدمة الممنوعة فتتم حجَّة الْمُسْتَدلّ الأول فَافْهَم (وَالْمَطْلُوب وَهُوَ الْمُعَارضَة الْمَذْكُورَة) عدم التَّعَدُّد فِي ذَات الْمُضَاف بالإضافات (ثَابت دونه) أَي بِدُونِ السَّنَد الْمَذْكُور، فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى كَونه سندا أخص، فَإِن إبِْطَال السَّنَد الْأَخَص غير موجه فِي الإضافات بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ مُسَاوِيا للْمَنْع فَإِنَّهُ موجه لاستلزام إِبْطَاله بطلَان الْمَنْع فَتثبت الْمُقدمَة الممنوعة (للْقطع بِأَن تعدد الْإِضَافَة لَا يُوجِبهُ) أَي التَّعَدُّد (فِي ذَاته) أَي الْمُضَاف (وَثُبُوت ارْتِفَاع بَعْضهَا) أَي بعض المسببات (دون بعض فِي صُورَة) دون أُخْرَى كارتفاع الْقَتْل بِسَبَب الرِّدَّة مثلا مَعَ بَقَاء الْقَتْل بِسَبَب الْقَتْل (إِنَّمَا يَكْفِي دَلِيلا على التَّعَدُّد) أَي تعدد الْمُضَاف (فِيهَا) أَي فِي صُورَة ارْتَفع فِيهَا الْبَعْض دون الْبَعْض (لَا فِي غَيرهَا) أَي لَا يَكْفِي دَلِيلا على التَّعَدُّد فِي صُورَة أُخْرَى غير تِلْكَ الصُّورَة (كَمَا فِي الْقَتْل) تَمْثِيل للصورة الأولى (لِأَن أَحدهمَا) أَي أحد المسببين وَهُوَ الْقَتْل بِسَبَب الرِّدَّة (حق الله تَعَالَى، وَالْآخر) وَهُوَ الْقَتْل بِسَبَب الْقَتْل (حق العَبْد) وَلَا وَجه لارْتِفَاع حق العَبْد بِسَبَب ارْتِفَاع حق الله تَعَالَى (وَمَا) روى (عَن أبي حنيفَة) من أَنه إِذا (حلف لَا يتَوَضَّأ من الرعاف فَبَال، ثمَّ رعف ثمَّ تَوَضَّأ حنث لَا يشكل مَعَ قَوْله باتحاد الحكم) جَوَاب سُؤال، وَهُوَ أَن أَبَا حنيفَة يَقُول باتحاد الحكم عِنْد تعدد الْأَسْبَاب وَمُقْتَضَاهُ أَن لَا يَحْنَث فِي الْحلف الْمَذْكُور لِأَن الْحَدث الْحَاصِل بالرعاف عين الْحَاصِل بالبول، فَالظَّاهِر أَنه يُقَال فِي حَقه أَنه تَوَضَّأ من الْبَوْل لسبقه بِالِاسْتِحْقَاقِ للإضافة أَو تَوَضَّأ عَنْهُمَا جَمِيعًا لاشْتِرَاكهمَا فِي السبقية، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يصدق عَلَيْهِ أَنه تَوَضَّأ من الرعاف، فَأجَاب بِأَن الْحِنْث إِنَّمَا هُوَ (للْعُرْف فِي مثله) فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ عرفا (تَوَضَّأ من الرعاف) إِذا توَسط الرعاف بَين الْوضُوء وَالسَّبَب الآخر (وَغَيره) من أَسبَاب الْحَدث: أَي يُقَال عرفا تَوَضَّأ من الْبَوْل مثلا إِذا توَسط بَين الْوضُوء وَالسَّبَب الآخر، والأيمان مَبْنِيَّة على الْعرف فَإِن قلت لَا نسلم كَون الْعرف مَا ذكرت، بل الظَّاهِر أَن الْأَمر بِالْعَكْسِ قلت: قد اشْتهر فِيمَا بَين النَّاس أَن الْحَدث فِي مثل هَذِه الصُّورَة مُضَاف إِلَى السَّبَب الآخر. هَذَا وَلم يظْهر لي كَون الثَّانِي سَببا للْحَدَث، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحدث بِالسَّبَبِ إِذا كَانَ الْمحل مَوْصُوفا بِالطَّهَارَةِ، وَلَا شكّ أَنه لَيْسَ بموصوف بهَا فِي تحقق الثَّانِي، فِي الشَّرْح العضدي اتَّفقُوا على أَنَّهَا إِذا ترتبت حصل الحكم بِالْأولَى، وَأما إِذا اجْتمعت مَعًا دفْعَة كمن مس ولمس وبال مَعًا فقد اخْتلفُوا، وَالْمُخْتَار أَن كل وَاحِد عِلّة مُسْتَقلَّة (قيل وَالْخلاف فِي الْوَاحِد بالشخص)

كَمَا نَقله التَّفْتَازَانِيّ عَن الْآمِدِيّ (والمخالف يمنعهُ) أَي يمْنَع كَون الحكم وَاحِد بالشخص (فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة) يَعْنِي الْحَدث المتعدد علته كالبول والرعاف والمذى (وَالظَّاهِر بعده) أَي بعد مثل هَذَا التدقيق الفلسفي (من الشَّرْع) فَإِن قلت لزم فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة اجْتِمَاع الْعِلَل على الحكم الْوَاحِد بالشخص شرعا فَمَا معنى بعده قلت هَذَا حكم اقتضته العمومات وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي اعْتِبَار الْوحدَة الشخصية فِي مَحل النزاع، وَهُوَ أَن الحكم الْوَاحِد هَل يكون لَهُ علل أم لَا وَالْحَاصِل أَن الْبعد فِي اعْتِبَار الْعِلَل للْحكم الشخصي ابْتِدَاء لَا فِي لُزُومهَا للشخصي بعد اعْتِبَارهَا عُمُوما (وشخصية مُتَعَلّقه) أَي الحكم كَمَا عز مثلا فَإِنَّهُ شخص معِين ثَبت حكم الزِّنَا فِي حَقه ابْتِدَاء (لَا توجبه) أَي لَا توجب تشخص الحكم، لِأَن ثُبُوته فِي ذَلِك الشَّخْص لَيْسَ بِاعْتِبَار خصوصيته (بل) من حَيْثُ أَنه فَرد من أَفْرَاد مَحل الْعلَّة كَالزِّنَا، وَإِلَّا لاختص حكم الزِّنَا بِمَا عز، بل يُوجب تشخص الحكم (مَا) أَي دَلِيل يَقْتَضِيهِ (كَشَهَادَة خُزَيْمَة) أَي كتشخص حكم شَهَادَته، وَهُوَ الِاكْتِفَاء بهَا وَحدهَا لدليله، وَهُوَ كَونه مُنْفَردا بَين الصَّحَابَة، يفهم أَن جَوَاز الشَّهَادَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمُجَرَّد إخْبَاره من غَيره حُضُور فِي تِلْكَ الْبيعَة، وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْفِرَاده فِي الِاكْتِفَاء إِكْرَاما لَهُ (وَلَا يَتَعَدَّد فِي مثله) أَي فِي مثل مَا ذكر من شَهَادَة خُزَيْمَة (علل) لِأَن عِلّة الحكم فِيهِ أَمر شخصي لَا تعدد فِيهِ أصلا (وَأما الِاسْتِدْلَال) بِأَنَّهُ (لَو امْتنع) تعدد الْعلَّة (امْتنع تعدد الْأَدِلَّة فقد منعت الْمُلَازمَة) أَي لَا نسلم أَن امْتنَاع تعدد الْعلَّة يسْتَلْزم امْتنَاع الْأَدِلَّة منعا مُسْتَندا (بِأَن الْأَدِلَّة الباعثة) وَهُوَ الْعِلَل (أخص) من الْأَدِلَّة الْمُطلقَة، وَلَا يلْزم من امْتنَاع الْأَخَص امْتنَاع الْأَعَمّ. (المانعون) تعدد الْعلَّة قَالُوا (لَو تعدّدت) الْعِلَل (لزم التَّنَاقُض، وَهُوَ) أَي التَّنَاقُض (الِاسْتِقْلَال) بالعلية (وَعَدَمه) أَي عدم الِاسْتِقْلَال بهَا (للثبوت) أَي لثُبُوت الحكم (بِكُل) من ذَلِك المتعدد (بِلَا حَاجَة إِلَى غَيره وَهُوَ) أَي ثُبُوت الحكم بِهِ من غير حَاجَة إِلَى الْغَيْر (الِاسْتِقْلَال وَعَدَمه) أَي عدم الثُّبُوت (لاستقلال غَيره بِهِ) تَعْلِيل لعدم استقلاله، لَكِن على وَجه يلْزم مِنْهُ عدم مدخليته فِي الحكم بِالْكُلِّيَّةِ فضلا عَن الِاسْتِقْلَال بِهِ، وَهَذَا تنَاقض فِي جَانب الْعلَّة (واستغناء الْمحل) أَي مَحل الحكم (فِي ثُبُوت الحكم لَهُ عَن كل) من الْعِلَل (بِالْآخرِ) أَي بِالْعِلَّةِ الْأُخْرَى لاستقلاله فِي حُصُول الحكم للمحل، والتذكير بِاعْتِبَار كَونه وَصفا (وَعَدَمه) أَي عدم اسْتغْنَاء الْمحل فِي ثُبُوت الحكم لَهُ عَن كل ضَرُورَة احْتِيَاج الْمَعْلُول إِلَى علته التَّامَّة، وَهَذَا تنَاقض فِي جَانب الْمحل (مُطلقًا) مُتَعَلق بِكُل من الِاسْتِقْلَال والاستغناء وَعَدَمه (والثبوت بهما) أَي العلتين لكَون كل مِنْهُمَا عِلّة تَامَّة والثبوت (لَا بهما) بِاعْتِبَار أَن كلا مِنْهُمَا اسْتغنى عَنهُ بِاعْتِبَار مُلَاحظَة الْأُخْرَى

وَهَذَا تنَاقض فِي جَانب الحكم (فِي الْمَعِيَّة) على تَقْدِير اجْتِمَاع العلتين بِحَسب الزَّمَان فِي التَّأْثِير (وَتَحْصِيل الْحَاصِل فِي) صُورَة (التَّرْتِيب) وَعدم اجْتِمَاعهمَا فِي الزَّمَان، فَإِن الحكم يتَحَقَّق على هَذَا التَّقْدِير بِالْأولَى، وتحققه بِالثَّانِيَةِ تَحْصِيل الْحَاصِل (وَالْجَوَاب) منع لُزُوم التَّنَاقُض الَّذِي هُوَ اجْتِمَاع النقيضين فِي الْوُجُود بِحَسب نفس الْأَمر و (الِاسْتِقْلَال) الَّذِي يلْزم على تَقْدِير تعدد الْعلَّة إِنَّمَا هُوَ (كَونهَا) أَي الْعلَّة (بِحَيْثُ إِذا انْفَرَدت ثَبت) الحكم (بهَا: أَي عِنْدهَا) لِأَن الْعِلَل الشَّرْعِيَّة لَا تَأْثِير لَهَا فِي وجود الْمَعْلُول فِي الْحَقِيقَة، وَمعنى عليتها مَا ذكر (و) هَذِه (الْحَيْثِيَّة) الْمعبر عَنْهَا بالكون الْمَذْكُور ثَابِتَة (لَهَا فِي) صُورَة (الْمَعِيَّة و) فِي صُورَة (التَّرْتِيب) ونقيض هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَهُوَ كَونهَا بِحَيْثُ إِذا انْفَرَدت لَا يثبت بهَا الحكم غير ثَابِتَة فَلَا تنَاقض، فقد عرفت أَن الِاسْتِقْلَال بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (لَا بِمَعْنى إفادتها) أَي الْعِلَل (الْوُجُود) أَي وجود الْمَعْلُول فِي الْخَارِج (كالعقلية) أَي كإفادة الْعِلَل الْعَقْلِيَّة للوجود (عِنْد الْقَائِل بِهِ) أَي بِمَا ذكر من إفادتها الْوُجُود، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن الْوُجُود عِنْد أهل الْحق لَا يفِيدهُ إِلَّا الْفَاعِل الْمُخْتَار جلّ ذكره (فَانْتفى الْكل) أَي جَمِيع مَا ذكر من التَّنَاقُض وَتَحْصِيل الْحَاصِل على التَّفْصِيل الَّذِي عَرفته (قَالُوا) أَي المانعون تعدد الْعلَّة (أَيْضا أَجمعُوا) أَي الْأَئِمَّة (على التَّرْجِيح فِي عِلّة الرِّبَا) أَهِي (الْقدر وَالْجِنْس أَو الطّعْم أَو الأقتيات، وَهُوَ) أَي التَّرْجِيح (فرع صِحَة اسْتِقْلَال كل) من الْأُمُور الْمَذْكُورَة، إِذْ لَو لم يَصح اسْتِقْلَال كل وَاحِد مِنْهَا بالعلية لَا معنى لترجيحه، بل يجب حِينَئِذٍ أَن يضم إِلَيْهِ أَمر آخر وَيجْعَل الْمَجْمُوع عِلّة (و) أَيْضا فرع (لُزُوم انْتِفَاء التَّعَدُّد) إِذْ لَو جَازَ التَّعَدُّد لقالوا بِهِ وَلم يتعلقوا بالترجيح لتعيين وَاحِد نفي مَا سواهُ (وَالْجَوَاب أَنه) أَي التَّرْجِيح الْمجمع عَلَيْهِ (للْإِجْمَاع على أَنَّهَا) أَي الْعلَّة (هُنَا) أَي فِي الرِّبَا (إِحْدَاهَا) أَي إِحْدَى الْعِلَل الْمَذْكُورَة فَقَط (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْإِجْمَاع على هَذَا الْوَجْه (جعلوها) أَي الْعلَّة (الْكل) أَي الْمَجْمُوع، لِأَن الْمَفْرُوض أَنهم يُرِيدُونَ صَلَاحِية كل للعلية، وَلَا دَلِيل على إِلْغَاء وَاحِد مِنْهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارهَا، وَذَلِكَ بالْقَوْل بالجزئية، سِيمَا عِنْد عدم ظُهُور وَجه التَّرْجِيح. لَا يُقَال إِذا كَانَ الْمُخْتَار عنْدكُمْ جَوَاز تعدد الْعلَّة فاجعلوا كل وَاحِدَة مِنْهَا عِلّة مُسْتَقلَّة. لأَنا نقُول: مرادنا من التَّعَدُّد مَا ذكر من كَون كل وَاحِدَة بِحَيْثُ إِذا انْفَرَدت ثَبت بهَا لاجتماعها فِي إِفَادَة الحكم بِأَن يكون كل وَاحِدَة مُسْتَقلَّة فِي الإفادة فَإِنَّهُ محَال. قَالَ (القَاضِي) فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من جَوَاز التَّعَدُّد فِي المنصوصة دون المستنبطة (إِذا نَص على اسْتِقْلَال كل) أَي كل وَاحِد (من مُتَعَدد) بالعلية (فِي مَحل و) الْحَال أَنه (لَا مَانع مِنْهُ) إِذْ لَا مَانع من أَن يعين الله سُبْحَانَهُ للْحكم أمارتين (ارْتَفع احْتِمَال التَّرْكِيب) أَي كَون الْعلَّة مَجْمُوع ذَلِك المتعدد (و) كَون كل وَاحِد

مِنْهُ جُزْءا مِنْهَا (مَا لم ينص مَعَ الصلاحية بِأحد الْأَمريْنِ من الْجُزْئِيَّة والاستقلال) أَي وَمَا دَامَ لم ينص فِي المتعدد بِأحد الْأَمريْنِ وهما جزئية كل وَاحِد مِنْهُ واستقلاله فِي الْعلية مَعَ صَلَاحِية كل وَاحِد للعلية، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى وكل مُتَعَدد لم ينص فِيهِ إِلَى آخر مَا ذكرنَا (فتعيين أَحدهمَا) أَي الْجُزْئِيَّة والاستقلال دون الآخر (تحكم) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاحْتِمَال (فَظهر أَن اعْتِقَاده) أَي القَاضِي (جَوَاز التَّعَدُّد فيهمَا) أَي المنصوصة والمستنبطة (غير أَنه لَا يقدر على الحكم بِهِ فِي المستنبطة للاحتمال) أَي لاحْتِمَال جزئية كل وَاحِد كَمَا يحْتَمل الِاسْتِقْلَال (فَإِذا اجْتمعت) تِلْكَ الْأُمُور الصَّالِحَة للعلية (يثبت الحكم على كل تَقْدِير) لِأَنَّهُ على تَقْدِير الْجُزْئِيَّة إِذا اجْتمع جَمِيع أَجزَاء الْعلَّة فقد تحققت بِلَا شُبْهَة، وَأما على تَقْدِير الِاسْتِقْلَال فَالْأَمْر ظَاهر (وَالْجَوَاب مَنعه) أَي منع لُزُوم التحكم على تَقْدِير التَّعْيِين لجَوَاز استنباط الِاسْتِقْلَال عقلا (بِالْعلمِ بالحكم مَعَ أَحدهَا) أَي الْأُمُور الصَّالِحَة للعلية (فِي مَحل كَمَا) أَي كَالْعلمِ بالحكم (مَعَ أُخْرَى) من تِلْكَ الْعِلَل (فِي) مَحل (آخر) فلولا اسْتِقْلَال كل وَاحِدَة مِنْهَا بالعلية لما ثَبت الحكم مَعهَا وَحدهَا (فَيحكم بِهِ) أَي بالاستقلال (لكل فِي مَحل الِاجْتِمَاع) بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور آنِفا الْمعبر عَنهُ بالحيثية الْمَذْكُورَة. (وعاكسه) أَي الَّذِي يَقُول بعكس مَذْهَب القَاضِي من جَوَاز التَّعَدُّد فِي المستنبطة دون المنصوصة، يَقُول (يقطع فِي المنصوصة بِأَنَّهَا) أَي الْعلَّة المنصوصة (الْبَاعِث) لشروع الحكم (فَانْتفى احْتِمَال غَيرهَا) أَي احْتِمَال كَون الْعلَّة غير المنصوصة (كلا وجزءا) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الْغَيْر إِلَى الضَّمِير: أَي انْتَفَى احْتِمَال الْغَيْر مُطلقًا سَوَاء كَانَ مُغَايرَة ذَلِك الْغَيْر إِيَّاهَا بِاعْتِبَار جَمِيع الْأَجْزَاء أَو بِاعْتِبَار بَعْضهَا (والمستنبطة وهمية) أَي عليتها ظنية غير مَقْطُوعَة (لَا ينتفى فِيهَا) أَي فِي المستنبطة (ذَلِك) الِاحْتِمَال، فَيجوز أَن يكون فِي نفس الْأَمر غَيرهَا كلا وجزءا (وَالْجَوَاب منع الْكل) أَي لَا نسلم الْقطع فِي المنصوصة لاحْتِمَال أَن يكون النَّص ظَنِّي الْمَتْن: أَي وَالدّلَالَة، وَأَيْضًا لَا نسلم وهميته المستنبطة لجَوَاز أَن يتَحَقَّق هُنَاكَ أَمَارَات كَثِيرَة تفِيد الْقطع بعليتها. قَالَ (الإِمَام) فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من جَوَاز التَّعَدُّد دون وُقُوعه (لَو لم يمْتَنع) التَّعَدُّد (شرعا) قيد بِهِ دفعا للتناقض. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: ظَاهره مُخَالف لِلْقَوْلِ بِالْجَوَازِ، ثمَّ بَين أَن المُرَاد جَوَازه عقلا وامتناعه شرعا (وَقع عَادَة وَلَو نَادرا). فِي الشَّرْح العضدي أَن الإِمَام زعم أَن هَذَا الدَّلِيل الْغَايَة القصوى فِي الْقُوَّة، وفلق الصُّبْح فِي الوضوح، ثمَّ ذكر فِيهِ: أما الْمُلَازمَة فَلِأَن إِمْكَانه وَاضح، وَمَا خَفِي إِمْكَانه، يُمكن أَن يتَوَهَّم امْتِنَاعه فَلَا يَقع، لَكِن مَا كَانَ إِمْكَانه وَاضحا مَعْلُوما لكل أحد مَعَ التكثر والتكرر لموارده مِمَّا تقضى الْعَادة بامتناعه لَا يَقع أصلا، وَأما انْتِفَاء اللَّازِم، فَلِأَنَّهُ لَو وَقع لعلم عَادَة، وَلما لم يعلم علم أَنه لم يَقع انْتهى. (وَالثَّابِت بِأَسْبَاب الْحَدث

مُتَعَدد كَمَا تقدم) دفع لما يرد عَلَيْهِ، من أَنه كَيفَ يقطع بِعَدَمِ الْوُقُوع مَعَ تعدد أَسبَاب الْحَدث وَالْقَتْل وَحَاصِل الْجَواب أَن مَحل النزاع تعدد علل حكم وَاحِد، وَالْحكم فِيمَا ذكرْتُمْ مُتَعَدد، فالحدث الْحَاصِل بالبول غير الْحَاصِل بالرعاف، وَلذَا قيل إِذا نوى رفع أحد أحداثه لم يرْتَفع الآخر وَإِنَّمَا خص الْحَدث لِأَنَّهُ مَحل الْإِلْزَام على مَا سبق، لِأَن المتعدد فِي الْقَتْل وَاحِد: إِذْ لَا نزاع فِي ارْتِفَاع أَحدهمَا دون الآخر فِيهِ (أُجِيب بِمَنْع عدم الْوُقُوع، بل مَا ذكر) أَي بل هُوَ وَاقع فِي الْحَدث وَالْقَتْل على مَا سبق (وَكَون الثَّابِت بِكُل) من أَسبَاب الْحَدث وَالْقَتْل (غَيره) أَي غير الثَّابِت (بِالْآخرِ) من تِلْكَ الْأَسْبَاب (أَن أثْبته) أَي أثبت الْخصم الْكَوْن الْمَذْكُور (بالانفكاك نفيا) أَي لانْتِفَاء أَحدهمَا وَبَقَاء الآخر (فَتقدم اقْتِصَاره) أَي اقْتِصَار الانفكاك على حكم الْقَتْل لتَعَدد الْمُسْتَحق (وانتفاؤه) أَي انْتِفَاء الانفكاك (فِي الْحَدث ظَاهر، وتجويزه) أَي تَجْوِيز تعدد الْحَدث بِتَعَدُّد الْأَسْبَاب (لَا يَكْفِيهِ) أَي الإِمَام (لِأَنَّهُ مستدل) على دَعْوَى عدم الْوُقُوع فَيلْزم عَلَيْهِ الحكم بِتَعَدُّد الْحَدث المنازع فِيهِ قطعا ليتم استدلاله. (ثمَّ اتّفق المعددون) أَي الْقَائِلُونَ بِتَعَدُّد الْعلَّة (أَنه) أَي الحكم يثبت (بِالْأولِ) من الْأَوْصَاف الصَّالِحَة للعلية (فِي) صُورَة (التَّرْتِيب) وَعدم اجْتِمَاعهمَا مَعًا (وَفِي) صُورَة (الْمَعِيَّة، قيل) الحكم يثبت (بالمجموع فَكل) أَي من تِلْكَ الْأَوْصَاف (جُزْء) من الْعلَّة وَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهَا يصلح للعلية اسْتِقْلَالا، وَذَلِكَ لِئَلَّا يلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح (وَقيل وَاحِدَة) مِنْهَا (لَا بِعَينهَا) فِي نَظرنَا (وَالْمُخْتَار) أَن الحكم يثبت (بِكُل) أَي بِكُل وَاحِد من تِلْكَ الْأَوْصَاف اسْتِقْلَالا (لِأَنَّهُ لَو امْتنع) ثُبُوته بِكُل اسْتِقْلَالا، والمفروض أَنه يصلح للاستقلال (كَانَ) ذَلِك الِامْتِنَاع (لِاجْتِمَاع الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة على مَدْلُول) وَاحِد يَعْنِي لَا مُوجب لامتناعه إِلَّا لُزُوم اجتماعها عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَي الِاجْتِمَاع الْمَذْكُور (حق اتِّفَاقًا) يَعْنِي أَن الْعِلَل لَيست فِي الْحَقِيقَة إِلَّا أَدِلَّة وأمارات تدل على ثُبُوت الحكم فِي مَحل كَسَائِر الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة من الْكتاب وَالسّنة، وَكم من حكم لَهُ أَدِلَّة مِنْهُمَا يسْتَقلّ كل وَاحِد مِنْهَا فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة فكم من مطلب أقيم عَلَيْهِ عدَّة من الْبَرَاهِين بِخِلَاف الْعِلَل الْعَقْلِيَّة المؤثرة فِي وجود الْمَعْلُول فَإِنَّهَا لَا يُمكن فِيهَا ذَلِك على الْخلاف الَّذِي وَقع فِيهَا أَيْضا على مَا عرف فِي الْكَلَام. قَالَ الذَّاهِب إِلَى أَن الْعلَّة (الْمَجْمُوع) الْمركب من تِلْكَ الْأَوْصَاف (لَو اسْتَقل) كل وَاحِد مِنْهَا (فِي) صُورَة (الْمَعِيَّة) فِي الزَّمَان (لزم التَّنَاقُض) كَمَا مر (بِلُزُوم الثُّبُوت) أَي بِثُبُوت الحكم (بِكُل) لاستقلاله بِهِ (وَعَدَمه) أَي الثُّبُوت بِكُل لثُبُوته بِغَيْرِهِ اسْتِقْلَالا (وَمر جَوَابه) من قَوْله وَالْجَوَاب الِاسْتِقْلَال كَونهَا بِحَيْثُ إِذا انْفَرَدت ثَبت بهَا أَي عِنْدهَا والحيثية لَهَا فِي الْمَعِيَّة وَالتَّرْتِيب لَا معنى إفادتها الْوُجُود كالعقلية عِنْد الْقَائِل

بِهِ انْتهى، وَقد مر تَفْسِيره (والتحكم) مَعْطُوف على التَّنَازُع: أَي وَلزِمَ التحكم أَيْضا فَإِن القَوْل بعلية كل وَاحِد بِعَيْنِه مَعَ عدم رجحانه على الآخر تحكم (قُلْنَا) إِنَّمَا يلْزم التحكم (لَو لم يثبت) الحكم (بِكُل) أَي بِكُل وَاحِد وَقد عرفت مَعْنَاهُ فِي الْجَواب عَن التَّنَاقُض (كالمشاهد) أَي كالثبوت بِكُل الْمشَاهد (فِي) الْأَدِلَّة (السمعية) الدَّالَّة (على حكم) وَاحِد. قَالَ الذَّاهِب إِلَى أَن مَا يثبت بِهِ الحكم مِنْهَا (غير الْمعِين: لولاه) أَي لَوْلَا أَن ثُبُوته بِغَيْر الْمعِين (لزم التحكم فِي التَّعْيِين) وَالْقَوْل بِأَنَّهُ يثبت بِوَاحِد مِنْهَا معِين (و) لزم (خلاف الْوَاقِع فِي الْجُزْئِيَّة) وَالْقَوْل بِأَن الْعلَّة إِنَّمَا هُوَ الْمَجْمُوع وكل وَاحِد مِنْهَا جُزْء الْعلَّة (لثُبُوت الِاسْتِقْلَال) أَي الِاسْتِقْلَال (لكل) وَاحِد مِنْهَا بالعلية فِي الْوَاقِع (الْجَواب) عَن دَلِيل هَذَا الْقَائِل (اخْتِيَار) شقّ (ثَالِث) وَهُوَ القَوْل بِأَن كل وَاحِد مِنْهَا عِلّة اسْتِقْلَالا (كَمَا ذكرنَا وَلنَا فِي) جَوَاز (عكس مَا تقدم) فِي الشَّرْح العضدي لَا خلاف فِي جَوَاز ثُبُوت الْحكمَيْنِ بعلة وَاحِدَة بِمَعْنى الأمارة، وَإِمَّا بِمَعْنى الْبَاعِث فقد اخْتلف فِيهِ وَالْمُخْتَار جَوَازه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (تعدد حكم عِلّة) قَوْله تعدد بِالْجَرِّ عطف بَيَان لعكس مَا تقدم (بِمَعْنى الأمارة الْمُجَرَّدَة) عَن الباعثية للْحكم (كالغروب) أَي كغروب الشَّمْس (لجَوَاز الْإِفْطَار وَوُجُوب) صَلَاة (الْمغرب بِلَا خلاف وَتَسْمِيَة هَذَا) أَي الأمارة الْمُجَرَّدَة (عِلّة اصْطِلَاح) أَي مُجَرّد اصْطِلَاح من الْأُصُولِيِّينَ من غير رِعَايَة الْمَعْنى الْأَصْلِيّ لِلْعِلَّةِ بِخِلَاف تَسْمِيَة الْوَصْف المثير للْحكم، فَإِنَّهُ روعي فِيهِ ذَلِك لِأَنَّهُ كالعلة الغائية كَمَا يفهم من قَوْله (وَبِمَعْنى الْبَاعِث فِي) الْمَذْهَب (الْمُخْتَار لَا بعد فِي مُنَاسبَة وصف) وَاحِد من أَوْصَاف الْعلَّة (لحكمين) تَقْدِير الْكَلَام لنا قَوْلنَا لَا بعد الخ مُبْتَدأ وَخَبره (كَالزِّنَا) فَإِنَّهُ وصف وَاحِد عِلّة (للْحُرْمَة وَوُجُوب الْحَد) وهما حكمان مُخْتَلِفَانِ بِالذَّاتِ (قَوْلهم) أَي المانعين جَوَازه (فِيهِ) أَي فِي كَون الْوَصْف الْوَاحِد عِلّة لِلْحكمَيْنِ أَو فِي كَونه مناسبا لَهما (تَحْصِيل الْحَاصِل لحُصُول الْمصلحَة بِأحد الْحكمَيْنِ) يَعْنِي أَن مناسبته للْحكم أَن مصْلحَته حَاصِلَة عِنْد الحكم وَالْحكم الْوَاحِد تحصل الْمصلحَة الْمَقْصُودَة مِنْهُ، فَإِذا حصل الحكم الثَّانِي حصلها مرّة أُخْرَى، وَأَنه تَحْصِيل الْحَاصِل (إِنَّمَا يلْزم) خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي قَوْلهم (لَو لم يحصل بِالْوَصْفِ مصلحتان) فَإِنَّهُ إِذا جَازَ حُصُول المصلحتين بِالْوَصْفِ فَالْحَاصِل بِكُل حكم مصلحَة أُخْرَى فَلَا تَحْصِيل للحاصل (أَو لَا تحصل) الْمصلحَة (الْمَقْصُودَة) من الْوَصْف (إِلَّا بهما) قَوْله لَا تحصل مَعْطُوف على لم يحصل وَلَا يخفى أَن مَضْمُون قَوْله لَا تحصل الخ انحصار حُصُول الْمَقْصُودَة فِي تحقق الْحكمَيْنِ وَإِذا دخل كلمة لَو عَلَيْهِ أفادت نفي الْمَضْمُون الْمَذْكُور، فَالْمَعْنى حِينَئِذٍ أَن تَحْصِيل الْحَاصِل لَا يلْزم عِنْد انْتِفَاء الْأَمريْنِ جَمِيعًا عدم حُصُول تحقق مصلحتين بِالْوَصْفِ، والانحصار الْمَذْكُور، فَإِذا لم ينتف

أَحدهمَا لَا يلْزم، أما الأول فقد بَيناهُ، وَأما الثَّانِي فَغير ظَاهر: لِأَنَّهُ إِذا لم تَنْحَصِر الْمَقْصُودَة فِي تحقق الْحكمَيْنِ مَعًا لزم حُصُولهَا بِدُونِ تحققهما مَعًا، وَكَون حُصُول الْمَقْصُودَة بدونهما مخلصا عَن تَحْصِيل الْحَاصِل غير موجه، وَمَا فِي الشَّرْح العضدي من قَوْله الْجَواب منع لُزُوم تَحْصِيل الْحَاصِل لجَوَاز أَن يحصل الحكم الآخر مصلحَة أُخْرَى، أَو أَن الْمصلحَة الْمَقْصُودَة لَا تحصل إِلَّا بهما وَاضح فَإِن الْمصلحَة الْمَقْصُودَة إِذا لم تحصل إِلَّا بِمَجْمُوع الْحكمَيْنِ كَيفَ يلْزم بِالثَّانِي تَحْصِيل الْحَاصِل فَالْوَجْه أَن يحمل كَلَام المُصَنّف على مَا يُوَافق الشَّرْح الْمَذْكُور بِأَن يقدر فِي كَلَامه لفظ يكن ويعطف مَدْخُول أَو على مَدْخُول لم فالتقدير لَو لم يكن لَا يحصل إِلَى آخِره: أَي لَو لم يكن مضمونه وَهُوَ الانحصار الْمَذْكُور (وَمِنْهَا) أَي وَمن شُرُوط عِلّة حكم الأَصْل (أَن لَا تتأخر) الْعلَّة (عَن حكم الأَصْل) ثبوتا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يشْتَرط عدم تأخرها وَيجوز ثُبُوتهَا بعده (ثَبت) حكم الأَصْل (بِلَا باعث، وَأَيْضًا يثبت بذلك) التَّأَخُّر (أَنه لم يشرع) الحكم (لَهَا) أَي لأجل تِلْكَ الْعلَّة الْمُتَأَخِّرَة (وَمثل) تَأَخّر الْعلَّة (بتعليل نَجَاسَة مصاب عرق الْخِنْزِير) أَي الْمحل الَّذِي أَصَابَهُ عرق الْخِنْزِير (بِأَنَّهُ) أَي عرقه (مستقذر، وَهُوَ) أَي التَّعْلِيل بالاستقذار فِي الأَصْل (تَعْلِيل نَجَاسَة اللعاب) أَي فرع تَعْلِيل نَجَاسَة اللعاب (بِهِ) أَي بالاستقذار (لِأَنَّهُ) أَي الْعرق من حَيْثُ النَّجَاسَة (قِيَاس) أَي مقيس (عَلَيْهِ) أَي على اللعاب، أَو الْمَعْنى لِأَن التَّعْلِيل بالاستقذار مآله قِيَاس مصاب الْعرق على مصاب اللعاب فَيجب اعْتِبَار النَّجَاسَة فِي اللعاب ليَصِح قِيَاس مصاب الْعرق عَلَيْهِ بِجَامِع الاستقذار (وَهُوَ) أَي وصف الاستقذار (مُتَأَخّر عَنْهَا) أَو نَجَاسَة اللعاب (وَهُوَ) أَي الْمُتَأَخر الَّذِي ادّعى (غير لَازم لجَوَاز الْمُقَارنَة) أَي لجَوَاز أَن يكون وصف الاستقذار مُقَارنًا لنجاسة اللعاب فِي الثُّبُوت. الْحَاصِل أَن الممثل يُوهم عدم ثُبُوت الاستقذار عِنْد ثُبُوت حكم الأَصْل: وَهُوَ نَجَاسَة اللعاب أَو مصابه، لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذكر عِنْد إِلْحَاق الْمُصَاب الْعرق بِهِ وَلم يعرف أَن تَأَخّر الذّكر لَا يسْتَلْزم تَأَخّر الثُّبُوت، ثمَّ الشَّرْط مُقَارنَة الْوَصْف للْحكم بِحَسب اعْتِبَاره فِي الْمحل شرعا لَا بِحَسب ثُبُوت الْمحل فِي الْخَارِج (و) الْمِثَال (الْمُتَّفق عَلَيْهِ) كَونه من الممثل (تَعْلِيل ولَايَة الْأَب على الصَّغِير الَّذِي عرض لَهُ الْجُنُون بالجنون لِأَن ولَايَته قبله) فَإِن ولَايَته مُقَدّمَة على عرُوض الْجُنُون للصَّغِير (وَأما سلبها بعروضه للْوَلِيّ) أَي أما التَّمْثِيل بتعليل سلب الْولَايَة عَن الصَّغِير بالجنون الْعَارِض للْوَلِيّ كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (فعكس المُرَاد) لِأَن الْعلَّة: وَهِي الْجُنُون الْعَارِض للْوَلِيّ مقدم على الحكم الَّذِي هُوَ سَبَب ولَايَته. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ غَايَة مَا أدّى إِلَيْهِ نظر الناظرين: أَي فِي تَوْجِيه كَلَامه أَنه من وضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر، وَالْمعْنَى سلب الْولَايَة عَن الصَّغِير بالجنون الْعَارِض لَهُ انْتهى. كَأَنَّهُمْ أَرَادوا بالصغير فِي قَوْله عَن الصَّغِير الْوَلِيّ الصَّغِير فَإِن سلب الْولَايَة حَاصِل

بِسَبَب مقدم: وَهُوَ الصغر وَالْجُنُون الْعَارِض مُتَأَخّر عَن السَّبَب الْمَذْكُور وَإِلَّا لَا يتم توجيههم (وَأما مَنعه) أَي منع تَأَخّر وصف الْعلَّة عَن الحكم (إِذا قدر) الْوَصْف الْمَذْكُور (أَمارَة) مُجَرّدَة عَن الباعثية (لِأَنَّهُ تَعْرِيف الْمُعَرّف) تَعْلِيل للْمَنْع: يَعْنِي أَن الأمارة إِنَّمَا تكون معرفَة لما هُوَ أَمارَة لَهُ فَإِذا فرض ثُبُوت الحكم قبله لزم مَعْرفَته أَيْضا قبله فَيلْزم تَعْرِيف الْمُعَرّف (فَلَا) جَوَاب أما: أَي فَلَا يَصح (لِاجْتِمَاع الأمارات) أَي لجَوَاز أَن يجْتَمع لشَيْء وَاحِد أَمَارَات لكَونهَا بِمَنْزِلَة الدَّلِيل وتعدد الْأَدِلَّة أَكثر من أَن تحصى (وَلَيْسَ تعاقبها) أَي الأمارات (مَانِعا) عَن كَون الثَّانِي أَمارَة ومعرفا لِئَلَّا يلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل، لِأَن الثَّانِي يعرفهُ بِوَجْه آخر (و) من شُرُوط الْعلَّة (أَن لَا يعود) التَّعْلِيل بهَا (على أَصله بالإبطال) أَي لَا يلْزم مِنْهُ بطلَان الحكم الْمُعَلل بهَا لِأَن ذَلِك الحكم أَصله، إِذْ التَّعْلِيل فرع الثُّبُوت وَبطلَان الأَصْل يسْتَلْزم بطلَان الْفَرْع فصحبته تَسْتَلْزِم بُطْلَانه، فَلَو صَحَّ لصَحَّ وَبَطل فيجتمع النقيضان، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَتبْطل هِيَ: مِثَاله) الْوَاقِع (للشَّافِعِيَّة تَعْلِيل الْحَنَفِيَّة) الحكم الْمُسْتَفَاد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء) وَهُوَ (يعم مَا لَا يُكَال قلَّة) أَي لَا يُكَال عَادَة لقلته (بِالْكَيْلِ) مُتَعَلق بتعليل الْحَنَفِيَّة (فَخرج) مَا لَا يُكَال من دَائِرَة عُمُومه بِسَبَب اعْتِبَار هَذِه الْعلَّة لِأَن عِلّة حكم النَّهْي لَا بُد أَن تتَحَقَّق فِي كل مَا يتَحَقَّق فِيهِ فموجب عمومها يبطل عُمُوم مُوجب الأَصْل بِحَسب مَنْطُوق النَّص (و) تَعْلِيلهم فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي أَرْبَعِينَ شَاة شَاة بسد خلة الْمُحْتَاج) أَي حَاجته (فَانْتفى وُجُوبهَا) أَي وجوب عين الشَّاة منتقلا عَن خصوصيتها (إِلَى التَّخْيِير بَينهَا وَبَين قيمتهَا، وَتقدم دَفعه) أَي دفع لُزُوم إبِْطَال تَعْلِيلهم بسد الْخلَّة حكم الأَصْل (فِي التأويلات) بِالْمَعْنَى وَالنَّص فَارْجِع إِلَيْهِ (و) تقدم دفع (الأول) وَهُوَ لُزُوم إبِْطَال تَعْلِيلهم بِالْكَيْلِ حكم أَصله (فِي) بحث (الِاسْتِثْنَاء، ثمَّ المُرَاد عدم الْكَيْل) فِي تَعْلِيلهم لجَوَاز بيع مَا لَا يدْخل تَحت الْكَيْل مُتَفَاضلا، فَإِن هَذَا الْجَوَاز بِسَبَب عدم تحقق الْكَيْل الَّذِي هُوَ سَبَب منع التَّفَاضُل يعرف كَونه مرَادا (بِأَدْنَى تَأمل) وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْمُتَبَادر من قَوْله ثمَّ المُرَاد إِلَى آخِره بَيَان المُرَاد بِالتَّعْلِيلِ الْمُسْتَفَاد بقوله تَعْلِيل الْحَنَفِيَّة إِلَى قَوْله بِالْكَيْلِ وَهُوَ غير صَحِيح لِأَن الْعلَّة فِي ذَلِك التَّعْلِيل لَا الْكَيْل على مَا بَيناهُ لكنه لما لم يظْهر إبِْطَال ذَلِك التَّعْلِيل حكم بِالْأَصْلِ إِلَّا فِي مسئلة جَوَاز بيع مَا لَا يُكَال إِلَّا مثلا بِمثل مُتَفَاضلا وَيحْتَاج هَذَا الْجَوَاز إِلَى عِلّة تبين مُرَادهم فِي هَذَا التَّعْلِيل فَإِن قلت الْعلَّة فِي التَّعْلِيل الأول الْقدر وَالْجِنْس لَا الْكَيْل فَقَط قلت مُرَاده من الْكَيْل الْقدر وَإِنَّمَا اكْتفى بِذكرِهِ لِأَن مدَار الْإِبْطَال عَلَيْهِ (و) مِثَاله (للحنفية تَعْلِيل) حكم (نَص السّلم) يَعْنِي تَعْلِيل الشَّافِعِيَّة إِيَّاه (يخرج إِحْضَار السّلْعَة) مجْلِس البيع فَإِنَّهُ قد يكون لَهَا مُؤنَة وَثقل (الْمُبْطل) صفة لتعليل

بِمَا ذكر (لأجل مَعْلُوم) وَقد دلّ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من أسلم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم " على اشْتِرَاطه فِي السّلم، وَأما الْإِبْطَال فَلِأَن منَاط جَوَاز السّلم إِذا كَانَ خرج إحضارها، فَفِي كل مَبِيع تحقق الْخُرُوج الْمَذْكُور تحقق الْجَوَاز وَإِن كَانَ على سَبِيل الْحُلُول من غير أجل (وَأما الِافْتِتَاح) أَي جَوَاز افْتِتَاح الصَّلَاة (بِنَحْوِ الله أعظم) أَو أجل كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى (فبالنص) أَي فثبوته بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى - {وَرَبك فَكبر} -: لَا بِالْقِيَاسِ حَتَّى يرد عَلَيْهِ أَنه يبطل مُوجب النَّص (إِذْ التَّكْبِير) الْمَأْمُور بِهِ فِي الِافْتِتَاح إِنَّمَا هُوَ (التَّعْظِيم) وَهُوَ ذكر يدل على عَظمته سُبْحَانَهُ، فَيعم الله أعظم وَنَحْوه (وَتقدم). قَالَ الشَّارِح سَهْو، فَإِنَّهُ لم يتَقَدَّم وَإِنِّي لم أحط بِالنَّفْيِ، وَيجوز تَقْدِيم تَفْسِير التَّكْبِير صَرِيحًا أَو ضمنا. (وَمِنْهَا) أَي شُرُوط الْعلَّة (أَن لَا تخَالف نصا) بِأَن تفِيد فِي الْفَرْع حكما يُخَالف نصا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مِثَاله بقوله (تقدم اشْتِرَاط التَّمْلِيك فِي طَعَام الْكَفَّارَة) الْمُسْتَفَاد من قَوْله تَعَالَى - {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} - (كالكسوة) أَي كاشتراطه فِي الْكسْوَة الْمُسْتَفَاد من قَوْله تَعَالَى - {وكسوتهم} - فَإِنَّهُ لَا يُقَال كَسَاه إِلَّا إِذا ملكه، بِخِلَاف أطْعمهُ فَإِنَّهُ يُقَال إِذا أَبَاحَ، وَإِثْبَات الِاشْتِرَاط فِي الْفَرْع الَّذِي بنوا عَلَيْهِ الْإِطْعَام قِيَاسا على الْكسْوَة كَمَا سيشير إِلَيْهِ مُخَالف لعُمُوم كَيَوْم (7) الْإِطْعَام نَقله كَونهمَا كَفَّارَة (و) تقدم (شَرط الْإِيمَان) فِي الرَّقَبَة المحررة كَفَّارَة (فِي الْيَمين) مُتَعَلق بالاشتراط وَالشّرط على سَبِيل التَّنَازُع (كَالْقَتْلِ) أَي قِيَاسا على اشْتِرَاطه فِي الرَّقَبَة المحررة كَفَّارَة فِي الْقَتْل (يبطل) الِاشْتِرَاط وَالشّرط وَفِي بعض النّسخ يبطلان (إِطْلَاق نَص الْإِطْعَام) كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ (و) إِطْلَاق نَص (الرَّقَبَة) فِي قَوْله تَعَالَى - {أَو تَحْرِير رَقَبَة} - فَإِنَّهَا تعم الرَّقَبَة المؤمنة والكافرة (أَو إِجْمَاعًا) مَعْطُوف على قَوْله نصا، فَالْمَعْنى لَا يُخَالف شَيْئا مِنْهُمَا، ومثاله (مَا مر من مَعْلُوم الإلغاء) أَي التَّعْلِيل الَّذِي علم إلغاؤه وَعدم اعْتِبَاره إِجْمَاعًا، فَلَا تقاس صَلَاة الْمُسَافِر على صَوْمه فِي عدم وجوب الْأَدَاء فِي السّفر بِجَامِع السّفر، لِأَن الْإِجْمَاع على وجوب أَدَائِهَا فِيهِ (و) من شُرُوط الْعلَّة (أَن لَا تكون) الْعلَّة (المستنبطة) مُعَارضَة (بمعارض) مَوْجُود (فِي الأَصْل: أَي وصف) فِيهِ (يَصح) للعلية حَال كَونه (غير ثَابت فِي الْفَرْع) وَهَذَا الِاشْتِرَاط مَبْنِيّ (على عدم تعدد) الْعلَّة (المستقلة) بمعارض مَوْجُود فِي الأَصْل: أَي وصف فِيهِ يَصح للعلية، لِأَنَّهُ لَو جَازَ تعددها وَثَبت بَعْضهَا فِي الْفَرْع لم يضر عدم ثُبُوت الْبَعْض الآخر فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا) يشْتَرط عدم الْمعَارض الْمَذْكُور (مَعَ جَوَازه) أَي تعددها، بل يجوز وجود الْمعَارض الْمَذْكُور مَعَه (إِلَّا مَعَ عدم تَرْجِيحه) أَي التَّعَدُّد (على التَّرْكِيب فِيهِ) أَي فِي الأَصْل الَّذِي هُوَ مَحل اجتماعها بِأَن تكون تِلْكَ الْأَوْصَاف بِحَيْثُ تصلح للعلية، مُنْفَرِدَة ومجتمعة، وَلم يتَرَجَّح الِاحْتِمَال الأول على الثَّانِي،

فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يجوز وجوده، لِأَنَّهُ يلْزم على احْتِمَال التَّرْكِيب عدم وجود الْعلَّة فِي الْفَرْع، يرد عَلَيْهِ أَنه على تَقْدِير الْبناء على عدم جَوَاز التَّعَدُّد لَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك الْمعَارض مَوْجُودا فِي الْفَرْع، وَأَن لَا يكون مَوْجُودا فِيهِ فَلَا وَجه لتقييده بِعَدَمِ الثُّبُوت فِيهِ، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ على تَقْدِير ثُبُوته فِيهِ يُمكن أَن يَجْعَل الْمَجْمُوع عِلّة، وعَلى تَقْدِير عَدمه فِيهِ لَا يُمكن ذَلِك فَافْتَرقَا فَتَأمل (وَمَا قيل و) من شُرُوط الْعلَّة أَن (لَا) تكون المستنبطة مُعَارضَة بمعارض مَوْجُود (فِي الْفَرْع تقدم) ذكره فِي شُرُوط الْفَرْع. (و) من شُرُوطهَا (أَن لَا توجب) المستنبطة (زِيَادَة فِي حكم الأَصْل كتعليل) حُرْمَة بيع الطَّعَام بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا المستفادة من (حَدِيث الطَّعَام) أَي لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء (بِأَنَّهُ) أَي بَيْعه مُتَفَاضلا (رَبًّا) فِيمَا يُوزن كالنقدين (فَيلْزم التَّقَابُض) فِي الْمجْلس فِيهِ كَمَا فِي الأَصْل، وَهُوَ النقدان (وَلَيْسَ) لُزُوم التَّقَابُض مَذْكُورا (فِي نَص الأَصْل) الَّذِي استنبطت مِنْهُ الْعلَّة، وَهُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور، فَعلم أَن المُرَاد بِالْأَصْلِ هَهُنَا أصل الْعلَّة، لَا أصل الْفَرْع الْمَقِيس (وَقيل إِن كَانَت) الزِّيَادَة (مُنَافِيَة لَهُ) أَي لحكم الأَصْل اشْترط عدم إِيجَاب الْعلَّة لَهَا (وَهُوَ) أَي هَذَا التَّقْيِيد (الْوَجْه) أَي الْوَجْه المرضي، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم النّسخ بِالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ غير جَائِز (وَيرجع) مآل هَذِه الْعلَّة (إِلَى مَا يبطل أَصله، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن هَذَا التَّقْيِيد (لَا يُوجب) اشْتِرَاط عدم إِيجَاب الْعلَّة إِيَّاهَا (و) من شُرُوطهَا (أَن لَا يكون دليلها) أَي الدَّلِيل الدَّال على علية الْعلَّة بِعُمُومِهِ أَو بِخُصُوصِهِ (متناولا حكم الْفَرْع) لِأَنَّهُ يُمكن إِثْبَات حكم الْفَرْع بِالنَّصِّ من غير احْتِيَاج إِلَى الْقيَاس المستلزم ادِّعَاء اشْتِرَاك الأَصْل فِي الْفَرْع فِي الْعلَّة ووجودها فيهمَا فَإِنَّهُ تَطْوِيل من غير حَاجَة، وَقد يمْنَع تَأْثِير الْعلَّة أَو وجودهَا فيهمَا (وَالْوَجْه نَفْيه) أَي هَذَا الشَّرْط (لجَوَاز تعدد الْأَدِلَّة) فَلْيَكُن كل وَاحِد من الْقيَاس وَالدَّلِيل الْمَذْكُور دَلِيلا على الحكم، وَلما كَانَ هَذَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ للْحكم طَرِيقَانِ، فَكَانَ أَحدهمَا مُسْتقِلّا وَالْآخر متوقفا عَلَيْهِ تعين الأول ولغى الثَّانِي، فَيلْزم الرُّجُوع عَنهُ: أجَاب عَنهُ بقوله (وَلَا يسْتَلْزم) تنَاول الْمَدْلُول حكم الْفَرْع (الرُّجُوع عَن الْقيَاس، بل) يسْتَلْزم (الإفادة) للْحكم (بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ حَال كَونه (غير ملاحظ غَيره) أَي غير الْقيَاس (و) الإفادة (بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر الْقيَاس، وَهُوَ الدَّلِيل الْمَذْكُور فَإِن قلت: كَيفَ يفاد بِالْقِيَاسِ بِدُونِ مُلَاحظَة الْغَيْر ومدار الْقيَاس على دَلِيل علته قلت: إِثْبَات الْعلَّة مطلب آخر مُفَرع عَنهُ عِنْد إِثْبَات الحكم لَا يُلَاحظ (أما لَو تنوزع فِي دلَالَته) أَي دلَالَة الدَّلِيل الْمَذْكُور (على حكم الْفَرْع) من غير نزاع فِي دلَالَته على علية الْعلَّة بِأَن يكون النَّص مُخَصّصا

مثلا، فالمستدل: أَي الْمُعْتَرض لَا يرَاهُ حجَّة إِلَّا فِي أقل الْجمع، فَلَو أَرَادَ إدراج الْفَرْع فِيهِ تعسر فثبتت فِيهِ بِهِ الْعلية فِي الْجُمْلَة، ثمَّ يعمم بِهِ الحكم فِي جَمِيع موارد وجود الْعلَّة، كَذَا فِي الشَّرْح العضدي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فجوازه اتِّفَاق لِأَنَّهُ يثبت بِهِ الْعلية، ثمَّ يعمم بهَا). وَفِي الشَّرْح الْمَذْكُور، وَأَيْضًا فقد تكون دلَالَته على الْعلية أوضح من دلَالَته على الْعُمُوم كَمَا تَقول: حرمت الرِّبَا فِي الطَّعَام للطعم، فَإِن الْعلية فِي غَايَة الوضوح والعموم فِي الْمُفْرد الْمُعَرّف مَحل خلاف ظَاهر. ثمَّ لَا يخفى عَلَيْك أَن مُقْتَضى قَوْله لَا يرَاهُ حجَّة الخ، إِذْ لَا يحْتَج بِهِ للعلية أَيْضا إِلَّا أَن يُقَال المُرَاد نفي حجيته فِي حق الْأَفْرَاد الَّتِي تندرج تَحت عُمُومه، وَعليَّة الْعلَّة لَيست مِنْهَا، بل يثبت مِنْهُ بطرِيق الِاقْتِضَاء واللزوم إِلَى غير ذَلِك. (وَالْمُخْتَار جَوَاز كَونهَا) أَي الْعلَّة (حكما شَرْعِيًّا، مِثَاله للحنفية) مَا ورد عَن الخثعمية أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله: إِن فَرِيضَة الْحَج أدْركْت أبي وَهُوَ شيخ كَبِير لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة أفأحج عَنهُ؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين) فقضيته أما كَانَ ذَلِك يقبل مِنْك؟ قَالَت نعم: قَالَ فدين الله أَحَق (قَاس) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِجْزَاء الْحَج عَنهُ بإجزاء قَضَاء الدّين عَنهُ (بعلة كَونه) أَي الْمقْضِي (دينا، وَهُوَ) أَي الدّين (حكم شَرْعِي هُوَ) أَي ذَلِك الحكم الشَّرْعِيّ (لُزُوم أَمر فِي الذِّمَّة) فَإِن هَذَا اللُّزُوم اعْتِبَار من اعتبارات الشَّرْع مترتب على خطابه تَعَالَى الْمُتَعَلّق بأَدَاء الْحق. (و) أَيْضا مِثَاله (قَوْلهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي) عدم صِحَة بيع (الْمُدبر: مَمْلُوك تعلق عتقه بِمُطلق موت الْمولى) قيد الْإِطْلَاق احْتِرَاز عَن الْمُدبر الْمُقَيد كَأَن مت فِي هَذَا الْمَرَض فَأَنت حر (فَلَا يُبَاع كَأُمّ الْوَلَد) فَالْأَصْل أم الْوَلَد، وَالْفرع الْمُدبر، وَالْعلَّة كَونهمَا مملوكين تعلق عتقهما بِمُطلق موت الْمولى (وَقيل لَا) يجوز أَن تكون تِلْكَ الْعلَّة حكما شَرْعِيًّا (للُزُوم النَّقْض) أَي تخلف الْمَعْلُول عَمَّا فرض عِلّة (فِي التَّقَدُّم) أَي فِي صُورَة تقدمها بِالزَّمَانِ على الحكم (و) لُزُوم (ثُبُوت الحكم بِلَا باعث فِي) صُورَة (التَّأَخُّر) أَي تَأَخّر مَا فرض عِلّة عَن الْمَعْلُول (و) لُزُوم (التحكم فِي) صُورَة (الْمُقَارنَة) إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا حِينَئِذٍ أولى بالعلية من الآخر لكَون كل مِنْهُمَا حكما شَرْعِيًّا (وَمنع الْأَخير) أَي لُزُوم التحكم فِي الْمُقَارنَة (لتمييز الْمُنَاسبَة) الْمُعْتَبرَة فِي الْعلية بَينهمَا تمييزا يُفِيد تعين أَحدهمَا بالعلية دون الآخر (وَغَيرهَا) أَي غير الْمُنَاسبَة من الْأُمُور الدَّالَّة على الْعلية الْمَذْكُورَة فِي مسالك الْعلَّة (وَتقدم) فِي جَوَاب المانعين تعدد الْعلَّة (مَا) يُجَاب بِهِ (فِيمَا قبله) أَي مَا قبل الْأَخير وَهُوَ لُزُوم كَون الحكم بِلَا باعث والنقض فِي التَّقَدُّم من أَن تَأْثِير الْعِلَل الشَّرْعِيَّة لَيْسَ بِمَعْنى إفادتها الْوُجُود كالعقلية حَتَّى يمْتَنع فِيهَا التَّقَدُّم أَو التَّخَلُّف (ثمَّ اختير) اخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب (تعين كَونهَا) أَي كَون حكم الْعلَّة الَّتِي هِيَ الحكم الشَّرْعِيّ (لجلب مصلحَة)

يقتضيها حكم الأَصْل لكَونه مَشْرُوعا لحصولها (كبطلان بيع الْخمر) أَي كتعليل بُطْلَانه (بِالنَّجَاسَةِ) الَّتِي هِيَ حكم شَرْعِي لمناسبتها بُطْلَانه لكَونهَا تمنع عَن الملابسة، وَفِي شرع بطلَان بيعهَا بِسَبَب النَّجَاسَة جلب مصلحَة هِيَ تَكْمِيل الْمَقْصُود من الْبطلَان وَهُوَ عدم الِانْتِفَاع (لَا لدفع مفْسدَة) يقتضيها حكم الأَصْل (لِأَن) الحكم (الشَّرْعِيّ لَا يشْتَمل عَلَيْهَا) أَي على مفْسدَة مَطْلُوبَة الدّفع (وحقق) فِي الشَّرْح العضدي (جَوَازهَا) أَي جَوَاز كَون حكمهَا لدفع تِلْكَ الْمفْسدَة (لجَوَاز اشتماله) أَي الحكم الشَّرْعِيّ (على مصلحَة راجحة ومفسدة تدفع بِحكم آخر كوجوب حد الزِّنَا لحفظ النّسَب على الإِمَام ثقيل يُؤَدِّي إِلَى مفْسدَة إِتْلَاف النُّفُوس فعلل بِوُجُوب شَهَادَة الْأَرْبَع) قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ مَا مَعْنَاهُ أَن حد الزِّنَا حكم شَرْعِي مُشْتَمل على مصلحَة راجحة هِيَ حفظ النّسَب وَهُوَ حد ثقيل لكَونه دائرا بَين رجم كَمَا فِي الْمُحصن، وَبَين جلد وتغريب عَام كَمَا فِي غَيره، وَفِي كَثْرَة وُقُوعه مفْسدَة مَا: من إِتْلَاف النُّفُوس وإيلامها فشرع الْمُبَالغَة وَالِاحْتِيَاط فِي طَرِيق ثُبُوته: أَعنِي الشَّهَادَة دفعا للمفسدة القليلة، وَهَذَا معنى كَون ذَلِك عِلّة لَهُ باعثة عَلَيْهِ فوجوب الْحَد المفضي إِلَى كَثْرَة الْإِتْلَاف، والإيلام حكم شَرْعِي مُعَلل بِوُجُوب الْأَرْبَع دفعا للمفسدة الْكَثِيرَة لتبقى مصلحَة حفظ النّسَب خَالِصَة انْتهى. فَالْحَاصِل أَنه لَوْلَا هَذَا الدَّافِع للمفسدة الْمَذْكُورَة لما شرع وجوب الْحَد المفضي إِلَيْهَا فوجوب الْأَرْبَع مصحح لمشروعية الْحَد الْمَذْكُور باعث لَهُ. وَلَا يخفى أَن توقف صِحَة مَشْرُوعِيَّة الْحَد على وجوب الْأَرْبَع لَا يَسْتَدْعِي كَونه باعثا لَهَا وَالْكَلَام فِي الْعلَّة بِمَعْنى الْبَاعِث، وَالْحق أَن الاشتمال على الْمفْسدَة الْمَطْلُوب دَفعهَا بشرع الحكم إِنَّمَا هُوَ شَأْن الْعلَّة كالسكر وَالْقَتْل الْمُشْتَمل على الْبغضَاء والإضافات لعِلَّة وجوب الْحَد لاشْتِمَاله عَلَيْهَا، والدافع لَهَا وجوب الْأَرْبَع كَمَا يفِيدهُ أول كَلَام الْمُحَقق، لَا عَكسه كَمَا يفِيدهُ آخر كَلَامه، وَالْمُصَنّف وَافق الآخر حَيْثُ قَالَ فعلل بِوُجُوب شَهَادَة الْأَرْبَع بِهِ، فَكَأَنَّهُ وَقع سَهْو الْقَلَم بَينهمَا، وَالصَّوَاب مُعَلل بِهِ وجوب الْأَرْبَع، وَعلل بِهِ وجوب شَهَادَة الْأَرْبَع وَالله تَعَالَى أعلم (وَالْمُخْتَار) كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور (جَوَاز كَونهَا) أَي الْعلَّة (مَجْمُوع صِفَات، وَهِي) أَي الْعلَّة الَّتِي يُقَال لَهَا (المركبة إِذْ لَا مَانع مِنْهُ) أَي من جَوَازه (فِي الْعقل وَوَقع) كَونهَا لذَلِك مَعْطُوف على قَوْله لَا مَانع فَهُوَ دَلِيل آخر على الْجَوَاز يفِيدهُ على الْوَجْه الآكد (كَالْقَتْلِ الْعمد الْعدوان) الْمركب من الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة لحكم الْقصاص. (وَقَوْلهمْ) أَي الشارطين فِي الْعلَّة كَونهَا وَصفا وَاحِدًا المانعين تركبها (لَو كَانَ) أَي لَو تحقق كَونهَا مَجْمُوع صِفَات (والعلية صفة زَائِدَة) أَي وَالْحَال أَنَّهَا صفة زَائِدَة على ذَات الْعلَّة الَّتِي هِيَ مَجْمُوع الصِّفَات (فقيامها) أَي الْعلَّة (إِن) كَانَ (بِجُزْء) وَاحِد مِنْهَا (أَو بِكُل جُزْء) مِنْهَا على حِدة (فَهُوَ) أَي الْجُزْء الْوَاحِد على الأول أَو كل جُزْء على الثَّانِي (الْعلَّة) والمفروض

خِلَافه، وَهُوَ أَنَّهَا الْمَجْمُوع لَا الْوَاحِد بِعَيْنِه أَو لَا بِعَيْنِه وَلَا كل وحد (أَو بالمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع) وَهَذَا هُوَ الشق الثَّالِث للترديد وَالِاحْتِمَال منحصر فِيهَا (فَلَا بُد من جِهَة وحدة) بهَا يكون الْمَجْمُوع شَيْئا وَاحِدًا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن لَهُ جِهَة وحدة (لم تقم) الْعلية (بِهِ) أَي بالمجموع من حَيْثُ هُوَ لعدم أَمر آخر سوى الْأَوْصَاف المتعددة، فالعلية إِمَّا قَائِمَة بِبَعْض مِنْهَا أَو بِكُل وَاحِد على مَا مر (وَيعود مَعهَا) أَو مَعَ جِهَة الْوحدَة للمجموع (الْكَلَام) فِي جِهَة الْوحدَة (بقيامها) أَي بِاعْتِبَار قيام تِلْكَ الْوحدَة بِأَن يُقَال بِمَ تقوم؟ إِذْ لَا بُد لَهَا من مَحل فَهِيَ (إِمَّا) قَائِمَة (بِكُل إِلَى آخِره) أَي بِكُل جُزْء أَو بِجُزْء وَاحِد، وكل وَاحِد مِنْهُمَا خلاف الْمَفْرُوض فَهِيَ قَائِمَة بالمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع فَلَا بُد لَهُ من جِهَة وحدة أُخْرَى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فتتحقق وحدة أُخْرَى ويتسلسل قُلْنَا) قَوْلهم الْمَذْكُور فِي إبِْطَال تركب الْعلَّة (تشكيك فِي) جَوَاز أَمر (ضَرُورِيّ) أَي بديهي جَوَازه بل وُقُوعه، وَذَلِكَ لِأَن خُلَاصَة دَلِيله جَارِيَة فِي كل وصف قَائِم بِمَجْمُوع أُمُور مُتعَدِّدَة، ووقوعه أظهر من أَن يخفى، وَأكْثر من أَن يُحْصى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (للْقطع بِنَحْوِ خبرية الْكَلَام) من كَونه استفهاما أَو تَعَجبا إِلَى غير ذَلِك (وَهُوَ) أَي الْكَلَام (مُتَعَدد) لِأَنَّهُ مركب من الْحُرُوف المتعددة، والخبرية وَنَحْوهَا صفة زَائِدَة عَلَيْهِ فَإِن قَامَت بِكُل حرف كَانَ كل حرف كلَاما أَو بِحرف وَاحِد إِلَى آخر مَا تقدم (وَإِنَّمَا هِيَ) أَي هَذِه الشُّبْهَة لمانعي تركيب الْعلَّة بقوله (مغلطة يطردها) أَي يوردها على سَبِيل الاطراد الإِمَام (الرَّازِيّ للشَّافِعِيّ) أَي لإِثْبَات مذْهبه (فِي نفي التَّرْكِيب) فِي كثير من الْمَوَاضِع، ثمَّ الحكم أَن النَّقْض الْمَذْكُور دلّ على بطلَان دليلهم إِجْمَالا (والحل) أَي حل شبهتهم تَفْصِيلًا بِتَعْيِين مَحل الْخلَل فِي دليلهم (أَنَّهَا) أَي الْعلية قَائِمَة (بالمجموع بِاعْتِبَار جِهَة وحدته الْمعينَة هَيئته) عطف بَيَان لجِهَة وحدته: يَعْنِي هَيئته الْحَاصِلَة بالتركيب الْقَائِمَة بِذَات الْمَجْمُوع من غير اعْتِبَار جِهَة وحدة أُخْرَى قبلهَا: يَعْنِي قيام الْعلية بِهِ بِاعْتِبَار قِيَامهَا بِذَات الْمَجْمُوع الْمُغَايرَة لكل جُزْء من حَيْثُ اتصافها بالوحدة الاعتبارية الْحَاصِلَة بالتركيب، لَا من حَيْثُ تعددها بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء وَإِذا قُلْنَا الْعلية قَائِمَة بالمجموع تعين مَحل قِيَامهَا (فَلَا يتَصَوَّر) بعد ذَلِك (الترديد) فِي مَحل الْقيام بِأَن كل جُزْء أَو جُزْء وَاحِد إِلَى غير ذَلِك. (ثَانِيًا) بعد الترديد الأول فَلَا يتَصَوَّر (وَلَا وحدة أُخْرَى مَعَ أَنَّهَا) أَي الْعلية كالوحدة صفة (اعتبارية) فالوحدة تَنْقَطِع بِانْقِطَاع اعْتِبَار الْعقل فَلَا تسلسل ثمَّ بَين حَقِيقَة الْعلية بقوله (كَون الشَّارِع قضى بالحكم عِنْدهَا) أَي الْعلَّة فِيهِ مُسَامَحَة، وَالْمرَاد كَونهَا بِحَيْثُ قضى الشَّارِع بالحكم عِنْدهَا فِيهِ لما سَيَجِيءُ (والمستدعي) الَّذِي يَسْتَدْعِي (محلا) مَوْجُودا يقوم بِهِ إِنَّمَا هُوَ الصّفة (الْحَقِيقِيَّة) الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْعلية

مسئلة

اعتبارية (بطلت علية) الْوَصْف (الْوَاحِد) أَيْضا (بِلُزُوم قيام الْعرض بِالْعرضِ) فَإِن الْعلَّة أَيْضا عرض، وَإِذا كَانَت الْعلية صفة حَقِيقِيَّة كَانَت عرضا فَلَزِمَ قيام الْعرض بِالْعرضِ (وَجعلهَا) أَي الْعلية (صفة لَهُ) أَي للشارع (تَعَالَى بِاعْتِبَار جعله) أَي الشَّارِع ذَلِك الْوَصْف عِلّة (يضعف) خبر لجعلها (بِأَنَّهَا) أَي الْعلية (كَون الْوَصْف كَذَلِك) مجعولا علته (لَا) أَن الْعلية (جعله) أَي عين جعل الشَّارِع ذَلِك عِلّة. (وَقَوْلهمْ) أَي مانعي كَونهَا مَجْمُوع الْأَوْصَاف (نفي كل جُزْء عِلّة انتفائها) أَي لَو كَانَت الْعلَّة أوصافا مُتعَدِّدَة لَكَانَ عدم كل جُزْء عِلّة لانْتِفَاء صفة الْعلية لِأَن تحققها مَوْقُوف على تحقق جَمِيع الْأَوْصَاف فَيلْزم انتفاؤها، لَا انْتِفَاء كل وصف (وَيلْزم النَّقْض) من جملَة مقول القَوْل أَن مُقْتَضى ترك الْعلَّة علية نفي كل جُزْء لانتفائها وَيلْزم النَّقْض لهَذِهِ الْعلية (بِانْتِفَاء جُزْء آخر) من أَجزَاء الْعلَّة (بعد انْتِفَاء جُزْء أول) مِنْهَا لِأَن بِانْتِفَاء الآخر لَا يتَحَقَّق انْتِفَاء الْعلَّة (لِاسْتِحَالَة إعدام الْمَعْدُوم) وَأَنَّهَا قد عدمت بِانْتِفَاء الْجُزْء الأول مِنْهَا فَانْتقضَ الْكُلية الْمَذْكُورَة: أَعنِي أَن انْتِفَاء كل جُزْء مِنْهَا عِلّة لانتفائها لتخلفها فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة وَلزِمَ تخلف الْمَعْلُول من علته (إِنَّمَا يَجِيء فِي) الْعِلَل (الْعَقْلِيَّة، لَا) الْعِلَل (الْمَوْضُوعَة) من الشَّارِع (عَلامَة عِنْد اشتمالها) ظرف للوضع إِشَارَة إِلَى منشئة ومناسبتها إِلَى مَا جعلت عَلامَة لَهُ أَعنِي الحكم الْمُعَلل بهَا (على الْمصلحَة) مُتَعَلق باشتمالها (على الانتفاء) مُتَعَلق بعلامة وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا الْمُتَعَلّق يدل على أَن المُرَاد بالموضوعة انتفاءات الْأَجْزَاء لِلْعِلَّةِ المركبة، وَقَوله عِنْد اشتمالها على الْمصلحَة يُفِيد أَن المُرَاد بهَا نفس الْعِلَل الشَّرْعِيَّة لِأَنَّهَا الْمُشْتَملَة على الْمصلحَة لَا الانتفاءات الْمَذْكُورَة، فبينهما تدافع، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يلْتَزم أَن الانتفاءات الْأَجْزَاء على تَقْدِير علتها لانْتِفَاء الْعلَّة المركبة علل شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْمصلحَة، وَأَن معلولها وَهُوَ الانتفاء الْمَذْكُور حكم شَرْعِي، وَفِيه مَا فِيهِ، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن المُرَاد بهَا الانتفاءات الْمَوْضُوعَة عَلامَة على الانتفاء غير أَن وَضعهَا لذَلِك عِنْد اشْتِمَال تِلْكَ الْعلية المركبة على الْمصلحَة فَتَأمل (إِذْ حَاصله) أَي حَاصِل كَون انْتِفَاء كل جُزْء عِلّة لانْتِفَاء الْكل وَوُقُوع تِلْكَ الانتفاءات مجتمعة أَو متعاقبة (تعدد أَمَارَات) على الْعَدَم، وَلَا مَحْذُور فِيهِ. مسئلة (لَا يشْتَرط فِي تَعْلِيل انْتِفَاء حكم بِوُجُود مَانع) من ثُبُوته كَعَدم وجوب الْقصاص للِابْن على الْأَب لمَانع الْأُبُوَّة (أَو) بِسَبَب (انْتِفَاء شَرط) لَهُ كَعَدم وجوب رجم الزَّانِي لانْتِفَاء احصانه الَّذِي هُوَ شَرط وجوب رجمه (وجود مقتضيه) أَي وجود مُقْتَضى ذَلِك الحكم كَمَا هُوَ مُخْتَار

المرصد الثالث

ابْن الْحَاجِب والرازي وَأَتْبَاعه (خلافًا للْبَعْض) كالآمدي وَغَيره وَعَزاهُ السُّبْكِيّ إِلَى الْجُمْهُور (لِأَن كلا مِنْهُمَا) أَي وجود الْمَانِع وَانْتِفَاء الشَّرْط (وَعدم الْمُقْتَضى) باستقلاله (عِلّة عَدمه) أَي الحكم (فَجَاز إِسْنَاده) أَي إِسْنَاد عدم الحكم (إِلَى كل) من الثَّلَاثَة، أما استناد عَدمه إِلَى وجود الْمَانِع عِنْد وجود الْمُقْتَضى فَظَاهر، وَأما عِنْد عَدمه فَمَا أَفَادَهُ بقوله (بِمَعْنى لَو كَانَ لَهُ) أَي للْحكم (مقنض مَنعه) أَي الْمَانِع الحكم، وَأما استناده إِلَى انْتِفَاء الشَّرْط فَلَا يخْتَلف فِيهِ الْحَال بِاعْتِبَار وجود الْمُقْتَضى وَعَدَمه كَمَا لَا يخفى (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْمَانِع الَّذِي أسْند عدم الحكم إِلَيْهِ عِنْد عدم الْمُقْتَضى بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (فحقيقة المانعية) لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِالْمَنْعِ (بِالْفِعْلِ وَهُوَ) أَي الْمَنْع بِالْفِعْلِ (فرع) وجود (الْمُقْتَضى) لِأَنَّهُ إِذا لم يتَحَقَّق مَا يقتضى وجود الشَّيْء لَا يكون ذَلِك الشَّيْء فِي معرض البروز من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل حَتَّى يتَصَوَّر هُنَاكَ منع عَن البروز والوجود، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَإِذا لم يُوجد) الحكم (لعدم وجوده) أَي الْمُقْتَضى (فَيمْنَع) الْمَانِع (مَاذَا) أَي فَإِن قُلْنَا بمانعيته عِنْد ذَلِك يُقَال يمْنَع أَي شَيْء؟ وَالْحكم لَيْسَ بصدد الْوُجُود (وَاذْكُر مَا تقدم فِي فك الدّور) وَدفعه (لَهُم) أَي للقائل بِجَوَاز نقض الْعلَّة (فِي مسئلة النَّقْض) لَهَا من بَيَان الْفرق بَين المانعية بِالْفِعْلِ والمانعية بِالْقُوَّةِ، وتفصيل ذكر هُنَاكَ فَارْجِع إِلَيْهِ، وَفِي الْمَحْصُول انْتِفَاء الحكم لانْتِفَاء الْمُقْتَضى أظهر فِي الْعقل من انتفائه بِحُضُور الْمَانِع وَهَذَا يُفِيد أَن إِسْنَاد عدم الحكم إِلَى الْمَانِع فِي صُورَة عدم الْمُقْتَضى بِمَا يجوزه الْعقل أَيْضا فَافْهَم وفقك الله تَعَالَى للتوفيق بَين أَقْوَال الْمَشَايِخ. المرصد الثَّالِث فِي معرفَة الطّرق الموصلة إِلَى الظَّن بعلية الْعلَّة فَإِنَّهُ نَظَرِي، وَبَيَان المسالك الصَّحِيحَة، وَمَا يتَوَهَّم صِحَّته (طرق إِثْبَاتهَا) أَي إِثْبَات علية الْوَصْف الْمعِين للْحكم. وَقَوله طرق إِثْبَاتهَا خبر لقَوْله المرصد الثَّالِث (مسالك الْعلَّة) جمع مَسْلَك، وَهُوَ الطَّرِيق الَّذِي يسلكه الْمُجْتَهد فِي إِثْبَات الْعلية: وَهِي إِمَّا (متفقة) بَين الْفَرِيقَيْنِ على صِحَّتهَا، وَإِمَّا مُخْتَلف فِيهَا، وَلم يذكر هَذَا صَرِيحًا اكْتِفَاء بِبَيَان الْخلاف فِي كل قسم مِنْهُ (تقدم مِنْهَا) أَي من المتفقة (الْمُنَاسبَة) المعبرة (على الاصطلاحين) للشَّافِعِيَّة بِأَنَّهَا عِنْدهم التَّأْثِير على اخْتِلَاف فِي تَعْبِيره، فعندهم كَون الْوَصْف ثَبت اعْتِبَار عينه فِي عين الحكم بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو اعْتِبَار جنسه إِلَى آخر الْأَقْسَام، وَعند الشَّافِعِيَّة الأول فَقَط، فَكل من الْفَرِيقَيْنِ يَقُول بِصِحَّتِهَا على تَعْبِير الْحَنَفِيَّة، وَأما على تَعْبِير الشَّافِعِيَّة فَفِيهَا خلاف كَمَا صرح بقوله (وَالْخلاف فِي الإخالة) بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي كَونهَا طَرِيقا مثبتا لاعْتِبَار الشَّرْع الْوَصْف عِلّة للْحكم

(و) المسلك (الثَّانِي) من المتفقة (الْإِجْمَاع) على كَون الْوَصْف عِلّة (فَلَا يخْتَلف) فِي هذَيْن المسلكين (فِي الْفَرْع إِلَّا أَن كَانَ ثُبُوتهَا) أَي الْمُنَاسبَة (أَو طَرِيقه) أَي طَرِيق نقل الْإِجْمَاع (ظنيا) كَالثَّابِتِ بالآحاد (أَو ذَاته) أَي الْإِجْمَاع ظنيا (كالسكوتي) أَي كالإجماع السكوتي وَقد مر تَفْسِيره فِي مبَاحث الْإِجْمَاع بِنَاء (على الْخلاف) الْوَاقِع فِي أَنه ظَنِّي أَو قَطْعِيّ مُطلقًا أَو إِذا كثر وتكرر فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى كَمَا مر (أَو يدعى فِيهِ) أَي فِي الْفَرْع (معَارض) بإقامتها الدَّلِيل على اخْتِصَاص عليته بِالْأَصْلِ، أَو يكون الْخصم مِمَّن يجوز تَخْصِيص الْعلَّة بِبَعْض الْمحَال ويدعى تخصيصها بِمَا سوى الْفَرْع لمَانع فِيهِ والخصم يمْنَع وجود الْمَانِع. ثمَّ مثل مَا هُوَ عِلّة بِالْإِجْمَاع بقوله (كالصغر فِي ولَايَة المَال) فَإِنَّهُ عِلّة لَهَا بِالْإِجْمَاع ثمَّ يُقَاس عَلَيْهَا ولَايَة النِّكَاح. قَالَ الشَّارِح: وَلَا خَفَاء فِي أَنه من علل الْولَايَة فِي النِّكَاح بِلَا خلاف انْتهى قُلْنَا مَقْصُود المُصَنّف مُجَرّد التَّمْثِيل لما هُوَ عِلّة بِالْإِجْمَاع. (و) المسلك (الثَّالِث النَّص) وَهُوَ (صَرِيح) من الْكتاب وَالسّنة يدل على الْعلية (للوضع) أَي لأجل كَونه مَوْضُوعا للعلية وَلَا يلْزمه لُزُوما بَينا أَو مُحْتَاجا إِلَى النّظر وَهُوَ (مَرَاتِب كعلة) كَذَا أَو بِسَبَب كَذَا (أَو لأجل كَذَا) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِنَّمَا جعل الاسْتِئْذَان لأجل الْبَصَر، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّمَا جعل الاسْتِئْذَان من أجل النّظر " (أَو كي) مُجَرّدَة عَن حرف النَّفْي كَقَوْلِه تَعَالَى - {كي تقر عينهَا} - أَو بهَا - {كَيْلا يكون دولة} - (أَو إِذن) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِذن تَكْفِي همك وَيغْفر لَك ذَنْبك " بعد قَول الصَّحَابِيّ أجعَل لَك صَلَاتي كلهَا (ودونه) أَي دون هَذَا الْقسم فِي قُوَّة الدّلَالَة (مَا) يكون (بِحرف ظَاهر فِيهِ) أَي فِي التَّعْلِيل مَعَ كَونه مُحْتملا لغيره احْتِمَالا مرجوحا (كلكذا) نَحْو قَوْله - {لتخرج النَّاس من الظُّلُمَات} - (أَو بِهِ) أَي بِكَذَا - {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} - (أَو أَن) حَال كَونهَا (شرطا أَو) أَن (الناصبة) - {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحا أَن كُنْتُم قوما مسرفين} - بِكَسْر الْهمزَة فِي قِرَاءَة نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ، وَبِفَتْحِهَا فِي قِرَاءَة البَاقِينَ (أَو) أَن (الْمَكْسُورَة الْمُشَدّدَة بعد جملَة والمفتوحة) نَحْو، ان عَذَاب رَبك بالكفار مُلْحق وان الْحَمد وَالنعْمَة لَك، فَإِن فِي أَن فيهمَا الْوَجْهَيْنِ إِذْ هَذِه الْحُرُوف قد تَجِيء لغير الْعلية فَاللَّام للعاقبة، وَالْبَاء للحاجية، وَأَن لمُجَرّد اللُّزُوم من غير سَبَبِيَّة، وَأَن لمُجَرّد نصب الْمُضَارع، وأنّ وأنّ لمُجَرّد التَّأْكِيد، وَأنكر السُّبْكِيّ كَون أَن بِالْكَسْرِ للتَّعْلِيل: قَالَ وَإِنَّمَا ترد للشّرط وَالنَّفْي وَالزِّيَادَة، وَأَن فهم التَّعْلِيل فِي الشّرطِيَّة فَهُوَ من تَعْلِيل الحكم على الْوَصْف (ودونه) أَي هَذَا الْقسم (الْفَاء فِي الْوَصْف) الصَّالح لعلية الحكم الْمُتَقَدّم على الْوَصْف كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَتْلَى أحد: زملوهم بكلومهم وَدِمَائِهِمْ (فَإِنَّهُم يحشرون) يَوْم الْقِيَامَة وأوداجهم تشخب دَمًا (أَو) فِي (الحكم) الْوَاقِع بعد مَا صلح لعلية كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَالسَّارِق والسارقة} -

(فَاقْطَعُوا) أَيْدِيهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا دون مَا قبله (لِأَنَّهَا) أَي الْفَاء بِحَسب الْوَضع (للتعقيب) وَالتَّرْتِيب (والباعث مقدم عقلا) على الحكم (مُتَأَخّر خَارِجا) عَنهُ تَارَة فِي الْجُمْلَة، فسوغ مُلَاحظَة الْأَمريْنِ دُخُول الْفَاء على كل مِنْهُمَا، فالعلية إِنَّمَا تفهم بِالنّظرِ وَالِاسْتِدْلَال، فَإِذا دخلت على الحكم الْوَاقِع بعد الْوَصْف الصَّالح للعلية ظهر بِالتَّأَمُّلِ أَن ترتبه على الْوَصْف بِاعْتِبَار باعثية الْوَصْف وتقدمه العقلى عَلَيْهِ، وفيا لعكس ظهر بِالتَّأَمُّلِ أَن تَأَخّر الْوَصْف بِاعْتِبَار تَأَخره الْخَارِجِي فالعلية بِحَسب الذِّهْن، وَالْخَارِج إِنَّمَا يفهم بطرِيق الِاسْتِدْلَال لَا بِوَضْع الْفَاء لَهَا، وَإِلَى مَا قُلْنَا أَشَارَ بقوله (فلوحظا) أَي التَّقَدُّم الْعقلِيّ والتأخر الْخَارِجِي (فِيهَا) أَي فِي الْفَاء عِنْد دُخُولهَا على الْعلَّة وَالْحكم (واذن) أَي وَإِذ كَانَ فهم الْعلية بملاحظة التَّقَدُّم والتأخر الْمَذْكُورين والتأمل فِي معنى الْكَلَام (فَلَا دلَالَة لَهَا) أَي للفاء وضعا (على علية مَا بعْدهَا) لما قبلهَا (أَو) على (حكميته) أَي على كَون مَا بعْدهَا حكما شرع لعلية مَا قبلهَا (بل) إِنَّمَا تدل على أَحدهمَا (بِخَارِج) عَمَّا وضع لَهُ الْفَاء، وَهُوَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (ودونه) أَي هَذَا الْقسم (ذَلِك) أَي دُخُول الْفَاء على الحكم (فِي لفظ الرَّاوِي سَهَا فَسجدَ). عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلّى بهم فَسَهَا فِي صلَاته فَسجدَ سَجْدَتي السَّهْو (وزنى مَاعِز فرجم) دلَالَته على الْعلية بِاعْتِبَار تَرْتِيب الحكم على الْوَصْف الْمُسْتَفَاد من وضع الْفَاء، فَكَانَ هَذَا دون مَا قبله (لاحْتِمَال الْغَلَط) من الرَّاوِي فِي فهم السَّبَبِيَّة (وَلَا ينفى) احْتِمَال الْغَلَط (الظُّهُور) لعدم الْغَلَط الْمُفِيد للظن لكَون الِاحْتِمَال مرجوحا (وَقيل هَذَا) إِيمَاء وَلَيْسَ بِصَرِيح، وَالْقَائِل الْآمِدِيّ والبيضاوي (كَمَا قيل فِي) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهَا يَعْنِي الْهِرَّة لَيست بنجسة (إِنَّهَا من الطوافين) عَلَيْكُم والطوافات، وذكرهما بِصِيغَة التمريض يدل على أَن الْمُخْتَار دخولهما فِي الصَّرِيح على مَا فعله المُصَنّف (وإيماء) مَعْطُوف على قَوْله صَرِيح (وتنبيه) لقب آخر لهَذَا الْقسم، وَهُوَ (ترتيبه) أَي الحكم (على الْوَصْف) الصَّالح لعليته (فيفهم لُغَة) لَا وَصفا، بِمَعْنى أَن من يعرف اللُّغَة يفهم (أَنه) أَي الْوَصْف (عِلّة لَهُ) أَي للْحكم من التَّرْتِيب الْمَذْكُور (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن ذَلِك الْوَصْف عِلّة لذَلِك الحكم (كَانَ) ذَلِك التَّرْتِيب (مستبعدا) من الْعَارِف بمواقع التَّرْكِيب (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (إِيمَاء اللَّفْظ) من قبيل الْمَنْطُوق، وَقد مر فِي بَيَان اصْطِلَاح الشَّافِعِيَّة فِي الْفُصُول الْمُتَعَلّقَة بالمفرد (وَلَا يخص) هَذَا الْإِيمَاء (الشَّارِع إِلَّا أَنه) أَي عدم كَون الْوَصْف عِلّة (فِيهِ) أَي فِي الشَّارِع (أبعد) لكَون فَصَاحَته فِي الدرجَة الْعليا، وَقد ألف مِنْهُ اعْتِبَاره للمناسبات، فيغلب من الْمُقَارنَة مَعَ الْمُنَاسبَة ظن الِاعْتِبَار وَجعله عِلّة (وَلذَا) أَي ولكونه أبعد من الشَّارِع (يجب فِيهِ) أَي فِي الْوَصْف

الَّذِي هُوَ عِلّة (الْمُنَاسبَة) لذَلِك الحكم، وَقد مر تَفْسِيرهَا (من الشَّارِع) أَي حَال كَونه صادرا مِنْهُ (للْقطع بِحِكْمَتِهِ) المستلزمة لرعاية الْمُنَاسبَة بَينهمَا، لِأَنَّهَا عبارَة عَن فعل الشَّيْء كَمَا يَنْبَغِي، عَن السُّبْكِيّ: أَن الْفُقَهَاء على أَنه لَا يجب على الله تَعَالَى رِعَايَة الْمصَالح، وَلَكِن لَا يَقع حكم إِلَّا بحكمة، والمتكلمون من أهل السّنة يَقُولُونَ: قد يَقع بحكمة، وَقد يَقع وَلَا حِكْمَة: قَالَ وَهُوَ الْحق انْتهى. وَاخْتَارَ المُصَنّف قَول الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْمقَام، لِأَنَّهُ الْأَوْجه وَعدم بُلُوغ فهم الْبشر إِلَى الْحِكْمَة لَا يسْتَلْزم عدمهَا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مُرَادهم من نفي الْحِكْمَة الَّتِي تفهمها الْعُقُول على أَنه لَو فرض ترك رِعَايَة الْحِكْمَة فِي بعض الْأَحْكَام كَانَ ذَلِك تَنْبِيها على أَنه لَا يجب عَلَيْهِ تَعَالَى رعايتها، وَلَك أَن تَقول: هَذَا أَيْضا حِكْمَة فَتدبر (دون غَيره) أَي لَا تجب الْمُنَاسبَة فِي الْوَصْف الَّذِي صدر من غير الشَّارِع لعدم الْقطع بِحِكْمَتِهِ (كأكرم الْجَاهِل) إِذا صدر من غير الشَّارِع (وَإِن قضى بحمقه) أَي بحمق قَائِله، وَكَانَ هَذَا بِاعْتِبَار الزَّمَان السَّابِق (وَمِنْه) أَي الْإِيمَاء قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يقْضى القَاضِي) بَين اثْنَيْنِ (وَهُوَ غَضْبَان) إِذْ فِيهِ تَنْبِيه على أَن الْغَضَب عِلّة عدم جَوَاز الحكم، لِأَنَّهُ يشوش الْفِكر وَيُوجب الِاضْطِرَاب ثمَّ إِن وجود الْإِيمَاء عِنْد ذكر الْوَصْف وَالْحكم مَعًا مُتَّفق عَلَيْهِ (فَإِن ذكر الْوَصْف فَقَط كأحل الله البيع) فَإِن الْوَصْف، وَهُوَ حل البيع مَذْكُور، وَالْحكم وَهُوَ الصِّحَّة غير مَذْكُور، بل مستنبط من الْحل لِأَنَّهُ لَو لم يَصح لم يكن مُفِيدا لغايته فَكَانَ قبيحا، والقبيح حرَام (أَو) ذكر (الحكم) فَقَط (كأكثر) الْعِلَل (المستنبطة) نَحْو قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " حرمت الْخمر ": الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو حنيفَة وَغَيره، فَإِن الحكم فِيهِ مَذْكُور وَهُوَ التَّحْرِيم، وَالْوَصْف وَهُوَ الشدَّة المطربة مستنبطة مِنْهُ (فَفِي كَونهَا) أَي كَون الْعلَّة (إِيمَاء) أَي مومى إِلَيْهِ عِنْد ذكر أَحدهمَا فَقَط (تقدم) على صِيغَة الْمَجْهُول صفة كاشفة لإيماء (على غَيرهَا) من المستنبطة بِلَا إِيمَاء، وَقَوله فَفِي كَونهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف بِقَرِينَة مَا بعده، أَعنِي ثَلَاثَة (مَذَاهِب) الأول (نعم) إِيمَاء بِنَاء (على أَن الْإِيمَاء اقتران) الْوَصْف بالحكم (مَعَ ذكرهمَا) أَي الْوَصْف وَالْحكم، وَفِي الْكَلَام مُسَامَحَة، لِأَن الْإِيمَاء لَيْسَ نفس الاقتران، بل مفاده (أَو) مَعَ ذكر (أَحدهمَا) وَتَقْدِير الآخر سَوَاء كَانَ الْمَذْكُور الْوَصْف أَو الحكم (و) الثَّانِي (لَا) يكون إِيمَاء (على أَنه) أَي الْإِيمَاء إِنَّمَا يكون (مَعَ ذكرهمَا) أَي الحكم وَالْوَصْف، وَإِذا لم يذكر فَلَا اقتران، والإيماء عِنْد الاقتران. (و) الثَّالِث (التَّفْصِيل فَمَعَ ذكر الْوَصْف) إِيمَاء (لَا) مَعَ ذكر (الحكم لِأَنَّهُ) أَي الْوَصْف هُوَ (المستلزم) للْحكم (فَذكره) أَي الْوَصْف (ذكره) أَي الحكم (فَيدل الحكم على الصِّحَّة) لما مر، فَإِن الْإِيمَاء بالاقتران، والاقتران ذكرهمَا مَعًا، وَذكر الْوَصْف مُسْتَلْزم

لذكر الحكم، وَأما ذكر الحكم وَحده فَلَا يسْتَلْزم ذكر الْوَصْف (مِثَال الْمُتَّفق) عَلَيْهِ أَنه إِيمَاء قَول الْأَعرَابِي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (واقعت أَهلِي، فَقَالَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كفر)، وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ يَا رَسُول الله هَلَكت: فَقَالَ وَيحك، قَالَ وَقعت على أَهلِي فِي رَمَضَان، قَالَ أعتق رَقَبَة، قَالَ مَا أجد: قَالَ فَصم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، قَالَ لَا أَسْتَطِيع، قَالَ فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا، قَالَ مَا أجد: الحَدِيث. قَالَ الشَّارِح هَذَا الَّذِي ذكره المُصَنّف رِوَايَة بِالْمَعْنَى قلت: لَعَلَّه جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات (والمستبعد فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْكَلَام (إخلاء السُّؤَال عَن جَوَابه) وَذَلِكَ لِأَن غَرَض الْأَعرَابِي واقعت عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لبَيَان حكمهَا، فَلَو لم يكن قَوْله كفر ذكرا للْحكم جَوَابا لَهُ للَزِمَ إخلاء السُّؤَال عَن الْجَواب فَيكون السُّؤَال مُقَدرا فِي الْجَواب كَأَنَّهُ قَالَ واقعت فَكفر (وَمنع تَأْخِير الْبَيَان عَن وقته) أَي وَقت الْبَيَان الْمُحْتَاج إِلَيْهِ (شَرْعِي) خبر لقَوْله منع إِلَى آخِره: أَي الْمَنْع الْمَذْكُور حكم شَرْعِي، وَلَا يَقع من الشَّارِع مَا هُوَ مَمْنُوع شرعا (وَالظَّاهِر علية عين الوقاع) للاعتاق وأخويه (وَكَونه) أَي كَون الحكم من الاعتاق وَغَيره (لما تضمنه) الوقاع من هتك حُرْمَة الصَّوْم مثلا كَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة (احْتِمَال) غير ظَاهر (وَحذف بعض الصِّفَات) الَّذِي لَا مدْخل لَهُ فِي الْعلية (فِي مثله) أَي فِي مثل هَذَا النَّوْع من الْإِيمَاء (وَاسْتِيفَاء الْبَاقِي يُسمى تَنْقِيح المناط) أَي تَلْخِيص مَا ربط الشَّارِع الحكم بِهِ عَن الزَّوَائِد (فِي اصْطِلَاح غير الْحَنَفِيَّة كحذف أعرابيته) أَي السَّائِل فِي الْخَبَر الْمَذْكُور (والأهل) أَي وكحذف كَون المواقع أَهلا، إِذْ لَا فرق فِي الْأَحْكَام بَين كَون الْمُكَلف أَعْرَابِيًا أَو غَيره، وَبَين كَون كل مَحل الوقاع أَهلا لَهُ وَبَين أَن لَا يكون أَهلا، فَإِن الزِّنَا بِإِيجَاب الْكَفَّارَة أَجْدَر (وتزيد الْحَنَفِيَّة) على الْحَذف الْمَذْكُور (كَونه) أَي حذف كَون الْفِعْل الْمُفطر (وقاعا) إِذْ لَا مدْخل لخصوصه فِي الْعلَّة لمساواته لغيره فِي تَفْوِيت ركن الصَّوْم وَهُوَ الْإِمْسَاك الْخَاص (فَيبقى) بعد حذف الزَّوَائِد (كَونه) أَي كَون هَذَا الْفِعْل، أَعنِي الوقاع (إفسادا عمدا بمشتهى) فَيكون المناط لوُجُوب الْكَفَّارَة، فَيجب بعمد أكل أَو شرب لمشتهي كَمَا يجب بالعمد من الْجِمَاع (و) يُسمى (النّظر فِي معرفَة وجودهَا) أَي الْعلَّة على التَّفْصِيل (فِي آحَاد الصُّور) أَي فِي أَفْرَاد مواد تحقق الْعلَّة (بعد تعرفها) أَي مَعْرفَتهَا إِجْمَالا فِي نَفسهَا (بِنَصّ) كَمَا فِي جِهَة الْقبْلَة فَإِنَّهَا منَاط وجوب استقبالها، وَهِي مَعْرُوفَة بقوله تَعَالَى - {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} - وَكَون هَذِه الْجِهَة جِهَة الْقبْلَة مظنون (أَو إِجْمَاع) كالعدالة فَإِنَّهَا منَاط وجوب قبُول الشَّهَادَة وَهِي مَعْلُومَة بِالْإِجْمَاع، وَأما عَدَالَة شخص معِين فمظنونة تعرف بِالِاجْتِهَادِ (تَحْقِيق المناط) مفعول ثَان للتسمية (وَلَا يخْتَلف فِيهِ) أَي فِي تَحْقِيق المناط، وَكَونه

مسلكا صَحِيحا لمعْرِفَة وجود الْعلَّة فَإِن النَّص أَو الْإِجْمَاع أَفَادَ تعرفها إِجْمَالا، وَلَيْسَ سوى النّظر سَبِيل إِلَى معرفَة وجودهَا فِي الْآحَاد (ككون هَذَا) الشَّاهِد (عدلا فَيقبل) قَوْله فِي الشَّهَادَة وَهَذَا لَا يُنَافِي الْخلاف فِي وجود الْعَدَالَة فِي هَذَا الْمعِين، وَإِنَّمَا الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَن طَرِيق معرفَة وجودهَا فِي الْآحَاد النّظر المستجمع شَرَائِط الصِّحَّة (وَالْأَكْثَر على الأول) أَي القَوْل بتنقيح المناط، وَغير الْأَكْثَر لَا يَقُول بإلغاء مَا لَا قطع لعدم مدخلية بل يظنّ لكنه دون تَحْقِيق المناط كَمَا نقل عَن الْغَزالِيّ وَغَيره (و) يُسمى النّظر (فِي تعرفها) أَي إِثْبَات الْعلَّة (لحكم نَص عَلَيْهِ) أَو أجمع (فَقَط) أَي لم ينص على علته وَلم يجمع، بل إِنَّمَا عرفت باستخراج الْمُجْتَهد لَهَا بِرَأْيهِ واجتهاده (تَخْرِيج المناط) كالنظر فِي إِثْبَات كَون الشدَّة المطربة عِلّة لتَحْرِيم الْخمر، وَهَذَا دون الْأَوَّلين وَقد أنكرهُ كثير من النَّاس (وَهُوَ) أَي تَخْرِيج المناط (أَعم من الأخالة) لِأَنَّهُ يصدق على مَا يثبت بالسبر (وَفِي كَلَام بعض) كَابْن الْحَاجِب (إِفَادَة مساواتها) أَي الإخالة لتخريج المناط، فَإِنَّهُ قَالَ الْمُنَاسبَة الإخالة وَيُسمى تَخْرِيج المناط تعْيين الْعلَّة بِمُجَرَّد إبداء الْمُنَاسبَة من ذَاته لَا بِنَصّ وَغَيره (وَعنهُ) أَي عَن تساويهما (نسب للحنفية) أَي إِلَيْهِم (نَفْيه) أَي نفي القَوْل بتخريج المناط كَمَا فِي البديع من أَنهم ينفون الإخالة لِأَن علية الْوَصْف لحكم شَرْعِي أَمر شَرْعِي لَا بُد من اعْتِبَار الشَّرْع لَهُ بِنَصّ أَو إِجْمَاع (وَاعْتذر بعض الْحَنَفِيَّة عَن عدم ذكرهم) أَي الْحَنَفِيَّة (تَنْقِيح المناط بِأَن مرجعه إِلَى النَّص) أَو الْإِجْمَاع والمناسبة فَذكرهَا يُغني عَن ذكره، وأيد المُصَنّف ذَلِك الِاعْتِذَار بقوله (وَلَا شكّ أَن) قبُول (معنى تَنْقِيح المناط وَاجِب على كل مُجْتَهد حَنَفِيّ وَغَيره وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يقبل مَعْنَاهُ (منع الحكم فِي مَوضِع وجود الْعلَّة) فَيمْنَع وجوب الْكَفَّارَة على غير الْأَعرَابِي وعَلى من جَامع فِي رَمَضَان غير أَهله لعدم حذف الزَّوَائِد من الصِّفَات الَّتِي لَا مدْخل لَهَا فِي الْعلَّة (غير أَن الْحَنَفِيَّة لم يضعوا لَهُ) أَي لِمَعْنى تَنْقِيح المناط (اسْما اصطلاحيا كَمَا لم يضعوا الْمُفْرد) لما وضع لِمَعْنى وَاحِد فَقَط كَمَا وضعُوا الْمُشْتَرك لما وضع لمعان (و) لم يضعوا (تَخْرِيج المناط وتحقيقه) أَي وَلم يضعوا تَحْقِيق المناط (مَعَ الْعَمَل بهَا فِي الْكل، وَكَون مرجع الِاسْتِدْلَال إِذا نقح النَّص المناط) أَي كَون مرجعه النَّص عِنْد التَّنْقِيح فَإِن حذف الزَّوَائِد عَن المناط الْمَنْصُوص رُجُوع إِلَى خُلَاصَة النَّص (لَا يصلح عِلّة لعدم الْوَضع) كَمَا يفِيدهُ اعتذار صدر الشَّرِيعَة وَذَلِكَ لِأَن التَّنْقِيح تصرف مَخْصُوص بِهِ يتَبَيَّن حَقِيقَة المناط الْمَنْصُوص ليستحق أَن يوضع لَهُ اسْم خَاص (بل ذَلِك) أَي عدم الْوَضع (رَاجع إِلَى الِاخْتِيَار) لذَلِك فَإِن الْإِنْسَان مُخَيّر فِي مثل ذَلِك لَا يجب عَلَيْهِ الْوَضع ومرجح الِاخْتِيَار الِاحْتِرَاز عَن تَكْثِير الِاصْطِلَاح مَعَ الْعلم بِالْمُسَمّى بِمُوجب الْعَمَل بِهِ (وَقَوْلهمْ) أَي الشَّافِعِيَّة الْإِيمَاء (اقتران) لحكم (بِوَصْف لَو لم يكن هُوَ) أَي ذَلِك الْوَصْف (أَو نَظِيره)

أَي الْوَصْف (عِلّة) لذَلِك الحكم (كَانَ) ذَلِك الاقتران (بَعيدا، ثمَّ تَمْثِيل الثَّانِي) أَي النظير (بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (و) قد (سَأَلته) الخثعمية (عَن وَفَاة أَبِيهَا وَعَلِيهِ الْحَج أفيجزيه حَجهَا عَنهُ) ومقوله قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين فقضيته الخ غير مُطَابق لِأَن النظير دين الْعباد، وَلَيْسَ) دين الْعباد (الْعلَّة) لِأَنَّهُ نفس الأَصْل، وَدين الله تَعَالَى الْفَرْع (بل) الْعلَّة للْحكم الَّذِي هُوَ سُقُوط مَا فِي الذِّمَّة بِفعل الْمُتَبَرّع (كَونه) أَي الْمقْضِي (دينا، وَذكره) أَي الشَّارِع دين الْعباد (ليظْهر أَن الْمُشْتَرك) بَينهمَا وَهُوَ الدّين الْمُطلق (الْعلَّة، وَتقدم التَّمْثِيل بِهِ) أَي بِهَذَا الحَدِيث (للحنفية لِلْعِلَّةِ الْوَاقِعَة حكما شَرْعِيًّا، وَلذَلِك) أَي وَلِأَن ذكر الشَّارِع إِيَّاه لظُهُور كَون الْمُشْتَرك عِلّة (يُسمى مثله تَنْبِيها على أصل الْقيَاس) وَهُوَ الدّين الْمُشْتَرك بَينهمَا (وَبِقَوْلِهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعْطُوف على الضَّمِير الْمَجْرُور فِي قَوْله وَتقدم التَّمْثِيل بِهِ، وَعطفه الشَّارِح على بقوله وَسَأَلته فَيكون التَّقْدِير، ثمَّ تَمْثِيل الثَّانِي بقوله لعمر فَاحْتَاجَ إِلَى الْخَبَر، لِأَن مَا هُوَ خبر فِي جَانب الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَهُوَ غير مُطَابق لَا يصلح للخبرية هُنَا، وَهُوَ ظَاهر، وَمَا ذكرنَا مَعَ قربه غير محوج إِلَى الْخَبَر، وَكَأَنَّهُ عدل عَنهُ لعدم اشتراكهما فِي قَوْله للحنفية الخ. وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ لَا يضر فِي الْعَطف لجَوَاز أَن يخْتَص الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بِبَعْض الْقُيُود عِنْد وجود الْقَرِينَة (لعمر) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (و) قد (سَأَلَهُ عَن قبْلَة الصَّائِم) بِأَنَّهَا (هَل تفْسد) الصَّوْم، ومقول قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَرَأَيْت لَو تمضمضت بِمَاء ثمَّ مججته أَكَانَ يفْسد) فَإِن قلت قد ذكر تقدم التَّمْثِيل بِحَدِيث الخثعمية بتقريب تَمْثِيل الشَّافِعِيَّة نَظِير الْوَصْف بِهِ، فَمَا تقريب ذكر تقدم التَّمْثِيل بِحَدِيث عمر قلت بِقَرِينَة كَونه من التَّنْبِيه على أصل الْقيَاس، وَإِنَّمَا تقدم التَّمْثِيل بِهِ فِي بحث اعْتِبَار الشَّارِع الْعلَّة (وَقيل لَيْسَ) هَذَا الْمِثَال (مِنْهُ) أَي من التَّنْبِيه على أصل الْقيَاس (إِذْ لَا يُنَاسب كَونه) أَي التمضمض بِالْمَاءِ (مُقَدّمَة) لإفساد الصَّوْم لِأَنَّهُ مُقَدّمَة الشّرْب وَالشرب من مفسداته (غير مفضية) إِلَى الْإِفْسَاد لعدم فَسَاده بالمضمضة (عدم الْفساد) مَنْصُوب بقوله لَا يُنَاسب: يَعْنِي أَن الْمَضْمَضَة لَا مُنَاسبَة بَينهَا وَبَين عدم الْفساد بِسَبَب كَونهَا من مُقَدمَات الْفساد وَإِن لم تكن مفضية إِلَيْهِ، وَالْعلَّة يجب أَن تكون مُنَاسبَة للْحكم (بل) إِنَّمَا يُنَاسب عدم الْإِفْسَاد مُنَاسبَة مسوغة للعلية (وجود مَا يمْنَع مِنْهُ) أَي من الْإِفْسَاد، والتمضمض لَيْسَ كَذَلِك لِأَن نسبته إِلَى الْإِفْسَاد وَعَدَمه على السوية، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَوُجُود مَا يتَّفق مَعَه) أَي الْفساد تَارَة (وَلَا يتَّفق) مَعَه أُخْرَى (لَا يلْزم عِلّة) أَي وجود أَمر كَذَلِك لَا يلْزم عِلّة الْفساد (فَإِنَّمَا هُوَ) النّظر الْمَذْكُور (نقض توهمه) أَي توهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عليته

للإفساد (وَمِنْه) أَي الْإِيمَاء (أَن يفرق بَين الْحكمَيْنِ بِذكر وصفين كللراجل سهم وللفارس سَهْمَان) فَإِن الْفرق بَين الْحكمَيْنِ من حَيْثُ الْعدَد فِي مثل هَذَا الْمقَام: أَعنِي عِنْد وجود مَا يَقْتَضِي عدم الْفرق بَين الْحكمَيْنِ ككون الراجل والفارس متساويين فِي أصل الْجِهَاد بِذكر وصفين هما الراجلية والفارسية مشيرين إِلَى وَجه الْفرق بَين الموصوفين فِي الحكم إِيمَاء إِلَى أَن عِلّة الْحكمَيْنِ الوصفان الْمَذْكُورَان (أَو) يذكر (أَحدهمَا) أَي أحد الوصفين فَقَط (كلا يَرث الْقَاتِل) فَإِنَّهُ لم يذكر الْوَصْف الآخر وَهُوَ غير الْقَاتِل لكنه يفهم بِقَرِينَة الْمُقَابلَة، فتخصص الْقَاتِل بِالْمَنْعِ من الْإِرْث (بعد ثُبُوت عُمُومه) أَي الْإِرْث لَهُ وَلغيره يشْعر بِأَن عِلّة الْمَنْع الْقَتْل، فالتفريق بَين منع الْإِرْث وَالْإِرْث بِوَصْف الْقَتْل الْمَذْكُور مَعَ منع الْإِرْث لَو لم يكن لعلية الْقَتْل لمنع الْإِرْث لَكَانَ بَعيدا (أَو) يفرق بَينهمَا (فِي ضمن غَايَة) كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَلَا تقربهن (حَتَّى يطهرهن}} فَإِنَّهُ فرق بَين منع القربان وإباحته المفهومة من ذكر الْغَايَة الْمَدْلُول عَلَيْهَا بقوله تَعَالَى - {فَإِذا تطهرن فأتوهن} - بِذكر الْغَايَة وَهُوَ الطُّهْر، فَلَو لم يكن لعلية الطُّهْر للْجُوَاز لَكَانَ بَعيدا (أَو) فِي ضمن (اسْتثِْنَاء) كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَنصف مَا فرضتم إِلَّا أَن يعفون} أَي الزَّوْجَات عَن ذَلِك النّصْف فَلَا شَيْء لَهُنَّ فتفريقه بَين لُزُوم النّصْف وَعَدَمه فِي ضمن الِاسْتِثْنَاء لَو لم يكن لعلية الْعَفو للانتفاء لَكَانَ بَعيدا (أَو) فِي ضمن (شَرط) كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا اخْتلف الجنسان فبيعوا كَيفَ شِئْتُم) وَفِي لفظ مُسلم، فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَجْنَاس، فبيعوا كَيفَ شِئْتُم لَعَلَّه جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظ أَيْضا، وَإِلَّا فَهُوَ نقل بِالْمَعْنَى، فالتفريق بَين منع بيع الْجِنْس بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا وَبَين جَوَازه بِغَيْر جنسه لَو لم يكن لعلية الِاخْتِلَاف للْجُوَاز لَكَانَ بَعيدا، ثمَّ هَذَا الْمِثَال مِمَّا نَحن فِيهِ (لَو لم تكن) أَي لم تُوجد (الْفَاء) دَاخِلَة على الحكم لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ من قبيل الصَّرِيح كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} - (على مَا قيل) وَهُوَ مُتَّجه (وَذكر فِي اشْتِرَاط الْمُنَاسبَة فِي) صِحَة (علل الْإِيمَاء) ثَلَاثَة مَذَاهِب: الأول (نعم) يشْتَرط لإِجْمَاع الْفُقَهَاء على لُزُوم الحكم فِي الْأَحْكَام، وَلِأَن الْغَالِب فِي الْأَحْكَام التَّعْلِيل بالعلل الْمُنَاسبَة، فَإِنَّهُ أقرب إِلَى الانقياد من التَّعَبُّد الْمَحْض فَيلْحق بالأعم الْأَغْلَب. (و) الثَّانِي (لَا) يشْتَرط لِأَن الْعلية تفهم بِدُونِهَا (و) الثَّالِث (الْمُخْتَار) لِابْنِ الْحَاجِب وَغَيره أَنه (إِن فهم التَّعْلِيل من الْمُنَاسبَة) كَمَا فِي لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان (اشْترطت) معنى الِاشْتِرَاط حِينَئِذٍ اللُّزُوم وَعدم التحقق بِدُونِ الْمُنَاسبَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يفهم التَّعْلِيل من الْمُنَاسبَة بل بغَيْرهَا من الطّرق (فَلَا) يشْتَرط، لِأَن التَّعْلِيل يفهم من غَيرهَا فَلَا حَاجَة إِلَيْهَا. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَلَا يخفى ضعف هَذَا فَإِن وجود مَا يفهم مِنْهُ الْعلية لَا يَقْتَضِي عدم اشْتِرَاط أَمر آخر لصِحَّة الْعلية واعتبارها فِي بَاب الْقيَاس (قيل وَإِنَّمَا يَصح)

عدم الِاشْتِرَاط (إِذا أُرِيد بالمناسبة ظُهُورهَا) عِنْد النظار (وَإِلَّا فَلَا بُد مِنْهَا) أَي الْمُنَاسبَة (فِي الْعلَّة الباعثة) الَّتِي لَا يتَحَقَّق بِدُونِهَا (بِخِلَاف الأمارة الْمُجَرَّدَة) عَن الباعثية. قَالَ المُصَنّف: (وَأَنت تعلم أَن الْفَرْض أَنَّهَا) أَي الْعلَّة (علمت من إِيمَاء النَّص، فَكيف يفصل إِلَى أَن تعلم) الْعلَّة (بالمناسبة: يَعْنِي فَقَط فتشترط) الْمُنَاسبَة (أَو) تعلم (لَا بهَا) أَي الْمُنَاسبَة (فَلَا) تشْتَرط. (و) المسلك (الرَّابِع السبر التَّقْسِيم) وَهُوَ (حصر الْأَوْصَاف) الْمَوْجُودَة فِي الأَصْل الصَّالِحَة للعلية ظَاهرا فِي عدد (وَيَكْفِي) الْمُسْتَدلّ المناظر (عِنْد مَنعه) أَي منع حُصُولهَا أَن يَقُول (بحثت فَلم أجد) مَا يصلح للعلية غَيرهَا لِأَن الظَّاهِر أَنَّهَا لَو كَانَت لما خفيت على الْمُجْتَهد الباحث (أَو) يَقُول (الأَصْل) فِي الْأَشْيَاء (الْعَدَم) فَالْأَصْل عدم غير الْأَوْصَاف الَّتِي وَجدتهَا فَلَا يعدل عَنهُ إِلَّا عِنْد قيام دَلِيل الْوُجُود، وَلَا دَلِيل (ثمَّ حذف بَعْضهَا) أَي الْأَوْصَاف المحصورة، وَهُوَ مَا سوى الَّذِي ظن عليته (فَيتَعَيَّن الْبَاقِي) بعد الْحَذف للعلية، فَظهر أَن السبر اخْتِيَار الْوَصْف هَل يصلح للعلية أَولا، والتقسيم هُوَ أَن الْعلَّة إِمَّا كَذَا وَإِمَّا كَذَا، نقل عَن المُصَنّف أَنه كَانَ الْمُنَاسب تَقْدِيم التَّقْسِيم فِي اللَّفْظ لتقدمه فِي الْخَارِج إِلَّا أَن اللقب وَقع هَكَذَا (وَلَو أبدى) الْمُعْتَرض وَصفا (آخر فالمختار لَا يَنْقَطِع) الْمُسْتَدلّ، بل عَلَيْهِ دَفعه بِإِبْطَال التَّعْلِيل بِهِ (إِلَّا أَن لم يُبطلهُ) أَي الْمُسْتَدلّ كَون المبدي عِلّة وصلاحية لَهَا فَإِنَّهُ يلْزم الِانْقِطَاع حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا لَا يَنْقَطِع بِمُجَرَّد منع الْحصْر مصروفا بِسَنَدِهِ (لِأَنَّهُ) أَي الْمُسْتَدلّ (لم يدع الْحصْر قطعا) فمجرد احْتِمَال وَصرف آخر لَا يضرّهُ (ويكفيه) أَي الْمُسْتَدلّ عِنْد الْمَنْع الْمَذْكُور (عَلمته وَلم أدخلهُ) فِي الْحصْر (لعدم صلاحيته) لكذا. وَقيل يَنْقَطِع الْمُسْتَدلّ بِمُجَرَّد إبداء الْمُعْتَرض وَصفا زَائِدا لِأَنَّهُ ظهر بطلَان حصره. وَقد عرفت جَوَابه (وطرق الْحَذف بَيَان إلغائه) أَي الْمَحْذُوف ثمَّ بَين كَيْفيَّة إلغائه بقوله (بِثُبُوت الحكم بِالْبَاقِي) بعد الْحَذف من الْأَوْصَاف المحصورة (فَقَط فِي مَحل) بِأَن يُوجد الحكم فِي مَحل لَا يُوجد فِيهِ سوى الْبَاقِي من تِلْكَ الْأَوْصَاف (فَلَزِمَ) من ثُبُوته بِالْبَاقِي فَقَط فِي ذَلِك الْمحل (استقلاله) أَي اسْتِقْلَال الْبَاقِي فِي الْعلية، وَإِلَّا لم يثبت الحكم مَعَه (وَعدم جزئية الملغي) فِي الْعلية: أَي عدم مدخليته (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن بَيَان الإلغاء ثُبُوت الحكم بِالْبَاقِي فَقَط، بل بِأَن يُقَال لَو كَانَ الْمَحْذُوف عِلّة لانتفى الحكم عِنْد انتفائه، وَحَيْثُ لم ينتف عِنْد انتفائه لم يكن عِلّة (فَهُوَ) أَي مرجع بَيَان الإلغاء الْمُبين بِهَذَا الطَّرِيق (الْعَكْس) الْمُفَسّر فِيمَا سبق بِانْتِفَاء الحكم لانْتِفَاء الْوَصْف وَقد عرفت بِأَنَّهُ مَبْنِيّ على منع تعدد الْعلَّة المستقلة كَمَا ذهب إِلَيْهِ قوم، وَالْمُخْتَار جَوَاز التَّعَدُّد فَلَا يشْتَرط الانعكاس فِي الْعلَّة (غير أَنه) أَي الْمحل الَّذِي ثَبت فِيهِ الحكم بِالْبَاقِي فَقَط (أصل آخر) لإلحاق الْفَرْع غير الأَصْل الَّذِي فِيهِ الْبَاقِي مَعَ غَيره من غَيره من تِلْكَ الْأَوْصَاف (فَالْقِيَاس

عَلَيْهِ) أَي على الأَصْل الآخر مُتَعَيّن لِأَنَّهُ (يسْقط) من الْإِسْقَاط (مُؤنَة الْحَذف) أَي إِلْغَاء مَا سوى الْوَصْف الَّذِي ادّعى عليته لِأَنَّهُ لم يُوجد فِي هَذَا الأَصْل غَيره خلاف الأَصْل الَّذِي هُوَ فِيهِ مَعَ غَيره فَلَا بُد من إِلْغَاء الْغَيْر فِيهِ كَمَا إِذا اسْتدلَّ على ربوية الذّرة قِيَاسا على الْبر الَّذِي فِيهِ الطّعْم والقوت والكيل فَلَا يتَعَيَّن أَحدهَا للعلية إِلَّا بإلغاء مَا عداهُ، بِخِلَاف مَا إِذا قيس بالملح الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سوى الْكَيْل فَإِنَّهُ مُتَعَيّن، فَلَيْسَ فِيهِ مُؤنَة الْحَذف والالغاء (وَبعد أَنَّهَا) أَي الْمُعَارضَة بابداء أصل آخر وادعاء تعين ذَلِك للأصالة سُقُوط مُؤنَة الْحَذف (مشاحة) أَي مضايقة ومناقشة (لفظية) لثُبُوت الحكم لكل من الْأَصْلَيْنِ بِلَا تفَاوت (قد تكون أَوْصَافه) أَي أَوْصَاف الأَصْل الآخر كالملح (أَكثر) من الأَصْل الأول كالبر فَيلْزم أَن تكونة مُؤنَة الْحَذف أَكثر (وَكَونه) بِالْجَرِّ عطفا على الْمَجْرُور فِي قَوْله ثُبُوت الحكم: أَي وَيكون الْمَحْذُوف (مِمَّا علم إلغاؤه) فِي الشَّرْع (مُطلقًا) أَي فِي جَمِيع الْأَحْكَام كالاختلاف فِي الطول وَالْقصر والسواد وَالْبَيَاض إِلَى غير ذَلِك (أَو) لكَونه مِمَّا علم إلغاؤه (فِي ذَلِك) الحكم المبحوث عَنهُ وَإِن اعْتبر فِي غَيره (كالذكورة وَالْأُنُوثَة فِي أَحْكَام الْعتْق) فَإِنَّهُ قد اعْتبر الِاخْتِلَاف فيهمَا فِي الشَّهَادَة وَالْقَضَاء والإمامة الصُّغْرَى والكبرى وَالْإِرْث (وَأَن لَا يظْهر لَهُ) أَي للمستدل مَعْطُوف أَيْضا على الْمَجْرُور الْمَذْكُور، وَالْبَاء مقدرَة، يَعْنِي بَيَان الإلغاء بِأَن لَا يظْهر لَهُ (مُنَاسبَة) بَين الْمَحْذُوف وَبَين الحكم بعد الْبَحْث عَنْهَا (وَيَكْفِي) لَهُ أَن يَقُول (بحثت) عَن الْمُنَاسبَة (فَلم أَجدهَا) فلكونه مُجْتَهدا يعْتَمد على بَحثه. فَعدم وجدانه دَلِيل الْعَدَم، ولعدالته يصدق، وَلَا سَبِيل إِلَى معرفَة وجدانه إِلَّا بإخباره (فَإِن قَالَ) الْمُعْتَرض (الْبَاقِي كَذَلِك) أَي غير مُنَاسِب لَا فِي بحثت فَلم أجد لَهُ مُنَاسبَة (تَعَارضا) أَي وصف الْمُسْتَدلّ، وَوصف الْمُعْتَرض، لِأَنَّهُ أَيْضا مُجْتَهد عدل (وَوَجَب) على الْمُسْتَدلّ (التَّرْجِيح) لوصفه الْحَاصِل من سبره على الْوَصْف الْحَاصِل من سبر الْمُعْتَرض، وَهَذَا لِأَنَّهُ فِي مقَام المناظرة، وَإِلَّا فالمجتهد يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بظنه وَإِن كَانَ ظن غَيره أرجح فِي نفس الْأَمر، وَإِنَّمَا لم يجب على الْمُعَلل بَيَان الْمُنَاسبَة (إِذْ لَو أَوجَبْنَا بَيَانهَا على الْمُعَلل انْتقل) عَن طَرِيق السبر (إِلَى الإخالة) إِذْ هِيَ تعْيين الْعلَّة بإبداء الْمُنَاسبَة، وَهِي انْقِطَاع (وَقد يُقَال لما اخْتلف حَاله) أَي الْمُعَلل (بِحَقِيقَة الْمُعَارضَة) من الْمُعْتَرض (فَكَأَنَّهُ) أَي التَّعْلِيل (ابْتِدَاء) غير التَّعْلِيل الأول، فَلَا يضر ذَلِك الِانْتِقَال (مَعَ أَنَّهَا) أَي هَذِه الطَّرِيقَة، يَعْنِي عدم الِانْتِقَال من مَسْلَك إِلَى مَسْلَك آخر طَريقَة (تحسينية) غير ضَرُورِيَّة، فَإِن انْتقل من السبر إِلَى الإخالة فَلهُ ذَلِك، وَلَا يعد ذَلِك انْقِطَاعًا كَمَا سَيذكرُهُ المُصَنّف فِي فصل الأسولة (وَله) أَي للمعلل أَن يرجح وَصفه الْحَاصِل من سبره (بِالتَّعَدِّي) إِذا كَانَ وصف الْمُعْتَرض قاصرا على الأَصْل، والمتعدي مجمع عَلَيْهِ، والقاصر مُخْتَلف فِيهِ، أَو يُقَال:

الْمُتَعَدِّي أَكثر فَائِدَة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَكَثْرَة الْفَائِدَة) فَهَذَا مكمل للترجيح الْمَذْكُور. وَيُمكن أَن يكون إِشَارَة إِلَى مُرَجّح آخر، وَذَلِكَ بِأَن يكون متحققا فِي محَال مُتعَدِّدَة من الْأُصُول وَالْفُرُوع فيستنبط مِنْهُ أقيسة مُتعَدِّدَة وَأَحْكَام كَثِيرَة (فَإِن قلت علم بِمَا ذكر) من عد عدم ظُهُور الْمُنَاسبَة من طرق الْحَذف حَتَّى لَو قَالَ الْمُعْتَرض: أَن المستبقى كَذَلِك بتحقق الْمُعَارضَة فَيخرج الْمُعَلل إِلَى التَّرْجِيح (اشْتِرَاط مناسبته) أَي الْوَصْف المستبقى (فَلم لم تتفق الْحَنَفِيَّة) مَعَ الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم (على قبُوله) أَي قبُول هَذَا الطَّرِيق بعد اشْتِرَاط الْمُنَاسبَة فِيهِ (قُلْنَا يجب على أصولهم) أَي الْحَنَفِيَّة (نَفْيه) أَي نفي قبُوله (وَإِن رضية الْجَصَّاص والمرغيناني) مِنْهُم، دفع لما يَأْتِي: من أَنه كَيفَ يجب على أصولهم نَفْيه مَعَ اخْتِيَار الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورين إِيَّاه مَعَ كَمَال معرفتهما أصولهم وَحَاصِله أَن الْبُرْهَان إِذا قَامَ على وجوب نَفْيه على أصولهم يحكم بِمُوجب الْبُرْهَان وَإِن كَانَ مرضيهما خِلَافه فلعلهما خالفاهم فِي تِلْكَ الْأُصُول، أَو غفلا عَن موجبهما إِلَى غير ذَلِك (لِأَن الْبَاقِي بعد نفي غَيره) أَي بعد حذف غير الْبَاقِي من الْأَوْصَاف (لم يثبت اعْتِبَاره) شرعا (بِظُهُور التَّأْثِير) وَهُوَ ظُهُور أثر الْوَصْف شرعا، أَعنِي اعْتِبَاره علية جنسه أَو عينه فِي جنس الحكم أَو عينه كَأَنَّهُ أَرَادَ بالتأثير أثر الْوَصْف إِلَى آخِره، وَإِلَّا يلْزم التّكْرَار (والملاءمة) تَصْرِيح بِمَا علم ضمنا لما مر: من أَن التَّأْثِير يسْتَلْزم الْمُنَاسبَة ويسمونها ملاءمة فَالْحَاصِل أَن الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا يشترطون التَّأْثِير بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور فِي الْعلَّة، وَالْحَاصِل بالسبر وَإِن اعْتبر فِيهِ الْمُنَاسبَة من أَيْن لَهُ التَّأْثِير الْمَذْكُور، وَمُجَرَّد الْمُنَاسبَة لَا تزيد عَن الإخالة وَهِي غير مُعْتَبرَة عِنْدهم (فَلِذَا) أَي فَلَمَّا ذكرنَا من لُزُوم التَّأْثِير (رده) أَي رَجَعَ الْحَاصِل بالسبر (من قبله من متأخريهم) أَي الْحَنَفِيَّة (إِلَى النَّص أَو الْإِجْمَاع. قَالَ) الْمُتَأَخر الْمَذْكُور (أَو الْمُنَاسبَة). قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين التَّفْتَازَانِيّ فِي فُصُول الْبَدَائِع: إِنَّمَا لم يذكرهُ مَشَايِخنَا مَعَ صِحَّته طَرِيقا واستعمالهم إِيَّاه كثيرا، لِأَن مآله فِي التَّحْقِيق إِلَى أَخذ الْبَاقِيَة من النَّص وَالْإِجْمَاع أَو الْمُنَاسبَة والتأثير انْتهى. (وَفِيه نظر) لِأَن كَلَامه يدل على أَن رده إِلَى كل وَاحِد من الثَّلَاثَة يستدعى قبُوله وَلَيْسَ كَذَلِك (إِذْ تبين أَنَّهَا) أَي الْمُنَاسبَة الْحَاصِلَة فِي المستبقى من أَوْصَاف السبر (لَا تَسْتَلْزِم التَّأْثِير) فَإِن أَرَادَ الْمُنَاسبَة مَعَ التَّأْثِير كَمَا يفهم من عبارَة الشَّيْخ الْمَذْكُور يمْنَع الرَّد إِلَيْهَا، وَإِن أَرَادَ مَا هُوَ أَعم لَا يُفِيد الْقبُول عِنْد الْحَنَفِيَّة لاعتبارهم التَّأْثِير كَمَا مر غير مرّة (وَشَرطه) أَي الْمُتَأَخر الْمَذْكُور (فِي بَيَان الْحصْر) أَي حصر مَا يُمكن أَن يكون عِلّة من أَوْصَاف السبر فِي المستبقى (أَن يثبت عدم علية غير المستبقى بِالْإِجْمَاع أَو النَّص) قَوْله أَن يثبت إِلَى آخِره مفعول شَرطه وَخَبره قَوْله (لَا يُوجب كَونهَا) أَي كَون علية المستبقى (ثَابِتَة بِالْإِجْمَاع) أَو النَّص (إِلَّا مَعَ)

ضميمة أُخْرَى من (الْقطع بالحذف والحصر) أَي مُجَرّد عدم ثُبُوت علية غير المستبقى لَا يسْتَلْزم عليته لجَوَاز أَن لَا يكون المستبقى أَيْضا عِلّة: نعم إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ الْإِجْمَاع على أَن الصَّالح للعلية مُطلقًا منحصر فِي هَذِه الْأَوْصَاف، وَأجْمع أَيْضا على أَن مَا عدا المستبقى مَحْذُوف ملغي، فَحِينَئِذٍ يثبت إِجْمَاعًا علية المستبقى، لِأَن الحكم لَا يكون بِلَا عِلّة كَمَا مر (وَلَيْسَ) الْقطع الْمَذْكُور (بِلَازِم للشَّافِعِيَّة) أَي عِنْد الشَّافِعِيَّة الْقَائِلين بحجيته، وَكَذَا عِنْد من وافقهم فِيهِ (بل رتبته) أَي ثُبُوت الْعلية للمستبقى، وَفِي بعض النّسخ مرتبته (الإخالة) أَي رتبته الإخالة (فَالْخِلَاف فِيهِ ثَابت، و) المسلك (الْخَامِس الدوران) وَيُسمى الطَّرْد وَالْعَكْس، اخْتلفُوا فِيهِ هَل هُوَ مَسْلَك صَحِيح أم لَا؟ (نَفَاهُ) أَي نفى كَونه مسلكا صَحِيحا للعلية (الْحَنَفِيَّة ومحققو الأشاعرة) كَابْن السَّمْعَانِيّ وَالْغَزالِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب (وَالْأَكْثَر) قَالُوا (نعم) هُوَ مَسْلَك صَحِيح. (ثمَّ) اخْتلف الْقَائِلُونَ بِصِحَّتِهِ هَل يُفِيد الْقطع أَو الظَّن (قيل يُفِيد ظنا) بالعلية، قَالَه الإِمَام الرَّازِيّ وعراقيو الشَّافِعِيَّة، وَعَلِيهِ جُمْهُور الجدليين (وَقيل) يُفِيد (قطعا) وَهُوَ معزو إِلَى بعض الْمُعْتَزلَة (وَشرط بَعضهم لاعتباره) أَي الدوران (قيام النَّص) الدَّال على الحكم (فِي حَالي وجود الْوَصْف وَعَدَمه) وَالْحكم لَا يُضَاف إِلَى النَّص، بل إِلَى الْوَصْف (كَالْوضُوءِ وَجب للْقِيَام) إِلَى الصَّلَاة حَال كَون الْقَائِم (مُحدثا، وَلم يجب لَهُ) أَي للْقِيَام (دونه) أَي دون الْحَدث، فوجوب الْوضُوء مُعَلل بِالْحَدَثِ دائر مَعَه وجودا وعدما، وَالنَّص وَهُوَ الْقيام إِلَى الصَّلَاة قَائِم: أَي مَوْجُود فِي حَال وجود الْحَدث وَعَدَمه من غير أَن يُضَاف الحكم إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذا قَامَ إِلَيْهَا مُحدثا يجب الْوضُوء للْحَدَث لَا للْقِيَام إِلَيْهَا، وَإِذا قَامَ إِلَيْهَا غير مُحدث لَا يجب (وَمُقْتَضى النَّص) أَي قَوْله تَعَالَى - {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} - الْآيَة (الْوُجُوب) أَي وجوب الْوضُوء على الْقَائِم إِلَيْهَا مَعَ عدم الْحَدث (كَمَا) مُقْتَضَاهُ وُجُوبه على الْقَائِم إِلَيْهَا (مَعَه) أَي مَعَ الْحَدث، وَذَلِكَ لِأَن الْجَزَاء وَهُوَ الْأَمر بِالْغسْلِ لَازم للشّرط وَهُوَ الْقيام إِلَى الصَّلَاة، وَإِنَّمَا شَرط هَذَا لاعْتِبَار الدوران، لِأَنَّهُ عِنْد كَون الحكم دائرا مَعَ الْوَصْف وجودا وعدما، وَعدم كَونه مُضَافا إِلَى النَّص حَال وجود الْوَصْف، وَعدم دلَالَة ظَاهِرَة على علية الْوَصْف (وَالْقَضَاء) حَال كَون القَاضِي (غَضْبَان بِلَا شغل بَال جَائِز، وَالنَّص) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يقْضِي) القَاضِي بَين اثْنَيْنِ (وَهُوَ غَضْبَان) الْمُفِيد حُرْمَة الْقَضَاء فِي حَال الْغَضَب (قَائِم) فِي حَالي وجود الْوَصْف: أَي شغل البال وَعَدَمه، وَالْحكم دائر مَعَ عدم شغل البال وجودا وعدما، فَإِذا كَانَ غَضْبَان غير مَشْغُول البال يجوز قَضَاؤُهُ، وَإِذا كَانَ مَشْغُول البال بِغَيْر غضب بل بِنَحْوِ جوع وعطش مفرطين، أَو وجع شَدِيد

أَو مدافعة الأخبثين لَا يجوز قَضَاؤُهُ، فَعلم أَن الحكم لَا يُضَاف إِلَى النَّص لِأَن مُقْتَضَاهُ أَن لَا يقْضى فِي الْغَضَب، وَيقْضى فِي غير الْغَضَب: إِمَّا بطرِيق الْمَفْهُوم عِنْد الْقَائِل بِهِ وَإِمَّا بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّة، أَو بِإِطْلَاق النُّصُوص عِنْد غَيره (وَلَا دَلِيل لَهُ) أَي لهَذَا الشارط على اعْتِبَار هَذَا الشَّرْط (غير الْوُجُود) أَي وجود مَا شَرطه فِي هذَيْن النصين، وَأَنت تعلم أَن الْوُجُود لَا يسْتَلْزم الِاشْتِرَاط (و) قد (منع) وجود الشَّرْط الْمَذْكُور فيهمَا (بِأَن مُرَاده) تَعَالَى وَهُوَ أعلم بمراده إِذا أردتم الْقيام إِلَى الصَّلَاة (وَأَنْتُم محدثون) كَمَا هُوَ مأثور عَن ابْن عَبَّاس ومنصوص فِي التَّيَمُّم، وَهُوَ بدله، وَالْبدل لَا يُفَارق الأَصْل فِي مثله، وَإِلَّا لم يكن بَدَلا بل كَانَ وَاجِبا ابْتِدَاء على مَا قَالُوا (و) بِأَن (الشّغل) للقلب (لَازم) للغضب فَلَا يُوجد الْغَضَب بِدُونِهِ، فَلم يُوجد جَوَاز الْقَضَاء مَعَ قيام النَّص (فالنص) مَحْمُول (على ظَاهره). وَلَا نسلم أَن من حكم هَذَا النَّص حل الْقَضَاء عِنْد عدم الْغَضَب: أما عندنَا فلعدم الْمَفْهُوم، وَأما عِنْد الْقَائِل بِهِ فَيشْتَرط عدم التَّسَاوِي بَين الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم، وَعند شغل الْقلب بِغَيْر الْغَضَب مِمَّا ذكر من الْأَسْبَاب، فالتساوي بَينهمَا مَوْجُود. (النافون) لكَون الدوران مسلكا صَحِيحا (قَالُوا تحقق انتفاؤها) أَي الْعلية (مَعَ وجوده) أَي الدوران (فِي المتضايفين) كالأبوة والبنوة، والفوقية والتحتية: فَإِنَّهُ كلما تحقق أَحدهمَا تحقق الآخر، وَكلما انْتَفَى انْتَفَى، وَلَا علية وَلَا معلولية بَينهمَا اتِّفَاقًا (و) فِي (غَيرهمَا) أَي المتضايفين (كالحرمة مَعَ رَائِحَة الْمُسكر) الْمَخْصُوصَة بِهِ، فَإِنَّهَا تَدور مَعهَا وجودا وعدما (وَلَيْسَت) الرَّائِحَة (الْعلَّة) للْحُرْمَة (وَلَو الْتفت إِلَى نفي غَيره) أَي غير الْمدَار من الْأَوْصَاف الَّتِي لَا يَدُور مَعهَا الحكم (بِالْأَصْلِ) بِأَن يُقَال وَالْأَصْل عدم علية الْغَيْر (أَو السبر) بِأَن يحصل الْأَوْصَاف وينفي مَا عدا الْمدَار (خرج) كَون الْمدَار عِلّة (عَنهُ) أَي عَن ثُبُوته بالدوران. (وَيدْفَع) هَذَا الدَّلِيل (بِأَنَّهُ) أَي انْتِفَاء الْعلية (فِيمَا ذكر) من المتضايفين وَغَيرهمَا (لمَانع) من الْعلية (كَمَا تبين) قَرِيبا، والتخلف لمَانع غير قَادِح (فَلَا يَنْفِي) انتفاؤها لمَانع (ظَنّهَا) أَي الْعلية (إِذا تجرد) الْمدَار (عَنهُ) أَي عَن الْمَانِع (وَالْكَلَام فِيهِ) أَي فِيمَا تجرد عَن الْمَانِع. قَالَ (الْغَزالِيّ) من النافين: الدوران عبارَة عَن اطراد الْوَصْف وانعكاسه، وَلَا يُفِيد شَيْء مِنْهُمَا الْعلية، إِذْ (الاطراد) حَاصله (عدم النَّقْض) وَأَن لَا يُوجد الْوَصْف فِي صُورَة بِدُونِ الحكم، والنقض من جملَة مفسدات الْعلَّة، وَانْتِفَاء المفسدات كلهَا لَا يَكْفِي فِي صِحَة الْعلية فضلا عَن انْتِفَاء وَاحِد مِنْهَا، إِذْ عدم الْمَانِع وَحده لَا يصلح عِلّة مقتضية (فَأَيْنَ الْمُقْتَضى للعلية أَولا) كَمَا يُقَال: اثْبتْ الْعَرْش ثمَّ انقش، فَلَا بُد أَولا من بَيَان وجود الْمُقْتَضى ثمَّ بَيَان عدم الْمَانِع. (وَأما الانعكاس فَلَيْسَ شرطا لَهَا) أَي لِلْعِلَّةِ (وَلَا لَازِما) لَهَا. فِي الشَّرْح العضدي: شَرط فِي الْعلَّة الانعكاس، وَهُوَ أَنه كلما عدم الْوَصْف عدم الحكم

وَلم يَشْتَرِطه آخَرُونَ؛ وَالْحق أَنه مَبْنِيّ على جَوَاز تَعْلِيل الحكم الْوَاحِد بعلتين مختلفتين، لِأَنَّهُ إِذا جَازَ ذَلِك صَحَّ أَن يَنْتَفِي الحكم بِوُجُود الْوَصْف الآخر (أُجِيب) عَن احتجاج الْغَزالِيّ بِأَن (الْمُدَّعِي) إِثْبَات الْعلية (بالمجموع) الْمركب من الاطراد والانعكاس (لَا بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا) وَقد يكون للهيئة الاجتماعية أثر لَيْسَ لكل وَاحِد. (القاطعون) أَي الْقَائِلُونَ بِأَن الدوران يُفِيد الْعلية قطعا قَالُوا (إِذا وَقع الدوران) أَي تحقق (وَعلم انْتِفَاء مَانع الْمَعِيَّة فِي التضايف) أَي الْمَانِع الَّذِي هُوَ الْمَعِيَّة المنافية لتقدم أَحدهمَا على الآخر فَإِنَّهُمَا يوجدان مَعًا ذهنا وخارجا، وَفِيه أَن الْمَعِيَّة الزمانية لَا تنَافِي التَّقَدُّم الذاتي (و) علم انْتِفَاء مَانع (عدم التَّأْثِير كالشرط الْمسَاوِي) فَإِن الشَّرْط عبارَة عَن عِلّة لَا تَأْثِير لَهَا، وَقيد بالتساوي ليتَحَقَّق الطَّرْد، أَعنِي الدوران وجودا: إِذْ مَعَ الْأَعَمّ لَا يلْزم وجود الْمَشْرُوط (و) علم انتقا مَانع (التَّأَخُّر) الْكَائِن (فِي المعلولية) فَإِن وصف التَّأَخُّر لَازم للمعلولية مَانع عَن كَونه عِلّة (قطع بهَا) أَي بالعلية جَوَاب للشّرط الْمُتَقَدّم (للْعَادَة المستمرة فِيمَن تكَرر دوران غَضَبه عَن اسْم حَتَّى علمه من لَا أَهْلِيَّة فِيهِ للنَّظَر كالصبيان) يَعْنِي إِذا دعى شخص باسم مغضب فَغَضب ثمَّ ترك فَلم يغْضب وتكرر ذَلِك علم بِالضَّرُورَةِ أَن ذَلِك سَبَب الْغَضَب حَتَّى أَن من لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النّظر كالأطفال يعلمُونَ ذَلِك ويتبعونه فِي الدروب ويقصدون إغضابه فيدعونه بِهِ، وَلَوْلَا أَنه ضَرُورِيّ لما علموه، فَهَذِهِ الْعَادة المستمرة تُفْضِي بإفادة الدوران الْعلم بسببية الْمدَار لما يَدُور مَعَه قطعا، فَإِنَّهُ لَا مُوجب فِيهَا لحُصُول الْعلم الْمَذْكُور سوى الدوران (أُجِيب بِأَن النزاع) إِنَّمَا هُوَ (فِي حُصُول الْعلم بِمُجَرَّدِهِ) أَي الدوران) (وَالظَّن) بالعلية إِنَّمَا يحصل فِي الْمِثَال الْمَذْكُور (عِنْده) أَي عِنْد الدوران حَال كَونه مُنْضَمًّا (مَعَ غَيره) أَي الدوران (من التكرر) بَيَان للْغَيْر (لَا) مَعَ (عَدمه) أَي عدم غير الْمدَار (بِعَدَمِ وجدانه) أَي الْغَيْر (مَعَ) وُقُوع (الْبَحْث) والتفتيش (عَنهُ) أَي عَن الْغَيْر كَمَا ذكره فِي الشَّرْح العضدي فِي تَقْرِير الْجَواب من قَوْله: الْجَواب مَحل النزاع لَيْسَ هُوَ حُصُول الْعلم بِهِ، بل حُصُوله بِمُجَرَّدِهِ: وَذَلِكَ فِيمَا ذكرْتُمْ من الْمِثَال مَمْنُوع، إِذْ لَوْلَا انْتِفَاء غير ذَلِك إِمَّا بِأَنَّهُ بحث عَنهُ فَلم يُوجد، وَإِمَّا أَن الأَصْل عَدمه لما ظن انْتهى. فَعلم أَن الظَّن إِنَّمَا يحصل بمساعدة الْغَيْر لَا بِمُجَرَّدِهِ (فضلا عَن) حُصُول (الْعلم) بِمُجَرَّدِهِ، وَإِنَّمَا جعل التكرر غير الدوران، لِأَنَّهُ عبارَة عَن الْوُجُود مَعَ الْوُجُود والعدم مَعَ الْعَدَم. وَلَا شكّ أَن تكَرر الْوُجُود مَعَ الْوُجُود أَمر زَائِد على أصل الْوُجُود مَعَ الْوُجُود. وَلَا شكّ أَن انضمام أَمر وجودي إِلَيْهِ فِي الدّلَالَة على الْعلية أَدخل فِي نفي الِاسْتِقْلَال فِيهَا من انضمام أَمر عدمي إِلَيْهِ (وَدفع) هَذَا الْجَواب (بِأَنَّهُ) أَي إِنْكَار حُصُول الْعلم بالدوران فِي مثل مَا ذكر (إِنْكَار للضروريات) أَي البديهيات (وقدح فِي التجريبيات، فَإِن الْأَطْفَال

يقطعون بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ مُفِيدا للعلية (بِلَا أَهْلِيَّة اسْتِدْلَال) وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْمُجيب لَا يُنكر أصل حُصُول الْعلم بالعلية، بل يُنكر حُصُوله بِمُجَرَّد الدوران، فَلَا يلْزم عَلَيْهِ إِنْكَار الضروريات فَتدبر (وَيُجَاب) عَن هَذَا الدّفع (بِأَن مثله) أَي الدوران (يصلح لإِثْبَات الْعلية لغير الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة المبنية على الْمصَالح) وَهُوَ العقليات، فَإِنَّهَا لَا تخْتَلف باخْتلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان (أما هِيَ) أَي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة (فَلَا بُد فِي بَيَان عللها من مُنَاسبَة أَو اعْتِبَار من الشَّارِع). وَقد سبق أَن الْمُنَاسبَة عندنَا تَسْتَلْزِم التَّأْثِير: وَحَاصِله اعْتِبَار جنس الْوَصْف أَو نَوعه فِي جنس الحكم أَو نَوعه، وَالِاعْتِبَار من الشَّارِع عبارَة عَمَّا ذكر، وَكلمَة أَو للتنويع فِي التَّعْبِير (إِذْ فِي القَوْل) بِإِثْبَات الْعلَّة (بالطرد فتح بَاب الْجَهْل) اكْتفى بِذكر الطَّرْد، لِأَن الْعُمْدَة فِي الدوران أَو لِأَن الْعَكْس لَا يعْتَبر فِي الْعلَّة لما مر من جَوَاز تَعْلِيل الحكم الْوَاحِد بعلتين، وَأما كَونه فتح بَاب الْجَهْل فَلِأَن الْعلم عبارَة عَمَّا يُوجد من الشَّارِع، أَو من الْعقل بالبرهان الْقطعِي وَلَا يتَحَقَّق شَيْء مِنْهَا فِي الطَّرْد، وَيجوز فِيهِ وجود الْمعَارض والمناقض، وَبِالْجُمْلَةِ يحْتَمل أَن لَا يعْتَبر علية الْمدَار الشَّرْع احْتِمَالا قَوِيا (و) فتح بَاب (التَّصَرُّف فِي الشَّرْع) وَهُوَ نوع استهزاء بقواعد الدّين، وتطريق لكل قَائِل أَن يَقُول مَا أَرَادَ فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِلَى غير ذَلِك، (وَهَذَا) الْجَواب (دفع) لحجة القاطعين (من) قبل (الْحَنَفِيّ) فَإِنَّهُ يعْتَبر فِي الْعلَّة الْمُنَاسب وَالِاعْتِبَار من الشَّارِع (وَقَوله) أَي الْمُجيب (من مُنَاسبَة) أُرِيد بهَا الْمُنَاسبَة الْمَخْصُوصَة (أَي الْمُنَاسب المقبول إِجْمَاعًا) أَي مُنَاسبَة الْمُنَاسب الَّذِي قبل إِجْمَاعًا (وَهُوَ) أَي الْمُنَاسب المقبول إِجْمَاعًا (الضَّرُورِيّ) أَي الْوَصْف الْمُشْتَمل على مصلحَة ضَرُورِيَّة لم تهدر فِي مِلَّة كحفظ النَّفس (أَو المصلحي) أَي الْمُشْتَمل على مصلحَة حاجية دون الأول كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَقد مر بيانهما (لَا) من قبل (الشَّافِعِي لِأَنَّهُ) أَي الشَّافِعِي (لَا يمْتَنع أَن يثبت طَرِيقا للعلية) أَي لإثباتها (لَا يجب فِيهَا) أَي فِي تِلْكَ الطَّرِيق (ظُهُور الْمُنَاسبَة كالسبر والدوران) وَإِنَّمَا قَالَ لَا يجب فِيهَا ظُهُورهَا لِأَنَّهُ قد يظْهر فِيهَا لكنه غير لَازم (وَأَن شَرطهَا) أَي الشَّافِعِي الْمُنَاسبَة (فِي نفس الْأَمر) يَعْنِي لم يُصَرح بالاشتراط، لكنه لزم عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر (على معنى أَنه) أَي تَعْلِيله فِي موارده (يدل على ثُبُوتهَا) أَي الْمُنَاسبَة بَينهمَا (فِي نفس الْأَمر، وَقد يخْتَلف) أَي يَقع الِاخْتِلَاف (فِيهِ) أَي فِي ثُبُوتهَا (كَمَا فِي الدوران، وَقيل منشأ الْخلاف فِيهِ) أَي فِي إِفَادَة الدوران الْعلية (عدم أَخذ قيد صَلَاحِية الْوَصْف) للعلية (أما مَعَه) أَي مَعَ ذَلِك الْقَيْد (وَهُوَ) أَي الْقَيْد الْمَذْكُور (مُرَاد) للقائل بإفادة الدوران الْعلية (فَلَا خَفَاء فِي حُصُول ظن عليته) أَي الْوَصْف الْمدَار بعد تحقق الْقَيْد الْمَذْكُور (بالدوران، بِخِلَاف مَا) إِذا (لم يظْهر لَهُ فِيهِ) أَي فِي

الْمدَار (مُنَاسبَة كالرائحة) أَي رَائِحَة الْمُسكر وَظن عليتها (للتَّحْرِيم) فَإِنَّهُ غير موجه لعدم ظُهُور الْمُنَاسبَة بَينهَا وَبَين التَّحْرِيم على وَجه يقتضى عليتها لَهُ (وَأما الشّبَه) الْمَعْدُود من المسالك لِلْعِلَّةِ (عِنْد الشَّافِعِيَّة فَلَيْسَ من المسالك) فِي نفس الْأَمر (لِأَنَّهَا) أَي المسالك إِنَّمَا هِيَ (المثبتة لعلية الْوَصْف) للْحكم (والشبه تثبت عليته بهَا) أَي بالمسالك. وَقد اخْتلفت عباراتهم فِي تَفْسِيره، وَاخْتَارَ المُصَنّف مَا لخص فِي الشَّرْح العضدي فَقَالَ (وَالْمرَاد) بِهِ هَهُنَا (مَا) أَي الْوَصْف الَّذِي (مناسبته) للْحكم (لَيست بِذَاتِهِ) أَي بِالنّظرِ إِلَى ذَات ذَلِك الْوَصْف (بل) مناسبته لَهُ (بشبهه) الْوَصْف الْمُنَاسب بِذَاتِهِ شبها يَقْتَضِي الظَّن بعليته للْحكم (فَيحْتَاج) فِي إِثْبَات عليته (إِلَى الْمُثبت) لَهَا، وَكَذَا قيل فِيهِ: وصف لم يثبت مناسبته إِلَّا بِدَلِيل مُنْفَصِل عَنهُ (فَلَا يَصح إِنْكَاره) أَي إِنْكَار علية الشّبَه (بعد إثْبَاته) أَي إِثْبَات كَونه عِلّة بِالدَّلِيلِ (غير أَنه لَا يثبت) كَونه عِلّة (بالإخالة) بل بِالنَّصِّ أَو الْإِجْمَاع أَو السبر عِنْد الْقَائِل بِهِ (وَإِلَّا) لَو ثَبت بالإخالة أَيْضا (كَانَ) الشّبَه (الْمُنَاسب الْمَشْهُور) وَهُوَ الْمُنَاسب بِذَاتِهِ، وَلَيْسَ إِيَّاه، بل بَينهمَا تقَابل، ثمَّ بَين مِثَاله بقوله (كطهارة) بِالرَّفْع على الْحِكَايَة: أَي كَأَن يُقَال فِي إِلْحَاق إِزَالَة الْخبث بِإِزَالَة الْحَدث فِي تعين المَاء، إِن إِزَالَة الْخبث طَهَارَة (ترَاد للصَّلَاة فَلَا يجزى فِيهَا غير المَاء كَالْوضُوءِ) فَإِنَّهُ طَهَارَة يُرَاد للصَّلَاة لَا يَجْزِي فِيهِ غير المَاء، فالشبه كَونهَا طَهَارَة ترَاد للصَّلَاة لِأَن الْمُنَاسبَة بَينه وَبَين تعين المَاء لَيست بِذَاتِهِ بل بشبهه: وَهُوَ الْوضُوء الَّذِي هُوَ لإِزَالَة الْحَدث فَإِن الشَّارِع قد اعْتبر فِيهِ خُصُوصِيَّة المَاء فِي الصَّلَاة وَمَسّ الْمُصحف وَالطّواف، وَإِطْلَاق الشّبَه على الْوضُوء لكَونه مشتبها بِهِ، إِذْ إِزَالَة الْخبث وَهُوَ الْوضُوء يشبه بِهِ والكون الْمَذْكُور مُشْتَرك بَينهمَا وَإِضَافَة الشّبَه بِمَعْنى المشتبه إِلَيْهِ لأدنى مُلَابسَة، وَإِذا عرفت أَن الْمُنَاسبَة بَينهمَا لَيست لذاته بل لشبهه فَلَا بُد من إِثْبَات كَون الْوَصْف الْمَذْكُور عِلّة للْحكم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَإِن ثَبت بِأحد المسالك أَن كَون الطَّهَارَة ترَاد للصَّلَاة يَصح عِلّة تعين المَاء لزم) فَقَوله أَن مَعَ اسْمهَا وخبرها فَاعل ثَبت وَاسْمهَا كَون، وَقد أضيف إِلَى اسْمه، وَقَوله ترَاد للصَّلَاة خبر كَون، وَقَوله يَصح خبر أَن، وَقَوله عِلّة تعين المَاء تَمْيِيز عَن نِسْبَة يَصح إِلَى ضَمِيره: أَي يَصح الْكَوْن الْمَذْكُور من حَيْثُ عليته للتعيين، وَقَوله لزم جَزَاء الشَّرْط: أَي لزم على ذَلِك التَّقْدِير اعْتِبَار علية كَون الْمَذْكُور (وَإِلَّا) وَإِن لم يثبت بِأحد المسالك مَا ذكر (لَا يُوجِبهُ) أَي تعين المَاء (مُجَرّد اعْتِبَاره) أَي اعْتِبَار الشَّارِع تعين المَاء (فِي) إِزَالَة (الْحَدث) أَي فِي الْوضُوء، فَإِن غَايَته اعْتِبَار خُصُوص المَاء فِيهِ، وَهَذَا لَا يسْتَلْزم أَن يكون عِلّة ذَلِك الِاعْتِبَار الْكَوْن الْمَذْكُور (وعَلى هَذَا أَي على اشْتِرَاط ثُبُوت ذَلِك بِأحد المسالك (فمرجعه) أَي الشّبَه (إِلَى إِثْبَات علية وصف بِأحد

المسالك وَلَيْسَ شَيْئا آخر) فَانْتفى مَا صرح بِهِ الْآمِدِيّ وَغَيره من أَنه من مسالك الْعلَّة، وَنقل الشَّارِح تصريحهم بِأَن الْمُثبت لمناسبة الْوَصْف الشبهي للْحكم اعْتِبَار الشَّارِع إِيَّاه فِي بعض الصُّور بِإِثْبَات الحكم فِي مَحل وجود ذَلِك الْوَصْف الموهم كَونه مناسبا لَا يلْتَفت إِلَيْهِ بعد هَذَا الْبَيَان الْوَاضِح لظُهُور أَن ثُبُوت الحكم فِي مَحل وجود الْوَصْف لَا يسْتَلْزم عليته قَالُوا وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي وَعَلِيهِ أَكثر أَصْحَابه قبُوله وَلم يقبله آخَرُونَ مِنْهُم الباقلاني والصيرفي وَأَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ كأصحابنا (وَيُقَال) الشّبَه (أَيْضا لأشبهية) أحد (وصفين) كائنين (فِي فرع تردد) ذَلِك الْفَرْع (بهما) أَي بِسَبَب ذَيْنك الوصفين (بَين أصلين) بِحَيْثُ يُمكن إِلْحَاق ذَلِك الْفَرْع لكل مِنْهُمَا (كالآدمية والمالية) فَإِنَّهُمَا وصفان كائنان (فِي العَبْد الْمَقْتُول) وَقد (تردد) العَبْد الْمَقْتُول (بهما) أَي بالآدمية والمالية (بَين الْأَصْلَيْنِ الْإِنْسَان وَالْفرس) فَإِن نَظرنَا إِلَى آدميته ألحقناه بالإنسان الْحر وأوجبنا على قَاتله الدِّيَة، غير أَن الدِّيَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد قِيمَته لَا تزاد على عشرَة آلَاف دِرْهَم إِلَّا عشرَة، وان نَظرنَا إِلَى مَالِيَّته ألحقناه بالفرس فأوجبنا عَلَيْهِ الْقيمَة بَالِغَة مَا بلغت كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ، لَكِن العَبْد أشبه بِالْحرِّ، لِأَن مشاركته مَعَ الْحر فِي الْأَوْصَاف وَالْأَحْكَام أَكثر، لكَونه ناطقا قَابلا للصناعات إِلَى غير ذَلِك، فالأشبهية فِي الْحَقِيقَة للموصوف بالوصفين، لكنه أضيف إِلَيْهِمَا لِأَن أَحدهمَا سَبَب لأشبهيته (وَاعْلَم أَن الْحَنَفِيَّة ينسبون الدوران لأهل الطَّرْد وَكَذَا السبر) ينسبونه إِلَيْهِم (إِذْ يُرِيدُونَ) أَي الْحَنَفِيَّة بِأَهْل الطَّرْد (من لَا يشْتَرط ظُهُور التَّأْثِير) فِي الْوَصْف الَّذِي يَدعِي عليته (وَعلمت) فِي المرصد الأول (أَنه) أَي التَّأْثِير عِنْد الْحَنَفِيَّة (يُسَاوِي الملاءمة عِنْدهم) أَي الشَّافِعِيَّة، فِيهِ أَن التَّأْثِير عِنْد الْحَنَفِيَّة أَعم من الملاءمة لصدقه على مُؤثر الشَّافِعِيَّة أَيْضا على مَا مر، فَكَأَنَّهُ لدورانه لَا يتَجَاوَز الملاءمة بعد الْمُؤثر (وعَلى هَذَا) أَي على التَّسَاوِي الْمَذْكُور (فَمن الطَّرْد) بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (الإخالة) لِأَنَّهَا إبداء الْمُنَاسبَة بَين الْوَصْف وَالْحكم من غير اعْتِبَار ظُهُور التَّأْثِير (وَيُؤَيِّدهُ) أَي كَون المُرَاد من الطَّرْد عِنْدهم مَا ذكر (تصريحهم) أَي الْحَنَفِيَّة (بِأَن عَامَّة أهل النّظر مالوا إِلَى الِاحْتِجَاج بِهِ) أَي بالطرد (وَمَعْلُوم تصريحهم) أَي الْحَنَفِيَّة (بِأَن علل الشَّرْع لَا بُد فِيهَا من الْمُنَاسبَة) فَلَا يحْتَمل أَن يُرِيدُوا بالطرد مَالا مُنَاسبَة فِيهِ أصلا، لِأَنَّهُ خلاف مَا أجمع عَلَيْهِ من لُزُوم الْمُنَاسبَة فِي الْجُمْلَة (فَلَيْسَ أَهله) أَي الطَّرْد (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (إِلَّا من ذكرنَا) أَي من لَا يشْتَرط ظُهُور التَّأْثِير الَّذِي شَرطه الْحَنَفِيَّة (فَلَا أحد يضيف حكم الشَّرْع إِلَى مَالا مُنَاسبَة لَهُ أصلا) أَي إِلَى وصف لَا مُنَاسبَة بَينه وَبَين الحكم بجعله عِلّة لَهُ (كالطول وَالْقصر) فَإِنَّهُمَا فِي عدم الْمُنَاسبَة بِحَيْثُ لَا يضيف إِلَيْهِمَا أحد حكما من الْأَحْكَام، وَلِهَذَا لَا يجد التَّعْلِيل بِأَحَدِهِمَا فِي

التَّعْلِيل بأمثالهما فِي الشَّرْع فِي مَذْهَب من الْمذَاهب أصلا، بِخِلَاف الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة فَإِنَّهُ قد يُعلل بهما (فالطرد مَا) أَي وصف (لَا مُنَاسبَة لَهُ) مُنَاسبَة (يثبت اعْتِبَارهَا اتِّفَاقًا) أَي لَو ثَبت اعْتِبَارهَا مُنَاسبَة بالِاتِّفَاقِ، بل اخْتلف فِي اعْتِبَارهَا مِنْهُم من اعتبرها، وَمِنْهُم من لَا يَعْتَبِرهَا (وَالْخلاف فِيمَا بِهِ الِاعْتِبَار (فالحنفية) يَقُولُونَ (لَيْسَ) مَا بِهِ الِاعْتِبَار (إِلَّا التَّأْثِير الَّذِي هُوَ الملاءمة) الْمُعْتَبرَة (للشَّافِعِيَّة) بِمَا مر (وَالشَّافِعِيَّة) تعْتَبر الْمُنَاسبَة (بغَيْرهَا) أَي الملاءمة (أَيْضا، وَلَا يخْتَلف) بِصِيغَة الْمَجْهُول (فِي أَن الشَّارِع إِذا وضع أمرا) لِأَن يكون (عَلامَة) دَالَّة (على حكم كالدلوك) أَي كوضعه زَوَال الشَّمْس أَو غُرُوبهَا عَلامَة (على الْوُجُوب) أَي وجوب الصَّلَاة بقوله تَعَالَى - {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} - (أضيف) ذَلِك الحكم (إِلَيْهِ) أَي إِلَى مَا جعل عَلامَة عَلَيْهِ من غير توقف على بَيَان مُنَاسبَة أَو ملاءمة (لكنه) أَي ذَلِك الْأَمر (لَيْسَ عِلّة) لذَلِك الحكم (إِلَّا مجَازًا) لمشاركته إِيَّاهَا فِي كَونه عَلامَة للْحكم، وَالْعلَّة لَهُ حَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الْخطاب، وَاصْطِلَاحا مَا شرع الحكم عِنْده لحُصُول مصلحَة. (وَاعْلَم أَن الأمارة فِي اصْطِلَاح الْحَنَفِيَّة لَيست بشهرة الْعَلامَة) أَي لَيست بمشهورة بشهرة كشهرة الْعَلامَة، بل الْعَلامَة عِنْدهم أشهر (وتقسيمهم) أَي الْحَنَفِيَّة (الْخَارِج) عَن الحكم (الْمُتَعَلّق بالحكم إِلَى مُؤثر فِيهِ) أَي فِي الحكم (ومفض إِلَيْهِ) أَي موصل إِلَى الحكم (بِلَا تَأْثِير) هما (الْعلَّة وَالسَّبَب، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْخَارِج مؤثرا وَلَا مفضيا إِلَيْهِ (فَإِن توقف عَلَيْهِ) أَي على هَذَا الْخَارِج (الْوُجُود) أَي وجود الحكم (فَالشَّرْط وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْخَارِج مؤثرا وَلَا مفضيا إِلَيْهِ، فَإِن توقف عَلَيْهِ: أَي على هَذَا الْخَارِج الْوُجُود: أَي وجود الحكم فَالشَّرْط، وَإِن لم يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوُجُود (فَإِن دلّ) ذَلِك الْخَارِج (عَلَيْهِ) أَي على الحكم بِأَن يكون الْعلم بتحققه مستلزما للْعلم بِوُجُود الحكم (فالعلامة). قَوْله تقسيمهم مُبْتَدأ، وَمَا بعده مُتَعَلق بِهِ، وَخَبره مَحْذُوف بِقَرِينَة السِّيَاق والسباق، يَعْنِي يُفِيد مَا قُلْنَا من أَن الْعَلامَة لَيست بعلة حَقِيقِيَّة، ثمَّ ذكر تقسيمهم هَهُنَا تَوْطِئَة لتفصيل كل وَاحِد مِنْهُم من هَذِه الْأَقْسَام وتقسيمه إِلَى أَقسَام سوى الْعلَّة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فالعلة) الْحَقِيقِيَّة وَمَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْعلَّة بالاشتراك أَو بالمجاز (تقدّمت بأقسامها) فِي تَتِمَّة من المرصد الأول (وَهَذَا) الَّذِي نشرع فِيهِ (تقسيمهم مَا سواهَا) أَي الْعلَّة (فالسبب تجب) أَن تكون (الْعلَّة بَينه) أَي بَين السَّبَب (وَبَين الحكم) لِأَنَّهُ لَا بُد لَهُ من عِلّة مُؤثرَة فِيهِ أَو مَوْضُوعَة لَهُ، وَالسَّبَب طَرِيق مفض إِلَيْهِ من غير تَأْثِير فِيهِ وَوضع لَهُ (فَلَمَّا تُضَاف) الْعلَّة (إِلَيْهِ) أَي إِلَى السَّبَب (كالسوق) للدابة (الْمُضَاف إِلَيْهِ الْعلَّة وَطْؤُهَا) عطف بَيَان لِلْعِلَّةِ: أَي وَطْء الدَّابَّة نفسا أَو مَالا، فالسوق سَبَب التّلف، وَلَيْسَ بعلة لَهُ لِأَنَّهُ (لم يوضع للتلف) بل لسير الدَّابَّة لما يُرَاد بِهِ (وَلم يُؤثر فِيهِ) أَي فِي التّلف (بل

طَرِيق) مفض (إِلَيْهِ) وَالْعلَّة المؤثرة وَطْء الدَّابَّة بقوائمها (فالسبب فِي معنى الْعلَّة) أَي إِذا كَانَ السَّبَب بِحَيْثُ تُضَاف إِلَيْهِ الْعلَّة فَهُوَ فِي معنى الْعلَّة لحدوث الْعلَّة بِهِ فَإِن السُّوق يحمل الدَّابَّة على ذَلِك كرها (فَلهُ) أَي لهَذَا السَّبَب (حكمهَا) أَي الْعلَّة (فِيمَا يرجع إِلَى بدل الْمحل) أَي مَحل الحكم وَهُوَ الْإِتْلَاف هُنَا: يَعْنِي الضَّمَان (لَا) فِيمَا يرجع إِلَى (جَزَاء الْمُبَاشرَة، فَعَلَيهِ) أَي على السَّائِق (الدِّيَة) إِذا وطِئت إنْسَانا فَقتلته لِأَنَّهَا بدل الْمحل، والسوق وَإِن جَازَ للْحَاجة إِلَيْهِ لَكِن بِشَرْط السَّلامَة، وَالْقَصْد لَيْسَ بِشَرْط الضَّمَان فِي حُقُوق الْعباد، والعجماء إِنَّمَا يكون فعلهَا جبارا إِذا لم يكن لَهَا قَائِد وَلَا سائق (لَا) علية (حرمَان الْإِرْث وَنَحْوه) من الْكَفَّارَات لَا الْقصاص لِأَنَّهَا جَزَاء الْمُبَاشرَة (وَالشَّهَادَة) بِالْجَرِّ عطفا على السُّوق، مِثَال آخر للسبب الْمُضَاف إِلَيْهِ الْعلَّة (للْقصَاص) أَي لوُجُوبه فَإِن الشَّهَادَة (لم تُوضَع لَهُ) أَي للْقصَاص (وَلم تُؤثر فِيهِ بل) هِيَ (طَرِيقه) أَي الْقصاص (وعلته) أَي الْقصاص (الْمُتَوَسّط) أَي مَا توَسط بَين الشَّهَادَة وَوُجُوب الْقصاص (من فعل) الْفَاعِل (الْمُخْتَار الْمُبَاشر للْقَتْل: لَكِن فِيهِ) أَي السَّبَب الَّذِي هُوَ الشَّهَادَة (معنى الْعلَّة لِأَنَّهَا) أَي الشَّهَادَة مؤدية إِلَى الْقَتْل بِوَاسِطَة إِيجَابهَا الْقَضَاء) على القَاضِي فَيحكم بِوُجُوبِهِ (و) بِوَاسِطَة (اخْتِيَار الْوَلِيّ) أَي ولي الْمَقْتُول (إِيَّاه) أَي الْقَتْل (على الْعَفو) فَإِن الِاخْتِيَار فرع الْقُدْرَة الْحَاصِلَة بِالشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا سلطته عَلَيْهِ (فَعَلَيْهِم) أَي الشُّهُود (برجوعهم) عَن الشَّهَادَة (الدِّيَة) لِأَنَّهَا بدل الْمحل (لَا الْقصاص لِأَنَّهُ) أَي الْقصاص (جَزَاء الْمُبَاشرَة) للْقَتْل فَإِن الْجَزَاء يجب أَن يكون مماثلا للْفِعْل الْمُوجب لَهُ (وَعند الشَّافِعِي يقْتَصّ) من الشُّهُود الراجعين (إِذا قَالُوا تعمدنا الْكَذِب وَعلم من حَالهم أَنه لم يخف عَلَيْهِم قبولهم) أَي قبُول شَهَادَتهم، وَإِن كَانُوا مِمَّن يجوز أَن يخفى عَلَيْهِ مثله لقرب عَهدهم بِالْإِسْلَامِ حلفوا عَلَيْهِ، وَلَا يجب الْقصاص وعزروا، وَتجب دِيَة مُغَلّظَة فِي أَمْوَالهم إِلَّا أَن تصدقهم الْعَاقِلَة فَيكون عَلَيْهِم، وَإِنَّمَا يقْتَصّ مِنْهُم عِنْد ذَلِك (جعلا للسبب) الْقوي (الْمُؤَكّد بِالْقَصْدِ الْكَامِل كالمباشرة) فِي إِيجَاب الْقصاص (وَدفع) قَوْله (بِأَن الْقصاص بالمماثلة وَلَيْسَت) الْمُمَاثلَة ثَابِتَة (بَين الْمُبَاشرَة والتسبب وَإِن قوي) السَّبَب وتأكد، وَفِي الْكَشْف وَالتَّحْقِيق وَقَالَ القَاضِي الإِمَام أَبُو زيد لهَذَا السَّبَب حكم الْعلَّة من كل وَجه لِأَن عِلّة الحكم لما حدثت بِالْأولَى صَارَت الْعلَّة الْأَخِيرَة حكما للأولى مَعَ حكمهَا، لِأَن حكم الثَّانِيَة مُضَاف إِلَيْهَا، وَهِي مُضَافَة إِلَى الأولى فَصَارَت الأولى بِمَنْزِلَة عِلّة لَهَا حكمان انْتهى، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن شُبْهَة، وَالْحُدُود تندرئ بِالشُّبُهَاتِ فَتَأمل. (وَمِنْه) أَي السَّبَب فِي معنى الْعلَّة (وضع الْحجر) فِي الطَّرِيق (وإشراع الْجنَاح) فِيهِ، الْجنَاح رُءُوس الأخشاب الَّتِي تخرج من فَوق الْبَيْت. بِمِقْدَار ذِرَاع أَو أَكثر حَتَّى يَبْنِي عَلَيْهِ بعض بَيت الْعُلُوّ، وإشراعه إِظْهَاره وإخراجه (والحائط المائل

بعد التَّقَدُّم) أَي ترك هَدمه بعد أَن مَال إِلَى الطَّرِيق، أَو إِلَى دَار جَاره بعد مُطَالبَة بعض النَّاس أَو الْجَار نقضه (فَالْوَجْه أَنه) أَي كلا من هَذِه (مثله) أَي مثل السَّبَب فِي معنى الْعلَّة (لتعديه فِي إبْقَاء الْفِعْل) الْمُسَبّب للتلف، لَا أَنه من (السَّبَب) فِي معنى الْعلَّة لِأَن الْعلَّة لَا تُضَاف إِلَيْهِ لِأَن سَبَبِيَّة ترك هدم الْحَائِط مثلا لَيست فِي رُتْبَة سَبَبِيَّة السُّوق للتلاف (وَإِمَّا لَا تُضَاف) الْعلَّة (إِلَيْهِ) أَي السَّبَب (لكَونهَا) أَي الْعلَّة (فعلا اختياريا كدلالة السَّارِق) أَي كدلالة شخص سَارِق على مَال آخر ليسرقه (الْمُتَوَسّط سَرقته) الَّتِي هِيَ فعل اخْتِيَاري يباشره السَّارِق (فالحقيقي) أَي فَهَذَا السَّبَب يُقَال لَهُ السَّبَب الْحَقِيقِيّ لتمحضه فِي السَّبَبِيَّة من غير كَونه فِي معنى الْعلَّة لعدم إضافتها إِلَيْهِ لتخلل الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ بَينه وَبَين الحكم (فَلَا يُضَاف الحكم إِلَيْهِ) أَي إِلَى السَّبَب كَمَا لَا تُضَاف الْعلَّة إِلَيْهِ (فَلَا يضمن دَال السَّارِق) الْمَسْرُوق، لِأَن الْإِتْلَاف مُضَاف إِلَى فعل السَّارِق، لَا إِلَى الدَّال كَمَا سيشير إِلَيْهِ (وَلَا يُشْرك فِي الْغَنِيمَة الدَّال) للمجاهدين (على حصن فِي دَار الْحَرْب) بِوَصْف طَرِيقه (لقطع نِسْبَة الْفِعْل) وَهُوَ الْإِتْلَاف فِي الأول، والاغتنام فِي الثَّانِي (إِلَيْهِ) أَي إِلَى السَّبَب وَهُوَ الدّلَالَة لتخلل اخْتِيَار الْمُبَاشر بَينه وَبَين الحكم فدلالته سَبَب مَحْض. قَالَ الشَّارِح: نعم لَو ذهب مَعَهم فدلهم على الْحصن شركهم فِي الْغَنِيمَة فِيهِ لِأَن فعله حِينَئِذٍ سَبَب فِيهِ معنى الْعلَّة (وَلَا) يضمن (دَافع السكين لصبي) ليمسكها للدافع (فَقتل) الصَّبِي بهَا (نَفسه) لِأَن ضربه نَفسه صَار بِاخْتِيَارِهِ غير مُضَاف إِلَى الدَّافِع. قَالَ الشَّارِح فِي تَعْلِيله لِأَنَّهُ أمره بالإمساك، لَا بِالِاسْتِعْمَالِ انْتهى وَلَا يخفى أَن هَذَا يُفِيد أَنه لَو أمره بِالِاسْتِعْمَالِ يضمن، وتعليلهم لعدم الضَّمَان بتخلل الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ بَين هَذَا السَّبَب وَقَتله نَفسه يدل على عدم ضَمَانه، وَأَن أمره بِالِاسْتِعْمَالِ لتخلل الْفِعْل الْمَذْكُور بَين الْأَمر والتلاف: نعم عدم الضَّمَان عِنْد الْأَمر بالإمساك دون الِاسْتِعْمَال أظهر (بِخِلَاف سُقُوطهَا) أَي بِخِلَاف مَا إِذا دَفعهَا ليمسكها فَسَقَطت بِلَا قصد (مِنْهُ) أَي من الصَّبِي على وَجه أهلكته فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يضمن الدَّافِع لعدم تخَلّل فعل اخْتِيَاري من الصَّبِي متوسط بَين الدّفع والهلاك، فالدفع حِينَئِذٍ سَبَب فِي معنى الْعلَّة الَّتِي هِيَ السُّقُوط لِأَنَّهَا تُضَاف إِلَيْهِ وَلم يتوسط بَينهمَا إِلَّا الْإِمْسَاك الَّذِي هُوَ حكم الدّفع (وَلَا) يضمن (الْقَائِل) لغيره (تزَوجهَا) أَي هَذِه الْمَرْأَة (فَإِنَّهَا حرَّة) فَتَزَوجهَا واستولدها ثمَّ ظهر أَنَّهَا أمة شخص (لقيمة الْوَلَد) الَّذِي أَدَّاهَا إِلَى ذَلِك الشَّخْص لتخلل الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ وَهُوَ العقد بَين الْإِخْبَار وَالِاسْتِيلَاد (بِخِلَاف تَزْوِيج الْوَلِيّ أَو الْوَكِيل) أَي وَليهَا أَو وكيلها (بِالشّرطِ) أَي بِشَرْط أَنَّهَا حرَّة (الْمَغْرُور) مفعول التَّزْوِيج، يَعْنِي الْمُقدم إِلَى الزواج بِنَاء على الشَّرْط الَّذِي ظهر خِلَافه آخرا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يرجع الزَّوْج بِقِيمَة الْوَلَد على الْوَلِيّ أَو الْوَكِيل فَإِن الشَّرْط

من الْوَلِيّ وَالْوَكِيل بِمَنْزِلَة قَوْله أَنا ضَامِن بِمَا يلحقك بِسَبَب هَذَا التَّزَوُّج، وَقيل لِأَن الِاسْتِيلَاد حكم التَّزْوِيج لكَونه مَوْضُوعا لطلب النَّسْل، وَفِيه مَا فِيهِ (وَلَا يلْزم) على هَذِه الْمسَائِل بطرِيق النَّقْض أَن يُقَال (الْمُودع وَالْمحرم) إِذا دلّ سَارِقا وصائدا (على الْوَدِيعَة وَالصَّيْد) فَسرق وصاد (يضمنَانِ) أَي الْمُودع وَالْمحرم الْمَسْرُوق جَزَاء الصَّيْد (وهما مسببان) على صِيغَة الْفَاعِل يَعْنِي فعلهمَا سَبَب مَحْض لتخلل الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ بَينه وَبَين الحكم، ثمَّ علل عدم اللُّزُوم بقوله (لِأَن ضَمَان الْمُودع بترك الْحِفْظ) الْمُلْتَزم بِعقد الْوَدِيعَة، وَهُوَ مبَاشر مَا يُخَالف الْتِزَامه بِدلَالَة السَّارِق (و) ضَمَان (الْمحرم بِإِزَالَة الْأَمْن) عَن الصَّيْد وَقد الْتَزمهُ بِالْإِحْرَامِ (المتقررة) صفة الْإِزَالَة (بِالْقَتْلِ) فقد بَاشر الْإِزَالَة بِدلَالَة الْقَاتِل عَلَيْهِ، وَلذَا قَالَ (فَهُوَ) أَي كل وَاحِد مِنْهُمَا (مبَاشر) للجناية على الْوَدِيعَة وَالصَّيْد، فضمانه بِالْمُبَاشرَةِ لَا بالتسبب (بِخِلَافِهَا) أَي بِخِلَاف الدّلَالَة (على صيد الْحرم) وَالدَّال غير محرم فَإِنَّهُ إِذا قَتله الْمَدْلُول لَا يضمن الدَّال (لِأَن أَمنه) أَي صيد الْحرم (بِالْمَكَانِ) وَهُوَ الْحرم الْأَمْن إِلَى آخر الدُّنْيَا (وَلم يزل) مِنْهُ (بِالدّلَالَةِ) فَكَانَ سَببا مَحْضا (بِخِلَاف غَيره) أَي غير صيد الْحرم من صيود الْمحرم (فَإِنَّهُ) أَي أَمن غَيره (بتواريه) وتستره ببعده عَن أعين النَّاس (فالدلالة عَلَيْهِ) أَي على غير صيد الْحرم (إِزَالَة أَمنه وَهُوَ) أَي هَذَا السَّبَب الَّذِي هُوَ إِزَالَة الْأَمْن (الْجِنَايَة على إِحْرَامه) يَعْنِي أَن إِزَالَة الْأَمْن فِي غير صيد الْحرم إِنَّمَا وَجب لكَونه جِنَايَة على الْإِحْرَام لَا لذاتها، وَإِلَّا لزم إِيجَاب الضَّمَان فِي حق غير الْمحرم أَيْضا، ثمَّ حَقِيقَة الدّلَالَة احداث الْعلم فِي الْغَيْر فَلَزِمَ عدم كَون الْمَدْلُول عَالما بمَكَان الصَّيْد قبل الدّلَالَة وَأَن لَا يكذب الدَّال فَلَو كَانَ عَالما أَو كذب لَا يضمن الدَّال، وَيجب أَيْضا أَن يتَّصل الْقَتْل بِالدّلَالَةِ حَتَّى لَو أَخذه بدلالته ثمَّ انفلت ثمَّ أَخذه فَقتله لم يضمن الدَّال لانْتِهَاء دلَالَته بالانقلاب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله فِيمَا سبق المتقررة (وفتوى الْمُتَأَخِّرين بِالضَّمَانِ بالسعاية) أَي بِأَن يسْعَى فِي حق غَيره بِغَيْر حق إِلَى حَاكم ظَالِم فيغرمه المَال ظلما (بِخِلَاف الْقيَاس) لتخلل الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ من الظَّالِم، وَهُوَ الْأَخْذ ظلما بَين السّعَايَة واتلاف المَال، وَإِنَّمَا أفتوا (اسْتِحْسَانًا لغَلَبَة السعاة) بِغَيْر الْحق إِلَى الظلمَة فِي زَمَاننَا، وَبِه يُفْتى سدا لهَذَا الْبَاب (وَيَنْبَغِي مثله) أَي الافتاء بِالضَّمَانِ، بِخِلَاف الْقيَاس اسْتِحْسَانًا (لَو غلب غصب الْمَنَافِع) فَإِنَّهُ على خلاف الْقيَاس لعدم كَونهَا محرزا لتجددها، وَالْغَصْب إِثْبَات الْيَد المبطلة، وَإِبْطَال الْيَد المحقة، وَذَلِكَ فرع فِي الْإِحْرَاز، وَإِنَّمَا قَالَ يَنْبَغِي إِلَى آخِره زجرا للغصبة عَن ذَلِك (وَيُقَال لفظ السَّبَب مجَازًا على الْمُعَلق من تطليق وإعتاق وَنذر بِمَا) أَي بِشَرْط مُتَعَلق بالمعلق (لَا يُرِيد) الْمُعَلق (كَونه) أَي وجوده: كَانَ دخلت فَأَنت طَالِق أَو فُلَانَة حرَّة أَو فعلي لله صِيَام سنة قبل وجود الشَّرْط

وَالتَّقْيِيد بِقَيْد لَا يُرِيد كَونه مُوَافق لما قَالَ بعض الشُّرَّاح من أَن التَّعْلِيق بِشَرْط يُريدهُ مفض إِلَى وجود الشَّرْط المفضي إِلَى الحكم (وعَلى الْيَمين) بِاللَّه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث (إِذْ لَيست) الْمَذْكُورَات (مفضية إِلَى الْوُقُوع) فِي المعلقات (و) إِلَى (الخنث) فِي الْيَمين أما الأول فَلِأَنَّهُ أَرَادَ بهَا منع نَفسه من الشَّرْط احْتِرَازًا عَن الْوُقُوع، وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهَا شرعت للبر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بل) هِيَ (مَانِعَة) من الْوُقُوع والحنث (وَإِنَّمَا) يكون (لَهَا) أَي لهَذِهِ الْمَذْكُورَات (نوع إفضاء) إِلَى الحكم (فِي الْجُمْلَة وَلَو) كَانَ ذَلِك الْإِفْضَاء (بعد حِين) عِنْد تحقق الشَّرْط والحنث، وَإِنَّمَا قَالَ نوع إفضاء لِأَنَّهُ لَو لم يكن التَّعْلِيق وَالْيَمِين لما وَقع شَيْء مِمَّا ترَتّب على الشَّرْط والحنث وَإِن قيل، وَلِأَن الْمَرْء حَرِيص لما منع فَلَا يَخْلُو عَن وَجه (فَهِيَ) أَي هَذِه التعليقات وَالْيَمِين سَبَب (مجَاز) أَي مجازي بِتِلْكَ الرَّائِحَة من الْإِفْضَاء الْمَذْكُور (وَإِذا صدر الشَّرْط الْمُعَلق صَار) الْمُعَلق بِهِ (عِلّة حَقِيقِيَّة) للوقوع لتأثيره فِيهِ مَعَ الْإِضَافَة إِلَيْهِ واتصاله بِهِ كَالْبيع للْملك (بِخِلَاف السَّبَب فِي معنى الْعلَّة لِأَنَّهُ لم يُؤثر فِي الْمُسَبّب) وَهُوَ الحكم (وَأَن اثر فِي علته) أَي عِلّة الحكم على مَا عرفت فِي سوق الدَّابَّة إِذا وطِئت إنْسَانا فَقتلته (فَلم تنتف حَقِيقَة السَّبَبِيَّة) فِي السَّبَب بِمَعْنى الْعلَّة (بِوُجُود التَّأْثِير) وَلَو أثرت فِي نفس الحكم لانتفت (ثمَّ للمعلق الْمجَاز) أَي الَّذِي هُوَ سَبَب مجَازًا (شبه الْعلَّة الْحَقِيقِيَّة) من حَيْثُ الحكم (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (خلافًا لزفَر) فَإِنَّهُ لَا يَقُول بشبهه (وثمرته) أَي الْخلاف تظهر (فِي تَنْجِيز الثَّلَاث) بعد تَعْلِيق بَعْضهَا أَو جَمِيعهَا على شَرط لم يُوجد بعد (يبطل) تنجيزها (التَّعْلِيق عِنْدهم، خلافًا لَهُ) حَتَّى لَو عَادَتْ إِلَيْهِ بعد زوج آخر وَوجد الْمُعَلق عَلَيْهِ لَا يَقع الْمُعَلق عِنْدهم، وَيَقَع عِنْده (وَهِي) أَي هَذِه المسئلة (طَوِيلَة فِي فقههم، والمبنى) فِي الْإِبْطَال وَعَدَمه (الِاحْتِيَاج) أَي احْتِيَاج الْمُعَلق فِي الْبَقَاء (إِلَى بَقَاء الْمحل للشُّبْهَة) بِالْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّة (وَعَدَمه) أَي وَعدم احْتِيَاج الْمُعَلق فِي الْبَقَاء إِلَى بَقَاء الْمحل (لعدمها) أَي عدم شُبْهَة الْعلَّة الْحَقِيقِيَّة للمعلق، وَإِنَّمَا قُلْنَا بشبه الْعلية فِيهِ لِأَنَّهُ كاليمين بِاللَّه شرع لتأكيد الْبر الْمَضْمُون بالجزاء، أَو هُوَ كَونه بِحَيْثُ إِن فَاتَ لزم الْجَزَاء أَو الْكَفَّارَة فالبر الْمُؤَكّد أَمر ثَابت بِسَبَب هُوَ التَّعْلِيق وَالْيَمِين، وَهَذَا الثَّابِت مَضْمُون باللازم الْمَذْكُور على الْوَجْه الَّذِي ذكر، وكل شَيْء يكون الثَّابِت بِسَبَبِهِ مَضْمُونا بِهِ لشُبْهَة الثُّبُوت فاللازم الْمَذْكُور لَهُ شُبْهَة الثُّبُوت، وَمن ضروريته تحقق شُبْهَة الثُّبُوت بِسَبَبِهِ الَّذِي هُوَ التَّعْلِيق وَالْيَمِين، أَلا ترى أَن وجوب رد الْعين ثَبت بِسَبَب الْغَصْب مَضْمُونا بِالْقيمَةِ عِنْد فَوَاته، وَيصِح الْإِبْرَاء عَن الْقيمَة حَال قيام الْعين، وَكَذَا الْكفَالَة بهَا وَالرَّهْن، فلولا أَن للقيمة شُبْهَة الثُّبُوت لما صَحَّ ذَلِك، وشبهة الشَّيْء مُعْتَبرَة بحقيقته فَلَا يسْتَغْنى عَن الْمحل بحقيقته. وَقَالَ زفر لَيْسَ فِيهِ شُبْهَة الْحَقِيقَة لِأَنَّهُ فرض للتطليق

مثلا وَفرض الشَّيْء غَيره فَلَا يستدعى محلا، وَلذَا صَحَّ تَعْلِيق طَلَاق الْمُطلقَة ثَلَاثًا بتزوجها فَيَقَع لَو تزَوجهَا بعد التَّحْلِيل فَلم يستدع ابتداؤه الْمحل، فبقاؤه وَهُوَ أسهل أولى، وَاشْتِرَاط الْملك عِنْد ابْتِدَاء التَّعْلِيق ليَكُون الْجُزْء الْمَوْقُوف على الْملك غَالب الْوُجُود بالاستصحاب فَيجْعَل تَأْكِيد الْبر الْمَقْصُود من الْيَمين، وَلَا حَاجَة للتعليق بِالْملكِ إِلَى ذَلِك لتيقن وجوده عِنْد فَوَات الْبر بِالتَّزْوِيجِ مثلا وَمَعَ هَذَا لَا يشْتَرط عِنْد بَقَائِهِ فَلَا يبطل التَّعْلِيق بِزَوَال الْملك بِأَن يطلقهَا دون الثَّلَاث، فَكَذَا بِزَوَال الْحل بِأَن يطلقهَا ثَلَاثًا قُلْنَا شُبْهَة الثُّبُوت للمعلق بِالنِّكَاحِ مُحَققَة لِأَن ملك النِّكَاح عِلّة ملك الطَّلَاق وَصِحَّته، وَلَيْسَ للشَّيْء قبل عِلّة صِحَّته حَقِيقَة الثُّبُوت فَكَذَا شبهته فَلم يشْتَرط للمعلق بِالنِّكَاحِ قيام الْمحل بِخِلَاف الْمُعَلق بِغَيْرِهِ، وَأَيْضًا ملك الطَّلَاق مُسْتَفَاد من ملك النِّكَاح، وَلما استدعى صِحَة ملك النِّكَاح الْحل، لَا الْملك استدعى ملك الطَّلَاق إِيَّاه أَيْضا، فالمنافي لَهَا زَوَال الْحل لَا الْملك كَذَا فِي مرْآة الْأُصُول، وَلَا يخفى أَن الْمُدعى شُبْهَة الْعلَّة للمعلق، وَالدَّلِيل يُفِيد شُبْهَة الثُّبُوت فِيهِ، وَبَيَان تحقق شبهته فِي السَّبَب الَّذِي هُوَ التَّعْلِيق زَائِد على الْمَقْصُود: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون إِشَارَة إِلَى دَلِيل آخر على الِاحْتِيَاج إِلَى بَقَاء الْمحل، ثمَّ المُرَاد بِنَفْي شُبْهَة الْحَقِيقَة فِي قَول زفر شُبْهَة الْمُعَلق بالمنجز الَّذِي هُوَ عِلّة للطَّلَاق مثلا، وَقَوله إِلَى آخِره لَا حَاجَة لزفَر إِلَيْهِ، وَقَوله وَمَعَ هَذَا أَي مَعَ اشْتِرَاط ابْتِدَاء التَّعْلِيق فِي المنازع فِيهِ، وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ إطناب من غير تَنْقِيح (وَجَرت عَادَتهم) أَي الْحَنَفِيَّة (أَن يعينوا) أَي بِأَن يعينوا (أَسبَاب المشروعات) لَا خلاف فِي أَن الشَّارِع هُوَ الله الْمُنْفَرد بِإِيجَاب الْأَحْكَام غير أَن جلها مُضَافَة إِلَى مَا هُوَ سَبَب فِي الظَّاهِر ليتوصلوا بِهِ إِلَى مَعْرفَتهَا تيسيرا على الْعباد (قَالُوا: السَّبَب لوُجُوب الْإِيمَان أَي التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار) بِوُجُودِهِ تَعَالَى ووحدانيته وَسَائِر صِفَاته على مَا عرف فِي الْكَلَام (حُدُوث الْعَالم) أَي كَونه مَسْبُوقا بِالْعدمِ وافتقاره إِلَى مُؤثر وَاجِب لذاته قطعا للتَّعْلِيل، وَلذَا يُسمى عَالما فَإِنَّهُ يحصل الْعلم بِوُجُود الصَّانِع وَهُوَ (كل مَا سواهُ تَعَالَى مِمَّا فِي الْآفَاق والأنفس) وَيجوز أَن يكون كل بِالْجَرِّ على الْبَدَل من الْعَالم. قَالَ الله تَعَالَى: - {سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق وَفِي أنفسهم} - الْآيَة (أَي أصل الْوُجُوب) فِي الذِّمَّة، لَا وجوب الْأَدَاء (فَلِذَا) أَي لأجل كَون السَّبَب حُدُوثه (صَحَّ إِيمَان الصَّبِي الْعَاقِل) لتحَقّق سَبَب الْوُجُوب، وَأَدَاء الْوَاجِب بعد تحقق سَبَب وُجُوبه صَحِيح، ثمَّ تحقق رُكْنه وَهُوَ التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار الصَّادِر عَن نظر وَتَأمل عَن أَهله (وَقد ثَبت الحكم بِهِ) أَي بِالْإِيمَان (عَلَيْهِ) أَي على الصَّبِي (شرعا اتِّفَاقًا تبعا) لِأَبَوَيْهِ (فَيصح) إيمَانه (مَعَ إِقْرَاره اخْتِيَارا) صادرا (عَن اعْتِقَاد صَحِيح) بطرِيق (أولى) لِأَنَّهُ إِذا حكم بِصِحَّة الْإِيمَان من غير إِقْرَار وَلَا اخْتِيَار من غير أَهْلِيَّة بِمُجَرَّد التّبعِيَّة فإيمان من استجمع ذَلِك أولى بالحكم بِالصِّحَّةِ (وَتقدم

مَا فِيهِ) أَي فِي تحقق أصل الْوُجُوب فِي الصَّبِي الْعَاقِل من خلاف شمس الْأَئِمَّة فِي الْفَصْل الرَّابِع فِي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَمَا يتَعَلَّق بِهِ (فَأَما وجوب الْأَدَاء) للْإيمَان (فَأَبُو الْيُسْر) أَي فَقَالَ أَبُو الْيُسْر هُوَ (بِالْخِطَابِ) أَي ببلوغ الْخطاب التكليفي بعد الْبلُوغ (عِنْد عَامَّة الْمَشَايِخ فعذر من بلغ بشاهق) فِي الْقَامُوس: الشاهق الْمُرْتَفع من الْجبَال والأبنية وَغَيرهَا (وَلم يبلغهُ) الْخطاب الْمُتَعَلّق بِالْإِيمَان إِذا مَاتَ من غير إِيمَان وَإِن أدْرك مُدَّة أمكن فِيهَا التَّأَمُّل وَالنَّظَر فِي الْآيَات (و) عِنْد (الآخرين) مِنْهُم القَاضِي أَبُو بكر وفخر الْإِسْلَام هُوَ (بِالْأولِ) أَي بحدوث الْعَالم فَلَا يعْذر من ذكر بَعْدَمَا أدْرك الْمدَّة الْمَذْكُورَة (وَشرط الْخطاب) أَي بُلُوغه فِي أَوَان التَّكْلِيف عِنْد الآخرين (فِيمَا) أَي فِي حكم (يحْتَمل النّسخ) من الْأَحْكَام العملية (وَهُوَ) أَي هَذَا الِاخْتِلَاف (بِنَاء على اسْتِقْلَال الْعقل يدْرك إِيجَابه) تَعَالَى للْإيمَان (و) على (عَدمه) أَي عدم استقلاله بذلك كَمَا هُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء (و) هُوَ الْمُخْتَار (تقدم) الْكَلَام فِي هَذَا فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي الحكم (و) السَّبَب (لوُجُوب الصَّلَاة الْوَقْت) أَي وَقتهَا الْمَشْرُوعَة هِيَ فِيهِ، لإضافتها إِلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى - {وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} - لِأَنَّهَا تفِيد الِاخْتِصَاص وكماله فِي السَّبَبِيَّة، ولتكرر وُجُوبهَا بتكرره، وَلعدم صِحَّتهَا قبله كَمَا قَالُوا (وَالْوَجْه) الْوَجِيه (قَول الْمُتَقَدِّمين) مِنْهُم وَهُوَ (أَنه) أَي سَبَب الْوُجُوب (لكل) من (الْعِبَادَات توالي النعم المفضية فِي) نظر (الْعقل إِلَى وجوب الشُّكْر فللإيمان) أَي فالسبب لوُجُوبه (شكر نعْمَة الْوُجُود وَكَمَال الْعقل، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن السَّبَب مَا قُلْنَا وَكَانَ مَا ذكر أَولا (فالعالم دَلِيل وجوده تَعَالَى دون إِيجَابه) أَي فَيُقَال فِي رده الْعَالم دَلِيل وجود مبدأ الْوَاجِب لبُطْلَان التسلسل والدور واحتياجه إِلَى الْمُؤثر، فَإِن جعل الدَّلِيل سَببا للمدلول كَانَ الْعَالم من حَيْثُ النّظر فِيهِ سَببا للْعلم بِالْوُجُوب، دون نفس الْوُجُوب لِأَنَّهُ مُتَقَدم بِالذَّاتِ على الْعَالم، وَلَيْسَ دَلِيلا على إِيجَابه على الْعُقَلَاء شَيْئا كَمَا تقدم أَنه الْمُخْتَار، وَلَو كَانَ دَلِيلا على الْإِيجَاب لأمكن اعْتِبَار سببيته لوُجُوب الْإِيمَان (و) سَبَب الْوُجُوب (للصَّلَاة شكر نعْمَة الْأَعْضَاء السليمة) فَإِنَّهُ لما كَانَت الْأَعْضَاء كلهَا تسْتَعْمل فِي الصَّلَاة ناسب أَن تجْعَل شكرا لسلامتها (و) سَبَب الْوُجُوب (للصَّوْم شكر نعْمَة اقْتِضَاء الشَّهَوَات و) سَبَب الْوُجُوب (لِلزَّكَاةِ شكر نعْمَة المَال) الْفَاضِل عَن الْحَاجة الْأَصْلِيَّة (و) سَبَب الْوُجُوب (لِلْحَجِّ شكر نعْمَة الْبَيْت المجعول هدى للْعَالمين ومثابة للنَّاس) وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّارِح بِأَن السَّبَب نفس النعم الْمَذْكُورَة وَالشُّكْر سَببا لَهَا، فَالْوَجْه إِمَّا حذف الْجَار من قَوْله للْإيمَان وَمَا عطف عَلَيْهِ، وَإِمَّا حذف شكر ليَكُون التَّقْدِير الْإِيمَان شكر نعْمَة الْوُجُود أَو السَّبَب لَهُ نعْمَة

الْوُجُود، وَالْجَوَاب أَن المُصَنّف أَشَارَ إِلَى أَنهم جعلُوا النعم الْمَذْكُورَة سَببا بِاعْتِبَار شكرها، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ الْبَاعِث لاقدام الْفَاعِل على الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة فَهُوَ المفضي إِلَيْهَا، وَتلك النعم من حَيْثُ ذَاتهَا منشؤه وَلَا يُفْضِي إِلَيْهَا غَالِبا (غير أَنه قدر مَا اعْتبر مِنْهَا سَببا بوقته) فِي بعض تِلْكَ الْأَفْعَال (كَالصَّلَاةِ) يَعْنِي أَن نعْمَة الْأَعْضَاء أَمر مُسْتَمر، لَكِن الشَّارِع جعله قطعا وَاعْتبر كل قِطْعَة مِنْهُ سَببا لصَلَاة، وَقدر تِلْكَ الْقطعَة بِقِيَاس هُوَ وقته، وَإِضَافَة الْوَقْت لأدنى مُلَابسَة، لِأَن الْمُتَبَادر مِنْهَا أَن يكون الْوَقْت مُسْتَغْرقا لتِلْك الْقطعَة، وَالْوَقْت الَّذِي جعل سَببا للصَّلَاة لَيْسَ كَذَلِك، بل جُزْء من أَجزَاء وَقت مَا هُوَ سَبَب لَهَا (أَو قدره) مَعْطُوفًا على وقته يَعْنِي بوقته تَارَة وبقدره أُخْرَى كالنصاب فِي الزَّكَاة (أما الْوَقْت) الْمُقدر بِهِ (فجدير بِهِ) أَي بِالْوَقْتِ (الْعَلامَة) أَي يَلِيق بِهِ أَن يَجْعَل عَلامَة كَمَا سَيَأْتِي، وَقد مر تَفْسِيرهَا وَعدم اعْتِبَار التَّأْثِير والإفضاء والتوقف فِيهَا (و) جعل مَا قدر بِهِ السَّبَب (لِلزَّكَاةِ النّصاب) الشَّرْعِيّ الْمُوجب للغني (لعقلية الْغَنِيّ) أَي لمعقولية كَون الْغَنِيّ (سَببا) لِأَنَّهُ يتَمَكَّن من مواساة الْفَقِير، وَلذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا صَدَقَة إِلَّا عَن ظهر غنى ". (وَشرط النَّمَاء) فِي النّصاب لوُجُوب الْأَدَاء (تيسيرا) للْأَدَاء وتخفيفا للغني لِأَنَّهُ إِذا لم يكن ناميا تفنيه الْحَوَائِج المتجددة على الِاسْتِمْرَار قَرِيبا (وأقيم الْحول مقَامه) أَي مقَام النَّمَاء (لِأَنَّهُ) أَي الْحول (طَرِيقه) الْموصل إِلَيْهِ لاشْتِمَاله على الْفُصُول المؤثرة فِي النَّمَاء بالدر والنسل وَزِيَادَة الْقيمَة بتفاوت الْحَاجَات الْمُتَعَلّقَة باخْتلَاف تِلْكَ الْفُصُول، فَصَارَ الْحول شرطا بتكرره بِتَكَرُّر السَّبَب، لِأَن المَال بِاعْتِبَار كل نَمَاء غَيره بالنماء الآخر (و) جعل مَا قدر بِهِ السَّبَب (للصَّوْم الْجُزْء الأول من الْيَوْم) الَّذِي لَا يتَجَزَّأ (لِأَن إِيجَاب الْعِبَادَة) الَّتِي هِيَ صَوْم رَمَضَان إِنَّمَا يَبْغِي أَن يَقع (فِي وَقت شرِيف) عين (لَهُ) أَي للصَّوْم (وَلَا دخل لِليْل فِيهِ) أَي فِي الصَّوْم، ثمَّ صَوْم كل يَوْم عبَادَة على حِدة مُخْتَصّ بشرائط وجوده مُنْفَرد الانتقاض بنواقضه مُتَعَلق بِسَبَب على حِدة، وَذهب شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وَمن وَافقه إِلَى اتِّحَاد السَّبَب للشهر، وَهُوَ مُطلق شُهُود الشَّهْر، وَهُوَ اسْم لمجموع اللَّيَالِي وَالْأَيَّام إِلَى أَن السَّبَب هُوَ الْجُزْء الأول مِنْهُ لِئَلَّا يلْزم تقدم الشَّيْء على سَببه: وَلذَا جَازَ نيه الْفَرْض فِي اللَّيْلَة الأولى مَعَ عدم جَوَاز النِّيَّة قبل سَبَب الْوُجُوب، كَمَا إِذا نوى قبل غرُوب الشَّمْس، وَلزِمَ قَضَاء الشَّهْر لمن كَانَ أَهلا لوُجُوب الصَّوْم فِي أول لَيْلَة مِنْهُ ثمَّ جن وَاسْتمرّ حَتَّى مضى الشَّهْر فأفاق، ولمجنون أَفَاق فِي لَيْلَة مِنْهُ ثمَّ جن قبل أَن يصبح وَاسْتمرّ حَتَّى مضى الشَّهْر فأفاق، فسببية الْجُزْء الأول فِي حَقه مُنْعَقد مَوْقُوفا أَن أَفَاق الْعقل وَإِلَّا فَلَا، وَلَو لم يَتَقَرَّر السَّبَب فِي حَقه لم يلْزمه الْقَضَاء. فَأجَاب المُصَنّف عَمَّا ذكر بقوله: (وَأما جَوَاز النِّيَّة من اللَّيْل وَوُجُوب الْقَضَاء على من أَفَاق) من جُنُونه

(فِي لَيْلَة من رَمَضَان فَلِأَن اللَّيْل تَابع) للنهار (فِي الشّرف) أَي الشّرف الَّذِي هُوَ بِاعْتِبَار الظَّرْفِيَّة للصَّوْم فَلَا يُنَافِي استقلاله فِي الشّرف من حَيْثُ الْقيام للتهجد وَغَيره، فَإِن السَّبَبِيَّة بِاعْتِبَار ذَلِك الشّرف لَا مُطلق الشّرف (وتحققت ضَرُورَة فِي ذَلِك) أَي فِي جعل اللَّيْل تَابعا للنهار فِي جَوَاز النِّيَّة من اللَّيْل دفعا للْحَرج اللَّازِم لاشْتِرَاط قرَان النِّيَّة بِأول جُزْء من النَّهَار، وَلَا ضَرُورَة فِيمَا نَحن فِيهِ، وَلما كَانَ الْجَواب الْمَذْكُور متضمنا وجوب الصَّوْم على الْمَجْنُون اتجه أَن يُقَال إِن الْمَجْنُون لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّة الْخطاب فَكيف يجب عَلَيْهِ، وَالْقَضَاء فرع وجوب الأَصْل أجَاب عَنهُ بقوله (وَالْجُنُون لَا يُنَافِي أَهْلِيَّة الْوُجُوب بِالسَّبَبِ) يَعْنِي أَن الْوُجُوب على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا شغل الذِّمَّة بِالدّينِ من غير مُطَالبَة الْأَدَاء فِي الْحَال كشغل ذمَّة المُشْتَرِي بِالثّمن الْمُؤَجل قبل حُلُول الْأَجَل: وَهَذَا يَتَرَتَّب على السَّبَب كَالْبيع من غير خطاب الطّلب. وَالثَّانِي وجوب الأول، وَالْجُنُون لَا يُنَافِي أَهْلِيَّة الأول (بل) يُنَافِي أَهْلِيَّة الْوُجُوب (بِالْخِطَابِ) بِالسَّبَبِ شرعا فِي الْمَجْنُون وَمَا أشبهه (ليظْهر) أَثَره (فِي الْحَال فِي) الْوَاجِب (المالي غير الزَّكَاة) من نَفَقَة الزَّوْجِيَّة وَالْأَوْلَاد وَالْخَرَاج وَالْعشر وَضَمان الْمُتْلفَات، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ المَال ووصوله إِلَى الْمُسْتَحق وَهُوَ لَا يتَعَذَّر مَعَ الْجُنُون فَإِنَّهُ مِمَّا يحصل بالنائب، بِخِلَاف الْعِبَادَة الْمَحْضَة كَالزَّكَاةِ فَإِن الْمَقْصُود من إِيجَابهَا أَصَالَة نفس الْفِعْل ابتلاء ليظْهر الْمُطِيع من العَاصِي، وَهُوَ لَا يتَحَقَّق إِلَّا عَن اخْتِيَار الْعقل (و) ليظْهر (فِي المَال) أَي بعد الْإِفَاقَة (فَائِدَة الْقَضَاء) الْإِضَافَة بَيَانِيَّة (بِلَا حرج) تَقْيِيد للْقَضَاء، احْتِرَاز عَمَّا إِذا لزم الْحَرج من إِيجَاب الْقَضَاء (وَهُوَ فِيهِ) أَي الْحَرج فِي الْقَضَاء (بِالْكَثْرَةِ اسْتِيعَاب الشَّهْر) عطف بَيَان للكثرة (جنونا) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الِاسْتِيعَاب: أَي اسْتِيعَاب الشَّهْر جنونا، فالمستوعب هُوَ الْجُنُون (وَفِيه) أَي فِي تَقْدِير الْكَثْرَة بالاستيعاب (تَأمل) إِذْ يلْزم من الْحَرج فِي قَضَاء الشَّهْر فِيمَا إِذا أَفَاق فِي سَاعَة من ليل أَو نَهَار، وَمَا يلْزم مِنْهُ فِي قَضَائِهِ لَو استوعبه لَا يبعد أَن يُقَال إِنَّمَا بنى الحكم على الِاسْتِيعَاب وَعَدَمه لمصْلحَة الضَّبْط، وَالْتزم الْحَرج الْوَاقِع فِي نقض الصُّور على سَبِيل الندرة، ثمَّ قد أيد قَول السَّرخسِيّ بِأَن كَون الْيَوْم معيارا للصَّوْم يُنَافِي كَون الْجُزْء الأول مِنْهُ سَببا، لِأَن سَبَب الْوُجُوب خَارج عَن مَحل الْأَدَاء لتقدم السَّبَب على الْمُسَبّب وَأجِيب بِأَن السَّبَب الشَّرْعِيّ قد يقارن الْمُسَبّب كالعلل الْعَقْلِيَّة كَمَا فِي الِاسْتِطَاعَة مَعَ الْفِعْل، وَفِيه تَفْصِيل ذكره فِي مَحَله، على أَن خُرُوج جُزْء لَا يتَجَزَّأ من الْيَوْم لَا يضر بمعياريته عرفا (و) إِنَّمَا قُلْنَا سَبَب الْوُجُوب (لِلْحَجِّ الْبَيْت للإضافة) كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} - وَالْإِضَافَة من دَلَائِل السَّبَبِيَّة على مَا عرف (وَلذَا) أَي ولكونه سَببا للْوُجُوب (لم يتَكَرَّر) وجوب الْحَج لعدم تكَرر سَببه، وَأما الْوَقْت فَشرط جَوَاز أَدَائِهِ، والاستطاعة شَرط وُجُوبه (فاتفقوا)

أَي الْمُتَأَخّرُونَ والمتقدمون فِي هَذِه الْأَسْبَاب (فِيمَا سوى) سَبَب (الصَّلَاة) كَذَا فسره الشَّارِح. وَفِيه أَنه سبق مَا يدل على الْخلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ من قَوْله: وَالْوَجْه قَول الْمُتَقَدِّمين إِلَى آخِره، وَبَين الْمُتَأَخِّرين فِي سَبَب الصَّوْم هَل هُوَ شُهُود الشَّهْر، أَو أول جُزْء من الْيَوْم؟ غير أَنه قَالَ: وَالَّذِي يظْهر فِيمَا سوى سَبَب الْأَيْمَان، لِأَن الْقَائِلين بِأَن سَبَب وجوب الصَّلَاة الْوَقْت مُرَادهم نعم الله تَعَالَى على الْعباد فِيهِ، وَأَنَّهَا قدرت بِالْوَقْتِ، فقد اتَّفقُوا على أَن السَّبَب لوُجُوبهَا النعم إِلَّا أَن مِنْهُم من خصصها بِنِعْمَة الْأَعْضَاء انْتهى وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَو حمل قَول المُصَنّف على أَنهم اتَّفقُوا فِيمَا سوى الصَّلَاة من الْفُرُوع الْمَذْكُورَة لَا يرد اعتراضه بِاعْتِبَار سَبَب الْإِيمَان. وَأما قَضِيَّة الِاتِّفَاق على سَبَب الصَّلَاة فَإِنَّمَا يتم إِذا كَانَ سببيته النعم عِنْد الْمُتَأَخِّرين، وَالَّذِي يفهم من الْمَتْن أَنه قَول الْمُتَقَدِّمين، وَتَأْويل التَّقْدِير إِنَّمَا هُوَ من المُصَنّف وَأَمْثَاله، لَكِن يرد عَلَيْهِ أَن الصَّلَاة كَغَيْرِهَا اتِّفَاقًا واختلافا على التَّوْفِيق بَين الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمه، فَالْوَجْه أَن يعرض عَن التوجيهات الرَّكِيكَة وَيحمل على سَهْو الْقَلَم فِي وضع الصَّلَاة مَوضِع الْإِيمَان، فَإِنَّهُ اخْتلف فِي سَببه هَل هُوَ حُدُوث الْعَالم أَو نعْمَة الْوُجُود إِلَى آخِره، وَمَا سواهُ مُتَّفق عَلَيْهِ بالتأويل الْمَذْكُور وَالله تَعَالَى أعلم. (و) سَبَب الْوُجُوب (لصدقة الْفطر الرَّأْس الَّذِي يمونه) أَي يقوم بكفايته وَيحمل ثقله (ويلي عَلَيْهِ). وَالْولَايَة نَفاذ القَوْل على الْغَيْر شَاءَ أَو أَبى، فَلَا يكون الرَّأْس سَببا إِلَّا بِهَذَيْنِ الوصفين، فَخرج الصَّغِير الَّذِي لَهُ مَال تجب نَفَقَته فِيهِ لَيست مُؤْنَته على الْغَيْر حَتَّى الْأَب عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف (وَالْإِضَافَة إِلَى الْفطر) فِي عرف أهل الشَّرْع فِي قَوْلهم: صَدَقَة الْفطر (الشَّرْط) لوُجُوبهَا صفة الْفطر، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تجب عِنْد أَصْحَابنَا بِطُلُوع فجر يَوْم الْفطر (مجَاز) أَي فِي النِّسْبَة الإضافية، لِأَن حَقِيقَتهَا إِنَّمَا تتَحَقَّق بَين الحكم وَسَببه، وَإِنَّمَا حكم بمجازاتيها وَسَببه الرَّأْس (بِدَلِيل التَّعَدُّد) لوُجُوبهَا (بِتَعَدُّد الرَّأْس) فسر الشَّارِح التَّعَدُّد بالتقديرين وَقَالَ: لِأَن الرَّأْس لما صَار سَببا بِوَصْف الْمُؤْنَة، وَهِي تتجدد فِي كل وَقت بتجدد الْحَاجة، كَأَن الرَّأْس بتجددها متجدد تَقْديرا انْتهى، وَيرد على هَذَا أَن تعدد الْفطر حَقِيقِيّ لَا يحْتَاج إِلَى التَّقْدِير فَهُوَ أولى بالسببية بِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى، وَلَك أَن تحمل التَّعَدُّد بِتَعَدُّد الرَّأْس على تعدد الْوُجُوب بِاعْتِبَار مُتَعَلّقه وَهُوَ الصَّدَقَة، فَإِنَّهُ يجب فِي الرَّأْس الْوَاحِد صَدَقَة وَاحِدَة وَفِي الِاثْنَيْنِ صدقتان وَهَكَذَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر غير أَن تعدد الْوَاجِب فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة بِاعْتِبَار تعدد السَّبَب على وَجه يُنَاسب مَا فسر بِهِ، وَقد عرفت مَا فِيهِ (وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدّوا) يَعْنِي صَدَقَة الْفطر (عَمَّن تمونون أَفَادَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا، وَأفَاد قَوْله (تعلقهَا) أَي تعلق وجوب صَدَقَة الْفطر (بالمؤن) جمع مُؤنَة، وَالْجمع إِمَّا بِاعْتِبَار من تجب عَلَيْهِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَار من تجب عَنهُ، وَالْمرَاد تعلق

الْمُسَبّب بِالسَّبَبِ، وَذَلِكَ لِأَن من الانتزاعية دخلت على من يمونه وَلَا يحْتَمل هُنَا الأوجهين: أَحدهمَا أَن يكون سَببا لِلْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ، وَهُوَ الْمَطْلُوب، وَالثَّانِي أَن يكون محلا للْوُجُوب فِي الأَصْل ثمَّ يسري عَنهُ إِلَى الْمَأْمُور كسراية الدِّيَة عَن الْقَاتِل إِلَى الْعَاقِلَة، لَا سَبِيل إِلَيْهِ، لِأَن العَبْد الْمُسلم لَا مَال لَهُ فَلَا يُكَلف بِوُجُوب مَالِي، وَالْكَافِر لَيْسَ من أهل الْقرْبَة. وَلَا يُقَال: لم لَا يجوز أَن يجب على العَبْد ثمَّ يَنُوب الْمولى عَنهُ؟ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَار مملوكيته الْتحق بالبهيمة فِي حق الْوُجُوب المالي، وَأورد عَلَيْهِ أَن الْجد إِذا كَانَت نوافله صغَارًا فِي عِيَاله لَا يجب عَلَيْهِ الْإِخْرَاج عَنْهُم فِي ظَاهر الرِّوَايَة مَعَ أَنه يمونهم لَكِن فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يجب إخْرَاجهَا عَنْهُم (و) سَبَب الْوُجُوب (للعشر الأَرْض النامية بالحقيقي) أَي بالنماء الْحَقِيقِيّ بِأَن يُؤْخَذ محصولها (لِأَنَّهُ) أَي الْعشْر أَمر (إضافي) لِأَنَّهُ عبارَة عَن الْوَاحِد من الْعشْرَة، فَمَا لم يتَحَقَّق خَارج لَا يتَحَقَّق عشره، وَهُوَ (عبَادَة) أَي مُؤنَة فِيهَا معنى الْعِبَادَة، وَقد مر بَيَانه (بِخِلَاف الْخراج) الموظف، فَإِن سَبَب وُجُوبه الأَرْض النامية (بالتقديري) أَي بالنماء التقديري (وَهُوَ) أَي التقديري (بالتمكن من الزِّرَاعَة) وَالِانْتِفَاع بِالْأَرْضِ، إِذْ هُوَ مُقَدّر بِمَا عين من الدَّرَاهِم، وَغَيره فِي بَدْء الْفَتْح غير مُتَعَلق بالخارج (فَكَانَ) الْخراج الموظف (عُقُوبَة) لما فِي الِاشْتِغَال بتحصيله بالزراعة من عمَارَة الدُّنْيَا والاعراض عَن الْجِهَاد، وَهُوَ سَبَب المذلة (مُؤنَة لَهَا) أَي الأَرْض لِأَنَّهُ سَبَب لبقائها فِي أَيدي أَرْبَابهَا، وَذَلِكَ لِأَن الْمُقَاتلَة يَذبُّونَ عَن الدَّار ويصونونها عَن الْكفَّار فَوَجَبَ الْخراج لَهُم ليتمكنوا من ذَلِك (فلزما) أَي الْعشْر وَالْخَرَاج (فِي مَمْلُوكَة الصَّبِي) أَي فِي أَرض هِيَ مَمْلُوكَة للصَّبِيّ، وَالْأَرْض الْمَوْقُوفَة، فَيجب فيهمَا الْعشْر إِن كَانَتَا عشريتين، وَالْخَرَاج إِن كَانَتَا خراجيتين (وَلم يجتمعا) أَي الْعشْر وَالْخَرَاج (فِي أَرض وَاحِدَة) عندنَا خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة لِأَنَّهُمَا حقان مُخْتَلِفَانِ ذاتا لما عرفت من معنى الْعِبَادَة فِي الْعشْر والعقوبة فِي الْخراج، ومحلا لِأَن الْعشْر فِي الْخَارِج وَالْخَرَاج فِي الذِّمَّة، وسببا لما عرفت من أَن سَبَب الْعشْر الأَرْض النامية بالنماء الْحَقِيقِيّ، وَسبب الْخراج بالنماء التقديري، ومصرفا فَإِن مصرف الْعشْر، الْفُقَرَاء ومصرف الْخراج الْمُقَاتلَة، وَلَا مُنَافَاة بَين حقين مُخْتَلفين بسببين مُخْتَلفين تحققا فِي كل وَاحِد، وَحجَّتنَا أَن اخْتِلَافهمَا ذاتا على الْوَجْه الْمَذْكُور يمْنَع اجْتِمَاعهمَا، وَفِيه مَا فِيهِ، وَلَا نسلم اخْتِلَافهمَا سَببا بل هُوَ الأَرْض النامية إِلَّا أَنه يعْتَبر فِي الْعشْر تَحْقِيقا، وَفِي الْخراج تَقْديرا، واتحاد السَّبَب يُوجب اتِّحَاد الحكم، فالسبب أَحدهمَا من غير جمع بَينهمَا كالدية وَالْقصاص (وَقد يُقَال جَازَ) أَن يكون السَّبَب (الْوَاحِد سَببا لمتعدد) الْأَحْكَام (كالعلة الْوَاحِدَة) أَي كَمَا جَازَ أَن تكون الْعلَّة الْوَاحِدَة عِلّة لمتعدد مِنْهَا كَالزِّنَا

عِلّة للتَّحْرِيم وَوُجُوب الْجد كَمَا تقدم (وَيُجَاب بِأَن جهتيهما) أَي جهتي الْعشْر وَالْخَرَاج (متنافية) أَي مُنَافِيَة كل وَاحِدَة مِنْهُمَا الْأُخْرَى: يَعْنِي أَن تعدد الحكم عِنْد اتِّحَاد السَّبَب أَو الْعلَّة يسْتَلْزم تحقق الْجِهَتَيْنِ، مَعًا، لِأَن الشَّيْء من جِهَة وَاحِدَة يَسْتَحِيل أَن يكون مُبْتَدأ لأمرين مُخْتَلفين، وَإِذا كَانَت الجهتان متنافيتين لَا يُمكن تحققهما مَعًا فِي مَحل وَاحِد. ثمَّ بَين التَّنَافِي بقوله (لِأَنَّهَا) أَي الْجِهَة (فِي إِحْدَاهمَا) أَي أرضي الْعشْر وَالْخَرَاج (أما) كَونهَا أَرضًا تسقى (بِمَاء خَاص) وَهُوَ الْأَنْهَار الَّتِي سقتها الْأَعَاجِم: كنهر يزدجرد وَغَيره مِمَّا يدْخل تَحت الْأَيْدِي وَمَاء الْعُيُون والآبار الَّتِي كَانَت بدار الْحَرْب ثمَّ ملكناها قهرا والمستنبطة من بَيت المَال (أَو) كَونهَا أَرضًا صَارَت للْمُسلمين من (فتح عنْوَة) أَي قهرا (الخ) أَي إِلَى آخر مَا ذكره الْفُقَهَاء وَأقر أَهلهَا عَلَيْهَا وَوضع عَلَيْهِم الْجِزْيَة وَعَلَيْهَا الْخراج، أَو صَالحهمْ من جماجمهم وأراضيهم على وَظِيفَة مَعْلُومَة، وَكَذَا إِذا فتحت صلحا وَأقر أَهلهَا عَلَيْهَا لِأَن فِي ابْتِدَاء التوظيف على الْكَافِر الْخراج مُتَعَيّن، وَهَذِه الْأَرَاضِي كلهَا خَرَاجِيَّة (و) الْجِهَة (فِي) الأَرْض (الْأُخْرَى) وَهِي العشرية كَونهَا أَرضًا مَوْقُوفَة (بخلافهما) أَي السَّقْي بِمَا ذكر وَالْفَتْح الْمَذْكُور بِأَن يسقى بِمَاء السَّمَاء أَو الْبحار أَو الْأَنْهَار الْعِظَام الَّتِي لَا تدخل تَحت الْأَيْدِي، وَبِأَن فتحت عنْوَة وَقسمت بَين الْغَانِمين (فَلَا يَجْتَمِعَانِ) أَي الْعشْر وَالْخَرَاج (فِي) مَحل (وَاحِد) لتنافي لازميهما: أَي الْجِهَتَيْنِ المذكورتين وَتعقبه الشَّارِح بِأَن بعض صور الْخراج يكون مَعَ الْفَتْح عنْوَة، وَهُوَ فِيمَا إِذا أقرّ عَلَيْهَا أَهلهَا وَكَذَا بعض صور الْعشْر: وَهُوَ فِيمَا إِذا قسمهَا بَين الْغَانِمين، كَمَا أَن بعض صور الْخراج لَا يكون مَعَ العنوة، بل مَعَ الصُّلْح، أَو بِأَن أَحْيَاهَا وسقاها بِمَاء الْأَنْهَار الصغار وَكَانَت قريبَة من أَرض الْخراج على الْخلاف، فَلَا يلْزم عدم تصور اجْتِمَاعهمَا مُطلقًا وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه غير مُتَّجه، إِذْ المُصَنّف جعل مدَار التَّنَافِي بَينهمَا التَّنَافِي بَين لازميهما، وَجعل لَازم الْخراج أحد الْأَمريْنِ: السَّقْي بِمَا ذكر، وصور الْأَحْيَاء الْمَذْكُورَة أَولا مندرجة تَحْتَهُ والقرب من الشَّيْء فِي حكمه وَالْفَتْح عنْوَة، وَقَالَ إِلَى آخِره: فقد أَشَارَ إِلَى الْقَيْد الْمُمَيز للخراجي عَن العشري فلازم الْخراج الْفَتْح مَعَ ذَلِك قيدا وصلحا على الْوَجْه الْمَذْكُور، وَلم يَجْعَل الْفَتْح عنْوَة مدَار التَّنَافِي فَلَا يرد عَلَيْهِ شَيْء، وَأَيْضًا لم ينْقل عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الْجمع بَين الْحَقَّيْنِ وَلَو وَقع لنقل، ثمَّ إِن إِخْرَاج الْمُقَاسَمَة بِمَنْزِلَة الْعشْر فِي كَون الْوَاجِب مِنْهُمَا شَيْئا من الْخَارِج، ويفارقه فِي الْمصرف وَالْقدر وَغَيره (و) سَبَب الْوُجُوب (للطَّهَارَة إِرَادَة الصَّلَاة) لقَوْله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} الْآيَة (وَالْإِجْمَاع على عدم اعْتِبَار حَقِيقَة الْقيام بل) الْإِجْمَاع على اعْتِبَار (الْإِرَادَة) للصَّلَاة (وَالْحَدَث) وَيحْتَمل أَن يكون عطف الْإِرَادَة وَالْحَدَث على قَوْله إِرَادَة الصَّلَاة، وَالْمعْنَى بل السَّبَب لوُجُوبهَا مَجْمُوع الْإِرَادَة وَالْحَدَث، وَأورد أَن سَبَب

الشَّيْء مَا يُفْضِي إِلَيْهِ، وَالْحَدَث يزِيل الطَّهَارَة وينافيها وَأجِيب بِأَن الْمُسَبّب وجوب الطَّهَارَة لَا نَفسهَا، وَهُوَ لَا يُنَافِيهِ (ثمَّ إِن نقضهَا) أَي نقض الْمدَّة للطَّهَارَة السَّابِقَة عَلَيْهِ (لم يمْتَنع) كَونه (سَببا لوُجُوب) طَهَارَة (أُخْرَى) دفع لما يتَوَهَّم من أَن سَبَبِيَّة الْحَدث للطَّهَارَة مُنَافِيَة لسببيته لنقضها (لَكِن) عدم الِامْتِنَاع يُفِيد صلاحيته لذَلِك، و (مَعَ) وجود (الصلاحية يحْتَاج إِلَى دَلِيل الِاعْتِبَار) أَي اعْتِبَار الشَّارِع كَونه سَببا لَهَا لِأَن السَّبَبِيَّة لَا تتَحَقَّق إِلَّا بِهِ وَهُوَ مَفْقُود (فَالْأَوْجه) أَن يُقَال: سَبَب وجوب الطَّهَارَة (وجوب مشروطها) أَي الْمَشْرُوط صِحَّته بِالطَّهَارَةِ هُوَ الصَّلَاة لما تقرر من أَن وجوب الشَّيْء يسْتَلْزم وجوب شَرطه (وَأَسْبَاب الْعُقُوبَات الْمَحْضَة) أَي الْأَحْكَام الَّتِي هِيَ عقوبات مَحْضَة لَيْسَ فِيهَا معنى الْعِبَادَة (كالحدود مَحْظُورَات مَحْضَة) كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْقَذْف وَغَيره (و) أَسبَاب (مَا فِيهِ معنى الْعقُوبَة وَالْعِبَادَة من الْكَفَّارَات) بَيَان لما، ثمَّ علل كَون الْكَفَّارَات فِيهَا معنى الْعقُوبَة وَالْعِبَادَة بقوله (إِذْ لم تجب) الْكَفَّارَة (ابْتِدَاء تَعْظِيمًا) لله تَعَالَى كَسَائِر الْعِبَادَات، بل جَزَاء لفعل العَبْد، وفيهَا معنى الْحَظْر والزجر، وَهَذَا معنى الْعقُوبَة. ثمَّ بَين كَونهَا فِيهَا معنى الْعِبَادَة بقوله (وَشرع فِيهَا) أَي فِي الْكَفَّارَات (نَحْو الصَّوْم) من الصَّدَقَة وَالْإِعْتَاق (ولزمت النِّيَّة) فِيهَا: أَي فِي أَدَاء الْكَفَّارَات، ثمَّ أَسبَاب مَا فِيهِ إِلَى آخِره مُبْتَدأ وَخَبره (مَا يتَرَدَّد بَين الْحَظْر وَالْإِبَاحَة) ليلائم السَّبَب الْمُسَبّب ويقابل الْحَظْر الْعقُوبَة، وَالْإِبَاحَة الْعِبَادَة، وَلذَا لَا يصلح الْمَحْظُور الْمَحْض كَالْقَتْلِ الْعمد وَالْيَمِين الْغمُوس سَببا لَهَا كَمَا لَا يصلح الْمُبَاح الْمَحْض كَالْقَتْلِ بِحَق وَالْيَمِين المنعقدة قبل الْحِنْث سَببا لَهَا (كالإفطار) الْعمد فِي نَهَار رَمَضَان لِأَنَّهُ مُبَاح من حَيْثُ أَنه يلاقي فعل نَفسه الَّذِي هُوَ مَمْلُوك لَهُ ومحظور من حَيْثُ أَنه جِنَايَة على مُبَاح الصَّوْم، وَأورد عَلَيْهِ الْإِفْطَار بِالزِّنَا أَو شرب الْخمر فَإِنَّهُ تجب بِهِ الْكَفَّارَة، وَهُوَ حرَام من كل وَجه وَأجِيب بِأَنَّهُ مُبَاح من وَجه، لِأَن الْإِفْطَار يلاقي الْإِمْسَاك والإمساك حَقه والإفطار بِاعْتِبَار كَونه جِنَايَة على الصَّوْم يكون مَحْظُورًا، وَالزِّنَا وَشرب الْخمر ليسَا بسببين لِلْكَفَّارَةِ، أَلا ترى أَنه لَو كَانَ نَاسِيا لَا تجب الْكَفَّارَة بهما، وَدفع بِأَنَّهُ ينْتَقض بِالْقَتْلِ الْعمد لِأَنَّهُ يلاقي فعل الْقَاتِل فَلَا يكون مَحْظُورًا مَحْضا، وَالَّذِي يظْهر أَن الْتِزَام كَون سَبَب الْكَفَّارَة فِي مثل الْإِفْطَار بِالزِّنَا مَحْظُورًا مَحْضا، وَعدم تَحْصِيل تِلْكَ الملائمة بَين السَّبَب والمسبب خير من التَّأْوِيل الْمَذْكُور كَمَا لَا يخفى على الْمنصف (وَالظِّهَار) وَهُوَ تَشْبِيه الزَّوْجَة أَو جُزْء مِنْهَا شَائِع أَو معِين يعبر بِهِ عَن الْكل بِمَا لَا يحل النّظر إِلَيْهِ من الْمُحرمَة على التَّأْبِيد فَإِنَّهُ من حَيْثُ كَونه طَلَاقا مُبَاح، وَمن حَيْثُ أَنه مُنكر من القَوْل وزور مَحْظُور، وَالْعود شَرط، وَقيل السَّبَب مَجْمُوع الظِّهَار وَالْعود، لِأَن الظِّهَار كَبِيرَة لَا يصلح وَحده سَببا لِلْكَفَّارَةِ وَيصْلح مَعَ الْعود لِأَنَّهُ

مُبَاح وَلَا يخفى عَلَيْك تَحْصِيل وَجه إِبَاحَة مثل مَا ذكر فِي الْإِفْطَار بِالزِّنَا، وَقيل السَّبَب الْعَزْم على الْوَطْء، وَالظِّهَار شَرطه عِنْد الشَّافِعِي سُكُوته بعد ظِهَاره قدر مَا يُمكنهُ طَلاقهَا (وَالْقَتْل الْخَطَأ) إِمَّا فِي الْقَصْد بِأَن يَرْمِي مُسلما ظَنّه صيدا أَو حَرْبِيّا، أَو فِي الْفِعْل بِأَن يَرْمِي غَرضا فَيُصِيب آدَمِيًّا، فَهُوَ مُبَاح بِاعْتِبَار الْقَصْد، مَحْظُور بِاعْتِبَار إِصَابَة مَعْصُوم الدَّم (وَفِي تحريره) أَي تَحْرِير هَذَا الْقسم من السَّبَب (نوع طول) لَا يَلِيق بالمتون فَمن أَرَادَ التَّفْصِيل فَليرْجع إِلَى المطولات (و) السَّبَب (لشرعية الْمُعَامَلَات) كَالْبيع وَالنِّكَاح وَغَيرهمَا (الْبَقَاء) للْعَالم (على النظام) وَهُوَ فِي الأَصْل كل خيط ينظم بِهِ اللُّؤْلُؤ وَنَحْوه يُرَاد بِهِ مَا يَنْتَظِم أُمُور الْعَالم من تَدْبِير الصَّانِع تَعَالَى (الْأَكْمَل) قيد بِهِ لِأَنَّهُ قد يبْقى بِدُونِ شَرْعِيَّة الْمُعَامَلَات كَمَا فِي الْجَاهِلِيَّة، لَكِن لَا على الْوَجْه الْأَكْمَل، وَالْمرَاد النظام المنوط بِنَوْع الْإِنْسَان (إِلَى الْوَقْت الْمُقدر) بَقَاؤُهُ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَن اعْتِدَال مزاجه بِأُمُور صناعية فِي الْغذَاء واللباس والمسكن وَنَحْوهَا لَا يسْتَقلّ بهَا كل فَرد فَيحْتَاج إِلَى بني نَوعه، ثمَّ التوالد والتناسل لَا يحصل إِلَّا بالازدواج فَيَقَع بَينهم معاملات لَا تَخْلُو عَادَة عَن الْجور المخل بالنظام فَلَا بُد من أصُول كُلية قَاطِعَة للنزاع مبينَة لكيفية الْمُعَامَلَة (وَمَا تقدم) فِي المرصد الأول فِي تَقْسِيم الْعلَّة (من حفظ الضروريات والحاجيات تَفْصِيل هَذَا، و) السَّبَب (للاختصاصات) الشَّرْعِيَّة (كالملك) فَإِنَّهُ الْمُطلق الحاجز: أَعنِي يُطلق تصرف الْمَالِك ويحجز عَن تصرف الْغَيْر، وَكَذَلِكَ الْحُرْمَة وَإِزَالَة الْملك لَا إِلَى أحد (التَّصَرُّفَات) القولية والفعلية (المجعولة أسبابا شرعا) لَهَا (كَالْبيع وَالطَّلَاق وَالْعتاق، فقد أطْلقُوا لفظ السَّبَب على مَا تقدم) فِي فصل الْعلَّة إِطْلَاقهم عَلَيْهِ (عِلّة) فَاحْتَاجَ إِلَى بَيَان يدْفع الالتباس ويميز كلا مِنْهُمَا عَن الآخر (فَقيل) وقائله صدر الشَّرِيعَة (مَا ترَتّب عَلَيْهِ الحكم وَلم يعقل تَأْثِيره) فِيهِ (وَلَيْسَ صنع الْمُكَلف خص باسم السَّبَب) لِأَنَّهُ مفض إِلَيْهِ من غير تَأْثِير فِيهِ (وَإِن) كَانَ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ وَلم يعقل تَأْثِيره ثَابتا (بصنعه) أَي الْمُكَلف (وَذَلِكَ الحكم هُوَ الْغَرَض من وَضعه) أَي وضع ذَلِك الْمُتَرَتب عَلَيْهِ الحكم (فعلة) أَي فَذَلِك الْمُتَرَتب عَلَيْهِ الحكم عِلّة (وَيُطلق عَلَيْهِ سَبَب) أَي لفظ سَبَب (مجَازًا كَالْبيع للْملك) مجَازًا (وَإِن لم يكن) ذَلِك الحكم (الْغَرَض من وَضعه: كالشراء لملك الْمُتْعَة لَا يعقل تَأْثِيره) فِي ملك الْمُتْعَة (وَلَيْسَ) ملك الْمُتْعَة (الْغَرَض مِنْهُ) أَي الشِّرَاء (بل) الْغَرَض مِنْهُ (ملك الرَّقَبَة فسببه) أَي فَذَلِك سَبَب الحكم (وَإِن عقل تَأْثِيره خص) ذَلِك الْمُرَتّب عَلَيْهِ الحكم (باسم الْعلَّة) ثمَّ أَفَادَ مَا حَقَّقَهُ بقوله (والاصطلاح الظَّاهِر) للحنفية (أَن مَا لم يعقل تَأْثِيره: أَي مناسبته بِنَفسِهِ بل بِمَا هُوَ مظنته) أَي بِاعْتِبَار أَمر هُوَ مَظَنَّة لذَلِك الْأَمر بِأَن يكون بَين ذَلِك الْأَمر وَالْحكم مُنَاسبَة فَمن حَيْثُ أَنه مَظَنَّة للمناسب يحصل لَهُ مُنَاسبَة بالواسطة (على

مَا قدمْنَاهُ) فِي فصل الْعلَّة (وَثَبت) شرعا (اعْتِبَاره) أَي اعْتِبَار مَا لم يعقل مناسبته بِنَفسِهِ بل بِمَا هُوَ مظنته، وَقد مر تَفْسِير الِاعْتِبَار (عِلّة) خبر أَن، فَعلم أَن مدَار الْعلية على مُنَاسبَة مَا ترَتّب عَلَيْهِ الحكم: أما بِنَفسِهِ أَو بِوَاسِطَة مَا ذكر وَثُبُوت اعْتِبَاره، فَإِن لم يتَحَقَّق فِيهِ أحد الْأَمريْنِ مَعَ ثُبُوت الِاعْتِبَار فَلَيْسَ بعلة وَإِن كَانَ بصنع الْمُكَلف مَعَ كَون الحكم هُوَ الْغَرَض من وَضعه، فَبين مَا ذكره المُصَنّف وَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة عُمُوم من وَجه بِحَسب الْمَفْهُوم (وَمَا هُوَ مفض) إِلَى الحكم (بِلَا تَأْثِير) فِيهِ (سَبَب) وَإِن تحقق الصنع وَالْغَرَض الْمَذْكُورَان، وَقد عرفت معنى التَّأْثِير (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن المُرَاد مَا قُلْنَا، بل بِمَا قَالَه الْقَائِل الْمَذْكُور (خص اسْم الْعلَّة الْحِكْمَة) بِحَذْف الْبَاء: أَي بالحكمة، وَذَلِكَ لِأَن مَا بنى عَلَيْهِ الْعلية إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي الْحِكْمَة لَيْسَ إِلَّا (والاصطلاح نَاطِق بِخِلَافِهِ) أَي بِخِلَاف التَّخْصِيص الْمَذْكُور، وَقد مر مَا يفِيدهُ من تَفْسِير كل من الْحِكْمَة وَالْعلَّة على وَجه يُفَارق الآخر (وَيُطلق كل) من الْعلَّة وَالسَّبَب (على الآخر مجَازًا) وَمن هَذَا الْقَبِيل إِطْلَاق الْعلَّة على البيع وَنَحْوه (وَأما الشَّرْط فَمَا يُطلق عَلَيْهِ) أَي مَا يُطلق اسْمه عَلَيْهِ، فالمحكوم عَلَيْهِ الشَّرْط الاصطلاحي، وَالْحكم بَيَان حَاله بِاعْتِبَار معَان تقصد باسمه لُغَة أَو شرعا حَقِيقَة أَو مجَازًا: أما (حَقِيقِيّ) وَهُوَ مَا (يتَوَقَّف عَلَيْهِ الشَّيْء فِي الْوَاقِع) كالحياة للْعلم فَإِنَّهُ لما كَانَ التَّوَقُّف فِيهِ بِحَسب نفس الْأَمر كَانَ حَقِيقا بِأَن يُسمى شرطا (و) أما (جعلى) أما (للشارع فَيتَوَقَّف) وجود الْمَشْرُوط عَلَيْهِ (شرعا) أَي توقفا شَرْعِيًّا كَمَا أَن وجود الْمَشْرُوط وجود شَرْعِي (كالشهود للنِّكَاح وَالطَّهَارَة للصَّلَاة) فَإِن وجودهما الشَّرْعِيّ مَوْقُوف على الشُّهُود وَالطَّهَارَة توقفا شَرْعِيًّا (وَالْعلم بِوُجُوب الْعِبَادَات على من أسلم فِي دَار الْحَرْب) وَلم يُهَاجر إِلَى دَار الْإِسْلَام، فَإِن وُجُوبهَا عَلَيْهِ مَوْقُوف على الْعلم بِهِ حَتَّى لَو لم يعلم بِهِ حَتَّى مضى عَلَيْهِ زمَان لَا يلْزم عَلَيْهِ قَضَاء شَيْء مِنْهَا قيل الْمَوْقُوف على الْعلم وجوب الْأَدَاء الثَّابِت بِالْخِطَابِ دون نفس الْوُجُوب الثَّابِت بِالسَّبَبِ، وَإِلَّا لما وَجَبت الصَّلَاة على النَّائِم والمغمى عَلَيْهِ إِذا لم يَمْتَد الْإِغْمَاء، وَلما وَجب الصَّوْم على الْمَجْنُون الَّذِي لم يسْتَغْرق جُنُونه الشَّهْر لعدم الْعلم وَأجِيب بِأَنا لَا نسلم عدم حُصُول الْعلم فِي حَقهم لثُبُوته تَقْديرا لشيوع الْخطاب، وبلوغه إِلَى سَائِر الْمُكَلّفين بِمَنْزِلَة بُلُوغه إِلَيْهِم، كَذَا قَالُوا: وَفِيه نظر (أَو للمكلف) مَعْطُوف على قَوْله للشارع، ثمَّ بَين كَيْفيَّة التَّوَقُّف يَجْعَل الْمُكَلف بقوله (بتعليق تصرفه عَلَيْهِ) أَي على الْمُعَلق بِهِ بأداة الشَّرْط (مَعَ إجَازَة الشَّارِع) لَهُ ذَلِك (كَأَن دخلت) الدَّار فَأَنت طَالِق، فَإِنَّهُ جعل وُقُوع الطَّلَاق مَوْقُوفا على الدُّخُول، وَقد أَبَاحَ لَهُ الشَّارِع التَّعَلُّق (أَو مَعْنَاهُ) مَعْطُوف على مَدْخُول الْبَاء، يَعْنِي أَو بِمَا هُوَ فِي معنى التَّعْلِيق بهَا (كَالْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَزَوَّجهَا) أَي كَمَا إِذا قَالَ: الْمَرْأَة الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق، فَإِن التَّعْلِيق بهَا يُفِيد

ارتباط شَيْء بِشَيْء على خطر الْوُجُود متوقعا نزُول المرتبط على المرتبط بِهِ وَقد وجد فِيهِ، ثمَّ إِن الْوَصْف: أَعنِي التَّزَوُّج لما كَانَ لامْرَأَة غير مُعينَة اعْتبر لحُصُول التعين الَّذِي لَا بُد مِنْهُ فِي وُقُوع الطَّلَاق، لِأَن إِضَافَته إِلَى مَجْهُول غير صَحِيحَة، وَإِذا اعْتبر صَار بِمَعْنى الشَّرْط فِي ترَتّب الحكم عَلَيْهِ (بِخِلَاف) مَا لَو دخل الْوَصْف على معِين بِأَن أَشَارَ إِلَى أَجْنَبِيَّة أَو ذكرهَا باسمها الْعلم، فَقَالَ (هَذِه) الْمَرْأَة الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق (وَزَيْنَب الخ) أَي الَّتِي أَتَزَوَّجهَا طَالِق فَإِنَّهُ لَا يصلح دلَالَة على الشَّرْط: لِأَن الْوَصْف فِي الْمعِين لَغْو (فَيلْغُو) الْوَصْف الْمَذْكُور فَتبقى هَذِه الْمَرْأَة طَالِق وَزَيْنَب فَيلْغُو لعدم الْمَحَلِّيَّة وَعدم مَا يَجعله فِي معنى التَّعْلِيق بِصِيغَة الشَّرْط، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ التَّعْلِيق بصيغته فَإِنَّهُ يَصح فِي الْمعينَة وَغَيرهَا، كَأَن تزوجت امْرَأَة وَهَذِه الْمَرْأَة فَهِيَ طَالِق، فَإِن الطَّلَاق يتَعَلَّق بِالشّرطِ فيهمَا (وَيُسمى) هَذَا النَّوْع مِمَّا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الشَّرْط (شرطا مَحْضا) لَيْسَ فِيهِ معنى الْعلية (لِامْتِنَاع) تحقق (الْعلَّة بِالتَّعْلِيقِ) أَي بِسَبَب التَّعْلِيق لِأَن مَا يتَحَقَّق بِهِ الْعلية لَا يحصل بِسَبَب تَعْلِيق شَيْء بِهِ وَهُوَ ظَاهر بَعْدَمَا عرفت معنى الْعلَّة. لَا يُقَال قَوْله لِامْتِنَاع الخ إِشَارَة إِلَى مَا تقرر عِنْد الْحَنَفِيَّة، من أَن التَّعْلِيق يمْنَع تحقق الْعلَّة، فَإِن قَوْله أَنْت طَالِق عِلّة للطَّلَاق لَوْلَا التَّعْلِيق، فَإِن هَذَا الْمَنْع لَا دخل لَهُ فِي كَون الْمُعَلق بِهِ شرطا مَحْضا فَتدبر (وَلما شابه) الشَّرْط (الْعلَّة للتوقف) أَي لتوقف الحكم عَلَيْهِ، كَمَا أَن الْعلَّة يتَوَقَّف الحكم عَلَيْهَا (والوضع) أَي ولكونه وضع أَمارَة على الحكم شرعا كالعلة، وَقَوله (أضافوا إِلَيْهِ) أَي الشَّرْط (الحكم أَحْيَانًا) جَوَاب لما، ثمَّ بَين أَن تِلْكَ الأحيان إِنَّمَا هِيَ (فِي) ضَمَان (التَّعَدِّي: وَذَلِكَ عِنْد عدم عِلّة صَالِحَة للإضافة) أَي إِضَافَة الحكم إِلَيْهَا، لِأَن شَبيه الشَّيْء قد يخلفه، وَزَاد بَعضهم عدم سَبَب كَذَلِك على مَا ذكر لِأَنَّهُ إِذا لم تصلح الْعلَّة وَصلح السَّبَب يُضَاف الحكم إِلَيْهِ (وسموه) أَي الشَّرْط الْمُضَاف إِلَيْهِ الحكم مَعْطُوف على الْجَواب (شرطا فِيهِ معنى الْعلَّة) بِاعْتِبَار تِلْكَ الْإِضَافَة (كشق الزق) الَّذِي فِيهِ مَائِع تَعَديا فَسَالَ مِنْهُ وَتلف (وحفر الْبِئْر فِي الطَّرِيق) تَعَديا، فَإِن كلا مِنْهُمَا شَرط أضيف إِلَيْهِ الحكم فَيضمن الشاق والحافر (لِأَن الْعلَّة) أَعنِي (السيلان لَا تصلح لإضافة الحكم) أَي (الضَّمَان) للعدوان إِلَيْهِ (إِذْ لَا تعدِي فِيهِ) أَي السيلان لِأَنَّهُ أَمر طبيعي للمائع ثَابت بِخلق الله تَعَالَى (والشق شَرطه) إِذْ يتَوَقَّف عَلَيْهِ السيلان وَحكمه (و) هُوَ (إِزَالَة الْمَانِع) من السيلان وَهُوَ الزق (تَعَديا) على مَالِكه (فيضاف) الضَّمَان (إِلَيْهِ) أَي الشَّرْط وَعلة السُّقُوط فِي الْبِئْر ثقل السَّاقِط، وَهُوَ أَيْضا طبيعي لَا تعدِي فِيهِ فَلَا يصلح لإضافة الضَّمَان إِلَيْهِ وَإِزَالَة الْمَانِع من السُّقُوط وَهُوَ الأَرْض بِالْحفرِ وَقع تَعَديا فأضيف إِلَيْهِ الحكم، لَا يُقَال الشَّيْء سَبَب وَهُوَ أقرب إِلَى الْعلَّة فيضاف إِلَيْهِ إِذْ لَا تعدِي فِيهِ لِأَنَّهُ مُبَاح مَحْض، وَلَا بُد فِيمَا يُضَاف إِلَيْهِ من صفة

التَّعَدِّي وَلَو تعمد الْمُرُور على الْبِئْر فَوَقع فِيهَا وَهلك يُضَاف التّلف إِلَيْهِ لتحَقّق التَّعَدِّي حِينَئِذٍ (وكشهود وجود الشَّرْط) كدخول الدَّار بعد تَعْلِيق الطَّلَاق بِهِ على رجل لم يدْخل بِزَوْجَتِهِ (فَإِذا رجعُوا) أَي شُهُود الشَّرْط وحدهم (بعد الْقَضَاء) بِالطَّلَاق وَلزِمَ نصف الْمهْر (ضمنُوا) نصف الْمهْر للزَّوْج، بِخِلَاف مَا إِذا دخل بهَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ قد استوفى بدل الْمهْر مِنْهَا، فالشهود لم يتلفوا عَلَيْهِ شَيْئا: وَهَذَا التَّخْرِيج فِي تضمين الشُّهُود (لفخر الْإِسْلَام وَالَّذِي فِي الْجَامِع الْكَبِير لَا) يضمنُون (وَعَلِيهِ) شمس الْأَئِمَّة (السَّرخسِيّ وَأَبُو الْيُسْر، وَفِي الطَّرِيقَة البرعزية: هُوَ) أَي ضَمَان شُهُود الشَّرْط (قَول زفر، وَالثَّلَاثَة) أَبُو حنيفَة وصاحباه قَالُوا (لَا تضمين قيل) فِي تَعْلِيل عدم الضَّمَان وقائله صَاحب الْكَشْف (لِأَن الْعلَّة وَإِن لم تكن صَالِحَة لإيجابه) أَي الضَّمَان لخلوها عَن صفة التَّعَدِّي (صَالِحَة لقطعه) أَي الحكم (عَن) الْإِضَافَة إِلَى (الشَّرْط إِذْ كَانَت) الْعلَّة (فعل مُخْتَار) فبينه المُصَنّف بقوله (أَي الْقَضَاء فَإِنَّهُ لَا يصلح) عِلّة لإِيجَاب الضَّمَان (وَإِلَّا) لَو صلح لَهُ (ضمن القَاضِي) مَعَ أَنه فعل بِمَا أوجبه الله تَعَالَى عَلَيْهِ، فَيفْسد بَاب الْقَضَاء (وَبِه) أَي بِهَذَا التَّقْرِير (ينتفى مَا قيل) وقائله الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (أَنه) أَي هَذَا الْمِثَال (مِثَال مَا لَا عِلّة فِيهِ أصلا، وَمِمَّا فِيهِ) أَي وَمن الشَّرْط الَّذِي فِيهِ معنى الْعلَّة (وَلَا تصلح) الْعلَّة لإضافة الحكم إِلَيْهَا (شَهَادَة شَرط الْيَمين الأول) صفة شَرط الْيَمين (فِي قَوْله) لعَبْدِهِ (إِن كَانَ قَيده عشرَة) من الأرطال (فَهُوَ حر، وَإِن حل فَهُوَ حر فشهدا بِعشْرَة) أَي بِأَنَّهُ عشرَة أَرْطَال (فَقضى بِعِتْقِهِ ثمَّ) حل و (وزن فَبلغ ثَمَانِيَة) فَظهر كذبهما (ضمنا) قيمَة العَبْد لمَوْلَاهُ (عِنْده) أَي أبي حنيفَة (لنفاذه) أَي الْقَضَاء بِالْعِتْقِ (بَاطِنا) أَي فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى كنفاذه ظَاهرا بِالْإِجْمَاع، وَإِنَّمَا نفذ مَا قُلْنَا (لابتنائه) أَي الْقَضَاء (على مُوجب شَرْعِي) للْقَضَاء يَعْنِي الشَّهَادَة فَلَا بُد من صيانته قدر الْإِمْكَان على وَجه لَا يتَضَرَّر الْمولى، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ والتضمين ومسئلة النَّفاذ بَاطِنا عِنْده مَشْهُورَة مفصلة فِي محلهَا، وَيرد عَلَيْهِ أَنه مِمَّا يُمكنهُ الْوُقُوف عَلَيْهِ، وَفِي مثله لَا ينفذ بَاطِنا، فَأَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (بِخِلَاف مَا إِذا ظَهَرُوا) أَي الشُّهُود (عبيدا أَو كفَّارًا) لنُقْصَان الْمُوجب الشَّرْعِيّ لتقصير القَاضِي فِي تعرف حَالهم (لِإِمْكَان الْوُقُوف عَلَيْهِ) أَي على كل من رقهم وكفرهم فَلم ينفذ قَضَاؤُهُ بَاطِنا (وَفِيمَا نَحن فِيهِ سقط) عَن القَاضِي (معرفَة وَزنه) لتحَقّق صدقهم (لِأَنَّهُ) أَي عرفان وَزنه (بحله) أَي الْقَيْد ليوزن (وَبِه) أَي بحله (يعْتق) فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ فَينفذ بِدُونِ الْحل (وَإِذا نفذ) بَاطِنا (عتق قبل الْحل فَامْتنعَ إِضَافَته) أَي الْعتْق (إِلَيْهِ) أَي إِلَى الْحل لتقدم الْعتْق عَلَيْهِ (وَالْعلَّة وَهِي الْيَمين) على التسامح من الْفُقَهَاء، وَكَذَا فَسرهَا بقوله (أَي الْجَزَاء) وَهُوَ قَوْله فَهُوَ حر (فِيهِ) أَي فِي التَّعْلِيق الْمَذْكُور (غير صَالح

لإضافة الضَّمَان إِلَيْهِ) أَي الْعلَّة، والتذكير بِاعْتِبَار الْجَزَاء (لِأَنَّهُ تصرف الْمَالِك) فِي ملكه (لَا تعد) مِنْهُ فِيهِ (فَتعين) أَن يُضَاف الحكم (إِلَى الشَّرْط وَهُوَ) أَي الشَّرْط (كَونه) أَي الْقَيْد (عشرَة وَقد كذب بِهِ الشُّهُود تَعَديا فيضمنونه، وَعِنْدَهُمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد (لَا) يضمنُون قِيمَته لمَوْلَاهُ (إِذْ لَا ينفذ) الْقَضَاء عِنْدهمَا (بَاطِنا) لِأَن صِحَّته بِالْحجَّةِ وَقد ظهر بُطْلَانهَا وَالْعَدَالَة الظَّاهِرَة دَلِيل الصدْق ظَاهرا، فَلَا نَفاذ إِلَّا فِي الظَّاهِر (فَهُوَ رَقِيق بَاطِنا بعد الْقَضَاء ثمَّ عتق بِالْحلِّ) لَا بِالشَّهَادَةِ فَلَا يضمنُون (وَمَا فِيهِ) أَي وَمِثَال مَا فِيهِ عِلّة (صَالِحَة) لإضافة الحكم إِلَيْهَا مَعَ الشَّرْط (شهادتا الْيَمين وَالشّرط فيضاف) الحكم (إِلَيْهَا) أَي الْيَمين يَعْنِي إِلَى شَهَادَتهمَا (فَيضمن شُهُود الْيَمين إِذا رَجَعَ الْكل) أَي شُهُود الْيَمين وشهود وجود الشَّرْط، لِأَن شُهُود الْيَمين شُهُود الْعلَّة، وَهُوَ قَوْله فَأَنت طَالِق مثلا على تَقْدِير: إِمَّا بِاعْتِبَار تَعْمِيم الْعلَّة بِحَيْثُ يَشْمَل مَا فِيهِ معنى السَّبَبِيَّة، وَإِمَّا بِاعْتِبَار أَنه يحصل للمعلق بعد شَهَادَة الْفَرِيقَيْنِ وَالْقَضَاء اتِّصَال بالحكم وَأورد عَلَيْهِ أَن شُهُود التَّعْلِيق إِنَّمَا شهدُوا بِالْعِلَّةِ. وَهُوَ قَوْله فَأَنت طَالِق مثلا على تَقْدِير وجود الشَّرْط لَا مُطلقًا فتحقق الْعلية مَوْقُوف على وجود الشَّرْط، فشهوده أولى بِالضَّمَانِ وَأجِيب بِمَنْع كَون شَهَادَتهم بهَا على ذَلِك التَّقْدِير، بل شهدُوا بِسَمَاع التَّعْلِيق مُطلقًا، وَحَاصِله بَيَان أَن المُرَاد بِالْعِلَّةِ الْمَشْهُود بهَا التَّعْلِيق الْمُطلق، لَا الْمُطلق الْقَيْد وَهُوَ عِلّة لَوْلَا الْمَانِع، وَإِنَّمَا قيل هُوَ عِلّة لاشْتِمَاله على الْعلَّة وَهِي قَوْله فَأَنت حر مثلا، وَالْمَانِع إِنَّمَا هُوَ انْتِفَاء الشَّرْط، وَلَا تعلق بِشَهَادَة شُهُود الشَّرْط بتحقق الْعلَّة غير أَنهم يشْهدُونَ بِشَيْء يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْعلَّة، لِأَن الْمُعَلق بِالشّرطِ عِنْد وجود الشَّرْط كالمنجز، وَفِيه نظر، لِأَن الشَّهَادَة بِسَمَاع مَا هُوَ عِلّة لَوْلَا وجود الْمَانِع لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء بِدُونِ مَا يدل على ارْتِفَاع الْمَانِع وَهُوَ شُهُود الشَّرْط فَكل مِنْهُمَا عِلّة نَاقِصَة وَالْمَجْمُوع عِلّة تَامَّة، وَمُقْتَضَاهُ تضمين الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا غير أَنه نوروا إِلَى الْجَواب بقَوْلهمْ: أَلا ترى أَنهم لَو شهدُوا بِالتَّعْلِيقِ لم يتَحَقَّق الشَّرْط من غير شَهَادَتهم، ثمَّ رجعُوا بعد الحكم يضمنُون وَلَو تحقق التَّعْلِيق من غير شَهَادَة بِاتِّفَاق الْخَصْمَيْنِ ثمَّ شهدُوا بِوُجُود الشَّرْط ثمَّ رجعُوا لم يضمنوا، فَعرفنَا أَن تحقق الْعلَّة وتأثيرها غير مُضَاف إِلَى شَهَادَة الشَّرْط بِوَجْه انْتهى وَلَا يخفى أَن فَائِدَة ذكر الضَّمَان فِي الصُّورَة الأولى أَن شُهُود التَّعْلِيق عِنْد الِانْفِرَاد يضمنُون، بِخِلَاف شُهُود الشَّرْط فَإِنَّهُم عِنْد الِانْفِرَاد لَا يضمنُون على مَا صرح بِهِ فِي الصُّورَة الثَّانِيَة المفيدة للمقصود بِدُونِ الصُّورَة الأولى، لِأَنَّهُ لَو ضمن شُهُود الشَّرْط عِنْد الِاجْتِمَاع لضمنوا عِنْد تحقق التَّعْلِيق بِاتِّفَاق الْخَصْمَيْنِ لِأَن خُصُوصِيَّة الِاجْتِمَاع لَا دخل لَهَا فِي التَّضْمِين (و) سموا (مَا لم يضف) أَي الشَّرْط الَّذِي لم يضف الحكم (إِلَيْهِ أصلا كأول المفعولين من شرطين علق عَلَيْهِمَا) طَلَاق أَو غَيره (كَأَن دخلت هَذِه) الدَّار (وَهَذِه) الدَّار فَأَنت طَالِق (شرطا مجَازًا اصْطِلَاحا) لتخلف حكم الشَّرْط

الاصطلاحي عَنهُ، وَهُوَ وجود الحكم عِنْد وجوده، لِأَن الحكم يَتَرَتَّب على الْمَجْمُوع فهما شَرط وَاحِد فِي الْحَقِيقَة، وعلاقة الْمجَاز توقف الحكم عَلَيْهِ كالحقيقي (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمُسَمّى (جدير بحقيقته) أَي الشَّرْط لتوقف وجود الحكم عَلَيْهِ من غير تَأْثِير وَلَا إفضاء، وَقد علم مِمَّا سبق أَن هَذَا معنى الشَّرْط وَلَا يلْزمه الْوُجُود عِنْد الْوُجُود (وَيُقَال) لهَذَا أَيْضا (شَرط اسْما لَا حكما) أما اسْما فَلَمَّا ذكر من علاقَة الْمجَاز: وَأما عدم الحكم فَلَمَّا عرفت من التَّخَلُّف، وَقد عرفت مَا فِيهِ. وَمن هَذَا الْقسم الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة وَالنِّيَّة (و) سموا (مَا) أَي الشَّرْط الَّذِي (اعْترض بعده) أَي توَسط بَينه وَبَين التلاف (فعل) فَاعل (مُخْتَار) فِي فعله سَوَاء كَانَ إنْسَانا أَو غَيره مِمَّا يَتَحَرَّك بالإرادة (لم يتَّصل) هَذَا الْفِعْل (بِهِ) أَي بذلك الشَّرْط بِأَن يتَحَقَّق بعد تحَققه بِغَيْر فَاعله حَال كَون هَذَا الْفِعْل (غير مَنْسُوب إِلَى الشَّرْط) وَسَيَجِيءُ مِثَال الْمَنْسُوب إِلَيْهِ (كحل قيد العَبْد) فَإِنَّهُ شَرط لتوقف التلاف عَلَيْهِ وَاعْترض بعده اباق العَبْد وَهُوَ فعل اخْتِيَاري (شرطا فِيهِ معنى السَّبَب) مفعول ثَان للتسمية: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مفض إِلَى الحكم بِلَا تَأْثِير (فَلَا ضَمَان) على من صدر مِنْهُ الشَّرْط الْمَذْكُور (بِهِ) أَي بِسَبَب صدوره مِنْهُ لاعتراض مَا يصلح لإضافة الحكم إِلَيْهِ بعده، وَهُوَ اباق الْآبِق (فَلَا يضمن) الْحَال (قِيمَته) أَي العَبْد (أَن أبق) لِأَن الْحل إِزَالَة الْمَانِع وَالْعلَّة الآباق، بِخِلَاف مَا إِذا اعْترض على الشَّرْط فعل غير مُخْتَار، بل طبيعي كَمَا إِذا شقّ زق الْغَيْر فَسَالَ الْمَائِع مِنْهُ فَتلف، وَمَا إِذا أَمر عبد الْغَيْر بالاباق فأبق فَإِنَّهُ وَإِن اعْترض عَلَيْهِ فعل مُخْتَار، فَأمر الِاسْتِعْمَال للْعَبد مُتَّصِل بالاباق فَيصير الْآمِر غَاصبا للْعَبد، فعمله على وفْق اسْتِعْمَاله كالآلة للْآمِر فَكَأَنَّهُ غير اخْتِيَاري (وَكَذَا فِي فتح القفص و) فتح بَاب (الاصطبل لَا يضمنهما) أَي الفاتح قيمَة الطير وَالدَّابَّة وَإِن ذَهَبا مِنْهُمَا فَوْرًا، لِأَن الْفَتْح شَرط اعْترض بعده فعل اخْتِيَاري من الطير وَالدَّابَّة (خلافًا لمُحَمد) فَإِنَّهُ قَالَ يضمنهما إِذا ذَهَبا على الْفَوْر، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي (جعله) أَي مُحَمَّد الْفَتْح (كَشَرط فِيهِ معنى الْعلَّة إِذْ طبعهما) أَي الطير وَالدَّابَّة (الِانْتِقَال) أَي الْخُرُوج عَنْهُمَا بِحَيْثُ لَا يصبران عَنهُ عَادَة (عِنْد عدم الْمَانِع) مِنْهُ، وَالْعَادَة إِذا تأكدت صَارَت طبيعية لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنْهَا (فَهُوَ) أَي انتقالهما (كسيلان) الْمَائِع من (الزق عِنْد الشق، وَلِأَن فعلهمَا) أَي الطير وَالدَّابَّة (هدر) سَاقِط الِاعْتِبَار شرعا لفساد اختيارهما كَمَا إِذا صَاح فَذَهَبت صَار ضَامِنا فَلَا يصلح لإضافة التّلف إِلَيْهِ (فيضاف التّلف إِلَى الشَّرْط) وَهُوَ الْفَتْح (وهما) أَي أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف (منعا الْإِلْحَاق) أَي إِلْحَاق فعل الطير وَالدَّابَّة بالسيلان الْمَذْكُور (بعد تحقق الِاخْتِيَار) لَهما فَإِن الْحَيَوَان يَتَحَرَّك بالإرادة (وَكَونه) أَي فعلهمَا (هدرا) لَا يصلح لإِيجَاب حكم بِهِ لِأَن الْوُجُوب مَحَله الذِّمَّة وَلَا ذمَّة لَهما (لَا يمْنَع قطع

الحكم عَن الشَّرْط كالمرسل) من ذَوَات الأنياب (إِلَى صيد فَمَال) مَعْطُوف على فعل مَفْهُوم من صلَة اللَّام: أَي الَّذِي أرسل فَمَال (عَنهُ) أَي الصَّيْد (ثمَّ رَجَعَ) الْمُرْسل (إِلَيْهِ) أَي الصَّيْد بعد مَا مَال عَنهُ (فَأَخذه ميله هدر) فِي إِضَافَة الحكم إِلَيْهِ لكَونه بَهِيمَة (و) مَعَ هَذَا (قطع) ميله (النِّسْبَة) أَي نِسْبَة إرسالهِ (إِلَى الْمُرْسل) وَلِهَذَا لَا يحل أكل مَا صَاده فَقتله (أما لَو نسب) خروجهما (إِلَيْهِ) أَي الفاتح (كفتحه على وَجه نفره) أَي كلا من الطير وَالدَّابَّة (فَفِي معنى الْعلَّة) أَي ففتحه لَيْسَ فِي معنى السَّبَب، بل فِي معنى الْعلَّة (فَيضمن) الفاتح. وَالْمُخْتَار للْفَتْوَى قَول مُحَمَّد صِيَانة لأموال النَّاس وَهُوَ اسْتِحْسَان، وَالْقِيَاس قَوْلهمَا: وَأما إِذا لم يخرجَا فِي فَور الْفَتْح بل بعده فَكَانَ ذَلِك دَلِيلا على ترك الْعَادة الْمُؤَكّدَة وَكَانَ ذَلِك بِحكم الِاخْتِيَار كحل الْقَيْد (وَأما الْعَلامَة) الَّتِي سبق أَنَّهَا لمُجَرّد الدّلَالَة على الحكم (فكالأوقات للصَّلَاة وَالصَّوْم) فَإِنَّهَا دَالَّة على تحقق وجوبهما من غير إفضاء وَلَا تَأْثِير (وعد الْإِحْصَان) لإِيجَاب الرَّجْم (مِنْهَا) أَي الْعَلامَة، وَهُوَ كَون الْإِنْسَان حرا عَاقِلا بَالغا مُسلما قد تزوج امْرَأَة نِكَاحا صَحِيحا وَدخل بهَا، وهما على صفة الْإِحْصَان حَتَّى لَو تزوج الْحر الْمُسلم الْبَالِغ الْعَاقِل أمة، أَو وصبية، أَو مَجْنُونَة، أَو كِتَابِيَّة وَدخل بهَا لَا يصير بِهَذَا الدُّخُول مُحصنا، وَكَذَا لَو تزوجت الموصوفة بِمَا ذكر من عبد أَو مَجْنُون أَو صبي وَدخل بهَا لَا تصير مُحصنَة (لثُبُوته) أَي الْإِحْصَان (بِشَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال) أَي بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ، وجمعهما إِمَّا بِاعْتِبَار المُرَاد، وَإِمَّا بِاعْتِبَار إِرَادَة الْجِنْس خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة وَزفر، وَلَو كَانَ عِلّة، أَو سَببا أَو شرطا لم يثبت بشهادتهن مَعَ الرِّجَال لوُجُود الشُّبْهَة فِي هَذِه الشَّهَادَة، وَالْحُدُود تندرئ بِالشُّبُهَاتِ، ثمَّ قَوْله عد الْإِحْصَان مُبْتَدأ خَبره (مُشكل، بل هُوَ) أَي الْإِحْصَان (شَرط لوُجُوب الْحَد كَمَا ذكره الْأَكْثَر) مِنْهُم متقدمو مَشَايِخنَا وَعَامة الْمُتَأَخِّرين (لتوقفه) أَي وجوب الْحَد (عَلَيْهِ) أَي الْإِحْصَان (بِلَا عقلية تَأْثِير) لَهُ فِي الحكم (وَلَا إفضاء) إِلَيْهِ وَهَذَا شَأْن الشَّرْط (لَا) أَنه عَلامَة (لتوقف مُجَرّد الْعلم بِهِ) أَي لوُجُوب الْحَد عَلَيْهِ كَمَا هُوَ شَأْن الْعَلامَة. وَلما اتجه على هَذَا تضمين شُهُوده إِذا رجعُوا بعد الرَّجْم. أجَاب بقوله (وَعدم الضَّمَان بِرُجُوع شُهُود الشَّرْط هُوَ الْمُخْتَار) وَقد سبق وَجهه (وَإِنَّمَا تكلفه) أَي تكلّف فِي جعل الْإِحْصَان (عَلامَة المضمن) بِشُهُود الشَّرْط ليندفع عَنهُ إِلْزَام تضمين شُهُود الْإِحْصَان على تَقْدِير كَونه شرطا (وَهُوَ) أَي تكلفه عَلامَة (غلط لِأَنَّهُ لَو) كَانَ الْإِحْصَان (شرطا لم تضمن) شُهُوده (بِهِ) أَي الرُّجُوع، وإيراد كلمة لَو مكالمة بِلِسَان التَّكَلُّف، وَإِلَّا فالتحقيق عِنْده أَنه شَرط كَمَا ذكره (إِذْ شَرطه) أَي شَرط ضَمَان شُهُود الشَّرْط (عدم) الْعلَّة (الصَّالِحَة) لإضافة الحكم إِلَيْهَا (وَالزِّنَا عِلّة صَالِحَة لإضافة الْحَد) إِلَيْهِ فَلَا يُضَاف إِلَى الْإِحْصَان لَو كَانَ شرطا. وَلما اتجه على كَون الْإِحْصَان شرطا، إِذْ الشَّرْط مَا يمْنَع ثُبُوت الْعلَّة

حَقِيقَة بعد وجودهَا صُورَة إِلَى حِين وجوده كَمَا فِي تَعْلِيق الْعتاق بِالدُّخُولِ وَالزِّنَا إِذا تحقق لَا يتَوَقَّف انْعِقَاده عِلّة للرجم على إِحْصَان يحدث بعده. أجَاب بقوله (وتقدمه) أَي الْإِحْصَان (على الْعلَّة) وَهِي (الزِّنَا غير قَادِح) فِي كَونه شرطا (إِذْ تَأَخره) أَي الشَّرْط (عَنْهَا) أَي الْعلَّة (غير لَازم) إِذْ يتَقَدَّم (كَشَرط الصَّلَاة) من إِزَالَة الْحَدث والخبث، وَستر الْعَوْرَة وَغَيرهَا فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ مُتَأَخِّرًا من حَيْثُ الْوُجُوب عَن علتها: أَي الْخطاب بهَا أَو تضيق الْوَقْت لِأَنَّهُ قد يتَقَدَّم من حَيْثُ الْوُجُود وكالعقل فَإِنَّهُ شَرط لصِحَّة التَّصَرُّف مقدم عَلَيْهِ (إِلَّا فِي) الشَّرْط (التعليقي) اسْتثِْنَاء من عدم لُزُوم تَأَخّر الشَّرْط فَإِن تَأَخره عَن صُورَة الْعلَّة لَازم (بل قيل) وقائله الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (وَلَا فِيهِ) أَي وَلَا يلْزم تَأَخّر التَّعْلِيق أَيْضا (فقد يتَقَدَّم) التعليقي (وَيكون الْمُتَأَخر الْعلم بِهِ) أَي التَّعْلِيق (كالتعليقي) أَي كالشرط التعليقي فِي التَّعْلِيق (بِكَوْن قَيده عشرَة) بِأَن قَالَ: إِن كَانَ زنة قيد عَبدِي عشرَة أَرْطَال فَهُوَ حر، فَإِن كَونه عشرَة مُتَقَدم بِحَسب الْوُجُود على عِلّة الْحُرِّيَّة، وَهُوَ الْجَزَاء، وَهُوَ قَوْله: فَهُوَ حر، وَإِن كَانَ الْعلم بالكون الْمَذْكُور مُتَأَخِّرًا عَن هَذِه الْعلَّة. ثمَّ أَفَادَ أَن الْمُعَلق عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر لَيْسَ نفس الْكَوْن الْمَذْكُور، بل ظُهُوره بقوله: (وَالظَّاهِر أَن التَّعْلِيق فِي مثله) يكون (على الظُّهُور وَإِن لم يذكر) أَي وَإِن لم يقل إِن ظهر أَن وَزنه كَذَا (لِأَن حَقِيقَته) أَي حَقِيقَة التَّعْلِيق تَعْلِيق أَمر (على مَعْدُوم) كَائِن (على خطر الْوُجُود فعلى كَائِن) أَي إِذا اعْتبر فِي حَقِيقَة التَّعْلِيق كَون الْمُعَلق عَلَيْهِ مَعْدُوما على خطر الْوُجُود، فَإِن التَّعْلِيق الصُّورِي على أَمر مَوْجُود (تَنْجِيز) معنى، وَالْعبْرَة للمعنى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا فرق بَين إنْشَاء الطَّلَاق مثلا بِلَا تَعْلِيق، وَبَين تَعْلِيقه بِأَمْر مَوْجُود حَال التَّعْلِيق فِي تحقق الْإِيقَاع، وَإِنَّمَا قَالَ الظَّاهِر وَلم يجْزم لاحْتِمَال أَن لَا يكون تَعْلِيقا على الظُّهُور (فكونه) أَي الْإِحْصَان (عَلامَة) لوُجُوب الرَّجْم (مجَاز) لتوقف وجوب الرَّجْم على وجوده شرعا من غير تَأْثِير وَلَا إفضاء كَمَا هُوَ شَأْن الشَّرْط وَاعْتِبَار عدم التَّوَقُّف فِي الْعَلامَة كَمَا سبق، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَا تتقدم الْعَلامَة على مَا هِيَ) عَلامَة (لَهُ كالدخان) عَلامَة للنار وَلَا يتَقَدَّم عَلَيْهَا وجودا (وَمِنْه) أَي وَمن هَذَا الْقسم الْمُسَمّى بالعلامة (ولادَة المبتوتة) أَي الْمُطلقَة طَلَاقا بَائِنا (والمتوفى عَنْهَا) زَوجهَا فَإِنَّهَا (عَلامَة الْعلُوق السَّابِق) على الطَّلَاق وَالْمَوْت إِذا كَانَت فِي مُدَّة تحتمله (وَلَو) كَانَت تِلْكَ الْولادَة (بِلَا) تقدم (حَبل ظَاهر وَلَا اعْتِرَاف) من الزَّوْج بالحبل (عِنْدهمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد (فَقبلا شَهَادَة الْقَابِلَة عَلَيْهَا) أَي الْولادَة كَمَا روى عَن الزُّهْرِيّ من أَنه مَضَت السّنة أَن كَون شَهَادَة النِّسَاء فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ غَيْرهنَّ من ولادات النِّسَاء وعيوبهن، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهِي) أَي شَهَادَة الْمَرْأَة (مَقْبُولَة فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال) وبشهادتها يثبت أصل الْولادَة (ثمَّ ثُبُوت نسبه) أَي

فصل قسم الشافعية القياس باعتبار القوة

الْمَوْلُود من الزَّوْج إِنَّمَا هُوَ (بالفراش السَّابِق) الْقوي الَّذِي يثبت بِهِ النّسَب، وَإِن أنكر الزَّوْج كَونه مِنْهُ إِلَّا مَعَ الْمُلَاعنَة (وَعِنْده) أَي أبي حنيفَة (لَيست) الْولادَة الْمَذْكُورَة (عَلامَة إِلَّا مَعَ أَحدهمَا) أَي الْحَبل الظَّاهِر قبل الطَّلَاق أَو الْمَوْت واعتراف الزَّوْج (فَلَا تقبل) شَهَادَة الْقَابِلَة (دونه) أَي دون أَحدهمَا (لِأَن الْولادَة وَالْحَالة هَذِه) أَي وَالْحَال أَن كَيْفيَّة الْوَاقِعَة عدم ظُهُور الْحَبل وَعدم اعْتِرَاف الزَّوْج بِهِ سَابِقًا (كالعلة لثُبُوت النّسَب) حرا، وَالْجُمْلَة الخالية عَن الْمُضمر المستقر فِيهِ توسطت بَين اسْمهَا وخبرها، وَإِنَّمَا قيد كَونه كالعلة بهَا لِأَن الْولادَة عِنْد ظُهُور الْحَبل أَو الِاعْتِرَاف سَابِقًا أَو الْفراش الْقَائِم لَيست كالعلة فَإِن كلا من ذَلِك دَلِيل ظَاهر يسْتَند إِلَيْهِ ثُبُوت النّسَب وَتَكون الْولادَة حِينَئِذٍ عَلامَة فَقَط (فَيلْزم النّصاب) أَي إِذا كَانَت الْولادَة كالعلة حِينَئِذٍ فَيشْتَرط نِصَاب الشَّهَادَة رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ لإثباتها (وَمثله) أَي مثل هَذَا الْخلاف وَاقع (إِذا علق طَلاقهَا عَلَيْهَا) أَي على الْولادَة وَأُرِيد إِثْبَات الطَّلَاق لوُجُود الْمُعَلق عَلَيْهِ (قبلت) شَهَادَة الْقَابِلَة على الْولادَة (عِنْدهمَا) أَي الصاحبين اعْتِبَار الْجَانِب كَونهَا عَلامَة (وَعِنْده يلْزم النّصاب) فَلَا تقبل (لِأَنَّهَا) أَي شهادتها حِينَئِذٍ (على الطَّلَاق معنى) وَإِن كَانَت على الْولادَة، وَصُورَة (كَمَا) إِذا شهِدت امْرَأَة (على ثيابة أمة بِيعَتْ بكرا لَا تقبل اتِّفَاقًا للرَّدّ) يَعْنِي إِذا اشْترى أمة على أَنَّهَا بكر، ثمَّ ادّعى أَنَّهَا ثيب وَأنكر البَائِع فَشَهِدت إِلَى آخِره، فَإِنَّهَا لَا تقبل اتِّفَاقًا لاسْتِحْقَاق المُشْتَرِي ردهَا على البَائِع لفَوَات الشَّرْط الْمَعْقُود عَلَيْهِ: أَي الْبكارَة (وَإِن قبلت) شهادتها (فِي الثيابة والبكارة) حَتَّى تثبت الثيابة فِي هَذِه فِي حق توجه الْخُصُومَة فَلَا تنْدَفع عَن البَائِع قبل الْقَبْض إِلَّا بحلفه بِاللَّه مَا بهَا هَذَا الْعَيْب، وَبعده بِاللَّه لقد سلمهَا بِحكم هَذَا البيع وَمَا بهَا هَذَا الْعَيْب. (فصل: قسم الشَّافِعِيَّة الْقيَاس بِاعْتِبَار الْقُوَّة) وَمَا يقابلها (إِلَى) قِيَاس (جلي) هُوَ (مَا علم فِيهِ نفي اعْتِبَار الْفَارِق بَين الأَصْل وَالْفرع) إِنَّمَا قَالَ: نفي اعْتِبَار الْفَارِق، وَلم يقل نفي الْفَارِق لِأَنَّهُ لَا بُد من وجود الْفَارِق بَينهمَا فِي كل قِيَاس لَكِن الْمَقْصُود نفي فَارق يَسْتَدْعِي زِيَادَة اخْتِصَاص الحكم بِالْأَصْلِ فَإِنَّهُ الْمُعْتَبر فِي الْفرق لَا غَيره، وَلَا شكّ أَن الْقيَاس الَّذِي علم فِيهِ نفي اعْتِبَار الْفَارِق أقوى فِي الِاحْتِجَاج من الَّذِي لم يعلم فِيهِ، بل ظن (كقياس الْأمة على العَبْد فِي أَحْكَام الْعتْق من التَّقْوِيم على مُعتق الْبَعْض) وَغَيره، وَقَوله من التَّقْوِيم إِلَى آخِره بَيَان الْأَحْكَام بَيَان ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " من أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَكَانَ لَهُ مَال يبلغ بِهِ ثمن العَبْد قوم عَلَيْهِ قيمَة عدل فَأعْطى شركاءه حصصهم وَعتق العَبْد عَلَيْهِ وَإِلَّا فقد عتق مِنْهُ مَا عتق " فَإنَّا نقطع بِعَدَمِ اعْتِبَار الشَّارِع الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة، وَأَنه لَا فَارق بَينهمَا سوى ذَلِك (و) إِلَى (خَفِي) قِيَاسه (بظنه) أَي نفي اعْتِبَار الْفَارِق وَلَا بِعِلْمِهِ جزما فَلَا يكون الِاحْتِجَاج بِهِ قَوِيا مثل الأول (كالنبيذ)

أَي كقياس النَّبِيذ (على الْخمر فِي حُرْمَة الْقَلِيل مِنْهُ) أَي النَّبِيذ فَإِن كَونه مثل الْخمر فِي حُرْمَة الْقَلِيل غير مَعْلُوم بل مظنون (لتجويز اعْتِبَار) الْفَارِق بَينهمَا: أَي بَين (خُصُوصِيَّة الْخمر) فَإِنَّهُ يجوز عِنْد الْعقل أَن تكون حُرْمَة الْقَلِيل فِيهَا لخصوصها بِاعْتِبَار وصف يَخُصهَا كالنجاسة العينية، أَو أَن قليلها يَدْعُو إِلَى الْكثير أَكثر مِمَّا يَدْعُو قَلِيل النَّبِيذ إِلَى كَثِيره (وَلذَا) أَي ولتجويز اعْتِبَار خصوصيتها فِي نفس الْأَمر (قالته الْحَنَفِيَّة) أَي ذَهَبُوا إِلَى اعْتِبَار خصوصيتها فَلم يحرموا الْقَلِيل من النَّبِيذ. (و) قسموه (بِاعْتِبَار الْعلَّة إِلَى قِيَاس عِلّة) وَهُوَ (مَا صرح فِيهِ بهَا) أَي بِالْعِلَّةِ: كَمَا يُقَال حرم النَّبِيذ كَالْخمرِ للإسكار. (وَقِيَاس دلَالَة) وَهُوَ (أَن يجمع) فِيهِ بَين الأَصْل وَالْفرع (بملازمها) أَي بِذكر مَا يلازم الْعلَّة، وَفِي التَّعْبِير بالملازم دون اللَّازِم إِشْعَار بِأَن الْمُعْتَبر اللُّزُوم من الْجَانِبَيْنِ. ثمَّ مثل الملازم بقوله (كرائحة) الشَّرَاب (المشتد بالشدة المطربة الْمُشْتَركَة (بَين النَّبِيذ وَالْخمر لدلالته) أَي الملازم الْمَذْكُور (على وجود الْعلَّة) وَهِي (الْإِسْكَار) لِأَن وجود الملازم يسْتَلْزم وجود الملازم فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ كَانَ) مَا ذكر من الرَّائِحَة (ملازما لَهَا) أَي لِلْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْإِسْكَار (و) إِلَى (قِيَاس فِي معنى الأَصْل) وَهُوَ (أَن يجمع) بَين الأَصْل وَالْفرع فِي الحكم (بِنَفْي الْفَارِق) بَينهمَا (أَي بإلغائه) أَي إِلْغَاء وصف مَوْجُود فِي الأَصْل دون الْفَرْع وَإِظْهَار عدم مدخليته فِي الحكم (كإلغاء كَونه) أَي كَون الْمَقِيس عَلَيْهِ: وَهُوَ الَّذِي جَامع أَهله فِي نَهَار رَمَضَان فَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْكَفَّارَةِ على التَّفْصِيل الْمَذْكُور فِي السّنة (أَعْرَابِيًا وَكَونهَا) أَي الَّتِي جَامعهَا (أَهلا) أَي زَوْجَة لَهُ، وَإِذا ألغى الخصوصيات (فَتجب الْكَفَّارَة) أَي كَفَّارَة الْجِمَاع فِي نَهَار رَمَضَان عمدا (على غَيره) أَي غير ذَلِك الْأَعرَابِي بإلغاء الأول (و) تجب (بِالزِّنَا) أَي بمجامعة غير الْأَهْل بطرِيق الزِّنَا بإلغاء الثَّانِي (وَكَذَا) الْحَال فِي تَعديَة الحكم عَن مورد النَّص (إِذْ ألغى الْحَنَفِيّ كَونه) أَي الْمُفطر (جماعا فَتجب) الْكَفَّارَة (بعمد الْأكل) أَي بِالْأَكْلِ عمدا إِذا كَانَ الْمَأْكُول مِمَّا يقْصد بِهِ الْقُوت (وَلَو تعرض) القائس (لغير نفي الْفَارِق من عِلّة) بَيَان للْغَيْر (مَعَه) أَي مَعَ نفي الْفَارِق: يَعْنِي ذكر الْعلَّة للْحكم وَنفي الْفَارِق بَين الْفَرْع وَالْأَصْل (وَكَانَ) نفي الْفَارِق (قَطْعِيا خرج) مَا تعرض فِيهِ لما ذكر مَعَ النَّفْي الْقطعِي (إِلَى الْقيَاس الْجَلِيّ، أَو ظنيا فَإلَى الْخَفي) أَي وَلَو تعرض لما ذكر وَكَانَ النَّفْي ظنيا فَخرج إِلَى الْقيَاس الْخَفي، وَلَيْسَ المُرَاد الْخُرُوج من أحد الضدين إِلَى الآخر، بل البروز من عَالم الْإِمْكَان إِلَى إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ (وَلَا يخفى أَن هَذَا) التَّقْسِيم (تَقْسِيم لما يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْقيَاس) لَا للْقِيَاس الْمُعَرّف بِمَا ذكر فِي صدر الْمقَالة (إِذْ الْجمع) أَي جمع بَيَان الْعلَّة (بِنَفْي الْفَارِق لَيْسَ من حَقِيقَته) أَي الْقيَاس، وَقد يُقَال أَن الْقُيُود الَّتِي يحصل بانضمامها إِلَى الْمقسم الْأَقْسَام المتباينة

لَا يجب أَن تكون دَاخِلَة فِي حَقِيقَتهَا لجَوَاز تَقْسِيم الْمَاهِيّة بِاعْتِبَار اقترانها فِي التحقق بِأُمُور متباينة خَارِجَة عَن مَاهِيَّة كل قسم فالتقيد بِوَاحِد من تِلْكَ الْأُمُور دَاخل فِي كل قسم، والقيد خَارج كتقسيم الْإِنْسَان إِلَى الْأَبْيَض وَالْأسود، فَيجوز أَن يكون الْمقسم كالقياس الْمَذْكُور فَتَأمل (و) قسم (الْحَنَفِيَّة) الْقيَاس (إِلَى جلي) وَهُوَ (مَا تبادر) أَي سبق إِلَى الإفهام وَجهه (و) إِلَى (مَا هُوَ خَفِي مِنْهُ) أَي مِمَّا تبادر (فَإِن قيل قَوْله أخْفى يَسْتَدْعِي وجود الخفاء فِي الْمُتَبَادر قُلْنَا الْقيَاس من حَيْثُ هُوَ لَا يَخْلُو من نوع خَفَاء، فالجلاء والخفاء من الْأُمُور الإضافية. (فَالْأول) وَهُوَ الْجَلِيّ (الْقيَاس) أَي يُسمى بِلَفْظ الْقيَاس فَكَأَنَّهُ لكماله هُوَ الْقيَاس لَا غَيره فَلفظ الْقيَاس يسْتَعْمل فِي مَعْنيين: أَحدهمَا الْأَعَمّ الْمقسم للقسمين، وَالثَّانِي مَا يُقَابل الْخَفي (وَالثَّانِي الِاسْتِحْسَان فَهُوَ) أَي الِاسْتِحْسَان (الْقيَاس الْخَفي بِالنِّسْبَةِ إِلَى) قِيَاس (ظَاهر متبادر) وَفِيه إِشَارَة إِلَى مَا ذكرنَا من الْإِضَافَة (وَيُقَال) لفظ الِاسْتِحْسَان (لما هُوَ أَعم) مِمَّا ذكر، وَهُوَ (كل دَلِيل) وَاقع (فِي مُقَابلَة الْقيَاس الظَّاهِر) لفظ كل مقحم تَأْكِيدًا للْعُمُوم الْمَفْهُوم فِي مقَام التَّعْرِيف (نَص) بدل الْبَعْض من كل دَلِيل (كالسلم) أَي كالنص الدَّال على صِحَة بيع السّلم، وَالْقِيَاس الْجَلِيّ يُفِيد عدم جَوَازه لكَون الْمَبِيع مَعْدُوما حَال العقد (أَو إِجْمَاع كالاستصناع) أَي كالإجماع الْوَاقِع على جَوَاز الاستصناع وَهُوَ طلب صَنْعَة لما فِيهِ تعامل من خف وَغَيره بِأَن يَقُول للخفاف: اصْنَع لي خف جلد كَذَا صفته كَذَا، ومقداره كَذَا بِكَذَا، فَإِن الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْخُف الْمَوْصُوف بِمَا وصف بِهِ الطَّالِب مَعْدُوم حَال العقد، فَالْقِيَاس عدم جَوَازه، غير أَنه ترك للتعامل من غير نَكِير من أهل الْعلم، وتقريرهم على ذَلِك إِجْمَاع عَمَلي، وَلم يجوزه الشَّافِعِي ورفد (أَو ضَرُورَة) هِيَ عُمُوم الْبلوى (كطهارة الْحِيَاض والآبار) أَي كالضرورة الْمُوجبَة للْحكم بِطَهَارَة الْحِيَاض والآبار المتنجسة، فَإِن الحكم بطهارتها بالنزح مثلا لعُمُوم الْبلوى، وَإِلَّا فإخراج بعض المَاء النَّجس من الْحَوْض والبئر لَا يُؤثر فِي طَهَارَة الْبَاقِي، وَلَو أخرج الْكل فَمَا يَنْبع من أَسْفَل أَو ينزل من أَعلَى يلاقي نجسا من طين أَو حجر (فمنكره) أَي الِاسْتِحْسَان حَيْثُ قَالَ: من اسْتحْسنَ فقد شرع (لم يدر المُرَاد بِهِ) أَي بِلَفْظ الِاسْتِحْسَان عِنْد من يَقُول بِهِ: يَعْنِي الْقيَاس الْخَفي أَو كل دَلِيل الخ (وقسموا) أَي الْحَنَفِيَّة (الِاسْتِحْسَان إِلَى مَا قوي أَثَره) أَي تَأْثِير علته بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُقَابِله (و) إِلَى (مَا خَفِي فَسَاده) وَهُوَ خلله، المخل بالاحتجاج بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عدم ظُهُور صِحَّته: أَي خَفِي فَسَاده (بِالنِّسْبَةِ إِلَى ظُهُور صِحَّته) نَفسه، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ظُهُور صِحَة الْقيَاس، لِأَن الخفاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقيَاس إِنَّمَا هُوَ وَظِيفَة مَا هُوَ أجل مِنْهُ وَهُوَ ظُهُور صِحَّته، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِن كَانَ) ظُهُور صِحَّته (خفِيا بِالنِّسْبَةِ

إِلَى الْقيَاس) الْمُقَابل لَهُ (وَظهر صِحَّته) عطف على خَفِي فَإِذا نظرت فِيهِ أدنى نظر وجدته صَحِيحا وَإِذا تَأَمَّلت فِيهِ حق التَّأَمُّل وجدته فَاسِدا (و) قسموا (الْقيَاس إِلَى مَا ضعف أَثَره، و) إِلَى (مَا ظهر فَسَاده وخفي صِحَّته) وَذَلِكَ بِأَن يَنْضَم إِلَى وَجهه معنى دَقِيق يورثه قُوَّة ورجحانا على وَجه مَا مُقَابِله الَّذِي هُوَ اسْتِحْسَان (فَأول الأول) أَي الْقسم الأول من الِاسْتِحْسَان وَهُوَ مَا قوي أَثَره (مقدم على أول الثَّانِي) أَي الْقسم الأول من الْقيَاس، وَهُوَ مَا ضعف أَثَره، وَوجه التَّقْدِيم ظَاهر (وَثَانِي الثَّانِي) وَهُوَ مَا ظهر فَسَاده وخفي صِحَّته مقدم (على ثَانِي الأول) وَهُوَ مَا ظهر صِحَّته وخفي فَسَاده لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة بِالظَّاهِرِ الْمَبْنِيّ على بادئ النّظر فِي مُقَابلَة الْبَاطِن الْمَبْنِيّ على التَّأَمُّل التَّام، فثاني الثَّانِي فِي التَّحْقِيق أقرب إِلَى الصَّوَاب من ثَانِي الأول وَإِن كَانَ الْأَمر بِالْعَكْسِ فِي الظَّاهِر، وَإِنَّمَا ترك بَيَان النِّسْبَة بَين قسمي الأول لظُهُوره وَبَين قسمي الثَّانِي اعْتِمَادًا على فهم الْمُخَاطب أَن مَا هُوَ صَحِيح فِي التَّحْقِيق إِذا لم يكن ضَعِيف الْأَثر أولى مِمَّا هُوَ ضَعِيف الْأَثر فَتدبر (مِثَال مَا اجْتمع فِيهِ أول كل) من الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان (سِبَاع الطير) أَي سؤرها كالصقر والبازي إِذْ (الْقيَاس نَجَاسَة سؤرها) قِيَاسا (على) نَجَاسَة سُؤْر (سِبَاع الْبَهَائِم) كالأسد والنمر لاشْتِرَاكهمَا فِي نَجَاسَة اللَّحْم لِحُرْمَتِهِ والسؤر يتبع اللَّحْم لاختلاطه باللعاب الْمُتَوَلد مِنْهُ، وَهَذَا الْمَعْنى ظَاهر غير قوي الْأَثر (وَالِاسْتِحْسَان) طَهَارَة سؤرها، وَهُوَ (الْقيَاس الْخَفي على) طَهَارَة سُؤْر (الْآدَمِيّ) بِجَامِع عدم مأكولية لحم كل مِنْهُمَا، وَإِن كَانَ فِي الْآدَمِيّ للكرامة، وَفِي سِبَاع الطير للنَّجَاسَة، لِأَن الْحُرْمَة لَا لكرامة آيَة النَّجَاسَة (لضعف أثر الْقيَاس) الْمَذْكُور، تَعْلِيل لتقديم الْقسم الأول من الِاسْتِحْسَان فِي الْمِثَال الْمَذْكُور (أَي مؤثره) الْإِضَافَة لأدنى مُلَابسَة فَإِن الْمُؤثر إِنَّمَا هُوَ مُؤثر للْحكم وَإِرَادَة الْمُؤثر من لفظ الْأَثر من قبيل إِطْلَاق الْمُسَبّب على السَّبَب (وَهُوَ) أَي مؤثره (مُخَالطَة اللعاب) الْمُتَوَلد من اللَّحْم (النَّجس) للْمَاء فِي السؤر (لانتفائه) أَي انْتِفَاء الْمُؤثر الْمَذْكُور فِي سُؤْر سِبَاع الطير تَعْلِيل لضعف أثر الْقيَاس (إِذْ تشرب) سِبَاع الطير تَعْلِيل لانتفائه (بمنقارها الْعظم الطَّاهِر) صفتان لمنقارها لبَيَان كَونه جافا لَا رُطُوبَة فِيهِ وَأَنه طَاهِر من الْمَيِّت فَمن الْحَيّ أولى، وَهِي تَأْخُذ المَاء بِهِ ثمَّ تبتلعه وَلَا ينْفَصل شَيْء من لُعَابهَا فِي المَاء (فانتفت عِلّة النَّجَاسَة) وَهِي المخالطة الْمَذْكُورَة (فَكَانَ طَاهِرا كسؤر الْآدَمِيّ) بِجَامِع انْتِفَاء علتها، وَهَذَا أولى من قَوْلهم بِجَامِع عدم مأكولية اللَّحْم كَمَا ذكر، إِذْ تعلق بتأثيره فِي الحكم بِطَهَارَة السؤر دون ذَلِك، على أَن عدم الْأكل فِي الْآدَمِيّ للكرامة، وَفِي الْمَقِيس للنَّجَاسَة على مَا مر آنِفا (وأثره) أَي الْقيَاس الْخَفي (أقوى) من ذَلِك الْقيَاس الظَّاهِر لما عرفت من انْتِفَاء مُوجب النَّجَاسَة، ثمَّ إِن كَانَت مضبوطة تغذى بالطاهر فَقَط لَا يكره سؤرها كَمَا روى عَن أبي حنيفَة وَأبي

يُوسُف وَاسْتَحْسنهُ الْمُتَأَخّرُونَ وأفتوا بِهِ وَإِن كَانَت مُطلقَة يكره لِأَنَّهَا لَا تتحامى الْميتَة فَكَانَت كالدجاجة المخلاة، وَعَن أبي يُوسُف أَن مَا يَقع على الْجِيَف سؤره نجس لعدم خلو منقاره عَن النَّجَاسَة عَادَة وَأجِيب بِأَنَّهَا تدلك منقارها بِالْأَرْضِ بعد الْأكل فيزول مَا عَلَيْهِ، وَلعدم تقين النَّجَاسَة مَعَ الْبلوى بهَا فَإِنَّهَا تنقض من الْهَوَاء على المَاء فثبتت الْكَرَاهَة لَا النَّجَاسَة (فَإِن قلت سبق عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة فِي شُرُوط الْعلَّة (أَن لَا تَعْلِيل بِالْعدمِ، وَهَذَا الِاسْتِحْسَان قِيَاس علل فِيهِ بِهِ) أَي بِالْعدمِ لِأَن حَاصله تَعْلِيل الطَّهَارَة بِعَدَمِ مُخَالطَة النَّجس (قُلْنَا تقدم) ثمَّة (اسْتثِْنَاء عِلّة متحدة) أَي اسْتثِْنَاء التَّعْلِيل بِعَدَمِ عِلّة لَيْسَ لحكمها عِلّة سواهَا من عُمُوم نفي التَّعْلِيل بِالْعدمِ (فيستدل بعدمها) أَي بِعَدَمِ الْعلَّة المتحدة (على عدم حكمهَا) لِأَن الحكم لَا يُوجد بِدُونِ الْعلَّة، والمفروض أَنه لَا عِلّة لَهُ سوى مَا أضيف إِلَيْهِ الْعَدَم، يَعْنِي أَن التَّعْلِيل بِعَدَمِ الْعلَّة المتحدة عبارَة عَن الِاسْتِدْلَال بِالْعدمِ على الْعَدَم (لَا) أَن ذَلِك التَّعْلِيل (تَعْلِيل حَقِيقِيّ) إِذْ التَّعْلِيل الْحَقِيقِيّ بإبراز عِلّة مُؤثرَة مستجمعة للشرائط الْمُعْتَبرَة فِي الْعلَّة المرعية، وَذَلِكَ مَفْقُود فِيمَا نَحن فِيهِ (ومثلوا مَا اجْتمع فِيهِ ثانياهما) أَي الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان وهما الْقيَاس الظَّاهِر فَسَاده الْخَفي صِحَّته، وَالِاسْتِحْسَان الظَّاهِر صِحَّته الْخَفي فَسَاده (بِسَجْدَة التِّلَاوَة الْوَاجِبَة فِي فِي الصَّلَاة، الْقيَاس) جَوَاز (أَن يرْكَع) فِي الصَّلَاة (بهَا) أَي بِسَبَبِهَا نَاوِيا أداءها بِهِ سَوَاء كَانَ غير رُكُوع الصَّلَاة أَو ركوعها مَا لم يَتَخَلَّل بَينهمَا فاصل وَهُوَ مِقْدَار ثَلَاث آيَات (لظُهُور أَن إِيجَابهَا) أَي سَجْدَة التِّلَاوَة (لإِظْهَار التَّعْظِيم) لله تَعَالَى بالخضوع لَهُ مُوَافقَة لمن عظم، وَمُخَالفَة لمن استكبر (وَهُوَ) أَي إِظْهَار التَّعْظِيم حَاصِل (فِي الرُّكُوع، وَلذَا) أَي ولوفور التَّعْظِيم فِيهِ (أطلق عَلَيْهَا) أَي السَّجْدَة (اسْمه) أَي اسْم الرُّكُوع فِي قَوْله تَعَالَى (وخر رَاكِعا) أَي سقط سَاجِدا لِأَن الخرور السُّقُوط على الْوَجْه، فقيس سُقُوطهَا بِهِ على سُقُوطهَا بِنَفسِهَا بِجَامِع الخضوع تَعْظِيمًا غير أَن السُّجُود أفضل فِي أَدَاء الْوَاجِب (وَهِي) أَي الْعلَّة الْمَذْكُورَة فِي الْقيَاس الْمَذْكُور (صِحَّته الْخفية) أَي وَجه صِحَّته الْخفية (وفساده الظَّاهِر لُزُوم تأدي الْمَأْمُور بِهِ) وَهُوَ السُّجُود (بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر الْمَأْمُور بِهِ، وَهُوَ الرُّكُوع (وَالْعَمَل بالمجاز) أَي بِالْمَعْنَى الْمجَازِي للفظ السُّجُود وَهُوَ الرُّكُوع (مَعَ إِمْكَانه) أَي الْعَمَل (بِالْحَقِيقَةِ) وَهُوَ السُّجُود، وَلَا يخفى أَن لُزُوم مَا ذكر إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر وَبعد التَّأَمُّل تبين أَن الْمَأْمُور بِهِ بِحَسب الْحَقِيقَة إِظْهَار التَّعْظِيم وَلَفظ السُّجُود مُسْتَعْمل فِي حَقِيقَته غير أَنه ألحق بِهِ الرُّكُوع بطرِيق الْقيَاس (وَالِاسْتِحْسَان) الأخفى (لَا) لكَون الْقيَاس الْمُقَابل لَهُ خَفِي الصِّحَّة، وكل اسْتِحْسَان أخْفى مِمَّا يُقَابله أَنه لَا يرْكَع بهَا كَمَا هُوَ قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة (قِيَاسا على سُجُود الصَّلَاة) فَإِنَّهُ (لَا يَنُوب ركوعها) أَي الصَّلَاة (عَنهُ)

أَي عَن سجودها مَعَ كَمَال الْمُنَاسبَة بَينهمَا لِكَوْنِهِمَا من الْأَركان وموجبات التَّحْرِيمَة، وعَلى عدم تأديها بِهِ خَارج الصَّلَاة، وَأَيْضًا رُكُوع الصَّلَاة مُسْتَحقّ لجِهَة أُخْرَى، وَهُوَ خَارِجهَا غير مُسْتَحقّ لجِهَة أُخْرَى (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَعْنى (صِحَّته) أَي هَذَا الْقيَاس (الظَّاهِرَة لوجه فَسَاد ذَلِك) الْقيَاس مُتَعَلق بقوله لَا يَنُوب (من تأدى الخ) أَي الْمَأْمُور بِغَيْرِهِ وَالْعَمَل بالمجاز مَعَ إِمْكَانه بِالْحَقِيقَةِ بَيَان لوجه فَسَاد ذَلِك، وَصِحَّة هَذَا وَفَسَاد ذَلِك مشتركان فِي الظُّهُور متحدان فِي الْوَجْه (وَفَسَاد الْبَاطِن) أَي بَاطِن هَذَا الِاسْتِحْسَان (أَنه) أَي هَذَا الِاسْتِحْسَان (قِيَاس مَعَ الْفَارِق وَهُوَ) أَي الْفَارِق (أَن فِي الصَّلَاة كل من الرُّكُوع وَالسُّجُود مَطْلُوب بِطَلَب يَخُصُّهُ) على سَبِيل الْجمع بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى - {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا واسجدوا} - فَلَو لم يكن خُصُوصِيَّة كل مِنْهَا مَطْلُوبا وَكَانَ الْمَطْلُوب إِظْهَار التَّعْظِيم مُطلقًا سَوَاء تحقق فِي ضمن الرُّكُوع وَالسُّجُود، كَانَ حق الْأَدَاء غير هَذَا الأسلوب بِأَن يذكر أَو بدل الْوَاو وَنَحْو ذَلِك (فَمنع) كَون كل مِنْهُمَا مَطْلُوبا بِطَلَب يَخُصُّهُ (تأدى أَحدهمَا فِي ضمن الآخر، بِخِلَاف سَجْدَة التِّلَاوَة) فَإِنَّهَا (طلبت وَحدهَا وعقل) فِيهَا معنى صَالح للعلية، وَهُوَ (أَنه) أَي طلبَهَا (لذَلِك الْإِظْهَار) للتعظيم (وَمُخَالفَة المستكبرين) عَن السُّجُود على مَا يفهم من النُّصُوص الْوَارِدَة فِي مَوَاضِع سَجْدَة التِّلَاوَة (وَهُوَ) أَي كل وَاحِد من إِظْهَار التَّعْظِيم والمخالفة (حَاصِل بِمَا اعْتبر عبَادَة) أَي بركوع اعْتَبرهُ الشَّارِع عبَادَة (غير أَن الرُّكُوع خَارج الصَّلَاة لم يعرف عبَادَة فَتعين) رُكُوع الصَّلَاة للأجزاء عَنْهَا فَإِن قلت تَعْلِيل الحكم الْمَذْكُور فِيهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكرُوا هُوَ إِظْهَار التَّعْظِيم والمخالفة يقتضى أَن يُؤدى الْوَاجِب فِيهِ بِكُل مَا اعْتبر عبَادَة، وَلم يقل لَهُ أحد قلت اظهار التَّعْظِيم والمخالفة على وَجه الْكَمَال لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي تَعْظِيم يخص المعبود وَهُوَ منحصر (فيهمَا) وَقد يُقَال لظَاهِر النَّص طلب السَّجْدَة بِعَينهَا وَهِي غَايَة فِي التَّعْظِيم فَلَيْسَ الرُّكُوع فِي رتبتها فَتدبر (فترجح الْقيَاس) على الِاسْتِحْسَان بِقُوَّة أثر الْبَاطِن لما عرفت من دفع الْإِيرَاد عَنهُ وَعدم دَفعه على الِاسْتِحْسَان (وَنظر فِي أَن ذَلِك ظَاهر وَهَذَا خَفِي) أَي فِي ظُهُور ذَلِك الْقيَاس، وخفاء هَذَا الِاسْتِحْسَان نظر (وَهُوَ) أَي وَجه النّظر (ظَاهر إِذْ لَا شكّ أَن منع تأدى الْمَأْمُور) أَي امْتِنَاعه (شرعا بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر الْمَأْمُور بِهِ (أقوى تبادراً من جَوَازه لمشاركته) تَعْلِيل للْجُوَاز الْمَرْجُوح أَي لمشاركه غير الْمَأْمُور بِهِ أَي للْمَأْمُور بِهِ فالباء بِمَعْنى اللَّام، وَيجوز أَن تكون بِمَعْنى مَعَ، وَفِي نُسْخَة لَهُ، وَهُوَ الظَّاهِر (فِي معنى) نيط بِهِ الحكم (كالتعظيم) الْمَذْكُور (أَو لإِطْلَاق لَفظه) مَعْطُوف على قَوْله لمشاركته يَعْنِي لفظ غير الْمَأْمُور بِهِ (عَلَيْهِ) أَي على الْمَأْمُور بِهِ (كَقَوْلِه

تَعَالَى وخر رَاكِعا: أَي سَاجِدا) فَإِن فِي إِطْلَاق لفظ الرَّاكِع على الساجد والعدول عَن الظَّاهِر إِيمَاء إِلَى أَن الْمَقْصُود مِنْهُمَا وَاحِد، ثمَّ علل كَون الْمَنْع أقوى تبادرا من الْجَوَاز الْمُعَلل بِالْإِطْلَاقِ الْمَذْكُور بقوله (إِذْ لَا يلْزم من إِطْلَاق لفظ على غير مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ جَوَاز إِيقَاع مُسَمَّاهُ) أَي مُسَمّى الْمُسْتَعْمل مجَازًا (مَكَان مُسَمّى) اللَّفْظ (الآخر) الَّذِي وضع بِإِزَاءِ الْمُسْتَعْمل فِيهِ مجَازًا (شرعا) أَي جَوَازًا شَرْعِيًّا، فاللفظ الأول الرُّكُوع، وَالثَّانِي السُّجُود فَلَا يلْزم من إِطْلَاق الرُّكُوع على معنى السُّجُود، وَجَوَاز إِيقَاع معنى الرُّكُوع مَكَان معنى السُّجُود فِي أَدَاء مَا وَجب بِالطَّلَبِ الْمُتَعَلّق بِالسُّجُود (وَإِن كَانَ الْمُطلق) بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل (الشَّارِع) أَن وصلية لدفع مَا يتَوَهَّم من أَن الْمُطلق إِذا كَانَ الشَّارِع وَالشَّرْع فِي يَده فَمَا الْمَانِع من حمل كَلَامه على جَوَاز الْإِيقَاع لِأَن الْكَلَام فِي عدم لُزُوم جَوَازه من هَذَا الْإِطْلَاق، وَلَا فرق فِي هَذَا بَين أَن يكون الْمُطلق الشَّارِع أَو غَيره فَإِن طَرِيق الِاسْتِعَارَة غير طَرِيق الْقيَاس إِذْ بِنَاء الأول على علاقَة الْمجَاز، وَالثَّانِي على وجود الْعلَّة الشَّرْعِيَّة، وَإِنَّمَا لم يتَعَرَّض إِلَّا الْأَخير من وَجْهي الْجَوَاز لظُهُور الأول (وَلَو فرض قيام دلَالَة على ذَلِك) أَي جَوَاز قيام الرُّكُوع فِي الصَّلَاة مقَامهَا (لَا يصيره) أَي الْقيَاس (أظهر) من الِاسْتِحْسَان، فَإِن وَجه عدم جَوَاز نِيَابَة الرُّكُوع فِي غَايَة الظُّهُور، وَمَا ذكر فِي مُقَابِله لَيْسَ مثله فِي الظُّهُور، والمفروض أخْفى من الْمَذْكُور، كَذَا مَا بَقِي فِي عَالم الْفَرْض وَلم يبرز، وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن السَّجْدَة تكون فِي آخر السُّورَة أيسجد بهَا أم يرْكَع؟ قَالَ إِن شِئْت فاركع وَإِن شِئْت فاسجد ثمَّ اقْرَأ بعْدهَا سُورَة، رَوَاهُ سعيد، وَذكره ابْن أبي شيبَة عَن عَلْقَمَة وَإِبْرَاهِيم وَالْأسود وَطَاوُس ومسروق وَالشعْبِيّ وَالربيع بن خَيْثَم وَعَمْرو بن شُرَحْبِيل (وَحِينَئِذٍ) أَي حِين إِذْ كَانَ منع التأدى أظهر من جَوَازه (وَجب كَون الحكم الْوَاقِع) أَي الَّذِي اسْتَقر رَأْي الْحَنَفِيَّة عَلَيْهِ عِنْد الْمُعَارضَة (من تأديها بِالرُّكُوعِ) بَيَان للْحكم الْوَاقِع، وَالضَّمِير لسجدة التِّلَاوَة (حكم الِاسْتِحْسَان) خبر الْكَوْن وَذَلِكَ لِأَن مَا يفِيدهُ أخْفى مِمَّا يُفِيد عدم تأديها بِهِ (لَا) يَصح (كَونه) أَي كَون الحكم الْوَاقِع (مِمَّا قدم فِيهِ) أَي فِي حَقه (الْقيَاس عَلَيْهِ) أَي على الِاسْتِحْسَان، بل هُوَ مِمَّا قدم فِيهِ الِاسْتِحْسَان على الْقيَاس، وَقيل الْقيَاس الْمُفِيد للتأدي إِنَّمَا علم من الِاسْتِحْسَان بالأثر الْمَرْوِيّ عَن عمر وَابْن مَسْعُود وَأجِيب بِأَن هَذَا على قَول من يحْتَج بقول الصَّحَابِيّ مُطلقًا سَوَاء كَانَ للرأي فِيهِ مدْخل أَو لَا، وَالْمُخْتَار أَنه يحْتَج بِهِ إِذا لم يكن للرأي فِيهِ مدْخل (وَظهر) من هَذِه الْجُمْلَة (أَن لَا اسْتِحْسَان) كَائِن مَوْصُوفا بِوَصْف (إِلَّا مُعَارضا لقياس) لما عرفت من أَنه عبارَة عَن الْقيَاس الْخَفي بِالنِّسْبَةِ إِلَى قِيَاس طَاهِر (وَلزِمَ أَن لَا يعدى) من مَحل إِلَى مَحل آخر (مَا) أَي حكم ثَبت (بِغَيْر قِيَاس) أَي على خلاف الْقيَاس (وَهُوَ) أَي

الْقيَاس الَّذِي لَا يعدى بِدُونِهِ (اسْتِحْسَان أَولا) أَي أَو لَيْسَ باستحسان، يَعْنِي يعم الْقيَاس الْجَلِيّ والخفي، وَيحْتَمل أَن يكون الضَّمِير رَاجعا إِلَى غير الْقيَاس فَالْمُرَاد حِينَئِذٍ بقوله اسْتِحْسَان الِاسْتِحْسَان بالأثر، وَقد مر (لِأَنَّهُ) أَي مَا ثَبت بِغَيْر الْقيَاس (معدول) عَن سنَن الْقيَاس، وَمن شُرُوط حكم الأَصْل أَن لَا يكون معدولا عَنهُ (كإيجاب يَمِين البَائِع فِي اخْتِلَافهمَا) أَي عِنْد اخْتِلَاف البَائِع وَالْمُشْتَرِي (فِي قدر الثّمن بعد قبض الْمَبِيع) مَعَ قِيَامه (بِإِطْلَاق النَّص) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِذا اخْتلف البيعان وَلم يكن بَينهمَا بَيِّنَة والسلعة قَائِمَة فَالْقَوْل قَول البَائِع أَو يترادان " وَالْقِيَاس أَن لَا يَمِين عَلَيْهِ فَإِن قلت لَيْسَ فِي النَّص إِيجَاب الْيَمين قلت فِي عرف الشَّرْع إِذا قيل فَالْقَوْل قَوْله فِي مقَام الْخُصُومَة يُرَاد مَعَ الْيَمين، وَأَيْضًا قَوْله أَو يترادان مَعْطُوف على مُقَدّر أَي تحالف البائعان أَو يترادان (لِأَن المُشْتَرِي لَا يدعى عَلَيْهِ) أَي البَائِع (مَبِيعًا لتسلمه) أَي المُشْتَرِي (إِيَّاه) أَي الْمَبِيع، وَهُوَ معترف بِهِ وَإِذا لم يكن ثمَّة دَعْوَى من المُشْتَرِي فِي حق الْمَبِيع وَلَا إِنْكَار من البَائِع لَا يتَوَجَّه الْيَمين على البَائِع لِأَن الْيَمين على الْمُنكر، وَقد يُقَال صُورَة الدَّعْوَى من المُشْتَرِي حَاصِلَة وَقد اكْتفى بهَا فِي قبُول بَيته فيكتفي بهَا فِي يَمِين البَائِع أَقُول يُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن بَينهمَا بَيِّنَة دلّ على أَنه إِذا كَانَ تقبل فقبولها اكْتِفَاء بِصُورَة الدَّعْوَى ثَبت بِالنَّصِّ على خلاف الْقيَاس مُقْتَصرا على مورده (فَلَا يتَعَدَّى) إِيجَاب الْيَمين (إِلَى الْإِجَارَة) فِيمَا إِذا اخْتلفَا فِي مِقْدَار الْأُجْرَة بعد اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة بل القَوْل قَول الْمُسْتَأْجر مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ مُنكر الزِّيَادَة (و) إِلَى (الْوَارِثين) بِلَفْظ الْمثنى أَي وَارِث البَائِع ووارث المُشْتَرِي سَوَاء اخْتلف وَارِث البَائِع مَعَ المُشْتَرِي أَو بِالْعَكْسِ أَو الْوَارِث مَعَ الْوَارِث بِعَدَمِ مَوْتهمَا والسلعة قَائِمَة، بل القَوْل قَول المُشْتَرِي أَو وَارثه (خلافًا لمُحَمد) فَإِنَّهُ قَالَ يجْرِي التخالف فِي جَمِيع الصُّور (وَقَوله) أَي مُحَمَّد (إِذْ كل) من الْمُتَبَايعين (يَدعِي) على صَاحبه (عقدا غير) العقد (الآخر) وعَلى عقد الآخر، وينكر مَا يَدعِيهِ صَاحبه فَيحلف كل على دَعْوَى صَاحبه فَكَانَ على سنَن الْقيَاس فيتعدى إِلَى الْوَارِث (دفع) خبر قَوْله (بِأَن اخْتِلَاف الثّمن لَا يُوجِبهُ) أَي اخْتِلَاف العقد (كَمَا) لَا يُوجب اخْتِلَاف الثّمن اخْتِلَاف العقد (فِي زِيَادَته وحطه) فَإِن البيع بِأَلف يصير بِعَيْنِه بِأَلفَيْنِ إِذا زيد الثّمن بعد العقد، وَالْبيع بِأَلفَيْنِ يصير بِأَلف إِذا حطه عَنهُ بعده، لِأَنَّهُ لَو كَانَ الزِّيَادَة أَو الْحَط مُوجبا لاختلافه للَزِمَ تَجْدِيد العقد بِإِيجَاب وَقبُول على حِدة (بِخِلَاف مَا) ثَبت (بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ فَإِنَّهُ يعدى بِشَرْطِهِ فَهُوَ مُتَّصِل بقوله وَلزِمَ أَن لَا يعدى مَا بِغَيْر قِيَاس (وَهُوَ) أَي مَا ثَبت بِهِ نَحْو (مَا) أَي تخالفهما (قبل الْقَبْض) للْمَبِيع إِذا اخْتلفَا فِي قدر الثّمن فَإِنَّهُ على وفْق الْقيَاس الْخَفي، فَإِن البَائِع يُنكر وجوب تَسْلِيم الْمَبِيع بِمَا أقرّ

بِهِ المُشْتَرِي من الثّمن، وَالْمُشْتَرِي يُنكر وجوب زِيَادَة الثّمن، وَالْقِيَاس أَن الْيَمين على المُشْتَرِي فَقَط لِأَنَّهُ الْمُنكر وَحده ظَاهرا (فتعدى) التخالف (إِلَيْهِمَا) أَي الْوَارِثين فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة لِكَوْنِهِمَا فِي مقَام مورثيهما فِي حُقُوق العقد وَالْحكم مَعْقُول (وَإِلَى الْإِجَارَة قبل الْعَمَل فتحالف الْقصار وَرب الثَّوْب إِذا اخْتلفَا فِي قدر الْأُجْرَة) رب الثَّوْب يَدعِي اسْتِحْقَاق الْعَمَل بِمَا يعْتَرف بِهِ من الْأُجْرَة، والقصار يُنكره، والقصار يَدعِي زِيَادَة الْأُجْرَة، وَرب الثَّوْب ينكرها (وفسخت) الْإِجَارَة بعد التَّحَالُف لِأَنَّهَا تحْتَمل الْفَسْخ قبل الْعَمَل، وَفِي الْفَسْخ دفع الضَّرَر عَن كل مِنْهُمَا (وَاسْتشْكل اخْتِصَاص قُوَّة الْأَثر وَفَسَاد الْبَاطِن مَعَ صِحَة الظَّاهِر بالاستحسان، و) اخْتِصَاص (قلبهما) أَي ضعف الْأَثر وَصِحَّة الْبَاطِن مَعَ فَسَاد الظَّاهِر (بِالْقِيَاسِ) كَمَا سبق اتبَاعا للْقَوْم، وَقَوله بالاستحسان مُتَعَلق بالاختصاص، والمستشكل صدر الشَّرِيعَة، وَقَالَ لَا دَلِيل على اخْتِصَاص مَا ذكرته (فَأجرى) بِصِيغَة الْمَجْهُول كَمَا فِي اسْتشْكل (تَقْسِيم) على مَا يَقْتَضِيهِ الْعقل بِغَيْر التَّخْصِيص (بِالِاعْتِبَارِ الأول) أَي قُوَّة الْأَثر وَضَعفه إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام لِأَنَّهُمَا (أما قوياه) أَي قَوِيا الْأَثر (أَو ضعيفاه، أَو الْقيَاس قويه وَالِاسْتِحْسَان ضعيفه، أَو بِالْقَلْبِ) أَي الْقيَاس ضعيفه وَالِاسْتِحْسَان قويه (وَإِنَّمَا يتَرَجَّح الِاسْتِحْسَان فِيهِ) أَي فِي الْقلب (و) يتَرَجَّح (الْقيَاس فِيمَا سوى) الْقسم (الثَّانِي) وَهُوَ ضعيفاه (للظهور) كَمَا فِي الأول (وَالْقُوَّة) كَمَا فِي الثَّالِث وَالرَّابِع (أما فِيهِ) أَي فِي الثَّانِي (فَيحْتَمل سقوطهما) أَي الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان لضعفهما (وَضعف) التَّقْسِيم على هَذَا الْوَجْه فِي التَّلْوِيح (بقول فَخر الْإِسْلَام) وَلما صَارَت الْعلَّة عندنَا عِلّة بأثرها (فسمينا مَا ضعف أَثَره قِيَاسا، وَمَا قوى أَثَره اسْتِحْسَانًا) يُرِيد بَيَان وَجه تَسْمِيَة الِاسْتِحْسَان وَحَاصِله أَن هَذَا اللَّفْظ بِاعْتِبَار أَصله يُنبئ عَن الْحسن، وَلَيْسَ فِي مُقَابِله هَذَا الأنباء فَلَا بُد لَهُ من مزية، وَهِي قُوَّة الْأَثر الْمَقْصُود بِالذَّاتِ فِي الْعلَّة الَّتِي هِيَ منَاط الِاسْتِدْلَال. فَعلم من كَلَامه أَن قُوَّة الْأَثر مَخْصُوص بالاستحسان وَضَعفه بِالْقِيَاسِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى دفع التَّضْعِيف بقوله (وَالْكَلَام) فِي أَمْثَال هَذِه التقسيمات (فِي) بَيَان (الِاصْطِلَاح وَهُوَ) أَي الِاصْطِلَاح للحنفية وَاقع (على اعْتِبَار الخفاء فِيهِ) أَي الِاسْتِحْسَان (وَفِي أَثَره) مَعْطُوف على فِيهِ (وفساده) مَعْطُوف على أَثَره فَعلم أَن مدَار الْفرق بَين الِاسْتِحْسَان وَالْقِيَاس فِي الِاصْطِلَاح على الخفاء والظهور، لَا على ضعف الْأَثر وقوته فَإِنَّهُمَا اعتبروا الخفاء فِي نفس الِاسْتِحْسَان وَفِي أَثَره وَفِي فَسَاده والظهور فِي جَانب الْقيَاس على هَذَا الْوَجْه، وَقد نقل الشَّارِح عَن فَخر الْإِسْلَام مَا يُفِيد هَذَا الَّذِي ذكر، وَأَن الْقُوَّة والضعف من حَيْثُ الْأَثر يُوجد فِي كل من الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان، فَمَا نقل عَنهُ فِي وَجه الضعْف يحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل (وَبِالثَّانِي) مَعْطُوف على قَوْله

بِالِاعْتِبَارِ الأول: أَي وأجرى تقسم لَهما بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي وَهُوَ الْفساد أَو الصِّحَّة من حَيْثُ الْبَاطِن أَو الظَّاهِر وَهُوَ أَنَّهُمَا بالتقسيم الْعقلِيّ (إِمَّا صَحِيحا الظَّاهِر وَالْبَاطِن أَو فاسداهما أَو الْقيَاس فَاسد الظَّاهِر صَحِيح الْبَاطِن وَالِاسْتِحْسَان قلبه) أَي صَحِيح الظَّاهِر فَاسد الْبَاطِن (أَو قلبه) أَي الْقيَاس صَحِيح الظَّاهِر فَاسد الْبَاطِن، وَالِاسْتِحْسَان فَاسد الظَّاهِر صَحِيح الْبَاطِن (فصور الْمُعَارضَة بَينهمَا) أَي الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان (سِتّ عشرَة) حَاصِلَة (من) ضرب (أَرْبَعَة) الْقيَاس: صَحِيح الظَّاهِر وَالْبَاطِن، فاسدهما، فَاسد الظَّاهِر صَحِيح الْبَاطِن، قلبه (فِي أَرْبَعَة) الِاسْتِحْسَان نظائرها فَإنَّك إِذا ضممت وَاحِدًا من أَرْبَعَة الْقيَاس مَعَ كل وَاحِد من أَرْبَعَة الِاسْتِحْسَان حصل أَربع صور تركيبية، وَهَكَذَا إِلَى آخرهَا، وَإِذا كَانَت صور الْمُعَارضَة سِتّ عشرَة كَانَ مَجْمُوع القياسات والاستحسانات بِاعْتِبَار الاقترانات اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَاحْتَاجَ إِلَى بَيَان كل وَاحِد مِنْهَا بِاعْتِبَار التَّرْجِيح والإسقاط فَقَالَ (فصحيحهما) أَي الظَّاهِر وَالْبَاطِن (من الْقيَاس يقدم لظُهُوره أَو صِحَّته) على سَبِيل منع الْخُلُو (على) جَمِيع (أَقسَام الِاسْتِحْسَان) الْمُعَارضَة لَهُ (و) هِيَ أَرْبَعَة (لَا شكّ فِي رد فاسدهما) أَي الظَّاهِر وَالْبَاطِن (مِنْهُ) أَي من الْقيَاس سَوَاء كَانَ مَا يُقَابله من الِاسْتِحْسَان صَحِيحهمَا أَو فاسدهما أَو صَحِيح الظَّاهِر فَاسد الْبَاطِن أَو قلبه، فَإِن رد فاسدهما مِنْهُ لَا يسْتَلْزم قبُول مَا يُقَابله (فَتسقط أَرْبَعَة) من الْقيَاس حَاصِلَة من تركيب الْقيَاس الْفَاسِد ظَاهرا وَبَاطنا مَعَ كل وَاحِد من أَرْبَعَة الِاسْتِحْسَان: كَمَا سقط أَرْبَعَة من الِاسْتِحْسَان حَاصِلَة من تركيب الْقيَاس الصَّحِيح ظَاهرا وَبَاطنا مَعَ كل وَاحِد من أَرْبَعَة الِاسْتِحْسَان بِسَبَب التَّقْدِيم الْمَذْكُور، فقد علم بذلك حَال ثَمَانِيَة من صور الْمُعَارضَة وَحكم طرفِي كل مِنْهُمَا من حَيْثُ التَّرْجِيح والسقوط، فَإِن بعض الاستحسانات الْمُقَابلَة لهَذِهِ الْأَرْبَعَة سَاقِط كالفاسد ظَاهرا وَبَاطنا أَو بَاطِنا فَقَط وَبَعضهَا غير سَاقِط مِمَّا سواهُمَا فَحِينَئِذٍ (تبقى ثَمَانِيَة) من الْقيَاس أَو الصُّور حَاصِلَة (من) تركيب (بَاقِي حالات الْقيَاس) أَي حالاته الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة، وهما كَونه فَاسد الظَّاهِر صَحِيح الْبَاطِن وَقَلبه (مَعَ أَرْبَعَة الِاسْتِحْسَان) فَالْحَاصِل من تركيب كل وَاحِد من حالتي الْقيَاس مَعَ كل وَاحِد من أَربع الِاسْتِحْسَان أَرْبَعَة فَيتَحَقَّق حِينَئِذٍ ثَمَانِيَة من الصُّور الْمَذْكُورَة للمعارضة، وَحكم هَذِه الثَّمَانِية أَنه (يقدم صَحِيحهمَا) أَي الظَّاهِر وَالْبَاطِن (مِنْهُ) أَي الِاسْتِحْسَان (عَلَيْهِمَا) أَي على بَاقِي حالات الْقيَاس، وَقد عرفت أَنَّهُمَا يتحققان فِي الصُّور الثَّمَانِية لصِحَّته ظَاهرا وَبَاطنا وَعدم تحقق صِحَّته، كَذَا فِيمَا يُقَابله (وَيرد فاسدهما) أَي الظَّاهِر وَالْبَاطِن من الِاسْتِحْسَان لفساده ظَاهرا وَبَاطنا، وَمُقَابِله إِن كَانَ فَاسد الظَّاهِر صَحِيح الْبَاطِن لَا يرد، وَإِن كَانَ عَكسه يرد (تبقى أَرْبَعَة) من تركيب بَاقِي كل من الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان (من) الآخرين فباقي الِاسْتِحْسَان اسْتِحْسَان صَحِيح

الظَّاهِر فَاسد الْبَاطِن وَعَكسه، و (بَاقِي) الْقيَاس قِيَاس صَحِيح الظَّاهِر فَاسد الْبَاطِن وَعَكسه، وَحَاصِل ضرب الِاثْنَيْنِ فِي الِاثْنَيْنِ يكون أَرْبَعَة، وَكَون هذَيْن الاستحسانين وهذين القياسين باقيين بِاعْتِبَار هَذَا التَّرْكِيب لَا يُنَافِي كَون (كل) مِنْهُمَا مَذْكُورا فِي التراكيب السَّابِقَة (فالاستسحان الصَّحِيح الْبَاطِن الْفَاسِد الظَّاهِر) إِذا قوبل (مَعَ عَكسه) أَي فَاسد الْبَاطِن صَحِيح الظَّاهِر (من الْقيَاس مقدم) على عَكسه من الْقيَاس (وَفِي قلبه) أَي الِاسْتِحْسَان الْفَاسِد الْبَاطِن صَحِيح الظَّاهِر مَعَ عَكسه من الْقيَاس (الْقيَاس) يقدم على الِاسْتِحْسَان (كَمَا مَعَ الِاسْتِحْسَان الصَّحِيح الْبَاطِن الخ) أَي الْفَاسِد الظَّاهِر (مَعَ مثله) صَحِيح الْبَاطِن فَاسد الظَّاهِر (من الْقيَاس) يَعْنِي عومل مَعَ قلب الصُّورَة الأولى كَمَا عومل مَعَ الِاسْتِحْسَان إِلَى آخِره من تَقْدِيم الْقيَاس عَلَيْهِ (للظهور) يَعْنِي لما اسْتَويَا من حَيْثُ الصِّحَّة بِحَسب الْبَاطِن وَالْفساد بِحَسب الظَّاهِر رجح الْقيَاس لظُهُوره (وَيرد قلبهما) أَي صَحِيح الظَّاهِر فَاسد الْبَاطِن من كل من الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان لَا أَن الْقيَاس مقدم على الِاسْتِحْسَان (قيل) وَالْقَائِل صدر الشَّرِيعَة (وَالظَّاهِر امْتنَاع التَّعَارُض فِي هذَيْن) أَو التصويرين الْمشَار إِلَى أَحدهمَا بقوله كَمَا مَعَ إِلَى قَوْله مَعَ مثله، وَإِلَى الآخر بقوله وَيرد قلبهما (و) كَذَا (الظَّاهِر امْتنَاع التَّعَارُض وَفِي قوى الْأَثر) من الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان (للُزُوم التَّنَاقُض فِي الشَّرْع) حَاصِل كَلَام صدر الشَّرِيعَة هُنَا أَن الِاسْتِحْسَان الصَّحِيح الظَّاهِر الْفَاسِد الْبَاطِن أَو بِالْعَكْسِ إِذا وَقع فِي مُقَابلَة قِيَاس مَوْصُوف بِأحد شقي الترديد إِن اخْتلفَا نوعا، فَلَا شكّ أَن مَا صَحَّ بَاطِنه وَفَسَد ظَاهره أقوى مِمَّا هُوَ على الْعَكْس سَوَاء كَانَ قِيَاسا أَو اسْتِحْسَانًا، وَإِن اتحدا نوعا فتحققهما على هَذِه الصّفة خلاف الظَّاهِر وَلم نجده، وَذَلِكَ لِأَن صِحَة الْقيَاس تَسْتَلْزِم تعْيين الشَّارِع عِلّة تناسب الحكم الَّذِي يفِيدهُ ذَلِك الْقيَاس فَإِن صَحَّ قِيَاس آخر مُخَالف لَهُ مُفِيد خلاف الحكم الأول استلزم تعينه عِلّة أُخْرَى مُخَالفَة لتِلْك الْعلَّة مُنَاسبَة لهَذَا الحكم، وَهَذَا تنَاقض فِي الشَّرْع، ثمَّ قَالَ فَعلم أَن تعَارض قياسين صَحِيحَيْنِ فِي الْوَاقِع مُمْتَنع، وَإِنَّمَا يَقع التَّعَارُض لجهلنا بِالصَّحِيحِ وَالْفَاسِد، وَكَذَا يمْتَنع بَين قِيَاس قوي الْأَثر واستحسان كَذَلِك، وَكَذَا بَين قِيَاس صَحِيح الظَّاهِر وَالْبَاطِن واستحسان كَذَلِك، وَكَذَا بَين قِيَاس فَاسد الظَّاهِر صَحِيح الْبَاطِن واستحسان كَذَلِك أه أَقُول: وَلَا يخفى أَن هَذَا الدَّلِيل إِنَّمَا يُفِيد عدم تحقق صحتي المتعديين مَعًا فِي نفس الْأَمر، لَا فِي نظر الْمُجْتَهد، كَيفَ وكل من الْمُجْتَهدين فِي المسئلة الخلافية يعْتَقد صِحَة قِيَاسه، وَقد لَا يظْهر عِنْد أَحدهمَا فَسَاد قِيَاس الآخر، غير أَنه ترجح قِيَاسه بمرجح، ومدار التَّقْسِيم على مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ نظره، لَا على مَا فِي نفس الْأَمر لِأَنَّهُ خَارج عَمَّا يفِيدهُ الِاجْتِهَاد، وَلَعَلَّ المُصَنّف بِصِيغَة التمريض يُشِير إِلَى مَا ذكرنَا، ثمَّ إِنَّهُم ذكرُوا فِي بعض صور اتِّحَاد النَّوْع تَرْجِيح الْقيَاس للظهور كَمَا سبق ذكره فَقَالَ (ويقليل تَأمل ينتفى التَّرْجِيح بالظهور أَي التبادر)

وهذه إشارة إلى ما سيذكر من الوجوه فإنها حاضرة في الذهن

إِلَى الذِّهْن (إِذْ لَا أثر لَهُ) أَي الظُّهُور (مَعَ اتِّحَاد جِهَة الْإِيجَاب) للْحكم بِأَن يكون المتعارضان من الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان صَحِيحَيْنِ ظَاهرا وَبَاطنا أَو بَاطِنا مَعَ فَسَاد ظاهرهما (بل يطْلب التَّرْجِيح إِن جَازَ تعارضهما) مَعَ اتِّحَاد جِهَة الْإِيجَاب (بِمَا) يتَعَلَّق بالترجيح الْمَذْكُور (تترجح بِهِ الأقيسة المتعارضة) فِي الْمُتَبَادر لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا فرق بَين الْمُتَبَادر وَغَيره (غير أَنا لَا نسمي أَحدهمَا) وَهُوَ الْمُتَبَادر اسْتِحْسَانًا اصْطِلَاحا) أَي تَسْمِيَة بِحَسب الِاصْطِلَاح، وَهَذَا أَمر لَفْظِي لَا يصلح فارقا بَينهمَا فلنتم المباحث بِذكر الترجيحات عِنْد التَّعَارُض فَنَقُول: (وَهَذِه) إِشَارَة إِلَى مَا سَيذكرُ من الْوُجُوه فَإِنَّهَا حَاضِرَة فِي الذِّهْن (تَتِمَّة فِيهِ) أَي فِيمَا يتَرَجَّح بِهِ الأقيسة المتعارضة (يقدم) الْقيَاس الَّذِي هُوَ (مَنْصُوص الْعلَّة) بِأَن تكون علته ثَابِتَة بِالنَّصِّ (صَرِيحًا على مَا) أَي الثَّابِت علته (بإيماء) وَإِشَارَة من غير تَصْرِيح، لِأَن التَّصْرِيح أقرب إِلَى الْقطع (و) يقدم (مَا) ثَبت علته (بقطعي) أَي بِدَلِيل قَطْعِيّ (على مَا) ثَبت علته (بظني، و) يقدم (مَا غلب ظَنّه) أَي علته على مَا لَا يغلب، فَإِن الظَّن مَرَاتِب بَعْضهَا أقرب إِلَى الْقطع (وَيَنْبَغِي تَقْدِيم) الْقيَاس الْمُشْتَمل على الْعلَّة (ذَات الاجماع الْقطعِي) بِأَن ثَبت عليتها بِالْإِجْمَاع الْقطعِي، لَا الْإِجْمَاع الظني كَمَا عرفت فِي مبَاحث الْإِجْمَاع (على) الْقيَاس الْمُشْتَمل على الْعلَّة (المنصوصة) بِغَيْرِهِ وَإِن كَانَ قَطْعِيا، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد المنصوصة بِغَيْر قَطْعِيّ، غير أَنه أيد مَا ذكره بِأَن قَطْعِيّ الاجماع لَا يحْتَمل النّسخ بِخِلَاف غَيره وَيرد عَلَيْهِ مَا ثَبت بِنَصّ قَطْعِيّ مُحكم لَا يحْتَمل النّسخ، وَلَا نقل عَن السُّبْكِيّ تَقْدِيم الْقيَاس الثَّابِت علته بِالْإِجْمَاع الْقطعِي على الثَّابِت علته بِالنَّصِّ الْقطعِي (و) يقدم (مَا) ثَبت علته (بِالْإِيمَاءِ على مَا) ثَبت علته (بالمناسبة) عِنْد الْجُمْهُور لما فِيهَا من الِاخْتِلَاف، وَلِأَن الشَّارِع أولى بتعليل الْأَحْكَام، وَذهب الْبَيْضَاوِيّ إِلَى تَقْدِيم المنسابة على الْإِيمَاء لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وَصفا مناسبا بِخِلَاف الْإِيمَاء، لِأَن تَرْتِيب الحكم يشْعر بالعلية سَوَاء كَانَ مناسبا أَولا، وَإِذا توافقا فِي الثُّبُوت بالمناسبة (فَمَا) أَي الْقيَاس الَّذِي (عرف بِالْإِجْمَاع تَأْثِير عينه) أَي عين وَصفه (فِي عينه) أَي الحكم (أولى بالتقديم على مَا عرف بِهِ) أَي الْإِجْمَاع (تَأْثِير جنسه) أَي جنس وَصفه (فِي نَوعه) أَي الحكم كَمَا لَا يخفى (وَهَذَا) الَّذِي عرف تَأْثِير جنسه فِي نَوعه (أولى من عَكسه) وَهُوَ مَا عرف بِالْإِجْمَاع تَأْثِير نَوعه فِي جنس الحكم، لِأَن اعْتِبَار شَأْن الْمَقْصُود أهم من اعْتِبَار شَأْن الْعلَّة، وَقيل بِالْعَكْسِ، لِأَن الْعلَّة هِيَ الْعُمْدَة فِي التَّعْدِيَة، فَإِن تَعديَة الحكم فرع تعديتها (وكل مِنْهُمَا) أَي هذَيْن (أولى من الْجِنْس فِي الْجِنْس) أَي فِيمَا عرف فِيهِ تَأْثِير جنس الْوَصْف فِي جنس الحكم (ثمَّ

الْجِنْس الْقَرِيب فِي الْجِنْس الْقَرِيب) أولى (من) الْجِنْس (غير الْقَرِيب) فِي غير الْقَرِيب وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْقرب فِي أحد الْجَانِبَيْنِ خير من الْبعد فيهمَا، ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب (وَتقدم) فِي المرصد الأول فِي تَقْسِيم الْعلَّة (أَن الْمركب أولى من الْبَسِيط) وَذكر هُنَاكَ وَجهه. (وأقسام المركبات) يقدم فِيهَا (مَا تركيبه أَكثر) على مَا تركيبه أقل (وَمَا تركب من راجحين أولى مِنْهُ) أَي من الْمركب (من مسَاوٍ ومرجوح) فضلا عَن الْمركب من مرجوحين (فَيقدم مَا) أَي الْمركب (من تَأْثِير الْعين فِي الْعين وَالْجِنْس الْقَرِيب على مَا) أَي الْمركب (من) تَأْثِير (الْعين فِي الْجِنْس الْقَرِيب وَالْجِنْس فِي الْعين، وَيظْهر بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا سبق أَقسَام) أخر، فِي التَّلْوِيح كالمركبين الْمُشْتَمل كل مِنْهُمَا على رَاجِح ومرجوح فَإِنَّهُ يقدم فِيهِ مَا يكون فِي جَانب الحكم على مَا يكون فِي جَانب الْعلَّة انْتهى. وَقد أَشرت بِقَوْلِي: وَلَا يخفى إِلَى بَعْضهَا آنِفا (وللشافعية ترجح المظنة على الْحِكْمَة) أَي التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ مَظَنَّة الحكم على التَّعْلِيل بِنَفس الْحِكْمَة لمَكَان الِاخْتِلَاف فِي الثَّانِي دون الأول (وَيَنْبَغِي) أَن يكون هَذَا (عِنْد عدم انضباطها) أَي الْحِكْمَة. حكى الْآمِدِيّ فِي جَوَاز التَّعْلِيل بالحكمة ثَلَاثَة مَذَاهِب: الْمَنْع مُطلقًا عَن الْأَكْثَرين، وَالْجَوَاز مُطلقًا وَرجحه الرَّازِيّ والبيضاوي، والجوازان كَانَت ظَاهِرَة منضبطة بِنَفسِهَا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُخْتَار الْآمِدِيّ (ثمَّ الْوَصْف الوجودي) أَي التَّعْلِيل بِهِ للْحكم الوجوي أَو العدمي على التَّعْلِيل بالعدمى أَو الوجودي للعدمي (وَالْحكم الشَّرْعِيّ) أَي يتَرَجَّح التَّعْلِيل بِهِ على التَّعْلِيل بِغَيْرِهِ (والبسيط) أَي ويترجح التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الْبَسِيط على التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الْمركب لِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ، وَالِاجْتِهَاد فِيهِ أقل فيبعد عَن الْخَطَأ، بِخِلَاف الْمركب (وَالْحَنَفِيَّة) على أَن الْبَسِيط (كالمركب) وَلما كَانَ هَذَا يُوهم التدافع بَينه وَبَين مَا سبق من تَقْدِيم الْمركب قَالَ (وَلَيْسَ الْبَسِيط مُقَابلا لذَلِك الْمركب) الْمَذْكُور آنِفا فَإِن المُرَاد بِهِ ثمت وصف مُتَعَدد جِهَات اعْتِبَاره من حَيْثُ الْعين فِي الْعين وَالْجِنْس فِي الْعين أَو فِي الْجِنْس إِلَى غير ذَلِك، وَإِن كَانَ فِي ذَاته بسيطا. وَالْمرَاد هَهُنَا ذُو جزءين فَصَاعِدا (وَمَا بالمناسبة) أَي ويترجح التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الثَّابِت علته بالمناسبة (أَي الإخالة على مَا بالشبه والدوران) وَقد سبق تَعْرِيفهَا وتفصيلها: أَي على التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الثَّابِت عليته بِأحد هذَيْن لاشتمالها على الْمصلحَة، ثمَّ مَا بالشبه على مَا بالدوران لقُرْبه من الْمُنَاسبَة (وَمَا بالسبر) وَقد سبق (عَلَيْهِمَا) أَي على مَا بالشبه وعَلى مَا بالدوران، على مَا اخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب (وَعلل) تَرْجِيح مَا بالسبر عَلَيْهِمَا (بِمَا فِيهِ) أَي السبر (من التَّعَرُّض لنفي الْمعَارض وَقد يُقَال فَكَذَا الدوران) يتَرَجَّح الْوَصْف الثَّابِت بِهِ على الثَّابِت بِغَيْرِهِ (لزِيَادَة إِثْبَات الانعكاس) لِأَن الْعلَّة المستفادة مِنْهُ مطردَة منعكسة، بِخِلَاف غَيره (وَيلْزمهُ) أَي تَقْدِيم الدوران بِمَا ذكر (تَقْدِيم مَا بالسير على

مَا بالدوران) لتحَقّق هَذِه الزِّيَادَة مَعَ أُخْرَى كَمَا أَفَادَ بقوله (لانعكاس علته) أَي الْعلَّة الثَّابِتَة بِهِ (للحصر) أَي لحصر السبر الْأَوْصَاف الصَّالِحَة للعلية فِي عدد، ثمَّ إِلْغَاء الْبَعْض لتعيين الْبَاقِي، فَإِن الْعلَّة لَو لم تنعكس حِينَئِذٍ للُزُوم وجود الحكم بِلَا عِلّة (وَيزِيد) على الدوران (بِنَفْي الْمعَارض فَيبْطل مَا قيل) وَالْقَائِل الْبَيْضَاوِيّ (من عَكسه) بَيَان للموصول: أَي تَقْدِيم مَا بالدوران على مَا بالسبر، وَفِي الْمَحْصُول إِذا كَانَ السبر مَقْطُوعًا بِهِ فَالْعَمَل بِهِ مُتَعَيّن، وَلَيْسَ من قبيل التَّرْجِيح (وَلَا يتَصَوَّر) مَا ذكر من الترجيحات (للحنفية) لعدم صِحَة هَذِه الطّرق عِنْدهم، وَمن قَالَ بالسير مِنْهُم لتعيين الْعَمَل بِهِ عِنْده، وَمَا عداهُ سَاقِط لَا يصلح للمعارضة (والضرورية على الحاجية، والدينية مِنْهَا على غَيرهَا) أَي عِنْد تعَارض أَقسَام الْمُنَاسبَة التَّرْجِيح بِقُوَّة الْمصلحَة فترجح الْمَقَاصِد الْخَمْسَة الضرورية: حفظ الدّين، وَالنَّفس، وَالْعقل، وَالنّسب، وَالْمَال على مَا سواهَا من الحاجية وَغَيرهَا، وترجح الدِّينِيَّة من أَقسَام الضرورية على غَيرهَا مِمَّا ذكر على مَا مر فِي المرصد الأول فِي تَقْسِيم الْعلَّة (وَهِي) أَي الحاجية تقدم (على مَا بعْدهَا) من التحسينية (ومكمل كل) من الضرورية والحاجية والتحسينية (مثله) أَي مثل مَا يكمل بِهِ (فمكمله) أَي الضَّرُورِيّ يرجح (على الحاجي وَعنهُ) أَي عَن كَون مكمل كل مثله (ثَبت) شرعا (فِي) شرب (قَلِيل الْخمر) من الْحَد (مَا) ثَبت (فِي) شرب (كثيرها، وَيقدم حفظ الدّين) من الضروريات على غَيره لِأَنَّهُ الْمَقْصُود والأعظم بِهِ السَّعَادَة السرمدية (ثمَّ) يقدم حفظ (النَّفس) على حفظ النّسَب وَالْعقل وَالْمَال، لِأَن الْكل فرع بَقَاء النَّفس (ثمَّ) يقدم حفظ (النّسَب) على الْبَاقِي لِأَنَّهُ بَقَاء النَّوْع بالتناسل من غير زنا فبتحريمه لَا يحصل اخْتِلَاط النّسَب فينسب الْوَلَد إِلَى شخص وَاحِد فيهتم بتربيته (ثمَّ) يقدم حفظ (الْعقل) على حفظ المَال، لِأَن الْإِنْسَان بفواته يلْتَحق بِالْحَيَوَانِ، وَمن ثمت يجب بتفويته مَا يجب بتفويت النَّفس من الدِّيَة الْكَامِلَة (ثمَّ) حفظ (المَال، وَقيل) يقدم (المَال) أَي حفظه فضلا عَن حفظ الْعقل وَالنّسب وَالنَّفس (على) حفظ (الدّين) كَمَا حَكَاهُ غير وَاحِد لِأَنَّهَا حق الْآدَمِيّ الضَّعِيف، وَهُوَ يتَضَرَّر بفواته، وَالدّين حق الله تَعَالَى الْقوي المتعال عَن التضرر بفواته (وَلذَا) أَي لتقديمه على الدّين (تتْرك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة لحفظه) أَي المَال (وَلأبي يُوسُف تقطع) الصَّلَاة (للدرهم) فِي الْخُلَاصَة وَلَو سرق مِنْهُ أَو من غَيره دِرْهَم يقطع الْفَرْض انْتهى، وَذكروا أَن مَا دون الدِّرْهَم حقير فَلَا يقطع لأَجله الصَّلَاة (وَقدم الْقصاص على قتل الرِّدَّة) عِنْد وجوب الْقَتْل بِكُل مِنْهُمَا لكَونه حق العَبْد (ورد) كَون تَقْدِيم الْقصاص لأجل مَا ذكر (بِأَن فِي الْقصاص حَقه تَعَالَى) وَلذَا يحرم عَلَيْهِ قتل نَفسه، فالتقديم باجتماع الْحَقَّيْنِ، وَمَا ذكره الْأَبْهَرِيّ من أَن الْقصاص لَو كَانَ فِيهِ حق الله تَعَالَى لَكَانَ للْإِمَام أَن يقْتَصّ وَإِن عَفا ولي الدَّم كَمَا فِي قطع السّرقَة مَدْفُوع بِأَن الْغَالِب فِي الْقصاص

حق العَبْد، وَأما حد السّرقَة فَحق الله تَعَالَى على الخلوص (وَالْأول) أَي ترك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة لحفظ المَال (لَيْسَ مِنْهُ) أَي من تَقْدِيم المَال على الدّين (إِذْ لَهُ) أَي لتركهما (خلف) يجبران بِهِ، وَهُوَ الظّهْر والانفراد، وَقد يُقَال: خُصُوصِيَّة الْجُمُعَة مَطْلُوبَة، وَالْجَمَاعَة سنة مُؤَكدَة، وَلذَا يَأْثَم وَإِن صلى الظّهْر إِذا لم يكن لَهُ عذر، وَينْقص أجره كثيرا بالانفراد، فَلَا بُد من فَوَات أَمر ديني فِي كل مِنْهُمَا وَإِن لم يفت أصل فرض الْوَقْت فَتَأمل (وَأما) تَرْجِيح أحد القياسين على الآخر الْمعَارض لَهُ (بترجيح دَلِيل حكم أَصله على دَلِيل حكم) الأَصْل (الآخر) ككون دَلِيل حكم أصل أَحدهمَا متواترا أَو مَشْهُورا أَو حَقِيقَة أَو صَرِيحًا أَو عبارَة، بِخِلَاف الآخر (فللنصوص بِالذَّاتِ) أَي فَذَلِك التَّرْجِيح ثَابت للنصوص بِالذَّاتِ، وللقياس بالتبع، وَقد تقدم فِي فصل التَّرْجِيح (وَتَركنَا أَشْيَاء متبادرة) إِلَى الْفَهم من وُجُوه تَرْجِيح الأقيسة لظهورها للمتيقن مَا سبق من المباحث كانضباط عِلّة أَحدهمَا: أَو جامعيتها ومانعيتها من حَيْثُ الْحِكْمَة، بِخِلَاف الآخر إِلَى غير ذَلِك (وتتعارض المرجحات) للمتعارضين من الأقيسة (فَيحْتَمل) التَّرْجِيح (الِاجْتِهَاد) أَي يسوغه (كالملايمة والبسيطة) يَعْنِي أَن الْقيَاس بعلة ثبتَتْ عليتها بالملائمة ترجح على مَا بالدوران، فَلَو كَانَت الملائمة مركبة، والمطردة المنعكسة بسيطة تعَارض المرجحات، وَاحْتمل التَّرْجِيح الِاجْتِهَاد، كَذَا نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف. (وَعَادَة الْحَنَفِيَّة ذكر أَرْبَعَة) من مرجحات الْقيَاس (قُوَّة الْأَثر والثبات على الحكم وَكَثْرَة الْأُصُول وَالْعَكْس، فَأَما قُوَّة الْأَثر) أَي التَّأْثِير (فَمَا ذكر من) قوته فِي بعض أَقسَام (الْقيَاس، و) فِي بعض أَقسَام (الِاسْتِحْسَان) فِي ضمن التَّقْسِيم والتمثيل (وَمِنْه) أَي من تَرْجِيح أحد القياسين بِقُوَّة الْأَثر مَا ذكر (فِي جَوَاز نِكَاح الْأمة) للْحرّ (مَعَ طول الْحرَّة) أَي قدرته على تزَوجهَا بتمكنه من مهرهَا ونفقتها، وَالْأَصْل الطول على الْحرَّة، فاتسع بِحَذْف الْجَار، وَإِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول من قَوْلهم (يملكهُ) أَي نِكَاح الْأمة (العَبْد) مَعَ طول الْحرَّة بِإِذن مَوْلَاهُ لَهُ فِي نِكَاح من شَاءَ من حرَّة أَو أمة وَدفع مَا يصلح مهْرا لَهَا (فَكَذَا الْحر) يملكهُ مَعَ الطول. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز لَهُ قِيَاسا على الْحر الَّذِي تَحْتَهُ حرَّة، فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، فَإِن قِيَاس نِكَاح الْحر إِيَّاهَا على نِكَاح العَبْد الْمَذْكُور (أقوى من قِيَاسه) أَي نِكَاح الْحر (على نِكَاح الْأمة على الْحرَّة بِجَامِع ارقاق مائَة مَعَ غنيته) عَن ارقاقه إِذْ الارقاق اهلاك معنى لِأَنَّهُ أثر الْكفْر وَالْكفْر موت حكما فَلَا يُبَاح إِلَّا عِنْد الْعَجز عَن نِكَاح الْحرَّة. ثمَّ علل كَونه أقوى بقوله (لِأَن أثر الْحُرِّيَّة) أَي حريَّة الناكح (فِي اتساع الْحل) بِأَن يحل لَهُ مَا شَاءَ من حرَّة أَو أمة (أقوى من) أثر لُزُوم (الرّقّ) للْمَاء (فِيهِ) أَي اتساع الْمحل: بِأَن يَنْفِيه فَلَا يَسعهُ إِلَّا نِكَاح الْحرَّة، وَإِنَّمَا حكمنَا بِكَوْن التَّأْثِير الأول أقوى (تَشْرِيفًا) للْحرّ فِي

الاتساع (كَالطَّلَاقِ) فَإِن كَونه ثَلَاثًا يتبع الْحُرِّيَّة، غير أَنا اعْتبرنَا فِي جَانب الْمَرْأَة، وَالشَّافِعِيّ فِي جَانب الزَّوْج (وَالْعدة) فَإِنَّهَا فِي حق الْحرَّة ثَلَاثَة قُرُوء، وَثَلَاثَة أشهر وَأَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. وَفِي حق الْأمة قُرْآن وَشهر وَنصف وشهران وَخَمْسَة أَيَّام (والتزوج) فَإِنَّهُ يُبَاح للْحرّ أَربع وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ. وَلَا شكّ أَن قياسنا يقوى أَثَره بِهَذِهِ الشواهد (وَكثير) مَعْطُوف على الطَّلَاق وككثير من الْأَحْكَام الْمُشْتَملَة على الاتساع تَشْرِيفًا للْحرّ من التمليكات وَغَيرهَا، فالتوسعة على العَبْد، والتضييق على الْحر قلب الْمَشْرُوع وَعكس الْمَعْقُول. وَمَا فِي التَّلْوِيح من أَن هَذَا التَّضْيِيق من بَاب الْكَرَامَة حَيْثُ منع الشريف من تزوج الخسيس مَعَ مَا فِيهِ من مَظَنَّة الارقاق: وَذَلِكَ كَمَا جَازَ نِكَاح الْمَجُوسِيَّة للْكَافِرِ دون الْمُسلم انْتهى، دفع بِأَنَّهُ لَا خسة كالكفر، وَقد جَازَ تجوز الْمُسلم الْقَادِر على الْحرَّة الْمسلمَة بِالْكَفَّارَةِ الْكِتَابِيَّة، وَفِي كَلَام المُصَنّف أَيْضا إِشَارَة إِلَى دَفعه حَيْثُ قَالَ (وَمنع) الشَّارِع من (الارقاق وَإِن تضمنه) أَي الشريف (لكنه) أَي الارقاق بتزوج الْأمة (مُنْتَفٍ لِأَن اللَّازِم) من تزَوجهَا (الِامْتِنَاع عَن) تَحْصِيل إِيجَاد (الْجُزْء) أَي الْوَلَد (الْحر) إِذْ المَاء لَا يُوصف بِالرّقِّ وَالْحريَّة، بل هُوَ قَابل لِأَن يُوجد مِنْهُ الْحر وَالرَّقِيق فَتَزَوجهَا ترك مُبَاشرَة سَبَب الْحُرِّيَّة، وَحين يخلق رَقِيقا (لَا) أَن اللَّازِم مِنْهُ (ارقاقه) أَي الْجُزْء بَان يتنقل من الْحُرِّيَّة إِلَى الرّقّ (وَلَو ادّعى أَنه) أَي الِامْتِنَاع من الْجُزْء الْحر هُوَ (المُرَاد بالارقاق نقض بِنِكَاح العَبْد الْقَادِر) على طول الْحرَّة (أمة لِأَن مَاءَهُ) إِذا خلق مِنْهُ ولد فِي الْحرَّة (حر إِذْ الرّقّ من الْأُم لَا الْأَب) وَهُوَ جَائِز اتِّفَاقًا وَالْفرق بَين الامتناعين لَا عِبْرَة بِهِ (و) نقض (بعزل الْحر) عَن أمته مُطلقًا، وَعَن زَوجته الْحرَّة بِرِضَاهَا، وبنكاح الصَّغِيرَة والعجوز والعقيم، فَإِنَّهُ اتلاف حَقِيقَة، والارقاق اتلاف حكما (وَمِنْه) أَي من التَّرْجِيح بِقُوَّة الْأَثر تَرْجِيح الْقيَاس لنفي استنان تثليث مسح الرَّأْس على الْقيَاس لاستنانه كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي، وَهُوَ مسح الرَّأْس (مسح فَلَا يثلث كالخف) أَي كمسحه فَإِنَّهُ (أقوى أثرا من قِيَاسه) وَهُوَ (ركن فيثلث كالمغسول) أَي كَغسْل الْوَجْه أَو الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن، وَقَوْلنَا أقوى أثرا (بعد تَسْلِيم تَأْثِيره) أَي كَونه ركنا فِي التَّثْلِيث (فِي الأَصْل) وَهُوَ المغسول وَهُوَ مَمْنُوع. ثمَّ بَين كَونه أقوى بقوله (فَإِن شَرعه) أَي مسح الرَّأْس (مَعَ إِمْكَان) اسْتِيعَاب (شرع غسل الرَّأْس وخصوصا مَعَ عدم اسْتِيعَاب الْمحل) أَي الرَّأْس بِالْمَسْحِ فرضا (لَيْسَ إِلَّا للتَّخْفِيف) وَهُوَ فِي عدم التّكْرَار فَالْحَاصِل أَنا لَا نسلم أَن كَون الْغسْل ركنا أثر فِي تثليث المغسول، وعَلى تَقْدِير تَسْلِيم تَأْثِيره يعْتَبر فِيهِ عدم الْمَانِع وَهُوَ شَرعه للتَّخْفِيف وَهُوَ لمَانع مَوْجُود فِي مسح الرَّأْس (وَإِلَّا فقد نقض طردا وعكسا) يَعْنِي أَن كل مَا ذكرنَا كَانَ بحثا على تَقْدِير التَّسْلِيم، وَإِن لم يسلم تَأْثِير الركنية فِي التَّثْلِيث، فَهُوَ موجه بِأَنَّهُ قد نقض تَأْثِير الركنية

فِيهِ من حَيْثُ الاطراد لكَون التَّثْلِيث قد يُفَارق الركنية، وَمن حَيْثُ الانعكاس لكَونه لَا يسْتَغْرق كل ركن كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لوُجُوده) أَي التَّثْلِيث (وَلَا ركن فِي الْمَضْمَضَة) الْجَار مُتَعَلق بالوجود (وَالِاسْتِنْشَاق) فَإِن شَيْئا مِنْهُمَا لَيْسَ بِرُكْن من الْوضُوء مَعَ استنان التَّثْلِيث فيهمَا (وَوُجُود الرُّكْن دونه) أَي التَّثْلِيث (كثير) فِي أَرْكَان الصَّلَاة من الْقيام وَغَيره، وأركان الْحَج إِلَى غير ذَلِك، فَلَا يَصح التَّعْلِيل بالركنية. لَا يُقَال المُرَاد الركنية فِي الْوضُوء لَا الْمُطلقَة، لِأَن الخصوصية ملغاة، لَا لتأثير الْمَفْرُوض لأصل الركنية، فَإِن التَّثْلِيث يُحَقّق الرُّكْن على وَجه الْكَمَال (وَأما الثَّبَات) أَي قُوَّة ثبات الْوَصْف على الحكم الثَّابِت بِهِ (فكثرة اعْتِبَار الْوَصْف) من الشَّارِع (فِي) جنس (الحكم) فِيهِ مُسَامَحَة، لِأَن الْكَثْرَة لَيست عين الثَّبَات بل سَببه: وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الشَّارِع علية الْوَصْف فِي صُورَة كَثِيرَة من جنس الحكم، فَإِنَّهُ يحصل بذلك قُوَّة فِي ثُبُوت علته لَهُ (كالمسح) فَإِنَّهُ كثر اعْتِبَار الشَّارِع إِيَّاه (فِي التَّخْفِيف) الَّذِي جنس عدم التَّثْلِيث لاعتباره (فِي كل تَطْهِير غير مَعْقُول) كَونه مطهرا (كالتيمم وَمسح الْجَبِيرَة والجورب والخف) فَإِنَّهُ لم يشرع فِي شَيْء مِنْهَا التّكْرَار للتَّخْفِيف، بِخِلَاف الِاسْتِنْجَاء بِغَيْر المَاء من الْحجر وَنَحْوه، فَإِنَّهُ مسح شرع فِيهِ التّكْرَار، لِأَنَّهُ عقل فِيهِ معنى التَّطْهِير (بِخِلَاف الرُّكْن فَإِن أَثَره) أَي الرُّكْن (فِي الْإِكْمَال وَهُوَ) أَي الْإِكْمَال فِيمَا نَحن فِيهِ (الايعاب) بِالْمَسْحِ فِي الْمحل لَا التّكْرَار الَّذِي يكَاد يخرج الْمسْح من حَقِيقَته إِلَى الْغسْل (وكقولهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي) صَوْم (رَمَضَان) صَوْم (مُتَعَيّن) فِي الْوَقْت الْمُتَعَيّن لَهُ (فَلَا يجب تَعْيِينه) فَيسْقط بِمُطلق نِيَّة الصَّوْم: إِذْ اليقيين اثْبتْ فِي سُقُوط التَّعْيِين من الْوَصْف الْمَذْكُور فِي قَول الشَّافِعِي صَوْم فرض الخ (وَهُوَ) أَي التَّعْيِين (وصف اعْتَبرهُ الشَّارِع) فِي سُقُوط التَّعْيِين من الْوَصْف الْمَذْكُور فِي صور كَثِيرَة كَمَا (فِي الودائع والغصوب ورد الْمَبِيع فِي) البيع (الْفَاسِد) إِلَى الْمَالِك حَتَّى لَو وجد رد هَذِه الْأَشْيَاء بِهِبَة أَو صَدَقَة أَو بيع يَقع عَن الْجِهَة الْمُسْتَحقَّة لتعين الْمحل لذَلِك شرعا (وَالْإِيمَان بِاللَّه) وَمَا يجب الْإِيمَان بِهِ فَإِنَّهُ (لَا يشْتَرط) فِي خُرُوجه بِهِ عَن عُهْدَة الْفَرْض (تعْيين نِيَّة الْفَرْض بِهِ) أَي بِالْإِيمَان: أَو بِشَيْء مِمَّا ذكر من رد الْمَذْكُورَات وَالْإِيمَان مَعَ أَنه أقوى الْفَرَائِض يحصل الِامْتِثَال بالمأمور بِهِ على أَي وَجه يَأْتِي بِهِ، وَكَذَا الْحَج يَصح بِمُطلق النِّيَّة وَنِيَّة النَّفْل عِنْده (وَأما كَثْرَة الْأُصُول الَّتِي يُوجد فِيهَا جنس الْوَصْف) فِي عين الحكم أَو جنسه (أَو عينه) أَي الْوَصْف فِي جنس الحكم أَو عينه (على مَا ذكرنَا للشَّافِعِيَّة) فِي الْمَقْصد الأول فِي تَقْسِيم الْعلَّة (فَقيل لَا ترجح) للوصف الْمُشْتَمل على كَثْرَة الْأُصُول على الْوَصْف العاري عَنْهَا، وَهَذَا القَوْل مَنْسُوب إِلَى بعض أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي (لِأَنَّهُ) أَي التَّرْجِيح بهَا (ككثرة الروَاة) أَي كالترجيح بهَا إِذا لم يبلغُوا حد الشُّهْرَة أَو التَّوَاتُر فَإِن الْخَبَر لَا يرجح

بهَا فَكَذَا لَا يرجح بِكَثْرَة الْأُصُول (وَلِأَن كل أصل كعلة) على حِدة (فبالقياس) أَي فالترجيح بِكَثْرَة الْأُصُول تَرْجِيح بِالْقِيَاسِ للْقِيَاس وَهُوَ المُرَاد بالترجيح بِكَثْرَة الْعِلَل، وَهُوَ غير جَائِز. (وَالْمُخْتَار) كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور (نعم) ترجح (لِأَن مرجعه) أَي التَّرْجِيح بهَا (اشتهار الدَّلِيل أَي الْوَصْف) الْمُعْتَبرَة عليته فِي أصُول كَثِيرَة (كالخبر المشتهر) أَي كاشتهاره، فَكَمَا رجح اشتهار ذَلِك الْخَبَر رجح اشتهار هَذَا الدَّلِيل (فازداد) بِكَثْرَة الْأُصُول للوصف (ظن اعْتِبَار الشَّارِع حكمه) أَي حكم ذَلِك الْوَصْف (بِخِلَاف مَا إِذا لم يبلغهَا) أَي بِخِلَاف الْوَصْف إِذا لم يبلغ بِكَثْرَة الْأُصُول الشُّهْرَة لما عرفت من أَن الْمُرَجح فِي الْحَقِيقَة الاشتهار، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْمُخْتَار مُقَيّد بِهَذَا الْقَيْد وَالشَّارِح لم يُقَيِّدهُ، وَفَسرهُ بِمَا إِذا لم يبلغ الْوَصْف كَثْرَة الْأُصُول، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من أَن كَثْرَة الْأُصُول إِذا لم تبلغه الشُّهْرَة لم تلتحق بالْخبر المشتهر فَتَأمل، وَذَلِكَ (كالمسح) فَإِنَّهُ وصف يشْهد لتأثيره (فِي التَّخْفِيف) وَعدم التَّثْلِيث أصُول كَثِيرَة إِذْ (يُوجد) أَي الْمسْح مؤثرا فِي التَّخْفِيف (فِي التَّيَمُّم)، وَمَا ذكرنَا) من مسح الْجَبِيرَة والجورب والخف (فيترجح) تَأْثِيره فِي التَّخْفِيف (على تَأْثِير وصف الركنية فِي التَّثْلِيث فَلِذَا) أَي لكَون الْمسْح وَنَحْوه بِاعْتِبَار تَأْثِيره فِي التَّخْفِيف مِثَالا للثبات وَكَثْرَة الْأُصُول (قيل) وَالْقَائِل فَخر الْإِسْلَام وَصدر الشَّرِيعَة (هُوَ) أَي هَذَا الثَّالِث (قريب من الثَّانِي) غير أَن الملحوظ فِي الثَّالِث جَانب الْمُؤثر، وَفِي الثَّانِي الْأَثر (وَالْحق أَن الثَّلَاثَة): قُوَّة الْأَثر، والثبات، وَكَثْرَة الْأُصُول (ترجع إِلَى قُوَّة الْأَثر، والتفرقة) بَينهَا (بِالِاعْتِبَارِ، فَهُوَ) أَي الأول، وَهُوَ قُوَّة الْأَثر (بِالنّظرِ إِلَى) نفس (الْوَصْف، والثبات) بِالنّظرِ (إِلَى الحكم وَكَثْرَة الْأُصُول) بِالنّظرِ (إِلَى الأَصْل) وَعَزاهُ سراج الدّين إِلَى الْمُحَقِّقين. وَعَن السَّرخسِيّ وَأبي زيد مَا يقرب من هَذَا (وَأما الْعَكْس) وَيُسمى الانعكاس أَيْضا وَهُوَ عدم الحكم عِنْد عدم الْعلَّة لَا عِبْرَة بِهِ عِنْد بعض الْمُتَأَخِّرين فَلَا يصلح مرجحا. ومختار عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ أَنه يصلح لكنه ضَعِيف كَمَا سَيَأْتِي، لم يذكر جَوَاب أما فَكَأَنَّهُ مُقَدّر مثل فَحكمه فِيمَا سَنذكرُهُ (كمسح) أَي كَقَوْلِنَا فِي مسح الرَّأْس هُوَ مسح لم يعقل فِيهِ معنى التَّطْهِير (فَلَا يسن تكراره، بِخِلَاف) قَول الشَّافِعِي هُوَ (ركن فيكرر لِأَنَّهُ) أَي التّكْرَار (يُوجد مَعَ عَدمه) أَي الرُّكْن (كَمَا ذكرنَا) من الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق، بِخِلَاف عدم التّكْرَار فِي الْمسْح فَأَنَّهُ لَا يُوجد مَعَ عدم الْمسْح الْمَذْكُور، فترجح قياسنا لانعكاسه فَإِن قلت: إِذا حصل الانقاء فِي الِاسْتِنْجَاء بِمرَّة لَا يسن التّكْرَار، فتحقق عدم التّكْرَار فِي الْمسْح مَعَ أَنه يعقل فِيهِ معنى التَّطْهِير قلت بعد حُصُول كَون الانقاء لَا نسلم معقولية التَّطْهِير بِالْمَسْحِ بعده فَتدبر (وَقَوْلنَا فِي بيع الطَّعَام الْمعِين) كالحنطة بِالطَّعَامِ الْمعِين كل مِنْهُمَا (مَبِيع معِين فَلَا يشْتَرط قَبضه) فِي الْمجْلس كَمَا فِي سَائِر المبيعات الْمعينَة إِذا

بِيعَتْ بِمِثْلِهَا (أولى من) قَول الشَّافِعِي يشْتَرط قَبضه لِأَن كل مِنْهُمَا (مَال لَو قوبل بِجِنْسِهِ حرم التَّفَاضُل) كَمَا أَن الذَّهَب وَالْفِضَّة لَو قوبل بِجِنْسِهِ حرم التَّفَاضُل وَاشْترط الْقَبْض، وَإِنَّمَا قُلْنَا أولى (إِذْ لَا ينعكس) قَوْله إِلَى كل مَا لَو قوبل بِجِنْسِهِ لَا يحرم التَّفَاضُل لَا يشْتَرط فِيهِ الْقَبْض (لاشْتِرَاط قبض رَأس مَال السّلم) حَال كَونه (غير رِبَوِيّ) من ثِيَاب وَغَيرهَا، مَعَ أَنه لَو قوبل بِجِنْسِهِ لَا يحرم التَّفَاضُل (بِخِلَاف الأول) وَهُوَ قَوْلنَا مَبِيع الخ (إِذْ كلما انْتَفَى) الْوَصْف الَّذِي هُوَ التَّعْيِين (انْتَفَى) الحكم الَّذِي هُوَ عدم اشْتِرَاط الْقَبْض (وَلذَا) أَي وَلكَون التَّعْيِين عِلّة عدم اشْتِرَاط الْقَبْض المستلزم كَون عدم التعين عِلّة اشْتِرَاطه (لزم الْقَبْض فِي الصّرْف) وَهُوَ بيع جنس الْأَثْمَان بَعْضهَا بِبَعْض كَبيع الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالذَّهَب (لِأَن النَّقْد لَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ) فَلَو صَحَّ بِدُونِ الْقَبْض لَكَانَ بيع دين بدين وَهُوَ غير جَائِز (و) فِي (السّلم لانْتِفَاء تعْيين الْمَبِيع) وَهُوَ الْمُسلم فِيهِ لكَونه دينا، فاشتراط الْقَبْض لرأس المَال لعدم التعين فَإِن قلت: الشَّافِعِي يَقُول بتعين النُّقُود بِالتَّعْيِينِ فَلَا يتم الْإِلْزَام عَلَيْهِ قلت يتم عَلَيْهِ نظرا إِلَى دَلِيل عدم تعينها بِهِ وَأورد أَيْضا أَن الْمَبِيع فِي بيع إِنَاء فضَّة أَو ذهب بِإِنَاء كَذَلِك يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ، وَمَعَ ذَلِك يشْتَرط قَبضه فِي الْمجْلس وَبِأَن رَأس مَال السّلم إِذا كَانَ ثوبا بِعَيْنِه شَرط قَبضه فِي الْمجْلس أَيْضا مَعَ أَنه مُتَعَيّن بِنَفسِهِ وَأجِيب بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي فيهمَا عدم اشْتِرَاط الْقَبْض غير أَنه لما كَانَ الأَصْل فِي الصّرْف وَالسّلم ورودهما على الدّين بِالدّينِ وَرُبمَا يَقع على غير ذَلِك، ويتعذر على عَامَّة التُّجَّار معرفَة مَا يتَعَيَّن وَمَا لَا يتَعَيَّن اشْترط الْقَبْض فيهمَا مُطلقًا احْتِيَاطًا وتيسيرا فَإِن قيل: الْمَبِيع فِي السّلم الْمُسلم فِيهِ وَلَيْسَ بمقبوض، والمقبوض رَأس المَال وَلَيْسَ بمبيع أُجِيب بِأَن المُرَاد كل مَبِيع مُتَعَيّن لَا يشْتَرط قبض بدله، وينعكس إِلَى كل مَبِيع غير مُتَعَيّن يشْتَرط قبض بدله، أَو كل مَبِيع يتَعَيَّن فِيهِ الْمَبِيع، وَالثمن لَا يشْتَرط فِيهِ الْقَبْض أصلا وَيشْتَرط فِي كل مَبِيع لَا يتعينان فِيهِ يشْتَرط الْقَبْض فِي الْجُمْلَة فَلْيتَأَمَّل. (وَهَذَا) أَي الْعَكْس (أضعفها) أَي الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة (لِأَن الحكم يثبت بعلل شَتَّى) فَيجوز أَن يُوجد مَعَ انْتِفَاء عِلّة مُعينَة لثُبُوته بغَيْرهَا، فَإِن انْتِفَاء الْخَاص لَا يسْتَلْزم انْتِفَاء الْعَام، غير أَنه إِذا كَانَ بَين الحكم وَالْعلَّة تلازم وجودا وعدما كَانَ دَلِيلا على وكادة اتِّصَاله بهَا فيصلح مرجحا على مَا لَيْسَ بِهَذِهِ المثابة وَيظْهر ضعفه إِذا عَارضه مُرَجّح من الثَّلَاثَة السَّابِقَة (وابتنى على مَا سلف) فِي فصل التَّرْجِيح (من عدم التَّرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة والرواة) عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف (أَن لَا يرجح قِيَاس) فَاعل ابتنى (بآخر) مُتَعَلق بترجح: أَي بِقِيَاس آخر (بِأَن خَالفه) ذَلِك الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ (فِي الْعلَّة) مُتَعَلق بخالفة (لَا الحكم على معارضه) أَي على قِيَاس معَارض لَهُ، لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة (وَلَو اتفقَا) أَي الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ والمنضم (فِيهَا) أَي الْعلَّة كَمَا

فِي الحكم (كَانَ) التَّرْجِيح بِسَبَب هَذَا الِاتِّفَاق (من) قبيل (كَثْرَة الْأُصُول لَا) من كَثْرَة (الْأَدِلَّة) لِأَن الدَّلِيل فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الْعلَّة، وَلَا تعدد فِيهِ، لَا الأَصْل الَّذِي تتَحَقَّق الْعلَّة فِيهِ، فتعدده من غير تعددها لَا يُوجب تعدد الدَّلِيل (فيرجح) الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ ذَلِك (على مخالفه) لِأَن كَثْرَة الْأُصُول مُرَجّح صَحِيح (وَكَذَا كل مَا يصلح عِلّة) مُسْتَقلَّة للْحكم (لَا يصلح مرجحا) لعِلَّة مُسْتَقلَّة أُخْرَى لذَلِك الحكم على عِلّة مُعَارضَة لَهَا، إِذْ تقوى الشَّيْء إِنَّمَا يكون بِصفة فِي ذَاته تَابِعَة لَهُ، والمستقل لاستقالته لَا يضم إِلَى الآخر، وَقد يُقَال كَونه بِحَيْثُ وَافقه الآخر وصف لَهُ فَيجوز أَن يعْتَبر مرجحا لَهُ فَتَأمل (فَلم يتَفَاوَت بتفاوت الْملك للشفيعين) كَمَا إِذا كَانَ لأَحَدهمَا ثلث الدَّار وَللْآخر سدسها (مَا يشفعان فِيهِ) وَهُوَ النّصْف الآخر مِنْهَا فالموصول فَاعل لم يتَفَاوَت يَعْنِي إِذا بَاعَ مَالك النّصْف نصِيبه وطلبا أَخذه بِالشُّفْعَة لَيْسَ لصَاحب الثُّلُث مزية على صَاحب السُّدس فِي الِاسْتِحْقَاق، لِأَن كل جُزْء من أَجزَاء نصيبهما عِلّة مُسْتَقلَّة فِي اسْتِحْقَاق جَمِيع الْمَبِيع، وَلَيْسَ فِي جَانب صَاحب الثُّلُث إِلَّا كَثْرَة الْعلَّة وَهِي لَا تصلح للترجيح (خلافًا للشَّافِعِيّ) فَإِن عِنْده يكون الْمَبِيع بَينهمَا أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ لصَاحب الثُّلُث. (قَالَ) الشَّافِعِي (هِيَ) أَي الشُّفْعَة (من مرافق الْملك) أَي مَنَافِعه (كَالْوَلَدِ) للحيوان (وَالثَّمَرَة) للشجرة المشتركين بَينهمَا فتقسم بِقدر الْملك (أُجِيب بِأَن ذَلِك) انقسام الْمَعْلُول بِحَسب التَّفَاوُت إِنَّمَا هُوَ فِي أَجزَاء الْعلَّة (فِي الْعِلَل المادية) وَهِي الْأَجْسَام الَّتِي يتَوَلَّد مِنْهَا جسم كالحيوان وَالشَّجر (وَعلة الْقيَاس) أَي الْعلَّة الْمُعْتَبرَة فِي الْقيَاس لَيست مِنْهَا، بل هِيَ عِلّة (كالفاعلية) أَي كالعلة المؤثرة فِي الْعِلَل الْعَقْلِيَّة بِاعْتِبَار التَّأْثِير، وَإِن اخْتلفَا فِي كَيْفيَّة التَّأْثِير كَمَا عرفت، وَقد تقرر أَن تَأْثِير الْعلَّة الفاعلية لَيْسَ بطرِيق التولد، بل بإيجاد الله تَعَالَى إِيَّاه عقبه (وَقد جعل الشَّارِع الْملك عِلّة للشفعة قَلِيله وَكَثِيره) بِالنّصب بَدَلا من الْملك (فَجعل كل جُزْء من الْعلَّة) وَهِي ملك الشَّفِيع (عِلّة لجزء من الْمَعْلُول) وَهُوَ مَا يسْتَحقّهُ الشَّفِيع بِالشُّفْعَة حَتَّى يلْزم بِزِيَادَة الْأَجْزَاء فِي جَانب الْعلَّة زيادتها فِي جَانب الْمَعْلُول (نصب الشَّرْع بِالرَّأْيِ) من غير نَص أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس، لِأَنَّهُ لَيْسَ من ضَرُورَة جعل الْملك مُطلقًا عِلّة للاستحقاق. وَالْفرق بَين الْقَلِيل مِنْهُ وَالْكثير، بل الْإِطْلَاق يُنَاسِبه التَّسْوِيَة بَينهمَا، كَيفَ وَالْحكم فِيهِ دفع ضَرَر الْجوَار، وضرر صَاحب الْقَلِيل مثل ضَرَر صَاحب الْكثير، وَلَو نوقشي فِيهِ قُلْنَا: لَا يثبت الحكم بالتفرقة بِهَذَا الْقدر الْمَشْكُوك فِي اعْتِبَاره عِنْد الشَّارِع مَعَ كَون التَّسْوِيَة تناسب الْإِطْلَاق (وَلَو عجز) الْمُجْتَهد (عَن التَّرْجِيح) لأحد القياسين (عمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَة قلبه) على مَا مر بَيَانه فِي فصل التَّعَارُض (وَقَابَلُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (أَرْبَعَة الصِّحَّة) أَي الْوُجُوه الْأَرْبَعَة الصَّحِيحَة الْمَذْكُورَة للترجيح (بأَرْبعَة) من وجوهه (فَاسِدَة): أَحدهَا (التَّرْجِيح بِمَا يصلح عِلّة مُسْتَقلَّة)

لِأَنَّهُ تَرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة، وَقد سبق فِي فصل التَّرْجِيح (و) الثَّانِي التَّرْجِيح (بِغَلَبَة الْأَشْبَاه) أَي (كَون الْفَرْع لَهُ) أَي للفرع (بِأَصْل أَو أصُول) مُتَعَلق بقوله (وُجُوه شبه) وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله لَهُ، وَالْجُمْلَة خبر الْكَوْن، وَكلمَة أَو للتنويع لإِفَادَة أَن وُجُوه شبه الْفَرْع تَارَة تكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى أصل وَاحِد وَتارَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى أصُول (فَلَا يتَرَجَّح) الْقيَاس الْمُشْتَمل على فرع ذِي وُجُوه (على مَا) أَي على الْقيَاس الَّذِي (لَهُ) أَي لفرعه (بِهِ) أَي بِأَصْل (شبه) وَاحِد (و) نقل (عَن كثير من الشَّافِعِيَّة، نعم) يرجح مَاله وُجُوه شبه على مَاله شبه وَاحِد، وَنَقله صَاحب القواطع عَن نَص الشَّافِعِي، لِأَن الْقيَاس إِنَّمَا جعل حجَّة لإِفَادَة الظَّن، وَهُوَ يزْدَاد عِنْده كَثْرَة الْأَشْبَاه كَمَا عِنْد كَثْرَة الْأُصُول، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يتَرَجَّح (لِأَنَّهَا) أَي الْأَشْبَاه (تعدد أَوْصَاف) فَكل شبه وصف على حِدة يصلح عِلّة (فترجع) الْأَشْبَاه الَّتِي هِيَ فِي الْحَقِيقَة تعدد الْأَوْصَاف (إِلَى تعدد الأقيسة) فَإنَّك إِذا قصدت إِلْحَاق الْفَرْع بِالْأَصْلِ بِاعْتِبَار كل شبه هُوَ وصف صَالح للعلية حصل بذلك الِاعْتِبَار قِيَاس على حِدة، فالترجيح بهَا تَرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة وَهُوَ غير جَائِز، وَفِيه أَنه يجوز أَن لَا يصلح كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَشْبَاه للاستقلال، وَلَكِن بِسَبَبِهَا يحصل للفرع زِيَادَة مُنَاسبَة بِالْأَصْلِ (بِخِلَاف تعدد الْأُصُول) فَإِن التَّرْجِيح بهَا لَيْسَ بِكَثْرَة الْأَدِلَّة (لِاتِّحَاد الْوَصْف) فِيهَا (وكل أصل يشْهد بِصِحَّتِهِ) أَي الْوَصْف من حَيْثُ أَنه عِلّة لوُجُوده مَعَ الحكم فِي جَمِيع تِلْكَ الْأُصُول (فَيُوجب ثبات الحكم عَلَيْهِ) أَي على ذَلِك الْوَصْف وترتبه عَلَيْهِ (وَاعْلَم أَن كَثْرَة الْأُصُول) تكون (بوحدة الْوَصْف) الَّذِي هُوَ عِلّة الحكم بِأَن يتَحَقَّق فِي الْكل وصف وَاحِد صَالح للعلية، فَلم يتَحَقَّق هَهُنَا كَثْرَة الْأَدِلَّة لَهُ، لِأَن مدَار الدَّلِيل هُوَ الْوَصْف وَهُوَ وَاحِد (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (مَحل التَّرْجِيح) أَي مَا يقوم بِهِ المرجحية فَهُوَ الْمُرَجح (و) يكون (مَعَ تعدده) أَي الْوَصْف (واتحاد الحكم) بِأَن تكون أَوْصَاف مُتَغَايِرَة متحققة فِي أصُول مُخْتَلفَة مجتمعة فِي فرع وَاحِد يصلح كل وَاحِد مِنْهَا عِلّة للْحكم الْوَاحِد الَّذِي قصد اثباته فِي ذَلِك الْفَرْع (وَهِي) أَي كَثْرَة الْأُصُول (حِينَئِذٍ) أَي حِين تعدد الْوَصْف واتحد الحكم بِاعْتِبَار مَا يستنبط مِنْهَا (أقيسة متماثلة) لاتحادها من حَيْثُ الحكم (لَا تَرْجِيح) لوَاحِد من تِلْكَ الأقيسة لكَونه مَقْرُونا (مَعهَا) أَي مَعَ كَثْرَة الْأُصُول، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَدِلَّة متكثرة وَلَا تَرْجِيح بهَا (و) يكون (مَعَ تعدده) أَي الْوَصْف حَال كَونهَا (متباينة متعارضة، وَهِي الَّتِي يجب فِيهَا التَّرْجِيح) وَالتَّرْجِيح بِغَلَبَة الْأَشْبَاه (كَمَا لَو قيل: الْأَخ كالأبوين فِي الْمَحْرَمِيَّة وَابْن الْعم) أَي وكابن الْعم (فِي حل الحليلة) أَي فِي أَنه يحل لِابْنِ الْعم أَن ينْكح زَوجته ابْن عَمه بعده (وَالزَّكَاة وَالشَّهَادَة وَالْقصاص من الطَّرفَيْنِ) أَي وَفِي حل زَكَاته لَهُ، وَفِي

مسئلة

حل شَهَادَته لَهُ، وَفِي حل الْقصاص من الطَّرفَيْنِ بِأَن يقْتَصّ لكل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر، وَإِنَّمَا قَالَ من الطَّرفَيْنِ لِأَن الْقصاص بَين الْوَالِد والمولود مَوْجُود من أحد الطَّرفَيْنِ، فَإِن الْمَوْلُود يقتل بِأَبِيهِ دون الْعَكْس (فيرجح الحاقه) أَي الْأَخ (بِهِ) أَي بِابْن الْعم، فَلَا يعْتق بِملكه إِيَّاه كَمَا لَا يعْتق ابْن الْعم بِملكه إِيَّاه، لِأَن شبه الْأَخ بِهِ أَكثر من شبهه بالأبوين (فَيمْنَع) تَرْجِيح الحاق الْأَخ بِابْن الْعم بِكَثْرَة الْأَشْبَاه (بِأَنَّهُ) أَي التَّرْجِيح بهَا (بمستقل) أَي تَرْجِيح بِوَصْف مُسْتَقل (إِذْ كل) من وُجُوه الشّبَه (يسْتَقلّ) وَصفا (جَامعا) بَين الْأَخ وَابْن الْعم فِي الحكم وَلَا تَرْجِيح بمستقل (و) الثَّالِث التَّرْجِيح (بِزِيَادَة التَّعْدِيَة) أَي بِكَوْن إِحْدَى العلتين أَكثر تَعديَة بِأَن تتعدى إِلَى فروع أَكثر من الْأُخْرَى (كترجيح الطّعْم) أَي التَّعْلِيل بِهِ لحُرْمَة الرِّبَا فِي الْمَنْصُوص على التَّعْلِيل بِالْكَيْلِ وَالْجِنْس (لتعديه) أَي الطّعْم (إِلَى الْقَلِيل) كَمَا إِلَى الْكثير، فَيحرم بيع تفاحة بتفاحتين، وَتَمْرَة بتمرتين (دون الْكَيْل) فَإِنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَى الْقَلِيل الَّذِي هُوَ نصف صَاع على مَا قَالُوا، كَذَا ذكره الشَّارِح (وَلَا أثر لَهُ) أَي لكَونهَا أَكثر تَعديَة (بل) الْأَثر (لدلَالَة الدَّلِيل) أَي لقُوَّة دلَالَته (على الْوَصْف) بِاعْتِبَار تَأْثِيره فِي الحكم قلت: محاله أَو كثير، وَلَا يظْهر صِحَّته، بل تَعْلِيله لانْتِفَاء الحكم يدل على أَن ثُبُوت مضمونها مُعَلل بِلُزُوم التحكم على تَقْدِير تحقق نقيض مضمونها، فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه اسْتِئْنَاف كَلَام تَقْرِير بِكَسْر الْهمزَة فِي أَنه بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء مِمَّا سبق: من أَنه لَا يثبت الْقيَاس الْعلية والشرطية، وَقد يُقَال الحكم الْمَذْكُور كَمَا يسْتَلْزم عدم إِثْبَات الحكم الابتدائي كَذَلِك يسْتَلْزم اثباته الْعلية والشرطية والوصفية عِنْد ثُبُوت مناطها، لِأَن تَعديَة الحكم إِنَّمَا تُوجد بِسَبَب وجود المناط وَالْأَصْل وَالْفرع: فَإِذا وجد ذَلِك لَا فرق بَين أَن يكون الْهدى خطاب الِاقْتِضَاء والتخيير، أَو خطاب الْوَضع، فَإِن الْكل أَحْكَام شَرْعِيَّة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله لانْتِفَاء الحكم (و) رَابِعهَا الترجيج (بالبساطة) أَي بِكَوْن إِحْدَى العلتين وَصفا لَا جُزْء لَهَا على الْأُخْرَى ذَات أَجزَاء لسُهُولَة إِثْبَاتهَا والاتفاق على صِحَّتهَا (كالطعم على الْكَيْل وَالْجِنْس) لتركب الْكَيْل وَالْجِنْس دون الطّعْم (وَلَا أثر لَهُ) أَي لكَونه بسيطا، بل بِقُوَّة الدَّلِيل (كَمَا ذكرنَا). مسئلة (حكم الْقيَاس) أَي مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من ثَمَرَته (الثُّبُوت) أَي ثُبُوت حكم الأَصْل (فِي الْفَرْع وَهُوَ) أَي الثُّبُوت فِيهِ (التَّعْدِيَة الاصطلاحية) فَلَا يرد أَن الْحمل غير صَحِيح، لِأَن التَّعْدِيَة صفة

القائس، أَو الْجَامِع، أَو الحكم لَكِن غير الثُّبُوت فِيهِ، وَلِأَن الْمَوْجُود فِي الأَصْل من الأَصْل وَالْحكم لَا يتَعَدَّى إِلَى الْفَرْع، بل الْكَائِن فِيهِ نظر مَا فِي الأَصْل (فَلَزِمَهُ) أَي الْقيَاس (أَن لَا يثبت الحكم ابْتِدَاء) لِأَن التَّعْدِيَة وَإِن كَانَت اصطلاحية لَكِن لَا بُد فِيهَا من تحقق مَا يعبر بِهِ عَنهُ بِالتَّعَدِّي من ثُبُوت الحكم فِي الْفَرْع بطرِيق الْإِلْحَاق لَهُ بِالْأَصْلِ لما بَينهمَا من الْجَامِع: وَهَذَا يُنَافِي ثُبُوته ابْتِدَاء (كإباحة الرَّكْعَة) الْوَاحِدَة (وَحُرْمَة الْمَدِينَة) على ساكنها وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَن يكون لَهَا حرم كحرم مَكَّة فِي الْأَحْكَام الْمَعْرُوفَة وهما مثالان للْحكم الثَّابِت ابْتِدَاء (أَو وَصفه) أَي الحكم مَعْطُوف على الحكم: أَي لزمَه أَن لَا يثبت وصف الحكم أَيْضا ابْتِدَاء (كصفة الْوتر) من الْوُجُوب والاستنان (بعد مشروعيته) أَي الْوتر بِالنَّصِّ الدَّال على كَونه مَطْلُوبا على وَجه يحْتَمل الْوُجُوب وَالنَّدْب، فمطلوبيته من الْمُكَلف حكم شَرْعِي وَكَونه سنة أَو وَاجِبا كَيْفيَّة لَهَا، وَثُبُوت هَذِه الْكَيْفِيَّة يحْتَاج إِلَى اجْتِهَاد، وَإِنَّمَا لم يثبت بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاء (لانْتِفَاء الأَصْل وَالْفرع) عِنْد الثُّبُوت ابْتِدَاء وَالْقِيَاس لَا يتَحَقَّق بدونهما، وَلما بَين أَن خطاب الِاقْتِضَاء لَا يثبت ابْتِدَاء بِالْقِيَاسِ أَفَادَ أَن خطاب الْوَضع كَذَلِك بقوله (وَكَذَا) لزمَه أَن لَا يثبت (الشّرطِيَّة والعلية ككون الْجِنْس فَقَط) بِأَن يكون البدلان من جنس وَاحِد من غير أَن يَكُونَا مكيلين أَو موزونين (يحرم النِّسَاء) أَي البيع نَسِيئَة (إِلَّا) أَي لَكِن يثبت كل مِنْهُمَا (بِالنَّصِّ دلَالَة وَغَيرهَا) أَي عبارَة أَو إِشَارَة أَو اقْتِضَاء، فَإِن الثَّابِت بِهَذِهِ ثَابت بِالنَّصِّ كَمَا عرف (وَكَذَا) لزمَه أَن لَا يثبت (صفة السّوم) أَي اشْتِرَاط صفة هِيَ السّوم فِي نصب الْأَنْعَام فِي وجوب زَكَاتهَا (والحل) أَي وَكَذَا لزم أَن لَا يثبت اشْتِرَاط صفة الْحل (للْوَطْء الْمُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة) فِي ثُبُوت حرمتهَا من الْجَانِبَيْنِ (وشرطية التَّسْمِيَة) أَي وَكَذَا لزمَه أَن لَا يثبت اشْتِرَاط ذكر اسْم الله تَعَالَى على الْمَذْبُوح (للْحلّ) أَي لِحلِّهِ (و) كَذَا لزمَه أَن لَا يثبت اشْتِرَاط (وَصفِيَّة شَرط النِّكَاح) أَي موصوفية الشَّهَادَة الَّتِي هِيَ شَرط النِّكَاح (بِالْعَدَالَةِ) وَالْعَدَالَة وصف الحكم الَّذِي هُوَ الشَّهَادَة من تعين أَنَّهَا شَرط، لِأَن كَون الشَّيْء شرطا فِي خطاب الْوَضع، وَالْعَدَالَة فِي الْحَقِيقَة وصف مُتَعَلق الحكم فَافْهَم: وَلذَا نَص أَصْحَابنَا على أَن كَون الْجِنْس وَحده محرما للنسيئة، وَاشْتِرَاط السّوم فِي النصب، وَالذكر على الذَّبِيحَة إِنَّمَا هِيَ بالنصوص وَالشَّافِعِيَّة على أَن إِبَاحَة الرَّكْعَة الْوَاحِدَة وَكَون الْمَدِينَة حرما وَاشْتِرَاط الْحل فِي حُرْمَة الْمُصَاهَرَة وَالْعَدَالَة والذكورة فِي شُهُود النِّكَاح إِنَّمَا هِيَ بالنصوص، فَلَو أثبت بِالْقِيَاسِ شَيْء مِنْهَا ابْتِدَاء للَزِمَ نصب الشَّرْع أَو إِبْطَاله أَو نسخه بِالرَّأْيِ وَلَا يخفى عَلَيْك أَن قَوْلهم بِالْقِيَاسِ وَقَوْلهمْ ابْتِدَاء بَينهمَا تدافع ثمَّ أَن النّسخ إِنَّمَا يلْزم فِي إِثْبَات الشَّرْط، لِأَن الحكم بِدُونِ ذَلِك قد كَانَ شروعا، وَبعد الِاشْتِرَاط

أبطل (وَأَنه لَو ثَبت) بِنَصّ أَو إِجْمَاع (منَاط علية أَمر) بِشَيْء (أَو) منَاط (شرطيته) أَي أَمر بِشَيْء (أَو) ثَبت منَاط (وصفهما) أَي وصف علية أَو شَرطه (فِي غَيره) أَي غير ذَلِك الْأَمر الثَّابِت منَاط عليته أَو شرطيته وَغير ذَلِك الْوَصْف، يَعْنِي وصف آخر، فالظرف مُتَعَلق يثبت، وَجَوَاب لَو قَوْله (كَانَ) ذَلِك الْغَيْر (فِي مثله) أَي مثل ذَلِك الشَّيْء الَّذِي ثَبت منَاط علية علته إِلَى آخِره (عِلّة وشرطا) لتحَقّق المناط فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لانْتِفَاء التحكم) يَعْنِي لَو لم يَجْعَل ذَلِك الْغَيْر عِلّة أَو شرطا أَو وَصفا للَزِمَ التحكم لمساواة الْغَيْر الْمَذْكُور لذَلِك الْأَمر فِيمَا يُوجب الْعلية أَو الشّرطِيَّة، والتحكم بَاطِل مُنْتَفٍ وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مُقْتَضى عطف قَوْله وَأَنه لَو ثَبت إِلَى آخِره على قَوْله أَن لَا يثبت كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر، ومختار الشَّارِح لزم مَضْمُون هَذِه الشّرطِيَّة حكم الْقيَاس الْمَذْكُور، وَلَا تظهر صِحَّته بل تَعْلِيله لانْتِفَاء التحكم يدل على أَن ثُبُوت مضمونها مُعَلل بِلُزُوم التحكم على تَقْدِير تحكم تحقق نقيض مضمونها: فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه اسْتِئْنَاف كَلَام تقريري بِكَسْر الْهمزَة فِي أَنه بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء مِمَّا سبق، من أَنه لَا يثبت الْقيَاس الْعلية والشرطية، وَقد يُقَال الحكم الْمَذْكُور كَمَا يسْتَلْزم عدم إِثْبَات الْقيَاس الحكم كَذَلِك يسْتَلْزم إثْبَاته الْعلية والوصفية والشرطية عِنْد ثُبُوت مناطها، لِأَن تَعديَة الحكم إِنَّمَا لزمَه بِسَبَب وجود المناط وَالْأَصْل وَالْفرع فَإِذا وجد ذَلِك لَا فرق بَين أَن يكون المعدى خطاب الِاقْتِضَاء والتخيير، أَو خطاب الْوَضع، فَإِن الْكل أَحْكَام شَرْعِيَّة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله لانْتِفَاء التحكم (وَالْخلاف فِي المذهبين) الْحَنَفِيّ وَالشَّافِعِيّ (شهير) أَي مَشْهُور (فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْأَخير المفاد بقوله وَأَنه لَو ثَبت إِلَى آخِره (ففخر الْإِسْلَام وَأَتْبَاعه) وَصدر الشَّرِيعَة (وَصَاحب الْمِيزَان وَطَائِفَة من الشَّافِعِيَّة) قَالُوا (نعم) لَو ثَبت إِلَى آخِره كَانَ عِلّة وشرطا (وَوجد) مَضْمُون الشَّرْط مُرَتبا عَلَيْهِ الْجَزَاء (وَهُوَ) أَي ذَلِك الْمَوْجُود (الْخلاف فِي اشْتِرَاط التَّقَابُض) بِحَذْف الْمُضَاف، وَالتَّقْدِير هُوَ مَبْنِيّ الْخلاف إِلَى آخِره، لِأَن كلا من الْمُخَالفين يحْتَج فِي الِاشْتِرَاط وجودا وعدما بالموجود (فِي بيع الطَّعَام) مُتَعَلق بِاشْتِرَاط التَّقَابُض (بِالطَّعَامِ الْمعِين) اكْتفى بتقييد الثَّانِي بِالتَّعْيِينِ، فَإِن المُرَاد بِالتَّعْيِينِ تعْيين كل مِنْهُمَا (لِأَنَّهُ وجد لإثباته) أَي إِثْبَات التَّقَابُض فِي هَذَا البيع كَمَا هُوَ مَذْهَبنَا (أصل هُوَ الصّرْف) فَإِن التَّقَابُض اشْترط فِيهِ (بِجَامِع أَنَّهُمَا) أَي الْبَدَلَيْنِ فِي كل وَاحِد من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ وَبيع أحد الحجرين بِأحد الحجرين (مَا لِأَن يجْرِي فيهمَا رَبًّا الْفضل) فِيمَا إِذا تَسَاويا فِي الْجِنْس وَالْقدر (و) وجد (لنفيه) أَي لعدم اشْتِرَاط التَّقَابُض فِيمَا ذكر كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي (أصل) هُوَ (بيع سَائِر السّلع) مِمَّا لَا يجْرِي فِيهِ رَبًّا الْفضل (بِمِثْلِهَا أَو بِالدَّرَاهِمِ) فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فيهمَا التَّقَابُض (وَقيل لَا) أَي يثبت الْعلية والشرطية بِمَا ذكر، وَهُوَ قَول كثير من الْحَنَفِيَّة

كَالْقَاضِي أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ، وَمن الشَّافِعِيَّة كالآمدي والبيضاوي. وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب الْمَالِكِي (لِأَنَّهُ لم يثبت كَذَلِك) أَي لم يثبت علية أَمر أَو شرطيته بِسَبَب تحقق منَاط أَحدهمَا فِيهِ معنى لم يتَحَقَّق فِي الشَّرْع اعْتِبَار ذَلِك بِأَن يثبت مَحل فِيهِ وصف اعْتبر عليته أَو شرطيته بِسَبَب تحقق منَاط أَحدهمَا فِيهِ، يَعْنِي لم يتَحَقَّق فِي الشَّرْع اعْتِبَار ذَلِك بِأَن يثبت مَحل فِيهِ وصف اعْتبر عليته أَو شرطيته مُعَللا باشتماله على الْحِكْمَة الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا الْوَصْف الثَّابِت عليته لعدم انضباط الْحِكْمَة وتغاير الوصفين، وَجَوَاز عدم حُصُول الْمِقْدَار الْمُعْتَبر شرعا من تِلْكَ الْحِكْمَة بِالْوَصْفِ الثَّانِي (قيل وَلَو ثَبت) مَا ذكر من الْعلية والشرطية لوصف غير الْوَصْف الْمُعْتَبر فِيهِ أَحدهمَا شرعا لاشْتِرَاكهمَا فِي المناط للْحكم (كَانَ السَّبَب) أَي الْعلَّة أَو الشَّرْط للْحكم (ذَلِك المناط الْمُشْتَرك بَينهمَا) لَا الْوَصْف الأول بِخُصُوصِهِ (إِن انضبط) ذَلِك المناط وَكَانَ ظَاهرا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون بِمَنْزِلَة قَول الشَّارِع: كلما تحقق فِيهِ هَذَا المناط كَانَ عِلّة أَو شرطا، فَكل من الوصفين ينْدَرج تَحْتَهُ اندراجا أوليا من غير سبق أَحدهمَا والحاق الآخر بِهِ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَنْضَبِط أَو لم يظْهر (فمظنته) أَي فالسبب مظنته: أَي بِالْوَصْفِ الظَّاهِر المنضبط الَّذِي نيط ذَلِك المناط بِهِ (إِن كَانَ) أَي وجد ذَلِك الْوَصْف وأيا مَا كَانَ فقد اتَّحد السَّبَب فَلَا قِيَاس (وَمَا يخال) أَي يظنّ (أصلا وفرعا) من الوصفين الْمَذْكُورين فهما (فرداه) أَي المناط الْمَذْكُور (كَمَا لَو ثَبت عَلَيْهِ الوقاع) عمدا من الصَّحِيح الْمُقِيم فِي نَهَار رَمَضَان (لِلْكَفَّارَةِ لاشْتِمَاله على الْجِنَايَة المتكاملة على صَوْم رَمَضَان) وَهِي هتك حرمته (فَهِيَ) أَي الْجِنَايَة الْمَذْكُورَة (الْعلَّة) لِلْكَفَّارَةِ (وكل من الْأكل) وَالشرب (وَالْجِمَاع) عمدا بِلَا عذر مُبِيح (صور وجوده) أَي وجود الْمَعْنى الَّذِي هُوَ الْعلَّة، وَهِي الْجِنَايَة المتكاملة على صَوْم رَمَضَان (وكعلية الْقَتْل بالمثقل) للْقصَاص قِيَاسا على الْقَتْل بِالسَّيْفِ بِحَذْف الْمُضَاف (عَلَيْهِ) أَي على علية الْقَتْل (بِالسَّيْفِ لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّمَا يخال فِيهِ أصلا وفرعا من القتلين فَردا منَاط عِلّة الْقصاص، إِذْ ثَبت أَنَّهَا: أَي عِلّة الْقصاص الْقَتْل الْعمد الْعدوان (فالمثقل) أَي فالقتل بِهِ (من محاله) أَي منَاط الْقصاص كَمَا أَن الْقَتْل بِالسَّيْفِ مِنْهَا فَإِن قلت: الْمُدَّعِي الفردية، وَالدَّلِيل مُفِيد الْمَحَلِّيَّة قلت: المُرَاد محلية الْفَرد للمفهوم الْكُلِّي على سَبِيل الِاسْتِعَارَة، إِذْ لَا وجود للطبيعة بِدُونِ الْفَرد كَمَا لَا وجود للْحَال بِدُونِ الْمحل (وَقد يخال) أَي يظنّ (عدم التوارد) أَي عدم توارد النَّفْي وَالْإِثْبَات فِي الخلافية الْمَذْكُورَة على مَحل وَاحِد. ثمَّ بَين مورد الْإِثْبَات بقوله (فَالْأول) أَي القَوْل بِجَوَاز التَّعْدِيَة فِي الْعلية مَعْنَاهُ (تعدِي علية) الْوَصْف (الْوَاحِد لشَيْء) أَي لحكمه (إِلَى شَيْء آخر) صلَة التَّعَدِّي، فالمتعدي إِلَيْهِ وصف آخر فَيصير عِلّة للْحكم الْمُعَلل بِالْوَصْفِ الأول، فتتعدد الْعلَّة لَا الحكم

(وَالثَّانِي) أَي القَوْل بِعَدَمِ جَوَاز التَّعْدِيَة فِي الْعلية مَعْنَاهُ (تعدِي عليته) أَي تعدِي علية الْوَصْف الْوَاحِد (إِلَى) وصف (آخر) تعديه (لآخر) أَي لأجل إِثْبَات حكم آخر غير الحكم الْمُعَلل بِالْوَصْفِ الأول فَحِينَئِذٍ تَتَعَدَّد الْعلَّة وَالْحكم. قَالَ الشَّارِح كَون معنى الأول مَا ذكر ظَاهر، وَأما أَن معنى الثَّانِي مَا ذكر فَلَا، بل كل من الْعلَّة وَالْحكم مُتحد للاتحاد فِي النَّوْع وَلَا يضرّهُ التغاير بِحَسب الشَّخْص انْتهى. وَأَنت خَبِير بِأَن الِاتِّحَاد فِي الْعلَّة مُنْتَفٍ بِاتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهُ لَا وَجه حِينَئِذٍ للنزاع فِي تعدِي الْعلية اثباتا أَو نفيا وَأَيْضًا يرد عَلَيْهِ أَنه كَيفَ يسلم التَّعَدُّد فِي الْعلَّة فِي الأول مَعَ الِاتِّحَاد فِي النَّوْع، وَأما تعدد الحكم فِي الثَّانِي فَهُوَ أَمر مَبْنِيّ على تحقق ذَلِك الْمَذْهَب (وَمِمَّنْ أنكرهُ) أَي جَرَيَان الْقيَاس فِي الْعلَّة (من اعْترف بِقِيَاس أَنْت حرَام) لإِثْبَات الطَّلَاق الْبَائِن (على طَالِق بَائِن، وَهُوَ) أَي الْقيَاس الْمَذْكُور قِيَاس (فِي السَّبَب) أَي الْعلَّة، فقد نَاقض فعله قَوْله (وَقيل لَا خلاف فِي هَذَا) أَي فِي جَوَاز التَّعْلِيل لتعدية الْعلَّة من وصف إِلَى وصف آخر مشارك للْأولِ فِي الاشتمال على مناطها، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ من إِثْبَات الْعلَّة بِالْقِيَاسِ، لِأَن الْعلَّة حَقِيقَة هُوَ المناط الْمُشْتَرك بَينهمَا، وَقد مر آنِفا (بل) الْخلاف (فِيمَا إِذا كَانَت) علية الْوَصْف للْحكم (لمُجَرّد مناسبتها) أَي الْعلَّة الَّتِي هِيَ الْوَصْف الْمَذْكُور الحكم الْمَطْلُوب إثْبَاته فِي الْفَرْع: أَي فِي الْمحل الَّذِي أُرِيد إثْبَاته فِيهِ، سمي فرعا لمشاركته الْفَرْع فِي عدم وُرُود النَّص فِيهِ، فَجعل لمُجَرّد هَذِه الْمُنَاسبَة الْعَقْلِيَّة عِلّة للْحكم ليحصل فِي ذَلِك الْفَرْع من غير أَن يتَحَقَّق فِي الْوَصْف منَاط الْعلية (وَلَيْسَ لَهُ) أَي لذَلِك الْوَصْف الْمُنَاسب (مَحل آخر) تحققت فِيهِ عليته لذَلِك الحكم، لِأَنَّهُ لَو تحقق فِي مَحل آخر مَعَ ذَلِك الحكم مؤثرا فِيهِ بِاعْتِبَار الشَّارِع على مَا مر بَيَانه لما بَقِي فِيهِ للْخلاف مجَال، وَلم يتَوَهَّم فِيهِ التَّعْلِيل لإِثْبَات عليته، لِأَن ذَلِك الْوَصْف الْمَوْجُود فِي الْفَرْع حِينَئِذٍ عين الْوَصْف الْمَوْجُود فِي الأَصْل وَلَيْسَ كلامنا فِيهِ (لأَنا إِنَّمَا نثبت) على تَقْدِير إِثْبَات الْعلية بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة (سَبَبِيَّة) وصف (آخر) مُغَاير للوصف الْمَذْكُور مُعْتَبر علية للْحكم فِي أصل ليحصل اعْتِدَاد بشأن هَذَا الْوَصْف، وَلما رَأَوْا وَصفا اعْتبر عليته لحكم فِي مَحل ووصفا آخر فِي مَحل آخر مُنَاسِب لذَلِك الحكم فَأثْبت بِهِ فِي هَذَا الْمحل، زَعَمُوا أَنه عدى الْعلية من الأول إِلَى الثَّانِي قِيَاسا وَلم يدروا أَنَّهُمَا لم يشتركا فِي منَاط لتمكن الْقيَاس الْمَوْجُود فِي الأَصْل عِلّة للْحكم (فَلَيْسَ ذَلِك) مَا ثَبت سَبَبِيَّة بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة (إِلَّا الْمُرْسل) وَقد مر تَفْسِيره، فَيجوز عِنْد من يَقُول بِصِحَّة التَّعْلِيل بِهِ، وَلَا يجوز عِنْد من يشْتَرط التَّأْثِير والملاءمة (وَهَذَا) أَي التَّعْلِيل بالمرسل إِنَّمَا يَصح (على) قَول (الشَّافِعِيَّة: أما مَا تقدم للحنفية فِي سببيته) أَي سَبَبِيَّة وصف

مَوْجُود مَعَ حكم ككون الْبَدَل مَا لَا يجرى فِيهِ رَبًّا الْفضل مَعَ اشْتِرَاط التَّقَابُض فِي الصّرْف (بِعَيْنِه لآخر) أَي لحكم آخر كاشتراط التَّقَابُض فِي بيع طَعَام معِين بِطَعَام معِين إِذا قصد إِثْبَات هَذَا الِاشْتِرَاط بذلك الْوَصْف بِعَيْنِه (فَيَنْبَغِي كَونه) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور (الْغَرِيب من الْأَقْسَام الأول) للمناسب، وَهُوَ الْمُؤثر، والملائم، والغريب، والمرسل على مَا سبق، فَإِن الْغَرِيب وصف وجد مَعَ الحكم فِي الأَصْل من غير اعْتِبَار عينه أَو جنسه فِي عين الحكم أَو جنسه من الشَّارِع (لوُجُود أَصله) أَي أصل الْوَصْف الْمَذْكُور كالصرف الْمَوْجُود فِيهِ الْكَوْن الْمَذْكُور مَعَ اشْتِرَاط التَّقَابُض، وَوُجُود الأَصْل هُوَ الْفَارِق بَين الْمُرْسل والغريب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ كَانَت سببيته لشَيْء ثَابِتَة شرعا) بِاعْتِبَار وجوده مَعَ الحكم فِي الأَصْل كَمَا أَفَادَ بقوله (وَهُوَ) أَي ثُبُوته شرعا (الْعين) أَي وجود الْعين، يَعْنِي عين الْوَصْف (مَعَ الْعين فِي الْمحل) أَي مَعَ عين الحكم فِي الأَصْل كَمَا أَفَادَ بقوله كَمَا بَينا (لَكِن لَا يشْهد لَهُ أصل بِالِاعْتِبَارِ) اسْتِدْرَاك لدفع توهم نَاشِئ من ثُبُوت سببيته شرعا وَثُبُوت الْعين مَعَ الْعين وَحَاصِله أَنه لَيْسَ فِي الْغَرِيب سوى الْعين مَعَ الْعين، وبمجرد هَذَا لَا تثبت الْعلية، بل لَا بُد من اعْتِبَار الشَّارِع علية الْوَصْف أَو جنسه فِي عين الحكم أَو جنسه فِي بعض الْموَاد، فَتلك الْمَادَّة أصل يشْهد بِاعْتِبَار الشَّارِع عليته (وَكَانَ الظَّاهِر اتِّفَاقهم) أَي الْحَنَفِيَّة (على مَنعه) أَي منع هَذَا الْقسم الْمُسَمّى بالغريب (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الإخالة) وَهِي على مَا مر من إبداء الْمُنَاسبَة بَين الأَصْل وَالْوَصْف بملاحظتهما (إِن لم يكنها) أَي إِن لم يكن عين الإخالة، وَهَذِه الْعبارَة بظاهرها تفِيد الشَّك فِي كَونه إخالة، وَلَعَلَّ الشَّك بِسَبَب أَن الإبداء الْمَذْكُور لَا يسْتَلْزم وجود الْعين مَعَ الْعين، ثمَّ إِن الإخالة وَمَا هُوَ فِي منزلتها غير مُعْتَبر عِنْد الْحَنَفِيَّة لاشتراطهم التَّأْثِير فِي ثُبُوت الْعلية على مَا سبق (لَكِن الْخلاف) فِي هَذَا ثَابت (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (وَلَو سلم عدم الْإِرْسَال) مُرْتَبِط بقوله فَلَيْسَ إِلَّا الْمُرْسل وَمَا بَينهمَا تقريبي، وَهُوَ بحث بطرِيق التنزل، يَعْنِي وَلَو فرض أَن الْوَصْف الْمَذْكُور مُنَاسِب لَيْسَ بمرسل أبطلنا كَون التَّعْلِيل بِهِ إِثْبَاتًا للعلية بِالْقِيَاسِ، إِذْ (لَا يتَصَوَّر ذَلِك) أَي إِثْبَاتهَا بِهِ على ذَلِك التَّقْدِير أَيْضا كَمَا لَا يتَصَوَّر على تَقْدِير الْإِرْسَال (لِأَن الْوَصْف الأَصْل) أَي مَعَ الْمَوْجُود مَعَ الحكم فِي الأَصْل (أَن تثبت عليته بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة عِنْد من يَقُول بِهِ) أَي بثبوتها بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة (فَإِذا وجدت) تِلْكَ (الْمُنَاسبَة فِي) وصف (آخر كَانَ) ذَلِك الآخر (عِلّة بطرِيق الْأَصَالَة) لِأَن الْعلَّة فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هِيَ تِلْكَ الْمُنَاسبَة، وَالْوَصْف الثَّانِي مثل الأول فِيهَا كَمَا سيشير إِلَيْهِ (لَا) أَن علية الثَّانِي (بالإلحاق بِالْأولِ لاستقلالها) أَي الْمُنَاسبَة (بِإِثْبَات) علية (مَا تحققت) تِلْكَ الْمُنَاسبَة (فِيهِ) وَقد تحققت بِعَينهَا فِي الْوَصْف الثَّانِي، غَايَة الْأَمر وجودهَا فِي الأَصْل فِي ضمن الْوَصْف الأول لَا الثَّانِي،

مسئلة

وَهَذَا الْفرق لَا يصحح الْإِلْحَاق (وَإِن ثبتَتْ) علية الأول (بِالنَّصِّ ثمَّ عقلت مناسبتها) أَي مُنَاسبَة تِلْكَ الْعلَّة للْحكم (وَوجدت) تِلْكَ الْمُنَاسبَة (فِيمَا) أَي فِي وصف (لم ينص عَلَيْهِ) أَي على عليته (فَكَذَلِك) أَي كَانَ مَا لم ينص عَلَيْهِ عِلّة بطرِيق الْأَصَالَة (للاستقلال) أَي استقال الْمُنَاسبَة بِإِثْبَات علية مَا تحققت فِيهِ (وَحَاصِله) أَي هَذَا التَّعْلِيل (حِينَئِذٍ ثُبُوت علية وصف بِالنَّصِّ. و) ثُبُوت علية وصف (آخر بالمناسبة) الَّتِي كَانَ علية الأول باعتبارها، وَلَا يَنْبَغِي أَن يَقع فِي مثله خلاف فَتَأمل. (فَالْوَجْه أَن يقصر الْخلاف على مثل حمل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ) أَي الضَّابِط فِي مثل حمله: يَعْنِي قِيَاسه (أَن ينص على عِلّة منضبطة بِنَفسِهَا) لَا بِمَا يُقَام مقَامهَا (فَيلْحق بهَا) أَي بِتِلْكَ الْعلَّة (مَا تصلح) أَن تكون (مَظَنَّة لَهَا) أَي لتِلْك الْعلَّة (فَيثبت مَعهَا) أَي مَعَ المظنة (حكم المنصوصة كَمَا ألحق) عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (الشّرْب) أَي شرب الْخمر (بِالْقَذْفِ) فِي الْحَد بِهِ ثَمَانِينَ (بِجَامِع الافتراء) بَينهمَا (لكَونه) أَي شربهَا (مظنته) أَي الافتراء، فالافتراء وَهُوَ نِسْبَة الْمُحصن إِلَى الزِّنَا عِلّة للحد منضبطة بِنَفسِهَا، وَهُوَ ظَاهر، وَقد نَص على علته فِي الْكتاب وَالسّنة، وَشرب الْخمر مَظَنَّة الافتراء وإلحاق الشّرْب بِالْقَذْفِ بِجَامِع الافتراء يسلتزم إِلْحَاق الافتراء المظنون بالافتراء الْمُتَيَقن فِي الْعلية للحد، فَمثل هَذَا يُقَال فِيهِ إِثْبَات الْعلية بِالْقِيَاسِ، وللخلاف فِيهِ وَجه ظَاهر للتفاوت الْبَين بَين الافتراء الْمُحَقق والمظنون، وَلذَا قَالَ فَالْوَجْه إِلَى آخِره. مسئلة قَالَ (الْحَنَفِيَّة لَا تثبت بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ (الْحُدُود لاشتمالها) أَي الْحُدُود (على تقديرات لَا تعقل) كعدد الْمِائَة فِي الزِّنَا والثمانين فِي الْقَذْف، فَإِن الْعقل لَا يدْرك الْحِكْمَة فِي اعْتِبَار خُصُوص هَذَا الْعدَد، وَالْقِيَاس فرع تعقل الْمَعْنى فِي حكم الأَصْل (وَمَا يعقل) مَعْنَاهُ من الْحُدُود (كالقطع) ليد السَّارِق لجنايتها بِالسَّرقَةِ، وَزِيَادَة اختصاصها فِي الْأَخْذ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْأَعْضَاء (فللشبهة) أَي فَلَا يثبت بِالْقِيَاسِ لمَكَان الشُّبْهَة فِي الْقيَاس لاحْتِمَاله الْخَطَأ، وَالْحُدُود تدرأ بِالشُّبُهَاتِ كَمَا نطق بِهِ الحَدِيث، وَقد سبق فِي مسئلة: خبر الْوَاحِد فِي الْحَد مَقْبُول. وَقَالَ غير الْحَنَفِيَّة يثبت بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (قَالُوا: أَدِلَّة الْقيَاس) الدَّالَّة على حجتيه (معممة) حجيته للحدود وَغَيرهَا فَيجب الْعَمَل بِمُوجب تعميمها (قُلْنَا) عُمُوم حجيته إِنَّمَا هُوَ (فِي مُسْتَكْمل الشُّرُوط اتِّفَاقًا) أَي فِي قِيَاس استجمع جَمِيع الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة فِي صِحَة الْقيَاس بالِاتِّفَاقِ وَمَا يَقع فِي الْحُدُود من الْقيَاس وَلَيْسَ بمستكمل لَهَا، فَإِن من الشُّرُوط أَن يكون حكم الأَصْل مَعْقُول

مسئلة

الْمَعْنى: وَمِنْهَا أَن لَا يكون مِمَّا يندرئ بِالشُّبْهَةِ، غير أَن الْخصم يناقش فِي الثَّانِي (وانتهاض أثر عَليّ) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ مَا ذكر من إِلْحَاقه الشّرْب بِالْقَذْفِ فِي إِثْبَات حَده (عَلَيْهِم) أَي الْحَنَفِيَّة كَمَا ذكر المجيزون (مَوْقُوف على إِجْمَاع الصَّحَابَة على صِحَة طَرِيقه) الَّذِي هُوَ الْقيَاس على الْقَذْف. (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة فِي قصَّته الْإِجْمَاع الْمَذْكُور إِجْمَاعهم لَيْسَ على طَرِيقه، بل (إِنَّه) أَي إِجْمَاعهم (على حكمه) الَّذِي هُوَ وجوب جلد ثَمَانِينَ (باجتماع دلالات سمعية عَلَيْهِ) أَي على حكمه (كَمَا ذَكرنَاهَا فِي الْفِقْه) فِي حد الشّرْب من شرح الْهِدَايَة. وَفِي أصُول الْفِقْه للْإِمَام أبي بكر الرَّازِيّ أَن اتِّفَاق الصَّحَابَة على إِثْبَات حد الْخمر قِيَاسا إبِْطَال لأصلكم فِي عدم إِثْبَات الْحُدُود قِيَاسا. وَالْجَوَاب بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب فِي حد الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وروى أَنه ضربه أَرْبَعُونَ رجلا كل رجل بنعله ضربتين، فتحروا فِي اجتهادهم مُوَافَقَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجعلوه ثَمَانِينَ ونقلوا الضَّرْب عَن الجريد وَالنعال إِلَى السَّوْط وَلم يبتدئوا إِيجَاب الْحَد بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ الْمَمْنُوع. ثمَّ أَن الْكَفَّارَات فِي هَذَا كالحدود، بل قيل أَن المُرَاد بهَا مَا يَتَنَاوَلهَا. مسئلة (تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط) للْحكم الشَّرْعِيّ (ليحكم فِي محاله) أَي محَال تحقق المناط (بِحكمِهِ) أَي حكم المناط، وَالْبَاء صلَة الحكم: يَعْنِي كَون الْمُجْتَهد مُكَلّفا فِي حكم شَرْعِي بِأَن يبْذل جهده فِي تَحْصِيل علته شرعا لِأَن يحكم بِثُبُوت ذَلِك الحكم فِي كل مَادَّة تحققت تِلْكَ الْعلَّة فِيهَا (جَائِز) خبر لقَوْله تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (عقلا) إِذْ لَا يَتَرَتَّب على فرض وُقُوعه مَحْذُور. (وَقَوْلهمْ) أَي الْأُصُولِيِّينَ التَّكْلِيف (بِالْقِيَاسِ لَا يَصح) بِنَاء (على أَنه) أَي الْقيَاس إِنَّمَا هُوَ (الْمُسَاوَاة) بَين الْفَرْع وَالْأَصْل فِي عِلّة حكمه، والمساواة فعل الله تَعَالَى، وَالْعَبْد لَا يُكَلف إِلَّا بِمَا هُوَ فعله، وَقد تقدم الْكَلَام فِي هَذَا فِي أَوَائِل الْقيَاس، (و) قَوْلهم (إِيجَاب الْعَمَل بِمُوجب الْقيَاس) فِي عنوان المسئلة كَمَا فِي الشَّرْح العضدي بدل قَوْلنَا تَكْلِيف الْمُجْتَهد إِلَى آخِره (فِيهِ قُصُور عَن الْمَقْصُود) أَي فِي كل من الْقَوْلَيْنِ قُصُور، أما فِي الأول، فباعتبار أَنه لَو سلم كَون الْقيَاس هُوَ الْمُسَاوَاة لم يرد تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِنَفس الْمُسَاوَاة بل بمعرفتها بالأمارات، وَأما الثَّانِي فَلِأَن إِيجَاب الْعَمَل بِهِ إِنَّمَا يكون بعد تحَققه، والنزاع فِي أَنه هَل يُكَلف بِالنّظرِ والفحص ليظْهر وجوده أَولا، وعَلى الثَّانِي هَل يجوز التَّكْلِيف أم لَا؟ وَهَذَا محصول مَا نَقله الشَّارِح عَن المُصَنّف فِي تَوْجِيه الثَّانِي (لَا وَاجِب) مَعْطُوف على قَوْله جَائِز: أَي التَّكْلِيف بِمَا ذكر لَيْسَ بِوَاجِب عقلا (كالقفال) الشَّاشِي (وَأبي

الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ: أَي كوجوب قَالَا بِهِ لِئَلَّا يلْزم خلو الوقائع عَن الْأَحْكَام فَإِنَّهَا لَا تَنْحَصِر والنصوص محصورة وَالْقِيَاس كافل بهَا، وَأَشَارَ إِلَى جوابهما بقوله (وَلُزُوم خلو وقائع) عَن الحكم (لولاه) أَي تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (مُنْتَفٍ لانضباط أَجنَاس الْأَحْكَام وَالْأَفْعَال) أَي أَفعَال الْعباد الَّتِي تتَعَلَّق بهَا الْأَحْكَام (وَإِمْكَان إفادتها) أَي إِفَادَة أجناسها الْمُتَعَلّقَة بالأفعال (العمومات) بِالرَّفْع على أَنه فَاعل إفادتها فَهِيَ مُضَافَة إِلَى الْمَفْعُول: مثل كل ذِي نَاب من السبَاع حرَام، وكل مُسكر حرَام وكل مَكِيل أَو مطعوم رِبَوِيّ (وَلَو لم تفدها) أَي العمومات الْأَحْكَام كلهَا (ثَبت فِيهَا) أَي فِي الوقائع الَّتِي لم يفد حكمهَا (حكم الأَصْل) وَهُوَ الْإِبَاحَة (فَلَا خلو) لواقعة عَن الحكم، فَلَا وجوب لعدم الْمُوجب (وَلَا مُمْتَنع عقلا) كَمَا ذهب إِلَيْهِ الزيدية وَبَعض الْمُعْتَزلَة مِنْهُم النظام، لكنه قَالَ فِي شريعتنا خَاصَّة وَإِنَّمَا قُلْنَا جَائِز (إِذْ لَا يلْزم إِلْزَامه) أَي الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (محَال) فَاعل لَا يلْزم، وَلَا يَعْنِي بِالْجَوَازِ إِلَّا عدم لُزُوم محَال، لَا لنَفسِهِ وَلَا لغيره (وَكَون) اتِّبَاع (الظَّن مَمْنُوعًا عقلا لاحْتِمَاله) أَي الظَّن (الْخَطَأ) وَالْقِيَاس لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن فَيجب الِاحْتِرَاز عَن مَحْذُوف فَلَا تَكْلِيف بِمَا يَئُول إِلَيْهِ (مَمْنُوع) إِذْ لَا يمْتَنع فِيمَا يغلب فِيهِ جَانب الصَّوَاب (بل أَكثر تَصَرُّفَات الْعُقَلَاء لفوائد غير متيقنة) كَيفَ وَإِلَّا يلْزم ترك الزَّرْع وَالتِّجَارَة والتعلم إِلَى غير ذَلِك لعدم تَيَقّن حُصُول النتيجة (وَبِه) أَي لكَون أَكثر التَّصَرُّفَات كَذَا (ظهر إِيجَابه) أَي الْعقل (الْعَمَل عِنْد ظن الصَّوَاب) كَيفَ وَلَوْلَا إِيجَابه ذَلِك لما اتّفق الْعُقَلَاء فِي مُبَاشرَة تِلْكَ التَّصَرُّفَات بِكَمَال الاهتمام لتَحْصِيل الْفَوَائِد مَعَ إِمْكَان عدم ترتبها على الْعَمَل (وَثَبت) إِيجَاب الْعَمَل عِنْد ظن الصَّوَاب (شرعا) يعلم ذَلِك (بتتبع موارده) أَي الشَّرْع كَمَا سبق فِي خبر الْوَاحِد الْعدْل إِلَى غير ذَلِك من الْأَدِلَّة الظنية (وَثُبُوت الْجمع) شرعا (بَين المختلفات) كالتسوية بَين قتل الْمحرم الصَّيْد عمدا وَخطأ فِي الْفِدَاء وَبَين زنا الْمُحصن وردة الْمُسلم فِي الْقَتْل إِلَى غير ذَلِك (و) ثُبُوت (الْفرق) شرعا (بَين المتماثلات) كَقطع السَّارِق للقليل دون غَاصِب الْكثير مَعَ تماثلهما فِي أَخذ مَال الْغَيْر وَجلد من نسب الْعَفِيف إِلَى الزِّنَا، دون من نسب الْمُسلم إِلَى الْكفْر مَعَ تماثلهما فِي نِسْبَة الْمحرم إِلَى الْمُسلم (إِنَّمَا يستلزمه) أَي كَون التَّكْلِيف بِمَا ذكر مستحيلا الْقيَاس وَهُوَ إِلْحَاق النظير بالنظير وَهُوَ غير مُعْتَبر شرعا، بل قد يعْتَبر خِلَافه (لَو لم يكن) الْجمع بَين المختلفات فِي الحكم الْوَاحِد (بِجَامِع) وصف اشتركت فِيهِ يُوجب (التَّمَاثُل) بَينهَا، لِأَن المختلفات يجوز اجتماعها فِي صفة بهَا يحصل تماثلها وَكَون تِلْكَ الصّفة عِلّة لحكم فيشترك فِي الحكم (أَو) لم يكن الْفرق بَين المتماثلات لوُجُود (فَارق) بَينهَا (تَقْتَضِيه) أَي الْفرق بَينهمَا فِي الحكم وعلته، وَلَا شكّ أَن اشتراكهما فِي الحكم فِي الأَصْل إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ مَا بِهِ التَّمَاثُل عِلّة لَهُ، وَلَا يكون لَهُ فِي الأَصْل معَارض يقتضى

حكما آخر وَلَا فِي الْفَرْع معَارض أقوى، وكل ذَلِك غير مَعْلُوم (وَلَا) مُمْتَنع (سمعا) أَيْضا (خلافًا للظاهرية والقاساني) بِالسِّين الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بتركستان (والنهرواني) هَكَذَا فِي الْكَشْف، وروى بعض الْأُصُولِيِّينَ عَنْهُم إِنْكَار وُقُوعه، وَذكر الْآمِدِيّ أَنهم اتَّفقُوا على وُقُوع ذِي الْعلَّة الْمَخْصُوصَة والمومى إِلَيْهَا. وَقَالَ السُّبْكِيّ وَهُوَ الْأَصَح فِي النَّقْل عَنْهُم، كَذَا ذكر الشَّارِح لَكِن المُصَنّف اخْتَار مَا فِي الْكَشْف لما ترجح عِنْده من النَّقْل (واستدلالهم) أَي الظَّاهِرِيَّة وَمن مَعَهم على الِامْتِنَاع (بِأَن فِي حكمه) أَي الْقيَاس (اخْتِلَافا) بَين الْعلمَاء، فَمنهمْ من قَالَ بِجَوَازِهِ، وَمِنْهُم من لم يجوزه، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد اخْتلَافهمْ فِي حكم حَادِثَة وَاحِدَة بِحَسب مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ قِيَاس كل وَاحِد مِنْهُم، بل هَذَا هُوَ الْأَظْهر (فَهُوَ) أَي الْقيَاس (مَرْدُود لِأَنَّهُ من عِنْد غير الله) تَعَالَى لقَوْله تَعَالَى - {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} - فَإِنَّهُ يدل على أَن مَا هُوَ من عِنْد الله تَعَالَى لَا يكون فِيهِ اخْتِلَاف، وَمَا من عِنْد غَيره يكون فِيهِ، وَإِلَّا لم يَصح الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الِاخْتِلَاف على كَونه من عِنْد الله تَعَالَى، وَمَا كَانَ من عِنْد غير الله تَعَالَى فَهُوَ مَرْدُود (مَدْفُوع) خبر لقَوْله استدلالهم (بِمَنْع كَون الِاخْتِلَاف الْمُوجب للرَّدّ فِي الْآيَة مَا) أَي الِاخْتِلَاف الْكَائِن (فِي) بعض (الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة، فَإِن هَذَا غير مَرْدُود بل هُوَ وَاقع ومقبول إِجْمَاعًا كَمَا قيل اخْتِلَاف الْعلمَاء رَحْمَة، وَكَون الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور فِي الْآيَة مُوجبا للرَّدّ لِأَنَّهُ ذكر فِي معرض الذَّم وَالنَّقْص اللَّائِق بمقام الْعباد، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ المثابة فَهُوَ غير مَقْبُول (بل) الِاخْتِلَاف الْمُوجب للرَّدّ (التَّنَاقُض) فِي الْمَعْنى (والقصور) عَن البلاغة الَّتِي وَقع التحدي والإلزام بِأَن يكون الْقُرْآن بعض أخباره مناقضا للْبَعْض أَو مستلزما لنقيض الْبَعْض أَو يكون بعضه ركيكا من حَيْثُ تكون الْمَعْنى أَو النّظم أَو فصيحا لم يبلغ دَرَجَة الإعجاز فَإِن قلت كثيرا من الْكتب المصنفة لَا اخْتِلَاف فِيهِ قُلْنَا لَو سلم لَعَلَّ المُرَاد لُزُوم الِاخْتِلَاف لكتاب من عِنْد غير الله تَعَالَى مفترى بِهِ على الله عز وَجل ليتميز الْكَاذِب من الصَّادِق (وتبيانا لكل شَيْء) مَعْطُوف على قَوْله بِأَن: أَي واستدلالهم بقوله عز وَجل - {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء} - (وَنَحْوه) كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين} - تَقْرِيره لَو أَخذ بعض الْأَحْكَام من الْقيَاس لما كَانَ كِتَابه تبيانا لكل شي، وَلما كَانَ كل الْأَحْكَام فِي الْكتاب الْمُبين، وَالْخَبَر مَحْذُوف بِقَرِينَة مَا سبق: أَي مَدْفُوع بِمَنْع إِرَادَة الْعُمُوم، إِذْ هُوَ (مَخْصُوص قطعا) فَلَا حَاجَة حِينَئِذٍ إِلَى التَّقْدِير، وَهُوَ: أَي كل شَيْء فِيهِ: أَي فِي الْكتاب الْمُبين، وَالْخَبَر محذف أَن أُرِيد تَفْصِيل كل شَيْء، إِذْ لَيْسَ كل الْأَشْيَاء مفصلة فِي الْقُرْآن، وَفِي بعض النّسخ وتبيانا لكل شَيْء وَنَحْوه مَخْصُوص فَلَا حَاجَة إِلَى التَّقْدِير (أَو هُوَ) أَي كل شَيْء (فِيهِ) أَي فِي الْكتاب

(إِجْمَالا) وَلَو بالإحالة إِلَى السّنة أَو الْقيَاس (فَجَاز) أَن يكون (فِيهِ) أَي فِي الْكتاب إِجْمَالا وَهُوَ (حكم الْقيَاس) وَهُوَ الحكم الْحَاصِل فِي الْفَرْع قِيَاسا على الأَصْل (فيعلمه الْمُجْتَهد) بعد الِاجْتِهَاد (كَمَا جَازَ) أَن يكون (الْكل) أَي كل شَيْء (فِيهِ) أَي الْكتاب (ويعلمه النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قيل جمع الْعلم: أَي الْقُرْآن، لَكِن تقاصرت عَنهُ الأفهام (مَعَ أَنه) أَي الِاسْتِدْلَال بالآيتين (مُسْتَلْزم أَن لَا يكون غير الْقُرْآن) من السّنة وَالْإِجْمَاع أَيْضا (حجَّة) تعين مَا ذَكرُوهُ فِي نفي حجية الْقيَاس (وَهُوَ) أَي انْتِفَاء حجية غير الْقُرْآن (مُنْتَفٍ عِنْدهم) أَي المانعين (أَيْضا) فَمَا هُوَ جوابهم فَهُوَ جَوَابنَا (وَبِه) أَي بِهَذَا الاستلزام: أَي بِانْتِفَاء هَذَا اللَّازِم (يبعد نِسْبَة هَذَا) الِاسْتِدْلَال (لَهُم) أَي إِلَيْهِم (على) وَجه (الِاقْتِصَار) على نفي الْقيَاس لبعد الْغَفْلَة عَن وُرُود هَذَا النَّقْص الظَّاهِر (وَأما) الْجَواب عَن استدلالهم بهما على مَا ذكره صدر الشَّرِيعَة من أَن الْقُرْآن تبيان للْقِيَاس (بِاعْتِبَار دلَالَته) أَي الْقُرْآن (على حكم الأَصْل نصا، و) على (حكم الْفَرْع دلَالَة) قد سبق أَن دلَالَة اللَّفْظ على حكم مَنْطُوق بمسكوت يفهم مناطه بِمُجَرَّد فهم اللُّغَة يُسمى دلَالَة فِي الِاصْطِلَاح (فَلَيْسَ) بِصَحِيح (وَإِلَّا) أَي وَإِن صَحَّ مَا ذكره (فَكل قِيَاس مَفْهُوم مُوَافقَة) أَي فَيلْزم أَن يكون كل قِيَاس مَدْلُول اللَّفْظ بِاعْتِبَار حكمه الْأَصْلِيّ نصا، والفرعي دلَالَة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة كدلالة النَّهْي عَن التأفيف على حرمته نصا، وعَلى حُرْمَة الضَّرْب دلَالَة، وَكَون كل قِيَاس كَذَا بَاطِل بالِاتِّفَاقِ (مَعَ أَنه) أَي كَون الْقُرْآن دَالا على أَحْكَام الْأُصُول كلهَا (مَمْنُوع فِي) الْأَشْيَاء (السِّتَّة) الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ وَالْملح بالملح (أصُول) حكم (الرِّبَا) الْمَنْصُوص عَلَيْهَا فِي السّنة عطف بَيَان للستة (و) فِي (كثير) من الْأُصُول الْمَقِيس عَلَيْهَا (بل) بَيَان أَمْثَالهَا إِنَّمَا هُوَ (بِالسنةِ فَقَط، وَحَدِيث) لم يزل أَمر بني إِسْرَائِيل مُسْتَقِيمًا حَتَّى كثرت فيهم أَوْلَاد السبايا، و (قاسوا مَا لم يكن على مَا كَانَ فضلوا) وأضلوا أخرجه الْبَزَّار، وَفِي سَنَده قيس بن الرّبيع فِيهِ مقَال، وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ وَأَبُو عوَانَة بِإِسْنَاد صَحِيح من قَول عُرْوَة (لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ) لِأَن المُرَاد مِنْهُ نصب الشَّرَائِع بِالْأَدَاءِ بِقِيَاس غير الْمَشْرُوع على الْمَشْرُوع من غير جَامع منَاط للْحكم دَال على كَون الثَّانِي مثل الأول فِيهِ (قَالُوا) أَي المانعون لَهُ سمعا أَيْضا (أرشد إِلَى تَركه) أَي الْقيَاس (بِإِيجَاب الْحمل على الأَصْل) وَهُوَ الْإِبَاحَة والبراءة الْأَصْلِيَّة (فِيمَا لم يُوجد فِيهِ نَص) قَوْله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ} محرما على طاعم يطعمهُ - الْآيَة، فَكل مَا لم يُوجد فِي الْكتاب محرما لَا يحرم بل يبْقى على الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة (الْجَواب) أَنه (إِنَّمَا يُفِيد) مَا ذكر من الْآيَة (منع إِثْبَات الْحُرْمَة ابْتِدَاء بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهَا نزلت لرد

مَا ذكر قبلهَا من تَحْرِيم الْكفَّار الْمَذْكُورَات من عِنْد أنفسهم ابْتِدَاء من غير الحاق لَهَا بِمَا حرمه الله للاشتراك فِي منَاط التَّحْرِيم، فَإِن الْمحرم عِنْد نزُول الْآيَة إِذا انحصر فِيمَا ذكر فِيهَا وَلَا شَيْء مِنْهُ يصلح لِأَن يلْحق بِهِ مَا حرمه الْكفَّار، فَلَو حرم الرَّسُول مَا حرمُوهُ لزم إِثْبَات الْحُرْمَة ابْتِدَاء (وَبِه) أَي بِمَنْع إِثْبَاتهَا ابْتِدَاء (بقول كَمَا) قُلْنَا فِيمَا (لم يدْرك مناطه) لأَنا شرطنا فِي الْقيَاس كَون حكم الأَصْل مَعْقُول الْمَعْنى (قَالُوا) أَيْضا الْقيَاس (ظَنِّي) فَلَا يجوز إِثْبَات حق الشَّارِع وَهُوَ الحكم الشَّرْعِيّ لقدرته على الْبَيَان الْقطعِي بِخِلَاف حُقُوق الْعباد فَإِنَّهَا تثبت بِقَيْد الظَّن كَالشَّهَادَةِ لعجزهم عَن الْإِثْبَات بقطعي (لَا) أَنه (كَخَبَر الْوَاحِد) فَإِنَّهُ بَيَان من جِهَة الشَّرْع قَطْعِيّ، والشبهة إِنَّمَا عرضت فِي طَرِيق الِانْتِقَال إِلَيْنَا فَلَا يُفِيد الْقطع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا (وَجَوَابه مَا مر فِي مسئلة تَقْدِيمه) أَي خبر الْوَاحِد (عَلَيْهِ) أَي الْقيَاس: من أَن الِاحْتِجَاج بالْخبر الْحَاصِل الْآن وَهُوَ مظنون فَلَا ينفع كَونه يُفِيد الْقطع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِغَيْر وَاسِطَة، وَالْفرق الْمَذْكُور بَين الْحَقَّيْنِ سَاقِط، لِأَن التَّوَجُّه إِلَى جِهَة الْقبْلَة مَحْض حق الله تَعَالَى، وَقد أطلق لنا الْعَمَل فِيهِ بِالرَّأْيِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وسعنا مَا هُوَ أقوى من ذَلِك، وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي الْأَحْكَام (ثمَّ بعد جَوَازه) أَي تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (وَقع) التَّكْلِيف بِهِ (سمعا، قيل) ثَبت وُقُوعه (ظنا) وَهَذَا القَوْل (لأبي الْحُسَيْن، وَلذَا) أَي لوُقُوعه ظنا عِنْده (عدل) فِي إثْبَاته (إِلَى مَا تقدم) من الدَّلِيل الْعقلِيّ الْمُفِيد للْقطع بظنه لِأَنَّهُ أصل ديني لَا يَكْفِي فِيهِ الظَّن (وَقيل) وَقع (قطعا) وَهُوَ قَول الْأَكْثَر (لقَوْله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار}) فَإِن الِاعْتِبَار رد الشَّيْء إِلَى نَظِيره بِأَن يحكم عَلَيْهِ بِحكمِهِ، وَكَذَا سمى الأَصْل الَّذِي ترد إِلَيْهِ النَّظَائِر عِبْرَة، وَهَذَا يَشْمَل الاتعاظ، وَالْقِيَاس الْعقلِيّ، والشرعي، وَسِيَاق الْآيَة للاتعاظ، فتدل عَلَيْهِ عبارَة، وعَلى الْقيَاس إِشَارَة (وَكَونه) أَي وَكَون عُمُوم - اعتبروا (مَخْصُوصًا بمادة انْتَفَت) فِيهَا (شَرَائِطه) أَي الْقيَاس فَإِنَّهَا خَارِجَة عَنهُ (وَاحْتِمَال كَونه) أَي اعتبروا (للنَّدْب، وَكَونه للحاضرين) عِنْد نُزُولهَا فَقَط (و) احْتِمَال (إِرَادَة الْمرة) الْوَاحِدَة من الِاعْتِبَار وَإِرَادَة الْعَمَل بِهِ (وَفِي بعض الْأَحْوَال والأزمنة) وَغير ذَلِك مِمَّا يقتضى عدم إِرَادَة الْعُمُوم (لَا يَنْفِي الْقطع بِهِ) أَي بِوُقُوع التَّكْلِيف بِهِ، وَأما فِي الأول فنقطع بِمَا عدا مَا خص بِهِ (لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص الْمَذْكُور (تَخْصِيص بِالْعقلِ) والمخصص قَطْعِيّ فِي غير مَا خص بِهِ، وَأما فِي الْبَاقِي فَلَمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَلَيْسَ بِكُل تَجْوِيز عَقْلِي ينتفى الْقطع) فَلَا عِبْرَة بباقي الِاحْتِمَالَات وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الْقطع بِالشُّبْهَةِ الناشئة عَن الدَّلِيل كَمَا تقرر فِي مَحَله (وَإِلَّا انْتَفَى) الْقطع (عَن السمعيات) لِأَنَّهُ لم يسلم شَيْء مِنْهَا عَن تجويزها عقلا فَلَا يتَمَسَّك بِشَيْء مِنْهَا (وَأما ظُهُور كَونه) أَي الِاعْتِبَار (فِي الاتعاظ بِالنّظرِ إِلَى خُصُوص

السَّبَب) لنزول الْآيَة الْمشَار إِلَيْهَا بقوله (ولبعد) أَن يُرَاد بقوله تَعَالَى - {فاعتبروا} - بعد قَوْله (يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم) وأيدي الْمُؤمنِينَ (فقيسوا الذّرة بِالْبرِّ) كَمَا هُوَ لَازم الِاسْتِدْلَال لعدم الْمُنَاسبَة، فَلَا يحمل كَلَامه تَعَالَى عَلَيْهِ، وَالْجَوَاب عَنهُ مَا أَفَادَهُ بقوله (فَالْعِبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ) لَا لخُصُوص السَّبَب، فَانْتفى الأول: وَهُوَ ظُهُور كَونه للاتعاظ (وَبِه) أَي بِأَن الْعبْرَة لعمومه (انْتَفَى الثَّانِي) أَيْضا (إِذْ الْمُرَتّب) على السَّبَب الْمَذْكُور الِاعْتِبَار (الْأَعَمّ مِنْهُ) أَي من قِيَاس الذّرة على الْبر (أَي فاعتبروا الشَّيْء بنظيره فِي مناطه) الظّرْف مُتَعَلق بنظيره لما فِيهِ من معنى الْفِعْل (فِي المثلات) أَي الْعُقُوبَات جمع مثلَة بِفَتْح الثَّاء وَضمّهَا مُتَعَلق بِالِاعْتِبَارِ (وَغَيرهَا وَهَذَا) الطَّرِيق فِي إِثْبَات التَّكْلِيف بِالْقِيَاسِ (أيسر من إثْبَاته) أَي التَّكْلِيف بِهِ (دلَالَة) كَمَا ذهب إِلَيْهِ صدر الشَّرِيعَة، لِأَن فهم الْأَمر بِالْقِيَاسِ من الْأَمر بِالِاعْتِبَارِ بطرِيق اللُّغَة من غير اجْتِهَاد لِئَلَّا يلْزم إِثْبَات الْقيَاس بِالْقِيَاسِ بعيد جدا، فَإِن من الْمَعْلُوم أَنه لَا يفهم كل من يعرف اللُّغَة ذَلِك كَمَا أَفَادَهُ بقوله (إِذْ لَا يفهم فهم اللُّغَة) نصب على المصدرية، فَإِن الْمَنْفِيّ إِنَّمَا هُوَ هَذَا النَّوْع من الْفَهم لَا مطلقه (الْأَمر بِالْقِيَاسِ) قَائِم مقَام فَاعل يفهم (فِي الْأَحْكَام) مُتَعَلق بِالْقِيَاسِ (من) الْأَمر ب (الاتعاظ). وَالشَّارِح تعقب المُصَنّف فِي هَذَا فَليرْجع إِلَيْهِ، وظني أَن مَا ذكره غير مُتَّجه (وَأَيْضًا قد تَوَاتر عَن كثير من الصَّحَابَة الْعَمَل بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ عِنْد عدم النَّص وَإِن كَانَت التفاصيل آحادا، فَإِن الْقدر الْمُشْتَرك متواتر (وَالْعَادَة قاضية فِي مثله) أَي فِي مثل الْعَمَل بِالْقِيَاسِ من كثير من الصَّحَابَة (بِأَنَّهُ) أَي الْعَمَل الْمَذْكُور إِنَّمَا يكون (عَن قَاطع فِيهِ) أَي الْعَمَل بِهِ وَإِن لم نعلمهُ على التَّعْيِين (وَأَيْضًا شاع مباحثتهم فِيهِ) أَي فِي الْعَمَل بِالْقِيَاسِ (وترجيحهم) بعض الْقيَاس على بعض (بِلَا نَكِير) لذَلِك (فَكَانَ) ذَلِك (إِجْمَاعًا مِنْهُم على حجيته لقَضَاء الْعَادة بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ إِجْمَاعًا قَطْعِيا (فِي مثله من أصُول الدّين لَا سكُوتًا) أَي لَا إِجْمَاعًا سكوتيا مُفِيدا للظن، فَإِن ترك الْإِنْكَار فِي أَمر مُنكر يَجْعَل أصلا من أصُول الدّين على تَقْدِير أَن يَتَقَرَّر فِيمَا بَين الصَّحَابَة بِمَا تحيل الْعَادة وُقُوعه من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ (وَحَدِيث معَاذ) الْمُفِيد حجية الْقيَاس، فِي التَّوْضِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن قَالَ لَهُ بِمَ تقضي؟ قَالَ لَهُ بِمَا فِي كتاب الله. قَالَ فَإِن لم تَجِد فِي كتاب الله؟ قَالَ أَقْْضِي بِمَا قضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ فَإِن لم تَجِد مَا قضى بِهِ رَسُول الله؟ قَالَ أجتهد: فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُوله بِمَا يرضى بِهِ رَسُوله. فَإِنَّهُ (يُفِيد طمأنينة) الطُّمَأْنِينَة فَوق الظَّن لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَه احْتِمَال النقيض، وَإِن كَانَ دون الْيَقِين لاحْتِمَال زَوَاله بالتشكيك (فَإِنَّهُ) أَي الحَدِيث الْمَذْكُور (مَشْهُور) على مَا روى (عَن الْحَنَفِيَّة) فَتثبت بِهِ الْأُصُول فَإِن قيل: الْمَذْكُور فِيهِ الِاجْتِهَاد

وَهُوَ قد يكون بِغَيْر الْقيَاس الْمُتَنَازع فِيهِ كَالْحكمِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّة، وَالْقِيَاس الْمَنْصُوص الْعلَّة، والاستنباط من النُّصُوص الْخفية الدّلَالَة قُلْنَا: الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة لَا تحْتَاج إِلَى الِاجْتِهَاد، ومنصوص الْعلَّة لَا يَفِي بِالْأَحْكَامِ. وَأما الاستنباط من النُّصُوص فَأجَاب عَنهُ بقوله (وَكَون الِاجْتِهَاد) كَمَا يتَحَقَّق فِي الْقيَاس يتَحَقَّق (فِي الْمَنْصُوص) فَلَا يتَعَيَّن إِرَادَة الْقيَاس لَا يرد لِأَنَّهُ (دَاخل فِي قَوْله) أَي معَاذ أقضى بِمَا فِي (كتاب الله وَسنة رَسُوله فَلم يبْق) محمل للِاجْتِهَاد (إِلَّا الْقيَاس). وَفِي بعض النّسخ دَاخِلا على أَنه خبر الْكَوْن، وَهُوَ مجرور على أَنه مَعْطُوف على مَا يفهم من من السِّيَاق كَأَنَّهُ قَالَ لكَونه مَشْهُورا وَلكَون الِاجْتِهَاد إِلَى آخِره، وَهَذَا أقل تَقْدِير (وَالْقطع) حَاصِل (بِأَن إِطْلَاقه) أَي إِطْلَاق جَوَازه لِمعَاذ (لَيْسَ إِلَّا لاجتهاده لَا لخصوصه) فَلَا يرد أَنه يجوز أَن يكون ذَلِك مَخْصُوصًا بمعاذ. ثمَّ أجَاب عَمَّا روى عَن بعض الصَّحَابَة مِمَّا يُوهم نَفْيه بقوله (والمروي عَن جمع من الصَّحَابَة كالصديق والفاروق وَعلي وَابْن مَسْعُود) رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (من ذمَّة) أَي الْقيَاس، عَن الصّديق أَنه لما سُئِلَ عَن الْكَلَالَة قَالَ: أَي سَمَاء تُظِلنِي، وَأي أَرض تُقِلني؟ إِذا قلت فِي كتاب الله تَعَالَى برأيي. وَعَن الْفَارُوق " اتَّقوا الرَّأْي فِي دينكُمْ: إيَّاكُمْ وَأَصْحَاب الرَّأْي فَإِنَّهُم أَعدَاء السّنة: اتهموا الرَّأْي على الدّين ". وَعَن عَليّ " لَو كَانَ الدّين بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِن الْخُف أولى بِالْمَسْحِ من أَعْلَاهُ ". وَعَن ابْن مَسْعُود " لَا أَقيس شَيْئا بِشَيْء فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا ". وَعنهُ " يحدث قوم يقيسون الْأُمُور برأيهم فينهدم الْإِسْلَام وينثلم " كَمَا ذكر الشَّارِح مخرجها إِلَّا الأول، ثمَّ بعد صِحَّته عَنْهُم (فالقطع بِأَنَّهُ) أَي الذَّم (فِي غَيره) أَي غير الْقيَاس الشَّرْعِيّ (إِذْ قَاس كثير) من الصَّحَابَة قَول الرجل: أَنْت عَليّ (حرَام عَليّ) قَوْله: أَنْت (طَالِق) فِي وُقُوع وَاحِدَة رَجْعِيَّة. وَنقل الشَّارِح عَن بَعضهم مَا يُخَالف هَذَا فِي تَفْصِيل ذكره، والعمدة على نقل المُصَنّف وتحقيقه (و) قَاس (على الشَّارِب) للخمر (على الْقَاذِف) فِي الْحَد، وَقد سبق بَيَانه (و) قَاس (الصّديق الزَّكَاة على الصَّلَاة فِي وجوب الْقِتَال) بِالتّرْكِ. فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن عمر قَالَ لأبي بكر كَيفَ تقَاتل النَّاس؟ فساقه إِلَى قَول أبي بكر: وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة: الحَدِيث (وَفِيه) أَي فِي قِيَاس أبي بكر هَذَا (إِجْمَاع الصَّحَابَة أَيْضا، وَورث) أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (أم الْأُم لَا أم الْأَب) لما اجتمعتا (فَقيل لَهُ) وَالْقَائِل عبد الرَّحْمَن بن سهل أَخُو بني حَارِثَة (تركت الَّتِي لَو كَانَت) هِيَ (الْميتَة) وَهُوَ حَيّ (ورث الْكل) مِنْهَا إِذا انْفَرد (اي هِيَ) يَعْنِي أم الْأَب (أقرب) أَي أقوى قرَابَة من أم الْأُم (فشرك) أَبُو بكر (بَينهمَا فِي السُّدس) على السوَاء (و) ورث (عمر المبتوتة بِالرَّأْيِ) فَقَالَ فِي الَّذِي يُطلق امْرَأَته وَهُوَ مَرِيض أَنَّهَا تَرثه فِي الْعدة وَلَا يَرِثهَا، وَهُوَ

مسئلة

مَشْهُور عَن عُثْمَان، رَوَاهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ بِسَنَد صَحِيح (و) قَاس (ابْن مَسْعُود موت زوج المفوضة) قبل الدُّخُول بهَا فِي لُزُوم جَمِيع مهر الْمثل على موت زوج غَيرهَا قبل الدُّخُول بهَا فِي لُزُوم جَمِيع الْمُسَمّى، والمفوضة الَّتِي زَوجهَا بِغَيْر مهر (وَذَلِكَ) أَي الْعَمَل بِالْقِيَاسِ للصحابة (أَكثر من أَن ينْقل) وَإِن كثر فِي النَّقْل (وَاخْتِلَافهمْ) أَي الصَّحَابَة (فِي تَوْرِيث الْجد مَعَ الْأُخوة) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب (كل) مِنْهُم (قَالَ فِيهِ بالتشبيه) فِي مُسْند أبي حنيفَة عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق أَن عمر شاور عليا وَزيد بن ثَابت فِي الْجد مَعَ الْأُخوة، فَقَالَ لَهُ عَليّ: أَرَأَيْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَن شَجَرَة انشعب مِنْهَا غُصْن، ثمَّ انشعب من الْغُصْن غُصْن أَيهمَا أقرب إِلَى أحد الغصنين؟ أصاحبه الَّذِي خرج مِنْهُ أم الشَّجَرَة؟ وَقَالَ زيد: لَو أَن جدولا انْبَعَثَ من ساقية ثمَّ انْبَعَثَ من الساقية ساقيتان أَيهمَا أقرب إِلَى أحد الساقيتين أصاحبتها أم الْجَدْوَل؟ انْتهى: وَلَا يخفى أَن هَذَا لَيْسَ من الْقيَاس الْمُتَنَازع فِيهِ، غير أَنه يلْزم من ثُبُوته ثُبُوته بطرِيق أولى. مسئلة (النَّص) من الشَّارِع (على الْعلَّة يَكْفِي فِي إِيجَاب تَعديَة الحكم بهَا) أَي بِسَبَب الْعلَّة إِلَى غير مَحل الحكم الْمَنْصُوص المشارك لَهُ فِيهَا (وَلَو لم تثبت شَرْعِيَّة الْقيَاس وفَاقا للحنفية وَأحمد والنظام والقاساني) وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ. (وَأَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ) قَالَ: يَكْفِي فِي إِيجَاب تَعديَة الحكم بهَا (فِي التَّحْرِيم) أَي إِذا كَانَت عِلّة لتَحْرِيم الْفِعْل دون غَيره (خلافًا لِلْجُمْهُورِ) فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي عِنْدهم ذَلِك فِي إِيجَابهَا مُطلقًا (لَهُم) أَي الْجُمْهُور (انْتِفَاء دَلِيل الْوُجُوب) لتعدية الحكم ثَابت (وَهُوَ) أَي دَلِيله (الْأَمر) بالتعدية بهَا (أَو الْإِخْبَار بِهِ) أَي بِالْوُجُوب فينتفى الْوُجُوب (وَأما الِاسْتِدْلَال) لَهُم كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره (بِلُزُوم عتق كل أسود لَو قَالَ أعتقت) عَبدِي (غانما لسواده فمردود) كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ القَاضِي عضد الدّين (بِأَنَّهُم) أَي الْحَنَفِيَّة وَمن مَعَهم (لَا يَقُولُونَ بِثُبُوت حكم الْفَرْع من اللَّفْظ ليلزم ذَلِك) اللَّازِم (بل) يَقُولُونَ (أَنه) أَي النَّص على الْعلَّة (دَال على وجوب إِثْبَات الحكم) بهَا على الْمُجْتَهد (أَيْن وجد) الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْعلَّة، وَفِيه أَنهم لَو قَالُوا بِثُبُوت الْفَرْع من اللَّفْظ للَزِمَ ذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك لوُجُود الْفرق بَين كَلَام الشَّارِع وَغَيره. فَإِنَّهُ إِذا نَص على الْعلَّة كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا عَلامَة للْحكم مهما وجدت وجد، لكَون أَحْكَامه غير معللة بالعلل، وَلَيْسَ غَيره كَذَلِك. فَمَعْنَى أعتقت إِلَى آخِره دَعَاني سوَاده إِلَى الاعتاق، وَلَا يسْتَلْزم هَذَا أَن يَدْعُو سَواد غَيره إِلَى ذَلِك فَتَأمل (وَكَذَا) اسْتِدْلَال الْحَنَفِيَّة وَمن مَعَهم (بِأَنَّهُ لَا فرق بَين حرمت الْخمر لإسكارها، وكل

مُسكر إِذا كَانَ) القَوْل الْمَذْكُور صادرا (من وَاجِب الِامْتِثَال) مَرْدُود (لما ذكرنَا) آنِفا من أَنهم لَا يَقُولُونَ بِثُبُوت حكم الْفَرْع من اللَّفْظ (وَالْفرق) بَين مَا نَص فِيهِ على علية علته، وَمَا ذكر من مَادَّة النَّقْض من قبل الْحَنَفِيَّة (بِأَن الْقيَاس حق الله تَعَالَى فَيَكْفِي فِيهِ) أَي فِي ثُبُوت حكمه (الظُّهُور) أَي كَون اللَّفْظ دَالا عَلَيْهِ بِظَاهِرِهِ من غير تَصْرِيح لمزيد الاهتمام بِشَأْنِهِ (وَالْعِتْق زَوَال حق آدَمِيّ فبالصريح) أَي فَيثبت بِالصَّرِيحِ لَا بالظهور، وَقَوله أعتقت إِلَى آخِره لَيْسَ بِصَرِيح (مَمْنُوع بِأَن الْعتْق كَذَلِك) أَي يَكْفِي فِيهِ الظُّهُور (لتشوفه) أَي لتطلع الشَّارِع وَكَمَال توجهه (إِلَيْهِ) أَي الْعتْق فَإِنَّهُ أحب الْمُبَاحَات إِلَيْهِ (وَلِأَن فِيهِ) أَي الْعتْق (حق الله تَعَالَى) لكَونه من الْعِبَادَات (وَلنَا أَن ذكر الْعلَّة) من حَيْثُ هِيَ عِلّة (مَعَ الحكم يُفِيد تعميمه) أَي الحكم (فِي محَال وجودهَا لِأَنَّهُ يتَبَادَر إِلَى فهم كل من سمع حُرْمَة الْخمر لِأَنَّهَا مسكرة) أَي الدَّال على حرمتهَا معللة بالإسكار (تَحْرِيم كل مَا أسكر)، وَفِيه أَنه يُنَافِي مَا مر من أَنهم لَا يَقُولُونَ بِثُبُوت حكم الْفَرْع من اللَّفْظ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد نفي ثُبُوته منطوقا أَو ثُبُوت حكم الْفَرْع بِخُصُوصِهِ فَتَأمل (و) لِأَنَّهُ يتَبَادَر (من قَول طَبِيب لَا تَأْكُله) أَي الشَّيْء الْفُلَانِيّ (لبرودته مَنعه) أَي الْمُخَاطب (من) أكل (كل بَارِد، وَاحْتِمَال كَونه) أَي النَّص على الْعلَّة (لبَيَان حكمته) أَي الحكم (مَعَ منع الْمُجْتَهد من) قِيَاس (مثله) أَي مثل مَحل الحكم الْمَنْصُوص على علته (أَو أَنه) أَي النَّص عَلَيْهَا فِي نَحْو حرمت الْخمر لإسكارها (لخُصُوص إسكار الْخمر) لَا لمُطلق الْإِسْكَار (لَا يقْدَح فِي الظُّهُور) أَي فِي كَونه ظَاهرا فِي الْإِطْلَاق، والظهور كَاف فِي الْقيَاس الْمَبْنِيّ على الظَّن (كاحتمال خُصُوص الْعَام بعد الْبَحْث) والتفحص (عَن الْمُخَصّص) وَعدم العثور عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ) أَي الْعَام (حِينَئِذٍ) أَي حِين بحث عَن مخصصه وَلم يعثر عَلَيْهِ (ظَاهر فِي عدم التَّخْصِيص فَبَطل مَنعه) أَي منع إِيجَاب النَّص على الْعلَّة التَّعْدِيَة (بتجويز كَونه) أَي النَّص على الْعلَّة (لتعقل فَائِدَة شرعيته) أَي الحكم (فِي ذَلِك الْمحل مَعَ قصره) أَي الحكم (عَلَيْهِ) أَي ذَلِك الْمحل وَحَاصِله بَيَان الْحِكْمَة لذَلِك الحكم الْمَخْصُوص بمحله عَن الشَّارِع، فَالْفرق بَين هَذَا وَمَا تقدم عدم التَّقْيِيد بِمَنْع الْمُجْتَهد من مثله صَرِيحًا (وَأبْعد مِنْهُ) أَي من التجويز الْمَذْكُور أَن يُقَال (تَعْلِيل كَونه) أَي تَحْرِيم الْخمر مُعَللا (بإسكارها) خَاصَّة لَا بِمُطلق الْإِسْكَار (بِأَن حُرْمَة الْخمر لَا تعلل بِكُل إسكار) بل بالإسكار الْمُضَاف إِلَيْهَا كَمَا فِي الشَّرْح العضدي، وَقَوله بِأَن صلَة تَعْلِيل (لِأَن الْمُدَّعِي ظُهُور حرمتهَا لِأَنَّهَا مسكرة فِي التَّعْلِيل بالإسكار) الْمُطلق (الدائر فِي كل إسكار، دون الْإِسْكَار الْمُقَيد بِالْإِضَافَة الْخَاصَّة) وَهِي الْإِضَافَة إِلَى الْخمر (لتبادر الْغَايَة) أَي خُصُوص الْإِضَافَة (إِلَى عقل كل من فهم معنى السكر) الْمَأْخُوذ فِي حرمتهَا

لِأَنَّهَا مسكرة، لَا يُقَال قد يُفِيد بالمطلق بِالْقَرِينَةِ وَهِي مَوْجُودَة هَهُنَا لِأَن الْمُعَلل حُرْمَة مُغَلّظَة فيناسبه أَن يكون فِي علته أَيْضا غلظة وَلَا تُوجد تِلْكَ الغلظة فِي الْمُطلق على إِطْلَاقه، لأَنا نقُول هَهُنَا مَا يُقَاوم اعْتِبَار مُقْتَضى وضع اللَّفْظ من الْعُمُوم على أَن الْإِطْلَاق أنسب بِقصد الشَّارِع من حسم مَادَّة الْفساد الْحَاصِل بِكُل مُسكر ثمَّ أيد الأبعدية بقوله (واعترف هَذَا الْقَائِل) يَعْنِي القَاضِي (بإفادة قَول الطَّبِيب لَا تَأْكُله لبرده التَّعْمِيم) أَي الْمَنْع من أكل كل بَارِد (وَهُوَ) أَي حرمته الْخمر إِلَى آخِره (مثله) أَي مثل قَول الطَّبِيب الْمَذْكُور (دون أَن الْمَنْع) فِيهِ إِنَّمَا هُوَ (من ذَلِك الْبَارِد) الْمَخْصُوص فَقَوله دون حَال من قَول الطَّبِيب، يَعْنِي أَن قَوْله يُفِيد التَّعْمِيم حَال كَونه متجاوزا إِفَادَة أَن الْمَنْع إِلَى آخِره (وَلَا يُعلل) الْمَنْع من ذَلِك الْبَارِد (بِكُل برودة) بل ببرودته فَقَوله وَلَا يُعلل إِلَى آخِره حَال من الْمَنْع الْمَذْكُور بعد دون، فَقَوله دون إِلَى آخِره يُفِيد نفي إِفَادَة الْمَنْع من الْبَارِد الْمَخْصُوص مُعَللا ببرودته الْمَخْصُوصَة، واعترافه هَذَا مُخَالف لما ادَّعَاهُ فِي الْخمر (وَفرق الْبَصْرِيّ) بَين التَّحْرِيم وَغَيره (بِأَن ترك الْمنْهِي) بارتكاب مَا نهى عَنهُ (يُوجب ضَرَرا) وَهُوَ وُقُوع مفْسدَة نهى لأَجلهَا (فَيُفِيد) النَّهْي عَنهُ بِهَذَا الِاعْتِبَار (الْعُمُوم وَالْفِعْل لتَحْصِيل مصلحَة) كالتصدق على فَقير للمثوبة (لَا يُوجب) الْفِعْل (كل تَحْصِيل) أَي كل تَحْصِيل مصلحَة حَتَّى يلْزم من فَوَاته الْمصَالح كلهَا (لَا يُفِيد) مَطْلُوبه (بعد ظُهُور أَنه) أَي النَّص على الْعلَّة (من الشَّارِع يُفِيد إِيجَاب اعْتِبَار الْوَصْف) من حَيْثُ أَنه عِلّة (ويستلزم) الْإِيجَاب الْمَذْكُور (وجوب التَّرْتِيب) أَي تَرْتِيب الحكم عَلَيْهِ أَيْنَمَا وجد (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يجب التَّرْتِيب (لَزِمت مُخَالفَة اعْتِبَاره أَي اعْتِبَار الشَّارِع الْوَصْف عِلّة (وَهُوَ) أَي خلاف اعْتِبَاره (مُضر كالنهي) أَي كَمَا أَن مُخَالفَة اعْتِبَاره فِي النَّهْي مُضر (وَهَذَا) الَّذِي ذكرنَا مِمَّا يُخَالف مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور (تَفْصِيل رد دليلهم) أَي الْجُمْهُور (الأول) يَعْنِي انْتِفَاء دَلِيل الْوُجُوب (وَأما مَا ذكر) فِي أصُول ابْن الْحَاجِب وَغَيره (من مسئلة لَا يجرى الْخلاف) أَي بَين مثبتي الْقيَاس (فِي جَمِيع الْأَحْكَام) فِي الشَّرْح العضدي: قد اخْتلف فِي جَرَيَان الْقيَاس فِي جَمِيع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وأثبته شذوذ، وَالْمُخْتَار نَفْيه، ثمَّ نقل عَن الْمَحْصُول أَن النزاع فِي أَنه هَل فِي الشَّرْع جمل من الْأَحْكَام لَا يجرى فِيهَا الْقيَاس أَو ينظر فِي كل مسئلة مسئلة هَل يجْرِي فِيهَا الْقيَاس أم لَا؟ (فمعلومة من الشُّرُوط) ككون حكم الأَصْل مَعْقُول الْمَعْنى، وَكَون الْفَرْع لَا يتَعَيَّن فِيهِ حكم نَص أَو إِجْمَاع إِلَى غير ذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى أَفْرَاد مسئلة فِيهِ، يَعْنِي أَنه علم من الشُّرُوط أَن مَا لَا يُوجد فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوط لَا يجْرِي فِيهِ الْقيَاس فَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى النّظر هَل يجْرِي فِيهِ أم لَا، فَثَبت أَن فِي الشَّرْع

فصل في بيان الاعتراضات الواردة على القياس

جملا لَا يجْرِي فِيهَا (يجب الحكم على الْخلاف الْمَنْقُول على الْإِطْلَاق) بِأَن يَقُول الْبَعْض بِأَنَّهُ لَا يمْتَنع جَرَيَانه فِي مسئلة من الْمسَائِل، وَالْبَعْض الآخر بامتناعه فِي بَعْضهَا (بالْخَطَأ) صلَة الحكم يَعْنِي نقل الْخلاف على هَذَا الْوَجْه خطأ قطعا فَيجب أَن يحكم عَلَيْهِ بالْخَطَأ. فصل فِي بَيَان الاعتراضات الْوَارِدَة على الْقيَاس (يرد على) أَفْرَاد (الْقيَاس أسئلة: مرجع مَا سوى الاستفسار مِنْهَا إِلَى الْمَنْع أَو الْمُعَارضَة) فالمرجع مصدر، لَا اسْم مَكَان، وَألا يلْزم حذف كلمة إِلَى، وَإِنَّمَا قيد بِمَا سواهُ ردا على من أطلق وَهُوَ غير وَاحِد، وَإِلَيْهِ ذهب أَكثر الجدليين، وَوَافَقَهُمْ ابْن الْحَاجِب، وَذهب السُّبْكِيّ إِلَى أَن مرجع الْكل إِلَى الْمَنْع وَحده كَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الجدليين لِأَن الْمُعَارضَة منع لِلْعِلَّةِ عَن الجريان، وَلَا يخفى أَن أدراج النَّقْض الإجمالي فِي الْمَنْع لَهُ وَجه لِأَنَّهُ مُتَعَلق بِالدَّلِيلِ، وَأما الْمُعَارضَة فَلَا تعرض فِيهَا للدليل بل هِيَ إِقَامَة الدَّلِيل على خلاف مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْخصم. (أَولهَا) أَي الأسئلة (الاستفسار) وَهُوَ طلب بَيَان معنى اللَّفْظ (وَلَا يخْتَص) الْقيَاس (بِهِ) بل هُوَ جَار فِي كل خَفِي المُرَاد، وَهُوَ (مُتَّفق) عَلَيْهِ (وَلم يذكرهُ الْحَنَفِيَّة لثُبُوته بِالضَّرُورَةِ) إِذْ طلب الْمُخَاطب بَيَان مَا لَا يفهمهُ من معنى اللَّفْظ، وَكَونه مُتَوَجها بِحَسب الْآدَاب غير خَفِي (وَإِنَّمَا يسمع) الاستفسار وَيقبل (فِي لفظ يخفي مُرَاده) أَي مَا أُرِيد بِهِ (وَألا) أَي وَلَو لم يكن خفِيا (فتعنت) أَي فالاستفسار تعنت وعناد فَلَا يسمع (مَرْدُود) لِأَنَّهُ خلاف مَا شَرط فِي المناظرة من كَونهَا لإِظْهَار الصَّوَاب (وَله) أَي الْمُسْتَدلّ (أَن لَا يقبله) أَي استفسار الْمُعْتَرض (حَتَّى يُبينهُ) أَي الْمُعْتَرض خَفَاء المُرَاد (لِأَنَّهُ) أَي الخفاء (خلاف الأَصْل) لِأَن وضع الْأَلْفَاظ للْبَيَان، وَالظَّاهِر من حَال الْمُتَكَلّم أَن يُرَاعِي ذَلِك، وَالْبَيِّنَة على من يَدعِي خلاف الأَصْل (ويكفيه) أَي الْمُعْتَرض فِي بَيَان الخفاء (صِحَة إِطْلَاقه) أَي اللَّفْظ (لمتعدد وَلَو) كَانَ إِطْلَاقه على الْمعَانِي المتعددة أولى، وَلَو كَانَ ذَلِك المتعدد (بِلَا تساو) بِأَن يكون بعضه أظهر لكَونه حَقِيقَة، بِخِلَاف غَيره أَو مجَازًا وَاضحا قرينته صارفة ومعينة (لِأَنَّهُ) أَي الْمُعْتَرض (يخبر بالاستبهام عَلَيْهِ لتِلْك الصِّحَّة) أَي يَدعِي أَن صِحَة إِطْلَاقه لمتعدد صَارَت سَببا لكَون المُرَاد مِنْهُمَا عِنْدِي فَلَا يضرّهُ كَون المُرَاد أظهر فِي نفس الْأَمر، فَإِنَّهُ بِهَذَا ينْدَفع عَنهُ ظن التعنت، وَيصدق بِظَاهِر عَدَالَته (وَجَوَابه) أَي الاستفسار أَو المستفسر (بَيَان ظُهُوره) أَي اللَّفْظ (فِي مُرَاده) مِنْهُ (بِالْوَضْعِ) أَي بِبَيَان وضع اللَّفْظ لذَلِك المُرَاد، دون مَا يُقَابله (أَو الْقَرِينَة) بِأَن يبين أَن مُرَاده الْمَعْنى الْمجَازِي ويعين قرينته (أَو ذكر مَا أَرَادَ) من غير تعرض للوضع أَو الْقَرِينَة (بِلَا مشاحة تكلّف نقل اللُّغَة) لبَيَان الْوَضع

لما فِيهِ من الكلفة المستغنى عَنْهَا لحُصُول الْمَقْصُود بتفهيم المُرَاد (أَو الْعرف فِيهِ) لبَيَان الْقَرِينَة الناشئة من الْعرف وَنَحْوه، وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْوَضع الْعرفِيّ الَّذِي هجر مَعَه الْوَضع اللّغَوِيّ، وَعند الْبَعْض كَابْن الْحَاجِب يجب أَن يفسره بِمَا يجوز اسْتِعْمَاله فِيهِ كتفسير الثور فِي قَوْله يخرج فِي صَدَقَة الْفطر الثور بالقطعة من الأقط، لَا بِمَا لَا يجوز فَإِنَّهُ من جنس اللّعب الْخَارِج عَن قانون المناظرة الْمَوْضُوعَة لإِظْهَار الصَّوَاب فَلَا يسمع، وَقيل يسمع لِأَن غَايَة الْأَمر أَنه ناظره بلغَة غير مَعْلُومَة، وَفِيه مَا فِيهِ (وَأما) قَوْله فِي بَيَان ظُهُوره (يلْزم ظُهُوره) أَي اللَّفْظ (فِي أَحدهمَا) أَي الْمَعْنيين اللَّذين يُطلق على كل مِنْهُمَا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن ظَاهرا فِي أَحدهمَا (فالإجمال) أَي فَيلْزم الْإِجْمَال لَهُ (وَهُوَ) أَي الْإِجْمَال (خلاف الأَصْل أَو) يلْزم ظهروه (فِيمَا قصدت إِذْ لَيْسَ ظَاهرا فِي الآخر) لموافقتك إيَّايَ على ذَلِك فَإِن قلت يرد على الأول أَنه على تَقْدِير تَسْلِيم لُزُوم ظُهُوره فِي أَحدهمَا لَا يُفِيد الْمَقْصُود لجَوَاز أَن يكون مَا هُوَ ظَاهر فِيهِ غير المُرَاد، وعَلى الثَّانِي أَنه يجوز عدم ظُهُوره فِي شَيْء مِنْهُمَا قلت لَا بُد من ضم كل مِنْهُمَا مَعَ الآخر فحاصل الأول لَا بُد من الظُّهُور فِي أَحدهمَا، وَلَيْسَ بِظَاهِر فِي غير المُرَاد اتِّفَاقًا، وَالثَّانِي يلْزم ظُهُوره فِيمَا قصدت إِذْ لَيْسَ ظَاهرا فِي الآخر، وَقد ثَبت لُزُوم ظُهُوره فِي أَحدهمَا، وَلَا يخفى أَنه يصير مآلهما وَاحِدًا، وَكلمَة أَو للتنويع بِاعْتِبَار التَّقْرِير (فَالْحق نَفْيه) جَوَاب أما: أَي فَالْحق نفي هَذَا الدّفع (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْحق نَفْيه (فَاتَ الْغَرَض) من المناظرة وَهُوَ إِظْهَار الصَّوَاب عِنْد الْخصم (فَإِنَّهُ) أَي الْمُعْتَرض (ذكر عدم فهمه) مُرَاد الْمُسْتَدلّ (فَلم يبين) لَهُ مُرَاده (وَمثله) أَي مثل سُؤال الاستفسار فِي عدم الِاخْتِصَاص بِالْقِيَاسِ (سُؤال التَّقْسِيم) وَهُوَ (منع أحد مَا تردد اللَّفْظ بَينه وَبَين غَيره) وَحَاصِله منع بعد تَقْسِيم وَلما كَانَ مَا يحْتَملهُ اللَّفْظ مُتَعَددًا يصدق على كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه مَا تردد اللَّفْظ بَينه وَبَين غَيره كَانَ مَفْهُوم مَا تردد إِلَى آخِره كليا ذَا أَفْرَاد، وَصَحَّ إِضَافَة أحد إِلَيْهِ غير أَن الْمَنْع يتَوَجَّه إِلَى أحد بِعَيْنِه (مَعَ تَسْلِيم الآخر) سَوَاء كَانَ الْمَانِع (مُقْتَصرا) على ذكر منع ذَلِك الآخر غير متجاوز إِلَى ذكر تَسْلِيم الآخر صَرِيحًا غير أَنه يفهم ضمنا (أَو) مُصَرحًا (بِذكرِهِ) أَي بِذكر التَّسْلِيم أَيْضا (كفى الصَّحِيح الْمُقِيم) أَي كَمَا فَيُقَال: فِي تَعْلِيل إجَازَة التَّيَمُّم للصحيح الْمُقِيم (فقد المَاء فَوجدَ سَبَب التَّيَمُّم) وَهُوَ فَقده (فَيجوز) التَّيَمُّم (فَقَالَ سَبَبِيَّة الْفَقْد) للْمَاء (مُطلقًا أَو) الْفَقْد (فِي السّفر الأول) أَي كَون السَّبَب الْفَقْد مُطلقًا (مَمْنُوع) فيسكت عَن ذكر تَسْلِيم الثَّانِي أَو يَقُول مَعَ ذَلِك وَالثَّانِي مُسلم، وَلَا شكّ أَنه لَا يُفِيد الْمَقْصُود إِذْ الْكَلَام فِي الصَّحِيح الْمُقِيم (وَفِي الملتجئ) أَي وكما يُقَال فِي الْقَاتِل عمدا عُدْوانًا إِذْ الأز بِالْحرم يقْتَصّ مِنْهُ إِذْ (الْقَتْل) الْعمد (الْعدوان سَببه) أَي سَبَب الاقتصاص

مِنْهُ (فيقتص فَيُقَال) الْقَتْل الْعمد الْعدوان سَببه (مُطلقًا) التجأ أَو لم يلتجئ (أَو) هُوَ سَببه (مَا لم يلتجئ، الأول مَمْنُوع) وَالثَّانِي مُسلم لَكِن لَا يُفِيد، لِأَن الْكَلَام فِي الملتجئ، وَقد اخْتلف فِي هَذَا السُّؤَال (فَقيل لَا يقبل لعدم تعين الْمَمْنُوع مرَادا) للمستدل، وَلَا يضرّهُ الْمَنْع إِلَّا إِذا توجه إِلَى مُرَاده (وَلِأَن حَاصله) أَي السُّؤَال الْمَذْكُور (ادِّعَاء الْمُعْتَرض مَانِعا) لثُبُوت مطلب الْمُسْتَدلّ، وَهُوَ عدم صِحَة بعض مقدماته (وَبَيَانه) أَي الْمَانِع يجب (عَلَيْهِ) أَي الْمُعْتَرض لادعائه مَا هُوَ خلاف الأَصْل (وَالْمُخْتَار قبُوله) أَي السُّؤَال الْمَذْكُور (لجَوَاز عَجزه) أَي الْمُسْتَدلّ (عَن إثْبَاته) بعد مَا تعين مُرَاده على وَجه يتَوَجَّه إِلَيْهِ الْمَنْع، إِذْ رُبمَا لَا يُمكنهُ إِثْبَات مَا منع (وَاللَّفْظ) أَي لفظ السَّائِل (يُفِيد نفي السَّبَبِيَّة) يَعْنِي أَن مَا جعلته سَببا لثُبُوت الحكم لَيْسَ بِسَبَب (لَا وجود الْمَانِع مَعَ السَّبَب) أَي لِأَن الْمَانِع مَوْجُود مَعَ تحقق السَّبَب حَتَّى يُقَال لَهُ إِنَّك بعد مَا اعْترفت بِوُجُود الْمُقْتَضى لَا يسمع مِنْك بِمُجَرَّد دَعْوَى الْمَانِع من غير بَيَان (وَأما كَونه) أَي الْمُسْتَدلّ (بِهِ) أَي بِسَبَب هَذَا السُّؤَال (يتَبَيَّن مُرَاده) كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (فَلَيْسَ) كَذَلِك (بل قِيَاسه يفِيدهُ) أَي يبين مُرَاده (إِذْ ترتيبه) أَي الْمُسْتَدلّ الحكم إِنَّمَا هُوَ (على الْفَقْد) أَي فقد المَاء (وَالْقَتْل مُطلقًا) مُتَعَلق بهما على سَبِيل التَّنَازُع (فَهُوَ) أَي مُرَاده (مَعْلُوم) وَقس عَلَيْهِ سَائِر الْأَمْثِلَة وَلما كَانَ هَهُنَا مُطلق مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه لَو كَانَ المُرَاد مَعْلُوما لما كَانَ لترديد السَّائِل وَجه أجَاب عَنهُ بقوله (وترديد السَّائِل تجاهل) عَن مُرَاد الْمُسْتَدلّ مَعَ كَونه عَالما بِهِ فِي نفس الْأَمر (اذ تَجْوِيز التَّرْتِيب) أَي تَرْتِيب الحكم (على الْفَقْد الْمُقَيد) بِالسَّفرِ وَالْقَتْل الْمُقَيد بالالتجاء (مُبَالغَة فِي الاستيضاح) أَي طلب لزِيَادَة الوضوح (ويكفيه) أَي الْمُسْتَدلّ أَن يَقُول إِذا طُولِبَ بِبَيَان عدم الْمَانِع (الأَصْل عدم الْمَانِع) يَعْنِي إِذا قَالَ السَّائِل: إِنَّك تستدل بِوُجُود الْمُقْتَضى لم لَا يجوز أَن يكون هَهُنَا مَانع يَكْفِيهِ أَن يَقُول الأَصْل إِلَى آخِره، وَهَذَا الْكَلَام هَهُنَا تقريبي (هَذَا، وَيقبل) هَذَا السُّؤَال (وَإِن اشْتَركَا) أَي الاحتمالان اللَّذَان يتَرَدَّد اللَّفْظ بَينهمَا (فِي التَّسْلِيم) وَعَدَمه (إِذا اخْتلفَا فِيمَا يرد عَلَيْهِمَا من) الأسئلة (القوادح) فيهمَا، وَإِلَّا لَكَانَ التَّقْسِيم عَبَثا، وَلَيْسَ من شَرطه أَن يكون أَحدهمَا مَمْنُوعًا وَالْآخر مُسلما (ثمَّ) قَالَ (الْحَنَفِيَّة: الْعِلَل طردية ومؤثرة وَمِنْهَا) أَي من المؤثرة (الملائمة) وَهُوَ مَا ثَبت مَعَ الحكم فِي الأَصْل مَعَ ثُبُوت اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو قلبه أَو جنسه فِي جنسه كَمَا مر، يَعْنِي من جملَة المؤثرة عِنْد الْحَنَفِيَّة الملائمة الْمُقَابلَة للمؤثرة (عِنْد الشَّافِعِيَّة وَلَيْسَ للسَّائِل فِيهَا) أَي المؤثرة (إِلَّا الْمَانِعَة) أَي منع مُقَدّمَة الدَّلِيل فَيعم منع ثُبُوت الْوَصْف فِي الأَصْل أَو فِي الْفَرْع أَو منع ثُبُوت الحكم فِي الأَصْل أَو منع صَلَاحِية علية الْوَصْف للْحكم إِلَى غير

ذَلِك (والمعارضة) هِيَ لُغَة الْمُقَابلَة على سَبِيل الممانعة، وَاصْطِلَاحا تَسْلِيم لدَلِيل الْمُعَلل دون مَدْلُوله وَإِلَّا ستدل على نفي مَدْلُوله (لِأَنَّهُمَا) أَي الممانعة والمعارضة (لَا يقدحان فِي الدَّلِيل بِخِلَاف فَسَاد الْوَضع) كَون الْعلَّة مُرَتبا عَلَيْهَا نقيض ذَلِك الحكم (و) فَسَاد (الِاعْتِبَار) كَون الْقيَاس مُعَارضا بِنَصّ أَو إِجْمَاع كَمَا سَيَجِيءُ فَإِنَّهُمَا يقدحان فِيهِ فَإِن قلت لَا فرق بَين الْأَوَّلين والآخرين فِي الْقدح على تَقْدِير الْوُرُود من غير اندفاع وَعدم الْقدح على تَقْدِير الاندفاع قلت الْأَوَّلَانِ لَا يَخْلُو عَنْهُمَا دَلِيل من الْأَدِلَّة فيندفعان تَارَة، وَأُخْرَى لَا، وَفِي عدم الْقدح على تَقْدِير فَلَا يخرج الدَّلِيل بهما عَن دَائِرَة الِاعْتِبَار بِالْكُلِّيَّةِ وَإِن لم يندفعا، بِخِلَاف الآخرين لندرتهما وكونهما أقبح عِنْد عدم الاندفاع، وَقد علم بالتتبع أَنه لَا يتَوَجَّه على الِاسْتِدْلَال بالعلل المؤثرة مَا يُخرجهُ عَن الِاعْتِبَار بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِيه مَا فِيهِ، وَلما سَيذكرُهُ المُصَنّف (والمناقضة) مَعْطُوف على فَسَاد الْوَضع، وَإِنَّمَا قَالَ (أَي النَّقْض) لِأَن الْمُتَبَادر من المناقضة منع الْمُقدمَة الْمعينَة كَمَا هُوَ اصْطِلَاح الجدليين، وَالْمرَاد نقض الْعلَّة بتخلف الحكم عَنْهَا فِي صُورَة (إِذْ يُوجب) كل مِنْهُمَا (تنَاقض الشَّرْع) على تَقْدِير عدم الاندفاع: إِذْ التَّأْثِير إِنَّمَا يثبت بِالنَّصِّ أَو الْإِجْمَاع فالمؤثر الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الحكم ونقيضه مُسْتَلْزم لتناقض الشَّرْع كَالَّذي يثبت النَّص أَو الْإِجْمَاع نقيض مُوجبه، وَكَذَا النَّقْض، وَقد يُقَال هَذَا إِنَّمَا يَقْتَضِي عدم تحقق فَسَاد الْوَضع وَالِاعْتِبَار بِحَسب نفس الْأَمر، لَا بِحَسب وهم السَّائِل، وَالوهم كَاف لَهُ فِي جَوَاز السَّائِل: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال معنى قَوْله لَيْسَ للسَّائِل أَنه لَا يتَحَقَّق لَهُ لعدم مَا يظنّ فِيهِ ذَلِك إِلَّا على سَبِيل الندرة، والنادر كَالْمَعْدُومِ (وَهَذَا) الَّذِي قُلْنَا من أَنه لَيْسَ للسَّائِل إِلَى آخِره مَبْنِيّ (على منع تَخْصِيص الْعلَّة) أما على القَوْل بتخصيصها فَلهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون مُرَاد الْمُسْتَدلّ من الْوَصْف الَّذِي جعله عِلّة تَقْيِيده بِقَيْد، وَقد يكون الْمُطلق بِاعْتِبَار تَقْيِيده بِقَيْد يَقْتَضِي حكما، وَبِاعْتِبَار تقيده بآخر يُفِيد ذَلِك الحكم (وَأما وجود الحكم دونهَا) أَي الْعلَّة (وَهُوَ الْعَكْس) أَي الْمُسَمّى بِالْعَكْسِ اصْطِلَاحا (فعام الانتفاء) عَن المؤثرة والطردية عِنْد شارطي انعكاس الْعلَّة، وَقد مر فِي شُرُوطهَا الْخلاف فِيهِ (وَكَذَا الْمُفَارقَة) أَي منع علية الْوَصْف فِي الأَصْل وإبداء وصف آخر صَالح للعلية، أَو منع استدلاله بِالْعِلَّةِ بادعاء أَن الْعلَّة مركب مِنْهَا وَمن غَيرهَا وَلم يُوجد فِي الْفَرْع عَام الانتفاء (فَإِن وجد صُورَة النَّقْض) فِي المؤثرة على قَول من يجوزه، وَهُوَ خلاف الْمُخْتَار (دفع بِأَرْبَع) من الطّرق (نذكرها وعَلى الطَّرْد ترد) الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة (مَعَ القَوْل بِالْمُوجبِ) أَي الْتِزَام السَّائِل مَا يلْزمه الْعلَّة بتعليله مَعَ بَقَاء النزاع فِي الحكم الْمَقْصُود (وَلَا وَجه لتخصيصها) أَي الطردية (بِهِ) أَي بِمَا ذكر من الْخَمْسَة وَالْقَوْل بِالْمُوجبِ كَمَا يفهم من كَلَام

بَعضهم (وَدفع) هَذَا التَّخْصِيص مُطلقًا (بِأَن الْإِيرَاد) أَي الِاعْتِرَاض إِنَّمَا هُوَ (بِاعْتِبَار ظَنّه) أَي الْمُسْتَدلّ (للعلية لإنكار ظَنّه) يَعْنِي أَن الِاعْتِرَاض بِحَسب الْحَقِيقَة مُتَوَجّه إِلَى ظَنّه لكَون الْمُعْتَرض مُنْكرا مُطَابقَة مَا فِي نفس الْأَمر فيورد على ظَنّه (لَا على) الْعِلَل (الشَّرْعِيَّة) الثَّابِتَة (فِي نفس الْأَمر) الْمُعْتَبرَة عِنْد الشَّارِع (وَألا) أَي وَإِن لم يكن بِاعْتِبَار ظَنّه وَكَانَ على الشَّرْعِيَّة (فَيجب نفي الْمُعَارضَة أَيْضا) على المؤثرة (إِذْ بعد ظُهُور تَأْثِير الْوَصْف) يلْزم (فِي الْمُعَارضَة المناقضة) للشَّرْع (خُصُوصا) الْمُعَارضَة (بطرِيق الْقلب) وَهِي على مَا سَيَجِيءُ مُعَارضَة فِيهَا مناقضة (وَإِذ لَا تَخْصِيص) لنقض الاعتراضات بالمؤثرة دون الطردية وَبِالْعَكْسِ (نذكرها) أَي الاعتراضات (بِلَا تَفْصِيل و) بِلَا (تعرض لخصوصياتهم) أَي الْحَنَفِيَّة فِيهَا، فَإِن اخْتلَافهمْ فِيهَا مَبْنِيّ على التَّخْصِيص. (الأول فَسَاد الِاعْتِبَار) وَهُوَ (كَون الْقيَاس مُعَارضا بِالنَّصِّ أَو الْإِجْمَاع فَلَا وجود لَهُ) أَي الْقيَاس (حِينَئِذٍ) لِأَن صِحَّته مَشْرُوطَة بِأَن لَا يكون فِي مُقَابلَة أَحدهمَا (لينْظر فِي مقدماته) مُتَعَلق بالوجود، يَعْنِي النّظر فِي مقدماته فرع أَن يكون لَهُ وجود وَحَيْثُ علم أَنه وَقع فِي غير مَحل إِمْكَانه لَا يلْتَفت بعد ذَلِك إِلَيْهِ وَإِلَى مقدماته، وَسمي بذلك لِأَن الِاعْتِبَار هُوَ الْقيَاس وَقد مر، ففساد الْقيَاس فَسَاد الِاعْتِبَار (وتخلصه) أَي الْمُسْتَدلّ من هَذَا الِاعْتِرَاض (بالطعن فِي السَّنَد) للنَّص (إِن أمكن) بِأَن لَا يكون كتابا وَلَا سنة متوترة أَو مَشْهُورَة وَكَانَ فِي سَنَده من لم يكن عَدَالَته مُتَّفقا عَلَيْهِ أَو كذب فِيهِ الأَصْل الْفَرْع إِلَى غير ذَلِك (أَو) الطعْن (فِي دلَالَته) أَي فِي دلَالَة النَّص على مَطْلُوب الْمُعْتَرض (أَو أَنه) أَي النَّص مَعْطُوف على الطعْن (مؤول) غير مَحْمُول على ظَاهره (بدليله) أَي بِدَلِيل التَّأْوِيل الْمُفِيد ترجحه على الظَّاهِر (أَو) أَنه (خص مِنْهُ) أَي من عُمُوم النَّص (حكم الْقيَاس) مَعَ بَيَان دَلِيل التَّخْصِيص، وَهُوَ أَيْضا من التَّأْوِيل، فَهُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام لمزيد الاهتمام (ومعارضته) أَي الْمُسْتَدلّ نَص الْمُعْتَرض (بمساو) أَي بِنَصّ مسَاوٍ لَهُ (فِي النَّوْع) كالكتاب بِالْكتاب وَالسّنة بِالسنةِ (وَالتَّرْجِيح) لأحد النصين على الآخر (بعد ذَلِك) التَّسَاوِي (بالخصوصية) الممتاز بهَا أَحدهمَا على الآخر كالمحكم على الْمُفَسّر، وَهُوَ على النَّص، وَهُوَ على الظَّاهِر، وَإِن انْتَفَت الخصوصية تساقطا وَسلم قِيَاس الْمُسْتَدلّ (فَلَو عَارض الآخر) أَي الْمُعْتَرض النَّص الَّذِي عَارض بِهِ الْمُسْتَدلّ (بآخر) بِنَصّ آخر مَعَ الأول (من غير نَوعه) أَي غير نوع الأول (وَجب أَن يبْنى) تَرْجِيح الأول بِالثَّانِي (على التَّرْجِيح بِكَثْرَة الرِّوَايَة) وَتقدم مَا فِيهِ من الْخلاف إِذا لم يبلغ حد الشُّهْرَة فِي فصل التَّرْجِيح. قَالَ الشَّارِح: وَالْوَجْه الروَاة يَعْنِي بدل الرِّوَايَة، وَلَا يخفى أَنَّهُمَا متلازما غير أَن الْمَشْهُور كَثْرَة الروَاة (و) بِنَاء (على) القَوْل بِأَن (لَا تَرْجِيح بِكَثْرَة)

الروَاة (لَا يُعَارض النَّص) أَي نَص الْمُعْتَرض المنضم مَعَه نَص آخر (النَّص وَالْقِيَاس) أَي نَص الْمُسْتَدلّ وَقِيَاسه لِأَن بانضمام النَّص الآخر لم يحصل للْأولِ زِيَادَة لِأَنَّهُ مثل كَثْرَة الروَاة، وَأما نَص الْمُسْتَدلّ فَلَا شكّ فِي تقويه بقياسه فَلم يتَحَقَّق مُعَارضَة بَين النَّص المنضم إِلَيْهِ النَّص وَبَين النَّص وَالْقِيَاس (ليقف الْقيَاس) عَن علمه وإفادته للْحكم بِسَبَب الْمُعَارضَة (للْعلم بِسُقُوط هَذَا الِاعْتِبَار فِي نظر الصَّحَابَة) فَإِنَّهُم كَانُوا يرجعُونَ عِنْد تعَارض النصين إِلَى الْقيَاس وَلَا يلتفتون إِلَى مَا يَنْضَم إِلَى أحد النصين من نَص آخر، عرف ذَلِك بتتبع أَحْوَالهم (وَمن نَوعه) أَي فَلَو عَارض الْمُعْتَرض نَص الْمُسْتَدلّ بِنَصّ آخر من نوع الأول مَعَ الأول (لَا يرجح) نَصه الأول بِهِ (اتِّفَاقًا) بل يعارضهما جَمِيعًا نَص الْمُسْتَدلّ بِانْفِرَادِهِ كَمَا يُعَارض شَهَادَة الِاثْنَيْنِ شَهَادَة الْأَرْبَع فمعارضة شَهَادَة الِاثْنَيْنِ أصل ألحق بِهِ مُعَارضَة النَّص الْوَاحِد للنصين اللَّذين من نوع وَاحِد بالإتفاق، وَفِي إِلْحَاق مُعَارضَة النَّص الْوَاحِد لنصين أَحدهمَا لَيْسَ من نوع الأول اخْتِلَاف (وَلَو قَالَ الْمُسْتَدلّ) للمعترض (عَارض نصك قياسي فَسلم نصي فَبعد أَنه) أَي هَذَا الْجَواب هُوَ (الِانْتِقَال الْمَمْنُوع) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُثبت بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ بعد مَا كَانَ مثبتا بِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ (معترف بِفساد الِاعْتِبَار) أَي بوروده (على قِيَاسه) وَلَا نعني بالإلزام إِلَّا هَذَا، مِثَاله (نَحْو) قَول الشَّافِعِي فِي حل ذَبِيحَة الْمُسلم المتروكة التَّسْمِيَة عمدا (ذبح التارك) للتسمية ذبح (من أَهله) أَي أهل الذّبْح الْمُعْتَبر شرعا، وَهُوَ الْمُسلم فِي حل ذَبِيحَة الْمُسلم (فِي مَحَله) وَهُوَ الْمَأْكُول اللَّحْم (فيحلها) أَي الذّبْح الذَّبِيحَة (كالناسي) أَي كذبح ناسي التَّسْمِيَة فَإِنَّهُ ذبح من أَهله فِي مَحَله فيحلها (فَيُقَال) فِي جَوَابه هَذَا قِيَاس (فَاسد الِاعْتِبَار لمعارضة) قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا} الْآيَة) أَي - {مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَإنَّهُ لفسق} - وَإِضَافَة الْمُعَارضَة إِلَى وَلَا تَأْكُلُوا إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْفَاعِل: أَي لمعارضة هَذَا النَّص الْقيَاس الْمَذْكُور على مَا يَقْتَضِيهِ تَعْرِيف فَسَاد الِاعْتِبَار (فالمستدل مؤول) على صِيغَة الْمَفْعُول، وَالتَّقْدِير يَقُول: هَذَا مؤول، أَو الْفَاعِل: أَي يؤول الْآيَة (بِذبح الوثني) بالميتة أَو بِمَا ذكر غير اسْم الله عَلَيْهِ (بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْمُؤمن يذبح على اسْم الله سمى أَو لم يسم) توقف الشَّارِح فِي ثُبُوته غير أَنه أثبت مَا فِي مَعْنَاهُ مُرْسلا عَن تَابِعِيّ صَغِير. (وَمَا قيل) فِي دفع قَول الشَّافِعِي (خص) مَذْبُوح (النَّاسِي) من نَص وَلَا تَأْكُلُوا (بِالْإِجْمَاع فَلَو قيس عَلَيْهِ) أَي النَّاسِي (الْعَامِد أوجب) الْقيَاس عَلَيْهِ (كَونه) أَي الْقيَاس (نَاسِخا) للنَّص (لَا مُخَصّصا إِذْ لم يبْق تَحت الْعَام) يَعْنِي - مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ - (شَيْء) لِأَنَّهُ لم يكن تَحْتَهُ إِلَّا النَّاسِي والعامد وَقد خرجا (إِنَّمَا ينتهض) دافعا لَهُ (إِذا لم يلْزم) كَون النَّص (مؤولا) قَالَ الشَّارِح نقلا عَن المُصَنّف مَا حَاصله: أَن للحنفية فِي إِفْسَاد هَذَا

الْقيَاس طَرِيقين: الأول فَسَاد الِاعْتِبَار، وَإِذا أثبت الشَّافِعِي أَن النَّص مؤول انْدفع. الثَّانِي أَن قِيَاسه حِينَئِذٍ نَاسخ للْكتاب وَهُوَ أَيْضا مندفع بالتأويل: يَعْنِي بِمَا إِذا ذبح للنصب: وَهُوَ أحد قسمي الْعَامِد، فَإِنَّهُ يَنْقَسِم إِلَى تَارِك فَقَط، وتارك مَعَ الذّبْح للنصب، وَإِذا أُرِيد بِالْآيَةِ الثَّانِي يبْقى تَحت الْعَام هَذَا الْعَامِد، وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُود بِهِ فِي فصل الشُّرُوط بقوله: وَفِيه نظر يَأْتِي (فَلَو قَالَ) الْمُسْتَدلّ بعد إِلْزَام فَسَاد الِاعْتِبَار (قياسي أرجح من نصك) فَلَا يلْزَمنِي فَسَاد الِاعْتِبَار، لِأَن الْمَرْجُوح لَا يبطل الرَّاجِح (فَلَيْسَ للمعترض إبداء فرق بَينهمَا) أَي الْعَامِد وَالنَّاسِي لدفع الأرجحية وَإِثْبَات فَسَاد الِاعْتِبَار (بِأَنَّهُ) أَي الْعَامِد (صدف) أَي أعرض (عَن الذّكر مَعَ استحضار مطلوبيته) أَي الذّكر (شرعا) فَكَانَ مقصرا (بِخِلَاف النَّاسِي) فَإِنَّهُ مَعْذُور، فَعدم التَّقْصِير مُعْتَبر فِي الْعلَّة، وَإِنَّمَا لم يكن لَهُ ذَلِك (لِأَنَّهُ) أَي بَيَان الْفَارِق مُسْتَقل بِفساد الْقيَاس فَالْجَوَاب بِبَيَان الْفرق عَن دفع الْمُسْتَدلّ فَسَاد الِاعْتِبَار (انْتِقَال عَن فَسَاد الِاعْتِبَار) أَي بَيَان فَسَاد الْقيَاس بطرِيق آخر، وَهُوَ مَمْنُوع فِي المناظرة كَمَا ذكر (وللمعترض منع مُعَارضَة خبر الْوَاحِد) كالحديث الَّذِي ذكره الشَّافِعِي (لعام الْكتاب) كَمَا فِي الْآيَة (فَلَا يتم) كَونه (مؤولا) للمستدل (وللمجيب إثْبَاته) أَي إِثْبَات كَون خبر الْوَاحِد مُعَارضا لعام الْكتاب (إِن قدر) على ذَلِك بِأَن يَقُول دلَالَة الْعَام على الْعُمُوم ظَنِّي كَمَا أَن خبر الْوَاحِد ظَنِّي وَقَامَ بحجته (وَلَيْسَ) إثْبَاته (انْقِطَاعًا) عَمَّا كَانَ المناظرة فِيهِ (وَإِن كَانَ) الْمُجيب وَهُوَ الْمُسْتَدلّ (منتقلا) عَمَّا كَانَ فِيهِ (إِلَى) دَلِيل (آخر يحْتَاج فِيهِ) أَي فِي الآخر (إِلَى مثل مقدماته) أَي الدَّلِيل الأول (أَو (أَكثر) من مقدماته، وَإِنَّمَا لَا يكون انْقِطَاعًا (لِأَنَّهُ) أَي الْمُجيب (بعد ساع فِي إِثْبَات نفس مدعاه) وَهُوَ إِثْبَات الحكم بقياسه الْمَذْكُور، فَلَا يرد أَن من قَالَ عَارض نصك قياسي فَسلم نصي أَيْضا بعد فِي إِثْبَات نَص نفس مدعاه، وَقد حكمت أَن انْتِقَاله مَمْنُوع، فَإِنَّهُ أَرَادَ إِثْبَات الحكم بِالنَّصِّ لَا بقياسه الَّذِي وَقعت المناظرة فِيهِ (كمن احْتج بِالْقِيَاسِ فَمنع جَوَازه) أَي جَوَاز الِاحْتِجَاج بِالْقِيَاسِ (فاحتج) المحتج بِهِ (بقول عمر لأبي مُوسَى: اعرف الْأَمْثَال والأشباه وَقس الْأُمُور عِنْد ذَلِك فَمنع) جَوَازه أَي جَوَاز الِاحْتِجَاج (حجية قَول الصَّحَابِيّ فأثبته) أَي كَون قَول الصَّحَابِيّ حجَّة (بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقتدوا بالذين من بعدِي أبي بكر وَعمر فَمنع) الْمَانِع الْمَذْكُور (حجية خبر الْوَاحِد فأثبته) أَي كَون خبر الْوَاحِد حجَّة بِمَا يدل عَلَيْهِ (وَإِذ يتَرَدَّد) أَي وَإِذ يَقع التَّرَدُّد (فِي الْأَجْوِبَة) عَن الاعتراضات (من هَذَا) أَي من أجل الِانْتِقَال من كَلَام إِلَى آخر بِأَن يشك فِي خصوصياتها من حَيْثُ الِانْقِطَاع وَعَدَمه احْتَاجَ الْمقَام إِلَى تَفْصِيل (فَهَذِهِ) إِشَارَة إِلَى الْوُجُود فِي الذِّهْن من المباحث الْآتِيَة (مُقَدّمَة) وَهِي مَا يذكر

أَمَام الْمَشْرُوع فِي الْمَقْصُود مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ (فِي) بَيَان (الِانْتِقَال) من كَلَام إِلَى آخر فِي المناظرة من قبل أَن يسْتَند، وَيتم الْمُسْتَدلّ إِثْبَات الحكم: الأول هُوَ (إِمَّا من عِلّة إِلَى) عِلّة (أُخْرَى لإثباتها) أَي الْعلَّة الأولى الَّتِي هِيَ عِلّة الْقيَاس (أَو) من حكم (إِلَى حكم آخر يحْتَاج إِلَيْهِ) الْمُعَلل فِي إِثْبَات الْمُتَنَازع فِيهِ كَمَا سَيَجِيءُ يثبت هَذَا الْمُنْتَقل إِلَيْهِ (بِتِلْكَ الْعلَّة) الَّتِي هِيَ عِلّة الْقيَاس (أَو بِأُخْرَى) أَي بعلة أُخْرَى مَعْطُوف على تِلْكَ الْعلَّة فَالْحكم الْمُنْتَقل إِلَيْهِ تَارَة يثبت بعلة الْقيَاس وَتارَة بغَيْرهَا، وَهَذِه الثَّلَاثَة صَحِيحَة اتِّفَاقًا، فَالْأولى الِاشْتِغَال بِمَا تصدى لَهُ من ادِّعَاء علية الْعلَّة للْحكم الْأَصْلِيّ، وَهَذَا إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي الممانعة، فَإِن السَّائِل قد منع من عليتها، وَأما الأخيران فَإِنَّمَا يتحققان عِنْد مُوَافقَة الْخصم فِي الحكم الأول وادعائه أَن النزاع فِي حكم آخر فَينْتَقل لإِثْبَات الحكم الْمُتَنَازع فِيهِ بِالْعِلَّةِ الأولى أَو بِأُخْرَى (أَو) من عِلّة (إِلَى) عِلّة (أُخْرَى لإِثْبَات الحكم الأول). قَالَ الشَّارِح: وَهَذَا إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي فَسَاد الْوَضع والمناقضة إِن لم يكن دفعهما بِبَيَان الملائمة والتأثير والطرد (وَاخْتلف فِي هَذَا) الرَّابِع (فَقيل يقبل لمحاجة الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام) نمروذ الْمشَار إِلَيْهَا بقوله تَعَالَى - {ألم تَرَ إِلَى الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه أَن آتَاهُ الله الْملك إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت قَالَ أَنا أحيي وأميت قَالَ إِبْرَاهِيم فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب فبهت الَّذِي كفر} - فانتقل عَلَيْهِ السَّلَام من حجَّة إِلَى أُخْرَى لإِثْبَات الحكم الأول، وَقد حكى الله تَعَالَى ذَلِك على سَبِيل التمدح فَهُوَ صَحِيح (وَدفع) هَذَا (بِأَن حجَّته) عَلَيْهِ السَّلَام الأولى (ملزمة) لَهُ: أَي مفحمة (ومعارضة اللعين) لَهُ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله - {أَنا أحيي وأميت} - ثمَّ بَيَانه بإحضار شَخْصَيْنِ من السجْن وَجب قَتلهمَا أطلق أَحدهمَا وَقتل الآخر كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (بترك التَّسَبُّب فِي إِزَالَة حَيَاة شخص وإزالتها قتلا) وَحَاصِله السَّبَب فِي إِزَالَتهَا (بَاطِلَة) يَعْنِي ظَاهِرَة الْبطلَان بِحَيْثُ لَا يحْتَاج إِلَى الرَّد (إِذْ المُرَاد) بِالْإِحْيَاءِ فِي حجَّة الْخَلِيل (إيجادها) فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْحَيَاة مَوْجُودَة فِي الْخَارِج (فِيمَا لَيست) الْحَيَاة (فِيهِ و) بالاماتة (ازالتها بِلَا مُبَاشرَة محسوسة) أَي بِنَزْع الرّوح بِغَيْر علاج محسوس (وحاضره) أَي مجْلِس اللعين (ضلال) قاصرون عَن التَّأَمُّل (يسْرع إِلَيْهِم إِلْزَام مَا لَا يلْزم) يَحْتَاجُونَ إِلَى قَاطع لإخفاء فِيهِ بِوَجْه (فانتقل إِلَى دَلِيل آخر) بعد تَمام الأول (لَا يحْتَمل) ذَلِك الآخر (التلبيس) والمغالطة، فَهُوَ انْتِقَال إِلَى دَلِيل أوضح (وَالْحق أَن لَا انْتِقَال) أصلا (فَإِن الأول) أَي قَوْله - {رَبِّي الَّذِي رَبِّي يحيي وَيُمِيت} - إِنَّمَا هُوَ (الدَّعْوَى) فَإِن المُرَاد بِهِ أَن رب الْعَالمين إِنَّمَا هُوَ الْقَادِر الْمُطلق الَّذِي لَا يعجز عَن شَيْء لظُهُور أَنه لم يره اخْتِصَاص ربوبيته بِنَفسِهِ وَلَا قدرته بِالْإِحْيَاءِ والإماتة فَقَط، وَالْمرَاد بالرسول الْمَعْهُود الْمَشْهُور بعلته، فَكَأَنَّهُ قَالَ الرب سُبْحَانَهُ هُوَ الله سُبْحَانَهُ لَا غير،

فَلَمَّا أنكر اللعين ذَلِك مثبتا لنَفسِهِ تِلْكَ الْقُدْرَة الْمُطلقَة أَرَادَ إِلْزَامه وإفحامه على وَجه لَا يبْقى لَهُ مجَال مجادلة فَقَالَ - {إِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق} - إِلَى آخِره، وَإِلَيْهِ أَشَارَ المُصَنّف بقوله (واستدلاله) أَي الْخَلِيل (لم يَقع إِلَّا بِمَعْنى الْإِلْزَام) أَي بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْإِلْزَام الْكَائِن (فِي قَوْله: (فَإِن الله يَأْتِي بالشمس إِلَى آخِره) وَعَن الإِمَام نجم الدّين النَّسَفِيّ أَن هَذَا لَيْسَ انتقالا من حجَّة أُخْرَى فِي المناظرة، لِأَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ادّعى انْفِرَاد الله تَعَالَى بالربوبية وَاحْتج لذَلِك بِكَمَال الْقُدْرَة وَدلّ عَلَيْهِ بِالْإِحْيَاءِ والإماتة، فَلَمَّا أَرَادَ نمروذ التلبيس أظهر كَمَال الْقُدْرَة بِحَدِيث الشَّمْس، وَالدَّلِيل وَاحِد، والصورتان مُخْتَلِفَتَانِ انْتهى. وَكَأن المُصَنّف أَرَادَ بالاستدلال اللُّزُوم الَّذِي لَا يبْقى مَعَه مجَال مجادلة فَلذَلِك قصره على القَوْل الثَّانِي فَلَا يُنَافِي كَون الأول دَلِيلا أَيْضا مَعَ إِفَادَة أصل الْمُدَّعِي (وَالْكَلَام) الَّذِي نَحن فِيهِ (فِيمَا إِذا ظهر بطلَان) الدَّلِيل (الأول فانتقل) الْمُسْتَدلّ (إِلَى دَلِيل آخر فَإِنَّهُ) أَي انْتِقَاله حِينَئِذٍ (انْقِطَاع فِي عرفهم) أَي النظار (استحسنوه) أَي الحكم بالانقطاع الْمَمْنُوع عَنهُ فِي الِانْتِقَال الْمَذْكُور (كَيْلا يَخْلُو الْمجْلس) أَي مجْلِس المناظرة (عَن الْمَقْصُود) وَهُوَ أَن تَنْتَهِي الْمُخَاصمَة إِلَى أحد الْجَانِبَيْنِ، وَفَسرهُ الشَّارِح بِإِظْهَار الْحق وَلَا يخفى أَن هَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يمْنَع من الِانْتِقَال ويبالغ فِي التَّحْقِيق كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور (فَفِي) مُقْتَضى (الْعقل لَهُ) أَي الْمُسْتَدلّ (أَن ينْتَقل) من الدَّلِيل الأول (إِلَى) دَلِيل (آخر، و) من الدَّلِيل الآخر إِلَى دَلِيل (آخر) وَهَكَذَا (إِذا لم يثبت مَا عينه) من الحكم بِمَا ذكر من الدَّلِيل (حَتَّى يعجزه عَن إثْبَاته وَلَو) كَانَ ذَلِك (فِي مجَالِس) كَمَا أَن للْمُدَّعِي فِي حُقُوق النَّاس الِانْتِقَال من بَيِّنَة إِلَى أُخْرَى، وَهُوَ مَقْبُول إِجْمَاعًا (فالانقطاع) للمعلل أَو السَّائِل إِنَّمَا يتَحَقَّق (بدليله) أَي الْعَجز عَن إِثْبَات الْمَطْلُوب أَو مَا هُوَ بصدده (سكُوت) بدل الْبَعْض من دَلِيل كَمَا أخبر الله تَعَالَى عَن اللعين بقوله - {فبهت الَّذِي كفر} - وَهُوَ أظهر أَنْوَاع الِانْقِطَاع (أَو إِنْكَار ضروى) أَي بديهي فَإِنَّهُ يدل على كَمَال عَجزه (أَو منع بعد تَسْلِيم) لَا يُقَال: يحْتَمل أَن يكون تَسْلِيمه لسهو أَو غَفلَة، فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك يبين سَنَده وَيذكر أَنه سَهَا أَو غفل (تَسْلِيم) لما ادَّعَاهُ الْخصم خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي فالانقطاع (وَفِي) انْتِقَال الْمُعَلل (فِي معرض الِاسْتِدْلَال إِلَى مَا لَا يُنَاسب الْمَطْلُوب دفعا لظُهُور إفحامه) وعجزه عَن إِقَامَة الدَّلِيل (انْقِطَاع فَاحش) واضطراب بِحَيْثُ لَا يدْرِي مَا يَقُول (فَالْأول) أَي الِانْتِقَال من عِلّة إِلَى أُخْرَى لإِثْبَات الأولى مِثَاله (للحنفية فِي إِثْبَات أَن إِيدَاع الصَّبِي) غير الْمَأْذُون مَا لَيْسَ برقيق (تسليط) للصَّبِيّ على استهلاكه (عِنْد تَعْلِيله) أَي الْحَنَفِيّ (بِهِ) أَي بتسليطه عَلَيْهِ (لنفي ضَمَانه) أَي الصَّبِي إِذا أتْلفه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد، لِأَن الْإِتْلَاف مَعَ التسليط لَا يُوجب الضَّمَان كَمَا إِذا أَبَاحَ لَهُ طَعَاما فأتلفه

لَا يضمن اتِّفَاقًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ يضمن الصَّبِي ذَلِك، وَكَون إيداعه تسليطا تسليط عِلّة الْقيَاس فَإِذا مَنعه الْخصم فانتقل الْمُعَلل إِلَى إثْبَاته بِأَنَّهُ مكنه بالإيداع بِإِثْبَات الْيَد على مَا ينَال بِالْأَيْدِي وَلَا نعني بالتسليط إِلَّا هَذَا، فَهَذَا الِانْتِقَال لَا يكون انْقِطَاعًا (وَالثَّانِي) أَي الِانْتِقَال من حكم إِلَى آخر يحْتَاج إِلَيْهِ يثبت بِتِلْكَ الْعلَّة، مِثَاله (لَهُم) أَي للحنفية فِي جَوَاز إِعْتَاق مكَاتب لم يؤد شَيْئا من بدل الْمُكَاتبَة عَن كَفَّارَة الْيَمين (الْكِتَابَة عقد يحْتَمل الْفَسْخ) بالإقالة وبالعجز عَن أَدَاء الْبَدَل (فَلَا يمْنَع التَّكْفِير بِمن تعلّقت) الْكِتَابَة (بِهِ) اسْتِحْسَانًا خلافًا لزفَر وَالشَّافِعِيّ (كَالْبيع بِالْخِيَارِ للْبَائِع والاجارة) فَإِنَّهُ يجوز اجماعاً لمن بَاعَ عَبده بِشَرْط الْخِيَار لَهُ وَلمن أجر عَبده اعتاقه بنية الْكَفَّارَة، فكونها عقد يحْتَمل الْفَسْخ عِلّة الْقيَاس (فَيُقَال) من قبل الْمُعْتَرض أَنا نقُول بِمُوجب هَذِه الْعلَّة أَن الْكِتَابَة من حَيْثُ أَنَّهَا عقد يحْتَمل الْفَسْخ لَا يمْنَع التَّكْفِير (بل الْمَنْع) عَن التَّكْفِير (لغيره) أَي غير عقد الْكِتَابَة، ثمَّ بَين ذَلِك الْغَيْر بقوله (من نُقْصَان الرّقّ بِهِ) أَي بِعقد الْكِتَابَة، لِأَن الْعتْق للْمكَاتب مُسْتَحقّ بِهِ فَصَارَ (كَأُمّ الْوَلَد) فَإِنَّهَا لما اسْتحقَّت الْعتْق بِالْولادَةِ منع ذَلِك التَّكْفِير بهَا، بل أولى لِأَن الْمكَاتب أَحَق بأكسابه وَأَوْلَاده دونهَا (فيجاب بِإِثْبَات عدم نقصانه) أَي الرّقّ بِعقد الْكِتَابَة وَهُوَ حكم آخر (بِالْأولَى) أَي الْعلَّة الأولى، فَيُقَال (احْتِمَال الْفَسْخ) بِعقد الْكِتَابَة (دَلِيل عدم إِيجَابه) أَي عقدهَا (نقصانه) أَي رقّه (لِأَن مَا يُوجِبهُ) أَي نُقْصَان الرّقّ إِنَّمَا هُوَ عقد (لَا يحْتَمل الْفَسْخ) بِوَجْه (إِذْ هُوَ) أَي نُقْصَان الرّقّ (بِثُبُوت الْحُرِّيَّة من وَجه) فَكَمَا أَن ثُبُوتهَا من كل وَجه لَا يحْتَمل الْفَسْخ كَذَلِك ثُبُوتهَا من وَجه لَا يحْتَملهُ فَإِن قلت قَوْلهم الْمكَاتب حر يدا عبد رَقَبَة يُفِيد ثُبُوت الْحُرِّيَّة من وَجه قلت هَذَا أَمر غير ضَرُورَة ليتَمَكَّن من تَحْصِيل بدل الْكِتَابَة فَلَا يعْتَبر فِي حق غَيره تَوْضِيحه أَن حكم الْعتْق فِي الْكِتَابَة مُتَعَلق بِشَرْط الْأَدَاء، وَلَو علق بِشَرْط آخر لَا يثبت بِهِ اسْتِحْقَاق الْعتْق اتِّفَاقًا فَكَذَا هَذَا الشَّرْط بل أولى، لِأَن التَّعْلِيق بِسَائِر الشُّرُوط يمْنَع الْفَسْخ، وَبِهَذَا الشَّرْط لَا يمْنَع، بِخِلَاف الِاسْتِيلَاد فَإِنَّهُ بِهِ يتَمَكَّن النُّقْصَان بِالرّقِّ حَتَّى لَا يعود إِلَى الْحَالة الأولى (وَالثَّالِث) أَي الِانْتِقَال من حكم إِلَى حكم يحْتَاج إِلَيْهِ وَيثبت بعلة أُخْرَى، مِثَاله (أَن يُجيب) الْمُسْتَدلّ فِي جَوَاب الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور آنِفا (بقوله: الْكِتَابَة عقد مُعَاوضَة فَلَا يُوجب نُقْصَانا فِيهِ) أَي الرّقّ (كَالْبيع بِالْخِيَارِ) وَالْإِجَارَة فَيجوز إِعْتَاقه كَمَا فِي الْمَبِيع بِشَرْطِهِ فَإِنَّهُ يجوز اعتاقه فِي مدَّته، وَكَذَا فِي مُدَّة الْإِجَارَة (وَالْكل) أَي جَمِيع الِانْتِقَالَات الثَّلَاثَة (جَائِز) إِلَّا أَن الْأَخيرينِ لَا يخلوان عَن ضرب غَفلَة حَيْثُ لم يبين مَوضِع الْخلاف ابْتِدَاء حَتَّى احْتَاجَ إِلَى الِانْتِقَال، خُذ (هَذَا، وَيُشبه الاستفسار فِي عُمُومه) للْقِيَاس وَغَيره (و) يشبه (فَسَاد

الِاعْتِبَار فِي عدم الْقيَاس) أَي فِي اقتضائه انْتِفَاء الْقيَاس فِي الْوَاقِع (القَوْل بِالْمُوجبِ لِأَن حَاصله) أَي القَوْل بِالْمُوجبِ (دَعْوَى النصب) أَي نصب الدَّلِيل (فِي غير مَحل النزاع) المساوى: أَي وَغير لَازم مَحَله كَمَا أَن فِي فَسَاد الِاعْتِبَار دَعْوَى النصب: أَي نصب الدَّلِيل فِي غير مَحل النزاع (لَازمه) الْمسَاوِي: أَي وَفِي غير لَازم مَحَله كَمَا أَن فِي فَسَاد الِاعْتِبَار دَعْوَى نصب الدَّلِيل فِي غير مَحل النزاع، لِأَن مَا يُخَالف النَّص وَالْإِجْمَاع بَاطِل بِلَا نزاع، وَإِنَّمَا قَالَ ولازمه لِأَنَّهُ لَو لم ينصب فِي عين مَحل النزاع أَو ينصب فِي لَازمه بِأَن يثبت فِي أَحدهمَا ذَلِك اللَّازِم وينفي الآخر استلزم ذَلِك النزاع فِي الْمَلْزُوم وَهُوَ ظَاهر، ثمَّ بَين كَون مَا ذكر حَاصله بقوله (إِذْ هُوَ) أَي القَوْل بِالْمُوجبِ فِي اصْطِلَاح النظار (تَسْلِيم مَدْلُول الدَّلِيل مَعَ بَقَاء النزاع فِي الحكم الْمَقْصُود) للمستدل (فَإِن الْقيَاس حِينَئِذٍ) أَي حِين كَانَ مَدْلُوله غير مَحل النزاع (بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ) أَي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الحكم الْمَقْصُود (مُنْتَفٍ فَظهر) من هَذَا (أَن لَا وَجه لتخصيصه) أَي الْمُخَصّص (القَوْل) الْمُوجب بالطردية) كَمَا ذكر الْحَنَفِيَّة لِاسْتِوَاء نِسْبَة القَوْل بِالْمُوجبِ على مَا عَرفته إِلَى الطردية وَغَيرهَا (وَهُوَ) أَي القَوْل بِالْمُوجبِ (ثَلَاثَة: الأول فِي إِثْبَات الحكم) يَعْنِي أَن الْمُعْتَرض يثبت الحكم الَّذِي أثْبته الْمُعَلل، ثمَّ يدعى أَن النزاع لَيْسَ فِيهِ، بل فِي غَيره (واستناده) أَي اعْتِمَاد الْمُعْتَرض (فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْقسم من القَوْل بِالْمُوجبِ (إِلَى لفظ الْمُعَلل) فَكَأَنَّهُ يَقُول: هَذَا مفَاد كلامك، سلمناه وَلَكِن لَا يفيدك، وَيُشِير بِهِ إِلَى أَنه لَيْسَ عنْدك أَمر مُسلم غير هَذَا (كَقَوْلِه) أَي الْمُعَلل، وَهُوَ الشَّافِعِي (فِي المثقل) أَي فِي ان الْقَتْل بالمثقل يُوجب الْقصاص هُوَ (قتل بِمَا يقتل غَالِبا، فَلَا يُنَافِي الْقصاص كالحرق) أَي كَالْقَتْلِ بالنَّار، فَإِنَّهُ قتل بِمَا يقتل غَالِبا (فَيسلم) الْمُعْتَرض، وَهُوَ الْحَنَفِيّ (عدم منافاته) أَي الْقَتْل بِمَا يقتل غَالِبا وجوب الْقصاص (مَعَ بَقَاء النزاع فِي ثُبُوت وجوب الْقصاص) إِذْ لَا يلْزم من عدم منافاته إِيَّاه وُجُوبه (وَهُوَ) أَي وجوب (الْمُتَنَازع فِيهِ) وكما أَنه لَيْسَ بمتنازع لَا يسْتَلْزم الْمُتَنَازع فِيهِ (أَو) استناده فِيهِ إِلَى (حمله) أَي لفظ الْمُعَلل (على غير مُرَاده كالمسح) أَي مسح الرَّأْس (ركن فَيسنّ تثليثه) كالغسل للْوَجْه (فَيَقُول) الْمُعْتَرض (بِمُوجبِه) وَهُوَ استنان تثليث الْمسْح، ونقول: عَملنَا بِمُوجبِه (إِذْ سننا الِاسْتِيعَاب) فِي مسح الرَّأْس (وَهُوَ) أَي الِاسْتِيعَاب فِيهِ: أَي (ضم مثلي الْوَاجِب) فِيهِ: أَي (الرّبع وَزِيَادَة) مَعْطُوف على مثلي الْوَاجِب (إِلَيْهِ) أَي إِلَى الْوَاجِب، وَجعل الشَّيْء ثَلَاثَة أَمْثَاله لَا يقتضى اتِّحَاد الْمحل (ومقصوده) أَي الْمُسْتَدلّ من التَّثْلِيث لَيْسَ هَذَا، بل (التكرير، فَإِذا أظهره) أَي الْمُسْتَدلّ مُرَاده (انْتَفَى) القَوْل بِالْمُوجبِ وتعينت الممانعة: أَي لَا نسلم أَن الرُّكْن يسن تكراره، بل الْمسنون فِيهِ إِلَّا كَمَال، وَهُوَ يحصل بالإطالة فِي مَحَله كَمَا فِي

الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود (وَكَذَا) قَول الشَّافِعِي لتعيين نِيَّة الصَّوْم فِي رَمَضَان (صَوْم فرض فَيشْتَرط) فِيهِ (التَّعْيِين) بِأَن يتَعَلَّق قَصده بخصوصية صَوْم رَمَضَان فرضا (فَيَقُول) الْمُعْتَرض الْحَنَفِيّ (بِمُوجبِه) أَي مُوجب الدَّلِيل الْمَذْكُور (لُزُوم التَّعْيِين) عطف بَيَان لموجبه (والنزاع فِي غَيره) أَي غَيره الْمُوجب الْمَذْكُور، وَهُوَ (كَون الْإِطْلَاق) للنِّيَّة بِأَن ينوى الصَّوْم الْمُطلق (بعد تعْيين لُزُوم التَّعْيِين بعد تعْيين الشَّرْع الْوَقْت الْخَاص لَهُ) أَي للصَّوْم (تعيينا) يَعْنِي هَل يتَعَيَّن الْمَنوِي على وَجه الْإِطْلَاق بِحَسب نفس الْأَمر فِي حكم الشَّرْع بِسَبَب تعين الْوَقْت لَهُ شرعا كَمَا يتَعَيَّن بِتَعْيِين الناوي وقصده الخصوصية أم لَا، بل لَا بُد من تعْيين الناوي (جملا) للتعيين الْمَذْكُور فِي قَول الْمُسْتَدلّ فَيشْتَرط التَّعْيِين (على) التَّعْيِين (الْأَعَمّ) من أَن يكون بِتَعْيِين الْمُكَلف الناوي، أَو بِتَعْيِين الشَّارِع (وَمرَاده) أَي الْمُسْتَدلّ من التَّعْيِين (تعْيين الْمُكَلف) فَإِذا أظهره انْتَفَى القَوْل بِالْمُوجبِ وتعينت الممانعة، (وَالْوَجْه) الَّذِي لَا يعد مَا يُقَابله وَجها بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ ثَابت (للشارط) فِي التَّعْيِين كَونه بِقصد الْمُكَلف (لِأَن كَون إِطْلَاق الناوي) فِي الْمَنوِي (تعْيين بعض محتملاته) أَي الْمُطلق من غير أَن يتَعَلَّق قَصده بذلك الْبَعْض بِخُصُوصِهِ بِمُجَرَّد تعْيين الشَّرْع (يصير الْأَعَمّ عين الْأَخَص) يرد عَلَيْهِ أَنه إِن أَرَادَ بالتصيير الْمَذْكُور أَن يتحدا فِي ذهن الناوي، فَذَلِك لَا يَقُول بِهِ الْخصم. وَإِن أَرَادَ بِهِ الِاتِّحَاد بِحَسب نفس الْأَمر بِاعْتِبَار الشَّرْع، فَلَا مَحْذُور فِيهِ. وَقد يُجَاب بِأَنَّهُ إِشَارَة إِلَى أَنه يلْزم على الْخصم أَن يَقُول بالشق الأول من الترديد، لِأَن صِحَة الصَّوْم الْمعِين مَوْقُوفَة على التَّعْيِين فِي نِيَّة الناوى وَفِي ذهنه، فَيلْزم الْمَحْذُور فَتدبر (وَتقدم تَمَامه) فِي الْقسم الثَّانِي من الْوَقْت الْمُقَيد بِهِ الْوَاجِب. (وَالثَّانِي) من أَقسَام القَوْل بِالْمُوجبِ (إبِْطَال مَا ظن من مَأْخَذ خَصمه) ومبني مذْهبه فِي المسئلة الخلافية، يَعْنِي إِبْطَاله من حَيْثُ كَونه مأخذا، فَيجوز أَن يكون فِي حد ذَاته صَحِيحا، غير أَنه لَيْسَ مأخذا للخصم: وَهَهُنَا مُسَامَحَة، إِذْ الثَّانِي مِنْهُ لَيْسَ نفس الْإِبْطَال، إِذْ حَقِيقَته تَسْلِيم مَدْلُول الدَّلِيل مَعَ بَقَاء النزاع على مَا مر، غير أَنه هُنَا مُتَضَمّن الْإِبْطَال الْمَذْكُور على مَا سَيَجِيءُ (كفى الْقَتْل بالمثقل) أَي مِثَاله مثل أَن يُقَال فِي مسئلة الْقَتْل بالمثقل إِذا اسْتدلَّ الْحَنَفِيّ على نفي الْقَتْل بِهِ، فَقَوله قتل بمثقل فَلَا يقتل بِهِ كالعصا الصَّغِيرَة (للمعترض) الشَّافِعِي أَن يَقُول هُوَ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ لَا تفَاوت بَينهمَا إِلَّا فِي الْوَسِيلَة الَّتِي هِيَ الْآلَة، ثمَّ التَّفَاوُت فِي الْوَسِيلَة مَا ظن مأخذا فِي مسئلة الْقَتْل بالمثقل فِي اسْتِدْلَال الْحَنَفِيّ على نفي الْقَتْل بِهِ (التَّفَاوُت فِي الْوَسِيلَة لَا يمْنَع الْقصاص) كالمتوسل إِلَيْهِ، وَهُوَ أَنْوَاع الْجِرَاحَات القاتلة (فَيَقُول) الْحَنَفِيّ قَائِلا بِالْمُوجبِ: إِنِّي أَقُول بِأَن التَّفَاوُت فِيهَا لَا يمْنَع، لَكِن (الْمَانِع) من الْقصاص (غَيره) أَي غير التَّفَاوُت فِي الْوَسِيلَة (وَنفي مَانع) خَاص (لَيْسَ نفي الْكل) أَي كل الْمَوَانِع، وَلَا يثبت مقصدك إِلَّا بِنَفْي

الْكل (وَيصدق) إِذا قَالَ هَذَا لَيْسَ مأخذي: أَي مَأْخَذ إمامي (لعدالته) وَكَونه أعرف بمذهبه أَو مَذْهَب إِمَامه، وَقيل: لَا يصدق إِلَّا بِبَيَان مَأْخَذ آخر لاحْتِمَال أَن يكون قَوْله على سَبِيل المعاندة. وَلَا يخفى أَن مثل هَذَا لَا يتَوَهَّم فِي حق الْعدْل الطَّالِب للصَّوَاب، فقد أبطل الْقَائِل بِالْمُوجبِ كَون التَّفَاوُت الْمَذْكُور مأخذا لَهُ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من عدم الْقصاص لتسليمه عدم مانعيته وإثباته مَانِعا آخر. (وَالثَّالِث) من أَقسَام القَوْل بِالْمُوجبِ (أَن يسكت) الْمُسْتَدلّ (عَن مُقَدّمَة) غير مَشْهُورَة (يظنّ الْعلم بهَا) أَي يظنّ أَن الْخصم يعلم تِلْكَ الْمُقدمَة فَلَا حَاجَة إِلَى ذكرهَا (فَيسلم) الْمُعْتَرض (الْمَذْكُورَة) من الْمُقدمَات (و) قد (بَقِي النزاع فِي) الْمُقدمَة (المطوية) للظن الْمَذْكُور (نَحْو) قَول الْمُسْتَدلّ (مَا ثَبت) شرعا من فعل الْمُكَلف كَونه (قربَة) وَعبادَة (فشرطه النِّيَّة كَالصَّلَاةِ) فَإِن صِحَّتهَا مَشْرُوطَة بِالنِّيَّةِ (وطوى) ذكر قَوْله (وَالْوُضُوء قربَة فَيَقُول) الْمُعْتَرض مَا ذكرته من اشْتِرَاط النِّيَّة فِيمَا ثَبت قربَة (مُسلم، وَمن أَيْن يلْزم أَن الْوضُوء شَرطه النِّيَّة) وَلم يطو الصُّغْرَى لتعين الْمَنْع، وَهُوَ أَنه لَا نسلم أَن الْوضُوء ثَبت قربَة بِحَيْثُ لَا يَخْلُو عَن وصف الْقرْبَة، فَلَا يكون من القَوْل بِالْمُوجبِ (قَالُوا) أَي الجدليون (لَا بُد فِيهِ) أَي فِي القَوْل بِالْمُوجبِ (من انْقِطَاع أَحدهمَا) أَي المتناظرين (إِذْ) فِي الْقسم الأول (لَو بَينه) أَي الْمُعَلل مُرَاده بِحَيْثُ لَا يبْقى للخصم مجَال إِثْبَات حكم أثْبته ذَلِك الْمُعَلل. ثمَّ ادّعى أَن النزاع فِي غير (مَحل النزاع) بدل من الضَّمِير الْمَنْصُوب، وَيحْتَمل أَن يكون فِي الْكَلَام حذف وإيصال، وَالتَّقْدِير لَو بَين لَهُ: أَي للخصم مَحل النزاع (أَو ملزومه) أَي ملزوم مَحل النزاع، فَإِن بَيَان الْمَلْزُوم بَيَان اللَّازِم (أَو) بَين الْمُعْتَرض الْمُدعى بطلَان المأخذ فِي الْقسم الثَّانِي (أَنه) أَي مَا ظن أَنه مَأْخَذ الْمُعَلل (مأخذه) فِي نفس الْأَمر، يبْقى مأخذية مَا سواهُ بِالدَّلِيلِ (أَو) بَين الْمُعَلل فِي الْقسم الثَّالِث (كَيْفيَّة) الْمُقدمَة (المحذوفة) على وَجه ينْتج مَطْلُوبه (انْقَطع الْمُعْتَرض) الْقَائِل بِالْمُوجبِ جَوَاب لَو، يَعْنِي إِذا لم يكن لَهُ مجَال بحث آخر غير القَوْل بِالْمُوجبِ (وَإِلَّا) أَي أَي وَإِن لم يتَحَقَّق شَيْء مِمَّا ذكر من بَيَان مَحل النزاع والمأخذ والكيفية انْقَطع (الْمُسْتَدلّ) إِذْ قد ظهر عدم إفضاء دَلِيله إِلَى مَطْلُوبه (واستبعد) انْقِطَاع أَحدهمَا (فِي) الْقسم (الْأَخير) والمستبعد ابْن الْحَاجِب (إِذْ مُرَاد الْمُسْتَدلّ أَن الْمَتْرُوك) المطوي ذكره (كالمذكور) لظُهُوره (و) مُرَاد (الْمُعْتَرض أَن الْمَذْكُور وَحده لَا يُفِيد، فَإِذا ذكر) الْمُسْتَدلّ (أَنه) أَي الدَّلِيل (الْمَجْمُوع) من الْمَذْكُور والمسكوت (لَا الْمَذْكُور وَحده وَحذف الْمَعْلُوم شَائِع) كَانَ (لَهُ) أَي أَي للمعترض (الْمَنْع) أَي منع استلزام الْمَجْمُوع، أَو كَون ذَلِك المطوي حَقًا (وَاسْتمرّ الْبَحْث) فَإِن سلم انْقَطع (وَكَذَا لَا يخفى بعد قَوْلهم) أَي الجدليين بَيَان انْقِطَاع أَحدهمَا فِي الْقسم الثَّانِي

لَو بَين الْمُسْتَدلّ (أَنه) أَي مَا ظن كَونه مأخذا للخصم (مأخذه) فِي نفس الْأَمر (بل يَقُول الْمُعْتَرض مأخذي غَيره) من غير تعْيين فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي اندفاع ذَلِك الْإِبْطَال، وَكَذَا يتَعَيَّن مأخذه فِيمَا ذهب إِلَيْهِ، ومتعلق الْجَار قَوْله انْقَطع الْمُسْتَدلّ إِن لم يكن لَهُ مجَال طعن فِيمَا بَين وَإِلَّا: أَي وَإِن لم يبين أَن مأخذه غَيره (أَو كَذَا انْقَطع) الْمُعْتَرض وَإِن لم يدْفع إبِْطَال الْمُسْتَدلّ لما ذكر، وَوجه الْبعد أَن الْمُعْتَرض لما ظن أَن مَأْخَذ الْمُسْتَدلّ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ كَذَا فأبطله تعين أَن يَقُول (الْمُسْتَدلّ) فِي دَفعه أَن مأخذي غَيره، أَو كَذَا أَن تيَسّر لَهُ، وَإِلَّا انْقَطع، هَذَا على مَا هُوَ الظَّاهِر، وَأما إِثْبَات الْمُسْتَدلّ أَنه لَا مَأْخَذ لَك سوى هَذَا وَهُوَ بَاطِل، فَلَا يخفى بعده لِأَنَّهُ أعرف بمأخذه، فَيَنْبَغِي أَن يُفَوض إِلَيْهِ بَيَان المأخذ، ثمَّ يظْهر وَجه اخْتِصَاص انْقِطَاع بعده لِأَنَّهُ أعرف بمأخذه، فَيَنْبَغِي أَن يُفَوض إِلَيْهِ بَيَان المأخذ، ثمَّ يظْهر وَجه اخْتِصَاص انْقِطَاع أحد المتناظرين بالْقَوْل بِالْمُوجبِ، بل يجْرِي فِي غَيره أَيْضا (وَظهر) من تَفْصِيل أَقسَام القَوْل بِالْمُوجبِ (أَن قَول الْحَنَفِيَّة أَنه) أَي القَوْل بِالْمُوجبِ (يلجئ أهل الطَّرْد) وَقد مر تَفْسِيره (إِلَى القَوْل بالتأثير) المستلزم عدم ثُبُوت الْعلية بِمُجَرَّد الطَّرْد (لِأَنَّهُ) أَي الْمُعْتَرض تَعْلِيل للإلجاء (لما سلم مُوجب علته) أَي الْمُسْتَدلّ لقَوْله بِمَا اقتضته علته كَعَدم مانعية الْقَتْل بالمثقل الْقصاص لعدم تَأْثِير التَّفَاوُت فِي الْوَسِيلَة (مَعَ بَقَاء الْخلاف) بَينهمَا فِي المسئلة (احْتَاجَ) أهل الطَّرْد (إِلَى معنى مُؤثر) فِي الحكم الْحَاصِل فِيمَا يدعى عليته (غير وَاقع) خبر أَن، وَمعنى عدم وُقُوع القَوْل عدم وُقُوع مقوله، وَهُوَ الإلجاء الْمَذْكُور، أَو القَوْل بِمَعْنى الْمَقُول. ثمَّ علل عدم الْوُقُوع بقوله (لِأَن غَايَة مَا يلْزمه) أَي الْمُعَلل (الْجَواب) عَن القَوْل بِالْمُوجبِ (بِمَا ذكرنَا) من بَيَان مَحل النزاع، أَو ملزومه أَو مأخذه أَو كَيْفيَّة الْمَحْذُوف (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَي مِمَّا ذكرنَا (ذَلِك) أَي القَوْل بالتأثير أَو الْمَعْنى الْمُؤثر وَالْحَاصِل أَنه لَا يلْزم الْمُعَلل إِلَّا مَا ذكرنَا، وَمَا قَالَه الْحَنَفِيَّة لَيْسَ مِنْهُ (وَبعد التَّمَكُّن من الْقيَاس) فَالْجَوَاب عَن الاستفسار والتقسيم على مَا عرفت (وتحرير مَحل النزاع يشرع) الْمُسْتَدلّ (فِيهِ) أَي الْقيَاس وَأول مقدماته حكم الأَصْل ثمَّ علته) أَي عِلّة حكم الأَصْل يرد (ثمَّ ثُبُوتهَا) أَي علته (فِي الْفَرْع مَعَ الشُّرُوط) الْمُعْتَبرَة فِي الْعلَّة وَالْحكم (الأول) أَي حكم الأَصْل يرد (عَلَيْهِ منع حكم الأَصْل) أَي منع ثُبُوتهَا مَا هُوَ حكم الأَصْل فِي ظن القائس فِي الأَصْل فِي نفس الْأَمر، كَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يَقُول عَلَيْهِ الْمَنْع من غير ذكر حكم الأَصْل، لِأَن إرجاع ضمير عَلَيْهِ إِلَيْهِ يُغني عَنهُ، لِأَن هَذَا الْمركب: أَعنِي منع حكم الأَصْل صَار كَالْعلمِ لهَذَا النَّوْع من الْمَنْع، وَلذَلِك منع وجود الْعلَّة وَمنع كَونه عِلّة، وَالْمَنْع أساس المناظرة، فَلَا يتَجَاوَز إِلَى غَيره إِلَّا بِسَبَب دَاع إِلَيْهِ، وَهل هُوَ قطع للمستدل، قيل نعم إِذْ الِاشْتِغَال بِإِثْبَات مَا منع انْتِقَال

إِلَى حكم آخر مثل الأول. (وَالصَّحِيح) أَن مجرده (لَيْسَ قطعا) للمستدل (وَأَنه) أَي هَذَا الْمَنْع (يسمع إِلَّا أَن اصْطَلحُوا) أَي أهل بلد المناظرة على عده قطعا، أَو على صَوْم سَمَاعه كَمَا قَالَ الْغَزالِيّ، من أَنه يتبع عرف الْمَكَان واصطلاح أَهله، وَهَذَا أَمر وضعي لَا مدْخل لِلْعَقْلِ وَالشَّرْع فِيهِ، وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح (وَهُوَ) أَي عدم سَمَاعه إِذا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ (محمل) قَول (أبي إِسْحَق) الشِّيرَازِيّ على مَا ذكره ابْن الْحَاجِب من أَنه لَا يسمع هَذَا الْمَنْع من الْمُعْتَرض وَلَا يلْزم الْمُسْتَدلّ الدّلَالَة على ثُبُوت حكم الأَصْل فينتفى استبعاده بِأَن غَرَض الْمُسْتَدلّ إِقَامَة الْحجَّة على خَصمه وَلَا يقوم عَلَيْهِ مَعَ كَون أَصله مَمْنُوعًا، وَأَن قيام الدَّلِيل عَلَيْهِ جُزْء الدَّلِيل وَلَا يثبت الدَّلِيل إِلَّا بِثُبُوت جَمِيع أَجْزَائِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَ قطعا (لِأَنَّهُ) أَي هَذَا الْمَنْع (منع بعض مُقَدمَات دَلِيله) أَي الْمُسْتَدلّ، وكما لَا يكون منع غير هَذَا الْبَعْض قطعا فَكَذَا وَهَذَا (وَإِلَّا) لَو كَانَ قطعا (فَكل منع قطع) إِذْ لَو فرق بَين المنوع (وَكَونه) أَي الْمُسْتَدلّ (بِهِ) أَي بِهَذَا الْمَنْع (ينْتَقل إِلَى) حكم شَرْعِي هُوَ حكم الأَصْل (مثل الأول) وَهُوَ حكم الْفَرْع (لَا يضر إِذا توقف) الأول (عَلَيْهِ) أَي الْمُنْتَقل إِلَيْهِ سَوَاء (وَسعه) أَي إِثْبَات مَا منع (مجْلِس) وَاحِد (أَو مجَالِس) مُتعَدِّدَة كَمَا لَو منع علية الْعلَّة أَو وجودهَا (وَلَو تعارفه) أَي كَون هَذَا الْمَنْع قطعا (طَائِفَة أُخْرَى) غير طَائِفَة الْمُسْتَدلّ لَا يضرّهُ إِذْ (لم يلْزم الْمُسْتَدلّ عرفهم) إِذْ لم يلتزمه (ثمَّ لَا يَنْقَطِع الْمُعْتَرض بِإِقَامَة دَلِيله) أَي دَلِيل حكم الأَصْل من الْمُسْتَدلّ من غير أَن تكون مقدماته مسلمة عِنْده (على الْمُخْتَار، إِذْ لَا يلْزم صِحَّته) أَي الدَّلِيل (من صورته فَلهُ) أَي للمعترض (الِاعْتِرَاض على مقدماته) أَي الدَّلِيل الْمَذْكُور، وَقيل يَنْقَطِع لِأَنَّهُ يسْتَلْزم الْخُرُوج عَن الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ، وَقد عرفت مَا فِيهِ. (وَأما معارضته) أَي حكم الأَصْل بِإِقَامَة الْمُعْتَرض دَلِيلا على خِلَافه بعد مَا أَقَامَ الْمُسْتَدلّ دَلِيلا عَلَيْهِ فَاخْتلف فِيهِ (فَقيل لَا) يسمع (لِأَنَّهُ غصب لمنصب الِاسْتِدْلَال) الَّذِي هُوَ حق الْمُسْتَدلّ، وَالْإِضَافَة بَيَانِيَّة، وَذهب جُمْهُور الْمُحَقِّقين من الْفُقَهَاء والمتكلمين إِلَى قبُولهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَيْسَ) الْإِيرَاد بالمعارضة بِغَصب (وَإِلَّا) لَو كَانَ غصبا (منعت) الْمُعَارضَة (مُطلقًا) لغير مَا ذكر وَلَيْسَت مَمْنُوعَة اتِّفَاقًا. (وَقَوله) أَي الْمَانِع لقبولها (يصير) الْمُعْتَرض بهَا (مستدلا فِي نفس صُورَة المناظرة) من غير تَبْدِيل بِصُورَة أُخْرَى (إِن أَرَادَ فِي عين دَعْوَى الْمُسْتَدلّ فمنتف) أَي فالاستدلال فِي عين دَعْوَاهُ مُنْتَفٍ، كَيفَ وَهُوَ يسْتَدلّ على خلَافهَا (أَو) أَرَادَ (فِي تِلْكَ المناظرة فَلَا بَأْس) بِهِ (كمعارضة الدَّلِيل) وَهِي إِقَامَة الدَّلِيل على خلاف مدعي دَلِيل الْخصم (وَلَا تتمّ المناظرة) أَي لَا تَنْتَهِي (إِلَّا بِانْقِطَاع أَحدهمَا) انْقِطَاعًا اعْتَبرهُ المتناظرون (مِثَاله) أَي مِثَال الأول، أَعنِي منع حكم الأَصْل (للشَّافِعِيَّة جلد الْخِنْزِير لَا يقبل الدباغة) أَي لَا يطهر بهَا (لنجاسة

عينه) والدباغة لَا تزيل الْعين بل رطوباته النَّجِسَة (كَالْكَلْبِ) أَي كَمَا أَن جلد الْكَلْب لَا يقبلهَا لنجاسة عينه فَحكم الأَصْل الَّذِي هُوَ جلد الْكَلْب عدم قبُوله إِيَّاهَا (فَيمْنَع كَون جلد الْكَلْب لَا يقبلهَا، و) مِثَاله حكم الأَصْل (فِي الْعِلَل الطردية) الْمَنْع الْوَارِد فِي قَوْلهم (الْمسْح ركن فَيسنّ تكريره) لركنيته (كالغسل) أَي كَمَا أَن الْغسْل يسن تكريره لركنيته (فَيمْنَع سنية تَكْرِير الْغسْل) الَّذِي هُوَ الأَصْل (بل) السّنة فِي الْغسْل (إكماله، غير أَنه) أَي الْغسْل (استغرق مَحَله) الَّذِي هُوَ تَمام الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ إِلَى الْمرْفقين والكعبين، فَلَا يتَصَوَّر إكماله باستيعابه مَحَله، فَإِن أصل الْفَرْض لَا يُؤَدِّي بِدُونِ الِاسْتِيعَاب (فَكَانَ) إكماله أَي الْغسْل (بتكريره، بِخِلَاف الْمسْح) فَإِنَّهُ لم يسْتَغْرق مَحَله من حَيْثُ الْفَرْضِيَّة، فَإِن الْمَفْرُوض فِيهِ ربع الرَّأْس (فتكميله) أَي الْمسْح (باستيعابه) أَي الْمحل بِهِ فَإِن قلت إِذا كَانَت السّنة إِلَّا كَمَال الْمُطلق وَهُوَ يحصل بِأحد الْأَمريْنِ فَلم عينتم الِاسْتِيعَاب قلت: ثَبت من الشَّارِع الِاسْتِيعَاب لَا التَّثْلِيث (وَقَوْلهمْ) أَي الشَّافِعِيَّة صَوْم رَمَضَان (صَوْم فرض). وَفِي بعض النّسخ وَفِي وَجَوَاب مَرْدُود قَوْلهم إِلَى آخِره: أَي ومثاله فِي جَوَاب من يردد قَوْلهم (فَيجب تَعْيِينه) بِالنِّيَّةِ (كالقضاء) أَي كَمَا أَن قَضَاء رَمَضَان صَوْم فرض يجب تَعْيِينه بِالنِّيَّةِ (فَيُقَال: إِن) كَانَ المُرَاد وجود تَعْيِينه بِالنِّيَّةِ (بعد تعْيين الشَّرْع) الزَّمَان (لَهُ ف) هُوَ (مُنْتَفٍ فِي الأَصْل) أَي الْقَضَاء فَإِن الشَّارِع لم يعين لَهُ زَمَانا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن المُرَاد مَا ذكر بل وجوب تَعْيِينه بِالنِّيَّةِ من غير تعْيين الشَّرْع الزَّمَان لَهُ (فَفِي الْفَرْع) أَي فَهَذَا مُنْتَفٍ فِي صَوْم رَمَضَان لتعيين الشَّرْع الزَّمَان لَهُ. (الثَّانِي) أَي عِلّة حكم الأَصْل يرد (عَلَيْهِ منوع: أَولهَا منع وجود الْعلَّة فِي الأَصْل، مِثَاله للشَّافِعِيَّة فِي الْكَلْب) الْكَلْب (حَيَوَان يغسل) الْإِنَاء (من ولوغه سبعا فَلَا يطهر) جلده (بالدباغة كالخنزير) فَإِنَّهُ حَيَوَان يغسل الْإِنَاء من ولوغه سبعا (فَيمْنَع كَون الْخِنْزِير يغسل) الْإِنَاء من ولوغه (سبعا و) مِثَاله لَهُم أَيْضا (فِي) الْعِلَل (الطردية) فِي استنان تثليث الْمسْح مسح الرَّأْس (مسح فَيسنّ تثليثه كالاستنجاء) فَإِنَّهُ مسح فَيسنّ تثليثه (فَيمْنَع كَون الِاسْتِنْجَاء طَهَارَة مسح، بل) الِاسْتِنْجَاء طَهَارَة (عَن) النَّجَاسَة (الْحَقِيقِيَّة) قصد بِهِ إِزَالَتهَا، فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ مَا قصد بِهِ إِزَالَة النَّجَاسَة الْحكمِيَّة لعدم وجود الْعلَّة الَّتِي هِيَ طَهَارَة مسح فِي الأَصْل، وَهُوَ الِاسْتِنْجَاء: وَمن ثمَّة كَانَ غسلهَا بِالْمَاءِ أفضل والاستنجاء علته إِذا لم يتلوث شَيْء من ظَاهر بدنه. (وَجَوَابه) أَي هَذَا الْمَنْع (بِإِثْبَات وجوده) أَي الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْعلَّة فِي الأَصْل (حسا) أَي وجودا حسيا إِن كَانَ الْوَصْف من الحسيات (أَو عقلا) أَي عقليا كَانَ من العقليات (أَو شرعا

إِن كَانَ من الْأَوْصَاف الَّتِي اعتبرها الشَّرْع (ثَانِيهَا) أَي النَّوْع (منع كَونه) أَي الْوَصْف الْمُدعى عليته فِي الأَصْل (عِلّة، وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَنْع (قَول الْحَنَفِيَّة) أَي المُرَاد بقَوْلهمْ (منع نسبته) أَي الحكم (إِلَيْهِ) أَي الْوَصْف، هَكَذَا نُسْخَة الشَّارِح. وَفِي نُسْخَة أُخْرَى منع نِسْبَة الحكم إِلَيْهِ وَهُوَ الْأَظْهر. وَاخْتلف فِي قبُوله، فَقيل لَا يقبل. (وَالصَّحِيح قبُوله: لِأَن الْقيَاس المورد عَلَيْهِ) هَذَا الْمَنْع (مُسَاوَاة فِي) وصف (مُشْتَرك) مَوْجُود فِي الأَصْل وَالْفرع (تظن الإناطة) أَي إناطة الحكم (بِهِ) أَي بذلك الْوَصْف الْمُشْتَرك فَهُوَ منَاط الحكم بِحَسب ظن الْمُجْتَهد، وَهَذَا لَا يسْتَلْزم كَونه مناطا بِحَسب نفس الْأَمر لِئَلَّا يقبل الْمَنْع (وَأما مُسَاوَاة فرع الأَصْل فِي عِلّة حكمه) عِنْد الشَّارِع (فَالْقِيَاس) أَي فَهِيَ الْقيَاس (فِي نفس الْأَمر) وَهُوَ لَيْسَ بالمورد عَلَيْهِ. فِي الشَّرْح العضدي قَالُوا أَولا: الْقيَاس حَده وَحَقِيقَته إِنَّه إِلْحَاق فرع بِأَصْل بِجَامِع وَقد حصل، وَإِذا ثَبت مدعاه فَلَا يُكَلف بِإِثْبَات مَا لم يَدعه وَالْجَوَاب لَا نسلم أَن حد الْقيَاس وَحَقِيقَته ذَلِك، بل إِلْحَاق فرع بِأَصْلِهِ بِجَامِع يظنّ صِحَّته وَلم يُوجد هَذَا الْقَيْد (قَالُوا) أَي المانعون قبُول هَذَا الْمَنْع (عدوله) أَي الْمُعْتَرض من الْإِبْطَال (إِلَى الْمَنْع) الْمُجَرّد عَن السَّنَد (دَلِيل عَجزه عَن إِبْطَاله) أَي إبِْطَال كَون الْوَصْف عِلّة للْحكم (أَي نقضه). وَفِي الشَّرْح الْمَذْكُور قَالُوا ثَانِيًا: عجز عَن إبِْطَال دَلِيل صِحَّته، إِذْ طَرِيق عدم الْعلية من كَون الْوَصْف طرديا وإبداء وصف آخر وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يخفى على الْمُجْتَهد والمناظر، فَلَو وجد لوجده، وَلَو وجده لأظهره فالفرار إِلَى مُجَرّد الْمَنْع يكفينا دَلِيلا على أَنه صَحِيح، فَلَا يسمع الْمَنْع وَلَا يشْتَغل بجوابه، لِأَنَّهُ شَاهد على نَفسه بِالْبُطْلَانِ، وَالْمُصَنّف أَشَارَ إِلَى بعض مُقَدمَات دليلهم الأول فِي ضمن تعليليه للصحيح، وَإِلَى الْبَعْض الآخر فِي ضمن دليلهم الثَّانِي مَعَ تَغْيِير فِي التَّقْرِير كَمَا ترى (لِأَن مرجعه) أَي النَّقْض (إِلَى منع) مقرون (بِسَنَدِهِ) فَإِنَّهُم ردوا النَّقْض الإجمالي إِلَى منع مُسْند كَمَا سَيَجِيءُ، وَهَذَا تَعْلِيل لكَون هَذَا الْمَنْع عُدُولًا عَن النَّقْض الَّذِي لَا بُد فِيهِ من مُسْتَند فَإِنَّهُ قد ادّعى ضمنا (أَو كَونه) أَي كَون الْوَصْف الْمَذْكُور (طرديا) لَا تَأْثِير لَهُ فِي الحكم مَعْطُوف على نقضه، فَإِن الْإِبْطَال كَمَا يحصل بِالنَّقْضِ يحصل بِبَيَان كَون الْوَصْف طرديا، فَإِن التَّأْثِير لَا بُد مِنْهُ فِي وصف الْقيَاس (أما) الْمَنْع (بِغَيْرِهِ) أَي غير مَا ذكر من النَّقْض والطردية (فغصب) من الْمُعْتَرض (لِأَنَّهُ) أَي الْمُسْتَدلّ (لم يسْتَدلّ عَلَيْهِ) أَي على حكم الأَصْل بِأَن يَدعِي ثُبُوت الحكم فِي الأَصْل مُعَللا بِوُجُود مَا هُوَ عِلّة الحكم فِيهِ حَتَّى تكون عليته من مُقَدمَات الدَّلِيل، فَيتَّجه عَلَيْهَا الْمَنْع، وَإِنَّمَا ادّعى إِلْحَاق الْفَرْع بِالْأَصْلِ لاشْتِرَاكهمَا فِي الْعلَّة وَالْعلَّة للْحكم أَمر مفروغ مِنْهُ، فَإِذن علم أَن منصب الْمُعْتَرض لَيْسَ سوى النَّقْض بِبَيَان تخلف الحكم عَن الْعلَّة وَبَيَان طردية

الْوَصْف وَمَا سواهُ غصب، وَالْمَنْع الْمَذْكُور وَلَيْسَ مِنْهُمَا، وارتكاب الْغَصْب دَلِيل الْعَجز: وَهَذَا عِنْد الْبَعْض، وَعند غَيره لَيْسَ بِغَصب لِأَنَّهُ وَإِن لم يسْتَدلّ عَلَيْهِ لكنه مِمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة مَا اسْتدلَّ عَلَيْهِ من حكم الْفَرْع، وَيرد عَلَيْهِ أَن تَعْلِيله على هَذَا الْوَجْه يُنَافِي اتفاقه مَعَ غَيره على تَقْدِير الِاسْتِدْلَال: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال أَنه لَا يقبل هَذَا الْمَنْع مُطلقًا غير أَنه يسْتَدلّ لعدم الْقبُول فِي كل صُورَة بطرِيق (وَإِلَّا) لَو فرض أَنه اسْتدلَّ عَلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِك (لم يسمع الْمَنْع اتِّفَاقًا) من الجدليين المانعين لقبُول هَذَا الْمَنْع وَغَيرهم (لِأَنَّهُ) أَي الْمَنْع (بعد إِقَامَة الدَّلِيل غير مُنْتَظم) عقلا (لِأَنَّهُ) أَي الْمَنْع (طلبه) أَي الدَّلِيل (وَقد حصل) الدَّلِيل فَطَلَبه تَحْصِيل الْحَاصِل، وَيرد عَلَيْهِ أَنه لم يسْتَدلّ على علية الْعلَّة حَتَّى يلْزمه تَحْصِيل الْحَاصِل، بل على حكم الأَصْل. فَالْوَجْه أَن لَا يُفَسر الضَّمِير فِي لم يسْتَدلّ عَلَيْهِ بِحكم الأَصْل كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح بعلية الْوَصْف (بل) الْمَنْع إِنَّمَا يكون (فِي مقدماته) أَي الدَّلِيل، وعَلى تَقْدِير عدم الِاسْتِدْلَال مَا ثمَّ مُقَدمَات لتمنع فَإِن قلت: قد سبق أَن النَّقْض منع بِسَنَد فَمَا الْفرق بَينه وَبَين الْمَنْع بِلَا سَنَد الْمُوجب سَماع أَحدهمَا قبل الِاسْتِدْلَال دون الآخر قلت: الْفرق أَن الْمَنْع بِلَا سَنَد مورده الْمُقدمَة الْمعينَة، وَحَيْثُ لَا اسْتِدْلَال لَا تعْيين للمقدمات، وَأما الَّذِي منع السَّنَد فمورده مُقَدّمَة لَا على التَّعْيِين والمستدل لَا بُد لَهُ من دَلِيل قبل إبراز الدَّلِيل فَهُوَ بمقدماته مَعْلُوم إِجْمَالا، وَهَذَا الْقدر يَكْفِي فِي النَّقْض الإجمالي (قُلْنَا الْمُلَازمَة) الَّتِي ادَّعَاهَا المانعون بَين الْعُدُول إِلَى الْمَنْع وَالْعجز عَن الْإِبْطَال (مَمْنُوعَة) لجَوَاز الْعُدُول مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ لنكتة كالامتحان للمستدل هَل يقدر على إِثْبَات الْعلية أم لَا (وَلَو سلمت) الْمُلَازمَة (لَا يلْزم) من عَجزه عَن إبِْطَال كَون الْوَصْف عِلّة (صِحَّته) أَي صِحَة كَونه عِلّة فِي نفس الْأَمر (لانتفاضه) أَي هَذَا الدَّلِيل (بِكَثِير) من الصُّور الَّتِي يعجز فِيهَا الْمُعْتَرض عَن إبِْطَال الْمُدعى، وَلم يقل بِصِحَّتِهِ أحد، وَإِذا كَانَت هَذِه الْمُلَازمَة الَّتِي جعلت دَلِيل الصِّحَّة منقوضة كَانَت غير مستلزمة لَهَا، فَبَقيَ صِحَة الْعلية مشكوكة، وَالْعلم بِصِحَّة الْقيَاس مَوْقُوف على الْعلم بِصِحَّتِهَا، ثمَّ فِي نُسْخَة (إِذْ يلْزم صِحَة كل مَا عجز الْمُعْتَرض عَن إِبْطَاله حَتَّى دَلِيل الْحُدُوث). وَفِي الشَّرْح العضدي وَالْجَوَاب أَنه يَقْتَضِي أَن كل صُورَة عجز الْمُعْتَرض عَن إِبْطَالهَا فَهُوَ صَحِيح حَتَّى دَلِيل الْحُدُوث وَالْإِثْبَات، بل حَتَّى دَلِيل النقيضين إِذا تَعَارضا، وَعجز كل عَن إبِْطَال دَلِيل الآخر انْتهى. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: يَعْنِي حُدُوث الْعَالم أَو إِثْبَات الصَّانِع، فَإِن الْمَطْلُوب وَإِن كَانَ حَقًا لَكِن لَا يَصح دليلهما بِمُجَرَّد عجز الْمُعْتَرض عَن إِبْطَاله، بل لَا بُد من وَجه دلَالَة وَصِحَّة تَرْتِيب (وَإِذا بَينه) أَي الْمُسْتَدلّ كَون الْوَصْف عِلّة (بِنَصّ لَهُ) أَي للمعترض (الِاعْتِرَاض بِمَا يُمكن) الِاعْتِرَاض بِهِ (على ذَلِك السمعي) من منع دلَالَته وَصَرفه عَن الظَّاهِر

بدليله وطعنه فِي السَّنَد إِلَى غير ذَلِك (ومعارضته) بِنَصّ آخر مقاوم لَهُ مَعْطُوف على الِاعْتِرَاض فَعلم أَن الْمُعَارضَة لَا تسمى إعْرَاضًا، بل لَا بُد فِيهِ من التَّعَرُّض لدَلِيل الْمُسْتَدلّ (وَكَذَا الْإِجْمَاع) أَي إِذا بَين كَون الْوَصْف عِلّة بِالْإِجْمَاع للمعترض الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ بِمَا يُمكن من منع وجود الْإِجْمَاع لصريح الْمُخَالفَة، وَمنع دلَالَته على كَون الْوَصْف عِلّة وطعنه فِي طَرِيق الْإِخْبَار عَنهُ (وَيزِيد) فِي بَيَانه بِالْإِجْمَاع الِاعْتِرَاض (بِنَفْي كَونه) أَي الْإِجْمَاع (دَلِيلا بِنَحْوِ كَون السُّكُوت يفِيدهُ) أَي الْوِفَاق المستلزم للْإِجْمَاع، وَالْبَاء فِي قَوْله بِنَحْوِ للسَّبَبِيَّة مُتَعَلقَة بِكَوْنِهِ دَلِيلا، فَإِن قسما من الْإِجْمَاع صَيْرُورَته إِجْمَاعًا دَالا على ثُبُوت الحكم الشَّرْعِيّ إِنَّمَا هُوَ بقول الْبَعْض وسكوت البَاقِينَ، وَعدم الْإِنْكَار على الْقَائِل مَعَ عدم الْعلم بقوله قبل اسْتِقْرَار الْمَذْهَب، وَفِيه اخْتِلَاف على مَا بَين فِي مَوْضِعه وَإِنَّمَا قَالَ بِنَحْوِ ليشْمل أقساما أخر مِنْهُ مِمَّا اخْتلف فِيهِ: فَالْمَعْنى أَن الْمُعْتَرض يَنْفِي كَونه دَلِيلا وإجماعا بِسَبَب مَا ذكرنَا، السَّبَبِيَّة قيد للمنفي لَا النَّفْي، وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق الْبَاء بِالنَّفْيِ فَيكون قيدا للنَّفْي (إِن كَانَ) الْإِجْمَاع الْمُثبت بِهِ الْعلية (مِنْهُ) أَي من نَحْو الْإِجْمَاع السكوتي (أَو) بَينه (بِغَيْرِهِمَا) أَي النَّص وَالْإِجْمَاع (من) مَسْلَك (مُخْتَلف) فِيهِ (كالدوران لَهُ) منع صِحَّته (وَللْآخر) أَي الْمُسْتَدلّ (إِثْبَاتهَا) أَي صِحَّته (وَقَول بعض الْحَنَفِيَّة) كصاحب الْمنَار هَذَا الْمَنْع (يلجئ أهل الطَّرْد) الْقَائِل بالدوران (إِلَى القَوْل بالتأثير) وَاعْتِبَار الشَّرْع علية الْوَصْف على التَّفْصِيل الْمَذْكُور وَعدم الِاكْتِفَاء بِمُجَرَّد الدوران (لِأَنَّهُ) أَي الْمُعْتَرض (لَا يقبل غَيره) أَي غير الْمُؤثر فيضطر إِلَى إثْبَاته ليمكنه إِلْزَام الْخصم (يفِيدهُ) الضَّمِير الْمَنْصُوب للمبتدأ، وَالْفَاعِل قَوْله (نفي تَمْكِينه) أَي تَمْكِين الْمُعْتَرض الْمُسْتَدلّ (من إثْبَاته) أَي إِثْبَات صِحَة غير الْمُؤثر وَهُوَ الْوَصْف الطردي وَالْحَاصِل أَنه لما قَالَ للْآخر إِثْبَاتهَا اتجه أَن يَقْتَضِي قَول الْبَعْض أَنه لَيْسَ لَهُ ذَلِك، لِأَن القَوْل بالتأثير إِذا كَانَ لَازِما عَلَيْهِ لَا يتَمَكَّن من إِثْبَات صِحَة غير الْمُؤثر، فَقَالَ إِن ذَلِك القَوْل يُؤَيّدهُ، وَيدل عَلَيْهِ نفي التَّمْكِين، وَفِي بعض النّسخ يُفِيد نفي عَكسه وَمَعْنَاهُ ظَاهر (وَمُقْتَضى مَا) ذكر (فِي الِانْتِقَال) الْمَذْكُور فِيمَا سبق، من أَنه لَا يلْزم الْمُسْتَدلّ عرف طَائِفَة الْمُعْتَرض (يُخَالِفهُ) أَي القَوْل الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ إِذا لم يلْزم عَلَيْهِ مُرَاعَاة مَذْهَب الْمُعْتَرض فَلهُ أَن يثبت صِحَة الْوَصْف الطردي بِمَا يَقْتَضِيهِ مذْهبه (إِلَّا أَن حمل) قَول الْبَعْض (على أَنه) أَي الْوَصْف الطردي (لَا ينتهض) أَي لَا يقوم حجَّة (لأوجه الْبطلَان) أَي وُجُوه بطلَان علية الْوَصْف الطردي متضافرة ظَاهِرَة بِحَيْثُ لَا يقدر أهل الطَّرْد على إِثْبَات عليته (فَيرجع) أهل الطَّرْد بِالضَّرُورَةِ (إِلَى التَّأْثِير) والإتيان بالمؤثر إِن أمكنه وَألا يَنْقَطِع (لكنه) أَي الرُّجُوع إِلَى الْمُؤثر (انْتِقَال) من عِلّة (إِلَى) عِلّة (أُخْرَى لإِثْبَات الحكم الأول، وَهُوَ) أَي الحكم الأول

(علية الْوَصْف) لإِثْبَات الحكم الْأَصْلِيّ (هُنَا) أَي فِيمَا نَحن فِيهِ من جَوَاب الْمَنْع الْمَذْكُور (وَعلمت مَا فِيهِ) أَي مَا فِي هَذَا الِانْتِقَال من اخْتِلَاف النظار هَل هُوَ انْقِطَاع أم لَا، وَمن أَن الْمُخْتَار مَا هُوَ (مِثَاله) أَي مِثَال الْمَنْع الَّذِي كلامنا فِيهِ فِي الْقيَاس الْمَذْكُور (للشَّافِعِيَّة فِي ذَلِك الْمِثَال) السَّابِق ذكره، يَعْنِي قَوْله الْكَلْب حَيَوَان يغسل من ولوغه سبعا، فَلَا يطهر بالدباغة كالخنزير (منع كَون الْغسْل سبعا عِلّة عدم قبُوله) أَي جلد الْخِنْزِير (الدباغة شرعا، و) مِثَاله (للحنفية فِي قَول الشَّافِعِيَّة) الْأَخ (لَا يعْتق على أَخِيه) بِملكه إِيَّاه (إِذْ لَا بعضية بَينهمَا) أَي الْأَخَوَيْنِ (كَابْن الْعم) فَإِنَّهُ لَا يعْتق على ابْن عَمه، إِذْ لَا بعضية بَينهمَا (منع أَنَّهَا) أَي البعضية (الْعلَّة فِي الْعتْق لينتفى الحكم) الَّذِي هُوَ الْعتْق (بِانْتِفَاء الْعلَّة المتحدة) فِي صُورَتي ملك الْأَخ وَملك ابْن الْعم، وَهِي البعضية: وَلَا يخفى أَن مَحل الْمَنْع فِي الْمِثَال الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ علية عدم البعضية لعدم الْعتْق، غير أَنه لما كَانَ منع علية الْعَدَم للعدم فرع منع مَا ذكر صرح بِهِ ليفهم ذَلِك ضمنا على الطَّرِيق البرهاني (بل) الْعلَّة لِلْعِتْقِ (الْقَرَابَة الْمُحرمَة) وَهِي مَوْجُودَة فِي الآخرين دون ابْن الْعم (ثَالِثهَا) أَي المنوع (عدم تَأْثِيره) أَي الْوَصْف فِي ترَتّب الحكم عَلَيْهِ وَفِيه مُسَامَحَة، لِأَن عدم التَّأْثِير لَازم الْمَنْع لَا عينه (للشَّافِعِيَّة أَي) إِفْرَاد هَذَا الْمَنْع بِالذكر لَهُم: أَي عدم (اعْتِبَاره) عِلّة للْحكم شرعا تَفْسِير لعدم تَأْثِيره (وقسموه) أَي الشَّافِعِيَّة عدم تَأْثِيره (أَرْبَعَة) من الْأَقْسَام مَنْصُوب بقسموه على تضمين الْجعل، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من (أَن يظْهر عدم تَأْثِيره) أَي الْوَصْف (مُطلقًا) فِي حكم الأَصْل وَغَيره (أَو) أَن يظْهر (فِي) حكم (ذَلِك الأَصْل) الَّذِي جعل الْوَصْف عِلّة لَهُ (أَو) أَن يظْهر عدم تَأْثِيره (قيد مِنْهُ) أَي من الْوَصْف (مُطلقًا) أَي فِي حكم ذَلِك الأَصْل وَغَيره (أَو لَا) يظْهر شَيْء من ذَلِك (بل يسْتَدلّ عَلَيْهِ) أَي على عدم تَأْثِيره (بِعَدَمِ اطراده) أَي الْوَصْف (فِي مَحل النزاع) وَهُوَ الحكم الْمُتَنَازع فِيهِ بتحققه مَعَه تَارَة فِي بعض الْموَاد وتخلفه عَنهُ أُخْرَى فِي بعض أخر (وردوا) أَي الشَّافِعِيَّة الْقسم (الأول) أَي عدم تَأْثِيره مُطلقًا (و) الْقسم (الثَّالِث) أَي عدم تَأْثِير قيد مِنْهُ فِي ذَلِك الأَصْل وَغَيره (إِلَى الْمُطَالبَة بعلية الْوَصْف) الْمعبر عَنْهَا فِيمَا سبق بِمَنْع كَونه عِلّة (وَجَوَابه) أَي جَوَاب الْمَرْدُود إِلَيْهِ (الْمُتَقَدّم جَوَابه) أَي الْمَرْدُود (و) ردوا (الثَّانِي) أَي عدم تَأْثِيره فِي الأَصْل. (وَالرَّابِع) أَن لَا يظْهر شَيْء من ذَلِك (إِلَى الْمُعَارضَة) فِي الأَصْل بإبداء عِلّة أُخْرَى (على خلاف فِي الرَّابِع) يَأْتِي قَرِيبا. وَفِي الشَّرْح العضدي أَن حَاصِل الأول وَالثَّالِث منع الْعلية وَحَاصِل الثَّانِي وَالرَّابِع الْمُعَارضَة فِي الأَصْل بإبداء عِلّة أُخْرَى، وَقد يُقَال أَن ذَلِك لعدم التَّمْيِيز بَين مَا يقْصد بِهِ منع الْعلية ليدل عَلَيْهَا، وَبَين الدَّلِيل على عدمهَا. وَكَذَا بَين إبداء مَا يُوجب احْتِمَال

علية الْغَيْر وَبَين مَا يُوجب الْجَزْم بهَا (مِثَال الأول وَيُسمى) أَي الأول (عدم التَّأْثِير فِي الْوَصْف) أَن يُقَال (فِي) صَلَاة (الصُّبْح) صَلَاة (لَا يقصر فَلَا يقدم أَذَانه) على وَقتهَا، وتذكير الضَّمِير بِاعْتِبَار لفظ الصُّبْح (كالمغرب) فَإِنَّهُ صَلَاة لَا تقصر فَلَا يقدم أَذَانه (فَيرد) عَلَيْهِ أَن يُقَال (عدم الْقصر لَا أثر لَهُ فِي عدم تَقْدِيم الْأَذَان، إِذْ لَا مُنَاسبَة) بَينهمَا تَقْتَضِي ذَلِك (وَلَا شبه) وَهُوَ على مَا ذكرنَا أَن لَا تكون الْمُنَاسبَة بَين الْوَصْف وَالْحكم بِالنّظرِ إِلَى ذَات الْوَصْف، بل بِاعْتِبَار شُبْهَة الْوَصْف الْمُنَاسب للْحكم بِذَاتِهِ، وَهُوَ على مَا ذكر أَن لَا تكون الْمُنَاسبَة بَين الْوَصْف وَالْحكم بِالنّظرِ إِلَى ذَات الْوَصْف (و) مِثَال (الثَّانِي فِي منع بيع الْغَائِب) عِنْد الشَّافِعِيَّة (وَيُسمى) أَي الثَّانِي (عدم التَّأْثِير فِي الأَصْل) الْغَائِب (مَبِيع غير مرئي فَلَا يَصح) بَيْعه (كالطير فِي الْهَوَاء) أَي كَمَا أَن الطير فِي الْهَوَاء الْوَصْف وَهُوَ كَونه غير مرئي، وَإِذا ناسب نفي الصِّحَّة إِذْ لَا تَأْثِير لَهُ فِي الأَصْل كَذَلِك فِي نُسْخَة الشَّارِح، وَفِي نُسْخَة مَصَحَّة (فَيرد هَذَا وَإِن ناسب) أَي فَيرد هَذَا الْمَبِيع وَإِن ناسب الْوَصْف مَا ذكر، أَو الْمَعْنى فَيرد أَن يُقَال وَإِن ناسب الْوَصْف (فَفِي الأَصْل مَا يسْتَقلّ) بِمَنْع الصِّحَّة فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير: أَي فَفِي الأَصْل مَا يسْتَقلّ وَإِن ناسب، وعَلى الأول قَوْله فَفِي الأَصْل تَفْصِيل لبَيَان الْعلَّة الْمُغنيَة عَن الْمُنَاسب الْمَذْكُور الْمَعْلُوم تأثيرها شرعا (وَهُوَ) أَن مَا يسْتَقلّ بِمَنْع الصِّحَّة (الْعَجز عَن التَّسْلِيم، وَلذَا) أَي وَلما أَن فِي الأَصْل مَا يسْتَقلّ بِهِ (رَجَعَ) هَذَا الْقسم (إِلَى الْمُعَارضَة فِي الْعلَّة) بإبداء عِلّة أُخْرَى (وَبِه) أَي بِهَذَا الْبَيَان (ينْكَشف أَن اعْتِبَار جنسه) أَي جنس هَذَا الِاعْتِرَاض (ظُهُور عدم التَّأْثِير غير وَاقع إِذْ لم يظْهر عدم مُنَاسبَة فِي غير مرئي) أَي كَون الْمَبِيع غير مرئي، وَهُوَ الْوَصْف الَّذِي أبداه الْمُسْتَدلّ (بِمَا أبداه) أَي بِسَبَب مَا أبداه الْمُعْتَرض من الْعَجز عَن التَّسْلِيم (بل جوزه مَعَه) أَي بل جوز الْمُعْتَرض مَا أبداه مَعَه: أَي مَعَ مَا أبداه الْمُسْتَدلّ وَهُوَ كَونه غير مرئي (و) مِثَال (الثَّالِث وَيُسمى عدم التَّأْثِير فِي الحكم) يحصل (لَو قَالَ الْحَنَفِيَّة فِي الْمُرْتَدين) إِذا أتلفوا أَمْوَالنَا هم (مشركون أتلفوا مَالا فِي دَار الْحَرْب فَلَا يضمنُون) مَا أتلفوا إِذا أَسْلمُوا كَسَائِر الْمُشْركين (فَيرد لَا تَأْثِير لدار الْحَرْب) فِي نفي الضَّمَان عنْدكُمْ (للانتفاء) أَي لانْتِفَاء الضَّمَان (فِي غَيرهَا) أَي غير دَار الْحَرْب (عنْدكُمْ) فَإِن الْمُرْتَد بعد اللحاق بدار الْحَرْب لَا يضمن لشَيْء من حُقُوق الْعباد إِذا أسلم بعد ذَلِك، وَإِن أتلف فِي غير دَار الْحَرْب أَيْضا كَسَائِر الْمُشْركين من الْحَرْبِيين (فَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (كَالْأولِ) فِي أَن مرجعهما إِلَى الْمُطَالبَة بتأثير الْوَصْف فِي الأَصْل (و) مِثَال (الرَّابِع وَيُسمى عدم التَّأْثِير فِي الْفَرْع) مَا فِي قَوْلهم (زوجت نَفسهَا من غير كُفْء فَيرد) تَزْوِيجهَا (كتزويج الْوَلِيّ الصَّغِيرَة من غير كُفْء فَيَقُول) الْمُعْتَرض (لَا أثر لغير كُفْء) فِي الرَّد (لتحَقّق النزاع فِيهِ) أَي فِيمَا إِذا زوجت نَفسهَا من كُفْء (أَيْضا فَرجع) هَذَا (إِلَى الْمُعَارضَة بتزويج نَفسهَا فَقَط) وَحَاصِله

أَن الْمُسْتَدلّ أبدى عِلّة وَهُوَ التَّزْوِيج للنَّفس بِغَيْر الْكُفْء، والمعترض أبدى غَيرهَا وَهُوَ تَزْوِيج نَفسهَا من غير تَقْيِيد بالكفء وَغَيره (وَلَا يخفى رُجُوعه) أَي الرَّابِع (إِلَى الثَّالِث) وَهُوَ عدم تَأْثِير قيد ذكر مَعَه فَرجع إِلَى الْمُطَالبَة بتأثير ذَلِك فِيهِ (وَظهر أَنه) أَي ذَلِك الِاعْتِرَاض (لَيْسَ سؤالا مُسْتقِلّا) بل هُوَ إِمَّا مُطَالبَة بعلية الْوَصْف أَو مُعَارضَة بعلة أُخْرَى (فَتَركه الْحَنَفِيَّة ل) أجل (هَذَا وَلما نذْكر. ثمَّ الْمُخْتَار أَن الثَّالِث مَرْدُود إِذا اعْترف الْمُسْتَدلّ بطرديته) أَي بطردية ذَلِك الْمُقَيد (وَغير مَرْدُود إِن لم يعْتَرف) بطرديته (لجَوَاز) وجود (غَرَض صَحِيح) للمستدل فِي إِيرَاد ذَلِك الْقَيْد، فِي الشَّرْح العضدي لما كَانَ حَاصِل الْقسم الرَّابِع وجود قيد طردي فِي الْوَصْف الْمُعَلل بِهِ ذكر لذَلِك قَاعِدَة تتَعَلَّق بِهِ وَهِي كل مَا فرض جعله وَصفا فِي الْعلَّة من طردي هَل هُوَ مَرْدُود سد المتناظرين فَلَا يجوزونه، أما إِذا كَانَ الْمُسْتَدلّ معترفا بِأَنَّهُ طردي فالمختار أَنه مَرْدُود لِأَنَّهُ فِي كَونه جُزْء الْعلَّة كَاذِب باعترافه وَأَنه كجدل قَبِيح، وَقيل لَيْسَ بمردود لِأَن الْغَرَض استلزام الحكم، فالجواز استلزم قطعا، وَأما إِذا لم يكن معترفا بِأَنَّهُ طردي فالمختار أَنه غير مَرْدُود لجَوَاز أَن يكون فِيهِ غَرَض صَحِيح كدفع النَّقْض الصَّرِيح إِلَى النَّقْض المكسور وَهُوَ أصعب، بِخِلَاف الأول فَإِنَّهُ معترف بِأَنَّهُ غير مُؤثر وَأَن الْعلَّة هُوَ الثَّانِي فَيرد النَّقْض كَمَا لَو لم يذكرهُ، والتفوه بِهِ لَا يجديه نفعا فِي دفع النَّقْض، وَقيل مَرْدُود لِأَنَّهُ لَغْو، وَإِن لم يعْتَرف وَقد عرف الْفرق، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أَن يدْفع النَّقْض المكسور وَهُوَ أصعب على الْمُعْتَرض). قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ من الشَّارِحين من فسر الْمقَام بِمَا شهد أَنه لم يفهمهُ وَآخَرُونَ اعْترض بِعَدَمِ فهمه، فَلهَذَا تَابع الْمُحَقق فِي تَوْضِيحه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ، فَقَوله وَهُوَ أصعب يُرِيد أَن إِيرَاد النَّقْض المكسور أصعب على الْمُعْتَرض من إِيرَاد النَّقْض الصَّرِيح لِأَنَّهُ فِيهِ بَيَان عدم تَأْثِير بعض أَجزَاء الْوَصْف وَبَيَان نقض الآخر، وَفِي النَّقْض الصَّرِيح لَيْسَ إِلَّا بَيَان نقض الْوَصْف: أَعنِي ثُبُوته فِي صُورَة مَعَ عدم الحكم، وَقَوله بِخِلَاف الأول مُتَعَلق بقوله لجَوَاز أَن يكون: يَعْنِي أَن الْمُسْتَدلّ إِذا لم يكن معترفا بِكَوْن الْوَصْف طرديا يجوز أَن يكون لَهُ فِي ضم الْوَصْف الطردي إِلَى الْعلَّة غَرَض صَحِيح بِأَن لَا يُوجد الْمَجْمُوع مَعَ عدم الحكم، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ معترفا بِأَن الْوَصْف المضموم طردي، فَإِن ذَلِك اعْتِرَاف بِأَنَّهُ لَا مدْخل لَهُ فِي الْعلية وَأَن الْعلَّة فِي ذَلِك الْأَمر الَّذِي فرض الطردي وَصفا فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يسهل النَّقْض بإيراد صُورَة يُوجد فِيهَا مُجَرّد ذَلِك وَلَا يُوجد الحكم، وتلفظه بِأَن الْعلَّة هِيَ الْمَجْمُوع مَعَ اعترافه بذلك لَا يفِيدهُ انْتهى، وَللَّه درهما تَحْقِيقا لمواضع تحيرت فِيهَا الْعُقُول وَوَقعت فِيهَا الفحول فقد علم بذلك أَن المُرَاد بقول المُصَنّف الثَّالِث مَحل السُّؤَال الثَّالِث، وَبِقَوْلِهِ أَن يدْفع النَّقْض المكسور أَن يدْفع النَّقْض الصَّرِيح إِلَى النَّقْض المكسور، فالنقض مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَالْمَفْعُول بِهِ

مَحْذُوف، أَو الْمَعْنى الْمُسْتَدلّ أَرَادَ بِذكر الْقَيْد دَفعه النَّقْض الأصعب إِذْ هُوَ يتَعَيَّن بعد ذكره، فالفرض فِي الْحَقِيقَة الصعوبة على الْمُعْتَرض حَيْثُ ألزمهُ الأصعب (وللشافعية بعده) أَي بعد مَا ذكر (أَرْبَعَة) من الاعتراضات مَخْصُوصَة بالمناسبة أَولهَا (الْقدح فِي الْمُنَاسبَة بإبداء مفْسدَة راجحة) على مصلحَة لأَجلهَا قضى على الْوَصْف بالمناسبة (أَو مُسَاوِيَة) لَهَا لما تقدم فِي تَقْسِيم الْعلَّة بِحَسب الْإِفْضَاء من انخرام الْمُنَاسبَة لمفسدة راجحة أَو مُسَاوِيَة (وَجَوَابه) أَي هَذَا الِاعْتِرَاض (تَرْجِيح الْمصلحَة إِجْمَالا) على الْمفْسدَة بِأَن يُقَال لَو لم يقدر رُجْحَانهَا لزم التقيد الْبَاطِل (وَتقدم) ذكره فِي التَّقْسِيم الْمَذْكُور (وتفصيلا بِمَا فِي الخصوصيات) أَي خصوصيات الْمسَائِل من المرجحات (مثل) أَن يُقَال فِي الْفَسْخ فِي الْمجْلس بِخِيَار الْمجْلس (وجد سَبَب الْفَسْخ فِي الْمجْلس وَهُوَ) أَي سَبَب الْفَسْخ (دفع الضَّرَر) عَن الفاسخ (فَيثبت) أَي الْفَسْخ (فيعارض بِضَرَر) الآخر الَّذِي لم يفْسخ فَيُقَال ضَرَر (الآخر مفْسدَة مُسَاوِيَة) لتِلْك الْمصلحَة (فيجاب) عَن الْمُعَارضَة (بِأَن هَذَا) الآخر (يجلب) بِاسْتِيفَاء العقد (نفعا وَذَاكَ) الفاسخ (يدْفع ضَرَرا) عَن نَفسه (وَهُوَ) أَي دفع الضَّرَر (أهم) وَلذَلِك يدْفع كل ضَرَر وَلَا يجلب كل نفع (وَمثله) أَي مثل مَا ذكر (التخلي) أَي تَفْرِيغ النَّفس (لِلْعِبَادَةِ) النَّافِلَة (أفضل من التَّزَوُّج لما فِيهِ) أَي فِي التخلي لَهَا (من تَزْكِيَة النَّفس) الْمشَار إِلَيْهَا بقوله تَعَالَى - {قد أَفْلح من زكاها} - (فيعارض بِفَوَات أضعافها) أَي أَضْعَاف الْمصلحَة الْمَذْكُورَة (فِيهِ) أَي فِي التخلي من كسر الشَّهْوَة وغض الْبَصَر وإعفاف النَّفس وإيجاد الْوَلَد وتربيته وتوسعة الْبَاطِن بالتحمل فِي معاشرة بني النَّوْع إِلَى غير ذَلِك، فالتزكية أَيْضا حَاصِلَة فِي التَّزْوِيج (فيرجح) التَّزَوُّج على مَا ذكر (فيرجحها) أَي مصلحَة الْعِبَادَة المناظر (الآخر بِأَنَّهَا لحفظ الدّين وَتلك) الْمصَالح الَّتِي فِي التَّزَوُّج حِينَئِذٍ (لحفظ النَّسْل) وَحفظ الدّين أرجح من حفظ النَّسْل (غير أَن فرض المسئلة حَالَة الِاعْتِدَال) أَي اعْتِدَال النَّفس فِي الشَّهْوَة (وَعدم الخشية) أَي خشيَة الْوُقُوع فِي الزِّنَا وَمَا يقرب مِنْهُ من الْمحرم، وَإِنَّمَا قَالَ فرض المسئلة كَذَا لوُجُوب التَّزَوُّج عينا عِنْد الخشية فَلَا يُعَارضهُ التخلي للنوافل (و) ثَانِيهَا (الْقدح فِي الْإِفْضَاء) أَي فِي كَون الْوَصْف مفضيا (إِلَى الْمصلحَة) الْمَقْصُودَة (فِي شَرعه) أَي الحكم عِنْده (كتحريم الْمُصَاهَرَة) للمحارم على التَّأْبِيد، يُقَال: صاهرهم إِذا صَار فيهم صهرا، والصهر زوج الْبِنْت وَالْأُخْت، وَالْمرَاد هُنَا أصل الزواج (للْحَاجة إِلَى رفع الْحجاب) فالتحريم الْمَذْكُور هُوَ الحكم وَالْحَاجة إِلَى رفع الْحجاب عَن الْمَحَارِم لِكَثْرَة المخالطة هُوَ الْوَصْف الْعلَّة والمصلحة الَّتِي يُفْضِي إِلَيْهَا الْمَذْكُورَة فِي قَوْله (إِذْ يُفْضِي) الْوَصْف الْمَذْكُور بِاعْتِبَار مَا شرع عِنْده من تأبيد التَّحْرِيم (إِلَى دفع الْفُجُور فَيمْنَع) إفضاؤه إِلَى دفع الْفُجُور (بل سد بَاب العقد) أَي عقد النِّكَاح للتَّحْرِيم الْمَذْكُور

(أفْضى) إِلَى الْفُجُور (لحرص النَّفس على الْمَمْنُوع فَيدْفَع) هَذَا الْمَنْع (بِأَن تأبيد التَّحْرِيم يمْنَع عَادَة) عَن مُقَدمَات الْهم وَالنَّظَر (إِذْ يصير) الِامْتِنَاع بِهَذَا السَّبَب (كالطبيعي) أَي كالامتناع والمنافرة الَّتِي اقتضتها الطبيعة فَلَا يبْقى الْمحل مشتهى (أَصله) أَي أصل هَذَا التَّحْرِيم المؤبد (الْأُمَّهَات) لِأَنَّهُ شرع من ابْتِدَاء وجود بني آدم فَلم يكن عِنْد ذَلِك تَحْرِيم الْأَخَوَات لضَرُورَة التناسل، ثمَّ لما وجد غير الْمَحَارِم ارْتَفَعت الضَّرُورَة فَألْحق بالأمهات سَائِر الْمَحَارِم (و) ثَالِثهَا (كَون الْوَصْف خفِيا كالرضا) فِي الْعُقُود فَإِنَّهُ أَمر قلبِي (وَيُجَاب) عَن هَذَا السُّؤَال (بضبطه) أَي بضبط الْوَصْف (بِظَاهِر) أَي بضابط ظَاهر (كالصيغة) الدَّالَّة على الرِّضَا فيدور الحكم عَلَيْهَا كصيغ الْعُقُود (و) رَابِعهَا (كَونه) أَي الْوَصْف (غير منضبط) جَعلهمَا قسما وَاحِدًا لكَمَال مناسبتهما سؤالا وجوابا (كَالْحكمِ) جمع حِكْمَة، وَهِي الْأَمر الْبَاعِث من الْمَقَاصِد (والمصالح) أَي مَا يكون لَذَّة أَو وَسِيلَة لَهَا (كالحرج) فَإِن فِي نَفْيه لَذَّة (والزجر) فَإِنَّهُ وَسِيلَة للذة الدُّنْيَوِيَّة والأخروية، ثمَّ علل عدم انضباطها بقوله (لِأَنَّهَا) أَي الحكم والمصالح (مَرَاتِب) أَي كائنة (على) مَرَاتِب على (مَا تقدم) فِي الْكَلَام على الْعلَّة بِحَسب الْمَقَاصِد وَيخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص وَالْأَحْوَال فَلَا يُمكن تعْيين الْعدَد الْمَقْصُود مِنْهَا (وَجَوَابه بإبداء الضَّابِط بِنَفسِهِ) أَي بِإِظْهَار المُرَاد من غير المنضبط بِوَصْف منضبط بِنَفسِهِ غير مُحْتَاج إِلَى ضَابِط آخر كَمَا يُقَال فِي الْمَشَقَّة والمضرة أَن المُرَاد بهما مَا يُطلق عَلَيْهِ الْمَشَقَّة والمضرة عرفا، كَذَا قَالُوا، وَفِيه مَا فِيهِ (أَو) أَن الْوَصْف (نيط بمنضبط) مَعْطُوف على إبداء (كالسفر) نيط حُصُول الْمَشَقَّة بِهِ (وَالْحَد) الْمَحْدُود شرعا نيط الْقدر الْمُعْتَبر فِي حُصُول الزّجر بِهِ (وَلم يذكرهَا) أَي الاعتراضات الْمَذْكُورَة (الْحَنَفِيَّة لَا لاختصاصها بالمناسبة) وهم لَا يعتبرونها فَلَا وُرُود لَهَا عِنْدهم (لِأَن هَذَا) أَي اعْتِبَار الْمُنَاسبَة بِالْوَصْفِ (اتِّفَاق) أَي مَحل اتِّفَاق أَو مُتَّفق عَلَيْهِ (بل لِأَنَّهَا) أَي الاعتراضات الْمَذْكُورَة حاصلها (انْتِفَاء لَوَازِم الْعلَّة الباعثة مُطلقًا) أَي بِأَيّ مَسْلَك كَانَ (كَمَا تقدم) فِي فصل الْعلَّة (وَمَعْلُوم أَن بِانْتِفَاء لازمها) أَي الْعلَّة الباعثة (يتَّجه إِيرَاده) أَي إِيرَاد انتفائها (إِذْ يُوجب) انْتِفَاء لازمها (انتفاءها فَهُوَ) أَي إِيرَاد انتفائها (مَعْلُوم من الشُّرُوط) لِأَن كل أحد يعرف أَن الشَّرْط إِذا انْتَفَى فللمعترض الْإِيرَاد الرَّاجِح إِلَى منع الْعلية (ومنعهم) أَي الْحَنَفِيَّة (بَعْضهَا) أَي بعض هَذِه الاعتراضات مَعْطُوف على مَدْخُول بل فَهُوَ عِلّة أُخْرَى لعدم الذّكر فِي الْبَعْض، وَالْمرَاد بِالْمَنْعِ الحكم بِعَدَمِ وُرُوده من حَيْثُ المناظرة (وَهُوَ) أَي الْبَعْض الْمَمْنُوع (مرجع الثَّانِي وَالرَّابِع) من الْأَرْبَعَة الأول (لمنعهم الْمُعَارضَة لعِلَّة الأَصْل كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَذكروا) أَي الْحَنَفِيَّة (منع الشُّرُوط) للتَّعْلِيل، لِأَن شَرط الشَّيْء سَابق عَلَيْهِ فَلَا بُد من إثْبَاته، ثمَّ القَاضِي

أَبُو زيد وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ لم يشترطا كَون الشَّرْط مُتَّفقا عَلَيْهِ (وَقيد فَخر الْإِسْلَام مَحَله) أَي منع الشَّرْط (بمجمع عَلَيْهِ) فَقَالَ وَإِنَّمَا يجب أَن يمْنَع شرطا مِمَّا هُوَ شَرط بِالْإِجْمَاع وَقد عدم فِي الْفَرْع أَو الأَصْل (فَيتَّجه) الْمَنْع (عِنْد عَدمه) أَي الشَّرْط الْمَذْكُور فَيُفِيد بطلَان التَّعْلِيل، مَا إِذا منع شرطا مُخْتَلفا فِيهِ، فَيَقُول الْمُعَلل ذَلِك لَيْسَ بِشَرْط عِنْدِي فَلَا يضر عَدمه، وَقد يُقَال إِذا كَانَ مَقْصُود الْمُعْتَرض دفع إِلْزَام الْمُعَلل عَن نَفسه، فَفِي هَذَا الْمَنْع ضَرَر ظَاهر إِذا قصد الْمُعَلل ذَلِك، وَقيل المُرَاد بِالْإِجْمَاع الِاتِّفَاق بَين السَّائِل والمجيب، لَا الْإِجْمَاع الْمُطلق (وَرَابِعهَا) أَي المنوع الْوَارِدَة على عِلّة الحكم (النَّقْض، وَتَسْمِيَة الْحَنَفِيَّة المناقضة وَهِي) فِي الِاصْطِلَاح (للجدليين) أَي لمصطلحهم (منع مُقَدّمَة مُعينَة) وَهِي مَا يتَوَقَّف على صِحَة الدَّلِيل شطرا كَانَ أَو شرطا سَوَاء كَانَ مَعَ السَّنَد أَو بِدُونِهِ، وَهُوَ مَا يذكر لتقوية الْمَنْع (و) منع (غير الْمعينَة) أَي مَنعه (بِأَن يلْزم الدَّلِيل مَا يُفْسِدهُ) بِأَن يَقُول لَازم دليلك كَذَا وَهُوَ بَاطِل فدليلك فَاسد (فَيُفِيد) لُزُوم ذَلِك لَهُ (بطلَان مُقَدّمَة غير مُعينَة) لِأَنَّهُ لَو لم يكن شَيْء من مقدماته بَاطِلا كَانَ صَحِيحا بِالضَّرُورَةِ، والمفروض أَنه فَاسد لبُطْلَان لَازمه، وَقَوله وَغير الْمعينَة مُبْتَدأ خَبره (النَّقْض الإجمالي وردوا) أَي الأصوليون (النَّقْض) الَّذِي هُوَ رَابِع المنوع (إِلَى منع مُسْتَند) أما كَونه منعا فَلِأَنَّهُ منع عَلَيْهِ الْوَصْف، وَهُوَ مِمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة الْقيَاس، وَأما كَونه مُسْتَندا فَلِأَن بَيَان التَّخَلُّف سَنَد لَهُ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد إِلَيْهِ (كَانَ) النَّقْض (مُعَارضَة قبل الدَّلِيل) لِأَنَّهُ إِذا لم يكن منعا مُسْتَندا كَانَ إِقَامَة الدَّلِيل على عدم الْعلية، والمستدل لم يقم بعد دَلِيلا على الْعلية وَلزِمَ كَونه مُعَارضَة قبل الدَّلِيل (وعَلى هَذَا) أَي الَّذِي ذكر من أَن الصَّارِف عَن كَونه اسْتِدْلَالا، وَهُوَ الظَّاهِر إِنَّمَا هُوَ لُزُوم الْمُعَارضَة قبل الدَّلِيل (يجب) أَن يكون (مُعَارضَة لَو) كَانَ (بعده) أَي بعد إِقَامَة الْمُسْتَدلّ الدَّلِيل على صِحَة علية الْوَصْف لارْتِفَاع الْمَانِع عَن الْحمل على الْمُعَارضَة وَوُجُود مَا يقتضيها، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَنَّهُ) أَي الْمُعْتَرض (اسْتدلَّ على بُطْلَانه) أَي بطلَان كَون الْوَصْف عِلّة (بالتخلف) أَي بِوُجُودِهِ فِي صُورَة لَيْسَ فِيهَا الحكم (ويجيب الآخر) أَي الْمُسْتَدلّ عَن الْمَنْع الْمَذْكُور (بِمَنْع وجودهَا) أَي الْعلَّة (فِي مَحل التَّخَلُّف ويستدل الْمُعْتَرض عَلَيْهِ) أَي على وجودهَا فِي مَحل التَّخَلُّف (بعده) أَي بعد منع الْمُسْتَدلّ وجودهَا فِيهِ (أَو) يسْتَدلّ عَلَيْهَا (ابْتِدَاء) أَي قبل منع الْمُسْتَدلّ إِيَّاه، وَإِذا اسْتدلَّ ابْتِدَاء تبدل حَالهمَا (فَانْقَلَبَ) الْمُعْتَرض مُعَللا والمعلل مُعْتَرضًا (وَقيل لَا) يقبل من الْمُعْتَرض إِقَامَة الدَّلِيل على وجود الْوَصْف إِذا منع الْمُسْتَدلّ وجوده فِي صُورَة التَّخَلُّف لِأَنَّهُ انْتِقَال من الِاعْتِرَاض إِلَى الِاسْتِدْلَال وَهَذَا محكي عَن الْأَكْثَر مِنْهُم الإِمَام الرَّازِيّ (وَقيل) لَا يقبل (إِن كَانَ) ذَلِك الْوَصْف (حكما شَرْعِيًّا) لِأَن الِاشْتِغَال بِإِثْبَات حكم

شَرْعِي هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الِانْتِقَال الْمَمْنُوع، وَإِلَّا فَيقبل لِأَنَّهُ بِهِ يتم دَلِيل الْمُعْتَرض وَيبْطل قِيَاس الْمُسْتَدلّ (وَقيل) يقبل (إِن لم يكن لَهُ) أَي للمعترض (قَادِح) لدَلِيل الْمُسْتَدلّ (أقوى) من النَّقْض فَإِن كَانَ لَهُ لَا يقبل لِأَنَّهُ غصب وانتقال من غير أَن تلجئه إِلَيْهِ ضَرُورَة (وَلَيْسَت) هَذِه الْأَقْوَال (بِشَيْء) وَوَجهه ظَاهر (فَلَو كَانَ الْمُسْتَدلّ اسْتدلَّ على وجودهَا) أَي الْعلَّة (فِي الأَصْل بموجود) أَي بِدَلِيل مَوْجُود (فِي مَحل النَّقْض فنقضها) أَي الْمُعْتَرض الْعلَّة بِأَن دليلك الَّذِي أقمته على وجود الْعلَّة فِي الأَصْل مَوْجُود فِي مَحل التَّخَلُّف، فَيلْزم عَنهُ وجودهَا فِيهِ (فَمنع) الْمُسْتَدلّ (وجودهَا) أَي الْعلَّة فِي مَحل النَّقْض (فَقَالَ الْمُعْتَرض فَيلْزم) عَلَيْك أحد الْأَمريْنِ (إِمَّا انْتِقَاض الْعلَّة) إِن كَانَت مَوْجُودَة فِي مَحل النَّقْض فِي نفس الْأَمر (أَو) انْتِقَاض (دليلها) إِن لم تكن مَوْجُودَة فِيهِ مَعَ جَرَيَان الدَّلِيل ووجوده فِيهِ (وَكَيف كَانَ) اللَّازِم: أَي انْتِقَاض الْعلَّة، أَو دليلها (لَا تثبت) الْعلية، أما على الأول فَلَمَّا مر من أَن النَّقْض يُبْطِلهَا، وَأما على الثَّانِي فَلِأَنَّهَا لَا تثبت إِلَّا بمسلك صَحِيح (قبل) بالِاتِّفَاقِ جَوَاب لَو، فَإِن عدم الِانْتِقَال فِيهِ ظَاهر، إِذْ لم يخرج عَن نقضهَا (وَلَو نقض) الْمُعْتَرض (دليلها) أَي الْعلية (عينا) من غير ترديد بَين نقض الْعلَّة ونقضه (فالجدليون) قَالُوا (لَا يسمع) هَذَا من الْمُعْتَرض (لِسَلَامَةِ الْعلَّة) حِينَئِذٍ من النَّقْض (إِذْ نقضه) أَي نقض دليلها الْمعِين (لَيْسَ نقضهَا) لجَوَاز إِثْبَاتهَا بِدَلِيل آخر فَإِذن يلْزم عَلَيْهِ الِانْتِقَال عَن وظيفته: أَعنِي نقض الْعلَّة (وَنظر فِيهِ) أَي فِي عدم سَمَاعه، والناظر ابْن الْحَاجِب مُسْتَندا (بِأَن بُطْلَانه) أَي دَلِيل الْعلية (بُطْلَانهَا) أَي الْعلية (أَي عدم ثُبُوتهَا إِذْ لَا بُد لَهَا) أَي الْعلية (من مَسْلَك صَحِيح) وَقد ظهر عدم صِحَة المسلك الَّذِي تمسك بِهِ الْمُسْتَدلّ وَوُجُود غَيره غير مَعْلُوم، وَالْأَصْل عَدمه (وَهُوَ) أَي بطلَان الْعلَّة (مَطْلُوبه) أَي الْمُعْتَرض (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مُرَاد النَّاظر بِالْبُطْلَانِ عدم الثُّبُوت (فبطلان الدَّلِيل الْمعِين لَا يُوجِبهُ) أَي بُطْلَانهَا (لكنه) أَي بطلَان الدَّلِيل الْمعِين (يحوجه) أَي الْمُسْتَدلّ (إِلَى الِانْتِقَال إِلَى) دَلِيل (آخر لإِثْبَات) مطلب الدَّلِيل (الأول) يَعْنِي علية الْوَصْف (ويجيب) الْمُسْتَدلّ (أَيْضا) بدل منع وجودهَا (بِمَنْع انْتِفَاء الحكم فِي ذَلِك) أَي فِي مَحل النَّقْض اتِّفَاقًا (وللمعترض الدّلَالَة) بِإِقَامَة الدَّلِيل (عَلَيْهِ) أَي لانْتِفَاء الحكم (فِي) الْمَذْهَب (الْمُخْتَار) إِذْ بِهِ يحصل مَطْلُوبه وَهُوَ إبِْطَال دَلِيل الْمُسْتَدلّ، وَقيل لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ انْتِقَال من الِاعْتِرَاض إِلَى الِاسْتِدْلَال، وَقيل نعم إِذا لم يكن طَرِيق أولى من النَّقْض فِي الْقدح (وَالْمُخْتَار عدم وجوب الاحتراس) على الْمُسْتَدلّ (عَن النَّقْض فِي الِاسْتِدْلَال) بِذكر قيد يخرج مَحل النَّقْض (وَقيل يجب) الاحتراس عَنهُ بِمَا ذكر (وَقيل) يجب (إِلَّا فِي المستثنيات) أَي يجب الاحتراس فِي التَّعْلِيل عَن كل نقض إِلَّا عَن النَّقْض الَّذِي يرد على مَا ذهب إِلَى عليته

مُجْتَهد من الْأَوْصَاف، فِي الشَّرْح العضدي هِيَ مَا تردد على كل عِلّة، فَإِذا قَالَ فِي الذّرة مطعوم فَيجب فِيهِ التَّسَاوِي كالبر فَلَا حَاجَة إِلَى أَن يَقُول وَلَا حَاجَة تدعوك إِلَى التَّفَاضُل فِيهِ فَيخرج الْعَرَايَا فَإِنَّهُ وَارِد على كل تَقْدِير سَوَاء عللنا بالطعم أَو الْقُوت أَو الْكَيْل فَلَا تعلق لَهُ بِإِبْطَال مَذْهَب وَتَصْحِيح آخر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (كالعرايا عِنْد الشَّافِعِيَّة) وَهِي عِنْدهم بيع التَّمْر على رُءُوس النّخل على قدر كَيْله من التَّمْر خرصا لَو جف فِيمَا دون خَمْسَة أوسق. وَأما الْحَنَفِيَّة فَلَيْسَتْ الْعَرَايَا عِنْدهم إِلَّا الْعَطِيَّة وَهِي أَن يعري الرجل نَخْلَة من نخله فَلَا يسلم ذَلِك حَتَّى يَبْدُو لَهُ، فَرخص لَهُ أَن يحبس ذَلِك وَيُعْطِيه مَكَانَهُ بخرصه تَمرا، وَلَيْسَ بَين المعرى لَهُ والمعرى بيع حَقِيقِيّ. فَلَا يتَصَوَّر هَذَا التَّمْثِيل عِنْدهم (لنا) على الْمُخْتَار (أَنه) أَي الْمُسْتَدلّ (أتم الدَّلِيل) يَعْنِي سُئِلَ عَن دَلِيل الْعلية فوفى بِهِ (إِذْ انْتِفَاء الْمعَارض) لَهُ (لَيْسَ مِنْهُ) أَي الدَّلِيل: يَعْنِي أَن النَّقْض دَلِيل عدم الْعلية فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ مُعَارضَة وَنفي الْمعَارض لَيْسَ من الدَّلِيل، فَهُوَ غير مُلْتَزم لَهُ فَلَا يلْزم (وَلِأَنَّهُ) أَي الاحتراس عَنهُ بِمَا ذكر (لَا يُفِيد) دفع الِاعْتِرَاض بِالنَّقْضِ (إِذْ يَقُول) الْمُعْتَرض (الْقَيْد) الَّذِي ذكرته احتراسا (طرد) أَي طردي لَا تَأْثِير لَهُ فِي الْعلية (وَالْبَاقِي) بعده، وَهُوَ الْمُؤثر فِي الْعلية (منتقض) لِأَنَّهُ بِدُونِ ذَلِك الْقَيْد الطردي مَوْجُود فِي مَحل التَّخَلُّف (وَهَذَانِ) أَي منع وجود الْعلَّة وَمنع انْتِفَاء الحكم (دفعان) لتحَقّق النَّقْض لَا يحسمان مَادَّة الشُّبْهَة بِالْكُلِّيَّةِ (وَالْجَوَاب الْحَقِيقِيّ) الحاسم لَهَا (بعد الْوُرُود) أَي وُرُود النَّقْض، وَتبين وجود الْعلَّة، وَانْتِفَاء الحكم فِي مَحل النَّقْض إِنَّمَا يتَحَقَّق (بإبداء الْمَانِع) من تَأْثِير الْعلَّة (فِي مَحل التَّخَلُّف، وَهُوَ) أَي الْمَانِع (معَارض اقْتضى نقيض الحكم) الَّذِي أثْبته الْمُسْتَدلّ (فِيهِ) أَي فِي مَحل التَّخَلُّف ظرف للاقتضاء، وَالْمرَاد بالنقيض مَا يُقَابله سلبا أَو إِيجَابا أَو مَا يُسَاوِيه (أَو) اقْتضى (خِلَافه) أَي الحكم الَّذِي أثْبته الْمُسْتَدلّ، وَالْمرَاد بِهِ الضِّدّ الَّذِي هُوَ أخص من نقيضه، وَهَذَا الْمُقْتَضى إِنَّمَا يثبت (لتَحْصِيل مصلحَة) أهم من مصلحَة حكم الأَصْل (كالعرايا) وَقد عرفتها (لَو أوردت) مَادَّة للنقض (على الربويات) أَي على الْعِلَل الْمُعْتَبرَة شرعا بِحَسب اخْتِلَاف الْمذَاهب للْحكم الثَّابِت فِي أصُول الْأَمْوَال الربوية، وَتلك الْمصلحَة دفع الْحَاجة الْعَامَّة إِلَى الرطب وَالتَّمْر، وَعدم وجود تمر آخر غير أحد الْأَمريْنِ (وَكَذَا الدِّيَة) أَي وَكَذَا ضربهَا (على الْعَاقِلَة) لَو أوردت نقضا (على الزّجر) الَّذِي هُوَ عِلّة وجوب الدِّيَة الْمُغَلَّظَة على الْقَاتِل (لمصْلحَة أوليائه) مُتَعَلق بِضَرْب الدِّيَة فَإِنَّهُ لمَنْفَعَة أَوْلِيَاء الْمَقْتُول، وَجه الْإِيرَاد أَن الْحَاجة إِلَى الزّجر مَوْجُودَة فِي الْقَتْل خطأ مَعَ تخلف الحكم، وَهُوَ وجوب الدِّيَة الْمُغَلَّظَة على الْقَاتِل وَالْجَوَاب الْحَقِيقِيّ إبداء الْمَانِع الَّذِي هُوَ معَارض يَقْتَضِي خلاف الحكم من الدِّيَة المخففة على الْعَاقِلَة (مَعَ عدم تحميله) أَي الْقَاتِل لعدم قَصده

الْقَتْل، الظّرْف مُتَعَلق بِضَرْب الدِّيَة على الْعَاقِلَة، فَهَذَا الحكم الَّذِي هُوَ ضرب الدِّيَة المخففة عَلَيْهِم مركب من أَمريْن: ضرب الدِّيَة، وَكَونهَا على الْعَاقِلَة دون الْقَاتِل، فَالْأول وَهُوَ أصل ضرب الدِّيَة إِنَّمَا هُوَ لمصْلحَة أَوْلِيَاء الْمَقْتُول. وَالثَّانِي وَهُوَ كَونهَا على الْعَاقِلَة، لأَنهم يغنمون بِكَوْنِهِ مقتولا فليغرموا بِكَوْنِهِ قَاتلا: وَلذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " مَالك غنمه فَعَلَيْك غرمه ". وَأما أَنَّهَا لَيست على الْقَاتِل، فَلَمَّا ذكر من عدم قَصده الْقَتْل، وَهُوَ الَّذِي ذكرنَا من عدم التحميل على الْقَاتِل إِنَّمَا هُوَ (للشَّافِعِيَّة). وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فيودي الْقَاتِل كأحدهم (أَو) يثبت مَا ذكر من نقيض الحكم أَو خِلَافه (لدفع مفْسدَة) أعظم من مفْسدَة شرع حكم الأَصْل لَهُ فِيهَا (كالاضطرار لَو ورد على تَعْلِيل حُرْمَة الْميتَة بالاستقذار فَإِنَّهُ) أَي الِاضْطِرَار (اقْتضى خِلَافه) أَي مَا يَقْتَضِيهِ الاستقذار من التَّحْرِيم (من الْإِبَاحَة) بَيَان لخلافه، فَإِن دفع هَلَاك النَّفس أعظم من مفْسدَة أكل المستقذر: هَذَا كُله إِذا لم تكن الْعلَّة منصوصة بِظَاهِر عَام (فَلَو كَانَت) الْعلَّة (منصوصة ب) ظَاهر (عَام) لَا يجب إبداء الْمَانِع بِعَيْنِه، بل (وَجب تَقْدِير الْمَانِع وتخصيصه) أَي الْعَام (بِغَيْر مَحل النَّقْض) جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ (وَهَذَا) أَي تَخْصِيصه بِغَيْر مَا ذكر (إِذا كَانَ النَّص على استلزامها) أَي الْعلَّة للْحكم (فِي الْمحَال لَا على عليتها) أَي الْعلَّة (فِيهَا) أَي الْمحَال (إِذْ لَا تَنْتفِي عليتها بالمانع) فَإِن قلت: مَا معنى عدم انْتِفَاء الْعلية بِهِ دون الِالْتِزَام قلت: معنى عليتها للْحكم فِي الْمحَال كَونهَا بِحَيْثُ يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الحكم لَو لم يتَحَقَّق مَعهَا مَانع عَن الحكم، وَهَذَا الْكَوْن مَوْجُود فِي مَحل النَّقْض، فَإِن صدق مَضْمُون هَذِه الشّرطِيَّة لَا يسْتَلْزم وجود الحكم بِالْفِعْلِ، بِخِلَاف مَا إِذا نَص على الاستلزام، وَهُوَ كَونهَا بِحَيْثُ مَتى تحققت تحقق مَعهَا الحكم بِالْفِعْلِ فَافْهَم (أَو) كَانَت منصوصة (بخاص) قَطْعِيّ الدّلَالَة على عليتها (فِيهِ) أَي فِي مَحل النَّقْض، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ (وَجب تَقْدِيره) أَي الْمَانِع (فَقَط) لِأَنَّهُ لَا مجَال لتخصيص الْخَاص بِغَيْر مَحل النَّقْض، وَإِنَّمَا وَجب تَقْدِير الْمَانِع لِأَن عليتها للْحكم: أَي فِي مَحل النَّقْض ثَابِتَة، وَالْحكم مُنْتَفٍ فِيهِ بِالنَّصِّ أَو الْإِجْمَاع، فَلَا بُد من مَانع هُنَاكَ لِاسْتِحَالَة تخلف الْمَعْلُول عِنْد وجود الْمُقْتَضى وَعدم الْمَانِع (و) وَجب (الحكم بعليتها) أَي الْعلَّة (فِيهِ) أَي فِي مَحل النَّقْض لدلَالَة النَّص الْخَاص عَلَيْهِ قطعا، وَهَذَا الْجَواب على قَول من يجوز تَخْصِيص الْعلَّة. (أما مانعو تَخْصِيص الْعلَّة فبعدم وجودهَا) أَي فيجيبون بِعَدَمِ وجود الْعلَّة فِي مَحل النَّقْض (إِذْ هِيَ) أَي الْعلَّة (الباعثة) على الحكم (مَعَ عَدمه) أَي الْمَانِع فالعلة عِنْدهم لَا تتَحَقَّق إِلَّا بأمرين: الْمُقْتَضى، وَعدم الْمَانِع (فَهُوَ) أَي عدم الْمَانِع (شَرط عليتها) وَحَيْثُ انْتَفَى شَرط الْعلية فِي مَحل النَّقْض انْتَفَت الْعلَّة (وَغَيرهم) أَي غير المانعين لتخصيصها

وهم الْأَكْثَرُونَ عِنْدهم عدم الْمَانِع (شَرط ثُبُوت الحكم) لِأَن شَرط علته الْعلَّة (وَتقدم) فِي المرصد الثَّانِي فِي شُرُوط الْعلَّة (مَا فِيهِ) من الْكَلَام فَليرْجع إِلَيْهِ (و) قَالَ (بعض الْحَنَفِيَّة (لَا يُمكن دفع النَّقْض عَن) الْعِلَل (الطردية) لِأَنَّهُ يُبْطِلهَا حَقِيقَة (إِذْ الاطراد لَا يبْقى بعد النَّقْض) يَعْنِي لَا دَلِيل على علتها سوى كَونهَا بِحَيْثُ مَتى وجدت وجد الحكم مَعهَا، وَحَيْثُ وجدت فِي مَحل النَّقْض بِدُونِ الحكم انْتَفَت الْحَيْثِيَّة، وَهِي الاطراد فانتفت الْعلية لعدم مَا يدل عَلَيْهَا (وَهُوَ) أَي مَا قَالَه الْبَعْض من عدم إِمْكَان دفع النَّقْض عَنْهَا (بعد كَونه على) تَقْدِير تحقق (النَّقْض فِي نفس الْأَمر) لَا بِمُجَرَّد إِيرَاد الْمُعْتَرض إِيَّاه لجَوَاز أَن يكون إِيرَاده على خلاف مَا فِي الْوَاقِع، فيدفعه الْمُجيب حِينَئِذٍ بِدفع تهمته (وَعرف مَا فِيهِ) حَيْثُ قَالَ فِي أول الْفَصْل، وعَلى الطردية ترد مَعَ القَوْل بِالْمُوجبِ إِلَى آخِره فَارْجِع إِلَيْهِ (بِنَاء) أَي مَبْنِيّ خبر لقَوْله، وَهُوَ (على قصر) الْعِلَل (الطردية على مَا) أَي على الطردية الثَّابِتَة (بالدوران) فَقَط من غير مُنَاسبَة وَلَا ملاءمة (وَلَا وَجه لَهُ) أَي لقصرها عَلَيْهِ (بل) الطردية هِيَ (غير المؤثرة) فتعم الْمُنَاسبَة والملائم باصطلاح الْحَنَفِيَّة، وَوجه الْبناء أَن النَّقْض بِحَسب نفس الْأَمر إِنَّمَا يُنَافِي الدوران بِحَسبِهِ لَا الْمُنَاسبَة والملائمة، فَلَو لم يقصر الطردية على مَا بالدوران لَا يَصح قَوْله لَا يبْقى بعد النَّقْض، لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي علتها بِمُجَرَّد انْتِفَاء الدوران لوُجُود الْمُنَاسبَة أَو الملائمة (وعَلى) تَقْدِير (الْوُرُود) أَي وُرُود النَّقْض على الطردية (يحوج) وُرُوده (إِلَى التَّأْثِير كطهارة) أَي كَقَوْل الشَّافِعِي الْوضُوء طَهَارَة (فَيشْتَرط لَهَا) أَي للطَّهَارَة الَّتِي هِيَ الْوضُوء (النِّيَّة كالتيمم) أَي كَمَا يشْتَرط النِّيَّة للتيمم لكَونه طَهَارَة، فَجعل وصف الطَّهَارَة عِلّة لاشْتِرَاط النِّيَّة (فينقض) الْوَصْف الْمَذْكُور عِلّة (بِغسْل الثَّوْب) من النَّجَاسَة فَإِنَّهَا طَهَارَة، وَلَا يشْتَرط فِيهِ النِّيَّة (فَيُفَرق) بَينهمَا (بِأَنَّهَا) أَي الطَّهَارَة الَّتِي هِيَ الْوضُوء طَهَارَة (غير معقولة) لِأَنَّهُ لَا يعقل فِي محلهَا نَجَاسَة (فَكَانَت) الطَّهَارَة الْمَذْكُورَة (متعبدا بهَا فافتقرت إِلَى النِّيَّة) تَحْقِيقا لِمَعْنى التَّعَبُّد الَّذِي لم تشرع إِلَّا بِهِ، إِذْ الْعِبَادَة لَا تنَال بِدُونِ النِّيَّة (بِخِلَافِهِ) أَي غسل الثَّوْب من النَّجَاسَة (لعقلية قصد الْإِزَالَة) وَإِذا علم أَن الْمَقْصُود مِنْهَا إِزَالَة النَّجَاسَة لَا التَّعَبُّد بهَا (وبالاستعمال) أَي بِاسْتِعْمَال مَا يزِيل النَّجَاسَة (تحصل) الْإِزَالَة الَّتِي هِيَ الْمَقْصُود (فَلم يفْتَقر) غسله إِلَى النِّيَّة، وَقد مر فِي شُرُوط الْفَرْع جَوَاب الْحَنَفِيَّة عَن هَذَا (وَأما) الْعِلَل (المؤثرة فَتقدم صِحَة وُرُود النَّقْض عَلَيْهَا، وَحَيْثُ ورد) النَّقْض صُورَة عَلَيْهَا (دفع بِأَرْبَع) من الْأَجْوِبَة: أَولهَا (إبداء عدم الْوَصْف) فِي صُورَة النَّقْض (كخارج نجس) أَي كَمَا يُقَال فِي الْخَارِج النَّجس من بدن الْإِنْسَان من غير السَّبِيلَيْنِ أَنه نَاقض للْوُضُوء، لِأَنَّهُ خَارج نجس (من الْبدن فَحدث) أَي فَهُوَ حدث (كَمَا فِي) الْخَارِج النَّجس

من (السَّبِيلَيْنِ) فَإِنَّهُ حدث لِأَنَّهُ خَارج نجس من الْبدن (فينقض) الْوَصْف الْمَذْكُور للعلية فِي إِثْبَات الْحَدث (بِمَا) أَي بِخَارِج نجس (لم يسل) من رَأس الْجرْح إِلَى مَوضِع يلْحقهُ حكم التطهر فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَدَث مَعَ وجود الْوَصْف الْمَذْكُور فِيهِ (فَيدْفَع) النَّقْض بِهِ (بِعَدَمِ الْخُرُوج) أَي بِأَن يُقَال لَا نسلم وجود الْوَصْف فِيمَا لم يسل فَإِنَّهُ باد، وَلَيْسَ بِخَارِج (لِأَنَّهُ) أَي الْخُرُوج إِنَّمَا يتَحَقَّق (بالانتقال) من مَكَان إِلَى آخر، وَهُوَ مُسْتَقر فِي مَكَانَهُ، غير أَنه ظهر بِزَوَال الْجلْدَة الساترة لَهُ، ثمَّ هُوَ لَيْسَ بِنَجس على مَا روى عَن أبي يُوسُف. وَالْمُخْتَار عِنْد كثير من الْمَشَايِخ، بِخِلَاف السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر ظُهُور الْقَلِيل مِنْهُمَا إِلَّا بالانتقال (وَملك بدل الْمَغْصُوب) أَي وكما يُقَال فِي مالكية الْمَغْصُوب مِنْهُ بدل الْمَغْصُوب أَنه (عِلّة ملكه) أَي مالكية الْغَاصِب الْمَغْصُوب لِئَلَّا يجْتَمع الْبَدَل والمبدل فِي ملك شخص وَاحِد (فينقض) الْوَصْف الْمَذْكُور فِي هَذَا التَّعْلِيل (بالمدبر) فَإِن غصبه سَبَب لملك بدله للْمَغْصُوب مِنْهُ، وَمَعَ هَذَا لَا يملك الْغَاصِب الْمُبدل وَلم يخرج عَن ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ (فَيمْنَع) أَن يكون مَا ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ (ملك بدله) أَي بدل الْمَغْصُوب (بل بدل الْيَد) أَي بل هُوَ ملك بدل الْيَد، لِأَن ضَمَانه لَيْسَ بَدَلا عَن الْعين، بل عَن الْيَد الثَّابِتَة، فَلم يتَحَقَّق الْوَصْف، وَهُوَ ملك بدل الْمَغْصُوب عَلَيْهِ فِي مَادَّة النَّقْض فَلَا نقض (و) ثَانِيهَا الْجَواب (بِمَنْع وجود الْمَعْنى الَّذِي بِهِ صَار) الْوَصْف (عِلّة) وَذَلِكَ الْمَعْنى كَالثَّابِتِ بِدلَالَة النَّص بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَنْصُوص بِمَعْنى أَن الْوَصْف بِوَاسِطَة مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ يدل على معنى آخر هُوَ الْمُؤثر فِي الحكم (فينتفى) الْوَصْف معنى (وَإِن وجد صُورَة كمسح) أَي كَمَا يُقَال فِي مسح الرَّأْس مسح (فَلَا يسن تكريره كمسح الْخُف) فَإِنَّهُ مسح، فَلَا يسن تكريره (فينتقض) الْوَصْف، وَهُوَ كَونه مسحا (بالاستنجاء) بِالْحجرِ: أَي بِأَنَّهُ مَوْجُود فِيهِ مَعَ تخلف الحكم، وَهُوَ عدم مسنونية التكرير عَنهُ، فَإِن تثليث الْمسْح فِيهِ مسنون إِجْمَاعًا إِذا احْتِيجَ إِلَيْهِ، فَإِن لم يكن تثليث الْحجر مسنونا عِنْد أَصْحَابنَا على الْإِطْلَاق، وَإِذا كَانَ الْحجر ذَا أَطْرَاف ثَلَاثَة وَمسح بِكُل مِنْهَا عمل بِالسنةِ (فَيمْنَع فِيهِ) أَي فِي الِاسْتِنْجَاء (الْمَعْنى الَّذِي شرع لَهُ) الْمسْح فِي الْوضُوء (وَهُوَ) أَي الْمَعْنى الْمَذْكُور (التَّطْهِير الْحكمِي) لِأَن الِاسْتِنْجَاء تَطْهِير حَقِيقِيّ (وَله) أَي التَّطْهِير الْحكمِي (لم يسن) التّكْرَار (لِأَنَّهُ) أَي التّكْرَار (لتأكيد التَّطْهِير الْمَعْقُول) الْمَعْنى، وَهُوَ إِزَالَة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة (لتحَقّق الْإِزَالَة) بالتكرار (وَهُوَ) أَي التَّطْهِير الْمَعْقُول ثَابت (فِي الِاسْتِنْجَاء) لِأَنَّهُ إِزَالَة للنَّجَاسَة (دونه) أَي لَيْسَ بِثَابِت فِي الرَّأْس (كَمَا) أَي كالكائن (فِي التَّيَمُّم) فَإِنَّهُ تَطْهِير حكمي غير مَعْقُول الْمَعْنى: وَلِهَذَا لم يشرع فِيهِ التّكْرَار. (و) ثَالِثهَا الْجَواب (بِمَنْع التَّخَلُّف) أَي تخلف الحكم عَن الْعلَّة فِي صُورَة النَّقْض وادعاء تحَققه فِيهَا (كَمَا إِذا نقض) الْمِثَال (الأول)

يَعْنِي الْوَصْف الْمَذْكُور فِيهِ، وَهُوَ خُرُوج النَّجس من الْبدن (بِالْجرْحِ السَّائِل) لصَاحب الْعذر بِأَن يُقَال الْجرْح الْمَذْكُور مَوْجُود فِيهِ مَعَ تخلف الحكم، وَهُوَ الْحَدث عَنهُ (فَيمْنَع كَونه) أَي الْخَارِج النَّجس فِي الْجرْح سَائِلًا (لَيْسَ حَدثا بل هُوَ) حدث: أَي مُوجب لَهُ (وَتَأَخر حكمه) الَّذِي هُوَ الْحَدث (إِلَى مَا بعد خُرُوج الْوَقْت) عِنْد أبي حنيفَة وَمن وَافقه (أَو) إِلَى (الْفَرَاغ) من الْمَكْتُوبَة وَمَا يتبعهَا من النَّوَافِل عِنْد الشَّافِعِي وَمن وَافقه، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَن الشَّافِعِي لَا يَقُول بِالْحَدَثِ فِيمَا خرج من غير السَّبِيلَيْنِ (ضَرُورَة الْأَدَاء) عِلّة للتأخر فَإِنَّهُ مُخَاطب بأدائها، وَلَا قدرَة عَلَيْهِ إِلَّا بِسُقُوط حكم الْحَدث فِي هَذِه الْحَالة (وَلذَا) أَي وَلأَجل كَونه حَدثا تَأَخّر حكمه ضَرُورَة الْأَدَاء (لم يجز مَسحه) أَي مسح صَاحب الْجرْح السَّائِل (خفه إِذا لبسه فِي الْوَقْت مَعَ السيلان بعد خُرُوجه) أَي الْوَقْت، وَإِنَّمَا قَالَ بعد خُرُوجه لِأَنَّهُ يمسح فِي الْوَقْت كلما تَوَضَّأ لحَدث غير الَّذِي ابتلى بِهِ، وَقيد أَيْضا بمقارنة التَّلَبُّس للسيلان، لِأَن اللّبْس إِذا كَانَ على الِانْقِطَاع يمسح بعد الْوَقْت أَيْضا إِلَى تَمام الْمدَّة، وَإِذا كَانَ الْوضُوء مُقَارنًا للسيلان دون اللّبْس فَحكمه حكم مُقَارنَة اللّبْس للسيلان، وَإِنَّمَا لم يجز مَسحه فِيمَا ذكر بعد خُرُوج الْوَقْت، لِأَنَّهُ بِخُرُوج الْوَقْت يصير مُحدثا بِالْحَدَثِ السَّابِق، فَفِي حق الْمسْح بعد خُرُوج الْوَقْت يعْتَبر كَونه لابسا للخف على غير طَهَارَة، لِأَن ضَرُورَة اعْتِبَار سُقُوط حكم الْحَدث قد انْتَهَت بِخُرُوج الْوَقْت لما عرفت، وَحكم الْحَدث وَإِن ثَبت بعد خُرُوجه لكنه يسْتَند إِلَى السَّبَب، فَيعْتَبر من وَقت اللّبْس. (و) رَابِعهَا الْجَواب (بالغرض) أَي بِبَيَان الْغَرَض الْمَطْلُوب بِالتَّعْلِيلِ (فَيَقُول) الْمُسْتَدلّ (فِي) جَوَاب نقض (الْمِثَال) الْمَذْكُور (غرضي بِهَذَا التَّعْلِيل التَّسْوِيَة بَين الْخَارِج من السَّبِيل و) الْخَارِج من (غَيره فِي كَونهمَا حَدثا، و) كَونهمَا (إِذا لزما) أَي استمرا (صَارا عفوا) بِأَن يسْقط حكمهمَا ضَرُورَة توجه الْخطاب بأَدَاء الصَّلَاة (فَإِن الْبَوْل) الَّذِي هُوَ أصل (كَذَلِك) أَي إِذا اسْتمرّ صَار عفوا للمعنى الْمَذْكُور (فَوَجَبَ فِي الْفَرْع) أَي الْجرْح السَّائِل (مثله) أَي إِذا دَامَ صَار عفوا لما ذكر وَإِلَّا لزم مُخَالفَة الْفَرْع للْأَصْل (وَحَاصِل الثَّانِي) وَهُوَ الْجَواب بِمَنْع وجود الْمَعْنى إِلَى آخِره (الِاسْتِدْلَال على انتفائها) أَي الْعلَّة (إِذْ هِيَ) أَي الْعلَّة عِلّة (بمعناها لَا بِمُجَرَّد صورتهَا) فَلَا عِبْرَة بالصورة عِنْد انْتِفَاء الْمَعْنى (وَذكر الشَّافِعِيَّة من الاعتراضات) نقض الْحِكْمَة فَقَط) بِأَن تُوجد الْحِكْمَة فِي مَادَّة وَلم تُوجد الْعلَّة وَلَا الحكم (ويسمونه) أَي النَّقْض الْمَذْكُور (كسرا، وَتقدم) فِي المرصد الثَّانِي فِي شُرُوط الْعلَّة (الْخلاف فِي قبُوله) أَي قبُول هَذَا النَّقْض (وَأَن الْمُخْتَار) عِنْد الْأَكْثَر: وَمِنْهُم الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب (قبُوله عِنْد الْعلم برجحان) الْحِكْمَة (المنقوضة) بهَا فِي مَحل النَّقْض على الْمَذْكُورَة فِي الأَصْل، يَعْنِي إِذا

علم أَنه تحقق فِي مَحل النَّقْض فَرد من أَفْرَاد الْحِكْمَة رَاجِح على الْفَرد الْمَوْجُود فِي الأَصْل (أَو مساواتها) أَي مُسَاوَاة المنقوضة بهَا للمذكورة إِلَّا أَن شرع حكم آخر فِي مَحل النَّقْض أليق بالمنقوضة بهَا (وحققنا ثمَّة خِلَافه) أَي خلاف الْمُخْتَار، وَهُوَ أَن لَا يسمع وَإِن علم رُجْحَان المنقوضة بهَا لما ذكر هُنَاكَ فَارْجِع إِلَيْهِ (ثمَّ منع وجود الْعلَّة) يَعْنِي الْحِكْمَة (هُنَا) أَي فِي الْكسر (على تَقْدِير سَمَاعه) أَي الْكسر (أظهر مِنْهُ) أَي من منع وجودهَا فِي النَّقْض لِأَن قدر الْحِكْمَة يتَفَاوَت، فقد لَا يحصل مَا هُوَ منَاط الحكم مِنْهُ فِي الأَصْل (فِي) مَادَّة (النَّقْض) بِخِلَاف نفس الْوَصْف فَإِنَّهُ لَا يتَفَاوَت فيبعد أَن يخفى وجود الْعلَّة فِي مَادَّة النَّقْض على الناقض فيدعي وجودهَا، وتخلف الحكم بِخِلَاف الْحِكْمَة لما عرفت (خَامِسهَا) أَي خَامِس المنوع على عِلّة حكم الأَصْل (فَسَاد الْوَضع) وَلم يعرفهُ اكْتِفَاء بِمَا يفهم من بَيَان النِّسْبَة، وَهُوَ (أخص من فَسَاد الِاعْتِبَار من وَجه إِذْ قد يجْتَمع ثُبُوت اعْتِبَارهَا) أَي الْعلَّة (فِي نقيض الحكم) الَّذِي هُوَ فَسَاد الْوَضع (مَعَ مُعَارضَة نَص أَو إِجْمَاع) ومعارضة الْعلَّة لأَحَدهمَا هُوَ فَسَاد الِاعْتِبَار (وَلَا يخفى) الْأَمْرَانِ (الْآخرَانِ) اللَّذَان لَا بُد مِنْهُمَا فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص من وَجه بَينهمَا، يَعْنِي انْفِرَاد ثُبُوت اعْتِبَارهَا فِي نقيض الحكم عَن معارضتها لأَحَدهمَا وَعَكسه، وَقيل فَسَاد الْوَضع أخص مُطلقًا من فَسَاد الِاعْتِبَار وَقيل هما وَاحِد، وَنسب إِلَى أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَمَا ذهب إِلَيْهِ المُصَنّف هُوَ الْوَجْه لما علله بِهِ (وَيُفَارق) فَسَاد الْوَضع (النَّقْض بتأثيره) أَي الْوَصْف فِي فَسَاد الْوَضع (فِي النقيض) أَي نقيض الحكم الَّذِي جعل عِلّة لَهُ، بِخِلَاف النَّقْض لِأَنَّهُ لَا تعرض فِيهِ لتأثير الْوَصْف فِيهِ، وَإِنَّمَا يثبت النقيض مَعَه سَوَاء كَانَ التَّأْثِير لَهُ أَو لغيره (و) يُفَارق (الْقلب بِكَوْنِهِ) أَي الْوَصْف فِي فَسَاد الْوَضع يثبت نقيض الحكم (بِأَصْل آخر) وَفِي الْقلب يثبت نقيض الحكم بِأَصْل الْمُسْتَدلّ (و) يُفَارق (الْقدح فِي الْمُنَاسبَة بمناسبته) أَي الْوَصْف والقدح فِي الْمُنَاسبَة (نقيضه) أَي الحكم (من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك) يَعْنِي أَن يكون مناسبته الْوَصْف لنقيض الحكم من جِهَة ثُبُوته بِتِلْكَ الْجِهَة كَانَ مناسبا للْحكم، فَقَوله من حَيْثُ مُتَعَلق بمناسبته من جِهَته: أَي إِذا كَانَ، وَضمير هُوَ رَاجع إِلَى الْوَصْف مُبْتَدأ خَبره كَذَلِك، وَالْإِشَارَة إِلَى حَال الْوَصْف مَعَ الحكم بِاعْتِبَار الْمُنَاسبَة، وَذَلِكَ إِنَّمَا يتَحَقَّق (إِذا كَانَ من جِهَته) أَي إِذا كَانَت الْمُنَاسبَة للنقيض من جِهَة مُنَاسبَة الْوَصْف للْحكم، لَا من جِهَة أُخْرَى كمصلحة مترتبة عَلَيْهِ، وتذكير الضَّمِير فِي كَانَ بِتَأْوِيل التناسب (بِخِلَافِهِ) أَي بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ التناسب للنقيض (من غَيره) أَي من غير جِهَة تناسب للْحكم كَمَا (إِذا كَانَ لَهُ) أَي للوصف (جهتان) تناسب بأحداهما الحكم وبالأخرى

نقيضه (كَكَوْنِهِ) أَي الْمحل (مشتهى) للنفوس (يُنَاسب الْإِبَاحَة) كإباحة النِّكَاح (لدفع الْحَاجة) من قَضَاء الشَّهْوَة (و) يُنَاسب (التَّحْرِيم) على التَّأْبِيد (لقطع الطمع) إِذْ بِهِ يرفع الطمع المفضي إِلَى مُقَدمَات الْهم وَالنَّظَر المفضية إِلَى الْفُجُور، وَفِي الشَّرْح العضدي وَقد تخلص مِمَّا ذَكرْنَاهُ أَن ثُبُوت النقيض مَعَ الْوَصْف نقض، فَإِن زيد ثُبُوته بِهِ ففساد الْوَضع، وَأَن زيد كَونه بِهِ فِي أصل الْمُسْتَدلّ فَقلب، وَبِدُون ثُبُوته مَعَه فالمناسبة من جِهَة وَاحِدَة قدح فِيهَا وَمن جِهَتَيْنِ لَا، فَعلم أَن الْمُعْتَبر فِي فَسَاد الْوَضع ثُبُوت نقيض الحكم بِالْوَصْفِ بل مَعَ اعْتِبَار الشَّارِع ذَلِك، وَذَلِكَ يسْتَلْزم ثُبُوته مَعَه، وَفِي الْقدح عدم لُزُوم ثُبُوته مَعَه غير أَن الْوَصْف مُنَاسِب للنقيض من الْجِهَة الَّتِي زعم الْمُسْتَدلّ مُنَاسبَة للْحكم اعْتِبَارهَا (مِثَاله) أَي مِثَال فَسَاد الْوَضع أَن يُقَال فِي التَّيَمُّم (مسح فَيسنّ تكراره كالاستنجاء فَيرد) أَن يُقَال إِثْبَات التّكْرَار بِالْمَسْحِ فَاسد الْوَضع إِذْ الْمسْح (مُعْتَبر فِي كَرَاهَته) أَي التّكْرَار (كالخف) فَإِن تكْرَار الْمسْح عَلَيْهِ يكره إِجْمَاعًا (وَجَوَابه) أَي هَذَا الْمَنْع (بالمانع) أَي بِبَيَان وجود الْمَانِع (فِيهِ) أَي فِي الْخُف الَّذِي هُوَ أصل الْمُعْتَرض (فَسَاده) أَي فَسَاد الْخُف وتلافه بتكرار الْمسْح عَلَيْهِ، فَقَوله فَسَاده إِمَّا مجرور عطف بَيَان للمانع أَو مَرْفُوع خبر مَحْذُوف، وَهُوَ ضمير رَاجع إِلَى الْمَانِع (و) مِثَاله (للحنفية إِضَافَة الشَّافِعِي الْفرْقَة) بَين الزَّوْجَيْنِ إِذا أسلمت وأبى (إِلَى إِسْلَام الزَّوْجَة) فَإِن هَذِه الْإِضَافَة من فَسَاد الْوَضع (فَإِنَّهُ) أَي الْإِسْلَام (اعْتبر) شرعا (عَاصِمًا للحقوق) كَمَا يَقْتَضِيهِ الحَدِيث الصَّحِيح، وَقد ذكر فِي بحث التَّأْثِير (فَالْوَجْه) إضافتها (إِلَى آبَائِهِ) أَي امْتِنَاعه من الْإِسْلَام لِأَنَّهَا عُقُوبَة والامتناع مِنْهُ رَأس كل عُقُوبَة (وَكَقَوْلِه) أَي الشَّافِعِي فِي عِلّة تَحْرِيم الرِّبَا فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالْملح إِنَّهَا الطّعْم إِذْ (المطعوم ذُو خطر) أَي عزة وَشرف لكَونه قوام النُّفُوس وبقاءها (فيزاد فِيهِ) أَي فِي تملكه (شَرط التَّقَابُض) إِظْهَارًا للخطر كَالنِّكَاحِ الْمُوجب للاستيلاء على مَحل ذِي خطر فَإِنَّهُ شَرط فِيهِ زَائِد، وَهُوَ حُضُور الشُّهُود (فَيرد) أَن يُقَال (اعْتِبَار مساس الْحَاجة) إِلَى الشَّيْء إِنَّمَا يُنَاسب أَن يكون مؤثرا (فِي التَّوسعَة) وَالْإِطْلَاق فِي ذَلِك الشَّيْء، لَا فِي التَّضْيِيق وَالتَّقْيِيد بِالشّرطِ الزَّائِد، وَلذَا أحل الْميتَة عِنْد الِاضْطِرَار، وَلذَا جرت السّنة الإلهية بالتوسعة فِي المَاء والهواء وَنَحْوهمَا (سادسها) أَي المنوع على الْعلَّة (الْمُعَارضَة فِي الأَصْل) وَهِي (أَن يُبْدِي) الْمُعْتَرض (فِيهِ) أَي فِي الأَصْل (وَصفا آخر) غير مَا أبداه الْمُسْتَدلّ (صَالحا) للعلية (يحْتَمل أَنه الْعلَّة) وَعبارَة المُصَنّف هَذِه كَانَت وافية بأَدَاء الْمَقْصُود لِأَن الْمَجْمُوع الْمركب من وصف الْمُسْتَدلّ وَوصف الْمُعْتَرض يصدق عَلَيْهِ أَنه اثر وصف آخر غير أَنه قصد التَّوْضِيح فَقَالَ (أَو) أَنه (مَعَ وصف الْمُسْتَدلّ) الْعلَّة (فَالْأول) يَعْنِي مِثَال الأول، وَهُوَ إبداء وصف آخر وَحده (مُعَارضَة الطّعْم)

الْمُعَلل بِهِ فِي تَعْلِيل الْمُسْتَدلّ لحُرْمَة الرِّبَا فِي المنصوصات (بالقوت أَو الْكَيْل) جعله مِثَالا للْأولِ وَإِن احْتمل أَن يَجْعَل للثَّانِي أَيْضا بِأَن يَجْعَل الْمُعْتَرض الْعلَّة مَجْمُوع الطّعْم والقوت أَو الْكَيْل (وَالثَّانِي) وَهُوَ إبداء وصف مَعَ وصف الْمُسْتَدلّ للعلية (الْجَارِح للْقَتْل الْعدوان) أَي مُعَارضَة الْجَارِح للْقَتْل الْعدوان الْمُعَلل بِهِ فِي تَعْلِيل الْمُسْتَدلّ الْقصاص فِي المحدد (لنفي المثقل) كالحجر الْكَبِير مُتَعَلق بالمعارضة المفهومة، فَإِن الْمعَارض قصد بإبداء الْمَجْمُوع الْمركب من الْجَارِح وَالْقَتْل الْعدوان للعلية نفي وجوب الْقصاص فِي الْقَتْل بالمثقل لِانْعِدَامِ جُزْء الْعلَّة: وَهُوَ الْجَارِح فِيهِ (وَاخْتلف فِيهِ) أَي (فِي) هَذَا الْمَنْع فِي كل من (المذهبين) للحنفية وَالشَّافِعِيَّة من حَيْثُ الْقبُول وَعَدَمه (وَالْمُخْتَار للشَّافِعِيَّة قبُوله) أَي الْمَنْع الْمَذْكُور (لتَحكم الْمُسْتَدلّ) بِهِ (باستقلال وَصفه مَعَ صَلَاحِية) الْوَصْف (المبدي لَهُ) أَي للاستقلال: يَعْنِي يقبل من الْمُعْتَرض أَن يمْنَع علية وصف الْمُسْتَدلّ بإبداء وصف آخر لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم أَن يكون حكمه باستقلال وَصفه مَعَ كَون الْوَصْف الآخر مثله فِي صَلَاحِية الْعلَّة تحكما مَحْضا وَهُوَ بَاطِل، وَلَا شكّ فِي قبُول مَا تبين بطلَان التَّعْلِيل (وللجزئية) مَعْطُوف على قَوْله يَعْنِي وَكَذَا يلْزم تحكمه فِي دَعْوَى الِاسْتِقْلَال مَعَ صَلَاحِية المبدي للجزئية، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يجوز أَن يكون الْمُعْتَبر عِنْد الشَّارِع فِي الْعلية الْمَجْمُوع الْمركب من الوصفين كَمَا يجوز أَن يكون وصف الْمُسْتَدلّ من غير رُجْحَان لأَحَدهمَا على الآخر فَالْحكم بالاستقلال من الْمُسْتَدلّ تحكم (وَلَا يرجح) وصف الْمُسْتَدلّ من غير رُجْحَان لأَحَدهمَا على الآخر فَالْحكم بالاستقلال من الْمُسْتَدلّ على وصف الْمُعْتَرض وَهُوَ الْمَجْمُوع الْمركب (بالتوسعة) أَي بِسَبَب كَونه أوسع دَائِرَة لِأَن الْجُزْء الْأَعَمّ أَكثر وجودا من الْكل فَيتَحَقَّق الحكم مَعَه أَكثر مِمَّا يتَحَقَّق مَعَ الْكل، أَو الْمَعْنى لَا يرجح وصف الْمُسْتَدلّ سَوَاء كَانَ وصف الْمُعْتَرض مركبا من وصف الْمُسْتَدلّ أَو لَا بِسَبَب كَونه أَعم من الْوَصْف الآخر (لِأَنَّهُ) أَي حُصُول التَّوسعَة (مُرَجّح لما ثبتَتْ عليته) أَي إِذا ثبتَتْ علية وصف بِاعْتِبَار الشَّارِع مَعَ ثُبُوت علية وصف آخر وَكَانَ أَحدهمَا أوسع دَائِرَة من الآخر يرجح الأوسع لكَونه أَكثر إِثْبَاتًا للْحكم وَفِي نُسْخَة لما ثَبت اعْتِبَاره (وَالْكَلَام فِيهِ) فِي أصل ثُبُوت علية وصف الْمُسْتَدلّ، وَقيل ثُبُوتهَا لَا يرجح بِمَا هُوَ أَكثر إِثْبَاتًا لَهُ، لِأَن الأَصْل عَدمه. فَالْحَاصِل أَن الْأَحْوَط بعد ثُبُوت الْعلية اعْتِبَار الأوسع لِئَلَّا يفوت حكم اعْتَبرهُ الشَّارِع بِخِلَاف مَا قبله، فَإِن الأولى فِيهِ رِعَايَة الأَصْل فَتَأمل (وَلَو سلم) التَّرْجِيح بالتوسعة قبل ثُبُوت الْعلية (فمعارض) أَي فَهَذَا الْمُرَجح معَارض على صِيغَة الْمَجْهُول (بِمَا يرجح وصف الْمُعَارضَة) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور فِي مقَام الْمُعَارضَة (وَهُوَ) أَي مَا يرجح وصفهَا (مُوَافقَة الأَصْل) وَهُوَ عدم الحكم (بالانتفاء) أَي بِانْتِفَاء الحكم (فِي الْفَرْع) اللَّازِم لوصف الْمُعَارضَة (و) الْمُخْتَار (للحنفية نَفْيه) أَي نفي قبُوله

(ويسمونها) أَي الْمُعَارضَة فِي الأَصْل (الْمُفَارقَة) إِشَارَة إِلَى مَا سَيَأْتِي من أَن سُؤال الْفرق إبداء خُصُوصِيَّة فِي الأَصْل هِيَ شَرط للوصف مَعَ بَيَان انتفائها فِي الْفَرْع أَو بَيَان مَانع من الحكم فِيهِ مَعَ انْتِفَاء ذَلِك الْمَانِع فِي الأَصْل فهما معارضان فِي الأَصْل وَالْفرع لِأَن ابداء شَرط فِي الأَصْل مُعَارضَة فِيهِ وَبَيَان وجوده فِي الْفَرْع مُعَارضَة فِيهِ، وَمن أَن الْمُعْتَرض إِن لم يتَعَرَّض لانْتِفَاء الشَّرْط فِي الْفَرْع لم يكن من الْفرق بل هُوَ مُعَارضَة فِي الأَصْل الْمُسَمّى مُفَارقَة عِنْد الْحَنَفِيَّة، وَلم يذكروه اكْتِفَاء بِذكر الْمُعَارضَة فِي الأَصْل، وَلَعَلَّ وَجه التَّسْمِيَة أَن بَيَان الخصوصية فِي الأَصْل ينْسب للمفارقة بَين الأَصْل وَالْفرع (فَإِن كَانَ صَحِيحا) اسْم كَانَ رَاجع إِلَى الْفرق الْمَفْهُوم فِي ضمن الْمُفَارقَة لِأَن إبداء الْوَصْف الآخر إِنَّمَا يقْصد بِهِ الْفرق بَين الأَصْل وَالْفرع، وَصِحَّته بِوُجُود دَلِيل على وجود الْفَارِق بَينهمَا فِي الْعلَّة الْمُعْتَبرَة فِي ذَلِك الحكم (فليجعل) الْفرق الْمَوْجُود فِي ضمن تِلْكَ الْمُفَارقَة (ممانعة) أَي فليورد فِي صُورَة الممانعة (ليقبل) من الْمُعْتَرض لِأَن الْمُفَارقَة من الأسئلة الْفَاسِدَة عِنْد الْجُمْهُور، وللممانعة أساس المناظرة، وَبهَا يعرف فقه الرجل (فَفِي إِعْتَاق عبد الرَّهْن) أَي إِعْتَاق الرَّاهِن العَبْد الْمَرْهُون إِذا قَالَ الشَّافِعِي بِبُطْلَانِهِ لِأَنَّهُ (تصرف لَاقَى حق الْمُرْتَهن) بالإبطال بِدُونِ رِضَاهُ (فَيبْطل) إِعْتَاقه (كَبَيْعِهِ) أَي لَا يبطل بيع الرَّاهِن الْمَرْهُون بِغَيْر إِذن الْمُرْتَهن (لَو قَالَ) الْحَنَفِيّ (هِيَ) أَي الْعلَّة (فِي الأَصْل) أَي البيع (كَونه) أَي البيع (يحْتَمل الرّفْع) بعد وُقُوعه فَلَا وَجه لِلْقَوْلِ بانعقاده وَهُوَ على شرف الِانْفِسَاخ من قبل الْمُرْتَهن، بِخِلَاف الْعتْق لكَونه لَا يحْتَمل الرّفْع (لم يقبل) جَوَاب لَو، لما ذكر من أَن الْمُخْتَار عِنْد الْحَنَفِيَّة عدم قبُول الْمُفَارقَة، وَذَلِكَ لِأَن السَّائِل لَيْسَ لَهُ ولَايَة الْفرق كَمَا سيشير إِلَيْهِ، غير أَن الْفرق هَهُنَا صَحِيح فليجعل ممانعة (فَلْيقل إِن ادعيت حكم الأَصْل) أَي إِن جعلت حكم الأَصْل، وَهُوَ البيع (الْبطلَان منعناه) أَي منعنَا كَونه حكم الأَصْل (أَو) ادعيت حكمه (التَّوَقُّف) على إجَازَة الْمُرْتَهن أَو قَضَاء دينه (فَغير حكمك) الَّذِي تُرِيدُ إثْبَاته (فِي الْفَرْع) وَهُوَ الْبطلَان (وَهَذَا) أَي كَون الْمُخْتَار عِنْد الْحَنَفِيَّة نفي قبُوله (لِأَنَّهُ غصب) لمنصب التَّعْلِيل، إِذْ السَّائِل مسترشد فِي موقف الْإِنْكَار فَإِن ادّعى شَيْئا آخر وقف موقف الدَّعْوَى بِخِلَاف الْمُعَارضَة فَإِنَّهَا تكون بعد تَمام الدَّلِيل والمعارض لَيْسَ فِي موقف الْإِنْكَار بل فِي موقف الِاسْتِدْلَال على خلاف مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْخصم (وَلَيْسَ) الْأَمر كَمَا قَالُوا من أَن إبداء وصف آخر غصبه (لِأَنَّهُ) أَي المبدي (لَا يسْتَدلّ عَلَيْهِ) أَي كَون الْوَصْف الآخر عِلّة (بل يجوز كَونه) أَي المبدي وَحده (الْعلَّة أَو) كَونه (مَعَ مَا ذكر) الْمُسْتَدلّ الْعلَّة. (وَحَاصِله) أَي حَاصِل سُؤَاله هَذَا (منع استقلاله) أَي اسْتِقْلَال وصف الْمُسْتَدلّ بالعلية (وتسميته مُعَارضَة تجوز لقَولهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (إِذا أطلقت) الْمُعَارضَة فِي بَاب الْقيَاس

(فَمَا فِي الْفَرْع) أَي فَالْمُرَاد الْمُعَارضَة فِي الْفَرْع (وَهَذِه) أَي الْمُعَارضَة فِي الأَصْل تذكر (بِقَيْد) هُوَ فِي الأَصْل، فَعلم أَن الْحَقِيقَة فِي إِطْلَاق لفظ الْمُعَارضَة مَا فِي الْفَرْع، فَإِذا اسْتعْمل فِي غَيره كَانَ تجوزا على طَرِيق الِاسْتِعَارَة (وَإِذا رد النَّقْض) الَّذِي هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي الِاسْتِدْلَال (إِلَى الْمَنْع) كَمَا مر (فَهَذَا) أَي رد الْمُعَارضَة فِي الأَصْل إِلَى الْمَنْع (أولى) مِنْهُ فِي ذَلِك [وَفِي التَّلْوِيح] وَلَا يخفى أَنه نزاع جدلي يقصدون بِهِ عدم وُقُوع الْخبط فِي الْبَحْث وَإِلَّا فَهُوَ ساع فِي إِظْهَار الصَّوَاب. (قَالُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (ولجواز علتين فِي الأَصْل تعدى) الحكم (بِكُل) مِنْهُمَا (إِلَى محلهَا) أَي إِلَى مَحل تِلْكَ الْعلَّة من موارد تحققها (فَعدم إِحْدَاهمَا) بِعَينهَا (فِي مَحل) تُوجد فِيهِ الْأُخْرَى (لَا يَنْفِي) كَون (الْأُخْرَى) عِلّة للْحكم فتعدى بهَا إِلَى مَحل آخر (وَهَذَا) الْوَجْه (يقْتَصر) فِي إفادته نفي الْقبُول (على مَا يجب فِيهِ) أَي على مَحل يجب فِيهِ (اسْتِقْلَال كل) من العلتين بِدَلِيل يُوجب ذَلِك (دون تَجْوِيز جزئيته) أَي جزئية كل مِنْهُمَا، لما كَانَ الِاسْتِقْلَال الْمُقَابل لتجويز الْجُزْئِيَّة يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: أَحدهمَا أَن يكون كل من المستقلين مجتمعا مَعَ الآخر، وَالثَّانِي بِخِلَافِهِ فَلَا تجمع علية أَحدهمَا مَعَ علية الآخر، وَعدم قبُول السُّؤَال فِي الأول دون الثَّانِي أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَالْحق) أَن يُقَال (أَن أجمع) أَي انْعَقَد الْإِجْمَاع (على أَنَّهَا) أَي الْعلَّة (فِي مَحل النزاع إِحْدَاهمَا) فَقَط: أَي عِلّة الْمُسْتَدلّ والمعترض اسْتِقْلَالا (كعلة الرِّبَا) فَإِنَّهُ أجمع على أَنَّهَا إِمَّا الْكَيْل وَالْوَزْن، أَو الطّعْم فِي المطعومات وَالثمن فِي الْأَثْمَان، أَو الاقتيات والادخار (قبل) هَذَا السُّؤَال (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يجمع على مَا ذكر (لَا) يقبل لجَوَاز أَن يكون كل مِنْهُمَا عِلّة اسْتِقْلَالا كَمَا ذكر. (وَقَوْلهمْ) أَي الشَّافِعِيَّة (بالاستقراء مبَاحث الصَّحَابَة جمع وَفرق) قَوْله مبَاحث الصَّحَابَة مُبْتَدأ خَبره جمع وَفرق: يَعْنِي جمع الْفَرْع مَعَ الأَصْل فِي الحكم بِمُوجب وصف مُشْتَرك بَينهمَا، وتمييز صُورَة عَن صُورَة أُخْرَى عِنْد توهم مشاركتهما فِي الحكم بِوَصْف مُشْتَرك بَينهمَا بِبَيَان فَارق يُفِيد عدم مشاركتهما فِي عِلّة الحكم، وَذَلِكَ بإبداء وصف مُغَاير لما توهم كَونه عِلّة فِي الصُّورَة الَّتِي ظن كَونهَا أصلا لصورته الْأُخْرَى، وَذَلِكَ إِجْمَاع على جَوَاز وصف فَارق غير مَوْجُود فِي الْفَرْع، وَقَوله بالاستقراء مُتَعَلق بِمَا يفهم من السِّيَاق تَقْدِيره علم بالاستقراء أَنه (لَا يمسهُ) خبر قَوْلهم وَالضَّمِير الْمَنْصُوب رَاجع إِلَى مطلبهم، وَهُوَ قبُول السُّؤَال الْمَذْكُور على الْعُمُوم (إِلَّا إِن نقلت) مباحثهم جمعا وفرقا (على) وَجه (الْعُمُوم) بِحَيْثُ ينْدَرج تحتهَا مبَاحث الْفرق فِي الْمُتَنَازع (وَلَا يُمكن) نقلهَا كَذَلِك لِأَن مَا نقل عَنْهُم مضبوط عِنْد أَئِمَّة النَّقْل وَلَيْسَ فِيهِ الْعُمُوم الْمَذْكُور (وعَلى) تَقْدِير (قبُولهَا) أَي الْمُعَارضَة فِي الأَصْل هَل يلْزم بَيَان انْتِفَاء المبدي فِي الْفَرْع؟ فِيهِ أَقْوَال: فأحدها نعم، إِذْ لَو لم ينتف فِيهِ لثبت مَطْلُوب الْمُسْتَدلّ، فثانيها لَا، لِأَن غَرَضه عدم اسْتِقْلَال وصف الْمُسْتَدلّ

وَهُوَ يحصل بِمُجَرَّد الإبداء (فثالثها) الَّذِي هُوَ (الْمُخْتَار لَا يلْزم بَيَان انتفائه) أَي الْوَصْف المبدي فِي الأَصْل (عَن الْفَرْع إِلَّا إِن ذكره) أَي الْمُعْتَرض انتفاءه فِي الْفَرْع فكلمة أَن شَرْطِيَّة أَو مَصْدَرِيَّة وَالْوَقْف مُقَدّر: أَي لَا يلْزم ذَلِك إِلَّا وَقت ذكره إِيَّاه، فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك يعلم أَن غَرَضه إِثْبَات انْتِفَاء الحكم فِي الْفَرْع، وَلَا شكّ أَنه حِينَئِذٍ لَا بُد من بَيَان انْتِفَاء الْوَصْف عَن الْفَرْع (لِأَن مَقْصُوده) أَي الْمُعْتَرض (لم ينْحَصر فِي صده) أَي صرف الْمُسْتَدلّ (عَن التَّعْلِيل) بِمَا ذكره من الْوَصْف (لينتفى لُزُومه) أَي لُزُوم بَيَان انْتِفَاء المبدي فِي الْفَرْع (مُطلقًا) أَي انْتِفَاء مُطلقًا يعم جَمِيع صور الْمعَارض فِي الأَصْل، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا لم يكن مَقْصُود الْمُعْتَرض سوى صرف الْمُسْتَدلّ عَن وَصفه وَقد حصل ذَلِك بإبداء وصف آخر يحْتَمل الْعلية كَفاهُ ذَلِك فِي الصّرْف، فَذكر أَن هَذَا المبدي مُنْتَفٍ فِي الْفَرْع أَمر زَائِد على الْمَقْصُود غير مُحْتَاج إِلَيْهِ فِي صُورَة من الصُّور، إِذْ الْمَفْرُوض انحصار قَصده فِي الْجَمِيع فِي ذَلِك (وَلَا نفى حكمه) أَي وَلم ينْحَصر أَيْضا مَقْصُوده فِي نفي حكم الأَصْل (فِي الْفَرْع ليلزم) بَيَان انتفائه (مُطلقًا) أَي لُزُوما مُطلقًا يعم الصُّور كلهَا لِأَن الْمَقْصُود على هَذَا التَّقْدِير لَا يحصل إِلَّا بِبَيَان انتفائه فِيهِ (بل قد) يكون مَقْصُود الْمُعْتَرض الصد (وَقد) يكون نفي الحكم (فَإِذا ادَّعَاهُ) أَي الْمُعْتَرض نفي الحكم (لزمَه إثْبَاته) أَي إِثْبَات مَا ادَّعَاهُ لالتزامه ذَلِك وَإِن لم يجب عَلَيْهِ ابْتِدَاء (و) كَذَا الْمُخْتَار أَنه (لَا) يلْزم الْمُعْتَرض (ذكره) أَي أَن يذكر (أصلا) مُعْتَبرا من الشَّارِع (لوصفه) الَّذِي أبداه فِي الأَصْل تبين ذَلِك الأَصْل تَأْثِير فِي الحكم (كمعارضة الاقتيات بالطعم) أَي كَأَن يَقُول الْمُعْتَرض عَلَيْهِ حُرْمَة الرِّبَا فِي المنصوصات الطّعْم لَا الْقُوت (كَمَا فِي الْملح) الَّذِي هُوَ مِنْهَا وَهُوَ طعم وَلَيْسَ بقوت، ثمَّ علل عدم لُزُوم ذَلِك الأَصْل لوصف الْمُعْتَرض بقوله (لِأَنَّهُ لم يَدعه) أَي الْمُعْتَرض كَون وَصفه عِلّة حَتَّى يحْتَاج إِلَى شَهَادَة الأَصْل (إِنَّمَا جوز مَا ذكر) من كَون وَصفه عِلّة أَو جزءها (ليلزم) الْمُسْتَدلّ (التحكم) فِي جعله الْعلَّة وَصفه لَا وصف الْمُعْتَرض مَعَ تساويهما فِي صلوح الْعلية (وَأَيْضًا يَكْفِيهِ) أَي الْمُعْتَرض فِي وَصفه المبدي (أصل الْمُسْتَدلّ) إِذْ لَا بُد من وجود وَصفه فِيهِ (فَيَقُول) الْمُعْتَرض (جَازَ الطّعْم أَو الْكَيْل أَو هما) عِلّة (كَمَا فِي الْبر بِعَيْنِه وجوابها) أَي الْمُعَارضَة الْمَذْكُورَة من الْمُسْتَدلّ (على) تَقْدِير (الْقبُول) كَمَا هُوَ الْمُخْتَار للشَّافِعِيَّة (بِمَنْع وجوده) أَي الْوَصْف الْمعَارض بِهِ فِي الأَصْل كَأَن يَقُول لَا نسلم أَنه مَكِيل فِي زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الْمُعْتَبر (أَو) منع (تَأْثِيره) أَي الْوَصْف الْمعَارض بِهِ فِي الأَصْل (إِن كَانَ لم يُثبتهُ الْمُسْتَدلّ أَو أثْبته) بِمَا كَانَ يَقُول إِذْ أثْبته (بِمَا كَانَ) أَي بِأَيّ طَرِيق كَانَ، يَعْنِي بِمَنْع التَّأْثِير على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ الْمُسْتَدلّ لم يثبت علية وَصفه أَو أثبت وعَلى تَقْدِير الْإِثْبَات سَوَاء أثبتها بالمناسبة أَو الشّبَه أَو غَيرهمَا، وَهَذَا رد لما فِي الشَّرْح العضدي

من أَن الْمُطَالبَة بِكَوْن الْوَصْف الْمعَارض مؤثرا بِأَن يُقَال للمعترض لم قلت أَن الْكَيْل يُؤثر إِنَّمَا يسمع من الْمُسْتَدلّ إِذا كَانَ مثبتا للعلية بالمناسبة أَو الشّبَه حَتَّى يحْتَاج الْمعَارض إِلَى بَيَان مُنَاسبَة أَو شبه، بِخِلَاف مَا إِذا أثْبته بالسبر فَإِن الْوَصْف يدْخل فِي السبر بِدُونِ ثُبُوت الْمُنَاسبَة بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله (وَتَقْيِيد سَمَاعه) أَي سَماع منع التَّأْثِير وقبوله (من الْمُسْتَدلّ بِمَا إِذا كَانَ الْمُسْتَدلّ أثبت وَصفه) أَي عليته (بالمناسبة وَنَحْوهَا) أَي الشّبَه، وَقد مر الْفرق بَينهمَا وَحَاصِله أَن الأولى بِالنّظرِ إِلَى ذَات الْوَصْف، وَالْأُخْرَى بِالنّظرِ إِلَى الْخَارِج (لَا بالسبر وَنَحْوه تحكم) خبر الْمُبْتَدَأ (لِأَن ذَاك) إِشَارَة إِلَى مَا جعله الْمُسْتَدلّ عِلّة (وَصفه) أَي الْمُسْتَدلّ، (وَهَذَا) المبدي الْمعَارض بِهِ وصف (آخر مجوز) أَي جوزه الْمُعْتَرض (دَفعه) الْمُسْتَدلّ صفة مجوز (بِعَدَمِ التَّأْثِير، وَهُوَ) أَي عدم التَّأْثِير (عدم الْمُنَاسبَة عِنْدهم) أَي الشَّافِعِيَّة (فَيجب إثْبَاته) أَي التَّأْثِير على الْمُسْتَدلّ لِئَلَّا يُقَال لَهُ - {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} - (فبالمناسبة ظَاهر) أَي فَإِن أثبت التَّأْثِير بِبَيَان الْمُنَاسبَة فَالْأَمْر ظَاهر، إِذْ مُرَاد من يقبل عِنْده هَذَا السُّؤَال من التَّأْثِير الْمُنَاسبَة (وَكَذَا) إِن أثْبته (بالسبر، لِأَن مَا أَفَادَ الْعلية أَفَادَ الْمُنَاسبَة، إِذْ هِيَ) أَي الْمُنَاسبَة (لَازم الْعلَّة بِمَعْنى الْبَاعِث) فَمَا أَفَادَ الْمَلْزُوم أَفَادَ اللَّازِم (لَكِن لَا يلْزم إبداؤها) أَي الْمُنَاسبَة (فِي السبر وَنَحْوه، وَلذَا) أَي لما ذكر من لُزُوم الْمُنَاسبَة لمُطلق الْعلَّة عِلّة السبر (عورض المستبقى فِيهِ) أَي فِي السبر (لعدمها) أَي لعدم مُنَاسبَة المستبقى، وَقد عرفت أَن السبر عبارَة عَن حصر الْأَوْصَاف الَّتِي يحْتَمل كَونهَا عِلّة فِي عدد وإلغاء مَا عدا وَاحِد مِنْهَا وَهُوَ المستبقى، وَرُبمَا يُعَارض المستبقى بِوَصْف آخر يدعى الْمعَارض عليته وَأَنه الْمُنَاسب للْحكم دون المستبقى لعدم مناسبته، فلولا أَن الْمُنَاسبَة أَمر لَازم لِلْعِلَّةِ لما نفى الْعلية عَن المستبقى لعدمها، فقد علم أَن الْمشَار إِلَيْهِ بقوله كَذَا لُزُوم الْمُنَاسبَة، لَا عدم لُزُوم إبدائها كَمَا زعم الشَّارِح فَإِن قلت: لَعَلَّه أَرَادَ أَنه لَو كَانَ إبداؤها لَازِما لما عورض عَن المستبقى لعدمها، لِأَنَّهُ على تَقْدِير لُزُوم الإبداء لم يتْركهُ الْمُسْتَدلّ، وعَلى تَقْدِير إبدائها لَا وَجه للمعارضة لعدمها فِي المستبقى قلت على تَقْدِير الإبداء بِزَعْمِهِ: لَا يلْزم وجود الْمُنَاسبَة عِنْد الْمُعْتَرض فَافْهَم (وَقيل الْمَعْنى) للمستدل مُطَالبَة الْمُعْتَرض بِكَوْن وَصفه مؤثرا (إِذا كَانَ الْمُعْتَرض أثْبته) أَي أثبت كَون وَصفه عِلّة (بالمناسبة) لَا بالسبر كَمَا ذكره بعض شارحي الْمُخْتَصر (وَهُوَ خبط، إِذْ بِفَرْض إثْبَاته بهَا) أَي الْمُنَاسبَة (كَيفَ يمْنَع) الْمُسْتَدلّ (التَّأْثِير، وَهُوَ) أَي التَّأْثِير (هِيَ) أَي الْمُنَاسبَة. لَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يحمل التَّأْثِير على مَا هُوَ مصطلح الشَّافِعِيَّة (إِذْ لَا يُمكن حمله على اصطلاحهم فِيهِ) أَي فِي التَّأْثِير (وَهُوَ كَون الْعين فِي الْعين) أَي كَون عين الْوَصْف مُعْتَبرا فِي عين الحكم شرعا (بِالنَّصِّ أَو الْإِجْمَاع، إِذْ لَا يتَعَيَّن) إِثْبَات

الْمُعْتَرض كَون الْوَصْف عِلّة بِهَذَا الْوَجْه (عَلَيْهِ) أَي الْمُعْتَرض (بعد إثْبَاته) أَي إِثْبَات كَون الْوَصْف عِلّة (بطرِيق صَحِيح هِيَ الْمُنَاسبَة بِالْفَرْضِ) أَي على مَا هُوَ الْمَفْرُوض فِيمَا نَحن فِيهِ (نعم) يتَعَيَّن إِثْبَات التَّأْثِير الْحَنَفِيّ (لَو كَانَ الْمُعْتَرض حنفيا فَإِن الْمُنَاسبَة لَا تَسْتَلْزِم الِاعْتِبَار عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة كَمَا تقدم (فالتأثير عِنْدهم شَرط مَعَ الْمُنَاسبَة، وَهُوَ) أَي التَّأْثِير عِنْدهم (إِن ثَبت اعْتِبَار جنس الْمُنَاسبَة إِلَى آخر الْأَقْسَام) الْمَذْكُورَة فِي بحث التَّأْثِير (وَلَا يَصح) مِمَّن أثبت وَصفه بالسبر مستدلا كَانَ أَو مُعْتَرضًا التَّرْجِيح، هَذِه عبارَة الشَّارِح فِي حل هَذَا الْمحل، جعله كلَاما مُبْتَدأ فِي بَيَان تَرْجِيح وصف على آخر، وَلم يَجعله من تَتِمَّة مُعَارضَة المستبقى فِي السبر الْمَذْكُورَة آنِفا وَلم يدر أَنه لَا يساعده آخر الْكَلَام، إِذْ حَاصله أَن هَذَا التَّرْجِيح لَا يُفِيد مَعَ عدم شَرط الْعلَّة وَهُوَ الْمُنَاسبَة فَيجب أَن يكون عدم الْمُنَاسبَة لَازِما لعِلَّة الْخصم فَتعين كَونه تَتِمَّة مَا ذكرُوا، وَالتَّقْدِير وَلَا يَصح من الْمُسْتَدلّ الفاقد وَصفه الْمُنَاسبَة تَعديَة وَصفه (بترجيح السبر) أَي بترجيح الْوَصْف الثَّابِت عليته بالسبر على الثَّابِت عليته بِغَيْرِهِ (لتعرضه) أَي السبر (لنفي غَيره) من الْأَوْصَاف المحتملة للعلية (و) لَا (بِكَثْرَة الْفَائِدَة) المترتبة على علته بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَتَرَتَّب على علية الآخر (لِأَن ذَلِك) أَي الْمُرَجح الْمَذْكُور إِنَّمَا يعْتَبر بِهِ (بعد ظُهُور شَرطه) أَي شَرط وصف السبر، وَهُوَ مُنَاسبَة المستبقى (أَو عدم ظُهُور عَدمه) أَي عدم الشَّرْط لجَوَاز خَفَاء الْمُنَاسبَة لما عرفت: من أَنه لَا يلْزم إبداء الْمُنَاسبَة فِي السبر (أما مَعَ ظُهُوره) أَي ظُهُور عدم الشَّرْط (فَلَا) يتَرَجَّح السبر (إِذْ لَا يُفِيد) السبر (مَعَ عدم الشَّرْط) الْمُعْتَبر فِي مُطلق الْعلَّة (وَهُوَ) أَي عدم الشَّرْط (الْمُعْتَرض بِهِ) لما عرفت من أَن مدَار مُعَارضَة المستبقى إِنَّمَا كَانَ على عدم الْمُنَاسبَة (أَو بَيَان خفائه) أَي خَفَاء الْوَصْف الْمعَارض بِهِ مَعْطُوف على منع وجوده، وَكَذَا (أَو عدم انضباطه) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور (أَو منع ظُهُوره أَو) منع (انضباطه) فَإِن كل وَاحِد من الْمَذْكُورَات منَاف لعلية الْوَصْف الْمعَارض بِهِ لما علم فِي شُرُوط الْعلَّة فَلَا يُعَارض بِهِ عِنْد تحقق شَيْء مِنْهَا (أَو أَنه) أَي الْوَصْف الْمعَارض بِهِ لَيْسَ وجوديا، بل هُوَ (عدم معَارض فِي الْفَرْع) والعدم لَا يكون عِلّة وَلَا جُزْءا مِنْهَا فِي الحكم الثبوتي على مَا هُوَ الْمُخْتَار (كالمكره) أَي كقياس الْقَاتِل الْمُضْطَر إِلَى الْقَتْل (على الْمُخْتَار) أَي الْقَاتِل بِاخْتِيَارِهِ (فِي) وجوب (الْقصاص بِجَامِع الْقَتْل فيعارض بِأَنَّهَا) أَي الْعلَّة فِي حكم الْقصاص (هُوَ) أَي الْقَتْل (مَعَ الطواعية) لِأَنَّهَا مُنَاسبَة لَا يُجَاب الْقصاص لَا الْقَتْل الْمُطلق الَّذِي يعم الْإِكْرَاه (فيجيب) الْمُسْتَدلّ (بِأَنَّهَا) أَي الطواعية (عدم الْإِكْرَاه لَا الْإِكْرَاه الْمُنَاسب لنقيض الحكم) أَي عدم الْقصاص، فحاصله عدم معَارض، وَعدم الْمعَارض طرد لَا يصلح للتَّعْلِيل، لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْبَاعِث فِي شَيْء، كَذَا فِي الشَّرْح العضدي: وَذَلِكَ أَن

عدم الْمعَارض من قبيل عدم الْمَانِع، لَا من جَانب الْمُقْتَضى الَّذِي هُوَ الْعلَّة، وَهَذَا لَا غُبَار عَلَيْهِ، لَكِن قَوْله أَنَّهَا عدم الْإِكْرَاه لَا الْإِكْرَاه يُفِيد بِظَاهِرِهِ أَنَّهَا لَو كَانَت عين الْإِكْرَاه لناسبت الحكم وَلَا معنى لَهُ كَمَا لَا يخفى. ثمَّ وَصفه الْإِكْرَاه بمناسبة نقيض الحكم مدافعة، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ وَالله تَعَالَى أعلم أَن الطواعية إِنَّمَا هُوَ لعدم الْمُضَاف إِلَى الْإِكْرَاه، وَلَا مُنَاسبَة بَين هَذَا الْعَدَم وَالْحكم أصلا وَلَيْسَت هِيَ الْإِكْرَاه الَّذِي فِيهِ مُنَاسبَة فِي الْجُمْلَة، على أَنه لَو كَانَت عين الْإِكْرَاه أَيْضا لما أَفَادَهُ، بل آخِره، لِأَن مُنَاسبَة الْإِكْرَاه إِنَّمَا هِيَ بِالنّظرِ إِلَى نقيض الحكم، وَفِيه مَا فِيهِ (أَو بإلغائه) أَي الْوَصْف إِلَى آخِره، إِمَّا مُطلقًا فِي جنس الْأَحْكَام كالطول وَالْقصر، أَو فِي حكم الْمُعَلل بِهِ كالذكورة فِي الْعتْق (باستقلال وَصفه) أَي بِسَبَب اسْتِقْلَال وصف الْمُسْتَدلّ بالعلية (بِنَصّ أَو إِجْمَاع كلا تَبِيعُوا الطَّعَام) بِالطَّعَامِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء (فِي مُعَارضَة الطّعْم) أَي كجواب الْمُسْتَدلّ على أَن عِلّة الرِّبَا الطّعْم المعترضة بمعارضته (بِالْكَيْلِ) لِأَن النَّص دلّ على اعْتِبَار الطّعْم فِي صُورَة مَا، وَهُوَ هَذَا الحَدِيث، فَإِن اعْتِبَار الحكم مُرَتبا على وصف مشْعر بالعلية (وَمن بدل دينه فَاقْتُلُوهُ عِنْد مُعَارضَة مطلقه) يَعْنِي إِذا علل الْمُسْتَدلّ الْقَتْل بِمُطلق تَبْدِيل الدّين ففرع عَلَيْهِ قتل الْيَهُودِيّ إِذا تنصر وَعَكسه إِلَّا أَن يسلم لتحَقّق مَا طلق التبديل فعورض (بتبديل الْإِيمَان بالْكفْر) يَعْنِي فَيَقُول الْمُعْتَرض لَيْسَ الْعلَّة بِمُطلق التبديل، بل تَبْدِيل الْإِيمَان بالْكفْر: وعَلى هَذَا فَالْمُرَاد بِهِ دين الْإِسْلَام، غير أَن الْعلَّة مُطلق التبديل فَألْحق الْيَهُودِيّ إِذا تنصر بِالْمُسلمِ الْمُبدل دينه لاشْتِرَاكهمَا فِي التبديل الْمُطلق (وَلَو قَالَ) الْمُسْتَدلّ (عَم) التبديل الْمَذْكُور فِي الحَدِيث (فِي كل تَبْدِيل) سَوَاء كَانَ تَبْدِيل دين الْحق بباطل أَو بَاطِل بباطل (كَانَ) هَذَا القَوْل (شَيْئا آخر) وَدَعوى حكم كلي شَرْعِي غير مستنبط من الحَدِيث الْمَذْكُور، فَإِن الْمُعَارضَة الْمَذْكُورَة دافعة لهَذَا الاستنباط، فَيكون حِينَئِذٍ إثْبَاته بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ فَلَا يسمع مِنْهُ هَذَا (وَلَيْسَ مِنْهُ) أَي من الإلغاء المقبول (انْفِرَاد الحكم عَنهُ) أَي عَن الْوَصْف المبدي للمعترض (لعدم) اشْتِرَاط (الْعَكْس) فِي الْعلَّة على مَا هُوَ الْمُخْتَار، وَقد مر تَفْصِيله فِي الشُّرُوط فِي الشَّرْح العضدي رُبمَا يظنّ أَن إِثْبَات الحكم فِي صُورَة دون وصف الْمعَارض كَاف فِي إلغائه، وَالْحق أَنه لَيْسَ بكاف لجَوَاز وجود عِلّة أُخْرَى لما تقدم من جَوَاز تعدد الْعلَّة وَعدم وجوب الْعَكْس (لَكِن يتم) بِبَيَان انْفِرَاد الحكم عَن الْوَصْف الْمعَارض بِهِ (اسْتِقْلَال وصف الْمُسْتَدلّ) إِذْ لَو لم يسْتَقلّ لم يتَحَقَّق الحكم مَعَه فِي صُورَة الِانْفِرَاد الْمَذْكُور (ولكونه) أَي انْفِرَاد الحكم عَنهُ (لَيْسَ إِلْغَاء) لَهُ (لَا يُفِيد إبداء الْخلف) أَي إبداء وصف آخر يخلف الْوَصْف الْمعَارض بِهِ فِي صُورَة انْفِرَاد الحكم عَنهُ (من الْمُعْتَرض) لَا يُفِيد دفع الإلغاء لِأَنَّهُ فرع ثُبُوته، وَإِنَّمَا فَائِدَته نفي اسْتِقْلَال وصف

الْمُسْتَدلّ (وَهُوَ) أَي إبداء الْخلف من الْمُعْتَرض بعد بَيَان الْمُسْتَدلّ انْفِرَاد الحكم عَن الْوَصْف الْمعَارض بِهِ لِئَلَّا يكون وصف الْمُسْتَدلّ مُسْتقِلّا (تعدد الْوَضع) أَي يُسمى بِهِ لتَعَدد أصل الوضعين أَحدهمَا الْمعَارض بِهِ أَولا. وَالثَّانِي الْخلف المبدي وَالتَّعْلِيل فِي أَحدهمَا بِالْبَاقِي بعد المبدي على وضع: أَي مَعَ قيد، وَفِي الآخر على وضع مَعَ قيد آخر كَمَا سَيظْهر فِي الْمِثَال (نَحْو) أَن يُقَال فِي صِحَة أَمَان العَبْد الْمُسلم الْعَاقِل الْحَرْبِيّ (أَمَان) صادر (من مُسلم عَاقل، فَيقبل كَالْحرِّ) أَي كأمان الْحر الْمُسلم الْعَاقِل (لِأَنَّهُمَا) أَي الْإِسْلَام وَالْعقل (مظنتان للِاحْتِيَاط للأمان) أَي للِاحْتِيَاط فِي مصلحَة الْأمان: أَي بذل الْأمان وَجعله آمنا (فيعترض بِاعْتِبَار) وصف (الْحُرِّيَّة مَعَهُمَا) أَي الْإِسْلَام وَالْعقل فِي الْعلية (لِأَنَّهَا) أَي الْحُرِّيَّة (مَظَنَّة التفرغ) للنَّظَر فِي مصلحَة الْإِيمَان لعدم الِاشْتِغَال بِخِدْمَة الْمولى (فنظره) أَي الْحر (أكمل) من نظر العَبْد (فيلغيها) أَي الْمُسْتَدلّ الْحُرِّيَّة (بالمأذون لَهُ فِي الْقِتَال) أَي باستقلال الْإِسْلَام وَالْعقل بالأمان فِي العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي قتال الْكفَّار فَإِن لَهُ الْأمان اتِّفَاقًا (فَيَقُول) الْمُعْتَرض (الْإِذْن) أَي إِذن السَّيِّد لَهُ فِيهِ (خلفهَا) أَي الْحُرِّيَّة (لدلالته) أَي الْإِذْن (على علم السَّيِّد بصلاحه) لإِظْهَار مصَالح الْأمان (فالباقي) أَي الْإِسْلَام وَالْعقل (عِلّة) لصِحَّة الْأمان حَال كَونه (على وضع: أَي قيد الْحُرِّيَّة) فالعلة الْمَجْمُوع (و) أَيْضا عِلّة لَهُ على وضع (آخر) أَي قيد (الْإِذْن وَجَوَابه) أَي جَوَاب تعدد الْوَضع (أَن يلغي) أَي الْمُسْتَدلّ ذَلِك (الْخلف) بِصُورَة فِيهَا وصف الْمُسْتَدلّ مَعَ الحكم، و (لَيْسَ) ذَلِك الْخلف (فِيهَا، فَإِن أبدى) الْمُعْتَرض (فِيهَا) أَي فِي الصُّورَة المبتدأة (خلفا) آخر (فَكَذَلِك) أَي فَالْجَوَاب بالإلغاء بِصُورَة أُخْرَى، والاعتراض بإبداء الْخلف يسْتَمر على المنوال الْمَذْكُور (إِلَى أَن يقف أَحدهمَا) أما الْمُسْتَدلّ لعَجزه عَن الإلغاء، أَو الْمُعْتَرض لعَجزه عَن الْخلف (وَلَا يلغي) أَي وَلَا يتَحَقَّق الإلغاء من الْمُسْتَدلّ للوصف الْمعَارض بِهِ (بِضعْف الْحِكْمَة إِن سلم) الْمُسْتَدلّ (المظنة) أَي وجود المظنة المتضمنة لتِلْك الْحِكْمَة (كالردة عِلّة الْقَتْل) وَقِيَاس الْمُرْتَدَّة على الْمُرْتَد بِوُجُوب الْقَتْل (فَيُقَال) على سَبِيل الِاعْتِرَاض، بل (مَعَ الرجولية، لِأَنَّهُ) أَي الارتداد مَعهَا (المظنة لقِتَال الْمُسلمين) إِذْ يعْتَاد ذَلِك من الرِّجَال دون النِّسَاء (فيلغيه) أَي الْمُسْتَدلّ كَون المظنة لذَلِك (بمقطوع الْيَدَيْنِ) بِضعْف الْحِكْمَة فِيهِ مَعَ أَنه يقتل اتِّفَاقًا إِذا ارْتَدَّ: فَهَذَا (لَا يقبل) من الْمُسْتَدلّ (بعد تَسْلِيم كَون الرجولية مَظَنَّة) اعتبرها الشَّرْع فيدار الحكم عَلَيْهَا وَلَا يلْتَفت إِلَى ضعف حكمتها فِي بعض الصُّور كسفر الْملك المرفه لَا يمْنَع التَّرَخُّص (وَلَا يُفِيد تَرْجِيح الْمُسْتَدلّ وَصفه) على وصف الْمُعْتَرض (بِشَيْء) من وُجُوه التَّرْجِيح فِي جَوَاب الْمُعَارضَة خلافًا للآمدي (لِأَن الْمُفِيد) فِي ذَلِك (تَرْجِيح أَوْلَوِيَّة

اسْتِقْلَال وَصفه، وَهُوَ) أَي ترجيحها (مُنْتَفٍ مَعَ احْتِمَال الْجُزْئِيَّة) أَي جزئية وصف الْمُعَارضَة من الْعلَّة مَعَ وصف الْمُسْتَدلّ (أَو يدعى) أَي إِلَّا أَن يدعى (الْمُعْتَرض اسْتِقْلَال وَصفه) فَإِنَّهُ يُفِيد تَرْجِيح الْمُسْتَدلّ وصف نَفسه (وَأما أَن) الْعلَّة (المتعدية لَا ترجح) على القاصرة (لمعارضة (مُوَافقَة الأَصْل) أَي لكَون القاصرة مُعَارضَة للمتعدية بِأَنَّهَا مُوَافقَة للْأَصْل الَّذِي هُوَ عدم الْأَحْكَام كَمَا أُشير إِلَيْهِ فِي الشَّرْح العضدي (فَلَا) يَصح، بل المستقل الْمُتَعَدِّي رَاجِح على المستقل الْقَاصِر. (وَاخْتلف فِي) جَوَاز (تعدد الْأُصُول) أَي الْأُصُول الْمَقِيس عَلَيْهَا (فَقيل لَا) يجوز (لِأَن) الأَصْل (الزَّائِد لَا يحْتَاج إِلَيْهِ) لِأَن الْمَقْصُود قد حصل بِالْوَاحِدِ (وَيدْفَع) هَذَا (بِثُبُوت الْحَاجة) إِلَى الزَّائِد (لزِيَادَة الْقُوَّة) إِلَيْهِ نَفسه، وبالنظر إِلَى الْخصم فِي مقَام المناظرة فِي الظَّن بالعلية. (وَالْوَجْه الآخر، وَهُوَ تأديه) أَي جَوَاز تعدد الْأُصُول (إِلَى الانتشار وَزِيَادَة الْخبط يَدْفَعهُ) أَي يدْفع الدّفع الْمَذْكُور (لِأَن مَعَه) أَي مَعَ تأديه إِلَى مَا ذكر (يبعد الظَّن فضلا عَن زِيَادَته) أَي زِيَادَة الظَّن (فاختيار جَوَازه) أَي التَّعَدُّد (مُطلقًا) بِالنّظرِ إِلَى نَفسه وبالنظر إِلَى الْخصم فِي مقَام المناظرة كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الْحَاجِب (لَيْسَ بِذَاكَ) الْقوي (بل) الْوَجْه جَوَاز (فِي نظره لنَفسِهِ) لانْتِفَاء الانتشار (لَا) فِي (المناظرة) لتأديه إِلَى الانتشار (وعَلى الْجَوَاز) أَي جَوَاز تعددها (اخْتلف فِي اقْتِصَار الْمعَارض على أَحدهَا) أَي الْأُصُول (فالمجيز) لاقتصاره على أَحدهَا قَالَ (إبِْطَال جُزْء من كَلَامه) أَي الْمُسْتَدلّ (إِبْطَاله) أَي كَلَامه من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع (وملزم إبِْطَال الْكل) وَهُوَ من يَقُول لابد من إبِْطَال كل وَاحِد من أصُول الْمُسْتَدلّ قَالَ (إِذا سلم لَهُ) أَي الْمُسْتَدلّ (أصل) وَاحِد (كَفاهُ) فِي مَطْلُوبه (وَمحله) أَي مَحل هَذَا القَوْل (اتِّحَاد الْوَصْف دون تعدده) أَي وصف الْمُسْتَدلّ، بَيَانه: أَي الأَصْل إِذا تعدد يحْتَمل أَن يكون الْوَصْف أَيْضا مُتَعَددًا، وَيحْتَمل أَن يكون متحدا، فعلى الأول لَا وَجه للْخلاف فِي عدم لُزُوم إبِْطَال الْكل، لِأَن تعدد وصف الْقيَاس يسْتَلْزم تعدده لِأَنَّهُ المناط فِيهِ، وَإِبْطَال أحد الوصفين إبِْطَال لأحد القياسين، وَإِبْطَال أحد القياسين بِدُونِ إبِْطَال الآخر إِلْزَام تَامّ، وعَلى الثَّانِي أَيْضا لَا وَجه للْخلاف فِي لُزُوم إبِْطَال الْكل، لِأَن اتِّحَاد الْوَصْف يسْتَلْزم اتِّحَاد الْقيَاس، وَالْقِيَاس الْوَاحِد إِذا سلم لَهُ أصل وَاحِد يَكْفِي فِي إِثْبَات الْمطلب، فَلَا بُد من إبِْطَال الْكل لتحَقّق الْإِلْزَام، فَيلْزم إبِْطَال الْكل قَوْله مَبْنِيّ على اتِّحَاد الْوَصْف والمجيز للاقتصار على تعدده، فمورد نفي لُزُوم إبِْطَال الْكل غير مورد إثْبَاته فَلَا خلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَا يتلاقيان) أَي النَّفْي وَالْإِثْبَات فِي مَحل وَاحِد. وَالشَّارِح فسر اتِّحَاد الْوَصْف الْمعَارض بِهِ وَلَو لم يذكر لَهُ وَجها وَلَا وَجه لَهُ، غير أَنه ذكر الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَن اللازمين إبِْطَال الْكل اخْتلفُوا فِي وجوب

اتِّحَاد الْوَصْف الْمعَارض بِهِ فِي الْجَمِيع (فَنظر) الْقَائِل (الأول) وَهُوَ مجيز الِاقْتِصَار على أَحدهَا (إِلَى أَنه) أَي الْمُسْتَدلّ (الْتزم صِحَة الْإِلْحَاق) أَي إِلْحَاق الْفَرْع (بِكُل) من الْأُصُول (وَعجز عَنهُ) أَي عَن الْإِلْحَاق بِكُل (فَبَطل) بالتزامه (و) الْقَائِل (الآخر) يَقُول (الْمَقْصُود إثْبَاته) أَي الحكم (فِي الْفَرْع، ويكفيه) أَي الْمُسْتَدلّ (مَا سلم) لَهُ: أَي من الْأُصُول بِشَيْء من الْأَجْوِبَة الْمَذْكُورَة من الْأُصُول فَلَا بُد من مُعَارضَة الْكل لِئَلَّا يسلم لَهُ شَيْء من الْأُصُول (وَفِي مُعَارضَة الْكل) أَي جَمِيع الْأُصُول (لَو أجَاب) الْمُسْتَدلّ (عَن) مُعَارضَة (أَحدهَا) أَي الْأُصُول بِشَيْء من الْأَجْوِبَة الْمَذْكُورَة (فالقولان) أَي فالثابت على ذَلِك التَّقْدِير الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَان: أَي ينظر أَحدهمَا أَنه (لَا بُد أَن يدْفع) الْمُسْتَدلّ (عَمَّا الْتَزمهُ) وَهُوَ الْكل فَلَا يَكْفِيهِ الْجَواب عَن أَحدهمَا، فَقَط وَهُوَ نَظِير القَوْل الأول. وَالثَّانِي أَنه (يَكْفِيهِ) أَي الْمُسْتَدلّ أصل (وَاحِد) من تِلْكَ الْأُصُول، وَقد سلم لَهُ بعد الْجَواب عَن معارضته، وَهَذَا نَظِير القَوْل الثَّانِي كَمَا لَا يخفى (وَأما سُؤال التَّرْكِيب فَتقدم فِي الشُّرُوط) لحكم الأَصْل. وَحَاصِله الْمَنْع إِمَّا لعلية عِلّة حكم الأَصْل أَو لوجودها أَو لحكم الأَصْل فَهُوَ مندرج فِي المنوع الْمَذْكُورَة (و) أما (سُؤال التَّرْجِيح بالتعدية) فمثاله قَول الْمُسْتَدلّ بكر فَيجْبر كالصغيرة (فيعارض الْبكارَة المتعدية إِلَى الْبَالِغَة بالصغر) مُتَعَلق بيعارض (الْمُتَعَدِّي إِلَى الثّيّب) الصَّغِيرَة الْمُنَاسب للإجبار (ليتساويا) فِي التَّعْدِيَة: تَقْدِير الْكَلَام، وَأما سُؤال التَّرْجِيح بالتعدية فمثاله فِي مسئلة إِجْبَار الْبكر الْبَالِغَة قِيَاسا على الْبكر الصَّغِيرَة بتعليل حكم الأَصْل بالبكارة المتعدية إِلَى الْبَالِغَة دون الصَّغِيرَة، ويعارض الْبكارَة (ومرجعه) أَي هَذَا السُّؤَال (إِلَى الْمُعَارضَة فِي الأَصْل بِمَا يُسَاوِي الْأُخْرَى فِي التَّعْدِيَة) لِئَلَّا يتَرَجَّح وصف الْمُسْتَدلّ بتعديته (وَلَا تَرْجِيح بِزِيَادَة التَّعْدِيَة) الثَّابِت ثَابت (للحنفية، بِخِلَاف أَصْلهَا) أَي أصل التَّعْدِيَة فَإِن التَّرْجِيح بِهِ ثَابت عِنْدهم أَيْضا فَلَيْسَ هَذَا السُّؤَال مُسْتقِلّا بل هُوَ مندرج فِيمَا ذكر (وَإِذ لم يقبلُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (الْمُعَارضَة فِي الأَصْل لم يذكرُوا سُؤال اخْتِلَاف جنس الْمصلحَة) فِي الأَصْل وَالْفرع بعد اتِّحَاد الضَّابِط فيهمَا (كإيلاج محرم) أَي كَأَن يَقُول الْمُسْتَدلّ للحد باللواط هُوَ إيلاج فِي فرج محرم مشتهي طبعا (فَيحد بِهِ كَالزِّنَا فَيَقُول) الْمُعْتَرض (الْمصلحَة مُخْتَلفَة فِي تحريمهما) أَي اللواط وَالزِّنَا (فَفِي الزِّنَا اخْتِلَاط النّسَب المفضي إِلَى عدم تعهد الْوَلَد، وَهُوَ) أَي عدم تعهد الْوَلَد (قتل معنى، وَفِي اللواط دفع رذيلته) وهما متفاوتان فِي نظر الشَّرْع، فَقِيَاس أَحدهمَا على الآخر قِيَاس مَعَ الْفَارِق (لِأَنَّهُ) أَي السُّؤَال الْمَذْكُور (هِيَ) أَي الْمُعَارضَة فِي الأَصْل فَلم يفردوه بِالذكر، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنه هِيَ (إِذْ حَاصله) أَي قَول الْمُعْتَرض (الْعلَّة) فِي الأَصْل (شَيْء آخر) وَهُوَ كَونه مُوجبا لاختلاط النّسَب (مَعَ مَا ذكرت)

من قَوْلك إيلاج محرم (وَلذَا) أَي وَلكَون معارضته فِي الأَصْل (كَانَ جَوَابه) أَي السُّؤَال الْمَذْكُور (جوابها) أَي الْمُعَارضَة الْمَذْكُورَة (بإلغاء الخصوصية) المبتدأة فِي الأَصْل لبَيَان الِاخْتِلَاف (بطريقه) أَي الإلغاء (مَعَ أَنه) أَي السُّؤَال الْمَذْكُور بِاعْتِبَار منشئه (ينْدَرج فِي) عُمُوم (معنى الشُّرُوط) للفرع، إِذْ مِنْهَا مساواته الأَصْل فِيمَا علل، وَهِي منتفية هَهُنَا. (الثَّالِث) من مُقَدمَات الْقيَاس الْمَذْكُورَة، وَهُوَ ثُبُوت الْعلَّة فِي الْفَرْع (عَلَيْهِ سؤالان: الأول منع وجودهَا) أَي الْعلَّة (فِي الْفَرْع كَقَوْل الْحَنَفِيَّة فِي قَوْلهم) أَي الشَّافِعِيَّة (بيع التفاحة) أَي الْوَاحِدَة (بثنتين بيع مطعوم بمطعوم مجازفة فَلَا يَصح كصبرة) أَي كَبيع صبرَة (بصبرتين) ومقول قَول الْحَنَفِيَّة (يمْنَع وجوده) أَي وَصفه (فِي الْفَرْع لِأَن المجازفة بِاعْتِبَار الْكَيْل) إِذْ لَا يُقَال بَاعه مجازفة إِلَّا فِي شَيْء يعْتَاد بَيْعه بِالْكَيْلِ (وَهُوَ) أَي الْكَيْل (مُنْتَفٍ فِيهِ) أَي فِي التفاح (وَيرد) على هَذَا الْمَنْع (أَنَّهَا بِاعْتِبَار الْمُقدر) يَعْنِي أَن المجازفة إِنَّمَا تطلق عرفا بِاعْتِبَار الْقدر المجازف فِيهِ (كَيْلا ووزنا) لَا كَيْلا فَقَط: وَذَلِكَ بِحَسب اعْتِبَار الشَّرْع (فالإلحاق) للفرع بالأصلين الْمَذْكُورين (بِاعْتِبَار) الْقدر (الْأَعَمّ) من الْكَيْل وَالْوَزْن فَالْحَاصِل أَن الْعلَّة فِي الأَصْل المجازفة الْمُطلقَة الَّتِي تتَحَقَّق فِي ضمن كل مِنْهُمَا، فَلَا يَصح منع وجود الْوَصْف المناط للْحكم (فَإِنَّمَا يدْفع هَذَا) الْإِيرَاد (بانتفائها) أَي الْكَيْل وَالْوَزْن مَعًا فِي التفاح (لِأَنَّهُ) أَي التفاح (عددي، وَهُوَ) أَي كَونه عدديا (مَوْقُوف على أَنه) أَي التفاح (كَذَلِك) أَي عدديا (فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِي زَمَنه عدديا (فالعادة) أَي فَالْعِبْرَة بِمَا هُوَ الْعرف فِي بَيْعه من وزن وَغَيره (وَهِي) أَي الْعَادة (مُخْتَلفَة فِيهِ) أَي فِي التفاح بِاعْتِبَار الْبلدَانِ (و) كَمَا (لمُحَمد فِي إِيدَاع الصَّبِي) غير الْمَأْذُون مَالا غير الرَّقِيق، من أَنه لَا يضمن إِذا أتْلفه، لِأَن مَالِكه (سلطه على استهلاكه) والاستهلاك إِذا كَانَ من قبل الْمَالِك لَا يُوجب الضَّمَان كَمَا إِذا أتْلفه بِنَفسِهِ، وَقد سبق بَيَانه (فيمنعان) أَي أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف (أَنه) أَي إيداعه (تسليط) على اتلافه، وَقيل أَبُو حنيفَة مَعَ مُحَمَّد (و) كَمَا (للشَّافِعِيَّة فِي) صِحَة أَمَان العَبْد) من أَنه (أَمَان) صادر (من أَهله) وَهُوَ الْمُسلم الْعَاقِل (فَيعْتَبر كالمأذون لَهُ فِي الْقِتَال فَيمْنَع أَهْلِيَّته) أَي العَبْد (لَهُ) أَي للأمان (وَجَوَابه) أَي هَذَا السُّؤَال (بِبَيَان وجوده) أَي الْوَصْف (بعقل أَو حس أَو شرع) على مَا هُوَ طَرِيق الْإِثْبَات فِي مثله (وَيزِيد الْمُسْتَدلّ هُنَا) أَي فِي الْفَرْع الْمَذْكُور (بَيَان مُرَاده بالأهلية، وَهُوَ) أَي مُرَاده (كَونه) أَي الْمُؤمن (مَظَنَّة لرعاية مصْلحَته) أَي الْأمان بِالنّظرِ إِلَى الْمُسلمين (وَهُوَ) كَونه مَظَنَّة لذَلِك ثَابت (بِإِسْلَامِهِ وبلوغه، وَلَو زَاد الْمُعْتَرض بَيَان الْأَهْلِيَّة) بِاعْتِبَار قيد زَائِد على مَا هُوَ مُرَاد الْمُسْتَدلّ (ليظْهر

انتفاؤها) أَي الْعلَّة فِي الْفَرْع. (فالمختار لَا يُمكن) أَي فَفِيهِ خلاف، وَالْمُخْتَار أَنه لَا يُمكن من ذَلِك (إِذْ هُوَ) أَي بَيَان المُرَاد (وَظِيفَة الْمُتَكَلّم بِهِ) أَي بِاللَّفْظِ الْمُحْتَاج إِلَى الْبَيَان، لِأَنَّهُ الْعَالم بمراده فيتولى تعْيين مَا ادَّعَاهُ (دفعا لنشر الْجِدَال) بالانتقال والاشتغال بالسؤال. (الثَّانِي) من السؤالين (الْمُعَارضَة فِي الْفَرْع بِمَا يقتضى نقيض الحكم) أَي حكم الْمُسْتَدلّ (فِيهِ) أَي فِي الْفَرْع (وَهِي) أَي الْمُعَارضَة فِي الْفَرْع بِأَن يَقُول مَا ذكرته من الْوَصْف، وَإِن اقْتضى ثُبُوت الحكم فِي الْفَرْع فعندي وصف آخر يَقْتَضِي نقيضه، فَيتَوَقَّف دليلك، وَهِي (الْمُعَارضَة إِذا أطلقت) أَي إِذْ أطلق لفظ الْمُعَارضَة فِي بَاب الْقيَاس، وَلم يُقيد بِقَيْد ككونها فِي الأَصْل وَغَيره لَا يتَبَادَر مِنْهُ إِلَّا هَذِه الْمَذْكُورَة: وَهَذَا عَلامَة كَونه حَقِيقَة فِيهِ كَمَا سيشير إِلَيْهِ (وَلَا بُد لَهُ) أَي لما يَقْتَضِي نقيض الحكم فِيهِ (من أصل) ثَابت عَلَيْهِ الحكم الَّذِي هُوَ نقيض الحكم الأول: أَي هَذِه الْمُعَارضَة (فَهِيَ مُعَارضَة قياسين، وَلذَا) أَي ولكونها مُعَارضَة قياسين (كَانَت) (الْحَقِيقَة) أَي حَقِيقَة لفظ الْمُعَارضَة الْمُطلقَة، والحقيقة كَمَا تطلق على اللَّفْظ تطلق على الْمثنى (وَله) أَي للمعترض (إِثْبَات) علية (وَصفه بمسلكه، وَللْآخر) أَي الْمُسْتَدلّ (اعتراضه) أَي الِاعْتِرَاض على الْمُعْتَرض (بِمَا يعْتَرض بِهِ على الْمُسْتَدلّ فينقلبان) أَي فَيصير الْمُعْتَرض مستدلا والمستدل مُعْتَرضًا (وَهُوَ) أَي انقلابهما لانقلاب التناظر (وَجه منع مانعها) أَي وَجه نفي قبُول الْقَائِل بِنَفْي سَماع هَذِه الْمُعَارضَة لِأَنَّهُ خُرُوج مِمَّا قصداه من معرفَة صِحَة نظر الْمُسْتَدلّ إِلَى آخِره، وَهُوَ معرفَة صِحَة نظر الْمُعْتَرض (وَدفع بِأَن) الانقلاب (الْمُمْتَنع أَن يثبت) الْمُعْتَرض (مُقْتَضى دَلِيله) بِأَن يكون مقْصده إِثْبَات مُقْتَضَاهُ (وَهَذَا) السُّؤَال لَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ (لهدمه) أَي دَلِيل الْمُسْتَدلّ (بنقيضه) أَي بِمَا يُنَافِي دَلِيل الْمُسْتَدلّ لكَونه مُفِيدا خلاف مُقْتَضَاهُ (بعد تَمَامه) أَي بعد تَمام دَلِيل الْمُسْتَدلّ بِمَعْنى عدم التَّعَرُّض لمقدماته، لَا بِمَعْنى تَسْلِيم مُوجبه (فَالْمَعْنى تَمام دليلك) فِي نفس الْأَمر أَيهَا الْمُسْتَدلّ (مَوْقُوف على هدم هَذَا) الَّذِي عارضت بِهِ من دليلي، وَاخْتلف فِي الْجَواب عَن الْمُعَارضَة بالوجوه الْمَذْكُورَة فِي تَرْجِيح الْقيَاس عِنْد الْعَجز عَن الْقدح فِيهَا (وَالْمُخْتَار قبُول التَّرْجِيح بِمَا تقدم) فِي تَرْجِيح الْقيَاس (وَلَا خلاف فِيهِ) أَي فِي قبُول التَّرْجِيح فِيهِ (عِنْد الْحَنَفِيَّة لِأَن وجوب الْعَمَل بعد الْمُعَارضَة) بِمُوجب أحد الدَّلِيلَيْنِ (مَوْقُوف عَلَيْهِ) أَي التَّرْجِيح (وَقيل لَا) يقبل التَّرْجِيح (لتعذر الْعلم بتساوي الظنين) إِذْ لَا ميزَان توزن بِهِ الظنون وَلَا معيار تعرف بِهِ مراتبها (وَالتَّرْجِيح فَرعه) أَي تساويهما (وَهَذَا) الْكَلَام على تَقْدِير صِحَّته (يبطل التَّرْجِيح مُطلقًا وَدلَالَة الْإِجْمَاع عَلَيْهِ) أَي التَّرْجِيح للْإِجْمَاع على وجوب الْعَمَل بالراجح (يُبطلهُ) أَي يبطل إبِْطَال التَّرْجِيح مُطلقًا (وعَلى الْمُخْتَار) من قبُول التَّرْجِيح اخْتلف فِي وجوب

الْإِيمَاء إِلَى التَّرْجِيح فِي أثْنَاء الدَّلِيل وَالْمُخْتَار أَنه (لَا تجب الْإِشَارَة إِلَيْهِ) أَي التَّرْجِيح (على الْمُسْتَدلّ لِأَنَّهُ) أَي التَّرْجِيح على الْمُسْتَدلّ (لَيْسَ) جُزْءا (مِنْهُ) أَي الدَّلِيل لدلالته على الْمَطْلُوب مَعَ قطع النّظر عَنهُ (وَتوقف الْعَمَل عَلَيْهِ) أَي التَّرْجِيح (عِنْد ظُهُور الْمُعَارضَة شَرط) أَي مَشْرُوط (مُعَلّق على شَرط) وَهُوَ ظُهُور الْمُعَارضَة (وَالْوَجْه لُزُومه) أَي لُزُوم ذكر التَّرْجِيح (فِي الْعَمَل) أَي عمل الْمُسْتَدلّ (لنَفسِهِ) مُتَعَلق باللزوم أَو بِالْعَمَلِ تَأْكِيدًا لما يفهم ضمنا من الْعَمَل (لَا) فِي (المناظرة) لعدم الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ فِيهَا، إِذْ الْمَقْصُود مِنْهَا الْهدم من جَانب الْمعَارض، وَهُوَ حَاصِل بِدُونِ التَّرْجِيح لِأَنَّهُمَا إِذا تَعَارضا تساقطا، وَأما الْمُسْتَدلّ فَقبل الْمُعَارضَة خَالِي البال عَن دَلِيل الْمعَارض وَبعد الْمُعَارضَة إِن أَرَادَ إِلْزَام الْمُعَارضَة كَانَ ذَلِك مناظرة أُخْرَى فَتَأمل (وَأما مَا ذكر الشَّافِعِيَّة من سُؤال اخْتِلَاف الضَّابِط) أَي الْوَصْف الْمُشْتَمل على الْحِكْمَة الْمَقْصُودَة فِي الأَصْل وَالْفرع (أَن يجمع بمشترك بَين علتين) فَقَوله أَن يجمع إِلَى آخِره بَيَان لمحل السُّؤَال الْمَذْكُور وَبَين ظرف للسؤال بِتَقْدِير الْوَقْت فَهُوَ الْجمع بَين علتين بِوَصْف مُشْتَرك بَينهمَا وَقَوله (كشهود الزُّور تسببوا فِي الْقَتْل فيقتص) مِنْهُم (كالمكره) لغيره على الْقَتْل تَمْثِيل للْجمع الْمَذْكُور، فَإِن الْإِكْرَاه وَالْإِشْهَاد عِلَّتَانِ للْقصَاص وَالْوَصْف الْمُشْتَرك بَينهمَا التَّسَبُّب فِي الْقَتْل، وتصوير السُّؤَال مَا أَفَادَهُ بقوله (فَيُقَال الضَّابِط فِي الأَصْل) وَهُوَ الْمُكْره على الْقَتْل (الْإِكْرَاه، وَفِي الْفَرْع) وَهُوَ شُهُود الزُّور (الشَّهَادَة وَلم يثبت اعْتِبَار تساويهما) أَي الضابطين (مصلحَة) تَمْيِيز عَن النِّسْبَة الإضافية فِي تساويهما: أَي لم يثبت اعْتِبَار تَسَاوِي مصلحتي الضابطين (شرعا) أَي ثبوتا شَرْعِيًّا فَلَيْسَتْ المسئلة الْحَاصِلَة بقتل شَاهِدي الزُّور مُسَاوِيَة للْمصْلحَة الْحَاصِلَة بقتل الْمُكْره (ليقْتل) شَاهد الزُّور (بِالشَّهَادَةِ) قِيَاسا على الْمُكْره، وَإِذ قد عرفت أَن السُّؤَال الْمَذْكُور مُتَضَمّن إِجْمَالا لجَمِيع مَا ذكر من قَوْله أَن يجمع إِلَى هُنَا، فَلَو جعلت هَذَا القَوْل عطف بَيَان لَهُ لَكَانَ حسنا فَإِن قلت الْعلَّة فِي قِيَاس شُهُود الزُّور على الْمُكْره لَيْسَ إِلَّا التَّسَبُّب فِي الْقَتْل فَمَا معنى كَون الْإِكْرَاه وَالشَّهَادَة علتين؟. قلت التَّسَبُّب مَفْهُوم كلي وهما فرداه المتحققان فِي الأَصْل وَالْفرع، وفرد الشَّيْء متجد مَعَه فِي الْوُجُود وَعليَّة الْمَفْهُوم الْكُلِّي إِنَّمَا يكون باعتبارها ويتحقق فِي ضمنه، بل نقُول من قبيل إِطْلَاق الْعلَّة على الضَّابِط لكَونه منَاط الْعلية (وَجَوَابه) أَي الْمُسْتَدلّ من هَذَا السُّؤَال (إِمَّا بِأَن الضَّابِط) فِي الأَصْل وَالْفرع إِنَّمَا هُوَ (التَّسَبُّب) الْمُطلق، وَهُوَ (منضبط عرفا) وَإِن لم يكن منضبطا بِحَسب الْمَفْهُوم اللّغَوِيّ، فَإِن المُرَاد بِهِ فِي الْعرف مَا يَصح أَن يُضَاف إِلَيْهِ الْقَتْل لكَمَال نسبته لَهُ (على قِيَاس مَا تقدم) فِي مسئلة حكم الْقيَاس الثُّبُوت فِي الْفَرْع (من الْقيَاس لِلْعِلَّةِ) بَيَان لما تقدم فِي مَبْحَث الْقيَاس لَهَا (لمن مَنعه) أَي منع الْقيَاس لإِثْبَات علية الْعلَّة المجوز إثْبَاته بِالْعِلَّةِ

الثَّابِتَة عليتها بِالْقِيَاسِ، وَالْمَانِع يَقُول للمجوز: لَا بُد لَك من منَاط مُشْتَرك بَين العلتين حَتَّى تقيس إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى، فَإِنِّي أجعَل ذَلِك المناط عِلّة لحكم الأَصْل بدل الْعلَّة الَّتِي جَعلتهَا مقيسا عَلَيْهَا، فَكَذَا يَقُول الْمُجيب فِيمَا نَحن فِيهِ أجعَل الْعلَّة فِي قِيَاس الْمَشْهُود على الْمُكْره التَّسَبُّب (وَجعل الْمُشْتَرك) الْمَعْلُوم عرفا فِي الأَصْل وَالْفرع (علته أَو بِأَن إفضاءه) أَو إفضاء مَا فِي الْفَرْع من الضَّابِط إِلَى الحكم (مثله) أَي مثل إفضاء مَا فِي الأَصْل من الضَّابِط إِلَيْهِ (أَو أرجح) مَعْطُوف على مثله أَي إفضاء مَا فِي الْفَرْع أرجح وَأقوى مِمَّا فِي الأَصْل، فثبوت الحكم فِي الْفَرْع إِمَّا بطرِيق المناولة أَو بطرِيق أولى (فِيمَا لَو جعل أَصله) أَي أصل هَذَا الْفَرْع (إغراء الْحَيَوَان) وحثه على قتل نفس، فَقيل يجب الْقصاص على الشَّاهِد زورا بإغرائه أَوْلِيَاء الْمَقْتُول على الْقَتْل قِيَاسا على إغراء الْحَيَوَان عَلَيْهِ (فَإِن الشَّهَادَة أفْضى إِلَى الْقَتْل مِنْهُ) أَي من إغراء الْحَيَوَان فَإِن انبعاث أَوْلِيَاء الْمَقْتُول على قتل من شهدُوا عَلَيْهِ طلبا للتشفي وثلج الصَّدْر بالانتقام أغلب من انبعاث الْحَيَوَان على قتل من يغرى عَلَيْهِ لنفرته عَن الْآدَمِيّ وَعدم علمه بالإغراء. وَفِي الشَّرْح العضدي وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يضر اخْتِلَاف أُصَلِّي التَّسَبُّب، وَهُوَ كَونه شَهَادَة وإغراء. فَإِن حَاصله قِيَاس التَّسَبُّب بِالشَّهَادَةِ على التَّسَبُّب بالإغراء، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وكونهما) أَي الأَصْل وَالْفرع فِي الْقيَاس الْمَذْكُور (التَّسَبُّب بِالشَّهَادَةِ) قِيَاسا (على التَّسَبُّب بالإغراء بِلَا جَامع) فَهُوَ غير موجه (بل) الموجه فِيهَا أَن يُقَال (الشَّهَادَة) قِيَاسا (على الْإِكْرَاه أَو الإغراء أَو الشَّاهِد على الْمُكْره بالتسبب) أَي بِجَامِع التَّسَبُّب فِي كل من القياسين (أَو) يُجَاب (بإلغاء التَّفَاوُت) بَين ضابطي الأَصْل وَالْفرع فِي الْمصلحَة (إِذا أثْبته) أَي الْمُعْتَرض التَّفَاوُت بَينهمَا (فِي خصوصه) مُتَعَلق بإلغاء التَّفَاوُت: أَي تبين فِي خُصُوص ذَلِك الْمحل الَّذِي أورد فِيهِ السُّؤَال الْمَذْكُور أَن التَّفَاوُت الْمُثبت بَينهمَا ملغى كَأَن يَقُول لَا تفَاوت فِي الْقصاص بِالْقَتْلِ بِقطع الْأُنْمُلَة المفضية إِلَى الْمَوْت وَالْقَتْل بِضَرْب الرَّقَبَة وَإِن كَانَ ضرب لرقبة أَشد إفضاء إِلَى الْمَوْت (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يبين الْمُعْتَرض التَّفَاوُت فِي خصوصه (لم يفد) الإلغاء لجَوَاز تحَققه فِي غير الْمُتَنَازع (فَلم تذكره الْحَنَفِيَّة لرجوعه إِلَى الْمُعَارضَة فِي الأَصْل) جَوَاز أما فِي قَوْله وَأما مَا ذكره الشَّافِعِيَّة (وسؤال الْقلب مندرج فِي الْمُعَارضَة) لِأَنَّهَا إِقَامَة الدَّلِيل على خلاف مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْمُسْتَدلّ، وَكَذَا الْقلب إِلَّا أَن فِيهِ خُصُوصِيَّة كَون الأَصْل وَالْجَامِع مُشْتَركا بَين قياسي الْمُسْتَدلّ والمعارض (وَكَلَام الْحَنَفِيَّة) مُبْتَدأ خَبره (الْمُعَارضَة) إِلَى آخِره، يَعْنِي كَلَامهم فِي تَحْقِيق هَذَا الْمقَام هُوَ قَوْلهم الْمُعَارضَة إِلَى آخر الْبَحْث (نَوْعَانِ) الأول (مُعَارضَة فِيهَا مناقضة، وَهِي) أَي الَّتِي فِيهَا مناقضة (الْقلب) وتستغرق تَفْسِيره عِنْدهم، ثمَّ أَخذ يبين مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْقلب لُغَة من الْمَعْنيين ليجعل كل وَاحِد مِنْهُمَا منشأ لتسمية نوع من مَعْنَاهُ

الاصطلاحي بقوله (وَيُقَال) الْقلب (لجعل الْأَعْلَى أَسْفَل) والأسفل أَعلَى (وَمِنْه) أَي من جعل الْأَعْلَى أَسْفَل (جعل الْمَعْلُول عِلّة، وَقَلبه) أَي جعل الْعلَّة معلولا (فَإِن الْعلَّة) بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْلُول (أَعلَى للأصلية) أَي لكَونهَا أصلا فِي الْإِثْبَات والمعلول فرعا لَهَا فِيهِ، فتبديلها كجعل الْإِنَاء منكوسا (وَإِنَّمَا يُمكن) هَذَا النَّوْع من الْقلب (فِي التَّعْلِيل بِحكم) أَي فِيمَا إِذا علل حكم الأَصْل بِحكم آخر شَرْعِي، ثمَّ يعدي إِلَى الْفَرْع: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي شَيْء لَهُ حيثيتان: الْعلية والمعلولية، وَالْحكم الشَّرْعِيّ إِذا كَانَ عِلّة لمثله فَهُوَ عِلّة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، ومعلول من حَيْثُ إِنَّه لَا بُد فِي كل حكم شَرْعِي من عِلّة، وَمثل هَذَا لَا يتَصَوَّر فِي التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الْمَحْض، لِأَنَّهُ لَا يصير حكما بِوَجْه، والمعلولية مَوْقُوفَة على كَونه حكما، كَذَا قَالُوا (كالكفار يجلد بكرهم). قَالَ الشَّافِعِي: الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط الْإِحْصَان حَتَّى لَو زنى الذِّمِّيّ الْحر الْبَالِغ الَّذِي وطئ امْرَأَة فِي الْقبل بِنِكَاح صَحِيح يرْجم، لِأَن الْكفَّار جنس يجلد بكرهم مائَة إِذا كَانَ حرا (فيرجم ثيبهم كالمسلمين) أَي كَمَا أَن الْمُسلمين الْأَحْرَار الْبَالِغين الْعُقَلَاء الواطئين لامْرَأَة فِي الْقبل بِنِكَاح صَحِيح يرجمون، لِأَنَّهُ يجلد بكرهم مائَة، فَجعل جلد الْبكر مائَة عِلّة لوُجُوب رجم الثّيّب فِي الْمُسلمين، وقاس الْكفَّار عَلَيْهِم بِهَذَا الْجَامِع، وَهُوَ حكم شَرْعِي، وَالْبكْر وَالثَّيِّب يطلقان على الذّكر وَالْأُنْثَى (فَيَقُول) الْمُعْتَرض الْحَنَفِيّ لَا نسلم أَن الْمُسلمين إِنَّمَا يرْجم ثيبهم، لِأَنَّهُ يجلد بكرهم بل (إِنَّمَا يجلد بكر الْمُسلمين)، لِأَنَّهُ يرْجم ثيبهم) فَلَا يلْزم رجم الذِّمِّيّ الْمَذْكُور إِذا زنا ثَيِّبًا (فَحَيْثُ جعل) الْمُعْتَرض (الْعلَّة) أَي الَّذِي جعله الشَّافِعِي عِلّة فِي الأَصْل، وَهُوَ جلد الْمِائَة (حكما) فِيهِ، وَمَا جعله حكما فِيهِ رجم الثّيّب عِلّة فِيهِ (لَزِمَهَا) أَي لزم الْعلَّة المجعولة حكما (النَّقْض) لتخلف الحكم عَنْهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا صَارَت بِنَفسِهَا حكما وصارما كَانَ حكما مترتبا عَلَيْهَا عِلّة مُتَقَدّمَة عَلَيْهَا، والمتقدم على الشَّيْء لَا يكون حكما لَهُ فَلَزِمَ تخلف الحكم عَنهُ، وَفِيه أَنه لَا يرد على الشَّافِعِي إِلَّا بحث وَاحِد، وَهُوَ إِنَّمَا جعلته عِلّة لَيْسَ بعلة، وَبعد هَذَا لَا يرد عَلَيْهِ النَّقْض، لِأَن النَّقْض فرع الْعلية، وَقد تقدّمت (وَهُوَ) أَي هَذَا الَّذِي ذكرنَا (قَوْلهم) أَي معنى قَول الْحَنَفِيَّة مُعَارضَة (فِيهَا مناقضة) وَقد سبق أَن الْحَنَفِيَّة يسمون النَّقْض مناقضة، وَإِطْلَاق الْمُعَارضَة عَلَيْهِ من حَيْثُ أَن الْقلب قَابل تَعْلِيل الْمُعَلل بتعليل يلْزم مِنْهُ بُطْلَانه، ثمَّ يلْزم مِنْهُ بطلَان حكمه، لَا بِمَعْنى إِقَامَة الدَّلِيل على خلاف مَا أَقَامَ بِهِ علية الْخصم، فَهُوَ من قبيل إِطْلَاق اسْم الْمَلْزُوم على اللَّازِم، فَلَا يرد شَيْء مِمَّا أطنبوا فِيهِ (والاحتراس عَنهُ) أَي عَن هَذَا الْقلب حَتَّى لَا يُنَافِي إِيرَاده (جعله) أَي الْكَلَام (اسْتِدْلَالا) بِأَن لَا يُعلل أحد الْحكمَيْنِ بِالْآخرِ، بل يسْتَدلّ بِثُبُوت أَحدهمَا على ثُبُوت الآخر، إِذْ لَا امْتنَاع فِي الِاسْتِدْلَال

بِوُجُود الْمَعْلُول على وجود الْعلَّة كَمَا يُقَال هَذَا متعفن الإخلاط لِأَنَّهُ مَحْمُوم (وَهُوَ) أَي الاحتراس عَنهُ بِهَذَا الطَّرِيق إِنَّمَا يتم (إِذا ثَبت التلازم) بَين الْحكمَيْنِ: أَي اللُّزُوم من الْجَانِبَيْنِ (شرعا) أَي ثبوتا شَرْعِيًّا (كالتوءمين) أَي المولودين فِي بطن وَاحِد (فِي الْحُرِّيَّة وَالرّق وَالنّسب) فَإِنَّهُ يثبت حُرْمَة الأَصْل لأَحَدهمَا بثبوتها للْآخر، وَهَكَذَا: أَي الرّقّ وَالنّسب (و) يُقَال (لجعل الظّهْر بَطنا) والبطن ظهرا كقلب الجراب (وَمِنْه) أَي من هَذَا النَّوْع من الْقلب (جعل وَصفه) أَي الْمُسْتَدلّ (شَاهدا) أَي حجَّة (لَك) أَيهَا الْمُعْتَرض لإِثْبَات خلاف حكم الْمُسْتَدلّ بعد أَن كَانَ شَاهدا لَهُ عَلَيْك، فَكَأَنَّهُ كَانَ وَجه الْوَصْف مُقبلا على الْمُسْتَدلّ وظهره إِلَى الْمُعْتَرض فَانْقَلَبَ (وَلَا بُد فِيهِ) أَي فِي هَذَا النَّوْع (من زِيَادَة) فِي الْوَصْف الَّذِي ذكره الْمُعْتَرض على الْوَصْف الَّذِي ذكره الْمُسْتَدلّ (تورد تَفْسِيرا لما أبهمه الْمُسْتَدلّ) من الْوَصْف وتقريرا، لَهُ لَا تغييرا فَيلْزم أَن لَا يكون قلبا، بل مُعَارضَة مَحْضَة غير متضمنة لإبطال دَلِيل الْمُسْتَدلّ (كَصَوْم فرض) على مَا قَالَه الشَّافِعِي فِي نِيَّة صَوْم رَمَضَان (فَلَا يتَأَدَّى بِلَا تعْيين) للنِّيَّة (كالقضاء) فَإِنَّهُ لَا يتَأَدَّى بِلَا تعْيين لوصف الْفَرْضِيَّة (فَيَقُول) الْحَنَفِيّ (صَوْم فرض مُتَعَيّن) يتَعَيَّن بِتَعْيِين الشَّارِع لنَهْيه عَن سَائِر الصيامات فِي الْوَقْت (فَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ) إِلَى تعْيين النِّيَّة بعد تَعْيِينه (كالقضاء بعد الشُّرُوع فِيهِ) فَإِن الْقَضَاء إِذا شرع فِيهِ مَقْرُونا مَعَ النِّيَّة يصدق عَلَيْهِ أَنه صَوْم فرض مُتَعَيّن، وَقبل الشُّرُوع لم يتَعَيَّن، لجَوَاز أَن يَنْوِي الصَّوْم فِي يَوْم بِعَيْنِه، ثمَّ قبل الشُّرُوع فِيهِ يَنْقَلِب رَأْيه فَلَا يَصُوم فِيهِ، فقد أبهم الْمُسْتَدلّ الْوَصْف حَيْثُ قَالَ صَوْم فرض وَلم يذكر تَعْيِينه بِتَعْيِين الشَّارِع، وَلَو ذكره لما تحققت الْمُشَاركَة فِي الْوَصْف بَين صَوْم رَمَضَان وَصَوْم الْقَضَاء إِلَّا بعد اعْتِبَار الْفَرْضِيَّة وَالتَّعْيِين فِيهِ، وَهَذَا الِاعْتِبَار لَا يتَحَقَّق فِيهِ إِلَّا بعد الشُّرُوع وَبعد الشُّرُوع لَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة ليقاس عَلَيْهِ فَذكر الْمُعْتَرض إِيَّاه تَفْسِير وَبَيَان لمحل النزاع، فَإِن الصَّوْم الْفَرْض الْمُتَعَيّن فِي وقته، فَالْأَصْل فِيهِ الْقَضَاء الْمَشْرُوع فِيهِ، غَايَته أَن التَّعْيِين فِي رَمَضَان قبل الشُّرُوع، وَفِي الْقَضَاء بعده، وَلَا يكون تعْيين الشَّارِع لَهُ أدنى من تعْيين العَبْد، وَفِيه بحث ذكره المُصَنّف فِيمَا سبق، وَفِي شرح الْهِدَايَة أَيْضا (وَمِنْه) أَي من هَذَا النَّوْع قَول الشَّافِعِي فِي مسح الرَّأْس فِي الْوضُوء: الْمسْح (ركن فِي الْوضُوء، فَيسنّ تكريره كالغسل: فَيَقُول) الْحَنَفِيّ الْمسْح (ركن فِيهِ) أَي الْوضُوء (أكمل بِزِيَادَة) فِي مَحَله (على) قدر (الْفَرْض) وَهُوَ اسْتِيعَاب بَاقِيه (فَلَا يسن تكراره كالغسل، فَهِيَ) أَي الزِّيَادَة الَّتِي أكمل بهَا (تَفْسِير) لما أبهم من الْوَصْف وَتَحْقِيق لمحل الْخلاف (لِأَن الْخلاف فِي تثليث الْمسْح بعد إكماله كَذَلِك) أَي بِزِيَادَة على الْفَرْض (وَهُوَ) أَي إِلَّا كَمَال على هَذَا الْوَجْه فِي جَانب الْمسْح إِنَّمَا هُوَ (الِاسْتِيعَاب) أَي استيعابه جَمِيع الراس فَإِنَّهُ زِيَادَة على

الْفَرْض الَّذِي هُوَ الرّبع مكملة لَهُ كَمَا أَنَّهَا فِي جَانب الْغسْل التَّثْلِيث وَالْحَاصِل أَن الْمُسْتَدلّ نظر فِي الأَصْل وَهُوَ الْغسْل إِلَى وصف الركنية الْمُشْتَركَة بَينه وَبَين الْفَرْع الَّذِي هُوَ الْمسْح وظنه مؤثرا فِي ترَتّب حكم التَّثْلِيث عَلَيْهِ فَحكم بسنية التَّثْلِيث فِي الْفَرْع كَمَا فِي الأَصْل، والمعترض دقق النّظر فَوجدَ أَن الركنية لَا تَقْتَضِي خُصُوصِيَّة التَّثْلِيث، بل إِلَّا كَمَال الْمُطلق سَوَاء تحقق فِي ضمن التَّثْلِيث أَو الِاسْتِيعَاب، وَقد تحقق مُقْتَضَاهُ فِي الْمسْح فِي ضمن الِاسْتِيعَاب فقد استوعب حَقه، فَلَا يُزَاد الْفَرْع على الأَصْل بِالْجمعِ لَهُ بَين واستيعاب والتثليث (وَلم يَصح إِيرَاد فَخر الْإِسْلَام لهَذَا) الْمِثَال (فِي الْمُعَارضَة الْخَالِصَة) لوُجُود الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة الدَّالَّة على أَن دَلِيل الْمعَارض لَيْسَ دَلِيل الْمُسْتَدلّ بِعَيْنِه على مَا هُوَ الْمُعْتَبر فِي الْخَالِصَة كَمَا سَيَجِيءُ، وَتحقّق مَا هُوَ الْمُعْتَبر فِي النَّوْع الأول فِيهِ (وَإِذ علمت) فِي أَوَائِل هَذَا الْفَصْل (أَن الْإِيرَاد) أَي إِيرَاد الْمُعْتَرض للاعتراض إِنَّمَا هُوَ (على ظَنّه) أَي الْمُسْتَدلّ (التَّأْثِير، لَا) على (حَقِيقَته) أَي حَقِيقَة التَّأْثِير فِي نفس الْأَمر (صَحَّ إِيرَاد الْقلب على) الْعِلَل (المؤثرة) لِأَن مرجع المناقضة إِنَّمَا هُوَ ظن الْمُعَلل، لَا اعْتِبَار الشَّارِع فِي نفس الْأَمر (كفساد الْوَضع) أَي كَمَا أَن فَسَاد الْوَضع، وَقد مر تَفْسِيره مورده ظن الْمُعَلل للتأثير لَا حَقِيقَة التَّأْثِير (وَيُخَالِفهُ) أَي يُخَالف هَذَا النَّوْع من الْقلب فَسَاد الْوَضع (بِالزِّيَادَةِ) الْمَذْكُورَة (وبكونه) أَي بِكَوْن هَذَا النَّوْع مِنْهُ يُورد فِي مطلب يكون (أَعم من مدعاه) أَي مدعي فَسَاد الْوَضع وَهُوَ نقيض حكم الْمُسْتَدلّ، فَإِن شَهَادَة وصف الْمُسْتَدلّ للمعترض كَمَا تحقق فِيمَا يثبت نقيض حكمه تتَحَقَّق فِيمَا يسْتَلْزم نقيضه، وَلَو اطَّلَعت على مَا ذكره الشَّارِح فِي حل هَذَا الْمحل على مَا هُوَ عَادَته فِي أَمْثَاله من المشكلات لقضيت مِنْهُ الْعجب. هَذَا فِي بَيَان الْفرق بَين النَّوْع الثَّانِي من الْقلب وَفَسَاد الْوَضع، وَقد سبق قَرِيبا أَن فَسَاد الْوَضع يُفَارق الْقلب الْمُطلق بِكَوْن الْوَصْف فِي فَسَاد الْوَضع يثبت نقيض الحكم بِأَصْل آخر، وَفِي الْقلب يُثبتهُ بِأَصْل الْمُسْتَدلّ المُرَاد بِإِثْبَات الْقلب نقيضه مَا يعم إثْبَاته بِوَاسِطَة فَلَا يُنَافِي مَا سبق. (قَالُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (ويقلب الْعلَّة من وَجه فَاسد كعبادة لَا يجب الْمُضِيّ فِي فاسدها، فَلَا تلْزم بِالشُّرُوعِ) فِيهَا (كَالْوضُوءِ) أَي كَقَوْل الشَّافِعِي: إِن الشُّرُوع فِي نفل من صَلَاة أَو صَوْم غير مُلْزم إِتْمَامه وقضاؤه إِذا فسد أَنه عبَادَة لَا يجب الْمُضِيّ فِيهَا إِذا فَسدتْ، فَلَا تلْزم بِالشُّرُوعِ فِيهَا كَالْوضُوءِ بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا عبَادَة لَا يمْضِي فِي فاسدها، وَاحْترز بِهِ عَن الْحَج، فَإِنَّهُ يجب الْمُضِيّ فِي فاسده، وَكَذَا يلْزم بِالشُّرُوعِ فِيهِ، فَجعل عدم لُزُوم المضيف فِي الْفَاسِد عِلّة لعدم اللُّزُوم بِالشُّرُوعِ (فَيَقُول) الْحَنَفِيّ إِذا كَانَت الْعِبَادَة الْمَذْكُورَة حَالهَا كَحال الْوضُوء (فيستوي عمل النّذر والشروع فِيهَا كَالْوضُوءِ) أَي كَمَا يَسْتَوِي عملهما فِي الْوضُوء فَإِنَّهُ لما لم يلْزم بِالشُّرُوعِ لم يلْزم بِالنذرِ فمساواة عملهما فِي الْوضُوء كَونهمَا متساويين فِي عدم الْإِلْزَام

على الْمُكَلف النَّاذِر والشارع فِي الْعِبَادَة الْمَذْكُورَة كَونهمَا متساويين فِي الْإِلْزَام، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فتلزم) النَّافِلَة (بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهَا تلْزم بِالنذرِ) إِجْمَاعًا فَالْحَاصِل أَن العباة الْمَذْكُورَة لَزِمَهَا الْمُسَاوَاة بَين نذرها وشروعها، وَلَا يتَصَوَّر مساواتهما فِيهَا بالإلزام لتعين الْإِلْزَام فِي نذرها بِالْإِجْمَاع، وَيُسمى هَذَا الْقلب قلب التَّسْوِيَة، وَأما قلب الْعلَّة الَّتِي هِيَ عدم لُزُوم الْمُضِيّ فِي الْفَاسِد وَكَونه من وَجه فَاسد فَلَمَّا سيشير إِلَيْهِ (وَسَماهُ) أَي هَذَا الْقلب بدليله (فَخر الْإِسْلَام عكسا، لِأَن حَاصله عكس خُصُوص حكم الأَصْل) الَّذِي هُوَ الْوضُوء (وَهُوَ) أَي حكمه فِي الْمِثَال (عدم اللُّزُوم بِالنذرِ والشروع فِي الْفَرْع) أَي النَّافِلَة، وَلَا يخفى أَن عكس حكم الأَصْل عدم اللُّزُوم بِالشُّرُوعِ فَقَط لَا عدم اللُّزُوم بهما جَمِيعًا فَفِيهِ مُسَامَحَة، أَو المُرَاد بِحكمِهِ مَا يلْزم الحكم الَّذِي ذكره الْمُسْتَدلّ وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ وَهُوَ عدم اللُّزُوم الْمُتَرَتب على مُسَاوَاة عملهما فِي الْوضُوء الَّذِي لزم تَعْلِيل الْمُسْتَدلّ وَإِنَّمَا قَالَ خُصُوص حكم الأَصْل لعدم كَون حَاصله عكس مُطلق حكم الشَّامِل مُسَاوَاة عملهما فِيهِ فَتدبر (وَهَذَا) النَّوْع من الْقلب هُوَ (الْمَنْسُوب إِلَى الْحَنَفِيَّة أول الْقيَاس) أَي فِي أول مباحثه (مُسَمّى بِقِيَاس الْعَكْس) وَلَيْسَ بِقِيَاس (وَإِنَّمَا هُوَ اسْم الِاعْتِرَاض) هُوَ رد الحكم بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُور. (وَاخْتلف فِي قبُوله، فَقيل نعم) يقبل وَهُوَ معزو إِلَى الْأَكْثَر: مِنْهُم أَبُو إِسْحَق الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام الرَّازِيّ (إِذْ جعل) الْمُعْتَرض (وَصفه) أَي الْمُسْتَدلّ (شَاهدا لما يسْتَلْزم نقيض مَطْلُوبه) أَي الْمُسْتَدلّ (وَهُوَ) أَي مَا يسْتَلْزم نقيض مَطْلُوب الْمُسْتَدلّ (الاسْتوَاء) لِأَنَّهُ يلْزم من اسْتِوَاء الشُّرُوع وَالنّذر فِي الْعَمَل كَون الشُّرُوع ملزما كالنذر وَهُوَ نقيض مَطْلُوبه، أَعنِي عدم اللُّزُوم بِالشُّرُوعِ. (وَالْمُخْتَار) كَمَا ذهب إِلَيْهِ آخَرُونَ: مِنْهُم القَاضِي وَابْن السَّمْعَانِيّ وَصَاحب البديع أَنه (لَا) يقبل (لِأَن كَون الْوَصْف يُوجب شبها فِي شَيْء لَا يسْتَلْزم عُمُوم الشّبَه) من المتشابهين فِي كل شَيْء (ليلزم الاسْتوَاء مُطلقًا) وَالْحَاصِل أَن القالب لما ادّعى أَن علية عدم وجوب الْمُضِيّ فِي الْفَاسِد لعدم اللُّزُوم بِالشُّرُوعِ فِي الْوضُوء والنافلة أوجب شبها بَين الْوضُوء والنافلة فِي عدم اللُّزُوم بِالشُّرُوعِ والمتشابهان متساويان فِي الْأَحْكَام، وَمن جملَة أَحْكَام الْوضُوء اسْتِوَاء عمل النّذر والشروع فِيهِ فَلَزِمَ اسْتِوَاء عملهما فِي النَّافِلَة، وعَلى تَقْدِير اسْتِوَاء عملهما فِي النَّافِلَة يلْزم اللُّزُوم بِالشُّرُوعِ لما ذكر رد عَلَيْهِ الْمُخْتَار بِأَن إِيجَاب الشّبَه فِي شَيْء، وَهُوَ هَهُنَا عدم اللُّزُوم بِالشُّرُوعِ لَا يسْتَلْزم عُمُوم الشّبَه حَتَّى يلْزم الشّبَه بَين الْوضُوء والنافلة فِي اسْتِوَاء عملهما، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله ليلزم الخ: أَي ليلزم اسْتِوَاء عملهما مُطلقًا فِي الْوضُوء والنافلة، وَلَا يخفى أَنه لَا يلْزم حِينَئِذٍ التَّنَاقُض لِأَن اسْتِوَاء عملهما فِي الْوضُوء يسْتَلْزم عدم اللُّزُوم بِشَيْء مِنْهُمَا، وَفِي النَّافِلَة يسْتَلْزم اللُّزُوم بِكُل مِنْهُمَا للزومها بِالنذرِ إِجْمَاعًا، فعموم الشّبَه يسْتَلْزم مُشَاركَة الْوضُوء والنافلة فِي كل من اللازمين

فَافْهَم (وَمَا أوردهُ الشَّافِعِيَّة) فِي كتبهمْ من هَذَا السُّؤَال فَهُوَ (من) النَّوْع (الثَّانِي) من الْقلب أَو الْمَعْنى: وَمَا أوردهُ من هَذَا الْجِنْس من الِاعْتِرَاض على أَدِلَّة الْحَنَفِيَّة فَهُوَ كَذَا. ثمَّ بَين مَا أوردهُ بقوله (وَهُوَ دَعْوَى تَجْوِيز ثُبُوت نقيض حكم الْمُسْتَدلّ فِي الْفَرْع) مُتَعَلق بالثبوت كَقَوْلِه (بوصفه) أَي بِوَصْف الْمُسْتَدلّ أَو حكمه. وَحَاصِله أَن الْمُعْتَرض يَدعِي مُنَاسبَة وَصفه لحكمين مناقضين بِاعْتِبَار تحَققه فِي المحلين: الأَصْل وَالْفرع، فقد أَشَارَ بِلَفْظ التجويز إِلَى هَذِه الْمُنَاسبَة (وَهُوَ) أَي مَا أوردهُ قِسْمَانِ: أَحدهمَا (قلب لتصحيح مذْهبه) أَي الْمُعْتَرض (ليبطل الْمُسْتَدلّ) أَي ليلزم مِنْهُ بطلَان مذْهبه لتنافيهما (كلبث) أَي كَقَوْل الْحَنَفِيّ: الِاعْتِكَاف يشْتَرط فِيهِ الصَّوْم لِأَنَّهُ لبث فِي مَكَان مَخْصُوص (ومجرده) أَي مُجَرّد اللّّبْث (غير قربَة كالوقوف) بِعَرَفَة فَإِن مجرده غير قربَة، وَإِنَّمَا صَار قربَة بانضمام عبَادَة إِلَيْهِ، وَهُوَ الْإِحْرَام فَلَا بُد من انضمام عبَادَة مَعَ اللّّبْث ليصير عبَادَة (فَيشْتَرط فِيهِ) أَي فِي الِاعْتِكَاف (الصَّوْم) لعدم ظُهُور مُنَاسبَة اعْتِبَار عبَادَة غَيره فِيهِ (فَيَقُول) الشَّافِعِي (فَلَا يشْتَرط) فِيهِ الصَّوْم (كالوقوف) أَي إِذا كَانَ الِاعْتِكَاف شَبيه الْوُقُوف بِعَرَفَة لزم أَن لَا يشْتَرط فِيهِ الصَّوْم كَمَا لَا يشْتَرط فِي الْوُقُوف. (و) الْقسم الآخر قلب (لإبطال) مَذْهَب (الْمُسْتَدلّ صَرِيحًا لتصحيح مذْهبه) أَي ليلزم مِنْهُ صِحَة مَذْهَب الْمُعْتَرض ضمنا (كالحنفي فِي الرَّأْس) أَي كَقَوْلِه فِي مسح الرَّأْس أَنه مُقَدّر بِالربعِ لِأَنَّهُ عُضْو (من أَعْضَاء الْوضُوء فَلَا يَكْفِي أَقَله) أَي مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الرَّأْس (كَبَقِيَّة الْأَعْضَاء) فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهَا غسل أدنى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم (فَيَقُول) الشَّافِعِي أَنه مسح عُضْو من أَعْضَاء الْوضُوء (فَلَا يقدر بِالربعِ كبقيتها) فقد أبطل الْمُعْتَرض مَذْهَب الْمُسْتَدلّ صَرِيحًا ليلزم تَصْحِيح مذْهبه ضمنا. وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَن عدم التَّقْدِير بِالربعِ لَا يسْتَلْزم الِاكْتِفَاء بِالْأَقَلِّ، فَكيف يلْزم من إبِْطَال مَذْهَب الْمُسْتَدلّ تَصْحِيح مَذْهَب الْمُعْتَرض؟ أَشَارَ إِلَى دَفعه بقوله (ووروده) أَي الْقلب الْمَذْكُور فِي هَذَا الْمِثَال بِنَاء (على أَن المُرَاد) أَي مُرَاد القالب (اتفقنا) نَحن وَأَنْتُم أَيهَا الْحَنَفِيَّة على (أَن الثَّابِت أَحدهمَا) أَي أقل الرَّأْس أَو الرّبع، وَإِذا انْتَفَى أَحدهمَا ثَبت الآخر، وَإِلَّا فَلَا يلْزم من نفي الرّبع الأول لجَوَاز الِاسْتِيعَاب كَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك، وَفِيه نظر، وَهُوَ أَن كلا من المتخاصمين تعين عِنْده مذْهبه، وَإِذا أبطل أَحدهمَا مَذْهَب الآخر لم يثبت علية مَذْهَب الْمُبْطل، بل يجوز حِينَئِذٍ الثَّالِث: نعم لَو لم يكن فِي الْوُجُود إِلَّا المذهبان كَانَ يلْزم الْإِجْمَاع على نفي الثَّالِث فَتَأمل (أَو) لإبطال مَذْهَب الْمُسْتَدلّ (التزاما كَقَوْلِه) أَي الْحَنَفِيّ (فِي بيع غير المرئي: عقد مُعَاوضَة فَيصح مَعَ الْجَهْل بِالْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ، فَيَقُول) الشَّافِعِي عقد مُعَاوضَة (فَلَا يثبت فِيهِ خِيَار الرُّؤْيَة) كَمَا لَا يثبت فِي النِّكَاح، فالمعترض لم يتَعَرَّض لإبطال مَذْهَب الْخصم، وَهُوَ القَوْل بِالصِّحَّةِ صَرِيحًا

بل التزاما: وَذَلِكَ لِأَن من قَالَ بِصِحَّة بيع المرئي مَعَ الْجَهْل بالمعوض قَالَ بِخِيَار الرُّؤْيَة فهما متلازمان فَيلْزم من انْتِفَاء خِيَار الرُّؤْيَة انْتِفَاء الصِّحَّة، وَلذَا قَالَ (فَلَا يَصح) البيع الْمَذْكُور (الثَّانِي) من نَوْعي (الْمُعَارضَة الْخَالِصَة) عَن معنى المناقضة (فِي) حكم (الْفَرْع) بِأَن يذكر عِلّة أُخْرَى توجب خلاف مَا توجبه عِلّة الْمُسْتَدلّ (بِلَا تَغْيِير) وَلَا زِيَادَة فِي الحكم الأول فَيَقَع بهَا الْمُقَابلَة من غير تعرض لإبطال عِلّة الْمُسْتَدلّ فَيمْتَنع الْعَمَل بِشَيْء مِنْهُمَا لمدافعة كل مِنْهُمَا الْأُخْرَى مَا لم تترجح إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى (ويستدعى) هَذَا النَّوْع (أصلا آخر وَعلة) أُخْرَى (كالمسح) أَي كَقَوْل الشَّافِعِي الْمسْح (ركن فِي الْوضُوء فَيسنّ تكريره كالغسل، فَيَقُول) الْحَنَفِيّ: مسح الرَّأْس (مسح فَلَا يُكَرر كمسح الْخُف) فَأصل الأول الْغسْل، وعلته الركنية، وأصل الثَّانِي مسح الْخُف، وعلته كَونه مسحا، والتكرر وَعَدَمه حكمان متخالفان فِي الْفَرْع الَّذِي هُوَ مسح الرَّأْس وَلم يَقع تَغْيِير فِي الحكم الأول، فمورد الْإِيجَاب وَالسَّلب وَاحِد (وَالْأَحْسَن أَن يَجْعَل أَصله) أَي الْمُعْتَرض (التَّيَمُّم) فَيُقَال كالتيمم (فيندفع) على هَذَا الْفَارِق (المتوهم من مَانع فَسَاد الْخُف) بَيَان للمتوهم: أَي الركنية إِنَّمَا يَقْتَضِي التكرير، غير أَنه لم يتَحَقَّق الْمُقْتَضِي فِي مسح الْخُف لوُجُود الْمَانِع، وَهُوَ الْإِفْضَاء إِلَى إِتْلَاف الْخُف بتكرير الْمسْح (أَو بتغيير مَا) فِي الحكم الْمُتَنَازع فِيهِ، مَعْطُوف على قَوْله بِلَا تَغْيِير، فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى تَقْسِيم هَذَا النَّوْع إِلَى قسمَيْنِ كَقَوْل الْحَنَفِيّ لإِثْبَات ولَايَة التَّزْوِيج بِغَيْر الْأَب وَالْجد من الْأَوْلِيَاء كالأخ (فِي صَغِيرَة بِلَا أَب وجد صَغِيرَة فيولى عَلَيْهَا فِي الانكاح كذات الْأَب) أَي كالصغيرة الَّتِي لَهَا أَب بِجَامِع الصغر الْمُوجب للعجز عَن مُرَاعَاة مصالحها (فَيَقُول) الشَّافِعِي (الْأَخ قَاصِر الشَّفَقَة، فَلَا يولي عَلَيْهَا كَالْمَالِ) فَإِنَّهُ لَا ولَايَة للْأَخ على المَال إِجْمَاعًا: فَهَذِهِ مُعَارضَة خَالِصَة صَحِيحَة مثبتة حكما مُخَالفا للْأولِ بعلة أُخْرَى فِي ذَلِك الْمحل بِعَيْنِه، لَكِن مَعَ تَغْيِير مَا فِي الحكم الأول من الْإِطْلَاق الشَّامِل للْأَخ وَغَيره إِلَى التَّقْيِيد بالأخ (وَأما نظمه) أَي الْمعَارض الْمُعَارضَة هَكَذَا (صَغِيرَة فَلَا يولي عَلَيْهَا قرَابَة الْأُخوة كَالْمَالِ) كَمَا فِي أصُول فَخر الْإِسْلَام والتنقيح وَغَيرهمَا. قَالَ الشَّارِح: لَكِن الْمَذْكُور فِيهَا بِولَايَة الْأُخوة انْتهى، وعَلى مَا ذكره المُصَنّف نِسْبَة التوالية إِلَى الْقَرَابَة مجَاز لكَونهَا سَببا للتولية (فَلَيْسَ مِنْهُ) أَي من هَذَا الْقسم الْمُعَارضَة الْخَالِصَة من الْقلب، فالمعترض (عَارض مُطلق الْولَايَة) الَّتِي أثبتها الْمُسْتَدلّ (بنفيها) أَي الْولَايَة (عَن خُصُوص) مندرج تَحت عُمُوم إِطْلَاقهَا وَهُوَ الْأَخ (يلْزمه) أَي يلْزم نَفيهَا عَن (نفي) الحكم (الْمُعَلل لِأَن قرَابَته) أَي الْأَخ (أقرب) من سَائِر الْقرَابَات (بعد الولاد، فنفيها) أَي ولَايَة الْأَخ (نفى مَا بعْدهَا) أَي مَا سواهَا من ولَايَة الْعم وَغَيره (مُطلقًا). وَأَشَارَ إِلَى قسم ثَالِث مِنْهَا بقوله (أَو إِثْبَات) بِالْجَرِّ

عطفا على بِلَا تَغْيِير: أَي إِثْبَات الْمُعْتَرض حكما (آخر) غير مَا ذكره الْمُعَلل (يستلزمه) أَي يسْتَلْزم إثْبَاته نفي حكم الْمُعَلل (كَقَوْل أبي حنيفَة فِي أحقية المنعي) أَي الَّذِي نعى إِلَى زَوجته: أَي أخْبرت بِمَوْتِهِ فتربصت مِنْهُ ثمَّ تزوجت (بِوَلَدِهَا) مُتَعَلق بالأحقية: أَي الَّذِي وَلدته (فِي) زمَان (نِكَاح من تزوجته بعده) أَي بعد المنعي من الَّذِي تزَوجهَا بعده، فالمنعي إِذا جَاءَ بعد الْولادَة وَادّعى نسبه (صَاحب فرَاش صَحِيح) مقول قَوْله: أَي المنعي صَاحب فرَاش صَحِيح لقِيَام مَكَانَهُ (فَهُوَ أَحَق) بِالْوَلَدِ الْمَذْكُور (من) صَاحب الْفراش (الْفَاسِد) وَهُوَ المتزوج بهَا مَعَ قيام نِكَاح المنعي (كَمَا لَا يُحْصى) من تَقْدِيم الصَّحِيح على الْفَاسِد عِنْد التَّعَارُض (فَيَقُول) المعترص كالصاحبين: الزَّوْج (الثَّانِي صَاحب فرَاش فَاسد فيلحقه) الْوَلَد (كالمتزوج بِلَا شُهُود) إِذا ولدت المتزوج بهَا يثبت النّسَب مِنْهُ مَعَ فَسَاد الْفراش: كَيفَ وَظَاهر الْحَال يَقْتَضِي كَون الْعلُوق مِنْهُ (فإثباته) أَي إِثْبَات نسب الْوَلَد (من الثَّانِي يلْزمه) أَي الْإِثْبَات الْمَذْكُور (نَفْيه) أَي الْوَلَد (عَن الأول للْإِجْمَاع) على (أَن لَا يثبت) نسبه (مِنْهُمَا) جَمِيعًا، وَقد وجد مَا يصلح سَببا لاسْتِحْقَاق النّسَب فِي حق الثَّانِي (فرجح) أَبُو حنيفَة (الْملك وَالصِّحَّة) الكائنين للْأولِ (على الْحُضُور وَالْمَاء) أَي كَون الثَّانِي حَاضرا وَالْمَاء لَهُ (كَالزِّنَا) فَإِنَّهُ وَقع فِيهِ هَذَا التَّرْجِيح (وَالْوَجْه) أَن يُقَال (ترجح) المنعي على الزَّوْج الثَّانِي (بِالصِّحَّةِ على الْحُضُور) أَي بِسَبَب تَرْجِيح وصف صِحَة الْفراش على وصف الْحُضُور مَعَ انْتِفَاء الصِّحَّة (أما المَاء فمقدر فيهمَا) أَي الزَّوْجَيْنِ لعدم الْقطع بِهِ من الثَّانِي. (وَذكر الشَّافِعِيَّة من الأسئلة: مُخَالفَة حكم الْفَرْع لحكم الأَصْل) إِذْ من شَرط الْقيَاس اتِّحَاد الحكم كَمَا عرف (كقياس البيع على النِّكَاح وَعَكسه) أَي قِيَاس النِّكَاح على البيع (فِي عدم الصِّحَّة) بِجَامِع فِي صُورَة (فَيَقُول) الْمُعْتَرض الحكم فيهمَا مُخْتَلف حَقِيقَة (عدمهَا) أَي الصِّحَّة (فِي البيع حُرْمَة الِانْتِفَاع) بِالْمَبِيعِ (و) عدمهَا (فِي النِّكَاح حُرْمَة الْمُبَاشرَة. وَالْجَوَاب) عَن الْإِيرَاد الْمَذْكُور أَن يُقَال (الْبطلَان) الَّذِي هُوَ عدم الصِّحَّة فيهمَا (وَاحِد) وَهُوَ (عدم) ترَتّب (الْمَقْصُود من العقد) عَلَيْهِ (وَإِن اخْتلف صوره) أَي صور الْبطلَان ومحاله الَّتِي يُضَاف إِلَيْهَا كَالْبيع وَالنِّكَاح، فَإِن اخْتِلَاف الْمحل لَا يُوجب اخْتِلَاف الْحَال، بل لَا بُد فِي كل قِيَاس من اخْتِلَاف مَحل الحكم، وَإِلَّا لم يتَحَقَّق الأَصْل وَالْفرع. ثمَّ الْمُمْتَنع فِي الْقيَاس اخْتِلَاف الحكم جِنْسا كالوجوب وَالْحُرْمَة وَالنَّفْي وَالْإِثْبَات (وَهَذَا) السُّؤَال (وَغَيره) من الأسئلة (ككون الأَصْل معدولا) عَن سنَن الْقيَاس (دَاخل فِيمَا ذكر الْحَنَفِيَّة من منع وجود الشَّرْط) فَلَا حَاجَة إِلَى إِفْرَاده بِالذكر. (وَأما سُؤال الْفرق) بَين الأَصْل وَالْفرع (إبداء خُصُوصِيَّة فِي الأَصْل) عطف بَيَان لسؤال الْفرق، ثمَّ نعت الخصوصية بقوله (هِيَ) أَي تِلْكَ الخصوصية

(شَرط) للعلية (مَعَ بَيَان انتفائها) أَي تِلْكَ الخصوصية (فِي الْفَرْع أَو بَيَان مَانع) بِالرَّفْع عطفا على إبداء (فِيهِ) أَي فِي الْفَرْع عَن الحكم (و) بَيَان (انتفائه) أَي الْمَانِع (فِي الأَصْل فمجموع معارضتين فِي الأَصْل وَالْفرع) جَوَاب لأما، بِمَعْنى أَن حَقِيقَة الْفرق الْمَذْكُور مركبة من معارضتين: مُعَارضَة فِي الأَصْل: وحاصلها أَنَّك زعمت أَن الْوَصْف الَّذِي ذكرته فِي الأَصْل عِلّة من غير شَرط أَو بِدُونِ اعْتِبَار عدم الْمَانِع، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ مَشْرُوط بالخصوصية الْمَذْكُورَة أَو مُعْتَبر فِيهِ عدم مَانع كَذَا. ومعارضة فِي الْفَرْع: وحاصلها أَنَّك ادعيت وجود الْعلَّة فِي الْفَرْع وَلَيْسَ كَذَلِك لانْتِفَاء شَرطهَا فِيهِ، أَو وجود الْمَانِع من تأثيرها فِيهِ (وَهُوَ) أَي كَونه مَجْمُوع المعارضتين (فِي) الشق (الثَّانِي) من الترديد، أَعنِي بَيَان مَانع فِي الْفَرْع وانتفائه فِي الأَصْل مَبْنِيّ (على أَن الْعلَّة الْوَصْف مَعَ عدم هَذَا الْمَانِع) لِأَنَّهُ لَو لم يعْتَبر فِي الْعلَّة عدم الْمَانِع لما صَحَّ نفي وجود الْعلَّة فِي الْفَرْع، وَلِأَن الْمَانِع عَن الشَّيْء فِي قُوَّة الْمُقْتَضى لنقيضه فَيكون فِي الْفَرْع نقيض الحكم الَّذِي أثْبته الْمُسْتَدلّ (وَعَلِيهِ) أَي على الْمُعْتَرض (بَيَان كَونه) أَي كَون مَا أبداه من الخصوصية فِي الأَصْل شرطا فِي الشق الأول (أَو) مَا أبداه من الْمَانِع فِي الْفَرْع (مَانِعا) فِي الشق الثَّانِي (على طَرِيق إِثْبَات الْمُسْتَدلّ علية الْوَصْف) أَي كَمَا أثبت الْمُسْتَدلّ علية الْوَصْف على الْوَجْه الَّذِي ادَّعَاهُ يثبت الْمعَارض عليته على الْوَجْه الَّذِي يَدعِيهِ (وَالْوَجْه أَنه) أَي الْفرق (معارضتان) فِي الأَصْل وَالْفرع (على) الشق الأول من الترديد (ادِّعَاء الشَّرْط و) معارضته (فِي الْفَرْع فَقَط على) الشق الثَّانِي مِنْهُ: أَي بَيَان (الْمَانِع لما تقدم) فِي شُرُوط الْعلَّة (من الْحق) من (أَن عدم الْمَانِع لَيْسَ جُزْءا من الْعلَّة الباعثة، بِخِلَاف الشَّرْط لِأَنَّهُ) أَي الشَّرْط (خُصُوصِيَّة زَائِدَة على الْوَصْف) الَّذِي علل بِهِ الْمُعَلل فَهِيَ جُزْء مِنْهُ (وَلَو لم يتَعَرَّض) الْمُعْتَرض (لانتفائه) أَي الشَّرْط (من الْفَرْع لم يكن) إبداء الخصوصية الَّتِي هِيَ شَرط فِي الأَصْل (الْفرق) الَّذِي هُوَ مَجْمُوع المعارضتين (بل) هُوَ (مُعَارضَة فِي الأَصْل الْمُسَمّى مُفَارقَة) عِنْد الْحَنَفِيَّة وَتقدم الْكَلَام فِيهَا (والاتفاق على) جَوَاز (جمعهَا) أَي الاعتراضات إِذا كَانَت (من جنس) وَاحِد، إِذْ لَا يلْزم مِنْهُ مَحْذُور من التَّنَاقُض والانتقال وَغير ذَلِك (و) ذكر (بعض الْأُصُولِيِّينَ النَّوْع للْجِنْس) يَعْنِي أطلق النَّوْع وَأَرَادَ بِهِ الْجِنْس (وَالْجِنْس للنوع) عكس على مَا فِيهِ اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ، فَالْمُرَاد بِالْجِنْسِ الْمَذْكُور فِي الِاتِّفَاق النَّوْع (وأصول الْحَنَفِيَّة) وفروعهم أَيْضا يذكر فِيهَا (الْجِنْس للنوع) كالحنطة (وَالنَّوْع للصنف كَرجل) وَلَا مناقشة فِي الِاصْطِلَاح (وَذَلِكَ) أَي جمعهَا من جنس (كالاستفسارات والمنوع والمعارضات) فَإِن كل وَاحِدَة مِنْهَا يجمعها جنس هُوَ الاستفسار وَالْمَنْع والمعارضة (وَفِي) جمع (الْأَجْنَاس) من الاعتراضات اخْتِلَاف (مَنعه) أَي جمعهَا (السمرقنديون للخبط) اللَّازِم من ذَلِك (للانتشار) بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت من جنس

وَاحِد، فَإِن النشر فِي الْمُخْتَلفَة أَكثر، وَالْجُمْهُور جوزوا الْجمع بَينهمَا أَيْضا (ثمَّ) إِذا جَازَ الْجمع (منع أَكثر النظار) الاعتراضات (الْمرتبَة طبعا) أَي جمعهَا، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ أَعم من أَن تكون من جنس وَاحِد أَولا، وَالدَّلِيل يُفِيد الْأَعَمّ، غير أَن الشَّارِح خصصه بِمَا إِذا كَانَ من نوع وَاحِد (كمنع حكم الأَصْل وَمنع أَنه مُعَلل بذلك) الْوَصْف فَإِن تَعْلِيله بعد ثُبُوته طبعا (إِذْ يُفِيد) الْأَخير (تَسْلِيم الأول) فَيتَعَيَّن الْأَخير سؤالا فيجاب عَنهُ دون الأول (وَالْمُخْتَار جَوَازه) أَي جمع الْمرتبَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاق الاسفرايني (لِأَن التَّسْلِيم) للمتقدم (فَرضِي: أَي لَو سلم) الأول (ورد الثَّانِي) فَلَا يلْزم تَسْلِيمه فِي نفس الْأَمر (وَحِينَئِذٍ) أَي حِين اختير جَوَازه (الْوَاجِب) على الْمُعْتَرض (ترتيبها) أَي الْمرتبَة طبعا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرتبها وَعكس التَّرْتِيب (فَمنع) فحاصله منع (بعد التَّسْلِيم إِذْ) قَول الْمُعْتَرض (لَا نسلم أَن الحكم مُعَلل بِكَذَا يتَضَمَّن تَسْلِيمه) أَي الحكم (فَقَوله) بعد ذَلِك (بِمَنْع ثُبُوت الحكم رُجُوع) عَن تَسْلِيمه (لَا يسمع) لِأَنَّهُ إِنْكَار بعد الْإِقْرَار فَالْمُرَاد من التَّرْتِيب الْوَاجِب على الْمُعْتَرض أَن يرد الْمرتبَة على وَجه لَا يلْزم عَلَيْهِ الْمَنْع بعد التَّسْلِيم فَيمْنَع ثُبُوت الحكم أَولا، ثمَّ يمْنَع كَونه مُعَللا بِكَذَا، فَيكون تَسْلِيمًا بعد الْمَنْع على طَرِيق التنزل، وَلما بَين وجوب التَّرْتِيب على هَذَا الْوَجْه فِي جَمِيع الْمرتبَة على الْمَذْهَب الْمُخْتَار ظهر أَن منع أَكثر النظار جمعهَا على التَّرْتِيب الطبيعي الْمُفِيد تَسْلِيم مَا منع على عكس مَا هُوَ الْوَاجِب، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَيبْطل مَا يلْزم قَول الْأَكْثَرين من وُجُوبهَا) بَيَان لما: أَي من لُزُوم جَمِيع الاعتراضات الْمرتبَة طبعا حَال كَونهَا (غير مرتبَة) وَإِنَّمَا حكم بِلُزُوم ذَلِك لقَولهم لأَنهم قد منعُوا جمعهَا على التَّرْتِيب الطبيعي فَتعين ذكرهَا غير مرتبَة، لَا يُقَال لَا يسْتَلْزم منع ذكرهَا مترتبة ذكرهَا غير مترتبة لجَوَاز أَن لَا يذكرهَا أصلا، لِأَن جَوَاز ذكرهَا اتِّفَاق، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِلَّا فالاتفاق على) جَوَاز (التَّعَدُّد) إِذا كَانَ المتعدد (من نوع) وَاحِد، وَإِنَّمَا حكم بِبُطْلَان اللَّازِم الْمَذْكُور، لِأَن الْمَنْع قبل التَّسْلِيم إِذا كَانَ قبيحا فَهُوَ بعد التَّسْلِيم أقبح (وَلَا مخلص لَهُم) أَي للأكثرين عَن هَذَا الْإِبْطَال (إِلَّا بادعاء أَن منع الْعلية بِفَرْض وجود الحكم) يَعْنِي أَن تَسْلِيم حكم الأَصْل بِحَسب نفس الْأَمر لَا يلْزم من منع علية الْوَصْف لجَوَاز أَن يكون بِحَسب الْفَرْض، فَإِذا منع ثُبُوت الحكم بعد منع عليته الْوَصْف علم أَن مُرَاده من التَّسْلِيم الَّذِي يتضمنه منع الْعلية إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الْفَرْض وَحِينَئِذٍ يلْزمهُم مثله فِي مَنعهم المترتبة. (وَمَا قيل) على مَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ إِذْ (كل من الْخَمْسَة وَالْعِشْرين) اعتراضا الْوَارِدَة على الْقيَاس الَّذِي سبق ذكرهَا (جنس ينْدَرج تَحت نوع) على مَا مر من اصْطِلَاح بعض الْأُصُولِيِّينَ بعكس مَا هُوَ الْمَشْهُور من اندراج النَّوْع تَحت الْجِنْس (غلط) لِأَنَّهُ (يبطل حِكَايَة الِاتِّفَاق على) جَوَاز جمع (المتعدد من جنس إِذْ لَا يتَصَوَّر

التَّعَدُّد مثلا من منع وجود الْعلَّة) أَي مِنْهُ (وَهُوَ أَحدهَا) أَي أحد الْخَمْسَة وَالْعِشْرين، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْمَنْع الْمَذْكُور جِنْسا فَبعد منع وجودهَا فِي قِيَاس وَاحِد مرّة لَا يُمكن منع وجودهَا ثَانِيًا فَلَا يتَصَوَّر التَّعَدُّد من هَذَا الْجِنْس، وَهَذَا إِنَّمَا يرد على الْقَائِل الْمَذْكُور إِذا حمل لفظ الْجِنْس فِي الْمحل على الْمَعْنى الَّذِي اخْتَارَهُ فَجعله خَمْسَة وَعشْرين، وَأما إِذا حمله على الْمَعْنى الَّذِي عبر عَنهُ بالنوع فَلَا يرد، غير أَن اخْتِيَاره على وَجه لَا يلائم كَلَام الْقَوْم خُرُوج عَن الجادة (و) أَيْضا (كَلَامهم) أَي الْأُصُولِيِّينَ (فِي) ذكر (الْمثل) أَي أَمْثِلَة الْمَذْكُورَات (وَذكر الْأَجْنَاس) للاعتراضات (خِلَافه) أَي خلاف مَا ذكره هَذَا الْقَائِل، بل الْمَنْع نوع مندرج تَحْتَهُ منع حكم الأَصْل وَمنع وجود الْوَصْف وَمنع عليته وَمنع وجودهَا فِي الْفَرْع وَغَيرهَا، والمعارضة نوع ينْدَرج فِيهَا الْمُعَارضَة فِي الأَصْل وَفِي الْفَرْع وَغَيرهمَا وكل وَاحِد من أَقسَام الْمَنْع والمعارضة جنس وَاحِد إِذْ الْفَرْض أَن الْجِنْس هُوَ النَّوْع المنطقي بِهَذَا الِاصْطِلَاح فالنقد جنس انحصر فِيهِ نَوعه كَمَا نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه يرد عَلَيْهِم حِينَئِذٍ مَا أوردهُ على الْقَائِل الْمَذْكُور فَالصَّوَاب أَن يكون ذكرا للْجِنْس على وَجه لَا يكون كل وَاحِد من الْخَمْسَة وَالْعِشْرين جِنْسا حَتَّى يتَحَقَّق الْخلاف، ثمَّ أَخذ يبين التَّرْتِيب الطبيعي بقوله (فَتقدم الْمُتَعَلّق بِالْأَصْلِ) من الِاعْتِرَاض فَيقدم منع حكم الأَصْل لِأَنَّهُ نظر فِيهِ تَفْصِيلًا، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَالْوَجْه أَن يُقَال الْمَنْع طلب الدَّلِيل من الْمُسْتَدلّ وَهُوَ الَّذِي يتَبَادَر إِلَيْهِ الذِّهْن، بِخِلَاف إِقَامَة الدَّلِيل على خِلَافه (ثمَّ) الْمُتَعَلّق (بِالْعِلَّةِ) لِأَنَّهُ نظر فِيمَا هُوَ متفرع عَن حكم الأَصْل فَتقدم منع وجود الْعلَّة فِي الأَصْل ثمَّ الْمُطَالبَة بتأهيرها إِلَى غير ذَلِك (ثمَّ) الْمُتَعَلّق (بالفرع) لابتنائه على الْعلَّة (وَتقدم النَّقْض على مُعَارضَة الأَصْل عِنْد معتبرها) أَي مُعَارضَة الأَصْل، وَقد مر بَيَانه (إِذْ هِيَ) أَي مُعَارضَة الأَصْل (لإبطال استقلالها) أَي الْعلَّة بالتأثير والنقض لإبطال أَصْلهَا (وَمنع وجود الْعلَّة فِي الأَصْل قبل منعهَا) أَي قبل منع عليتها (وَالْقلب قبل الْمُعَارضَة الْخَالِصَة) وَقد مر تَفْسِيرهَا (لِأَنَّهُ) أَي الْقلب (مُعَارضَة بِدَلِيل الْمُسْتَدلّ) بِخِلَاف الْخَالِصَة فَتذكر الْقلب أَولا (ثمَّ يُقَال وَلَو سلم أَنه) أَي دَلِيل الْمُسْتَدلّ (يُفِيد مَطْلُوبه عندنَا دَلِيل آخر يَنْفِيه) أَي مَطْلُوبه ثمَّ الجدل بِالْحَقِّ مَأْمُور بِهِ. قَالَ تَعَالَى - {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} - وَفعله الصَّحَابَة وَالسَّلَف لما يلْزم من إِنْكَار الْبَاطِل واستنقاذ الْهَالِك عَن ضلاله فَيشْتَرط أَن يكون الْمَقْصُود مِنْهُ إِظْهَار الصَّوَاب. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَإِن جادلوك فَقل الله أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ} - هَذَا أدب حسن علمه الله تَعَالَى ليردوا بِهِ من جادل تعنتا وَلَا يُجِيبُوهُ، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا " مَا ضل قوم بعد هدي كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجدل، ثمَّ تَلا - {مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلا} - " صَححهُ التِّرْمِذِيّ، وَعنهُ مَرْفُوعا " من ترك المُرَاد وَهُوَ مُبْطل بني لَهُ بَيت

خاتمة

فِي ربض الْجنَّة، وَمن تَركه وَهُوَ محق بني لَهُ فِي وَسطهَا " حسنه التِّرْمِذِيّ، والمراء اسْتِخْرَاج غضب المجادل، من مريت الشَّاة: استخرجت لَبنهَا. خَاتِمَة للمقالة الثَّانِيَة (الِاتِّفَاق على) كَون (الْأَرْبَعَة): الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس أَدِلَّة شَرْعِيَّة للْأَحْكَام (عِنْد مثبتي الْقيَاس) وهم الْجُمْهُور مِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة (وَاخْتلف فِي) كَون (أُمُور) أُخْرَى أَدِلَّة شَرْعِيَّة: مِنْهَا (الِاسْتِدْلَال بِالْعدمِ، نَفَاهُ الْحَنَفِيَّة) وَقد سبق الْكَلَام فِيهِ فِي المرصد الثَّانِي من شُرُوط الْعلَّة نفياله مُطلقًا عَنْهُم إِلَّا عدم عِلّة متحدة على تَحْقِيق من المُصَنّف هُنَاكَ، وإثباتا لَهُ عَن غَيرهم على تَفْصِيل بَين أَن يكون عدما مُطلقًا أَو مُضَافا، وَبَين أَن يكون الْمُعَلل بِهِ عدميا أَو وجوديا فَارْجِع إِلَيْهِ، فِي التَّلْوِيح: لَا قَائِل بِأَن التَّعْلِيل بِالنَّفْيِ إِحْدَى علل الْحجَج الشَّرْعِيَّة انْتهى، وَإِنَّمَا هُوَ نفي الحكم الشَّرْعِيّ بِنَفْي الْمدْرك الشَّرْعِيّ، وَفِيه مَا فِيهِ (والمصالح الْمُرْسلَة) وَهِي الَّتِي لَا يشْهد لَهَا أصل بِالِاعْتِبَارِ فِي الشَّرْع وَلَا بالإلغاء وَإِن كَانَت على سنَن الْمصَالح وتلقتها الْعُقُول بِالْقبُولِ (أثبتها مَالك) وَالشَّافِعِيّ فِي قَول قديم (ومنعها الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم) مِنْهُم أَكثر الشَّافِعِيَّة ومتأخرو الْحَنَابِلَة (لعدم مَا يشْهد) لَهَا (بِالِاعْتِبَارِ، وَلعدم أصل الْقيَاس فِيهَا كَمَا يعرف مِمَّا تقدم) فِي المرصد الأول، من فصل الْعلَّة، وَالصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم عمِلُوا أمورا لمُطلق الْمصلحَة بِلَا تَقْدِيم شَاهد بِالِاعْتِبَارِ نَحْو كِتَابَة الْمُصحف وَولَايَة الْعَهْد من أبي بكر لعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَتَدْوِين الدَّوَاوِين وَعمل السِّكَّة للْمُسلمين واتخاذ السجْن، فَعمل ذَلِك عمر رَضِي الله عَنهُ تَعَالَى عَنهُ والأوقاف بِإِزَاءِ مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والتوسعة فِي الْمَسْجِد عِنْد ضيقه فعله عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَذَا تَجْدِيد أَذَان فِي الْجُمُعَة بِالسوقِ وَهُوَ الْأَذَان الأول، فعله عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ نَقله هِشَام إِلَى الْمَسْجِد (وتعارض الْأَشْبَاه) أَي بَقَاء الحكم الْأَصْلِيّ فِي الْمُتَنَازع فِيهِ لتعارض أصلين فِيهِ يُمكن إِلْحَاقه بِكُل مِنْهُمَا (كَقَوْل زفر فِي الْمرَافِق) لَا يجب غسلهَا فِي الْوضُوء لِأَنَّهَا (غَايَة) لغسل الْيَد، والغاية قِسْمَانِ (دخل) قسم (مِنْهَا) فِي المغيا كَقَوْلِه تَعَالَى - {من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} (وَخرج) قسم مِنْهَا كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَأَتمُّوا الصّيام إِلَى اللَّيْل} {فَلَا يدْخل} الْمرْفق (بِالشَّكِّ) فِي وجوب الْغسْل (وَدفع) كَونه دَلِيلا (بِأَنَّهُ إِثْبَات حكم شَرْعِي بِالْجَهْلِ وَأجِيب بِأَن المُرَاد) لزفَر (الأَصْل عَدمه) أَي عدم دُخُول الْمرَافِق فِي الْغسْل (فَيبقى) عَدمه مستمرا (إِلَى ثُبُوت مُوجبه) أَي الدُّخُول (وَالثَّابِت) بِالِاجْتِهَادِ فِي حق الْمرَافِق إِنَّمَا هُوَ (التَّعَارُض) وَقد عرفت الْجَواب من هَذَا فِيمَا سبق فِي مسئلة: إِلَى من حُرُوف الْجَرّ

(وَمِنْهَا) أَي من الْأُمُور الْمَذْكُورَة (الِاسْتِدْلَال) وَهُوَ فِي اللُّغَة طلب الدَّلِيل، وَفِي الْعرف إِقَامَته، وَالْمرَاد مِنْهُ هَهُنَا (قيل مَا لَيْسَ بِأحد) الْأَدِلَّة (الْأَرْبَعَة فَيخرج) من هَذَا التَّعْرِيف (قِيَاس الدّلَالَة) وَهُوَ على مَا سبق مَا لَا يذكر فِيهِ الْعلَّة بل وصف ملازم لَهَا نَحْو النَّبِيذ حرَام كَالْخمرِ بِجَامِع الرَّائِحَة المشتدة (وَمَا فِي معنى الأَصْل تَنْقِيح المناط) عطف بَيَان للموصول، وَهُوَ الْجمع بَين الأَصْل وَالْفرع بإلغاء الْفَارِق كقياس الْبَوْل فِي إِنَاء وصبه فِي المَاء الدَّائِم على الْبَوْل فِيهِ الْمنْهِي عَنهُ فِي الْخَبَر الصَّحِيح لعدم الْفرق بَينهمَا فِيمَا يقْصد بِالْمَنْعِ كَمَا يخرج قِيَاس الْعلَّة الْمُصَرّح فِيهِ بِالْعِلَّةِ نَحْو: محرم النَّبِيذ كَالْخمرِ للإسكار لاندراجه فِي الْأَرْبَعَة، فَإِن الْقيَاس الْمُطلق يعم الْكل (وَقد يُقيد الْقيَاس) الْمَنْفِيّ (بِقِيَاس الْعلَّة) فَإِنَّهُ الْمُتَبَادر من الْقيَاس الْمَعْدُود من الْأَرْبَعَة (فيدخلانه) أَي فعلى هَذَا يدْخل قِيَاس الدّلَالَة وَمَا فِي معنى الأَصْل فِي الِاسْتِدْلَال (واختير أَن أَنْوَاعه) أَي الِاسْتِدْلَال ثَلَاثَة على مَا صرح ابْن الْحَاجِب (شرع من قبلنَا، والاستصحاب، والتلازم، وَهُوَ) التلازم (المفاد بالاستثنائي والاقتراني بضروبهما) الْجَار وَالْمَجْرُور بدل من الْجَار وَالْمَجْرُور، أَو الْمَعْنى ملحوظين بِاعْتِبَار جَمِيع ضروبهما، وَذَلِكَ لِأَن حَاصِل الأول الحكم بِلُزُوم شَيْء لشَيْء، ثمَّ الحكم بِوُجُود الْمَلْزُوم فينتج وجود اللَّازِم، أَو الحكم بِانْتِفَاء اللَّازِم فَيُفِيد انْتِفَاء الْمَلْزُوم، ومرجع ضروب الاقتراني إِلَى الشكل الأول، وَحَاصِله لُزُوم مَحْمُول النتيجة للأوسط اللَّازِم لموضوعها فَيثبت محمولها لموضوعها بِالضَّرُورَةِ، فَظهر أَن مفَاد الْكل اللُّزُوم الْمُفِيد للمطلوب (وَقدمنَا زِيَادَة ضرب) للاستثنائي هِيَ على مَا أثْبته الْقَوْم حَاصله (فِي) صُورَة (تَسَاوِي الْمُقدم والتالي) كَأَن كَانَ هَذَا وَاجِبا فتاركه يسْتَحق الْعقَاب لكنه لَا يسْتَحق الْعقَاب، فَإِن الْمَفْرُوض مُسَاوَاة الِاسْتِحْقَاق وَالْوُجُوب، فانتفاء أحد المتساويين يسْتَلْزم انْتِفَاء الآخر، وَإِن كَانَ هَذَا وَاجِبا فتاركه يسْتَحق الْعقَاب لَكِن تَاركه يسْتَحق الْعقَاب فَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِب، وَإِنَّمَا اعتبرها ضربا وَاحِدًا، لِأَن منَاط الْكل أَمر وَاحِد وَهُوَ التَّسَاوِي (وَكَذَا) زِيَادَة ضرب (فِي الاقتراني) وَهُوَ الْمركب من كَلِمَتَيْنِ صغرى سالبة وكبرى مُوجبَة مُتَسَاوِيَة الطَّرفَيْنِ كلا شَيْء من الْإِنْسَان بصهال وكل صهال فرس فَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بفرس (إِلَّا أَنه) أَي التلازم الْمَذْكُور (هُنَا) أَي فِي هَذَا الْمقَام مَحْمُول (على خُصُوص) من مُطلق التلازم (هُوَ إِثْبَات أحد موجبي الْعلَّة بِالْآخرِ فتلازمهما) أَي موجبهما، وهما الحكمان إِنَّمَا يكون (بِلَا تعْيين عِلّة) مُوجبَة لَهما (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَا بل يتَعَيَّن عِلّة جَامِعَة (فَقِيَاس) أَي فإثباته بهَا قِيَاس (وَيكون) التلازم (بَين ثبوتين) بَينهمَا اطراد وانعكاس كَمَا إِذا تساوى الْمُقدم والتالي أَو اطراد من طرف وَاحِد من غير انعكاس كَمَا إِذا كَانَ التَّالِي أَعم من الْمُقدم (كمن صَحَّ طَلَاقه صَحَّ ظِهَاره

وَهُوَ) أَي ثُبُوت التلازم بَينهمَا يكون (بالاطراد) الشَّرْعِيّ بِأَن تتبع فَوجدَ كل من صَحَّ طَلَاقه صَحَّ ظِهَاره، فَعلم أَن المُرَاد بالتلازم مُطلق اللُّزُوم سَوَاء كَانَ من الْجَانِبَيْنِ أَو من جَانب وَاحِد، وَزَاد الشَّارِح هُنَا فِي تَصْوِير الاطراد: وكل من صَحَّ ظِهَاره صَحَّ طَلَاقه، وعَلى هَذَا لَا يبْقى لقَوْله (ويقوى) ثُبُوته بَينهمَا (بالانعكاس) معنى لِأَن الموجبتين الكليتين حاصلهما الْمُسَاوَاة ونقيضا المتساويين متساويان، وَهُوَ محصول قَوْله كل شخص لَا يَصح طَلَاقه لَا يَصح ظِهَاره، وكل شخص لَا يَصح ظِهَاره لَا يَصح طَلَاقه فِي تَفْسِير الانعكاس، وَقَوله: وَحَاصِله التَّمَسُّك بالدوران: يَعْنِي حَاصِل التلازم بَين الطَّلَاق وَصِحَّة الظِّهَار وَعدم الانفكاك بَينهمَا وجودا وعدما، والبحث أَنه فسر الاطراد والانعكاس أَولا باللزوم من الْجَانِبَيْنِ حَيْثُ قَالَ وَلَا بُد فِيهِ أما من الاطراد أَو الانعكاس من الطَّرفَيْنِ كَمَا فِيمَا يكون التَّالِي فِيهِ مُسَاوِيا للعدم، أَو طردا لَا عكسا من طرف وَاحِد فِيمَا يكون التَّالِي أَعم من الْمُقدم انْتهى، وَالضَّمِير فِي قَوْله فِيهِ رَاجع إِلَى التلازم بَين ثبوتين فالاطراد والانعكاس كِلَاهُمَا بِالْبُطْلَانِ، وَحَاصِله كل من صَحَّ ظِهَاره صَحَّ طَلَاقه، وَهَذَا يسْتَلْزم مَا فسر بِهِ الانعكاس ثَانِيًا من اعْتِبَار التلازم بَين نقيضي الثبوتين (ويقرر ثُبُوت) التلازم بَينهمَا إِذا كَانَا أثرين لمؤثر بالاستدلال بِثُبُوت (أحد الأثرين فَيلْزم) أَن يثبت (الآخر للُزُوم) وجود (الْمُؤثر) ثُبُوت أحد الأثرين، وَعند وجود الْمُؤثر يلْزم وجود الْأَثر الآخر بِالضَّرُورَةِ (و) تقرر أَيْضا (بِمَعْنَاهُ) أَي بِمَعْنى مَا ذكر، وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوت أحد الأثرين عِنْد وجود الْمُؤثر يلْزم وجود الْأَثر الآخر على ثُبُوت الْمُؤثر ثمَّ ثُبُوته على ثُبُوت الآخر (كفرض الصحتين) للطَّلَاق وَالظِّهَار (أثر الْوَاحِد) كالأهلية لَهما، فَإِذا ثَبت صِحَة الطَّلَاق ثَبت الْأَهْلِيَّة لَهَا، وَيلْزم من ثُبُوت الْأَهْلِيَّة ثُبُوت صِحَة الظِّهَار (وَمَتى عين الْمُؤثر خرج) عَن الِاسْتِدْلَال (إِلَى قِيَاس الْعلَّة، و) يكون التلازم (بَين نفيين). وَفِي الشَّرْح العضدي: التلازم أَرْبَعَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون بن حكمين، وَالْحكم إِمَّا إِثْبَات أَو نفي، فالأقسام أَرْبَعَة: إِمَّا بَين ثبوتين أَو نفييت أَو ثُبُوت وَنفي، أَو نفي وَثُبُوت، وَمحل الحكم ان لم يكن متلازمين وَلَا متنافيين كالأسود وَالْمُسَافر لم يجز فِيهِ شَيْء من الْأَرْبَعَة، والتلازم إِمَّا أَن يكون طردا أَو عكسا: أَي من الطَّرفَيْنِ، أَو طردا لَا عكسا: أَي من طرف وَاحِد، والتنافي لَا بُد أَن يكون من الطَّرفَيْنِ، لكنه إِمَّا أَن يكون طردا أَو عكسا: أَي إِثْبَاتًا ونفيا، وَإِمَّا طردا فَقَط: أَي إِثْبَاتًا، وَإِمَّا عكسا فَقَط: أَي نفيا، فَهَذِهِ خَمْسَة أَقسَام انْتهى. وَفسّر الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة للتنافي بالانفصال الْحَقِيقِيّ، وَمنع الْجمع، وَمنع الْخُلُو، وَقد حمل الشَّارِح قَول المُصَنّف (وَلَا بُد من كَونه الطَّرفَيْنِ طردا وعكسا أَو أَحدهمَا) على هَذِه الثَّلَاثَة، وَجعل تَقْدِير الْكَلَام وَلَا بُد من كَون التَّنَافِي بَين الطَّرفَيْنِ طردا وعكسا: أَي إِثْبَاتًا ونفيا كَمَا هُوَ الْمُنْفَصِلَة

الْحَقِيقِيَّة أَو طردا فَقَط كَمَا هُوَ مَانِعَة الْجمع، أَو عكسا فَقَط كَمَا هُوَ مَانِعَة الْخُلُو: وَلَا يخفى مَا فِيهِ لعدم ذكر التَّنَافِي فِي هَذَا السِّيَاق، وَتَقْرِيره بَين فَالْوَجْه أَن يُقَال: الْمَعْنى أَنه لَا بُد من كَون طرفِي التلازم الْوَاقِع بَين النفيين، طردا وعكسا، أَو ذَا طرد فَقَط، أَو ذَا عكس فَقَط فَإِن قلت: على هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال وَلَا بُد من كَونهمَا: أَي النفيين طردا الخ، لِأَن طرفِي التلازم عبارَة عَنْهُمَا قلت: قصد التَّعْمِيم على وَجه يَشْمَل النفيين والمنفيين، فَإِن المُرَاد بالطرد وَالْعَكْس هَهُنَا كليتان فِي جَانِبي النَّفْي وَالْإِثْبَات (لَا يَصح التَّيَمُّم بِلَا نِيَّة فَلَا يَصح الْوضُوء) بِلَا نِيَّة خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف: أَي مِثَاله لَا يَصح الخ (وَهُوَ) أَي ثُبُوت التلازم بَين النفيين (أَيْضا بالاطراد) كَمَا أَنه بَين الثبوتين كَذَلِك (ويقوى) اللُّزُوم الْحَاصِل بالاطراد (بالانعكاس) على طبق مَا سبق: أَي كل تيَمّم يَصح بِالنِّيَّةِ، وكل وضوء يَصح بِالنِّيَّةِ: وَهَذَا عِنْد الشَّافِعِيَّة. وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فالتلازم طردا وعكسا فِي أحد الطَّرفَيْنِ فَقَط، وَهُوَ التَّيَمُّم، بِخِلَاف الْوضُوء فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْدهم كل وضوء بِالنِّيَّةِ كَمَا لَا يخفى انْتهى. وَيفهم مِنْهُ أَنه يعْتَبر الاطراد والانعكاس فِي كل من طرفِي التلازم: وَهَذَا خبط آخر، بل الانعكاس فِيهِ لُزُوم عدم صِحَة التَّيَمُّم بِغَيْر نِيَّة لعدم صِحَة الْوضُوء بِغَيْر نِيَّة كَعَكْسِهِ (ويقرر) ثُبُوت التلازم بَين النفيين إِذا كَانَا أثرين لمؤثر (بِانْتِفَاء أحد الأثرين، فالآخر) أَي فَيلْزم انْتِفَاء الآخر لانْتِفَاء الْمُؤثر لفرض ثبوتهما أثرا لوَاحِد وَلَيْسَ فرض كَون الثَّوَاب وَاشْتِرَاط النِّيَّة أثرين لِلْعِبَادَةِ (يُوجِبهُ) أَي يُوجب التلازم بَين النفيين، أَعنِي عدم صِحَة التَّيَمُّم بِلَا نِيَّة، وَعدم صِحَة الْوضُوء بِلَا نِيَّة (على) مَذْهَب (الْحَنَفِيّ) لعدم اشْتِرَاط صِحَة الْوضُوء بِالنِّيَّةِ عِنْدهم وَعدم لُزُوم الثَّوَاب لصِحَّته، بِخِلَاف صِحَة التَّيَمُّم فَإِنَّهُ يشْتَرط صِحَّته بِالنِّيَّةِ وَيلْزمهُ الثَّوَاب وَالْعِبَادَة (و) يكون التلازم (بَين نفي مُلْزم للثبوت) وَبَين الثُّبُوت اللَّازِم لَهُ حذفه لانسياق الذِّهْن لَهُ (وَعَكسه) أَي وَبَين ثُبُوت ملزوم للنَّفْي، وَنفي لَازم لَهُ، مِثَال الأول (مُبَاح فَلَيْسَ بِحرَام) فَإِن كَون الشَّيْء مُبَاحا ثُبُوت لَازمه نفي الْحُرْمَة فبينهما تلازم بِمَعْنى أَن نفي الْحُرْمَة ملازم للْإِبَاحَة من غير أَن تذكر الْإِبَاحَة لَازِمَة لنفي الْحُرْمَة لتحَقّق هَذَا النَّفْي فِي ضمن الْوُجُوب وَمِثَال الثَّانِي (لَيْسَ جَائِزا فَحَرَام) فَإِن كَون الشَّيْء منفي الْجَوَاز يلْزمه الْحُرْمَة وَكَذَلِكَ عَكسه، فالتلازم هَهُنَا من الطَّرفَيْنِ (ويقرران) أَي هَذَانِ التلازمان (بِإِثْبَات التَّنَافِي بَينهمَا) أَي بَين الثُّبُوت والمنفي، لَا بَين الثُّبُوت وَالنَّفْي كَمَا يُوهِمهُ ظَاهر الْعبارَة لعدم التَّنَافِي بَين الْإِبَاحَة وَنفي الْحُرْمَة مثلا، بل نَفيهَا لَازم للْإِبَاحَة (أَو) بِإِثْبَات التَّنَافِي بَين (لوازمهما) أَي لَوَازِم الثُّبُوت والمنفي كالتأثيم اللَّازِم لِلْحَرَامِ وَعَدَمه اللَّازِم للمباح والجائز، فَإِن تنَافِي اللوازم يسْتَلْزم تنَافِي الملزومات (وَيرد عَلَيْهَا) أَي على الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة من الاعتراضات (منع اللُّزُوم كالحنفي) أَي كمنعه

(فِي الْأَوَّلين) التلازم بَين الظِّهَار وَالطَّلَاق وَبَين نفي صِحَة التَّيَمُّم بِغَيْر نِيَّة وَصِحَّة الْوضُوء بغَيْرهَا وَقد مر بَيَانه (و) منع (ثُبُوت الْمَلْزُوم، و) كَذَا مَا يرد عَلَيْهِ (مَا لَا يخْتَص بِالْعِلَّةِ) من الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس، لِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن الْعلَّة فِي التلازم، وَمَا لم يتَعَيَّن لم يرد عَلَيْهِ شَيْء (وَيخْتَص) التلازم بسؤال لَا يرد على الْقيَاس وَهُوَ منع تحقق الْمُلَازمَة (فِي مثل تقطع الْأَيْدِي بيد) أَي بِقطع يَد وَاحِدَة (كَقَتل الْجَمَاعَة بِوَاحِد) أَي بقتل وَاحِد (لملازمته) أَي الْقصاص الْمَذْكُور (لثُبُوت الدِّيَة على الْكل) مُتَعَلق بالثبوت لتَضَمّنه معنى الْوُجُوب (فِي الأَصْل) ظرف للملازمة (أَي النَّفس) تَفْسِير للْأَصْل (لِأَنَّهُمَا) أَي الْقصاص وَالدية (أثران فِيهَا) أَي فِي النَّفس يترتبان على الْجِنَايَة (وَوجد أَحدهمَا) أَي أحد الأثرين، وَهُوَ الدِّيَة (فِي الْفَرْع) أَي الْيَد (فالآخر) أَي فَيثبت الْأَثر الآخر، وَهُوَ (الْقصاص) فِيهِ أَيْضا (لِأَن علتهما) أَي عِلّة الأثرين الْمَذْكُورين (فِي الأَصْل إِن) كَانَت (وَاحِدَة فَظَاهر) ثُبُوت الْقصاص على الْكل فِي الْفَرْع لِأَن وجود الْأَثر وَهُوَ الدِّيَة فِيهِ يسْتَلْزم وجود الْعلَّة المؤثرة، وَعند وجودهَا يثبت أَثَرهَا الآخر (أَو) كَانَت (مُتعَدِّدَة، فتلازمهما) أَي الأثرين: وجوب الدِّيَة وَالْقصاص فِي الْجَمِيع (فِي الأَصْل) أَي النَّفس (لتلازمهما) أَي العلتين فوجود أحد الأثرين، وَهُوَ الدِّيَة فِي الْفَرْع يسْتَلْزم وجود علته، وَوُجُود علته يسْتَلْزم عِلّة الْأَثر الآخر للتلازم بَينهمَا (فَيثبت) الْأَثر (الآخر) وَهُوَ الْقصاص فِي الْفَرْع أَيْضا لثُبُوت علته (فَيرد) السُّؤَال الْمُخْتَص بِمثل هَذَا، وَهُوَ (تَجْوِيز كَونه) أَي ذَلِك الْأَثر، وَهُوَ وجوب الدِّيَة على الْكل (بعلة) فِي الْفَرْع: أَي الْيَد يَقْتَضِي وجوب الدِّيَة على الْكل، و (لَا تَقْتَضِي قطع الْأَيْدِي) بِالْيَدِ (وَلَا) هِيَ (مُلَازمَة مقتضية) أَي مُقْتَضى قطع الْأَيْدِي بِالْيَدِ (و) الْأَثر الْمَذْكُور (فِي الأَصْل) أَي النَّفس (بِأُخْرَى) أَي بعلة أُخْرَى غير علته فِي الْفَرْع (تقتضيهما) أَي الْقصاص وَوُجُوب الدِّيَة صفة عِلّة أُخْرَى: وَهَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن أَن تكون عِلّة الْقصاص بِعَينهَا عِلّة الدِّيَة، وَالثَّانِي أَن تكون عِلّة الْقصاص غير عِلّة الدِّيَة لَكِن بَينهمَا تلازم وَأفَاد بقوله (أَو) بعلة أُخْرَى (لَا تلازم مُقْتَض قبل الْكل) وَجها ثَالِثا لَا اتِّحَاد فِيهِ وَلَا تلازم (ويرجح) الْمُعْتَرض ثُبُوته فِي الْفَرْع بعلة أُخْرَى (باتساع مدارك الْأَحْكَام) يَعْنِي على هَذَا التَّقْدِير لَا يلْزم الاتساع فِي الْأَدِلَّة الَّتِي يدْرك بهَا الْأَحْكَام، فَإِن تعدد الْعلَّة تعدد الدَّلِيل (وَهُوَ) أَي اتساع مدارك الْأَحْكَام (أَكثر فَائِدَة، وَجَوَابه) أَي جَوَاب هَذَا السُّؤَال أَن يُقَال (الأَصْل عدم) عِلّة (أُخْرَى، ويرجح الِاتِّحَاد) أَي اتِّحَاد الْعلَّة فِي الحكم الْوَاحِد بالنوع على تعددها (بِأَنَّهَا) أَي الْعلَّة المتحدة (منعكسة) متحققة فِي جَمِيع صور الحكم والمنعكس عِلّة بالِاتِّفَاقِ، بِخِلَاف غَيرهَا، إِذْ الْمُتَّفق عَلَيْهَا أرجح (فَإِن دَفعه) أَي الْمُعْتَرض الْجَواب الْمَذْكُور بِأَنَّهُ

معَارض (بِأَن الأَصْل أَيْضا عدم عِلّة الأَصْل فِي الْفَرْع قَالَ) الْمُسْتَدلّ تعَارض الأصلان فتساقطا غير أَنِّي أَقُول (المتعدية أولى) من القاصرة، وعَلى تَقْدِير اتِّحَاد الْعلَّة فِي الأَصْل وَالْفرع تكون متعدية، وعَلى تَقْدِير التَّعَدُّد قَاصِرَة، وَفِيه بِأَنَّهُ على تَقْدِير التَّعَدُّد لَا يلْزم كَونهَا قَاصِرَة لجَوَاز تعديها إِلَى غير مَحل النزاع فَتَأمل. قَالَ (الْآمِدِيّ وَمِنْه) أَي من الِاسْتِدْلَال (وجد السَّبَب) فَيثبت الحكم فَالْمُرَاد مَا يَتَرَتَّب على وجوده الحكم (و) وجد (الْمَانِع وفقد الشَّرْط) فيعدم الحكم (وَنفي الحكم لانْتِفَاء مدركه) وَهُوَ المُرَاد بِالتَّعْلِيلِ بِالْعدمِ (و) اتّفق (الْحَنَفِيَّة وَكثير) من الْأُصُولِيِّينَ (على نَفْيه) أَي نفي الِاسْتِدْلَال بِأحد هَذِه الْأُمُور الْأَرْبَعَة (إِذْ هُوَ دَعْوَى الدَّلِيل) فَهُوَ بِمَثَابَة وجد دَلِيل الحكم فَيُؤْخَذ فَإِنَّهُ لَا يسمع مَا لم يعين ذَلِك الدَّلِيل (فالدليل وجود الْمعِين مِنْهَا) أَي من الْأُمُور الْمَذْكُورَة من الْمُقْتَضى وَالْمَانِع وفقد الشَّرْط (وَأجِيب بِأَنَّهُ) أَي الْمَذْكُور من قَوْله وجد الحكم إِلَى آخِره (دَلِيل) لِأَنَّهُ عبارَة عَمَّا إِذا سلم لزم مِنْهُ الْمَطْلُوب (بعض مقدماته نظرية) وَهِي الصُّغْرَى (وَالْمُخْتَار أَن لم يثبت ذَلِك) أَي وجود السَّبَب أَو الْمَانِع أَو فقد الشَّرْط (بأحدها) قَالَ الشَّارِح: وَهُوَ سَهْو وَالصَّوَاب بغَيْرهَا يَعْنِي بدل أَحدهَا، وَهَذَا خطأ ظَاهر مِنْهُ لَعَلَّه وَقع فِيهَا لما رأى فِي الشَّرْح العضدي وحاشية الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ عَلَيْهِ من لَفْظَة بغَيْرهَا مُتَعَلقا بالثبوت حَيْثُ قَالَ، وَقيل وَالِاسْتِدْلَال أَن يثبت وجود السَّبَب إِلَى آخِره بِغَيْر الثَّلَاثَة وَلم يفرق بَين كَون الْمُتَعَلّق الثُّبُوت أَو نفي الثُّبُوت، فَإِن نفي الثُّبُوت إِذا قيد بغَيْرهَا يكون حَاصله الثُّبُوت بهَا وَهُوَ خلاف الْمَقْصُود، فسبحان من جزأ الأرنب على الْأسد (فاستدلال وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك (فبأحدها) أَي فَهُوَ ثَابت بأحدها من النَّص وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس، لَا بالاستدلال (وعَلى هَذَا) التَّفْصِيل (يرد الِاسْتِدْلَال مُطلقًا إِلَى أَحدهَا) ليعتد بِهِ شرعا (إِذْ ثُبُوت ذَلِك التلازم) الْمُفَسّر بِهِ أحد أَنْوَاع الِاسْتِدْلَال (لَا بُد فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الثُّبُوت (شرعا) قيد للثبوت: أَي ثبوتا شَرْعِيًّا (مِنْهُ) أَي من أَحدهَا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن ثُبُوته شرعا بأحدها (فَلَيْسَ) ذَلِك الحكم الثَّابِت بِهِ (حكما شَرْعِيًّا، فَالْحق أَنه) أَي الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (كَيْفيَّة اسْتِدْلَال) بِأحد الْأَرْبَعَة: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس (لَا) دَلِيل (آخر غير الْأَرْبَعَة وَتقدم شرع من قبلنَا) قبل فصل التَّعَارُض بمسئلتين (وَيرد إِلَى الْكتاب) لِأَنَّهُ يقص علينا من غير إِنْكَار (وَالسّنة) لمثل مَا ذكرنَا (وَقَول الصَّحَابِيّ) على مَا عرف فِيهِ من التَّفْصِيل (ورد) أَي قَول الصَّحَابِيّ (إِلَى السّنة) كَمَا مر فِي المسئلة الَّتِي يَليهَا فصل التَّعَارُض (ورد الِاسْتِصْحَاب إِلَى مَا بِهِ ثَبت الأَصْل الْمَحْكُوم باستمراره) بِهِ (فَهُوَ) أَي الِاسْتِصْحَاب (الحكم) الظني (بِبَقَاء أَمر تحقق) سَابِقًا (وَلم يظنّ عَدمه) بعد تحَققه (وَهُوَ حجَّة عِنْد الشَّافِعِيَّة وَطَائِفَة من الْحَنَفِيَّة) السمرقنديين: مِنْهُم

أَبُو مَنْصُور الماتريدي، وَاخْتَارَهُ صَاحب الْمِيزَان والحنابلة (مُطلقًا) أَي للإثبات وَالدَّفْع (ونفاه) أَي كَونه حجَّة (كثير) من الْحَنَفِيَّة وَبَعض الشَّافِعِيَّة والمتكلمون (مُطلقًا) فِي الْإِثْبَات وَالدَّفْع (وَأَبُو زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام) وَصدر الْإِسْلَام قَالُوا: هُوَ حجَّة (للدَّفْع) لَا للإثبات. (وَالْوَجْه) أَن يُقَال (لَيْسَ) الِاسْتِصْحَاب (حجَّة) أصلا كَمَا قَالَ الْكثير (وَالدَّفْع اسْتِمْرَار عَدمه) أَي عدم ذَلِك الْأَمر الَّذِي يتَوَهَّم طرده على مَا تحقق وجوده (الْأَصْلِيّ) صفة للعدم (لِأَن مُوجب الْوُجُود لَيْسَ مُوجب بَقَائِهِ) فَإِن الْبَقَاء اسْتِمْرَار الْوُجُود وَصفته، وَعلة الْمَوْصُوف لَا يجب أَن يكون عِلّة لصفته، وَالْمرَاد نفي لُزُوم الِاتِّحَاد بَينهمَا، لَا للُزُوم الْمُغَايرَة، فَلَا يرد أَنه لم لَا يجوز أَن يكون عِلّة الْوُجُود عِلّة الْبَقَاء، وهذاالقدر كَاف فِي التَّعْلِيل، لِأَن حجية الِاسْتِصْحَاب مَوْقُوفَة على كَون مُوجب الْوُجُود مُوجب الْبَقَاء، لِأَن حَاصله إبْقَاء مَا قد تحقق لموجب على مَا كَانَ، وَلَيْسَ عندنَا إِلَّا الْعلم بِوُجُود الْمُوجب للوجود فِيمَا سبق، فَلَو كَانَ يلْزم كَون مُوجب الْوُجُود مُوجب الْبَقَاء كَانَ ذَلِك دَلِيلا على الْبَقَاء وَحَيْثُ لم يلْزم لم يكن للبقاء دَلِيل، وَلذَا قَالَ (فَالْحكم بِبَقَائِهِ) أَي الْوُجُود (بِلَا دَلِيل) فَذكر اسْتِمْرَار الْعَدَم فِي مقَام الدّفع لثُبُوت أَمر طَارِئ على مَا تحقق وجوده إِنَّمَا هُوَ أَمر مَبْنِيّ على ظَاهر الْحَال، وَهُوَ إبْقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ، فَإِن الْعقل إِذا تردد بَين بَقَاء الشَّيْء وزواله وَلم يكن عِنْده مَا يدل على الزَّوَال كَانَ الرَّاجِح من الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْده الْبَقَاء. (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بحجيته مُطلقًا: الحكم بِالْبَقَاءِ أَمر (ضَرُورِيّ لتصرفات الْعُقَلَاء) أَي لصدور تصرفاتهم (بِاعْتِبَارِهِ) لولاه لما صدرت عَنْهُم، ثمَّ بَينهَا بقوله (من إرْسَال الرُّسُل والكتب والهدايا) من بلد إِلَى بلد إِلَى غير ذَلِك، وَلَوْلَا الحكم الظني بِبَقَاء الْمُرْسل إِلَيْهِ مثلا لَكَانَ ذَلِك منعهَا (وَمِنْهُم) أَي من الْقَائِلين بحجيته مُطلقًا (من استبعده) أَي كَونه حجَّة بِالضَّرُورَةِ (فِي مَحل النزاع) فَإِنَّهُ لَو كَانَ ضَرُورِيًّا لما نَازع فِيهِ جم غفير من الْعلمَاء (فعدلوا إِلَى أَنه لَو لم يكن حجَّة لم يجْزم بِبَقَاء الشَّرَائِع مَعَ احْتِمَال الرّفْع) أَي طريان النَّاسِخ، وَاللَّازِم بَاطِل (و) إِلَى (الْإِجْمَاع) أَيْضا (عَلَيْهِ) أَي على الِاسْتِصْحَاب على مَا يظْهر اعْتِبَاره فِي فروع الْمذَاهب كَمَا (فِي نَحْو بَقَاء الْوضُوء وَالْحَدَث والزوجية وَالْملك مَعَ طرُو الشَّك) فِي طريان الضِّدّ (وَأجِيب) عَن الأول (بِمَنْع الْمُلَازمَة لجوازه) أَي الْجَزْم ببقائها وَالْقطع بِعَدَمِ نسخهَا (بِغَيْرِهِ) أَي بِدَلِيل آخر غير الِاسْتِصْحَاب (كتواتر إِيجَاب الْعَمَل فِي كل شَرِيعَة بهَا) أَي بِتِلْكَ الشَّرِيعَة لأَهْلهَا (إِلَى ظُهُور النَّاسِخ وَتلك الْفُرُوع) لَيست مَبْنِيَّة على الِاسْتِصْحَاب بل (لِأَن الْأَسْبَاب توجب أحكاما) من الْوضُوء وَالْحَدَث والزوجية وَالْملك وَغير ذَلِك (ممتدة إِلَى ظُهُور الناقض) فَكَأَن الشَّارِع قَالَ أوجبت الْعَمَل

المقالة الثالثة في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد والإفتاء

بِمُوجب هَذِه الشَّرَائِع مستمرا إِلَى أَن يظْهر النَّاسِخ وَأثبت هَذِه الْأَسْبَاب أحكاما ثَابِتَة مستمرة إِلَى ظُهُور نواقضها (شرعا) فعلى هَذَا بَقَاؤُهَا أَيْضا مَنْصُوص عَلَيْهِ كأصل ثُبُوتهَا، فَلَا حَاجَة إِلَى التَّمَسُّك بالاستصحاب (وَاعْلَم أَن مدَار الْخلاف) فِي كَون الِاسْتِصْحَاب حجَّة أَولا (على أَن سبق الْوُجُود مَعَ عدم ظن الانتفاء هَل هُوَ دَلِيل الْبَقَاء) أَولا (فَقَالُوا) أَي الشَّافِعِيَّة وَمن وافقهم (نعم فَلَيْسَ الحكم بِهِ) أَي بالاستصحاب حكما (بِلَا دَلِيل. و) قَالَ (الْحَنَفِيَّة لَا، إِذْ لَا بُد فِي الدَّلِيل من جِهَة يسْتَلْزم بهَا) الْمَطْلُوب (وَهِي) أَي الْجِهَة المستلزمة لَهُ (منتفية فتفرعت الخلافيات) بَين الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (فيرث الْمَفْقُود) من مَاتَ مِمَّن يَرِثهُ فِي غيبته (عِنْده) أَي الشَّافِعِي باستصحاب حَيَاته الْمُوجبَة لاسْتِحْقَاق الْإِرْث (لَا عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَن الْإِرْث من بَاب الْإِثْبَات، وحياته بالاستصحاب لَا توجب اسْتِحْقَاقه (وَلَا يُورث لِأَنَّهُ) أَي عدم الْإِرْث (دفع) لاسْتِحْقَاق الْإِرْث فَيثبت الِاسْتِصْحَاب (وعَلى مَا حققنا) من أَنه لَيْسَ حجَّة أصلا، فَإِن الدّفع اسْتِمْرَار عَدمه الْأَصْلِيّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (عَدمه) أَي الْإِرْث (أُصَلِّي لعدم) ثُبُوت (سَببه) أَي الْإِرْث (إِذْ لم يثبت مَوته) أَي الْمَفْقُود (وَلَا صلح على إِنْكَار) إِذْ لَا صِحَة لَهُ مَعَ إِنْكَار الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عِنْد الشَّافِعِي (لإِثْبَات اسْتِصْحَاب بَرَاءَة الذِّمَّة) يَعْنِي أَن فَائِدَة الصُّلْح حُصُول بَرَاءَة ذمَّة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ حَاصِل بِدُونِ الصُّلْح، وَلَا شكّ أَن بَرَاءَة الذِّمَّة هُوَ الأَصْل فالاستصحاب الَّذِي هُوَ إبْقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ يثبتها فَلَا يَتَرَتَّب على هَذَا الصُّلْح فَائِدَة وَلَا صِحَة للمعقود بِدُونِ الْفَائِدَة فَلَا صلح على الْإِنْكَار، وَهَذَا الِاسْتِصْحَاب حجَّة للْمُدَّعِي عَلَيْهِ على الْمُدَّعِي لإِثْبَات بَرَاءَة ذمَّة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عِنْد من يحْتَج بِهِ فِي الْإِثْبَات (كاليمين) أَي كَمَا أَن الْيَمين لإِثْبَات بَرَاءَة الذِّمَّة (وَصَحَّ) الصُّلْح على الْإِنْكَار (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَن الِاسْتِصْحَاب لَا يصلح حجَّة للإثبات فَلَا يثبت بَرَاءَة ذمَّة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بالاستصحاب (وَلم تجب الْبَيِّنَة على الشَّفِيع) على إِثْبَات ملك الْمَشْفُوع بِهِ لإنكار المُشْتَرِي الْملك الْمَشْفُوع بِهِ للشَّفِيع عِنْد الشَّافِعِي لِأَنَّهُ متمسك بِالْأَصْلِ، فَإِن الْيَد دَلِيل الْملك فِي الظَّاهِر والتمسك بِالْأَصْلِ يحصل للدَّفْع والإلزام جَمِيعًا عِنْده (وَوَجَبَت) الْبَيِّنَة الْمَذْكُورَة (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَن التَّمَسُّك بِالْأَصْلِ لَا يصلح للالزام إِلَى غير ذَلِك من الخلافيات قد فرغ من المبادئ والأدلة السمعية وَشرع فِي مبَاحث الِاجْتِهَاد فَقَالَ: الْمقَالة الثَّالِثَة فِي الِاجْتِهَاد وَمَا يتبعهُ من التَّقْلِيد والإفتاء (هُوَ) أَي الِاجْتِهَاد (لُغَة بذل الطَّاقَة) أَي استفراغ الْقُوَّة بِحَيْثُ يحس بِالْعَجزِ عِنْد الْمَزِيد (فِي تَحْصِيل ذِي كلفة) أَي مشقة، يُقَال: اجْتهد فِي حمل الصَّخْرَة

وَلَا يُقَال اجْتهد فِي حمل النواة (وَاصْطِلَاحا: ذَلِك) أَي بذل الطَّاقَة (من الْفَقِيه) وَقد مر تَفْسِيره فِي أول الْكتاب (فِي تَحْصِيل حكم شَرْعِي ظَنِّي) فبذلها من غَيره كالعامي خَارج عَن الِاجْتِهَاد وَخرج أَيْضا بذل طَاقَة الْفَقِيه فِي غير حكم كالعبادة مثلا، وبذله طاقته فِي حكم غير شَرْعِي من حسي أَو عَقْلِي، وَإِنَّمَا قَالَ ظَنِّي لِأَن الْقطعِي لَا اجْتِهَاد فِيهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ. وَفِي قَوْله حكم إِشْعَار بِأَن استغراق الْأَحْكَام لَيْسَ بِشَرْط فِي تحقق حَقِيقَة الِاجْتِهَاد كَمَا لَا يلْزم إحاطة الْمُجْتَهد جَمِيع الْأَحْكَام ومداركها بِالْفِعْلِ، لِأَن ذَلِك خَارج عَن طوق الْبشر (وَنفي الْحَاجة إِلَى قيد الْفَقِيه) كَمَا ذكره التَّفْتَازَانِيّ (للتلازم بَينه) أَي بَين الْفَقِيه (وَبَين الِاجْتِهَاد) فَإِنَّهُ لَا يصير فَقِيها إِلَّا بِهِ وَلذَا لم يذكرهُ الْغَزالِيّ والآمدي (سَهْو لِأَن الْمَذْكُور) فِي التَّعْرِيف إِنَّمَا هُوَ (بذل الطَّاقَة لَا الِاجْتِهَاد) وَكَيف يذكر الِاجْتِهَاد فِي تَعْرِيف نَفسه، وَكَأن المُصَنّف أغمض عَن هَذَا (وَيتَصَوَّر) بذل الطَّاقَة (من غَيره) أَي الْفَقِيه (فِي طلب حكم) شَرْعِي، وَلَا يبعد أَن يُقَال بذل الوسع لَا يتَحَقَّق إِلَّا بتحصيل جَمِيع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ استنباط ذَلِك الحكم، وَعند ذَلِك يصير مُجْتَهدا فِيهِ فَتَأمل (وشيوع) إِطْلَاق (الْفَقِيه لغيره) أَي الْمُجْتَهد (مِمَّن يحفظ الْفُرُوع) إِنَّمَا هُوَ (فِي غير اصْطِلَاح الْأُصُول، ثمَّ هُوَ) أَي هَذَا التَّعْرِيف لَيْسَ تعريفا للِاجْتِهَاد مُطلقًا، بل هُوَ (تَعْرِيف لنَوْع من الِاجْتِهَاد) وَهُوَ الِاجْتِهَاد فِي الحكم الشَّرْعِيّ العملي الظني (لِأَن مَا) يَقع من بذل الوسع (فِي العقليات) من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الاعتقادية (اجْتِهَاد) عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (غير أَن الْمُصِيب) فِيهَا من الْمُخَالفين (وَاحِد) بِاتِّفَاق المصوبة والمخطئة (والمخطئ آثم، وَالْأَحْسَن) فِيهَا تعميمه (أَي التَّعْرِيف بِحَيْثُ يعم العمليات والاعتقاديات ظنية كَانَت أَو قَطْعِيَّة (بِحَذْف) قيد (ظَنِّي) من التَّعْرِيف. (ثمَّ يَنْقَسِم) الِاجْتِهَاد (من حَيْثُ الحكم) الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ (إِلَى) اجْتِهَاد (وَاجِب (عينا على) الْمُجْتَهد (الْمَسْئُول) عَن حكم حَادث (إِذا خَافَ) أَي الْمُجْتَهد (فَوت الْحَادِثَة) أَي فَوت آداء مَا وَجب على المستفتى فِي تِلْكَ الْحَادِثَة على غير الْوَجْه الشَّرْعِيّ، حَال عَن الْحَادِثَة: أَي وُقُوعهَا على خلاف الشَّرْع فَإِنَّهُ يتَعَيَّن حِينَئِذٍ على الْمَسْئُول الِاجْتِهَاد فِيهَا فَوْرًا لِأَن حِوَالَة المستفتى إِلَى مُجْتَهد آخر يُوجب فَوتهَا (وَفِي حق نَفسه إِذا نزلت الْحَادِثَة بِهِ) مَعْطُوف على قَوْله على الْمَسْئُول: أَي وَإِلَى وَاجِب وجوبا عينيا لحق نَفسه، فكلمة فِي تعليلية، وَحِينَئِذٍ إِن خَافَ فَوت الْحَادِثَة يجب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ فَوْرًا وَإِلَّا على التَّرَاخِي (وكفاية) مَعْطُوف على عينا: أَي وَإِلَى اجْتِهَاد وَاجِب كِفَايَة على الْمَسْئُول فِي حق غَيره (لَو لم يخف) فَوت الْحَادِثَة على غير الْوَجْه (وَثمّ غَيره) من الْمُجْتَهدين فَيتَوَجَّه الْوُجُوب على جَمِيعهم حَتَّى لَو أَمْسكُوا مَعَ اقتدارهم على الْجَواب أثموا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فيأثمون بِتَرْكِهِ) أَي الِاجْتِهَاد حَيْثُ لَا عذر لَهُم (وَيسْقط) الْوُجُوب عَن الْكل

(بفتوى أحدهم، وعَلى هَذَا) أَي على سُقُوط الْوُجُوب بفتوى أحدهم لَو أَن مُجْتَهدا ظن خطأ الْمُفْتِي فِيمَا أصَاب بِهِ (لَا يجب على من ظَنّه) أَي الْجَواب (خطأ) الِاجْتِهَاد فِيهِ لسُقُوط الْوُجُوب بذلك الِاجْتِهَاد المظنون كَونه خطأ إِذا كَانَ فِي قَضيته شُهُود يحصل الْغَرَض ببعضهم، ذكرُوا أَنه يجب الْإِجَابَة إِذا طلب الْأَدَاء من الْبَعْض فَيحْتَاج إِلَى إتْيَان الْفرق، وَقيل الْعلَّة أَن الْفَتْوَى تحْتَاج إِلَى تَأمل وفكر والمشوشات كَثِيرَة بِخِلَاف الشَّهَادَة، وَفِيه مَا فِيهِ (وَكَذَلِكَ حكم تردد بَين قاضيين) أَي إِذا رفعت قَضِيَّة إِلَيْهِمَا وَجب الحكم وَفصل الْخُصُومَة عَلَيْهِمَا كِفَايَة، إِن تركا أثما وَإِن حكم أحدهم سقط عَنْهُمَا فالمشبه الحكم المتردد بَين القاضيين، والمشبه بِهِ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله كَذَا الاستفتاء المتردد بَين الْمُجْتَهدين، وَمن قيد كَون القاضيين فِي هَذَا الْمحل مجتهدين مشتركين فِي النّظر فِي الحكم الْمَذْكُور وَجعل وَجه الشّبَه وجوب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِمَا كِفَايَة، فقد ارْتكب تَكْرَارا مَعَ أَنه لَا يبْقى حِينَئِذٍ للْقَضَاء وَالْحكم مدْخل (أَيهمَا حكم بِشَرْطِهِ) الْمُعْتَبر شرعا (سقط) الْوُجُوب عَنْهُمَا (ومندوب) مَعْطُوف على وَاجِب وَهُوَ مَا يَقع (قبلهمَا) أَي قبل وُجُوبه عينا ووجوبه كِفَايَة لما ذكر أَو قبل السُّؤَال ونزول الْحَادِثَة بِهِ ليَكُون حَاضرا عِنْده فينفعه عِنْد الْحَادِثَة، ومناسب الْوَجْه الثَّانِي قَوْله (وَمَعَ سُؤال فَقَط) من غير نزُول الْحَادِثَة (و) إِلَى (حرَام) وَهُوَ الِاجْتِهَاد (فِي مُقَابلَة) دَلِيل (قَاطع) من (نَص) كتاب أَو سنة (أَو إِجْمَاع وَشرط مطلقه) أَي الِاجْتِهَاد فِي حق الْمُجْتَهد (بعد صِحَة إيمَانه) بِمَا يجب أَن يُؤمن بِهِ إِجْمَالا أَو تَفْصِيلًا (معرفَة محَال جزئيات مفاهيم الألقاب الاصطلاحية الْمُتَقَدّمَة للمتن من شخص الْكتاب وَالسّنة) قد سبق أَن للْكتاب مفهوما كليا هُوَ اللَّفْظ الْعَرَبِيّ الْمنزل للتدبر والتذكر الْمُتَوَاتر وللسنة كَذَلِك من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفعله وَتَقْرِيره، وشخص كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا صدق عَلَيْهِ، وَكلمَة من بَيَانِيَّة للمتن الْمُطلق، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الْمُتُون المصنفة فِي الْعُلُوم المبينة بالشروح والحواشي الْمَأْخُوذَة من الْمَتْن بِمَعْنى الظّهْر، فَإِن ظهر الشَّيْء أَصله، إِذْ الألقاب الاصطلاحية بدل الْأَلْفَاظ المصطلحة للأصوليين، وَإِنَّمَا سميت ألقابا لدلالتها على مسمياتها على وَجه يشْعر بمعان مَقْصُودَة للأصولي من تِلْكَ المسميات تشبها لَهَا بِالْأَلْقَابِ الَّتِي هِيَ نوع من الْأَعْلَام دَالَّة على مدح أَو ذمّ وَلَا شكّ أَن لتِلْك الألقاب مفهومات كُلية، ولتلك المفهومات أَفْرَاد هِيَ جزئياتها، ولتلك الجزئيات محَال هِيَ الْآيَات والتراكيب الْمعينَة الْمُشْتَملَة عَلَيْهَا، فمعرفة الْمحَال الْمَذْكُورَة من شخص الْكتاب وَالسّنة شَرط فِي مُطلق الِاجْتِهَاد، وَيحْتَمل أَن تكون من تبعيضية، فَإِن الْمحَال الْمَذْكُورَة بعض من شخص الْكتاب وَالسّنة، وَيُؤَيّد الأول قَوْله فِيمَا بعد من التَّوَاتُر (فِي الظُّهُور كَالظَّاهِرِ وَالْعَام والخفاء كالخفي، والمجمل: وَهِي أَقسَام اللُّغَة متْنا واستعمالا) فَإِن قلت: قَوْله فِي الظُّهُور

بِمَ يتَعَلَّق؟ وَكَيف جمع بَين الظَّاهِر وَالْعَام؟ وَكَيف اكْتفى بِمَا ذكر؟ وَقد ذكر فِي المبادئ اللُّغَوِيَّة للمفرد انقسامات بِاعْتِبَار ذَاته ودلالته ومقايسته لمفرد آخر، ومدلوله واستعماله، وإطلاقه وتقييده، وَجعل الظَّاهِر وَالنَّص والمفسر والمؤول والمحكم من تقسيمه من اعْتِبَار ظُهُور الدّلَالَة. والخفي الْمُشكل، والمجمل والمتشابه من تقسيمه بِاعْتِبَار الْمَوْضُوع لَهُ قلت: أما قَوْله فِي الظُّهُور فمتعلق بقوله الاصطلاحية، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الألقاب المصطلحة فِي جَانب الظُّهُور وَفِي جَانب الخفاء أَو بقوله الْمُتَقَدّمَة، والمآل وَاحِد، وَلم يرد بالظهور مَا هُوَ مصطلح الْأُصُول حَتَّى يسْتَشْكل بِجمع الْعَام مَعَ الظَّاهِر، بل الْمَعْنى اللّغَوِيّ. وَلَا شكّ أَن كل وَاحِد من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة فِي كل وَاحِد من التقسيمات الْمَذْكُورَة لَا يَخْلُو من أَن يكون ظَاهرا بِحَسب الْفَهم أَو خفِيا، بل ذكر الْعَام مَعَ الظَّاهِر إِشْعَار بِأَنَّهُ لم يرد بالظهور مَا هُوَ المصطلح، وَأما الِاكْتِفَاء فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بصدد تَفْصِيل الْأَقْسَام، وَإِنَّمَا ذكر مَا ذكره على سَبِيل التَّمْثِيل، وَقَوله متْنا واستعمالا تمييزان عَن نِسْبَة الْأَقْسَام إِلَى اللُّغَة، فَإِن اللُّغَة، وَهُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع تَارَة يَنْقَسِم بِاعْتِبَار وَضعه، فالخارج من هَذَا التَّقْسِيم أقسامها متْنا، وَتارَة بِاعْتِبَار اسْتِعْمَالهَا، فالخارج من أقسامها اسْتِعْمَالا، وكونهما مُتَعَلقين بالظهور والخفاء خلاف الظَّاهِر، وَالْمرَاد بمعرفتها أَن يتَمَكَّن من الرُّجُوع إِلَيْهَا عِنْد طلب الحكم كَمَا جزم بِهِ غير وَاحِد: مِنْهُم الإِمَام الرَّازِيّ، ثمَّ قيل هُوَ من الْكتاب خَمْسمِائَة آيَة مَشى عَلَيْهَا الْغَزالِيّ وَابْن الْعَرَبِيّ، وَمن السّنة خَمْسمِائَة حَدِيث، وَقيل: ثَلَاثَة آلَاف. وَعَن أَحْمد ثلثمِائة ألف على الِاحْتِيَاط والتغليظ فِي الْفتيا. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ: لَا يشْتَرط استحضار جَمِيع مَا ورد فِي ذَلِك الْبَاب، إِذْ لَا يُمكن الْإِحَاطَة، وَقد اجْتهد عمر وَغَيره من الصَّحَابَة فِي مسَائِل كَثِيرَة وَلم يستحضروا فِيهَا الْمَنْصُوص حَتَّى رويت لَهُم فَرَجَعُوا إِلَيْهَا، وَأما فِي الْقُرْآن، فَقيل يتَوَقَّف على معرفَة الْجَمِيع، لِأَن الْمُجْتَهدين يتفاوتون فِي استنباط الْأَحْكَام من الْآيَات باخْتلَاف القرائح والأذهان وَمَا يَفْتَحهُ الله تَعَالَى على عباده. وَقيل غَالب الْقُرْآن لَا يَخْلُو من أَن يستنبط مِنْهُ حكم شَرْعِي (لاحفظها) مَعْطُوف على معرفَة الْمحَال: أَي الشَّرْط مَعْرفَتهَا على الْوَجْه الْمَذْكُور لأحفظها عَن ظهر الْغَيْب، وَقيل يجب حفظ مَا اخْتصَّ بِالْأَحْكَامِ من الْقُرْآن. وَنقل عَن كثير من أهل الْعلم لُزُوم حفظ الْقُرْآن، لِأَن الْحَافِظ أضبط لمعانيه من النَّاظر فِيهِ، وَنقل فِي الْمُسْتَوْعب عَن الشَّافِعِي (وللسند من الْمُتَوَاتر والضعيف وَالْعدْل والمستور وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل) قَوْله وللسند مَعْطُوف على قَوْله للمتن، يَعْنِي وَشرط معرفَة محَال جزئيات مفاهيم الألقاب الاصطلاحية الْمُتَقَدّمَة فِي مبَاحث السّنيَّة للسند: أَي لَا بُد لَهُ من معرفَة المصطلحات الْمُتَعَلّقَة بالسند، وَهُوَ الْإِخْبَار عَن طَرِيق الْمَتْن، فبعضها أَقسَام للسند كالمتواتر والضعيف، وَبَعضهَا أَقسَام لمتعلق السَّنَد، وَهُوَ الرَّاوِي كالعدل والمستور

وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل إِن فسرا بالجروح وَالْعدْل. قَالُوا: والبحث فِي زَمَاننَا عَن أَحْوَال الروَاة مَعَ طول الْمدَّة وَكَثْرَة الوسائط كالمتعذر، فَالْأولى الِاكْتِفَاء بتعديل الْأَئِمَّة الْمَعْرُوف صِحَة مَذْهَبهم فِي التَّعْدِيل وَالْجرْح (وَعدم الْقَاطِع) بِالرَّفْع عطفا على الْمعرفَة، وَهُوَ الدَّلِيل الْقطعِي المتحقق فِي مَحل الحكم (و) عدم (النّسخ) لما يقْصد استنباط الحكم مِنْهُ من الْكتاب وَالسّنة، فَلَزِمَ من هَذَا معرفَة مواقع الْإِجْمَاع، لِأَن الْإِجْمَاع دَلِيل قَطْعِيّ، وَشرط الِاجْتِهَاد أَن لَا يكون خلاف مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد مَقْطُوعًا بِهِ (و) شَرط (الْخَاص) بِالْجَرِّ عطفا على مطلقه (مِنْهُ) أَي من الِاجْتِهَاد معرفَة (مَا يحْتَاج إِلَيْهِ) الْمُجْتَهد بِالِاجْتِهَادِ الْخَاص: أَي الْمُقَيد بِبَعْض الْأَحْكَام (من) جملَة (ذَلِك) الْمَذْكُور من متن الْكتاب وَالسّنة والسند، والظرف حَال من الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى الْمَوْصُول (فِيمَا) يَقع (فِيهِ) ذَلِك الِاجْتِهَاد، وَالْخَاص ظرف للاحتياج (كَذَا) أَي كَمَا ذكرنَا من الِاقْتِصَار على معرفَة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْخَاص مِنْهُ، وَوَقع (لكثير) من الْمَشَايِخ فِي بَيَان هَذَا الشَّرْط (بِلَا حِكَايَة عدم جَوَاز تجزي الِاجْتِهَاد) فَعدم حكايتهم ذَلِك يدل على أَنه لم يثبت عِنْدهم خلاف فِي جَوَاز التجزي (كَأَنَّهُمْ لَا يعرفونها) فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن حكايته أَمر مُتَحَقق، غير أَنهم مَا يعرفونها، وَإِلَى أَنه لَيْسَ لَهَا اشتهار تَامّ فَهُوَ دَلِيل على قُوَّة القَوْل بِجَوَاز التجزي (وَعَلِيهِ) على جَوَازه (فرع) أَنه يجوز (اجْتِهَاد الفرضي) نِسْبَة إِلَى الْفَرَائِض، فَإِن النِّسْبَة إِلَى الْجمع فِي علم الْفَرَائِض ترده إِلَى الأَصْل، وإلحاق الْيَاء (فِي) علم (الْفَرَائِض دون غَيره) أَي من غير أَن يجْتَهد فِي غير علم الْفَرَائِض من الْعُلُوم لعدم بُلُوغه رُتْبَة الِاجْتِهَاد فِيهَا (وَقد حكيت) هَذِه المسئلة ذكر فِيهَا الْجَوَاز، وَهُوَ قَول بعض أَصْحَابنَا ومختار الْغَزالِيّ، وَنسبه السُّبْكِيّ وَغَيره إِلَى الْأَكْثَر وَقَالَ أَنه الصَّحِيح. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: هُوَ الْمُخْتَار، وَسَيذكر المُصَنّف أَنه الْحق. (وَاخْتَارَ طَائِفَة نَفْيه) أَي نفي جَوَاز التجزي (مُطلقًا لِأَنَّهُ) أَي الْمُجْتَهد (وَإِن ظن حُصُول كل مَا يَحْتَاجهُ) أَي إِلَيْهِ (لَهَا) أَي للمسئلة الْمُجْتَهد فِيهَا (احْتمل غيبَة بعضه) أَي بعض مَا يحْتَاج إِلَيْهِ (عَنهُ) أَي الْمُجْتَهد صلَة الْغَيْبَة. كلمة أَن وصلية، تَقْدِير الْكَلَام احْتمل وَإِن ظن، ثمَّ رد هَذَا التَّعْلِيل بقوله (وَهَذَا الِاحْتِمَال) أَي احْتِمَال غيبَة بعض الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي الِاجْتِهَاد الْخَاص (كَذَلِك) أَي كاحتمال غيبَة بعض الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي الِاجْتِهَاد (الْمُطلق) فَإِن كَانَ مَانِعا من جَوَاز الِاجْتِهَاد هَهُنَا كَانَ مَانِعا هُنَاكَ، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْفرق بَينهمَا بقوله (لكنه) أَي الِاحْتِمَال الْمَذْكُور (يضعف فِي حَقه) أَي الْمُجْتَهد الْمُطلق لِأَن غيبَة الْبَعْض لَا تنفد فِي حَقه (ل) عدم (سعته) التَّامَّة (ويقوى فِي غَيره، وَقد يمْنَع التَّفَاوُت) بَينهمَا بِاعْتِبَار الْقُوَّة والضعف (بعد كَون الآخر) الَّذِي لَيْسَ بمجتهد مُطلقًا (قَرِيبا) من رُتْبَة الْمُجْتَهد الْمُطلق محصلا فِيمَا يخص بِهِ فِي جَمِيع مَا حصله الْمُطلق: وَلذَلِك ترى أَن من صرف عمره

مسئلة

فِي فن وَاحِد أوسع إحاطة فِيمَا يتَعَلَّق بفنه من المتفنن (بل) الْمُجْتَهد الْخَاص (مثله) أَي الْمُطلق فِيهِ (وسعته) أَي الْمُطلق (بِحُصُول مواد أُخْرَى) لَا دخل لَهَا فِيمَا يجْتَهد فِيهِ الْمُجْتَهد الْخَاص (لَا توجبه) أَي التَّفَاوُت فِي الِاحْتِمَال: أَي فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمَطْلُوب الْخَاص (فَإِذا وَقع) الِاجْتِهَاد (فِي) مسئلة (صلوية) أَي مُتَعَلقَة بِالصَّلَاةِ (وَفرض) وجود جَمِيع (مَا يحْتَاج إِلَيْهَا) الْمُجْتَهد فِيهَا (من الْأَدِلَّة وَالْقَوَاعِد) الْمُتَعَلّقَة بكيفية استنباطها (فسعة الآخر) أَي الْمُطلق (بِحُضُور مواد) الْأَحْكَام (البيعيات والغصبيات شَيْء آخر) لَا دخل لَهُ فِي إِيجَاب التَّفَاوُت بَين الِاجْتِهَاد الْمُطلق وَالْخَاص فِي الصلوية. (وَأما مَا قيل) من قبل المثبتين للتجزي (لَو شَرط) فِي الْخَاص مَا شَرط فِي الْمُطلق (شَرط فِي الِاجْتِهَاد الْعلم بِكُل المآخذ) بِمَا ذكر من الْكتاب وَالسّنة (وَيلْزم) الْعلم بِكُل المآخذ (علم كل الْأَحْكَام فَمَمْنُوع الْمُلَازمَة) مَا بعد الْفَاء جَوَاب أما، وَخبر الْمَوْصُول، يَعْنِي لَا نسلم أَن الْعلم بِكُل المآخذ يسْتَلْزم الْعلم بِكُل الْأَحْكَام (للْوَقْف بعده على الِاجْتِهَاد) يَعْنِي أَن الْعلم بِالْأَحْكَامِ يتَوَقَّف بعد حُصُول الْعلم بالمآخذ على أَمر آخر، وَهُوَ الِاجْتِهَاد، غَايَة الْأَمر أَنه يحصل بِالْعلمِ بالمآخذ التَّمَكُّن من الْعلم بِالْأَحْكَامِ، وَأما حُصُول الْعلم بِالْأَحْكَامِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّمَا يكون بعد الِاجْتِهَاد فِي كل وَاحِد وَهُوَ ظَاهر. (وَأما الْعَدَالَة) فِي الْمُجْتَهد (فَشرط قبُول فتواه) لِأَنَّهُ لَا يقبل قَول الْفَاسِق فِي الديانَات، لَا شَرط صِحَة الِاجْتِهَاد لجَوَاز أَن يكون لِلْفَاسِقِ قُوَّة الِاجْتِهَاد فَلهُ أَن يجْتَهد لنَفسِهِ، وَلَا يشْتَرط أَيْضا الْحُرِّيَّة وَلَا الذُّكُورَة وَلَا علم الْكَلَام وَلَا علم الْفِقْه. مسئلة (الْمُخْتَار عِنْد الْحَنَفِيَّة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَأْمُور) فِي حَادِثَة لَا وَحي فِيهَا (بانتظار الْوَحْي أَولا) أَي فِي أول زمَان وُقُوع الْحَادِثَة (مَا كَانَ راجيه) أَي مَا دَامَ كَونه راجيا نزُول الْوَحْي (إِلَى خوف فَوت الْحَادِثَة) على غير الْوَجْه الشَّرْعِيّ (ثمَّ بِالِاجْتِهَادِ) أَي تمّ بعد تحقق الْخَوْف مَأْمُور بِالِاجْتِهَادِ (وَهُوَ) أَي الِاجْتِهَاد (فِي حَقه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يخص) أَي الِاجْتِهَاد (الْقيَاس بِخِلَاف غَيره) من الْمُجْتَهدين فَإِنَّهُ لَا يخص اجتهادهم الْقيَاس: أما فِي الْقيَاس فَظَاهر، وَأما فِي غَيره (فَفِي دلالات الْأَلْفَاظ) أَي فقد يكون الِاجْتِهَاد فِي دلَالَة الْأَلْفَاظ على مَا هُوَ المُرَاد مِنْهَا أَيْضا كَمَا فِي الْمُجْمل والمشكل، والخفي والمتشابه على قَول من يَقُول: إِن الراسخين فِي الْعلم يعلمُونَ تَأْوِيله، فَإِن الخفاء يستدعى كَون المُرَاد نظريا مُحْتَاجا إِلَى نظر واجتهاد، وَأما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالْمُرَاد عِنْده ظَاهر بَين لَا يحْتَاج إِلَى نظر واجتهاد مِنْهُ (و) فِي (الْبَحْث عَن

مُخَصص الْعَام، وَالْمرَاد من الْمُشْتَرك وباقيها) أَي وَبَاقِي الْأَقْسَام الَّتِي فِي دلالتها خَفَاء من الْمُجْمل وأخواته: أما الْبَحْث عَن مُخَصص الْعَام فَلِأَن احْتِمَال التَّخْصِيص غير التَّخْصِيص بعيد، وَلذَا قيل: مَا من عَام إِلَّا وَخص مِنْهُ الْبَعْض وَأما الْبَحْث عَن المُرَاد من الْمُشْتَرك فَلَا بُد مِنْهُ وَهُوَ ظَاهر، وكل ذَلِك ظَاهر عِنْده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحْتَاج إِلَى نظر وفكر (و) فِي (التَّرْجِيح) لأحد الدَّلِيلَيْنِ (عِنْد التَّعَارُض) بَينهمَا (لعدم علم الْمُتَأَخر) مِنْهُمَا، يَعْنِي لَا بُد من الْمُتَأَخر فِي نفس الْأَمر غير أَنه لَيْسَ بِمَعْلُوم عِنْد الْمُجْتَهد، وَلَا يتَصَوَّر عدم الْعلم بالمتأخر فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، (فَإِن أقرّ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده عِنْد خوف فَوت الْحَادِثَة (أوجب) إِقْرَاره عَلَيْهِ (الْقطع بِصِحَّتِهِ) أَي بِصِحَّة مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده لِأَنَّهُ لَا يقر على الْخَطَأ (فَلم تجز مُخَالفَته) أَي مَا أقرّ عَلَيْهِ (بِخِلَاف غَيره من الْمُجْتَهدين) فَإِنَّهُ تجوز مُخَالفَته إِلَى اجْتِهَاد آخر لاحْتِمَال الْخَطَأ والقرار عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَي اجْتِهَاده الْمقر عَلَيْهِ (وَحي بَاطِن) على مَا عَلَيْهِ فَخر الْإِسْلَام وَغَيره، وَسَماهُ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ بِمَا يشبه الْوَحْي (وَالْوَحي عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة أَرْبَعَة: (بَاطِن) وَهُوَ (هَذَا، وَظَاهر) وَهُوَ (ثَلَاثَة: مَا يسمعهُ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من الْملك شفاها) من شافهه: أَي أدنى شفته من شفته، وَالْمرَاد سَمَاعه من الْملك بِغَيْر وسط مَعَ علمه بِأَنَّهُ ملك، وَالْمرَاد بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لقَوْله تَعَالَى - {قل نزله روح الْقُدس} - مَعَ قَوْله تَعَالَى - {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} - (أَو) مَا (يُشِير إِلَيْهِ) الْملك، فَقَوله يُشِير مَعْطُوف على يسمع (إِشَارَة مفهمة) للمراد من غير بَيَان بالْكلَام (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم من الْوَحْي (المُرَاد بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن روح الْقُدس نفث فِي ورعى أَن نفسا لن تَمُوت حَتَّى تستوفى رزقها، الحَدِيث) فِي الْقَامُوس: النفث كالنفخ، وَأَقل من التفل، وَالْمرَاد إِلْقَاء معنى فِي الْقلب كالنفخ، وَأَقل من التفل، والروع بِالضَّمِّ: الْقلب، أَو مَوضِع الْفَزع مِنْهُ (أَو) مَا (يلهمه، وَهُوَ) أَي الإلهام (إِلْقَاء معنى فِي الْقلب بِلَا وَاسِطَة عبارَة الْملك وإشارته مقرون) بِالرَّفْع على أَنه صفة لإلقاء، أَو بِالْجَرِّ على أَنه صفة لِمَعْنى (بِخلق علم ضَرُورِيّ أَنه) أَي ذَلِك الْمَعْنى (مِنْهُ تَعَالَى) وَأَن مَعَ اسْمه وَخَبره مُتَعَلق الْعلم الضَّرُورِيّ: أَي إِلْقَاء الْمَعْنى على الْوَجْه الْمَذْكُور (وَجعله حَيا ظَاهرا) مَعَ خفائه (إِذْ فِي) الْوَحْي الظَّاهِر الَّذِي يسمعهُ من (الْملك) شفاها (لَا بُد من خلق) الْعلم (الضَّرُورِيّ أَنه) أَي الَّذِي جَاءَ بِالْوَحْي (هُوَ) أَي الْملك، فشاركه فِيمَا هُوَ مدَار الْأَمر، وَإِن خَالفه بِعَدَمِ المشافهة فَهُوَ جدير بِأَن يلْحق بِهِ فِي الظُّهُور (وَلذَا) أَي وَلكَون إلهامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحيا ظَاهرا (كَانَ حجَّة قَطْعِيَّة عَلَيْهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وعَلى غَيره) كَمَا أَن الشفاهي والإشاري حجَّة عَلَيْهِمَا (بِخِلَاف إلهام غَيره) من الْمُسلمين فَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَحْي. وَقَالَ الشَّارِح

فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا حجَّة فِي حق الْأَحْكَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى الملهم وَغَيره، وَهَذَا فِي الْمِيزَان معزو إِلَى قوم من الصُّوفِيَّة، بل عزى إِلَى صنف من الرافضة لقبوا بالجعفرية أَنه لَا حجَّة سواهُ ثَانِيهَا حجَّة عَلَيْهِ لَا على غَيره: أَي يجب على الملهم الْعَمَل بِهِ، وَلَا يجوز أَن يَدْعُو إِلَيْهِ غَيره، وَعَزاهُ فِي الْمِيزَان إِلَى عَامَّة الْعلمَاء، وَمَشى عَلَيْهِ الإِمَام السهروردي، وَاعْتَمدهُ الإِمَام الرَّازِيّ فِي أَدِلَّة الْقبْلَة وَابْن الصّباغ من الشَّافِعِيَّة، قَالَ: وَمن علامته أَن ينشرح لَهُ الصَّدْر، وَلَا يُعَارضهُ معترض من خاطر آخر. (ثَالِثهَا) أَي ثَالِث الْأَقْوَال فِي إلهام غَيره وَهُوَ (الْمُخْتَار فِيهِ) أَي فِي إلهام غَيره أَنه (لَا حجَّة عَلَيْهِ) أَي على الملهم (وَلَا) على (غَيره لعدم مَا يُوجب نسبته) أَي نِسْبَة مَا ألهم بِهِ (إِلَيْهِ تَعَالَى) فَإِن قيل: الْمُوجب مَوْجُود، وَهُوَ الْعلم الضَّرُورِيّ بِأَنَّهُ من الله تَعَالَى قُلْنَا: لَيْسَ بمعصوم من أَن يكون مَا يحسبه من الله تَعَالَى بِالضَّرُورَةِ من الشَّيْطَان فِي نفس الْأَمر فَلَا يعْتَمد عَلَيْهِ إِلَّا إِذا قَامَ لَهُ حجَّة من الْكتاب أَو السّنة (وَالْأَكْثَر) أَي أَكثر أهل الْعلم على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَأْمُورا (بِالِاجْتِهَادِ مُطلقًا) فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والحروب والأمور الدِّينِيَّة من غير تَقْيِيد بِشَيْء مِنْهَا، أَو من غير تَقْيِيد بانتظار الْوَحْي، وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَعَامة أهل الحَدِيث، وَنقل عَن أبي يُوسُف: كَذَا نقل الشَّارِح عَن شرح البديع (وَقيل) الْقَائِل الأشاعرة وَأكْثر الْمُعْتَزلَة والمتكلمين (لَا) يَصح أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَأْمُورا بِالِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة. ثمَّ عَن الجبائي وَابْنه أَنه غير جَائِز عَلَيْهِ عقلا. وَعَن غَيرهمَا جَائِز عقلا وَلكنه لم يتعبد بِهِ شرعا، وَقيل كَانَ لَهُ الِاجْتِهَاد فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة والحروب دون الْأَحْكَام (وَقيل) كَانَ لَهُ الِاجْتِهَاد (فِي الحروب فَقَط) وَهُوَ محكي عَن القَاضِي والجبائي (لقَوْله تَعَالَى - {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} - عوتب على الْإِذْن لما ظهر نفاقهم فِي التَّخَلُّف عَن غَزْوَة تَبُوك، وَلَا عتب فِيمَا عَن الْوَحْي، فَكَانَ عَن اجْتِهَاد لِامْتِنَاع كَونه عَن تشه، وَدفعه السُّبْكِيّ بِأَنَّهُ كَانَ مُخَيّرا فِي الْأذن وَعَدَمه. قَالَ تَعَالَى - {فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم} - فَلَمَّا أذن أعلمهُ بِمَا لم يطلع عَلَيْهِ من شرهم أَنه لَو لم يَأْذَن لَهُم لقعدوا، وَأَنه لَا حرج عَلَيْهِ فِيمَا فعل وَلَا خطأ. قَالَ الْقشيرِي: وَمن قَالَ: الْعَفو لَا يكون إِلَّا عَن ذَنْب فَهُوَ غير عَار بِكَلَام الْعَرَب، وَإِنَّمَا معنى - {عَفا الله عَنْك} - لم يلزمك ذَنْب كَمَا عَفا فِي صَدَقَة الْخَيل وَلم يجب عَلَيْهِم ذَلِك قطّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَنه عتاب على ترك الأولى (و) لقَوْله تَعَالَى {لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم} - فَإِنَّهَا نزلت فِي فدَاء أُسَارَى بدر، فَإِنَّهُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر وَعمر مَا ترَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ فَقَالَ أَبُو بكر: هم بَنو الْعم وَالْعشيرَة أرى أَن تَأْخُذ مِنْهُم فديَة فَتكون لنا قُوَّة على الْكفَّار فَعَسَى الله أَن يهْدِيهم لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

مَا ترى يَا بن الْخطاب؟ قَالَ قلت لَا يَا رَسُول الله مَا أرى الَّذِي رأى أَبُو بكر وَلَكِن أرى أَن تمكننا فَنَضْرِب أَعْنَاقهم، فَتمكن عليا من عقيل فَيضْرب عُنُقه، وتمكنني من فلَان نسيب لعمر فَأَضْرب عُنُقه، فَإِن هَؤُلَاءِ أَئِمَّة الْكفْر وَصَنَادِيدهَا، فهوى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ أَبُو بكر وَلم يَهو مَا قلت، فَلَمَّا كَانَ من الْغَد جِئْت فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر قاعدان يَبْكِيَانِ، قلت: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي من أَي شَيْء تبْكي أَنْت وَصَاحِبك؟ فَإِن وجدت بكاء بَكَيْت وَإِلَّا تَبَاكَيْت لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبْكِي للَّذي عرض على أَصْحَابك من أَخذهم الْفِدَاء لقد عرض عَليّ عَذَابهمْ أدنى من هَذِه الشَّجَرَة: شَجَرَة قريبَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأنزل الله عز وَجل - {مَا كَانَ لنَبِيّ} - إِلَى قَوْله - {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالا طيبا} -، فأحل الله الْغَنِيمَة لَهُم. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَو نزل الْعَذَاب مَا نجا إِلَّا عمر ": فَدلَّ على أَن أَخذه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفِدَاء كَانَ بِالِاجْتِهَادِ، وَكَانَ ذَلِك الِاجْتِهَاد خطأ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ صَوَابا لما ترَتّب عَلَيْهِ الْعَذَاب على تَقْدِير عدم سبق الْكتاب فَإِن قلت: كَيفَ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ وَقد تقرر أَن الْمُخطئ فِي الِاجْتِهَاد لَهُ أجر وَاحِد قلت: الْأجر على تَقْدِير أَن لَا يكون خلاف مَا أدّى إِلَيْهِ ظَاهرا، فَأَما إِذا كَانَ ظَاهرا فَلَا، بل يسْتَحق الْمُجْتَهد الْعَذَاب، أَلا ترى أَن المبتدعة قد كَانُوا مجتهدين، فَحَيْثُ كَانَ خلاف رَأْيهمْ ظَاهرا استحقوا الْعَذَاب، حَيْثُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " كلهم فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة " بعد قَوْله " سَتَفْتَرِقُ أمتِي ثَلَاثًا وَسبعين فرقة ". وَمِنْهُم من قَالَ معنى سبق الْكتاب أَنه كتب فِي اللَّوْح أَن لَا يعذب الْمُخطئ فِي الِاجْتِهَاد، وَيرد عَلَيْهِ تَعْذِيب المبتدعة. وَقد يُجَاب بتخصيص عدم الْعَذَاب بِمَا إِذا لم يكن فِي العقيدة فَإِن قلت: إِذا كَانَت الْحِكْمَة فِي عدم تَعْذِيب الْمُخطئ أَنه بذل وَسعه فِي طلب الصَّوَاب، فَلَا يفْتَرق الْحَال بِكَوْن الْمُجْتَهد فِيهِ عمليا أَو اعتقاديا قلت فِي الِاعْتِقَاد لم يكن الْمحل صَالحا للِاجْتِهَاد لوُجُود النُّصُوص المفيدة للْقطع. والشارع قد مَنعهم عَن الْخَوْض فِي ذَلِك (وَقد قُلْنَا بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ مَأْمُورا بِالِاجْتِهَادِ فِي الحروب (وَثَبت) اجْتِهَاده (فِي الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة (أَيْضا بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لما سقت الْهدى) أَي لَو علمت قبل سوق الْهدى مَا عَلمته بعده من أَمْرِي يُرِيد بِهِ مَا ظهر عِنْده من الْمَشَقَّة عَلَيْهِ وعَلى من تبعه فِي سوقه الملزم دوَام الْإِحْرَام إِلَى قَضَاء مَنَاسِك الْحَج لما سقته، بل كنت أَحرمت بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أحللت بعد أَدَائِهَا كَمَا هُوَ دأب الْمُتَمَتّع، فَعلم أَنه لم يسق بِالْوَحْي وَإِلَّا لم يقل ذَلِك وَأَيْضًا لَا يَتَرَتَّب الْجَزَاء عَنْهُم، أَعنِي سوق الْهدى على الشَّرْط، أَعنِي الْعلم بِمَا ذكر قبل السُّوق لَو لم يكن عَاملا بِالِاجْتِهَادِ، لِأَن الْقَائِل بِمُوجب الْوَحْي علمه بِالْمَصْلَحَةِ كَعَدم علمه بهَا

(وسوقه) الْهدى (مُتَعَلق حكم الْمَنْدُوب) لِأَنَّهُ لم يفعل فِي أَدَاء الْمَنَاسِك تَقْرِيبًا إِلَّا الْوَاجِب أَو الْمَنْدُوب، وَقد علم عدم الْوُجُوب فَتعين النّدب (وَهُوَ) أَي النّدب (حكم شَرْعِي) فَثَبت اجْتِهَاده فِي الْأَحْكَام أَيْضا (وَلِأَنَّهُ) أَي الِاجْتِهَاد (منصب شرِيف) حَتَّى قيل أَنه أفضل دَرَجَات أهل الْعلم، فَإِذا (لَا يحرمه) أفضل أهل الْعلم (وتناله أمته) فَإِن حرمانه مَعَ عدم حرمَان الْأمة بعيد عَن دَائِرَة الِاعْتِبَار (ولأكثرية الثَّوَاب لأكثرية الْمَشَقَّة). وَلَا شكّ أَن تَحْصِيل الْعلم بالحكم الشَّرْعِيّ ثمَّ الْعَمَل بِهِ أَكثر مشقة من الْعَمَل بِدُونِ الِاجْتِهَاد فَيكون أَكثر ثَوابًا فَكَانَ لائقا بِشَأْنِهِ الشريف: وَهَذَا الَّذِي ذكر من أكثرية الثَّوَاب لأكثرية الْمَشَقَّة هُوَ مُقْتَضى الأَصْل وَالْقِيَاس. فَلَا يُنَافِيهِ مَا وَقع فِي بعض الخصوصيات من كَون ثَوَاب مَا لَيْسَ فِيهِ مشقة أَكثر من ثَوَاب مَا فِيهِ الْمَشَقَّة كالكلمتين الخفيفتين على اللِّسَان الثقيلتين فِي الْمِيزَان. (وَأما الْجَواب) عَن هَذَا الدَّلِيل كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الْحَاجِب وَقَررهُ القَاضِي (بِأَن السُّقُوط) أَي سُقُوط الِاجْتِهَاد فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لدرجة الْعليا) الْإِضَافَة بَيَانِيَّة، وَهِي الْوَحْي، فَإِن مُتَعَلّقه أَعلَى من مُتَعَلق الِاجْتِهَاد لكَونه مَقْطُوعًا بِهِ ابْتِدَاء (لَا يُوجب نقصا فِي قدره وأجره) أما فِي قدره فَظَاهر لِأَنَّهُ أُرِيد لَهُ الدرجَة الْعليا، وَأما فِي أجره فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعْطي أجرا عَظِيما مناسبا لتِلْك الدرجَة (وَلَا) يُوجب السُّقُوط الْمَذْكُور (اخْتِصَاص غَيره بفضيلة لَيست لَهُ) لكَون الِاجْتِهَاد نظرا إِلَى هَذَا الْمَعْنى فَضِيلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تنزل من الدرجَة الْعليا (فَقيل) جَوَاب أما (ذَلِك) أَي سُقُوط الْأَدْنَى للأعلى إِنَّمَا يكون (عِنْد الْمُنَافَاة) بَينهمَا (كَالشَّهَادَةِ مَعَ الْقَضَاء والتقليد مَعَ الِاجْتِهَاد) فَإِنَّهُ سُقُوط وجوب أَدَاء الشَّهَادَة على القَاضِي لوُجُوب مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ، وَهُوَ الْقَضَاء فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ، فَلذَلِك سقط وجوب التَّقْلِيد وَمن وجههما ظَاهر، وَمَا نَحن فِيهِ لَيْسَ كَذَلِك لجَوَاز أَن يجْتَهد ثمَّ يقرره الْوَحْي (وَالْحق أَن مَا سوى هَذَا) أَي مَا سوى الدَّلِيل الْمَعْنَوِيّ الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله منصب شرِيف إِلَى قَوْله لأكثرية الْمَشَقَّة (لَا يُفِيد مَحل النزاع، وَهُوَ) أَي مَحل النزاع (الْإِيجَاب) أَي إِيجَاب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ فِيمَا لَا نَص فِيهِ، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا يُفِيد، لِأَن الِاجْتِهَاد الْوَاقِع على وَجه الْفَرْضِيَّة أشرف، وثواب الْفَرْض أَكثر، وَأما الْأَدِلَّة النقلية فَلَا تفِيد إِلَّا وُقُوع الِاجْتِهَاد وَلَا يدل وُقُوعه فرضا كَمَا سيشير إِلَيْهِ، وناقش الشَّارِح فِي كَون مَحل النزاع الْوُجُوب فَقَط، وَنقل عَن الْمُعْتَمد مَا دلّ على النزاع فِي الْجَوَاز، وَعَن الْمَاوَرْدِيّ أَن الْأَصَح التَّفْصِيل فِي حق النَّاس الْوُجُوب لأَنهم لَا يصلونَ إِلَى حُقُوقهم بِدُونِهِ، وَفِي حُقُوق الله تَعَالَى عدم الْوُجُوب وَهَذَا يُؤَيّدهُ المُصَنّف. وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن فِي وجوب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ بعد جَوَازه لَهُ وَجْهَيْن، وَأَنه صحّح الْوُجُوب. وَعَن بَعضهم أَنه غير

جَائِز عقلا، وَلَعَلَّ المُصَنّف حقق من طَرِيق النَّقْل أَن كل من قَالَ بِالْجَوَازِ مِمَّن يعْتد بِكَلَامِهِ قَالَ بِالْوُجُوب: فَيرجع الْخلاف إِلَى الِامْتِنَاع وَالْوُجُوب، فَلَا بُد أَن يكون كل دَلِيل فِي هَذَا الْمقَام دَالا على أَحدهمَا (وَأما هَذَا) الدَّلِيل الْمَعْنَوِيّ وَإِن أَفَادَ مَحل النزاع (فقد اقْتَضَت) أَي فَيُقَال فِيهِ إِن الِاسْتِدْلَال بنيل الْأمة شَيْئا من الْفَضَائِل وَالثَّوَاب على نيله ذَلِك غير مُسلم لِأَنَّهُ قد اقْتَضَت (رتبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة سُقُوط مَا) يجب (على غَيره كَحُرْمَةِ الزِّيَادَة) من الزَّوْجَات (على الْأَرْبَع) فَهَذِهِ الْحُرْمَة حكم ثَابت فِي حق الْأمة سَاقِط فِي حَقه لجَوَاز الزِّيَادَة لَهُ (وَمرَّة) اقْتَضَت رتبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لُزُوم مَا لَيْسَ) بِلَازِم (عَلَيْهِم) كمصابرة الْعَدو، وَإِن كثر عَددهمْ، بِخِلَاف الْأمة فَإِنَّهَا لَا تلزمهم إِن زَاد عدد الْكفَّار على الضعْف، وإنكار الْمُنكر، وتغييره مُطلقًا لكَونه مَوْعُودًا بِالْحِفْظِ والعصمة، وَغَيره إِنَّمَا يلْزمه بِشَرْطِهِ، وكالسواك والتهجد إِلَى غير ذَلِك، فَلَا يُقَاس حَاله بِحَال غَيره، فَلَا بُد فِي إِثْبَات حكم فِي حَقه من وجود مُقْتَض يَخُصُّهُ (فالشأن فِي تَحْقِيق) وجود (خُصُوصِيَّة الْمُقْتَضى فِي حَقه فِي) خصوصيات (الْموَاد وَعَدَمه) أَي عدم خُصُوصِيَّة الْمُقْتَضى بِحَذْف الْمُضَاف، إِن وجدنَا مَا يقتضى إِثْبَات حكم فِي حَقه أَثْبَتْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا (وَغَايَة مَا يُمكن) أَن يُقَال فِيمَا نَحن فِيهِ (أَنَّهَا) أَي أَدِلَّة المثبتين (لدفع الْمَنْع) أَي تدفع منع الْجَوَاز، فَيثبت الْجَوَاز لعدم الِامْتِنَاع (فَيثبت الْوُجُوب، إِذْ لَا قَائِل بِالْجَوَازِ دونه) أَي الْوُجُوب، يَعْنِي لَو لم يجب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ على تَقْدِير الْجَوَاز لثبت جَوَاز بِلَا وجوب، وَهُوَ منفي بِإِجْمَاع الْمُجْتَهدين، لِأَن الْقَائِل بالامتناع نَفَاهُ، وَكَذَلِكَ الْقَائِل بِالْوُجُوب، وَلَا مُجْتَهد سوى الْفَرِيقَيْنِ. احْتج (الْمَانِع) لاجتهاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله تَعَالَى {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ} أَي الَّذِي ينْطق بِهِ من الشَّرَائِع {إِلَّا وَحي يُوحى} وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد لَيْسَ بِوَحْي (أُجِيب بتخصيصه) أَي بتخصيص الْمَنْفِيّ فِي الْآيَة (بِسَبَبِهِ) أَي بِمَا يدل عَلَيْهِ سَبَب نُزُولهَا، وَهُوَ رد مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْقُرْآن إِنَّه افتراء، فَيخْتَص بِمَا بلغه، وينتفي الْعُمُوم الَّذِي هُوَ منَاط الِاسْتِدْلَال، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لنفي دَعوَاهُم افتراءه) عطف بَيَان بِسَبَبِهِ، فَالْمُرَاد فِي قَوْله تَعَالَى إِن هُوَ الْقُرْآن (سلمنَا عُمُومه) أَي عُمُوم النَّفْي فِي قَوْله تَعَالَى - {ان هُوَ} - بِحَيْثُ يعم كل مَا ينْطق بِهِ (فَالْقَوْل) النَّاشِئ (عَن الِاجْتِهَاد لَيْسَ عَن الْهوى، بل) هُوَ نَاشِئ (عَن الْأَمر بِهِ) أَي بِالِاجْتِهَادِ، لِأَنَّهُ أمره بِالْعَمَلِ بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (وَهَذَا) أَي إِدْخَال مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي الْوَحْي الموحى بالتأويل الْمَذْكُور (وَإِن كَانَ خلاف الظَّاهِر، وَهُوَ) أَي الظَّاهِر (أَن مَا ينْطق بِهِ نفس مَا يُوحى إِلَيْهِ) لَا أَمر مندرج تَحت عُمُوم وَحي أثبت بِالدَّلِيلِ، لَكِن (يجب الْمصير إِلَيْهِ للدليل الْمَذْكُور) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي ": الحَدِيث وَنَحْوه مِمَّا يدل على

أَنه نطق بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي الْأَحْكَام، فَلَا بُد من إدراجه تَحت الْوَحْي لِئَلَّا يُنَاقض الْآيَة (وَلَا يَحْتَاجهُ الْحَنَفِيَّة) أَي لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى ارْتِكَاب خلاف الظَّاهِر كغيرهم على مَا عرفت (إِذْ هُوَ) أَي مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَحي بَاطِن) عِنْدهم فَإِن قلت حمل الْوَحْي الْمَذْكُور على مَا يعمه خلاف الظَّاهِر قلت مَعَ مُلَاحظَة مَا دلّ على كَونه خلاف الظَّاهِر. (قَالُوا) أَي المانعون ثَانِيًا (لَو جَازَ) اجْتِهَاده (جَازَت مُخَالفَته) لمجتهد آخر إِذا أدّى اجْتِهَاده إِلَى خلاف رَأْيه لاحْتِمَال الْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد (وَتقدم مَا يَدْفَعهُ) من أَن اجْتِهَاده وَحي بَاطِن لَيْسَ كاجتهاد غَيره، أَو أَن اجْتِهَاده نَاشِئ عَن الْأَمر بِهِ، وَأمره بِالِاجْتِهَادِ فِي حق النَّاس يسْتَلْزم أَمر النَّاس باتباعه فِيمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده. و (قَالُوا) ثَالِثا (لَو أَمر بِهِ) أَي بِالِاجْتِهَادِ (لم يُؤَخر جَوَابا) احْتَاجَ النَّاس إِلَيْهِ منتظرا للوحي بل كَانَ يجْتَهد فيجيب من غير انْتِظَار لَهُ (وَكَثِيرًا مَا أخر) أَي أخر تَأْخِيرا كثيرا، فَقَوله كثيرا مَنْصُوب على المصدرية، قدم على عَامله، وَكلمَة مَا مزيدة تفِيد مَا قبلهَا وثاقة وَقُوَّة فِيمَا قصد مِنْهُ (الْجَواب) أَنه (جَازَ) أَن يكون التَّأْخِير (لاشْتِرَاط الِانْتِظَار) أَي لكَون الِانْتِظَار للوحي فِي مُدَّة مَعْلُومَة عِنْده شرطا فِي اجْتِهَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كالحنفية) أَي اشتراطا كاشتراط الْحَنَفِيَّة على مَا سبق (أَو لاستدعائه) أَي الِاجْتِهَاد فِي تِلْكَ الْحَادِثَة (زَمَانا) لغموضه، فَالْجَوَاب الأول مَبْنِيّ على التَّأْخِير لانتظار الْوَحْي، وَهَذَا الْجَواب مَبْنِيّ على عدم تَسْلِيم كَون التَّأْخِير لانتظار الْوَحْي. (قَالُوا) رَابِعا: الِاجْتِهَاد لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن، و (لَا يجوز الظَّن مَعَ الْقُدْرَة على الْيَقِين) فَإِنَّهُ يقدر أَن يسْأَل ربه أَن ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي مَحل السُّؤَال، وسؤاله لَا يرد، فَكَانَ قَادِرًا على الْيَقِين الَّذِي هُوَ الْوَحْي (أُجِيب بِالْمَنْعِ) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا منع كَونه قَادِرًا على الْيَقِين لجَوَاز أَن لَا يكون مَأْذُونا فِي سُؤال إِنْزَال الْوَحْي، أَو لإِيجَاب على تَقْدِير السُّؤَال لحكمة تَقْتَضِيه، وَالثَّانِي منع استلزام الْقُدْرَة على الْيَقِين عدم جَوَاز الْعَمَل بِالظَّنِّ، كَيفَ والعمليات يَكْفِي فِيهَا الظَّن، وَالشَّيْخ أَرَادَ أَن يبْحَث عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فَقَالَ (فَإِن) كَانَ الْمَنْع (بِمَعْنى أَنه) أَي الْيَقِين بِالْوَحْي (غير مَقْدُور لَهُ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْفِعْلِ (فَصَحِيح) أَي فَهَذَا الْمَعْنى صَحِيح (لكنه) أَي عدم المقدورية لَهُ بِالْفِعْلِ (لَا يُوجب النَّفْي) أَي نفي الْقُدْرَة مُطلقًا لجَوَاز أَن يصير قَادِرًا بأقداره تَعَالَى، فالمنع حِينَئِذٍ لَا يجوز الِاجْتِهَاد بِلَا انْتِظَار كَمَا ذهب إِلَيْهِ غير الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهُ كَمَا يمْنَع عَن الِاجْتِهَاد الْقُدْرَة بِالْفِعْلِ كَذَلِك يمْنَع عَنهُ احْتِمَال صَيْرُورَته قَادِرًا بأقداره تَعَالَى، فَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا الْمَنْع من قبل الْحَنَفِيَّة، وَلَيْسَ معنى الْكَلَام لَا يُوجب النَّفْي لتعبده بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى يعْتَرض عَلَيْهِ بِنَفْي إِيجَابه إِيَّاه بل مُرَاده أَن يُوجب الْمَنْع جَوَاز التَّعَبُّد وَهُوَ ظَاهر (بل) بِاعْتِبَار دلَالَته على احْتِمَال حُصُول الْقُدْرَة لما عرفت يُوجب (أَن لَا يجْتَهد إِلَى الْيَأْس من

الْوَحْي) قطعا (أَو) إِلَى (غَلَبَة ظَنّه) أَي الْيَأْس (مَعَ خوف الْفَوْت) أَي فَوت الْحَادِثَة المحوجة إِلَى الِاجْتِهَاد. قَوْله مَعَ قيد للمفهوم المردد للأخير (وَهُوَ) أَي عدم الِاجْتِهَاد إِلَى أَحدهمَا (قَول الْحَنَفِيَّة) أَي بِاعْتِبَار الْمَآل (كل من طريقي الظَّن وَالْيَقِين) يَعْنِي الِاجْتِهَاد وَالْوَحي (مُمكن فَيجب تَقْدِيم) رِعَايَة احْتِمَال (الثَّانِي) يَعْنِي الْيَقِين (بالانتظار فَإِذا غلب ظن عَدمه) أَي الْيَقِين (وجد شَرط الِاجْتِهَاد) وَهُوَ غَلَبَة ظن الْيَأْس من حُصُول الْيَقِين بِالْوَحْي، فَقَوله كل من طريقي الظَّن وَالْيَقِين إِلَى آخِره مقول قَول الْحَنَفِيَّة (وَهُوَ) أَي قَول الْحَنَفِيَّة (الْمُخْتَار) لكَونه أحوط مَعَ قُوَّة دَلِيله (وَإِن) كَانَ الْمَنْع (بِمَعْنى جَوَاز تَركه) أَي ترك طلب الْيَقِين (مَعَ الْقُدْرَة) عَلَيْهِ ميلًا (إِلَى مُحْتَمل الْخَطَأ) وَهُوَ الِاجْتِهَاد (مُخْتَارًا) أَي حَال كَون التارك مُخْتَارًا فِي تَركه وميله وَحَاصِله منع استلزام الْقُدْرَة على الْيَقِين عدم جَوَاز الْعَمَل بِالظَّنِّ (فيمنعه) أَي الْجَوَاز الْمَذْكُور (الْعقل) بِمُقْتَضى قَوَاعِد الشَّرْع من أَن اتِّبَاع الظَّن خلاف الأَصْل فَلَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة وَمن أَن الظَّن بدل الْعلم كالتيمم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوضُوء لَا يجوز إِلَّا عِنْد عدم الْقُدْرَة على الْوضُوء، وَمن أَن اخْتِيَار مُحْتَمل الْخَطَأ على مَا لَا يحْتَملهُ تَرْجِيح للمرجوح، وَهُوَ بَاطِل شرعا وعقلا (وَمَا أَوْهَمهُ) أَي جَوَاز تَركه مَعَ الْقُدْرَة (سَيَأْتِي) ذكره، و (جَوَابه، وَقد ظهر من الْمُخْتَار) وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة الْمَذْكُور (جَوَاز الْخَطَأ عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لِأَنَّهُ لَو لم يكن احْتِمَال الْخَطَأ فِي اجْتِهَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكَانَ مثل الْوَحْي فِي عدم احْتِمَال الْخَطَأ، وَإِذن لَا وَجه للانتظار (إِلَّا أَنه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلمة إِلَّا بِمَعْنى لَكِن (لَا يقر عَلَيْهِ) أَي على الْخَطَأ (بِخِلَاف غَيره) من الْمُجْتَهدين فَإِنَّهُم قد يقرونَ عَلَيْهِ (وَقيل بامتناعه) أَي امْتنَاع الْخَطَأ فِي اجْتِهَاده لتعبده بِالِاجْتِهَادِ، إِذْ لَا معنى لَهُ، لِأَن المُرَاد الْمُجيب بِالْمَنْعِ لَيْسَ إِيجَابه نفي التَّعَبُّد بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى يعْتَرض عَلَيْهِ بِنَفْي إِيجَابه إِيَّاه، بل مُرَاده أَن يُوجب الْمَنْع فِي نقل فِي الْكَشْف عَن أَكثر الْعلمَاء. وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ والحليمي أَنه الْحق، والسبكي أَنه الصَّوَاب وَالشَّافِعِيّ نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم (لِأَنَّهُ) أَي اجْتِهَاده (أولى بالعصمة عَن الْخَطَأ من الْإِجْمَاع لِأَن عصمته) أَي الْإِجْمَاع (لنسبته) أَي الْإِجْمَاع (إِلَيْهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاعْتِبَار صدوره عَن أمته (وللزوم جَوَاز الْأَمر بِاتِّبَاع الْخَطَأ) وَلَا يجوز الْأَمر بِهِ فضلا عَن الْوُقُوع، وَجه اللُّزُوم أَن الْأمة مأمورون باتباعه فِي جَمِيع أَحْكَامه. وَمِنْهَا مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده وعَلى تَقْدِير جَوَاز الْخَطَأ فِيهِ يلْزم الْأَمر بِاتِّبَاع جَائِز الْخطاب يسْتَلْزم جَوَاز الْأَمر بِاتِّبَاع جَائِز الْخَطَأ وَالْأَمر بِاتِّبَاع جَائِز الْخَطَأ فِيهِ نظر (و) للُزُوم (الشَّك فِي قَوْله) فِي كَونه صَوَابا أَو خطأ لِأَن الْمَفْرُوض جَوَاز الْخَطَأ فِي اجْتِهَاده، فَإِذا قَالَ بِمُوجب اجْتِهَاده لزم حُصُول الشَّك فِيهِ (فيخل بمقصود الْبعْثَة) وَهُوَ الوثوق بِمَا يَقُول إِنَّه حكم الله تَعَالَى (أُجِيب عَن هَذَا) أَي الْإِخْلَال بِالْمَقْصُودِ

(بَان المخل) بمقصود الْبعْثَة (مَا) أَي الشَّك (فِي) نفس (الرسَالَة) وَالشَّكّ فِي قَوْله الَّذِي صدر عَن الِاجْتِهَاد لَا يسْتَلْزم الشَّك فِيهَا (و) أُجِيب (عَمَّا قبله) أَي قبل هَذَا الَّذِي أجبنا عَنهُ (بِمَنْع بُطْلَانه) أَي الثَّانِي، وَهُوَ جَوَاز الْأَمر بِاتِّبَاع الْخَطَأ بِمَعْنى جَائِز الْخَطَأ، كَيفَ والمجتهد وَمن يقلده مأمورون بِاتِّبَاع مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد إِجْمَاعًا وَهُوَ جَائِز الْخَطَأ عندنَا. ثمَّ ذكر سَنَد الْمَنْع بقوله (على أَن الْأَمر باتباعه) أَي الِاجْتِهَاد (من حَيْثُ هُوَ) أَي الحكم الاجتهادي (صَوَاب فِي نظر الْعَالم) الْمُجْتَهد، لَا من حَيْثُ أَنه خطأ (وَإِن خَالف) ذَلِك الحكم (نفس الْأَمر) وَهُوَ حكم الله تَعَالَى الْمعِين فِي تِلْكَ الْحَادِثَة (و) أُجِيب (عَن الأول) وَهُوَ أَنه أولى بالعصمة من الْإِجْمَاع (بِأَن اخْتِصَاصه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي لَا بُد لَهُ مِنْهُ حَاصِل (برتبة النُّبُوَّة) وَلَا يخل بِكَمَالِهِ أَن يخْتَص أمته بشرف متابعتهم إِيَّاه برتبة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَإِن رُتْبَة الْعِصْمَة للْأمة) الْحَاصِلَة لَهُم (لاتباعهم) إِيَّاه (لَا يقتضى) بِاعْتِبَار حُصُولهَا لَهُم (لُزُوم هَذِه الرُّتْبَة) لَهُم فِي ذكر اللُّزُوم إِشَارَة إِلَى أَن أصل الْعِصْمَة حَاصِل فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِن لم يكن على وَجه اللُّزُوم. وَلَا شكّ أَن شرف لُزُومهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأمة بِسَبَب الِاتِّبَاع رَاجع إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن لم تكن لَازِمَة (لَهُ) لحكمة تَقْتَضِيه لَا ينقص من كَمَاله شَيْئا (كَالْإِمَامِ) يُرِيد الْإِمَامَة الْكُبْرَى (لَا يلْزم لَهُ رُتْبَة الْقَضَاء) وَإِن كَانَت مستفادة مِنْهُ ثمَّ لَا يعود ذَلِك عَلَيْهِ بِنَقص وانحطاط: وَلَا يخفى أَنه لَو كَانَ رُتْبَة الْقَضَاء لَهُ مَخْصُوصَة بِغَيْر الإِمَام كَانَ التنظير على الْوَجْه الْأَكْمَل، لكنه قصد أَنه كَمَا لَا ينقص كَمَال الْمَتْبُوع بمساواة التَّابِع إِيَّاه فِي حكم حصل لَهُ بتبعيته إِيَّاه كَذَلِك لَا ينقص اخْتِصَاص التَّابِع بِحكم حصل لَهُ بِسَبَب التّبعِيَّة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى جَوَاب آخر بقوله (وَتقدم مَا يَدْفَعهُ) أَي الِاسْتِدْلَال الأول من قَوْله فقد اقْتَضَت رتبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة سُقُوط مَا على غَيره إِلَى قَوْله والشأن فِي تحقق خُصُوصِيَّة الْمُقْتَضى فِي حَقه، فَمن قَالَ أَن المُرَاد بِمَا يَدْفَعهُ مَا ذكر من أَنه لَا مُنَافَاة بَين مرتبَة النُّبُوَّة ودرجة الِاجْتِهَاد جعل مرجع ضمير يَدْفَعهُ الْجَواب لَا الِاسْتِدْلَال، وَلَزِمَه كَون ذَلِك الدّفع مرضيا للْمُصَنف وَهُوَ ضَعِيف، لِأَنَّهُ لَا يدْفع الْمَنْع الْمَذْكُور فَتدبر، وَلَا يبعد أَن يُقَال فِي تَحْقِيق خُصُوصِيَّة الْمُقْتَضى أَن فِي جَوَاز الْخَطَأ فِي اجْتِهَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِشَارَة إِلَى أَن فكر الْبشر وَإِن كَانَ فِي أَعلَى الدَّرَجَات يحْتَمل الْخَطَأ، بِخِلَاف الْوَحْي وَالله تَعَالَى أعلم (وَأَيْضًا) إِن كَانَ أَدِلَّة الْفَرِيقَيْنِ مُوجبا للشغب (فالوقوع) أَي وُقُوع الْخَطَأ فِي اجْتِهَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يقطع الشغب) بِالسُّكُونِ: أَي النزاع فِي الْجَوَاز كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْهُم الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب (وَدَلِيله) أَي الْوُقُوع قَوْله تَعَالَى {عَفا الله عَنْك} الْآيَة، وَقَوله تَعَالَى {مَا كَانَ لنَبِيّ} أَن تكون لَهُ أسرى (حَتَّى قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو نزل من السَّمَاء عَذَاب مَا نجا مِنْهُ إِلَّا عمر) رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ فِي كتاب الْمَغَازِي

والطبري بِلَفْظ " لما نجا مِنْهُ غير عمر بن الْخطاب وَسعد بن معَاذ " وَتَأْويل الْآيَتَيْنِ إِلَى خلاف مَا يدل عَلَيْهِ الظَّاهِر على وَجه يخل بِكَمَال بلاغة الْقُرْآن من غير ضَرُورَة ملجئة إِلَيْهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يقدم عَلَيْهِ أهل الْعلم مُبَالغَة فِي علو شَأْن الْأَنْبِيَاء لِأَن هَذَا لَا يخل بعلو شَأْنهمْ كَمَا عرفت. قَالَ صدر الشَّرِيعَة فِي قَوْله تَعَالَى - {لَوْلَا كتاب} - الْآيَة: أَي لَوْلَا حكم سبق فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَهُوَ أَنه لَا يُعَاقب أحد بالْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد وَكَانَ هَذَا خطأ فِي الِاجْتِهَاد لأَنهم نظرُوا إِلَى أَن استبقاءهم سَبَب لإسلامهم، وفداءهم يتقوى بِهِ على الْجِهَاد، وخفى عَلَيْهِم أَن قَتلهمْ أعز لِلْإِسْلَامِ وأهيب لمن وَرَاءَهُمْ وَأَقل لشوكتهم، ورد هَذَا القَاضِي أَبُو زيد بِأَنَّهُ لَو كَانَ خطأ لما أقرّ عَلَيْهِ، وَقد أقرّ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: - {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالا طيبا} - وَتَأْويل العتاب مَا كَانَ لمن قبلك أَن تكون لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فَكَانَ لَك كَرَامَة خصصت بهَا رخصَة لَوْلَا كتاب من الله سبق بِهَذِهِ الخصوصية لمسكم الْعَذَاب بِحكم الْعَزِيمَة على مَا قَالَ عمر انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن التَّقْرِير لم يَقع حَيْثُ نبه بِكَوْنِهِ خطأ: بل دلّت الْآيَة على أَن حكم الله تَعَالَى فِي نفس الْأَمر كَانَ خلاف مَا أدّى إِلَيْهِ ذَلِك الِاجْتِهَاد غير أَنه عَفا عَنْهُم، وَنسخ ذَلِك الحكم، فالحل بعد النّسخ لَا قبله وَتَأْويل العتاب على الْوَجْه الْمَذْكُور غير مرضِي لِأَنَّهُ إِذا رخص لَهُ فِي الْفِدَاء كَرَامَة لَا يبْقى للعتاب سَبَب فَإِن قلت يجوز أَن يكون سَببه ترك الأولى، وَهُوَ الْعَمَل بالعزيمة دون الرُّخْصَة قلت مثل هَذَا الْوَعيد لَا يلائم ترك الأولى وَالْعَمَل بِالرُّخْصَةِ الَّتِي هِيَ كَرَامَة لَهُ فَإِن قلت الْوَعيد مُرَتّب على الْمَفْرُوض قلت نعم لكنه يدل أَنه على ذَلِك التَّقْدِير كَانُوا يسْتَحقُّونَ الْعَذَاب الْعَظِيم، وَكَيف يستحقونه على ذَلِك التَّقْدِير إِن كَانَ لَهُم أَن يَأْخُذُوا الْفِدَاء رخصَة (وَبِه) أَي بالوقوع (يدْفع دفع الدَّلِيل الْقَائِل) إِسْنَاد مجازي من قبيل إِسْنَاد القَوْل إِلَى سَببه، وَلِأَن الدَّلِيل فِي الْحَقِيقَة أَمر معنوي، وَهُوَ مَا يسْتَلْزم الْعلم بِهِ الْعلم بِشَيْء، وَذَلِكَ سَبَب لِلْقَوْلِ الْمَذْكُور (لَو جَازَ) امْتنَاع الْخَطَأ عَلَيْهِ (لَكَانَ) ذَلِك الِامْتِنَاع (لمَانع) عَن الْخَطَأ لِأَنَّهُ مُمكن ذَلِك لذاته وطبع الْبشر يَقْتَضِيهِ عَادَة (وَالْأَصْل عَدمه) أَي عدم الْمَانِع (بِأَن الْمَانِع) صلَة لدفع الدَّلِيل الْمَذْكُور بِتَعْيِين الْمَانِع عَن الْخَطَأ، وَهُوَ (علو رتبته وَكَمَال عقله وَقُوَّة حدسه) وَهُوَ حُصُول الْمُقدمَات مرتبَة فِي الذِّهْن دفْعَة (وفهمه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذكر هَذَا الدّفع الْعَلامَة، وَمَعَ الْوُقُوع لَا يلْتَفت إِلَى أَمْثَال هَذِه التعليلات (وَأما الِاسْتِدْلَال) لجَوَاز الْخَطَأ عَلَيْهِ (بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (" وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ) فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضى لَهُ على نَحْو مَا أسمع فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار " مُتَّفق عَلَيْهِ (وَقَوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنا أحكم

مسئلة

بِالظَّاهِرِ) قد سبق أَنه لَا وجود لهَذَا الحَدِيث غير أَنه يُؤْخَذ مَعْنَاهُ من الحَدِيث السَّابِق (فَلَيْسَ بِشَيْء) جَوَاب أما، وَخبر الْمُبْتَدَأ: أَي لَيْسَ بِشَيْء يعْتد بِهِ فِي إِثْبَات الْمُدَّعِي لِأَن الْخلاف فِي الْخَطَأ فِي استنباط الحكم الشَّرْعِيّ على أمارته بِأَن لَا يكون المستنبط مطابقا لحكم الله تَعَالَى الْمعِين فِي تِلْكَ الْحَادِثَة، وَلم يقل أحد إِن لله فِي كل قَضِيَّة جزئية تقع فِيهَا الْخُصُومَة بَين يَدي القَاضِي حكما معينا إِن وَافقه القَاضِي فَحكمه صَوَاب وَإِلَّا فخطأ، وَلَو سلم فَلَيْسَ هَذَا خطأ فِي الِاجْتِهَاد لِأَن أَسبَاب حكم القَاضِي لَيست بأمارات يستنبط مِنْهَا الْخطاب الْمُتَعَلّق بِفعل العَبْد، وَهُوَ ظَاهر (وَكَذَا) لَيْسَ بِشَيْء (مَا يُوهِمهُ عبارَة بَعضهم من ثُبُوت الْخلاف) من بَيَانِيَّة للموصول (فِي الْإِقْرَار على الْخَطَأ فِيهِ) أَي الِاجْتِهَاد، يَعْنِي يُوهم عبارَة بعض الْأُصُولِيِّينَ أَن الَّذين قَالُوا بِجَوَاز وُقُوع الْخَطَأ فِي اجْتِهَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يقر على الْخَطَأ أم لَا؟ وَهَذَا الْوَهم لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لَا خلاف فِيهِ (بل نَفْيه اتِّفَاق) أَي مُتَّفق عَلَيْهِ كَمَا صرح بِهِ الْعَلامَة وَغَيره. قَالَ الشَّارِح: ثمَّ قد ظهر سُقُوط التَّوَقُّف فِي جَوَاز الِاجْتِهَاد للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذهب إِلَيْهِ الرَّازِيّ، وَالله تَعَالَى أعلم. مسئلة قَالَت (طَائِفَة لَا يجوز) عقلا (اجْتِهَاد غَيره) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي عصره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْأَكْثَر) على أَنه (يجوز) اجْتِهَاد غَيره فِي زَمَانه (فَقيل) يجوز (مُطلقًا) أَي بِحَضْرَتِهِ وغيبته، كَذَا نقل عَن مُحَمَّد بن الْحسن، وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد الْأَكْثَرين مِنْهُم القَاضِي وَالْغَزالِيّ والآمدي والرازي (وَقيل) يجوز (بِشَرْط غيبته للقضاة) مُتَعَلق بيجوز، وَكَذَا الْوُلَاة دون غَيرهم (وَقيل) يجوز (بِإِذن خَاص) فَمنهمْ من شَرط صَرِيحه، وَمِنْهُم من نزل السُّكُوت عَن الْمَنْع مِنْهُ مَعَ الْعلم بِوُقُوعِهِ منزلَة الْإِذْن. (وَفِي الْوُقُوع) اخْتلفُوا. فَمنهمْ من قَالَ (نعم) وَقع (مُطلقًا) حضورا وغيبة (ظنا) أَي وقوعا ظنيا لَا قَطْعِيا، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب. قَالَ السُّبْكِيّ لم يقل أحد وَقع قطعا، (و) مِنْهُم من قَالَ (لَا) أَي لم يَقع أصلا (وَالْمَشْهُور أَنه) أَي عدم الْوُقُوع أصلا (للجبائي وَأبي هَاشم، و) مِنْهُم من مذْهبه (الْوَقْف) فِي الْوُقُوع مُطلقًا، نسبه الْآمِدِيّ للجبائي (وَقيل) الْوَقْف (فِي) حق (من بِحَضْرَتِهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا) فِي حق (من غَابَ) عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (الْوَقْف) منشؤه أَنه (لَا دَلِيل) على الْوُقُوع وَلَا على عَدمه عِنْد الْوَقْف. قَالَ (الْمَانِع) للْجُوَاز مُطلقًا: مجتهدو عصره (قادرون على

الْعلم بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ فَامْتنعَ ارْتِكَاب طَرِيق الظَّن) وَهُوَ الِاجْتِهَاد لِأَن معرفَة الْأَحْكَام وَاجِبَة، وَالْأَصْل فِيهَا الْعلم وَلَا يعدل عَن الأَصْل إِلَّا عِنْد عدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ (أُجِيب بِمَنْع الْمُلَازمَة) يَعْنِي لَا نسلم استلزام الْقُدْرَة الْمَذْكُورَة الِامْتِنَاع الْمَذْكُور منعا مُسْتَندا (بقول أبي بكر) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي حَدِيث أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ " خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام حنين فَذكر قصَّته فِي قَتله الْقَتِيل، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه. فَقُمْت فَقلت من يشْهد لي. ثمَّ جَلَست إِلَى أَن قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالك أَبَا قَتَادَة؟ فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة. فَقَالَ رجل من الْقَوْم صدق يَا رَسُول الله سلب ذَلِك الْقَتِيل عِنْدِي فأرضه من حَقه " (لَاها الله) ذَا (" لَا يعمد إِلَى أَسد من أسود الله تَعَالَى يُقَاتل عَن الله وَرَسُوله فيعطيك سلبه. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق) فأعطه إِيَّاه، فأعطانيه ". قَالَ الْخطابِيّ لَاها الله ذَا بِغَيْر ألف قبل الذَّال، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامهم وَالله، يجْعَلُونَ الْهَاء مَكَان الْوَاو، وَمَعْنَاهُ لَا وَالله يكون ذَا: كَذَا فِي شرح السّنة، وَالْخطاب لمن لَهُ السَّلب وَيطْلب من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرضاء أبي قَتَادَة من ذَلِك السَّلب، وفاعل لَا يعمد ويعطيك ضمير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَأما الصِّيغَة فتروى لَاها الله بِإِثْبَات الْألف والتقاء الساكنين على حَده، ولاها الله بِحَذْف الْألف وَالْأَصْل لَا وَالله فحذفت الْوَاو وَعوض مِنْهَا حرف التَّنْبِيه، وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا مُرَاد من قَالَ يجْعَلُونَ الْهَاء مَكَان الْوَاو، وَأما التَّقْدِير فَقَوْل الْخَلِيل إِن ذَا مقسم عَلَيْهِ، وَتَقْدِيره لَا وَالله الْأَمر كَذَا فَحذف الْأَمر لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَقَول الْأَخْفَش أَنه من جملَة الْقسم وتوكيده لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ ذَا قسمي، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنهم يَقُولُونَ لَاها الله ذَا لقد كَانَ كَذَا فيجيبون بالمقسم عَلَيْهِ بعد هَذَا، وَالظَّاهِر أَن هَذَا من أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ بِحَضْرَتِهِ وَقد صَوبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والْحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَتقدم أَن ترك الْيَقِين لطَالب الصَّوَاب) ميلًا (إِلَى مُحْتَمل الْخَطَأ مُخْتَارًا يأباه الْعقل) فَلَا يحمل صَنِيع أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَلَيْهِ. بل الِاعْتِمَاد على أَنه إِن كَانَ خطأ يردهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الصَّوَاب، فَيحصل الْيَقِين كَمَا سيشير إِلَيْهِ (واجتهاد أبي بكر فِي هَذِه الْحَالة لَا يسْتَلْزم تخييره) بَين الرُّجُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الِاجْتِهَاد (مُطلقًا) فِي الْحُضُور والغيبة للْفرق الظَّاهِر بَينهمَا، فَإِن التَّخْيِير فِي الْحُضُور لَا يسْتَلْزم مَا يأباه الْعقل لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَى الْيَقِين بتقريره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قلت إِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ إِذا لم يكن تَقْرِيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالِاجْتِهَادِ قلت يَكْفِيهِ اجْتِهَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف اجْتِهَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ بِدُونِ تَقْرِيره، واجتهاده رد أَبَا بكر واجتهاده إِلَى الصَّوَاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا اجْتهد أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِحَضْرَتِهِ (لعلمه) أَي أبي بكر (أَنه لكَونه بِحَضْرَتِهِ إِن خَالف) الصَّوَاب فِي

مسئلة

اجْتِهَاده (رده) أَي أَبَا بكر واجتهاده إِلَى الصَّوَاب (فَالْوَجْه جَوَازه) أَي الِاجْتِهَاد فِي عصره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (للْغَائِب ضَرُورَة) لتعذر الرُّجُوع إِلَيْهِ، أَو تعسره، وَخَوف فَوت الْحَادِثَة على غير الْوَجْه الشَّرْعِيّ (والحاضر) مَعْطُوف على الْغَائِب: أَي وَالْوَجْه جَوَازه لمن لم يكن غَائِبا عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غيبَة مَانِعَة عَن الرُّجُوع إِلَيْهِ (بِشَرْط أَمن الْخَطَأ) أَي الْأَمْن من الْخَطَأ (وَهُوَ) أَي أَمنه مِنْهُ يحصل (بِأحد أَمريْن: حَضرته) بِأَن يكون فِي مَجْلِسه، أَو حَيْثُ يرَاهُ، أَو يطلع عَلَيْهِ (أَو أُذُنه) لَهُ فِي الِاجْتِهَاد (كتحكيمه سعد بن معَاذ فِي بني قُرَيْظَة) فَإِنَّهُ لما حكم بقتل الرِّجَال وَقسم الْأَمْوَال وَسبي الذَّرَارِي وَالنِّسَاء، قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لقد حكمت فيهم بِحكم الله " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي رِوَايَة " بِحكم الله الَّذِي حكم بِهِ من فَوق سبع سموات "، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ " بِحكم الْملك ". مسئلة قد سبق أَن الِاجْتِهَاد يكون فِي العقليات، فَأخذ يبين مَا يتَعَلَّق بذلك فَقَالَ: (العقليات) من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة (مَا لَا يتَوَقَّف) ثُبُوته (على سمع) أَي على دَلِيل سَمْعِي من قبيل إِطْلَاق الْمصدر على الْمَنْسُوب إِلَيْهِ مجَازًا، وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْمَفْعُول أَو الْمَعْنى المصدري: أَي على الِاسْتِمَاع من الشَّارِع، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَن يدل عَلَيْهِ السّمع أَيْضا (كحدوث الْعَالم) أَي حُدُوثه ومسبوقيته بِالْعدمِ (وَوُجُود موجده) أَي الْعَالم (تَعَالَى) مَوْصُوفا (بصفاته) الذاتية والإضافية (وبعثة الرُّسُل، والمصيب من مجتهديها) أَي العقليات (وَاحِد اتِّفَاقًا) لعدم إِمْكَان اجْتِمَاع النقيضين فَإِنَّهَا مضمونات جزئية وكل من الْمُخَالفين على طرف من النقيضين (والمخطئ) مِنْهُم (إِن) أَخطَأ (فِيمَا يَنْفِي مِلَّة الْإِسْلَام) كلا أَو بَعْضًا (فكافر آثم مُطلقًا عِنْد الْمُعْتَزلَة: أَي بعد الْبلُوغ وَقَبله) تَفْسِير للإطلاق (بعد تأهله) أَي صَيْرُورَته أَهلا فَإِن قلت هَذَا الْقَيْد مُسْتَغْنى عَنهُ فَإِن الْكَلَام فِي الْمُجْتَهد الْمُخطئ قلت فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن شَرط الِاجْتِهَاد فِي العقليات أَهْلِيَّة النّظر لِئَلَّا يتَوَهَّم كَونه مَشْرُوطًا بِمَا هُوَ شَرط الِاجْتِهَاد فِي الْأَحْكَام العملية (للنَّظَر وبشرط الْبلُوغ) مَعْطُوف على مُطلقًا، أَو الْمَعْنى أَثم مُطلقًا عِنْد الْمُعْتَزلَة وأثم لشرط الْبلُوغ (عِنْد من أسلفنا) فِي فصل الْحَاكِم (من الْحَنَفِيَّة كفخر الْإِسْلَام إِذا أدْرك) الْبَالِغ (مُدَّة التَّأَمُّل) وقدرها مفوض إِلَى الله تَعَالَى فَإِن النَّاس متفاوتون فِي الْفِكر سرعَة وَأَبْطَأ (إِن لم يبلغهُ سمع) حَقِيقَة أَو حكما بِأَن يكون فِي دَار الْإِسْلَام (ومطلقا) مَعْطُوف على قَوْله إِذا أدْرك فَهُوَ فِي معنى قَوْله مُقَيّدا، يَعْنِي الْمُخطئ فِيمَا يَنْفِي مِلَّة الْإِسْلَام كَافِر عِنْد من أسلفنا بِشَرْط الْبلُوغ مُطلقًا

أَي أدْرك مُدَّة التَّأَمُّل أَو لَا (إِن بلغه) السّمع (وبشرط بُلُوغه) أَي السّمع إِيَّاه مَعْطُوف على قَوْله بِشَرْط الْبلُوغ، يَعْنِي الْمُخطئ الْمَذْكُور كَافِر بِشَرْط الْبلُوغ وبشرط بُلُوغ السّمع من غير الْتِفَات إِلَى إِدْرَاك مُدَّة التَّأَمُّل (للأشعرية) أَي عِنْد الأشعرية، وَفِي الْقَامُوس إِن اللَّام تَأتي بِمَعْنى عِنْد (وقدمناه) أَي مثل هَذَا القَوْل نَاقِلا (عَن بُخَارى الْحَنَفِيَّة، وَهُوَ الْمُخْتَار) لِأَن مِلَّة الْإِسْلَام كَانَت فِي حد ذَاتهَا بِحَيْثُ إِذا تَأمل فِيهَا الْعقل - يكَاد زيتها يضيء وَلَو لم تمسسه نَار} - فَإِذا تأيدت بالبلوغين صَارَت أظهر من الشَّمْس، فَلم يبْق مجَال بعد ذَلِك لنفيها بِالِاجْتِهَادِ إِذْ الِاجْتِهَاد إِنَّمَا يكون فِيمَا فِيهِ بعض غموض، فالمعاند فِيهَا مكابر (وَإِن) كَانَ مَا أَخطَأ فِيهِ (غَيرهَا أَي غير مِلَّة الْإِسْلَام (كخلق الْقُرْآن) فَعلم أَن المُرَاد من مِلَّة الْإِسْلَام مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِيمَان من العقائد إِجْمَاعًا، وَالْمرَاد القَوْل بخلقه فَإِنَّهُ خطأ لكَونه من صِفَات الله عز وَجل وَصِفَاته قديمَة، وَالْقَدِيم لَيْسَ بمخلوق، إِذْ كل مَخْلُوق حَادث (وَإِرَادَة الشَّرّ) فَإِنَّهَا مِمَّا أَخطَأ فِيهَا الْمُعْتَزلَة حَيْثُ نفوها، وَهِي غير الْملَّة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (فمبتدع آثم) وَلَا يخفى عَلَيْك أَن ذكر الْإِثْم هَهُنَا فِي مَحَله لِأَن من الْبِدْعَة مَا لَيْسَ بإثم بل قد تكون وَاجِبَة كعلم النَّحْو أَو مُسْتَحبَّة كبناء الْمدَارِس، بِخِلَاف ذكره مَعَ الْكفْر كَمَا سبق فَإِنَّهُ ذكر هُنَاكَ إِشَارَة إِلَى كَونه مُشْتَركا بَين أَقسَام الْخَطَأ غير أَنه كَانَ الأولى تَقْدِيمه على الْكفْر لكَونه بِمَنْزِلَة الْجِنْس: لَكِن قدم الْكفْر للاهتمام بِشَأْنِهِ من حَيْثُ الِاحْتِرَاز عَنهُ (لَا كَافِر) لعدم كَون مَا ذكر من ضروريات الدّين كَمَا لَا يخفى (وَسَيَأْتِي فِيهِ) أَي فِي هَذَا النَّوْع (زِيَادَة) أَي زِيَادَة بَيَان، وَمَا عَن الشَّافِعِي فِي تَكْفِير الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن فجمهور أَصْحَابه تأولوه على كفران النِّعْمَة صرح بِهِ النَّوَوِيّ وَغَيره (وَأما) الْأَحْكَام (الْفِقْهِيَّة فمنكر الضَّرُورِيّ) مِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي يعرفهُ كل أحد حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان (كالأركان) أَي فَرضِيَّة الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج (وَحُرْمَة الزِّنَا وَالشرب) للخمر، وَقتل النَّفس الْمُحرمَة (وَالسَّرِقَة كَذَلِك) أَي كَافِر آثم لِأَن إِنْكَار مَا هُوَ من ضروريات مِلَّة الْإِسْلَام يسْتَلْزم إنكارها بِاجْتِهَاد بَاطِل (لانْتِفَاء شَرط الِاجْتِهَاد) وَهُوَ كَون الْمُجْتَهد فِيهِ نظريا بِأَن لَا يكون خِلَافه بديهيا (فَهُوَ) أَي إِنْكَار ذَلِك (إِنْكَار للمعلوم ابْتِدَاء) قبل النّظر. قَوْله ابْتِدَاء مُتَعَلق بالإنكار وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بالمعلوم، وَالْأول أوجه. وَأما قَوْله (عنادا) فَهُوَ يتَعَلَّق بالإنكار قطعا (و) مُنكر (غَيرهَا) أَي الضرورية (الْأَصْلِيَّة) بدل من غَيرهَا أَو صفة لَهُ لكَون التَّعْرِيف فِيهَا لفظيا فَلَا يضرّهُ كَون الْغَيْر نكرَة لعدم اكتسابه التَّعْرِيف لتوغله فِي الْإِبْهَام، وَالْمرَاد بهَا الْأَحْكَام الَّتِي يتَفَرَّع عَلَيْهَا مسَائِل فرعية (ككون الْإِجْمَاع حجَّة، وَالْخَبَر) أَي خبر الْوَاحِد حجَّة فَهُوَ مَعْطُوف على الْإِجْمَاع (وَالْقِيَاس) حجَّة (آثم) خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي مُنكر غَيرهَا. وَقَالَ

الْقَرَافِيّ وَقد خَالف جمع من الْأَئِمَّة فِي مسَائِل ضَعِيفَة المدارك بِالْإِجْمَاع السكوتي وَالْإِجْمَاع على الْحُرُوف وَنَحْوهَا فَلَا يَنْبَغِي تأثيمه لِأَنَّهَا لَيست قَطْعِيَّة: كَمَا أَن لَا نؤثم من يَقُول: الْعرض يبْقى زمانين أَو يَقُول بِنَفْي الْخَلَاء وَإِثْبَات الملاء وَغير ذَلِك (بِخِلَاف حجية لقرآن) وَالسّنة (فَإِنَّهُ) أَي إنكارها (كفر) فَإِنَّهُ من ضروريات مِلَّة الْإِسْلَام، وإنكاره كإنكارها (و) مُنكر (غَيرهَا) أَي الضرورية (الفرعية) إعرابه كإعراب الْأَصْلِيَّة فَارْجِع إِلَيْهِ. أَي الْأَحْكَام (الفرعية) الاجتهادية (فالقطع) حَاصِل على أَنه (لَا إِثْم) على الْمُخطئ فِيهَا (وَهُوَ) أَي الْقطع بِنَفْي الْإِثْم (مُقَيّد بِوُجُود شَرط حلّه) أَي الِاجْتِهَاد (من عدم كَونه فِي مُقَابلَة) دَلِيل (قَاطع: نَص أَو إِجْمَاع وَلَا يعبأ) أَي لَا يعْتد (بتأثيم بشر) المريسي (والأصم) أبي بكر وَابْن علية والظاهرية والإمامية الْمُخطئ فِي الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع لِأَن الْحق فِيهَا مُتَعَيّن وَعَلِيهِ دَلِيل قَاطع، فَمن أَخطَأ فَهُوَ آثم غير كَافِر، وَإِنَّمَا لَا يعبأ بِهِ (لدلَالَة إِجْمَاع الصَّحَابَة على نَفْيه) أَي تأثيم الْمُخطئ فِيهَا (إِذْ شاع اخْتلَافهمْ) فِي الْمسَائِل الاجتهادية، وَلَا بُد من خطأ وَاحِد من المتناقضين (وَلم ينْقل تأثيم) من بَعضهم لبَعض (وَلَو كَانَ) أَي لَو وجد الْإِثْم للمخطئ (لوقع) ذَلِك لِأَنَّهُ أَمر خطير وَلَو ذكر لنقل واشتهر، وَلما لم ينْقل تأثيم علم عدم الذّكر وَعدم الْإِثْم، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى وَلَو كَانَ التأثيم لوقع ذكره عندنَا بِنَقْل التأثيم (وَلَو استؤنس لَهما) أَي لبشر والأصم. وَالْمعْنَى وَلَو طلب زَوَال الوحشة عَن كَلَامهمَا الْبعيد عَن الْأنس (بقول ابْن عَبَّاس أَلا يتقى الله زيد بن ثَابت، يَجْعَل ابْن الابْن ابْنا وَلَا يَجْعَل أَب الْأَب أَبَا أمكن) جَوَاب لَو: أَي أمكن أَن يسْتَأْنس بِهِ قد جَاءَ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاع على عدم التَّأْثِير بِأَن يُقَال كَيفَ يتَحَقَّق الْإِجْمَاع من الصَّحَابَة على عَدمه مَعَ وُقُوع التأثيم من ابْن عَبَّاس فِي حق زيد (لكنه) أَي ابْن عَبَّاس (لم يتبع) أَي لم يتبعهُ أحد (على مثله) أَي على مثل تأثيمه زيدا، وَلَا يُمكن أَن يُقَال عدم الِاتِّبَاع لعدم وُقُوع مثل مَا وَقع من زيد أَو اتبع لَكِن لم ينْقل إِلَيْنَا لندرته (إِذْ) عدد (وقائع الْخلاف) من زمن الصَّحَابَة إِلَى انْقِرَاض الْمُجْتَهدين (أَكثر من أَن تحصى) أَي من عدد مَا يدْخل تَحت الْحصْر، وَكلمَة أَن مَصْدَرِيَّة، وَالْمرَاد بِالْمَصْدَرِ المحصور والمضاف مَحْذُوف (وَلَا تأثيم) وَاقع فِي وَاقعَة مِنْهَا من أحد لأحد، فَعدم الْإِنْكَار والتأثيم فِي كل عصر إِجْمَاع من أهل ذَلِك الْعَصْر على خلاف مَا قَالَه ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ (الجاحظ لَا إِثْم على مُجْتَهد) نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي يعم كل مُجْتَهد (وَلَو) كَانَ الْخَطَأ مِنْهُ وَاقعا (فِي نفي الْإِسْلَام وَإِن) كَانَ ذَلِك النَّفْي للِاجْتِهَاد صادرا (مِمَّن لَيْسَ مُسلما) كلمة إِن وصلية، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوت نفي الْإِثْم عَن الْمُسلم الْمُؤَدى اجْتِهَاده إِلَى نفي الْإِسْلَام بِالطَّرِيقِ الأولى، وَهُوَ غير ظَاهر، بل الظَّاهِر أَن وُقُوع مثل هَذَا

الِاجْتِهَاد من الْمُسلم أَشد فِي الْإِثْم لِأَنَّهُ قد ظهر عِنْده حقية الْإِسْلَام قبل هَذَا الِاجْتِهَاد، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن مَقْصُود الجاحظ من نفي الْإِثْم عدم الخلود فِي النَّار وَعدم الخلود فِي حق من لم يَتَّصِف بِالْإِسْلَامِ فَقَط أبعد من عَدمه فِي حق من اتّصف بِهِ ثمَّ صدر مِنْهُ مَا لَيْسَ بإثم فَتَأمل (وتجري عَلَيْهِ) أَي على النَّافِي الْمَذْكُور فِي الدُّنْيَا (أَحْكَام الْكفَّار) لِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى إِجْرَاء أَحْكَام الْمُسلمين عَلَيْهِ لعدم الْإِسْلَام، وَلَا وَاسِطَة فِي الدُّنْيَا بَين أَحْكَام الْكفَّار وَأَحْكَام الْمُسلمين. فَإِذا انْتَفَى إِحْدَاهمَا تعين الْأُخْرَى (وَهُوَ) أَي نفي الْإِثْم (مُرَاد الْعَنْبَري بقوله الْمُجْتَهد) أَي كل مُجْتَهد (فِي العقليات مُصِيب، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مُرَاده من الْإِصَابَة نفي الْإِثْم (اجْتمع النقيضان فِي نفس الْأَمر) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم أَن يكون مُرَاده مُطَابقَة مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده نفس الْأَمر، إِذْ لَا سَبِيل إِلَى مَا يُرَاد بهَا فِي العمليات، وَهُوَ كَون مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد حكم الله تَعَالَى بِمَعْنى خطابه الْمُتَعَلّق بِفعل العَبْد يجوز أَن يكون مُتَعَلق خطاب الْمُجْتَهد مُخَالفا لمتعلق خطاب مُجْتَهد آخر فِي مسئلة وَاحِدَة، وَذَلِكَ لِأَن الْمَطْلُوب فِيهَا الْعَمَل بِخِلَاف العقليات. فَإِن الْمَطْلُوب فِيهَا الِاعْتِقَاد كمضمون خبري مُطَابق للْوَاقِع فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون الْمَطْلُوب من زيد اعْتِقَاد حُدُوث الْعَالم وَمن عَمْرو قدمه لِأَن أَحدهمَا غير مُطَابق قطعا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي نفس الْأَمر احْتِرَازًا عَن اجْتِمَاعهمَا فِي المطلوبية صُورَة كَمَا فِي العمليات، وَإِنَّمَا قُلْنَا صُورَة إِذْ لَيْسَ الْمَطْلُوب من الآخر حَقِيقَته لعدم اتِّحَاد الْمَطْلُوب مِنْهُ، هَذَا وَفِيه رد على السُّبْكِيّ حَيْثُ نفى أَن يكون مُرَاد الْعَنْبَري نفي الْإِثْم، فَإِن ذَلِك مَذْهَب الجاحظ، بل كَون مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده حكم الله وَافق نفس الْأَمر أَولا، وَوَافَقَهُ الْكرْمَانِي، ورد عَلَيْهِمَا الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بِأَن الْكَلَام فِي العقليات الَّتِي لَا دخل فِيهَا لوضع الشَّارِع ككون الْعَالم قَدِيما وَكَون الصَّانِع مُمكن الرُّؤْيَة. ثمَّ قيل أَنه عمم فِي العقليات بِحَيْثُ شَمل أصُول الديانَات وَأَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس على صَوَاب. وَقيل أُصُولهَا الَّتِي يخْتَلف فِيهَا أهل الْقبْلَة، وَهَذَا وَإِن كَانَ أنسب بِحَال الْمُسلم غير أَن دليلهم يُفِيد التَّعْمِيم كَمَا سَيَجِيءُ. (لنا إِجْمَاع الْمُسلمين قبل الْمُخَالف) أَي الجاحظ والعنبري وَمن تبعهما (من الصَّحَابَة وَغَيرهم) بَيَان للْمُسلمين (من لَدنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ حَال من الْإِجْمَاع أَي مبتدئا من زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى زمَان الْمُخَالف، ترك ذكر الْغَايَة للظهور (وهلم عصرا تلو عصر) أَرَادَ بِهِ اسْتِيعَاب الْأَعْصَار فِيمَا بَين الْمُبْتَدَأ والمنتهى الْمَذْكُورين، وهلم اسْم فعل، وعصرا مَفْعُوله، يَعْنِي أحضر عصرا بعد عصر فِي نظرك إِلَى أَن تستوعب الْأَعْصَار، فَهَلُمَّ اسْم فعل لَا يتَصَرَّف، أَصله هالم بِمَعْنى اقصد حذفت الْألف (على قتال الْكفَّار) مُتَعَلق بِالْإِجْمَاع (وَأَنَّهُمْ فِي النَّار) مَعْطُوف على الْقِتَال (بِلَا فرق بَين مُجْتَهد ومعاند) وَهُوَ الَّذِي اخْتَار الْكفْر

من غير اجْتِهَاد مُكَابَرَة (مَعَ علمهمْ) أَي الْمُسلمين المجمعين (بِأَن كفرهم لَيْسَ بعد ظُهُور حقية الْإِسْلَام لَهُم) مُتَعَلق بالظهور، وَالضَّمِير للْكفَّار، فَلَا يرد أَن إِجْمَاع الْمُسلمين على قِتَالهمْ إِنَّمَا هُوَ مَبْنِيّ على اجتهادهم بعد ظُهُور حقيته كاجتهاد من يجْتَهد فِي الْفُرُوع فِي مُقَابلَة الْقطع فِي عدم الصِّحَّة كَمَا أَن صِحَة الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع مَوْقُوفَة على عدم الْقطع فِي مَحل الِاجْتِهَاد فَكَذَلِك صِحَّته فِي الْأُصُول أَعنِي العقائد مَوْقُوفَة على عدم حقيتها، وَمن هَذَا لَا يلْزم عدم صِحَة الِاجْتِهَاد فِيهَا إِذا لم تظهر حقيتها قبل الِاجْتِهَاد، فَلَا يلْزم بطلَان مَذْهَب الجاحظ لِأَن مُرَاده عدم الْإِثْم على من يجْتَهد اجْتِهَادًا صَحِيحا (وَالْأول) أَي الْإِجْمَاع على قِتَالهمْ (لَا يجْرِي) دَلِيلا على تأثيم الْمُجْتَهد مِنْهُم بِنَاء (على) رَأْي (الْحَنَفِيَّة الْقَائِلين) ب (وُجُوبه) أَي وجوب قِتَالهمْ (لكَوْنهم حَربًا) أَي عدوا مُحَاربًا، يَسْتَوِي فِيهِ الْجمع وَالْوَاحد وَالذكر وَالْأُنْثَى (علينا لَا لكفرهم) يَعْنِي لَو كَانَ سَبَب قتال الْكفَّار الَّذين أدّى اجتهادهم إِلَى الْكفْر كفرهم كَانَ يلْزم تأثيمهم لِأَن الْكفْر الَّذِي لَا إِثْم فِيهِ لَا يصلح سَببا لِلْقِتَالِ، وَأما إِذا كَانَ سَببه دفع غلبتهم الْمُوجبَة لهدم الْإِسْلَام فَلَا يلْزم كَونهم آثمين فِي كفرهم الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم، فَلَيْسَ للحنفية أَن يحتجوا على الجاحظ بِالْإِجْمَاع على الْقِتَال (وَإِنَّمَا لَهُم الْقطع) فِي تأثيمهم على الْإِطْلَاق سَوَاء كفرهم بِالِاجْتِهَادِ أَو لَا (بالعمومات) الدَّالَّة على ذَلِك (مثل) قَوْله تَعَالَى و ({ويل للْكَافِرِينَ}) فَإِنَّهُ يعم الْمُجْتَهد وَغَيره وَقَوله تَعَالَى ({وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين}) سَوَاء كَانَ ابتغاؤه لذَلِك بِالِاجْتِهَادِ أَو لَا، وَهَذَا الْقطع (إِمَّا من الصِّيغَة) الْمَوْضُوعَة للْعُمُوم كالمحلى بلام الِاسْتِغْرَاق والموصول كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة من أَن مَدْلُول الْعَام قَطْعِيّ (أَو) من (الاجماعات) الكائنة من الصَّدْر الأول من قبل ظُهُور الْمُخَالف (على عدم التَّفْصِيل) فِي كفرهم وَعدم الْفرق بَين أَن يكون عَن اجْتِهَاد وَبَين أَن لَا يكون عَنهُ، وَهَذَا من قبل الْكل الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم. (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِنَفْي الْإِثْم عَن الْمُجْتَهد فِي الْإِسْلَام (تكليفهم) أَي مجتهدي الْكفَّار (بنقيض مجتهدهم) على صِيغَة الْمَفْعُول: أَي بنقيض مَا أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم، وَهُوَ الْإِسْلَام فَفِيهِ حذف واتصال، أَصله مُجْتَهد فِيهِ تَكْلِيف (بِمَا لَا يُطَاق لِأَنَّهُ) أَي نقيض مجتهدهم وَهُوَ التَّصْدِيق الإسلامي (كَيفَ) غير اخْتِيَاري فَإِنَّهُ علم، وَالْعلم من مقولة الكيف (لَا فعل) وَهُوَ التَّأْثِير لقَوْله الكيف الصَّادِر اخْتِيَارا، فَإِذا لم يكن مجتهدهم مُكَلّفا بخصوصية الْإِسْلَام. وَلَا شكّ أَنه مُكَلّف (فالمكلف بِهِ اجْتِهَاده) فِي تَحْصِيل الْإِسْلَام (وَقد فعل) مَا كلف بِهِ فَخرج عَن عُهْدَة الِامْتِثَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ. (الْجَواب منع فعله) أَي لَا نسلم أَنه فعل مَا كلف بِهِ (إِذْ لَا شكّ أَن على هَذَا الْمَطْلُوب) الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام (أَدِلَّة قَطْعِيَّة ظَاهِرَة) فِي نفس الْأَمر بِحَيْثُ (لَو وَقع النّظر فِي موادها)

الْمَوْجُودَة فِي الْأَنْفس والآفاق المنادية بِلِسَان الْحَال أَن الطَّرِيق هَكَذَا لَا يتَغَيَّر لظاهره كَالشَّمْسِ فِيمَا يتَعَلَّق بِالْعقلِ، وَالْخَبَر كالمتواتر فِيمَا يتَعَلَّق بِالسَّمْعِ (لَزِمَهَا) جَوَاب لَو: أَي لزم الْمَطْلُوب الْمَذْكُور الْموَاد الْمَذْكُورَة على تَقْدِير النّظر (قطعا) فَكيف يكون ممتثلا الْأَمر بِالِاجْتِهَادِ وَلم يفتح بَصَره إِلَى تِلْكَ الْموَاد: إِذْ لَو فتح لرآها لكَمَال ظُهُورهَا (فَإِذا لم يثبت) الْمَطْلُوب عِنْد الْمَأْمُور بِالِاجْتِهَادِ (علم أَنه) أَي عدم ثُبُوته عِنْده (لعدم) تحقق (الشُّرُوط) الْمُعْتَبرَة فِي النّظر، وَلَيْسَ عدم تحققها لكَمَال غموضها وَعجز الْمُكَلف عَن الْوُصُول إِلَيْهَا، بل (بالتقصير) وَعدم الِالْتِفَات إِلَى مَا يرشده إِلَى الْمَطْلُوب لانهماكه فِي مطمورة تَقْلِيد الْآبَاء، وَهُوَ بمعزل عَن دَائِرَة الِاجْتِهَاد، وَأَنا أضْرب لَك (مثلا) فِي هَذَا فَأَقُول (من بلغه بأقصى فَارس) الْبَاء بِمَعْنى فِي وَهُوَ ظرف للبلوغ (ظُهُور مدعي نبوة) فَاعل بلغ (ادّعى نسخ شريعتكم) قَوْله ادّعى صفة لمُدعِي النُّبُوَّة وخطاب شريعتكم إِنَّمَا هُوَ فِي كَلَام الْمبلغ ذكر على سَبِيل الْحِكَايَة (لزمَه) أَي الَّذِي بلغه فِي أقْصَى فَارس (السّفر) أَن يُسَافر (إِلَى مَحل ظُهُور دَعوته) كبلاد الْعَرَب (لينْظر أتواتر وجوده ودعواه) فَإِن أَخْبَار الْآحَاد لَا تفِيد الْقطع (ثمَّ أتواتر من) أَخْبَار (صِفَاته وأحواله مَا يُوجب الْعلم بنبوته، فَإِذا اجْتهد) اجْتِهَادًا (جَامعا للشروط قَطعنَا من) مُقْتَضى (الْعَادة أَنه يلْزمه) أَي الْمُجْتَهد الْجَامِع لَهَا (علمه بِهِ) أَي الْمَطْلُوب (لفرض وضوح الْأَدِلَّة) وضوحا لَا يخفى على من لَهُ أدنى مرتبَة من الِاجْتِهَاد (وَلَو اجْتهد) من بلغه مَا ذكر (فِي مَكَانَهُ فَلم يجْزم بِهِ) أَي بِمَا أخبر عَنهُ (لَا يعْذر لِأَنَّهُ) أَي اجْتِهَاده (فِي غير مَحَله) أَي ظُهُور دَعوته (وَالْحَاصِل أَنه كلف بِالنّظرِ الصَّحِيح) المستجمع شُرُوطه (وَلم يَفْعَله) أَي مَا كلف بِهِ من النّظر الصَّحِيح. (وَأما الْجَواب) عَن حجتهم (بِمَنْع كَون نقيض اعْتِقَادهم) أَي معتقدهم الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم (غير مَقْدُور إِذْ ذَاك) تَعْلِيل للْمَنْع: أَي الَّذِي لَا يجوز التَّكْلِيف بِهِ لكَونه غير مَقْدُور لِأَنَّهُ هُوَ (الْمُمْتَنع عَادَة) أَي امتناعا عاديا (كالطيران وَحمل الْجَبَل) وَمَا نَحن فِيهِ لَيْسَ مِنْهُ (وَمَا ذكرُوا من الِامْتِنَاع) فَهُوَ مَعْطُوف على مَدْخُول الْبَاء: أَي وَأما الْجَواب بِمَا ذكر من الِامْتِنَاع فِي تكليفهم بنقيض مجتهدهم (بِشَرْط وصف الْمَوْضُوع) خبر الْمَوْصُول، يَعْنِي أَن الِامْتِنَاع الَّذِي ادعيتموه إِنَّمَا يَصح إِذا أخذت الْقَضِيَّة الْمَذْكُورَة فِي الدَّلِيل مَشْرُوطَة بِشَرْط الْوَصْف العنواني، تَقْرِيره (هَكَذَا مُعْتَقد) بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل (ذَلِك الْكفْر) الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (يمْتَنع اعْتِقَاده غَيره) أَي غير معتقده (مَا دَامَ) ذَلِك المعتقد (معتقده والمكلف بِهِ) أَي الَّذِي كلف بِهِ الْكَافِر الْمُجْتَهد إِنَّمَا هُوَ (الْإِسْلَام) مُطلقًا، لَا الْإِسْلَام عِنْد وجود معتقده حَتَّى يمْنَع تَكْلِيفه وَالْحَاصِل أَن الْمُمْتَنع اعْتِقَاد النقيض مَعَ وجود اعْتِقَاد

مسئلة

النقيض الآخر، وَأما عِنْد زَوَال الِاعْتِقَاد عَن أحد النقيضين فَلَا يمْتَنع أَن يعْتَقد النقيض الآخر (وَهُوَ) أَي الْإِسْلَام مُطلقًا لَا مُقَيّدا بِمَا ذكر (مَقْدُور) للمكلف بِهِ (لَا يزِيل الشغب) وَهُوَ تهييج الشَّرّ فِي الأَصْل، وَالْمرَاد أَن الْجَواب بِمَا ذكر من الْأَمريْنِ لَا يزِيل الْخُصُومَة بَين الْفَرِيقَيْنِ (إِذْ يُقَال التَّكْلِيف) لمجتهدي الْكفَّار (بِالِاجْتِهَادِ لاستعلام ذَلِك) أَي طلب الْعلم بِمَا يُؤمن بِهِ بِأَن يُؤَدِّي اجْتِهَاده إِلَيْهِ (فَإِذا لم يؤد) الِاجْتِهَاد (إِلَيْهِ) أَي إِلَى مَا هُوَ الْمَطْلُوب (لَو لزم) على الْمُجْتَهد الَّذِي لم يؤد اجْتِهَاده إِلَيْهِ بل إِلَى نقيضه (كَانَ) ذَلِك اللَّازِم الْمُكَلف بِهِ تكليفا (بِمَا لَا يُطَاق) فَلَا وَجه حِينَئِذٍ لِأَن يُقَال حِينَئِذٍ: لَا نسلم أَن نقيض اعْتِقَادهم غير مَقْدُور، إِذْ ذَاك الْمُمْتَنع عَادَة، لِأَن من اجْتهد وَآل اجْتِهَاده إِلَى الْكفْر وَلم يظْهر لَهُ سواهُ فَهُوَ عَاجز عَن الْإِيمَان كمن هُوَ عَاجز عَن الطيران، أَو يُقَال الِامْتِنَاع بِشَرْط الْوَصْف، فَإِن الْوَصْف إِذا كَانَ لَازِما للموضوع يَسْتَحِيل أَن يُفَارق، فَكيف يطْلب من موصوفه الاتصاف بِخِلَافِهِ؟ مسئلة قَالَ (الجبائي) رَئِيس الْمُعْتَزلَة (وَنسب إِلَى الْمُعْتَزلَة) كلهم مقول القَوْل، ونائب الْفَاعِل فِي نسب على سَبِيل التَّنَازُع قَوْله (لَا حكم فِي المسئلة الاجتهادية) أَي الَّتِي لَا قَاطع فِيهَا من نَص أَو إِجْمَاع (قبل الِاجْتِهَاد سوى إِيجَابه) أَي الِاجْتِهَاد فِيهَا (بِشَرْطِهِ) أَي الْإِيجَاب إِمَّا عينا بِأَن خَافَ فَوت الْحَادِثَة الَّتِي استفتى فِيهَا على غير الْوَجْه الشَّرْعِيّ لَو لم يكن ثمَّ غَيره من الْمُجْتَهدين، أَو الَّتِي نزلت بِهِ، أَو كِفَايَة لَو لم يخف، وَثمّ غَيره على مَا مر (فَمَا أدّى) الِاجْتِهَاد (إِلَيْهِ) من الظَّن الْحَاصِل بِهِ (تعلق) الحكم الشَّرْعِيّ بِتِلْكَ المسئلة ويتحقق حِينَئِذٍ (وَلَا يمْتَنع تبعيته) أَي الحكم (للِاجْتِهَاد لحدوثه) أَي الحكم (عِنْدهم) أَي الْمُعْتَزلَة. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَقد ينْسب ذَلِك إِلَى الْأَشْعَرِيّ بِمَعْنى أَنه لم يتَعَلَّق الحكم بالمسئلة قبل الِاجْتِهَاد، وَإِلَّا فَالْحكم قديم عِنْده انْتهى. (و) قَالَ (الباقلاني وَطَائِفَة) من الْأُصُولِيِّينَ (الثَّابِت قبله) أَي الِاجْتِهَاد (تعلق مَا يتَعَيَّن بِهِ) أَي أَن حكم الله تَعَالَى تعلق إِجْمَالا بِمَا سيتعين بِالِاجْتِهَادِ: كَأَنَّهُ قَالَ لَو أوجبت عَلَيْك الْعَمَل بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد (وَإِذ علمه) تَعَالَى (مُحِيط بِمَا سيتعين) بعد الِاجْتِهَاد من الحكم (أمكن كَون الثَّابِت) فِي نفس الْأَمر وَفِي علم الله تَعَالَى (تعلق) حكم (معِين فِي حق كل) من الْمُجْتَهدين (وَهُوَ) أَي ذَلِك الْمعِين (مَا علم) الْمُحِيط بِمَا سيتعين (أَنه يَقع) ويستقر (عَلَيْهِ اجْتِهَاده) غَايَة الْأَمر أَن علم الْمُجْتَهد بالتعين إِنَّمَا يحصل بعد الِاجْتِهَاد، وَلَا يُقَال هَذَا تَكْلِيف بِالْمَجْهُولِ، وَهُوَ لَيْسَ فِي وَسعه. لِأَنَّهُ إِنَّمَا يلْزم التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق إِذا لم يكن لَهُ طَرِيق إِلَى الْعلم بِهِ

وَطَرِيقَة الِاجْتِهَاد، فَمن لم يثبت الحكم الْمعِين قبل الِاجْتِهَاد لم يتفطن لهَذِهِ الدفعة (وَإِذ وَجب الِاجْتِهَاد) فِي المسئلة الاجتهادية على الْمُجْتَهدين (تعدد الحكم) فِيهَا (بتعددهم) وَاخْتِلَاف آرائهم الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا اجتهادهم، وَعدم جَوَاز بتقليد بَعضهم بَعْضًا. (وَالْمُخْتَار) عِنْد الْمُحَقِّقين من أهل الْحق أَن حكم الْوَاقِعَة الْمُجْتَهد فِيهَا قبل الِاجْتِهَاد (حكم معِين أوجب) الله تَعَالَى (طلبه) على من لَهُ أَهْلِيَّة الِاجْتِهَاد (فَمن أَصَابَهُ) أَي ذَلِك الْمعِين فَهُوَ (الْمُصِيب) لإصابته إِيَّاه (وَمن لَا) يُصِيبهُ فَهُوَ (الْمُخطئ) لعدم إِصَابَته. (وَنقل عَن) الْأَئِمَّة (الْأَرْبَعَة) هَذَا الْمُخْتَار (ثمَّ) الْمَذْهَب (الْمُخْتَار أَن الْمُخطئ مأجور) أجرا وَاحِدًا لاجتهاده، بِخِلَاف الْمُصِيب فَإِن لَهُ أَجْرَيْنِ: لاجتهاده، وإصابته (و) نقل (عَن طَائِفَة) أَنه (لَا أجر) للمخطئ (وَلَا إِثْم) عَلَيْهِ (وَلَعَلَّه) أَي الْخلاف فِي وجود الْأجر (لَا يتَحَقَّق) فِي نفس الْأَمر (فَإِن القَوْل بأجره لَيْسَ على خطئه) فَمن قَالَ مأجور لم يقل إِنَّه مأجور لخطئه (بل لامتثاله أَمر الِاجْتِهَاد، وَثُبُوت ثَوَاب ممتثل الْأَمر مَعْلُوم من الدّين) ضَرُورَة (لَا يَتَأَتَّى نَفْيه) فَكيف يَنْفِيه الْقَائِل بنفيه، فَتعين أَن مُرَاده نفى الْأجر لخطئه (وإثم خطئه مَوْضُوع) أَي مَرْفُوع عَنهُ (اتِّفَاقًا) فَلَا يرد أَن الْإِثْم فِي اجْتِهَاده فَكيف يَنْفِيه الْقَائِل بنفيه، فَتعين أَن مُرَاده نفي الْأجر لخطئه وإثم خطئه مَوْضُوع يُؤجر (فَهُوَ الأول) أَي القَوْل الثَّانِي عين القَوْل الأول بِحَسب الْمَآل (وَهَذَانِ) الْقَوْلَانِ مبنيان (على أَن عَلَيْهِ) أَي على الحكم الْمعِين (دَلِيلا ظنيا) وَعَلِيهِ أَكثر الْفُقَهَاء وَكثير من الْمُتَكَلِّمين (وَقيل) بل عَلَيْهِ دَلِيل (قَطْعِيّ، والمخطئ آثم) كَأَنَّهُ زعم فِيهِ بعض تَقْصِير فِي اجْتِهَاده، وَلَا يخفى مَا فِيهِ، وَهُوَ (قَول بشر والأصم، وَقيل غير آثم لخفائه) أَي الدَّلِيل الْقطعِي، قيل وَمَال إِلَيْهِ الماتريدي، وَنسبه إِلَى الْجُمْهُور. (وَنقل الْحَنَفِيَّة الْخلاف) فِي (أَنه) أَي الْمُخطئ (مُخطئ ابْتِدَاء وانتهاء، أَو انْتِهَاء) فَقَط (وَهُوَ) أَي كَونه مُخطئ انْتِهَاء فَقَط (الْمُخْتَار) وَعَزاهُ بَعضهم إِلَى الشَّافِعِي. وَقَوله نقل الْحَنَفِيَّة مُبْتَدأ خَبره (لَا يتَحَقَّق) لعدم معقوليته (إِذْ الِابْتِدَاء بِالِاجْتِهَادِ) وبذل المجهود لنيل الْمَقْصُود (وَهُوَ) أَي الْمُجْتَهد (بِهِ) أَي بِاجْتِهَادِهِ (مؤتمر) أَي ممتثل لما أَمر بِهِ بِقدر وَسعه (غير مُخطئ بِهِ) أَي بِهَذَا الائتمار وبذل الوسع (قطعا) كَيفَ وَهُوَ آتٍ بِمَا كلف بِهِ (وَإِن حمل) كَونه مخطئا ابْتِدَاء (على خطئه) أَي الْمُجْتَهد (فِيهِ) أَي الِاجْتِهَاد (لَا خلاله) أَي الْمُجْتَهد (بِبَعْض شُرُوط الصِّحَّة) أَي صِحَة الدَّلِيل الْموصل إِلَى الحكم الْمعِين عِنْد الله تَعَالَى من حَيْثُ الْمَادَّة أَو الصُّورَة (فاتفاق) أَي فالمحمول عَلَيْهِ مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ عين القَوْل الْمُخْتَار، فَلَا خلاف فِي الْمَعْنى بَين من يَقُول ابْتِدَاء وانتهاء، وَبَين من يَقُول انْتِهَاء، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي التَّسْمِيَة فَقَط، فَعلم أَن نقل الْخلاف غير صَحِيح (لنا) على الْمَذْهَب الْمُخْتَار أَن لله تَعَالَى

حكما معينا فِي مَحل الِاجْتِهَاد يُصِيبهُ تَارَة ويخطئه أُخْرَى، وَلَيْسَ كل مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد حكم الله تَعَالَى فِي نفس الْأَمر (لَو كَانَ الحكم) أَي خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِفعل العَبْد هُوَ عين (مَا) أدّى الِاجْتِهَاد (إِلَيْهِ كَانَ) الْمُجْتَهد (بظنه) الْحَاصِل بِالِاجْتِهَادِ (يقطع بِأَنَّهُ) أَي المظنون الَّذِي أدّى إِلَيْهِ (حكمه تَعَالَى) وَالثَّانِي بَاطِل يدل على بُطْلَانه قَوْله (وَالْقطع) حَاصِل (بِأَن الْقطع) بِأَن مظتونه حكمه تَعَالَى (مَشْرُوط بِبَقَاء ظَنّه) الْحَاصِل بِالِاجْتِهَادِ، لِأَن الَّذِي علم قطعا أَن مظنونه عين حكم الله تَعَالَى فِي حَقه كَيفَ يتَصَوَّر أَن يتَحَوَّل عَنهُ بِأَن يشك فِيهِ أَو يظنّ خِلَافه فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون قطعه بِكَوْن المظنون حكم الله تَعَالَى فِي حَقه مُقَيّدا بِعَدَمِ طرُو مَا يُنَافِي ذَلِك الظَّن من شكّ أَو ظن بِخِلَافِهِ، وَعند طروه يتَغَيَّر حكم الله تَعَالَى فِي حَقه إِلَى بدل أَن تعلق ظَنّه بِخِلَاف مُتَعَلق الظَّن الأول أَولا إِلَى بدل أَن لم يتَعَلَّق قلت: يلْزم حِينَئِذٍ تعدد حكم الله تَعَالَى فِي حَادِثَة وَاحِدَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى شخص وَاحِد والنسخ، وَسَيَجِيءُ تَفْصِيله (وَالْإِجْمَاع) مُنْعَقد (على جَوَاز تغيره) أَي الظَّن الْمَذْكُور بِأحد الْوَجْهَيْنِ (وَوُجُوب الرُّجُوع) عَن الظَّن الْمَذْكُور مَعْطُوف على مَدْخُول على الْمُتَعَلّقَة بِالْإِجْمَاع (وَأَنه) أَي الْمُجْتَهد (لم يزل عِنْد ذَلِك الْقطع) أَي الْقطع بِأَنَّهُ حكمه تَعَالَى. قَوْله أَنه لم يزل مَعْطُوف على بَقَاء ظَنّه، وَالْمرَاد بِاشْتِرَاط الْقطع بِكَوْنِهِ لم يزل عِنْده لُزُوم هَذَا الْكَوْن لَهُ، فَلَا يرد أَنه لَا وَجه لتقديم هَذَا الْكَوْن على الْقطع (وإنكاره) أَي إِنْكَار بَقَاء الظَّن وَعدم جزم مزيل لَهُ (بهت) أَي مُكَابَرَة، يجوز أَن يكون الْمَعْنى وإنكار لُزُوم كَونه لم يزل عِنْد ذَلِك الْقطع للْقطع بِأَنَّهُ حكم الله تَعَالَى فِي حَقه بهت، لِأَن الْعلم الْقطعِي لَا يتَغَيَّر: وَهَذَا أظهر من حَيْثُ الْعبارَة، لَكِن القَاضِي عضد الدّين صدر بِهِ فِي شرح الْمُخْتَصر بِالْمَعْنَى الأول (فيجتمع الْعلم) الْقطعِي بِأَنَّهُ حكم الله تَعَالَى (وَالظَّن) بِأَنَّهُ حكمه تَعَالَى (فيجتمع النقيضان: تَجْوِيز النقيض) اللَّازِم لحقيقة الظَّن الْمُتَعَلّق بِأَنَّهُ حكم الله تَعَالَى (وَعَدَمه) أَي عدم تَجْوِيز النقيض اللَّازِم لحقيقة الْعلم وَالْقطع بِأَنَّهُ حكمه، وَيحْتَمل أَن يُرَاد الْعلم وَالظَّن المتعلقان بِمَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد ومآلهما وَاحِد حَاصِل الِاسْتِدْلَال أَن كَون مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد حكم الله تَعَالَى فِي حَقه يسْتَلْزم الْقطع المستلزم للمحظورات الثَّلَاث لُزُوم بَقَاء الظَّن وَالْإِجْمَاع على عدم لُزُومه واستمرار الْقطع المزيل للظن وإنكار بَقَاء الظَّن بهت، واجتماع الْعلم وَالظَّن المستلزم لِاجْتِمَاع النقيضين (وإلزام كَونه) أَي كَون اجْتِمَاع النقيضين (مُشْتَرك الْإِلْزَام) بِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على وجوب اتِّبَاع الظَّن، فَيجب الْفِعْل إِذا ظن الْوُجُوب قطعا، وَيحرم إِذا ظن الْحُرْمَة قطعا، ثمَّ شَرط الْقطع بَقَاء الظَّن بِمَا ذكرْتُمْ، فَيلْزم الظَّن وَالْقطع مَعًا، ويجتمع النقيضان (مُنْتَفٍ) خبر الْمُبْتَدَأ (لاخْتِلَاف مَحل الظَّن) أَي مُتَعَلّقه على الْمَذْهَب الْحق (وَهُوَ)

أَي مَحل الظَّن (حكمه) تَعَالَى (أَي خطابه) الْمَطْلُوب بِالِاجْتِهَادِ (وَالْعلم) مَعْطُوف على الظَّن (وَهُوَ) أَي مَحل الْعلم (حُرْمَة مُخَالفَته) أَي المظنون (بِشَرْط بَقَاء ظَنّه) أَي الحكم أَو الْمُجْتَهد (فَهُنَا) أَي فِي المسئلة الاجتهادية (خطابان): أَحدهمَا الْخطاب (الثَّابِت فِي نفس الْأَمر) قبل الِاجْتِهَاد الْمُؤَدِّي إِلَى الظَّن لما عرفت. من أَن لله تَعَالَى فِي كل حَادِثَة حكما معينا وخطابا مُتَعَلقا بِفعل العَبْد (وَهُوَ) أَي الثَّابِت فِي نفس الْأَمر (المظنون) أَي الَّذِي بذل الْمُجْتَهد وَسعه فِي تَحْصِيله فَظن أَنه كَذَا لما أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده. لَا يُقَال مَا أدّى إِلَيْهِ تَارَة يكون على خلاف الثَّابِت فِي نفس الْأَمر، فَكيف يحكم بِأَن الثَّابِت هُوَ المظنون؟. لأَنا نقُول: لَيْسَ المُرَاد بالمظنون الحكم الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، بل الثَّابِت الَّذِي ظن مُطَابقَة مَا أدّى إِلَيْهِ إِيَّاه. (و) ثَانِيهمَا (تَحْرِيم تَركه) أَي المظنون الَّذِي أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد (ويلازمه) أَي تَحْرِيم التّرْك (إِيجَاب الْفَتْوَى بِهِ) أَي بالمظنون (وهما) أَي كل وَاحِد من تَحْرِيم التّرْك وَإِيجَاب الْفَتْوَى (مُتَعَلقَة) بِكَسْر اللَّام: أَي مُتَعَلق المظنون الَّذِي أدّى الِاجْتِهَاد إِلَيْهِ (الْمَعْلُوم) صفة مُتَعَلقَة، وَفَائِدَته الْإِشْعَار بِأَن كلا مِنْهُمَا حكم مَعْلُوم بِعَيْنِه قطعا، بِخِلَاف الثَّابِت فَإِنَّهُ لم يتَعَلَّق بِهِ الْعلم وَأَن تعلق بِهِ الظَّن (بِخِلَاف) قَول (المصوبة) فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الخطابان على مَا ذكرنَا (فَإِن الحكم فِي نفس الْأَمر) عِنْدهم (لَيْسَ إِلَّا مَا تأدى) الِاجْتِهَاد (إِلَيْهِ) لأَنهم لم يثبتوا حكما قبل الِاجْتِهَاد فَلَا يُمكنهُم أَن يَقُولُوا فِي دفع التَّنَاقُض مُتَعَلق الظَّن الحكم الثَّابِت فِي نفس الْأَمر، ومتعلق الْعلم غَيره (فَإِن قَالُوا) أَي المصوبة (نقُول مُتَعَلق الظَّن) كَونه) أَي كَون مَا أدّى إِلَيْهِ الظَّن من الأمارة الْمَخْصُوصَة (دَلِيلا) على الحكم المظنون (و) مُتَعَلق (الْعلم ثُبُوت مَدْلُوله شرعا بذلك الشَّرْط) يَعْنِي بَقَاء الظَّن (فَإِذا زَالَ) الشَّرْط (رَجَعَ) الْمُجْتَهد عَنهُ فَانْدفع عَنْهُم التَّنَاقُض وَلُزُوم عدم إِمْكَان رُجُوع الْمُجْتَهد عَمَّا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده بِمُوجب الْقطع لِأَن مُتَعَلق الْعلم الثُّبُوت المغيا بِتِلْكَ الْغَايَة. (أُجِيب بِأَن كَونه) أَي الدَّلِيل (دَلِيلا) أَيْضا (حكم شَرْعِي) يتَفَرَّع عَلَيْهِ أَحْكَام شَرْعِيَّة (وَإِن كَانَ غير عَمَلي فَإِذا ظَنّه) أَي إِذا ظن الْمُجْتَهد كَونه دَلِيلا (علمه) أَي علم أَنه دَلِيل (وَيتم إِلْزَامه اجْتِمَاع النقيضين) لِاتِّحَاد مُتَعَلق الظَّن وَالْعلم. وَلما أجَاب عَن الجوابين من أجوبة المصوبة أَرَادَ أَن يذكر مَا هُوَ الْعدة فِي الْجَواب من قبلهم، فَقَالَ: (وَالْجَوَاب أَن اللَّازِم) من التصويب (ثُبُوت الْعلم بالحكم مَا لم يثبت الرُّجُوع) أَي رُجُوع الْمُجْتَهد عَمَّا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (وَهُوَ) أَي ثُبُوت الرُّجُوع عَنهُ (انْفِسَاخ هَذَا الحكم) المرجوع عَنهُ (بِظُهُور المرجوع) إِلَيْهِ فَإِن قلت هَذَا نسخ بعد انْقِطَاع الْوَحْي قلت ظُهُوره بعد الِانْقِطَاع لَا أَصله، فَإِن أَصله حكم الله تَعَالَى قبل الِانْقِطَاع على الْمُجْتَهد بِأَنَّهُ إِذا ظهر لَك خلاف مَا أدّى إِلَيْهِ اجتهادك فَارْجِع عَنهُ إِلَيْهِ (لَا) ظُهُور (خطئه) أَي الحكم الأول (وبطلانه عِنْدهم) أَي المصوبة ثمَّ.

لما كَانَ هُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه كَيفَ يثبت الْعلم بالحكم مَعَ تَجْوِيز زَوَال مُوجبه؟ وَهُوَ الظَّن، وَزَوَال الْمُوجب يسْتَلْزم زَوَال الْمُوجب أجَاب عَنهُ بقوله (وتجويز انْقِضَاء مُدَّة الحكم بعد هَذَا الْوَقْت) أَي مُدَّة عدم ثُبُوت الرُّجُوع (لَا يقْدَح فِي الْقطع بِهِ) أَي بالحكم وَكَونه وَاجِب الْعَمَل مَا لم يثبت الرُّجُوع (حَال هَذَا التجويز) ظرف للْقطع بِهِ، ذكر تَأْكِيد الْعَدَم التَّنَافِي بَين الْقطع والتجويز، وَذَلِكَ لِأَن زمَان مُتَعَلق التجويز غير زمَان مُتَعَلق الْعلم (فَبَطل الدَّلِيل) الْمَذْكُور للمخطئة مندفعا (عَنْهُم) أَي المصوبة فَإِن قلت الدَّلِيل الْمَذْكُور يتَضَمَّن الْمَحْظُورَات الثَّلَاث كَمَا عرفت لُزُوم بَقَاء الظَّن، وَقد انْدفع بقييد زمَان الْقطع فَإِنَّهُ كَانَ مَبْنِيا على إِطْلَاقه بِحَيْثُ يسْتَغْرق الْأَزْمِنَة، واستمرار الْقطع المزيل للظن واندفاعه ظَاهر، لَكِن بَقِي دفع التَّنَاقُض قلت كَأَنَّهُ تَركه لظُهُوره وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ القَاضِي عضد الدّين بقوله: فَإِنَّهُ يسْتَمر الظَّن ريثما يحصل بِهِ الْقطع، فَإِذا حصل زَالَ الظَّن ضَرُورَة وَحكم الْقطع هُوَ اتِّبَاعه وَهُوَ بِهِ أَجْدَر من الظَّن. لَا يُقَال بِمُجَرَّد حُصُول الظَّن تعلق الْخطاب الْمُوجب للْعلم فاتحدا زَمَانا. لأَنا نقُول غَايَة الْأَمر مُقَارنَة الظَّن مَعَ تعلق الْخطاب، وَهُوَ لَا يسْتَلْزم مقارنته مَعَ الْعلم (وَبِهَذَا) الْجَواب (ينْدَفع) عَن المصوبة الدَّلِيل (الْقَائِل) وصف الدَّلِيل بالْقَوْل مجَازًا، ومقول القَوْل (لَو كَانَ) الظَّن مُوجبا للْعلم (امْتنع الرُّجُوع) عَن المظنون (لاستلزامه) أَي الرُّجُوع (ظن النقيض) أَي نقيض المظنون الَّذِي تعلق بِهِ الْعلم (وَالْعلم يَنْفِي احْتِمَاله) أَي احْتِمَال نقيض مُتَعَلّقه، وَإِن كَانَ مرجوحا فضلا عَن الظَّن، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا فِيمَا إِذا كَانَ الرُّجُوع عَن المظنون الأول إِلَى مظنون آخر، أما إِذا كَانَ عَنهُ إِلَى الشَّك فَيُقَال حِينَئِذٍ لاستلزامه احْتِمَال النقيض وَالْعلم يَنْفِيه (فَلم يكن الْعلم حِين كَانَ) أَي تحقق بزعمكم أَيهَا المصوبة (علما) لم يكن وَجه الاندفاع ظَاهر عِنْد تَقْيِيد ثُبُوت الْعلم بِمَا إِذا لم يثبت الرُّجُوع (أَو لَو كَانَ) الظَّن مُوجبا للْعلم مَعْطُوف على مقول القَوْل (جَازَ ظَنّه) أَي الْمُتَعَلّق بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده ثَانِيًا (مَعَ تذكر مُوجب الْعلم، وَهُوَ) أَي مُوجب الْعلم (الظَّن الأول لجَوَاز الرُّجُوع) تَعْلِيل لجَوَاز تعلق ظَنّه ثَانِيًا، بِخِلَاف مظنونه الأول فَيلْزم تخلف الْمُوجب عَن الْمُوجب مَعَ تذكره من غير ذُهُول، وَفِيه أَن تذكره عبارَة عَن تصَوره الْمُوجب إِنَّمَا هُوَ الادعاء وَقد زَالَ (أَو لَو كَانَ) ظن الحكم مُوجبا للْعلم (امْتنع ظَنّه) بِخِلَاف المظنون الأول (مَعَ تذكر الظَّن) الأول (لِامْتِنَاع ظن نقيض مَا علم مَعَ تذكر الْمُوجب) للْعلم (وَإِلَّا) أَي إِن لم يمْتَنع ظن نقيض مَا علم مَعَ تذكر الْمُوجب (لم يكن) ذَلِك الْمُوجب (مُوجبا) وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض (لكنه) أَي الظَّن (جَائِز) بِخِلَاف المظنون الأول إِجْمَاعًا (بِالرُّجُوعِ) أَي بِأَن يرجع عَن الظَّن الأول إِلَى خِلَافه (وَقد لَا يَكْتَفِي بِدَعْوَى ضَرُورِيَّة البهت) الْمَأْخُوذَة فِي دَلِيل المخطئة (فتجعل) الْأَوْجه الثَّلَاثَة المفادة بقوله لَو كَانَ امْتنع الرُّجُوع

إِلَى قَوْله لكنه جَائِز، فالرجوع (دَلِيل بَقَاء الظَّن) لِأَن محصول كل وَاحِد مِنْهَا لُزُوم الْفساد لكَون الظَّن مُوجبا للْعلم، فَإِذا انْتَفَى إِيجَابه للْعلم بَقِي مستمرا مَا لم يثبت الرُّجُوع عَنهُ (عِنْد الْقطع بمتعلقه) أَي الظَّن، الظّرْف مُتَعَلق بِبَقَاء الظَّن الْمَأْخُوذ فِي دَلِيل المخطئة الْمَذْكُور أَولا المفاد بقوله، وَالْقطع بِأَن الْقطع مَشْرُوط بِبَقَاء ظَنّه إِلَى قَوْله وإنكاره بهت فحاصله لَو كَانَ الظَّن مُوجبا للْعلم لزم عِنْد ذَلِك بَقَاء الظَّن للأوجه الثَّلَاثَة وَهُوَ يسْتَلْزم أَن لَا يكون مَعَه الْعلم لِأَن بَينهمَا تنافيا فِي اللوازم (لَا) أَن يَجْعَل كل وَاحِد مِنْهَا دَلِيلا (مُسْتقِلّا) على إبِْطَال مَذْهَب المصوبة (وألزم على) الْمَذْهَب (الْمُخْتَار) وَهُوَ مَذْهَب المخطئة (انْتِفَاء كَون الْمُوجب) للْحكم (مُوجبا) لَهُ مَعَ تذكر الْمُوجب (فِي) حق (الأمارة) على الحكم حَيْثُ قَالُوا: لَا يمْتَنع زَوَال ظن الحكم إِلَى ظن نقيضه مَعَ تذكر الأمارة الَّتِي عَنْهَا الظَّن فَهِيَ مُوجبَة لَهُ (وَجَوَابه) أَي الْإِلْزَام الْمَذْكُور (أَن بُطْلَانه) أَي بطلَان انْتِفَاء كَون الْمُوجب مُوجبا (فِي غَيرهَا) خبر أَن: أَي فِي غير الأمارة (أما هِيَ) أَي الأمارة (فَإذْ لَا رابط) بَينهَا وَبَين الحكم (عَقْلِي) صفة اسْم لَا مَرْفُوع فِي مَحَله، وَالْخَبَر مَحْذُوف (جَازَ انْتِفَاء مُوجبهَا مَعَ تذكرها) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي هِيَ، وَقَوله: إِذْ لَا رابط عَقْلِي مُعْتَرضَة تعليلا للْجُوَاز، وَذَلِكَ كَمَا يَزُول ظن نزُول الْمَطَر من الْغَيْم الرطب الَّذِي هُوَ أَمارَة لَهُ إِلَى ظن عَدمه مَعَ وجوده. وَلما زيف دَلِيل المخطئة بِمَا ذكر أَرَادَ أَن يذكر مَا هُوَ الْمُعْتَمد فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ فَقَالَ (بل الدَّلِيل) الَّذِي مَا عداهُ كَالْعدمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ (إِطْلَاق) الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (الْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد) أَي إِطْلَاقهم لفظ الْخَطَأ فِي بعض الِاجْتِهَاد أَو عدم تقييدهم الْخَطَأ بِمَا يُفِيد كَونه خطأ بِسَبَب مُخَالفَة نَص أَو قِيَاس جلي أَو إِجْمَاع، وَهُوَ عِنْد الْإِطْلَاق يُرَاد بِهِ مُخَالفَة حكم الله تَعَالَى (شَائِعا) أَي إطلاقا شَائِعا بَينهم (متكررا) فِي حوادث كَثِيرَة من كثير مِنْهُم بِالنِّسْبَةِ إِلَى كثير مِنْهُم (بِلَا نَكِير) من أحد مِنْهُم على أحد مِمَّن أطلق الْخَطَأ، فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُم على أَن الْمُجْتَهد قد يُخطئ وَلَا يُصِيب حكم الله تَعَالَى فِي اجْتِهَاده (كعلي) أَي كإطلاق عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْخَطَأ (وَزيد بن ثَابت وَغَيرهمَا من مخطئة ابْن عَبَّاس) رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا (فِي ترك الْعَوْل) وَهُوَ أَن يُزَاد على الْمخْرج من أَجْزَائِهِ إِذْ ضَاقَ عَن فرض من فروضه (وَهُوَ خطأهم) أَي ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا خطأ الصَّحَابَة (فَقَالَ من شَاءَ) مِنْكُم أَيهَا الْقَائِلُونَ بالعول (باهلته) أَي لَاعَنته، فَيَقُول كل منا: لعنة الله على من كذب (إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل فِي مَال وَاحِد نصفا وَنصفا وَثلثا، وَقَول أبي بكر) رَضِي الله عَنهُ (فِي الْكَلَالَة) وَهِي مَا خلا الْوَالِد وَالْولد (أَقُول فِيهَا برأيي إِلَى قَوْله وَإِن يكن خطأ فمني وَمن الشَّيْطَان) يَعْنِي إِن يكن صَوَابا فَمن الله تَعَالَى (وَمثله) أَي وَمثل قَول أبي بكر (قَول ابْن مَسْعُود) رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا (فِي المفوضة) فِي الْقَامُوس

فوض الْمَرْأَة: زَوجهَا بِلَا مهر (الْمُتَوفَّى عَنْهَا) زَوجهَا (أجتهد) مقول القَوْل (إِلَى قَوْله فَإِن يكن) مَا أدّى إِلَيْهِ اجتهادي (خطأ فَمن ابْن أم عبد) أَي عبد الله، يَعْنِي نَفسه، لم يقل فَمن ابْن مَسْعُود، إِشَارَة إِلَى أَنه ابْن امْرَأَة من جنس ناقصات الْعقل لَا يبعد الْخَطَأ مِنْهُ (و) روى (عَنهُ) أَي ابْن مَسْعُود (مثل) قَول (أبي بكر) فَفِي سنَن أبي دَاوُد عَنهُ: فَإِن بك صَوَابا فَمن الله تَعَالَى وَإِن يَك خطأ فمني وَمن الشَّيْطَان وَالله وَرَسُوله بريئان (وَقَول عَليّ لعمر فِي المجهضة) بِضَم الْمِيم وَكسر الْهَاء وَهِي الَّتِي أسقطت جَنِينا مَيتا خوفًا من عمر حَيْثُ استحضرها وَسَأَلَ من حَضَره عَن حكم ذَلِك، فَقَالَ عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِنَّمَا أَنْت مؤدب لَا نرى عَلَيْك شَيْئا، ثمَّ سَأَلَ عليا مَاذَا تَقول فَقَالَ (إِن كَانَا قد اجتهدا فقد أخطآ، يَعْنِي عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف) وَإِن يجتهدا فقد غشاك، عَلَيْك الدِّيَة، فَقَالَ عمر لعَلي عزمت عَلَيْك لتقسمانها على قَوْمك أَرَادَ قوم عمر أضَاف إِلَى عَليّ إِكْرَاما. وَقَالَ الشَّارِح: ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي خلافًا لأَصْحَابه. وَلَا حجَّة فِي هَذَا على أُصُوله لِأَنَّهُ مُنْقَطع، فَإِن الْحسن ولد لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عمر، ثمَّ الإجهاض إِلْقَاء الْوَلَد قبل تَمَامه (وَاسْتدلَّ) للمختار بأوجه ضَعِيفَة، أَحدهَا إِن كَانَ أحد قولي الْمُجْتَهدين أَو كِلَاهُمَا بِلَا دَلِيل فَبَاطِل وَإِلَّا (إِن تساوى دليلاهما) بِأَن لَا يُوجد فِي أَحدهمَا مَا يرجحه على الآخر (تساقطا) (وَإِلَّا تعين الرَّاجِح) وَجه استلزامه للْمُدَّعِي أَن تعدد حكم الله بِتَعَدُّد الِاجْتِهَاد غير مَعْقُول، لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يسقطا مَعًا أَو أَحدهمَا، والساقط مَعْدُوم لَا يصلح لِأَن يكون أَمارَة لحكم الله تَعَالَى، وَكَذَا الْحَال إِذا كَانَ فِي المسئلة أَقْوَال ينظر بَين كل اثْنَيْنِ حَتَّى يسْقط الْكل أَو يَنْتَهِي إِلَى وَاحِد (وَأجِيب أَن ذَلِك) التَّقْسِيم (بِالنِّسْبَةِ إِلَى نفس الْأَمر) فَإِنَّهُمَا فِي نفس الْأَمر إِمَّا متساويان فِي مصلحَة الْقبُول أَو لَا، بل أَحدهمَا أرجح، بل الْإِرَادَة بِمَا على طبق مَا فِي نفس الْأَمر، بل قد يتَرَجَّح فِي رَأْي الْمُجْتَهد مَا هُوَ مَرْجُوح بِحَسب نفس الْأَمر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَكِن الأمارات) الَّتِي تظهر للمجتهد (ترجحها بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُجْتَهد فَكل) من الْقَوْلَيْنِ (رَاجِح عِنْد قَائِله) وَإِن كَانَ الرَّاجِح فِي نفس الْأَمر أَحدهمَا أَو اسْتَويَا (وصواب) على رَأْي المصوبة، (و) أَيْضا اسْتدلَّ (بِأَن الْمُجْتَهد طَالب) لتَحْصِيل حكم الله تَعَالَى (ويستحيل) الطّلب (بِلَا مَطْلُوب فَمن أخطأه) أَي الْمَطْلُوب وَلم يجده فَهُوَ (الْمُخطئ) وَمن وجده فَهُوَ الْمُصِيب (أُجِيب) بِأَنَّهُ (نعم) هُوَ طَالب ويستحيل الطّلب بِلَا مَطْلُوب وَلَكِن (فَهُوَ) أَي الْمَطْلُوب (غَلَبَة ظَنّه) أَي الْمُجْتَهد بِوَجْه من وُجُوه مَحل الِاجْتِهَاد فَإِذا اجْتهد أَو غلب ظن كل وَاحِد بِشَيْء وجد كل مِنْهُمَا مَطْلُوبه (فيتعدد) حِينَئِذٍ (الصَّوَاب) لِأَن الْمَفْرُوض أَن المظنون هُوَ حكم الله فِي حق كل (و) أَيْضا اسْتدلَّ (بِالْإِجْمَاع على شرع المناظرة) أَي على مشروعيتها (وفائدتها) أَي المناظرة (ظُهُور الصَّوَاب) لِأَن الْمَفْرُوض أَن

المظنون هُوَ حكم الله فِي حق كل وَلذَا أَخذ فِي تَعْرِيفهَا، وَقيل هِيَ النّظر من الْجَانِبَيْنِ فِي نِسْبَة خبرية إِظْهَارًا للصَّوَاب، فَلَو كَانَ كل مَا أدّى إِلَيْهِ النّظر وَالِاجْتِهَاد صَوَابا لما كَانَ لَهَا فَائِدَة لحُصُول الْعلم بِالصَّوَابِ بِمُجَرَّد النّظر من غير مناظرة (وَأجِيب بِمَنْع الْحصْر) أَي حصر الْفَائِدَة فِي ظُهُور الصَّوَاب (لجوازها) أَي لجَوَاز كَون فائدتها (تَرْجِيحا) أَو لجَوَاز المناظرة للترجيح لأحد الصوابين على الآخر، وَهَذَا مَبْنِيّ على قَول من يَقُول بِعَدَمِ تَسَاوِي الْحُقُوق (وتمرينا) للنَّفس على طرق النّظر ليحصل ملكة الْوُقُوف على المأخذ ورد الشّبَه وتشحيذا للخاطر معاونة على الِاجْتِهَاد (وَلَا يخفى ضعفه) أَي الِاسْتِدْلَال. وَالْجَوَاب لاشتهار كَون الْغَرَض مِنْهَا إِظْهَار الصَّوَاب بَين أهل الْعلم من غير نَكِير وَهُوَ الْمُتَبَادر من الْعبارَة لذكره بعد الْجَواب فَتَأمل، (و) أَيْضا اسْتدلَّ (بِلُزُوم حل) الْمَرْأَة (المجتهدة) على تَقْدِير إِصَابَة كل مُجْتَهد (كالحنفية) أَي اجْتِهَادًا كاجتهاد الْحَنَفِيَّة، أَو حَال كَونهَا كالحنفية فِي الِاجْتِهَاد، وَإِنَّمَا فرض كَونهَا مجتهدة وَلم يقل حل الْحَنَفِيَّة مَعَ كَونه أخصر، لِأَن الْمُقَلّد يجوز لَهُ تَقْلِيد غير مقلده على مَا ذهب إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَحِينَئِذٍ يجوز أَن تقلد مَذْهَب زَوجهَا فَلَا يلْزم اجْتِمَاع الْحل وَالْحُرْمَة (وحرمتها لَو قَالَ بَعْلهَا الْمُجْتَهد كالشافعية) فِي الِاجْتِهَاد (أَنْت بَائِن) مقول القَوْل (ثمَّ قَالَ رَاجَعتك) فَإِن الرّجْعَة عِنْده صَحِيحَة لِأَن الْكِنَايَات عِنْده لَيست بوائن، وَعِنْدهَا غير صَحِيحَة لِأَنَّهَا عِنْدهَا بوائن، وَأَنت بَائِن مِنْهَا، وَلَا رَجْعَة فِي البوائن (و) بِلُزُوم (حلهَا) أَي المجتهدة الَّتِي هِيَ كالحنفية (لاثْنَيْنِ لَو تزَوجهَا مُجْتَهد) يرى رَأْي الْحَنَفِيَّة (بِلَا ولي ثمَّ) تزَوجهَا (مثله) مُجْتَهد آخر يرى رَأْي الشَّافِعِيَّة (بِهِ) أَي بولِي، وَيجوز تَصْوِير المسئلة على وَجه لَا يلْزم عَلَيْهَا تعمد الْحَرَام بِفَرْض توكيلها وَليهَا فِي التَّزْوِيج وشخصا آخر لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهَا فزوج كل مِنْهُمَا فِي غيبَة الآخر تقدم التَّزْوِيج بِغَيْر الْوَلِيّ فَيصح تَزْوِيج الثَّانِي لعدم صِحَة الأول عِنْد الْمُجْتَهد الثَّانِي (وَأجِيب) بِأَن لُزُوم اجْتِمَاع الْحل وَالْحُرْمَة (مُشْتَرك الْإِلْزَام إِذْ لَا خلاف) بَين الْفَرِيقَيْنِ (فِي وجوب اتِّبَاع ظَنّه) لِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَنه يجب على كل مُجْتَهد أَن يتبع ظَنّه الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده من حلهَا بِتِلْكَ الرّجْعَة (فيجتمع النقيضان: وجوب الْعَمَل بحلها لَهُ) يَعْنِي يجب على الزَّوْج الْمُجْتَهد الرَّاجِع إِلَى المجتهدة أَن يعْمل بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده من حلهَا بِتِلْكَ الرّجْعَة (ووجوبه) أَي الْعَمَل (بحرمتها عَلَيْهِ) أَي يجب على الْمَرْأَة أَن تعْمل بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجتهادها من حرمتهَا على الزَّوْج لعدم صِحَة الرّجْعَة، والوجوبان يدلان على النقيضان بدل النَّقْض، وَهَذَا تَقْرِير الْإِلْزَام بِالنّظرِ إِلَى المسئلة الأولى، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّانِيَة فَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله (وَكَذَا وجوب الْعَمَل) على المجتهدة والمجتهد الأول (بحلها للْأولِ) أَي للزَّوْج الأول لصِحَّة النِّكَاح بِلَا ولي على رأيهما (ووجوبه) أَي الْعَمَل بحلها (للثَّانِي) أَي

الزَّوْج الثَّانِي لعدم صِحَة النِّكَاح الأول عِنْد الزَّوْج الثَّانِي فَيجب عَلَيْهِ أَن يعْمل بِمُوجب اجْتِهَاده (فَإِن لم يكن الوجوبان متناقضين) كتناقض الْحل وَالْحُرْمَة (لتناقض متعلقيهما) يَعْنِي إِن كَانَا متناقضين بِسَبَب تنَاقض متعلقيهما، وهما الْحل وَالْحُرْمَة فِي الصُّورَة الأولى، وَحل الزَّوْج الأول وَحل الزَّوْج الثَّانِي فِي الثَّانِيَة، فَإِن الْحل لكل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَلْزم الْحُرْمَة على الآخر، فقد ثَبت الْمُدعى فَإِن لم يَكُونَا متناقضين لتناقضهما فقد (استلزم) اجْتِمَاع الوجوبين (اجْتِمَاع متعلقيه) أَي الْوُجُوب المتحقق فِي ضمن الوجوبين (المتناقضين) صفة متعلقية (فَإِن أجبتم) أَيهَا المخطئة بِأَنَّهُ (لَا يمْتَنع) مَا ذكر من وجوب الضدين (بِالنِّسْبَةِ إِلَى مجتهدين) مُخْتَلفين فِي الِاجْتِهَاد (فَكَذَلِك الْمُتَنَازع فِيهِ) الَّذِي ادعيتم لُزُومه علينا من لُزُوم الْحل وَالْحُرْمَة إِلَى آخر الصُّورَتَيْنِ فَنَقُول: لَا يمْتَنع ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى مجتهدين، فَإِن قَالَ المخطئة يلْزم عَلَيْكُم أَن الله تَعَالَى حكم بِحل امْرَأَة وَاحِدَة وحرمتها بِالنِّسْبَةِ إِلَى زوج وَاحِد وبحلها لزوجين وَلَا يلْزم علينا ذَلِك لكَون أحد الاجتهادين خطأ قطعا. قَالَ المصوبة فَكيف يحكم الله تَعَالَى على الزَّوْجَة وَالزَّوْج بِاتِّبَاع الْحل وَالْحُرْمَة وعَلى الزَّوْجَيْنِ بِاتِّبَاع الْعَمَل بِالْحلِّ (نعم يسْتَلْزم مثله) أَي مثل مَا ذكر من الصُّورَتَيْنِ (مفْسدَة الْمُنَازعَة) بَين الزَّوْج وَالزَّوْجَة أَو الزَّوْجَيْنِ مثلا (وَقد يُفْضِي) النزاع (إِلَى التقاتل فَيلْزم فِيهِ) أَي فِي مثله (رَفعه إِلَى قَاض يحكم بِرَأْيهِ) الْمُوَافق لأحد المنازعين (فَيلْزم) المنازع (الآخر) مَا حكم بِهِ ليرتفع النزاع وَالْفساد (واذن) أَي وَإِذا كَانَ الْأَمر كَمَا عرفت من اشْتِرَاك الْإِلْزَام وَالْوُجُوب (فَالْجَوَاب الْحق) من قبل المصوبة والمخطئة الَّذِي هُوَ مخلص من لُزُوم تِلْكَ الْمُنَازعَة الَّتِي تكَاد أَن تنجر إِلَى الْمُقَاتلَة قبل الرّفْع إِلَى القَاضِي (أَن مثله) أَي مَا ذكر (مَخْصُوص) أَي خَارج (من) عُمُوم (تعلق الْحكمَيْنِ) الصوابين على رَأْي المصوبة، أَو اللَّذين أَحدهمَا خطأ على رَأْي المخطئة وهما وجوب الِاتِّبَاع على الْمُجْتَهدين (بل الثَّابِت) فِي مثله فِي نفس الْأَمر (حرمتهَا) أَي الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة فِي الصُّورَتَيْنِ مستمرة (إِلَى غَايَة الحكم) أَي حكم القَاضِي بعد الرّفْع إِلَيْهِ (لِأَن لُزُوم الْمفْسدَة يمْنَع شرع ذَلِك) أَي مَشْرُوعِيَّة مُتَعَلق الْحكمَيْنِ (وَبِمَا وضحناه) من التَّخْصِيص وَثُبُوت الْحُرْمَة المغياة بِمَنْع لُزُوم الْمفْسدَة شَرْعِيَّة ذَلِك (انْدفع مَا أورد) على مَا ذكر من لُزُوم الرّفْع إِلَى قَاض دفعا للنزاع (من أَن الْقَضَاء لرفع النزاع إِذا تنَازعا فِي التَّمْكِين) أَي تَمْكِين الْمَرْأَة (وَالْمَنْع) عَنهُ (لَا لرفع تعلق الْحل وَالْحُرْمَة بِوَاحِد) من مظنوني الْمُجْتَهدين، فَإِنَّهُ بعد التَّعَلُّق لَا يرْتَفع، وَمَا لم يرْتَفع فالنزاع بَاقٍ فَلَا يكون الرّفْع إِلَى القَاضِي مخلصا للمصوبة وَاعْلَم أَنه قَالَ القَاضِي عضد الدّين فِي شرح

الْمُخْتَصر بعد الْجَواب بِأَنَّهُ مُشْتَرك الْإِلْزَام أَن الْجَواب الْحق هُوَ الْحل، وَهُوَ أَنه يرجع إِلَى حَاكم ليحكم بَينهمَا فيتبعان حكمه لوُجُوب اتِّبَاع الحكم للموافق والمخالف. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَة عَلَيْهِ يُشِير إِلَى أَن الْجَواب جدلي، لَكِن فِي كَون هَذَا جَوَابا عَن الْإِلْزَام الْمَذْكُور نظر، لِأَن حكم الْحَاكِم إِنَّمَا يصلح لرفع النزاع إِذا تنَازعا لرفع تعلق الْحل وَالْحُرْمَة بِشَيْء وَاحِد فَإِنَّهُ بعد الحكم لم يرْتَفع ذَلِك التَّعَلُّق على تَقْدِير تصويب كل مُجْتَهد: نعم لَو أجَاب بِأَن الْحل بِالْإِضَافَة إِلَى أَحدهمَا، وَالْحُرْمَة بِالْإِضَافَة إِلَى الآخر فَلَا امْتنَاع فِي ذَلِك لَكَانَ وَجها، كَذَا فِي بعض الشُّرُوح انْتهى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقَررهُ) أَي مَا أوردهُ (مُحَقّق) يَعْنِي الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ حَيْثُ سكت عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَي مَا أورد (بعد اندفاعه بِمَا ذكرنَا) من أَنه مَخْصُوص الخ (غير صَحِيح فِي نَفسه، إِذْ لَا مَانع من رفع تعلق الْحل وَالْحُرْمَة بِالْقضَاءِ مَعَ كَون كل مِنْهُمَا صَوَابا لِأَنَّهُ) أَي رفع التَّعَلُّق الْمَذْكُور (نسخ مِنْهُ تَعَالَى عِنْد حكم القَاضِي كالرجوع عِنْدهم) أَي كَمَا أَن الْمُجْتَهد إِذا رَجَعَ عَن ظَنّه الأول إِلَى ظن آخر كَانَ ذَلِك نسخا للْأولِ عِنْد المصوبة (قَالُوا) أَي المصوبة (لَو كَانَ الْمُصِيب وَاحِدًا وَجب النقيضان على الْمُخطئ إِن وَجب حكم نفس الْأَمر عَلَيْهِ) أَيْضا لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ اتِّبَاع ظَنّه إِجْمَاعًا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يجب عَلَيْهِ حكم نفس الْأَمر (وَجب) عَلَيْهِ (الْعَمَل بالْخَطَأ) لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ مُتَابعَة ظَنّه إِجْمَاعًا (وَحرم) عَلَيْهِ الْعَمَل (بِالصَّوَابِ) لِأَنَّهُ خلاف ظَنّه، وَيحرم على الْمُجْتَهد الْعَمَل بِخِلَاف مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده إِجْمَاعًا (وَهُوَ) أَي كَون الْعَمَل بِالصَّوَابِ حَرَامًا مَعَ وجوب الْعَمَل بالْخَطَأ (محَال) لِأَنَّهُ خلاف الْمَعْقُول (أُجِيب بِاخْتِيَار) الشق (الثَّانِي) وَهُوَ أَن لَا يجب عَلَيْهِ حكم نفس الْأَمر (وَمنع انْتِفَاء التَّالِي) اللَّازِم للاستحالة، يَعْنِي حُرْمَة الْعَمَل بِالصَّوَابِ مَعَ وجوب الْعَمَل بالْخَطَأ أَمر مُتَحَقق، فَكيف يكون محالا؟ (للْقطع بِهِ) أَي بالتالي فِيمَا لَو خَفِي على الْمُجْتَهد (قَاطع) أَي فِي وَقت خَفَاء الدَّلِيل الْقَاطِع على الْمُجْتَهد فَإِنَّهُ لَو لم يخف لم يكن اجْتِهَاده صَحِيحا، لِأَن شَرط الِاجْتِهَاد عدم وجود الْقَاطِع فِي مَحل الِاجْتِهَاد (حَيْثُ تجب) عَلَيْهِ (مُخَالفَته) لوُجُوب اتِّبَاعه مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وَهُوَ مُخَالف لما هُوَ مُوجب الْقطعِي (والاتفاق) على (أَنه) أَي خلاف الْقطعِي الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (خطأ إِذْ الْخلاف) بَين المصوبة والمخطئة، وَإِنَّمَا وَاقع (فِيمَا لَا قَاطع) فِيهِ من الْأَحْكَام الاجتهادية (أما مَا فِيهِ) أَي الَّذِي فِيهِ قَاطع من الْأَحْكَام الاجتهادية (فالاجتهاد على خِلَافه خطأ اتِّفَاقًا) أَي مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد الْوَاقِع على خلاف الْقطعِي خطأ إِجْمَاعًا وَإِن وَجب الْعَمَل بِهِ لخفاء الْقَاطِع على الْمُجْتَهد (قَالُوا) أَي المصوبة؟ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ) وَمن الْمَعْلُوم أَن أَكثر الخلافات الْوَاقِعَة بَين الْمُجْتَهدين من الْخلف قد وَقع فِيمَا بَينهم (فَلَا خطأ) فِي

تتمة

شَيْء مَا أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْخَطَأ منفيا عَنْهُم بِأَن كَانَ بَعضهم على الْخَطَأ (ثَبت الْهدى فِي الْخَطَأ) عِنْد الِاقْتِدَاء بذلك الْبَعْض (وَهُوَ ضلال) أَي وَالْحَال أَن الْخَطَأ ضلال وَهل يتَصَوَّر أَن يكون الْمُقْتَدِي بالضال مهديا؟ وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى أَن القَوْل بِثُبُوت الْهدى فِي الْخَطَأ ضلال (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي الِاقْتِدَاء بالمخطئ أَو الْخَطَأ (هدى من وَجه) وَلذَا وَجب الْعَمَل بِهِ على الْمُجْتَهد وعَلى مقلده (فيتناوله) لفظ اهْتَدَيْتُمْ. وَقيل الحَدِيث لَهُ طرق بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَلم يَصح مِنْهَا شَيْء، وَأَنت خَبِير بِأَن الطّرق الضعيفة إِذا كثرت يرتقى الحَدِيث بهَا من الضعْف إِلَى الْحسن. تَتِمَّة (من) مبَاحث (المخطئة: الْحَنَفِيَّة قسموا) أَي الْحَنَفِيَّة (الْخَطَأ وَهُوَ الْجَهْل الْمركب إِلَى ثَلَاثَة) من الْأَقْسَام فِي التَّلْوِيح. الْجَهْل عدم الْعلم عَمَّا من شَأْنه، فَإِن قَارن اعْتِقَاد النقيض فمركب، وَإِلَّا فبسيط وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْجَهْل الْمركب على هَذَا أَعم من الْخَطَأ الْمَذْكُور فِي بَاب الِاجْتِهَاد لجَوَاز أَن يكون فِي غير الْمُجْتَهد: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بالْخَطَأ فِي هَذَا التَّقْسِيم مَا هُوَ أَعم من خطأ الْمُجْتَهد. الْقسم (الأول جهل لَا يصلح) لِأَن يكون (عذرا) لصَاحبه فِي عدم الْمُؤَاخَذَة (وَلَا شُبْهَة) يَتَرَتَّب عَلَيْهَا دَرْء حد وَنَحْو (وَهُوَ) أَي الَّذِي لَا يصلح عذرا وَلَا شُبْهَة (أَرْبَعَة) أَحدهَا (جهل الْكَافِر بِالذَّاتِ) أَي ذَات الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا قيد بالكافر لِأَن الْمُؤمن لَا يجهل بِالذَّاتِ من حَيْثُ الْوُجُود (وَالصِّفَات) أَي وجهله بِالصِّفَاتِ الْمُؤمن بهَا، وَإِنَّمَا لَا يصلح جَهله بهما عذرا وَلَا شُبْهَة (لِأَنَّهُ) أَي الْكَافِر (مكابر) أَي مترفع عَن الانقياد للحق وَالنَّظَر فِي الْآيَات ومعاند لما يَقْتَضِيهِ الْعقل (لوضوح دَلِيله) أَي دَلِيل مَا جهل بِهِ من الذَّات وَالصِّفَات (حسا) أَي دلَالَة حسية لكَون مَا يسْتَدلّ بِهِ حسا أَو وضوحا حسا (من الْحَوَادِث المحيطة بِهِ) أَي بالكافر أنفسا وآفاقا، بَيَان لدليله، فَالْمُرَاد بِالدَّلِيلِ مَا يُمكن بِأَن يُوصل بِالنّظرِ إِلَى الْمَطْلُوب (وعقلا) أَي دلَالَة عقلية لكَون مَا يسْتَدلّ بِهِ أمرا عقليا أَو وضوحا عقليا لتبادر مقدماته واستلزامه إِلَى الْعقل (إِذْ لَا يخلوا الْجِسْم عَنْهَا) أَي تِلْكَ الْحَوَادِث تَعْلِيل للوضوح على وَجه يثبت الْإِحَاطَة أَيْضا (وَمَا لَا يَخْلُو عَنْهَا) أَي الْحَوَادِث (حَادث بِالضَّرُورَةِ) فَإِن قلت: الْفلك قديم على رَأْي الْحَكِيم وَلَا يَخْلُو عَن الْحَرَكَة الْحَادِثَة، فالاستدلال بِدَعْوَى الضَّرُورَة غير مُسلم، كَيفَ وَلَو كَانَ ضَرُورِيًّا لما أجمع على خِلَافه الْحُكَمَاء قاطبة قلت: معنى كَلَامه مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث الَّتِي هِيَ حَادِثَة شخصا ونوعا، وحركات الأفلاك عِنْدهم قديمَة نوعا كَيفَ؟ وَلَو كَانَت حَادِثَة نوعا والمفروض لُزُوم

فَرد مَا مِنْهَا للفلك للَزِمَ وجود الْمَلْزُوم بِدُونِ اللَّازِم: نعم يبْقى الْكَلَام حِينَئِذٍ فِي الصُّغْرَى، وَهِي أَن الْجِسْم لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث شخصا ونوعا إِن تمّ تمّ وَإِلَّا فَلَا، وَقدم الْحَوَادِث المحيطة بالأجسام بأسرها نوعا يكَاد أَن لَا يتَصَوَّر، وحركة الْفلك غير مسلمة فضلا عَن قدمهَا (لَا بُد لَهُ) أَي لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث، فَقَوله لَا بُد خبر بعد خبر (من موجد) لَهُ (إِذْ لم يكن الْوُجُود مُقْتَضى ذَاته) أَي الْحَادِث الْمَذْكُور، وبديهة الْعقل حاكمة بِأَن وجود الْحَادِث لَا بُد لَهُ من الْمُقْتَضى (ويستلزم) الحكم بِوُجُود الْوَاجِب تَعَالَى (الحكم بصفاته) من الْحَيَاة وَالْعلم والإرادة إِلَى آخر مَا ذكر فِي علم الْكَلَام بأدلتها الْوَاضِحَة الَّتِي لَا ينكرها إِلَّا معاند، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (كَمَا عرف) أَي على الْوَجْه الَّذِي عرف فِي مَحَله (وَكَذَا مُنكر الرسَالَة) أَي وَكَذَا جهل مُنكر الرسَالَة لَا يصلح عذرا وَلَا شُبْهَة لِأَنَّهُ مكابر (بعد ثُبُوت المعجزة) الَّتِي هِيَ شَهَادَة وَاضِحَة من الله تَعَالَى بِصدق دَعْوَى الرَّسُول، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من شهد زمَان الرسَالَة (وتواتر مَا يُوجب النُّبُوَّة) من الْأَخْبَار الدَّالَّة على صُدُور المعجزة من مدعيها بِالنِّسْبَةِ إِلَى من لم يشْهد زمانها، فَإِن خصوصيات الْأَخْبَار لَو لم تبلغ حدا التَّوَاتُر فالقدر الْمُشْتَرك متواتر قطعا، وَلَا سِيمَا الْقُرْآن المعجز لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَاقِي على صفحة الدَّهْر إِلَى آخر الدُّنْيَا، فانه متواتر إِجْمَاعًا ظَاهر إعجازه لكل بليغ كَامِل فِي بلاغته، وَفِي ذكر النُّبُوَّة مَوضِع الرسَالَة إِشْعَار بِأَن المُرَاد بالرسالة النُّبُوَّة الْمَشْهُورَة فِي الْمَعْنى الْأَعَمّ، فَإِن خُصُوصِيَّة كَونه صَاحب شَرِيعَة مَخْصُوصَة مَا لَا دخل لَهُ فِي هَذَا الْمقَام (فَلِذَا) أَي فلكون إِنْكَار الرسَالَة بعد ثُبُوتهَا مُكَابَرَة (لَا تلْزم) على الْمُسلمين (مناظرته) أَي مُنكر الرسَالَة، لِأَنَّهُ لم يبْق لَهُ حجَّة على الله تَعَالَى بعد الرُّسُل، وَثُبُوت معجزتهم، وبلوغ الْخَبَر إِلَيْهِ (بل إِن لم يتب) بعض أَفْرَاد منكري الرسَالَة، وَهُوَ (الْمُرْتَد) عَن الرَّسُول (قَتَلْنَاهُ) كَمَا نقْتل الْمُرْتَد عَن الله سُبْحَانَهُ خُصُوصا إِن عرض الْإِسْلَام عَلَيْهِ وَلم يرجع إِلَيْهِ، بِخِلَاف غَيره من الْكفَّار فَإِنَّهُ لَا يتَعَيَّن فِي حَقهم الْقَتْل، بل أحد الْأُمُور: إِمَّا الْقَتْل أَو الْجِزْيَة أَو الاسترقاق، وَإِنَّمَا شدد على الْمُرْتَد، لِأَن مكابرته بُد ذوق لَذَّة الْإِسْلَام أَشد (وَكَذَا) أَي وَكَذَا الْجَهْل (فِي حكم لَا يقبل التبدل) عقلا وَلَا شرعا باخْتلَاف الْأَدْيَان لَا يصلح عذرا وَلَا شُبْهَة لكَون صَاحبه مكابرا لوضوح دَلِيله (كعبادة غَيره تَعَالَى. وَأما تدينه) أَي الْكَافِر (فِي) الْقَامُوس: تدين اتخذ دينا وَالْمرَاد عمله بِمَا اتَّخذهُ دينا فِي حكم (غَيره) أَي غير مَا لَا يقبل التبدل كتحريم الْخمر (ذِمِّيا) حَال من الضَّمِير فِي تدينه فَإِنَّهُ فَاعل معِين (فالاتفاق على اعْتِبَاره) أَي اعْتِبَار تدينه الْمَذْكُور (دافعا للتعرض) لَهُ حَتَّى لَو بَاشر مَا دَان بِهِ لَا يتَعَرَّض لَهُ فَقَوله دافعا مفعول ثَان للاعتبار لتَضَمّنه معنى الْجعل (فَلَا يحد) الذِّمِّيّ (لشرب الْخمر إِجْمَاعًا، ثمَّ لم يضمن الشَّافِعِي متلفها) أَي خمر

الذِّمِّيّ مثلهَا إِن كَانَ ذِمِّيا وَلَا قيمتهَا إِن كَانَ مُسلما، وَبِه قَالَ أَحْمد لما فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حُرْمَة بيعهَا كالميتة، وَمَا يحرم بَيْعه لم يجب قِيمَته، وَلِأَنَّهَا لَيست بِمَال مُتَقَوّم: فَلَا تكون سَببا للضَّمَان، وَعقد الذِّمَّة خلف عَن الْإِسْلَام فَيثبت فِيهِ أَحْكَامه، وَعُمُوم خطاب التَّحْرِيم يتَنَاوَل الذِّمِّيّ، وَقد بلغه فِي دَار الْإِسْلَام (وضمنوه) أَي الْحَنَفِيَّة متلفها مثلهَا إِن كَانَ ذِمِّيا وَقيمتهَا إِن كَانَ مُسلما، وَبِه قَالَ مَالك (لَا للتعدي) يَعْنِي أَن فِي إِتْلَافه غير الْخمر وَنَحْوهَا عُدْوانًا وإعداما لمَال الْغَيْر، فالتضمين فِيهِ لمجموع الْأَمريْنِ، وَأما الْخمر وَنَحْوهَا فَلَيْسَ للتعدي لِأَنَّهُ إهانة لما أهانه الله تَعَالَى، فَلَا يُسمى عُدْوانًا وَلَا ظلما، وَإِنَّمَا هُوَ لإعدام مُتَقَوّم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذِّمِّيّ لما روى أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بلغه أَن عماله يَأْخُذُونَ الْجِزْيَة من الْخمر فَمَنعهُمْ عَن أَخذهَا وَقَالَ: ولوا أَرْبَابهَا بيعهَا ثمَّ خُذُوا الثّمن مِنْهُم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بل لبَقَاء التقوم فِي حَقهم) أهل الذِّمَّة، يَعْنِي أَن تقويمها فِي حق الْمُسلمين بعد تَحْرِيمهَا وَبَقِي فِي حَقهم (وَلِأَن الدّفع) أَي دفع التَّعَرُّض الْمَقْصُود من عقد الذِّمَّة (عَن النَّفس وَالْمَال) أَي نفس الذِّمِّيّ وَمَاله لَا يتَحَقَّق إِلَّا (بذلك) أَي التَّضْمِين (فَهُوَ) أَي التَّضْمِين (من ضَرُورَته) أَي الدّفع. (ثمَّ قَالَ أَبُو حنيفَة) فِي رد الشَّافِعِي حَيْثُ قَالَ: تتَنَاوَل الْأَحْكَام أهل الذِّمَّة، فَإِن الْكفْر لَا يصلح للتَّخْفِيف عَنْهُم (وَمنع تنَاول الْخطاب إيَّاهُم) أَي منع الله أَن يدخلهم تَحت خطابه (مكرا بهم واستدراجا لَهُم) مفعول لَهُ للْمَنْع، وَهُوَ الْأَخْذ على غرَّة لَا تَخْفِيفًا عَنْهُم، وَقد يتْرك الْخطاب لشخص عِنْد الْعلم بِأَنَّهُ لَا يَنْفَعهُ كالطبيب يتْرك مدواة الْمَرِيض، وَلَا يمنعهُ من التَّخْلِيط عِنْد يأسه من الْبُرْء، وَقَوله منع يحْتَمل أَن يكون على صِيغَة الْفِعْل الْمَجْهُول أَو الْمصدر، وَالْخَبَر مَحْذُوف (فِيمَا يحْتَمل التبدل) ظرف لمنع التَّنَاوُل، فَإِن الْخطاب فِيمَا لَا يحْتَملهُ تناولهم (خطاب لم يشْتَهر) بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُ ترك خطاب وَلم ينتشر بعد فِي دِيَارنَا كَمَا فِي قصَّة أهل قبَاء حَيْثُ تحولوا نَحْو الْكَعْبَة فِي الصَّلَاة عِنْد بُلُوغ خبر تَحْويل الْقبْلَة إيَّاهُم، فَإِنَّهُ لَا يتناولهم، وَإِلَّا لما بنوا مَا بَقِي من صلَاتهم على مَا صلوه إِلَى بَيت الْمُقَدّس بعد نزُول الْوَحْي قبل أَن يبلغهم الْخَبَر، فَكَمَا أَنه لَا يتناولنا فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة فِي الدَّلِيل الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَا يتناولهم مَا يَقْتَضِيهِ (فَلَو نكح مَجُوسِيّ بنته أَو أُخْته صَحَّ) النِّكَاح (فِي أَحْكَام الدُّنْيَا) يَعْنِي أَنه لَا يتَعَرَّض لَهُم فَإِنَّهُ مِمَّا يحْتَمل التبدل كَيفَ وَقد كَانَ فِي شرع آدم عَلَيْهِ السَّلَام نِكَاح الْأُخْت وَلَا يتناولهم هَذَا الْخطاب، وَأما فِيمَا بَينهم وَبَين الله تَعَالَى فَلَا يَصح، وَكَذَا إِذا ترافعا أَي الزَّوْجَانِ المجوسيان (فَلَا نفرق بَينهمَا إِلَّا إِن ترافعا إِلَيْنَا) لانقيادهما لحكم الْإِسْلَام حِينَئِذٍ فيتناولهم الْخطاب. قَالَ تَعَالَى - {فَإِن جاءوك فاحكم بَينهم} - (لَا) يفرق بَينهمَا إِن رفع (أَحدهمَا) صَاحبه إِلَيْنَا (خلافًا لَهما) أَي لأبي يُوسُف وَمُحَمّد (فِي) نِكَاح (الْمَحَارِم) فَإِنَّهُ

لَا يَصح عِنْدهمَا فِي أَحْكَام الدُّنْيَا أَيْضا (لِأَنَّهُ) أَي جَوَاز نِكَاحهنَّ (لم يكن حكما ثَابتا) قبل الْإِسْلَام لنسخه فِي زمن نوح عَلَيْهِ السَّلَام (ليبقى) على حَاله: أَي بعده (لقصر الدَّلِيل) عَنْهُم وَعدم تنَاول عُمُوم الْخطاب إيَّاهُم لتدينهم ذَلِك، وَقَوله لقصر الدَّلِيل مُتَعَلق بيبقى، وَقد يُجَاب بِأَن ترك التَّعَرُّض بِمُوجب الذِّمَّة يَقْتَضِي عدم تنَاول الْخطاب إيَّاهُم فِي جَمِيع مَا يحْتَمل التبدل سَوَاء كَانَ حكما ثَابتا من الله تَعَالَى فِي حَقهم، أَو من عِنْد أنفسهم مِمَّا أحدثوه فِي دينهم وَزَعَمُوا أَنه من الله تَعَالَى تحريفا، لِأَنَّهُ لَا فرق بَين الْقسمَيْنِ فِي الْبطلَان بعد الْإِسْلَام: نعم يجب أَن لَا يكون من قبيل - {وَأَخذهم الرِّبَا وَقد نهوا عَنهُ} - كَمَا سَيَأْتِي (و) أَيْضا خلافًا لَهما (فِي مرافعة أَحدهمَا) أَي أحد الزَّوْجَيْنِ المحرمين مَعَ صَاحبه إِلَيْنَا، فَإِنَّهُمَا يفرقان بَينهمَا حِينَئِذٍ، قيل لزوَال الْمَانِع من التَّفْرِيق لانقياد أَحدهمَا لحكم الْإِسْلَام قِيَاسا على إِسْلَامه، وَمن ثمَّة لَا يتوارثون بِهَذِهِ الْأَنْكِحَة إِجْمَاعًا انْتهى قلت: بل لتناول عُمُوم خطاب التَّحْرِيم آبَاءَهُم فِيمَا لم يكن حكما ثَابتا على مَا سبق، فعلى هَذَا بَيَان هَذَا الْخلاف من التَّصْرِيح بِمَا علم ضمنا، وَالْقِيَاس على الْإِسْلَام مَعَ الْفَارِق فَتدبر (وَلَو دخل) الْمَجُوسِيّ (بهَا) أَي بمنكوحته الْمَذْكُورَة (ثمَّ أسلم) الْمَجُوسِيّ الْمَذْكُور (حد قاذفها) قيل وَالْوَجْه قَاذفه، وَالْأَحْسَن، ثمَّ أسلما حد قاذفهما انْتهى قلت صَحَّ قَوْله حد قاذفها على سَبِيل الْإِطْلَاق بِأَن يُرَاد قاذفهما جَمِيعًا، غَايَة الْأَمر أَن الْحَد لأَجله إِن أسلم فَقَط ولأجلهما إِن أسلما، وَيفهم ضمنا حكم قذف كل وَاحِد مِنْهُمَا انفرادا، فَإِن إِسْلَام الْمَقْذُوف هُوَ الْمُقْتَضى للحد، وَالْمَقْصُود أَن الدُّخُول بهَا حَال الْكفْر لَا يصلح درءا للحد فِي الْقَذْف حَال إِسْلَامه (بِخِلَاف الرِّبَا) أَي صِحَة نِكَاح الْمَحَارِم فِي أَحْكَام الدُّنْيَا ثَابت، بِخِلَاف صِحَة الرِّبَا فِيهَا (لأَنهم) أَي أهل الذِّمَّة (فسقوا بِهِ) أَي بالربا (لتحريمه عَلَيْهِم. قَالَ تَعَالَى {وَأَخذهم الرِّبَا وَقد نهوا عَنهُ}. وروى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كتب فِي صلح أهل نَجْرَان أَن لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا فَمن أكل مِنْهُم فذمتي مِنْهُ بريئة، وَيرد أَن هَذَا فِي حق من نهى عَن الرِّبَا من أهل الْكتاب فَقَط: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال لما نَص صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلح قوم من أهل الذِّمَّة يعْتَبر ذَلِك شرطا فِي سَائِر الصُّلْح، فيتناولهم حِينَئِذٍ عُمُوم خطاب تَحْرِيم الرِّبَا، وَالله تَعَالَى أعلم (وَأورد) على مَا ذكر من تَحْرِيم الرِّبَا عَلَيْهِم بِالنَّهْي عَنهُ من حد الْقَاذِف (أَن نِكَاح الْمَحَارِم كَذَلِك) مَنْهِيّ عَنهُ (لِأَنَّهُ) أَي نِكَاح الْمَحَارِم (نسخ بعد آدم) عَلَيْهِ السَّلَام (فِي زمن نوح) فَصَارَ مَنْهِيّا عَنهُ (فَيجب أَن لَا يَصح) نِكَاح الْمَحَارِم فِي قَوْله (كقولهما) أَي كَمَا لَا يَصح فِي قَوْلهمَا (فَلَا حد) على الْقَاذِف (وَلَا نَفَقَة) للمنكوحة الْمَذْكُورَة بِنَاء على عدم صِحَة النِّكَاح (إِلَّا أَن يُقَال) فِي بَيَان الْفرق بَين النِّكَاح والربا (بعد) تَسْلِيم (ثُبُوته) أَي

النّسخ لجَوَاز نِكَاح الْمَحَارِم (المُرَاد من تدينهم) الَّذِي لَا يتَعَرَّض لَهُ وَفَاء لعهد الذِّمَّة (مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ) فِيمَا بَينهم واتخذوه دينا سَوَاء كَانَ مُوَافقا لما شرع الله تَعَالَى لَهُم أَو لَا، وَالنِّكَاح الْمَذْكُور من هَذَا الْقَبِيل، بِخِلَاف الرِّبَا وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا مَبْنِيّ على معرفَة ملتهم تَفْصِيلًا، وَحكم مَحل الِاتِّفَاق (بِخِلَاف انْفِرَاد الْقَلِيل) مِنْهُم (بِعَدَمِ حد الزِّنَا وَنَحْوه) مِمَّا لم يتفقوا عَلَيْهِ (وَلِأَن أقل مَا يُوجب الدَّلِيل) مَعْطُوف على مَا يدل عَلَيْهِ الْكَلَام السَّابِق، كَأَنَّهُ قَالَ: اعْترض على مَا ذكر لِأَن نِكَاح الْمَحَارِم الخ (كحرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم الشُّبْهَة، فيدرأ الْحَد) خبر أَن، يَعْنِي الشُّبْهَة فِي إِحْصَان الْمُسلم الَّذِي دخل بمحرمه فِي زمَان كفره لاحْتِمَال تنَاوله الذِّمِّيّ فَإِنَّهُ على ذَلِك يصير زَانيا فَكيف يحد قَاذفه مَعَ هَذِه الشُّبْهَة؟ وَالْحُدُود تندرئ بِالشُّبُهَاتِ (وَفرق) أَبُو حنيفَة (بَين الْمِيرَاث وَالنَّفقَة) بِاعْتِبَار التدين فِي حق النَّفَقَة دون الْمِيرَاث (فَلَو ترك بنتين إِحْدَاهمَا زَوجته، فَالْمَال بَينهمَا نِصْفَيْنِ: أَي بِاعْتِبَار الرَّد) مَعَ فرضيهما (لِأَنَّهُ) أَي الْمِيرَاث (صلَة) لرحم أَو مَا يقوم مقَامه (مُبتَدأَة) من غير أَن تكون عوضا لشَيْء (لَا جَزَاء) للاحتباس (لدفع الْهَلَاك) كَمَا فِي الزَّوْجَة فَإِنَّهَا محبوسة دَائِما لحق الزَّوْج عاجزة عَن الْكسْب لنَفسهَا، فَلَو لم ينْفق عَلَيْهَا لهلكت، فَقَوله لدفع الْهَلَاك تَعْلِيل للُزُوم الْجَزَاء (بِخِلَاف النَّفَقَة) فَإِنَّهَا لَيست بصلَة مُبتَدأَة، بل جَزَاء لدفع الْهَلَاك، والتدين سَبَب ضَعِيف يصلح لِأَن يعْتَبر فِي حق ضَرُورِيّ وَلَا يصلح لِأَن يثبت حق ابْتِدَاء من غير ضَرُورَة ملجئة إِلَى اعْتِبَاره (فَلَو وَجب إِرْث الزَّوْجَة) الْمَنْكُوحَة بِالنِّكَاحِ الْمَذْكُور (بديانتها) أَي بِسَبَب أَنَّهَا تعتقد صِحَة نِكَاحهَا بِمُقْتَضى دينهَا (كَانَت) الدّيانَة (ملزمة على) الْبِنْت (الْأُخْرَى) نقصا فِي حَقّهَا لأخذ الْبِنْت الزَّوْجَة سَهْما زَائِدا على مَا تستحقه من النّسَب (والديانة دافعة) لُزُوم الضَّرَر عَن صَاحبهَا (لَا متعدية) ملزمة للضَّرَر على غَيره، وَكم من شَيْء يصلح للدَّفْع لَا للإثبات كالاستصحاب وَغَيره (وَأورد) على الْفرق الْمَذْكُور (أَن) الْبِنْت (الْأُخْرَى دَانَتْ بِهِ) أَي بِجَوَاز نِكَاح أُخْتهَا لاتِّفَاقهمَا فِي العقيدة، فلزمها الِاعْتِرَاف بِزِيَادَة اسْتِحْقَاق أُخْتهَا فَلَا ضَرَر فِي وجوب الْإِرْث من حَيْثُ الزَّوْجِيَّة نظرا إِلَى دينهم. وَأَنت خَبِير بِأَن عدم وجوب الْإِرْث إِذا كَانَ بِسَبَب أَن الدّيانَة دافعة فِي نفس الْأَمر لَا متعدية لَا يخْتَلف الحكم بديانة الْأُخْرَى صِحَة النِّكَاح للُزُوم كَون الدّيانَة متعدية فِي نفس الْأَمر: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال أَن بطلَان كَون الدّيانَة متعدية على هَذَا الْوَجْه مَمْنُوع (فَذهب بَعضهم) أَي الْحَنَفِيَّة، قيل هَذَا معزو إِلَى كثير من الْمَشَايِخ (إِلَى أَن قِيَاس قَوْله) أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى (أَن ترثا) أَي الزَّوْجَة وَالْبِنْت، وَكَانَ الْأَظْهر أَن يَقُول أَن تَرث من الْجِهَتَيْنِ، لَكِن لما كَانَت

بِمَنْزِلَة وارثين بِاعْتِبَار الْجِهَتَيْنِ نزلت منزلتهما، فَعبر عَنْهَا بضمير التَّثْنِيَة إشعارا بِأَنَّهُ لَو كَانَت الجهتان فِي ذاتين لَكَانَ يَأْخُذ كل وَاحِد مُقْتَضى جِهَته، فَكَذَا إِذا اجتمعتا فِي ذَات وَاحِدَة (وَأَن النَّفْي) لإرثها بِالزَّوْجِيَّةِ (قَوْلهمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد (لعدم الصِّحَّة) للنِّكَاح (عِنْدهمَا، وَقيل بل) لَا تَرث عِنْدهمَا (لِأَنَّهُ إِنَّمَا تثبت صِحَّته فِيمَا سلف) أَي فِي شَرِيعَة آدم عَلَيْهِ السَّلَام (وَلم يثبت كَونه سَببا للإرث) فِي تِلْكَ الشَّرِيعَة، فَلَا يثبت سَببا للإرث بديانتهم، إِذْ لَا عِبْرَة بهَا إِذْ لم تعتمد على شرع، كَذَا فِي الْمُحِيط. (وَالْقَاضِي) أَبُو زيد (الدبوسي) قَالَ لَا تَرث (لفساده) أَي النِّكَاح (فِي حق) الْبِنْت (الْأُخْرَى لِأَنَّهَا إِذا نازعتها) أَي الْبِنْت الزَّوْجَة (عِنْد القَاضِي) فِي اسْتِحْقَاقهَا الْإِرْث بِالزَّوْجِيَّةِ (دلّ) النزاع على (أَنَّهَا لم تعتقده) أَي جَوَاز النِّكَاح وَالْإِرْث مَبْنِيّ عَلَيْهِ، وَلم يُوجد فِي حَقّهَا (وَمُقْتَضَاهُ) أَي الْمَذْكُور للْقَاضِي الدبوسي (أَنَّهَا) أَي الْبِنْت الْأُخْرَى (لَو سكتت) عَن مُنَازعَة أُخْتهَا (ورثت) الْبِنْت الزَّوْجَة بِالزَّوْجِيَّةِ أَيْضا (وَلَا يعرف عَنهُ) أَي أبي حنيفَة (تَفْصِيل) فِي هَذَا. ثمَّ لما ظهر من كَلَام الْقَوْم اضْطِرَاب فِي دفع الْإِيرَاد الْمَذْكُور، وَهُوَ أَن الْأُخْرَى دَانَتْ بِهِ أَرَادَ أَن يذكر مَا هُوَ الْحق عِنْده فَقَالَ (وَالْحق فِي) لُزُوم (النَّفَقَة) الزَّوْجِيَّة على الْمَجُوسِيّ سَوَاء كَانَت محتاجة أَو لَا (أَن الزَّوْج) الْمَجُوسِيّ (أَخذ) وألزم بِالنَّفَقَةِ (بديانته) واعتقاده (الصِّحَّة) أَي صِحَة النِّكَاح، فالتزم بالإقدام على النِّكَاح الْإِنْفَاق عَلَيْهَا وديانته حجَّة عَلَيْهِ (فَلَا يسْقط حق غَيره) وَهُوَ نَفَقَة الزَّوْجِيَّة (لمنازعته) أَي الزَّوْج الزَّوْجَة فِي تَسْلِيم النَّفَقَة (بعده) أَي بعد تحقق النِّكَاح الْمُوجب الْتِزَام النَّفَقَة، وَإِنَّمَا يسْقط عَنهُ بِإِسْقَاط صَاحب الْحق وَلم يُوجد (بِخِلَاف من لَيْسَ فِي نِكَاحهمَا) كَذَا وَقع فِي عبارَة فَخر الْإِسْلَام وَصدر الشَّرِيعَة. وَالْمعْنَى مُنَازعَة الزَّوْج فِي حق السُّقُوط، بِخِلَاف مُنَازعَة من لَيْسَ لَهُ دخل فِي النِّكَاح الْوَاقِع بَينهمَا، وَلَيْسَ بملتزم مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَتسقط النَّفَقَة بعد موت الْمَجُوسِيّ، فقد تعيّنت النَّفَقَة إِذا نازعتها الْأُخْرَى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي من لَيْسَ فِي نِكَاحهمَا. (الْبِنْت الْأُخْرَى)، وَمُقْتَضَاهُ عدم الْإِرْث من حَيْثُ الزَّوْجِيَّة أَيْضا. وَفِي الْمُحِيط: كل نِكَاح حرم لحُرْمَة الْمحل لَا يجوز عِنْدهمَا، وَاخْتلفُوا على قَول أبي حنيفَة: فَعِنْدَ مَشَايِخ الْعرَاق لَا يَصح إِذا لم يعْتَمد شرعا كَنِكَاح الْمَحَارِم، لِأَنَّهُ لم يكن مَشْرُوعا فِي شَرِيعَة آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا لضَرُورَة النَّسْل عِنْد عدم الْأَجَانِب، وَعند مَشَايِخنَا يَصح لِأَنَّهُ كَانَ فِي شرع آدم، وَلم يثبت النّسخ حَال كَثْرَة الْأَجَانِب عِنْد الْمَجُوس (و) الثَّانِي من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة (جهل المبتدع كالمعتزلة مانعي ثُبُوت الصِّفَات) الثبوتية من الْحَيَاة، وَالْقُدْرَة، وَالْعلم، والإرادة، وَالْكَلَام وَغَيرهَا لله تَعَالَى. قَوْله مانعي ثُبُوت الصِّفَات صفة أَو عطف بَيَان للمعتزلة لشهرتهم بِهِ، وَغَيرهم من الْمُتَكَلِّمين الموافقين لَهُم فِي منع

ثُبُوتهَا تبع لَهُم (زَائِدَة) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الثُّبُوت إِلَى الصِّفَات، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ أَنَّهَا عين الذَّات وَلَا يمْنَعُونَ أصل وجودهَا، بل كَونهَا موجودات زَائِدَة على الذَّات، فمرجع النَّفْي إِلَى الزِّيَادَة (و) ثُبُوت (عَذَاب الْقَبْر) وَمن متأخريهم من حكى ذَلِك عَن ضرار بن عَمْرو، وَقَالَ إِنَّمَا نسب إِلَى الْمُعْتَزلَة وهم بُرَآء عَنهُ لمخالطة ضرار إيَّاهُم، وَتَبعهُ قوم من السُّفَهَاء المعاندين للحق (و) ثُبُوت (الشَّفَاعَة) للرسل والأخيار فِي أهل الْكَبَائِر يَوْم الْقِيَامَة وَبعد دُخُول النَّار (و) ثُبُوت (خُرُوج مرتكب الْكَبِيرَة) من النَّار إِذا مَاتَ بِلَا تَوْبَة (و) ثُبُوت (الرُّؤْيَة) البصرية لله تَعَالَى للْمُؤْمِنين فِي الدَّار الْآخِرَة (و) مثل (الشُّبْهَة لمثبتيها) أَي الصِّفَات الْمَذْكُورَة لله تَعَالَى زَائِدَة على الذَّات لَكِن (على مَا) أَي على الْوَجْه الَّذِي (يُفْضِي إِلَى التَّشْبِيه) بالمخلوق، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يصفونَ - {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} -. وَقَوله لمثبتيها مُضَاف إِلَى الضَّمِير من قبيل الضار بك (لَا يصلح عذرا) خبر الْمُبْتَدَأ، يَعْنِي جهل المبتدع لَا يصلح عذرا وَلَا شُبْهَة فَإِن قلت: كَونه لَا يكفر يدل على أَنه يصلح شُبْهَة قلت: المُرَاد أَنه لَا يصلح شُبْهَة فِي حق التفسيق (لوضوح الْأَدِلَّة) الدَّالَّة على خلاف مَا زَعَمُوا (من الْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة، لَكِن لَا يكفر) المبتدع بِهِ (إِذْ تمسكه) فِي ذَلِك الْجَهْل وَمَا ذهب إِلَيْهِ (بِالْقُرْآنِ أَو الحَدِيث أَو الْعقل) كَمَا ذكر فِي مَحَله (وللنهي عَن تَكْفِير أهل الْقبْلَة). روى الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح أَن جَابر بن عبد الله سُئِلَ هَل تسمون الذُّنُوب كفرا أَو شركا أَو نفَاقًا. قَالَ معَاذ الله وَلَكنَّا نقُول مُؤمنين مذنبين، وروى أَبُو دَاوُد وَسكت عَلَيْهِ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث من أصل الْإِيمَان: الْكَفّ عَمَّن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله لَا نكفره بذنب وَلَا نخرجهُ عَن الْإِسْلَام بِعَمَل فَإِنَّمَا هُوَ هُوَ (وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى صَلَاتنَا واستقبل قبلتنا وَأكل ذبيحتنا فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَان) رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَهُوَ طرف من حَدِيث طَوِيل أخرجه البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ إِلَّا أَنهم قَالُوا بدل فَاشْهَدُوا إِلَى آخِره، فَذَلِك الْمُسلم الَّذِي لَهُ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله وَفِي هَذَا أَحَادِيث كَثِيرَة وَقد نَص عَلَيْهِ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْفِقْه الْأَكْبَر حَيْثُ قَالَ: وَلَا نكفر أحدا بذنب من الذُّنُوب وَإِن كَانَ كَبِيرَة مَا لم يستحلها (وَجمع بَينه) أَي هَذَا الحَدِيث (وَبَين) حَدِيث افْتَرَقت الْيَهُود على إِحْدَى وَسبعين، وافترقت النَّصَارَى على ثِنْتَيْنِ وَسبعين فرقة، و (ستفرق أمتِي على ثَلَاث وَسبعين) فرقة، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وللترمذي كلهم فِي النَّار إِلَّا مِلَّة وَاحِدَة قَالُوا: من هِيَ يَا رَسُول الله.؟ قَالَ مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي، وَلِلْحَدِيثِ طرق كَثِيرَة من رِوَايَة كثير من الصَّحَابَة بِأَلْفَاظ مُتَقَارِبَة (أَن الَّتِي فِي الْجنَّة المتبعون) لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأصحابه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (فِي العقائد والخصال) الْخصْلَة الْخلَّة والفضيلة، وَالْمرَاد هَهُنَا الْأَخْلَاق الحميدة كالجود

والحلم وَالرَّحْمَة والتواضع إِلَى غير ذَلِك (وَغَيرهم) أَي غير المتبعين (يُعَذبُونَ) فِي النَّار بِمَا شَاءَ الله (وَالْعَاقبَة الْجنَّة وعدوهم) أَي عَدو أهل السّنة وَالْجَمَاعَة غير المتبعين فِيمَا ذكر (من أهل الْكَبَائِر) لكَون بدعتهم فِي العقيدة كَبِيرَة لمخالفتهم ظواهر النُّصُوص وجوابهم عَلَيْهَا بتأويلها اعْتِمَادًا على مَا تستحسنه عُقُولهمْ الزائغة وتعمقهم فِي أُمُور منع الشَّارِع عَن الْخَوْض فِيهَا على خلاف مَا نَص عَلَيْهِ الصَّحَابَة وتابعوهم رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (وللإجماع على قبُول شَهَادَتهم على غَيرهم) وَمَا قيل من أَن مَالِكًا لَا يقبلهَا، وَتَابعه أَبُو حَامِد من الشَّافِعِيَّة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد إِجْمَاع من قبله لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ يسْتَلْزم مُخَالفَته الْإِجْمَاع وَهُوَ بَاطِل بل يحمل على الْإِجْمَاع الظني وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الْمُخَالف نَادرا كإجماع من عدا ابْن عَبَّاس على الْعَوْل، وَمن عدا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ على أَن النّوم نَاقض وَمن عدا أَبَا طَلْحَة على أَن الْبرد مفطر. وَقَالَ القَاضِي عضد الدّين: الظَّاهِر أَنه حجَّة لِأَنَّهُ يدل ظَاهرا على وجود رَاجِح أَو قَاطع (وَلَا شَهَادَة لكَافِر على مُسلم) لقَوْله تَعَالَى - {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} - (وَعَدَمه) أَي عدم قبُول الشَّهَادَة (فِي الخطابية) من الرافضة (لَيْسَ لَهُ) أَي لكفرهم بل لتدينهم الْكَذِب فِيهَا لمن كَانَ على رَأْيهمْ أَو حلف أَنه محق (وَإِذ كَانُوا) أَي المبتدعة (كَذَلِك) أَي غير كفار (وَجب علينا مناظرتهم) لإِزَالَة الشُّبْهَة الَّتِي أوقعتهم فِي تِلْكَ الْبِدْعَة وإظهارا للصَّوَاب. (وَأورد) على نفي تكفيرهم بطرِيق الْمُعَارضَة: يَعْنِي إِن كَانَ لكم دَلِيل يدل على عدم تكفيرهم فعندنا دَلِيل يدل على كفرهم، وَهُوَ قَوْلنَا (اسْتِبَاحَة الْمعْصِيَة كفر) فنائب الْفَاعِل فِي أورد هَذِه الْجُمْلَة بِتَأْوِيل هَذَا القَوْل. (وَأجِيب) عَن الْإِيرَاد بِأَن اسْتِبَاحَة الْمعْصِيَة كفر (إِذا كَانَ ذَلِك عَن مُكَابَرَة وَعدم دَلِيل، بِخِلَاف مَا) إِذا كَانَ (عَن دَلِيل شَرْعِي) أَي مَأْخُوذ من الشَّرْع احْتِرَازًا عَمَّا إِذا لم يكن شَرْعِيًّا كالأدلة الشَّرْعِيَّة الْحكمِيَّة فَإِنَّهُ إِذا كَانَ لَهُم دَلِيل شَرْعِي يدل بزعمهم على أَن مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ حق يجب اتِّبَاعه لَا يُقَال حِينَئِذٍ أَنهم استباحوا مَعْصِيّة فَإِن قلت فَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن يفسقوا بذلك أَيْضا لأَنهم اجتهدوا فآل اجتهادهم إِلَى ذَلِك قلت شبهتهم تصلح لدرء الْكفْر، لَا لدرء الْفسق، لِأَن الشَّارِع أمرنَا بِعَدَمِ تَكْفِير أهل الْقبْلَة، لَا بِعَدَمِ تفسيقهم إِذا كَانَ مَا يدل على خلافهم من الْكتاب وَالسّنة وَاضح الدّلَالَة (والمبتدع مُخطئ فِي تمسكه) بِمَا كَانَ يزْعم أَنه دَلِيل لَهُ من الْكتاب وَالسّنة لعدم إِصَابَته حكم الله تَعَالَى فِي اجْتِهَاده، فَإِن حكم الله فِيمَا يتَعَلَّق بالاعتقاد وَاحِد بِاتِّفَاق المخطئة والمصوبة (لَا مكابر) ومعاند، لِأَن المكابرة إِنَّمَا تكون عِنْد الْعلم بِخِلَاف مَا يَدعِيهِ (وَالله تَعَالَى أعلم بسرائر عباده) فيجازيهم بموجبها. قَالَ المُصَنّف فِي المسايرة: لَا خلاف فِي تَكْفِير الْمُخَالف فِي ضروريات الْإِسْلَام من حُدُوث الْعَالم وَحشر الأجساد وَنفي الْعلم بالجزئيات وَإِن كَانَ من أهل الْقبْلَة المواظب

طول الْعُمر على الطَّاعَات انْتهى. وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام رَجَعَ الْأَشْعَرِيّ عِنْد مَوته عَن تَكْفِير أهل الْقبْلَة، لِأَن الْجَهْل بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جهلا بالموصوفات انْتهى. وَذهب الإِمَام الرَّازِيّ وَالشَّيْخ الْمَذْكُور أَن من يلْزمه الْكفْر وَلم يقل بِهِ فَلَيْسَ بِكَافِر، فعلى هَذَا لَا تكفر المجسمة، وَإِن لزم عَلَيْهِم إِثْبَات النَّقْص، تَعَالَى شَأْنه عَمَّا يَقُولُونَ لأَنهم لم يَقُولُوا بِهِ، لَكِن المُصَنّف ذكر فِي المسايرة أَن الْأَظْهر كفرهم، فَإِن إِطْلَاق الْجِسْم مُخْتَارًا مَعَ الْعلم بِمَا فِيهِ من النَّقْص استخفاف (و) الثَّالِث من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة (جهل الْبَاغِي وَهُوَ) الْمُسلم (الْخَارِج على الإِمَام الْحق) مثل الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَمن سلك طريقهم، يظنّ أَنه على الْحق وَالْإِمَام على الْبَاطِل (بِتَأْوِيل فَاسد) فَإِن لم يكن لَهُ تَأْوِيل فَهُوَ فِي حكم اللُّصُوص، وَهُوَ لَا يصلح عذرا لمُخَالفَته التَّأْوِيل الْوَاضِح، وَهَذَا الْجَهْل (دون جهل المبتدعة) لِأَنَّهُ لَا يخل بِأَصْل العقيدة، الظّرْف خبر الْمُبْتَدَأ الْمَحْذُوف، وَقَوله (لم يكفره) أَي الْبَاغِي مُسْتَأْنف لبَيَان مَضْمُون الْخَبَر (أحد) من أهل الْعلم، فالجهل الَّذِي لَا يُوجب الْكفْر إِجْمَاعًا دون الْجَهْل الَّذِي اخْتلف فِي إِيجَابه إِيَّاه (إِلَّا أَن يضم) الْبَاغِي إِلَيْهِ (أمرا آخر) كإنكار شَيْء من ضروريات الدّين فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكفر بِسَبَب ذَلِك الْأَمر، لَا للبغي، وَالِاسْتِثْنَاء من عُمُوم الْأَوْقَات بِتَقْدِير الْوَقْت بعد إِلَّا (وَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) فِي أهل الْبَغي (إِخْوَاننَا (بغوا علينا) وَلَا يُقَال للْكَافِرِ إِخْوَاننَا، فَإِن المُرَاد مِنْهُ أخوة الْإِسْلَام، وَقَالَ تَعَالَى - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم} - فِي بَيَان حكم أهل الْبَغي (فنناظره) أَي الْبَاغِي (لكشف شبهته) ليرْجع إِلَى طَاعَة الإِمَام بِغَيْر قتال (بعث عَليّ) بن أبي طَالب (ابْن عَبَّاس) رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا (لذَلِك) أَي لمناظرة أهل الْبَغي من الْخَوَارِج كَمَا أخرجه النَّسَائِيّ وَغَيره (فَإِن رَجَعَ) إِلَى طَاعَة الإِمَام (بِالَّتِي) أَي بالخصلة الَّتِي (هِيَ أحسن) وَهِي إِزَالَة الشُّبْهَة وَإِظْهَار الْحق من غير قتال فبها (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرجع إِلَى طَاعَته (وَجب جهاده) لقَوْله تَعَالَى - {فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى (فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي} حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} - أَي ترجع إِلَى كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِأَن النَّهْي عَن الْمُنكر فرض، وَذَلِكَ بِالْقِتَالِ حِينَئِذٍ، ظَاهر سِيَاق الْآيَة يدل على أَن هَذِه الدعْوَة لَهُم قبل الْقِتَال وَاجِبَة، وَإِنَّمَا الْقِتَال يجب بعْدهَا، وَفِي الْمَبْسُوط أَن الْقِتَال وَاجِب قبلهَا، وَإِنَّمَا تَقْدِيمهَا أحسن، وَقيل مُسْتَحبّ (وَمَا لم يصر لَهُ) أَي وَمَا دَامَ لم يصر للباغي (مَنْعَة) بِالتَّحْرِيكِ، وَقد يسكن: أَي قُوَّة يمْنَع بهَا من قَصده (فيجرى عَلَيْهِ) أَي على الْبَاغِي (الحكم الْمَعْرُوف) فِي الْقصاص وغرامات الْأَمْوَال وَغَيرهَا من الْمُسلمين لبَقَاء ولَايَة الْإِلْزَام فِي حَقه كَمَا فِي حَقهم (فَيقْتل) الْبَاغِي (بِالْقَتْلِ) الْعمد الْعدوان (وَيحرم) الْبَاغِي (بِهِ) أَي بِالْقَتْلِ لمورثه الْإِرْث مِنْهُ (وَمَعَهَا) أَي المنعة (لَا) يجْرِي عَلَيْهِ الحكم الْمَعْرُوف (لقُصُور الدَّلِيل

عَنهُ) أَي الْبَاغِي (لسُقُوط الْتِزَامه) الَّذِي كَانَ لَهُ قبل الْبَغي بِسَبَب تَأْوِيله الَّذِي اسْتندَ إِلَيْهِ لدفع الْخَطَأ عَنهُ (وَالْعجز عَن إِلْزَامه) بِسَبَب المنعة (فَوَجَبَ الْعَمَل بتأويله) الْفَاسِد، تَحْقِيق الْمقَام على مَا ذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه أجمع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن لَا يقيموا على أحد حدا فِي فرج اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيل الْقُرْآن، وَلَا قصاصا فِي دم اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيل الْقُرْآن، وَلَا برد مَال اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيل الْقُرْآن إِلَّا أَن وجد شَيْء بِعَيْنِه فَيرد على صَاحبه، وَأَيْضًا الْفَاسِد من الِاجْتِهَاد يلْحق بِالصَّحِيحِ عِنْد انضمام المنعة إِلَيْهِ لانْقِطَاع ولَايَة الْإِلْزَام وَلَا يخفى أَن إِلْحَاق الِاجْتِهَاد الْفَاسِد من الِاجْتِهَاد الَّذِي ضلل مرتكبه بعلة انْقِطَاع ولَايَة الْإِلْزَام إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ بِسَبَب الْإِجْمَاع، وَإِلَّا فَلَا يلْزم من الْعَجز عَن الْإِلْزَام سُقُوطه، بل إِنَّمَا يلْزم سُقُوط الْخطاب بالإلزام مَا دَامَ الْعَجز عَن إِلْزَامه ثَابتا فَإِذا ثبتَتْ الْقُدْرَة تعلق خطاب الْإِلْزَام كَمَا يَقُوله الشَّافِعِي (وَلَا نضمن مَا أتلفنا من نفس وَمَال). قيل هَذَا ظَاهر لَا خلاف فِيهِ، وَقد كَانَ الأولى لَا يضمن الْبَاغِي مَا أتلف من نفس وَمَال فِي هَذِه الْحَالة بعد أَخذه أَو تَوْبَته كَمَا فِي الْحَرْبِيّ بعد الْإِسْلَام تَفْرِيعا على وجوب الْعَمَل بتأويله انْتهى وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه صرح بقوله لَا لقُصُور الدَّلِيل عَنهُ إِلَى آخِره أَن الْبَاغِي إِذا كَانَ مَعَ المنعة لَا يتَنَاوَلهُ الْخطاب، وَلَا شكّ أَن من لَا يتَنَاوَلهُ الْخطاب لَا يضمن، فالمحتاج إِلَى الذّكر حكم من لم يقصر عَنهُ الدَّلِيل وَقد أتلف نفس الْبَاغِي وَمَاله وَهُوَ مُسلم فَقَالَ: لَا نضمن، فَذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونا مَأْمُورا من قبل الشَّارِع بِالْقِتَالِ وَمن ضَرُورَته إتلافهما فقد عرفت أَنه لَا يتَفَرَّع عدم الضَّمَان على وجوب الْعَمَل بتأويله بل على قَوْله وَجب جهاده. قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة: الْحَاصِل أَن نفي الضَّمَان مَنُوط بالمنعة مَعَ التَّأْوِيل فَلَو تجرد المنعة عَن التَّأْوِيل كقوم غلبوا على أهل بَلْدَة فَقتلُوا واستهلكوا الْأَمْوَال بِلَا تَأْوِيل، ثمَّ ظهر عَلَيْهِم أخذُوا بِجَمِيعِ ذَلِك، وَلَو انْفَرد التَّأْوِيل عَن المنعة بِأَن انْفَرد وَاحِد أَو اثْنَان فَقتلُوا وَأخذُوا عَن تَأْوِيل ضمنُوا إِذا تَابُوا أَو قدر عَلَيْهِم (ويذفف على جرحاهم) فِي الْمغرب. ذفف على الجريح بِالذَّالِ وَالدَّال، أسْرع قَتله، وَفِي كَلَام مُحَمَّد عبارَة عَن إتْمَام الْقَتْل، وَظَاهر هَذِه الْعبارَة وجوب التدفيف كَمَا صرح بِهِ فَخر الْإِسْلَام، وَذَلِكَ لقطع مَادَّة الْفساد الْمَذْكُور. فِي الْمَبْسُوط أَنه لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يجوز لما روى عَن عَليّ أَنه قَالَ: يَوْم الْجمل لَا تتبعوا مُدبرا وَلَا تجهزوا جريحا، وَقَالُوا أَن التدفيف مَشْرُوط بِمَا إِذا كَانَت لَهُم فِئَة، وَيفهم اعْتِبَار هَذَا الْقَيْد من اشْتِرَاط المنعة فِي نفي الضَّمَان (وَيَرِث) الْعَادِل (مُوَرِثه) الْبَاغِي (إِذا قَتله) أَي قتل الْعَادِل الْبَاغِي اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مَأْمُور بقتْله فَلَا يحرم الْمِيرَاث بِهِ (وَكَذَا عَكسه) أَي يَرث الْبَاغِي مُوَرِثه الْعَادِل إِذا قَتله وَقَالَ كنت على الْحق وَأَنا الْآن عَلَيْهِ لما عرفت من أَنه بِسَبَب التَّأْوِيل والمنعة لَا يتَنَاوَل الْخطاب وَهُوَ مُسلم فَلَا مَانع من الْإِرْث (لأبي حنيفَة وَمُحَمّد) مُتَعَلق بقوله وَكَذَا

وَكَذَا عَكسه: أَي عكس مَذْهَب لَهما، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ لَا يَرِثهُ فِي الْوَجْهَيْنِ: أَي سَوَاء قَالَ كنت على الْحق أَو قَالَ: كنت على الْبَاطِل، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يتَنَاوَلهُ خطاب تَحْرِيم قتل الْمُسلم وحرمان الْقَاتِل من الْإِرْث عِنْدهمَا (وَلَا يملك مَاله) أَي مَال الْبَاغِي (بوحدة الدَّار) أَي بِسَبَب وحدة الدَّار لِأَنَّهُمَا فِي دَار الْإِسْلَام، فَإِن تملك المَال بطرِيق الِاسْتِيلَاء يتَوَقَّف على اخْتِلَاف الدَّاريْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ (على هَذَا اتّفق عَليّ وَالصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم) أخرج ابْن أبي شيبَة أَن عليا لما هزم طَلْحَة وَأَصْحَابه أَمر مناديه فَنَادَى أَن لَا يقتل مقبل وَلَا مُدبر وَلَا يفتح بَاب وَلَا يسْتَحل فرج وَلَا مَال، وَلم ينْقل عَن غَيره من الصَّحَابَة مُخَالفَته فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُم (و) الرَّابِع من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة (جهل من عَارض مجتهده) على الْبناء للْمَفْعُول، فِيهِ حذف وإيصال كالمشترك أَصله مُشْتَرك فِيهِ (الْكتاب كحل مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا) مِثَال لمجتهده الْعَارِض للْكتاب وَيُمكن أَن يكون الْمَعْنى كجهل مُجْتَهد قَالَ بحله (و) جَوَاز (الْقَضَاء بِشَاهِد) وَاحِد (وَيَمِين) من الْمُدَّعِي معارضين (مَعَ) قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} أَو رد عَلَيْهِ أَن مَا فِي الْآيَة كِنَايَة عَمَّا لم يذبحه موحد، وَفِي الْكِنَايَة أَنه لَا يلْزم تحقق الْمَعْنى الْأَصْلِيّ، وَلَو سلم إِرَادَة الْحَقِيقَة، لم لَا يجوز أَن يكون الذّكر القلبي كَافِيا؟ وَالْجَوَاب أَن صرف الْعبارَة عَن الْحَقِيقَة بِغَيْر صَارف لَا يجوز فَإِن قلت الصَّارِف مَا احْتج بِهِ الشَّافِعِي من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الْمُسلم يذبح على اسْم الله تَعَالَى سمى أَو لم يسم " قُلْنَا هَذَا ورد فِي النسْيَان، فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَمَّن نسي التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة فَقَالَ: اسْم الله على لِسَان كل مُسلم، وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَبِيحَة الْمُسلم حَلَال سمى أَو لم يسم مَا لم يتَعَمَّد تَركه. وَحجَّتنَا الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، أما الْكتاب فَهَذِهِ الْآيَة، وَأما السّنة فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعدي بن حَاتِم: إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت اسْم الله تَعَالَى فَكل فَإِن شَاركهُ كلب آخر فَلَا تَأْكُل فَإنَّك إِنَّمَا سميت على كلبك فعلل الْحُرْمَة بترك التَّسْمِيَة، وَأما الْإِجْمَاع فَلَا خلاف بَين الصَّحَابَة فِي حُرْمَة مَتْرُوك التَّسْمِيَة عَامِدًا وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهم فِي متروكها نَاسِيا، فمذهب ابْن عمر أَنه يحرم، وَمذهب عَليّ وَابْن عَبَّاس أَنه يحل، وَقَالَ أَبُو يُوسُف مَتْرُوك التَّسْمِيَة عَامِدًا لَا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد حَتَّى لَو قضى قَاض بِجَوَاز بَيْعه لَا ينفذ لكَونه مُخَالفا للْإِجْمَاع، كَذَا فِي شرح الْقَدُورِيّ للْإِمَام الحدادي، وَصُورَة مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا أَن يعلم أَن التَّسْمِيَة شَرط وَيَتْرُكهَا مَعَ ذكرهَا، أما لَو تَركهَا من لَا يعلم اشْتِرَاطهَا فَهُوَ فِي حكم النَّاسِي: كَذَا فِي الْحَقَائِق، وَأما الْجَواب عَن الذّكر القلبي فَمَا قَالُوا من أَنه يُقَال ذكر عَلَيْهِ وسمى عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ وَلَا يُقَال بِقَلْبِه (فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ) مَعْطُوف على مَدْخُول مَعَ والعاطف مَحْذُوف كَقَوْلِه تَعَالَى - (وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم قلت

أَي وَقلت وَيجوز أَن يَجْعَل الْمَحْذُوف مُضَافا إِلَيْهِ مَعَ على سَبِيل اللف والنشر الْمُرَتّب، قَالُوا إِن الله تَعَالَى بَين الْمُعْتَاد بَين النَّاس، وَهُوَ شَهَادَة رجلَيْنِ، ثمَّ انْتقل إِلَى غَيره، فَإِن حضورهن مجَالِس الحكم غير مُعْتَاد مُبَالغَة فِي الْبَيَان، فَلَو كَانَ يَمِين الْمُدَّعِي مَعَ شَاهد كَافِيا لانتقل إِلَيْهِ لكَونه أيسر وجودا فَدلَّ النَّص التزاما على عدم حجية يَمِين الْمُدَّعِي مَعَ شَاهد (وَالسّنة الْمَشْهُورَة) مَعْطُوف على الْكتاب: أَي وَجعل من يُعَارض مجتهده للسّنة الْمَشْهُورَة (كالقضاء الْمَذْكُور مَعَ) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي (وَالْيَمِين على من أنكر) لفظ الصَّحِيحَيْنِ وَالْبَيْهَقِيّ: وَالْيَمِين على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ، جعل جنس الْأَيْمَان على الْمُنكر، وَلَيْسَ وَرَاء الْجِنْس شَيْء، وَمَا عَن ابْن عَبَّاس من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِشَاهِد وَيَمِين، فقد روى عَن البُخَارِيّ وَغَيره انْقِطَاعه، وَمِنْهُم من ذكره فِي الضُّعَفَاء، وَله طرق لَا تَخْلُو كلهَا من نظر، وَعَن الزُّهْرِيّ بِأَنَّهُ بِدعَة، وَأول من قضى بِهِ مُعَاوِيَة. وَأورد أَنه لم يبْق لتضعيف الحَدِيث مجَال بعد مَا أخرجه مُسلم وَأجِيب بِأَنَّهُ لَيْسَ بمعصوم عَن الْخَطَأ فِي الْمُحدثين، فَمن الْمُحدثين من قَالَ فِي كِتَابه أَرْبَعَة عشر حَدِيثا مَقْطُوعًا، وَمِنْهُم من أَخذ عَلَيْهِ فِي سبعين موضعا رَوَاهُ مُتَّصِلا وَهُوَ مُنْقَطع، على أَن مَا رَوَاهُ حِكَايَة وَاقعَة لَا عُمُوم لَهَا، وَيجوز أَن تكون فِي مَحل الِاتِّفَاق: كَشَهَادَة الطّيب أَو امْرَأَة فِي عيب لَا يطلع عَلَيْهِ غير ذَلِك الشَّاهِد واستحلاف المُشْتَرِي على أَنه لم يرض بِالْعَيْبِ، ثمَّ أَن الْقَضَاء بِيَمِين الْمُدَّعِي وَشَاهد وَاحِد لَا يَصح فِي غير الْأَمْوَال عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء (والتحليل) أَي وكالقول بِحل الْمُطلقَة ثَلَاثًا لزَوجهَا الأول إِذا تزَوجهَا الثَّانِي ثمَّ طَلقهَا (بِلَا وَطْء) كَمَا هُوَ قَول سعيد بن الْمسيب (مَعَ حَدِيث الْعسيلَة) وَهُوَ مَا روى الْجَمَاعَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فَتزوّجت زوجا غَيره فَدخل بهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يواقعها أتحل لزَوجهَا الأول؟ قَالَ لَا حَتَّى يَذُوق الآخر من عسيلتها مَا ذاق الأول. قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: وَمن أفتى بِهَذَا القَوْل فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ. وَفِي الْمَبْسُوط: لَو أفتى فَقِيه بذلك يعزز (وَالْإِجْمَاع) أَي وَجَهل من عَارض مجتهده الْإِجْمَاع (كَبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد) أَي جَوَازه كَمَا ذهب إِلَيْهِ دَاوُد الظَّاهِرِيّ (مَعَ إِجْمَاع الْمُتَأَخر من الصَّحَابَة) قيل وَالْوَجْه من التَّابِعين لما تقدم من اخْتِلَاف الصَّحَابَة فِي جَوَازه وَإِجْمَاع التَّابِعين على مَنعه. أَقُول فِي هَذَا الْكَلَام بعد مَا ذكر فِي بحث الْإِجْمَاع اخْتِلَاف الصَّحَابَة وَإِجْمَاع التَّابِعين إِشَارَة إِلَى مَا عرف من أَن الصَّحَابَة كلهم على عدم جَوَاز بيعهنَّ إِلَّا عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَبعد موت عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حصل الْإِجْمَاع من الصَّحَابَة. وَقد علم إِجْمَاع التَّابِعين مِمَّا سبق، فعلى قَول من لم يعْتَبر فِي الْإِجْمَاع إِلَّا إِجْمَاع الصَّحَابَة أَيْضا يتم الِاسْتِدْلَال (فَلَا ينفذ الْقَضَاء

بِشَيْء مِنْهَا) أَي المجتهدات الْمَذْكُورَة الْمُخَالفَة للْكتاب أَو السّنة الْمَشْهُورَة أَو الْإِجْمَاع لكَونهَا فِي مُقَابلَة الْقطعِي وَلَا يخفى عَلَيْك أَن للبحث فِي كل مِنْهَا مجالا لعدم قَطْعِيَّة دلَالَة الْكتاب على الْخلاف وَكَون الْمَشْهُور آحادا فِي الأَصْل، وَكَون الْإِجْمَاع الْمَسْبُوق بِالْخِلَافِ مُخْتَلفا فِيهِ بَين الْعلمَاء، غير أَنه لما كَانَ أمرا مقررا فِي الْمَذْهَب لم يتَعَرَّض المُصَنّف لَهُ، وَعدم نَفاذ الْقَضَاء بهَا قَول الْجُمْهُور من الْحَنَفِيَّة، وتفصيلة فِي الْكتب المفصلة من الْفُرُوع (وكترك الْعَوْل) كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس (وَربا الْفضل) أَي القَوْل بحله كَمَا صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس، وَقد روى رُجُوعه عَنهُ. أخرج الطَّحَاوِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قلت: لِابْنِ عَبَّاس: أَرَأَيْت الَّذِي يَبِيع الدينارين بالدينار وَالدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ أشهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الدِّينَار بالدينار وَالدِّرْهَم بالدرهم لَا فضل بَينهمَا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَنْت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت نعم، فَقَالَ إِنِّي لم أسمع هَذَا إِنَّمَا أخبرنيه أُسَامَة بن زيد، وَقَالَ أَبُو سعيد وَنزع عَنْهَا ابْن عَبَّاس (الثَّانِي) من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة (جهل يصلح شُبْهَة) دارئة للحد وَالْكَفَّارَة، وعذرا فِي غَيرهمَا (كالجهل فِي مَوضِع اجْتِهَاد صَحِيح بِأَن لم يُخَالف) الْمُجْتَهد (مَا ذكر) من الْكتاب وَالسّنة الْمَشْهُورَة وَالْإِجْمَاع (كمن صلى الظّهْر بِلَا وضوء ثمَّ صلى الْعَصْر بِهِ) أَي بِوضُوء (ثمَّ ذكر) أَنه صلى الظّهْر بِلَا وضوء (فَقضى الظّهْر فَقَط ثمَّ صلى الْمغرب يظنّ جَوَاز الْعَصْر) لجهله بِوُجُوب التَّرْتِيب (جَازَ) أَدَاؤُهُ صَلَاة الْمغرب (لِأَنَّهُ) أَي ظَنّه جَوَاز الْعَصْر (فِي مَوضِع الِاجْتِهَاد) الصَّحِيح (فِي تَرْتِيب الْفَوَائِت) فَإِنَّهُ وَقع بَين الْعلمَاء خلاف فِي وجوب التَّرْتِيب، وَلَيْسَ فِي الْمحل دَلِيل قَطْعِيّ، وَكَانَ هَذَا الْجَهْل عذرا فِي جَوَاز الْمغرب لَا الْعَصْر، وَالْفرق أَن فَسَاد الظّهْر بترك الْوضُوء قوي، وَفَسَاد الْعَصْر بترك التَّرْتِيب ضَعِيف لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ، فيؤثر الأول فِيمَا بعده دون الثَّانِي، وَكَانَ الْحسن بن زِيَاد يَقُول إِنَّمَا يجب مُرَاعَاة التَّرْتِيب على من يعلم، لَا على من لَا يعلم، وَكَانَ زفر يَقُول إِذا كَانَ عِنْده أَن ذَلِك يجْزِيه فَهُوَ فِي معنى النَّاسِي للفائتة، وَفِيه مَا فِيهِ (وكقتل أحد الوليين) قَاتل موليه عمدا عُدْوانًا (بعد عَفْو) الْوَلِيّ (الآخر) جَاهِلا بِسُقُوط الْقود بعفوه (لَا يقْتَصّ مِنْهُ) أَي من الْقَاتِل لِأَن هَذَا جهل فِي مَوضِع الِاجْتِهَاد (لقَوْل بعض الْعلمَاء) من أهل الْمَدِينَة على مَا فِي التذهيب (بِعَدَمِ سُقُوطه) أَي الْقصاص (بِعَفْو أحدهم) أَي الْأَوْلِيَاء، حَتَّى لَو عَفا أحدهم كَانَ للباقين الْقَتْل (فَصَارَ) الْقَتْل الْمَذْكُور (شُبْهَة يدْرَأ) بِهِ (الْقصاص) وَهُوَ قد يسْقط بِالظَّنِّ كَمَا لَو رمى إِلَى شخص ظَنّه كَافِرًا فَإِذا هُوَ مُؤمن، وَإِذا قسط الْقصاص بِالشُّبْهَةِ لزمَه الدِّيَة فِي مَاله لِأَن فعله عمد وَيجب لَهُ مِنْهَا نصف الدِّيَة، إِذْ بِعَفْو شَرِيكه وَجب لَهُ نصف الدِّيَة على الْمَقْتُول فَيصير نصف الدِّيَة قصاصا بِالنِّصْفِ وَيُؤَدِّي مَا بَقِي، وَلَو علم سُقُوطه بِالْعَفو ثمَّ قَتله عمدا يجب الْقود عَلَيْهِ. وَقَالَ زفر عَلَيْهِ

الْقصاص علم بِهِ أَولا: كَمَا لَو قتل رجلا يظنّ أَنه قتل وليه ثمَّ جَاءَ وليه حَيا (و) مثل (المحتجم) فِي نَهَار رَمَضَان (إِذا ظَنّهَا) أَي الْحجامَة (فطرته) فَأفْطر بعْدهَا (لَا كَفَّارَة) عَلَيْهِ: وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاء (لِأَن) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم (أورث شُبْهَة فِيهِ) أَي فِي وجوب الْكَفَّارَة بِالْفطرِ بعد الْحجامَة (وَهَذِه الْكَفَّارَة يغلب فِيهَا معنى الْعقُوبَة) على الْعِبَادَة عندنَا (فتنتفى بِالشُّبْهَةِ) وَهَذَا يدل على أَن الْعَاميّ إِذا اعْتمد على الحَدِيث غير عَالم بتأويله ونسخه فَفعل مَا يُوجب الْكَفَّارَة كَانَ ذَلِك مورثا للشُّبْهَة فِي حَقه. كَمَا أَن قَول الْمُعْتَمد فِي الْفَتْوَى فِي الْبَلَد يُورثهَا بِحَيْثُ لَو أفطر الْعَاميّ بقوله لَا تلْزمهُ الْكَفَّارَة، بل الحَدِيث أولى بذلك، وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الْكَفَّارَة إِذْ لَيْسَ للعامي الْأَخْذ بِظَاهِر الحَدِيث لجَوَاز كَونه مصروفا عَن ظَاهره أَو مَنْسُوخا، بل عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى الْفُقَهَاء، وَإِذا لم يسْتَند ظَنّه إِلَى دَلِيل شَرْعِي وَأفْطر يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جهل مُجَرّد، وَهُوَ لَيْسَ بِعُذْر فِي دَار الْإِسْلَام (وَمن زنى بِجَارِيَة وَالِده) أَو والدته (أَو زَوجته) حَال كَونه (يظنّ حلهَا لَا يحد) عِنْد الثَّلَاثَة، وَقَالَ زفر يحد وَلَا عِبْرَة بظنه الْفَاسِد: كَمَا لَو وطئ جَارِيَة أَخِيه وَعَمه يظنّ الْحل (للاشتباه) لِأَن بَين الْإِنْسَان وَأَبِيهِ وَأمه وَزَوجته انبساطا فِي الِانْتِفَاع بِالْمَالِ، بِخِلَاف الْأَخ وَالْعم (وَلَا يثبت نسب) بِهَذَا الْوَطْء وَإِن ادَّعَاهُ الْوَاطِئ (وَلَا عدَّة) أَيْضا على الْمَوْطُوءَة بِهَذَا الْوَطْء (لما) عرف (فِي مَوْضِعه) إِذْ لَا حق لَهُ فِي الْمحل، وللعاهر الْحجر، وَلَا عدَّة عَن الزِّنَا، وَتسَمى هَذِه شُبْهَة فِي الْفِعْل يسْقط بهَا الْحَد على من اشْتبهَ عَلَيْهِ، لَا على من لَا يشْتَبه عَلَيْهِ، بِخِلَاف الشُّبْهَة فِي الْمحل كَوَطْء الْأَب جَارِيَة ابْنه، فَإِنَّهُ لَا يحد، وَإِن قَالَ علمت أَنَّهَا حرَام، لِأَن الْمُؤثر فِيهِ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت وَمَالك لأَبِيك، وَيثبت النّسَب إِذا ادَّعَاهُ، وَتصير أم ولد لَهُ. وَعند أبي حنيفَة شُبْهَة أُخْرَى دارئة للحد، وَهِي شُبْهَة العقد سَوَاء علم الْحُرْمَة أم لَا كَوَطْء الَّتِي تزَوجهَا بِغَيْر شُهُود (وَكَذَا حَرْبِيّ دخل دَارنَا فَأسلم فَشرب الْخمر جَاهِلا بِالْحُرْمَةِ لَا يحد) لِأَنَّهُ فِي مَوضِع الشُّبْهَة لحلها فِي وَقت: كَذَا ذكره الشَّارِح، وَالْوَجْه لحلها فِي بعض الْأَدْيَان لما سَيَأْتِي (بِخِلَاف مَا إِذا زنى) بعد دُخُوله دَارنَا وإسلامه (لِأَن جَهله بِحرْمَة الزِّنَا لَا يكون شُبْهَة لِأَن الزِّنَا حرَام فِي جَمِيع الْأَدْيَان فَلَا يكون جَهله عذرا، بِخِلَاف الْخمر) لعدم حُرْمَة شربهَا فِي سَائِر الْأَدْيَان (فَمَا فِي الْمُحِيط وَغَيره: شَرط الْحَد أَن لَا يظنّ الزِّنَا حَلَالا مُشكل) فَإِنَّهُ يدل على أَن جَهله بحرمته وظنه الْحل عذر يسْقط بِهِ الْحَد عَنهُ، وَقد قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَنقل فِي اشْتِرَاط الْعلم بِحرْمَة الزِّنَا إِجْمَاع الْفُقَهَاء (بِخِلَاف الذِّمِّيّ أسلم فَشرب الْخمر) وَقَالَ لم أعلم بحرمتها، وَقَوله: أسلم صفة للذِّمِّيّ لكَونه فِي معنى النكرَة كَقَوْلِه: وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني (يحد لظُهُور

الحكم) أَي حُرْمَة الْخمر لشيوعها (فِي دَار الْإِسْلَام) وَهُوَ مُقيم بهَا (فجهله) بحرمتها مَعَ شيوعها فِيهِ (لتَقْصِيره) فِي طلب مَعْرفَتهَا فَلَا يكون عذرا فِي دَرْء الْحَد وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا وجد فرْصَة أمكنه تَحْصِيل الْعلم فِيهَا، فَأَما فِي بَدْء إِسْلَامه فَلَا يحكم بتقصيره، وَترك طلب معرفَة الْأَحْكَام فِي زمَان الْكفْر لَا يُوجب التَّقْصِير، على أَن الْإِسْلَام يمحو مَا قبله الْقسم (الثَّالِث: جهل يصلح عذرا كمن أسلم فِي دَار الْحَرْب) أَي كجهل من أسلم فِيهَا (فَترك بهَا صلوَات جَاهِلا لُزُومهَا فِي الْإِسْلَام لَا قَضَاء) عَلَيْهِ إِذا علمه بعد ذَلِك لعدم تَقْصِيره لعدم اشتهار الْأَحْكَام فِي دَار الْحَرْب. وَقَالَ زفر: عَلَيْهِ الْقَضَاء لالتزامه الْأَحْكَام بِالْإِسْلَامِ وَإِن قصر عَنهُ خطاب الْأَدَاء وَهُوَ لَا يسْقط الْقَضَاء بعد تقرر السَّبَب: كالنائم إِذا انتبه بعد مُضِيّ الْوَقْت (وكل خطاب ترك وَلم ينتشر فجهله عذر) لانْتِفَاء التَّقْصِير، يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} مَا لم يتَعَلَّق علمهمْ بحرمته، سَوَاء لم يحرم أصلا أَو حرم وَلم ينتشر خَبره (للَّذين شربوا) الْخمر (بعد تَحْرِيمهَا غير عَالمين) بحرمتها، فَقَوله للَّذين مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره لقَوْله تَعَالَى - {لَيْسَ على الَّذين} - منزلا للَّذين شربوا، ولبيان حكم شربهم، روى أَن بعض الصَّحَابَة كَانُوا فِي سفر فَشَرِبُوا بعد التَّحْرِيم غير عَالمين بحرمتها فَنزلت. وَعَن ابْن كيسَان لما نزل تَحْرِيم الْخمر وَالْميسر، قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: كَيفَ بإخواننا الَّذين مَاتُوا وَقد شربوا الْخمر وأكلوا الميسر؟ وَكَيف بالغائبين عَنَّا فِي الْبلدَانِ لَا يَشْعُرُونَ بتحريمها وهم يطعمونها؟ فَإِذا نزل الله تَعَالَى (بِخِلَافِهِ) أَي الْخطاب (بعد الانتشار) فَإِن جَهله لَيْسَ بِعُذْر. وَيَنْبَغِي أَن يُرَاد بِهِ الانتشار فِي بلد الْمُكَلف، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ بَلَده بَعيدا عَن مهبط الْوَحْي وَعَن الْبلدَانِ الَّتِي انْتَشَر فِيهَا فعذره وَاضح: وَظَاهر هَذِه الْعبارَة أَن الْجَهْل بعد تحقق الانتشار لَيْسَ بِعُذْر سَوَاء كَانَ الانتشار فِي بَلَده أَولا، وَيُؤَيِّدهُ إِطْلَاق قَوْلهم: الْجَهْل فِي دَار الْإِسْلَام لَيْسَ بِعُذْر لاستفاضة الْأَحْكَام وشيوعها فِيهَا والاستفاضة فِيهَا أُقِيمَت مقَام الْعلم: فعلى هَذَا كَون الْجَهْل عذرا يخص بابتداء الْإِسْلَام، لَكِن مُقْتَضى الدَّلِيل مَا ذَكرْنَاهُ، إِذْ لَا وَجه لإِقَامَة الاستفاضة فِي غير بَلَده مقَام الْعلم وَإِن كَانَ بَعيدا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُؤَاخذ بترك المهاجرة لطلب الْعلم مَعَ قدرته عَلَيْهَا (لِأَنَّهُ) أَي جَهله بعد الانتشار (لتَقْصِيره) فِي طلب مَا يجب عَلَيْهِ (كمن لم يطْلب المَاء فِي الْعمرَان فَتَيَمم وَصلى لَا يَصح) تيَمّمه فَلَا تصح صلَاته (لقِيَام دَلِيل الْوُجُود) وَهُوَ الْعمرَان لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن المَاء غَالِبا (وَتَركه الْعَمَل) بِالدَّلِيلِ وَهُوَ طلبه فِيهِ. هَذَا إِذا لم يستكشفه، أما لَو استكشفه فَلم يجده فِيهِ فقد صرح بِجَوَازِهِ الْبَعْض وَهُوَ الْوَجْه، وَالتَّقْيِيد بالعمران أَن يدل على أَنه لَو ترك الطّلب فِي المفارة

وَتيَمّم وَصلى جَازَت صلَاته لِأَنَّهَا مَظَنَّة الْعَدَم (وَكَذَا الْجَهْل بِأَنَّهُ وَكيل أَو مَأْذُون) أَي وَكَذَا جهل الْإِنْسَان بِكَوْنِهِ وَكيلا لشخص بِأَنَّهُ وَكله وَلم يبلغهُ الْخَبَر، وبكونه مَأْذُونا إِن كَانَ عبدا أذن لَهُ سَيّده وَلم يبلغهُ الْإِذْن (عذر) خبر الْجَهْل. ثمَّ أَخذ يبين ثَمَرَة كَونه عذرا، فَقَالَ (حَتَّى لَا ينفذ تصرفهما) أَي تصرف الْوَكِيل والمأذون قبل الْعلم بالوكيل وَالْإِذْن فِي حق الْمُوكل وَالْمولى مُطلقًا وَفِي حق نفسهما أَيْضا إِذا كَانَ مَحل التَّصَرُّف ملك الْمُوكل وَالْمولى أَو ملك غَيرهمَا، وَلكَون التَّصَرُّف لَهما (ويتوقف) نَفاذ تصرفهما على إِذن الْمُوكل وَالْمولى إِذا كَانَ فِي ملكهمَا أوفى غَيره، لَكِن لَهما (كالفضولي) أَي كتوقف تصرف الْفُضُولِيّ على إِذن من لَهُ الْولَايَة (إِلَّا فِي شِرَاء الْوَكِيل) اسْتثِْنَاء من عُمُوم نفي نَفاذ تصرفهما، وَالْمرَاد شِرَاؤُهُ مثلا فَيعم كل تصرف مِنْهُ لَا يكون فِي ملك الْمُوكل وَلَا يُضَاف إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يتَوَقَّف. بل (ينفذ على نَفسه) فَبَقيَ عُمُوم نفي نَفاذ تصرف الْمَأْذُون على إِطْلَاقه لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّة للتَّصَرُّف بِغَيْر الْإِذْن فلولا أَن الْجَهْل عذر للْوَكِيل لما نفذ تصرفه فِي حق الشِّرَاء لنَفسِهِ إِذا كَانَ التَّوْكِيل بشرَاء ذَلِك المُشْتَرِي بِعَيْنِه (كَمَا عرف) من أَن العقد إِذا وجد نفاذا على الْعَاقِد نفذ عَلَيْهِ. فِي النِّهَايَة: اتّفقت الرِّوَايَات على أَن الْوكَالَة إِذا ثبتَتْ قصدا لَا تثبت بِدُونِ الْعلم، أما إِذا ثبتَتْ فِي ضمن أَمر الْحَاضِر بِالتَّصَرُّفِ بِأَن قَالَ لغيره: اشْتَرِ عَبدِي من فلَان لنَفسك، أَو لعَبْدِهِ انْطلق إِلَى فلَان ليعتقك فَاشْترى من فلَان أَو أعتق بِدُونِ الْعلم جَازَ، وَعَن أبي يُوسُف أَن الْوكَالَة بِمَنْزِلَة الْوِصَايَة لَا يشْتَرط فِيهَا الْعلم لِأَن كلا مِنْهُمَا إِثْبَات الْولَايَة، فحكاية الِاتِّفَاق على مَا فِي النِّهَايَة أَنه مَبْنِيّ على عدم الِاعْتِدَاد بِهَذِهِ الرُّؤْيَة وَيحمل كَلَام المُصَنّف على الْوكَالَة الثَّابِتَة قصدا جمعا بَين الرِّوَايَات بِحَسب الْإِمْكَان، يردهُ مَا فِي الْمُحِيط من أَنه أَي الْوَكِيل لَا يصير وَكيلا قبل الْعلم بِالْوكَالَةِ فِي رِوَايَة الزِّيَادَات وَيصير وَكيلا فِي رِوَايَة وكَالَة الأَصْل، فَالْوَجْه أَن يُقَال فِيهِ رِوَايَتَانِ، ومختار المُصَنّف مَا فِي الزِّيَادَات وَالله تَعَالَى أعلم (و) كَذَا الْجَهْل (بِالْعَزْلِ) للْوَكِيل (وَالْحجر) على الْمَأْذُون عذر، فَالْأول مَعْطُوف على قَوْله بِأَنَّهُ، وَالثَّانِي على الْعَزْل وَذَلِكَ للُزُوم الضَّرَر عَلَيْهِمَا على تَقْدِير ثبوتهما بِدُونِ الْعلم لِأَنَّهُمَا يتصرفان اعْتِمَادًا على أَنه يلْزم الْمُوكل وَالْمولى وبالعزل يلْزم الْوَكِيل، وبالفك يلْزم فِي ذمَّة العَبْد فَيتَأَخَّر الدّين إِلَى الْعتْق (فَيصح تصرفهما) أَي الْوَكِيل والمأذون على الْمُوكل وَالْمولى قبل علمهما بِالْعَزْلِ، ثمَّ إِن الْأذن إِذا كَانَ مَشْهُورا لَا ينحجر إِلَّا بشهرة حجره عِنْد أهل السُّوق دفعا للضَّرَر عَنْهُم للُزُوم تَأَخّر حَقهم إِلَى الْعتْق (و) كَذَا (جهل الْمولى بِجِنَايَة العَبْد) خطأ عذر للْمولى فِي عدم تعين لُزُوم الْفِدَاء مُطلقًا إِذا أخرجه عَن ملكه قبل علمه (فَلَا يكون) الْمولى (بِبيعِهِ) أَي العَبْد قبل الْعلم بِالْجِنَايَةِ (مُخْتَارًا للْفِدَاء) وَهُوَ الْأَرْش الَّذِي كَانَ مخبرا بَينه وَبَين الدّفع بل يجب عَلَيْهِ الْأَقَل من الْقيمَة وَالْأَرْش (و) كَذَا

مسئلة

جهل (الشَّفِيع بِالْبيعِ) لما يشفع فِيهِ عذر لَهُ فِي عدم سُقُوط شفعته (فَلَو بَاعَ) الشَّفِيع (الدَّار الْمَشْفُوع بهَا بعد بيع دَار بجوارها) أَي بجوار الدَّار الْمَشْفُوع بهَا (غير عَالم) بِبيع الْمَشْفُوع فِيهَا حَال عَن فَاعل بَاعَ (لَا يكون) بَيْعه الْمَشْفُوع بهَا (تَسْلِيمًا للشفعة) بل لَهُ الشُّفْعَة فِيهَا إِذا علم بِالْبيعِ لِأَن دَلِيل الْعلم خَفِي لانفراد صَاحب الْملك بِبيعِهِ (و) كَذَا جهل (الْأمة الْمَنْكُوحَة) عذر لَهَا فِي عدم سُقُوط خِيَار الْعتْق لَهَا (إِذا جهلت عتق الْمولى) إِيَّاهَا (فَلم تفسخ) النِّكَاح فَوْرًا (أَو عَلمته) أَي عتق الْمولى (وجهلت ثُبُوت الْخِيَار لَهَا شرعا لَا يبطل خِيَارهَا) قَوْله لَا يبطل جَزَاء الشَّرْط وَقَوله (وعذرت) مَعْطُوف عَلَيْهِ، أما الأولى فَلِأَن الْمولى مُسْتَقل بِالْعِتْقِ وَلَا يُمكنهَا الْوُقُوف عَلَيْهِ قبل الْإِخْبَار. وَأما الثَّانِي فلاشتغالها بِخِدْمَة الْمولى وَلعدم فراغها لمعْرِفَة أَحْكَام الشَّرْع فَلَا يقوم اشتهار الدَّلِيل فِي دَار الْإِسْلَام مقَام علمهَا (بِخِلَاف الْحرَّة زَوجهَا غير الْأَب وَالْجد) حَال كَونهَا (صَغِيرَة فبلغت جاهلة بِثُبُوت حق الْفَسْخ) أَي فسخ النِّكَاح (لَهَا) إِذا بلغت فَلم تفسخ (لَا تعذر) لجهلها بِهَذَا الحكم فَلَيْسَ لَهَا حق الْفَسْخ بِهِ (لِأَن الدَّار دَار الْعلم، وَلَيْسَ للْحرَّة مَا يشغلها عَن التَّعَلُّم فَكَانَ جهلها لتقصيرها) فِي التَّعَلُّم (بِخِلَاف الْأمة) لما ذكر، وَالْمرَاد بالجد الْجد الصَّحِيح، بِخِلَاف من سوى الْأَب وَالْجد لعدم كَمَال الرَّأْي فِي الْأُم وَعدم وفور الشَّفَقَة فِي غَيرهَا. مسئلة (الْمُجْتَهد بعد اجْتِهَاده فِي) تَحْصِيل (حكم) لحادثة اجْتِهَادًا انْتهى إِلَى تعينه على وَجه (مَمْنُوع من التَّقْلِيد) لغيره من الْمُجْتَهدين (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الحكم، فَالْحكم الْمُجْتَهد فِيهِ الَّذِي قَصده الْمُجْتَهد أَمر إجمالي فِي بداية الِاجْتِهَاد يتَعَيَّن آخر بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ على وَجه، وبالنسبة إِلَى مُجْتَهد آخر على وَجه فَيجب على الْمُجْتَهد اتِّبَاع مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وَلَا يجوز لَهُ اتِّبَاع مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد الآخر (اتِّفَاقًا) لوُجُوب اتِّبَاع اجْتِهَاده إِجْمَاعًا (وَالْخلاف) إِنَّمَا هُوَ فِي تَقْلِيده لغيره قبله) أَي قبل اجْتِهَاده فِي الحكم. (وَالْأَكْثَر) من الْعلمَاء على أَنه (مَمْنُوع) من تَقْلِيد غَيره مطبقا: مِنْهُم أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على مَا ذكره أَبُو بكر الرَّازِيّ وَأَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَمَالك على مَا فِي أصُول ابْن مُفْلِح، وَذكر الْبَاجِيّ أَنه قَول أَكثر الْمَالِكِيَّة، وَذكر الرَّوْيَانِيّ أَنه مَذْهَب عَامَّة الشَّافِعِيَّة: وَظَاهر نَص الشَّافِعِي وَأحمد وَأكْثر أَصْحَابه، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب، وَمَا روى عَن أبي يُوسُف أَنه صلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة وَتَفَرَّقُوا ثمَّ أخبر بِوُجُود فَأْرَة ميتَة فِي بِئْر حمام اغْتسل مِنْهُ، فَقَالَ: نَأْخُذ بقول أَصْحَابنَا من أهل الْمَدِينَة: إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لَا يحمل

خبثا لَا يُنَافِي مَا ذكرنَا لجَوَاز أَن مُرَاده من قَوْله نَأْخُذ الَّذين اقتدوا بِهِ، يَعْنِي نَأْخُذ فِي حَقهم بعد التَّفَرُّق: وَمن هَذَا لَا يلْزم عدم إِعَادَته تقليدا لمَذْهَب الْغَيْر فَتدبر (وَمَا) روى (عَن ابْن سُرَيج) من أَن الْمُجْتَهد مَمْنُوع من التَّقْلِيد (إِلَّا أَن تعذر عَلَيْهِ) الِاجْتِهَاد فِي الْحَادِثَة لَا يُخَالف الْأَكْثَر، وَيحْتَمل أَن يكون تَقْدِير الْكَلَام: وَمَا عَن ابْن سُرَيج أَنه مَمْنُوع إِلَّا وَقت التَّعَذُّر، وَخبر الْمَوْصُول انه مَمْنُوع، فَيكون الْمَرْوِيّ عَنهُ الْمَنْع فِي غير صُورَة التَّعَذُّر، والتعذر إِمَّا بِالْعَجزِ عَن وَجه الِاجْتِهَاد، وَإِمَّا بالخوف عَن الْفَوْت على مَا سَيَأْتِي (وَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ) لِأَن الِامْتِثَال بِمُوجب الْخطاب وَجب عَلَيْهِ لكَونه مُكَلّفا، وَقد تعذر الِاجْتِهَاد فَتعين التَّقْلِيد تحصيلا لما هُوَ الْوَاجِب (وَقيل لَا) يمْنَع من التَّقْلِيد قبل الِاجْتِهَاد مُطلقًا فِيمَا يَخُصُّهُ وَفِيمَا يُفْتِي بِهِ سَوَاء تعذر عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد أَو لَا، وَعَلِيهِ الثَّوْريّ وَإِسْحَاق وَأَبُو حنيفَة على مَا ذكر الْكَرْخِي والرازي. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ الَّذِي ظهر من تمسكات مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَعَزاهُ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ إِلَى أَحْمد. قَالَ بعض الْحَنَابِلَة: لَا يعرف (وَقيل) يمْنَع من التَّقْلِيد (فِيمَا يُفْتى بِهِ) غَيره (لَا فِيمَا يَخُصُّهُ) أَي لَا يمْنَع من تَقْلِيد غَيره فِي حكم يُرِيد الْعَمَل بِهِ من غير أَن يُفْتى بِهِ. وَحكى هَذَا عَن أهل الْعرَاق (وَقيل) يمْنَع عَن التَّقْلِيد (فِيهِ) أَي فِيمَا يَخُصُّهُ (أَيْضا إِلَّا أَن خشِي الْفَوْت) أَي فَوت أَدَاء مَا يجب عَلَيْهِ (كَأَن ضَاقَ وَقت صَلَاة) أَي كخشية الْفَوْت عِنْد ضيق وَقت صَلَاة (وَالِاجْتِهَاد فِيهَا يفوتها) أَي وَالْحَال أَن الِاشْتِغَال بِالِاجْتِهَادِ فِي حق تِلْكَ الصَّلَاة لتَحْصِيل مَا هُوَ مَجْهُول فِيهَا من الحكم يفوتها لمضي الْوَقْت، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن سُرَيج. (وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ): إِحْدَاهمَا الْجَوَاز على مَا تقدم، وَالْأُخْرَى الْمَنْع (و) روى (عَن مُحَمَّد) أَنه (يُقَلّد) مُجْتَهدا (أعلم مِنْهُ) لَا أدون مِنْهُ وَلَا مُسَاوِيا لَهُ، وَقيل إِنَّه ضرب من الِاجْتِهَاد (و) قَالَ (الشَّافِعِي) فِي الْقَدِيم (والجبائي) وَابْنه (يجوز) أَن يُقَلّد غَيره (إِن) كَانَ (صحابيا راجحا) فِي نظره على غَيره مِمَّن خَالف من الصَّحَابَة (فَإِن اسْتَووا) أَي الصَّحَابَة فِي نظره بِحَسب الْعلم وَاخْتلفت فتواهم (تخير) فيقلد أَيهمْ شَاءَ، وَلَا يجوز تَقْلِيد من عداهم (وَهَذَا) النَّقْل (رِوَايَة عَنهُ) أَي الشَّافِعِي (فِي تَقْلِيد الصَّحَابِيّ) للمجتهد مَذْكُور فِي رسَالَته الْقَدِيمَة. قَالَ الْأَبْهَرِيّ: وَالْمَشْهُور من مذْهبه عدم جَوَاز تَقْلِيده للْغَيْر مُطلقًا (وَقيل) يجوز تَقْلِيده أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لَا غَيرهمَا. وَعَن أَحْمد وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ: جَوَاز تَقْلِيد الصَّحَابَة دون غَيرهم إِلَّا عمر ابْن عبد الْعَزِيز، وَاسْتَغْرَبَهُ بعض الْحَنَابِلَة، وَقيل يجوز أَن يُقَلّد صحابيا (وتابعيا) دون غَيرهمَا وعزى إِلَى الْحَنَفِيَّة، لَكِن بِلَفْظ أَو خِيَار التَّابِعين، وَقيل: يجوز للْقَاضِي لَا غير. الْحجَّة (للْأَكْثَر) الْقَائِلين بِالْمَنْعِ مُطلقًا (الْجَوَاز) أَي جَوَاز التَّقْلِيد (حكم شَرْعِي فيفتقر إِلَى دَلِيل) شَرْعِي

(وَلم يثبت) الدَّلِيل وَالْأَصْل عَدمه (فَلَا يثبت) الْجَوَاز (وَدفع) هَذَا من قبل المجوزين (بِأَنَّهُ) أَي الْجَوَاز مرجعه (الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة) بِمَعْنى عدم ترَتّب الْعقَاب على التَّقْلِيد وَهِي لَيست بِحكم شَرْعِي، فَلَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل شَرْعِي (بِخِلَاف تحريمكم) أَيهَا المانعون (فَهُوَ) أَي تحريمكم (المفتقر) إِلَى الدَّلِيل وَلم يثبت فَلَا يثبت (وَأما) الدّفع عَن الْأَكْثَر (بِأَن الِاجْتِهَاد أصل) فِي الْأَحْكَام الاجتهادية كَالْوضُوءِ فِي بَاب الطَّهَارَة (والتقليد بدل) مِنْهُ كالتيمم فِيهِ، وَلَا يُصَار إِلَى الْبَدَل مَعَ إِمْكَان الْمُبدل (فَيتَوَقَّف) التَّقْلِيد (على عَدمه) أَي عدم إِمْكَان الِاجْتِهَاد، كَمَا أَنه لَا يجوز التَّيَمُّم مَعَ الْقُدْرَة على المَاء (فَمنع) جَوَاب أما: أَي منع كَونه بَدَلا من الِاجْتِهَاد (بل كل) من الِاجْتِهَاد والتقليد (أصل) بِمَعْنى أَن الْمُكَلف مُخَيّر بَينهمَا كَمَا فِي مسح الْخُف وَغسل الرجلَيْن، فَلَا يتَوَقَّف التَّقْلِيد على عدم الِاجْتِهَاد (فَإِن تمّ إِثْبَات الْبَدَلِيَّة بِعُمُوم) قَوْله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} - فَإِنَّهُ يعم الْمُجْتَهد والعامي، وَترك الْعَمَل بِهِ فِي حق الْعَاميّ لعَجزه فَبَقيَ مَعْمُولا بِهِ فِي حق الْمُجْتَهد، وَالِاعْتِبَار رد الشَّيْء إِلَى نَظِيره، وَهُوَ يرجع إِلَى الِاجْتِهَاد (تمّ) الدّفع الْمَذْكُور، وَفِي كلمة إِن إِشَارَة إِلَى الْمَنْع للتمام: وَذَلِكَ بِاعْتِبَار أَنه يجوز أَن يُرَاد بِالِاعْتِبَارِ معنى آخر لألفاظ، وَيجوز أَن يخص بِمَا إِذا لم يتَعَذَّر عَلَيْهِ وَجه الرَّد كَمَا هُوَ قَول ابْن سُرَيج إِلَى غير ذَلِك (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتم بِهَذَا (لَا) يتم الدّفع الْمَذْكُور لعدم دَلِيل آخر على الْبَدَلِيَّة، وَالْأَصْل الْعَدَم. (وَاسْتدلَّ) للْأَكْثَر بِأَنَّهُ (لَا يجوز) التَّقْلِيد (بعده) أَي الِاجْتِهَاد اتِّفَاقًا (فَكَذَا) لَا يجوز (قبله لوُجُود الْجَامِع) بَين الْمَنْع بعد الِاجْتِهَاد وَالْمَنْع قبله (وَهُوَ) أَي الْجَامِع (كَونه) أَي الْمُقَلّد (مُجْتَهدا أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي الْوَصْف المشير للْحكم (فِي الأَصْل) أَي التَّقْلِيد بعد الِاجْتِهَاد (إِعْمَال الْأَرْجَح) أَي وجوب اتِّبَاع مَا هُوَ الْأَرْجَح من حَيْثُ كَونه حكم الله تَعَالَى فِي نظره (وَهُوَ) أَي الْأَرْجَح (ظن نَفسه) الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَإِنَّهُ أرجح عِنْد من ظن غَيره من الْمُجْتَهدين، وَهَذِه الْعلَّة، مفقودة فِي الْفَرْع وَهُوَ ظَاهر. احْتج (الشَّافِعِي) بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ) بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ " فَإِنَّهُ خطاب عَام يعم الْمُجْتَهد والعامي، وَلَا يمْنَع الشَّخْص من الاهتداء (وَيبعد) الِاحْتِجَاج بِهِ (مِنْهُ) أَي الشَّافِعِي (لِأَنَّهُ لم يثبت) حَيْثُ تقدم جَوَابه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَلَو ثَبت تقدم جَوَابه) حَيْثُ قَالَ أُجِيب بِأَنَّهُ هدي من وَجه انْتهى، وَلَيْسَ بِهَدي من كل وَجه حَتَّى لَا يمْنَع مِنْهُ فَإِن كَونه هدى من وَجه لَا يُنَافِي كَونه خطأ. فَإِن قلت: احْتِمَال الْخَطَأ مُشْتَرك بَين ظن الصَّحَابِيّ وظنه، لَكِن ظن الصَّحَابِيّ أبعد عَن الْخَطَأ قلت هَذَا بِحَسب نفس الْأَمر، وَأما بِحَسب مَا عِنْده فَالْأَمْر بِالْعَكْسِ، وَالْإِنْسَان مَأْمُور بِاتِّبَاع مَا هُوَ الْأَظْهر عِنْده وَاعْترض على المُصَنّف من لم يفهم كَلَامه بِأَنَّهُ لَا يُفِيد منع

تَقْلِيد الصَّحَابِيّ، بل تقرر جَوَاز تَقْلِيده وَلم يعرف أَن وَظِيفَة الْمُجيب هُنَا منع بطلَان منع التَّقْلِيد لَا إِثْبَات منع التَّقْلِيد، وَبَينهمَا بون بعيد. احْتج (المجوز) للتقليد مُطلقًا بقوله تَعَالَى {(فاسئلوا أهل الذّكر}: أَي الْعلم بِدَلِيل) قَوْله تَعَالَى {إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَلَيْسَ المُرَاد أَن لَا يعلم السَّائِل شَيْئا أصلا، بل مَا أحوجه إِلَى السُّؤَال من الْوَاقِعَة الَّتِي ابتلى بهَا، وَإِذا كَانَ منشأ السُّؤَال عدم علمه بذلك يجب أَن يُرَاد بِأَهْل الْعلم من هُوَ عَالم بِمَا هُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ من أهل الذّكر وَلَا يعلم ذَلِك لَا وَجه لسؤاله إِيَّاه (وَقيل: الِاجْتِهَاد لَا يعلم) مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ فِي الْعَمَل، فيتناوله خطاب الْأَمر بالسؤال لتحَقّق شَرطه الْمَذْكُور، غَايَة الْأَمر أَنه لم يتَعَيَّن فِي حَقه السُّؤَال، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ حُصُول الْعلم بِمَا وَجب الْعَمَل بِهِ، فَإِذا حصل الِاجْتِهَاد حصل الْمَقْصُود (أُجِيب) عَن الِاحْتِجَاج الْمَذْكُور (بِأَن الْخطاب) فِي قَوْله تَعَالَى - {فاسئلوا} - (للمقلدين، إِذْ الْمَعْنى ليسأل أهل الْعلم من لَيْسَ أَهله بِقَرِينَة مُقَابلَة من لَا يعلم بِمن هُوَ أهل) للْعلم (وَأهل الْعلم من لَهُ الملكة) أَي ملكة استنباط الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من أدلتها (لَا) يُفِيد مَعْنَاهُ (بِقَيْد حروج الْمُمكن) استنباطه بِتِلْكَ الملكة (عَنهُ) أَي عَن الْإِمْكَان وَالْقُوَّة (إِلَى الْفِعْل) والوجود فِي الْخَارِج، لِأَن أهل الشَّيْء من هُوَ متأهل لَهُ ومستعد لَهُ اسْتِعْدَادًا قَرِيبا، وَإِذا كَانَ أهل الْعلم صَاحب الملكة كَانَ مُقَابِله من لَيْسَ لَهُ الملكة، وَهُوَ الْمُقَلّد (قَالُوا) ثَانِيًا (الْمُعْتَبر) فِي الْأَحْكَام العملية (الظَّن) بِكَوْنِهَا حكم الله تَعَالَى، فَإِن الْمُجْتَهد بِاجْتِهَادِهِ لَا يقدر على غَيره (وَهُوَ) أَي الظَّن (حَاصِل بفتوى غَيره) كَمَا يحصل بفتوى نَفسه لتساويهما فِي أَن الِاجْتِهَاد قد أدّى إِلَيْهِمَا (أُجِيب بِأَن ظَنّه اجْتِهَاده) بِنصب الدَّال، إِمَّا بِنَزْع الْخَافِض، أَو على أَنه بدل من ظَنّه (أقوى) من ظَنّه بفتوى الْغَيْر لقِيَام الأمارة الدَّالَّة عَلَيْهِ عِنْده (فَيجب الرَّاجِح) تَقْرِيبًا للصَّوَاب بِحَسب الوسع (فَإِن قيل: ثَبت عَن أبي حنيفَة) فِي الْفُرُوع (فِي القَاضِي الْمُجْتَهد يقْضِي بِغَيْر رَأْيه ذَاكِرًا لَهُ) أَي لرأيه (نفذ) قَضَاؤُهُ (خلافًا لصاحبيه، فَيبْطل) بِهَذَا الثَّابِت عِنْد (نقل الِاتِّفَاق على الْمَنْع بعده) أَي على منع الْمُجْتَهد من التَّقْلِيد بعد الِاجْتِهَاد (إِذْ لَيْسَ التَّقْلِيد إِلَّا الْعَمَل أَو الْفَتْوَى بقول غَيره) وَالْقَضَاء بِرَأْي الْغَيْر يتَضَمَّن الْعَمَل وَالْفَتْوَى مَعَ زِيَادَة إِلْزَام على الْمقْضِي عَلَيْهِ (وَإِن ذكر) أَيْضا فِي الْفُرُوع (فِيهَا) أَي فِي هَذِه المسئلة (اخْتِلَاف الرِّوَايَة) عَن أبي حنيفَة فَعَنْهُ ينفذ، وَجعلهَا فِي الْخَانِية أظهر الرِّوَايَات، لِأَن رَأْيه يحْتَمل الْخَطَأ وَإِن كَانَ الظَّاهِر عِنْده أَنه الصَّوَاب، ورأي غَيره يحْتَمل الصَّوَاب، وَإِن كَانَ الظَّاهِر عِنْده خطأ فَهُوَ قَضَاء فِي مَحل مُجْتَهد فِيهِ فَينفذ، وَبِه أَخذ الصَّدْر الشَّهِيد وَغَيره. وَعنهُ لَا ينفذ، لِأَن قَضَاءَهُ بِهِ مَعَ اعْتِقَاده أَنه غير حق عَبث: كالمصلي إِلَى غير جِهَة تحريه تَقْلِيد التَّحَرِّي غَيره، وَبِه أَخذ شمس الْأَئِمَّة الأوزجندي

مسئلة

(فقد صحّح أَنه) أَي نَفاذ الْقَضَاء (مذْهبه) أَي أبي حنيفَة فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة، فَهُوَ الصَّحِيح من مذْهبه (قُلْنَا) فِي الْجَواب لتصحيح النَّقْل للاتفاق (النَّفاذ) أَي نَفاذ الْقَضَاء (بِتَقْدِير الْفِعْل) أَي على تَقْدِير وُقُوع الْقَضَاء (لَا يُوجب حلّه) أَي الْفِعْل، وَإِذا كَانَ الْقَضَاء بِرَأْي الْغَيْر حَرَامًا عِنْده فقد اتّفق مَعَ الْقَوْم فِي الْمَنْع عَن التَّقْلِيد (نعم ذكر بَعضهم) كصاحب الْمُحِيط (أَنه ذكر الْخلاف فِي بعض الْمَوَاضِع فِي النَّفاذ، وَفِي بَعْضهَا فِي الْحل) أَي حل الْقَضَاء بِخِلَاف مذْهبه (لَكِن لَا يلْزم أَن الْمعول الْحل، بل يجب تَرْجِيح رِوَايَة النَّفْي) للْحلّ، لِأَن الْمُجْتَهد مَأْمُور بِاتِّبَاع ظَنّه إِجْمَاعًا (وَصرح بِأَن ظَاهر الْمَذْهَب عدم تَقْلِيد التَّابِعِيّ وَإِن روى خِلَافه) كَمَا سبق بَيَانه قبيل فصل التَّعَارُض. مسئلة (إِذا تَكَرَّرت الْوَاقِعَة) بالاحتياج إِلَيْهَا مرّة بعد أُخْرَى للْعَمَل أَو الافتاء هَل يجب عَلَيْهِ تَكْرِير النّظر وتجديد الِاجْتِهَاد فِيهَا أم يَكْفِي الِاجْتِهَاد الأول؟ (قيل) وَالْقَائِل ابْن الْحَاجِب وَغَيره (الْمُخْتَار لَا يلْزمه تَكْرِير النّظر لِأَنَّهُ) أَي إِلْزَام التكرير (إِيجَاب بِلَا مُوجب، وَقيل: يلْزمه) تَكْرِير النّظر، وَبِه جزم القَاضِي وَابْن عقيل (لِأَن الِاجْتِهَاد كثيرا مَا يتَغَيَّر) فَيرجع صَاحبه عَنهُ إِلَى غَيره (وَلَيْسَ) ذَلِك التَّغَيُّر (إِلَّا بتكريره) أَي النّظر (فالاحتياط ذَلِك) أَي تكريره، لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْعَمَلِ بِمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ بذل وَسعه عِنْد الْعَمَل، وَهُوَ متفاوت بِاعْتِبَار الْأَوْقَات (أُجِيب) بِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْأَمر كَمَا ذكرت لَا يَنْتَهِي إِلَى حد (فَيجب تكراره) أَي النّظر (أبدا لِأَنَّهُ) أَي الِاجْتِهَاد (يحْتَمل ذَلِك) التَّغَيُّر (فِي كل وَقت يمْضِي بعد الِاجْتِهَاد الأول) وَالْوُجُوب الأبدي لَهُ بَاطِل اتِّفَاقًا (وَهَذَا) أَي وجوب التّكْرَار أبدا (لَيْسَ بِلَازِم) للُزُوم تَكْرِير النّظر عِنْد تكَرر الْوَاقِعَة (لِأَن وجوب الِاجْتِهَاد لَا يثبت إِلَّا عِنْد وُقُوع (الْحَادِثَة بِشَرْطِهِ) أَي بِشَرْط وُجُوبه، وَإِذا تحقق شَرطه فاجتهد فَأدى إِلَى الحكم (فقد أَخذ السَّبَب) أَي شَرط وجوب الِاجْتِهَاد أَو الِاجْتِهَاد (حكمه) أَي الِاجْتِهَاد على الأول. أَو مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد على الثَّانِي، وَحِينَئِذٍ يَنْتَهِي وجوب الِاجْتِهَاد بِاعْتِبَار ذَلِك السَّبَب (وَاحْتِمَال الْخَطَأ فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الِاجْتِهَاد الْمَذْكُور (لم يقْدَح) فِي أَدَاء مَا وَجب على الْمُجْتَهد (فَلَا يجب) الِاجْتِهَاد (الآخر إِلَّا بِمثلِهِ) أَي بِمثل شَرط وجوب الأول، فَإِذا تحقق شَرط وجوب الآخر وَجب وَإِلَّا فَلَا فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون مُرَاد الْقَائِل بِلُزُوم التكرير من وجوب التّكْرَار إبداء وُجُوبه عِنْد كل مرّة من مَرَّات وُقُوع الْحَادِثَة المستجمعة شُرُوط وجوب الِاجْتِهَاد قلت إِذن لَا نسلم

مسئلة

بطلَان الثَّانِي. كَيفَ وَقد وَقع الْخلاف فِيهِ بَين الْعلمَاء. وَقَالَ الْآمِدِيّ: الْمُخْتَار أَنه إِذا لم يكن ذَاكِرًا لاجتهاده الأول يجب التكرير وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ السُّبْكِيّ: الْأَصَح فِي مَذْهَبنَا عدم لُزُوم التَّجْدِيد فِيمَا إِذا لم يذكر الدَّلِيل الأول، وَلم يَتَجَدَّد مَا يُوجب الرُّجُوع عَن الأول، فَإِن كَانَ ذَاكِرًا لم يلْزمه قطعا، وَإِن تجدّد مَا يُوجب الرُّجُوع يجب عَلَيْهِ قطعا انْتهى. وَفِي رَوْضَة الْحُكَّام اجْتهد لنازلة فَحكم أَو لم يحكم، ثمَّ حدثت ثَانِيًا فِيهِ وَجْهَان، الصَّحِيح إِذا كَانَ الزَّمَان قَرِيبا لَا يخْتَلف فِي مثله الِاجْتِهَاد لَا يستأنفه، وَإِلَّا اسْتَأْنف. وَذكر الشَّافِعِيَّة فِي الْعَاميّ استفتى ثمَّ وَقع لَهُ الْحَاجة إِلَى ذَلِك ثَانِيًا إِن أفتاه عَن نَص: كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع، أَو كَانَ متبحرا فِي مذْهبه وَإِن لم يبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد فأفتاه عَن نَص صَاحب الْمَذْهَب فَلهُ أَن يعْمل بالفتوى الأولى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أصَحهمَا لُزُوم السُّؤَال ثَانِيًا إِلَى غير ذَلِك يطْلب تفاصيله فِي مَحَله. مسئلة (لَا يَصح فِي مسئلة لمجتهد) وَاحِد فِي وَقت وَاحِد (قَولَانِ) من غير أَن يكون أَحدهمَا مرجوعا عَنهُ (للتناقض) أَي للُزُوم اعْتِقَاد النقيضين، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا إِمَّا عين نقيض الآخر أَو مُسْتَلْزم لَهُ (فَإِن) نسب إِلَى مُجْتَهد وَاحِد قَولَانِ، و (عرف الْمُتَأَخر) مِنْهُمَا صدورا عَنهُ (تعين) الْمُتَأَخر (رُجُوعا) أَي مرجوعا إِلَيْهِ عَن الأول، أَو الْمَعْنى تعين الْمصير إِلَى الْمُتَأَخر رُجُوعا عَن الأول (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعرف الْمُتَأَخر (وَجب تَرْجِيح الْمُجْتَهد) أَي الَّذِي اجْتهد (بعده) أَي بعد الْمُجْتَهد الَّذِي نسب إِلَيْهِ الْقَوْلَانِ (بِشَهَادَة قلبه) مُتَعَلق بالترجيح: أَي وَجب فِي الْعَمَل بِأحد الْقَوْلَيْنِ أَن يرجح الْمُجْتَهد الثَّانِي أَحدهمَا بِسَبَب أَن يمِيل قلبه إِلَيْهِ بِاعْتِبَار مَا ظهر عِنْده من الأمارة الدَّالَّة على كَونه أقرب إِلَى الصَّوَاب (وَعند بعض الشَّافِعِيَّة يخبر متبعه) أَي صَاحب الْقَوْلَيْنِ (الْمُقَلّد) صفة كاشفة للمتبع لِأَن الْمُجْتَهد لَا يجوز لَهُ الِاتِّبَاع (فِي الْعَمَل) مُتَعَلق بيخير (بِأَيِّهِمَا) أَي الْقَوْلَيْنِ، وَالْجَار مُتَعَلق بِالْعَمَلِ (شَاءَ: كَذَا فِي بعض كتب الْحَنَفِيَّة الْمَشْهُورَة) صفة للكتب، (وَكَانَ المُرَاد بالمجتهد) فِي قَوْلهم وَجب تَرْجِيح الْمُجْتَهد: الْمُجْتَهد (فِي الْمَذْهَب وَإِلَّا فترجيح) الْمُجْتَهد (الْمُطلق بِشَهَادَتِهِ) أَي بِشَهَادَة قلبه إِنَّمَا يكون (فِيمَا عَن) أَي ظهر (لَهُ) فِي اجْتِهَاده عِنْد تعَارض الأمارات الْمُخْتَلفَة فِي مَحل الِاجْتِهَاد، لَا فِي قَول مُجْتَهد آخر، وَهُوَ ظَاهر (وَالتَّرْجِيح) الْمَطْلُوب (هُنَا) لأحد الْقَوْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ التَّنْصِيص (على أَنه) أَي أَحدهمَا بِعَيْنِه هُوَ (الْمعول) أَي الْمُعْتَمد عَلَيْهِ (لصاحبهما) أَي الْقَوْلَيْنِ. (وَقَول الْبَعْض) من الشَّافِعِيَّة (يُخَيّر المتبع فِي الْعَمَل لَيْسَ خلافًا) لما قبله (بل) هُوَ (مَحل آخر) أَي مَا قبله، وَهُوَ وجوب التَّرْجِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُجْتَهد فِي الْمَذْهَب

وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره من المقلدين فَكل وَاحِد من الْحكمَيْنِ: أَعنِي الْوُجُوب والتخيير مَحل آخر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (ذكره ذَلِك الْبَعْض بِالنِّسْبَةِ إِلَى غير الْمُجْتَهد فِي حق الْعَمَل لَا التَّرْجِيح) لأَحَدهمَا (وَفِي بَعْضهَا) أَي كتب الْحَنَفِيَّة (إِن لم يعرف تَارِيخ) للقولين (فَإِن نقل فِي أحد الْقَوْلَيْنِ عَنهُ) أَي صَاحب الْقَوْلَيْنِ (مَا يقويه) كَقَوْلِه هَذَا أشبه أَو تَفْرِيع عَلَيْهِ (فَهُوَ أَي ذَلِك القَوْل الْمُؤَيد بالمقوى (الصَّحِيح عِنْده) أَي عِنْد صَاحبهمَا، وَفِيه أَن مُجَرّد التقوية لَا تَسْتَلْزِم عدم صِحَة الآخر كَمَا يفهم من قَوْله: هُوَ الصَّحِيح (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم ينْقل عَنهُ مَا يقوى أَحدهمَا (إِن كَانَ) أَي وجد (مُتبع بلغ الِاجْتِهَاد) فِي الْمَذْهَب (رجح) أَحدهمَا (بِمَا مر من المرجحات إِن وجد) شَيْء مِنْهَا (وَإِلَّا يعْمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَة قلبه، وَإِن كَانَ عاميا اتبع فَتْوَى الْمُفْتِي فِيهِ) أَي الْعَمَل أَو الْمَذْهَب (الأتقى الأعلم) الثَّابِت كَونه كَذَا (بِالتَّسَامُعِ) وَهَذَا بِنَاء على أَن الَّذِي يستفتى مِنْهُ غير صَاحب الْقَوْلَيْنِ (وَإِن) كَانَ (متفقها) تعلم الْفِقْه وتتبع كتب الْمَذْهَب من غير أَن يصير مُجْتَهدا فِي الْمَذْهَب كَمَا يدل عَلَيْهِ صِيغَة التفعل (تبع الْمُتَأَخِّرين) من أهل الْفَتْوَى فِي الْمَذْهَب (وَعمل بِمَا هُوَ أصوب وأحوط عِنْده، وَإِذ نقل قَول الشَّافِعِي فِي سبع عشرَة مسئلة فِيهَا قَولَانِ) كَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَغَيره. قَوْله فِيهَا قَولَانِ مقول قَول الشَّافِعِي (حمل) قَول الشَّافِعِي فِيهَا قَولَانِ (على أَن للْعُلَمَاء) السَّابِقين عَلَيْهِ (قَوْلَيْنِ) فِيهَا، وَفَائِدَته التَّنْبِيه على أَنَّهَا مَحل الِاجْتِهَاد لم يَقع عَلَيْهَا الْإِجْمَاع، وَقيل التَّنْبِيه على أَن مَا سواهُمَا منفي بِالْإِجْمَاع على مَا بَين فِي مَحَله (أَو يحتملهما) أَي الْمحل يحْتَمل الْقَوْلَيْنِ لوُجُود تعادل الدَّلِيلَيْنِ عِنْده، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لم ينْسب إِلَيْهِ شَيْء مِنْهُمَا، ذكره الإِمَام الرَّازِيّ وَمن تبعه (أولى فِيهَا) قَولَانِ مَعْطُوف على قَوْله للْعُلَمَاء (على القَوْل بالتخيير عِنْد التعادل) أَي يتَخَيَّر الْمُجْتَهد عِنْد تعادل الدَّلِيلَيْنِ وَعدم رُجْحَان أَحدهمَا عِنْده فَيعْمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ: قَالَه القَاضِي فِي التَّقْرِيب، وَتعقبه إِمَام الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ بِنَاء على اعْتِقَاده أَن مَذْهَب الشَّافِعِي تصويب الْمُجْتَهدين، لَكِن الصَّحِيح من مذْهبه أَن الْمُصِيب وَاحِد فَلَا يُمكن القَوْل عَنهُ بالتخيير، وَقد يكون الْقَوْلَانِ: التَّحْرِيم وَالْإِبَاحَة، ويستحيل التَّخْيِير بَينهمَا (أَو تقدما) أَي الْقَوْلَانِ (لي) فَيكون حِكَايَة لقوليه المرتبين فِي الزَّمَان الْمُتَقَدّم فَقَوله: أَو يحتملهما، وَقَوله أَو تقدما معطوفان على قَوْله ان للْعُلَمَاء بارادة الْمَعْنى المصدري: أَي حمل على احتمالهما أَو تقدمهما بتقرراته، وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَعِنْدِي أَنه حَيْثُ نَص على الْقَوْلَيْنِ فِي مَوضِع وَاحِد فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ مَذْهَب، وَقَالَ هَذَا يدل على علو رتبته وَعلمه بطرق الِاشْتِبَاه، وَأما اخْتِلَاف الرِّوَايَة عَن أبي حنيفَة فَلَيْسَ من بَاب الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر البليغي: أَن الِاخْتِلَاف فِي الرِّوَايَة عَنهُ من وُجُوه: مِنْهَا الْغَلَط فِي السماع، وَمِنْهَا رِوَايَة قَول رَجَعَ عَنهُ وَلم يعلم

مسئلة

الرَّاوِي رُجُوعه، وَمِنْهَا أَنه قَالَ الْقيَاس كَذَا وَالِاسْتِحْسَان كَذَا وَلَا يعرف الرَّاوِي ذَلِك ويروى مُطلقًا إِلَى غير ذَلِك. مسئلة (لَا ينْقض حكم اجتهادي) أَي حكم أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد مُجْتَهد مستجمع شَرَائِط الِاجْتِهَاد (صَحِيح) صفة أُخْرَى للْحكم بِأَن كَانَ القَاضِي الْحَاكِم قد رأى شَرَائِط صِحَة الحكم عِنْد المرافعة من صِحَة الدَّعْوَى وَصِحَّة الْبَيِّنَة إِلَى غير ذَلِك، فَلَا يرد مَا قيل من أَن الْوَجْه إِسْقَاط قَوْله (إِذا لم يُخَالف مَا ذكر) من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ إِذا خَالف مَا ذكر لَا يكون صَحِيحا، وَإِذا رفع إِلَى قَاض آخر حكم كَذَا لَا يجوز لَهُ أَن ينْقضه بل يمضيه، ثمَّ لَا فرق بَين أَن يكون الْحَاكِم بذلك الحكم نَفسه بِأَن حكم بِشَيْء ثمَّ تغير اجْتِهَاده أَو غَيره (وَإِلَّا) أَي وَإِن جوز النَّقْض للْحكم الْمَذْكُور (نقض) ذَلِك (النَّقْض) أَيْضا (وتسلسل) إِذْ لَا يَنْتَهِي النَّقْض بعد فتح بَابه إِلَى حد (فَيفوت) فَائِدَة (نصب الْحَاكِم من قطع المنازعات) بَيَان للفائدة، وَحكى الِاتِّفَاق على هَذِه المسئلة الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا، فَلَا وَجه لتجويز الْبَعْض نقض مَا بَان فِيهِ أَن غَيره أصوب (وَفِي أصُول الشَّافِعِيَّة لَو حكم) حَاكم مُجْتَهد (بِخِلَاف اجْتِهَاده وَإِن) كَانَ (مُقَلدًا فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الحكم مُجْتَهدا آخر (كَانَ) ذَلِك الحكم (بَاطِلا اتِّفَاقًا) أَفَادَ بِأَن الوصلية أَنه لَو حكم بِخِلَاف اجْتِهَاده من غير اتِّبَاع مُجْتَهد آخر كَانَ ذَلِك أولى بِالْبُطْلَانِ (وَعلل) الْبطلَان كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (بِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بظنه وَعدم جَوَاز تَقْلِيده) مَعْطُوف على مَدْخُول الْبَاء فِي قَوْله أَنه: أَي وَعلل بِعَدَمِ جَوَاز تَقْلِيده (إِجْمَاعًا) أَي أجمع على الْوُجُوب وَعدم الْجَوَاز الْمَذْكُورين إِجْمَاعًا (إِنَّمَا الْخلاف) فِي جَوَاز (التَّقْلِيد (قلبه) اي الِاجْتِهَاد (على مَا مر، وَأَنت علمت قَول أبي حنيفَة بنفاذ قَضَائِهِ) أَي الْمُجْتَهد (على خلاف اجْتِهَاده فَبَطل عدم نفاذه) أَي بَطل دَعْوَى اتِّفَاق عدم نفاذه (وَأَن فِي) جَوَاز (التَّقْلِيد بعد الِاجْتِهَاد رِوَايَتَيْنِ) عَن أبي حنيفَة أَيْضا، يرد عَلَيْهِ أَنه ذكر فِي مسئلة الْمُجْتَهد بعد اجْتِهَاده فِي حكم أَنه مَمْنُوع من التَّقْلِيد اتِّفَاقًا، وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ ذكر هُنَاكَ على طبق مَا قَالُوا، وَهَهُنَا ذكر اقْتِضَاء تَحْقِيقه (ثمَّ عدل حل التَّقْلِيد لَا يسْتَلْزم عدم النَّفاذ لَو ارْتكب) الْمُجْتَهد التَّقْلِيد الْمحرم على القَوْل بحرمته (فكم) من (تصرف لَا يحل) وَلَكِن (يَنْبَنِي عَلَيْهِ صِحَة ونفاذ لآخر) أَي تصرف آخر كعتق المُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا، فَإِن الشِّرَاء تصرف فَاسد وَقد انبنى عَلَيْهِ الْعتْق الصَّحِيح الَّذِي هُوَ تصرف آخر (وللشافعية: فرع) وَهُوَ أَنه (لَو تزوج مُجْتَهد بِلَا ولي) بِنَاء على جَوَازه فِي اجْتِهَاده (فَتغير) اجْتِهَاده بِأَن رَآهُ غير جَائِز (فالمختار التَّحْرِيم مُطلقًا) أَي حكم

الْحَاكِم بِالْجَوَازِ أَولا (لِأَنَّهُ) حِينَئِذٍ (مستديم لما يَعْتَقِدهُ حَرَامًا، وَقيل) التَّحْرِيم تقيد (بِقَيْد أَن لَا يحكم بِهِ) أَي بِالْجَوَازِ قبل تغير اجْتِهَاده (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَحَقَّق الْقَيْد الْمَذْكُور بِأَن حرم النِّكَاح بِلَا ولي بَعْدَمَا رفع إِلَى حَاكم يرى جَوَازه فَحكم بِصِحَّة النِّكَاح (نقض الحكم) أَي وَألا يلْزم نقض حكم الْحَاكِم فِي مَحل مُجْتَهد فِيهِ (بِالِاجْتِهَادِ) وَالْحكم لَا ينْقض بِالِاجْتِهَادِ. وَفِيه أَن عدم نقض الحكم مُسلم لَكِن لَا يلْزم مِنْهُ الْحل فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَتَأمل (وَلَوْلَا) (مَا) روى (عَن أبي يُوسُف) على مَا سَيَأْتِي (لحكم بِأَن الْخلاف) الْوَاقِع من الْمُطلق جملَة على الْإِطْلَاق (خطأ وَأَن الْقَيْد) الْمَذْكُور (مُرَاد الْمُطلق إِذْ لم ينْقل خلاف فِي) الْمَسْأَلَتَيْنِ (السابقتين) فِي مسئلة (المجتهدة) الْحَنَفِيَّة (زَوْجَة الْمُجْتَهد) الشَّافِعِي، يَعْنِي فِي حلهَا لَهُ وحرمته عَلَيْهَا إِذا قَالَ لَهَا أَنْت بَائِن ثمَّ رَاجعهَا (و) فِي مسئلة (حلهَا) أَي الَّتِي تزَوجهَا مُجْتَهد بِلَا ولي ثمَّ مُجْتَهد بولِي (للاثنين) أَي الْمُجْتَهدين الْمَذْكُورين، حَيْثُ قَالَ فَيلْزم فِيهِ رَفعه إِلَى قَاض يحكم بِرَأْيهِ فَيلْزم الآخر، فَالْحكم بِلُزُوم حكم القَاضِي على الآخر من غير ذكر خلاف دَلِيل على أَن مَا حكم بِهِ القَاضِي فِي مَحل الْخلاف لَا ينْقض بالِاتِّفَاقِ سَوَاء تغير اجْتِهَاد الْمَحْكُوم عَلَيْهِ أَو لم يتَغَيَّر، فَإِذن لزم حمل قَول الشَّافِعِيَّة فِي الْفَرْع الْمَذْكُور بِإِطْلَاق التَّحْرِيم عِنْد تغير الِاجْتِهَاد على مَا إِذا لم يحكم بِهِ حَاكم، لَكِن كَلَام أبي يُوسُف على مَا سَيَأْتِي يدل على أَن مَا ذكر فِي السابقتين لَيْسَ مُتَّفقا عَلَيْهِ (وَلِأَن الْقَضَاء) فِي الْمحل الْمُخْتَلف فِيهِ (يرفع حكم الْخلاف) من جَوَاز الْأَخْذ بِكُل وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ وَترك الْعَمَل بِالْآخرِ فَيصير المقضى بِهِ وَاجِب الْعَمَل بِعَيْنِه إِلَّا إِذا كَانَ نفس الْقَضَاء مُخْتَلفا فِيهِ (لَكِن عِنْده) أَي أبي يُوسُف (فِي مُجْتَهد طلق) امْرَأَته (أَلْبَتَّة) أَي طَلَاق الْبَتَّةَ بِأَن قَالَ أَنْت طَالِق الْبَتَّةَ يَقع بِهِ بَائِن عندنَا، رَجْعِيّ عِنْد الشَّافِعِي (وَنوى) بِهِ (وَاحِدَة فَقضى) عَلَيْهِ (بِثَلَاث) بِأَن كَانَ القَاضِي يرى وُقُوع الثَّلَاث بِهِ لِأَن الْبَتّ الَّذِي هُوَ الْقطع إِنَّمَا يحصل بهَا (إِن كَانَ) الْمُجْتَهد الْمُطلق (مقضيا عَلَيْهِ) بِأَن كَانَ مدعي الثَّلَاث زَوجته (لزم) أَي وَقع عَلَيْهِ الثَّلَاث إلزاما من القَاضِي لحق الْخصم (أَو) كَانَ مقضيا (لَهُ) بِأَن كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي للثلاث (أَخذ) الْمقْضِي لَهُ (بأشد الْأَمريْنِ) وأصعبهما على نَفسه، وَالْمرَاد بالأمرين: الْمقْضِي بِهِ، وَهُوَ الثَّلَاث هُنَا، وَحكم رَأْيه، وَإِنَّمَا لم يتَعَيَّن فِي الْمقْضِي بِهِ لِأَنَّهُ حق الْمقْضِي لَهُ، فَلهُ أَن يتْركهُ وَيَأْخُذ بِمَا هُوَ الأولى مِنْهُ (فَلَو قضى) للزَّوْج الْمُجْتَهد (بالرجعة) أَي بِصِحَّتِهَا فِي طَلَاق اخْتلف فِي كَونه متعقبا للرجعة (ومعتقده) أَي الزَّوْج أَنه يَتَرَتَّب على طَلَاقه (الْبَيْنُونَة يُؤْخَذ بهَا) أَي بالبينونة لكَونهَا أَشد الْأَمريْنِ (فَلم يرفع حكم رَأْيه) أَي الْمُجْتَهد (بِالْقضَاءِ مُطلقًا كَقَوْل مُحَمَّد) فَإِنَّهُ قَالَ يرفع مُطلقًا. قَوْله كَقَوْل مُحَمَّد صفة الْمَفْعُول الْمُطلق: أَي رفعا مثل مقول مُحَمَّد فِي الْإِطْلَاق

مسئلة

(وَلَو) فرض (أَن المتزوج مقلد) وَقد كَانَ صِحَة نِكَاحه مَبْنِيا على قَول مقلده (ثمَّ علم تغير اجْتِهَاد إِمَامه فالمختار كَذَلِك) أَي يحرم عَلَيْهِ كإمامه لِأَنَّهُ تبع لَهُ، وَقيل: لَا يحرم عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قد بنى عمله على قَول الْمُجْتَهد كَمَا هُوَ وَظِيفَة الْعَاميّ، وَيجْعَل إِمَامه بعد التَّغَيُّر بِمَنْزِلَة مُجْتَهد آخر (وَلَو تغير اجْتِهَاده) أَي الْمُجْتَهد (فِي أثْنَاء صلَاته عمل فِي الْبَاقِي) من صلَاته (بِهِ) أَي بِاجْتِهَادِهِ الثَّانِي (وَالْأَصْل) فِي مَسْأَلَة تغير اجْتِهَاد الْمُجْتَهد (أَن تغيره كحدوث النَّاسِخ يعْمل بِهِ فِي الْمُسْتَقْبل والماضي) من عمله الْمَبْنِيّ على الِاجْتِهَاد الأول ثَابت مُسْتَمر (على الصِّحَّة). مسئلة تعرف بمسئلة التَّعْرِيض (فِي أصُول الشَّافِعِيَّة، الْمُخْتَار جَوَاز أَن يُقَال للمجتهد: احكم بِمَا شِئْت بِلَا اجْتِهَاد فَإِنَّهُ) أَي مَا حكمت بِهِ (صَوَاب). قَالَ ابْن الصّباغ، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم غير الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب بالمجتهد والبيضاوي والسبكي بالعالم وَالنَّبِيّ، فالعامي خَارج. وَقَالَ الْآمِدِيّ بِجَوَازِهِ فِي حق الْعَاميّ أَيْضا، وَمنعه غَيره: وَهَذَا القَوْل فِي حق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْوَحْي، وَفِي غَيره بإعلام النَّبِي أَو بالإلهام، وَقيل: يجوز للنَّبِي دون غَيره. وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَن كَلَام الشَّافِعِي فِي الرسَالَة يدل على هَذَا. وَقَالَ أَكثر الْمُعْتَزلَة لَا يجوز. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ أَنه الصَّحِيح (وَتردد الشَّافِعِي) فِي الْجَوَاز (ثمَّ) اخْتلف فِي الْوُقُوع على تَقْدِير الْجَوَاز (الْمُخْتَار عدم الْوُقُوع، وَاسْتَدَلُّوا للتردد بتأديته) أَي الْجَوَاز (إِلَى اخْتِيَار مَا لَا مصلحَة فِيهِ) لعدم التَّأَمُّل وَالِاجْتِهَاد الْموصل إِلَى معرفَة وُجُوه الْمصَالح (فَيكون بَاطِلا) لِأَن الشَّارِع لَا يرتضيه (وَهَذَا) الدَّلِيل (يصلح للنَّفْي) أَي نفي الْجَوَاز (لَا للتردد الْمَفْهُوم مِنْهُ الْوَقْف ثمَّ الْعجب مِنْهُ) أَي الشَّافِعِي كَيفَ تردد فِي الْجَوَاز (وَالْفَرْض) أَي الْمَفْرُوض فِي تَصْوِير المسئلة (قَول الله تَعَالَى) للمجتهد الْمَذْكُور (مَا تحكم بِهِ صَوَاب) وَالله يحكم مَا يَشَاء وَيفْعل مَا يُرِيد على أَنه يجوز أَن يصونه بعد هَذَا التَّفْوِيض عَن اخْتِيَار مَا لَا مصلحَة فِيهِ (وَلَا مَانع من) قبل (الْعقل، والأليق أَن تردده فِي الْوُقُوع) لَا فِي الْجَوَاز (كَمَا نقل عَنهُ الْوُقُوع) وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى - {كل الطَّعَام كَانَ حلا لبني إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه}) فَإِنَّهُ لَا يحرم يَعْقُوب على نَفسه إِلَّا بتفويض التَّحْرِيم إِلَيْهِ وَإِلَّا يلْزم أَن يفعل مَا لَيْسَ لَهُ، وشأن النَّبِي يَأْبَى ذَلِك (أُجِيب) بِأَنَّهُ (لَا يلْزم كَونه) أَي تَحْرِيم إِسْرَائِيل (عَن تَفْوِيض لجوازه) أَي لجَوَاز كَونه صادرا (عَن اجْتِهَاد فِي) حكم (ظَنِّي) وَإسْنَاد التَّحْرِيم إِلَيْهِ كَمَا يُقَال: حرم أَبُو حنيفَة، وَالْحَاكِم هُوَ الله. (وَقد يُقَال لَو) كَانَ تَحْرِيمه (عَنهُ) أَي عَن اجْتِهَاد (لم يكن كُله) أَي كل الطَّعَام مقولا فِيهِ كَانَ (حلا)

لبني إِسْرَائِيل (قبله) أَي قبل اجْتِهَاده الْمُؤَدى إِلَى التَّحْرِيم (لِأَن الدَّلِيل) الَّذِي يرتبه الْمُجْتَهد إِنَّمَا (يظْهر فِي الحكم) الثَّابِت قبله (لَا ينشئه) أَي الدَّلِيل لَا يحدث الحكم (لقدمه) أَي الحكم، لِأَنَّهُ خطاب الله تَعَالَى المنزه عَن أَن يكون صِفَاته حَادِثَة وَالْحَاصِل ان الْقُرْآن دلّ على أَن كل الطَّعَام مِمَّا حرم إِسْرَائِيل وَغَيره قد كَانَ حلا قبل تَحْرِيمه، فَلَو كَانَ تَحْرِيمه بطرِيق الِاجْتِهَاد لزم أَن لَا يكون مَا حرم حلا قبل تَحْرِيمه، بل يكون حَرَامًا لم تظهر حرمته إِلَّا بعد اجْتِهَاده، لِأَن الدَّلِيل مظهر لما كَانَ ثَابتا. (قَالَ) الْقَائِل بالوقوع أَيْضا (قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) " إِن الله حرم مَكَّة فَلم تحل لأحد قبلي وَلَا تحل لأحد بعدِي، وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار (لَا يخْتَلى خَلاهَا) وَلَا يعضد شَجَرهَا وَلَا تلْتَقط لقطتهَا إِلَّا الْمُعَرّف ". الخلا مَقْصُور النَّبَات الرَّقِيق مَا دَامَ رطبا. وَفِي الْقَامُوس اختلاه: خره أَو نَزعه (فَقَالَ الْعَبَّاس) يَا رَسُول الله (إِلَّا الأذخر، فَقَالَ إِلَّا الأذخر) والأذخر بِالذَّالِ وَالْخَاء المعجمتين وَكسر الْهمزَة وَالْخَاء: نبت طيب الرَّائِحَة مَعْرُوف و (مثله) أَي مثل هَذَا الالتماس والإجابة على الْفَوْر (لَا يكون) ناشئا (عَن وَحي لزِيَادَة السرعة) فِي الْجَواب على الْقدر الْمُعْتَاد فِي نزُول الْوَحْي مَعَ عدم ظُهُور علاماته (وَلَا) يكون عَن (اجْتِهَاد) لذَلِك أَيْضا (أُجِيب) عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأحد أُمُور: كَون الأذخر لَيْسَ مِنْهُ) أَي من الخلا (واستثناء الْعَبَّاس مُنْقَطع) علم الْعَبَّاس إِبَاحَته باستصحابه حَال الْحل (وَفَائِدَته) أَي الِاسْتِثْنَاء (دفع توهم شُمُوله) أَي شُمُول الخلا: الأذخر من إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول (بالحكم) أَي بِاعْتِبَار حكم الَّذِي هُوَ الْمَنْع (وتأكيد حَاله) الَّذِي هُوَ الْحل مَعْطُوف على دفع توهم (أَو) كَون الأذخر (مِنْهُ) أَي من الخلا (وَلم يردهُ) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عُمُوم لفظ خَلاهَا كَمَا قيل: مَا من عَام إِلَّا وَخص مِنْهُ الْبَعْض (وَفهم) الْعَبَّاس (عدمهَا) أَي عدم إِرَادَته (فَصرحَ) بالمراد (ليقرر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِلَّا الأذخر، وَقَررهُ على ذَلِك (وَأورد) على التَّوْجِيه الْأَخير بِأَنَّهُ (إِذا لم يرد) النَّبِي أَو الْعَبَّاس الأذخر بِلَفْظ الخلا (فَكيف يسْتَثْنى) الأذخر مِنْهُ، وَهل يتَصَوَّر الِاسْتِثْنَاء بِدُونِ تنَاول الْمُسْتَثْنى مِنْهُ للمستثنى (أُجِيب) عَن هَذَا الْإِيرَاد (بِأَنَّهُ) أَي الأذخر (لَيْسَ) مُسْتَثْنى (من) الخلا (الْمَذْكُور) فِي كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بل من مثله مُقَدرا) فِي كَلَام الْعَبَّاس، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يخْتَلى خَلاهَا إِلَّا الأذخر، فالعباس أخرج الأذخر بعد شُمُول صدر كَلَامه إِيَّاه، وَأما كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا اسْتثِْنَاء فِيهِ، غير أَن الأذخر غير مندرج فِيهِ (وَهَذَا السُّؤَال) يَعْنِي الْإِيرَاد الْمَذْكُور (بِنَاء) أَي مَبْنِيّ (على مَا تقدم) فِي بحث الِاسْتِثْنَاء (من اخْتِيَار أَن الْمخْرج) من الصَّدْر (مُرَاد بالصدر بعد دُخُوله) أَي الْمخْرج (فِي دلَالَته)

أَي الصَّدْر عَلَيْهِ، فالمخرج مَدْلُول الصَّدْر بِاعْتِبَار الْوَضع مُرَاد للمتكلم عِنْد الِاسْتِعْمَال خلافًا لمن قَالَ مَدْلُول لَهُ غير مُرَاد مِنْهُ (ثمَّ أخرج) الْمخْرج بعد الدّلَالَة والإرادة (ثمَّ أسْند) الحكم إِلَى الصَّدْر، فالمحكوم عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْبَاقِي بعد الثنيا (وَنحن وجهنا قَول الْجُمْهُور) هُنَا (أَنه) أَي بِأَن الْمخْرج (لم يرد) بالصدر، وَإِن كَانَ مدلولا بِحَسب الْوَضع (و) كلمة (إِلَّا قرينَة عدم الْإِرَادَة) مِنْهُ (كَمَا هُوَ) أَي عدم إِرَادَة بعد إِفْرَاد الْعَام يتَحَقَّق (بِسَائِر التخصيصات) للعمومات (فَلَا حَاجَة للسؤال) أَي إِلَى السُّؤَال (وتكلف هَذَا الْجَواب) لِأَن مدَار السُّؤَال على كَون الْمُسْتَثْنى مرَادا بصدر الْكَلَام وَإِذا لم يكن مرَادا بِهِ لأتيح السُّؤَال (وَإِمَّا مِنْهُ) أَي من الْخَلَاء، وَهِي عديلة قَوْله أَو مِنْهُ، وَكِلَاهُمَا للْعَطْف على قَوْله لَيْسَ مِنْهُ (وَأُرِيد) أَي الأذخر (بالحكم) وَهُوَ منع الْقطع (ثمَّ نسخ) الحكم الْمَذْكُور (بِوَحْي) سريع النُّزُول (كلمح الْبَصَر) أَي كرجع الطّرف من أَعلَى الحدقة إِلَى أَسْفَلهَا (خُصُوصا على قَول الْحَنَفِيَّة إلهامه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَحي، وَهُوَ إِلْقَاء معنى فِي الْقلب دفْعَة وَأورد) على هَذَا التَّوْجِيه المستدعى لنفي الِاسْتِثْنَاء تَحْقِيقا لِمَعْنى النّسخ أَن يُقَال (الِاسْتِثْنَاء يأباه) أَي النّسخ (أُجِيب بِأَن) النّسخ (الِاسْتِثْنَاء من مُقَدّر للْعَبَّاس) على مَا ذكر (لَا مِمَّا ذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والنسخ بعده) أَي بعد ذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَقْرُونا (مَعَ ذكر الْعَبَّاس) يَعْنِي قَوْله: إِلَّا الأذخر، وَإِنَّمَا قَالَ مَعَ ذكر الْعَبَّاس، لِأَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الأذخر مُتَّصِل بِذكرِهِ، وَلَا بُد من سبق النّسخ على قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيلْزم مقارنته مَعَ قَول الْعَبَّاس، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي قَوْله إِلَّا الأذخر (بعده) أَي بعد النّسخ (ثمَّ لَا يخفى أَن اسْتثِْنَاء الْعَبَّاس من مُقَدّر) فِي كَلَامه (على كل تَقْدِير) من التقادير الْمَذْكُورَة سَوَاء قُلْنَا بِانْقِطَاع الِاسْتِثْنَاء أَو باتصاله وَسَوَاء قُلْنَا بالنسخ أَو لَا (لِأَنَّهُ) أَي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا يخْتَلى خَلاهَا " (تركيب مُتَكَلم آخر ووحدة الْمُتَكَلّم مُعْتَبرَة فِي) وحدة (الْكَلَام) فَلَا يجوز أَن يتركب كَلَام وَاحِد من لفظ متكلمين، وَاللَّفْظ الْمُشْتَمل على الِاسْتِثْنَاء كَلَام وَاحِد (على مَا هُوَ الْحق) من الْقَوْلَيْنِ بِاعْتِبَار وحدة الْمُتَكَلّم وَعدم اعْتِبَارهَا وَذَلِكَ (لاشْتِمَاله) أَي الْكَلَام (على النِّسْبَة الإسنادية وَلَا يتَصَوَّر قِيَامهَا بِنَفسِهَا بمحلين) وَإِنَّمَا قَالَ بِنَفسِهَا لِأَن مَا بِنَفسِهَا يتَوَهَّم فِيهِ كَونه مركبا من لفظ اثْنَيْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة كلامان، وَنسبَة كلاميهما بِاعْتِبَار نفسيهما فَقَط قَائِمَة بِمحل وَاحِد وَلَكِن بِاعْتِبَار نفسيهما ونظيرها قَائِمَة بمحلين (و) كَذَا الِاسْتِثْنَاء (مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) من مُقَدّر بِنَاء على التَّقْدِير الثَّانِي وَهُوَ تَوْجِيه النّسخ جعل مَا قبله من الْوُجُوه الأول لمشاركتها فِي عدم النّسخ، وَإِنَّمَا قَالَ (على الثَّانِي) لِأَن فِي الأول سَوَاء جعل الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا أَو مُتَّصِلا لَا حَاجَة إِلَى التَّقْدِير لِاتِّحَاد الْمُتَكَلّم

وَعدم النّسخ المستلزم شُمُول الْخَلَاء للأذخر قبله. (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بالوقوع أَيْضا (قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْلَا أَن أشق على أمتِي) أَي لَوْلَا مُخَالفَة إيقاعي إيَّاهُم فِي الْمَشَقَّة (لأمرتهم) بِالسِّوَاكِ مَعَ كل وضوء. أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وعلقه البُخَارِيّ وَهُوَ صَرِيح فِي أَن الْأَمر وَعَدَمه مفوض إِلَيْهِ، لِأَن مثل هَذَا مَا يَقُوله إِلَّا من كَانَ الْأَمر بِيَدِهِ (وَقَالَ) أَيْضا (لقَائِل أحجنا هَذَا لِعَامِنَا) أَي لسنتنا (أم لِلْأَبَد) أَي هَذَا الْحَج الَّذِي أَتَيْنَا بِهِ حق هَذِه السّنة، أم يكفينا إِلَى آخر الْعُمر: يَعْنِي هُوَ وَظِيفَة كل سنة أم وَظِيفَة الْعُمر، وَالْقَائِل الْأَقْرَع بن حَابِس (فَقَالَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لِلْأَبَد وَلَو قلت نعم) لِعَامِنَا هَذَا (لوَجَبَ) الْحَج عَلَيْكُم فِي كل سنة "، والْحَدِيث صَحِيح اتِّفَاقًا: يَعْنِي لَا تسألوا مثل هَذَا السُّؤَال لِأَنَّهُ يتسبب لقولي نعم فتعجزون وَلَوْلَا أَن الْأَمر مفوض إِلَيْهِ لما أنْجز سُؤَالهمْ إِلَى الْجَواب بنعم، بل مُتَوَقف على الْوَحْي (" وَلما قتل) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (النَّضر بن الْحَارِث) أَمر عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بذلك بالصفراء فِي مرجعه من بدر فَقتله صبرا (ثمَّ سمع) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا أنشدته أُخْته قتيلة) على مَا ذكر ابْن إِسْحَاق وَابْن هِشَام واليعمري. وَقَالَ السُّهيْلي: الصَّحِيح أَنَّهَا بنت النَّضر وَمَشى عَلَيْهِ الذَّهَبِيّ وَغَيره. (مَا كَانَ ضرك لَو مننت وَرُبمَا ... من الْفَتى وَهُوَ المغيظ المحنق) (فِي أَبْيَات) سَابِقَة على هَذَا مَذْكُورَة فِي الشَّرْح، وَالْمعْنَى أَي شَيْء كَانَ يَضرك لَو عَفَوْت؟ والفتى وَإِن كَانَ مضجرا مطويا على حنق وحقد قد يمن وَيَعْفُو (قَالَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو بَلغنِي هَذَا) الشّعْر (قبل قَتله لمننت عَلَيْهِ) وَذكر الزبير بن بكار: فرق لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى دَمَعَتْ عَيناهُ، وَقَالَ لأبي بكر لَو سَمِعت شعرهَا مَا قتلت أَبَاهَا " فَلَو لم يكن الْقَتْل وَعَدَمه إِلَيْهِ لَكَانَ بُلُوغ الشّعْر وَعَدَمه على السوية (أُجِيب بِجَوَاز كَونه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خير فِيهَا) فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاث (معينا) أَي تخييرا مَخْصُوصًا بهَا لِأَنَّهُ قيل لَهُ أَنْت مُخَيّر فِي إِيجَاب السُّؤَال وَعَدَمه وتكرار الْحَج وَعَدَمه وَقتل النَّضر وَعَدَمه. وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا الِاحْتِمَال مَعَ بعده يأباه السِّيَاق خُصُوصا فِي الْأَخيرينِ (أَو) كَون مَا ذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِوَحْي سريع) لَا من تِلْقَاء نَفسه (وَلَا يخفى أَن) الْجَواب (الأول رُجُوع عَن الدَّعْوَى، وَهُوَ) أَي الدَّعْوَى (أَنه) أَي التَّفْوِيض (لم يَقع اعترافا بالْخَطَأ) فِي نفي الْوُقُوع مُطلقًا، وَلَك أَن نقُول بِجَوَاز أَن يكون مُرَاد الْمُدعى نفي التَّفْوِيض الْمُطلق فَلَا يُنَافِيهِ الْوُقُوع فِي الْجُمْلَة فَتَأمل (فَالْحق أَنه) أَي التَّفْوِيض فِي الْجُمْلَة (وَقع وَلَا يُنَافِي) وُقُوعه (مَا تقدم من أَنه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (متعبد بِالِاجْتِهَادِ) أَي مَأْمُور بِهِ عِنْد حُضُور الْوَاقِعَة وَعدم النَّص (لِأَن وُقُوع التَّفْوِيض فِي أُمُور مَخْصُوصَة لَا يُنَافِيهِ) أَي كَونه متعبدا بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ وُقُوعه فِي

مسئلة

الْكل وَلَا يخفى أَن المُصَنّف لَا يَدعِي مثل دَعوَاهُم حَتَّى يلْزم عَلَيْهِ الرُّجُوع عَن الدَّعْوَى بِهَذَا التَّحْقِيق (وَإِذن) أَي وَإِذا كَانَ التَّفْوِيض وَاقعا فِي الْجُمْلَة (فكونه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَذَلِك) أَي فوض إِلَيْهِ (فِي الأذخر أسهل مِمَّا تكلّف) فِي أجوبته (وَأقرب إِلَى الْوُجُود) بِحَسب نفس الْأَمر. وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: هَذِه المسئلة وَإِن أوردهَا متكلمو الْأُصُولِيِّينَ فَلَيْسَتْ بمعروفة بَين الْفُقَهَاء، وَلَيْسَ فِيهَا كثير فَائِدَة لِأَنَّهَا فِي غير الْأَنْبِيَاء لم تُوجد وَلَا يتَوَهَّم وجوده فِي الْمُسْتَقْبل. مسئلة (يجوز خلو الزَّمَان عَن مُجْتَهد) كَمَا هُوَ الْمُخْتَار عِنْد الْأَكْثَر مِنْهُم الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب (خلافًا للحنابلة) والأستاذ أبي إِسْحَاق والزبيري من الشَّافِعِيَّة فِي منع الْخُلُو مُطلقًا وَلابْن دَقِيق الْعِيد فِي مَنعه قبل اشْتِرَاط السَّاعَة الْكُبْرَى، وَالظَّاهِر عدم الْخلاف فِيمَا بعْدهَا وَأَن إِطْلَاق الْمُخَالف مَحْمُول على مَا دون هَذَا. (لنا لَا مُوجب) لمَنعه (وَالْأَصْل عَدمه) أَي عدم الْمُوجب (بل دلّ على الْخُلُو قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " أَن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعا) ينتزعه من الْعباد وَلَكِن ينتزعه بِقَبض الْعلمَاء، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِلَى قَوْله حَتَّى إِذا لم يبْق عَالم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا وأظلوا ") رَوَاهُ أَحْمد والستة، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يرفع الْعلم وَيثبت الْجَهْل " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلَا يخفى أَن هَذَا لَا يقوم حجَّة على ابْن دَقِيق الْعِيد وعَلى الْحَنَابِلَة أَيْضا أَن حمل إِطْلَاقهم على مَا قبل الأشراط (قَالُوا) أَي الْحَنَابِلَة. (قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق) من الظُّهُور: يَعْنِي الْغَلَبَة (حَتَّى يَأْتِي أَمر الله) وهم ظاهرون ". أخرجه البُخَارِيّ بِدُونِ لفظ على الْحق لكنه مَوْجُود فِي بعض الرِّوَايَات فَيحمل عَلَيْهِ، وَفِي بعض الرِّوَايَات حَتَّى تقوم السَّاعَة فَهُوَ المُرَاد بِأَمْر الله (أَو حَتَّى يظْهر الدَّجَّال) وَكلمَة أَو للشَّكّ فِي لفظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفس الْأَمر بِسَبَب اخْتِلَاف الرِّوَايَات، ثمَّ الظُّهُور على الْحق لَا يُمكن إِلَّا بِالْعلمِ، وَلَا علم بِدُونِ الِاجْتِهَاد كَمَا بَين فِي مَحَله (أُجِيب) بِأَنَّهُ (لَا يدل) الحَدِيث (على نفي الْجَوَاز) بل على نفي الْوُقُوع، وَالْمُدَّعى نفي الْجَوَاز (وَلَا يخفى أَن مُرَادهم) أَي الْحَنَابِلَة من قَوْلهم لَا يجوز (لَا يَقع) خلو الزَّمَان عَنهُ لحمل الْجَوَاز على الْوُقُوع بِدَلِيل قَوْلهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَحَقَّق عدم الْوُقُوع بِأَن يَقع الْخُلُو (لزم كذبه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ بَين اللُّزُوم بقوله (والْحَدِيث يفِيدهُ) أَي عدم الْوُقُوع لدلالته على اسْتِمْرَار وجود الْعَالم إِلَى قيام السَّاعَة. وَخبر أَن مَجْمُوع قَوْله لَا يَقع إِلَى قَوْله لزم كذبه، ثمَّ علل كَون ذَلِك مرَادا بقوله: أَي تَرْجِيح الحَدِيث الدَّال على الْجَوَاز على الحَدِيث الدَّال على عَدمه (إِذْ لَا يَتَأَتَّى لعاقل إحالته) أَي الْخُلُو (عقلا) فهم يُرِيدُونَ نفي

مسئلة

الْوُقُوع من طَرِيق السّمع لَا الْعقل (فَالْوَجْه) فِي الْجَواب (التَّرْجِيح) أَي تَرْجِيح الحَدِيث الدَّال على عَدمه (بأظهرية الدّلَالَة) أَي دلَالَة الحَدِيث الدَّال على الْجَوَاز بل على الْوُقُوع (على نفي الْعَالم الْأَعَمّ من الْمُجْتَهد) وَنفي الْعَام مُسْتَلْزم نفي الْخَاص (بِخِلَاف الظُّهُور على الْحق) فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم وجود الْمُجْتَهد (لِأَنَّهُ) أَي الظُّهُور على الْحق (يتَحَقَّق بِدُونِ اجْتِهَاد كَمَا يتَحَقَّق بِإِرَادَة الِاتِّبَاع) شبه تحقق الظُّهُور على الْحق عِنْد فقد الْمُجْتَهد بتحقق وجود الْمُجْتَهد بِقصد اتِّبَاعه قصدا مَقْرُونا بِالْفِعْلِ (وَلَو تَعَارضا) أَي الحديثان أَشَارَ بِكَلِمَة لَو إِلَى أَنه لَا مجَال للتعارض لما ذكر لكنه لَو فرض (بَقِي) لنا للْجُوَاز أَن نقُول عدم الْجَوَاز لَا يكون بِلَا مُوجب، وَالْأَصْل (عدم الْمُوجب. قَالُوا) ثَانِيًا الِاجْتِهَاد (فرض كِفَايَة فَلَو خلا) الزَّمَان عَن الْمُجْتَهد (اجْتَمعُوا) أَي الْأمة (على الْبَاطِل) وَهُوَ الْعِصْيَان بترك الْفَرْض الْمَذْكُور، وَالْبَاطِل ضَلَالَة، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا تَجْتَمِع أمتِي على الضَّلَالَة " (أُجِيب) بِأَنَّهُ (إِذا فرض موت الْعلمَاء) رَأْسا (لم يبْق) الِاجْتِهَاد فرضا، لِأَن شَرط التَّكْلِيف الْإِمْكَان، لَا يُقَال الْإِمْكَان مَوْجُود لوُجُود أَسبَاب الْعلم من الْكتب وَغَيره، لأَنا نقُول لزم الْخُلُو فِي مُدَّة التَّحْصِيل قبل الْحُصُول (على أَنه) أَي هَذَا الدَّلِيل (فِي غير مَحل النزاع لِأَن فرض الْكِفَايَة الِاجْتِهَاد بِالْفِعْلِ) أَي السَّعْي فِي تَحْصِيله وَهُوَ مُمكن للعوام، وَمحل النزاع إِنَّمَا هُوَ حُصُوله بِالْفِعْلِ، وَالْأول مَوْجُود عِنْد موت الْعلمَاء دون الثَّانِي، عَن السُّبْكِيّ لم يثبت خلو الزَّمَان من الْمُجْتَهد، فَإِن أَرَادَ الْمُطلق مُخَالفَة قَول الْقفال وَالْغَزالِيّ: الْعَصْر خلا عَن الْمُجْتَهد المستقل، وَقَالَ الرَّافِعِيّ بالخلو كالمتفقين على أَنه لَا مُجْتَهد الْيَوْم، وَفِي الْخُلَاصَة القَاضِي إِذا قَاس مسئلة على مسئلة فَظهر رَأْيه أَن الحكم بِخِلَافِهِ، فالخصومة للْمُدَّعى عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة على القَاضِي وعَلى الْمُدعى لِأَنَّهُ لَيْسَ أحد من أهل الِاجْتِهَاد فِي زَمَاننَا. وَلما فرغ من الِاجْتِهَاد شرع فِي مُقَابِله وَهُوَ الاستفتاء والبحث فِيهِ عَن الْمُقَلّد والمفتي والاستفتاء وَمَا فِيهِ الاستفتاء فَقَالَ. مسئلة (التَّقْلِيد الْعَمَل بقول من لَيْسَ قَوْله إِحْدَى الْحجَج بِلَا حجَّة مِنْهَا) وَإِنَّمَا عرفه ابْن الْحَاجِب بِالْعَمَلِ بقول الْغَيْر من غير حجَّة. وَخرج بقوله من غير حجَّة الْعَمَل بقول الرَّسُول وَالْعَمَل بِالْإِجْمَاع وَرُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي وَالْقَاضِي إِلَى الْعُدُول فِي شَهَادَتهم لوُجُود الْحجَّة فِي الْكل، فَفِي الرَّسُول المعجزة الدَّالَّة على صدقه فِي الْأَخْبَار عَن الله تَعَالَى وَفِي الْإِجْمَاع مَا مر فِي حجيته، وَفِي قَول الشَّاهِد والمفتي الْإِجْمَاع على وجوب اتباعهما، وَإِنَّمَا عدل المُصَنّف عَنهُ وَقيد الْغَيْر بِمن لَيْسَ قَوْله إِحْدَى الْحجَج من الْكتاب

وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، لِأَن الْمُتَبَادر من قَوْله بِلَا حجَّة نفي الْحجَّة الْمَخْصُوصَة بِمَا عمل بِهِ من القَوْل الْخَاص فَحِينَئِذٍ يدْخل الْعَمَل بقول الرَّسُول فِي التَّقْلِيد، لِأَن النَّاس كَانُوا يعْملُونَ بِهِ من غير أَن يعرفوا دَلِيله الْخَاص: وَلذَلِك يعْملُونَ بقول أهل الْإِجْمَاع، من غير أَن يعرفوا ذَلِك فالتقييد لإخراجهما، ثمَّ لما حمل الْحجَّة المنفية على الْخُصُومَة لما مر لزم دُخُول عمل الْعَاميّ بقول الْمُفْتِي فِي التَّقْيِيد على خلاف مَا مَشى عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب، وَهُوَ يلْتَزم ذَلِك كَمَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين فِي شرح الْمُخْتَصر. وَلَو سمي بعض ذَلِك تقليدا كَمَا سمي فِي الْعرف الْمُقَلّد الْعَاميّ وَقَول الْمُفْتِي تقليدا، فَلَا مشاححة فِي التَّسْمِيَة والاصطلاح، وسيشير إِلَيْهِ المُصَنّف وَبَقِي قَضِيَّة القَاضِي، فَنَقُول إِنَّه غير عَامل بقول الشَّاهِد، بل بقول الله: احكم أَيهَا القَاضِي عِنْد قَوْله وَالله الْمُوفق (فَلَيْسَ الرُّجُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم و) أهل (الْإِجْمَاع مِنْهُ) أَي من التَّقْلِيد (بل الْمُجْتَهد والعامي إِلَى مثله) أَي رُجُوع كل مِنْهُمَا إِلَى مثله من التَّقْلِيد (و) الْعَاميّ (إِلَى الْمُفْتِي) أَي رُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي أَيْضا من التَّقْلِيد (هَذَا) الَّذِي ذكره من معنى التَّقْلِيد بِحَيْثُ عَم رُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي (هُوَ الْمَعْرُوف من قلد عَامَّة مصر الشَّافِعِي وَنَحْوه) أَي هَذَا الَّذِي يعرف، وَيُسْتَفَاد من قَوْلهم: قلد عَامَّة مصر الشَّافِعِي وَنَحْوه كَقَوْلِهِم: قلد عَامَّة الرّوم أَبَا حنيفَة، وَالْمَشْهُور الْمَعْرُوف أولى بِالِاعْتِبَارِ، لِأَنَّهُ يتلَقَّى بِالْقبُولِ، بل يظْهر أَنه من عرف السّلف وَأَيْضًا على تَقْدِير اخْتِصَاصه بِرُجُوع الْمُجْتَهد أَو الْعَاميّ إِلَى مثله يلْزم أَن لَا يكون لَهُ فَرد مَشْرُوع أصلا وَهُوَ خلاف الظَّاهِر، لَكِن بَقِي شَيْء: وَهُوَ أَن الْمُقَلّد الَّذِي عِنْده طرف من الْعلم بِحَيْثُ يعرف تفاصيل الْأَدِلَّة كَيفَ يصدق عَلَيْهِ أَنه أَخذ بقول إِمَامه بِلَا حجَّة فَالْجَوَاب أَن معرفَة الدَّلِيل إِنَّمَا تكون للمجتهد لَا لغيره لتوقفها على سَلَامَته من الْمعَارض، وَهِي متوقفة على استقراء الْأَدِلَّة فَلَا يَتَيَسَّر إِلَّا للمجتهد، وَالْمرَاد تقربا لقَوْل مَا يعم الْفِعْل والتقرير تَغْلِيبًا (وَكَانَ الْوَجْه جعل الْمُعَرّف بِمَا ذكر) من التَّعْرِيف (التقلد لِأَنَّهُ) أَي الْمُقَلّد بِصِيغَة الْمَفْعُول (جعل قَوْله قلادة) فِي عتق من عمل بقوله، فالتابع متقلد وتبعيته تقلد (فتصحيحه) أَي تَصْحِيح وَجه التَّسْمِيَة (جعل عمله قلادة إِمَامه) لكَون الإِمَام ضَامِنا صِحَّته عِنْد الله تَعَالَى (والمفتى الْمُجْتَهد وَهُوَ) أَي الْمُجْتَهد (الْفَقِيه) اصْطِلَاحا أصوليا، وَقد سبق تَعْرِيف الْفِقْه، وَيشْتَرط فِي قبُول فتواه الْعَدَالَة حَتَّى يوثق بِهِ لَا فِي صِحَة اجْتِهَاده، وللمفتي رد الْفَتْوَى إِذا كَانَ فِي الْبَلَد غَيره أَهلا لَهَا خلافًا للحليمي، وَلَا يلْزمه جَوَاب مَا لم يَقع وَمَا لَا يحْتَملهُ السَّائِل وَلَا يَنْفَعهُ. قَالَ ابْن أبي ليلى: أدْركْت مائَة وَعشْرين من الْأَنْصَار من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل أحدهم عَن الْمَسْأَلَة فيردها هَذَا إِلَى هَذَا وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى ترجع إِلَى الأول، وَقد نهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الغلوطات بِفَتْح

الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَصْلهَا أغلوطات. قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: هِيَ شَدَّاد الْمسَائِل. وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " سَيكون أَقوام من أمتِي يغلطون فقهاءهم أُولَئِكَ شرار أمتِي " (والمستفتى من لَيْسَ إِيَّاه) أَي مفتيا (وَدخل) فِي المستفتى (الْمُجْتَهد فِي الْبَعْض) من الْمسَائِل الاجتهادية لاستكمال مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْبَعْض من الْكتاب وَالسّنة وَسَائِر الشُّرُوط فَهُوَ مستفتى (بِالنِّسْبَةِ إِلَى) الْمُجْتَهد (الْمُطلق) حَيْثُ قُلْنَا بتجزؤ الِاجْتِهَاد فَهُوَ مفت فِي بعض الْأَحْكَام مستفتي فِي الآخر (والمستفتى فِيهِ) الْأَحْكَام (الفرعية الظنية). قَالَ المُصَنّف (والعقلية) مِمَّا يتَعَلَّق بالاعتقاد (وَلذَا) أَي وَلكَون المستفتى فِيهِ قد يكون عقليا (صححنا إِيمَان الْمُقَلّد وَإِن أثمناه) فَلَو كَانَ إيمَانه غير صَحِيح مَعَ كَونه آثِما لما كَانَ يَتَرَتَّب على استفتائه ثَمَرَة أصلا، فصحة إيمَانه تدل على أَن الْإِيمَان وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بالاعتقاد مِمَّا يتَجَزَّأ فِيهِ الاستفتاء، غَايَة الْأَمر أَن المستفتى آثم إِذا اكْتفى بِمُجَرَّد التَّقْلِيد فِيهِ، وَلم يجْتَهد فِي تَحْصِيل الْعلم بِالدَّلِيلِ، وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَكثير من الْمُتَكَلِّمين وَقيل لَا يسْتَحق اسْم الْمُؤمن إِلَّا بعد عرفان الْأَدِلَّة، وَهُوَ مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ (فَمَا يحل الاستفتاء فِيهِ) الْأَحْكَام (الظنية لَا الْعَقْلِيَّة) الْمُتَعَلّقَة بالاعتقاد فَإِن الْمَطْلُوب فِيهَا الْعلم (على) الْمَذْهَب (الصَّحِيح) فَلَا يجوز التَّقْلِيد فِيهَا، بل يجب تَحْصِيلهَا بِالنّظرِ الصَّحِيح، وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين: وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب، بل حَكَاهُ الْأُسْتَاذ الاسفراينى عَن إِجْمَاع أهل الْعلم من الْحق وَغَيرهم من الطوائف، فقد عرفت أَن الْحق عدم الاستفتاء فِي الْعَقْلِيَّة (لَا قصر صِحَّته) أَي صِحَة المستفتى فِيهِ (على الظنية) بِأَن لَا يَصح المستفتى فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَ من الْأَحْكَام الظنية، بل يَصح إِذا كَانَ من الْعَقْلِيَّة أَيْضا صِحَة مقرونة مَعَ اسْم المستفتى الْعَامِل بِتِلْكَ الْفَتْوَى تقليدا (كوجوده تَعَالَى) مِثَال للعقلية: أَي كَالْحكمِ بِوُجُودِهِ تَعَالَى تقليدا لمن أفتى بِهِ، فَإِنَّهُ صَحِيح يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام الْإِيمَان، غير أَن المستفتى آثم بتقاعده عَن الِاسْتِدْلَال (وَقيل يجب) التَّقْلِيد فِي الْعَقْلِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالاعتقاد (وَيحرم النّظر) والبحث فِيهَا، وَالْقَائِل قوم من أهل الحَدِيث، وَنسبه الزَّرْكَشِيّ إِلَى الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلم يحفظ عَنْهُم، وَإِنَّمَا توهم من نهيهم عَن تعلم علم الْكَلَام، وَهُوَ مَحْمُول على من خيف أَن يزل فِيهِ لعدم استقامة طبعه (و) قَالَ (الْعَنْبَري) وَبَعض الشَّافِعِيَّة (يجوز) التَّقْلِيد فِيهَا وَلَا يجب النّظر (لنا الْإِجْمَاع) معقد (على وجوب الْعلم بِاللَّه تَعَالَى) وَصِفَاته على الْمُكَلف (وَلَا يحصل) الْعلم بِهِ (بالتقليد لَا مَكَان كذبه) أَي الْمُفْتِي الْمُقَلّد (إِذْ نَفْيه) أَي الْكَذِب عَنهُ (بِالضَّرُورَةِ مُنْتَفٍ) يَعْنِي عدم كذبه لَيْسَ ببديهي، إِذْ لَيْسَ بمعصوم عِنْد المستفتى فَلَا يحصل الْعلم بِخَبَرِهِ فَإِن قلت: فعلى هَذَا لَا يَصح إِيمَان الْمُقَلّد، لِأَن الْمُعْتَبر فِي الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ الْعلم وَلم يحصل قلت:

الْأَمر كَذَلِك إِذا لم يحصل الْعلم، وَأما إِذا حصل من غير مُوجب يَقْتَضِيهِ حتما حكمنَا بِصِحَّتِهِ لحُصُول الْمَقْصُود وأثمناه لتَقْصِيره فِي تَحْصِيله على وَجه لَا يَزُول بتشكيك المشكك (وبالنظر) أَي نظر الْمُقَلّد فِيمَا يُوجب الْعلم بِاللَّه تَعَالَى وَصِفَاته (لَو تحقق يرفع التَّقْلِيد) لِأَن التَّقْلِيد إِنَّمَا هُوَ الْعَمَل بقول الْغَيْر من غير حجَّة، وَقد تحقق الْحجَّة بِالنّظرِ الْمَذْكُور: فعلى هَذَا أَكثر الْعَوام لَيْسُوا بمقلدين فِي الْإِيمَان لأَنهم علمُوا بِالنّظرِ، وَإِن عجزوا عَن تَرْتِيب الْمُقدمَات على طَريقَة أهل الْعلم كَمَا عرف (وَلِأَنَّهُ) مَعْطُوف على قَوْله لَا مَكَان كذبه (لَو حصل) الْعلم بالتقليد (لزم النقيضان بتقليد اثْنَتَيْنِ) اثْنَيْنِ (فِي حُدُوث الْعَالم وَقدمه) بِأَن يحصل لزيد الْعلم بحدوثه تقليدا للقائل بِهِ ولعمرو الْعلم بقدمه تَقْلِيد الْقَائِل بِهِ، إِذْ الْعلم يستدعى الْمُطَابقَة فَيلْزم حقية الْحُدُوث والقدم. قَالَ (المجوز) للتقليد فِي الْعَقْلِيَّة (لَو وَجب النّظر) فِيهَا (لفعله) أَي النّظر (الصَّحَابَة وَأمرُوا بِهِ) مَعْطُوف على فعله، فَإِنَّهُم لَا يتركون الْوَاجِب (وَهُوَ) أَي كل وَاحِد من الْفِعْل وَالْأَمر (مُنْتَفٍ) عَنْهُم خُصُوصا عَن عوامهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن ذَلِك منتفيا بِأَن وجد مِنْهُم (لنقل) إِلَيْنَا (كَمَا) نقل عَنْهُم النّظر (فِي الْفُرُوع) فَلَمَّا لم ينْقل عَنْهُم علم أَنه لم يَقع (الْجَواب منع انْتِفَاء التَّالِي) أَي عدم فعلهم وَأمرهمْ وَإِلَّا لزم جهلهم بِاللَّه تَعَالَى، لِأَن الْعلم بِهِ لَيْسَ بضروري (بل علمهمْ و) علم (عَامَّة الْعَوام) فِي زمانهم كَانَ ناشئا (عَن النّظر إِلَّا أَنه) أَي النّظر والبحث (لم يدر بَينهم) دورانا ظَاهرا كَمَا بَينا (لظُهُوره) أَي النّظر ومادته عِنْدهم لصفاء قُلُوبهم بمشاهدة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ونزول الْوَحْي، وبركة الصُّحْبَة وَالتَّقوى (ونيله بِأَدْنَى الْتِفَات إِلَى الْحَوَادِث) الدَّالَّة على وجود الْمُحدث الْقَدِيم، وحياته، وَعلمه، وَقدرته إِلَى غير ذَلِك كوحدته بِاعْتِبَار نظامها المستمر بِلَا خلل (وَلَيْسَ المُرَاد) من النّظر الْوَاجِب (تحريره) أَي تَقْرِيره وتقويمه (على) طبق (قَوَاعِد الْمنطق) كالقياس الاقتراني المنقسم إِلَى الأشكال الْأَرْبَعَة والاستثنائي بأقسامه (وَمن أصغى) أَي أمال سامعته (إِلَى عوام الْأَسْوَاق امْتَلَأَ سَمعه من استدلالهم بالحوادث) على مَا ذكر (والمقلد الْمَفْرُوض) أَي الْقَائِل بقول الْغَيْر من غير حجَّة فِي الْإِيمَان بِأَن يصدق بِاللَّه وَصِفَاته بِمُجَرَّد السماع من غير أَن يخْطر بِبَالِهِ مَا يدل عَلَيْهِ من الْآيَات (لَا يكَاد يُوجد، فَإِنَّهُ قل أَن يسمع من لم ينْقل ذهنه قطّ من الْحَوَادِث إِلَى موجدها وَلم يخْطر لَهُ الموجد) أَي لم يخْطر بِبَالِهِ الموجد عِنْد مُشَاهدَة الْحَوَادِث، فَقَوله وَلم يخْطر عطف تفسيري لقَوْله من لم ينْتَقل (أَو خطر) لَهُ الموجد (فَشك فِيهِ) أَي فِي وجوده مَعْطُوف على لم يخْطر فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مُقَابل بقوله من لم ينْتَقل (من يَقُول لهَذِهِ الموجودات: رب أوجدها متصف بِالْعلمِ بِكُل شَيْء وَالْقُدْرَة الخ) أَي آخر مَا يُؤمن بِهِ من الصِّفَات الْمَوْصُول الأول فَاعل يسمع، وَالثَّانِي مَفْعُوله (فيعتقد)

بِالنّصب عطفا على مَدْخُول أَن، وَالْعلَّة بِاعْتِبَارِهِ (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى مَضْمُون مقول القَوْل (بِمُجَرَّد تَصْدِيقه) أَي الْقَائِل تقليدا لَهُ (من غير انْتِقَال) أَي من غير أَن ينْتَقل ذهنه بِسَبَب هَذَا القَوْل المنبه إِلَى معنى كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن ينْتَقل إِلَيْهِ بِغَيْر مُنَبّه لما هُوَ مركوز فِي جبلته بِمُقْتَضى الْمِيثَاق الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى - {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم} - الْآيَة انتقالا (يُفِيد اللُّزُوم) بِاعْتِبَار مُتَعَلّقه، أَعنِي الْمُنْتَقل (بَين الْمُحدث) على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول (والموجد) على صِيغَة اسْم الْفَاعِل، وَإِنَّمَا خص السماع فِي هَذَا الْبَيَان بِمن لم ينْتَقل ذهنه إِلَى الموجد، لِأَن من انْتقل ذهنه إِلَيْهِ قبل هَذَا السماع يَسْتَحِيل أَن يصير مُقَلدًا للقائل الْمَذْكُور، لأَنا لَا نعني لنظر وَالِاسْتِدْلَال إِلَّا هَذَا الِانْتِقَال فَإِن قلت: يجوز أَن يكون انْتِقَاله بطرِيق البداهة قلت: مرْحَبًا بالوفاق فَإِنَّهُ أبعد عَن التَّقْلِيد (قَالُوا) ثَالِثا (وجوب النّظر) أَي الْعلم بِوُجُوبِهِ (دور) أَي مُسْتَلْزم لَهُ (لتوقفه) أَي الْعلم بِالْوُجُوب (على معرفَة الله) تَعَالَى، لِأَن الْوُجُوب عبارَة عَن كَون الْفِعْل مُتَعَلق خطاب الله تَعَالَى اقْتِضَاء، فَمَا لم يعرف الله لم يعرف كَون النّظر مَطْلُوبا لله تَعَالَى لَازِما عَلَيْهِ يَتَرَتَّب على تَركه الْعقَاب، فمعرفة وجوب النّظر مَوْقُوف على معرفَة الله تَعَالَى، وَقد تقرر أَن معرفَة الله تَعَالَى مَوْقُوفَة على النّظر، وَلَا يخفى مَا فِيهِ، فَإِن مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ معرفَة الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ ذَات النّظر لَا الْعلم بِوُجُوبِهِ فَلَا دور: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مُرَادهم أَن الْعلم بِوُجُوب النّظر، إِذْ جعل عِلّة لصدور النّظر يلْزم الدّور، لِأَنَّهُ يلْزم تقدم الْعلم بِالْوُجُوب على معرفَة الله تَعَالَى لِأَن عِلّة الْعلَّة للشَّيْء عِلّة لذَلِك الشَّيْء، فَثَبت توقف معرفَة الله تَعَالَى على الْعلم بِوُجُوب النّظر أَيْضا فَتَأمل (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي الْعلم بِوُجُوب النّظر مَوْقُوف (على مَعْرفَته) تَعَالَى (بِوَجْه) مَا (وَالْمَوْقُوف على النّظر) الْمَوْقُوف على الْعلم بِوُجُوبِهِ (مَا) أَي معرفَة (بأتم) أَي بِوَجْه أتم (أَي الاتصاف) تَفْسِير للْوَجْه الأتم (بِمَا) أَي بِصِفَات صلَة للاتصاف (يجب لَهُ كالصفات الثَّمَانِية): الْحَيَاة، وَالْقُدْرَة، وَالْعلم، والإرادة، والسمع، وَالْبَصَر، وَالْكَلَام، والتكوين (وَمَا يمْتَنع عَلَيْهِ) من النقيصة والزوال، لَا يخفى بعده فَالْوَجْه أَن يُقَال: لَيْسَ مُرَاد الْمُجيب بالمعرفة بِوَجْه التَّصَوُّر بِوَجْه، بل مَعْرفَته تَعَالَى من حَيْثُ أَنه مَوْجُود طَالب من عباده النّظر، ليحصل الْعلم بِهِ وبصفاته علما تفصيليا على الْوَجْه الْمَعْرُوف فِي علم الْكَلَام. قَالَ (المانعون) من النّظر، النّظر (مَظَنَّة الْوُقُوع فِي الشّبَه) أَي مَحل ظن الْوُقُوع فِي احتمالات مُوجبَة لشكوك وأوهام مخلة بالتصديق الإيماني: وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ قَوْله (والضلال) فَإِن الشّبَه طَرِيق للضلال الَّذِي هُوَ ضد الْهِدَايَة والعقيدة الصَّحِيحَة، بِخِلَاف التَّقْلِيد فَإِنَّهُ طَرِيق آمن فَوَجَبَ احْتِيَاطًا، ولوجوب الِاحْتِرَاز عَن مَظَنَّة الضلال إِجْمَاعًا (قُلْنَا) إِنَّمَا يكون النّظر

مسئلة

مَمْنُوعًا (إِذا فعل غير الصَّحِيح الْمُكَلف بِهِ) من النّظر، يَعْنِي أَنه كلف بِالنّظرِ الصَّحِيح، وَهُوَ لَيْسَ بمظنة الْوُقُوع فِيهَا (وَأَيْضًا) إِذا أطلق حُرْمَة النّظر تحرم على كل وَاحِد (فَيحرم على الْمُقَلّد) بِفَتْح اللَّام (النَّاظر إِذْ لَا بُد من الِانْتِهَاء إِلَيْهِ) فَإِنَّهُ يلْزم عَلَيْكُم الِاعْتِرَاف بِأَن التَّقْلِيد يَنْتَهِي إِلَى مقلد علمه حَاصِل بطرِيق النّظر (وَإِلَّا لتسلسل) التَّقْلِيد إِلَى غير نِهَايَة ضَرُورَة أَن الْمُقَلّد لَا بُد لَهُ من مقلد (والانتهاء إِلَى الْمُؤَيد بِالْوَحْي وَالْأَخْذ عَنهُ لَيْسَ تقليدا) أَي الِانْتِهَاء إِلَيْهِ وَالْأَخْذ عَنهُ لَيْسَ على وَجه التَّقْلِيد (بل) على وَجه الِاسْتِدْلَال وَالنَّظَر لِأَن الْأَخْذ عَن الرَّسُول بقول مخبر صَادِق بِدلَالَة المعجزة الصادقة، وكل مَا أخبر بِهِ الرَّسُول الْمخبر الصَّادِق عَن الْمُرْسل صَادِق حق: وَهَذَا عين النّظر وَالِاسْتِدْلَال، وَلَيْسَ الْعلم الْحَاصِل للأخذ عَن الْمُؤَيد بِالْوَحْي علما تقليديا، بل هُوَ (علم نَظَرِي). مسئلة (غير الْمُجْتَهد الْمُطلق يلْزمه) عِنْد الْجُمْهُور (التَّقْلِيد وَإِن كَانَ مُجْتَهدا فِي بعض مسَائِل الْفِقْه أَو بعض الْعُلُوم) فِيهِ إِشَارَة إِلَى مَا سبق، من أَن الِاجْتِهَاد يجْرِي فِي غير الْفِقْه أَيْضا من العقليات وَغَيرهَا (كالفرائض) أَفَادَ أَن الْفَرَائِض لَيست من الْفِقْه لإدراجها فِيمَا جعل قسيما لَهُ. وَكَيف والمبحوث عَنهُ فِيهَا سِهَام الْمُسْتَحقّين وَمَا يتَعَلَّق بهَا. وَفِي الْفِقْه: أَفعَال الْمُكَلّفين، لَا يُقَال يُمكن إدراجها فِيهِ بِاعْتِبَار كَون الْعباد مكلفين بإيصال تِلْكَ السِّهَام إِلَى الْمُسْتَحقّين، لِأَنَّهُ تكلّف مُسْتَغْنى عَنهُ (على القَوْل بالتجزي) للِاجْتِهَاد: أَي يلْزمه التَّقْلِيد بِنَاء على القَوْل بِأَن الِاجْتِهَاد يتَجَزَّأ فَيجوز أَن يكون شخص مُجْتَهد فِي بعض الْمسَائِل دون بعض (وَهُوَ الْحق) أَي القَوْل بالتجزؤ هُوَ الْحق كَمَا سبق وَجهه، وَأَنه عَلَيْهِ الْأَكْثَر (فِيمَا لَا يقدر عَلَيْهِ) من الْأَحْكَام مُتَعَلق بالتقليد (ومطلقا) أَي وَيلْزمهُ التَّقْلِيد مُطلقًا فِيمَا يقدر عَلَيْهِ وَمَا لَا يقدر عَلَيْهِ من الْأَحْكَام بِنَاء (على نَفْيه) أَي نفي القَوْل بالتجزي (وَقيل) وَالْقَائِل بعض الْمُعْتَزلَة لُزُوم التَّقْلِيد (فِي) حق (الْعَالم) مَشْرُوط (بِشَرْط تَبْيِين صِحَة مُسْتَنده) فِيمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَبَيَّن لَهُ (لم يجز) لَهُ تَقْلِيده (لنا عُمُوم) قَوْله (فاسألوا) أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ (فِيمَن لَا يعلم) سَوَاء كَانَ عاميا صرفا أَو عَالما بِالْبَعْضِ دون الْبَعْض (وَفِيمَا لَا يعلم) من الْأَحْكَام سَوَاء كَانَ مَجْهُولا بالكيلة أَو من وَجه، وَلما لم تكن صِيغَة الْعُمُوم فِيهَا صرفا أَشَارَ إِلَى دَلِيل الْعُمُوم بقوله (لتَعَلُّقه) أَي الْأَمر بالسؤال (بعلة عدم الْعلم) إِضَافَة الْعلم إِلَى الْعَدَم بَيَانِيَّة، فَكلما تحقق عدم الْعلم تحقق وجوب السُّؤَال: وَهَذَا كَمَا يسْتَلْزم الْعُمُوم بِاعْتِبَار الْأَشْخَاص يستلزمه بِاعْتِبَار الْأَحْكَام كَمَا لَا يخفى، دَلِيل العلمية

كَمَال مناسبته للعلية مَعَ عدم مَا يصلح لَهَا سواهُ، وَأَن الْغَالِب فِي الشَّرْط النَّحْوِيّ السَّبَبِيَّة (وَأَيْضًا لم يزل المستفتون يتبعُون) الْمُفْتِينَ (بِلَا إبداء مُسْتَند) فِيمَا يفتون بِهِ (وَلَا نَكِير) عَلَيْهِم من أحد، فَكَانَ إِجْمَاعًا سكوتيا على جَوَاز اتِّبَاع الْعَالم من غير إبداء الْمُسْتَند (وَهَذَا) الْوَجْه (يتَوَقَّف) استلزامه عُمُوم الْجَوَاز (على ثُبُوته) أَي الاستفتاء (فِي الْعلمَاء المتأهلين) للِاجْتِهَاد (كَذَلِك) أَي بِلَا إبداء مُسْتَند لَهُم (قَالُوا) أَي الشارطون تَبْيِين صِحَة الْمُسْتَند (يُؤَدِّي) لُزُوم اتِّبَاع الْعَالم بِغَيْر تبينها (إِلَى وجوب اتِّبَاع الْخَطَأ) لِأَن المستفتى يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِمَا أفتى بِهِ الْمُفْتِي، وَعند عدم تَبْيِين صِحَة الْمُسْتَند قد يكون خطأ (قُلْنَا وَكَذَا) يُؤَدِّي إِلَى وجوب اتِّبَاع الْخَطَأ (لَو أبدى) صِحَة الْمُسْتَند، لِأَن مَا أبدا صِحَّته قد يكون خطأ أَيْضا لِأَن ظُهُور الصِّحَّة فِي نظرهما لَا يسْتَلْزم الصِّحَّة بِحَسب نفس الْأَمر (وَكَذَا) لُزُوم اتِّبَاع (الْمُفْتى نَفسه) أَي اجْتِهَاد نَفسه يُؤَدِّي إِلَى وجوب اتِّبَاع الْخَطَأ بِغَيْر مَا ذكر، وَكَذَا على نَفسه: وَهَذَا على تَقْدِير نصب نَفسه، وَأما على رَفعه كالمفتي وكالعالم المستفتى الْمُفْتى نَفسه فنفسه تَأْكِيد للمفتى (فَمَا هُوَ جوابكم) فِي الْخَلَاص عَن وجوب اتِّبَاع الْخَطَأ أَيهَا الشارطون فَهُوَ (جَوَابنَا) إِذا لم يبد صِحَة الْمُسْتَند (والحل) أَي حل الشُّبْهَة بِحَيْثُ ينْكَشف حَقِيقَة الْحَال أَن يُقَال: (الْوُجُوب لاتباع) (الظَّن) فِي حق الْمُجْتَهد ومقلده (أَو الحكم من حَيْثُ هُوَ مظنون) أَتَى بِكَلِمَة أَو للتسوية بَين التعبيرين، وَقد وَقع كلا التعبيرين فِي كَلَام الْقَوْم تَنْبِيها على أَن مآلهما وَاحِد وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى بل، كَقَوْلِه تَعَالَى - {مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} -: تَنْبِيها على أَن الَّذِي يجب اتِّبَاعه مَا هُوَ حكم الله تَعَالَى بِاعْتِبَار ظننا، وعَلى هَذَا يقدر قيد الْحَيْثِيَّة فِي جَانب الْمَعْطُوف عَلَيْهِ: أَي من حَيْثُ أَن مُتَعَلّقه حكم الله تَعَالَى وَالْحَاصِل أَن وجوب اتِّبَاع مَا هُوَ خطأ من كل وَجه مَحْذُور، بِخِلَاف مَا ظن كَونه حكم الله وَإِن كَانَ خطأ فِي نفس الْأَمر، فَإِنَّهُ لم يجب اتِّبَاعه من حَيْثُ أَنه خطأ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا من حَيْثُ هُوَ خطأ) فَإِنَّهُ الْمُمْتَنع (نعم لَو سَأَلَهُ) أَي المستفتى الْمُفْتى (عَن دَلِيله) أَي الحكم استرشادا للإذعان وَالْقَبُول لَا تعنتا (وَجب) على الْمُفْتِي (إبداؤه) أَي الدَّلِيل (فِي) القَوْل (الْمُخْتَار إِلَّا إِن) كَانَ دَلِيله (غامضا) أَي خفِيا (مَعَ قصوره) عَن فهمه، فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ إبداؤه حِينَئِذٍ، عَن الزَّرْكَشِيّ أَن مَا علم من الدّين بِالضَّرُورَةِ كالمتواتر لَا يجوز فِيهِ التَّقْلِيد لأحد، بل يجب عَلَيْهِ مَعْرفَته بدليله، فَإِنَّهُ لَا يشق مَعْرفَته على الْعَاميّ كالإيمان ثمَّ جُمْهُور الْعلمَاء على أَنه لَا يلْزم على الْمُقَلّد التمذهب بِمذهب وَالْأَخْذ بِرُخصِهِ وعزائمه وَقيل فِي الْتِزَام ذَلِك طَاعَة لغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل أمره وَنَهْيه، وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع.

انْعَقَد (الِاتِّفَاق على حل استفتاء من عرف) على صِيغَة الْمَجْهُول وَإِضَافَة الاستفتاء إِلَى الْمَوْصُول إِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول (من أهل الْعلم) بَيَان للموصول وَأهل الْعلم أَعم من الْمُجْتَهد لشُمُوله من حصل بعض الْعُلُوم وَلم يبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد (بِالِاجْتِهَادِ) مُتَعَلق بقوله عرف (وَالْعَدَالَة) مَعْطُوف على الِاجْتِهَاد ومعروفيته بهما إِمَّا بالشهرة أَو بالخبرة (أَو رَآهُ منتصبا) من نَصبه فانتصب: أَي رَفعه فارتفع، وَمِنْه المنصب لِأَنَّهُ سَبَب الِارْتفَاع، وَالْمعْنَى مرتفعا بَين النَّاس بِسَبَب كَونه ممتازا بَينهم فِي الْعلم (وَالنَّاس يستفتونه) حَال كَونهم (معظمين) لَهُ (وعَلى امْتِنَاعه) أَي الاستفتاء مَعْطُوف على حل الاستفتاء (إِن ظن) المستفتى (عدم أَحدهمَا) أَي الِاجْتِهَاد وَالْعَدَالَة فضلا عَن ظن عدمهما فالصورتان كِلَاهُمَا مَحل الِاتِّفَاق (فَإِن جهل اجْتِهَاده دون عَدَالَته فالمختار منع استفتائه) وَنقل فِي الْمَحْصُول الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَغير الْمُخْتَار جَوَاز استفتائه (لنا) فِي الْمُخْتَار (الِاجْتِهَاد شَرط) فِي الْإِفْتَاء وَقبُول فتواه (فَلَا بُد من ثُبُوته عِنْد السَّائِل وَلَو) كَانَ الثُّبُوت (ظنا) أَي ظنيا (لم يثبت) والمشروط ينتفى بِانْتِفَاء الشَّرْط (وَأَيْضًا ثَبت عَدمه) أَي عدم الِاجْتِهَاد (إِلْحَاقًا) لعدمه فِي الْحَال (بِالْأَصْلِ) أَي بِعَدَمِهِ الْأَصْلِيّ فَإِن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْعَدَم والوجود طَارِئ (كالراوي) الْمَجْهُول الْعَدَالَة لَا تقبل رِوَايَته إِلْحَاقًا لَهُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عدم الْعَدَالَة (أَو بالغالب) فِي أهل الْعلم مَعْطُوف على قَوْله بِالْأَصْلِ (إِذْ أَكثر الْعلمَاء بِبَعْض الْعُلُوم) الْجَار مُتَعَلق بالعلماء (الَّتِي لَهَا دخل فِي الِاجْتِهَاد غير مجتهدين) خبر أَكثر الْعلمَاء (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الِامْتِنَاع (لَو امْتنع) الاستفتاء فِيمَن جهل اجْتِهَاده دون عَدَالَته (امْتنع فِيمَن علم اجْتِهَاده دون عَدَالَته) بِمثل مَا ذكرْتُمْ من اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَإِن الأَصْل عدمهَا وَالْأَكْثَر فِي الْمُجْتَهدين عدمهَا (أُجِيب بالتزامه) أَي الِامْتِنَاع فِي هَذَا أَيْضا (لاحْتِمَال الْكَذِب) تَعْلِيل لالتزام امْتنَاع الاستفتاء فِي الْمَجْهُول عَدَالَته، فَإِن الْكَذِب فِي الْمُجْتَهد غير نَادِر وَإِن كَانَ غَيره من الفسوق فِيهِ نَادرا (وَلَو سلم عدم امْتِنَاعه وَهُوَ) أَي الاستفتاء فِي مَجْهُول الْعَدَالَة (الْحق، فَالْفرق) بَين مَجْهُول الِاجْتِهَاد ومجهول الْعَدَالَة (أَن الْغَالِب فِي الْمُجْتَهدين الْعَدَالَة، فالإلحاق) أَي إِلْحَاق مَجْهُول الْعَدَالَة (بِهِ) أَي بالغالب فِي الْمُجْتَهدين (أرجح مِنْهُ) أَي من الْإِلْحَاق (بِالْأَصْلِ) فالجار مُتَعَلق بالضمير بِاعْتِبَار رُجُوعه إِلَى الْمصدر توسعة فِي الظروف: يَعْنِي أَن إِلْحَاق مَجْهُول الْعَدَالَة لغالب الْمُجْتَهدين أرجح عقلا وَشرعا من الْإِلْحَاق بِمَا هُوَ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء وَهُوَ الْعَدَم، لِأَن الِاسْتِصْحَاب دَلِيل ضَعِيف (بِخِلَاف الِاجْتِهَاد) إِذْ (لَيْسَ) الِاجْتِهَاد (غَالِبا فِي أهل الْعلم فِي الْجُمْلَة) أَي أهل الْعلم بِبَعْض الْعُلُوم، وَشرط الاسفراينى تَوَاتر الْخَبَر بِكَوْنِهِ مُجْتَهدا ورده الْغَزالِيّ بِأَن التَّوَاتُر

مسئلة

يُفِيد فِي المحسوسات وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا، ويكفى الاستفاضة بَين النَّاس، وَقَالَ القَاضِي يَكْفِيهِ أَن يُخبرهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ مفت، وَجزم أَبُو إِسْحَاق الاسفراينى بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ خبر الْوَاحِد الْعدْل عَن فقهه وأمانته لِأَن طَرِيقه طَرِيق الْإِخْبَار، وَالْمُخْتَار فِي الْفتيا الِاعْتِمَاد على قَوْله إِنِّي مفت بِشَرْط ظُهُور ورعه، قيل وَهَذَا أصح الْمذَاهب، وَقيل غير ذَلِك. مسئلة (إِفْتَاء غير الْمُجْتَهد بِمذهب مُجْتَهد) أَي بِمَا ذهب إِلَيْهِ مُجْتَهد (تخريجا) نصب على الْمصدر أَي إِفْتَاء تَخْرِيج بِأَن لَا يكون الْمُفْتى بِهِ مَنْصُوصا لصَاحب الْمَذْهَب، لَكِن الْمُفْتى أخرجه من أُصُوله كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لَا نقل عينه) مَعْطُوف على تخريجا: أَي لَا يكون الْإِفْتَاء بِنَقْل عين مَا ذهب إِلَيْهِ (فَإِنَّهُ) أَي نقل الْعين (يقبل بشرائط) قبُول رِوَايَة (الرَّاوِي) من الْعَدَالَة وَغَيرهَا اتِّفَاقًا وَهَذَا اعْتِرَاض بَين مَوْضُوع المسئلة وجوابها وَهُوَ (إِن كَانَ) غير الْمُجْتَهد (مطلعا على مبانيه) أَي مَأْخَذ مَذْهَب الْمُجْتَهد (أَهلا) للتخريج ولمعرفة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ (جَازَ) الْإِفْتَاء جَزَاء الشَّرْط وَالْمَجْمُوع خبر الْمُبْتَدَأ وَهَذَا هُوَ الْمُسَمّى بالمجتهد فِي الْمَذْهَب (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن غير الْمُجْتَهد كَذَلِك (لَا) يجوز إفتاؤه تخريجا، وَفِي شرح البديع للهندي وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد كثير من الْمُحَقِّقين من أَصْحَابنَا وَغَيرهم، فَإِنَّهُ نقل عَن أبي يُوسُف وَزفر وَغَيرهمَا من أَئِمَّتنَا أَنه لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي بقولنَا مَا لم يعلم من أَيْن قُلْنَا، وَعبارَة بَعضهم من حفظ الْأَقَاوِيل وَلم يعرف الْحجَج فَلَا يحل لَهُ أَن يُفْتِي فِيمَا اخْتلف فِيهِ وَلَا يخفى أَن هَذَا مُخَالف لما سبق من قَوْله لَا نقل عينه فَإِنَّهُ يقبل بشرائط الرَّاوِي، فَإِن مُقْتَضَاهُ جَوَاز الْإِفْتَاء بِغَيْر معرفَة الْحجَج، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن ذَلِك لَا يُسمى فِي عرفهم إِفْتَاء (وَقيل) جَازَ إِفْتَاء غير الْمُجْتَهد بِمذهب مُجْتَهد (بِشَرْط عدم مُجْتَهد) فِي تِلْكَ النَّاحِيَة وَلَا يخفى أَن مُقْتَضى السِّيَاق جَوَاز إفتائه تخريجا وَجَوَاز هَذَا مَعَ فرض عدم الِاطِّلَاع على المباني فِي غَايَة الْبعد، وَلَعَلَّ قَوْله (واستغرب) يكون إِشَارَة إِلَيْهِ، وَقيل المستغرب الْوُلَاة، وَأَيْضًا إِن كَانَ الِاطِّلَاع على المباني مَوْجُودا فَلَا يضر وجود الْمُجْتَهد وَإِلَّا فَلَا يَقع عَدمه فَتَأمل (وَقيل يجوز) إِفْتَاء غير الْمُجْتَهد بِمذهب الْمُجْتَهد (مُطلقًا) سَوَاء كَانَ مطلعا على المأخذ أم لَا، عدم الْمُجْتَهد أَولا، (و) قيل، اخْتَارَهُ كثير (هُوَ) أَي هَذَا القَوْل (خليق) أَي جدير (بِالنَّفْيِ) أَي بِنَفْي الصِّحَّة إِن حمل على ظَاهره، وَنفي كَونه قولا رَابِعا إِن حمل على خلاف الظَّاهِر كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وسيظهر) كَونه خليقا بِالنَّفْيِ. وَقَالَ (أَبُو الْحُسَيْن لَا) يجوز إِفْتَاء غير الْمُجْتَهد (مُطلقًا) بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور فِيهِ، قيل وَبِه قَالَ القَاضِي من الْحَنَابِلَة وَالرُّويَانِيّ من الشَّافِعِيَّة، وروى عَن أَحْمد (لنا وُقُوعه) أَي إِفْتَاء غير الْمُجْتَهد بِمذهب الْمُجْتَهد (بِلَا نَكِير) فَكَانَ إِجْمَاعًا على جَوَاز إِفْتَاء غير

الْمُجْتَهد الْمُطلق إِذا كَانَ مُجْتَهدا فِي الْمَذْهَب (وينكر) أَي الْإِفْتَاء تخريجا (من غَيره) أَي غير الْأَهْل المطلع على المباني (فَإِن قيل إِذا فرض عدم الْمُجْتَهدين) فِي حَال عدم الْإِنْكَار (فعدمه) أَي الْإِنْكَار وَوُجُود الِاتِّفَاق (من غير أهل الْإِجْمَاع لَيْسَ حجَّة، فَالْوَجْه كَونه) أَي جَوَاز الْإِفْتَاء (للضَّرُورَة) لحَاجَة النَّاس وَعدم الْمُجْتَهد (إِذن) أَي إِن لم يُوجد الْمُجْتَهد (قُلْنَا إِنَّمَا يلْزم) وجود الِاتِّفَاق من غير أهل الْإِجْمَاع (لَو منع الِاجْتِهَاد فِي مسئلة) أَي لَو منع تجزى الِاجْتِهَاد والمفروض أَن الْمُفْتِي لَا بُد أَن يكون مُجْتَهدا فِي الْمَذْهَب وَمثله قَادر على الِاجْتِهَاد فِي مسئلة (وَهُوَ) أَي منع تجزى الِاجْتِهَاد (مَمْنُوع) فالمتفقون على جَوَاز الْإِفْتَاء مجتهدون فِي هَذِه الْمَسْأَلَة (فكلاهما) أَي الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاع، وَالِاسْتِدْلَال بِالضَّرُورَةِ (حق، وَبِهَذَا) الْجَواب الَّذِي حَاصله اخْتِيَار تجزى الِاجْتِهَاد الْمُصَحح لكَون الْمُجْتَهدين فِي الْمَذْهَب أَهلا للْإِجْمَاع المستلزم كَون اتِّفَاقهم إِجْمَاعًا (يدْفع دَفعه) مَرْفُوع بيدفع، وَالضَّمِير الْمَجْرُور رَاجع للاعتراض المجاب عَنهُ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُور (لدَلِيل تَقْلِيد الْمَيِّت) اللَّام مُتَعَلق بقوله دَفعه، يعْنى أَن الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور قد كَانَ دافعا لدَلِيل قَول مُخْتَار فَالْجَوَاب الْمَذْكُور كَمَا يدْفع نفس الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور كَذَلِك يدْفع دَفعه، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله (وَهُوَ) أَي جَوَاز تَقْلِيد الْمَيِّت (الْمُخْتَار) من الْقَوْلَيْنِ (وَهُوَ) أَي دَلِيل تَقْلِيد الْمَيِّت (أَنه) أَي جَوَاز تَقْلِيده (إِجْمَاع) أَي جمع عَلَيْهِ لوُقُوعه فِي ممر الْأَعْصَار من غير نَكِير (فَلَا يُعَارضهُ) أَي هَذَا الدَّلِيل (قَوْلهم) أَي مانعي تَقْلِيده كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ (لَا قَول لَهُ) أَي للْمَيت (وَإِلَّا) لَو كَانَ لَهُ قَول بَاقٍ بعده (لم ينْعَقد الْإِجْمَاع على خِلَافه) أَي خلاف قَول الْمَيِّت (كالحي) أَي كَمَا لَا ينْعَقد الْإِجْمَاع على خلاف قَول الْحَيّ. والتالي بَاطِل، وَلذَا قُلْتُمْ إِن الْإِجْمَاع الْمُتَأَخر يرفع الْخلاف الْمُتَقَدّم وَإِنَّمَا قُلْنَا فَلَا يُعَارضهُ الخ، لِأَن الْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة، وَقَوْلهمْ لَا قَول الْمَيِّت الخ اسْتِدْلَال ضَعِيف لِأَن عدم مانعية قَول لمَيت انْعِقَاد الْإِجْمَاع لَا يسْتَلْزم أَن لَا يكون مثل قَول الْحَيّ فِي جَوَاز الْإِفْتَاء بِهِ عِنْد عدم الْإِجْمَاع على خِلَافه لِأَن مانعية الْحَيّ انْعِقَاد الْإِجْمَاع لَيْسَ لذاته بل لوُجُود قَائِله، فَإِن اجْتِمَاع الْأمة عبارَة عَن اتِّفَاق الْعلمَاء الْأَحْيَاء كلهم فَلَا ينْعَقد مَعَ خُرُوج عَالم حَيّ عَنهُ، وَوجه دفع الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور دَلِيل الْمَيِّت منع أَهْلِيَّة المتفقين للْإِجْمَاع لعدم كَونهم مجتهدين وَحَيْثُ انْدفع الِاعْتِرَاض انْدفع دَفعه أَيْضا قَالَ (المجوز) للإفتاء مُطلقًا من غير تَقْيِيد باطلاع المباني: الْمُفْتِي (ناقل) كَلَام الْمُجْتَهد فَلَا فرق بَين الْعَالم وَغَيره كَمَا لَا يشْتَرط الْعلم فِي رِوَايَة الحَدِيث (أُجِيب) عَنهُ بِأَنَّهُ (لَيْسَ الْخلاف فِي النَّقْل) أَي فِي الْإِفْتَاء بطرِيق النَّقْل (بل فِي) الْإِفْتَاء بطرِيق (التَّخْرِيج) والاستنباط من الْأُصُول على مَا ذكر (وَإِذن) أَي وَإِذا عرفت أَن إِطْلَاق المجوز مَبْنِيّ على الْغَلَط (سقط هَذَا القَوْل) عَن دَرَجَة الِاعْتِبَار (لظُهُور أَن مُرَاده) وَهُوَ عُمُوم جَوَاز النَّقْل للْعَالم وَغَيره (اتِّفَاق) أَي مُتَّفق عَلَيْهِ (فَهِيَ) أَي هَذِه الْأَقْوَال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة (ثَلَاثَة) لَا أَرْبَعَة: جَوَاز

مسئلة

الْإِفْتَاء، وتخريجا بِشَرْط الإطلاع، أَو بِشَرْط عدم الْمُجْتَهد، وَعدم الْجَوَاز مُطلقًا لَو جَازَ الْإِفْتَاء تخريجا بِشَرْط الِاطِّلَاع. قَالَ (أَبُو الْحُسَيْن) فِي عدم الْجَوَاز مُطلقًا (لَو جَازَ) الْإِفْتَاء للْعَالم (لجَاز للعاميّ) بِجَامِع عدم الْبلُوغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد (وَمَا أبعده) مُبَالغَة فِي التَّعَجُّب من بعده عَن الصَّوَاب، حَيْثُ سوى بَين الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ وَعَن الْمَعْقُول حَيْثُ لم يفرق بَينهمَا. (وَالْفرق) بَينهمَا فِي الوضوح (كَالشَّمْسِ) وَفِي شرح الْهِدَايَة للْمُصَنف قد اسْتَقر رَأْي الْأُصُولِيِّينَ على أَن الْمُفْتِي هُوَ الْمُجْتَهد، فَأَما غير الْمُجْتَهد مِمَّن يحفظ أَقْوَال الْمُجْتَهد فَلَيْسَ بمفت، وَالْوَاجِب عَلَيْهِ إِذا سُئِلَ أَن يذكر قَول الْمُجْتَهد على جِهَة الْحِكَايَة فَعرف أَن مَا يكون من فَتْوَى الْمَوْجُودين لَيْسَ بفتوى بل هُوَ نقل كَلَام الْمُفْتِي ليَأْخُذ بِهِ المستفتي وَلَا بُد لَهُ من أحد الْأَمريْنِ: إِمَّا أَن يكون لَهُ سَنَد فِيهِ إِلَيْهِ أَو يَأْخُذهُ من كتاب مَعْرُوف متداول ككتب مُحَمَّد بن الْحسن وَنَحْوهَا من الْكتب الْمَشْهُورَة للمجتهدين لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْخَبَر الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور وَكَذَا ذكر الرَّازِيّ، فعلى هَذَا الْوَجْه فِي بعض الْكتب النَّوَادِر فِي زَمَاننَا لَا يَصح عزو مَا فِيهَا إِلَى مُحَمَّد وَلَا إِلَى أبي يُوسُف لعدم الشُّهْرَة والتداول، نعم إِذْ وجد النَّقْل عَن النَّوَادِر فِي كتاب مَشْهُور كالهداية والمبسوط كَانَ ذَلِك تعويلا على ذَلِك الْكتاب انْتهى. وَالْمُخْتَار أَن الرَّاوِي عَن الْأَئِمَّة إِذا كَانَ عدلا فهم كَلَام الإِمَام، ثمَّ حكى للمقلد قَوْله فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ، وَقيل الصَّوَاب أَنه إِذا وجد عَالم لَا يحل الاستفتاء من غَيره وَإِن لم يكن فِي بَلَده أَو ناحيته. إِلَّا من لم يبلغ دَرَجَة أهل الْعلم، فَلَا ريب أَن رُجُوعه إِلَيْهِ أولى من الْإِقْدَام على الْعَمَل بِلَا علم والبقاء فِي الْحيرَة والعمى والجهالة. مسئلة (يجوز تَقْلِيد الْمَفْضُول مَعَ وجود الْأَفْضَل) عِنْد أَكثر الْحَنَابِلَة كَالْقَاضِي وَأبي الْخطاب وَصَاحب الرَّوْضَة، وَقَالَ الْحَنَفِيَّة والمالكية وَأكْثر الشَّافِعِيَّة (وَأحمد، وَطَائِفَة كَثِيرَة من الْفُقَهَاء) متفقون (على الْمَنْع) كَابْن سُرَيج والقفال والمروزي وَابْن السَّمْعَانِيّ وَالْخلاف فِي الْقطر الْوَاحِد إِذْ لَا خلاف فِي أَنه لَا يجب عَلَيْهِ تَقْلِيد أفضل أهل الدُّنْيَا، كَذَا ذكره الزَّرْكَشِيّ فِي شَرحه، وَفِي رِوَايَة أَحْمد مَعَ الْجُمْهُور (للْأولِ) أَي مجيزي تَقْلِيد الْمَفْضُول مَعَ وجود الْأَفْضَل (الْقطع باستفتاء كل صَحَابِيّ مفضول) مَعَ وجود الْأَفْضَل (بِلَا نَكِير على المستفتى) فَكَانَ إِجْمَاعًا من الصَّحَابَة على جَوَاز تَقْلِيد الْمَفْضُول مَعَ وجود الْأَفْضَل (وَهُوَ) أَي الدَّلِيل الْمَذْكُور فِي استلزامه للْمُدَّعِي (مُتَوَقف على كَونه) أَي التَّقْلِيد الْمَذْكُور الْوَاقِع فِي زمن الصَّحَابَة (كَانَ عِنْد مُخَالفَته) أَي الْمَفْضُول (للْكُلّ) أَي لكل من لَا يُوجد أفضل مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَو فرض مُوَافَقَته مَعَ بعض من يُوجد أفضل عَنهُ فِي ذَلِك الْقطر لجَاز أَن يكون عدم الْإِنْكَار عَلَيْهِ بِاعْتِبَار تِلْكَ الْمُوَافقَة (فَإِنَّهُ) أَي كَون

تَقْلِيد الْمَفْضُول فِي ذَلِك الزَّمَان: أَي عِنْد مُخَالفَته للْكُلّ (من صورها) أَي من صور مسئلة جَوَاز تَقْلِيد الْمَفْضُول، فَإِذا انْعَقَد الْإِجْمَاع على هَذِه الصُّورَة يلْزم انْعِقَاده على جَمِيع الصُّور بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن تَقْلِيد الْمَفْضُول فِي زمانهم عِنْد مُخَالفَته للْكُلّ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يثبت جَمِيع صور هَذِه المسئلة وَثُبُوت هَذَا صَعب. (وَاسْتدلَّ) للْأولِ (بتعذر التَّرْجِيح للعامي) اللَّام مُتَعَلق بالتعذر يَعْنِي لَو منع عَن تَقْلِيد الْمَفْضُول لزم على المستفتى معرفَة من هُوَ فِي الْعلم أرجح، وَهَذَا معنى التَّرْجِيح وَالتَّرْجِيح مُتَعَذر فِي حق الْعَاميّ فَيلْزم فِي حَقه الْحَرج، وَلَا حرج فِي الدّين فَإِن قلت هَذَا يُفِيد الْجَوَاز فِي حق الْعَاميّ لَا فِي حق غَيره، وَجَوَاز تَقْلِيد الْمَفْضُول يعم الْكل قلت يجوز أَن يكون مُرَادهم من اطلاق تَجْوِيز تَقْلِيد الْمَفْضُول تَقْلِيد الْعَاميّ. وَأما غير الْعَاميّ فَلَا يجوز لَهُ ذَلِك، وَيُؤَيّد تَقْيِيد تعذر التَّرْجِيح بالعامي لَكِن الْأَوْجه أَن يكون غير الْعَاميّ مثله فِي هَذَا التجويز لِأَن مَعْرفَته أقل مَرَاتِب على من هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِي الْعلم فيتعذر، وَالتَّرْجِيح فرع ذَلِك، كَيفَ والأعلم أحَاط بِمَا لم يحط بِهِ غَيره، وَمن الْجَائِز أَنه إِذا بلغ مبلغه انْقَلب رَأْيه فَلَا عِبْرَة بترجيحه، وَيُؤَيّد مَا قُلْنَا مَا نقل من أَن الْمُخْتَار عِنْد ابْن الْحَاجِب أَنه كالعامي الصّرْف لعَجزه عَن الِاجْتِهَاد على مَا ذكر فِي مسئلة لُزُوم التَّقْلِيد لغير الْمُجْتَهد (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي التَّرْجِيح غير مُتَعَذر من الْعَاميّ بل يظْهر لَهُ (بِالتَّسَامُعِ) من النَّاس وبرجوع الْعلمَاء إِلَيْهِ وَعدم رُجُوعه إِلَيْهِم وَكَثْرَة المستفتين. قَالَ (المانعون) من تَقْلِيد الْمَفْضُول (أَقْوَالهم) أَي الْمُجْتَهدين بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُقَلّد (كالأدلة للمجتهد) أَي كالأدلة المتعارضة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُجْتَهد، فَاللَّام فِي قَوْله للمجتهد لاخْتِصَاص الْأَدِلَّة بِهِ، فَلَا يجوز للمقلد الْعَمَل بِأحد الْأَقْوَال بِدُونِ التَّرْجِيح كَمَا لَا يجوز للمجتهد الْعَمَل بِأحد الْأَدِلَّة دون التَّرْجِيح (فَيجب) على الْمُقَلّد (التَّرْجِيح) أَي تَرْجِيح من يُرِيد تَقْلِيده على غَيره من الْمُجْتَهدين. (أُجِيب) بِأَن هَذَا قِيَاس (لَا يُقَاوم مَا ذكرنَا) من الْإِجْمَاع لتقدم الْإِجْمَاع على الْقيَاس إِجْمَاعًا (وَعلمت مَا فِيهِ) أَي فِيمَا ذكرنَا من أَنه يتَوَقَّف على كَونه إِلَى آخِره (وبعسره) مَعْطُوف على جَار ومجرور مُقَدّر صلَة لأجيب وَالتَّقْدِير وَأجِيب بعسر التَّرْجِيح (على الْعَاميّ) بِخِلَاف الْمُجْتَهد فَإِنَّهُ لَا يعسر عَلَيْهِ التَّرْجِيح بَين الْأَدِلَّة (وَلَا يخفى أَنه) أَي التَّرْجِيح (إِذا كَانَ بِالتَّسَامُعِ لَا عسر عَلَيْهِ) أَي على الْعَاميّ (وَكَون الِاجْتِهَاد) مُطلقًا هُوَ (المناط) لجَوَاز التَّقْلِيد لَا بِشَرْط شَيْء، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا يُقيد) أَي لَا يُقيد بِقَيْد، وَالْجُمْلَة حَال عَن الِاجْتِهَاد فَلَا يتَوَقَّف الْجَوَاز إِلَّا على الِاجْتِهَاد فمهما تحقق الِاجْتِهَاد جَازَ التَّقْلِيد (لنا مَنعه) خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي الْكَوْن الْمُضَاف، والعائد الضَّمِير الْمَجْرُور، يَعْنِي لَا نسم ترَتّب جَوَاز التَّقْلِيد على مُجَرّد الِاجْتِهَاد فِي جَمِيع الصُّور، لأَنا نمْنَع ترتبه عَلَيْهِ (عِنْد مُخَالفَة) الْمُجْتَهد (الْمَفْضُول الْكل) أَي كل من أفضل مِنْهُ، فَعلم أَن

مسئلة

مناطا مَشْرُوط بِشَرْط ومقيد بِقَيْد، وَهُوَ أَن لَا يُوجد أفضل مِنْهُ فِي ظَنّه ظنا مَبْنِيا على دَلِيل مُعْتَبر شرعا: نقل الرَّافِعِيّ عَن الْغَزالِيّ لَو اعْتقد أَن أحدهم أفضل لَا يجوز تَقْلِيده لغيره، وَإِن لم يجب عَلَيْهِ الْبَحْث عَن الأعلم إِذا لم يعْتَقد فِي أحدهم زِيَادَة علم، كَذَا نقل عَن ابْن الصّلاح وَإِن، ترجح أَحدهمَا فِي الْعلم وَالْآخر فِي الْوَرع، فالأرجح على مَا ذكره الرَّازِيّ والسبكي الْأَخْذ بقول الأعلم، وَقيل بقول الأورع. وَفِي بَحر الزَّرْكَشِيّ يقدم الأسن. مسئلة (لَا يرجع الْمُقَلّد فِيمَا قلد فِيهِ) من الْأَحْكَام أحدا من الْمُجْتَهدين (أَي عمل بِهِ) تَفْسِير لقلد، وَالضَّمِير الْمَجْرُور رَاجع إِلَى الْمَوْصُول (اتِّفَاقًا) نقل الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب الْإِجْمَاع على عدم جَوَاز رُجُوع الْمُقَلّد فِيمَا قلد بِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: لَيْسَ كَمَا قَالَا، فَفِي كَلَام غَيرهمَا مَا يَقْتَضِي جَرَيَان الْخلاف بعد الْعَمَل أَيْضا (وَهل يُقَلّد غَيره) أَي غير من قَلّدهُ أَو لَا (فِي) حكم (غَيره) أَي غير الحكم الَّذِي عمل بِهِ أَو لَا (الْمُخْتَار) فِي الْجَواب (نعم) يُقَلّد غَيره فِي غَيره، تَقْدِير الْكَلَام الْمُخْتَار جَوَاز التَّقْلِيد لغيره فِي غَيره (للْقطع) بالاستقراء (بِأَنَّهُم) أَي المستفتين فِي كل عصر من زمن الصَّحَابَة (كَانُوا يستفتون مرّة وَاحِدًا) من الْمُجْتَهدين (وَمرَّة غَيره) أَي غير الْمُجْتَهد الأول حَال كَونهم (غير ملتزمين مفتيا وَاحِدًا) وشاع ذَلِك من غير نَكِير: وَهَذَا إِذا لم يلْتَزم مذهبا معينا (فَلَو الْتزم مذهبا معينا كَأبي حنيفَة أَو الشَّافِعِي) فَهَل يلْزم الِاسْتِمْرَار عَلَيْهِ فَلَا يُقَلّد غَيره فِي مسئلة من الْمسَائِل أم لَا؟ (فَقيل يلْزم) كَمَا يلْزمه الِاسْتِمْرَار فِي حكم حَادِثَة مُعينَة قلد فِيهِ، وَلِأَنَّهُ اعْتقد أَن مذْهبه حق فَيجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِمُوجب اعْتِقَاده (وَقيل لَا) يلْزم وَهُوَ الْأَصَح، لِأَن الْتِزَامه غير مُلْزم إِذْ لَا وَاجِب إِلَّا مَا أوجبه الله وَرَسُوله، وَلم يُوجب على أحد أَن يتمذهب بِمذهب رجل من الْأمة فيقلده فِي كل مَا يَأْتِي ويذر دون غَيره، والتزامه لَيْسَ بِنذر حَتَّى يجب الْوَفَاء بِهِ. وَقَالَ ابْن خرم: أَنه لَا يحل لحَاكم وَلَا مفت تَقْلِيد رجل فَلَا يحكم وَلَا يُفْتِي إِلَّا بقوله، بل قيل لَا يَصح للعامي مَذْهَب، لِأَن الْمَذْهَب إِنَّمَا يكون لمن لَهُ نوع نظر وبصيرة بالمذاهب، أَو لمن قَرَأَ كتابا فِي فروع مَذْهَب وَعرف فَتَاوَى إِمَامه وأقواله، وَإِلَّا فَمن لم يتأهل لذَلِك، بل قَالَ: أَنا حَنَفِيّ أَو شَافِعِيّ لم يصر من أهل ذَلِك الْمَذْهَب بِمُجَرَّد هَذَا، بل لَو قَالَ: أَنا فَقِيه أَو نحوي لم يصر فَقِيها أَو نحويا. وَقَالَ الإِمَام صَلَاح الدّين العلائي: وَالَّذِي صرح بِهِ الْفُقَهَاء مَشْهُور فِي كتبهمْ جَوَاز الِانْتِقَال فِي آحَاد الْمسَائِل وَالْعَمَل فِيهَا، بِخِلَاف مذْهبه إِذا لم يكن على وَجه التتبع للرخص (وَقيل) الْمُلْتَزم (كمن لم يلْتَزم) بِمَعْنى (إِن عمل بِحكم تقليدا) لمجتهد (لَا يرجع عَنهُ) أَي عَن ذَلِك الحكم (وَفِي غَيره) أَي غير ذَلِك الحكم (لَهُ تَقْلِيد غَيره)

من الْمُجْتَهدين. قَالَ المُصَنّف: وَهَذَا القَوْل فِي الْحَقِيقَة تَفْصِيل لقَوْله، وَقيل لَا. قَالَ المُصَنّف (وَهُوَ) يَعْنِي هَذَا القَوْل (الْغَالِب على الظَّن) كِنَايَة عَن كَمَال قوته بِحَيْثُ جعل الظَّن مُتَعَلقا بِنَفسِهِ فَلَا يتَعَلَّق بِمَا يُخَالِفهُ، ثمَّ بَين وَجه غلبته بقوله (لعدم مَا يُوجِبهُ) أَي لُزُوم اتِّبَاع من الْتزم تَقْلِيده (شرعا) أَي إِيجَابا شَرْعِيًّا، إِذْ لَا يجب على الْمُقَلّد إِلَّا اتِّبَاع أهل الْعلم لقَوْله تَعَالَى - {فاسئلوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} -: فَلَيْسَ الْتِزَامه من الموجبات شرعا (وَيتَخَرَّج) أَي يستنبط (مِنْهُ) أَي من جَوَاز اتِّبَاع غير مقلده الأول وَعدم التَّضْيِيق عَلَيْهِ (جَوَاز اتِّبَاعه رخص الْمذَاهب) أَي أَخذه من الْمذَاهب مَا هُوَ الأهون عَلَيْهِ فِيمَا يَقع من الْمسَائِل (وَلَا يمْنَع مِنْهُ مَانع شَرْعِي، إِذْ للْإنْسَان أَن يسْلك) المسلك (الأخف عَلَيْهِ إِذا كَانَ لَهُ) أَي للْإنْسَان (إِلَيْهِ) أَي ذَلِك المسلك الأخف (سَبِيل). ثمَّ بَين السَّبِيل بقوله (بِأَن لم يكن عمل بآخر) أَي بقول آخر مُخَالف لذَلِك الأخف (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْمحل الْمُخْتَلف فِيهِ (وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب مَا خفف عَلَيْهِم). فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بِلَفْظ عَنْهُم، وَفِي رِوَايَة بِلَفْظ مَا يُخَفف عَنْهُم: أَي أمته، وَذكروا عدَّة أَحَادِيث صَحِيحَة دَالَّة على هَذَا الْمَعْنى. وَمَا نقل عَن ابْن عبد الْبر: من أَنه لَا يجوز للعامي تتبع الرُّخص إِجْمَاعًا، فَلَا نسلم صِحَة النَّقْل عَنهُ، وَلَو سلم فَلَا نسلم صِحَة دَعْوَى الْإِجْمَاع، كَيفَ وَفِي تفسيق المتتبع للرخص رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد، وَحمل القَاضِي أَبُو يعلى الرِّوَايَة المفسقة على غير متأول وَلَا مقلد (وَقَيده) أَي جَوَاز تَقْلِيد غير مقلده (مُتَأَخّر) وَهُوَ الْعَلامَة الْقَرَافِيّ (بِأَن لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ) أَي على تَقْلِيد الْغَيْر (مَا يمنعانه) بإيقاع الْفِعْل على وَجه يحكم بِبُطْلَانِهِ المجتهدان مَعًا لمُخَالفَته الأول فِيمَا قلد فِيهِ غَيره، وَالثَّانِي فِي شَيْء فِيمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة ذَلِك الْعَمَل عِنْده، فالموصول عبارَة عَن إِيقَاع الْفِعْل على الْوَجْه الْمَذْكُور، وَالضَّمِير الْمَفْعُول للموصول. ثمَّ أَشَارَ إِلَى تَصْوِير هَذَا التفسيق بقوله (فَمن قلد الشَّافِعِي فِي عدم) فَرضِيَّة (الدَّلْك) للأعضاء المغسولة فِي الْوضُوء وَالْغسْل (و) قلد (مَالِكًا فِي عدم نقض اللَّمْس بِلَا شَهْوَة) للْوُضُوء (وَصلى إِن كَانَ الْوضُوء بذلك صحت) صلَاته عِنْد مَالك (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن بدلك (بطلت عِنْدهمَا) أَي مَالك وَالشَّافِعِيّ وَلَا يخفى أَنه كَانَ مُقْتَضى السِّيَاق أَن تدلك بطلت عِنْدهمَا من غير الشَّرْط وَالْجَزَاء، لِأَنَّهُ قد علم من التقليدين أَن الْمُقَلّد الْمَذْكُور ترك الدَّلْك ولمس بِلَا شَهْوَة وَلم يعد الْوضُوء، لكنه أَرَادَ أَن يُقَلّد الشَّافِعِي فِي عدم فَرِيضَة الدَّلْك لَو وَقع مِنْهُ الدَّلْك مَعَ عدم اعْتِقَاد فريضته تصح صلَاته عِنْد مَالك فَإِن قلت على هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر شَرْطِيَّة أُخْرَى فِي تَقْلِيد مَالك قلت: اكْتفى بذلك لِأَنَّهُ يعلم بالمقايسة وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن بطلَان الصُّورَة الْمَذْكُورَة عِنْدهمَا غير مُسلم فَإِن مَالِكًا مثلا لم يقل

تكملة

أَن من قلد الشَّافِعِي فِي عدم الصَدَاق أَن نِكَاحه بَاطِل، وَلم يقل الشَّافِعِي أَن من قلد مَالِكًا فِي عدم الشُّهُود أَن نِكَاحه بَاطِل انْتهى وَأورد عَلَيْهِ أَن عدم قَوْلهمَا بِالْبُطْلَانِ فِي حق من قلد أَحدهمَا وراعى مذْهبه فِي جَمِيع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة الْعَمَل، وَمَا نَحن فِيهِ من قلدهما وَخَالف كلا مِنْهُمَا فِي شَيْء، وَعدم القَوْل بِالْبُطْلَانِ فِي ذَلِك لَا يسْتَلْزم عدم القَوْل بِهِ فِي هَذَا، وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَن الْفَارِق بَينهمَا لَيْسَ إِلَّا أَن كل وَاحِد من الْمُجْتَهدين لَا يجد فِي صُورَة التلفيق جَمِيع مَا شَرط فِي صِحَّتهَا، بل يجد فِي بَعْضهَا دون بعض، وَهَذَا الْفَارِق لَا نسلم أَن يكون مُوجبا للْحكم بِالْبُطْلَانِ وَكَيف نسلم والمخالفة فِي بعض الشُّرُوط أَهْون من الْمُخَالفَة فِي الْجَمِيع فَيلْزم الحكم بِالصِّحَّةِ فِي الأهون بِالطَّرِيقِ الأولى، وَمن يدعى وجود فَارق أَو وجود دَلِيل آخر على بطلَان صُورَة التلفيق على خلاف الصُّورَة الأولى فَعَلَيهِ بالبرهان فَإِن قلت لَا نسلم كَون الْمُخَالفَة فِي الْبَعْض أَهْون من الْمُخَالفَة فِي الْكل، لِأَن الْمُخَالفَة فِي الْكل تتبع مُجْتَهدا وَاحِدًا فِي جَمِيع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة الْعَمَل، وَهَهُنَا لم يتبع وَاحِدًا قلت هَذَا إِنَّمَا يتم لَك إِذا كَانَ مَعَك دَلِيل من نَص أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس قوي يدل على أَن الْعَمَل إِذا كَانَ لَهُ شُرُوط يجب على الْمُقَلّد اتِّبَاع مُجْتَهد وَاحِد فِي جَمِيع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ ذَلِك فَائت بِهِ إِن كنت من الصَّادِقين وَالله تَعَالَى أعلم. وَرجح الإِمَام العلائي القَوْل بالانتقال فِي صُورَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا إِذا كَانَ مَذْهَب غير إِمَامه أحوط كَمَا إِذا حلف بِالطَّلَاق الثَّلَاث على فعل شَيْء ثمَّ فعله نَاسِيا أَو جَاهِلا وَكَانَ مَذْهَب إِمَامه عدم الْحِنْث فَأَقَامَ مَعَ زَوجته عَاملا بِهِ ثمَّ تخرج مِنْهُ بقول من يرى فِيهِ وُقُوع الْحِنْث فَإِنَّهُ يسْتَحبّ لَهُ الْأَخْذ بالأحوط والتزام الْحِنْث، وَالثَّانيَِة إِذا رأى لِلْقَوْلِ الْمُخَالف لمَذْهَب إِمَامه دَلِيلا قَوِيا راجحا إِذا الْمُكَلف مَأْمُور بِاتِّبَاع نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا مُوَافق لما روى عَن الإِمَام أَحْمد والقدوري، وَعَلِيهِ مَشى طَائِفَة من الْعلمَاء مِنْهُم ابْن الصّلاح وَابْن حمدَان. تَكْمِلَة (نقل الإِمَام) فِي الْبُرْهَان (إِجْمَاع الْمُحَقِّقين على منع الْعَوام من تَقْلِيد أَعْيَان الصَّحَابَة، بل من بعدهمْ) كلمة بل لعطف من بعدهمْ على أَعْيَان الصَّحَابَة اضرابا عَن حكم النَّفْي الْمُسْتَفَاد من الْمَنْع وإثباتا لضده، وَهُوَ إلزامهم بتقليد من بعد الصَّحَابَة من الْأَئِمَّة (الَّذين سبروا) استئنافا وبيانا كَأَنَّهُ لما ذكر من بعدهمْ قيل من هم؟ فَأجَاب بِهِ، والسبر عِنْد الْأُصُولِيِّينَ: حصر الْأَوْصَاف الصَّالِحَة للعلية فِي عدد ثمَّ إبِْطَال بَعْضهَا وَهُوَ مَا سوى الْعلَّة فِي ظَنّه فَإِن أَرَادَ هَذَا كَانَ إِشَارَة إِلَى كمالهم فِي بَاب الْقيَاس وَالْأَظْهَر أَن يُرَاد مَا هُوَ أَعم من ذَلِك من التعمق وَالتَّحْقِيق، فَإِن أَصله

امتحان غور الْحَرج (وَوَضَعُوا) أَبْوَاب الْفِقْه وأصوله وفصولها ومسائلها تَفْصِيلًا (ودونوا) كتبهَا فَإِنَّهُم أوضحُوا وهذبوا، بِخِلَاف مجتهدي الصَّحَابَة فَإِنَّهُم لم يعتنوا بذلك لما أَرَادَ الله من ظُهُور ذَلِك فِي خَلفهم زِيَادَة فِي كمالهم، فَإِن كَون الْخلف إِمَامًا لِلْمُتقين شرف للسلف، وَأَيْضًا مسَائِل الْعُلُوم تتزايد يَوْمًا فيوما بتلاحق الأفكار (و) بنى (على هَذَا) الَّذِي ذكر من إِجْمَاع الْمُحَقِّقين (مَا ذكر بعض الْمُتَأَخِّرين) وَهُوَ ابْن الصّلاح (منع تَقْلِيد غير) الْأَئِمَّة (الْأَرْبَعَة) أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رَحِمهم الله تَعَالَى (لانضباط مذاهبهم وَتَقْيِيد) مُطلق (مسائلهم وَتَخْصِيص عمومها) أَي مسائلهم (وَلم يدر مثله) أَي مثل هَذَا الصَّنِيع (فِي غَيرهم) من الْمُجْتَهدين (الْآن لانقراض أتباعهم) أَي أَتبَاع غَيرهم من الْمُجْتَهدين، وبانقراض الأتباع تعذر ثُبُوت نقل حَقِيقَة مذاهبهم، وَمن ثمَّة قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام: لَا خلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي الْحَقِيقَة، بل إِن تحقق ثُبُوت مَذْهَب عَن وَاحِد مِنْهُم جَازَ تَقْلِيده وفَاقا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْن الْمُنِير يتَطَرَّق إِلَى مَذَاهِب الصَّحَابَة احتمالات لَا يتَمَكَّن الْعَاميّ مَعهَا من التَّقْلِيد، ثمَّ قد يكون الْإِسْنَاد إِلَى الصَّحَابِيّ لاعلى شُرُوط الصِّحَّة، وَقد يكون الْإِجْمَاع انْعَقَد بعد ذَلِك القَوْل على قَول آخر (وَهُوَ) أَي الْمَذْكُور (صَحِيح) قَالَ الْقَرَافِيّ انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن من أسلم فَلهُ أَن يُقَلّد من شَاءَ من الْعلمَاء من غير حجر وَأجْمع الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَن من استفتى أَبَا بكر وَعمر وقلدهما فَلهُ أَن يستفتى أَبَا هُرَيْرَة وَغَيره وَيعْمل بقوله من غير نَكِير فَمن ادّعى خلاف هذَيْن الاجماعين فَعَلَيهِ الدَّلِيل. وَالله أعلم. صحّح هَذَا الْكتاب الْجَلِيل. على: نُسْخَة خطية من مكتبة: - مُحَرر الْمَذْهَب النعماني وَأبي حنيفَة الثَّانِي فَضِيلَة الْأُسْتَاذ الْكَبِير وَعلم الْفضل الشهير الشَّيْخ: - مُحَمَّد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سَابِقًا. أَطَالَ الله بَقَاءَهُ وأعز بِهِ الدّين ونفع بِعُلُومِهِ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين آمين وَهِي الَّتِي تمت كتَابَتهَا بقلم الشَّيْخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد الباجوري فِي 7 محرم سنة 1313 هجرية لفضيلة عَلامَة زَمَانه وفخر أدباء أَوَانه الشَّيْخ " حسن الطَّوِيل " رَحمَه الله آمين مُقَابلَة على نسخ أُخْرَى من الكتبخانة الخديوية المصرية بدرب الجماميز - " دَار الْكتب الملكية " الْآن بميدان بَاب الْخلق الْقَائِل تمّ الْكتاب وانقضى وَفعلنَا الَّذِي وَجب فغفر الله لمن قَرَأَ ودعا للَّذي كتب

يَقُول الْفَقِير إِلَى ربه تَعَالَى [أَحْمد سعد عَليّ] أحد عُلَمَاء الْأَزْهَر، وَرَئِيس لجنة التَّصْحِيح، بمطبعة: - شركَة مكتبة ومطبعة (مصطفى البابي الْحلَبِي وَأَوْلَاده) بِمصْر: الحمد لله الذى يسر القرآن للمجتهدين تيسيرا. فبذلوا الوسع لاستنباط الأحكام منه وحرروها تحريرا. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذى جاء بالملة السمحة: أصولا وفروعا. وعلى آله وأصحابه الذين نهجوا منهجه في أفعالهم الظاهرية والباطنية، فارتقوا الى سلم الثبات متمسكين في كل أفعالهم بالحجج القطعية والبراهين القوية. وبعد: فإن علم الأصول ثمرة أفكار العلماء الأذكياء، فهو من العلوم الرفيعة الشأن بلا امتراء. وقد ألف فيه جهابذة الفضلاء مؤلفات شتى. فكان أغزرها علما، وأسماها قدرا: كتاب (تيسير التحرير) شرح علامة زمانه: «محمد أمين المعروف بأمير بادشاه» على «التحرير» في أصول الفقه: لفخر العلماء «كمال الدين محمد بن عبد الواحد: الشهير بابن همام الدين» جزاهما الله عن العلم وأهله خير الجزاء - لذلك اختارته اللجنة المشكلة من فطاحل علماء الأزهر الشريف لتدريسه بكلية الشريعة. وقد لاقينا فى تحريره وتصحيحه صعوبات جمة منها سقطات بالنسخة المعتمد الطبع عليها تارة نجدها بنسخة دار الكتب الملكية، وأخرى بنسخة ثانية خطية من مكتبة فضيلة العلامة الكبير مولانا الشيخ «محمد بخيت المطيعى». أما اعتمادنا فى تحرير المتن فمن «التقرير والتحبير شرح ابن أمير الحاج على التحرير - ـ الطبعة الأميرية سنة 1316 هـ». ومع كثرة ما بأيدينا من المراجع كانت تعترضنا وقفات كنا نلجأ في فك رموزها إلى حلال المشكلات فضيلة مولانا الشيخ «محمد حسنين مخلوف العدوي» فيرشدنا بغزير علمه الي الصواب. وقد كمل طبعه وتصحيحه بهذا الشكل الجميل بهمة من ديدنهم نشر العلوم والمعارف أصحاب الشركة المذكورة أعلاه الكائنة بسراى رقم 12 بشارع التبليطة بجوار الأزهر الشريف، نفع الله به الطلاب، بجاه سيدنا حمد وآله والأصحاب آمين. تم طبعه في يوم الإثنين 29 رجب سنة 1351 هـ الموافق 28 نوفمبر سنة 1932 م مدير المطبعة رستم مصطفى الحلبي

§1/1