تيسير أحكام الحيض

محمد حسن عبد الغفار

تعريف الحيض وحكم دم الحيض

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - تعريف الحيض وحكم دم الحيض النساء شقائق الرجال، وقد خصهن الشرع بأحكام مستقلة عن الرجال، ومن هذه الأحكام: أحكام الحيض وما يتعلق به، لذا يلزم المرأة المسلمة أن تتفقه في دينها، وتعرف الأحكام المتعلقة بالحيض، والتي منها: أنواع الدماء الخارجة منها، وعلامات الحيض، وأصناف وأحوال النساء فيه، لأن ذلك يتعلق بقبول عملها عند الله عز وجل.

أحكام الحيض

أحكام الحيض

أهمية تعلم أحكام الحيض

أهمية تعلم أحكام الحيض إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: لما كانت الطهارة أساساً في حياة المسلم وشرطاً لقبول عمله، كان حرياً بكل مسلم ومسلمة أن يتفقه في أحكامها، لا سيما وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وتدخل المسلمة تحت حكم المسلم؛ لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (النساء شقائق الرجال) أي: في الأحكام. وقد اختص الله تعالى النساء بأحكام مستقلة في باب الطهارة تتعلق بالحيض والنفاس، وما تفرع على ذلك من مسائل. وقد حرصت النساء منذ العهد الأول على التفقه في أمر الدين وما يتعلق بهن من أحكام، ولذلك كانت تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها مادحةً نساء الأنصار: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين). وأشهر قصة تدل على ذلك هي: أن أم سليم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، ماذا على المرأة إن هي احتلمت؟) هذه الكلمة كانت فجيعة بالنسبة لـ أم سلمة وعائشة، فلم يكن يعرفن ذلك، لكن انظروا إلى أم سليم فقد علمت أنه لا حرج في الدين، والدين كله حياء، ومن قال: لا حياء في الدين فقد أخطأ، والصواب أن يقول: لا حرج في الدين. فـ أم سليم قالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، ماذا على المرأة إن هي احتلمت؟ فضربت أم سلمة على فمها وقالت: أو تحتلم النساء؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: رحمك الله! فمن أين يأتي الشبه -أي: شبه الولد بأمه- فقالت عائشة: تربت يداك! فضحتِ النساء، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: بل تربت أنت يداك! نعم عليها الغسل إذا رأت الماء)، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها السؤال، ولكل امرأة أن تفعل ذلك، وهذه ممدحة في حقها وليست مذمةً، فكن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء يخصهن، حتى تأتي المرأة بالثوب وتقول: إن إحدانا يصيب ثوبها الحيض، أتصلي به المرأة أم لا؟ فيشرح لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر. وسنتكلم عن باب أفرد له الإمام النووي قرابة ثلاثمائة صفحة في المجموع يتكلم فيه، وعن مشكلاته ومعضلاته. ومن العجب العجاب أن أكثر النساء لا يفقهن شيئاً عن حالهن، ولا يعرفن شيئاً عن الأمر الذي يخصهن كالحيض وغيره، لذا يجب وجوباً عينياً على كل امرأة أن تتفقه في مسائل الحيض والنفاس، بل ويجب على كل زوج أن يتعلم هذا الفقه لكي يُعلِّم امرأته، حتى لا يأتي الدم وهي لا تعلم أهذا دم حيض أم دم استحاضة أم دم نفاس؟! وحتى لا تأتي لتسأل زوجها فيقول: أنا لا أحيض، فلا أعرف هذه الأحكام؛ لأنها لا تخصني. لذا فلا بد للمرأة أن تتعلم العلم الذي يترتب عليه صحة العبادة وبطلانها.

تعريف الحيض

تعريف الحيض الحيض لغةً: مصدر حاض، يقال: حاض الشيء إذا فاض، وحاضت المرأة يعني: سال دمها. فالله جل وعلا يجعل أعلى الرحم يدفع الدم جبلة؛ وهذا الدم ليس بدم فساد ولا مرض، بل يخرج على سبيل الصحة، والله جل وعلا قد ابتلى به المرأة لحكمة يعلمها جل في علاه، فهو يناسب أنوثتها وجسدها وكينونتها. والمرَّةُ يطلق عليها حيضة، والجمع: حِيَض، والمحايض هي: الخرق التي تستثفر بها المرأة فتمص دم الحيض، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قالوا: يا رسول الله! بئر بضاعة يلقى فيه الكلاب والنتن ويلقى فيه المحايض -يعني الخرق التي تمص الحيض- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الماء طهور لا ينجسه شيء)، ويقال للمرأة: حائض، مع أن كلمة: (حائض) مذكر، لكن ينسب للمرأة؛ لأنه خاص بها، ولا يمكن الاشتباه فيه مع الرجل. وفي الاصطلاح: هو دم جبلة يخرج من أقصى الرحم للمرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة، في أوقات معلومة بحسب أصناف النساء واختلاف أحوالهن.

أسماء الحيض

أسماء الحيض للحيض أسماء كثيرة منها: الطمث، والعراك، والنفاس، والضحك وغيرها، وهذه الأسماء مستنبطة من الأدلة، كما في الصحيحين: (أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها كانت قد أهلت بالحج مع رسول الله، فدخل عليها وهي تبكي، فقال: ما يبكيك! أنفست؟) أي: أحضت؟

حكم دم الحيض

حكم دم الحيض دم الحيض أذى، وهو نجس بالإجماع، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222]، وفي الصحيحين عن أسماء رضي الله عنها وأرضاها قالت: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ فقال: تحكه ثم تقرصه ثم تنضحه بالماء وتصلي فيه)، أي: تحكه بحجر أو بعود فتدلك به جرم الدم حتى يضيع الجرم، ثم تصب عليه الماء فتدلكه به أو تقرصه فيضيع الأثر. قوله: (ثم تصلي فيه) هذا فيه دلالة على أن دم الحيض نجس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الصلاة في الثوب الذي أصابه دم الحيض، واستدل الفقهاء بهذا على وجوب طهارة الثوب للصلاة، وأن ذلك شرط من شروط الصلاة، ووجه الدلالة هو مفهوم المخالفة: أي أنها إن لم تقرصه حتى يضيع الأثر والجرم فلا تصلي فيه؛ لأنه نجس. وقد نقل النووي رحمه الله الإجماع على نجاسة دم الحيض، استناداً إلى حديث أسماء رضي الله عنها وأرضاها. وأيضاً في البخاري عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (كانت إحدانا تحيض ثم تقرص الدم -أي تدلكه- من ثوبها، فتغسله وتنضح على سائره، ثم تصلي فيه).

أقسام الدماء الخارجة من فرج المرأة

أقسام الدماء الخارجة من فرج المرأة تنقسم الدماء الخارجة من فرج المرأة إلى ثلاثة أقسام، وهي: القسم الأول: دم الحيض. ويخرج من أعلى الرحم. القسم الثاني: دم النفاس. وهو متعلق بالولادة. وأما الدماء التي تنزل من الحامل قبل أن تلد بيومين تستقبل به الولادة، ففيه خلاف بين الفقها، فلو قلنا: إن الدم الذي ينزل من الحامل قبل أن تلد بيومين هو دم نفاس فالحكم أنها لا تصلي ولا تصوم، ولو قلنا: إنه دم فساد وعلة فالحكم أنها تصلي وتصوم حتى تلد، والراجح من أقوال أهل العلم أنه ليس بدم نفاس. القسم الثالث: دم الاستحاضة. وهو دم مرض وعلة، فقد تأتي طبيبة مختصة فتقول: إن هناك عرقاً هو الذي يسيل منه هذا الدم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما هو عرق)، وقال: (هو ركضة من الشيطان).

علامات دم الحيض

علامات دم الحيض هناك علامات لدم الحيض التي بواسطتها تعرف المرأة أن هذا الدم هو دم الحيض، وهي أربع علامات: الأولى: اللون. الثانية: الوصف. الثالثة: الرائحة. ومعرفة هذه الأمور من العلم والدين. العلامة الأولى: اللون، فالدم الأحمر ليس بحيض، إلا أن تظهر قرائن تثبت أنه دم حيض، وإنما دم الحيض أسود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دم الحيض أسود يعرف)، أي: تعرفه المرأة، ولكن البنت التي ابتدأها الحيض لا تعرف، فعليها أن تذهب إلى أمها لترى الدم، أهو دم حيض أم ليس بدم حيض؟ العلامة الثانية: الوصف، فدم الحيض غليظ، وأما دم الاستحاضة فهو خفيف رقراق، وهذا هو الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة. العلامة الثالثة: دم الحيض له رائحة كريهة منتنة، ودم الاستحاضة ليس كذلك؛ لأن دم الاستحاضة منبثق عن عرق، أما دم الحيض فهو منبثق من أعلى الرحم، فكان أوفق له أن يكون له رائحة منتنة. العلامة الرابعة: أن دم الحيض بعد الدفع من الرحم لا يتجمد، وغيره يتجمد.

سن الحيض

سن الحيض اختلف العلماء في سن ابتداء الحيض وانتهائه، وهل هناك حد لأقل الحيض أو أكثره أو لا؟ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يمكن الحيض إلا بعد تسع سنين، وهذا كلام الجمهور، والدم الذي يدفعه الرحم بعد تمام خمس سنين أو سبع أو ثمان سنين لا يعتبر حيضاً عندهم. أما الانتهاء عند الجمهور: فببلوغ المرأة خمسين سنة، وعند ذلك تصبح يائسة؛ لقول الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} [الطلاق:4]، فإذا بلغت المرأة الخمسين ونزل منها الدم فلا يعتبر دم حيض، وأدلتهم في ذلك العادة الغالبة؛ لأن العادة أن البنت لا تحيض إلا عند سن التسع، وأن المرأة ينقطع حيضها عند سن الخمسين، والقاعدة عند الفقهاء: أن العادة محكمة. ولهم أدلة من السنة: فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة)، فهذا دليل على أنها قبل التسع السنين لا تكون امرأة، أي: لا تكون حائضاً. وذهب ابن حزم، ورجحه ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وهو الراجح الصحيح: أنه لا يصح تحديد سن للجارية، ولا يصح تحديد سن للمرأة الكبيرة، فلو رأت البنت الجارية عند خمس سنين الدم فهو حيض، ولو رأت عند سبع سنين فهو حيض، والمرأة بعد الخمسين إذا رأت الدم فهو حيض؛ لعموم قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222]، فالدم الذي نزل وهو أسود، وله رائحة وهو ثخين، فهو دم حيض، سواء في خمس سنوات أو سبع سنوات، أو نزل من المرأة بعد سن الخمسين. وأيضاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن دم الحيض قال: (دم الحيض أسود يعرف)، ولم يقل: عندما تصل المرأة سن تسع سنين. والحديث الذي استدل به الجمهور حديث باطل، وقد قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4]، أي: انقطع دم الحيض عنهن، ولم يقل: واللائي بلغن الخمسين سنة. إذاً: العبرة الانقطاع وليس هناك سن محدد لليأس. وثمرة الخلاف: أننا إذا قلنا بقول الجمهور: بأن الجارية دون التسع سنين إذا نزل منها الدم أنها غير حائض، فهي غير مكلفة، أي: ليس عليها صوم ولا غيره؛ لأنها لم تبلغ سن المحيض، وإذا شتمت أو أخطأت فلا تكتب عليها السيئات؛ للحديث: (رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: الصبي حتى يحتلم)، والجارية كذلك، لكن الصحيح الراجح أنه إذا نزل الدم منها ولو كانت بنت ست فهي مكلفة؛ وذلك لحديث عائشة قالت: (عقد عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، ودخل بي وأنا بنت تسع سنين) أي: أنها كانت مكلفة وهي بنت ست. أما بالنسبة للكبيرة اليائسة، فالثمرة: أنه إذا بلغت المرأة واحداً وخمسين سنة، وحدثت المشاحنة والمشاجرة بينها وبين زوجها، فقال زوجها: أنتِ طالق، فإن عدتها تكون بالشهور لا بالحيض؛ لأن المرأة التي تحيض عدتها كما قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، أي: ثلاث حيض كما سنرجح، وقال تعالى عن المرأة اليائسة التي لا ينزل منها الدم: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4]، لكن القول الراجح والصحيح هو خلاف قول الجمهور. وأما الجواب على استدلال الجمهور بقولهم: العادة محكمة. فنقول: هذا إذا لم تعارض الشرع، وقد عارضت هنا عموم قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222]، وعارضت قول الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق:4]. وأما الحديث الذي استدلوا به من حديث ابن عمر: (أن الجارية إذا بلغت تسع سنين فهي امرأة) فهو حديث ضعيف لا يحتج به.

أقل الحيض وأكثره

أقل الحيض وأكثره أما بالنسبة لمسألة أقل مدة الحيض وأكثرها، فقد ذهب الأحناف إلى أن أقل الحيض ثلاثة أيام، بمعنى: أن المرأة إذا نزل منها دفعة واحدة من الدم فلا يعتبر عند الأحناف حيضاً، فلا بد أنه يستمر معها ثلاثة أيام، وأكثر أيام الحيض عشرة أيام، فلو زاد على عشرة أيام فهو دم استحاضة. أما المالكية فقالوا: لا حد لأقله ولا لأكثره، فلو أن الرحم دفع دفعة واحدة من الدم، أو لحظةً واحدة، فهذا الدم دم حيض عند المالكية؛ لأنه لا حد لأقله ولا لأكثره. أما عند الجمهور -الحنابلة والشافعية- فقالوا: أقل الحيض يوم وليلة؛ لأن الحائض عندهم لا بد أن يستمر معها الدم يوماً كاملاً، وأكثر الحيض خمسة عشر يوماً. ويستدلون على ذلك بقول علي بن أبي طالب: (وما زاد عن الخمسة عشرة فهي استحاضة). ودليلهم على أقل الحيض هو: استقراء عادة النساء، فقالوا: وجدناها يوماً وليلة، والعادة محكَّمةٌ، وهذا قول الشافعية والحنابلة. وكذلك يستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (النساء ناقصات عقل ودين، قيل: وما نقص دينهن؟ قال: تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي)، فشطر عمرها أي: نصفه، وهو: خمسة عشر يوماً بالنسبة للشهر، ففيه دلالة على أن أقصى مدة هي: خمسة عشر يوماً ليس بصحيح، بل هو ضعيف، والراجح في ذلك والذي دلت عليه الآثار ويدل عليه النظر أن الحيض لا حد لأقله ولا حد لأكثره عند شيخ الإسلام لكن الصحيح أن هناك حداً لأكثره، فإذا أرخى الرحم دفعة واحدة من الدم فهو حيض، ولو لحظة، ولا بد أن تكون دفعة كبيرة، ليس نقطة أو نقطتين؛ لأن النقطة والنقطتين كما قال علي بن أبي طالب ليست من الحيض، أي: لا تؤثر، فهي معفوٌ عنها، ودليل ذلك أن الله علَّق الحكم على وجود الدم، فإن وجد الدم فهي حائض، ولو ارتفع الدم فهي غير حائض؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة:222]، أي: إذا نزل فهو حيض، وإن لم ينزل فليس بحيض. أما لو شعرت المرأة بدم الحيض داخل الفرج ولم يخرج فلا تعتبر حائضاً؛ لأن الحكم يدور مع وجود الدم، هذا هو الصحيح. أما أكثر أيام الحيض، فالصحيح الراجح أن أكثر أيام الحيض خمسة عشر يوماً، فلو زاد الدم عن خمسة عشر يوماً فهو دم استحاضة، وعند ذلك ننظر في عادتها هل هي ستة أو سبعة أيام؟ والباقي كله نجعله استحاضة؛ لأنه لا يعقل أن تكون أكثر أيام المرأة لا تتعبد لله فيها أبداً، فهذا مخالف لمقاصد الشريعة والتكليف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تمكث ليالي لا تصلي)، أي: أنه حدد الأوقات التي لا تصلي فيها، ولو كان أكثر عمرها كذلك لقال النبي صلى الله عليه وسلم: تمكث أكثر أيامها لا تصلي.

أصناف النساء في الحيض

أصناف النساء في الحيض للنساء أصناف وأحوال ثلاثة في الحيض: الصنف الأول: مبتدئة: وهي التي لم تحض قبل ذلك. الصنف الثاني: مميزة: وهي التي تستطيع أن تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة. الصنف الثالث: معتادة: وهي التي اعتادت على مجيء الحيض في وقت معين من الشهر، سواء في بدايته أو نهايته، ويمكث معها مدة معينة اعتادتها، فهي لا تميزه إلا بعادتها، فإذا زاد عن عادتها بسبب اضطرابات نفسية، أو بسبب استخدام دواء منع الحمل، فيعتبر الزائد استحاضة.

أصناف النساء في الحيض

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - أصناف النساء في الحيض النساء في الحيض على ثلاثة أصناف: مبتدئة، ومعتادة، ومميزة، وكل واحدة لا تخلو من أن تكون أحد هذه الأصناف الثلاثة، وكل صنف يختلف عن الآخر في تعيين زمن الحيض، وفي تمييزه عن غيره.

أصناف وأحوال النساء في الحيض

أصناف وأحوال النساء في الحيض إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: وصلنا في الكلام عن الحيض إلى أصناف النساء في الحيض، أو أحوال الحائض، وقلنا: إن أصناف النساء في الحيض ثلاثة: الصنف الأول: المبتدئة. الصنف الثاني: المعتادة. الصنف الثالث: المميزة.

المبتدئة

المبتدئة المبتدئة: هي التي لم يأتها الدم قبل ذلك، كأن تكون جارية عمرها تسع سنوات فنزل منها الدم، فتسمى: امرأة مبتدئة، أي: في أول حيضها، وأحوال المبتدئة بالنسبة لاستمرار الدم وانقطاعه ثلاثة أحوال: فإما أن يستمر الدم معها إلى أكثر أيام الحيض، وإما أن يستمر معها الدم أقل من أكثر أيام الحيض، وإما ألا يستمر معها. وقد اختلف العلماء في تعيين أكثر أيام الحيض على قولين، والصحيح: أن أكثر أيام الحيض خمسة عشر يوماً، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (تمكث الليالي لا تصلي ولا تصوم)، ولم يقل: أكثر الشهر أو نصفه، وإنما قال: (ليالي)، ففيه دلالة على التقليل. وهناك دليل من النظر: وهو أن الله جل وعلا لم يخلق المرأة إلا لتتعبد له، كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فلا يعقل أن الله خلقها للعبادة، ثم تمكث أكثر دهرها لا نتعبد لله جل في علاه. وثمرة معرفة أكثر أيام الحيض هي: أن الدم لو زاد عن خمسة عشر يوماً فلابد أن تقف وتنظر في نفسها كما سنبين؛ لأنها ستعتقد أن هذا الدم ليس بدم حيض، بل هو دم فساد أو علة أو استحاضة. فالحاصل: أن للمرأة المبتدئة ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أنها إذا رأت الدم خمسة أيام إلى ثلاثة عشر أو أربعة عشر يوماً، فإن هذا الدم يسمى: دم حيض، ما دام أنه لم يعبر أكثر أيام الحيض، فعليها ألا تصلي أو تصوم، ويجب عليها إذا طهرت أن تقضي الصوم دون الصلاة، وهذا الحكم مستمر معها إذا نزل الدم منها بهذه الصورة دائماً، وسيأتي معنا الحديث عن علامات الطهر للمرأة الحائض. الحالة الثانية: أن يستمر الدم معها إلى أن يعبر أكثر مدة الحيض -أي: خمسة عشر يوماً- فعندها إن استطاعت أن تميز بين دم الحيض والاستحاضة، بأن رأت دم الحيض أسود منتناً ودم الاستحاضة غير ذلك، فالمعتبر في هذه الحالة هو: التمييز، فإذا نزل منها الدم عشرين يوماً مثلاً، وكانت مدة حيضها خمسة أيام وقدرت على التمييز، فإنها تتحيض خمسة أيام فقط وتعتبر الباقي استحاضة، فتقضي الصلاة خمسة عشر يوماً، وتقضي الصوم عشرين يوماً باعتبار زمن الحيض والاستحاضة معاً، ولابد في زمن الاستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، وأن تطهر المحل وأن تتحفظ، وأما في حالة الحيض فإنها تكتفي بالغسل إذا طهرت وقضاء الصوم فقط، والله أعلم. فإن كانت غير مميزة، أي: لا تعرف التمييز، فإنها ترجع في هذه الحالة إلى عادة غالب النساء من أهلها، أو غيرهن إذا كانت بعيدةً من أهلها، فستجد أن الغالبية منهن يتحيضن ستة أو سبعة أيام، وعندها تتحيض سبعة أيام على الغالب، وما بقي فهو استحاضة، فتتوضأ لكل صلاة وتتحفظ كما سبق بيانه، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة: (تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام)، فدل على أن هذه المدة هي الغالبة في النساء. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ستة أيام أو سبعة أيام)، فالصحيح أنه على التخيير، لكن الأحوط لها: تتحيض سبعة أيام.

المعتادة

المعتادة والمعتادة هي: التي نزل فيها الدم سبعة أيام أو خمسة أيام فاعتادت ذلك في أول كل شهر عربي، وعند ذلك لها عادة مستمرة مطردة تحفظها وتعرفها جيداً. فإن قيل: وبم تثبت العادة؟ ف A أن الحنابلة يرون أن العادة لا تثبت إلا بعد ثلاث مرات مثلاً، وهذا كلام باطل لا دليل عليه. أما جمهور أهل العلم من الشافعية والمالكية والأحناف فيرون أن العادة تكون من مرة واحدة، وهذا هو الراجح، الصحيح، وهو ظاهر السنة؛ إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل من قبل المرأة المستحاضة قال: (لتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيضهن) فردها للعادة ولم يشترط المرة الثالثة كما يقول الحنابلة، فظاهر السنة تبين أن العادة تثبت من مرة واحدة، فإذا نزل الدم من الجارية خمسة أيام من أول الشهر فإن المدة عادة مطردة مستمرة لها. وللمرأة المعتادة ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: وهي عدم مخالفة الدم للعادة، بمعنى: أن المرأة كانت تحيض في الشهر العربي في المنتصف، فيأتيها الدم في يوم أربعة عشر، ويستمر معها سبعة أيام إلى يوم الواحد والعشرين من كل شهر عربي، ولم يخالف الدم العادة، فهذه المرأة لا غبار عليها؛ لأنها تعتاد نزول الدم والتطهر منه في وقته الذي اعتادت عليه، فالواجب عليها في عادتها: ألا تصلي أو تصوم وقت نزول الدم، ولها أن تذكر الله جل وعلا وتسبح وتستغفر، ولا تقرأ القرآن، ولا تمس المصحف، ولا تدخل المسجد، كما سنبين ذلك تفصيلاً. الحالة الثانية: وهي أن يعبر الدم أيام عادتها، كأن تكون معتادةً على خمسة أيام زمناً لحيضتها، فيعبر الدم في إحدى المرات الخمسة الأيام إلى السادس أو العاشر منها، ففي هذه الحالة تتحيض خمسة أيام كما هي عادتها، ثم تغتسل وتعد الدم الزائد عن هذه الأيام دم استحاضة، فتتوضأ لكل صلاة وتتطهر وتتحفظ؛ لأنها معتادة على عادة مستمرة مطردة، والدليل على ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها عندما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم بأنها تستحاض ولا تطهر، فقال: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك)، فردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عادتها، فإذا عبر الدم عادتها جعلته دم استحاضة، والله أعلم. الحالة الثالثة -وهي مهمة جداً-: وهي انقطاع الدم قبل العادة المطردة، وحكم هذه الحالة: أن المرأة تكون حائضاً عند نزول الدم وطاهراً عند انقطاعه، فإذا انقطع الدم عن المعتادة قبل خمسة أيام فإنها تطهر، فتغتسل وتصلي وتصوم وتؤدي العبادات، والله أعلم. إذاً: للمعتادة ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون الدم موافقاً للعادة فلا غبار عليها. الثانية: أن يعبر الدم أيام عادتها، فتحسب ذلك من الاستحاضة. الثالثة: أن ينقطع الدم قبل العادة المطردة، فإن انقطع قبل العادة فهي طاهر؛ لأن حكم الحيض يدور مع الدم حيث دار وجوداً وعدماً.

المميزة

المميزة والمميزة هي: المرأة التي تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة. وهناك فروقات بين دم الحيض ودم الاستحاضة: الفرق الأول: من حيث اللون، فدم الحيض أسود يعرف، ودم الاستحاضة أحمر شفاف وردي رقيق، لقوله صلى الله عليه وسلم: (دم الحيض أسود يعرف). الفرق الثاني: أن دم الحيض يكون ثخيناً غليظاً، أما دم الاستحاضة فهو رقيق. الفرق الثالث: دم الحيض له رائحة نفاذة منتنة، أما دم الاستحاضة فهو دون ذلك. الفرق الرابع: دم الحيض لا يتجمد كما بينا، أما دم الاستحاضة فمن الممكن أن يتجمد بعد الدفع. أما حكم هذا الصنف: فهو راجع للتمييز، فإذا كانت الأوصاف تدل على دم الحيض فهو دم حيض، وإلا فهو استحاضة، والله أعلم.

هل تحيض الحامل أم لا-علامات الطهر والاستحاضة وأحكامها

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - هل تحيض الحامل أم لا-علامات الطهر والاستحاضة وأحكامها اختلف الفقهاء هل تحيض الحامل أم لا؟ فقال الأحناف والحنابلة: لا تحيض، وإذا رأت دماً فهو دم فساد، وقال المالكية والشافعية: تحيض، وإذا رأت دماً يوافق عادتها أو يطابق صفات دم الحيض فهو حيض، وللطهر من الحيض علامات تعرفها إما بالجفاف، وإما بسائل أبيض يخرج من فرجها بعد انتهاء الحيض، والمستحاضة التي لم تر الطهر بعد الحيض لها أحكام خاصبة بها بينها أهل العلم.

أقسام النساء بالنسبة للحيض

أقسام النساء بالنسبة للحيض إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فإن النساء بالنسبة للحيض ثلاثة أصناف: مبتدئة، ومعتادة، ومميزة. فالمبتدئة: هي التي نزل الدم أول مرة ولا تعرف عنه شيئاً. والمعتادة: هي المرأة التي يأتي لها الحيض خمسة أو سبعة أيام من أول الشهر، فيكون لها عادة معينة. والمميزة: هي التي تميز بين دم الحيض وبين غيره عن طريق علامات ابتداء دم الحيض وعلامات انتهائه، كرؤية القصة البيضاء أو الجفاف.

حكم رؤية دم الحيض أثناء الحمل

حكم رؤية دم الحيض أثناء الحمل امرأة حامل في الشهر الثالث نزل منها الدم واستمر خمسة أيام ثم انقطع، ثم عاود عليها في الشهر الرابع ونزل منها الدم واستمر خمسة أيام، ثم رأت النقاء بعد ذلك، سواء رأت الجفاف أو القصة البيضاء، ثم في الشهر السابع إلى الشهر التاسع وهو ينزل فيها الدم، فهل هذا الدم دم حيض أم دم علة وفساد ومرض؟ كل الأطباء يقولون: هو دم مرض، والقاعدة عندي أني لا آخذ بالطب قبل الشرع؛ إذ إن الطب نظريات تخطئ وتصيب، والشرع وحي من ربنا جل في علاه، ليس فيه محل للخطأ ولا الوهم، والمسألة قد اختلف فيها العلماء على قولين: القول الأول: قول الأحناف والحنابلة: إذا رأت المرأة الدم وهي حامل فإن هذا الدم يعتبر دم علة، أي: دم مرض، فعليها أن تنظف المحل وتتحفظ وتصلي كل صلاة، إذ لا يأخذ هذا الدم أحكام الحيض، قالوا: ولنا في ذلك أدلة: الدليل الأول: ما رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في سبايا أوطاس -والسبايا: هن الإماء، ويحصل عليهن بأن يجاهد المسلمون ويفتحوا بلاد الكفر ويسبوا نساءهم- (لا توطأ -أي: لا تنكح- حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض)، فمنع الشرع الحنيف من وطء الحامل حتى تضع؛ حتى لا تسقي زرع غيرك بمائك، ثم قال: (ولا غير ذات حمل حتى تحيض) فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحامل لا تحيض؛ لأنه جعل علامة استبراء الرحم في الحامل الوضع، فقال: (لا توطأ حامل حتى تضع)، ثم قال في شأن المرأة الحائل، وهي غير الحامل: (ولا غير ذات حمل حتى تحيض)، فجعل علامة استبراء الرحم فيها أن تحيض، ففيه دلالة على أن الحامل لا تحيض، وإلا لم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الحامل والحائل، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحامل لا تحيض، والحائل هي التي تحيض. الدليل الثاني: ما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عمر أن يأمر ابنه أن يطلق زوجته وهي طاهر أو حامل، فطاهر يعني: خالية من الحيض، وحامل؛ لأنها لا تحيض، فجعل الحمل علامة على عدم الحيض. القول الثاني: قول الشافعية والمالكية: قالوا: الدم الذي تراه المرأة وقد ثبت معها، وترى بعده الطهر هو دم حيض، وإن كانت حاملاً، وقد توافرت علامته، ودم الحيض له علامات ومقدمات تعرفها المرأة، من ألم في الظهر، وألم في البطن، ثم بعد ذلك الصفات المعروفة لدم الحيض، من أنه أسود وثخين إلى غير ذلك من العلامات، ثم بعد ذلك يعقبه الطهر ورؤية القصة البيضاء. واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دم الحيض أسود يعرف)، فجعل دم الحيض أسود يعرف، سواء أكانت حاملاً أو حائلاً. وجاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها سئلت عن امرأة حامل رأت الدم فقالت: لا تصلي. فاعتبرت هذا الدم دم حيض، فكأن عائشة تقول: الدم الذي نزل منها هو دم حيض، وانتشرت هذه الفتوى بين ابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم من فحول الصحابة وأساطين أهل العلم، فلو كانت هذه الفتوى خاطئة لخطئوا عائشة، كما خطأ علي بن أبي طالب ابن عباس في تجويزه نكاح المتعة، وقال له علي: إنك رجل تائه، إن رسول الله حرم نكاح المتعة. وعندما قال ابن عباس: نكاح المتعة حلال، قام ابن الزبير خطيباً وهو خليفة على مكة فقال: ما لي أرى أناساً قد أعمى الله بصيرتهم كما أعمى أبصارهم يفتون بجواز المتعة! وكان ابن عباس قد عمي بصره في آخر عمره، فهذه الشدة منه لينصر دين الله، ولينصر سنة النبي، فما العلم إلا قال الله وقال رسوله، وليس قال الشيخ الفلاني وقال الشيخ العلاني. العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه وعندما قال ابن الزبير: ما لي أرى رجلاً قد أعمى الله بصيرته كما أعمى بصره يفتي بنكاح المتعة! قال له ابن عباس: وما لي أراك أعرابياً غليظاً؟ فقال له ابن الزبير: تقول ذلك وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم نكاح المتعة! والذي نفسي بيده! لو سمعتك تفتي بهذا لأرجمنك حتى الموت. وكأنه يرى أنها زنا، وهكذا كان الصحابة يحافظون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فـ عائشة أفتت بذلك أمام محفل من الصحابة، والصحابة سكوت لا يتكلمون ولا ينكرون، فكان سكوتهم هذا إجماعاً سكوتياً، فكأنهم وافقوا على الفتوى التي أفتت بها عائشة. هذا من الأثر. وأما من النظر والعقل: فإن الأصل في النساء الصحة دون المرض، والأصل في الدم الذي يرخيه الرحم أنه دم حيض، ما لم يدل دليل أو تأتي قرينة على أنه دم فساد أو دم علة، فإذا ظهرت القرينة حمل على أنه دم فساد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما ذاك عرق)، وذلك عندما ظهرت له القرينة بأن الدم هذا دم فساد ودم علة. فإذا تردد الدم النازل من الفرج بين أن يكون دم حيض أو دم فساد ومرض، وإذا تردد الدم بين الأصل والفرع قدم الأصل على الفرع.

علامات الطهر من الحيض

علامات الطهر من الحيض الطهر عند المرأة له علامتان: العلامة الأولى: الجفاف، فتدخل القطنة في فرجها فتخرج جافة لا شيء فيها. العلامة الثانية: سائل أبيض يخرج من فرجها بعد أن ينتهي الدم. وبعض النساء لا يخرج منهن هذا السائل الأبيض عند الطهر، فيكون علامة طهرها الجفاف.

الاستحاضة

الاستحاضة الاستحاضة هي: استمرار نزول الدم وعدم انقطاعه، وقد ينزل أياماً كثيرة ثم ينقطع بحال من الأحوال. وقد حدث مثل هذا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابيات فضليات جليلات، وكانت المرأة تأتي الرسول وتقول: إني أستحاض فلا أطهر. وتنقسم الاستحاضة إلى قسمين: استحاضة مستمرة، أي: نزول الدم بلا انقطاع بحال من الأحوال، فقد يستمر خمس سنوات، أو ست سنوات، أو سبع سنوات. استحاضة منقطعة: وهي التي تظل مع المرأة فوق عدد عادتها، مثل امرأة عادتها أن تحيض خمسة أيام، وفي شهر استمر معها الدم سبعة عشر يوماً، فنعتبرها قد حاضت خمسة عشر يوماً، واليومان الزائدان يكونان دم استحاضة؛ لأن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، وما زاد عليه يعتبر دم استحاضة. والدليل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر. أي: الدم لا ينقطع معها، وهذه استحاضة مستمرة. وفي مسند أحمد عن زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة. فكأنها أقل من الأولى، لكنها أيضاً مستمرة.

حكم المستحاضة

حكم المستحاضة يختلف حكم المستحاضة باختلاف صنفها في الحيض، فالمرأة المميزة التي تميز بين دم الحائض وبين دم الاستحاضة كأن جاءها الدم خمسة أيام، وعرفت أن هذا الدم هو دم الحيض بلونه ورائحته وصفته المعروفة، ثم بعد خمسة أيام استمر الدم معها بالنزول، فنظرت فوجدت الدم الذي نزل بعد الخمسة أيام دماً أحمر رقيقاً، فحكمها أن تجعل الدم النازل في الخمسة الأيام الأولى دم حيض، والدم الثاني الأحمر الرقيق دم استحاضة، فتترك الصلاة في الخمسة الأيام ولا تقضيها، ثم تغتسل أولاً لطهرها، ثم تتحفظ وتتوضأ للصلاة، وتفعل ذلك في كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم. أما المرأة المعتادة: وهي التي تعرف عادتها وتحفظ عددها، كأن تأتيها خمسة أيام أو سبعة أيام من كل شهر، فهذه إن استمر الدم معها في النزول أكثر من العادة فنقول لها: إن كان الدم مستمراً في النزول وكانت طبقة الدم واحدة فاجعلي الدم أيام عادتك المعهودة دم حيض، وما زاد على هذه الأيام فهو دم استحاضة، ويكون حكمك في هذه الأيام حكم المستحاضة، فتتوضئين لكل صلاة، وتصومين ما عليك من فرض، إلى غير ذلك. والدليل على حكم المميزة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة بنت أبي حبيش: (دم الحيض أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة). فكأنه يقول: أنت امرأة مميزة، ودم الحيض أسود يعرف، فإذا جاء الدم الآخر الرقيق فهو دم استحاضة، قال: (فإذا جاء الدم الآخر فتوضئي وصلي، فإنما هو عرق) أي: هو دم استحاضة وليس بحيض. والدليل على حكم المعتادة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم حبيبة عندما قالت: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال لها: (لا، إنما ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي). فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لـ أم حبيبة: يا أم حبيبة! إنك لا تعرفين كيف تميزين بين دم الحيض وبين دم الاستحاضة، فأنت معتادة أن يأتيك الدم أول كل شهر سبعة أيام منذ سنوات طويلة، فعدي سبعة أيام من أول كل شهر حيضاً، فإذا مرت السبعة الأيام فعليك أن تغتسلي غسل الطهارة، ثم تتوضئين لكل صلاة وتصلي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي) أي: أنك طهرت، وهذا الدم دم استحاضة. أيضاً في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم حبيبة بنت جحش: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي)، فالمعتادة تعد أيام العادة فتمكث لا تصلي ولا تصوم فيها، فإذا مرت العادة واستمر منها نزول الدم فإنها تعتبر نفسها مستحاضة، وتتوضأ لكل صلاة، وتصلي بعد غسل الطهر. وأما المرأة المعتادة وغير المميزة، فهي المتحيرة، فلا تعرف لها عادة، ولا تعرف أن تميز إذا قلنا لها: دم الحيض أسود، ودم الاستحاضة أحمر، ومن أسباب هذا اللولب الذي تركبه المرأة، فهذا قيد يجعل المرأة لا تعرف لها عادة، ولا تعرف كيف تميز، وتضطرب عندها الدورة، فماذا تفعل؟ نقول لها: ارجعي إلى غالب عادة النساء، وغالب عادة النساء ستة أيام أو سبعة أيام، فاجعليها أيام حيض، ثم تطهري واغتسلي غسل الطهر، ثم بعد ذلك توضئي لكل صلاة وصلي، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ حمنة بنت جحش: (إنما هذا ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك طهرت فصلي أربعاً وعشرين أو ثلاثاً وعشرين كما تفعل النساء).

أحكام الصفرة والكدرة - وماذا تفعل الحائض إذا رأت الحيض يوما والطهر يوما

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - أحكام الصفرة والكدرة - وماذا تفعل الحائض إذا رأت الحيض يوماً والطهر يوماً قد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم الخارجة من المرأة، فمن قائل: إنهما حيض، ومن قائل: إنهما ليسا بحيض، وهناك قول بالتفصيل، ولكل قول حجته وأدلته.

في حكم الصفرة والكدرة من المرأة

في حكم الصفرة والكدرة من المرأة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فقد وقفنا عند الكلام عن الصفرة والكدرة، وهل هي حيض أم لا؟ وقلنا: إن الصفرة سائل أصفر، كالماء الذي يكون من الجرح، وتخرج من الرحم. وأما الكدرة: فهو ماء ممزوج بحمرة، فيكون لونه متكدراً، وبئر الماء إذا حرك فيه التراب تكدر ماؤه. والصفرة والكدرة ليستا دمين، بل هما ماءين، فيختلفان عن الحيض الذي هو دم. فالمرأة قبل أن تحيض قد تنزل منها إفرازات كصفرة أو كدرة، وذلك كثير في النساء، فما حكم هذه الإفرازات؟ وهل هي حيض أم ليست بحيض، وخاصة إذا نزلت في اليوم المعتاد نزول الحيض فيه؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: فقوم قالوا: هما حيض مطلقاً. وقوم قالوا: ليستا بحيض مطلقاً. وقوم قالوا: إن في المسألة تفصيلاً، إن كان في زمن الحيض أو ليس في زمن الحيض. القول الأول: الذين قالوا: ليس بحيض مطلقاً، وهم: ابن حزم الظاهري، وهو قول للشافعية؛ فالحيض عندهم هو الدم فقط. واستدلوا بحديث أم عطية الذي أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجة: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً). وهذا الحديث لم ترفعه أم عطية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى لم تقل: قال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه قالت أم عطية تبلغ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الحديث يصح أن يكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث إذا لم يكن محلاً للاجتهاد، أو أضيف إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالقاعدة عند المحدثين أنه يكون مرفوعاً، وأم عطية هنا أضافت الحديث إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها قالت: (كنا لا نعد)، لأنهن كن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسألن بعده عائشة، فالذي أعلمها ألا تعد هذا من الحيض هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذا فـ ابن حزم قال: هذه سنة، وإن كانت في الظاهر موقوفة لكن لها حكم الرفع. كما استدلوا بقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222] فسمى الدم حيضاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دم الحيض أسود يعرف) ولم يقل: فيه صفرة أو كدرة، بل سماه دماً، فالحيض لا يكون إلا دماً. القول الثاني: قول المالكية والشافعية، وهو أن الصفرة والكدرة حيض مطلقاً، فيكون هناك طرفان: طرف على أنه ليس حيضاً، وطرف على أنه حيض مطلقاً. واستدل القائلون بأنه حيض مطلقاً: بأن الصفرة والكدرة إذا خرجت من الرحم ولها مواصفات الحيض أخذت حكمه؛ لأن القاعدة عند العلماء: أن الشبيه يأخذ حكم الشبيه، وهي قاعدة فقهية تسمى قاعدة: الحكم بالمجاورة، أي: أن المجاور يأخذ حكم مجاوره، كالماء المجاور وغيره. فالصفرة والكدرة مجاورتان للحيض فيأخذان حكمه، وهذا دليل نظري قوي. القول الثالث: التفصيل، وهذا القول لبعض الشافعية، وهو الراجح والصحيح الذي رجحه شيخ الإسلام على ما أذكر إن لم أكن واهماً، حيث قال: الصفرة والكدرة لها حالات: الحالة الأولى: ذهب جمهور العلماء إلى أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض؛ لأن كل مجاور يأخذ حكم مجاوره، خاصة وأن هذه الإفرازات نزلت بسبب نزول الدم فتأخذ حكمه، ولازم الشيء كالشيء، فنزول الصفرة والكدرة بعد نزول الدم ملازم للدم فيأخذ حكمه، فإذا نزل الدم وانقطع، وأرخى الرحم الإفرازات في زمن الحيض، فالصفرة والكدرة تكون حيضاً. والدليل على ذلك: أن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالكرسف فيها الصفرة والكدرة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، وهذا له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن المرأة ما زالت حائضاً وإن نزل منها صفرة أو كدرة حتى ترى القصة البيضاء. الحالة الثانية: الصفرة والكدرة بعد الطهر ليستا من الحيض، فبعد أن ترى المرأة القصة البيضاء، أو الجفاف الذي يدل على أنها قد طهرت، ونزل عليها إفرازات من صفرة وكدرة فلا تكون حيضاً، وإنما تغسل المحل وتتوضأ وتصلي. الحالة الثالثة: هي أن تنزل الصفرة والكدرة قبل أن ينزل الدم في يوم العادة، فلا تكون حيضاً، إنما تغسل المحل وتتوضأ وتصلي وتصوم؛ لأنها من الطهر. والدليل على ذلك هو: أن أم عطية قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) وهذا على الإطلاق، وهو دليل على قوله: بأن الصفرة والكدرة ليستا من الحيض مطلقاً، ولكن هذه الرواية مقيدة برواية أخرى عن أم عطية قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) والشاهد هو قولها: بعد الطهر. وبمفهوم المخالفة أن قبل الطهر نعده حيضاً، وهذا فيه رد على دليل ابن حزم، فالمطلق محمول على المقيد، والرواية الأولى مطلقة، والثانية مقيدة بأن عدم اعتدادهن بالصفرة والكدرة كان بعد الطهر، أما قبله فهو حيض بمفهوم المخالفة.

الحائض ترى الحيض يوما والطهر يوما

الحائض ترى الحيض يوماً والطهر يوماً إذا كانت المرأة ترى الحيض يوماً وترى الطهر يوماً، فيوم السبت نزل منها دم الحيض ويوم الأحد انقطع، ويوم الإثنين نزل ويوم الثلاثاء انقطع، ويوم الأربعاء نزل ويوم الخميس انقطع، فهذه لها حالتان: الحالة الأولى: أن ينزل الدم يوم السبت، ويوم الأحد ترى الطهر، أي: أنها ترى القصة البيضاء، أو النقاء أو الجفاف، ففي هذه الحالة يكون يوم السبت حيضاً، ويوم الأحد طهراً، ويوم الإثنين حيضاً، ويوم الثلاثاء طهراً، وهكذا. وهذا هو الراجح عند أهل التحقيق من أهل العلم، فيوم السبت لا تصلي ولا تصوم ولا تقرأ القرآن ولا تحل لزوجها ولا تمس مصحفاً ولا تدخل مسجداً، وفي يوم الأحد إذا رأت الطهر بأن ترى القصة البيضاء أو الجفاف، فتصلي وتصوم بعد الاغتسال وتفعل ما تفعله الطاهر. واستدلوا على ذلك بأدلة: الدليل الأول: عموم قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222] فالحكم يدور مع وجود الأذى وهو الدم، فتكون حائضاً حيثما وجد الدم، وطاهراً حيثما انقطع بعد أن ترى الطهر، هذا الدليل الأول. الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دم الحيض أسود يعرف)، فإن كان الدم فهو حيض، وإن انقطع ورأت النقاء أو القصة البيضاء فهو طهر، وهذا ما يسميه الفقهاء باللغو، وهو: أن تمتنع عن الصلاة والصيام في اليوم الذي ترى فيه الدم، وتصلي وتصوم في اليوم الذي ترى فيه الطهر. الحالة الثانية: أن ترى الدم يوماً، ثم في اليوم الثاني لا ترى الدم من غير أن ترى الطهر بالجفاف أو بالقصة البيضاء، لكن ينزل منها صفرة وكدرة، ففي يوم السبت نزل الدم، وفي يوم الأحد صفرة وكدرة، وفي يوم الإثنين نزل الدم، وفي يوم الثلاثاء صفرة وكدرة، ففي هذه الحالة تكون حائضاً في جميع هذه الأيام، وهو ما يسميه الفقهاء بالسحب، والسحب: أن تسحب اليوم الذي ينزل فيه الدم على اليوم الذي لا ينزل فيه الدم، فتكون حائضاً فيهما، فإن استمرت هذه الحالة خمسة عشر يوماً فهي مستحاضة، وترجع لأحكام الأصناف الثلاثة، إما أن تكون مميزة أو معتادة أو مبتدئة، وقد فصلنا القول فيها، فإن كانت معتادة ترجع إلى عادتها، وإن كانت معتادة عشرة أيام فتقضي صلاة خمسة أيام، لأنها كانت طاهرة، وأما الصوم فيُقضى سواء كانت حائضاً أو مستحاضة.

أحكام النفاس - وأحكام تتعلق بالحيض وهي الصلاة والصوم

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - أحكام النفاس - وأحكام تتعلق بالحيض وهي الصلاة والصوم الشريعة الإسلامية شاملة لجميع نواحي الحياة، وقد خصت المرأة بأحكام دون الرجل، كأحكام الحيض والنفاس، وفي تشريعها يرى المتأمل رحمة الدين بالمرأة، وتقديره لحالتها النفسية التي تمر بها أيام الحيض والنفاس، ولأجل ذلك منعها من قراءة القرآن، ومن مس المصحف، ومن دخول المسجد، إلى غير ذلك من الأحكام.

أحكام النفساء

أحكام النفساء إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد:

تعريف النفاس

تعريف النفاس فالنفاس في اللغة: هو الولادة. وشرعاً: هو الدم الذي يخرج من فرج المرأة بعد الوضع، أي: عقب فراغ الرحم من الحمل، ويسمى نفاساً: لأنه يخرج عقبه نفس، ثم يعقبه بعد ذلك دم ينزل يرخيه الرحم، ويقال: امرأة نفساء، ويجمع على نفاس، فتقول: نسوة نفاس. وكذلك الدم بعد السقط يكون نفاساً. وأحكام النفاس تساوي أحكام الحيض حذو القذة بالقذة، بمعنى: أن المرأة الحائض إن كان يحرم عليها قراءة القرآن، ودخول المسجد، وأن يجامعها زوجها، وأن تصلي، وأن تصوم، وأن تطوف بالبيت، فكذلك المرأة النفساء تساوي المرأة الحائض في كل ذلك، فلا يجوز أن يجامعها زوجها، ولا تدخل المسجد، ولا تقرأ، ولا تصلي، ولا تصوم، ولا تمس المصحف، فهذا كله الحائض والنفساء فيه سواء، فيحرم عليها ما يحرم على الحائض، ويسقط بالنفاس ما يسقط بالحيض إلا في أمور ليس الكلام عليها الآن.

أقل وأكثر مدة النفاس

أقل وأكثر مدة النفاس اختلف العلماء في أكثر مدة النفاس، ولا بد أن نعرف أولاً أقل مدة له، فمثلاً امرأة ولدت، وبعد ولادتها نزل منها نقاط دم، ثم رأت القصة البيضاء، فهذه نقول لها: نفاسك هذه النقاط، نفاسك هذه المدة التي نزل فيها بعض الدم، وما دمت رأيت القصة فاغتسلي وصلي، وصومي واقرأي وادخلي المسجد، ويجامعك زوجك؛ لأنك قد طهرت، فلا حد لأقله، ولو لحظة واحدة، فيكون قد طهرت، وتسمى نفاساً في هذه اللحظة فقط. أما أكثر مدة النفاس فإن العلماء اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: قول مالك والشافعي، وهو قول أبي داود، وعطاء، والشعبي وغيرهم من التابعين، قالوا: أكثر مدة النفاس ستون يوماً، أي: أن تحسب المرأة التي نزل منها الدم ستين يوماً، فإذا استمر الدم معها بعد الستين يوماً نقول لها: أنت مستحاضة، فهذا اليوم الواحد والستين، وهذا ليس بدم نفاس، فتدخل فتغتسل، ثم تستذفر، وتتوضأ وتصلي. وهذا القول هو الصحيح والراجح كما سنبين، وقد قال الأوزاعي وهو من جهابذة الفقهاء: عندنا امرأة ترى النفاس شهرين، فهذا على الوجود، ومدار الأحكام في هذه المسألة على الوجود كما سأبين، أي: وجد في النساء من ترى الدم بعد الولادة ستين يوماً. القول الثاني: قول أبي حنيفة، والثوري، وأحمد ومن الشافعية المزني من الشافعية، قالوا: أكثر مدة النفاس أربعون يوماً. ودليلهم في ذلك ما رواه أحمد عن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (كانت النفساء تجلس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدة أربعين يوماً) وهذا ما استدل به الحنابلة ومن وافقهم، وقالوا: كانت تجلس أربعين يوماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم. والصحيح الراجح من ذلك: أن أكثر مدة النفاس ستون يوماً؛ لأن المسألة في هذه مدارها على الوجود، فإن وجدت امرأة ينزل فيها الدم عقب الولادة إلى آخر يوم في الستين، وينزل بنفس الصفة واللون والرائحة فلا نغير الحكم، بل إن الحكم واحد، وقد قال الأوزاعي -كما قلت- وجد من النساء من ترى الدم ستين يوماً. فأقول: إذا وجد من النساء من ترى ذلك فالحكم مع الوجود، فكيف نفعل هذا؟! وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ينص على خلاف ذلك. ما العلم إلا قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه أتأخذ بـ الشافعي والأوزاعي وتترك قول رسول الله أيها الجاهل؟! نعم أكون جاهلاً حقاً، وأكون معانداً حقاً عندما أجد حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم آخذ بقول فلان وعلان، أو الشيخ الفلاني والفقيه الفلاني، لا والله ما آخذ إلا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم. لذا فأقول هنا: هذا الحديث ليس قول النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو إخبار بأن النساء في عصر النبي كن يمكثن أربعين يوماً فينقطع الدم، فإن وجد من ترى الدم أكثر من أربعين يوماً أخذنا به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إن أكثر مدة النفاس عند المرأة أربعون يوماً، لكن غالب النساء حتى في عصورنا هذه عادتهن في النفاس أربعون يوماً، فيكون مدار الحديث على الأغلب، أي: أن غالب النساء في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كن يمكثن أربعين يوماً نفاساً.

ثمرة الخلاف في مدة النفاس

ثمرة الخلاف في مدة النفاس ثمرة هذا الخلاف في مسائل: المسألة الأولى: عندما ترى المرأة الدم بعد الأربعين تحسبه من النفاس، فلا تصلي ولا تصوم، ولا تدخل المسجد، ولا يجامعها زوجها، ثم إذا نقلت إلى الستين فرأت الدم، فإنها تغتسل وتصلي وتصوم ويجامعها زوجها، وهذا هو الراجح في هذه المسألة، أن أكثر مدة النفاس ستون يوماً. المسألة الثانية: المدة التي يثبت بها النفاس، وهي: ما تم له أربعة أشهر وخرج معه دم، فهذا نفاس، بمعنى: امرأة كانت حاملاً في الشهر الأول، فأسقطت، وعقب هذا الإسقاط نزل الدم، فنقول لها: هذا الدم دم فساد وعلة، ليس بدم نفاس، فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي. وامرأة أخرى كانت حاملاً في الشهر الثالث، فأسقطت، وعقب الإسقاط نزل الدم، فنقول لها: هذا دم فساد وعلة، وليس بدم نفاس، بل اغسلي عنك الدم واغتسلي، ثم توضئي وصلي، وسبب الأمر بالاغتسال: خروج هذا السقط. وامرأة أخرى أيضاً: أسقطت في الشهر الرابع، وعقب هذا الإسقاط نزل الدم، فنقول: هذا الدم دم نفاس، فامكثي لا تصلي، ولا تصومي، ويحرم عليك ما يحرم على الحائض حتى تطهري، فإن استمر معك الدم إلى الأربعين فأنت في نفاس، وإن استمر إلى الستين فأنت في نفاس، وإذا استمر فوق ذلك فأنت مستحاضة. والدليل على ذلك: حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك) إلى أن عد مائة وعشرين يوماً (فينفخ فيه الروح) فنفخ الروح معتبر بعد المائة والعشرين، وإن كان هناك رواية تثبت أنه ينفخ الروح بعد الستين يوماً، ولكن نحن مع الغالب، فنقول: تحسب المرأة نفاسها إذا أسقطت لمدة أربعة أشهر.

أحكام الحيض

أحكام الحيض الأحكام التي تتعلق بالمرأة الحائض: أولاً: يحرم على الحائض الصلاة والصوم، فالمرأة إذا حاضت فإنها تترك الصلاة والصوم، وإن فعلت أثمت بذلك؛ لأن الله حرمهما عليها حين حيضها. روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ فذلك نقصان دينها). وفي رواية أخرى في مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معشر النساء! تصدقن، وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة -أي: عاقلة فقيهة-: وما لنا يا رسول الله! أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير). قوله: (تكثرن اللعن) أي: بالسب والشتم واللعن والتعدي على الحدود. وقوله: (وتكفرن العشير) أي: أن الرجل يأتي لها بكل خير، والأصابع كلها تضيء لها كالشمعة، ثم بعد ذلك ترى منه ما تكره مرة واحدة، فتقول: لم أرَ منك خيراً قط، وتجحد كل هذه النعم مرة واحد، وجعلتها خلفها ظهرياً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الراشد منكن. قالت: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدين؟ فقال: فأما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل -فهذا نقصان العقل- وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان؛ فهذا نقصان دينها). الشاهد قوله: (تمكث الليالي لا تصلي)؛ لأنها حائض. إذاً: الحكم الأول: لا يجوز للمرأة أن تصلي، ولا يجوز لها أن تصوم عندما تكون حائضاً، وأمهاتنا والعوام من النساء كثيراً ما يقع منهن في رمضان إذا حاضت قالت: لا يمكن أن أفطر، فتأتي إلى آخر اليوم قبل غروب الشمس وتقول: أشرب جرعة ماء أجرح صيامي فقط، وهذا تنطع في الدين، ومخالفة صريحة، وهي قد أثمت مرتين؛ لأنها لم تأخذ بالحرمة التي حرم الله عليها بأن تصوم، والثاني: أنها منعت نفسها مما هو مباح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) وإن كان ليس نصاً في هذه المسألة لكني أستأنس به، فعلى المرأة أن تفطر، وليس عليها ثمت حرج أن تفطر في يوم رمضان إذا كانت حائضاً. وفي سنن أبي داود عن فاطمة بنت أبي حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولتدع) أي: تترك الصلاة: (من كل شهر أيام أقرائها) أي: أيام حيضها، ونستدل بهذا الحديث على مسألة مهمة جداً قد مضت، وهي: هل القرء هو الحيض أم الطهر؟ وهل عدة المرأة بالحيض أم بالطهر؟ في هذا الحديث دلالة على أن القرء هو الحيض؛ لأنه قال: تدع الصلاة أيام أقرائها، أي: أيام حيضها لا أيام طهرها، فهذه دلالة على أن القرء يطلق على الحيض. وفي البخاري أيضاً عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها وأرضاها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) هذا هو الشاهد: فإذا أقبلت الحيضة، أي: في الحيض يحرم عليك أن تصلي، قال: (فإذا أدبرت فاغتسلي وصلي). وفي سنن أبي داود أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي). فهذه الأدلة كلها متعاضدة على أن المرأة إذا حاضت لا تصلي ولا تصوم. وأما حكم قضاء الصلاة: فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن المرأة إذا حاضت لا تصلي، ولا قضاء عليها إلا في قول شذ به بعض الخوارج، والخوارج إذا خالفوا فإن خلافهم لا يعتد به، ومستند أهل السنة والجماعة في الإجماع: حديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (عندما سألتها معاذة فقالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت: كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله فنقضي الصوم ولا نقضي الصلاة). فإذاً: المرأة لا تقضي الصلاة ولكنها تقضي الصوم.

مسائل في صلاة الحائض

مسائل في صلاة الحائض هنا مسائل مهمة جداً، وهي: المسألة الأولى: امرأة بعد طلوع الفجر بمقدار ركعة حاضت، إذاً: هي لحقت ركعة من صلاة الفجر وهي طاهرة، فهل صلاة الفجر عليها أم لا؟ الصحيح والراجح في ذلك: أن صلاة الفجر عليها؛ لأنها إذا طهرت لا بد أن تصلي الفجر قضاءً، ثم تصلي الصلوات، فتستحضرها وتستقدمها بين يديها، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، مفهوم المخالفة: إذا لم تدرك ركعة كاملة لا يلزمها الصلاة؛ لأنه قال: إذا أدركت ركعة كاملة لزمتها الصلاة، أي: الصلاة التي فيها هذه الركعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك الصلاة، ومن أدرك ركعة من صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصلاة). فهذه دلالة واضحة على أن الركعة التي أدركتها تدرك بها الصلاة، ويلزمها قضاء هذه الصلاة، ويكون هذا الحكم مستثنى من الحكم العام الذي حرم عليها القضاء، فإذا لحقت مقدار ركعة واحدة وهي طاهرة ثم حاضت، فعليها قضاء هذه الصلاة. المسألة الثانية: إذا أدركت ركعة من وقت العصر فهل يجب عليها صلاة الظهر مع العصر أم لا؟ أي: أن امرأة أدركت صلاة العصر وهي حائض، ثم طهرت وقت صلاة العصر فهل تأتي بالظهر والعصر؟ أم تأتي بالعصر فقط؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: أنها تأتي بالعصر والظهر معاً، وأيضاً: إذا طهرت وقت صلاة العشاء فعليها المغرب والعشاء، وإذا طهرت وقت الفجر فعليها الفجر فقط، وهذا قول جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة. وأدلتهم في ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه، ونقل أيضاً بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف أنهما قالا: في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء، وإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً، والعلة عندهم في ذلك: أن وقت الثانية وقت للأولى في حالة العذر. وذلك إذا سافر المرء، فله أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير، وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم، وله أن يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء، وله في المطر أن يفعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (جمع بين المغرب والعشاء -كما في صحيح البخاري - من غير سفر ولا مطر، قالوا: يا ابن عباس! لم؟ قال: أراد ألا يحرج أمته، أو لا يحرج على أمته). فالصحيح الراجح في ذلك: التعليل: أن وقت العصر وقت للظهر عند الضرورة، وهي في ضرورة إذا كانت حائضاً، فإذا طهرت العصر عليها أن تصلي الظهر، وأيضاً: إذا طهرت العشاء عليها أن تصلي المغرب مع العشاء. القول الثاني: قول بعض المالكية والأحناف، قالوا: لا تصلي إلا الصلاة التي أدركتها، أي: أنها إذا طهرت في صلاة العصر فليس عليها إلا العصر، وإذا طهرت في العشاء فليس عليها إلا العشاء، وهذا هو الراجح الصحيح، والأدلة على ذلك: أولاً: البراءة الأصلية، وذلك أنها عندما كانت حائضاً حرم الله عليها الصلاة، فوقت الظهر كانت حائضاً فيحرم أن تصلي، وطهرت وقت العصر فليس عليها إلا الوقت الذي طهرت فيه، وهو صلاة العصر، والأصل أن الذمة غير مشغولة بأي عبادة حتى يأتي دليل من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على وجوب هذه العبادة، ولم يأت بذلك دليل، وقد أسقط الشرع عنها الصلاة حين حيضها، ثم أمرها حين الطهر، فحين الطهر وجب عليها أداء هذه الصلاة التي طهرت في وقتها فقط. ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر). وجه الدلالة: أنه لم يقل: أدرك الظهر والعصر، بل قال: (من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر). ووجه الدلالة من الحديث العموم؛ لأنه قال: من أدرك، و (من): من الأسماء المبهمة التي تدل على العموم، بمعنى: من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر، أي: من أدرك ركعة من العصر، سواء كان رجلاً أو شيخاً أو شاباً صغيراً أو امرأة طاهرة أو حائض، نزل تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر)، ولم يذكر الظهر مع العصر، فإذا أدركت ركعة من العصر ليس عليها إلا العصر بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم. أما الرد على من استدل بقول ابن عباس فنقول: قول ابن عباس قد خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فلا نأخذ به، وقد قال ابن عباس: أوشكت السماء أن تمطر عليكم حجارة، أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر. إذاً: إذا خالف ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم فإنا نأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نأخذ بقول ابن عباس. أيضاً: قياس ابن عباس على الضرورة قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه صادم نصاً، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة) و (من): للعموم، فيدخل فيه المرأة التي طهرت، وهذا هو الراجح والصحيح. أيضاً: يلحق بذلك ما لو سمعت بالسجدة، فلا يجوز لها السجود. وأيضاً: سجود الشكر لا بد فيه أن تكون على طهارة.

حكم قضاء الصوم وأحوال الحائض في الصوم والحج

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - حكم قضاء الصوم وأحوال الحائض في الصوم والحج جاء الدين الإسلامي شاملاً لكل نواحي الحياة، فلم يترك شيئاً إلا وضحه وبينه، فجاء مفصلاً لجميع الأحكام في جميع المجالات، وكما تناول الأحكام الخاصة بالرجل، فقد تناول أيضاً الأحكام الخاصة بالمرأة، سواء في حال طهرها أو حيضها، فبين أحكامها في العبادات، ولم يهمل منها شيئاً.

أحكام الحائض في الصوم

أحكام الحائض في الصوم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فما زلنا مع رسالة: لكل امرأة، مع الأحكام التي تتعلق بالمرأة حال حيضها، وسنتكلم بمشيئة الله على حكم مهم ألا وهو: حكم الصيام للمرأة الحائض. فأقول: يحرم على المرأة الحائض الصوم، سواء أكان فرضاً أم نافلة، كما تحرم عليها الصلاة، فيجتمع الصوم والصلاة بالنسبة للحائض في الحرمة، فإنه يحرم عليها الصوم كما تحرم عليها الصلاة، فإذا صامت فإنه لا يصح منها هذا الصوم وتكون آثمة؛ لأنها خالفت نهي النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفت نهي الله جل في علاه لها بالصوم في حال حيضها، فإذا صامت واستحلت الصيام حال حيضها كفرت بذلك؛ لأنها كذبت بقول الله، وكذبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا فعلت ذلك جهلاً منها، ثم علمت فتابت فلا شيء عليها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) والجهل أخو النسيان. والدليل على أنها إذا حاضت لا تصوم: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصم ولم تصل) فهذه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يراد به الإنشاء، أي: إذا حاضت لا تصوم، فيحرم عليها الصوم. والدليل الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها التي أخبرت فيه: أن الدم كان يصيب ثوب إحداهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تصوم ولا تصلي، وتؤمر بقضاء الصوم.

قضاء الصيام للحائض

قضاء الصيام للحائض يخالف الصوم الصلاة في أن المرأة ملزمة بأن تقضي الصوم خلافاً للصلاة. والدليل على ذلك: حديث معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قلت: لست بحرورية، ولكن أسأل -يعني: مسترشدة أردت أن أتعلم- فقالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة). فقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (كان يصيبنا ذلك)، تعني: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا له حكم الرفع للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه يصيبنا ذلك، (فنؤمر)، أي: (فكان يأمرنا بقضاء الصوم، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة).

سبب أمر الحائض بقضاء الصوم دون الصلاة

سبب أمر الحائض بقضاء الصوم دون الصلاة وفارق الصوم الصلاة للمشقة، فإن الأمر بقضاء الصلاة فيه مشقة شديدة، ومخالفة لسماحة هذه الشريعة، والتأصيل العام الذي أصله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الشريعة هو التيسير على هذه الأمة، فقال: (يسروا ولا تعسروا). وقد قال الله جل في علاه في كتابه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، أي: أنه قد رفع الحرج عنا. والقاعدة الفقهية التي قعدها العلماء تقول: المشقة تجلب التيسير. والصلاة تتكرر، فإذا أمرت المرأة بقضاء الصلاة شق ذلك عليها، فرفعت عنها المشقة، أو رفع عنها الحرج، عملاً بهذه القاعدة العظيمة: المشقة تجلب التيسير. وأما الصوم فلأنه لا يتكرر فقد أمرت المرأة بقضاء الصوم.

أحوال الحائض في الصيام

أحوال الحائض في الصيام وإذا قلنا: بأن الحائض يلزمها قضاء الصوم، فإن للمرأة الحائض ثلاثة أحوال في أمر الصوم: الحالة الأولى: أن تصوم طاهراً ثم تحيض، ولو قبل المغرب بدقيقة واحدة، ولو قبل سقوط حاجب الشمس بدقائق معدودة، فإن هذا الصوم يبطل، وعليها أن تقضي هذا اليوم، ولها أن تأكل وأن تشرب، حتى ولو لم يسقط حاجب الشمس؛ لأنها لا تعتد بصوم هذا اليوم؛ لأنه لا يصح صوم الحائض بحال. الحالة الثانية: أنها تكون قد طهرت بعد الفجر بلحظة، أي: أصبحت حائضاً، وطلع الفجر وهي لم تطهر، ثم طهرت بعد الفجر، ولو بلحظة أو دقيقة، فإنها غير مطالبة بهذا الصوم؛ لأنها حال طلوع الفجر كانت حائضة، ولم تكن مخاطبة بصيام هذا اليوم، ويلزمها الإمساك إلى سقوط حاجب الشمس على الصحيح والراجح عند أهل التحقيق، ثم بعد ذلك تقضي هذا اليوم. الحالة الثالثة: إذا طهرت قبل الفجر بلحظة فإنها تصوم، ويصح صومها، وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر؛ لأن الطهارة ليست شرطاً في الصوم. والدليل على ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصح جنباً فينوي الصوم، ويصوم قبل أن يغتسل). فإذا طهرت المرأة قبل الفجر ولو بلحظة، فقد أصبحت من أهل التكليف بالصوم، فتنوي الصيام وتغتسل ولو بعد طلوع الفجر.

أحكام الحائض في الحج والعمرة

أحكام الحائض في الحج والعمرة أيضاً من الأحكام التي تتعلق بالمرأة حال حيضها: الحج والعمرة، هذه المناسك العظيمة التي فرضها الله على عباده. فالمرأة إذا منَّ الله عليها بالحج أو بالعمرة، فحاضت كما (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وأرضاها فوجدها تبكي، فقال لها: أضحكت؟ فعلم منها أنها قد نزل بها الحيض، فقال: هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم). فسهل عليها الأمر، وبين لها أحكامها في الحج. فالمرأة الحائض يجب عليها أن تؤدي كل المناسك التي يؤديها الحاج، ولا تنقص منها شيئاً، فتغتسل عند الميقات للإحرام؛ لأن الغسل سنة الإحرام، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع المرأة الحائض من هذا الاغتسال، فقد أمر أسماء بنت عميس بعدما ولدت وهي في ذي الحليفة أن تغتسل وتستثفر وتهل، فتقول: لبيك اللهم بحجة، أو لبيك اللهم بعمرة متمتعة بها إلى حجة. وهذا الغسل نيته التنظف للإحرام، أو نيته التعبد؛ لأنه سنة للإحرام، ثم تلبي كما يلبي الحاج، لا فرق بينها وبين الحاج، وتؤدي المناسك جميعاً، فتقف بعرفة مع الناس، وتذكر الله جل في علاه، وتدعو وتتضرع حال حيضها، لعل الله يتقبلها في الصالحات القانتات في هذا اليوم العظيم، وتبيت بمزدلفة كما يبيت الحاج، ولا يشترط في الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة الطهارة. وأيضاً: تبيت بمنى في ليالي منى، وترمي الجمار؛ لأن كل ذلك لا يحتاج إلى طهارة، وتسعى بين الصفا والمروة، وتقدم السعي وتأخر الطواف؛ لرفع الحرج عنها، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال له رجل: سهوت أو نسيت فطفت قبل أن أسعى، أو حلقت قبل أن أطوف، أو سعيت قبل أن أطوف. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج، فما أحد قدم شيئاً أو أخر إلا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (افعل ولا حرج)، فلها أن تقدم السعي بين الصفا والمروة إذا علمت أنها تطهر في آخر النهار؛ لأن هذا هو الأولى والأحوط، وإذا ظهرت لها علامات الطهر، مثل أن تنزل منها الصفرة والكدرة، وقد اعتادت أنه لو نزلت الصفرة والكدرة فإنها تطهر بعد ساعة أو ساعتين، فإنها تسعى بين الصفا والمروة، ثم بعد أن تطهر تغتسل وتطوف بالبيت. إذاً: المرأة الحائض في الحج لا يحرم عليها شيء قط يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري). فشرط النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة الحائض: ألا تطوف بالبيت، وألا تدخل المسجد الحرام. كما أنه قد خفف عن الحائض في المناسك، فقد أسقط عنها الشرع طواف الوداع تخفيفاً، وإن كان واجباً على كل حال، إلا أن الشرع الحنيف راعى حال حيضها، فقد جاء في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت طواف الوداع، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض). وقد نازع زيد بن ثابت ابن عباس في هذه المسألة، فكان يفتي: بأن المرأة الحائض تبقى حتى تطهر، فتطوف طواف الوداع. فبين له ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة الحائض في ذلك، فرجع لقول ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه. وأيضاً: (لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنفرة، قالوا: إن صفية حاضت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتحبسنا هي؟ قالوا: إنها قد فاضت -يعني: طافت طواف الإفاضة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فلتنفر إذاً) بمعني: أنها تسير؛ لأنه قد سقط عنها طواف الوداع حال حيضها؛ هذه ملخص أحكام المرأة في الحج حال حيضها. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

أحكام نكاح وطلاق ووطء الحائض

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - أحكام نكاح وطلاق ووطء الحائض يحرمُ على الرجل وطء امرأته وهي حائض، ويحرم طلاقها كذلك وهي حائض، ومن استحل وطء المرأة في الحيض فقد كفر، ومن وطأ امرأته وهي حائض برضاها فالإثم عليها، ويلزمهما التوبة، وإن كانت مكرهة فالإثم عليه وحده، ويجوز العقد على المرأة الحائض والزواج منها اتفاقاً، والطلاق في الحيض يقع على قول الجمهور، ويجب مراجعة الرجل امرأته إذا طلقها وهي حائض.

ما يحل للرجل من امرأته الحائض

ما يحل للرجل من امرأته الحائض إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: من الأحكام التي تتعلق بالمرأة الحائض: معاملة زوجها معها حال حيضها.

حرمة وطء الحائض

حرمة وطء الحائض أجمع أهل العلم على تحريم وطء المرأة الحائض، ومن فعل ذلك فقد فعل كبيرة، ولا بد أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، ومن استحل وطء المرأة في الحيض فقد كفر، فعل أو لم يفعل، فمن قال: الخمر حلال، وقرئ عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ} [المائدة:90]، وبينت له الآية، فقرأها وعقل معناها، ثم قال: الخمر حلال. فهذا مستحل، شرب أم لم يشرب، وهو كافر؛ لأن الاستحلال -والعياذ بالله- معلوم بالدين بالضرورة أنه يكفر صاحبه؛ لأنه مكذب لله، فكذلك من وطئ المرأة الحائض في حيضها واستحل ذلك فقد كفر؛ لأنه مكذب لله جلا في علاه. ودليل حرمة إتيان الرجل المرأة الحائض قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]، ثم قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرن} [البقرة:222]. وهذه الآية مجملة، وظاهرها: عدم القرب من المرأة الحائض، سواء بالمس أو بالمباشرة أو بالتقبيل أو بالضم. وقد يبن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإجمال وفسره بفعله، فعن عائشة: (أنه كان يلقي عليها إزاراً تتزر، فيباشرها وهي حائض). إذاً: قول الله تعالى: ((وَلا تَقْرَبُوهُنَّ))، ليس على عمومه، ولا على إطلاقه، بل هو مقيد إما بالفرج، وإما بما بين السرة والركبة.

الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج

الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج وأما ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض، فقد اختلف العلماء في ذلك: فجماهير أهل العلم: يرون بأن الرجل يحل له من امرأته المباشرة والتقبيل والضم والتمتع بها كيفما شاء، حتى ما بين السرة والركبة. واستدلوا على ذلك بما جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنباً، وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض). الشاهد في الحديث قولها: (فأتزر). ومعلوم أن الإزار أقل شيء أنه يغطي الركبة، فهذه دلالة واضحة جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشرها في ما بين السرة والركبة، وهذا الذي تعلق به الجمهور. والصحيح الراجح الذي لا محيد عنه، وهو الذي رجحه النووي وخرج عن قول الشافعي في ذلك، أو هو قول الشافعية ولكن خرج عن قول الجمهور ومنهم الشافعي: أنه يجوز للمرء أن يصنع كل شيء، ويتمتع بكل جزئية من المرأة إلا الفرج. فإن اعترض معترض وقال: إن هذا ذريعة للإيلاج؛ لأن الإنسان كلما حام حول الحمى وقع فيه. فنقول: إن هذا الذي يملك إربه فهذا حلال له، وأما الذي لا يملك إربه فحرام عليه أن يفعل ذلك، وهذا من باب سد الذرائع؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد. إذاً: الصحيح الراجح في ما يحق للرجل من امرأته الحائض: أن يأتيها من كل مكان، ويجتنب الفرج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء سوى النكاح)، أو (إلا النكاح) والمقصود بالنكاح هنا: الوطء في الفرج. فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء)، نص في العموم، فله أن يقبل ويباشر ويضم، ويضنع كل شيء، وفي كل مكان دون الفرج؛ لأنه قال: (سوى النكاح)، أي: دون الوطء في الفرج؛ لأن النكاح هنا معناه: الوطء في الفرج. وأما الدبر فقد جاءت فيه أدلة أخرى، وإن كانت أدلة فيها ضعف، لكنها متعاضدة، بأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم إتيان المرأة في دبرها، ولذلك قال: (ائتها مقبلة مدبرة)، تفسيراً لقول الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]. فقال: (مقبلة مدبرة، واتق الحيضة والدبر). وأما الرد على قول الجمهور: بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر عائشة رضي الله عنها وأرضاه بعدما تتزر، وإذا أراد امرأة من نسائه ألقى عليها شيئاً تتزر به. فنقول: هذا حكاية فعل، والقول مقدم على الفعل. فقد قال: (اصنعوا كل شيء سوى النكاح). وهذا الفعل على الأحوط والأفضل، ونحن نقول: الأحوط والأورع أن الإنسان إذا أراد أن يتمتع بامرأته الحائض ألا يقترب مما بين السرة إلى الركبة، وإذا كان مالكاً لإربه ولنفسه فله أن يتمتع بكل جزئية من امرأته.

حكم وطء الحائض

حكم وطء الحائض وإذا باشر الرجل امرأته وهي حائض، فوطئها في فرجها فقد وقع في كبيرة، فليتق الله ربه، وليستغفره، وليتب إليه توبة نصوحاً، وإن طاوعته زوجته على ذلك فهي آثمة وفاعلة لكبيرة، ولا بد أن تتوب توبة نصوحة، وأما إذا أكرهها على ذلك فهو الآثم وحده، ولابد أن يتوب إلى الله جل في علاه من هذه الفعلة. فإن تاب فعليه كفارة، فقد جاء في مسند أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى امرأته وهي حائض فعليه أن يتصدق بنصف دينار، أو دينار). وقد قال بعض العلماء: إنه إذا أتاها في انقطاع الدم فيتصدق بنصف دينار، وإن أتاها في أول الدم فيتصدق بدينار. والخلاف في ذلك هين، ويمكن أن نقول: هو مخير بين أن يتصدق بنصف دينار أو يتصدق بدينار. والأولى له والأفضل هذا التقسيم، وقد رضيه بعض العلماء وصححوا الحديث، وإن كان فيه نظر.

أحكام النكاح والطلاق في الحيض

أحكام النكاح والطلاق في الحيض اتفق العلماء على أن المرأة الحائض يجوز العقد عليها والزواج منها؛ لأن الحيض ليس شرطاً ولا ركناً من أركان العقد، ولا خلاف بين العلماء في ذلك.

حكم طلاق الحائض

حكم طلاق الحائض اتفقت كلمة العلماء على حرمة الطلاق في الحيض؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسلم: (أنه عليه الصلاة والسلام غضب غضباً شديداً عندما اشتكى عمر من ابنه عبد الله أنه طلق امرأته وهي حائض، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له: مره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء أن يمسكها فليمسكها، وإلا طلقها في طهر لم يجامعها فيه)، وبين له أن هذه هي العدة التي أمر الله جل في علاه أن تطلق لها النساء؛ وفي غضب النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره لـ ابن عمر بمراجعة المرأة؛ لأنه طلقها وهي حائض، دلالة على أن هذا الطلاق يعتبر طلاقاً بدعياً، والطلاق البدعي يأثم صاحبه؛ لأنه أتى به على وجه غير مسموح به شرعاً.

هل يقع طلاق الحائض؟

هل يقع طلاق الحائض؟ وقد اختلف العلماء فيما إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض، هل يقع أو لا يقع؟ على قولين: القول الأول: قول جماهير أهل العلم: إن الطلاق يقع، ويأثم بذلك، ولا بد أن يتوب. واستدلوا على ذلك بأدلة: الدليل الأول: حديث مسلم وفيه: أن ابن عمر قال: فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها. أو قال: (فحسبها علي تطليقة). فوجه الشاهد من الحديث: أنه قال: وحسبت لها التطليقة. وفي رواية قال: (وحسبها علي تطليقة). والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حسبها تطليقة. الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (مره فليراجعها). والأصل في المراجعة أنها لا تكون إلا بعد طلاق، وهذا ظاهر جداً في أن الطلاق قد وقع، ولذلك قال: (مره فليراجعها). الدليل الثالث: القاعدة الحديثة، وهي: أن الراوي أعلم بما روى. وابن عمر نفسه لما سئل عن رجل طلق امرأته وهي حائض؟ قال: احسبها تطليقة. فبين أنه يقع الطلاق، والراوي أعلم بما روى. وأما دليلهم من النظر فقالوا: هذا عقد يملكه الرجل، وقد أحل هذا العقد، ولا علاقة بالحيض في هذا الإحلال. القول الثاني: قول بعض الحنابلة وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: إنه لا يقع الطلاق في الحيض. واستدلوا على ذلك من الأثر والنظر. أما من الأثر: الدليل الأول: جاء في سنن النسائي وغيره أن ابن عمر الراوي: فلم يرها شيئاً. أي: لم يرها شيئاً من الطلاق، وهذا فيه دلالة على أن الطلاق لا يقع. الدليل الثاني: قالوا: نحن وأنتم متفقون على أن الطلاق في الحيض طلاق بدعي يأثم صاحبه، وهذا محل اتفاق، فإذا طلق في الحيض فقد طلق طلاقاً بدعياً، وإذا طلق طلاقاً بدعياً فهو باطل مردود؛ قلنا: لماذا؟ قالوا: لحديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في الصحيحين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، يعني: باطل. فنقول: من طلق طلاقاً ليس عليه أمرنا فهو باطل. والصحيح والراجح في ذلك هو: قول الجمهور، بأن الطلاق في الحيض يقع، ويأثم صاحبه، ولابد أن يتوب توبة نصوحاً، وذلك لما جاء عن ابن عمر صريحاً غير محتمل للتأويل أنه قال: (فحسبها علي تطليقه). وهذه لا يمكن أن تحتمل شيئاً إلا أن يقولوا: هذا من اجتهاد ابن عمر. فنقول: اجتهاد ابن عمر أقره عمر، وعمر هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن عمر بن الخطاب وابن عمر فهما من النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا الطلاق يقع، بل هو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: فالدلالة صريحة صحيحة على أن يقع الطلاق لا يقع، لا سيما وقد أفتى ابن عمر من سأله بذلك، وقال: يقع الطلاق. وأما أدلتهم من النظر فقالوا: بأنه لا علاقة للحيض بمسألة النكاح ومسألة الطلاق. وأما الرد على المخالفين: فنقول: أولاً: الحديث الذي تعلقتم به الرد عليه من وجوه: الوجه الأول: أن هذا الحديث فيه شذوذ؛ لأنه خالف ما هو أقوى منه؛ لأنه جاء في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم أنه قال: (فحسبها علي تطليقة). ودليلكم هذا في السنن أنه قال: (فلم يرها شيئاً) فهذا شذوذ؛ لأن الثقات الأثبات رووا: (حسبها علي تطليقة). الوجه الثاني: إن قلنا: ليس بشذوذ، فنقول: هذا محتمل. أي: هذه الرواية محتملة، فإن قوله: (لم يرها شيئاً)، تحتمل لم يرها من السنة شيئاً، أو لم يرها من العدة شيئاً، أو لم يرها من الطلاق شيئاً، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط الاستدلال به. الوجه الثالث: دليلنا مقطوع به: (حسبها علي تطليقة). ودليلكم مظنون: (لم يرها شيئاً). والمقطوع به يقدم على المظنون. الوجه الرابع: أن استدلالهم بحديث (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، على أن من طلق طلاقاً ليس عليه أمرنا فهو باطل مردود لا يقع. فنقول: نحن نوافقكم على القاعدة: أن (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، ولا نوافقكم على التطبيق؛ لأنه قد طلق طلاقاً عليه أمرنا، فقال لها: أنت طالق بالصريح، والله جلا وعلا يقول: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229]. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا طلاق إلا لمن أخذ بالساق)، يعني: الطلاق يقع صحيحاً لمن أخذ بالساق وجامع، وهو الزوج الحقيقي. وهذا الحديث يستدل به العلماء: على أن الرجل إذا قال: علي الطلاق مثلاً، أو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فإن الطلاق لا يقع، خلافاً للمالكية؛ لأن الطلاق لا يقع إلا من عاقد عقداً صحيحاً، وهذا الرجل الذي طلق لم يعقد عقداً صحيحاً. إذاً: الطلاق وقع عليه أمرنا في زمن ليس عليه أمرنا، والجهة منفكة، فيكون الطلاق وقع عليه أمرنا فصح، وفي زمن ليس عليه أمرنا فأثم بذلك، ونحن نتفق معكم على الإثم، وقد بينا من النظر أنه لا علاقة للحيض بالنكاح، والزمن ليس شرطاً في صحة الطلاق، ولا ركناً من أركانه. إذاً: الطلاق يقع في الحيض، ويأثم صاحبه، ولا بد أن يتوب توبة نصوحاً.

وجوب مراجعة الرجل لامرأته إذا طلقها وهي حائض

وجوب مراجعة الرجل لامرأته إذا طلقها وهي حائض وهل إذا طلق امرأته في الحيض يراجع وجوباً أم استحباباً؟ الجمهور: على أنه أذا طلق امرأته في الحيض فقد أثم، ووقع الطلاق، ويراجع استحباباً. والصحيح الراجح الذي لا محيد عنه: أن الأمر في قوله: (فليراجعها)، أمر من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب، ومن قال بالاستحباب فليأت بالصارف، ولذلك امتثل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، هذا الأمر ورد امرأته.

حكم دخول الحائض المسجد

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - حكم دخول الحائض المسجد اختلف العلماء في حكم دخول الحائض المسجد إلى قولين، فالقول الأول: قول جمهور العلماء تحريمُه تحريماً باتاً، والقول الثاني: قول ابن حزم ومن وافقه جواز دخول الحائض المسجد، وقول الجمهور هو القول الصحيح الراجح، وحكم المنع خاص بالحائض دون المستحاضة.

حكم دخول الحائض المسجد

حكم دخول الحائض المسجد إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فسنتحدث إن شاء الله عن حكم دخول الحائض المسجد، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول

القول الأول القول الأول: جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة: يرون بأنه لا يجوز للمرأة الحائض أن تدخل المسجد. وذهب ابن حزم وأنصاره وأعوانه إلى جواز دخول الحائض المسجد، قال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148]، وللفريقين أدلة، وسنثبت إن شاء الله الآن أيهما أرجح. فقول الجمهور يحرم تحريماً باتاً على المرأة أن تدخل المسجد، وإن دخلت للمكث -دون المرور- فهي عاصية آثمة، وعليها الوزر؛ لأنها خالفت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والأدلة عند الجمهور من الكتاب، قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا} [النساء:43]، فقوله تعالى: ((لا تقربوا الصلاة))، هو الشاهد، والصلاة هنا: إما: الركوع والسجود، وإما: موضع الصلاة الذي هو المسجد وموضع الصلاة مؤول، فقوله تعالى: ((لا تقربوا الصلاة))، معناه: لا تقربوا موضع الصلاة، والقرينة التي جعلتنا نقول بذلك التأويل هو قوله تعالى: ((ولا جنباً إلا عابري سبيل)) أي: الجنب لا يجوز له أن يصلي، فقوله: ((ولا جنباً)) لا يمكن أن يقصد بالصلاة في الآية: الركوع والسجود، بل المراد مكان الصلاة، ولذلك قال: ((ولا جنباً))؛ لأنه بالإجماع لا تجوز صلاة الجنب، ثم أتم البيان بقوله: ((عابري سبيل)) أي: له أن يمر مرور الكرام من المسجد، والحائض أغلظ من الجنب فتمنع من المسجد، ووجه الدلالة عندهم: أنه إذا منع الجنب من المكث في المسجد للجنابة فمن باب أولى أن تمنع الحائض، وهذا التفسير لـ ابن مسعود، وأنس وابن المسيب، وغير هؤلاء من أساطين أهل العلم، لا سيما وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل المرأة الحائض المسجد، وأن تطوف بالبيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)، واختلف العلماء في العلة في ذلك: هل المنع هو المنع من الطواف، أم المنع من دخول المسجد؟ ونحن نقول: بأنها منعت من المسجد، ومنعت أيضاً من الطواف، على الراجح من أقوال أهل العلم وهو أن الطهارة شرط في صحة الطواف. وأما أدلتهم من السنة: ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست بيدك)، فإنه لما قال لها: ناوليني الخمرة، قالت عائشة بلسان حالها: إني قد تعلمت منك أن الحائض لا تدخل المسجد، فكيف أدخل المسجد وأنا حائض؟! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم مقراً على فهمها: إن المرأة الحائض لا يجوز لها دخول المسجد، وأقرها على ذلك، لكن بين لها أمراً خفي عليها ألا وهو: (إن حيضتك ليست بيدك)، أي: لا يصح لك الدخول إلى المسجد كما فهمت، لكن إذا مددت يدك وناولتيني الخمرة فإن يدك ليست ككلك، فالصحيح بوجه الدلالة: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها فهمت أن الحائض لا تدخل المسجد، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على فهمها هذا، ولكن بين لها بأن دخول يدها بالمناولة لا يعتبر دخولاً لها في المسجد، وقال لها: (إن حيضتك ليست بيدك)، بمعنى: فارق الجزء حكم الكل في هذا الحكم، أي: أن اليد لم تأخذ حكم الجسد! وأيضاً من الأدلة التي استدل بها الجمهور: ما رواه البخاري ومسلم عن أم عطية رضي الله عنها وأرضاها: (أمرنا أن نخرج الحيض، وذوات الخدور، يشهدهن الخير ودعوة المؤمنين، ثم أمر الحيض باعتزال المصلى). ووجه الدلالة: أن الحيض إذا منعت من دخول المصلى فلأن تمنع من دخول المسجد أقوى؛ لأن حرمة المسجد أشد تعظيماً وتوقيراً من حرمة المصلى، فإذا منعها النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً على تلويث المصلى، فلأن تمنع من المسجد من باب أولى، وهذا الحديث فيه دلالة قوية من ناحية النظر على أنه قياس الأولى. أيضاً: استدلوا بحديث ضعيف، لكن نسوقه استئناساً لا احتجاجاً به، وهو: ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أحل المسجد لجنب ولا حائض). فهذا الحديث الذي رواه أبو داود فيه ضعف في الإسناد، وعلة الإسناد جسرة فإنها لا تعرف، والجهالة في الإسناد تضر، فيضعف الإسناد، ولذلك نقول: هذا الحديث فيه ضعف، ولا يصح الاحتجاج به، وما سقناه إلا استئناساً، والغنية في الأحاديث السابقة والأدلة التي استدل بها الجمهور.

القول الثاني

القول الثاني القول الثاني: لبعض أهل العلم، ومنهم ابن حزم الظاهري ومن وافقه، فقالوا: أنه يجوز للحائض دخول المسجد والمكث فيه. ولهم أدلة كثيرة منها: أولاً: البراءة الأصلية، إذ أن الأصل عدم المنع، إلا أن يأتي دليل يدل على المنع من دخول المسجد، فالأصل براءة الذمة، فلا نلزمها بعدم الدخول إلا بدليل أوضح من شمس النهار. ثانياً: حديث المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد، فعن عائشة رضي الله عنها وأرضاها: أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فكان لها خدامة في المسجد. ووجه الدلالة من ذلك: أنها سكنت المسجد، والمعهود من النساء الحيض، والله جل وعلا كتب ذلك على بنات آدم، فإنها لابد في لحظة من اللحظات وفي أيام معدودات من الشهر أن ينزل بها دم الحيض، ولم يمنعها النبي صلى الله عليه وسلم من المكث في المسجد مع أنه قد ينزل عليها دم الحيض، فدل ذلك على أنه يجوز للمرأة الحائض أن تبيت في المسجد، وأن تجلس فيه، وهذه أدلة الذين قالوا بجواز دخول المرأة الحائض المسجد، ولعل أقوى الأدلة لهم هو حديث المرأة التي كانت تقم المسجد.

ترجيح القول بحرمة دخول الحائض المسجد

ترجيح القول بحرمة دخول الحائض المسجد والراجح من هذه الأقوال هو قول جمهور أهل العلم، وهو: حرمة المكث في المسجد للمرأة الحائض للأدلة الصريحة الصحيحة في ذلك، فهي قد منعت من دخول المصلى، فلأن تمنع من دخول المسجد من باب أولى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فترجله عائشة وهي حائض، فلو كان دخولها المسجد جائزاً لكان ذلك أيسر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما وهو معتكف، فلا تحوجه أن يخرج رأسه إليها فترجله؛ ولأنه معلوم أن المعتكف لا يجوز له أن يخرج من المسجد وإلا بطل اعتكافه، وأيضاً لا ينبغي له أن يخرج جزءاً من أجزائه خارج المسجد، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى باب المسجد ويخرج رأسه فترجل عائشة رضي الله عنها وأرضاها رأسه دون أن تدخل خباؤه، ففيه دلالة واضحة على أن المرأة الحائض تمنع من دخول المسجد. أما الرد على ما استدل به من قال بالجواز: أولاً نقول: إنه لا يستقيم الاستدلال بالبراءة الأصلية؛ لأنه قد أتى الناقل الصحيح الصريح الذي يمنع دخول الحائض إلى المسجد، ألا وهو: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويعتزل الحيض المصلى)، أو (أمر الحيض باعتزال المصلى)، وهذا بالنسبة للمصلى فكيف بالمسجد! وأما استدلالهم بالمرأة التي كانت تقم المسجد فالرد عليهم من وجوه: الوجه الأول: أنه يحتمل أنها كانت تقيم في المسجد، ووقت حيضها تخرج من المسجد، وهذا محتمل؛ لأنها عند إقامتها في المسجد تكون قد تعلمت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج رأسه لـ عائشة فترجله وهي حائض، وكان يمنع الحائض من دخول المصلى، فهذا الاحتمال إذا تطرق إلى الدليل سقط به الاستدلال. الوجه الثاني: نقول: نتنزل معكم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بالمقيمة في المسجد، وعلم أنه حال نزول الدم منها وحال حيضها أنها تمكث في المسجد، فتركها ولم يخرجها من المسجد، ولم ينهها، فهذه هي السنة التقريرية، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بأنها حاضت، وجلست في المسجد فأقرها على ذلك، فنقول: هذه سنة تقريرية، وأما قول النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم: (ويعتزل الحيض المصلى)، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج رأسه لترجله عائشة، فإن هذا أقوى في الدلالة، فإذا كان ظاهرهما تعارض السنة القولية والسنة الفعلية مع السنة التقريرية، فإن السنة القولية والسنة الفعلية تقدم؛ لأنهما أقوى دلالة من السنة التقريرية، وهذا مقرر عند علماء الحديث وعلماء الأصول. الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قد -تنزلاً مع الخصم- علم ذلك وتركها في المسجد، فنقول: هذه واقعة عين، وحال المرأة بأنها شريدة وحيدة فريدة لا مكان لها يؤويها، فالنبي صلى الله عليه وسلم علم بحيضها فاستثناها من الحكم العام، وللشرع أن يستثني من شاء من الحكم والتأصيل العام، فيكون التأصيل العام بأن المرأة الحائض لا تدخل المسجد، وأن المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد، وكانت وحيدة فريدة شريدة لا مكان لها يؤويها قد استثناها النبي صلى الله عليه وسلم من التأصيل العام، وأقرها على أن تبيت في المسجد ولو كانت حائضاً، ونقول أيضاً: هذه واقعة عين، ووقائع العين عند العلماء لا تعمم، ولا يقاس عليها إلا مثلها، بمعنى: أنه إذا وجد في هذا الزمان امرأة شريدة وحيدة لا مكان يؤويها، ولا مكان تأمن فيه على نفسها إلا المسجد، فيجوز لها أن تلبث في المسجد، وحتى لو كانت حائضة إلحاقاً بها على حكم المرأة السوداء. الوجه الرابع: أننا لا نقول بأنها واقعة عين، يعني: يلحق بها مثلها، بل نقول: إن هذا خاص بالمرأة السوداء، والنبي صلى الله عليه وسلم قد سمح لها بالمكث في المسجد للضرورة؛ لأنه لا مكان يؤويها، والضرورات تبيح المحظورات. ولا بد أن ننبه على أمر مهم، وهو: أن حكم منع المرأة الحائض من المسجد، لا ينسحب على المستحاضة، وبذلك تسلم أدلة الجمهور من المعارضة. وأما من قال بجواز الدخول فأدلته ضعيفة جداً، والرد عليها من وجوه كما سبق وبينا، وعند ذلك تسلم الأدلة من المعارضة. ونقول: بتحريم دخول المرأة الحائض المسجد، وكفى للمرأة أن تتقي ربها، وتعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد منعها من دخول المصلى، فلأن يمنعها من دخول المسجد هو من باب أولى، وإذا قلنا: بأن هذا خلاف معتبر، فالقاعدة عند العلماء: الخروج من الخلاف مستحب.

جواز مكث المستحاضة في المسجد

جواز مكث المستحاضة في المسجد وحكم المنع خاص بالحائض دون المستحاضة، فللمرأة التي تستحاض، أي: ينزل منها الدم ويستمر، أن تدخل المسجد وتمكث فيه، ولها حضور مجالس العلم، والذكر، وحلقات القرآن، فالمستحاضة لا تأخذ حكم الحائض. فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (اعتكف معه بعض نسائه، وكانت مستحاضة ترى الدم، وربما وضعت الطست تحتها من الدم). وفي هذا الحديث دلالة واضحة جداً على جواز مكث المستحاضة في المسجد؛ لأنها دخلت المسجد، واعتكفت فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم بأنه ينزل منها دم الاستحاضة، وأقرها على ذلك وهي في المسجد، وصلاتها واعتكافها صحيحان. قال ابن القيم رحمه الله: المستحاضة يجوز لها اتفاقاً دخول المسجد للطواف إذا تلجمت. وتلجمت معناه: تحفظت. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

هل للحائض الذكر والتسبيح وقراءة القرآن

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - هل للحائض الذكر والتسبيح وقراءة القرآن ديننا الإسلامي واسع شامل، جاء لربط الناس برب العالمين، وتتجلى عظمته كلما درسه الإنسان وتأمل فيه، وغاص في حكمه وتعمق في أسراره، فمع أنه حرم على المرأة الحائض الصوم والصلاة ودخول المسجد، إلا أنه أباح لها ذكر ربها بأنواع الذكر والتسبيح، بل وقراءة الآية والآيتين في كتب التفسير والفقه، وذلك رحمة بها؛ وحتى لا تحرم الأجر، ولتظل مرتبطة بخالقها طوال عمرها، كما أنها مأجورة بامتناعها عن العبادات طيلة فترة حيضها.

حكم الذكر للحائض

حكم الذكر للحائض إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فإننا الآن على مشارف مسألة هي من أهم المسائل، إذ البحث فيها شاق، وقال عنها كثير من علماء الأمة وكثير من أساطين أهل العلم: بأن هذه المسألة من مضايق الخلاف، ولا يعلمها إلا الأفراد، ونحن سنقدم بين يدي هذه المسألة فنقول: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه. وسننظر أقرب الأقوال إلى السنة، ونبين الراجح بالدليل، والمسألة هي: هل للحائض الذكر والتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل حال حيضها؟ هذه مسألة من أهم المسائل في هذا الباب الذي نتكلم عليه بإذن الله، ونوضح مسائله بالدليل والتعليل والتمثيل، وأيضاً نبين الخلاف بإنصاف، ثم نبين ما يوافق السنة وما يكون أبعد من السنة، فنرجح ما هو أقرب للسنة، فقد قال الله تعالى يرسي لنا قاعدة، ويشكك في إيمان من لم يأخذ بهذه القاعدة، ألا وهي: قول الله جل في علاه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، وقال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، وقال جل في علاه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59]، وقال جل في علاه: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ} [النساء:83] أي: أولي العلم، {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)، بل أناط الله محبته وعلامة محبته بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الحسن البصري: زعم أناس حب الله وحب رسوله، فامتحنهم الله بآية المحنة. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31]، وفي السنن والمسند عن العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، قلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ). وفي رواية أخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين بعدي أبي بكر وعمر). ونحن الآن على نثرة الطريق، وسنفصل في هذه المسألة بقال الله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل لبيب بالإشارة يفهم، وكل طالب علم يرى الحق أين هو، وسآتي به، وقبل أن أبدأ أقول: إن الخلاف المعتبر لا إنكار فيه، لكن لا يسعى الإنسان أن يقول: اختلاف أمتي رحمة! والخلاف المعتبر على أنه خلاف معتبر، ولكن نقول: هناك راجح وهناك مرجوح، فلابد أن نبين الراجح من المرجوح.

جواز الذكر للحائض وقراءة الآية والآيتين في كتب أهل العلم

جواز الذكر للحائض وقراءة الآية والآيتين في كتب أهل العلم المسألة الأولى: هل يصح للمرأة الحائض الذكر والتسبيح وقراءة الآية والآيتين في كتب التفسير، أو كتب الفقه، وقراءة الآية عندما تركب الدابة على أنه دعاء؟ نقول: إن الذكر والتسبيح، وقراءة الآية على أنها ذكر في الفقه وغيره، يجوز بالاتفاق دون أدنى خلاف. والأدلة على ذلك كثيرة ومنها: أولاً: قول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحواله. وهذا على العموم. ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)، وهذا أيضاً على العموم. ثالثاً: الآيات والأحاديث التي تثبت فضل الذكر، دون التفريق بين حائض أو جنب أو غيرهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله)، أي: اجعل لسانك رطباً بذكر الله، وهذا على العموم في كل أحوالك، سواءً كنت جنباً أو لست بجنب، أو كنت امرأة حائضاً أو لست بحائض، فلك أن تجعلي لسانك رطباً بالذكر، فهذا العموم يبين لنا بالاتفاق: أنه يجوز للمرأة التسبيح والذكر، وقراءة الآية في كتب الفقه، وأنها لو قرأت الآية في كتب الفقه على أنها من الأدلة وليست من تلاوة القرآن لها ذلك، وقد رخص فيه بعض العلماء الذين يقولون بالمنع، فقالوا: لها أن تقرأ آية أو آيتين.

حكم قراءة الحائض للقرآن

حكم قراءة الحائض للقرآن أما قراءة القرآن: فهذا المعترك الدامي بين العلماء، وبإنصاف أريد آذاناً صاغية، وهذه المسألة بدقة النظر في الأقوال نجد أن العلماء فيها على ثلاثة أقوال: القول الأول: المنع مطلقاً. القول الثاني: الجواز مطلقاً. القول الثالث: الجواز للحاجة فقط.

القول بمنع قراءة القرآن للحائض مطلقا

القول بمنع قراءة القرآن للحائض مطلقاً القول الأول: المنع مطلقاً، وهم الجمهور: الشافعية والحنابلة والأحناف، قالوا: يحرم على المرأة الحائض قراءة القرآن، وتأثم إن قرأت القرآن، فقد تتلو القرآن وتحسب أنها تحسن صنعاً، وهي في الحقيقة تسيء لنفسها؛ لأنها آثمة عند الله، وقد تكون من الكبائر إذا علمت الحق فأصرت على خلافه، وإن لم تعلم فهي من الصغائر، والله أعلى وأعلم. ولهم أدلة على ذلك، منها: الدليل الأول: حديث ابن عمر في السنن أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقرأ الجنب ولا الحائض القرآن)، وجاء هذا الحديث من طريق آخر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه بمنع الحائض من قراءة القرآن أيضاً، وجاء من طريق أنس أيضاً، والروايات كلها ضعيفة كما سأبين. الدليل الثاني: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل أحواله سوى الجنابة). والحائض عند العلماء ملحقة بالجنب، وهي أشد منه وأولى منه. الدليل الثالث: جاء في سنن البيهقي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (لا يقرأ الجنب ولا الحائض القرآن)، وقد جاء من طريق آخر عن عمر أنه منع، وهو طريق مجود، لكن الطريق الأصح إسناداً، والطريق الذي هو أقوى الموافق فيه لـ علي أنه قال: (لا يقرأ الجنب ولا الحائض القرآن). الدليل الرابع: جاء عن علي بن أبي طالب بسند صحيح أنه قال: (لا يقرأ الجنب القرآن -والحائض طبعاً معه- قالوا: يا أمير المؤمنين! ولا حرفاً واحداً! قال: ولا حرفاً واحداً)، فهذا جزم بالتحريم، وصريح بالتحريم، فهنا قال: (ولا حرفاً واحداً). الدليل الخامس: عن عائشة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها كما في صحيح البخاري أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في حجري وأنا حائض)، ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: يقرأ القرآن في حجري. وصفتي: أني حائض، وكنت أعلم كما فهمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم -هذا توضيح منها-: أن الحائض لا تقرأ القرآن، فكيف يقرأ القرآن وهو في حجري! فكأن النبي بلسان حاله يعلمها: يا ابنة الصديق! إن المرأة الحائض لا تقرأ القرآن لحيضها، أما القارئ الذي لم تصبه جنابة ولا حيض، فإن له أن يقرأ القرآن، ولا يؤثر فيه أن تكون هذه القراءة بجانب الحائض، بل لو كانت في حجر حائض يجوز؛ لأن المنع بوصف الحيض، والحيض لا يتصف به إلا النساء، وكأن عائشة فهمت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فاحتاجت للتنصيص: بأن القراءة في حجر الحائض جائزة؛ وكأنها تقول: إن النساء يقلن: بأن الحائض لا تقرأ القرآن ولا يقرأ بجانبها القرآن، فقالت: فأما الأولى: فقد فهمن ذلك، وأما الثانية: فقد احتجن أن أصرح لهن بجواز قراءة القرآن بجانب الحائض، بل وفي حجر الحائض، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. الدليل السادس لهؤلاء من جهة التصريح: أنه جاء في سنن أبي داود بسند صحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يبول فمر عليه رجل، فقال: السلام عليك يا رسول الله! فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام، ثم ضرب بيده الحائط فتيمم، ثم رد عليه السلام، ثم قال: كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة)، وهذا الحديث وإن كان لا يساعدهم على التحريم، لكن يساعدهم على الكراهة؛ لأنهم يقولون: بجواز الذكر للحائض، وقوله: (كرهت أن أرد عليك، أو كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة)، هذه اللفظة: (كرهت) لا تدل على التحريم، وإن كان بعض العلماء يقول: إنها أصل في التحريم، والصحيح الراجح أنها ليست دلالة في التصريح على التحريم، لكن يستأنس بها. وانظروا إلى جيوش الأدلة، وهي تجعل حتى خفيف العقل يخشى على نفسه، ويقول: أخرج من الخلاف أفضل لي. الدليل السابع: يستدل لهم بالقياس على فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ففي مسند أحمد بسند صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يبول -متلبس بالنجاسة- فمر عليه رجل فقال: يا رسول الله! السلام عليك ورحمة الله، أو قال: السلام عليك يا رسول الله! فلم يرد عليه، فلما قضى حاجته ذهب إليه، فقال له: إذا وجدتني على هذه الحال، فلا تسلم عليّ، فإن فعلت فلن أرد عليك)، ورد السلام واجب، والدليل قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا} [النساء:86]، ووجه الدلالة قوله: (فحيوا) وهو أمر، وظاهر الأمر الوجوب، ولا يسقط النبي صلى الله عليه وسلم ما يجب إلا من أجل أمر محرم، وهنا محرمان: المحرم الأول: ألا يرد. المحرم الثاني: أن يرد وهو متلبس بالنجاسة، فدفع الكبرى بارتكاب الصغرى، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول بفعله: إن رد السلام وهو متلبس بالنجاسة كبيرة، وأصغر منه أن أمتنع عن رد السلام، فأفعل الأصغر وأدفع بهذا الفعل الأكبر، فيكون وجه الدلالة هنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط واجباً؛ لأنه كان متلبساً بالنجاسة. فالمرأة لا تسقط مستحباً من أجل التلبس بالنجاسة، إذا قلنا: بوجوب القراءة عليها لا للاستحباب، والراجح أنه للاستحباب كما سأبين، فإننا نقول: التلبس بالنجاسة يمنعها، والمانع الأكبر يدفع الأصغر، فافعلي ما فعل رسول الله، ادفعي الكبرى بالصغرى، فلا تقرئي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقال: (إن فعلت -أي: إن كلمت، وإن كان رد السلام من الوجوب بمكان- فلن أرد عليك)؛ لأنه كان متلبساً بالنجاسة، والمرأة متلبسة بالنجاسة في الحيض، وهذا وجه الدلالة. الدليل الثامن: اتفق المجيزون والمانعون على حرمة مس المصحف، ويستدلون بحديث مرسل، لكنه صريح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، فمنعوا من مس المصحف، وقالوا: اتفقنا نحن وأنتم على حرمة مس المصحف، فبالله عليكم! مس المصحف أغلظ أم قراءة كلام الله الذي تكلم به وسمعه جبريل ونزل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ أيهما أغلظ: مس الأوراق والجلادة أم قراءة كلام الله الذي تكلم به وسمعه منه جبريل؟ لا شك أن القراءة أغلظ، فنقول لكم: كثرتم القواعد الفقهية، كيف تمنعون الأدنى وتجيزون الأغلظ؟! وهذا مخالف لكل القواعد والتأصيلات العامة، ومخالف للتقعيد الفقهي، وأنتم تجيزون الأدنى وتمنعون الأعلى، ونحن معكم في ذلك، ولكم في ذلك أدلة، وحريٌ بكم أن تقولوا: مس المصحف على الجواز، لكن قراءة القرآن ليست على الجواز، نقول: هذا هو الحق، وهو قياس جلي، وقياس الأولى. فهذه أدلة الذين قالوا بالمنع، وهم جمهور أهل العلم، والكلام هذا ليس بدعاً من القول، فلِم تريدون أن تغطوا عين الشمس؟ ولن تستطيعوا؛ لأن هذا قول الشافعي، وهو رأس الفقهاء، وهو الفقيه المحدث، وقول أحمد إمام أهل السنة الذي قيل فيه: أحمد نصر الله به الدين، وقد قيل: حفظ الله الدين باثنين: بـ أبي بكر في حرب الردة، وبالإمام أحمد في الفتنة، وقول أبي حنيفة الذي قال فيه الشافعي: الفقهاء عيال على أبي حنيفة. إذاً: فالمسألة ليست بدعاً من القول، وهو قول جمهور أهل العلم، والجمهور هم الأكثرية والأغلب الذين قالوا ذلك، وعندهم جيوش من الأدلة.

القول بجواز القراءة للحائض مطلقا

القول بجواز القراءة للحائض مطلقاً القول الثاني: قول ابن حزم الذي قال بالجواز مطلقاً، فتقرأ إذا خافت النسيان وإن لم تخف، سواء كانت نائمة، قائمة، جالسة، قاعدة، فتقرأ القرآن، وقول ابن حزم هذا يستدل له: بأن الأصل عدم المنع، والأصل الجواز، ولا دليل يمنع من ذلك، لأن ابن حزم قصف الأقلام كلها، وقطع دابر كل من يستدل بحديث ضعيف، وبين صراحة أسانيد هذه الأحاديث التي استدل بها المانعون، بأنها أحاديث كلها باطلة؛ لأن أسانيدها ضعيفة، وسأبين القول الفصل في الأسانيد إن شاء الله.

القول بجواز القراءة للحاجة فقط، وأدلة ذلك

القول بجواز القراءة للحاجة فقط، وأدلة ذلك القول الثالث: قول الإمام مالك، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو: جواز القراءة للحاجة، ويدخل فيه الصنعاني، الذي يقول: بالكراهة ولا يقول بالجواز، وأدلة من قال بذلك أربعة: الدليل الأول: أن الأصل عدم المنع؛ فلا يوجد دليل يمنع، والأدلة التي جاءت بالمنع أدلة ضعيفة. لكن أقول: أجازوا القراءة للحاجة لا للضرورة، لأن القاعدة عند العلماء: أن الحاجيات تبيح المكروهات، أما الضرورات فتبيح المحظورات، وإلا فإني أقول: بأن المرأة الحائض تقرأ للضرورة، أي: إن كانت ستمتحن وستختبر وسترسب، فلها أن تقرأ، والضرورة تقدر بقدرها، وبعدما تقرأ، لا تقرأ مرة ثانية. الدليل الثاني: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت). ووجه الدلالة: قوله: افعلي ما يفعل الحاج. والحاج يذكر الله، ويسبح، ويستغفر، ويقرأ القرآن، فدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج)، وقد خصص الطواف فقط. ولو كان القرآن ممنوع لخصصه كما خصص الطواف، وهذا قول وجيه جداً، إذ لو كانت القراءة ممنوعة لخصها كما خص الطواف، فلما لم يبين ذلك دل على الجواز. الدليل الثالث: ما استدل به ابن عباس -كما في البخاري - أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى كسرى وقيصر كتباً فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى أن ذكر قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران:64] إلى آخر الآيات، قال: والكافر جنب؛ لأن الكافر سيجامع امرأته ثم لا يغتسل، فهو جنب، قالوا: إذا ً يقرأ القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر على ذلك. الرابع: أن هناك أخباراً وأحاديث تذم من نسي القرآن، ولهم أدلة صحيحة في ذلك، وعمومات أدلة تثبت أن القرآن يتفلت، فلا بد من المحافظة عليه، وفيها إشعار على أن الذي يتفلت منه القرآن بغفلته يأثم، بل يدخل في قول الله تعالى: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]. قالوا: ونحن نستدل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه القاعدة العظيمة: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والواجب عدم النسيان، لحرمة النسيان، فلا يتم الواجب إلا بالقراءة، سواء كانت حائضاً أو غير حائض، فما يتم الواجب إلا به فهو واجب.

القول الراجح في حكم قراءة الحائض للقرآن

القول الراجح في حكم قراءة الحائض للقرآن والراجح من هذه الأقوال بإذن الله وبحوله وقوته: وقولي: الراجح، أي: أن غيري مرجوح؛ لأني أقول: الكلام في هذه المسألة على أني أرى أن الذي أتبناه هو الصواب، والذي يتبناه المخالف على خطأ، والصواب يحتمل الخطأ، والخطأ يحتمل الصواب، وهذا الذي أقوله هو ما قاله الشافعي أو قاله علماؤنا، فالراجح الصحيح هو قول الجمهور، من أن المرأة التي تقرأ القرآن وهي على حيض آثمة عاصية لله جل وعلا، وأنها تستحق العقاب بقراءتها للقرآن على هذه الحالة؛ لأن الأدلة واضحة ظاهرة جداً على التحريم، وسأناقش هذه الأدلة حتى أكون منصفاً. فالأدلة التي استدل بها الجمهور: أولاً: حديث ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه الذي في السنن، وهو: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب القرآن)، فهذا الحديث عن ابن عمر قد رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي، والدارقطني، كلهم من طريق إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر، وإسماعيل بن عياش ثقة في الشاميين، أي: هو ضابط عند علماء الجرح والتعديل، إلا أنهم يوهنون حفظه في غير الشاميين، أي: هو ضعيف في غير الشاميين، وهذه الرواية صراحة هي عن أهل الحجاز، وأهل العراق، فهو يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق مناكير، كما قال البخاري: يضعف في روايته عن غير الشاميين، وهذا الحديث أنكره أحمد. فالحديث في إسناده ضعف، وهو ضعيف، والحجة عند العلماء: أن الحكم فرع عن التصحيح، فهذا حديث ضعيف؛ لأن في سنده إسماعيل بن عياش؛ ولأن إسماعيل بن عياش أتي من قبل حفظه في غير الشاميين، ويمكن أن نناوش في هذا الإسناد، ونبين أن هذا الإسناد يحتمل التحسين، وأن بعض العلماء صحح هذا الإسناد، فنقول: يحتمل التحسين لأدلة، منها: أولاً: أن إسماعيل بن عياش الذي يخشى منه الوهم والخطأ، وعدم الضبط، قد جاءتنا أدلة تدل على أن إسماعيل قد ضبط لنا هذه الرواية، وعند ذلك الإسناد يرتقي إلى الحسن لغيره، لا سيما وأنا سأبين لكم كلام الشيخ أحمد شاكر، وهو كلام نفيس جداً، فالشيخ محدث المصريين المعاصر، ومفخرة المصريين المعاصرين، قال الشيخ أحمد شاكر في شرحه على الترمذي بعدما سرد أن العلماء ضعفوا هذا الحديث من قبل إسماعيل بن عياش، قال: وأكثر ما في رواية ابن عياش الخوف من الغلط فيه؛ لأنه يهم في غير الشاميين، فمتابعة مثل عبد الملك بن مسلمة -وهذا وهم من الشيخ أحمد شاكر؛ لأن عبد الملك بن مسلمة ليس هو المتابع، وليس من نفس طبقة إسماعيل بن عياش، بل من طبقة سابقة عن طبقة إسماعيل بن عياش - قال: فمتابعة مثل عبد الملك بن مسلمة مع احتمال الخطأ ترفع خطأ إسماعيل بن عياش، لا سيما وأن عبد الملك بن مسلمة وثقه الدارقطني، وهذا يؤخذ على الشيخ أحمد شاكر من وجهين: الوجه الأول: أنه وهم على الدارقطني، فـ الدارقطني لم يوثق هذا الرجل، ولذلك نرى أن الشيخ الألباني وتلاميذه تركوا مسألة الطبقات، وتركوا المتابعة، وكأنهم ظفروا بخطأ الشيخ أحمد شاكر، ونزلوا على الشيخ، وعلى وهم الشيخ على الدارقطني، وأنا أقول: انظروا إلى صلب قول الشيخ، فالشيخ أحمد شاكر يقول كلاماً نفيساً جداً، يقول: الخوف في هذا الإسناد من وهم إسماعيل، وإسماعيل يمكن أن يرتفع وهمه بالمتابعة التي توضح لنا أنه لم يخطئ في هذا الحديث، وضبط لنا هذا الحديث، وهذا الكلام نفيس جداً، لاسيما كما قلت: بأن الذي تابع هو المغيرة، والمغيرة مصري ثقة ثبت، وثقه علماء الجرح والتعديل، وهو الذي يتابع إسماعيل بن عياش، فـ عبد الملك بن مسلمة الضعيف ليس هو المتابع، بل المغيرة هو المتابع. ولذلك صحح ابن سيد الناس متابعة عبد الملك، وقال: إنه هو المتابع، وصحح المتابعة على أن هذا هو عبد الملك بن مسلمة القعنبي تلميذ مالك، وهو الثقة الثبت، ومن أحفظ الناس الذين رووا الموطأ، وهذا وهم من ابن سيد الناس تابع فيه ابن عساكر، فـ عبد الملك بن مسلمة ليس هو القعنبي، بل هو آخر، لكن أبى علينا المضعفون بهذه المتابعة، وقالوا: حتى بالطريق التي فيها عبد الملك بن مسلمة فالإسناد ضعيف. فنقول: يقوي بعضهم بعضاً، والإسناد ضعيف، لكن له شواهد، منها: حديث جابر بن عبد الله وأنس وعائشة، ولكن هذه الشواهد -صراحة وإنصافاً- لا تصح أن تكون شواهد؛ لأن فيها أناساً اتهموا بالكذب، وأناساً متروكين، أي: فيها رواية متروكين فلا يصح أن نستشهد بهم على هذه الرواية. إذاً: الرواية الأولى ضعيفة، لكنها تحتمل التحسين، لا سيما أن المغيرة قد تابع إسماعيل بن عياش، لكن يبقى الإسناد ضعيفاً. الرواية الثانية: حديث علي بن أبي طالب، وهذه الرواية بفضل الله صحيحة، خلافاً لمن ضعفها، فقد صححها الأكابر من أهل العلم بالحديث، فهذا الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه الذي قال فيه: (لم يكن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن سوى الجنابة)، وقد رواه أحمد في مسنده، ورواه أبو داود، والترمذي، والبيهقي، والدارقطني من طريق شعبة عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وصحح هذا الحديث الترمذي، والترمذي وإن قال بعضهم: إنه متساهل في التصحيح، لكنه من المتقدمين في عصر الرواية، والترمذي صاعقة في الحفظ، كان أعمى، وكان أحفظ الناس في زمانه، بل من أنجب تلاميذ البخاري، ومن أنجب علماء العلل، وهو ليس بالهين في علم الحديث، فـ الترمذي صحح هذا الحديث، وابن السكن وعبد الحق، والبغوي، وروى ابن خزيمة في إسناده عن شعبة أنه قال: هذا الحديث ثلث رأس مالي، أي: حديث علي بن أبي طالب ثلث رأس مالي، يبين صحة هذا الحديث، وقال الدارقطني: قال شعبة: ما أحدث بحديث أحسن من هذا، أي: في الباب، وهذا يدل على صحة الحديث. ولذلك لم ير الحافظ ابن حجر في الفتح -فتح الباري- إلا أن يحسن هذا الحديث، وقال: هو من قبيل الصحيح الذي يحتج به، وهذا الإسناد حسن لم يؤخذ عليه إلا عبد الله بن سلمة، وهو رجل اختلف علماء الجرح والتعديل فيه توثيقاً وتجريحاً، والعلماء الذين ينظرون في هذه المسألة ينظرون في المجرح، وينظرون في الموثق، والمجرح والموثق له قواعد في علم الحديث حتى يرجح قولاً على قول، وسأبين لكم المجرح والموثق، وكيف نرجح بين القولين، فهذا الراوي عبد الله تغير بآخره، قاله الحافظ ابن حجر، قال الشافعي: إن كان هذا الحديث ثابتاً ففيه دلالة تحريم القرآن على الجنب، وكذلك على الحائض، لكن هذا الحديث لا يثبتونه. قال البيهقي: إنما قال الشافعي ذلك؛ لأن عبد الله بن سلمة راويه كان قد تغير بآخره، وعند المحدثين فرق بين تغير واختلط، فالاختلاط أعم، وكل مختلط متغير ولا عكس، والتغير أول درجات الاختلاط، فلا يضعف الراوي بالتغير، بل في الصحيح روايات عمن قيل فيه: قد تغير بآخره. قال: وأكثر ما قيل في عبد الله بن سلمة أنه تغير بآخره، وإنما يروي الحديث بعدما كبر، قاله شعبة. وعبد الله بن سلمة المرادي الكوفي عدله أقوام، وتكلم فيه آخرون، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، لاسيما وأن الراوي عنه شعبة، الذي كان ينتقي ممن يروي عنه، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، قال ابن عدي: أرجو أن يكون لا بأس به، وهذا أيضاً توثيق. إذاً: الموثقون ابن حبان والعجلي، وأيضاً يعقوب بن شيبة، وابن عدي صاحب كتاب (الكامل) وهو من أنفع الكتب التي روت الأحاديث المختلف في رواتها. أما المجرحون: قال البخاري: لا يتابع على حديثه، أي: كأنه ينفرد، وانفراده فيه نكارة، قال أبو حاتم: تعرف وتنكر، أي: تنكر منه بعض الأحاديث، وتعرف أي: يوافق ويخالف، وقال شعبة: كان يحدثنا فنعرف وننكر، أي: يوافق الثقات ويخالف، وكان قد تغير بآخره. فهذه أقوال المجرحين والموثقين، فالموثقون قد بينوا أنه ضابط، تقي، ثقة، وأما المجرحون فقد جرحوا في ضبطه، وأنه قد تغير في آخره. إذاً: كل الجرح مداره على التغيير، والتغيير لا يكون قدحاً في الراوي، حتى نطرح حديثه بهذه الطريقة، لاسيما وأن شعبة يقول: ثلث رأس مالي، ولاسيما وأن الحافظ يقول: صدوق -بعدما يجتهد الحافظ في ترقية الصدوق-

الرد على من قال بالجواز

الرد على من قال بالجواز فإن أثبتنا ذلك بالدليل فلابد أن نرد على المخالف، وردنا على الإمام ابن حزم سيدخل تحت الرد على الإمام مالك؛ لأن أدلة الإمام مالك أقوى من أدلة الإمام ابن حزم، وأنا اجتهدت رأيي أن أستدل لهم بما لهم من أدلة حتى نصل إلى الحق. أولاً: الدليل الأول: الأصل عدم المنع، فنقول: نحن معكم في هذه القاعدة، والأصل عدم التحريم، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116]، فالأصل عدم المنع، لكننا قد جاءنا الناقل، الذي نقلنا عن الأصل إلى التحريم، وهو حديث علي المرفوع رضي الله عنه وأرضاه، وكلام عمر بن الخطاب ناقل؛ لأن عمر بن الخطاب وإن خالفه ابن عباس فإن عمر في كفة والصحابة في كفة، وترجح كفته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)، وهناك خلاف بين الكثير من العلماء في مسألة حجية قول الصحابي، والراجح: أن قول الصحابي حجة، فإن اختلف الصحابة فالخلفاء الراشدين المهديين أربعة في كفة، والأمة بأسرها في كفة، وإن كان الأربعة اتفقوا على أمر، وخالف كل الصحابة فترجح كفة الأربعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ). إذاً: الناقل قول علي، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذان الناقلان للقياس الجلي. الدليل الثاني: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج)، فهذا عام، وهو قوي صراحة، فقوله صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)، والحاج يذكر الله، ويسبح، ويقرأ القرآن، وهذا سيكون استدلالاً قوياً إذا قلتم بأن النبي صلى الله عليه وسلم في مقام التبيين، فقد بين المستثنى وهو الطواف، والرد على هذا الحديث من وجهين: الوجه الأول: أن هذا الحديث عام، مخصوص بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: (أن الجنابة هي التي كانت تحجز)، وأيضاً قول عمر بن الخطاب: لا تقرأ الحائض القرآن، وقول علي بن أبي طالب لا تقرأ الحائض القرآن، والقياس الجلي من المخصصات المنفصلة، فالقياس يخصص العموم. إذاً: فهذا عام مخصوص. الوجه الثاني: القوة في الاستدلال، حيث أنهم قالوا: لو كانت قراءة القرآن محرمة لخصصها النبي صلى الله عليه وسلم كما خصص الطواف. قلنا: إن المخصص نوعان: مخصص متصل، ومخصص منفصل. فالمخصص المنفصل جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (غير ألا أن تطوفي بالبيت)، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لهم في المدينة، أي: أن مقامنا وحالنا: أنها داخلة على البيت الحرام تريد الطواف، فكان لا بد من تمام التبيين والتأكيد بقوله: لا تطوفي، أي: أنت ستذهبين فلا تطوفي بالبيت، وكنت قد نهيتك عن قراءة القرآن في المدينة فاستحضري ذلك، فهذا بالمخصص المنفصل، وهو على القول بتصحيح حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه. فنقول: هذا مخصص منفصل، ويبقى الأمر على ما عهدوه، وعلموه وتعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم من أن المرأة الحائض لا تقرأ القرآن. الدليل الثالث: قول ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بالكتاب إلى كسرى وقيصر وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، وتلا الآية، وقال: إن ملوك الأعاجم على الكفر وهم على الجنابة؛ لأنهم يجامعون ولا يغتسلون بنية رفع الجنابة، فقلنا الرد على هذا الحديث من وجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن هذا في غير محل النزاع، وهذا الحديث لا يصح الاستدلال به على هذا الباب؛ لأن مسألتنا في جواز قراءة الحائض لغير الضرورة بل للحاجة، والمسألة هذه على الضرورة، وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليه بالآية، وبعث إليه بهذا الكلام ليدعوه إلى الإسلام، وهذه ضرورة، ومحل النزاع ليس في الضرورة. إذاً: هذا الحديث ليس في محل النزاع، إذ محل النزاع في باب غير الضرورة، وأنت أتيت بحديث في الضرورة؛ لأن الضرورة تبيح المحظور، وقلنا لك: ابعث بالمصحف نفسه للكافر كما قال بعض الفقهاء، وقال الثوري وغيره: ابعث به للنصراني أو الكافر أو أهل الكتاب ليقرأ القرآن لعله يدخل في الإسلام، وهذا جواز من العلماء الذين منعوا القراءة، وهو من باب: أن الضرورات تبيح المحظورات، فهذا الحديث ليس في محل النزاع. الوجه الثاني: أن هذا الحديث قد تطرق إليه الاحتمال، وإذا تطرق الاحتمال إلى الدليل سقط به الاستدلال، والاحتمال هو: أن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى كسرى وقيصر ومعه الرسالة، فيحتمل أن يكون هذا الرسول هو القارئ، وهو ليس على جنابة، ولا يلزم أن يكون كسرى وقيصر هو الذي يقرأ، فلا وجه لكم في الاستدلال. أيضاً: قد تكون هذه الآية قد قرأها كسرى أو قيصر مع بعض الكلمات الأخرى التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي آية واحدة: بسم الله الرحمن الرحيم، كما تقرأ المرأة الآية في كتب الفقه، كاستدلال على مسألة الفقه. واحتمال آخر: أن يكون نائب كسرى أو نائب قيصر كان مسلماً يخفي إسلامه، فقرأ هذه الرسالة. إذاً: هذه احتمالات تسقط الاستدلال بهذا الحديث، وهي احتمالات قائمة. الوجه الثالث: أننا نقول: يقرؤها كما تقرأ المرأة الذكر على أنه ذكر، وتقرأ الآية على أنها ذكر عندما تركب الدابة، فتقول: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف:13 - 14]، ولا تقرؤها على الناس للتلاوة، والعلماء أيضاً قالوا ذلك، قالوا: يقرؤها كسرى وقيصر، ولا يقرؤها على الناس على أنها تتلى، والأوجه من ذلك أننا نقول: إن المحاسب هو المكلف، ونحن نمنع الجنب المكلف، وهذا غير مكلف، والخطاب للمكلف، وإن كانت هذه المسألة أصولية، وقد اختلف فيها العلماء، وهي: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ فالراجح: أنهم مخاطبون بفروع الشريعة، ولكن هنا نقول: إننا نحاسب المكلف الجنب، ولا نحاسب الذي يريد الإسلام بقراءة هذه الآيات. الدليل الرابع: وهو الدليل الذي استدل به مالك وتكلم به شيخ الإسلام في الفتاوى، ألا وهو: بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ووجه الدلالة من ذلك: أنه قال: يحرم على المرأة نسيان القرآن الذي حفظته، فلا بد من أن تحافظ على هذا القرآن، وتحافظ عليه بتلاوته؛ لأنها لو تركت التلاوة نسيت فوقعت في الحرام، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالواجب ألا تنسى، ولا يمكن ألا تنسى إلا بواجب آخر، وهو معاهدة الحفظ، فنقول: جزاكم الله خيراً، والرد على هذا من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن نقول: إن هذا أيضاً في غير محل النزاع، فحرمة نسيان القرآن هو من غفلة الإنسان ونسيانه، وهو المخاطب بذلك، والتحذير من هذا بسبب غفلة الإنسان وكسيه، لا بسبب خارج عن إرادته، والمرأة التي تركت القراءة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم عليها القراءة، وعلي حرم عليها القراءة، وعمر حرم عليها القراءة، ليس هذا من كسبها، ولا من غفلتها ونسيانها بل هو طاعة لله، فإن كان طاعة لله فلا يدخل في ذلك، ولن تدخل تحت الوعيد، وكأنها تقول احتجاجاً: رب إني تركت القراءة لأمرك، وقرأت وحفظت لأمرك، فتركت لأمرك وحفظت لأمرك، فلا تذم عند الله، ولا تقع في محل هذا الحديث؛ لأن الحديث يختص بالتي تنسى وتفلت القرآن منها، بقصدها وبغفلة منها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشتكي في قوله تعالى: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، والمقصود: أن هذا ليس في محل النزاع. الوجه الثاني: نقول: إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أي: لا يمكن تنسى إلا بالقراءة، وهي ممنوعة من القراءة، ولنا آلات ووجهات أخرى يمكن ألا تنسى بها، كما أجمع العلماء، ونقل الإجماع النووي وإن كان في الإجماع هذا نظر! وبالاتفاق قالوا: بأن المرأة الحائض لها أن تقرأ القرآن في قلبها، وفي نفسها، فتمرر الآيات في خاطرها، وتجول في عقلها بالقراءة وفي قلبها، فيثبت ذلك في قلبها، فإن كانت لا تستطيع، وهي لو تدبرت القرآن في قلبها فإنها تردد في لسانها، قلنا لها: دعيك من هذا، وخذي سورة البقرة أو النساء أو السورة التي تحفظيها فاكتبيها في ورق، وأعيدي كتابتها أكثر من مرة طول النهار والليل، وهذه الكتابة ستثبت لك الحفظ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فعليك بالكتابة؛ لأنه لم يرد النهي عن الكتابة، والأصل عدم المنع، ولا تقرئي؛ لأنه قد ورد النهي عن القراءة، فتأخذي الورق بعد ذلك وتحرقيه وتدفنيه، ويمكن أن تراجع عن طريق التسجيل، والحمد لله نعم الله علينا كثيرة، ومن النعم علينا هذا المسجل الأعجوبة في هذا الزمان، فلك أن تأخذي شريط سورة البقرة، أو سورة النساء، أو سورة الأحزاب، أو السورة التي تحفظيها وتضعيه في المسجل، وتسمعيها ليل نهار في أيام الحيض، فتثبت الحفظ عندك أكثر مما كنت تقرئينها، أو تذهبي إلى الدار أو إلى مجالس التحفيظ، أو إلى المكان الذي يحفظ فيه، كالمدرسة مثلاً، فتجلسي تستمعي إلى المحفظة التي تقرأ وهي طاهرة، وتسمعي منها، وتتقني منها الألفاظ دون أن ترددي، وترجعي إلى بيتك تكتبيها في ورقة وتختزنيها حتى تطهري ثم تقرئي. إذاً: خرجنا من مسألة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ونقول: عندنا أكثر من آلة ليتم الواجب بها، وهو تمام الحفظ، وذلك إما بالقراءة في القلب، أو بالكتابة، أو بسماع من يقرأ من المحفظات أو المعلمات. فأنا أقول

العدة هل هي بالأطهار أم الحيض

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - العدة هل هي بالأطهار أم الحيض من أهم المسائل التي يجب على المرأة تعلمها ومعرفتها: معرفة متى يبدأ وقت العدة ومتى ينتهي، وما هو الواجب عليها بعد الطهر من غسل وصلاة ونحو ذلك، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية غسل المرأة بعد الجنابة أو الطهر من الحيض، وما الذي يستحب لها فيه.

خلاف العلماء في معنى القرء

خلاف العلماء في معنى القرء إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

القول الأول في معنى القرء وأدلتهم

القول الأول في معنى القرء وأدلتهم نختم اليوم بإذن الله رسالة: إلى كل امرأة، بثلاث مسائل: المسألة الأولى: العدة، هل عدة المرأة إذا طلقت بالأطهار أم بالحيض؟ وهل القرء هو الحيض أم الطهر؟ هذا مأخوذ من قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، فالقرء اختلف العلماء فيه على قولين: القول الأول: قول مالك والشافعي ورواية عن أحمد قالوا: القرء هو الطهر، وأدلتهم في ذلك من الأثر والنظر: أما الأثر فقول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] و (اللام) هنا بمعنى: في، ويجوز في اللغة استعارة الحروف بعضها عن بعض، فـ (اللام) تأتي بمعنى (في)، و (في) تأتي بمعنى (اللام)، مع أن بعض أهل اللغة يرفضون ذلك، لكن هذا هو الراجح والصحيح، وهنا لعدتهن بمعنى: في عدتهن. قوله: ((يا أيها النَّبِيُّ)) وهذا خطاب للأمة ((إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)) أي: في عدتهن، وانظروا إلى وجه الدلالة من هذه الآية، فقد اتفق الموافق والمخالف على أن الطلاق في الحيض لا يجوز، فبالاتفاق أن الطلاق في حال الحيض لا يجوز، فإذا قال الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الطلاق:1] كأن الآية تقول لكم: من التقوى أن تطلقوا النساء في زمن العدة، أي: في الطهر لا في الحيض، فيكون المعنى (في العدة) أي: في الطهر، فهذه فيها دلالة واضحة جداً على أن القرء هو الطهر. أيضاً من أدلتهم من الأثر: حديث ورد في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أخبره عمر بأن ابنه عبد الله طلق امرأته وهي حائض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء أمسكها وإن شاء فارقها، وتلك العدة التي أمر الله) أي: أن الطلاق فيها. ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تطهر ثم تحيض، ثم تطهر، فإن أراد أن يمسكها أمسكها أو فارقها، ويريد هنا: إن أراد الطلاق طلقها في الطهر، وهذه دلالة أيضاً على أن القرء معناه الطهر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: راجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن أردت الطلاق فطلقها في طهرها هذا، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: هذه هي العدة الصحيحة التي تبدأ تحسب منها. الدليل الثالث أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها سئلت عن عدة النساء؟ فقالت: الأقراء، أتدرون ما الأقراء؟ الأقراء: الأطهار. فجاء التصريح منها بأن القرء هو الطهر. وأما الدليل من النظر: فقالوا: في اللغة القرء معناه: الجمع، وإذا طبقنا الجمع تقول: قرأت شيئاً، أي: جمعت شيئاً، فتقول: القرء هو الجمع، فقالوا: إن كان القرء هو الجمع، فإن الطهر بمعنى الجمع؛ لأن الحيض: إرخاء الرحم للدم لخروجه، والطهر: جمع الدم في الرحم، فجمع الدم في الرحم يساوي الطهر، ويكون في اللغة القرء، فقالوا: اللغة تساعدنا على أن القرء هو الطهر، وهو: جمع الدم في الرحم، أما الحيض فهو: إرخاء الرحم للدم، فهذا القول الأول هو قول الشافعية والمالكية، ودللوا على قولهم من الكتاب والسنة والنظر.

القول الثاني في معنى القرء وأدلتهم

القول الثاني في معنى القرء وأدلتهم وأما الأحناف وهي رواية عن أحمد فقالوا: القرء هو الحيض، والعدة تحسب بالحيض، وقول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] أي: ثلاث حيض، حيضة ثم حيضة، ثم حيضة، واستدلوا على ذلك أيضاً بالكتاب والسنة: أما الكتاب فقالوا: قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} قالوا: ثلاثة قروء لا بد لزاماً أن تكون ثلاث حيض؛ لأننا لو قلنا بالأطهار فإن الطهر الذي طلقها فيه سيحسب، فلو أن امرأة في الشهر الثالث كانت على طهر فطلقها زوجها، فحتى نحسب العدة بالأطهار فسيمر عليها نصف الطهر الأول، ثم طهر ثاني، ثم طهر ثالث، فلا تكون ثلاثة أطهار كاملة. قالوا: إذاً: لا تنضبط الثلاثة القروء إلا بالحيض؛ لأنه من السنة أن يطلقها في الطهر، ثم إذا عدت هذا الطهر فتحسب حيضة، ثم حيضة، ثم حيضة ثالثة، فهي ثلاث حيض كوامل، فقالوا: ظاهر الآية معنا؛ لأن حساب العدة بالأطهار يجعلهن اثنين وبعض الطهر الثالث، وليس ثلاث كوامل، لكن الحيض ثلاث حيض كوامل. الدليل الثاني من السنة: قالوا: ورد حديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان)، ووجه الشاهد فيه: (وعدتها حيضتان)، وهذه دلالة واضحة جداً على أن القرء هو الحيض، لكن هذا الحديث في سنده ضعف، فقد رواه البيهقي عن ابن عمر موقوفاً، أي: أنه قد صح موقوفاً وضعف مرفوعاً، فيكون لهم حجة بأنه قول لـ ابن عمر، يقابله قول لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فلو قلنا بالمرجحات فلا يوجد مرجح إلا قول عائشة وقول ابن عمر، فنرجع إلى قول عائشة؛ لأنها صاحبة الأمر، وهذه مسألة تخص النساء. لكن جاء الحديث الذي فصل في النزاع بسند صحيح في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعي الصلاة أيام أقرائكِ). وبالاتفاق أنها تدع الصلاة أيام حيضها، فهذه دلالة كبيرة جداً على أن القرء بمعنى: الحيض؛ لأنه بالإجماع أنه تدع الصلاة أيام الحيض. وأيضاً في رواية أخرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي) أي: تطهري من القرء الذي هو الحيض، فسمى القرء حيضاً، ونحن ندور مع الشرع حيث دار، وإن كانت أدلة الفريق الأول من النظر قوية، لكنا نقول: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه فقد جاء النص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعي الصلاة أيام أقرائكِ) أي: أيام حيضكِ، فهذا تفسير بليغ من النبي صلى الله عليه وسلم، يبين لنا بأن العدة هي القرء، والقرء هو الحيض، فيصير معنى قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] أي: ثلاث حيض.

حكم من طلق امرأته في حال الحيض

حكم من طلق امرأته في حال الحيض نختم بفائدة في هذا الباب: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها)؟ هذا ليس له في باب الحيض علاقة، لكن نقول: من باب إتمام الفائدة هنا: لو أن رجلاً طلق امرأته في حال حيضها، فهل نقول له: وجوباً عليك أن تردها ويقع الطلاق وتأثم، أم نقول: أثمت ووقع الطلاق فاستغفر، ولا يجب عليك إرجاع المرأة؟ يوجد خلاف بين العلماء، والصحيح الراجح قول الجمهور، وهو مذهب المالكية أنه يقع الطلاق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها). إذاً: الذي طلق امرأته في حيض فإنه يقع الطلاق ويأثم، والعدة ثلاث حيض، وأيضاً يجب عليه إرجاع هذه المرأة، فهو يأثم إثماً مركباً إن لم يراجع المرأة، فيجب عليه أن يرد المرأة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها).

حكم غسل المرأة لزوجها بعد وفاته

حكم غسل المرأة لزوجها بعد وفاته المسألة الثانية: رجل كان زوجاً لطيفاً عفيفاً مخلصاً لامرأته، وكتب في وصيته لامرأته ألا تتزوج بعده؛ لأنه يريدها في الجنة، والمرأة على خلاف بين العلماء، هل تكون في الجنة مخيرة بين الزوجين أو هي لآخر زوج؟ والصحيح الراجح أنها لآخر زوج، أو إذا صححنا الأثر فإنها تخير بين الزوجين في الأحسن خلقاً، لكن أنا أقول بالأثر: أنها تكون لآخر زوج، هذا الصحيح الراجح. فكتب في الوصية ألا تتزوج بعده، ثم كتب: وتغسلني امرأتي، فهل لها أن تغسله أو ليس لها أن تغسله؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: أما الأحناف فقالوا: ليس لها أن تغسله. قلنا: لم؟ قالوا: لأنه قد انقطع عقد الزوجية، وهي سوف تمس عورته، وتمس أجنبياً عنها، فلا يجوز لها أن تمسه ولا أن تغسله. القول الثاني: وهو قول جمهور أهل العلم -وهو الراجح الصحيح- من المالكية والشافعية والحنابلة: أن لها أن تغسل زوجها إذا وصى بذلك، والأدلة كثيرة من النظر والأثر. أما من الأثر فإن عائشة رضي الله عنها وأرضاها تمنت أن تغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك أنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله إلا أزواجه. فـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها تمنت أن تغسل زوجها، ولا تتمنى إلا الحق والصحيح، فهذا التمني لو كان محرماً لما تمنت هذه الأمنية. أيضاً: أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه أوصى أن تغسله أسماء بنت عميس رضي الله عنها وأرضاها، فلما مات غسلته أسماء بنت عميس، ووجه الدلالة من ذلك أنها فعلت هذا على مشهد ومرأى ومسمع من الصحابة، ولو كان حراماً لأنكره صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيضاً: علي بن أبي طالب قد غسل امرأته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، فإن علي بن أبي طالب هو وذلك بوصية منها، فهذا فيه دلالة على الجواز. وهناك قصة لطيفة ذكرها صاحب سير أعلام النبلاء: أن امرأة مات زوجها وهي في زمن الحيض، ووصى بأن تغسله، فوجدت يحيى بن معين وكان محدثاً بارعاً جهبذاً في علم الرجال، لكن ما انشغل بفقه المتن، وهذا الذي نرضى به عن إخواننا ونقول: لا بد أن ننشغل بعلم الحديث والفقه، إذا جاءك الحديث فلك فيه طريقان: إثبات سنده وفقه متنه، وفقه المتن هو رأس الأمر، فسألته فقالت: يا هذا! إن زوجي أوصى أن أغسله وأنا على حيض هل أغسله؟ فوقف وما استطاع أن يجيب، ثم رأى أبا ثور فقال: سل هذا الرجل، فسألته فقال لها: نعم غسليه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فترجله عائشة وهي حائض، ووجه الاستدلال بهذا الحديث أنه قاس قياس الأولى، قال: كانت ترجله وهي حائض، أي: تنفعه، فالميت أولى بهذا، فنقول: حاجة الرجل وهو ميت أولى من حاجته حياً، والحديث الذي يدلك على المساواة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً)، فهذه الرواية فيها دلالة واضحة على أن المرأة تغسل زوجها. أختم هذه الرسالة وأسأل الله جل في علاه أن تكون خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع الله بها كل امرأة، وأن ينفعني وإخوتي بها، وأن يجعلها مداداً للحسنات بعد الممات، والله جل في علاه لا يقبل عملاً إلا إذا كان خالصاً لوجهه الكريم، وقد قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23] وويل كل الويل لمن يعمل للصيت أو السمعة أو الرياء، فإن الله جل في علاه بالمرصاد لكل قلب زائغ، وإن الله جل في علاه يعطي المنافق نقيض قصده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به) والله جل في علاه يبغض المنافق والعياذ بالله ويبعده، وإن أول من تسعر بهم النار طالب علم منافق، طلب العلم حتى يسمع أو حتى يرائي ويشار إليه بالبنان، والله لا يقبل الله علماً ولا عملاً إلا ابتغاء وجهه الكريم، وأسأل الله جل في علاه أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم.

ما يجب على المرأة إذا طهرت

ما يجب على المرأة إذا طهرت ختاماً لهذه الرسالة: يجب على المرأة الحائض إذا طهرت أن تغتسل، لكن هل هذا على الفور أم على التراخي؟ أولاً: إذا رأت المرأة القصة البيضاء فهذا معنى الطهر، وكذلك إذا كان الجفاف، بأن أدخلت المرأة كرسفاً فخرج كما هو جافاً، فتكون المرأة طاهرة بأمرين اثنين: بالجفاف أو بالقصة البيضاء، فإذا طهرت المرأة فعليها الغسل؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة:222]، وأيضاً قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] إلى آخر الآيات، فهذه تدل على الغسل، ونحن نقول بأن هذا الغسل نصح به النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال للمرأة: (إذا انقطع دمكِ فاغتسلي، ثم خذي قطعة مسك وتطهري. فقالت: كيف أتطهر بها يا رسول الله؟ فتعجب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: سبحان الله تطهري بها! قالت: كيف أتطهر؟! فتعجب رسول الله! قالت عائشة: فجذبتها فقلت لها: تتبعي أثر الدم). وهذه سنة غابت عن نسائنا كثيراً، ألا وهي أنه بعدما ترى المرأة الطهر لها أن تمسك قطعة مسك فتطهر بها المحل من أثر الحيض؛ لأن أثر الحيض له رائحة كريهة، فلا بد أن يتبع هذا الأثر برائحة طيبة، ألا وهو: المسك، واستخدام المسك عند الطهر جائز، ثم تغتسل، والاغتسال أن تعمم الجسد بالماء. آخر هذه المسائل: الاغتسال على الفور أم على التراخي؟ هو على التراخي، إلا أن يؤذن المؤذن للصلاة أو يريد الزوج منها الوطء، فإذا أراد وطأها وجب عليها الغسل، وإذا دخل وقت الصلاة وخافت أن ينقضي الوقت فعليها وجوباً الغسل ثم الصلاة، فهذا على الفور في هذه الأوقات فقط. أقول: إذا كان الغسل واجباً على المرأة فكيف تغتسل المرأة صاحبة الشعر الطويل، لا سيما إذا كانت قد شدت الضفائر وصعب عليها نقضها، فهل تغتسل بالضفائر أو لا بد أن تحل هذه الضفائر؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: قول جمهور أهل العلم: أنه يستحب نقض الشعر، وقالوا: أدلتنا في ذلك عامة، لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال، والدليل لعام هو: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ)) ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم الغسل كما أمر به الله جل في علاه، قال للرجل بعدما أعطاه الماء: (أفرغ ذلك على جلدك) فإذا عممت المرأة الماء على جسدها كلية وما تركت شيئاً حتى دخل الماء في أصول الشعر وتأكدت أنه وصل إلى أصول شعرها فهذه قد تطهرت، بل تخرج لتصلي دون أن تتوضأ، وهذا هو الصحيح، والدليل على ذلك خاصة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم سلمة عندما قالت: (إني امرأة أشد ضفر شعري فهل أنقض شعري وأنا أغتسل من الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك ثلاث حثيات، تأخذي بيدكِ هكذا، فتحثي ثلاث حثيات على رأسكِ، ثم تفيضي الماء على جسدكِ، فتكونين قد تطهرتِ) ثلاث حثيات فقط على الرأس، تأخذ بالكوب الماء على الرأس هكذا، ثم تدلك حتى في الضفائر، وتمرر الماء على الضفائر، ثم بعد ذلك تعمم الجسد كله بالماء، فإذا عممت الجسد كله بالماء فقد اغتسلت، وكما قلت: إذا انتهت فقد استباحت الصلاة ورفع الحيض، فتخرج لتصلي دون الوضوء. كذلك عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في صحيح مسلم أخبرها من أخبرها بأن عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر النساء عند الاغتسال أن ينقضن شعورهن، فأنكرت أشد الإنكار عليه، فقالت: وا عجباً لـ ابن عمرو بن العاص أما أمرهن أن يحلقن رءوسهن! (فإني كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويكفيني أن أفرغ على جسدي ثلاث إفراغات). أي: لا تنقض شعرها، فالضفائر لا تحل، وإنما تفرغ ثلاث إفراغات على الجسد، وتمرر الماء على كل الجسد ليصل إلى كل جزئية في الجسد، فتكون بذلك قد تطهرت واغتسلت، وإن أرادت الصلاة صلت، وهذه أيضاً رواية عن عائشة وهي أعلم الناس بهذه المسائل، وأنكرت أشد النكير على عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يأمرهن أن ينقضن شعورهن. أما الحنابلة فاعترضوا وقالوا: لا، يجب أن نفرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض، فالأدلة التي أتيتم بها هي في غسل الجنابة، أما في غسل الحيض فإن المرأة إذا طهرت من حيضها وجب عليها أن تحل الضفائر وتنقض شعرها، واستدلوا على ذلك بحديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في الصحيح أنها لما حاضت ودخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي قال: (مالك أنفستِ؟ ثم قال لها: انقضي شعرك) فهذا وجه الدلالة هنا، (انقضي شعرك واغتسلي وتطهري وافعلي ما يفعل الحاج). قالوا: فهذا يدل على الأمر بنقض الشعر، وظاهر الأمر الوجوب، فأمرها فقال: (انقضي) أي: يجب عليكِ أن تنقضي، وفي رواية ابن ماجة أنه ليس ذلك في الحج بل على الإطلاق، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (انقضي شعركِ واغتسلي) وليس في الرواية تخصيص للحج. والصحيح الراجح في ذلك هو قول الجمهور، فنقض الشعر يكون على الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك لـ أم سلمة، وقال: (إنما يكفيكِ أن تحثي ثلاث حثيات) وغسل الجنابة يساوي غسل الحيض ولا فرق بينهما؛ لأن كلاً منهما رفع حدث. أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها التي هي أعلم بهذه المسائل أفتت بهذا، وهي الراوية لهذا الحديث، أفتت بأن المرأة لا تنقض شعرها على العموم، سواء في الجنابة أو في الحيض، فكيف نجيب على الحنابلة؟ أقول: الحديث الأول ليس لهم فيه دليل؛ لأن الحديث وقع في الحج، وكلامنا في الحيض وليس في الحج، لكن هذا الغسل في الحج، وقد اختلف العلماء هل هو للتعبد أم للتنظيف؟ وسيأتي مجاله في التفصيل في الفقه إن شاء الله. فالغرض المقصود أن هذا في الحج، فإن عارضونا وقالوا: رواية ابن ماجة مطلقة. نقول: نحمل رواية ابن ماجة على رواية الصحيح التي هي على الحج؛ لأن عائشة التي هي أعلم بما روت هي التي أفتت بالاغتسال دون النقض، ونقول: إن أبيتم علينا ذلك، وفرقتم بين حديث في الصحيح وحديث ابن ماجة الذي فيه: (انقضي شعرك) نقول: هناك رواية لـ أم سلمة لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (أنقض شعري من حيض؟ فقال: إنما يكفيكِ ثلاث حثيات على رأسكِ) فهذه الرواية فيها دلالة على أنها سألت عن غسل الحيض، وهذا سؤال وقت الحاجة، فبين النبي صلى الله عليه وسلم لها ذلك فقال: (إنما يكفيكِ ثلاث حثيات على رأسك). وأيضاً نقول: أمر رواية ابن ماجة محمولة على الاستحباب، والذي صرف الوجوب إلى الاستحباب هو -إن قلنا إنه ليس في الحج- أمر النبي لـ أم سلمة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. والخلاصة: أن المرأة عندما تطهر يجب عليها الغسل على التراخي، وتأتي الفورية إذا أراد الزوج جماعها، وأيضاً إذا دخل وقت الصلاة وخشيت من انقضاء هذا الوقت، فإنه يجب عليها على الفور الاغتسال، ويكفيها أن تعمم الجسد بالماء، وإن أرادت أن تغتسل غسل السنة فغسل السنة: أن تغسل الفرج ثم اليد، ثم تتوضأ للصلاة الوضوء المعروف، ثم تفرغ الماء ثلاث مرات على الشق الأيمن ثم الشق الأيسر، ثم تأخذ ثلاث حثيات بيدها، وتدخل الماء حتى يصل إلى أصول الشعر ثلاث مرات، ثم تفرغ الماء على الجانب الأيمن ثلاث مرات، ثم تفرغ على الجانب الأيسر ثلاث مرات، فهذا غسل السنة. أما الغسل عموماً فأقول: تفرغ الماء وتعممه على الجسد، وقد انتهينا من الرسالة بفضل الله، وأسأل الله ربي أن يجعلها ابتغاء وجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

§1/1