توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك
ابن أم قاسم المرادي
المجلد الأول
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: الحمد لله المنعوت بجميل الصفات, وصلى الله على سيدنا محمد أشرف الكائنات والمبعوث بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وعلى آله وصحبه الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن بيضة الدين حتى رفع الله بهم مناره، وأعلى كلمته وجعله دينه المرضيّ وطريقه المستقيم. وبعد, فهذا "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك". للمرادي المعروف بابن أم قاسم المتوفى عام 749هـ. وفي هذا الشرح ظهرت شخصية ابن أم قاسم واضحة جلية دلت على قدرته وحصافة رأيه وتجلت فيه مواهبه وأفكاره. ولا شك أنه شرح أوفى على الغاية ويمتاز بالدقة والسهولة، وإيضاحه لآراء النحاة ومذاهبهم. وقد أرشد المؤلفين من بعده؛ لأن عنايته كانت متجهة إلى إيضاح ألفية ابن مالك وتبيان مقصودها. فكان هذا الشرح مددا لمن بعده من شراح الألفية ومصدرا وثيقا لدى النحويين، وقد استمد منه المؤلفون خير ما يؤلفون. وقد حققت من أول هذا الكتاب إلى باب الإضافة, نلت بهذا القسم درجة العالمية "الدكتوراه" مع مرتبة الشرف الأولى. ثم حققت باقي الكتاب.
وجعلته قسمين: القسم الأول: الدراسة ويقوم على ثلاثة أبواب: الباب الأول: عصر ابن أم قاسم، ويشتمل على فصلين: الفصل الأول: تحدثت فيه عن مصر في العصر المملوكي، ونظم الحكم والأحوال الاجتماعية والاقتصادية والحركة العلمية. الفصل الثاني: تحدثت فيه عن مصر وتربتها الطيبة وسماحة أهلها، وعن النحو والنحاة، ودور العلماء حينما رأوا إقفار البلاد من الكتب العربية. الباب الثاني: حياة ابن مالك وابن أم قاسم ويشتمل على أربعة فصول: الفصل الأول: تناولت فيه حياة ابن مالك صاحب الألفية وبعض شراحها وأصحاب الحواشي. الفصل الثاني: تناولت فيه التعريف بابن أم قاسم. الفصل الثالث: تحدثت فيه عن شيوخ ابن أم قاسم وتلاميذه ومؤلفاته ووفاته. الفصل الرابع: تناولت فيه الذين تأثروا به ودرسوا كتبه ونقلوا عنها. الباب الثالث: موقف المؤلف من ابن مالك وما يعتمد عليه، ويضم أربعة فصول: الفصل الأول: عرضت فيه مسائل من نقوله عن ابن مالك ودفع الاعتراضات الواردة عليه. الفصل الثاني: سقت مسائل تفيد أنه كان يعتمد على السماع أكثر من القياس، ويميل إلى البصريين أكثر من الكوفيين. الفصل الثالث: دونت فيه أمثلة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وأشعار العرب وأقوالهم. الفصل الرابع: ذكرت فيه مسائل تبين موقفه من ألفية ابن مالك, وألفية ابن معط.
القسم الثاني: التحقيق ويحتوي على تحقيق "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك" للمرادي المعروف بابن أم قاسم. فقد حققت هذا الكتاب ووثقته وضبطت شواهده وشرحتها ونسبتها إلى أصحابها، وخرجت الأحاديث وشرحت ما صعب منها، وعرفت بالأعلام التي وردت في النص، وعلقت عليه، وقد أبرزت محاسنه وأظهرت مناقبه، ولاحظت أن المرادي في شرحه اعتمد كثيرا على ابن مالك. وأعتقد أن المكتبة العربية في أمسّ الحاجة إلى هذا الكتاب الذي يعد من أهم المراجع في إحياء التراث العربي. بذلك أكون قد أضفت شيئا جديدا تعتز به المكتبة العربية. والله أسأل أن يسدد خطانا على طريق الحق والصواب، وأن يكون عملي مثمرا نافعا، إنه سميع مجيب الدعاء. والحمد لله رب العالمين. أ. د/ عبد الرحمن عليّ سليمان عميد كلية البنات الإسلامية جامعة الأزهر, أسيوط
القسم الأول: الدراسة
القسم الأول: الدراسة الباب الأول: التعريف بالمرادي المعروف بابن أم قاسم الفصل الأول: العصر المملوكي مصر في عهد المماليك 648هـ-923هـ "1250م- 1517م": نقصد بهذا العصر الفترة التي حكم فيها سلاطين المماليك في مصر، منذ انقضاء عهد الأيوبيين عام 648هـ إلى أن فتحها الأتراك العثمانيون عام 923هـ. ولا نقصد هنا استيعابا تاريخيا للعصر المذكور وتفصيلا وافيا لحوادثه العامة، فإن ذلك مما يضيق به هنا. لفظ مملوك: لفظ مملوك كان معناه في الأصل الرقيق الأبيض الذكر، والشرقيون في أوج عزهم -أي: في عهد صلاح الدين- هم أول من أدخل المماليك إلى مصر, وقد كانوا -بادئ بدء- ميليشيا ذليلة ثم تحولوا إلى طبقة عسكرية، وأخيرا أصبحوا الطبقة الحاكمة. ولقد بلغ من قوة المماليك في سنة 1250م أنهم اغتالوا أحد السلاطين الفاطميين، وتولوا بعده ترشيح السلاطين من بين زعمائهم1. أصل المماليك: كان الرق منتشرا في العصور الوسطى، وكانت تجلب الغلمان المرد والفتيان الحسان من بلادهم البعيدة إلى أسواق الرقيق، حيث توجد الرغبة في اقتنائهم، وحيث يتنافس في ذلك المتنافسون للخدمة أو للهو. وطريقة جلبهم لهذه البضائع، السرقة والخطف، يسرقون الغلمان ويخطفون العذارى من أهلهم ثم يستحلون بيعهم للناس، ويستحل الناس شراءهم. ولم يبل بالرق شعب دون آخر أو جنس دون غيره فقد كان من الأرقاء التركي والجركسي والرومي والحبشي والفارسي وغيرهم، وأروج ما كانت تجارتهم في الأجناس التركية والجركسية لما تتصف به من جمال وطيب مجلس.
وأول من استخدمهم وجلبهم إلى مصر وجعلهم عمدة جيشه هو "أحمد بن طولون" قال القلقشندي في صبح الأعشى الجزء الثالث في الكلام عمن ولي مصر ملكا قبل الفاطميين: "وأولهم أحمد بن طولون ... وهو أول من جلب المماليك الأتراك إلى الديار المصرية واستخدمهم في عسكرها"1. انتقال الحكم من الأيوبيين إلى المماليك: أخذ عدد المماليك يتكاثر في مصر زمن الأيوبيين، وأخذ نفوذهم يزداد ويعظم، وقد قوي بأسهم في عهد الملك الصالح نجم الدين الأيوبي. وقد انتصروا على الفرنجة في موقعة "فارسكور" بمعاونة الفلاحين. وهذه الموقعة كانت سببا مباشرا في توطيد سلطة المماليك وظهور قوتهم، وظلوا بعدها يتلمسون الفرصة للوثوب العملي إلى عرش البلاد، وقد أتيحت لهم هذه الفرصة عندما أساء لهم "توران شاه" وإلى "شجرة الدر" معا، وما زالوا يأتمرون حتى قتلوه، وملكوا عليهم من بعده "شجرة الدر" زوجة أبيه ثم ضربت "شجرة الدر" الحجاب على نفسها ورأت أخيرا بثاقب نظرها وبعيد رأيها أن تخلع نفسها عن الملك بعد أن مكثت ثمانين يوما, فتمت المشورة بسلطنة "عز الدين أيبك" ثم تزوج "شجرة الدر" ليكون واصلة بالبيت المالك القديم، وكان ذلك في ربيع الآخر سنة 648هـ ولقبوه بالملك المعز، فكان أول سلاطين المماليك بالديار المصرية2. دولتا المماليك 648هـ-923هـ: واتفق المؤرخون على تقسيم دولة المماليك في مصر إلى قسمين: الأول: الدولة المملوكية الأولى المعروفة باسم دولة الأتراك أو البحرية، لأن معظم سلاطينها من الأتراك الذين أسكنهم الملك الصالح "جزيرة الروضة" وجعل منهم فرقة البحرية الصالحية، وامتد عصر هذه الدولة أكثر من مائة عام "1250-1382م".
وامتاز بما ظهر من سلاطين أقوياء أمثال "قطز، والظاهر بيبرس" وغيرهما. أما القسم الثاني: فهو الدولة المملوكية الثانية التي أطلق عليها اسم دولة الجراكسة أو المماليك البرجية، لأن معظم سلاطينها من الجراكسة الذين اشتراهم السلطان قلاوون، وأنزلهم أبراج قلعة الجبل، وألف منهم فرقة الحرس الخاص. وامتد حكم هذه الدولة إلى سنة 1517م وهي السنة التي استولى فيها العثمانيون على مصر1. حضارة مصر في عهد المماليك: نظام الحكم: حينما انتقل الحكم إلى المماليك وتلقب المماليك بلقب السلاطين, بقيت القلعة مركز الحكم في البلاد حتى أواخر هذا العهد، وتأثرت أنظمة الحكم زمن المماليك بمن قبلهم. فمن ذلك: تعميم نظام الإقطاع في مصر, وكان الإقطاع مكافأة لكبار رجال الدولة من الأمراء والقواد بدل الرواتب والأعطية. ومع هذا حاول سلطان من السلاطين أن يجعل السلطنة في ابنه من بعده خضوعا لعاطفة الأبوة، غير أن هذا لم يكن إلا وسيلة مؤقتة حتى يتيسر للأمراء شيء من الإجماع على سلطنة واحدة من كبارهم، فإذا تم ذلك خلع الأمراء ابن سلطانهم القديم وأرسلوه إلى أمه أو نفوه، وترتب على هذا من التولية والعزل في السلطنة، مما أدى إلى اضطراب الأحوال في كثير من الأحيان2. الأحوال الاجتماعية: وفد إلى مصر كثير من المماليك من مختلف الأجناس الآسيوية والأوربية
حتى صار منهم التركي والجركسي واليوناني والصيني والروسي، واعتزت هذه الجماعات المملوكية الوافدة على مصر بما صار لأفرادها من أنواع القوة والنفوذ والسلطان والعنف. وعاش المماليك عيشة النعيم متمتعين بخيرات البلاد, وكان كل أمير مملوكي عبارة عن سلطان من حيث إقامته في قصر وإحاطته بالأتباع واتخاذه موظفين له. وكون المماليك طبقة منفصلة تمام الانفصال عن سائر سكان سلطنتهم، ولم يكن كثير منهم متقنا للغة العربية، وفضل بعضهم التكلم بالتركية. ومع وجود الطبقات والانفصال غلبت مظاهر القناعة على أهل البلاد بسبب ما أفادوا من أجور ومكافآت مقابل ما قاموا به للمماليك أرباب السيف وللموظفين أرباب القلم من صناعة الأقمشة والملابس والأواني والأطعمة كما أكثر المماليك من إنشاء التكايا والسبل والحمامات الشعبية1. الأحوال الاقتصادية: الزراعة: اهتم السلاطين بالزراعة فشقوا الترع وحفروا القنوات وقووا الجسور وأقاموا القناطر والسدود, غير أن اهتمامهم بالزراعة اقتصر في جملته على استغلال الأرض دون مصلحة الفلاح. الصناعة: وتقدمت الصناعة في هذا العصر، ويصف المقريزي أحد الأسواق المصرية زمن المماليك بأنه "معمور الجانب من أوله إلى آخره بالحوانيت، ففي أوله كثير من البزازين الذي يبيعون ثياب الكتان من الخام". التجارة: اتسعت التجارة في مصر إلى حد لم تبلغه قبلا، وكانت الإسكندرية مركزا لتجارة الأوربيين، كما كانت قوص مركزا لتجارة المصريين، واعتمدت حكومة المماليك على هذه التجارة وكسبت من ورائها أموالا طائلة، هي أحد أسرار عظمة الدولة المملوكية.
ثم اكتشف البرتغال طريق رأس الرجاء الصالح إلى الهند، وحلت لشبونة محل الإسكندرية، فانقطع ذلك المصدر الذي استمدت منه دولة المماليك معظم ثروتها. العلوم والفنون: شهد العصر المملوكي ما لم يشهده عصر إسلامي سابق من حركة واسعة في البناء والتعمير، فامتلأت مصر بالمساجد والمدارس والمنشآت العسكرية والمدافن التي لا تزال معظم آثارها قائمة في القاهرة والإسكندرية، ومنها جامع الظاهر بيبرس وجامع الناصر محمد بالقلعة، ومدرسة السلطان حسن بالقاهرة، وقلعة قايتباي بالإسكندرية1. الحركة العلمية: انتقال النشاط العلمي إلى مصر والقاهرة: تلفت المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يبحثون لأنفسهم عن ملجأ يلجئون إليه ومأوى يأوون فيه بعد النكبات المتلاحقة "في عهد التتار" وبعد سقوط أكبر دولتهم سقوطا نهائيا، وهي الدولة العباسية، فلم يجدوا أمامهم غير مصر وبلاد الشام، حيث أسس المماليك لهم وأقاموا لأنفسهم سلطانا، فقد عمل المماليك على رد طغيان التتار، وما وقف سلاطين المماليك وأمراؤهم المواقف تلك، إلا أنهم مسلمون معنيون بشئون دينهم مطالبون بدفع الأذى عنه. فتوجهت أنظار المسلمين إلى مصر ولفتوا قلوبهم وأرواحهم إلى القاهرة باعتبارها عاصمة جديدة. وبذلك كله اكتسبت مصر مكانا في الحياة جديدا، لذلك انتقل النشاط العلمي من العراق وبغداد إلى مصر وقاهرتها، ونشرت القاهرة زعامتها العلمية وقيادتها الأدبية على البلاد الإسلامية تقريبا زهاء هذه القرون الثلاثة التي عاشت فيها دولة المماليك2.
عوامل نشاط الحركة العلمية: تنقسم العوامل إلى خارجية وداخلية ... ونعني بالعوامل الخارجية ما وقع منها في خارج مثل ولم يكن لمصر ولا لأهلها يد في تدبيرها. والداخلية: نعني بها ما وقع منها داخل مصر، وكان لأهلها يد في تدبيرها. العوامل الخارجية: وإيجازها فيما يلي: 1- وقوع كثير من البلاد الإسلامية في يد المغول، فغطى سيل التتار من أواسط آسيا إلى الشام، فكان مسرحا للنزاع العنيف بين دول التتار والمماليك، فالتف المسلمون حول من يحافظون عليهم من سلاطين المماليك، وعملوا على تدعيم ملكهم، ومن أهم وسائل تدعيم الملك إحياء العلوم والمعارف. 2- قتل العلماء وإتلاف الكتب العلمية، وعلى أثر ذلك فر من فر من العلماء من وجه التتار، أو أنف الإقامة في ظلهم واستقر بهم المقام في كف سلاطين مصر. 3- وفود العلماء والأدباء إلى مصر والشام، ومن هؤلاء ابن مالك الأندلسي وابن خلدون وغيرهما. 4- زوال الخلافة العباسية, فاتجهت الأعين إلى مصر حيث كانت مركزا للخلافة1. العوامل الداخلية: 1- غيرة السلاطين والأمراء: وقد تجلت هذه الغيرة منهم في كفاحهم للتتار ومحاربتهم للفرنجة. حتى ردوا هؤلاء وهؤلاء عن مصر والشام والبلاد المقدسة، وهذه النزعة من دأبها أن توقظ أمثالها في نفوس العلماء وتدفعهم إلى رفع راية التعليم والتأليف ومواصلة البحث والاطلاع.
2- تعظيمهم لأهل العلم: فقد أقاموا للعلماء وزنا، ولا ريب أن هذا التعظيم له الأثر المباشر في نفوس العلماء على أن يظلوا حريصين على الشريعة، وأن يبثوا هذه الروح في نفوس طلابهم. 3- شعور العلماء بواجبهم وتنافسهم في أدائه: فكان لهذا التنافس الشديد الأثر المفيد في إحياء العلوم، وبخاصة في ميدان العلم والتأليف. 4- انصراف العناية إلى اللغة العربية: ولا شك أن مما عاون أهل العلم في تلك الآونة عناية السلاطين باللغة العربية التي اضطرتهم الظروف إليها اضطرارا، فأطلقوها تجري كما شاءت لها الأقدار في ضبط أمور الملك والسياسة والقضاء والعلوم، وذلك لعجز لغتهم التركية أو الجركسية عن أداء ما يتطلبه الملك الواسع من ضبط وأمن وربط، ونشر تعليمات وبعث مراسلات وكتابة. 5- إنشاء دور التعليم ونظامها: لا شك أن إنشاء دور التعليم يعتبر سببا أساسيا وحيويا لتنشيط الحركة العلمية، لما تضمنه من مدرسين وطلاب. وسأذكر هنا على سبيل المثال بعض المدارس التي بنيت في عهد المماليك أو ظلت مزدهرة إلى العصر: أ- المدرسة المعزية: عمرها السلطان عز الدين أيبك الجاشنكير أول ملوك البحرية، وذلك عام 654هـ. ب- جامع القلعة: أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون عام 718هـ وجعل فيه درسا وقراء. جـ- مدرسة السلطان حسن: أنشأها السلطان الناصر حسن بن قلاوون، ابتداء من عام 757هـ, واستمر العمل فيها ثلاث سنوات. د- المدرسة المؤيدية: هي الجامع المعروف بجوار باب زويلة أسسها المؤيد شيخ المحمودي وانتهت عمارتها عام 819هـ. وغير ذلك من المدارس والخوانق والزوايا.
6- رصد الأوقاف على هذه المدارس والإحسان إلى أهلها، حيث إنه لا يمكن لمنشأة من المنشآت العامة أن تبقى دون أن توجه إليها عناية ورعاية. ولا ريب في أن وجود دور الكتب العامة أو الخاصة له الأثر المحمود في النهوض العلمي ونشاط حركة التأليف ... ونذكر فيما يلي بعض دور الكتب التي عرفت في العصر المملوكي نقلا عن المقريزي ج4 من خططه: أ- خزانة كتب المدرسة الظاهرية البيبرسية: التي أنشأها الظاهر بيبرس عام 662هـ، وكانت تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم. ب- خزانة الكتب بجامع الحاكم بأمر الله: وهي التي زوده بها الأمير بيبرس الجاشنكير عام 703هـ. ج- خزانة الكتب بالمدرسة الناصرية: التي بدأها كتبغا وأكملها الناصر قلاوون عام 703هـ. د- خزانة الكتب بجامع الحظيري ببولاق: التي زوده بها منشئه الأمير عز الدين إيدمر الحظيري عام 737هـ. هـ- خزانة الكتب بجامع المؤيد: قال المقريزي عنه: "نزل السلطان -أي المؤيد- في 20 محرم عام 819هـ إلى هذه العمارة ... ". وغير ذلك من خزانات الكتب. 7- العناية باختيار العلماء: وقد عني السلاطين والأمراء ومنشئو المدارس باختيار علمائها الذين يشرفون على أمورها، وأساتذتها الذين يتولون التدريس فيها وغير التدريس، فانتخبوهم من بين الأفذاذ ذوي الشهرة المعروفين بالعلم والفضل. وحسبنا أن نذكر على سبيل المثال جانبا من هؤلاء الذين حملوا أعباء النهوض العلمي، وحافظوا على التراث الديني واللغوي في هذه الحقبة القاسية من تاريخ مصر فأسدوا إليها يدا بيضاء:
أ- ممن تولى التدريس بالمدرسة الصلاحية في عصور مختلفة وولي أمرها، شمس الدين ابن اللبان شيخ المرادي، وبرهان الدين بن جماعة، وتقي الدين بن دقيق العيد وغيرهم. ب- ممن تولى التدريس بالمدرسة الحزومية: المنشأة بعد عام 750هـ الشيخ بهاء الدين بن عقيل مدرسا للفقه. جـ- ممن تولى التدريس بالمدرسة الناصرية: التي أنشأها العادل وأكملها الناصر بن قلاوون، القاضي زين الدين عليّ بن مخلوف المالكي لتدريس فقه المالكية1. 8- تشجيع المؤلفين: حيث إن العلماء قد وجدوا كل ضرب من ضروب التشجيع على المضي قدما في الناحية العلمية ففتحت لهم المدارس وأجريت لهم المرتبات، وأغدقت عليهم النعم الوفيرة إلى غير ذلك، وبذلك قد وجدوا ما يشجعهم على المضي في التأليف والتدوين والتصنيف. 9- تنافس العلماء: التنافس هنا ليس المراد منه تنافسهم في سبيل العلم وفي سبيل التأليف ومباراتهم بالمناظرات والمحاضرات وما إليها مما يكون ذا أثر كبير وبديع في الحركة العلمية، إنما التنافس هو في سبيل بلوغ المراكز العالية التي خصصت لهم في القضاء وفروعه، وفي مشيخة الإسلام وفي مشيخة المساجد والخوانق, سواء أكان الإغراء بالرواتب المادية أم المنزلة الأدبية التي يصلون إليها بمصاحبة السلطان. وتنافس العلماء من هذه الناحية كان من وسائل تشجيع الحركة العلمية2.
نتائج نشاط الحركة العلمية: تنحصر هذه النتائج في ثلاثة أمور: أولا: وفود الطلاب إلى دور التعليم لا شك أن افتتاح المدارس وتعيين العلماء فيها للتدريس والعناية باختيارهم وإجراء الرواتب على الطلاب من شأنه أن يجذب إليها قلوب الطلاب ... ووفد الطلاب إلى دور التعليم من مصر وغيرها إذ أصبحت مصر أهم كعبة علمية إسلامية يحج إليها محبو العلم وطلابه. ثانيا: كثرة العلماء والأدباء إذ زخر العصر بالعدد الوافر من علماء المذاهب الأربعة والأصوليين والنحويين واللغويين والأدباء والمؤرخين وغيرهم. وقد نشط كثير من هؤلاء العلماء إلى التأليف والفتوى والتدريس والوعظ، وشغلوا مناصب القضاء والكتابة، وشغفوا بالمحاورات والمناظرات. وعن المناظرات. قال صاحب الدرر الكامنة 3/ 803 في ترجمة تاج الدين محمد المراكشي المولود في القاهرة: "إنه تناظر هو والفخري فكان من حضر لا يفهم ما يقولانه لسرعة عبارتهما". ثالثا: نشاط الحركة التأليفية هذه الحركة من أهم نتائج النشاط العلمي إذ هي الثمرة الخالدة والأثر الباقي وكانت مصر مفخرة بسببها. وأتناول هنا بالكلام بعض العلوم المختلفة على سبيل المثال مركزا على العلوم اللغوية "النحو والصرف" حيث إني بصدده، وسأجمل القول فيما عداها، ولم نعن في هذا المقام إلا بالمؤلفين الذين اتصلوا بمصر والشام في ذلك العصر اتصالا ما، مثل الاستيطان أو الزيارة أو الوظيفة.
المؤلفات: لا نبالغ إذا قلنا: إن مؤلفات علماء مصر في خلال عصر المماليك -وهو أقل من ثلاثمائة عام- تبلغ عدة آلاف، وحسبنا دليلا على ما نقول أن بعضهم عرف عنه أنه وحده ألف مئات من الكتب والرسائل كالسيوطي، فقد قيل: إن مؤلفاته أربت على ستمائة، وكابن تيمية الحراني، فقد قيل: إن مؤلفاته أربت على خمسمائة، وغير ذلك. وبلا ريب كانت هذه المؤلفات تملأ دور الكتب المصرية في العصر المذكور بجوار دور التعليم, فلما جاء الفتح العثماني عام 923هـ وأزالوا حكم سلاطين المماليك نهبوا ذخائر البلاد ونفائسها وفي مقدمتها تلك المؤلفات. وحملوا ما حملوا إلى عاصمة بلادهم وجملوا بها دور كتبهم، ولم يبق في مصر إلا صبابة من تلك الكأس المليئة مبعثرة هنا وهناك، وكانت هذه الصبابة هي النواة لإنشاء دار الكتب المصرية بالقاهرة في عهد الخديو إسماعيل. وبعد، فلنعد إلى هذه المؤلفات المصرية وعصر تأليفها وهو العصر المملوكي، وسأذكر أمثلة مقتصرة حيث المقام لا يتسع، ومن المؤلفات التاريخية: 1- وفيات الأعيان لابن خلكان المتوفى عام 681هـ وبه أكثر من ثمانمائة ترجمة. 2- الطالع السعيد الجامع لأسماء نجباء الصعيد, تأليف كمال الدين جعفر بن ثعلب الأدفوي المتوفى عام 748هـ وهو معجم حافل به أكثر من 590 ترجمة لأعلام الصعيد من معاصري المؤلف. 3- تاريخ النحاة, مؤلفه تاج الدين أبو محمد أحمد بن عبد القادر محمد بن مكتوم المتوفى عام 749هـ. 4- الوافي بالوفيات، وهو لصلاح الدين الصفدي المتوفى عام 764هـ وهو في نحو خمسين مجلدا. 5- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني، وهو أربعة أجزاء تحتوي على أكثر من ألف ترجمة لأعلام هذه المائة مرتبة حسب الحروف، وغير ذلك.
تاريخ الخطط والآثار: وهي المؤلفات التي تحدثت عن البلاد والمدن والمواضع، ومن مؤلفات: 1- الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة: مؤلفها محيي الدين عبد الظاهر المتوفى عام 692هـ. 2- نهاية الأرب في معرفة كلام العرب: مؤلفه شهاب الدين القلقشندي المتوفى عام 821هـ. 3- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار: مؤلفه تقي الدين المقريزي المتوفى عام 845هـ وهو أربعة أجزاء. المؤلفات الدينية: قد سرت النزعة الدينية والروح الإسلامية في أرجاء البلاد واعتنى العلماء بالتأليف، ومن ذلك على سبيل المثال: 1- الروضة: مؤلفه محيي الدين النووي المتوفى عام 676هـ. 2- الشامل: مؤلفه بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز المتوفى عام 805هـ. 3- الفتاوى المصرية, لتقي الدين بن تيمية الحراني المتوفى عام 728هـ، وهو سبعة مجلدات وغير ذلك من الكتب الكثيرة. تفسير القرآن الكريم: 1- تفسير القرآن الكريم: مؤلفه عبد العزيز أحمد بن سعد الديريني المتوفى عام 697هـ. 2- إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب, لأثير الدين بن حيان شيخ المرادي, المتوفى عام 745هـ. وغير ذلك من الكتب. القراءات: 1- شرح الشاطبية: مؤلفه الحسن بن أم قاسم المرادي المتوفى عام 749هـ. 2- المقدمة الجزرية: وهي منظومة في علم التجويد من وضع شمس الدين الجزري المتوفى عام 833هـ. وغير ذلك1.
مؤلفات عربية: بنفس الروح التي أثارت الجد في نفوس علماء الدين، ثار الجد في نفوس علماء العربية بجميع فنونها، ونبغ فيها علماء أجلاء منهم من يعتبر إماما في فنه وقدوة في مادته، والعربية كانت ولا تزال وستبقى، أهم الأدوات لفهم الدين وتوضيح مسائله، بينهما من الوشائج ما لا تستطيع الأيام فصله, ومن ثم لم تكن لعلماء اللغة تلك المنازل المرموقة التي سما إليها علماء الدين، لذلك لم يكن غريبا أن يحرص العلماء على أن ينبغوا أولا في علوم الشريعة، ثم يفيئوا إلى اللغة وفنونها فيتعهدوها بالعناية. على أن هناك بعضا من العلماء غلب عليه الاشتغال باللغة وفنونها، لرغبة فيها وولوع فأجاد وأفاد، وسجل لنفسه بما ألفه ودونه من مسائلها سجلا خالدا. كتب النحو والصرف: ولعل النحو والصرف في مقدمة فنون العربية التي حظيت من العناية بنصيب أوفر، فقد وضعت فيهما أسفار قيمة، وعرف بهما رجال أفذاذ. ونحن لا ننكر أن نحويي هذا العصر، لم يأتوا بجديد ممتع ولا بمبتكر رائع، وقصارى جهودهم بذلت في توضيح مسائل النحو وتوجيه قواعده، والاستدلال لها مع عرض الآراء المتناقضة أحيانا، والموازنة بينها وترجيح أحدها أحيانا أخرى. ونحا بعضهم إلى وضع المتون ثم إلى شرحها ثم إلى شرح هذا الشرح أو اختصاره، وذلك على نمط مما كان يفعل علماء الدين بكتب الفقه، وزادت التحشية على المؤلفات، والاستدراك عليها ونحوه، حتى نتج من ذلك كله نتاج وفير في هاتين المادتين: النحو والصرف. غير أننا لا نرى مناصا من التنويه بأن بعضهم كانت له في بحوثه شخصية وقوة تشعرنا بأنه كان حسن الذوق لمادته عميق الفهم، كامل الإلمام، دقيق الملاحظة والموازنة، جديد التوجيه والتعليل.
وأفضل الأمثلة لذلك: ابن هشام المصري. ذلك العلامة الذي قال فيه ابن خلدون: "ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه". ونشير في هذا المقام إلى جالية علماء الأندلس بالمشرق وعلى رأسها جمال الدين بن مالك الأندلسي الذي وفد إلى بلاد الشام في عهد الملك الظاهر بيبرس، وتتلمذ له كثيرون من أبنائها، وانتشرت بينهم كتبه ومنظوماته، كالألفية والتسهيل وكلاهما في مقدمة الكتب التي اتخذت محورا للتأليف. وكذلك أبو حيان الأندلسي, فقد وفد على مصر وتتلمذ لبعض رجالها وتتلمذ له بعض رجالها كابن أم قاسم المرادي، وأفادوا منه كما أفاد منهم. وإليك بعضا من المؤلفات والرسائل في هذين الفنين على سبيل المثلا: 1- الألفية والتسهيل والكافية الشافية وهي أرجوزة في أكثر من 2750 بيتا لخص منها ألفيته وسبك المنظوم وفك المختوم، ولامية الأفعال لابن مالك المتوفى عم 672م. 2- شرح التسهيل، وشرح الألفية، والجنى الداني في حروف المعاني، ورسالة في الجمل التي لا تكون لها محل من الإعراب، وشرح باب وقف حمزة وهشام على الهمزة من الشاطبية، وشرح المقصد الجليل في شرح علم الخليل، والمفيد وهو شرح عمدة المفيد وعدة المجيد في التجويد، وشرح الاستعاذة والبسملة، لبدر الدين وهو ابن أم قاسم حسن بن قاسم المرادي المتوفى عام 749هـ. 3- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، وقطر الندى وبل الصدى، وشذور الذهب، وأوضح المسالك والجامع الصغير، والروضة الأدبية، وموقد الأذهان، والإعراب عن قواعد الإعراب، لابن هشام المصري المتوفى عام 761هـ. 4- المساعد في شرح التسهيل، وشرح الألفية، لبهاء الدين بن عقيل المتوفى عام 769هـ.
5- شرح الألفية ولم يكمله، وشرح التسهيل، لجمال الدين عبد الرحيم الأسنوي المتوفى عام 777هـ. 6- شرح الألفية, لشمس الدين بن الصائع محمد بن عبد الرحمن بن عليّ الزمردي المتوفى عام 777هـ. 7- شرح الألفية وشرح التسهيل، لناظر الجيش محب الدين محب محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي المتوفى عام 778هـ. 8- شرح ألفية ابن مالك، لأكمل الدين البابرتي المتوفى عام 786هـ. 9- حاشية على مغني اللبيب، لبدر الدين الدماميني المتوفى بالهند عام 827هـ. 10- الألغاز النحوية، والتصريح بمضمون التوضيح، وشرح الآجرومية، وإعراب الألفية، لخالد الأزهري الجرجاوي المتوفى عام 905هـ. 11- البهجة المرضية في شرح الألفية، الأشباه والنظائر في النحو، والفريدة في النحو والصرف والخط والنكت على الألفية والاقتراح في أصول النحو، وهمع الهوامع، وشرح شواهد المغني ... لجلال الدين السيوطي المتوفى عام 911هـ1. علم العروض: فعلى سبيل المثال: 1- كتاب في العروض لابن مالك النحوي الأندلسي المتوفى عام 672هـ. 2- شرح المقصد الجليل في شرح علم الخليل، لابن أم قاسم المرادي المتوفى عام 749هـ. 3- كتاب القوافي، وجواهر البحور في العروض، لبدر الدين الدماميني المتوفى عام 728هـ2.
علوم البلاغة: أما علوم البلاغة فالمعروف أنها نضجت قبل هذا العصر نضوجا محمودا، فقد هذب عبد القاهر الجرجاني المتوفى عام 471هـ مسائلها ووجه أنواعها ورتب قواعدها في كتابيه: أسرار البلاغة في قالبها الأخير في كتابه مفتاح العلوم، وجاء العصر المملوكي فاشتغل علماؤه بالشرح والتفصيل أو الاختصار وعلى رأسهم جلال الدين القزويني وهو محمد بن عبد الرحمن المتوفى عام 739هـ فوضع تلخيص المفتاح من كتاب السكاكي، وسأذكر بعض المؤلفات على سبيل المثال: 1- المسترجل في الكنى، والمقتنى في سرد الكنى، لشمس الدين الذهبي المتوفى عام 748هـ. 2- مختصر أساس البلاغة للزمخشري، لشهاب الدين بن حجر العسقلاني المتوفى عام 852هـ. 3- الإفصاح، وهو نكت على التلخيص في البلاغة، وعقود الجمان في المعاني والبيان، وشرح أبيات تلخيص المفتاح، لجلال الدين السيوطي المتوفى عام 911هـ1. الكتب الجامعة: 1- لسان العرب. المعجم اللغوي المشهور، لابن منظور الأفريقي المتوفى عام 711هـ. 2- طبقات الشافعية: وهو في تراجم أعلام الشافعية: لتاج الدين السبكي المتوفى عام 771هـ. 3- تاريخ ابن إياس، وهو المعروف ببدائع الزهور في وقائع الدهور, لابن إياس المتوفى عام 930هـ2.
الفصل الثاني
الفصل الثاني: مصر: وبعد الخلاصة الموجزة عن العصر المملوكي تناولت فيها نظم حكمه وأحواله الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، حيث العصر الذي عاش في كنفه ابن أم قاسم المرادي وتأثر به في كل أحواله ... لا يفوتنا، أنه عاش في مصر وقاهرتها واستظل بسمائها، وافترش أرضها وشرب من ماء نيلها، لذلك سأسرد نبذة موجزة عن مصر وجوها وأحوالها فنقول: مصر بنت النيل، الطيبة تربتها، الصافية سماؤها، المعتدل جوها، الرضية حياتها، السمح أهلها، الرحب جنابها، مرت بها العصور تتوالى دونها، صاحبت الشمس منذ مطلعها، ورافقت الزمن منذ نشأته، وعبرت بها الأحداث حيرى دونها، مع كثرة غيرها وصروفها، ولكن مصر كانت هادئة بإيمانها مطمئنة بيقينها، لذلك لم تكن تألو أن تخلع على هذه الأحداث والغير والصروف أثوابا من الهزء، وأردية من السخرية أن آمنت أن العاقبة لها، وأن الخلود في جانبها، وأن البقاء من نصيبها، أما ما دونها من عوادي الزمن ومحن الأيام، فإنها أمامها أشبه ببساط منشور يستعين به الهراجون والمتبذلون فيفكهون الناس حينا ببعض قصصهم، فإذا ما انقضت آونتهم وانتهت فترتهم، طووا بساط اللهو، فينشر غيرهم بساطا آخر جديدا، وهكذا دواليك، بين هذه الأمواج الصاخبة في بحر الزمان، وبين هذه العواصف المتلاحقة في جو الليالي، شهدت مصر ألوانا شتى من قصص الحياة ومثلها، آنًا تسمو إلى ما هي له أهل من السمو فتقبض بيدها على صولجانها، فيأتمر الناس بأمرها، وينتهون بنهيها، وآنًا تهددها الأحداث، وتتعاورها الخطوب، فتنثني باسمة أمام العاصفة، فتهزم شدتها بما وهب لها من لين، وتقهر قسوتها بما منحته من لطف، وهي هي مصر الباقية الوادعة. وإذا كانت مصر هكذا كالطود الشامخ، فهي جديرة بأن تخرج أفذاذا وأشبالا في اللغة وغيرها مثل ابن أم قاسم المرادي وغيره، فهؤلاء استمدوا قوتهم من قوتها وتأثروا بجوها وحوادثها ومناخها.
فكان أدعى أن يحفزهم إلى العمل الجاد من أجل إعلاء اللغة العربية الغنية بألفاظها وأساليبها ومعانيها. النحو والنحاة في عصر المماليك: إن مصر والشام في هذه الآونة كانتا مستقلتين تخفق عليهما راية واحدة حملها المماليك الذين ولوا أمرهما بعد الأيبوبيين سنة 648هـ واتخذوا القاهرة قاعدة ملكهم. وكان المماليك لشعورهم بنقص أحسابهم، ولأنهم دخلاء يحاولون استكمال مهابتهم بغرس ما يثمر النفع للبلاد، ثم كان حادث بغداد موجبا إليهم جسامة العبء الملقى على كاهلهم، فناصروا اللغة العربية؛ لأنها لغة الدين والشعب، ولم تحل جنسيتهم التركية والجركسية دون اعتمادها لسان الدولة الرسمي، وتحبيب علمائها لنشرها ورفع لوائها، ليستعيدوا مجد العراق في بلادهم. ثم تمكن المماليك من القبض على زمام المقاليد في مصر والشام، والعراق حينئذ في الاحتضار والأندلس في سبيل الزوال، وأن علماؤهما لم يلفوا أمامهم موطنا يعيشون فيه ويجدون مبتغاهم من الهدوء ونشر العلوم, وأن العلماء قد رأوا إقفار البلاد من الكتب العربية. يقول السيوطي وهو من علماء هذا العهد: "وقد ذهب جل الكتب في الفتن الكائنة من التتار وغيرهم بحيث إن الكتب الموجودة الآن في اللغة من تصانيف المتقدمين والمتأخرين لا تجيء حمل جمل واحد". وربما كان في هذا الكلام شيء من الغلو إلا أنه -أيا ما كان- دليل على إحساسهم بالنقص والخسارة، وواجب الدين في أعناقهم يقضي عليهم بإحياء ما درس من علوم لغة الدين، وبينهم بعض المشارقة الذين فروا من وجه المغول، والجم الغفير من المغاربة والأندلسيين الذين وردوا القطرين من عهد بعيد، فهبت حركة طيبة في علومها، وفي مقدمتها النحو. ومن الإنصاف أن نقول: إن عماد هذه الحركة التي كان فيها إمساك للحوباء إنما هي جالية الأندلس والمغرب، فألفية ابن مالك الأندلسي التي كثرت الشروح
عليها، وطاف المؤلفون في القطرين حولها، هي التي توزعت دراستها على مراحل التعليم باعتبار شروحها سهولة وصعوبة واختصارا واتساعا، وكذا الكافية الشافية. ففي هذا العصر فاضت دراسة النحو في أغلب القطرين وبخاصة القاهرة ودمشق وحلب، وقد كانت الدراسة أول أمرها أشبه بعلاج المريض الذي لم يبق فيه إلا الذماء، ولكن الترغيب والتقدير قد أكسبها استعادة ما فقد من الازدهار، فظهر جهابذة حفظوا وجود هذا العلم بعد نكبتي المشرق والمغرب. ونشطت حركة التأليف لتزايد الإقبال عليها. ومن مظاهر هذا النشاط أن توخى أغلب المؤلفين في مؤلفاتهم التدرج والتنويع فيها، لاختلاف قدر الطالبين من مبتدئ وشاد ومنته، فجمعوا فيها بين وجيز ووسيط وبسيط، حبا في تعميم النفع كما صنع ابن مالك وابن أم قاسم وابن هشام والسيوطي. فالتأليف على عمومه في خلال هذا العهد قد طرأ عليه اتجاه جديد. ففي هذا العهد طفق المؤلفون ينشئون المتون مع استيعابها لما في المطولات، ويعملون على إيجازها ما وسعت قدرتهم، ومن هنا مست الحاجة إلى الشروح وربما جللت بالحواشي، وأقرب الأمثلة لهذا شروح ألفية ابن مالك وكافية ابن الحاجب.. وبعض الحواشي. وهذه المؤلفات التي كانت غزيرة المادة العلمية من الجهة النحوية لم يعبها إلا ما شابها من الشروح والحواشي من كثرة بيان اللهجات العربية لكثير من الكلمات مما يمت إلى فقد اللغة بسبب وثيق، ومن التعليل والتوجيه لتضارب الآراء النحوية مما لا يعود بطائل على النحو، ومن محاولتهم أخذ القاعدة النحوية من مادة الكتاب المعلق عليه وكثيرا ما يكون في العبارة قصور في الدلالة. لكن هذه الهنات لم تذهب بمحاسن هذه المصنفات، وجلها لا يزال إلى يومنا عتاد طلاب النحو ومطمح أنظارهم، ويظهر أن الحامل لهم على الإكثار من المتون حبهم في سرعة تلافي ما ضاع من كتب النحو. والمتون كفيلة بجمع ما كثر من القواعد في موجز الكلام، فلكي يسهلوا على الراغبين جمع شتات هذا الفن في قبضة اليد صنفوها كعلاج بدا لهم.
فلم يكن بعد هذا بد من شروح تكشف قناع هذه المخدرات المكنونة، وبالتالي قد تقتضي الشروح تفصيلا لما أجمل فيها فكانت بعض الحواشي. فما أجدر عهد المماليك بتسميته عهد المتون والشروح، وقلما ترى حاشية لمؤلف منهم ... كل ذلك والأقطار الإسلامية الأخرى منصرفة عن هذا العلم وغيره، ترزح تحت نير الظلم من ملوك لا تحنو على اللغة وعلومها ولا تربطها بها أسباب. فإن المطالع لصفحات تاريخ النحويين لهذا العهد لا تكاد تقع عيناه عليهم إلا متواطنين بالقطرين إما نازحين إليهما أو مولودين بهما. فمما لا مرية فيه أنه لولا القطران في هذا الأمد لانقطعت الصلة بين النحو قديمه وحديثه ولكان له نظام آخر1. المعاصرون للمرادي المعروف بابن أم قاسم: لما كان المرادي المعروف بابن أم قاسم يعيش في عصر المماليك، الذي اشتهر بعهد المتون والشروح ... رأيت أن أذكر نبذة موجزة عن بعض هؤلاء النحاة الذين عاصروا ابن أم قاسم، سواء أكانوا من مواليد مصر أم من النازحين إليها، مراعيا في ذلك الترتيب الزمني في وفياتهم. مع العلم أنني لم أعثر على ما يدل على أنه يجتمع بهؤلاء ويناظرهم، والرابط بينهم هو العصر، وأن بعضهم كان قد تلقى عن شيخه أبي حيان. 1- برهان الدين السفاقسي: نسبه: هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم القبسي المالكي العلامة برهان الدين أبو إسحاق السفاقسي النحوي، صاحب إعراب القرآن. مولده: قال ابن حجر في الدرر الكامنة: ولد في حدود سنة 677 سبع وسبعين وستمائة من الهجرة.
من حياته: تنقل في أماكن مختلفة، وجلس في حلقة العلماء حتى تفقه في كل باب طرقه فسمع ببجاية من شيخها ناصر الدين، ثم قصد بيت الله الحرام فحج، وقدم القاهرة، وأخذ على الشيخ أبي حيان وملأ جعبته من علمه، ثم توجه إلى دمشق فسمع من المزي وزينب بنت الكمال وخلق كثير، وكان لتجويله في البلدان وتنقله فيها وسماعه العلم من أهلها وعلمائها أثر طيب في نفسه، إذ برع في العربية واشتهر وعلا قدره. صفاته: كان فاضلا محبا للناس متوددا إليهم منفقا مما منحه الله من الخير، يرضى بكل تعب يلقاه من أجل العلم والمعرفة. وفاته: مات في ثامن عشر ذي القعدة سنة 742هـ اثنتين وأربعين وسبعمائة من الهجرة. 2- ابن المرحل: نسبه: هو عبد اللطيف بن عبد العزيز بن يوسف بن أبي العز عزيز بن نعمة بن ذوالة الحراني الأصل، الشافعي المعروف بابن المرحل العلامة شهاب الدين النحوي يكنى أبا الفرج بن عز الدين. من حياته: سمع من ابن الحبوبي وعليّ البكري وشهاب المحسني وغيرهم، وقرأ بنفسه وخرج له تقي الدين بن رافع جزءا من حديثه، وتصدر الجامع الحاكمي، وانتفع به الناس، وقال الأسنوي في الطبقات: كان أبوه يبيع الرحال للجمال، فذلك سمي بابن المرحل وكان فاضلا في النحو واللغة والمعاني والبيان والقراءات، وكان تاجرا في الكتب، اعتنى بالعربية وخصوصا ألفية ابن مالك، فكان فيها ماهرا، وقرأها فأخذها جماعة بحلب والقاهرة منه، وكان شديد التثبيت في النقل. وقد أخذ عنه الشيخ جمال الدين بن هاشم، وهو الذي نوه به وعرف بقدره، وكان يطريه ويفضله على أبي حيان وغيره، ويقول: كان الاسم في زمانه لأبي حيان والانتفاع بابن المرحل، وأخذ عنه الشيخ شمس الدين بن الصائغ، ورثاه لما مات بقصيدة على قافية الباء الموحدة أولها: سما الفضلاء وانقض بعد شهاب ... فقل في مصيب عز فيه مصاب
وذكر الشيخ شمس الدين بن الصائغ، أن الشيخ عبد الله المنوفي الزاهد المشهور، بات عنده ليلة دفنه، وقرأ عليه ختمة. وفاته: مات ابن المرحل بالقاهرة في المحرم سنة 744 أربع وأربعين وسبعمائة من الهجرة، وقد جاوز الأربعين1. 3- ابن التركماني: نسبه: هو أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان المارديني الأصل المعروف بابن التركماني الحنفي القاضي تاج الدين. مولده: قال ابن حجر في الدرر الكامنة, ولد بالقاهرة ليلة السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة 681 إحدى وثمانين وستمائة من الهجرة. من حياته: تقلب بين يدي العلماء، وجلس في حلقاتهم، وولي مناصب هامة في الدولة واشتغل بأنواع العلم ودرس وأفتى وناب في الحكم، وصنف في الفقه والأصلين والحديث والعربية والعروض والمنطق والهيئة، وسمع من الشيخ الدمياطي وابن الصواف والحجار، وحدث وسمع منه الكثير وجلس في حلقات درسه. مصنفاته: 1- تعليقه على المحصل للإمام فخر الدين الرازي. 2- وشرح المنتخب للباجي. 3- وثلاثة تعاليق على الخلاصة في الفقه. 4- وشرح الجامع الكبير في الفقه. 5- وشرح الهداية. 6- ومصنفات في الفرائض. 7- وتعليقه على مقدمة ابن الحاجب في النحو. 8- وشرح المقرب لابن عصفور. 9- وشرح عروض ابن الحاجب. 10- وكتاب أحكام الرمي والسبق والمحلل. 11- وكتاب الأبحاث الجلية على مسألة ابن تيمية. 12- وشرح الشمسية في المنطق. 13- وشرح التبصرة في الهيئة للخرفي. ذكر ذلك المقريزي في المقفى في ترجمته. وفاته: مات ابن التركماني في أوائل جمادى الأولى سنة 744 أربع وأربعين وسبعمائة من الهجرة2.
4- قوام الدين الكرماني: نسبه: هو مسعود بن محمد بن محمد بن سهل قوام الدين أبو محمد بن برهان الدين بن شرف الدين الكرماني الحنفي الصوفي. مولده: قال ابن حجر في الدرر الكامنة: ولد سنة 664 أربع وستين وستمائة من الهجرة. من حياته: تقلب وتنقل في البلدان طلبا للرزق وعونا على العيش، وجلس في حلقات علماء هذه البلاد واستفاد منهم وأفاد الناس، وشغلهم بعلمه وعربيته. قال في الدرر الكامنة: واشتغل في تلك البلاد ومهر في الفقه والأصول والعربية، وكان نظارا بحاثا، وقدم دمشق فظهرت فضائله، ثم قدم القاهرة وشغل الناس بالعلم. وكان باهرا في الأصول والفقه والعربية والنظم، فصيح العبارة، وأخذ عنه البرزالي وابن رافع. وفاته: مات في منتصف شوال سنة 748 ثمان وأربعين وسبعمائة من الهجرة1. 5- أحمد بن مكتوم النحوي: نسبه: هو أحمد بن عبد القادر بن أحمد مكتوم بن أحمد بن محمد بن سليم بن محمد القيسي تاج الدين أبو محمد الحنفي النحوي. مولده: قال في الدرر الكامنة: ولد في آخر ذي الحجة سنة 682 اثنتين وثمانين وستمائة. من حياته: كان نحويا بارعا، أخذ النحو عن البهاء بن النحاس، ولازم أبا حيان دهرا طويلا، وأخذ عن السروجي وغيره، وتقدم في الفقه والنحو واللغة، ودرس وناب في الحكم، وكان سمع من الدمياطي اتفاقا قبل أن يطلب، ثم أقبل على سماع الحديث ونسخ الأجزاء فأكثر عن أصحاب النجيب وابن علاق.
وقال في ذلك: وعاب سماعي للحديث بعيد ما ... كبرت أناس هم إلى العيب أقرب وقالوا إمام في علوم كثيرة ... يروح ويغدو سامعا يتطلب والرواية عنه عزيزة، وقد سمع منه ابن رافع وذكره في معجمه. مصنفاته منها: 1- الجمع بين العباب والمحكم في اللغة. 2- وله كتاب الجمع المتناهْ في أخبار اللغويين والنحاهْ، عشرة مجلدات، وكأنه مات عنها مسودة فتفرقت عنه شذر مذر. 3- شرح الهدياة في الفقه. 4- شرح كافية ابن الحاجب. 5- شرح شافية ابن الحاجب. 6- شرح الفصيح. 7- الدر اللقيط من البحر المحيط، مجلدان قصره على مباحث أبي حيان مع ابن عطية والزمخشري. 8- التذكرة ثلاثة مجلدات، سماها بقيد الأوابد -بخطه في المحمودية- قال السيوطي: وقفت عليها بخطه من المحمودية أعادنا الله إلى الانتفاع منها كما كنا قريبا بمحمد وآله. وفاته: توفي الشيخ تاج الدين في الطاعون العام في رمضان سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة من الهجرة1. 6- شمس الدين الأصبهاني: نسبه: هو محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عليّ شمس الدين أبو الثناء الأصبهاني. مولده: قال السيوطي: ولد في شعبان 694 أربع وتسعين وستمائة. من حياته: اشتغل ببلاده ومهر وتميز وتقدم في الفنون، وتجول في البلدان، واستمع من علمائها وجلس في حلقاتهم، ثم قدم دمشق فبهرت فضائله، وسمع كلامه التقى ابن تيمية فبالغ في تعظيمه، ولازم الجامع الأموي ليلا ونهارا مكبا على التلاوة، وشغل الطلبة ودرس بعد ابن الزملكاني بالرواحية، ثم قدم القاهرة
واشتهر بين الناس وعلا قدره وسطع نجمه وبنى له قوصون الخانقاه بالقرافة ورتبه شيخا بها. قال الأسنوي: كان بارعا في العقليات صحيح الاعتقاد. صفاته: كان قوي الإيمان صالحا محبا لأهل الصلاح طارحا للتكليف، وكان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشرب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزمان. تصانيفه منها: 1- صنف تفسيرا كبيرا. 2- شرح كافية ابن الحاجب. 3- شرح مختصر أصول ابن الحاجب. 4- شرح منهاج البيضاوي وطوالعه. 5- شرح بدائع ابن الساعاتي. 6- شرح الساوية في العروض، وغير ذلك. وفاته: مات في ذي القعدة سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة بالطاعون العام1. 7- ابن الوردي المصري: نسبه: هو عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس الإمام زين الدين بن الوردي المصري الحلبي الشافعي. من حياته: كان إماما بارعا في النحو عالما فيه، تنقل بين يدي كثير من العلماء، وأخذ عنهم، فقرأ على الشرف البارزي وغيره، وبرع في الفقه والنحو والأدب مفننا في العلم، ونظمه في الذروة العليا والطبقة القصوى, وكان قد نشأ بحلب وتفقه بها ففاق الأقران، وكان ينوب في الحكم في كثير من معاملات حلب وولي القضاء وكان فاضلا حتى اشتهر بفضائله بين الناس، والرواية عنده عزيزة، وقد تحدث عنه أبو اليسر بن الصايغ الدمشقي، قال السيوطي: روى لنا عنه أعنى عن أبي اليسر جماعة بالإجازة. تصانيفه منها: 1- البهجة في نظم الحاوي الصغير. 2- شرح ألفية ابن مالك. 3- ضوء الدرة على ألفية ابن معطي. 4- اللباب في علم الإعراب
قصيدة شرحها. 5- مختصر الملحة نظمها. 6- تذكرة الغريب في النحو نظمها وشرحها. 7- المسائل الملقبة في الفرائض. 8- منطق الطير في التصوف. 9- أرجوزة في تعبير المنام. 10- أرجوزة في خواص الأحجار والجواهر، وغير ذلك، وله مقامة في الطاعون العام, ومن نظم ابن الوردي: لا تقصد القاضي إذا ما أدبرت ... دنياك واقصد من جواد كريم كيف يرجى الرزق من عند من ... يفتي بأن الفلس مال عظيم وفاته: قال السيوطي: واتفق أنه مات بآخرة في السابع والعشرين من ذي الحجة سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة1. 8- أبو عبد الله بن الصائغ: نسبه: هو محمد بن عبد الله بن محمد بن لب أبي عبد الله محب الدين بن الصائغ الأموي المري. من حياته: قال في تاريخ غرناطة: قرأ النحو في القاهرة إلى أن ذاع صيته وعلا قدره وازدهر نجمه, وأصبح النحو قرينا له, حتى صار يقال له: أبو عبد الله النحوي، وتنقل بين يدي العلماء واستمع إليهم، وكان قرأ على أبي الحسن بن أبي العيش والخطيب بن الفنجاطي، ولازم أبا حيان وجلس في حلقات درسه واستفاد منه وانتفع بما معه، وتعلم الضرب بالعود فنبغ فيه, وقال ابن حجر في الدرر الكامنة: كان ماهرا في العربية واللغة قيما بالعروض ينظم نظما وسيطا. أخلاقه: كان سهلا دمث الأخلاق شغوفا بمحبة الناس وولائه لهم محبا للطلب دءوبا. وفاته: مات أبو عبد الله بالطاعون العام سنة 749هـ تسع وأربعين وسبعمائة من الهجرة2.
9- شهاب الدين السمين النحوي: نسبه: هو أحمد بن يسوف بن عبد الدائم بن محمد الحلبي شهاب الدين المقرئ نزيل القاهرة المعروف بالسمين. من حياته: كان عالما من علماء النحو, برز فيه وظهر، وأخذ مكانه في علم القراءات، وتولى تدريسه، وارتقى مناصب عالية، وجلس في حلقات الحديث بين يدي علمائه. قال في الدرر الكامنة: تعانى النحو فمهر فيه، ولازم أبا حيان إلى أن فاق أقرانه، وأخذ القراءات عن التقي الصائغ ومهر فيها، وسمع الحديث من يونس الدبوسي، وولي تدريس القراءات بجامع ابن طولون والإعادة بالشافعي، ونظر الأوقاف، وناب في الحكم، وقال الأسنوي في طبقات الشافعية: كان فقيها بارعا في النحو والقراءات ويتكلم في الأصول أديبا. مصنفاته منها: 1- له تفسير القرآن. 2- الإعراب ألفه في حياة شيخه أبي حيان، وناقشه فيه كثيرا. 3- وشرح التسهيل. 4- شرح الشاطبية وغير ذلك. وفاته: مات السمين في جمادى الآخرة سنة 756هـ ست وخمسين وسبعمائة1. 10- ابن عقيل: نسبه: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عقيل القرشي الهاشمي العقيلي الهمداني الأصل ثم البالسي المصري قاضي القضاة بهاء الدين بن عقيل الشافعي، نحوي الديار المصرية. مولده: قال ابن حجر والصفدي والسيوطي: ولد يوم الجمعة تاسع المحرم سنة 698 ثمان وتسعين وستمائة، وفي شذرات الذهب: ولد سنة 694 أربع وتسعين وستمائة، وقال الشوكاني في البدر الطالع: ولد سنة سبعمائة.
من حياته: قدم إلى القاهرة وحرص على طلب علوم اللغة إلى أن مهر، ولازم أبا حيان، وقرأ عليه النحو وبرع فيه، وفي الشذرات: وقرأ النحو على أبي حيان ولازمه في ذلك اثنتي عشرة سنة حتى قال أبو حيان: ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل. وأخذ القراءات عن التقي الصائغ، والفقه عن الزين الكتاني، ولازم العلاء القونوي في الفقه والأصول والخلاف والعربية والمعاني والتفسير والعروض وبه تخرج وانتفع. ولازم جلال الدين القزويني، وسمع من الحجار ووزيره وحسن بن عمر الكردي، والشرف بن الصابوني والوافي وغيرهم، وسمع الحديث من ابن الصاعد وابن الشحنة وأبي الهدى أحمد بن محمد وغيرهم. وقد برع حتى صار إماما في علوم العربية وممتازا في الفقه والأصول والقراءات، واشتهر اسمه وعلا ذكره, وناب في الحكم, فناب في القضاء بمصر والجيزة، وعن شيخه القزويني بالحسينية وعن العز بن جماعة بالقاهرة فسار سيرة حسنة ثم عزل لواقع وقع منه في حق القاضي موفق الدين الحنبلي في بحث فتعصب ضرغتمش له فولي القضاء الأكبر، وعزل ابن جماعة فلما أمسك ضرغتمش عزل وأعيد ابن جماعة فكانت ولايته ثمانين يوما، وكان قوي النفس يتيه على أرباب الدولة، وهم يخضعون له ويعظمونه ويحترمونه. قال الأسنوي في طبقاته: ولما تولى جاء ابن جماعة فهنأه ثم راح هو إليه بعد ذلك وجلس بين يديه وقال: أنا نائبك. وقال ابن رافع: كان قوي النفس تخضع له الدولة، ولا يتردد إلى أحد وعنده حشمة بالغة وتنطع زائد في الملبس والمأكل، وكان لا يبقي على شيء حتى مات وعليه دين، وقد ولي القضاء ثمانين يوما, وفرق على الطلبة والفقهاء في ولايته مع قصرها نحو ستين ألف درهم, يكون أكثر من ثلاثة آلاف دينار. درس بالقبطية والخشابية والجامع الناصري بالقلعة، والتفسير بالجامع الطولوني بعد شيخه أبي حيان، وختم به القرآن تفسيرا في مدة ثلاث وعشرين سنة، ثم شرع بعد ذلك من أول القرآن فمات في أثناء ذلك.
قال السيوطي: قرأ عليه شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني وتزوج بابنته فأولدها قاضي القضاة جلال الدين وأخاه بدر الدين, وروى عنه سبطه جلال الدين والجمال بن ظهيرة والشيخ ولي الدين العراقي. صفاته: كان ابن عقيل غير محمود التصرفات في الشئون المالية، حاد الخلق، جوادا مهيبا لا يتردد إلى أحد ولا يخلو في مجلسه من المترددين إليه، كريما كثير العطاء لتلاميذه في لسانه لثغة. مصنفاته: صنف وانتفع الناس بمصنفاته ولا يزالون ينتفعون حتى اليوم ومنها: 1- شرح ألفية ابن مالك: شرحها شرحا متوسطا حسنا، لكنه اختصر في النصف الثاني جدا, وقد ترجم مع الألفية إلى اللغة الألمانية. 2- شرح التسهيل: شرحه شرحا متوسطا سماه بالمساعد. 3- وشرع في تفسير مطول وصل فيه إلى أثناء النساء. 4- وله آخر لم يكمله سماه بالتعليق الوجيز على كتاب العزيز. 5- الإمام محمد بن إدريس. 6- جامع للخلاف والأوهام الواقعة للنووي, ثم لخصه في كراس واحد. 8- وله رسالة على قول أنا مؤمن إن شاء الله تعالى ... من شعره: قسما بما أوليت من فضلكم ... للبعد عن قوارع الأيام ما غاض ماء وداده وثنائه ... بل ضاعفته سحائب الإنعام وفاته: قال السيوطي والشوكاني: مات بالقاهرة ليلة الأربعاء ثالث وعشرين ربيع الأول سنة 769 تسع وستين وسبعمائة، ودفن بالقرب من الإمام الشافعي1. 11- ناظر الجيش: نسبه: هو محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم القاضي محب الدين ناظر الجيوش بالديار المصرية الحلبي الأصل, المصري المولد والدار.
مولده: قال السيوطي وابن حجر: ولد سنة 697هـ سبع وتسعين وستمائة من الهجرة. من حياته: اشتغل ببلاده وتنقل على أيدي علمائها وجلس في حلقات دروسهم، ثم قدم القاهرة, ولازم أبا حيان, والجلال القزويني والتاج التبريزي وغيرهم, ومهر في العربية ونبغ فيها وبرع، وحفظ المنهاج والألفية وبعض التسهيل وتلا بالسبع على التقى الصائغ. وسمع الحديث من الحجار ووزيره وجماعة وحدث وأفاد, وكان له في الحساب يد طولى ثم ولي نظر الجيش ونظر البيوت والديوان، وكان مجيدا للقراءة. قال ابن الجزري في طبقات القراء: قرأ على الصائغ، وعمر زمانا ولم أعلمه أقرأ القراءات بل كان في وظيفته متصديا لقضاء أشغال المسلمين ونفع الخلق وبرهم، قرأ عليه البقرة جمعا الفخر عثمان بن عبد الرحمن الضرير، وقال: إنه سمع من لفظه جميع القرآن بقراءة أبي عمرو غير مرة. صفاته: كان عالي الهمة نافذ الكلمة كثير البذل والجود والعطاء والرفد للطلبة والرفق بهم، وكان من العجائب، قال السيوطي: أنه مع فرط كرمه وبذله الآلاف في غاية البخل على الطعام حتى كان يقول: إذا رأيت شخصا يأكل طعامي أظن أنه يضربني بسكين. وقال ابن حجر: إنه مع فرطه وكرمه في غاية البخل على الطعام. وكان كثير الظرف والنوادر، وبلغت مرتباته في الشهر ثلاثة آلاف. وكان من محاسن الدنيا مع الدين والصيانة. مؤلفاته منها: 1- شرح التسهيل إلا قليلا, واعتنى بالأجوبة الجيدة عن اعتراضات أبي حيان. 2- شرح تلخيص المفتاح شرحا مفيدا. وفاته: قال السيوطي: مات ثاني عشر ذي الحجة سنة 778هـ ثمان وسبعين وسبعمائة. وقال ابن الجزري: وقد جاوز الثمانين ولم يخلف بعده مثله1.
الباب الثاني
الباب الثاني: الفصل الأول: صاحب الألفية: فلما كان موضوع بحثي هو "تحقيق لشرح من شروح ألفية ابن مالك" فمن الحق أن أتكلم أولا بصورة موجزة عن تاريخ صاحب الألفية ثم انتقل بعد ذلك إلى الكلام على الألفية نفسها وشراحها. صاحب الألفية: نسبه: هو محمد بن عبد الله بن مالك العلامة جمال الدين الطائي الجياني الشافعي النحوي الأستاذ إمام زمانه في العربية. مولده: ولد بجيان -بفتح الجيم وتشديد الياء- بلد بالأندلس سنة 600هـ ستمائة أو إحدى وستمائة كما قال الذهبي. شيوخه: في بلدته جيان، أخذ النحو والقراءات عن ثابت بن حيان، ثم قدم دمشق وأخذ عن أبي الحسن عليّ بن محمد السخاوي، وسمع منه ومن أبي الفضل مكرم بن محمد بن أبي الصقر, وأبي صادق بن الصباح، وله شيخ جليل هو ابن يعيش الحلبي. تلاميذه: روى عنه ابنه الإمام بدر الدين، والشمس بن أبي الفتح البعلي، والبدر بن جماعة، والعلاء بن العطار، وخلق كثير. عمله: استوطن دمشق ونزل بالعادلية الكبرى وولي مشيختها الكبرى التي من شروطها القراءات والعربية، وكانت ولايته بعد أبي شامة، وأقام بالعادلية، وألف التواليف المفيدة في فنون العربية. طرف من حياته وعلمه: كان همه التردد على العلماء والأخذ عنهم حتى يتفنن ويتذوق العلم الذي يريد أن يصل إليه، ولما دخل حلب لازم حلقة ابن يعيش ثم حضر عند تلميذه ابن عمرون ولزمه وكان ذهنه من أصح الأذهان مع ملازمته العمل والنظر والكتابة والتأليف، وصار أستاذ أهل زمانه وإمام أوانه، فقد صرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية، وحاز قصب السبق وأربى على المتقدمين، وكان إماما في القراءات وعللها، وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار
من نقل غريبها والاطلاع على وحشيها، وأما في النحو والتصريف فكان فيهما بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى, وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون فيه ويتعجبون من أين يأتي بها، وكان نظم الشعر سهلا عليه رجزه وطويله وبسيطه وغير ذلك. أخلاقه: كان ابن مالك رجلا ورعا تقيا اكتسى حلة الدين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة، كثير العبادة، وانفرد عن المغاربة بشيئين، بالكرم ومذهب الإمام الشافعي. قال أبو حيان: "بحثت عن شيوخه فلم أجد له شيخا مشهورا يعتمد عليه ويرجع في حل المشكلات إليه إلا أن بعض تلامذته ذكر أنه قال: قرأت على ثابت بن حيان بجيان وجلست في حلقة أبي عليّ الشلوبين نحوا من ثلاثة عشر يوما، ولم يكن ثابت بن حيان من الأئمة النحويين، وإنما كان من الأئمة المقرئين، قال: وكان ابن مالك لا يحتمل المباحث، لأنه إنما أخذ هذا العلم بالنظر فيه بخاصة نفسه هذا مع كثرة ما اجتناه من ثمرة غرسه". مؤلفاته: 1- ألفية ابن مالك, التي اشتهرت في البلاد العربية وغيرها وهي المكونة من ألف بيت، وقد كثر شراحها. 2- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد, هو مختصر كتاب له اسمه: "كتاب الفوائد" في النحو، ضاع, ومن هذا المختصر نسخ في برلين وليدن وباريس والأسكوريال، وله شروح في دار الكتب المصرية أحدها لابن أم قاسم المتوفى سنة 749 وقد شرحه ابن عقيل أيضا وغيره. 3- لامية الأفعال أو كتاب المفتاح في أبنية الأفعال، ويقال لها "لامية ابن مالك" منها نسخ في غوطا ومنشن وباريس والأسكوريال, ولها شروح منها: شرح لابنه بدر الدين في برلين وباريس، وطبع في بطرسبورج سنة 1864, في ليبسك سنة 1866 وغيرهما. وهناك شروح أخرى بعضها في دار الكتب المصرية.
4- الكافية الشافعية: أرجوزة في النحو 2757 بيتا، ومنها لخص ألفيته المتقدم ذكرها ومن الكافية نسخة في مكتبة الأكاديمية في فيينا. 5- عدة الحافظ وعمدة اللافظ في النحو أيضا في باريس. 6- سبك المنظوم وفك المختوم في النحو في برلين. 7- إيجاز التعريف في علم التصريف في الأسكوريال. 8- شواهد التوضيح وتصحيح مشكلات جامع الصحيح في الأسكوريال وطبع في الهند سنة 1319. 9- كتاب العروض في الأسكوريال. 10- تحفة المودود في المقصور والممدود، قصيدة همزية فيها الألفاظ التي آخرها ألف، وتشتبه أن تكون مقصورة أو ممدودة. منها نسخة في دار الكتب المصرية مع لامية العجم. 11- الألفاظ المختلفة: مجموع مترادفات في برلين. 12- الاعتقاد في الفرق بين الصاد والضاد: قصيدة مشروحة في برلين. 13- الإعلام بمثلث الكلام: أرجوزة في نحو 3000 بيت. ذكر فيها الألفاظ التي لكل منها ثلاثة معان باختلاف حركاتها، ورتب الألفاظ على الحروف الأبجدية، فهي كالمعجم للمثلثات، منها نسخة في دار الكتب المصرية في 145 صفحة وقد طبعت بمصر. وفاته: توفي ابن مالك بدمشق ليلة الأربعاء الثالث عشر من شعبان سنة 672هـ اثنتين وسبعين وستمائة، وصلى عليه بالجامع الأموي، ودفن بسفح قاسيون، وقد رثاه شرف الدين الحصني بقوله: يا شتات الأسماء والأفعال ... بعد موت ابن مالك المفضال وانحراف الحروف من بعد ضبط ... منه في الانفصال والاتصال1
ألفية ابن مالك: لفظ ألفية: لفظ المنسوب إليه وهو الألف. ويميل إليه العرب من قديم في عطاياهم ومنحهم وتعبيراتهم، وهو عدد دال على الكمال عندهم. ولما نظمت العلوم وشاع هذا النوع من التأليف في آخر القرن السادس الهجري وما بعده من عصور المؤلفات المختصرة حفظا لقواعدها وتسهيلا للطالبين في حفظ ضوابطها مالوا إلى هذا العدد فنظموا عليه. وفي فهرس كشف الظنون لمادة ألفية لم نجد أسبق من ألفية ابن معط ثم تليها ألفية ابن مالك ثم تتابعت المنظومات التي بهذا الاسم. نبذة عن الألفية: "الألفية في النحو" للشيخ العلامة جمال الدين أبي عبد الله الطائي الجياني المعروف بابن مالك النحوي المتوفى سنة 672هـ اثنتين وسبعين وستمائة. وهي مقدمة مشهورة في ديار العرب، وجمع فيها مقاصد العربية وسماها "الخلاصة" في علمي النحو والتصريف، أخذها ابن مالك من الكافية الشافية، جعلها في أرجوزة لطيفة مع الإشارة إلى مذاهب العلماء وبيان ما يختاره من الآراء أحيانا، وقد كثر إقبال العلماء على هذا الكتاب من بين كتبه بنوع خاص حتى طويت مصنفات أئمة النحو من قبله، وإنما اشتهرت بالألفية، لأنها ألف بيت في الرجز أولها: قال محمد هو ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك وقد نشرها كثيرون وترجمها المستشرق "بنتو" إلى الفرنسية، وطبعت مع الأصل العربي في الأستانة سنة 1887م، وقد شرحها الكثير من النحاة. أبرزوا معانيها وأظهروا محاسنها. شروحها: منها: 1- شرح ابن مالك صاحب الألفية، قال الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام في ترجمة ابن مالك "وله الخلاصة وشرحها والله أعلم".
2- شرح الألفية لولده بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني الأندلسي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 686 ست وثمانين وستمائة، وهو شرح منفتح وهو المعروف بشرح ابن المصنف، خطأ والده في بعض المواضع، وأورد الشواهد من الآيات القرآنية, أوله: أما بعد حمد الله سبحانه بما له الحمد ... إلخ. فرغ من تأليفه في محرم سنة 676هـ ست وسبعين وستمائة. "وعلى هذا الشرح": أ- حاشية للشيخ عز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة الكناني المتوفى سنة 819هـ تسع عشرة وثمانمائة. ب- وحاشية للشيخ العلامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني المتوفى سنة 855هـ خمس وخمسين وثمانمائة. ج- وحاشية للقاضي زكريا بن محمد الأنصاري المتوفى سنة 928هـ ثمان وعشرين وتسعمائة سماها "الدرر السنية" أولها "الحمد لله الذي منحنا علم اللسان" ... إلخ. علقها سنة 895هـ خمس وتسعين وثمانمائة. د- حاشية للقاضي تقي الدين بن عبد القادر التميمي المتوفى سنة 1005هـ خمس وألف، جمع فيه أقوال الشراح، وحاكم فيما بينهم. هـ- وحاشية للشيخ شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي جردها الشيخ محمد الشوبري الشافعي المتوفى سنة 1069هـ تسع وستين وألف. و التعليق على الشرح: علق الشيخ جلال الدين عبد الرحمن أبو بكر السيوطي المتوفى سنة 911هـ إحدى عشرة وتسعمائة، وصل فيها إلى أثناء الإضافة وسماها "المشنف على ابن المصنف". 3- شرح الألفية للشيخ محمد أبي الفتح أبي الفضل الحنبلي النحوي المتوفى سنة 709هـ تسع وسبعمائة.
4- شرح الألفية للعلامة شمس الدين بن محمد بن محمد بن الجزري المتوفى سنة 711هـ إحدى عشرة وسبعمائة. 5- شرح الألفية للشيخ نور الدين إبراهيم بن هبة الله الأسنوي المتوفى سنة 721هـ إحدى وعشرين وسبعمائة. 6- شرح العلامة أثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي النحوي المتوفى سنة 745هـ خمس وأربعين وسبعمائة. ولم يكمل هذا الشرح, فقد شرح نصف الألفية في مجلدين وسماه "منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك". أوله: حمد الله من أوجب من افتتح به الإنسان ... إلخ، ذكر أن غرضه من مقاصد ثلاثة: تبيين ما أطلقه وتبينه على الخلاف الواقع في الأحكام وحل المشاكل. 7- ومن الشروح المشهورة شرح العلامة بدر الدين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المعروف بابن أم قاسم النحوي المتوفى في يوم عيد الفطر سنة 749هـ، أوله: الحمد لله والشكر له ... إلخ، وهو الشرح الذي نعمل على تحقيقه. 8- شرح الشيخ زين الدين عمر بن المظفر الوردي بن عمر بن أبي الفوارس بن علي الشافعي المشهور بابن الوردي المتوفى سنة 749هـ تسع وأربعين وسبعمائة. 9- شرح الشيخ جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي المتوفى سنة 762هـ اثنتين وستين وسبعمائة. قال السيوطي في طبقات النحاة: لم يكمله. 10- شرح العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف المعروف بابن هشام النحوي المتوفى سنة 762هـ اثنتين وسبعمائة نثرها في مجلد وسماه "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" ثم اشتهر بالتوضيح. "ومن الشروح عليه": شرح الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري النحوي الذي فرغ منه سنة 890هـ تسعين وثمانمائة، وهو شرح عظيم ممزوج سماه "التصريح
بمضمون التوضيح". أوله: الحمد لله الملهم لتوحيده ... إلخ، ذكر أنه رأى ابن هشام في منامه فأشار إليه بشرح كتابه فأجاب. ومن الحواشي عليه: وعلى التوضيح تعليقات منها: أ- حاشية عز الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر بن جماعة المتوفى سنة 819هـ تسع عشرة وثمانمائة. ب- وحاشية بدر الدين محمود بن أحمد العيني المتوفى سنة 855هـ خمس وخمسين وثمانمائة. ج- وحاشية سيف الدين محمد بن محمد البكتمري المتوفى في حدود سنة 870هـ سبعين وثمانمائة. د- وحاشية محيي الدين عبد القادر بن أبي القاسم السوري المالكي المتوفى سنة 880هـ ثمانين وثمانمائة، سماه "رفع الستور والأرائك عن مخبئات أوضح المسالك". أولها: أما بعد حمد الله ذي الجلال ... إلخ. هـ- وحاشية برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحمن الكركي المتوفى في حدود سنة 890 تسعين وثمانمائة. و وحاشية الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 إحدى عشرة وتسعمائة. ز- وحاشية اللقاني العلامة ناصر الدين أبي عبد الله محمد اللقاني المالكي المتوفى سنة 958هـ ثمان وخمسين وتسعمائة على أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام. 11- شرح أبي أمامة محمد بن عليّ الدكاكي المتوفى سنة 763 ثلاث وستين وسبعمائة. 12- شرح العلامة محمد بن أحمد الأسنوي المتوفى سنة 763 ثلاث وستين وسبعمائة.
13- شرح الشيخ برهان الدين بن محمد بن قيم الجوزية المتوفى سنة 765 خمس وستين وسبعمائة وسماه: إرشاد السالك. 14- شرح قاضي القضاة عبد الله بهاء الدين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل القرشي الهاشمي العقيلي -من ولد عقيل بن أبي طالب- المولود في يوم الجمعة التاسع من شهر المحرم سنة 698هـ ثمان وتسعين وستمائة, والمتوفى بالقاهرة ليلة الأربعاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 769هـ تسع وستين وسبعمائة، ودفن بالقرب من مشهد الإمام الشافعي. أوله: "الكلام المصطلح عليه عند النحويين عبارة عن اللفظ المفيد ... إلخ". وهو من الشروح المشهورة. طبع في مصر والشام وغيرهما, وقد ترجم هذا الشرح إلى الألمانية وطبع في برلين سنة 1852. وعلى هذا الشرح: أ- حاشية لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ سماها "السيف الصقيل" على شرح ابن عقيل. ب- حاشية للعلامة أبي الفتح أحمد بن عمر المعروف بالأسقاطي الحنفي المتوفى سنة 1169هـ على شرح ابن عقيل على الألفية، أولها بعد الديباجة: هذه فوائد شريفة وفرائد لطيفة نفعها جزيل ... إلخ، فرغ من تأليفه 1150هـ. ج- حاشية الأجهوري: هو العلامة الشيخ عطية بن عطية البرهاني الشافعي الشهير بالأجهوري، المتوفى سنة 1190هـ, شرح ابن عقيل للألفية. د- التحفة الوفية على شرح ابن عقيل للألفية، وهي حاشية للعلامة الشيخ محمد بن محمد بن أحمد البديري الدمياطي الشافعي المشهور بابن الميت الدمياطي, من علماء القرن الثاني عشر الهجري على شرح ابن عقيل على الألفية. أولها: الحمد لله الذي من نحاه ما خاب ... إلخ.
هـ- حاشية الخضري. هو العلامة الشيخ محمد الخضري الدمياطي الشافعي المتوفى سنة 1288هـ على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، أولها: بحمدك اللهم على ما وجهت نحونا من سوابغ النعم ... إلخ، وفرغ من تأليفها سنة 1193هـ. 15- شرح الشيخ عماد الدين محمد بن الحسين الأسنوي المتوفى سنة 777هـ سبع وسبعين وسبعمائة ولم يكمله. 16- شرح الشيخ محمد شمس الدين بن عبد الرحمن بن الصائغ الزمردي المتوفى بالقاهرة سنة 777 سبع وسبعين وسبعمائة قيل: وهو شرح حسن. 17- شرح الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عليّ بن جابر الهواري الأندلسي المرسيني المالكي الضرير النحوي المتوفى سنة 780 ثمانين وسبعمائة, أوله: "الحمد لله الذي أرسل إلينا أشرف المرسلين ... إلخ"، وهو شرح مفيد نافع للمبتدئ لاعتنائه بإعراب الأبيات وتفكيكها وحل عبارتها، قال السيوطي: لكنه وقع فيه تتبعته في تأليفي المسمى بتحرير الأعمى والبصير، فرغ من تأليفه سنة 756هـ, ومات في منتصف رمضان سنة 779 تسع وسبعين وسبعمائة. 18- شرح القاضي برهان الدين بن برهان بن عبد الله الحكري المصري المتوفى سنة 780هـ ثمانين وسبعمائة. 19- شرح الإمام الفقيه أبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي المعروف بالشاطبي المتوفى سنة 790هـ تسعين وسبعمائة. على ألفية ابن مالك، والأجزاء الموجودة الأول والثاني والثالث والخامس من نسخة في أربعة مجلدات بقلم نسخ قديم بخط عمر بن عبد الله المنظراوي، والثالث سنة 868هـ, والخامس سنة 872هـ. بكل من الأول والثاني والثالث خرم، والثالث ينتهي باسم الفاعل، ويبدأ الخامس بعوامل الجزم وينتهي بالنسب.
20- شرح العلامة أبي زيد عبد الرحمن بن صالح المكودي الفاسي المتوفى في حدود سنة 800هـ ثمانمائة، كبيرا وصغيرا, شرحه الصغير وصل الديار المصرية، وهو شرح لطيف نافع استوفى فيه الشرح والإعراب. وعليه حاشية للشيخ عبد القادر بن القاسم بن أحمد بن محمد الأنصاري السعدي العبادي المالكي المتوفى سنة 880هـ ثمانين وثمانمائة، وحاشية للعلامة الملوي. 21- شرح الشيخ برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أيوب الأنباسي الشافعي المتوفى سنة 802هـ اثنتين وثمانمائة. أوله: "الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ... إلخ" فرغ من تأليفه في السابع عشر من شهر شوال سنة 765هـ بالجامع الأقصى من القدس الشريف، وهي المسماة "بالدرة المضيئة" نسخ في مجلد مخروم الأول، وأول ما فيها من أواخر باب المعرب والمبني، وأخرى تنتهي بأفعل التفضيل. 22- شرح الشيخ سراج الدين عمر بن عليّ الشهير بابن الملقن المتوفى سنة 804هـ أربع وثمانمائة. 23- شرح الشيخ بهرام بن عبد الله الديري المالكي المتوفى سنة 805هـ خمس وثمانمائة. 24- شرح الألفية -بلغة ذي الخصاصة في حل الخلاصة- لمحمد بن محمد الأسدي القدسي المتوفى سنة 808هـ ثمان وثمانمائة. 25- شرح القاضي جمال الدين يوسف بن الحسن بن محمد الحموي المتوفى سنة 809هـ تسع وثمانمائة. 26- شرح الشيخ جلال الدين محمد بن أحمد بن خطيب داريا المتوفى سنة 810 هـ عشر وثمانمائة, مزج فيه المتن. 27- شرح القاضي أحمد بن إسماعيل الشهير بابن الحسباني المتوفى في حدود سنة 815هـ خمس عشرة وثمانمائة.
28- شرح الشيخ أبي عبد الله بن أحمد بن مرزوق التلمساني الصغير المتوفى سنة 842هـ اثنتين وأربعين وثمانمائة. 29- شرح الشيخ شمس الدين بن زين الدين المتوفى سنة 845هـ خمس وأربعين وثمانمائة, شرحها نظما. 30- شرح الشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن محمد القباقبي الحلبي المتوفى في حدود سنة 850هـ خمسين وثمانمائة. 31- شرح الشيخ محمد بن محمد الأندلسي الشهير بالراعي النحوي المتوفى سنة 853هـ ثلاث وخمسين وثمانمائة. 32- شرح الألفية -تأليف أحد الفضلاء- الموجود منه الجزء الثاني مخروم من الأول وأول ما فيه من باب نعم وبئس وما جرى مجراهما ينتهي إلى أثناء باب إعراب الفعل تليه كراسة من الجزء الأخير منه -مخطوط بخط محمد بن محمد المنظراوي، فرغ من كتابته في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة 868هـ. 33- شرح العلامة تقي الدين أحمد بن محمد الشمني المتوفى سنة 872هـ اثنتين وسبعين وثمانمائة، وهو شرح بديع مهذب المقاصد، أوله "حمدا لله تعالى على ما منح من أسباب البيان" ... إلخ. 34- شرح العلامة زين الدين بن عبد الرحمن بن أبي برك الشهير بابن العيني الحنفي المتوفى سنة 893هـ ثلاث وتسعين وثمانمائة, شرحها مزجا, وهو شرح مختصر جدا، أتمه تأليفا سنة 893هـ. أوله: الحمد لله رب العالمين ... إلخ، مخطوط بقلم معتاد، وتمت كتابته في أوائل شهر ذي القعدة سنة 1043هـ. 35- ومنها "التحفة المكية في شرح الأرجوزة الألفية" هو شرح للعلامة شهاب الدين أحمد بن محمد المقرئ المغربي المالكي من علماء القرن التاسع الهجري. على ألفية ابن مالك، أوله: "الحمد لله الذي لا يستفتح بأجل من اسمه كلام ... إلخ" نسخة في مجلد بقلم معتاد.
36- شرح الشيخ جلال الدين بن أبي بكر المعروف بالسيوطي المتوفى سنة 911هـ إحدى عشرة وتسعمائة, وهو شرح مختصر ممزوج, مكث في تأليفه سنتين سماه "البهجة المرضية", أوله: "أحمدك اللهم على نعمك وآلائك ... إلخ" وله مختصر في الألفية في ستمائة بيت وثلاثين دقيقة وسماه "الوفية". 37- ومنها "فتح الرب المالك بشرح ألفية ابن مالك" وهو شرح للعلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قاسم المغزي الشافعي المتوفى سنة 918هـ على ألفية ابن مالك. أوله: "بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي نحمد الله المانح من أراد لسانا عربيا ... إلخ" نسخة في مجلد بقلم معتاد وبها خرم في 204 ورقة. 38- شرح ابن داود على الألفية. هو العلامة زين الدين أبو يحيى داود بن داود محمد المالكي على الألفية، أوله: "الحمد لله حمدا يليق برضائه ... إلخ" نسخة في مجلد بقلم معتاد، نقلت في نسخة المؤلف بخط عليّ بن سليمان سنة 920هـ بها خرم وآثار رطوبة. 39- ومنها "الدرة السنية على شرح الألفية" لشيخ الإسلام زكريا, وهو الإمام شيخ الإسلام أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري الشافعي المتوفى سنة 925هـ خمس وعشرين وتسعمائة. نسخة في مجلد. 40- شرح الألفية -لم يعلم مؤلفه- أوله: الحمد لله المجيب النداء بلا ابتداء ... " إلى أن قال: "وبعد فهذا ما فتح الله تعالى به شرحا أو كالشرح على الألفية ... إلخ" نسخة في مجلد بقلم معتاد قديم ويغلب على الظن أنها مكتوبة في عصر المؤلف بآخرها تملك لأحد الأفاضل بتاريخ أواخر شهر رجب سنة 1037هـ. 41- شرح العلامة نور الدين أبي عليّ بن محمد الأشموني المتوفى سنة 929 تسع وعشرين وتسعمائة. ومن الحواشي عليه:
أ- حاشية ابن قاسم العبادي, وهو العلامة أبو العباس شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي المصري الشافعي الأزهري المتوفى سنة 994هـ على شرح الأشموني على الألفية. نسخة في مجلد بها خروم وأكلة أرضة. ب- حاشية للعلامة أحمد بن عمر الحنفي المشهور بالأسقاطي المتوفى سنة 1169هـ على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك والمسماة "تنوير الحالك على منهج السالك إلى ألفية ابن مالك" أولها: "الحمد لله رافع الدرجات لمنخفض الجناب ... إلخ" فرغ من تأليفها سنة 1120هـ نسخة في مجلد بها خروم. ج- حاشية الحفني, هو العلامة العارف بالله شمس الدين أحمد بن سالم بن أحمد المعروف بالحفني الشافعي المصري المتوفى سنة 1190هـ. على شرح الأشموني على الألفية. نسخة في مجلد بقلم معتاد. د- حاشية الصبان, وهو العلامة أبو العرفان محمد بن علي المعروف بالصبان الشافعي الحنفي المتوفى سنة 1206هـ على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك, أولها: "نحمدك اللهم على ما وجهت نحونا من سوابغ النعم ... إلخ" فرغ من تأليفها سنة 1193هـ. هـ- حاشية لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عليش المعروف بالشيخ عليش المالكي المولود في القاهرة سنة 1210هـ والمتوفى سنة 1299هـ والمسماة "هداية السالك". 42- ومن شرحها "فتح الخالق المالك في حل ألفاظ ألفية ابن مالك", وهو شرح العلامة محمد بن أحمد الشربيني الشافعي المعروف بالخطيب المتوفى سنة 977هـ على ألفية ابن مالك، أوله: "الحمد لله الذي أنزل قرآنا عربيا على أفضل خلقه ... إلخ"، فرغ من تأليفه سنة 976هـ. نسخة في مجلد بقلم معتاد بها أوراق بخط مغاير وآثار رطوبة في 337 ورقة.
43- شرح الشيخ بدر الدين محمد بن محمد الرضي الغزي المتوفى في حدود سنة1000 ألف، وله ثلاثة شروح منثور ومنظومان. 44- ومنها "المنح الوفية بشرح الخلاصة الألفية" وهو شرح للشيخ أحمد بن علي المعروف بالسندوبي الشافعي من علماء القرن الحادي عشر الهجري على ألفية ابن مالك، أولها: "الحمد لله الذي رفع السموات بقدرته وعنايته ... إلخ" فرغ من تأليفه سنة 1060هـ نسخة في مجلد بقلم معتاد وبهامشه حواش وبها خروم وترميم. 45- شرح الشيخ العلامة المختار بن بون وهي تقييدات كالشرح على ألفية ابن مالك. 46- شرح الألفية للشيخ أحمد بن أحمد الإصطهناوي الشافعي الأحمدي. أتمه سنة 1207هـ أوله: "نحمدك يا مفيض الخيرات ومقدر الحركات والسكنات ... إلخ". أتم جمعه يوم الخميس المبارك ثالث عشر شهر رجب سنة 1200هـ ألف ومائتين. نسخة في مجلد. 47- ومنها "الكواكب السنية" وهو شروح للعلامة الشيخ عبد الرحمن حسين الإدكاوي من علماء القرن الثالث عشر على الألفية لابن مالك، أوله: "الحمد لله رافع الدرجات لمن انتصب لشكر أفضاله ... إلخ" بخط تلميذ الشارح مرسي حسن السقا، فرغ من كتابتها اليوم الخامس من شهر رجب سنة 1289هـ. 48- ومنها "الأزهار الزينية شرح متن الألفية" لحضرة العالم العامل السيد أحمد بن السيد زيني دحلان، أوله: "الكلام على البسملة شهير فلا حاجة إلى الإطالة فيه"، ولد سنة 1231هـ موافق سنة 1816، توفي سنة 1304هـ سنة أربع وثلاثمائة وألف من المحرم موافق 1886م، ودفن في البلد الحرام في مقبرة لمعلى ذات المقام أعلى الله مقامه، وكان قد فرغ من تأليفه سنة 1276هـ نسخة في مجلد طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية.
49- ومنها "الكواكب الدرية شرح منظومة الألفية", للعلامة جمال الدين بن مالك, تأليف حجة العلماء والعاملين الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري. 50- ومنها "غنية السالك على ألفية ابن مالك" وهو شرح للعلامة الشيخ عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عليّ بن مكي بن أحمد المشهور بالسيوطي الجرجاوي الواعظ من علماء القرن الرابع عشر الهجري على ألفية ابن مالك, أوله: "الحمد لله الذي رفع من انتصب لنفع العباد ... إلخ". نسخة ضمن مجموعة في مجلد بقلم معتاد بخط المؤلف. إعراب الألفية: وفي إعراب الألفية: 1- كتاب للشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسين الرملي الشافعي المتوفى سنة 844 أربع وأربعين وثمانمائة. 2- كتاب للشيخ خالد بن عبد الله الأزهري المتوفى سنة 905 خمس وتسعمائة. مجلد سماه "تمرين الطلاب في صناعة الإعراب", أوله: "الحمد لله الذي رفع قدر من أعرب بالشهادتين ... إلخ" وفرغ منه في رمضان سنة 886 ست وثمانين وثمانمائة. شرح شواهد شروح الألفية: وفي شرح شواهد شروح الألفية كتابان، كبير وصغير للشيخ أبي محمد محمود بن أحمد العيني المتوفى سنة 855 خمس وخمسين وثمانمائة، سمي الكبير بالمقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، وقد اشتهر بالشواهد الكبرى جمعها في شروح التوضيح وشرح ابن المصنف وابن أم قاسم وابن عقيل، ورمز إليها بالظاء "لابن الناظم" والقاف "لابن أم قاسم" والهاء "لابن هشام" والعين "لابن عقيل" وعدد الأبيات المستشهدة ألف ومائتان وأربعة وتسعون، وفرغ من الشرح في شوال سنة 806هـ ست وثمانمائة1.
الفصل الثاني
الفصل الثاني المرادي المعروف بابن أم قاسم: نسبه: هو الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ أبو محمد بدر الدين المعروف بابن أم قاسم المرادي المصري المولد المغربي المحتد الفقيه المالكي النحوي اللغوي1. مولده: لم أر مؤرخا تعرض لتاريخ ميلاده، وهذا شأن بعض العلماء حيث لم يعثروا له على تاريخ يحدد مولده. ولكن ذكر السيوطي أنه "ولد بمصر"2، وغيره: المصري المولد3. تسميته بابن أم قاسم: نسبة إلى جدته من أبيه كانت تعيش في بلاد المغرب في مدينة أسفى الساحلية الواقعة على المحيط الأطلنطي في المغرب، ولكن شاءت الأقدار أن ينتقل ولدها إلى مصر فصحبته، وكانت هذه المرأة على جانب كبير من الخلق والتدين والصلاح، فالتف الناس حولها وأجلوها وأكرموها واحترموها، ووضعوها في مكان يليق بها فخارا وإكبارا. وكان اسمها زهراء، ولاعتقادهم فيها حينما وفدت من المغرب سموها بالشيخة. فلما ولد الحسن المرادي في مصر وشب، وكان أكثر الناس التفافا بجدته، وكان أكثر حبا وتقربا وملازمة لها، لقبوه بها وقرنوا اسمها باسمه، فصار اسمها عنوانا عليه وشهرته تابعة لها يعرف ويتميز به عن غيره.
"المعروف بابن أم قاسم وهي جدته أم أبيه واسمها زهراء، وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة فكانت شهرته تابعة لها". ا. هـ1. وقيل: إن هذه المرأة ليست جدته، إنما هي امرأة من بيت العز والسلطان والملك أحبت الحسن لخلقه وتقواه وحسن معاملته منذ صغره، وتبنته وادعت أنه ابنها واشتهر بذلك اسمه باسمها. "الشهير بابن أم قاسم لامرأة تبنته تدعى أم قاسم من بيت السلطان". ا. هـ2. تسميته بالمرادي: باطلاعي على كتب المؤرخين لم أعثر على سبب تسميته بالمرادي، ولعل المؤرخين لم يهتموا بهذه التسمية فأهملوا سببها. وأقول: ربما يكون نسبة إلى قبيلة مراد باليمن أو نسبة إلى جد له يسمى المرادي. علمه: ابن أم قاسم النحوي: هو اللغوي التصريفي البارع، كان ابن أم قاسم في النحو نابغة من نوابغه، أغرم به منذ صغره، وشغف بالتدوين والتصنيف. فهو الإمام الذي خدم هذا الفن أكثر عمره واشتهر اسمه وطار صيته، حيث كان الحاجة في هذا العصر أدعى إلى نشاط حركتي التدوين والتصنيف، فبرزت شخصيته النحوية بروزا لا نظير له، وانكب وسهر الليالي على كتب السابقين فتأثر بهم، وأخذ ما حلي له من اليواقيت النحوية وأزهاره الباسمة، فكانت نتيجة اطلاعه على آراء السابقين ومصنفاتهم، أنه أصبح علما من الأعلام القادرين على
تخطي الصعاب، والبروز إلى الوجود في ثوب قشيب يحقق للنحو كل آماله وأمانيه. فنراه في كتبه نقل عن السابقين واهتم برأيهم واعتمد عليهم وناقش رأيهم في بعض المسائل، وليس هذا فحسب, بل إنه تتلمذ على رجال عظام من أئمة النحو وكبرائهم أمثال أبي عبد الله الطنجي، والسراج الدمنهوري وأبي زكريا الغماري، والشيخ أبي حيان. "وأخذ العربية عن أبي عبد الله الطنجي والسراج الدمنهوري وأبي زكريا الغماري وأبي حيان". ا. هـ1. فهؤلاء كانت لهم اليد الطولى على ابن أم قاسم حيث نبغ وتقدم واشتهر في فن النحو فتأثر واقتدى بهم وسار على طريقهم. ولكن بالبحث رأيت أنه لم ينقل في كتبه عن شيوخه إلا عن شيخه أبي حيان. وأعلل ذلك بأنه كان من أفاضل الشيوخ وكان آخرهم، وأكثر ملازمة له "عن جماعة آخرهم أبو حيان". ا. هـ2. وهكذا كان شأن ابن أم قاسم يتقلب هنا وهناك لينال الحظ الوفير من اللسان العربي القديم، وأغلب الظن أنه كان في منطقة شمال القاهرة حيث دفن هناك. وفعلا أصبح نحويا بارعا نال إعجاب الجميع، وكان من أكابر عصره، نهل الكثير من مؤلفاته التي لا ينضب معينها سواء كانوا في عصره أم بعده، وجميع مؤلفاته مصادر وثيقة لدى النحاة، ولقوة حرصه على تعلم النحو خرجت كتبه إلى الوجود مزهوة بنفسها بما فيه من معان فياضة وآراء سديدة، فلذلك كثر الناقلون عنه. "ورأيت بخط العلامة شهاب الدين الأبذي ما صورته: قال محمد بن أحمد
ابن حيدر الأنصاري معرفا للشيخ المرادي أنه شرح الجزولية والكافية الشافية والتسهيل، والفصول لابن معط، والحاجبية النحوية والعروضية ... ". ا. هـ1. ابن أم قاسم الفقيه: لم يكن المرادي حبيس فن واحد فقد كان مع ذلك فقيها في المذهب المالكي. درس الفقه وأتقنه، ونبغ فيه حتى صار إليه ناس للفتيا يعتدون برأيه، ويأتمرون بقوله، حتى إنه كان يجلس في بعض الأمكنة لمنح الناس درسه، والانتفاع به في أحكام الشريعة، وذلك لأنه تلقى عن علم من أعلام المذهب المالكي وهو الشرف المغيلي المالكي، فبث فيه روحه ولقنه أحكام الفقه وشرائعه. "والفقه عن الشيخ شرف الدين المغيلي الملاكي". ا. هـ2. فلم يلبث ابن أم قاسم أن بث روح الشريعة بين جلسائه ومستمعيه في أماكن خاصة فاستفاد منه الجميع وانتفعوا به. ولكن لم يثبت أن ألف كتبا في الفقه المالكي. ابن أم قاسم الأصولي: لم يكتف ابن أم قاسم بالنحو والفقه المالكي بل نبغ أيضا في علم الأصول، فكان أصوليا ماهرا متينا فيه مجيدا، فكان لا يضن بعلمه ولا يبخل به على أحد. هذا أدبه وعادته؛ لأنه كان تقيا ورعا محبا للخير للناس عامة, وذلك أنه تلقى على شيخ من شيوخ الأصول, وهو الشيخ شمس الدين بن اللبان. "والأصول عن الشيخ شمس الدين بن اللبان". ا. هـ3.
ومع تفوقه لم يرد أنه صنف في علم الأصول، فهو كغيره من العلماء يتناولون جميع الفنون وينبغون في فن ويشتهرون به. ابن أم قاسم المقرئ: وأيضا نبغ ابن أم قاسم في القراءات، وتفنن فيها وتبحر وأجاد، وكان له مجلس يفد إليه الكثير لتعلم القراءات والاقتداء به، كما اقتدى هو بعلم من أعلام القراء الذي اتبع طريقه واهتدى بهديه، وهو الشيخ مجد الدين إسماعيل. "قرأ القراءات على العلامة مجد الدين إسماعيل ابن الشيخ تاج الدين محمد البناكتي". ا. هـ1. وثبت أنه ألف كتابا صغير الحجم، في وقف حمزة على الهمز في مصنف وذكر فيه احتمالات أكثرها لا يصح ... ". ا. هـ2. وأخيرا: كان مجيدا في تصنيفه متفننا فيه "وصنف وتفنن وأجاد". ا. هـ3. ورأيت أن الأيدي لم تمتد إلى تحقيق مخطوطاته القيمة إلا في هذه الآونة، مع قوتها واتساع مداركها وتزويدها بالمعلومات الهامة. فمد البعض يده إلى تحقيق الجنى الداني في حروف المعاني، والآخر إلى شرح التسهيل. وبعون الله سأعمل على تحقيق شرحه لألفية ابن مالك. خلقه: كان ابن أم قاسم على خلق كبير صالحا متدينا تقيا ورعا يخاف الله
ويخشاه، كثير المروءة والتواضع غير مزاحم على المناصب، فقد وصل إلى ما وصل إليه من العلم والإجادة فيه دون أن يرتقي منصبا من المناصب. وكان متعبدا حسن الشمائل كثير المحاسن، عظيم الوقار والسكينة محمود السيرة جليل القدر ظاهر الخشوع كثير القناعة معظما عند الخاصة والعامة، حسن العشرة رحب الصدر، متقربا إلى الله عز وجل وليا من أوليائه يكثر من قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, وكان تقيا صالحا". ا. هـ1. رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم: وكان دائما يجالس الناس ويحاضرهم في مسجد مصر القديمة وكانت له كرامات ظهرت على وجه البسيطة، فلقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يحثه ويحضه على عمل الخير لرغبة الناس فيه وقربهم منه. "وله كرامات كثيرة منها أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال له: يا حسن اجلس. نفع الناس بمكان المحراب بجامع مصر العتيق بجوار المصحف". ا. هـ2. أسرة المرادي المعروف بابن أم قاسم: ما وصل إلين من كتب المؤرخين من أخبار هذه الأسرة لا يعدو مجرد إشارات عابرة, ولم يثبت أن المرادي حدثنا في هذا الشأن بما يضيء جوانبه ويظهر معالمه, ومن ثم لا نعرف ما إذا كان المرادي تزوج وأنجب أم لا. وكان ما انتهى إليه من حديث آبائه وأجداده، ما قيل عن جدته كما سبق "المعروف بابن أم قاسم وهي جدته من أبيه، واسمها زهراء، وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة ... ". ا. هـ. شخصية المرادي: أعني بالشخصية هنا ما يمتاز به ابن أم قاسم من صفاته الخلقية والجسمية؛ أما الخلقية فقد ذكرتها.
وأما الجسمية: فلم يرد في كتب المؤرخين ما يصور لنا هذه الصفة. وكنت أود وأتمنى أن أقدم صورة واضحة لأسرة المرادي وبيئته التي عاش فيها وأن أظفر بالنصوص التي تعطينا ملامح وشخصية المرادي، ولكن لم يرد من ذلك شيء حتى يفسح الطريق لرسم صورته. ويبدو أن هذا الأمر لم يكن يشغل بال الأقدمين من المؤرخين، وربما كان الحديث عن خاصة أسرته وبيئته يعد عندهم من لغو القول. ففات بذلك علينا أشياء ثمينة لها أثرها الفعال في تحقيق شخصيته. أما شخصيته العلمية: فتنصب في مؤلفاته وشروحه التي ركن إليها المتأخرون ونهلوا من معينها واستندوا على أقواله واعتدوا بآرائه ونقلوها عنه. فهذا يدل على سعة مداركه وشخصيته العلمية الهامة التي تمثلت في هذه المؤلفات.
الفصل الثالث
الفصل الثالث: شيوخ ابن أم قاسم: نبغ الشيخ المرادي المعروف بابن أم قاسم، وذاع صيته واشتهر بين الخلق وبرع في النحو والفقه والأصول والقراءات، وله في كل فن خبرة، وأخذ عنه الكثير ونقلوا من كتبه، وذلك لدقة قوله وحصافة رأيه، ووضعه الأمور في نصابها، ووزن رأيه بميزان العدل فرجحت كفته، وفاق الكثير من أقرانه. وذلك بفضل شيوخه الذين تلقى عنهم وتعلم على أيديهم وجلس في حلقات دروسهم، واستمد شعاع النور منهم على نهجهم، معضدا ذلك بأفكاره وآرائه ومقترحاته، وبالبحث لم ينقل إلا عن شيخه أبي حيان. وسأذكر بعض شيوخ ابن أم قاسم الذين تتلمذ عليهم, حسب الترتيب الزمني في وفياتهم. 1- أبو زكريا الغماري: نسبه: هو يحيى بن أبي بكر عبد الله الغماري التونسي أبو زكريا الصوفي. مولده: قال السيوطي: ولد سنة 643 ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة. من حياته: تعلم العربية ومهر فيها، وانتفع من الكثير وأفاد الجمع من علمه بعربيته، وتقلب على أيدي العلماء وجلس في حلقاتهم طلبا للعلم والتحصيل، وكان بارزا في العربية لامعا بين أقرانه. قال السيوطي: قرأ العربية بتونس على أبي الحسن بن العصفور وبدمشق على ابن مالك صاحب الألفية, وبالقاهرة على الشيخ البهاء بن النحاس، ومع ذلك كانت بضاعته في النحو مزجاة, وقال ابن حجر في الدرر الكامنة: أخذ عن عبد الحق بن سبعين، كتب عنه ابن سيد الناس وابن رافع, وكان عالما بالقراءة متقنا لها متفننا فيها، ذاع أمره واشتهر بين الناس وعلا قدره وازدهر نجمه، حتى عين مقرئا، فالتف حوله خلق كثير، وكان متوقد الذكاء صافي الذهن حريصا على القراءة حرصا لا يضاهيه أي حرص.
قال ابن الجزري في طبقات القراء: قرأ على بعض أصحاب الصايغ ورجع إلى بلاده، وأخبرني غير واحد من أصحابه الواردين علينا من تلك البلاد أن ذهنه جيد واعتناءه بالقراءات تام وحرصه زائد. وكان متعمقا في الأدب مطلعا عليه يميل إليه برغبة جذابة قوية، جعلته هذه الرغبة مضطرا لأن يقول الشعر ويترنم به، متغنيا بمصر وعظمتها ومجدها الخالد التليد. قال في الدرر الكامنة: ومن شعره: بعينيك هل أبصرت أحسن منظرا ... على طول ما أبصرت من هرمي مصر أناخا بأعنان السماء وأشرفا ... على الأرض إشراف السماك أو النسر وقد وافيا نشزا من الأرض عاليا ... كأنهما نهدان قاما على صدر وهكذا كان الغماري مفيدا قويا نافعا في عربيته أمينا وحريصا بكل ما يملك من قوة على فن القراءات ولا يفوته أن يفخر ويتحدث عن مصر وقديمها, وبالبحث لم أعثر على اسم مؤلف من مؤلفاته. وفاته: قال السيوطي، وابن حجر: مات أبو زكريا الغماري في ثالث عشر من ذي الحجة سنة 724هـ أربع وعشرين وسبعمائة1. 2- أبو حيان الأندلسي: نسبه: هو محمد بن يوسف بن عليّ بن يوسف بن حيان الإمام أثير الدين أبو حيان الأندلسي الغرناطي النفزي نسبة إلى نفزة -بفتح النون وسكون الفاء- قبيلة من البربر، فهو الغرناطي المولد والمنشأ والمصري الدار. مولده: ولد بمطخشارش -مدينة في حضرة غرناطة- في أواخر شوال سنة 654هـ أربع وخمسين وستمائة.
من حياته: أبو حيان نحوي عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومؤرخه وأديبه. أخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع، والعربية عن أبي الحسن الآبذي وأبي جعفر بن الزبير وابن أبي الأحوص وابن الصائغ وأبي جعفر اللبلي، وبمصر عن البهاء بن النحاس وجماعة، وتقدم في النحو، وأقرأ في حياة شيوخه بالمغرب، وسمع الحديث بالأندلس وإفريقية والإسكندرية ومصر والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا، منهم أبو الحسين بن ربيع وابن أبي الأحوص والرضي والشاطبي والقطب القسطلاني والعز الحراني. وأجاز له خلق من المشرق والمغرب، منهم الشرف الدمياطي والتقي ابن دقيق العيد والتقي رزين وأبو اليمين بن عساكر. وأكب على طلب الحديث وأتقنه وبرع فيه، وفي التفسير والعربية والقراءات والأدب والتاريخ، اشتهر اسمه وطار صيته. وأخذ عنه أكابر عصره وتقدموا في حياته كالشيخ تقي الدين السبكي وولديه والجمال الأسنوي وابن أم قاسم وابن عقيل والسمين وناظر الجيش والسفاقسي وابن مكتوم وخلائق. قال الصفدي: لم أره قط إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب أو ينظر في كتاب، وكان ثبتا قيما عارفا باللغة، وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق فيهما، خدم هذا الفن أكثر عمره حتى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيهما غيره, وله اليد الطولى في التفسير والحديث وتراجم الناس، ومعرفة طبقاتهم وخصوصا المغاربة، وأقرأ الناس قديما وحديثا وألحق الصغار والكبار وصار تلامذته أئمة وشيوخا في حياته، والتزم ألا يقرئ أحدا إلا في كتاب سيبويه أو التسهيل أو مصنفاته. وكان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة الشبيبة على التعرض للأستاذ أبي جعفر بن الطباع وقد وقعت بينه ويبن أستاذه أبي جعفر بن الزبير واقعة فنال منه وتصدى للتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى السلطان فأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى ثم ركب البحر ولحق المشرق.
قال السيوطي: ورأيت في كتابه "النضار" الذي ألفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته: أن مما قوى عزمه على الرحلة عن غرناطة أن بعض العلماء رموه بالمنطق والفلسفة والرياضة والطبيعة. قال للسلطان: إني كبرت وأخاف أن أموت فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم، لينفعوا السلطان من بعدي، قال أبو حيان: فأشير إليّ أن أكون من أولئك، ويرتب لي راتب وكسوة وإحسان فتمنعت ورحلت مخافة أن أكره على ذلك. قال الصفدي: وقرأ على العلَم العراقي وحضر مجلس الأصبهاني، وتمذهب للشافعي، وكان أبو البقاء يقول: إنه لم يزل ظاهريا. وقال ابن حجر: كان أبو حيان يقول: محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه, وكان ابن تيمية ثم وقع بينه وبينه في مسألة نقل فيها أبو حيان شيئا عن سيبويه، فقال ابن تيمية: وسيبويه كان نبي النحو!! لقد أخطأ سيبويه في ثلاثين موضعا من كتابه فأعرض عنه ورماه في تفسيره النهر بكل سوء. وقال الصفدي: وهو الذي جسر الناس على مصنفات ابن مالك ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض بهم لججها. وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب: هذه نحو الفقهاء, وكان له إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم. تولى تدريس التفسير بالمنصورية والإقراء بجامع الأقمر. صفاته: قال الأدفوي: كان يفخر بالبخل كما يفخر الناس بالكرم، وكان ثبتا صدوقا حجة، سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم، ومال إلى مذهب أهل الظاهر وإلى محبة عليّ بن أبي طالب، كثير الخشوع والبكاء عند قراءة القرآن، وكان شيخا طوالا حسن النغمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر. وكانت عبارته فصيحة لكنه في غير القرآن يعقد القاف قريبا من الكاف. مصنفاته: منها: 1- البحر المحيط في التفسير.
2- النهر مختصره في مجلدين. 3- إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب. 4- التذييل والتكميل في شرح التسهيل مطول. 5- ارتشاف الضرب من لسان العرب. قال السيوطي: لم يؤلف في العربية أعظم من هذين الكتابين ولا أجمع، ولا أحصى للخلاف والأحوال وعليهما اعتمدت في كتابي جمع الجوامع. 6- التنخيل الملخص في شرح التسهيل للمصنف وابنه بدر الدين. 7- الأسفار الملخص في شرح سيبويه للصغار. 8- التجريد لأحكام سيبويه. 9- التذكرة في العربية. أربعة مجلدات كبار. 10- التقريب في مختصر المقرب. 11- التدريب وشرحه. 12- المبدع في التصريف. 13- غاية الإحسان في النحو. 14- شرح الشذا في مسألة كذا في النحو. 15- اللمحة الشذرة في النحو. 16- الارتضاء في الضاد والظاء. 17- عقد اللآلي في القراءات على وزن الشاطبية وقافيتها. 18- الحلل الحالية في أسانيد القرآن العالية. 19- نحاة الأندلس. 20- الأبيات الوافية في علم القافية. 21- منطق الخرس في لسان الفرس. 22- الإدراك للسان الأتراك.
23- زهو الملك في نحو الترك. 24- الوهاج في اختصار المنهاج، للنووي, وغير ذلك, ومما لم يكمل: 1- شرح نصف ألفية ابن مالك في مجلدين. 2- نهاية الإعراب في التصريف والإعراب. 3- أرجوزة خلاصة التبيان في المعاني والبيان. 4- أرجوزة نور الغبش في لسان الحبش. 5- مجاني الهصر في تواريخ أهل العصر. وفاته: مات في ثامن عشرين صفر سنة 745 خمس وأربعين وسبعمائة ودفن في مقبرة الصوفية1. 3- الشرف المغيلي: نسبه: هو عيسى بن مخلوف بن عيسى المغيلي الشيخ شرف الدين. من حياته: كان عالما من علماء المالكية، درس مذهب الإمام مالك ونبغ فيه، والتف الجميع حوله ينتفعون به ويتلقون عنه، وولي مناصب دينية هامة، وكان حكما عدلا يعطي الحقوق لذويها، حتى أحبه الناس وأكبروه وأجلوه لنزاهته وحصافته. قال ابن فرحون: كان من فضلاء المالكية وأعيانهم بالديار المصرية، وولي قضاء المالكية بها فحمدت سيرته. وكان من أعلام الأصول والفروع جليل القدر عظيم الشأن، انتقل إلى العراق، ففاق الأقران وصحح كثيرا من المتون، وجلس الكثير في مجلسه وأذن
لهم بالتدريس ومنحهم إجازات، وكان همه وضع الأمور في نصابها، فكثر الملتفون حوله واقتدوا به ونهلوا من معينه. قال خالد البلوي في رحلته: "شيخنا العالم الأوحد أبو الأصبغ أحد الأعلام الجلة وعلماء الملة إمام الأئمة، وعلم الأعلام في الفروع والأصول والكلام، مصيبا في اختياراته من استقصاء واقتصار واستيفاء واختصار، فات قدره الأقدار في ضبط الفوائد، ولقط الفرائد، فهو على الإطلاق العالم الصدر العالي القدر، رحل للعراق، فأحرز خصال السباق، واكتسب بخطه الأصول العتاق، صحح متونه، وحدق للصواب عيونه، وتبدو لها بشر ونشر كأنما تبلج وجه الصبح، أو نفح العطر، سمعت فوائد من لفظه، وقيدت شوارد من حفظه، قرأت عليه بعض مختصر الحلاب للعز النيلي المختصر الأكبر، وأذن لي في تدريسه. ا. هـ. صفاته: كان رجلا عالي الهمة عظيم القدر، يمتاز بالكرم، والمروءة، وحسن الأخلاق بصيرا بالأمور، ومحبة الناس له أثمن شيء عنده، كثير الاعتناء بنفسه في بعد عن العجب والخيلاء، وكان ذا عقل راجع مفكر حصيف الرأي، كثير الفضل على الناس. قال خالد البلوي: عالي القدر جمع إلى معارفه بين كرم ومروءة وظرف وفتوة وروايات، وعقل وحصاة، وفضائل غير مستقصاة. ا. هـ. وبالبحث لم أعثر على مؤلف له. وفاته: توفي رحمه الله سنة 746هـ ست وأربعين وسبعمائة من الهجرة1. 4- المجد إسماعيل الششتري: نسبه: هو إسماعيل بن محمد بن عبد الله الششتري مجد الدين النحوي المقرئ الأستاذ والششتري, نسبة إلى قريته ششتر. من حياته: لم يتعرض مرجع من المراجع إلى تاريخ ميلاده، وكان إماما عالما حافظا عارفا باللغة العربية مقرئا ضابطا متقنا للقراءات حتى صار شيخا للقراء، درس الأصول وبرع فيه وتفنن وأجاد.
وتقلب في مناصب علمية ومختلفة وترأس مدارس علمية وظهرت حصافته، وهذا مما زاد من علو قدره وازدهار علمه بالقراءات وسمو اسمه، حتى سمع به خلق كثير، ووفدوا إلى مدرسته وتعلموا فيها وجلسوا في مجلسه ثم نقلوا ما حملوه إلى ذويهم، ومن يلتف حولهم من طالبي الفن. وكان كعادة غيره، تقلب على أيدي علماء عصره، فنهل من معينهم وتزود من علمهم وشرب منهم ما يشفي غليله ويروي ظمأه، وهذه طبيعة العالم الناجح الذي يريد أن ينتفع به الناس ويتزودوا به. أخذ العربية عن جماعة وصحب العلاء القونوي، وأخذ عنه العربية والأصول وغير ذلك. وأخذ القراءات وأتقنها وأجادها على الشطنوفي والتقي الصائغ، وبرع في كل باب طرقه وفي كل فن اندمج فيه حتى أصبح العلامة الأوحد وأستاذ القراءة والنحو والأصول. قال ابن الجزري في طبقات القراء: إمام صفة صلاح الدين بالصلاحية ثم خانقاه سرياقوس، شيخ القراء العلامة الأوحد الأستاذ المقرئ النحوي الأصولي الشافعي، برع في القراءات والأصول والعربية، وكان شيخ القراءات بالمدرسة الفاضلية، مشهورا بحسن القراءة وجودة الأداء, انتفع به جماعة, وبالبحث لم أعثر على اسم مؤلف له. وأخذ عنه البدر ابن أم قاسم. صفاته: كان رجلا عالما فاضلا تقيا ورعا محبا للخير والعلم والانتفاع به، كثير الإنفاق من أجله، وليس هذا بغريب عليه، بل هو قدوة لوالده الذي كان من كبار أولياء الله تعالى, والناس يفدون إلى قبره ويزورونه تبركا به. قال ابن الجزري: كان والده من كبار الأولياء مدفون بقريته, ينعت بالشيخ تاج الدين البناكتي يزار ويتبرك به. وفاته: قال السيوطي وابن الجزري: مات سنة 748 ثمان وأربعين وسبعمائة من الهجرة1.
5- شمس الدين بن اللبان: نسبه: هو محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الشيخ شمس الدين بن اللبان الدمشقي ثم المصري الشافعي الإمام العلامة المعروف بابن اللبان. مولده: قال في شذرات الذهب: ولد سنة 685 خمس وثمانين وستمائة من الهجرة. من حياته: كان عارفا بالفقه والأصول والعربية، أديبا شاعرا، سمع بدمشق من أبي حفص عمر بن المنعم بن القواس. وقدم إلى الديار المصرية فأنزله ابن الرفعة بمصر وأكرمه إكراما كثيرا، وسمع بها من شرف الدين الدمياطي ومن عبد الرحمن بن عبد القوي بن عبد الكريم الختعمي، وحدث بالديار المصرية، وسمع الحديث، وتفقه على كثيرين، وبرع في جملة الفنون، وزاول التدريس بزاوية في جامع عمرو بن العاص ثم بزاوية الإمام الشافعي، وسار على طريق الشاذلية، وصحب ياقوت العرش المتصوف، فاشتهر غير أنه تكلم كلاما صوفيا يشعر بالاتحاد, فهاج عليه الفقهاء وحاكموه أمام قاضي القضاة ثم استنقذه ابن فضل الله. قال السبكي في طبقات الشافعية: تفقه على نجم الدين بن الرفعة وصحب في التصوف الشيخ ياقوت بالإسكندرية، وكان الشيخ ياقوت المقيم بالإسكندرية من أصحاب سيدي الشيخ أبي العباس المرسي صاحب سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي، وبرع ابن اللبان فقها وأصولا ونحوا وتصوفا، ووعظ الناس وعقد مجلس التذكير بمصر، وبدرت منه ألفاظ يوهم ظاهرها ما لا شك في براءته منه، فاتفقت له كائنة شديدة ثم نجاه الله تعالى، ودرس بالآخرة بالمدرسة المجاورة لضريح الشيخ الشافعي رضي الله عنه. وفي شذرات الذهب، قال الحافظ زين الدين العراقي: أحد العلماء الجامعين بين العلم والعمل، امتحن بأن شهد عليه بأمور وقعت في كلامه، وأحضر إلى مجلس الجلال القزويني وادعي عليه بذلك فاستتيب ومنع من الكلام على الناس وتعصب عليه بعض الحنابلة وتخرج به جماعة من الفضلاء.
وسمع منه الطلبة وخرج له شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطي جزءا من حديثه، وكان أديبا شاعرا عالما بالعربية ذكيا فصيحا متجمعا عن الناس هماما مهيبا. صفاته: كان ابن اللبان لسنا فطنا ذا همة وقوة وصرامة وحزم، يميل إلى الجد ولا يحاول الاندماج في الناس وقد يرغب في الابتعاد والانقباض عنهم، ومع هذا كان محترما مقدرا بين الخلق يخافونه ويهابونه. مؤلفاته: منها: 1- ترتيب الأم للإمام الشافعي ولم يبيضه. 2- واختصر الروضة ولم يشتهر لغلاقة لفظه. 3- ومختصر في علوم الحديث. 4- وجمع كتابا في النحو. 5- وكتاب في التصوف. 6- وله تفسير لم يكمله. 7- وله كتاب متشابه القرآن والحديث تكلم فيه على طريقة الصوفية, وهو مختصر حسن تكلم فيه عن بعض الآيات والأحاديث المتشابهات. وفاته: في شذرات الذهب وأخبار مصر والقاهرة وطبقات الشافعية والوافي بالوفيات: مات ابن اللبان بالطاعون في شوال سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة1. 6- سراج الدين الدمنهوري: نسبه: هو عمر بن محمد بن عليّ بن فتوح سراج الدين أبو حفص الغزي الدمنهوري المصري الشافعي. مولده: قال ابن الجزري في طبقات القراء: مولده بعد الثمانين وستمائة من الهجرة.
من حياته: كان عالما مفضالا متقنا جامعا للعلوم، تنقل بين يدي العلماء في كثير من الفنون وجلس في حلقاتهم، واستمع إلى دروسهم، وناقش وعارض في مجلس شيوخه في سبيل الوصول إلى ما تصبو إليه نفسه من الحصول على أكبر قدر من العلوم والفنون، فجلس في حلقات النحو والقراءات والحديث والفقه متلقيا عن شيوخ وثق فيهم، وبرع على أيديهم. أخذ العربية عن الشيخ شرف الدين محمد بن عليّ الحسني الشاذلي, وعن التقي ابن الصائغ أيضا وغيره، وأخذ القراءات عن الشيخ شرف الدين بن الشواء الضرير بالإسكندرية وعن التقي الصائغ، والمعاني عن الجلال القزويني، والأصول عن العلاء القونوي، والفقه عن جماعة منهم العلامة نور الدين عليّ بن يعقوب القرشي البكري، وسمع من الحجار والشريف والمرسوي، وأذن له بالإفتاء جماعة آخرهم الشيخ شمس الدين الأصبهاني، وبرع في الأصول ونبغ فيه حتى صار أستاذا يعتد به ويؤخذ عنه. ودرس في أماكن مختلفة ومتعددة، وصحب القونوي وقرأ عليه مختصر ابن الحاجب وتلخيص المعاني والبيان، ولم يجد بدا من أن يعمل على منفعة الناس وطلابه ورواده، فكان ينتقل إلى المكان الأكثر نفعا لهم، ويلقى المتاعب والصعاب في سبيل إفادة جمع غفير من الخلق، فأحبه الجميع وأحاطوا به حتى سمي بالعلامة الأوحد، وصار شيخا للقراءة والكل يسمع لحديثه ويعمل بإفتائه. قال ابن الجزري: "العلامة الأوحد المقرئ الفقيه المفتي شيخ القراء" ولحرصه على إفادة الجمع، أقرأ بمكة والمدينة وأفاد الكثير من الناس. وحدث عنه أبو اليمن البصري، ومع كل هذا كان يبخل بعلمه، وقد خلف حمل بعير من كتبه دون الانتفاع بها، وهلكت دون أن تملكها اليد التي تعمل على ضمها وجمعها. قال ابن الجزري في طبقات القراء: "وأقرأ القراءات بالحرمين الشريفين وأفاد، وكان ضنينا بعلمه وخلف جملة من الكتب والدنيا وهلكت بعده فلم ينتفع بها".
وإنني أنظر إلى هذا العالم الأصولي الذي أصبح شيخا للقراء، الفقيه صاحب الفتوى، الذي ذاع صيته وطار اسمه بين الخلق وفي الأرض المكرمة، ومع كل هذه المنح الربانية العظيمة. كيف يضن بما أعطاه الله وأسبغه عليه من نعمة العلم؟ يخيل إليّ أنه كان يحب المحافظة والحرص كل الحرص على ما وهبه الله وعلى كل ما يقتنيه وتضمه مكتبة منزله, وبالبحث لم أعثر على اسم مؤلف له. وفاته: قال ابن حجر في الدرر الكامنة: مات سراج الدين الدمنهوري سنة 751 إحدى وخمسين وسبعمائة من الهجرة. وقال الفاسي: هذا وهم بل مات في يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول سنة 752هـ اثنتين وخمسين وسبعمائة. وقال ابن الجزري في غاية النهاية: توفي بمكة شهر ربيع الأول سنة 752هـ اثنتين وخمسين وسبعمائة1. 7- أبو عبد الله الطنجي: تصفحت المراجع فلم أعثر له على ترجمة، وقال السيوطي في كتاب بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ص294: أبو عبد الله الطنجي شيخ من أهل النحو نقل عنه أبو حيان في الارتشاف وذكره هكذا.
تلاميذ المرادي المعروف بابن أم قاسم: لقد تأثر ابن أم قاسم بعلماء عصره وتتلمذ على أيديهم وتلقى عنهم وجلس في حلقات دروسهم، فما دام قد تأثر بالغير ونبغ عن طريقهم، فلا بد أن يكون قد خرج أجيالا برزوا إلى المجتمع تأثروا به وتتلمذوا عليه وجلسوا في حلقات درسه، وأفادوا غيرهم بما وهبهم الله من نعم العطاء. وأقول: بعد البحث والاستقصاء لم أجد نصا في كتب التاريخ يذكر فيه من تتلمذ على ابن أم قاسم سوى جلال بن أحمد المعروف بالتباني، ولم أتمكن من الحصول على أي مؤلف للشيخ جلال التباني حتى أحكم بأنه نقل عن شيخه أم لا. فعلى ذلك اتخذته تلميذا له -وأيضا ابن هشام- وإن كان لم يثبت أنه تتلمذ عليه, فإنه نقل عنه وهو في عصره. وسأذكر بعض التلاميذ الذين تأثروا بابن أم قاسم وأخذوا عنه. وذلك حسب الترتيب الزمني في وفياتهم. 1- ابن هشام الأنصاري: نسبه: هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري الشيخ جمال الدين الحنبلي النحوي المصري الفاضل العلامة المشهور أبو محمد. مولده: قال ابن حجر في الدرر الكامنة: ولد في ذي القعدة سنة 708هـ ثمان وسبعمائة. من حياته: لزم الشيخ الشهاب عبد اللطيف بن المرحل وتلا على ابن السراج، وسمع من أبي حيان ديوان زهير بن أبي سلمى ولم يلازمه ولا قرأ عليه، وحضر دروس الشيخ تاج الدين التبريزي، وقرأ على الشيخ التاج الفاكهي شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة، وتفقه للشافعي ثم اندمج في المذهب الحنبلي فحفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر وذلك قبل موته بخمس سنين. وأتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ، وحدث عنه ابن جماعة بالشاطبية وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم.
وتصدر للتدريس ونفع الطالبين وانفرد بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة والاستدركات العجيبة والتحقيق البارع والاطلاع المفرط والاقتدار على التصرف في الكلام والملكة التي يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجزا. وكان ابن هشام من كبار علماء اللغة العربية، اشتهر بالتحقيق وسعة الاطلاع والاقتدار على التصرف في الكلام، وذاع صيته في العالم الإسلامي وطارت مصنفاته في غالب الديار. قال ابن خلدون في ابن هشام: مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه. مخالفته لأبي حيان: قال الشوكاني في البدر الطالع: كان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه، ولعل ذلك -والله أعلم- لكون أبي حيان كان منفردا بهذا الفن في ذلك العصر غير مدافع عن السبق فيه، ثم كان المنفرد بعده هو صاحب الترجمة -ابن هشام- وكثيرا ما ينافس الرجل من كان قبله أو بالتمكن من البلوغ إلى ما لا يبلغ إليه، وإلا فأبو حيان هو من التمكن من هذا الفن بمكان، ولم يكن للمتأخرين مثله ومثل صاحب الترجمة. وهكذا نافس أبو حيان الزمخشري فأكثر من الاعتراض عليه في النحو لكون الزمخشري ممن تفرد بهذا الشأن وإن لم يكن عصره متصلا بعصره. وهذه دقيقة ينبغي لمن أراد إخلاص العمل أن يتنبه لها فإنها كثيرة الوقوع بعيدة الإخلاص. صفاته: كان ابن هشام يميل إلى التواضع ويعطف على أقربائه ويبرهم ويعطي الفقراء والمحتاجين ويشفق عليهم, وكان دمث الأخلاق، رقيق القلب، سهلا لينا وديعا يحب التعامل مع الناس. ما انتفع به ابن هشام من المرادي: قالوا: إن ابن هشام استفاد من المرادي وتأثر به، وظهر هذا الأثر في الجزء الأول من كتابه المسمى بمغني اللبيب في
مواضع متعددة، فنقل لفظه أو اقتبس معناه معتمدا عليه وذلك من كتاب ابن أم قاسم السمعي بالجنى الداني في حروف المعاني. مصنفاته: منها: 1- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب في النحو. منه نسخ في أكثر مكاتب أوربا، ودار الكتب المصرية، وطبع في طهران سنة 1274 وفي مصر مرارا. وله عدة شروح: أ- شرح للدماميني. ب- شرح للشمني. جـ- شرح للدسوقي. د- شرح للأمير. 2- قطر الندى وبل الصدى من أهم كتب النحو, عليه شرح المؤلف. طبع بمصر وتونس مرارا، واهتم الإفرنج به فنقله كوجيار إلى الفرنسية، وطبع في ليدن سنة 1887م وعليه شروح كثيرة. 3- الإعراب عن قواعد الإعراب في النحو. منه نسخة خطية في برلين وغوطا. وله شروح. 4- شذور الذهب في النحو. طبع مرارا، وله شروح أكثرها مطبوع. 5- موقد الأذهان وموقظ الوسنان. في أغوص مسائل النحو، منه نسخ خطية في برلين وباريس ودار الكتب المصرية. 6- ألغاز نحوية. طبع بمصر. 7- الروضة الأدبية في شواهد علوم العربية. عول فيها على ابن جني، وهو في برلين. 8- الجامع الصغير. في النحو. بباريس وفي الخزانة التيمورية. وعليه شروح. 9- التوضيح على ألفية ابن مالك. مجلد.
10- رفع الخصاصة عن قراءة الخلاصة. أربعة مجلدات. 11- عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب. مجلدان. 12- التحصيل والتفصيل لكتاب التذييل والتكميل. عدة مجلدات. 13- شرح التسهيل. مسودة. 14- شرح الشواهد الكبرى. 15- شرح الشواهد الصغرى. 16- القواعد الكبرى والصغرى. 17- الجامع الكبير والصغير. 18- شرح اللمحة لأبي حيان. 19- شرح بانت سعاد. 20- شرح البردة. 21- التذكرة. خمسة عشر مجلدا. 22- المسائل السفرية في النحو. وغير ذلك. وله عدة حواش على الألفية والتسهيل ورسائل وكتب أخرى متفرقة في مكتبات أوربا. وفاته: قال ابن حجر والسيوطي والشوكاني: مات ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة 761 إحدى وستين وسبعمائة1. 2- جلال التباني: نسبه: هو جلال بن أحمد بن يوسف التيزيني -بكسر الفوقانية والزاي وقبلها وبعدها تحتانية ساكنة- المعروف بالتباني -بمثناة ثم موحدة ثقيلة- لنزوله التبانة ظاهر القاهرة, جلال الدين ويقال اسمه رسولا.
من حياته: قدم القاهرة فأقام بمسجد التبانة فغلب عليه نسبته إليها, وتقلب بين يدي العلماء. قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: قدم القاهرة قبل الخمسين، وسمع في البخاري من الشيخ علاء الدين التركماني، وأخذ عنه وعن القوام الإتقاني، وأخذ في العربية عن ابن أم قاسم والقوام والإتقاني والشيخ جلال الدين بن هشام وابن عقيل، وبرع في الفنون مع الدين والخير, وكان فقيها أصوليا نحويا بارعا وأفتى ودرس سنين، وولي وكالة بين المال ونظر الكسوة ومشيخة خانقاه شيخون. وانتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه، وعرض عليه القضاء غير مرة فأصر على الامتناع. وقال: هذا فن يحتاج إلى دراية ومعرفة إصلاح ولا يكفي فيه الاتساع في العلم. ودرس بالضرغتمشية والألجهية ومدرسة الجائي وكتب على الفتوى. وممن أخذ عنه ولده الشيخ شرف الدين، والشيخ عز الدين الحاضري الحلبي. وكان له صلة بالأمراء والأكابر، وعظم وضخم وتردد الناس إلى بابه وهو مع ذلك ملازم للاشتغال والأشغال مع الديانة والصيانة. وكان شديد الحرص على ملاقاة العلماء والاجتماع بهم وملازمته لهم، لأنهم كانوا سببا في نبوغه وشهرته وعظمته وعلو قدره. صفاته: كان محبا في السنة حسن العقيدة شديدا على الإلحادية والمبتدعة، وكان ذا همة عالية ومكارم أخلاق، كثير البر على الناس عطوفا عليهم، كثير الصدقة على الفقراء والمحتاجين، وكان له حرمة في الدولة وكلمة مسموعة. مصنفاته: وصنف تصانيف منها: 1- المنظومة في الفقه. 2- شرح المنظومة في الفقه. في أربعة مجلدات. 3- شرح المشارق.
4- شرح المنار. 5- شرح التلخيص. 6- اختصر شرح مغلطاي على البخاري. قال ابن حجر العسقلاني: رأيته بخطه. 7- له تصنيف في منع تعدد الجمع. 8- تصنيف في أن الإيمان يزيد وينقص. 9- له كتاب علق فيه على البزدوي. وفاته: قال السيوطي في بغية الوعاة وابن العماد في شذرات الذهب: مات بالقاهرة في ثالث عشر رجب سنة 793 ثلاث وتسعين وسبعمائة عن بضع وستين سنة1. مؤلفاته: مؤلفات ابن أم قاسم: للمرادي مؤلفات بذل فيها كل جهده وكرس حياته من أجلها, فدرس كتب السابقين وتفحصها, فاقتطف منها أزهارها وجنى ما أعجبه من ثمارها, وأضاف ذلك إلى ما حوته قريحته وجاد به تفكيره, فأعجب المعاصرين والخلف فاعتمدوا على مؤلفاته ونقلوا منها وكانت مصدرا لكل باحث ومنارة لكل من يريد أن يسترشد, فنهلوا من معينه الذي لا ينضب ومن علمه الذي لا ينفد, ومن ذلك. 1- الجنى الداني في حروف المعاني. 2- شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك. 3- شرح ألفية ابن مالك.
4- شرح باب وقف حمزة وهشام على الهمزة من الشاطبية. 5- شرح المقصد الجليل في علم الخليل "وتسمى مقدمة ابن الحاجب في علم العروض". 6- شرح المفيد على عمدة المجيد في علم التجويد للسخاوي. 7- رسالة في الجمل التي لا محل لها من الإعراب. 8- شرح الاستعاذة والبسملة، قال السيوطي: قلت: وشرح الاستعاذة والبسملة كراس ملكته بخطه. لم أعثر عليه. 10- تفسير القرآن الكريم في عشرة مجلدات أتى فيه بالفوائد الكثيرة وإعراب القرآن. لم أعثر عليه. 11- شرح الجزولية. لم أعثر عليه. 12- شرح الكافية الشافية. لم أعثر عليه. 13- شرح الفصول لابن معط. لم أعثر عليه. 14- شرح الحاجبية النحوية. لم أعثر عليه. وسأذكر نبذة موجزة عن كل مؤلف عثرت عليه في المكتبات.. وهي: أولا- كتاب الجنى الداني في حروف المعاني: هو كتاب مخطوط مودع بدار الكتب المصرية تحت أرقام 541، 381 عام، وطلعت، وتيمور، ويحتوي على 142 ورقة ومسطرته 19 سطرا. أوله: "بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر يا كريم. الحمد له. بجميع محامده، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد خاتم أنبيائه ... وبعد: فإنه لما كانت مقاصد كلام العرب على اختلاف صنوفه مبنيا أكثرها على معاني حروفه صرفت الهمة إلى تحصيلها ... إلخ".
حقا إنه كتاب قيم عظيم طرق صاحبه فيه الأبواب الموصدة ففتحها على مصراعيها، حيث أنار القارئ طريق الهداية، فقد دقق كلامه، ووضع نصب عينه الحروف ومعانيها فكشف عن غامضها، ويسر الوقوف عليها. وذكرها جملة وتفصيلا، وهي مع قلتها كثر درها وبعد غورها. فقرب البعيد وسهل ما صعب منها، وجعله في متناول أيدينا وسماه الجنى الداني في حروف المعاني. ويحتوي هذا الكتاب الذي ندر وجوده وقل ما يماثله أو يضاهيه على مقدمة وخمسة أبواب، واشتملت المقدمة على خمسة فصول. بين في الفصل الأول حد الحرف، وفي الثاني لماذا سمي حرفا؟ وفي الثالث في جملة الحرف ومعانيه وأقسامه, حتى إنه قال: إن النحويين جعلوا للحرف خمسين معنى. وفي الرابع في بيان عمله، وقال: إنه عامل وغير عامل، والخامس في عدة الحروف وقال: إن بعض النحويين قالوا: إن جملة المعاني ثلاثة وسبعون حرفا، ذكر بعضهم نيفا وتسعين حرفا. ولقد وقف ابن أم قاسم على كلمات أخر مختلف في حرفيتها ترتقي لها عدة الحروف إلى المائة، وهي منحصرة في خمسة أقسام وجعل لكل قسم بابا. فالباب الأول في الأحادي، وهي أربعة عشر حرفا. الهمزة، والباء، والتاء، والسين، والشين، والفاء، والكاف، واللام، والميم، والنون، والهاء، والواو، والألف، والياء، وقد جمعها ابن أم قاسم في كتابه هذا في قولك "بكشف سألتمونيها". ثم بدأ بالهمزة مفصلا ضاربا الأمثلة من القرآن الكريم وأشعار العرب عارضا رأي النحاة فيما يدرو في هذا الموضع وما يطرأ عليه من تغيير. ثم عرض الباء موضحا معانيها زائدة وغير زائدة. وقد يعتمد على رأي سيبويه في عرضه للكلام، فمثلا قال: رد كثير من المحققين سائر معاني الباء إلى معنى الإلصاق، كما ذكر سيبويه، وجعلوه معنى لا يفارقها ...
وهكذا, عارضا ما في الباب الأول من حروف المعاني مع توضيح وإزالة الغموض وإبراز المحاسن وفي بعض الأحيان يسأل ويجيب ليقرب المعاني إلى ذهن القارئ مزيلا ما فيه من شبهات، وقد يذكر تنبيهات عقب كل قسم من الأقسام، لإبداء ملاحظاته، أو توضيح ما أشكل ولإظهار ما أبهم. عارضا فيه رأي النحاة. فمثلا في تنبيه له "لام الاستغاثة" قيل: هي زائدة, فلا تتعلق بشيء، وقيل: ليست زائدة فتتعلق. وعلى هذا: ففي ما يتعلق به قولان: أحدهما أنه الفعل المحذوف، وهو اختيار ابن عصفور, والثاني: أنه حرف النداء، وإليه ذهب ابن جني، وذهب الكوفيون إلا أن هذه اللام بقية أل ... وهكذا يوضح ويبين. وكثيرا ما يعتد برأي ابن مالك ويؤيده، ويعتمد على ابن الناظم في شرحه للألفية وغير ذلك من النحاة البارزين المشهورين أمثال الأخفش وابن الأنباري والزجاج والمبرد وابن يعيش وغيرهم. ثم انتقل إلى الباب الثاني، وهو الثنائي وقسمه إلى ضربين: ضرب متفق عليه ومختلف فيه وجميع ذلك ثلاثة وثلاثون حرفا وهي: إذ، وأل، وأم، وإن، وأو، وأي، وبل، وإذا ... إلخ. ثم ذكرها على ترتيب مبينا معانيها وأغراضها عارضا رأي النحاة مؤيدا ما يراه متفقا والمقصود، مستشهدا بكتاب الله وأشعار العرب. ثم ينتقل إلى الباب الثالث في الثلاثي، وهو ضربان: متفق عليه ومختلف فيه وجملة ذلك أربعة وثلاثون حرفا، وهي: أجل، وإذن وإذا وإلا، وإلى، وإما ... إلخ، ذكرها مرتبة مبينا معانيها وما يتعلق بها ضاربا لذلك الأمثلة. وقد يذكر فوائد عقيب بعض المسائل، ليعرض فيها رأي النحاة في إيجاز واقتصار، ليقف القارئ على رأي النحاة في مسألة ما. فمثلا قال: فائدة في "لات" قرئ: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} بفتح التاء وضمها وكسرها والفتح هو المشهور، والوقف عليها بالتاء عند سيبويه والفراء، وابن كيسان والزجاج، وبه وقف أكثر القراء وبالهاء عند الكسائي والمبرد وبه قرأ الكسائي.
ثم انتقل إلى الباب الرابع في الرباعي، وهو ضربان: متفق عليه ومختلف فيه وجملته تسعة عشر حرفا وهي: إذما، وألا، وأما، وإما ... إلخ. ثم ذكرها أيضا على الترتيب. بسطها بأسلوبه بسطا يزيل كل شبهة. وقد اعتمد على أبي حيان، واعتد برأيه معارضا رأي ابن مالك، قال في "حتى": ولا يجوز أن تقول: أكلت السمكة حتى نصفها أو ثلثها، قال الزمخشري: لأن تفعل المتعدي بها الغرض منه أن ينقضي شيئا فشيئا حتى يأتي عليه. وقال ابن مالك: لا يلزم واستدل بقول الشاعر: عينت ليلة فمازلت حتى ... نصفها راجيا فعدت يئوسا قال الشيخ أبو حيان: ولا حجة له في هذا البيت ... إلخ. ثم انتقل إلى الباب الخامس في الخماسي: وهو ثلاثة أحرف، واحد متفق على حرفيته وهو "لكن"، واثنان فيهما خلاف وهما "أنتما وأنتن" ذكر ذلك مفصلا. وكان يعقب كل قسم من الأقسام بقوله: "والله أعلم". وفي نهاية كتابه قال: وذكر بعضهم أن "كان" الزائدة حرف, وكذلك "أصبح وأمسى" في قول العرب: "ما أصبح أبردها وما أمسى أدفأها" قال: لأن الأفعال لا تزاد. وقد كان حق هذه الألفاظ أن أذكرها في باب الثلاثي والرباعي، وإنما أهملت ذكرها هنا لشهرتها وغرابة القول بحرفيتها. وهكذا كان كتاب الجنى الداني في حروف المعاني بحرا فياضا لمن أراد أن يرتوي، وبلسما شافيا لمن أراد أن يستشفي، ومعينا لا ينضب لمن أحب تزويد نفسه. فنرى ابن هشام في كتابه مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، قد أدلى بدلوه، ونهل من معينه وسار على نهجه واتبع طريقته.
ثانيا: شرح "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" لابن مالك شرحه ابن أم قاسم، وهو كتاب مخطوط في مجلدين ووقع مرة أخرى في ثلاثة, مودع بدار الكتب المصرية ومكتبة الأزهر تحت أرقام 6530 طلعت -63- 1262. أوله: "بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله على التوفيق لحمده ... إلخ". وهو كتاب ضخم قيم جمع بين دفتيه قواعد النحو وأسرارها بابتكار يدل على تعمق في النحو، واستكشاف لمخبآته، وإحاطة بأوابده. وهو الفيصل تستحكم الفكرة عنده فيبرزها مدعومة بالدليل النقلي والنظري. فعلق ابن أم قاسم على التسهيل تعليقا يفيد المعنى ويبين المراد، وقد ذيله بفوائد جمة تكشف مقاصده، وتفصح عن مكنونه. ولكنه مال إلى عدم الإكثار والإسهاب، بل وضع الأمر في نصابه دون ملل أو خلل, فبدأ أول ما بدأ بشرح الكلام على حسب طريقة ابن مالك، عارضا آراء النحاة وخلافاتهم، فيعرض أولا كلام المصنف ثم يعقبه بشرحه الوافي المختصر حتى يتسنى للقارئ أن يفهمه دون جهد ونصب وعناء. شافعا ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأمثال العرب وأشعارهم وقد يعرض تلخيصا بعد سرد المسألة وشرحها ورأي العلماء فيها، ليقربها إلى الأفهام, فقال في إلحاق نون الوقاية بقد وقط: "وتلخص من نقل الكوفيين أن من جعلهما اسمي فعل قال: قدني وقطني بالنون وتكون الياء في موضع نصب، ومن جعلهما بمعنى حسب. قال: بغير نون". وقد يأتي بالشاهد ثم يعلق عليه برأيه ورأي النحاة، تسهيلا وتقريبا إلى الأذهان وإزالة الشبهات ورفع الغموض الذي يسيطر على الشاهد، فيبرزه في صورة براقة تصل إلى مدارك المتعلم والقارئ دون تعب ومعاناة. وفي باب إن وأخواتها بين الطريق الذي سار عليه ابن مالك في اقتدائه بالنحاة فقال في إن وأخواتها: "عد المصنف هذه الأحرف خمسة لأن أن المفتوحة فرع من إن المكسورة اقتداء بسيبويه والمبرد في المقتضب وابن السراج في الأصول".
ونراه حينما يدخل في باب من الأبواب، فإنه يأتي له بمقدمة من عنده ثم يعرض شرحه وقد يعرض رأي النحاة ذاكرا النص من كتبهم باسطا آراءهم. وقد ينقد ابن مالك في ترتيبه الكلام، ويدافع عنه, ففي العدد, فصل. "استعمل لخمسة عشر ظروف كيوم يوم صباح مساء وبينَ بينَ". قال المرادي: "ليس هذا الفصل من باب العدد في شيء، ولكن استطرد ذكره، لكون هذه الأسماء ناسبت خمسة عشر في تركيبها ... إلخ". وقد يعارض المصنف وابنه، ففي باب التعجب قال ابن مالك: "وكذا إن تعلق بهما وكان غير ظرف وحرف جر". قال المرادي: "نحو ما أحسن زيدا مقبلا، وأكرم به رجلا". فلو قلت: ما أحسن مقبلا زيدا وأكرم رجلا به لم يجز بإجماع. قال المصنف: وتبعه في نقل الإجماع ولده في شرح الألفية. وليس كذلك. وقد اعتمد في النقل على كثير من النحاة في شرحه أمثال أبي حيان والمبرد والأخفش والسهيلي والزمخشري وغيرهم. قال في نون التوكيد: قال سيبويه أما يونس وناس من النحويين فيقولون: اضربان واضربنان زيدا، فهذا لم تقله العرب، وليس له نظير في كلامها. واعتمد أيضا على شيخه أبي حيان فقال في زيادة الواو في أو، ولو. قال الشيخ أبو حيان: لم أظفر في تعليله بنص، ويمكن عندي أن يكون زادوا الواو منه للفرق بين أولى حالة النصب والجر وبين إلى الحرف، وحملت حالة الرفع على النصب والجر، ولا أراه تعرض لشيخ آخر من شيوخه في النقل عنه أو التأسي به والسير على نهجه، وقد يعارض النحاة في آرائهم مراعيا ضبط الحقائق مع ترجيح ما يراه ملائما ونافعا مفيدا. فقال في قول ابن مالك: "بلام الابتداء". قال المرادي: زعم أكثرهم أنها مخلِّصة للحال، وليس كذلك لقوله تعالى: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} [يوسف: 13] فيحزن مستقبل لإسناده إلى متوقع.
ونراه يجاري المصنف في "لدن" ويؤيده حينما قال ابن مالك: "نون مكسورة للوقاية وحذفها مع لدن وأخوات ليت جائز". قال المرادي: من حذفها مع لدن قراءة نافع وأبي بكر: "قَدْ بَلَغْتُ مِن لَدُنِي عذرا". قال المصنف: زعم سيبويه أن عدم لحاقها للدن من الضرورات، وليس كذلك، لقراءة نافع. وهكذا كانت عادة ابن أم قاسم يعرض الآراء ويفندها ويرجح ما فيه الفائدة والنفع. وحقا إنه شرح مفيد جعل تسهيل ابن مالك مسهلا على كل قارئ وباحث، فهو منهل لمن أراد أن ينهل من شرابه العذب, حيث أبرز محاسن التسهيل، وجعله قطفا دانيا طيب الرائحة طعم المذاق، ومفتاحا لكل طارق لأبواب النحو, فكان مصدرا وثيقا للنحاة ينقلون عنه ويعولون عليه، وهذا يدل على براعة ابن أم قاسم وحسن لباقته واجتهاده وانكبابه على كتب السابقين والاقتداء بهم. فأخرج مؤلفات وشروحا يانعات قاصدا بها أن تكون هداية للمهتدين وطريقا للسالكين ومرضاة للباحثين. ثالثا: شرح ألفية ابن مالك نسخة مخطوطة في مجلد مودع بدار الكتب المصرية ومكتبة الأزهر تحت رقم 323-150 تيمور -3238. وفي المقدمة: "بسم الله الرحمن الرحيم. فهذا توضيح لمقاصد ألفية ابن مالك رحمه الله يجلو معانيها على طلابها ويظهر محاسنها لخطابها، سألنيه بعض حفاظها المعتنين لاستنباط بعض فوائدها من ألفاظها ... إلخ". تمعنت هذا الشرح فظهرت فضائله وبرزت محاسنه، فإذا قرأه قارئ أحس بالارتياح والاطمئان وخرج منه بنتائج باهرة وآراء صائبة. فقد ظهرت شخصية ابن أم قاسم واضحة جلية دلت على قوة قدرته وحصافة رأيه وتجلت فيه مواهبه العظيمة وأفكاره وآراؤه السديدة.
ولا شك أنه شرح أوفى على الغاية، وبلغ النهاية. فقد عمل على استكمال ما فات، وانسجام في ترتيب المعلومات، ومن تنسيق في ضم القواعد المتصلة بعضها ببعض. ويمتاز بالدقة والإتقان والسهولة، فلا يحتاج إلى جهد وعناء، مع إيضاحه وبسطه لآراء النحاة ومذاهبهم. ولا نبالغ إذا قلنا: إن هذا الشرح أرشد المؤلفين من بعده، ووضع منهاجا لهم ونسقا يسيرون عليه فإن عنايته كانت متجهة إلى إيضاح ألفية ابن مالك وتبيان مقصودها. والحق أنه غزير المادة، ومن أوفى الكتب بسطا لمذاهب النحاة وتعليلاتهم على نمط العناية والتفصيل. ولا غرابة أن يجمع في شرحه ما جمع فأمامه من المؤلفات القيمة الواسعة من كتب السابقين كارتشاف الضرب والتسهيل وشرحه وغير ذلك. مضيفا إليها ما حوته قريحته وجاد به تفكيره. فكان هذا الشرح مددا لمن بعده من شراح الألفية، ومصدرا وثيقا لدى النحويين، وقد استمد منه المؤلفون، يعولون على آرائه ويعتمدون على أفكاره وقد ظهر هذا واضحا في الناقلين عنه. وإذا درسنا شرح الألفية للأشموني وجدناه قد تتبع أسلوب ابن أم قاسم في الشرح وذكر التنبيهات، ونقل الكثير عنه، وفي بعض الأحيان يذكر نص الألفاظ، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: مسألة "1": في باب المعرب والمبني بعد قول الناظم: وقصرها من نقصهن أشهر قال المرادي في التنبيه الثالث: وقد أفرده الأشموني في تنبيه أيضا فقال الأشموني 30/ 1 نقلا عن المرادي1: "مذهب سيبويه أن "ذو" بمعنى صاحب وزنها فَعَلَ -بالتحريك-
ولامها ياء. ومذهب الخليل أن وزنها فَعْل -بالإسكان- ولامها واو، فهي من باب قوة، وأصله ذوو. وقال ابن كيسان: تحتمل الوزنين جميعا. و"فوك" وزنه عند الخليل وسيبويه: فَعْل -بفتح الفاء وسكون العين- وأصل فوه لامه هاء. وذهب الفراء إلى أن وزنه فُعل -بضم الفاء. وأب وأخ وحم وهن: وزنها عند البصريين فَعَل -بالتحريك- ولاماتها واوات، بدليل تثنيتها بالواو. وذهب بعضهم إلى أن لام حم ياء من الحماية، لأن أحماء المرأة يحمونها وهو مردود بقولهم في التثنية: حَموَان، وفي إحدى لغاته حمْوٌ. وذهب الفراء إلى أن وزن أب وأخ وحم فعْل -بالإسكان. ورد بسماع قصرها، وبجمعها على أفعال. أما "هن" فاستدل الشارح على أن أصله التحريك بقولهم: هنة وهنوات، وقد استدل بذلك بعض شراح الجزولية. واعترضه ابن إياز بأن فتحة النون في هنة يحتمل أن تكون لهاء التأنيث، وفي هنوات لكونه مثل جفنات، ففتح لأجل جمعه بالألف والتاء، وإن كانت العين ساكنة في الواحد. وقد حكى بعضهم في جمعه أهناء، فبه يستدل على أن وزنه فَعَل -بالتحريك". هذا نص كلام المرادي. مسألة "2": في الضمير بعد قول الناظم: وقبل يا النفس مع الفعل التزم ... نون وقاية وليسي قد نظم قال الأشموني في تنبيه له 55/ 1 نقلا عن المرادي1:
"ومذهب الجمهور أنها إنما سميت نون الوقاية لأنها تقي الفعلَ الكسرَ. قال الناظم: بل لأنه تقي الفعل اللبس في "أكرمني" في الأمر، فلولا النون لالتبست ياء المتكلم بياء المخاطبة، وأمر المذكر بأمر المؤنثة، ففعل الأمر أحق بها من غيره، ثم حمل الماضي والمضارع على الأمر". مسألة "3": في اسم الموصول بعد قول الناظم: وصفة صريحة صلة أل ... وكونها بمعرب الأفعال قل قال الأشموني في تنبيه له 76/ 1 نقلا عن تنبيه أيضا للمرادي1: "تنبيه ... شذ وصل "أل" بالجملة الاسمية كقوله: من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معد وبالظروف، كقوله: من لا يزال شاكرا على المعه ... فهو حر بعيشة ذات سعه مسألة "4": في اسم الموصول بعد قول الناظم: في عائد متصل إن انتصب ... بفعل أو وصف كمن نرجو يهب قال الأشموني في التنبيه الثاني 80/ 1 نقال عن المرادي من التنبيهين الرابع والخامس2: "إذا حذف العائد المنصوب بشرطه ففي توكيده والعطف عليه خلاف: أجازه الأخفش والكسائي، ومنعه ابن السراج وأكثر المغاربة.
واتفقوا على مجيء الحال منه إذا كانت متأخرة عنه نحو: هذه التي عانقت مجردة، أي: عانقتها مجردة، فإن كانت الحال متقدمة -نحو هذه مجردة عانقت- فأجازها ثعلب ومنعها هشام". مسألة "5": في المعرف بأداة التعريف بعد قول الناظم: ................................. ... كالفضل والحارث والنعمان قال الأشموني في تنبيه له 86/ 1 نقلا عن المرادي في تنبيه له أيضا1: "تنبيه: في تمثيله بالنعمان نظر؛ لأنه مثل به في شرح التسهيل لما قارنت الأداة فيه نقله، وعلى هذا فالأداة فيه لازمة، والتي للمح الأصل ليست لازمة". مسألة "6": في كان وأخواتها بعد قول الناظم: .......................... ... وكل سبقه دام حظر قال الأشموني 113/ 1 نقلا عن المرادي2: "وفي دعوى الإجماع على منعها نظر، لأن المنع معلل بعلتين: إحداهما: عدم تصرفها، وهذا بعد تسليمه لا ينهض مانعا باتفاق, بدليل اختلافهم في ليس مع الإجماع على عدم تصرفها. والأخرى أن "ما" موصول حرفي ولا يفصل بينه وبين صلته، وهذا أيضا مختلف فيه, وقد أجاز كثير الفصل بين الموصول الحرفي وصلته، إذا كان غير عامل كما المصدرية".
مسألة "7": في الفاعل بعد قول الناظم: ................................. ... وشذ نحو زان نوره الشجر قال الأشموني 781/ 1 نقلا عن المرادي1: "قال الناظم: والنحويون -إلا أبا الفتح- يحكمون بمنع هذا، والصحيح جوازه، واستدل على ذلك بالسماع وأنشد على ذلك أبياتا, وذكر الأشموني أبياتا, وذلك لجوازه وجها من القياس, وممن أجاز ذلك قبله وقبل أبي الفتح من البصريين والطوال من الكوفيين. وتأول المانعون بعض هذه الأبيات بما هو خلاف ظاهرها. وقد أجاز بعض النحاة ذلك في الشعر دون النثر، وهو الحق والإنصاف؛ لأن ذلك إنما ورد في الشعر". مسألة "8": في النائب عن الفاعل بعد قول الناظم: ولا ينوب بعض هذي إن وجد ... في اللفظ مفعول به وقد يرد قال الأشموني في تنبيه له 184/ 1 نقلا عن المرادي2: "إذا فقد المفعول به جازت نيابة كل واحد من هذه الأشياء قيل: ولا أولوية لواحد منها، وقيل: المصدر أولى، وقيل: المجرور، وقال أبو حيان: ظرف مكان". مسألة "9": في المفعول به بعد قول الناظم: والعكس في مصحوب أل
قال الأشموني في خاتمة له 217/ 1 نقلا عن المرادي في تنبيه له1. "إذا دخلت "أل" على المفعول له أو أضيف إلى معرفة تعرف بأل أو بالإضافة، خلافا للرياشي والجرمي والمبرد في قولهم: إنه لا يكون إلا نكرة، وإن "أل" فيه زائدة، وإضافته غير محضة". وقد أحسن ابن أم قاسم في أن نسب الآراء إلى أصحابها المتقدمين، وهو كثير لا يقع تحت حصر. وكان موقفه من ابن مالك موقف الناقد البصير. يناقشه فيما يستحق المناقشة ويؤيده فيما يستحق التأييد. وذلك لما له من سعة اطلاع مكنه من معرفة آراء السابقين والحكم عليها بعد الموازنة بينها، وقد كثر استشهاده في هذا الشرح بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأشعار العرب وأمثالهم. وهكذا كان ابن أم قاسم في مادته العلمية بحرا فياضا بذل جهده وكرس حياته من أجل إيجاد قطوف دانية يتناولها القاصي والداني. رابعا: شرح باب وقف حمزة وهشام على الهمز من الشاطبية للقاسم ابن فيره بن خلف: نسخة في مجلد بقلم نسخ بخط أحمد بن يوسف السمنودي الشاذلي الأحمدي. فرغ منه في ذي الحجة سنة 1228هـ مجدولة بالمداد الأحمر في 53 ورقة ومسطرتها21. مودعة بدار الكتب المصرية قسم المخطوطات تحت رقم 42. نبذة عن الكتاب: بدأ المرادي كتابه بتعريف الوقف لغة واصطلاحا، ثم قسم الوقف إلى أربعة أقسام: اختياري واضطراري واختباري وتعريفي، وقال: لا فرق بين أن يكون الوقف على الهمز في هذا الباب اختياريا أو غيره. وقال فيه: بدأ الناظم بحمزة أولا في قوله: وحمزة عند الوقف سهل همزه ... إذا كان وسطا أو تطرف منزلا
لأنه أقعد الباب ثم أردفه هشاما. ونرى المرادي أتى بأبيات من الشاطبية ثم شرحها شرحا مفصلا معتمدا فيه على آراء القراء ساردا كل رأي في حرية وطلاقة. ففي البيت الأول -بعد أن عرض كلام الناظم بأسلوب يتفق والبيت- وفي آخره قال: هذا نقل الناظم ثم قال: وروى الضبي عن سليم تخفيف الهمز الواقع أول الكلمة مطلقا، ونقل الحافظ أبو العلاء عن حمزة تخفيفه مطلقا إذا تقدمه حرف ولو منفصلا. قال أبو الفتح ابن سَبْطا: لأنها باتصالها بما قبلها تصير كالمتوسط. وكان أبو طاهر لا يأخذ فيها إلا التخفيف. وقد ينسب إلى الناظم وغيره في بعض الأحيان النسيان وعدم الانتباه في رأيه معللا ذلك. فمثلا بعد قول الناظم: وحمزة عند الوقف ... إلخ. قال في تنبيه له بعده: "روي عن حمزة أنه قال: إذا كان الوقف على المهموز بغير همز يزيل المعنى فالوقف بالهمز. فمن القراء من انتبه كطاهر بن غلبون ومنهم من لم ينتبه كالداني والناظم، ولذلك أطلق في قوله: وحمزة عند الوقف سهل همزه. وبعد أن ينتهي المرادي من شرح البيت يعربه زيادة في توضيح معناه ولا يغفل عن الأمثلة الكثيرة للاستفادة منها. وقد يعلل التقديم في كلام الناظم. فمثلا: فأبدله عنه حرف مد مسكنا ... ومن قبله تحريكه قد تنزلا قال المرادي: أبدأ بالهمز الساكن لقلة أحكامه. وقد يعقب على البيت بفائدة أو تنبيه يعرض فيهما ما يستنتجه من بيت الناظم. فمثلا بعد قول الناظم: فأبدله عنه حرف ... إلخ, قال في تنبيه له: "وافق الرسم القياس في هذا النوع إلا مع همز الوصل ولم ترسم في ادَّارأتم والرؤيا". وفي تنبيهاته قد يوضح كلام الناظم بطريقة بلاغية مشوقة للنفس تقريبا للأذهان وتوضيحا للعبارة، فتراه مثلا بعد قول الناظم:
ويسمع بعد الكسر والضم همزه ... لدى فتحه باء وواو محولا قال: جمع الناظم بين الكسر والضم أولا ثم جمع بين الياء والواو ثانيا فانصرف الأول للأول والثاني للثاني, ويسمى هذا في علم البديع لفا ونشرا وهو ضربان: مرتب كقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] ... ومعكوس كقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 107] . وقد ينوه إلى ذكر بعض الوقائع تمكينا للكلام وتأييدا للكلام وتأييدا للرأي. فمثلا بعد قول الناظم: ويبدله مهما تطرف مثله ... ويقصر أو يمضي على المد أطولا حكى ابن جني في الخصائص أن شخصا ادعى عند الزجاج أنه يجمع بين ألفين وأخذ يطول صوته يقال ويمططه, فقال له الزجاج لو مددتها إلى العصر هي الألف واحدة. وقد يتعرض لذكر تعريف بعض الأعلام كالأخفش مثلا.. واعتمد المرادي في كتابه هذا على كثير من الأعلام مثل الأخفش وسيبويه وأبي شامة ويونس وغيرهم، وقد يعرض رأيه في بعض الأبيات المشكلة التي اضطرب في شرحها بعض الشراح فقال في قول الناظم: وما قبله التحريك أو ألف محرْ ... رَكا طرفا فالبعض بالروم سهلا ومن لم يرم واعتد محضا سكونه ... وألحق مفتوحا فقد شذ موغلا قال المرادي: هذان البيتان من المشكلات وقد اضطرب في شرحهما شارحو القصيدة, وأنا أذكر ما وقفت عليه من كلامهم والله الموفق. فأقول: اعلم أن البيت من هذين البيتين يحتمل أن يكون من البيت الذي قبله ... وهكذا عارضا رأي أبي عبد الله الفاسي وسيبويه. وقد يتعرض لبعض الأمثلة القرآنية في مسائل يوضح فيها الآية, واضعا نصب أعيننا أوجه القراءة حتى يستطيع القارئ فهمها وتدبرها, فمثلا مسألة في قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} [النور: 35] يجوز فيها نقل حركة الهمزة إلى الياء
مع الإسكان والروم والإشمام، ويجوز المد والقصر في الياء على وجه الإسكان ووجه الإشمام صارت خمسة أوجه, ويجوز حذف الهمز للرسم فيمد ويقصر ويندرجان, ويجوز الإدغام مع الإسكان والروم والإشمام فالمجموع ثمانية. ونرى المرادي يعقب على كل مسألة من هذه المسائل بنظم بديع يسهل على الإنسان الفهم والإدراك, وقد تعددت هذه المسائل في آخر الباب وكثرت. وقال عقيب المسألة المتقدمة: يضيء قياسه نقل بروم ... وإسكان وإشمام وحذف ومع نقل بلا روم وحذف ... يمد وقصره إن شئت فاقف وأدغم ثم أسكن أو فأشمم ... ورم أيضا فخذ نظما يخف ومجموع الأبيات المشروحة من الشاطبية هو 17 سبعة عشر بيتا. شرح المرادي كل بيت عارضا رأي القراء والنحاة, فسار على هدي الهداة ونهج الناهجين حتى لا يفلت الزمام من يده, فاستنار بآرائهم. ثم أعقب الكلام كله بمسائل متفرقة ومتنوعة جمع فيها آراء القراء والنحاة وأعقبها بشيء جميل تحرص عليه النفس ولا تنساه، وهو نظم لطيف يمكن القارئ من الاستفادة المثمرة. خامسا: شرح المقصد الجليل في علم الخليل هو شرح للمقصد الجليل في علم الخليل الذي نظمه جلال الدين أبو عمر عثمان بن عمر بن أبي بكر المعروف بابن الحاجب المالكي النحوي المتوفى عام 646هـ, وتسمى مقدمة ابن الحاجب في علم العروض وتحتوي على ثلاثين ورقة. ضمن مجموعة مخطوطة. مودع بدار الكتب المصرية تحت رقم 73 مجاميع. وأول هذه القصيدة: الحمد لله ذي العرش المجيد على ... إلباسه من لباس فضله حللا ثم على المصطفى الهادي صلاة فتى ... يرجو لها سكن الفردوس مبتهلا وبعد إن عروض الشعر قد صعبت ... نثرا فخذ نظمها تجده قد سهلا
نبذة عن شرح المقصد الجليل: نرى المرادي في شرح هذه القصيدة أوجز فيها العبارة واكتفى بالإشارة، وهو مع ذلك كافل لفتح مغلقها وإيضاح مشكلها واف بشرح مقاصدها ومذيل بفوائد لفوائدها، وقد عرف أولا العروض في اللغة وذكر اشتقاقه ثم تعرض لموضوعه وفائدته وبين الزحاف والعلل، وأوضح الكلام في إيجاز مفيد على ضوء القصيدة مستنيرا بها. ثم تعرض للبحور ولماذا سميت بحورا؟ ثم تكلم عن الدوائر العروضية فقال: إن جميع البحور الخمسة عشر أو الستة عشر منحصرة في خمس دوائر وهي: دائرة المختلف، ودائرة المؤتلف، ودائرة المجتلب، ودائرة المشتبه، ودائرة المتفق, وهكذا. ثم رسم صورة لكل دائرة وضع على محيطها الحركات والسكنات حتى يسهل للقارئ معرفتها وعرف كل قسم من أقسام الشعر الثلاثة وضرب له الأمثلة. وبعد ذكر الزحاف والعلل عرف كل نوع على حدة وما يتعلق به ذاكرا الخلاف الذي وقع بين الخليل وغيره، ولا أرى المرادي ذكر رأيا له في هذا الباب, بل كان كل عمله هو الشرح والتوضيح في كلام موجز مقتضب مفيد. وابن الحاجب يذكر البحر ثم أعاريضه مفصلا, وما على المرادي إلا أن يفند ويضرب الأمثلة لكل ضرب من الأضراب تقريبا للأذهان, مستدلا بذلك من أشعار العرب, ذاكرا كل بحر وما يعرض له من تغيير، وقد يعلق على بيت من أبيات القصيدة بتنبيه يذكره دون أن يعترض على كل شيء كما حدث في آخر الطويل فقال: "تنبيه: جرت عادة أكثر أهل العروض عند ذكرهم زحاف كل بحر أن يجمعوا العلل والزحاف من غير تمييز لأحدهما عن الآخر كما فعل الناظم ... ". ونقل عن الفراء في بحر المقتضب فقال: "والطي فيه أحسن من الخبن وقد منعه بعضهم. وزعم الفراء ومن وافقه أنه لا مراقبة بين الواو والفاء في مفعولات وأنه يجوز خبله فينقل إلى فعلات ... ". ثم انتقل بعد ذلك إلى القافية موافقا لترتيب ابن الحاجب، قال المرادي: لما كان الشاعر محتاجا إلى علم القوافي كحاجته إلى علم العروض أكمل قصيده
بالمتمم. وعرف القافية وسبب تسميتها بذلك, وقال: ذكروا في تعريف القافية عشرة أقوال. سرد هذه الأقوال وأوضحها ولم يعلق على شيء من هذه التعاريف, إلا أنه قال معترضا على التعريفين التاسع والعاشر بقوله: وفي ذكر هذا القول والذي قبله نظر، والله أعلم. ونراه يعتذر عن الناظم في الاقتضاب ففي البيت: كوس وركب وتررد فهم ... ألقابها متفاعلن إذا انتقلا قال: القوافي خمسة أقسام وألقابها المتكاوس والمتراكب والمتدارك والمتواتر والمترادف ويجمع في "سكرف" ولما لم يمكن الناظم ذكر ألفاظها قال كوس ... إلخ. ثم عرف المرادي كل لقب من هذه الألقاب مع ضرب الأمثلة التي تظهر المعنى وتوضحه, وسبب تسمية كل منها. ثم شرح الأبيات التي تشتمل على الحروف والحركات اللازمة للقافية وهي ستة, معرفا كل قسم وسبب تسميته, ضاربا لذلك الأمثلة. وأخيرا شرح الأبيات التي تذكر عيوب القافية وهي خمسة, وعرف كل قسم منها، وأيضا لا أرى في هذا الشرح سوى التوضيح الموجز لهذه القصيدة، فما هو إلا تبيين لها وليس له رأي في ذلك بل عرض رأي الخليل والمخالفين له. وقد اعتمد في النقل على بعضهم كالفراء وابن قطاع والأخفش وغيرهم. سادسا: شرح المفيد على عمدة المجيد في علم التجويد للإمام السخاوي نسخة في مجلد صغير الحجم. مودع بدار الكتب المصرية قسم المخطوطات تحت رقم 462 تيمور وأول متن عمدة المفيد للسخاوي "نونية": يا من يروم تلاوة القرآن ... ويرود شأو أئمة الإتقان لا تحسب التجويد مدا مفرطا ... أو مد لا مد فيه لوان أو أن تشدد بعد مد همزة ... أو أن تلوك الحرف كالسكران
وآخره: فانظر إليها وامقا متدبرا ... فيها فقد فاقت بحسن معان واعلم بأنك جائر في ظلمها ... إن قستها بقصيدة الخاقاني نبذة عن شرح المفيد: أوله: الحمد لله الذي شرفنا بحفظ كتابه ... ثم قال: ولما كانت نونية الإمام العالم أبي الحسن عليّ بن محمد بن عبد الصمد السخاوي المقرئ النحوي, المسماة عمدة المجيد في النظم والتجويد من المقاصد النافعة ... تكرر عليَّ سؤال بعض المشتغلين أن أشرحها شرحا يعين على فهمها وينوه على ما اشتملت عليه مع صغر حجمها من بديع محاسنها وغزير علمها فأجبته إلى ذلك ... واشتمل هذا الشرح على مقدمة تحوي خمسة فصول: الأول: في تعريف علم التجويد, ثم بين أن تجويد القرآن يعتمد على أربعة أمور. شرح ذلك معتمدا على أبي عمرو الداني. الثاني: في مخارج الحروف، وقال: إن حروف العربية تسعة وعشرون حرفا وجملة مخارجها عند سيبويه رحمه الله وأكثر المحققين ستة عشر مخرجا. ثم شرحها يبين المعنى موضحا للطالب ما يريد, معتمدا في ذلك على سيبويه, ومستدلا بأمير المؤمنين عمر. قال: "وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخرج الضاد من الجانبين وأدنى حافته إلى طرفه ومحاذي ذلك من الحنك الأعلى". وقال سيبويه في اللام: "فوق الضاحك والناب والرباعية والثنية وذلك أن مخرج اللام أقرب إلى مقدم الفم من مخرج الصاد". الثالث: في بيان ما يعرف به مخرج الحروف وذكر الفروع، وقال: إن لهذه الحروف فروعا تستحسن وفروعا تستقبح، وقد بلغت الحروف بفروعها خمسين حرفا, معتمدا في شرح هذا على رأي سيبويه والأخفش وابن خروف وابن عصفور, فقال: "وقال ابن عصفور: الذي يبين لك أن النون المخفية ليس لها نصيب من الفم أنك لو أمسكت بأنفك حين النطق بها لأخل ذلك بها ... ".
الرابع: في صفات الحروف. وقسم هذه الصفات, معتمدا في شرحها على الكوفيين ومكيّ وشريح والمبرد. قال: "وذهب الكوفيون وتبعهم مكيّ رحمه الله تعالى إلى أن الراء تنحرف كاللام والتكرار صفة الراء لارتعاد طرف اللسان عند النطق بها ... ". الخامس: في انقسام هذه الصفات إلى مميز ومحسن وذي قوة وذي ضعف, معتمدا في ذلك على الرماني والمازني. قال: "قال المازني رحمه الله تعالى: الذي فصل بين الحروف الذي ائتلف منها الكلام سبعة أشياء ... ". وبعد أن أنهى المقدمة شرع في شرح أبيات متن عمدة المجيد مبينا الغرض من هذه الأبيات وكل ما يتعلق بها, ثم سرد روايات منها: "روي عن أبي بكر بن عياش رحمه الله تعالى أنه كان يقول: إمامنا يهمز مؤصدة فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته يهمزها" ... وقد يوضح كلام الناظم بالاستشهاد. فقال فبعد قوله: وامدد حروف المد عند مسكن ... أو همزة حسنا أخا إحسان قال: والمد الطبيعي كالمد في الرحمن الرحيم. وروى البخاري قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه: كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان يمد مدا. ثم قرأ بسم الله الرحم الرحيم ... أخذ يشرح الآيات متعرضا للقراءات السبع وقال: إنهم متفاوتون في مقدار المد فأطولهم مدا ورش وحمزة ثم عاصم ثم ابن عامر والكسائي ثم قالون وابن كثير وأبو عمرو, ضاربا لذلك الأمثلة. فسار المرادي في طريق المتن شارحا حروف العربية وما يترتب عليها من قراءات واستعمالات, وكان عقيب شرح كل بيت يقول: والله أعلم. وقد يتعرض لكثير من الخلافات في المسائل ليتحقق القارئ من معرفة ما وصل إليه كل مذهب من هذه المذاهب وموقف الناظم من ذلك. فبعد قوله: لكن مع البا مع إبانتها وفي ... إخفائها راياتُ مختلفاتُ قال المرادي: "أجمع القراء إلا من شذ على أن الميم الساكنة لا تدغم في الباء ثم اختلفوا هل تظهر أو تخفى على ثلاثة أقوال: أحدها أنها تظهر ولا تخفى وإليه ذهب كثير من المحققين منهم طاهر بن غلبون وابن المنادى والإمام شريح وبه جزم مكيّ.
والثاني أنها تخفى وإليه ذهب قوم منهم أبو الحسن الأنطاكي وأبو الفضل الخزاعي. والثالث التخيير في إظهارها وإخفائها ونسبه بعضهم إلى ابن مجاهد. وليس في كلام الناظم ترجيح ... ", وهكذا نراه يعارض الخلافات المطولة ليستفيد القارئ, وقد يتساءل المرادي ويجيب تعليقا على كلام الناظم بعد قوله: رتل ولا تسرف وأتقن واجتنب ... ..................................... قال متسائلا: فإن قلت: فلم اقتصر الناظم على الترتيل؟ قلت: لأنه أفضل أنواع القراءة قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] وروى مالك عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. وأخيرا قال المرادي: والغرض من هذه الأبيات التنبيه على ما تحلت به هذه القصيدة من نظم بديع ومعنى رفيع، فلذلك قال: فاقت بحسن معان، وأنفت أن تقاس بقصيدة الخاقاني ... ثم قال: فهذا ما يسره الله عز وجل على هذه القصيدة على سبيل الاختصار, وهو بحمد الله وإن صغر حجما فقد كفى وملئ علما. سابعا: رسالة ابن أم قاسم في الجمل التي لا محل لها من الإعراب مذكرة صغيرة ضمن مجموعة، وهي تشتمل على 13 ثلاث عشر صفحة مخطوطة، مودعة بمكتبة الأزهر تحت رقم 1790. ومكتوب عليها: دخلت في نوبة الفقير أحمد السبرطلي سنة 1268هـ. هذه رسالة في الجمل لابن أم قاسم في النحو. نفع الله بها آمين. ومكتوب دعاء لابن مسعود رضي الله عنه أوله: قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما من عبد يدعو الله في يوم عرفة ... إلخ، وقد قصت الورقة فلم يتمم الكلام الجانبي. وأول هذه المخطوطة: بسم الله الرحمن الرحيم.
سألت وفقك الله عن بيان الجمل التي لا يكون لها محل من الإعراب ... بين فيها ابن أم قاسم أن أصل الجملة ألا يكون لها محل من الإعراب؛ لأن أصلها أن تكون مستقلة لا تتعدد بمفرد، ولا تقع موقعه، وما كان من الجمل له محل من الإعراب فإنما ذلك، لوقوعه موقع المفرد وسد مسده، فتصير الجملة الواقعة موقع المفرد جزءا لما قبلها، فنحكم على موضعها بما يستحقه المفرد الواقع في ذلك. ونراه قد ذكر أولا: الجمل التي لها محل من الإعراب بأنها سبع: 1- الخبرية. 2- والحالية. 3- والمحكية بالقول. 4- والمضاف إليها. 5- والمعلق عنها العامل. 6- والتابعة لما هو معرب أو له محل من الإعراب. 7- والواقعة جواب أداة شرط جازمة مصدرة بالفاء أو إذا أو قد. ثم تناول هذه الجملة، وتكلم عليها بإيجاز غير مخل, عارضا رأي النحاة, ضاربا لذلك الأمثلة من القرآن الكريم وأشعار العرب. وكثيرا ما يقف في بعض الأماكن لإزالة الغموض وكشف ما أبهم، ليتسنى للقارئ الفهم والمعرفة على ضوء بسط المسائل وعرضها. فوقف عند الجملة الواقعة بعد "مذ ومنذ" فقال السيرافي: في موضع نصب على الحال. والجمهور: أنه لا موضع لها من الإعراب. وبعد أن أنهى الكلام على هذا القسم وما احتواه من معان وآراء وخلافات، دخل في القسم الثاني: وهو الجمل التي لا موضع لها من الإعراب. فقال: هي تسع: 1- الابتدائية. 2- والاعتراضية. 3- والصلة. 4- والتفسيرية. 5- وجواب القسم. 6- والواقعة بين أدوات التحضيض. 7- والواقعة بعد أدوات التعليق غير العاملة. 8- والواقعة جوابا لها. 9- والتابعة لما لا موضع له. وقد جمع هذا القسم والذي قبله في أبيات شعرية يسهل على القارئ حفظها ثم بسطها مع إيجاز يستطيع المريد أن يستنبط هذه الأحكام في صورة مجملة موجزة يسهل عليه استيعابها.
ولا ريب في أن ابن أم قاسم كعادته، يعتمد على كثير من آراء نحاة العرب، ليستشف ما صلح منها، ولينهل من معينها. فنراه في الابتدائية في "حتى" عرض خلافا دار بين النحاة. فقال: فالجملة بعدها لا موضع لها من الإعراب، وذهب الزجاج وابن درستويه إلى أن الجملة بعد "حتى" في موضع جر بحتى وذلك خلاف الجمهور. وفي الجملة التفسيرية اعتمد على رأي أبي عليّ. فقال: والمشهور أنه لا موضع للجملة المفسرة من الإعراب، وقال الأستاذ أبو عليّ: والتحقيق أنها على حسب ما يفسر. وإن هذه الرسالة مع إيجازها واختصارها قد أفادت المراد وفتحت الطريق أمام الباحث كي يستنير بها ويهتدي بهديها. وكانت نبراسا لابن هشام في كتابه مغني اللبيب، حيث استفاد منها طريقة التقسيم والتنظيم، غير أنه جعل القسم الثاني في العدد كالأول. وقد قال ابن أم قاسم في آخرها: وقد تم الكلام على الجمل التي لا محل لها من الإعراب على سبيل الاختصار دون الإكثار. وفاته: لما كان تقيا ورعا وليا من أولياء الله أحسن الله له الخاتمة، فتوفي في يوم مبارك ميمون وهو عيد الفطر المبارك سنة 749هـ تسع وأربعين وسبعمائة من الهجرة1، وقيل: سنة 755هـ. "وذكر أن وفاته يوم عيد الفطر سنة 749هـ, وقد رأيت بخطي ولا أدري من أين نقلته: وكانت وفاته سنة 755هـ والله أعلم". ا. هـ2. ودفن بسرياقوس3.
وتوجهت إلى سرياقوس بحثا عن قبره فلم أعثر عليه، فلعله اندثر بين المقابر. نبذة عن سرياقوس: سرياقوس التي دفن بها المرادي المعروف بابن أم قاسم "هي قرية من قسم الخانقاه محافظة القليوبية موضوعة على الشاطئ الشرقي لترعة الإسماعيلية وفي غربي الخليج المصري بنحو مائتي متر، وفي غربي الخانقاه مائلة إلى الجنوب بنحو ثلاثة آلاف متر وخمسمائة وفي جنوب كفر حمزة كذلك، وأغلب أبنيتها بالآجر، ولها جامع بمنارة، وفيها من الجهة البحرية دوار أوسية للخديوي إسماعيل باشا، وفي مقابلتها قنطرة على الترعة الإسماعيلية، ويزرع في أراضيها صنف البصل والتنباك بكثرة، وكذا قصب السكر وله فيها عصارات، والعسل السرياقوسي مشهور في مصر بالجودة ... وهي من البلاد القديمة ... والسلطان محمد بن قلاون كان يتردد إلى سرياقوس كثيرا، وأنشأ في شرقيها ميدانا بالقرب من الخانقاه. وكان إنشاؤه سنة 723هـ ثلاث وعشرين وسبعمائة، وبنى فيه قصورا جليلة ... ". ا. هـ1. وفي رحلتي إليها وجدتها كما وصفها المؤرخون. عام الوفاة: رأيت أن أذكر شيئا عن العام الذي توفي فيه ابن أم قاسم حيث إنه ملئ بالنكبات والأمراض. "في عام تسع وأربعين وسبعمائة". الفناء وقع بالديار المصرية وعم سائر البلاد، فكان يخرج من القاهرة في كل يوم ما ينوف عن عشرين ألف جنازة، وقد ضبط في شهر شعبان ورمضان فبلغ عدد من مات فيهما من الناس نحو تسعمائة ألف إنسان, ولم يسمع بمثل هذا الطاعون فيما تقدم من الطواعين المشهورة في صدر الإسلام. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: إن الطواعين المشهورة في مبتدأ الإسلام خمسة: "وهي طاعون شيرويه، وطاعون عمواس كان في زمن عمر بن الخطاب ... وطاعون الجارف وقع في زمن عبد الله بن الزبير ... وطاعون الفتيات كان بالبصرة وواسط ... وطاعون جاء في سنة إحدى وثلاثين ومائة من الهجرة يسمى طاعون قتيبة ... ".
فلم يسمع بطاعون هذه السنة؛ لأنه عم البلاد قاطبة، ومات فيه من الناس ما لا يحصى عددهم من مسلم وكافر، وأقام دائرا في البلاد نحو سبع سنين حتى عزت جميع البضائع لقلة الجالب في البلاد، وبلغ ثمن الراوية من الماء اثني عشر درهما بالقاهرة. وسبب ذلك موت الجمال، وبلغ طحن الأردب القمح خمسة عشر درهما، ولم يزرع من أراضي مصر في تلك السنة إلا القليل بسبب موت الفلاحين وعدم من يزرع، فوقع الغلاء حتى بيعت كل ويبة قمح بمائتي درهم، وكادت مصر أن تخرب في تلك السنة، ووقع الطعن أيضا في القطط والكلاب والوحوش. وفي تاريخ مصر لابن إياس ج1 ص191: "نقل ابن حجر في كتاب بذل الماعون في أخبار الطاعون. قيل: لما زاد أمر الطاعون بالديار المصرية أمر بعض العلماء بأن الناس يخرجون قاطبة إلى الدعاء برفعه فخرج الناس قاطبة إلى الصحراء، وفعلوا كما يفعلون في الاستسقاء، فلم يفد ذلك شيئا, بل زاد أمر الطاعون حتى عم سائر البلاد، ودخل مكة، ولم يعهد هذا قط سوى هذه السنة". ا. هـ1. ومع انتشار هذا الداء الوبيل لم يثبت مؤرخ من المؤرخين أن ابن أم قاسم المرادي مات بسبب هذا الطاعون. مع أن كثيرا من علماء وقته ابتلوا بهذا البلاء أمثال الشيخ شمس الدين اللبان شيخ المرادي، والشيخ أحمد بن مكتوم النحوي، وأبي عبد الله بن الصائغ، وغيرهم. وأقول: إن هذا الأمر يضاف إلى كرامات ابن أم قاسم التقيّ الوليّ. "رحمه الله رحمة واسعة".
الفصل الرابع
الفصل الرابع: الناقلون عن المرادي المعروف بابن أم قاسم: الأول: ما استفاده ابن هشام في كتابه مغني اللبيب الجزء الأول منه من كتاب الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم: الكتاب: هو كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. الذي طارت شهرته إلى المغرب. يقول ابن خلدون: "وصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها إلى أن قال: فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته والله يزيد في الخلق ما يشاء". أوله: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: حمدا لله على أفضاله، والصلاة والسلام على محمد وآله. وعليه شروح. ما استفاده ابن هشام في كتابه من الجنى الداني: لقد استفاد ابن هشام في الجزء الأول من كتابه مغني اللبيب من الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم، فاتبع النهج والطريق من حيث التنظيم والتقسيم وبيان معاني الحروف الذي اتبعه ابن أم قاسم في الجنى الداني وسار عليه. وقد ينقل اللفظ في بعض الأحيان أو المعنى. وسأقتصر على بعض المواضع في الموازنة بين الكتابين وذلك على سبيل المثال. 1- "قد". قال في الجنى الداني ص58: "الأول: أن تكون بمعنى حسب. تقول: قدني بمعنى حسبي، والياء متصلة بها مجرورة الوضع بالإضافة، ويجوز فيها إثبات نون الوقاية وحذفها، والياء في الحالين في موضع جر. هذا مذهب سيبويه وأكثر النحويين. الثاني: أن يكون اسم فعل بمعنى كفى ويلزمها نون الوقاية مع ياء المتكلم
كما تلزم مع سائر أسماء الأفعال، والياء متصلة بها في موضع نصب، وهذا القسم نقله الكوفيون عن العرب. وقول الشاعر: قَدْنِيَ مِن نَصْرِ الخبيبين قَدِي يحتمل قول: قدني وجهين: أحدهما: أن يكون بمعنى حسب، والياء في موضع الجر. والثاني: أن يكون اسم فعل والياء في موضع نصب، وقوله في آخر البيت: "قدي" يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون بمعنى حسبي، ولم يأت بنون الوقاية على أحد الوجهين. ثانيها: أن يكون اسم فعل وحذف النون ضرورة. وثالثها: أن تكون اسم فعل والياء للإطلاق وليست ضميرا". ا. هـ. وقال ابن هشام في مغني اللبيب ص146: ""قد" على وجهين: حرفية وستأتي، واسمية، وهي على وجهين: اسم فعل وسيأتي واسم مرادف لحسب، وهذه تستعمل على وجهين: مبنية، وهو الغالب؛ لشبهها بقد الحرفية في لفظها ولكثير من الحروف في وضعها، ويقال في هذه: "قد زيد درهم" بالسكون، وقدني بالنون حرصا على بقاء السكون؛ لأنه الأصل فيما يبنون. ومعربة, وهو قليل. يقال: "قد زيد درهم" بالرفع كما يقال حسبه درهم بالرفع "وقدي درهم" بغير نون. كما يقال حسبي. والمستعملة اسم فعل مرادفة ليكفي "قد زيدا درهم وقدني درهم" كما يقال: "يكفي زيدا درهم ويكفيني درهم", وقوله: قَدْنِيَ مِن نَصْرِ الخبيبين قَدِي تحتمل قد الأولى أن تكون مرادفة لحسب على لغة البناء، وأن تكون اسم فعل.
وأما الثانية: فتحتمل الأول، وهو واضح. "والثاني: على أن النون حذفت للضرورة كقوله: إذ ذهب القوم الكرام ليسي. ويحتمل أنها اسم فعل لم يذكر مفعوله فالياء للإطلاق والكسرة للساكنين". ا. هـ. 2- "وا" قال في الجنى الداني ص78: "وا: حرف نداء يختص بياء الندبة فلا ينادى به إلا المندوب نحو "وا زيداه". والندبة: هي نداء المتفجع عليه والمتوجع منه، وذهب بعض النحويين إلى أن "وا" يجوز أن ينادى بها غير المندوب، فيقال: "وا زيد أقبل"، ومذهب سيبويه وجمهور النحويين ما سبق. واختلف في "وا" فقيل: "وا" قسم آخر، وهو أن يكون اسم فعل بمعنى التعجب والاستحسان كقول الشاعر: وا بأبي أنت وفوك الأشنب ". ا. هـ. وقال في مغني اللبيب ج2 ص38: "وا على وجهين: أحدهما أن تكون حرف نداء مختصا بباب الندبة نحو "وا زيداه" وأجاز بعضهم استعماله في النداء الحقيقي. والثاني: أن تكون اسما لأعجب كقوله: وا بأبي أنت وفوك الأشنب ... كأنما ذر عليه الزرنب ". ا. هـ. 3- بجل. قال في الجنى الداني ص94: "بجل: لفظ مشترك يكون اسما وفعلا. فأما "بجل" الحرفية فحرف جواب بمعنى نعم، ويكون في الخبر والطلب. وأما "بجل" الاسمية فلها قسمان. أحدهما: أن تكون اسم فعل بمعنى يكفي فتلحقها نون الوقاية مع ياء المتكلم فيقال: "بجلني". والثاني: أن يكون اسما بمعنى "حسب" فتكون الباء متصلة بها مجرورة الموضع ولا يلحقها نون الوقاية، وذكروا أنها تلحقها نون الوقاية، والأكثر ألا يلحقها كقول طرفة:
ألا بجلي من ذا الشراب ألا بجلي ". ا. هـ. وقال في مغني اللبيب ص103: "بجل: على وجهين: حرف بمعنى نعم، واسم وهي على وجهين: اسم فعل بمعنى يكفي اسم مرادف لحسب، ويقال: على الأول "بجلني" وهو نادر وعلى الثاني "بجلي" قال: ألا بجلي من ذا الشراب ألا بجلي ". ا. هـ. 4- لات. قال في الجنى الداني ص1109: "لات: حرف نفي أصله "لا" ثم زيدت عليها التاء كما في ثمت وربت. هذا مذهب الجمهور". ا. هـ. 5- إلا بالكسر والتشديد. قال في الجنى الداني ص118: "القسم الثاني: التي بمعنى غير. اعلم أن أصل "إلا" أن تكون استثناء، وأصل "غير" أن تكون صفة، وقد يحمل "إلا" على "غير" فيوصف بها، كما حملت "غير" على "إلا" فاستثنى بها. فللموصوف بإلا شرطان: أحدهما: أن يكون جمعا أو شبهه. والآخر: أن يكون نكرة أو معرفا بأل الجنسية كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] . ا. هـ. وقال في مغني اللبيب ص67: "الثاني: أن تكون بمنزلة "غير" فيوصف بها وبتاليها جمع منكر أو شبهه، فمثال الجمع المنكر {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ، فلا يجوز في "إلا" هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى، إذ التقدير حينئذ: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا". ا. هـ.
الثاني: ما نقله عبد الرحمن المكودي في كتابه شرح الألفية عن المرادي التعريف بالمؤلف: هو عبد الرحمن بن عليّ بن صالح أبو زيد المكودي نسبة إلى قبيلة قريبة من فاس, وكان نحويا عالما وإماما بارعا في العلوم ورعا زاهدا, وهو آخر من قرأ كتاب سيبويه بفاس. ومن مؤلفاته هذا الشرح، وألف شرحا آخر أكبر منه ولم يصل إلى القاهرة حيث أحرقه أعداؤه حسدا، والمتداول بين الطلبة هو الأصغر، وهو نافع للمبتدئين وله شرح على منظومة الإمام ابن مالك في المقصور والممدود, وشرح على الأجرومية, وغير ذلك. توفي سنة إحدى وثمانمائة كما في التوشيح. الكتاب: وأول هذا الشرح: والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين. أما بعد: فهذا شرح مختصر على ألفية ابن مالك مهذب المقاصد واضح المسالك, تفهم به ألفاظها, ويحظى بمعانيها حفاظها معرب عن إعراب أبياتها ومقرب لما شرد من عباراتها. وهو كتاب مطبوع بالمطبعة العامرة البهية وذلك في جمادى الآخرة سنة 1320هـ. ومودع بمكتبة الأزهر تحت رقم 2006، 230، 807، 373. ما نقله الشيخ عبد الرحمن المكودي في كتابه شرح الألفية: بعد اطلاعي على هذا الكتاب وجدته نقل كثيرا عن المرادي المعروف بابن أم قاسم معتمدا عليه في كثير من الأحيان. فنراه نقل عنه في أبواب: الكلام، أفعال المقاربة، التنازع -في موضعين- الاستثناء -في موضعين- حروف الجر، الإضافة -في موضعين- عطف النسق، البدل، الندبة، الترخيم، ما لا ينصرف -في موضعين- جمع التكسير. وسأكتفي بذكر بعض المواضع على سبيل المثال:
1- في الاستثناء بعد قول الناظم: وإن تكرر لا لتوكيد فمع ... تفريغ التأثير بالعامل دع في واحد مما بإلا استثني ... وليس عن نصب سواه مغني قال الشيخ المكودي في شرحه معلقا على "وليس عن نصب سواه مغني": يعني أن ما سوى المستثنى الذي تلغى إلا معه ينصب ونصبه بالعامل الذي هو "إلا" وعلى هذا الوجه جعل المرادي العامل. وحمله ابن عقيل على أنه العامل الذي قبل إلا وجعل دع بمعنى اجعل. ا. هـ. وما ذكره المرادي أصوب لثلاثة أوجه: الأول: أن في التنبيه على أن "إلا" هي العامل في المستثنى وهو الموافق لتصريح الناظم به في غير هذا النظم. الثاني: أن دع بمعنى اجعل غير معهود في اللغة وإنما يكون دع بمعنى اترك. الثالث: أن ما قبل إلا في التفريغ قد يكون غير عامل نحو ما في الدار إلا زيد. ص71. 2- في باب حروف الجر بعد قول الناظم: وقد يجر بسوى رب لدى ... حذف وبعضه يرى مطردا قال الشيخ المكودي في معنى "وبعضه يرى مطردا": وذلك في لفظ "الله" في القسم نحو والله ولأفعلن. وبعد "كم" الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر نحو "بكم درهم" أي بكم من درهم. وذكر المرادي في هذا الفصل مواضع غير هذين لم تشتهر. ص84. 3- في باب الإضافة بعد قول الناظم: وألزموا إضافة لدن فجر قال المكودي: " ... وفهم من قوله "فجر" أنه لا تضاف إلا للمفرد. وجعل المرادي قوله: "فجر" شاملا للجر في اللفظ والمحل لتندرج الجملة، وجعل من إضافتها إلى الجملة قوله: "لدن شب حتى شاب سود الذوائب".
وأجاز المرادي أيضا أن يضاف إلى الجملة الاسمية كقوله: "لدن أنت يافع". ص89. 4- في باب النعت بعد قول الناظم: واقطع أو اتبع إن يكن معينا ... بدونها أو بعضها اقطع معلنا قال المكودي: "وفهم من قوله: "أو بعضها اقطع" قطع بعضها واتباع بعضها ويلزم على هذا أن يكون بعضها منصوبا على أنه مفعول باقطع". وبهذا جزم المرادي ص116. 5- في باب البدل بعد قول الناظم: التابع المقصود بالحكم بلا ... واسطة هو المسمى بدلا قال المكودي: "وقوله: "بلا واسطة" قال الشارح: أخرج به المعطوف ببل فحمل المقصود بالحكم إلى المستقل بالقصد فإن المعطوف بغير بل غير مستقل بالقصد. وحمله المرادي على أنه المقصود بالحكم مطلقا فأخرج به المعطوف عطف النسق ببل وغيرها وهو أظهر". ص123. 6- في باب الترخيم بعد قول الناظم: ترخيما احذف آخر المنادى ... كيا سعا فيمن دعا سعادا قال المكودي معلقا على "ترخيما": أجاز في نصبه الشارح أن يكون مفعولا لأجله فيكون التقدير: احذف لأجل الترخيم، أو مصدرا في موضع الحال فيكون التقدير: "احذف في حال كونك مرخما" أو ظرفا على حذف مضاف فيكون التقدير حذف وقت الترخيم. وزاد المرادي وجها رابعا وهو أن يكون مفعولا مطلقا". ا. هـ. ص131. 7- في باب جمع التكسير بعد قول الناظم: وناب عنه أفعلاء في المعل ... لاما ومضعف وغير ذاك قل
قال المكودي: ونبه بقوله "وغير ذاك قل" على ما جاء من أفعلاء في غير المعتل والمضاعف نحو نصيب وأنصباء وهين وأهيناء وصديق وأصدقاء، على هذا حمله الشارح وتبعه المرادي. ص169. الثالث: أ- ما نقله الدماميني في كتابه "تعليق الفرائد" عن المرادي التعريف بالمؤلف: هو محمد بن بدر الدين بن أبي بكر بن عمر المخزومي الدماميني نسبة إلى دمامين "قرية قريبة من الأقصر" ولد بالإسكندرية سنة 763, وتعلم بها ثم هبط مصر وارتفع والتف حوله الطلاب بالأزهر, ثم اشتغل بالدنيا, ولما نكب بالحريق هرب من الغرماء إلى الصعيد فاستقدموه مرغما, وبعد صلاح حاله غادر الديار المصرية, فدرس في جامع زبيد باليمن وترك اليمن متجها إلى الهند, وله مؤلفات كثيرة. توفي بالهند في كلبرجا سنة 827هـ-1434م. الكتاب: تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك. نسخة في مجلد كامل تحتوي على جزءين. بقلم معتاد مجدولة بالمداد الأحمر والأزرق وبأولها فهرس، في 547 ورقة, ومسطرتها 33 سطرا, 29سم. مودع بمكتبة الأزهر قسم المخطوطات تحت رقم "1057" 3751. ونسخة أخرى بدار الكتب المصرية قسم المخطوطات تحت رقم 301 تيمور. وقد ذكر الدماميني في كتابه "ابن قاسم" أراد بذلك ابن أم قاسم المرادي والذي يؤيده في النسخة الأولى في باب الموصول تعليق على الهامش يقول: "قوله في شرح ابن قاسم -أي ابن أم قاسم- هو العلامة المرادي، وقد حرفت النساخ وحذفوا لفظ أم جهلا منهم أي: لكاتبه". أ- ما نقله عن المرادي: نقل الدماميني في كتابه هذا عن المرادي واعتمد عليه في نقله في أبواب متفرقة منها: الكلام، إعراب المثنى والمجموع -في مواضع- كيفية التثنية وجمعي التصحيح -في مواضع- العلم، الضمير، الإشارة، الموصول -في مواضع- المبتدأ والخبر -في مواضع- الأفعال الرافعة للاسم الناصبة للخبر، أفعال المقاربة،
الأحرف الناصبة للاسم الرافعة للخبر، العدد، الإضافة، عطف البيان، المنادى، التذكير والتأنيث، وسأكتفي بذكر بعض المواضع على سبيل المثال. 1- باب التثنية الهمزة المبدلة من أصل: قال الدماميني: وقد تقلب الهمزة المبدلة من أصل ياء. فيقال: كسايان ... ولا يقاس عليه خلافا للكسائي بل الكوفيين قاطبة. قال ابن قاسم: والحق أن يقاس عليه، لأنها لغة فزارة. حكاها أبو زيد في كتاب الهمزة. 2- العلم: قال الدماميني: علم الجنس كأسامة للأسد وثعالة للثعلب وبرة للمبرة ... فهذه أعلام بحسب اللفظ لا بحسب المعنى ... ثم قال: قال بعضهم: وإطلاق المعرفة على أسامة ونحوه مجازا، إذ لا يخالف معناه معنى أسد، وإنما يخالفه في أحكام لفظية. ألا ترى أنه داخل في حده النكرة. هذا كله كلام ابن قاسم في الكلام على هذا التعريف بغالب لفظه ... ص51. 3- الخبر -حذف الخبر وجوبا: قال الدماميني: ويحذف الخبر وجوبا في قسم صريح, وبعد واو المصاحبة الصريحة. قال ابن قاسم: نحو "كل رجل وضيعته" أي: مقرونان. والخبر محذوف لدلالة الواو وما بعدها على الصحوبية وكان الحذف واجبا لقيام الواو قيام مع. 4- الأفعال الرافعة للاسم الناصبة للخبر -منها: زال- كقول الشاعر: ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلا ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر قال ابن قاسم: احترز من التي بمعنى تحول فمضارعها يزول ومن زال الشيء بمعنى عزله فمضارعه يزيل. ص99. 5- الأحرف الناصبة للاسم الرافعة للخبر: قال الدماميني: إذا علم الخبر جاز حذفه مطلقا للقياس على حذف الخبر في غير هذا الباب وللسماع, والتزم الحذف في ليت شعري مردفا باستفهام كقوله:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي أذخر وجليل قال ابن قاسم: وإنما التزم الحذف؛ لأن الاستفهام يسد مسد الخبر وجملة الاستفهام في موضع نصب شعري. ص120. 6- عطف البيان -موافقة التابع لمتبوعه: في التعريف والتنكير يكونان معرفين كما يكونان منكرين خلافا لمن التزم تعريفهما, وذهب الفراء وغيره إلى جواز تنكيرهما, وذهب أكثر النحويين إلى امتناعه، وفي البسيط أن يكون بالمعارف والنكرات على ما ذهب إليه الكوفيون، لكن البصريين أبوا أن يكون إلا بالمعارف, وخصص بعضهم ذلك بالأعلام والكنى وجعل "زيتونة" من قوله تعالى: {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35] عطف بيان. وجعل بعض النحويين من ذلك رد الأجناس المنكرة على الأسماء نحو "مررت بثوب خز وباب ساج" كذا قال ابن قاسم. ص337. ب- ما نقله الدماميني عن المرادي: الكتاب: مطبوع بالمطبعة البهية بمصر، وهو حاشية على مغني اللبيب، والشيخ الدماميني لم يتم هذا الكتاب بل انتهى عند الفاء السببية في "حرف الفاء" وفي آخره, وهذا آخر ما انتهى إليه العلامة العمدة الدماميني ولم يكمل هذا الكتاب لتعذره بالوفاة. ما نقله: نقل الشيخ الدماميني في حاشيته هذه عن المرادي من كتابه الجنى الداني في مواضع هي: حرف الألف "إذن, أل, أما "بالفتح والتخفيف", إما المكسورة المشددة"، حرف الباء "زيادة الباء في المفعول؛ بجل, بل, بله", حرف الراء "رب"، حرف السين "سوف". وسأكتفي بذكر بعض المواضع على سبيل المثال: 1- إذن: قال المغني: "فيها مسائل: الأولى في نوعها, قال الجمهور: حرف. وقيل: اسم". قال الدماميني: والقائل بعض الكوفيين على ما صرح به ابن أم قاسم في الجنى الداني. ص40.
2- زيادة الباء في المفعول: قال المغني: "والثاني مما تزاد فيه الباء المفعول". قال الدماميني: "وزيادتها معه غير مقيسة مع كثرتها، نص عليه ابن أم قاسم في الجنى الداني". ص226. 3- بجل: قال الدماميني: "قال ابن أم قاسم في الجنى الداني: وأما بجل الاسمية فلها قسمان أحدهما أن تكون اسم فعل بمعنى يكفي فتلحقها نون الوقاية مع ياء المتكلم فيقال: بجلني، والثاني أن تكون اسما بمعنى حسب فتكون الباء المتصلة بها مجرورة الموضع ولا تلحقها نون الوقاية". ص321. 4- بل: قال المغني: "وإن تقدمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حالته وجعل ضده لما بعدها نحو ما قام زيد بل عمرو ولا يقم زيد بل عمرو، وأجاز المبرد وعبد الوارث أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها". قال دم: هذا مع موافقتهما للجمهور، فالأمران جائزان عندهما على ما صرح به ابن أم قاسم في الجنى الداني" ص234. 5- بله: قال المغني: "على ثلاثة أوجه ... قد استعملت معربة مجرورة بمن خارجة عن المعاني الثلاثة وفسرها بعضهم بغير وهو ظاهر وبهذا يتقوى من بعدها في ألفاظ الاستثناء" قال دم: "وهم الكوفيون والبغداديون فإنها قد استعملت كغير وهي ترد للاستثناء، وجمهور البصريين على أنها لا يستثنى بها وأنه لا يجوز فيما بعدها إلا الخفض. كذا في الجنى الداني" ص240. 6- رب -لغات في رب- قال المغني: "وفي رب ست عشرة لغة ... ". قال دم: "فهذه أربع لغات تضم إلى الاثنتي عشرة. وبقي عليه لغة أخرى حكاها ابن أم قاسم في الجنى الداني "ربتا" وهي مما يقوي القول باسمية رب فتأمله". ص279. 7- سوف -انفراد السين عن سوف- قال المغني: "وتنفرد عن السين بدخول اللام عليها نحو {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ} [الضحى: 5] قال دم: "ولا تدخل اللام في السين قيل: لئلا يجتمع حرفان على حرف واحد مفتوحان زائدان على الكلمة ... لذلك قال في الجنى الداني "ص282": وقد سمع وقوع السين في موضع لم تسمع فيه سوف وهو خبر عسى في قوله: عسى طيئ من طيئ بعد هذه ... ستطفئ غلات الكلى والجوانح
الرابع: ما نقله تقي الدين الشمني -بضم المعجمة والميم ثم نون مشددة- عن المرادي التعريف بالمؤلف: هو: أحمد بن محمد بن محمد بن حسن بن عليّ الشيخ تقي الدين أبو العباس الإمام العلامة المشهور بالشمني "نسبة إلى مزرعة ببلاد المغرب"، ولد بالإسكندرية في رمضان عام 801هـ، وقدم القاهرة مع والده فتلقى النحو عن الشطنوفي وغيره في الفنون الأخرى، وقد عني بنشر العلم وتدريسه، وكان حجة، متوقد الذكاء قوي الحافظة عفيفا محبا للخير، وولي المشيخة والخطابة بقايتباي, وطلب للقضاء فأبى, ومن مؤلفاته في النحو: حاشية على شرح الدماميني سماها "المنصف من الكلام على مغني ابن هشام". توفي بمنزله بتربة قايتباي ودفن بها صباح الأحد, وكانت وفاته في ليلة الأحد 27 من ذي الحجة عام 872هـ. الكتاب: هو مطبوع بالمطبعة البهية بمصر. حاشية على مغني اللبيب لابن هشام. لخصها من حاشية الدماميني وزاد عليها وسماها "المنصف من الكلام على مغني ابن هشام", أوله: الحمد لله الذي خص كتابه بعدم المعارضة وبالإعجاز وجعله تبيانا لكل شيء فهو مغني اللبيب بالحقيقة لا بطريق المجاز، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وبعد، فقد نظرت عند إقرائي لمغني اللبيب عن كتب الأعاريب ... مودع بمكتبة الأزهر تحت رقم 1002-1003-1004-1120. ما نقله عن المرادي في كتابه المنصف من الكلام على مغني ابن هشام: نقل الشيخ الشمني عن المرادي المعروف بابن أم قاسم من الجنى الداني وغيره في حاشيته هذه مواضع متنوعة وهي: حرف الألف "أما -بالفتح والتفخيف، إذا -في موضعين"، حرف الباء "بجل"، حرف العين "على"، حرف القاف "قد"، حرف الكاف "كأن" حرف اللام "معاني اللام الجارة -في موضعين، لات، لو -في ثلاثة مواضع- "لعل",
حرف الميم "ما -في موضعين، من -في موضعين", حرف الواو "العاطفة"، الفرق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، "المواضع التي يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة" الموصول -في موضعين- وسأقتصر على ذكر بعض المواضع على سبيل المثال. 1- إذا: قال المغني: "الفصل الأول في خروجها عن الظرفية زعم أبو الحسن في {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} [الزمر: 71] أن إذا جر بحتى". قال الشمني: "وقال ابن أم قاسم في شرح التسهيل: وعلى هذا يكون تقدير الغاية {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ} [الزمر: 71] إلى وقت مجيئهم لها. وهي على هذا لا جواب لها، لأنها معمول لما قبلها فيكون قوله فتحت استئنافا وجواب سؤال كأنه قيل: فماذا جرى إذ ذاك فقيل: فتحت أبوابها" ص199 ج1. قال المغني: "والجمهور على أن إذا لا تخرج عن الظرفية وأن حتى في نحو {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} حرف ابتداء داخل على الجملة الشرطية بأسرها ولا عمل لها" قال الشمني: وفي شرح التسهيل لابن أم قاسم: ويجوز أن يخرج على أن حتى بمعنى الفاء كما قدرها النحويون في قولهم: سرت حتى أدخل المدينة. يرفع أدخل وتقدير كونه وقع قالوا والتقدير سرت فدخلت قال في البسيط: قلت: في قولك اجلس حتى إذا جاء زيد أعطيتك اجلس فإذا جاء زيد". ا. هـ. ص200 ج1. 2- بجل: قال المغني: "بجل على وجهين حرف بمعنى نعم واسم" قال الشمني: "قال ابن أم قاسم في الجنى الداني: أما بجل الاسمية فلها قسمان: أحدهما أن يكون اسم فعل بمعنى يكفي فتلحقها نون الوقاية مع ياء المتكلم فيقال بجلني. والثاني أن تكون اسما بمعنى حسب فتكون الياء المتصلة بها مجرورة الموضع ولا تلحقها نون الوقاية. ص232 ج1 كما نقل دم". 3- اللام الجارة: قال المغني: "وللام الجارة اثنان وعشرون معنى، أحدها الاستحقاق وهي الواقعة بين معنى وذات". قال الشمني: "لم يفسر ابن أم قاسم هذه اللام وإنما مثل لها في الجنى الداني "بالنار للكافرين" وفي شرح التسهيل "بالجلباب للجارية"، و"الجل للفرس", وكل ذلك وقعت اللام فيه بين ذاتين. ا. هـ. ص28 ج2.
4- لات: قال المغني: "لات اختلف فيها في أمرين: أحدهما في حقيقتها. والثاني أن أصلها ليس بكسر الياء، قال الشمني معقبا على الثاني: قال ابن أم قاسم في شرح التسهيل: وذهب ابن أبي الربيع إلى أنها ليس، أبدل من السين التاء. ثم أبدل من الياء الألف كراهية أن تلتبس بحرف التمني، وفي الجنى الداني، ويقويه قول سيبويه أن اسمها مضمر فيها ولا يضمر إلا في الأفعال". ص53 ج2. 5- الواو العاطفة: قال المغني: "الأول العاطفة ومعناها مطلق الجمع فتعطف الشيء على نفسه. ونقل الإمام البرهان عن بعض الحنفية أنها للمعية، قال الشمني معلقا على "ونقل الإمام ... الخ": "في الجنى الداني وقال إمام الحرمين في البرهان: اشتهر من مذهب الشافعي أنها للترتيب وعند الحنفية أنها للمعية وقد زل الفريقان". ص102 ج2. 6- الفرق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، قال الشمني: "لم يذكر المصنف ما اجتمعا فيه كما ذكر في الحال والتمييز، وقد ذكر ابن أم قاسم أنه ثلاثة أمور: أحدها أن كل واحد منهما يدل على حدث وصاحبه، والثاني أنه يؤنث ويذكر، والثالث أنه يثنى ويجمع". ص161 ج2. 7- المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة. الثاني منه، قال المغني: أن يكون مرفوعا بأول المتنازعين المعمل ثانيهما نحو: جفوني ولم أجف الأخلاء أنني.. قال الفراء: "يضمر ويؤخر عن المفسر" قال الشمني معلقا على قول الفراء "في شرح التسهيل لابن أم قاسم": والمشهور عن الفراء في هذه المسألة وجوب إعمال الأول ومنع إعمال الثاني، ونقل عنه ابن مالك أنه يجوز إعمال الأول في هذه المسألة بشرط تأخير الضمير فتقول ضربني وضربت قومك هم فرارا من الإضمار قبل الذكر، قال ابن النحاس: ولم أقف على هذا النقل عن الفراء من غير كلام ابن مالك وهو الثقة فيما ينقل. ا. هـ. ص180 ج2. 8- باب الموصول: قال المغني: "مسألة ... والأكثر في نحو "من ذا لقيت" كون ذا للإشارة خبرا ولقيت جملة حالية ويقل كون ذا موصولة ولقيت صلة وبعضهم لا يجيزه" قال الشمني: "وفي شرح التسهيل لابن أم قاسم" ومنع
بعض النحويين وقوع ذا موصولة بعد "من"؛ لأن "من" تخص من يعقل فليس فيها إبهام كما في "ما" فإنها صارت بالرد إلى الاستفهامية في غاية الإبهام فأخرجت ذا من التخصيص إلى الإبهام وجذبتها إلى معناها ولا كذلك "من" لتخصيصها، واختار الكوفيون وقوع "ذا" موصولة وإن لم يتقدم عليها استفهام، وعنهم أن أسماء الإشارة كلها يجوز أن تستعمل موصولات". ا. هـ. ص222 ج2. الخامس: ما نقله الشيخ خالد الأزهري عن المرادي التعريف بالمؤلف: هو خالد زين الدين بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن أحمد الجرجي, ولد بجرجا "في الصعيد" في نحو سنة 838هـ, وحمل صغيرا إلى القاهرة فحفظ القرآن ثم كتبا أخرى ودرس في الأزهر. وقد قيل: إنه طلب العلم وهو كبير السن وكان من قبل يشتغل وقادا. وأخذ العربية عن يعيش المغربي وداود المالكي والسنهوري, ومن مصنفاته شرح الآجرومية، التصريح بمضمون التوضيح، تمرين الطلاب في صناعة الإعراب, وشرح الأزهرية. توفي عائدا من الحج في "بركة الحج" قليوبية سنة 905هـ في رابع عشر المحرم سنة خمس وتسعمائة. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ خالد الأزهري عن المرادي في كتبه ما يلي: أ- شرح التصريح على التوضيح: التعريف بالكتاب: وهو شرح لكتاب التوضيح على ألفية ابن مالك لابن هشام "وفيه من الفوائد والعوائد الداخلة والخارجة ما لا يحصى كثرة، ولهذا أصبح مرجعا لكثير من طلبة الزمان واشتد إكبابهم على مطالعته وتدريسه بما لا يزيد عليه, وقد صادف فراغ المصنف الشارح من تدوينه يوم عرفة المشرفة من شهور سنة ست وتسعين وثمانمائة". ا. هـ. روضات الجنات ص268. مودع بمكتبة الأزهر تحت رقم 1132-1139-1240-1246.
أوله: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الملهم لتحميده حمدا موافيا لنعمه ومكافئا لمزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... إلخ. وهو كتاب مطبوع بالمطبعة الأزهرية بمصر. ما نقله عن المرادي في هذا الكتاب: نقل الشيخ خالد في هذا الكتاب عن المرادي مواضع متعددة تنحصر في أبواب: الكلام -في موضعين- المعرب والمبنى -في موضعين- الضمير، العلم، المبتدأ والخبر -في ثلاثة مواضع- نائب الفاعل -في ثلاثة مواضع- الاشتغال -في موضعين- التعدي واللزوم، التنازع -في أربعة مواضع- المفعول المطلق -في موضعين- الاستثناء -في موضعين- الحال -في موضعين- التمييز، الإضافة -في ثلاثة مواضع- التعجب، نعم وبئس، عطف النسق، أسماء لازمت النداء، إعراب الفعل -في موضعين- الإخبار بالذي والألف واللام، جمع التكسير -في موضعين - التصغير، الإبدال. وسأكتفي بذكر بعض المواضع على سبيل المثال. 1- في باب الضمير: قال الأزهري: "والمنقول عن سيبويه أنه أجاز في "هو" من نحو قوله تعالى: {أَنْ يُمِلَّ هُوَ} [البقرة: 282] أن يكون فاعلا وأن يكون توكيدا, ونقل المرادي عنه أيضا في شرح التسهيل أنه أجاز في "هو" من نحو "مررت برجل مكرمك هو" أن يكون فاعلا وأن يكون توكيدا". ج1 ص102. 2- في التعدي واللزوم: في اشتراط ابن مالك حذف الجار مع "أن" إن أمن الإشكال، المراد بعد الحذف, قال الأزهري معلقا على الآية: " ... ويشكل عليه قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] فحذف الحرف الجار مع أن اللبس موجود بدليل أن المفسرين اختلفوا في المراد فبعضهم قدر في أن, وبعضهم قدر عن أن واستدل كل على ما ذهب إليه وأجيب عنه بجوابين ذكرهما المرادي في شرح النظم: أحدهما أن يكون حذف الحرف اعتمادا على القرينة الرافعة للبس، والآخر أن يكون حذف لقصد الإبهام ليرتدع بذلك من يرغب فيهن لجمالهن ومالهن ومن يرغب عنهن لدمامتهن وفقرهن. وقد أجاز بعض المفسرين التقديرين". ا. هـ. ج1 ص32.
3- في التنازع: في "فصل إذا تنازع العاملان جاز إعمال أيهما شئت بالاتفاق" وبعد الخلاف بين البصريين والكوفيين. قال الأزهري: " ... وإذا تنازع ثلاثة فالحكم كذلك بالنسبة إلى الأول والثالث قاله المرادي". ج1 ص320. 4- في المصدر: ذكر أن المصدر الذي له فعل نوعان ... النوع الثاني واقع في الخبر وذلك في خمس مسائل ... المسألة الخامسة. قال الأزهري معلقا عليها: "الخامسة أن يكون "المصدر" فعلا علاجيا تشبيهيا "واقعا" بعد جملة مشتملة عليه "أي على اسم بمعناه" و"مشتملة على صاحبه" أي: المصدر، فهذه أربعة شروط زاد المرادي شرطا خامسا وهو أن يكون ما اشتملت عليه الجملة غير صالح للعمل". ا. هـ. ص333 ج1. 5- في باب التمييز: فصل في جواز جر التمييز بمن. قال الأزهري: " ... أنه تبع الشارح في جعل "لله دره فارسا" و"نعم المرء من رجل" من تمييز الجملة". واعترضه المرادي بأنه تمييز مفرد لا جملة. ا. هـ. ج1 ص339. 6- في باب التعجب: في امتناع أن يتقدم عليهما معمولهما وأن يفصل بينهما. قال الأزهري معلقا على قوله: "ولا" تقول أحسن لولا بخله بزيد، بالفصل بلولا الامتناعية ومصحوبها وأجاز ذلك ابن كيسان، قال المرادي: ولا حجة له على ذلك". ا. هـ. ج2 ص90. 7- في باب عطف النسق: الفاء: اختصاصها بأنها تعطف على الصلة ما لا يصلح كونه صلة لخلوه من العائد، وذلك جار في الخبر والصفة والحال, ثم مثل بقول الشاعر: وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو وتارات يجم فيغرق قال الأزهري: " ... وقال المرادي في باب المبتدأ: التحقيق أن الجملتين إذا عطفت إحداهما على الأخرى بالفاء التي للسببية تنزلتا منزلة الشرط والجزاء فاكتفى بضمير واحد في إحداهما كما يكتفي بضمير واحد في جملة الشرط والجزاء. فإذا قلت: زيد جاء عمرو فأكرمه، فالارتباط وقع بالضمير الذي في الثانية، نص على ذلك ابن أبي الربيع قال: لأنهما نزلتا منزلة زيد لما جاء عمرو أكرمه
فالإخبار إذن إنما هو بمجموعها والرابط إنما هو الضمير". ا. هـ. كلام المرادي ج2 ص140. 8- أما: قال ابن هشام: "وهي نائبة عن أداة شرط وجملته" قال الأزهري: معلقا على ذلك: "موضعا صالح لهما وهي قائمة مقامهما لتضمنها معنى الشرط، وليست أما بمعنى مهما وشرطها لأنها حرف والحرف لا يصلح أن يكون بمعنى اسم وفعل قال المرادي". ج2 ص261. 9- في جمع التكسير: الحادي والعشرون: فعالي: قال ابن هشام: "فعالي بالتشديد ويطرد في كل ثلاثي آخره ياء مشددة غير متجددة للنسب كبختي وكرسي وقمري بخلاف نحو مصري وبصري". قال الأزهري معلقا على "مصري وبصري": "لأن ياءهما متجددة للنسب وإلى ذلك أشار الناظم بقوله: واجعل فعالي ذي النسب.. جدد.. وقد تكون الياء في الأصل للنسب الحقيقي ثم يكثر استعمال ما هي فيه حتى يصير النسب منسيا أو كالمنسي فيعامل الاسم معاملة ما ليس منسوبا كقولهم مهري ومهاري وأصل المهري بعير منسوب إلى مهرة قبيلة من قبائل اليمن ثم كثر استعماله حتى صار اسما للنجيب من الإبل قاله المرادي". ا. هـ. وبه تندفع شبه الموضح. ج2 ص315. 10- في باب التصغير: تصغير "تي" الإشارية: قال ابن هشام في التوضيح: "ولا "تي" للاستغناء بتصغير "تا" خلافا لابن مالك". قال الشيخ خالد: "في قوله في النظم: منها تا وتي". قال المرادي: وذلك يوهم أن "تي" صغر كما صغر "تا" وقد نصوا على أنهم لم يصغروا من ألفاظ المؤنث إلا "تا" خاصة وهو المفهوم من التسهيل فإنه قال: ولا يصغر من غير المتمكن إلا "ذا والذي" وفروعهما الآتي ذكرها ولم يذكر من ألفاظ المؤنث غير تا خاصة. ا. هـ. ج2 ص326. 11- الإبدال: إبدال الياء من الواو: المسألة السادسة أن تكون الواو لاما لفعلى بالضم صفة, فإن كانت فعلى بالضم اسما لم تغير لامها بإبدالها ياء بل تقر الواو على أصلها كقوله -ذو الرمة:
أدار بجزوى هجت للعين عبرة ... ..................................... قال الأزهري: " ... وقال المرادي: إنه مخالف لقول أهل التصريف فإنهم يعكسون فيبدلونها في الاسم دون الصفة ويجعلون جزوى شاذا". ج2 ص380. ب- إعراب ألفية ابن مالك في النحو المسمى "تمريم الطلاب في صناعة الإعراب". كتاب مطبوع مودع بمكتبة الأزهر تحت رقم 267-1150. أوله: يقول الفقير إلى عفو ربه الغني خالد بن عبد الله الأزهري: الحمد لله الذي رفع قدر من أعرب الشهادتين ونصب الدليل على وجود ذاته. أما بعد فإن معرفة الإعراب من الواجبات التي لا بد لكل طالب علم منها ومن المهمات التي لا يستغنى الفقيه عنها، وإن من أنفع المسالك وأقرب المدارك إلى هذا النحو ألفية ابن مالك. فاندفع في خاطري أن أعرب جميع أبياتها وأشرح غريب لغاتها وأضبط ما أشكل من ألفاظها. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ خالد في كتابه هذا ثلاثة مواضع عن المرادي وهي: 1- في النائب عن الفاعل في قول الناظم: واجعله من مضارع منفتحا ... كينتحي المقول فيه ينتحى قال الشيخ خالد: "المقول. بالجر قال المكودي: تبعا للمرادي نعت لينتحي، وزاد المكودي ويجوز ضبط القول بالضم فيكون قد تم الكلام عند قوله كينتحي, ثم استأنف ... وبالأول جزم المرادي". ا. هـ. ص45. 2- في النعت في قول الناظم: واقطع أو اتبع إن يكن معينا ... بدونها أو بعضها اقطع معلنا قال الشيخ خالد: "معلنا حال من فاعل اقطع وتقدير البيت واقطع جميع
النعوت أو اتبعها أو اقطع بعضها واتبع البعض الآخر. وبالنصب جزم الشاطبي والمرادي وصدر به المكودي كلامه. ص580. 3- في الندبة في قول الناظم: .................................. ... وإن تشأ فالمد والها لا تزد قال الأزهري: "وإن تشأ شرط فالمد مبتدأ وخبره محذوف والهاء مفعول قدم بتزد. لا ناهية، تزد مضارع زاد مجزوم بلا الناهية والتقدير على هذا، وإن تشأ فالمد كاف ولا تزد الهاء، قال المكودي: هذا ما حمله عليه الشارح والمرادي. ص100. ج- شرح الشيخ خالد المسمى "موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب" للعلامة ابن هشام الأنصاري. طبع بالمطبعة العثمانية المصرية بالقاهرة. أوله: الحمد لله الملهم لحمده والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله وعبده. وبعد. فيقول العبد الفقير إلى مولاه الغني خالد بن عبد الله الأزهري: هذا شرح لطيف على قواعد الإعراب ... إلخ. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ خالد في كتابه هذا عن المرادي موضعا واحدا, هو في "الباب الرابع في الإشارة إلى عبارات محررة". قال ابن هشام: "وفي الفاء من نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 1، 2] , فاء السببية ولا تقل فاء العطف؛ لأنه لا يجوز عطف الطلب على الخبر والعكس". قال الأزهري: أي: عطف الخبر على الإنشاء، وهي مسألة خلاف. منع من ذلك البيانيون لما بينهما من التنافي وعدم التناسب وأجاز الصفار. قال المرادي في شرح التسهيل: "أجاز سيبويه التخالف في تعاطف الجملتين بالخبر والاستفهام فأجاز: هذا زيد ومن عمرو؟ ". ا. هـ. ص134. السادس: ما نقله أبو الحسن الأشموني في كتابه شرح الألفية المسمى "منهج السالك إلى ألفية ابن مالك" التعريف بالمؤلف: هو أبو الحسن عليّ نور الدين بن محمد بن عيسى
الأشموني أصلا؛ لأن جده قدم من الأشمونيين قبل بلوغه فحفظ القرآن والمنهاج في سنة, ولد بقناطر السباع وتوطن القاهرة، وكان مولده في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة. وكان منكبا على العلم مع التقشف في مأكله وملبسه لا هم له إلا العلم والطاعة. أخذ عن الجلال المحلي والكافيجي والتقي الحصني وغيرهم. ومن أشهر مؤلفاته هذا الكتاب. وتوفي الأشموني سنة 929هـ. التعريف بالكتاب: هو أغزر شروح الألفية مادة على كثرتها واختلاف مشاربها، بل إنه من أوفى كتب النحو جمعا لمذاهب النحاة وتعليلاتهم وشواهدهم على نمط البسط والتفصيل ولا غرابة أن يجمع في شرحه، فأمامه من شروح الألفية ... وغيرها مما جعل شرحه موسوعة يستعان به. وأوله: " ... فهذا شرح لطيف بديع على ألفية ابن مالك مهذب المقاصد واضح المسالك". ما نقله أبو الحسن الأشموني في كتابه شرح الألفية: وقد تصفحت هذا الكتاب فوجدت أن المؤلف أخذ ونقل عن المرادي المعروف بابن أم قاسم معتدا برأيه تارة. فتراه نقل عنه في أبواب: التنازع، وحروف الجر, وأفعل التفضيل, وما لا ينصرف -في موضعين- والترخيم، ونواصب المضارع -في موضعين- والعدد، والوقف. ويسوغ لي حينئذ أن أذكر بعض المواضع مستشهدا بها على سبيل المثال. 1- في باب أفعل التفضيل في قول الناظم: وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرا أو لفظا بمن إن جردا ذكر أبو الحسن الأشموني تنبيهات، فالأول منها الخلاف في معنى "من". فقال الأشموني: "الأول اختلف في معنى "من" هذه, فذهب المبرد ومن وافقه إلى أنها لابتداء الغاية، وإليه ذهب سيبويه، لكن أشار إلى أنها تفيد مع ذلك معنى التبعيض فقال في "هو أفضل من زيد" فضله على بعض ولم يعم، وذهب في شرح التسهيل أنها بمعنى المجاوزة، وكأن القائل "زيد أفضل من عمرو", قال جاوز زيد عمرا في الفضل ...
والظاهر -كما قال المرادي- ما ذهب إليه المبرد، وما رد به الناظم ليس بلازم. 2- في باب الترخيم في قول الناظم: ترخيما احذف آخر المنادى ... كيا سعا فيمن دعا سعادا أفرد أبو الحسن الأشموني الكلام على "ترخيما" في التنبيه قال: "أجاز الشارح ترخيما ثلاثة أوجه: 1- أن يكون مفعولا له. 2- أو مصدرا في موضع الحال. 3- أو ظرفا على حذف مضاف. وأجاز المرادي وجها رابعا, هو أن يكون مفعولا مطلقا وناصبه احذف، لأنه يلاقيه في المعنى. ا. هـ. ج2 ص467. 3- في باب ما لا ينصرف في قول الناظم: ولسراويل بهذا الجمع ... شبه اقتضى عموم المنع وإن به سمي أو بما لحق ... به فالانصراف منعه يحق قال أبو الحسن الأشموني: قال الشارح: والعلة في منع صرفه ما فيه من الصيغة مع أصالة الجمعية أو قيام الجمعية مقامها, فلو طرأ تنكيره انصرف على مقتضى التعليل الثاني دون الأول. قال المرادي: قلت: "مذهب سيبويه أنه لا ينصرف بعد التنكير لشبهه بأصله، ومذهب المبرد صرفه لذهاب الجمعية، وعن الأخفش القولان، والصحيح قول سيبويه، لأنهم منعوا سراويل من الصرف، وهو نكرة وليس جمعا على الصحيح". ا. هـ. ج2 ص523. 4- في نواصب المضارع بعد قول الناظم: وبعد فالجواب نفي أو طلب ... محضين أن وسترها حتم نصب قال الأشموني في التنبيه الأول من التنبيهات التي أعقبت هذا البيت:
"الأول: مما مثل به في شرح الكافية لجواب النفي المنتقض "ما قام فيأكل إلا طعامه" قال: ومنه قول الشاعر: وما قام منا قائم في ندينا ... فينطق إلا بالتي هي أعرف وتبعه الشارح في التمثيل بذلك. واعترضهما المرادي وقال: إن النفي إذا انتقض بإلا بعد الفاء جاز النصب. نص على ذلك سيبويه وعلى النصب أنشد. فينطق إلا بالتي هي أعرف". ج3 ص565. 5- في باب التنازع في قول الناظم: بل حذفه الزم إن يكن غير خير ... وأخرنه إن يكن هو الخبر قال الأشموني: " ... قوله: "غير خبر" يوهم أن ضمير المتنازع فيه إذا كان المفعول الأول في باب ظن يجب حذفه وليس كذلك، بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف ولزوم التأخير. ولذلك قال الشارح لو قال بدله: واحذفه إن لم يك مفعول حسب ... وإن يكن ذاك فأخره نصب لخلص من ذلك التوهم. لكن قال المرادي: قوله: "مفعول حسب" يوهم أن غير مفعول حسب يجب حذفه وإن كان خبرا، وليس كذلك، ولأن خبر كان لا يحذف أيضا. بل يؤخر كمفعول حسب ... ". ج1 ص206. 6- في باب الوقف بعد قول الناظم: وما في الاستفهام إن جرت حذف ... ألفها وأولها الها إن تقف قال أبو الحسن الأشموني في التنبيه الأول من التنبيهات التي أعقبت هذا البيت: "الأول: أهمل المصنف من شروط حذف ألفها أن لا تركب مع ذا، فإن ركبت معه لم تحذف الألف نحو "على ماذا تلومونني". وقد أشار إليه في التسهيل، ونقله المرادي". ج3 ص759.
السابع: ما نقله الدنوشري في حاشيته على التصريح عن المرادي التعريف بالمؤلف: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عليّ المعروف بالدنوشري نسبة إلى دنوشر "قرية قريبة من المحلة الكبرى". ولد بالقاهرة وتلقى عن الشمس الرملي ومحمد العلقمي وابن قاسم العبادي وغيرهم، ثم ارتحل إلى بلاد الروم وأقام فيها مدة ثم عاد إلى القاهرة وانتفع الناس به في الأزهر، وصنف كتبا في النحو، وكان يقول النظم وأكثر شعره في مسائل نحوية، توفي بالقاهرة سنة 1025هـ. الكتاب: حاشية على التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهري، نسخة في مجلد بقلم معتاد سنة 1137هـ. بالورقتين الأخيرتين منها تقطيع وأكل أرضة في 182 ورقة ومسطرتها 23 سطرا 21 سم. مودع بمكتبة الأزهر قسم المخطوطات تحت رقم "851" 6058. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ عبد الله الدنوشري في حاشيته على التصريح عن المرادي واعتمد عليه، وذلك في أبواب متفرقة منها: الإشمام، المصدر، الحال، التعجب، النداء -في موضعين- ما لا ينصرف -في موضعين- النواصب -في موضعين- الجوازم، الإمالة. وسأكتفي بذكر بعض المواضع على سبيل المثال. 1- الحال: نفي عامل الحال قال الدنوشري "قال المرادي: ذكر في الكافية والتسهيل إذ قال قد يجر بباء زائدة إن نفي عملها كقوله: فما انبعثت بمزءود ولا وكل ونوزع في ذلك, وذكر في باب حروف الجر من شرح التسهيل أن من الزائدة ربما دخلت على الحال ومثله قراءة من قرأ: "ما كان ينبغي لنا أن نُتَّخَذَ من دونك من أولياء" مبنيا للمفعول". ا. هـ. ص95. 2- الحال: أيضا الجملة المصدرة بالمضارع المنفي لا تجرد من الواو ويلزمها
الضمير. قال المرادي: إن ورد بالواو قدر المبتدأ على الأصح كقراءة ابن ذكوان: {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِ} نص على ذلك في التسهيل. 3- ما لا ينصرف الكلام في المنصرف. قال المرادي: وقال في شرح الكافية: سمي منصرفا لانقياده إلى ما تصرفه من عدم تنوين إلى تنوين ومن وجه الإعراب إلى غيره. وقال بعضهم: مأخوذ من الصرف وهو الفضل، لأن له فضلا على غير المنصرف. ص135. 4- النواصب: حتى. قال: وذكر المرادي أن الغالب في حتى التي ينصب المضارع بعدها أن تكون بمعنى إلى. الثامن: ما نقله الشيخ أحمد الفاكهي عن المرادي التعريف بالمؤلف: هو العلامة الشهاب أحمد بن الجمال عبد الله بن أحمد بن عليّ الفاكهي، نقل الشيخ أحمد الفاكهي عن ابن أم قاسم واعتمد على رأيه واثقا منه في: أ- كتاب مجيب الندا إلى شرح قطر الندى: الكتاب: هو كتاب مطبوع بمطبعة شركة دار الكتب العربية الكبرى. مودع بمكتبة الأزهر تحت رقم 159. أوله: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين. الحمد لله الرافع من انخفض لعزه وسلطانه المفيض على من نحاه وقصده سحائب عفوه وغفرانه، المغني بواسع فضله من افتقر لجوده وإحسانه، الفاعل لما يشاء, أما بعد فهذا شرح لطيف وضعته على المقدمة الموضوعة في علم العربية المسماة بقطر الندى. ما نقله في هذا الشرح: نقل الفاكهي عن المرادي في شرحه هذا خمسة مواضع في أبواب: تقسيم الفعل، الفاعل، النواصب، المبتدأ والخبر، كان وأخواتها
وسأذكر أربعة مواضع على سبيل التمثيل. 1- في تقسيم الفعل اختصاص الفعل الماضي بتاء التأنيث الساكنة، قال الفاكهي: "وإنما اختصت التاء الساكنة به للفرق بين تاء الأفعال وتاء الأسماء ولم يعكس لئلا يفضي إلى ثقل الفعل, والمراد بها الساكنة بالذات فلا يضر تحريكها لعارض كأن يلاقيها ساكن فحينئذ تكسر نحو: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} أو تضم نحو: {وَقَالَتُ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} , ولهذا قال المرادي: ولا اعتداد بحركة النقل ولا بحركة التقاء الساكنين لعروضهما. ص47 ج1. 2- في باب الفاعل: إذا كان الفعل نعم وبئس والفاعل بأل الجنسية أو مضافا لما هي فيه. قال الفاكهي: "أو مضافا إلى مضاف لما هي فيه كنعم ابن أخت القوم وبئس ابن غلام الرجل، واشتراط كون الظاهر بأل أو مضافا لما هي فيه هو الغالب كما قال المرادي". ص52 ج1. 3- في المبتدأ والخبر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} قال الفاكهي: "إلا في نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، مما الجملة المخبر بها نفس المبتدأ في المعنى أي فلا تحتاج إلى رابط اكتفاء بها عنه لأنها مفسرة للمبتدأ والمفسر عين المفسر ... قال المفسر تبعا للمرادي: والتحقيق أن مثل هذا ليس من الإخبار بالجملة بل بالمفرد على إرادة اللفظ كما في عكسه نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة". ص179 ج1. 4- في كان وأخواتها -ما دام- عدم جواز تقديم خبر دام عليها مع ما قال الفاكهي "فإنه لا يجوز تقديمه عليها مع "ما" باتفاق لأن معمول صلة الحرف المصدري لا يقدم عليه ولا على دام وحدها لعدم تصرفها، ولئلا يلزم الفصل بين الموصول الحرفي وصلته، وظاهر كلام الألفية كالشرح أن هذا مجمع عليه أيضا قال المرادي: وفيه نظر؛ لأن المنع معلل بعلتين وكل منهما لا ينهض مانعا باتفاق ... ". ص7 ج22.
ب- كتابه شرح على متممة الأجرومية المسمى "بالفواكه الجنية": التعريف بالكتاب: هو مطبوع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية، مصححا بمعرفة لجنة التصحيح بها في شهر ذي القعدة سنة 1351هـ. أوله: أحمد الله على نعمه وأشكره على مزيد فضله وكرمه، وأصلي وأسلم على المعرب عن فصيح كلمه نبيه محمد وآله وصحبه ... وبعد فهذا تعليق لطيف وضعته على المقدمة الموضوعة في علم العربية تأليف سيدنا وصاحبنا العالم الورع الزاهد شمس الدين محمد ابن الشيخ محمد الرعيني الشهير بالخطاب المكي المالكي. قصدت فيه تقرير معانيها وتحرير مبانيها ... مودع بمكتبة الأزهر رقم 2060-3685-2883. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ أحمد الفاكهي في شرحه هذا عن المرادي المعروف بابن أم قاسم موضعين: 1- في باب الإعراب والبناء: قال صاحب متممة الأجرومية: "الإعراب تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظا أو تقديرا". قال الفاكهي: معلقا على قوله: "لفظا أو تقديرا": " ... ثم الحد الذي ذكره ظاهر في أن الإعراب معنوي ... وقيل: إنه لفظي واختاره ابن مالك ونسبه إلى المحققين، وعليه فيقال في حده: الإعراب ما اختلف به آخر المعرب، قال المراوي رحمه الله تعالى: وهو أقرب إلى الصواب لقول المحققين" ص7. 2- في باب الحال: مجيء الحال جامدا مؤولا بالمشتق. قال صاحب متممة الأجرومية: "والغالب كونه مشتقا وقد يقع جامدا مؤولا بمشتق نحو: ادخلوا رجلا رجلا أي مترتبين ... " قال الفاكهي معلقا على "ادخلو رجلا رجلا" ورجلين رجلين ... والمختار كما قال المرادي: أن الجزء الثاني وما قبله منصوبان بالعامل؛ لأن مجموعهما هو الحال، فإن الحال مستفادة منهما. ا. هـ. ص67.
التاسع: ما نقله الشيخ يس بن زين الدين عن المرادي التعريف بالمؤلف: هو العلامة الشيخ يس بن زين الدين العليمي الحمصي، ولد بحمص وارتحل مع أبيه إلى مصر، فتلقى عن الشهاب الغنيمي والدنوشري وغيرهما، ثم برع في علوم متنوعة وألف فيها، ومن مصنفاته النحوية حاشية "قطر الندى وبل الصدى، لابن هشام" وحاشية "مجيب الندا إلى شرح قطر الندى وبل الصدى" للفاكهي، وحاشية "التصريح" للشيخ خالد الأزهري. توفي بالقاهرة سنة 1061هـ. ما نقله الشيخ يس: نقل الشيخ يس عن المرادي المعروف بابن أم قاسم معتنيا برأيه ومعتدا به، فنقل في: أ- حاشيته على شرح التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهري: التعريف بالكتاب: أوله: الحمد لله الذي شرف من نحاه ونصب نفسه لعبادته ورفع من خفض وهداه إلى طاعته ... وبعد. فيقول: هذه حواش رمقت نحوها عيون الطالبين، ونهجت بتمنيها كلمة المحصلين، غزيرة الفوائد عزيزة الفرائد كثيرة العوائد ... مودع بمكتبة الأزهر فرع معهد أسيوط رقم 320. ما نقله في هذه الحاشية: نقل الشيخ يس في هذه الحاشية عن المرادي في شرح التسهيل وغيره في أبواب متعددة هي: الكلام، العلم، الموصول، نائب الفاعل، الاشتغال، الحال، الإضافة، النعت -في ثلاثة مواضع- العطف -في موضعين- التوكيد -في موضعين- البدل -في أربعة مواضع- النداء -في موضعين- نون التوكيد -في موضعين- ما لا ينصرف -في أربعة مواضع- إعراب الفعل -في أربعة مواضع- الحكاية، التصغير، الإمالة -في ثلاثة مواضع- الإبدال -في ثلاثة مواضع- الإدغام.
وسأقتصر على ذكر بعض المواضع على سبيل التمثيل. 1- في باب الاشتغال: في تساوي الرفع والنصب: إذا وقع الاسم بعد عاطف غير مفصول بإما مسبوق بفعل إذا بني الفعل السابق على اسم بأن أخبر بالفعل عن اسم غير ما التعجبية. قال يس معلقا على قوله إذا بني الفعل ... إلخ: "قال المرادي: وحكم شبه الفعل إذا وقع خبرا في هذا المسألة حكم الفعل نحو: هذا ضارب عبد الله وعمرو يكرمه" ج1 ص303. 2- في الحال, تعريفه, وصف فضلة منتصب: قال يس معلقا على "منتصب" قال: "قال المرادي: ذكر في التسهيل والكافية أن الحال قد تجر بباء زائدة إن نفي عاملها ومثله في شرح التسهيل بقراءة: "ما كان ينبغي لنا أن نُتَّخَذَ من دونك من أولياء" مبنيا للمفعول. ج1 ص336. وفي موضع آخر قال يس معلقا على خالد الأزهري: "وموضع الحال تجيء جملة بثلاثة شروط: أحدها: كونها خبرا". قال: " ... وفي شرح التسهيل للمرادي أن الخبرية تتناول الشرطية وأنه يجوز وقوعها حالا". ج1 ص389. 3- في باب النعت في شرح قول الناظم: ونعنوا بجملة منكرا ... فأعطيت ما أعطيته خبرا حيث اشترطوا في الجملة أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف إما ملفوظ به أو مقدر. قال يس معلقا على قوله: أو مقدر: "قال الدنوشري: قال المرادي: ليس حذف العائد من النعتية كحذفه من الخبرية في القلة والكثرة، بل ذكره في التسهيل أن الحذف من الخبرية قليل ومن الصفة كثير ومن الصلة أكثر". ج2 ص112. 4- في عطف النسق: فبعد أن ذكر أم المتصلة وهي المسبوقة إما بهمزة التسوية وهي الداخلة على جملة في محل المصدر وتكون هي والجملة المعطوفة عليها فعليتين, أو اسميتين.
قال يس معلقا على هذا: "قال المرادي: وقد عادلت بين مفرد وجملة كقوله: سواء عليك النصر أم بت ليلة". ج2 ص142. 5- في باب البدل: بدل الاشتمال. قال يس: "قال الدنوشري: قال المرادي: لا بد في بدل الاشتمال من مراعاة أمرين: أحدهما إمكان فهم معناه عند الحذف، ومن ثم جعل نحو "أعجبني زيد أخوه" بدل إضراب لا بدل اشتمال، إذ لا يصح الاستغناء عنه بالأول، والآخر حسن الكلام على تقدير حذفه ومن ثم امتنع نحو "أسرجت زيدا فرسه" لأنه وإن فهم معناه في الحذف فلا يستعمل مثله ولا يحسن فلو ورد مثل هذا الكلام لكان بدل غلط". ج2 ص157. 6- في باب نوني التوكيد: في فصل: تنفرد النون الخفيفة بأربعة أحكام، في قراءة ابن ذكوان: "ولا تتبعانِ" بتخفيف النون. قال الأزهري: "مكسورة -أي النون- على كون الواو للعطف ولا للنهي, قال الشارح: ويجوز أن تكون الواو للحال ولا للنفي والنون علامة الرفع، قال يس معقبا على قوله: قال الشارح ... إلخ: "قال المرادي: فإن وردت بالواو قدر المبتدأ على الأصح كقراءة ابن ذكوان: "ولا تتبعانِ" نص على ذلك في التسهيل" 2/ 207. 7- في باب الإبدال. فصل في إبدال الألف من أختيها الواو والياء. الشرط التاسع. في معنى قول الناظم: وإن لحرفين ذا الإعلال استحق ... صحح أول وعكس قد يحق فالعكس هو إعلال الأولى وتصحيح الثانية مثل آية في أسهل الأقوال. قال يس معلقا: "قال المرادي: ومثل آية غاية وأصلها غيية فأعلت الياء الأولى وصححت الثانية. وثاية: وهي حجارة صغار يضعها الراعي عند متاعه يثوي عندها، وطاية: وهي السطح والدكان أيضا، والآية هي الطائفة المخصوصة من القرآن ... ". ج2 ص388. 8- في باب الإدغام: "هلم" عند قول الأزهري: "وإذا اتصل بالمدغم هاء غائب نحو هلمه لم يضم بل يفتح ... ".
قال يس: " ... قال المرادي: وإذا اتصل به نون الإناث فالقياس هلممن ... ". قال المرادي: "الخامس، التزم المدغمون فتح المدغم فيه قبل هاء غائبة نحو ردها ولم يردها والتزموا ضمه قبل هاء غائب نحو لم يرده قالوا: "لأن الهاء خفيفة فلم يعتدوا بوجودها فكأن قد ولي الألف والواو نحو ردا وردوا". ا. هـ. ج2 ص402. ب- حاشيته على شرح أحمد بن الجمال الفاكهي المسمى بمجيب الندا على المقدمة المسماة بقطر الندى وبل الصدى لابن هشام: تم طبعه في أواخر شهر شوال سنة 1334هـ, بمطبعة دار الكتب العربية الكبرى. الكتاب: أوله: الحمد لله الذي لا يغيب من نحاه، الفاعل لما يشاء فلا راد لمفعول قضاه، والصلاة والسلام على من رفعه الله على الأفاضل ونصبه علما لتمييز الحق من الباطل سيدنا محمد ... مودع بمكتبة الأزهر رقم 1181-1184. ما نقله في هذه الحاشية: نقع الشيخ يس في حاشيته هذه عن المرادي في شرحه للتسهيل وغيره في مواضع كثيرة, وهي: المعرب والمبني -في موضعين- جمع المذكر السالم، النواصب -في موضعين- الموصول، مواضع كسر إن، المفعول له، الاشتغال، حروف الجر، الصفة المشبهة، اسم التفضيل، النعت، التوكيد -في موضعين- عطف البيان، عطف النسق، البدل والمنادى -في موضعين- تابع المنادى، الترخيم، موانع الصرف، الوقف -في موضعين. وسأقتصر على ذكر بعض المواضع على سبيل المثال. 1- في جمع المذكر السالم. قال الفاكهي: "ويشترط فيه ما اشترط في المثنى وزيادة على ذلك أن يكون مفرده علما لمذكر خال من تاء التأنيث المغايرة لتاء عدة وثبة علمين أو صفة مذكر عاقل خالية من تاء التأنيث قابلة لها، علق الشيخ يس على قوله: "قابلة لها" بقوله: " ... قال المرادي: إذ لا يقصد به معنى التأنيث
ولا بد أن يكون قبول التاء مطردا احترازا من نحو مسكين فإنهم قالوا مسكينة على غير قياس فلا يقال مسكينون بقياس" ص84. 2- في النواصب: لام الجحود من شروطها أن يتقدمها نفي بما أو لم فقط. قال يس: "وأما إن ففيها خلاف قوي" واستدل المرادي على وقوع لام الجحود بعد المنفي بها قراءات غير الكسائي: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} . والفعل الواقع بعد لام الجحود، قال الفاكهي: " ... وذهب البصري إلى أن خبر كان محذوف وإن هذه اللام متعلقة بذلك الخبر المحذوف وأن الفعل ليس بخبر بل المصدر المنسبك ... ", قال يس معلقا: على أن هذه اللام متعلقة ... إلخ: قال المرادي: قولهم إنها متعلقة بالخبر يقتضي أنها ليست بزائدة وتقديرهم مزيدا يقتضي أنها زائدة مقوية للعامل. ا. هـ. ص118. 3- المنادى: في إلحاق الألف أو الياء في يا أبت ويا أمت, أي: يا أبتا ويا أمتي. قال الفاكهي: "و"إلحاق الألف أو الياء للأولين قبيح" لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض عنه أو بدله وسبيل ذلك الشعر". قال يس: " ... وفي المرادي: وأجاز كثير من الكوفيين الجمع بينهما في الكلام، ونظيره قراءة أبي جعفر: "يا حسرتاتي" فجمع بين العوض والمعوض" ص77. 4- في المفعول له: قال يس: "قال المرادي: في شرح التسهيل يجوز في كي إذا كانت ناصبة بنفسها أن تقع مفعولا له لأنها إذ ذاك ينسبك منها مصدر فتكون مثل أن وإن" ص90. 5- في حروف الجر: مذ, منذ. قال الفاكهي: "قال في الجامع: ولك رفع تاليهما خبرا عنهما". قال يس: " ... قال المرادي: لا تكون مذ ومنذ عند الأخفش إلا مبتدأين فهو مناقض لعزوه له ظرفيتهما إذا وليها اسم مفرد" ص130. 6- في الصفة المشبهة: في أن الصفة المشبهة تكون غير مجارية له نحو: "طاهر وضامر". قال يس: " ... قال المرادي: ولقائل أن يقول: إن ضامرا أو منطلقا ومنبسطا ونحوها مما يجري على المضارع أسماء فاعلين قصد بها الثبوت فعوملت معاملة الصفة المشبهة وليست بصفة مشبهة". ا. هـ. ص150 ج2.
7- في النعت: قال الفاكهي: "ويجب في النعت أن يكون مساويا لمتبوعه في التعريف أو دونه ... ". قال يس: " ... قال المرادي: وقيل: سبب ذلك أن الاختصار يؤثر أي: على التطويل، فوجب لذلك أن يبدأ بالأخص ليقع الاكتفاء به فإن عرض اشتراك لم يوجد ما يرفعه إلا المساوي". ا. هـ. ص162. 8- في التوكيد: كل. قال يس: " ... قال المرادي في الكلام على التأكيد بكل: فتقول جاء الجيش كله والقبيلة والزيدون كلهم والرجال كلهم أو كلها أو كله على قياس هو أحسن الفتيان وأجمله وهو ضعيف، وجاءت الهندات كلهن أو كلها، وحكى الخليل كلهن عن بعض العرب". ا. هـ. ص168. 9- في البلد: بدل الاشتمال. قال الفاكهي: "ونحو: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} ، النار أي فيه ... ". قال يس: " ... وقال ابن هشام: الأولى أن يكون على حذف مضاف أي: أخدود النار، وقال ابن خروف: هو بدل إضراب، قاله المرادي" ص188. 10- في الوقف: الوقف على قاض. قال الفاكهي: "مما هو منقوص منون غير محذوف العين". علق الشيخ يس على قوله: "غير محذوف العين" بقول: " ... قال المرادي: فإن قلت هذا لازم في حالة الوصل أيضا قلت: لا يمكن إثباتها وصلا لما يلزم من الجمع بين ساكنين بخلاف الوقف مع أن في بقاء التنوين جبرا للكلمة". والمعرف منه بالإضافة، قال الفاكهي: "وأما المعرف منه بالإضافة نحو قاضي المحكمة فكلامهم قد يشعر بأن الحذف أرجح من الإثبات" علق الشيخ يس على: "فكلامهم ... إلخ" قال: " ... قال المرادي: وبنوا على ذلك فرعا، وهو أن ما سقط نونه للإضافة إذا وقفت عليه ردت نونه نحو: "هؤلاء قاضو زيد" فإذا وقفت قلت: قاضون؛ لزوال حذفها، فأما وقف الفراء على قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} بحذف النون فاتباع للرسم, قلت: وفي هذا نظر". ا. هـ. ص204.
العاشر: ما نقله السندوبي في شرحه للألفية عن المرادي التعريف بالمؤلف: هو -الشيخ أحمد بن عليّ المعروف بالسندوبي الشافعي من علماء القرن الحادي عشر الهجري. الكتاب: "المنح الوفية بشرح الخلاصة الألفية لابن مالك". نسخة في مجلد بقلم معتاد بهامشها حواش وبها خروم وترميم في 219 ورقة ومسطرتها 23 سطرا 22سم. مودع بمكتبة الأزهر قسم المخطوطات تحت رقم "837" 6043. أوله: الحمد لله الذي رفع السموات بقدرته ... فرغ من تأليفه سنة 1060هـ. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ السندوبي في شرحه للألفية عن المرادي في مواضع متعددة تنحصر في أبواب: الكلام وما يتألف منه، الضمير، اسم الموصول، المعرف بأداة التعريف، المبتدأ والخبر في موضعين، ظن وأخواتها، تعدي الفعل ولزومه، التنازع في العمل، عطف النسق، الحال -في موضعين- النداء، جمع التكسير، النسب -في موضعين- الإمالة، الإدغام. وسأقتصر على ذكر بعض المواضع على سبيل المثال: 1- المبتدأ والخبر, بعد قول الناظم: وإن تكن إياه معني اكتفى ... بها كنطقي الله حسبي وكفى الكلام في الإخبار بالجملة, فنطق مصدر بمعنى منطوق مبتدأ, وجملة "الله حسبي" مبتدأ وخبر ولم يحتج إلى رابط؛ لأن الجملة عين المبتدأ. قال المرادي: والذي يظهر -والله أعلم- في هذا ونحوه أنه ليس من الإخبار بالجملة وإنما هو من الإخبار بمفرد؛ لأن الجملة في نحو ذلك, وإنما قصد لفظها كما قصد حين أخبر عنها في نحو "لا إله إلا الله كنز من كنوز الجنة" فليتأمل. ا. هـ.
2- الخبر -أيضا- بعد قول الناظم: كذا إذا ما الفعل كان الخبرا ... أو قصد استعماله منحصرا قال السندوبي تعليقا على قول المصنف: "قال المرادي: وتسامح المصنف في جعله محصورا وإنما هو محصور فيه". ا. هـ. 3- ظن وأخواتها, بعد قول الناظم: ................................... ... والتزم التعليق قبل نفي ما قال السندوبي في تنبيه: وذهب بعضهم إلى أن التعليق لا يختص بأفعال القلوب. وصرح به المرادي في الشرح نحو: عرف، ونظر، وتفكر، وسأل، وأبصر، وما بمعناها. وعليه ظاهر قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: 19] . 4- الحال, بعد قول الناظم: وجملة الحال سوى ما قدما ... بواو أو بمضمر أو بهما قال السندوبي: إذا انفردت الواو لزمتها قد ... وإن انفرد الضمير أو اجتمعا جاز إثبات قد وحذفها, وذهب الفراء وأبو عليّ والمبرد إلى اشتراط قد مع الماضي ظاهرة أو مقدرة, واختار المرادي أنه لا يحتاج إلى تقدير قد لكثرة ما ورد بدونها. 5- النسب, بعد قول الناظم: وأول ذا القلب انفتاحا وفَعِل ... وفُعِل عينهما افتح وفِعِل قال السندوبي نقلا عن المرادي: "قال المرادي: وفهم من اقتصاره على الثلاثي أن ما زاد عليه مما قبل آخره كسرة لا يغير, ويندرج في ذلك ما كان على خمسة أحرف نحو جَحْمرِش "للعجوز الكبير والمرأة السمجة" فتقول فيه جحمرشي, وما كان أربع متحركات نحو جندل, وما كان على أربعة أحرف وثانيه ساكن نحو تغلب, فالأولان لا يغيران وكذا الثالث في العرف وقيل: يفتح" ... إلخ.
6- الإمالة, بعد قول الناظم: وكف مستعل ورا ينكف ... بكسر را كغارما لا أجفو قال السندوبي في تنبيه بعده "قال المرادي حروف التهجي التي في أوائل السور إن كان في آخرها ألف فمنهم من يفتح ومنهم من يميل، وإن كان في وسطها ألف نحو كاف وصاد فلا خلاف في الفتح, وقد أمالوا لكثرة الاستعمال الحجاج علما في الرفع والنصب والعجاج كذلك". ا. هـ. الحادي عشر: ما نقله الشيخ أحمد الملوي عن المرادي التعريف بالمؤلف: الإمام المتقن العلامة المعمر من الوقت أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيري الملوي الشافعي الزهري، ولد في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة 1088هـ ثمان وثمانين وألف، وأمه آمنة بنت عامر بن حسن بن سيف الدين المغراوي، اعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة ... فمن شيوخه أحمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرءوف البشبيشي وغيرهم، ورحل إلى الحرمين سنة 1122هـ اثنتين وعشرين ومائة وألف, وعاد إلى مصر وهو إمام وقته, وله مؤلفات منها: شرح الأجرومية, وتوفي في منتصف شهر ربيع الأول سنة 1181هـ إحدى وثمانين ومائة وألف. تاريخ الجبرتي ج1 ص288. الكتاب: هو كتاب مطبوع، طبع بالمطبعة العامرة البهية. مودع بمكتبة الأزهر فرع معهد أسيوط تحت رقم 13. حاشية على شرح الشيخ المكودي للألفية، فالشيخ الملوي فرغ نفسه في مزيد التأمل فيه وكثرة الإكباب على هذا الشرح فأتى بحاشية تحتوي على تدقيقات وتحقيقات وأبحاث رائعة. وأوله: بسم الله الرحمن الرحيم. حمدا لمن وفقنا إلى الإعراب عما خفي من المضمرات، وعلمنا لسانا عربيا غير ذي عوج. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرافع منار الدين ... إلخ.
ما نقله الشيخ الملوي: نقل الشيخ أحمد الملوي في حاشيته على شرح الألفية للمكودي, عن المرادي مواضع هي: التوكيد, كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا، جمع التكسير -في موضعين- الوقف، الإبدال، الإدغام, وإليك ذكر هذه المواضع مفصلة: 1- التوكيد, بعد قول الناظم: وكلا اذكر في الشمول وكلا ... كلتا جميعا بالضمير موصلا قال المكودي في "كل": "ولا يؤكد بها إلا ذو أجزاء", قال الملوي: " ... قال المرادي: ذو أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه، وزاد المرادي غير مثنى" ص117. 2- تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا في قول الناظم: كذا الذي أصله نحو الفتى ... والجامد الذي أميل كمتى قوله: "الجامد" قال المرادي: "الجامد هنا ما لم يعرف له اشتقاق"، "جعل المكودي ألف "متى ولدى وعلى" مجهولة الأصل، وليس كذلك بل الألف في الثلاثة أصلية لم تقلب عن شيء والمجهولة الأصل هي نحو الددا". ا. هـ، لكن قال المرادي: "عبر بعضهم عن الأصلية بالمجهولة". ا. هـ. والمراد بالألف الأصلية هي كل ألف في حرف أو شبهة ومجهولة الأصل نحو الددا وهو اللهو فإن ألفه لا يدرى هل هي عن واو أو ياء؟ لأن الألف في الثلاثي المعرب لا تكون إلا منقلبة عن أحدهما". ا. هـ من المرادي، ص162. 3- جمع التكسير في قول الناظم: في اسم مذكر رباعي بمد ... ثالث افعلة عنهم اطرد والزمه في فَعَال أو فِعَال ... مصاحبي تضعيف أو إعلال قوله: "والزمه" قال الملوي: " ... قال ابن غازي عن المرادي: أشار إلى أن هذا الملزوم في غير شذوذ بقوله فيما يأتي في فعل بضمتين- ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف، لكن لم ينبه هناك إلا على المضاعف فخرج سماء بمعنى المطر". ص165.
4- الوقف, بعد قول الناظم: وما في الاستفهام إن جرت حذف ... ألفها وأولها الها إن تقف قال المكودي: "يعني أن ما الاستفهامية إذا جرت حذفها ألفها" قال الملوي معقبا على قوله: "حذف ألفها": "قال المرادي: وسبب حذف الألف إرادة التفرقة بينها وبين الموصولة والشرطية وكانت أولى بالحذف لاستقلالها بخلاف الشرطية، فإنها متعلقة بما بعدها وبخلاف الموصولة فإنها مع الصلة اسم واحد". ا. هـ منه بلفظه ص1183. 5- الإبدال, بعد قول الناظم: وعين ما آخره زيد ما ... يخص الاسم واجب أن يسلما مثل حيدى ... قال الملوي: " ... قال المرادي: حيدى: اسم ماء" ص199. 6- الإدغام في الموضع السابع من المواضع التي لا يجوز فيها الإدغام قال المكودي: "السابع ما كان فيه ثاني المثلين زائدا للإلحاق نحو هلل إذا أكثر من قول: لا إله إلا الله". قال الملوي: "المزيد للإلحاق هو الياء من هلل لا أحد لاميه كذا عند المرادي. والمصنف في شرح الكافية وغيره، فانظره مع ما هنا فصوابه، لأنه زيد فيه الياء للإلحاق كما عند المرادي" ص2204. الثاني عشر: ما نقله الشيخ محمد بن عبادة عن المرادي التعريف بالمؤلف: هو الشيخ محمد بن عبادة بن بري العدوي ينتهي نسبه إلى علي أبي صالح المدفون بالعلوة في بني عدي, قدم إلى مصر سنة 1164هـ أربع وستين ومائة وألف, وجاور بالأزهر, ثم حضر على شيوخ الوقت ولازم دروس علماء العصر, وصار له باع طويل وذهن وقاد وقلم سيال وفصاحة في اللسان، ومن تأليفه حاشيته على شذور الذهب لابن هشام متداولة بأيدي الطلبة نافعة, وغيرها. توفي في أواخر شهر جمادى الآخرة سنة 1193 ثلاث وتسعين ومائة وألف، بعد أن تعلل بعلة الاستسقاء سنين.
الكتاب: هو كتاب مطبوع، طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية، حاشية على الشذور لابن هشام الأنصاري، أوله: الحمد لله الذي رفع مقام المتواضعين ونصب رايات التمييز لأصحاب اليقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المعرب عن أحوال الدين. أما بعد فيقول ... قد من الله تعالى عليّ بتلقي هذا الكتاب الذي هو الشذور على ... الشيخ أحمد الدردير. مودع بمكتبة الأزهر رقم 1186-1194-1185-1541. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ عبادة في حاشيته هذه -عن المرادي المعروف بابن أم قاسم- مواضع تنحصر في أبواب المعرب، اسم الإشارة، اسم الموصول، المفعول فيه، التنازع -في خمسة مواضع- الاستثناء, ظن وأخواتها, موانع الصرف. وسأقتصر على ذكر الجزء الأكبر من هذه المواضع على سبيل المثال: 1- باب الإعراب: قال ابن هشام: "وأقول: أنواع الإعراب أربعة: رفع ونصب وجر وجزم، وعن بعضهم أن الجزم ليس بإعراب وليس بشيء" قال عبادة معلقا على "أن الجزم ... إلخ": "نقل المرادي عن المازني أن الجزم ليس بإعراب" 1/ 56. 2- اسم الإشارة: قال عبادة: "تنبيه" إذ ذاك ليس من الإضافة إلى مفرد بل إلى جملة اسمية والتقدير إذ ذاك كذلك. نبه على ذلك المرادي 1/ 133. 3- اسم الموصول الأولي: قال عبادة: "وقال بعضهم انظر هل الأولي مشتركة بين الإشارة والموصول فتعمل تارة اسم إشارة وتارة موصولا، أو أن هذا غير ذاك، وقال المرادي في شرح التسهيل: فرق بينهما وذلك أن أولي الإشارية لا يجوز دخول أل عليها والموصولة يجوز دخولها عليها، والإشارية تكتب بعد همزتها واوا بخلاف الموصولة". 1/ 153. 4- المفعول فيه: مثل قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] ,
قال عبادة: "وفي جعل حيث مفعولا نظر؛ لأن هذا ضرب من التصرف، قال المرادي: لم يجئ حيث فاعلا ولا مفعولا ولا مبتدأ" 2/ 144. 5- التنازع -قال عبادة: "وفي النهاية لابن الخباز: لا يقع التنازع في المفعول له، ولا الحال ولا التمييز ويجوز في المفعول معه، تقول: قمت وسرت وزيدا، إن أعملت الثاني يشترط في المعمول ألا يقع بعد إلا على الصحيح، فلا تنازع في قوله: ما صاب قلبي وأضناه وتيمه ... إلا كواعب من ذهل بن شيبانا والمانع من كونه من التنازع أنه لو كان منه لزم إخلاء الفعل الملغي من الإيجاب، ولزم في نحو ما قام وقعد إلا أنا. إعادة ضمير غائب على حاضر. قال المرادي: حمله في التسهيل على الحذف على تأويل ما قام أحد وقعد إلا أنا فحذف أحد لفظا واكتفي بقصده ودلالة المعنى والاستثناء عليه" 2/ 171. 6- موانع الصرف -الوصفية وزيادة الألف والنون- قال ابن هشام: "ويشترط لتأثير الصفة أمران الثاني عدم قبولها التاء، ولهذا انصرف نحو ندمان وأرمل لقولهم ندمانة وأرملة". قال عبادة معلقا على ندمانة وأرملة " ... وقد جمع ابن مالك ما جاء على وزن فعلان ومؤنثه فعلانة في قوله من بحر الهزج "أجز فعلي لفعلانا ... إلخ. وزاد المرادي لفظين: وزد فيهن خمصانا ... على لغة وأليانا " 2/ 202. الثالث عشر: ما نقله الشيخ أحمد السجاعي عن المرادي: نقل الشيخ السجاعي عن المرادي في: الأول: حاشيته على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك, المسماة "فتح الجليل". الثاني: حاشيته على شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام. التعريف بالمؤلف: هو الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد السجاعي, ولد بالقاهرة ووالده من
السجاعية قرية قرب المحلة قد قدم الأزهر وأقام في القاهرة, ونشأ الشيخ أحمد تحت رعاية والده وإشرافه فتمهر ودرس وأفتى وألف, توفي رحمة الله عليه سنة 1197 بعد سبع من وفاة والده سميه أحمد السجاعي كما هو مكتوب على قبرهما الكائن بالقرافة الكبرى عن شمال مقام الأستاذ الحفني عمت بركاتهم. الحاشية الأولى: أولها: الحمد لله الذي رفع قدر من انخفض لربوبيته, وأعز شأن من انتصب لنصر دينه وأقام حجته، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد ذي الجاه الرفيع. وهي كتاب مطبوع بالمطبعة العامرة البهية في آخر شهر ربيع الآخر سنة 1307هـ, مودع بمكتبة الأزهر رقم 244-247-3390. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ السجاعي عن المرادي في هذه الحاشية معتدا برأيه معتمدا عليه في أبواب: الكلام -في موضعين- والمعرب والمبني -في ثلاثة مواضع- وأفعال المقاربة، وإن وأخواتها، والفاعل، ونائب الفاعل، والاشتغال، والمفعول معه، والإضافة -في موضعين- وأفعل التفضيل، والنداء، وما لا ينصرف، وإعراب الفعل، وجمع التكسير -في موضعين- وسأكتفي بذكر بعض المواضع على سبيل المثال: 1- في المعرب والمبني, بعد قول الناظم: كذا أولات والذي اسما قد جعل ... كأذرعات فيه ذا أيضا قبل "الذي اسما قد جعل" ما سمي به من هذا الجمع والملحق به نحو أذرعات ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية به، ولا يحذف به منه التنوين. قال السجاعي معلقا على "ولا يحذف منه التنوين" قال المرادي: وإنما نون على اللغة المشهورة مع أن حقه منع الصرف للتأنيث والعلمية, لأن تنوينه ليس للصرف بل للمقابلة. ص27. 2- في باب ظن وأخواتها, بعد قول الناظم: ظن حسبت وزعمت مع عد ... حجا درى وجعل اللذ كاعتقد
قال السجاعي معلقا على "حجا": "بمعنى ظن لا بمعنى غلب في المحاجاة أو قعد أو رد أو قام أو بخل. قال المرادي: أو ساق أو كتم". ص1106. 3- في باب المفعول معه, بعد قول الناظم: والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق ... والنصب مختار لدى ضعف النسق والنصب إن لم يجز العطف يجب ... أو اعتقد إضمار عامل تصب قال السجاعي معلقا على قول: "أو اعتقد": ذكر المرادي: "فيه احتمالان" أحدهما أن يكون تخييرا فيما امتنع عطفه بين نصبه على المعية وبين إضمار عامل حيث يصح إضماره وثانيهما. أن يكون تنويعا في ذلك". ص143. 4- في باب الإضافة، بعد قول الناظم: وألزموا إضافة إلى الجمل ... حيث وإن وإذ ينون يحتمل قال السجاعي في تنبيه بعد هذا "وقولهم إذ ذاك ليس من الإضافة إلا مفرد بل إلى جملة اسمية التقدير: إذ ذاك كذلك تبع عليه المرادي". ا. هـ. 173. 5- في باب النداء، بعد قول الناظم: والأكثر اللهم بالتعويض ... وشذ يا اللهم في قريض قال السجاعي بعد هذا البيت: "تتمة" نقل المرادي في استعمال اللهم ثلاثة أحوال: أحدها: أن يراد النداء المحض نحو اللهم أثبنا الثاني. أن يذكره المجيب تمكينا للجواب في نفس السامع يقول لك القائل: أزيد قام؟ فتقول أنت: اللهم نعم أو اللهم لا. الثالث: أن تستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور نحو "أنا لا أزورك اللهم إذا لم تدعني" ألا ترى أن وقوع الزيادة مقرونا بعدم الدعاء قليل". ا. هـ. ص299. 6- فيما لا ينصرف, بعد قول الناظم: ووصف أصلي ووزن أفعلا ... ممنوع تأنيث بتا كأشهلا
علق السجاعي على قوله: "ممنوع": " ... واعلم أنه قد دخل في كلام الناظم ما لا مؤنث له كأكمر ... وخرج عنه ما مؤنثه بالتاء فإنه منصرف نحو أرمل بمعنى فقير فإن مؤنثه أرملة. قال المرادي: وأما قولهم عام أرمل فغير مصروف؛ لأن يعقوب حكى فيه سنة رملاء" ص249. 7- في جمع التكسير، بعد قول الناظم: وبفعالل وشبهه انطقا ... في جمع ما فوق الثلاثة ارتقى قال السجاعي معلقا على الشبه: "قال المرادي: والمراد بشبهه ما يماثله في العدد والهيئة وإن خالفه في الوزن نحو مفاعل وفياعل" ص297. الحاشية الثانية. أولها: بسم الله الرحمن الرحيم. حمدا لمن رفع في الدارين قدر أحبابه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي خفض الكفر مع أصحابه وعلى آله وأصحابه وجنده وسائر أحزابه أجمعين. وهي كتاب مطبوع مودع بمكتبة الأزهر رقم 869-954-1220-1446. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ السجاعي في حاشيته على القطر عن المرادي في ثلاثة مواضع: 1- في المعرب والمبني, بعد أن قسم ابن هشام المبني إلى أربعة أقسام, ثم قسم المبني على الكسر إلى قسمين، قسم متفق عليه وهو هؤلاء, وقسم مختلف فيه وهو حذام وقطام ونحوهما من الأعلام المؤنثة الآتية على وزن فعال وأمس إذا أردت به اليوم الذي قبل يومك. قال السجاعي معلقا على قوله: "من الأعلام المؤنثة": "وفي سبب بناء ما ذكر أقوال: أحدها: شبهه بنزال وزنا وتصريفا وعدلا وتأنيثا، والثاني تضمنه معنى هاء التأنيث، والثالث: توالي العلل وليس بعد منع الصرف إلا البناء.
والأول, هو المشهور ذكره المرادي، ووجه علمية نزال المؤنث أنه علم على صيغة إنزال" ص13. 2- في اسم الموصول: قال ابن هشام: يعدد الأسماء الموصولة وأل في وصف تصريح لغير تفضيل المضارب والمضروب. قال السجاعي معلقا على قوله "وأل في وصف": "أي مع وصف صريح، الوصف ما دل على حدث معين وصاحبه ... وذكر ابن عقيل والمرادي أن أل لمن يعقل وغيره" ص59. 3- في الاستغاثة: من استعمالات المستغاث به عند ابن هشام ألا تدخل عليه اللام من أوله ولا تلحقه الألف من آخره فيجري عليه حكم المنادى ومثل بقول الشاعر: ألا يا قوم للعجب العجيب ... وللغفلات تعرض للأريب قال السجاعي معلقا على قوله: "ألا يا قوم ... إلخ": "من الوافر، ألا حرف تنبيه ويا حرف نداء وقوم منادى وهو محل الشاهد, حيث ترك فيه الألف واللام جميعا إذ القياس يا لقوم أو يا قوما فحذفت منه ياء المتكلم وأبقيت الكسرة أو جعل كالمنادى المطلق فيضم نحو "يا زيد لعمرو" وعليه اقتصر المرادي" ص103. الرابع عشر: ما نقله أبو عبد الله بن سعيد التونسي في حاشيته على الأشموني عن المرادي: التعريف بالمؤلف: هو العالم الأعلم المدقق الشيخ أبو عبد الله محمد بن عليّ بن سعيد التونسي المالكي, وكانت وفاته على شرخ الشباب دون اكتمال الثلاثين من عمره سنة 1199 بتونس، ودفن بجوار سيدي أحمد السقا خارج باب حرمة العلوج رحمه الله رحمة واسعة. الكتاب: هو كتاب مطبوع في مطبعة الدولة التونسية المحروسة سنة 1293. مودع بمكتبة الأزهر رقم 586-1103. دون في الصفحة الأولى الحاشية المرسومة. بظواهر الكواكب. لبواهر
المواكب. على شرح العلامة نور الدين أبي الحسن عليّ بن محمد الأشموني الشافعي -المعنون- بمنهج السالك إلى ألفية ابن مالك. أوله: بسم الله الرحمن الرحيم. بالثناء عليك نتقرب إليك، وبشكر نعمك، نقرع باب كرمك. فقد قرنت رضاك بذكرك وزيادة نعمك بشكرك ... إلخ. وأخيرا قال المؤلف: فرغت من تحريره بعد مغرب يوم الأحد الثاني والعشرين من قعدة الحرام من سنة 1197. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ أبو عبد الله التونسي في حاشيته هذه عن المرادي من شرحه للألفية وشرحه للتسهيل مواضع تنحصر في: الكلام، النكرة والمعرفة، اسم الإشارة، اسم الموصول -في موضعين- المبتدأ، كان وأخواتها، الاستثناء -في موضعين- حروف الجر، الإضافة، ما لا ينصرف، التصغير. وسأقتصر على بعض هذه المواضع ممثلا بها: 1- النكرة والمعرفة, بعد قول الناظم: ومن ضمير الرفع ما يستتر ... كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر قال التونسي في حاشيته: "ونقل المرادي في شرح التسهيل أنه أجاز في هو من نحو مررت برجل مكرمك هو أن يكون فاعلا، وأن يكون توكيدا، وكذلك إذا جرى الوصف على غير من هو له، وإبراز الضمير يكون فاعلا باتفاق عند البصريين والكوفيين, والنظر الجيد أن يقال: ما ذهب إليه ابن مالك وابن يعيش وغيرهما مشكل؛ لأنه لا يخلو إما أن يريدوا بجواز الاستتار أنه يجوز إبراز الضمير متصلا أو منفصلا، والأول متعذر والثاني مخالف لما أصلوه من القواعد، وهو أنه إذا أمكن الاتصال لا يعدل عنه إلى الانفصال إلا فيما يستثنى وليس هذا منه. هذا كلامه" 1/ 115. 2- الاسم الموصول, بعد قول الناظم: موصول الاسماء الذي الأنثى التي ... واليا إذا ما ثنيا لا تثبت فخرج بقيد الأسماء. قال أبو سعيد: "اعلم أن الشارح قد شرح حد
الموصول هنا على الوجه الذي شرحه به المصنف والشيخ الأثير والمرادي، فإنهم قالوا: إنما يخرج الموصول الحرفي بقوله الأسماء" 1/ 137. 3- المبتدأ, بعد قول الناظم: والمفرد الجامد فارغ وإن ... يشتق فهو ذو ضمير مستكن قال التونسي: معلقا على "فهو ذو ضمير مستكن": "أي وجوبا على ما هو ظاهره هنا, وفي شرح التسهيل للمرادي: ظاهر كلام المصنف وجوب الاستتار وأنه إن أبرز كان توكيدا لا فاعلا بالصفة، وقد أجاز سيبويه في "مررت برجل مكرمك هو" الوجهين" 1/ 170. 4- الإضافة, بعد قول الناظم: ومع مع فيها قليل ونقل ... فتح وكسر لسكون يتصل قال التونسي تعليقا على "ونقل": "هذا هو الذي ارتضاه الشاطبي والمكودي والموضح والسيوطي. ورأى المرادي أن ليس الكسر والفتح في الساكنة العين بل الفتح في المفتوحة المعربة والكسر في المسكنة المبنية، وهو الذي يظهر من عبارة التسهيل حيث لم يتعرض للفتح عند ملاقاة الساكن، وها هي عبارته، وتسكينها قبل حركة وكسرها قبل سكون لغة ربيعة، وفي نسخ كثيرة ما يخالف هذا ويوافق كلام المرادي فاعرفه" 1/ 339. 5- ما لا ينصرف, بعد قول الناظم: والعدل والتعريف مانعا سحر ... إذا به التعيين قصدا يعتبر قال الأشموني: "سحر إذا أريد به سحر يوم بعينه, وذهب المطرزي إلى أنه مبني لتضمنه معنى حرف التعريف، قال في شرح الكافية، وما ذهب إليه مردود بثلاثة أوجه, الثالث أنه لو كان مبنيا لكان جائز الإعراب جواز إعراب حين في قوله "على حين عاتبت المشيب على الصبا" لتساويهما في ضعف سبب البناء بكونه عارضا قال أبو سعيد معلقا على التنبيه الثالث: "أنه لو كان مبنيا ... في شرح
التسهيل للمرادي فيه نظر؛ لأن تضمن الاسم معنى الحرف سبب للبناء ولا يضر كونه عارضا" 2/ 199. 6- التصغير, بعد قول الناظم: واختم بتا التأنيث ما صغرت من ... مؤنث عار ثلاثي كسن ما لم يكن بالتا ذا لبس ... كشجر وبقر وخمس قال الأشموني في تنبيهات: " ... الثالث: إذا سميت مؤنثا ببنت وأخت حذفت هذه التاء ثم صغرت وألحقت تاء التأنيث فتقول: بنية وأخية، وإذا سميت بهما مذكرا لم تلحق التاء فتقول بني وأخي" قال أبو سعيد معلقا على "إذا سميت مؤنثا ... إلخ" "عبارة المرادي في شرح التسهيل إذا سميت مذكرا ببنت وأخت ثم صغرتها حذفت التاء ورددت لأم الكلمة فقلت: بني وأخي ولا يعوض منها تاء التأنيث، ولو سميت بهما مؤنثا حذفت هذه التاء وعوضت منها تاء التأنيث وقلت: بنية وأخية كما إذا كانا نكرتين" 2/ 217. الخامس عشر: ما نقله أبو العرفان الصبان عن المرادي: التعريف بالمؤلف: هو أبو العرفان محمد بن عليّ الصبان، ولد بالقاهرة ونشأ فقيرا متواكلا مستجديا الخلق مع العفة، واجتهد في طلب العلم، وحضر على أشياخ العصر كالمدابغي والأجهوري والعدوي ... ودرس الكتب القيمة واعترف العلماء بفضله في مصر والشام, فالتف حوله الخلائق الكثيرون، وصنف مؤلفات في النحو أشهرها حاشيته على الأشموني. توفي وصلي عليه بالأزهر في حفل مهيب سنة 1206هـ. الكتاب: هو كتاب مطبوع. حاشية على شرح ألفية ابن مالك للأشموني. أوله: نحمدك اللهم على ما وجهت نحونا من سوابغ النعم، ونشكرك على ما أظهرت لنا من مبهمات الأسرار ومضمرات الحكم ... تحتوي هذه الحاشية على
تلخيص زبدة ما كتبه السابقون قبله على شرح الأشموني، وتنبيهه على ما وقع لهم من أسقام الأفهام, والتعليق عليه، وتبيان العلمية, وتحامل على الحفني في شدة وعنف, وأسرف في التشهير به متجاوزا العرف التقليدي, ويوضح الأمور ويبينها. وفرغ المؤلف من هذه الحاشية يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة من صفر سنة 1193 ثلاث وتسعين ومائة وألف على يد مؤلفها. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ الصبان في حاشيته هذه عن المرادي من كتبه: الجنى الداني وشرح التسهيل وشرح الألفية, مواضع كثيرة متعددة، وذلك دليل على قوة المرادي في آرائه. والمواضع هي: الموصول -في موضعين- الابتداء -في موضعين- إن وأخواتها، ظن وأخواتها -في موضعين- تعدي الفعل ولزومه، التنازع، المفعول له، حروف الجر، الإضافة، المضاف إلى ياء المتكلم، أفعل التفضيل، التوكيد، البدل، النداء -في موضعين- أسماء الأصوات والأفعال، ما لا ينصرف -في موضعين- إعراب الفعل -في موضعين- الإخبار بالألف واللام -في ثلاثة مواضع- العدد -في موضعين- كم وكأين وكذا، التأنيث، وتثنية المقصور والممدود، جمع التكسير -في ثلاثة مواضع- الوقف -في موضعين- الإمالة, التصريف -في ثلاثة مواضع- الإبدال -في تسعة مواضع- الإدغام. وسأقتصر على ذكر بعض المواضع على سبيل المثال. 1- إن وأخواتها, بعد قول الناظم: بعد إذا فجاءة أو قسم ... لا لام بعده بوجهين نمي قال الصبان معلقا على قول الأشموني: فمن الأول. وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم " ... وكن أرى -بضم الهمزة ... ووجه تعدية المضموم إلى مفعولين مع أنه مضارع أرى المتعدي إلى ثلاثة ...
لكن قال المرادي -في شرح المتن: إن من الأفعال المتعدية إلى ثلاثة أرى بالبناء للمفعول, مضارع أريت بمعنى أظننت كذلك، وكذا في شرحه للتسهيل وزاد فيه عن سيبويه وغيره أن أريت بمعنى أظننت لم ينطق له بمبني للفاعل، كما لم ينطق بأظننت التي أريت بمعناها ... " 1/ 220. 2- التنازع في العمل, بعد قول الناظم: إن عاملان اقتضيا في اسم عمل ... قبل فللواحد منهما العمل قال الأشموني: "والاحتراز بكونهما مقتضيين للعمل من نحو: "أتاك أتاك اللاحقون" إذ الثاني توكيد". قال الصبان: "قال المرادي في شرح التسهيل: ويحتمل قوله: "أتاك أتاك" أن يكون من التنازع ويكون قد أضمر مفردا" 2/ 72. 3- حروف الجر -بعد الوضع الخامس في زيادة الباء- وهو التوكيد. قال الصبان: "والزائدة مع المفعول غير مقيسة، وإن كان مفعول كفى نحو: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع". كذا في الجنى الداني" 2/ 199. 4- أفعل التفضيل -في آخره- التنبيه الثالث- قال في شرح الكافية: أجمعوا على أنه لا ينصب المفعول به إن وجد ما يوهم ذلك جعل نصبه بفعل مقدر "الله أعلم حيث يجعل رسالاته" فحيث هنا مفعول فيه. قال الصبان: " ... وفي المرادي على التسهيل: لم تجئ حيث فاعلا ولا مفعولا به ولا مبتدأ". ا. هـ. 3/ 42. 5- المنادى, بعد قول الناظم: واضمم أو انصب ما اضطرارا نونا ... مما لا استحقاق ضم بينا قال الصبان: "وإذا ضممت المنادى المفرد المنون ضرورة فلك في نعته الضم والنصب وإن نصبته تعين نصب نعته فإن نون مقصور نحو يا فتى للضرورة، فإن نوى الضم جاز في نعته الوجهان، أو النصب تعين نصب نعته كذا في شرح التسهيل للمرادي" 3/ 11.
6- التوكيد, بعد قول الناظم: بالنفس أبو العين الاسم أكدا ... مع ضمير طابق المؤكدا قال الأشموني: "أي في الإفراد والتذكير وفروعهما فتقول: جاء زيد نفسه أو عينه أو نفسه وعينه فتجمع بينهما" قال الصبان معلقا على قوله فتجمع بينهما "أي بلا عطف. والظاهر أن تقديم النفس على العين لازم وقيل: حسن كذا في المرادي" 3/ 56. 7- كم: الفرق بين كم الاستفهامية والخبرية: قال الأشموني: "وأنهما يلزمان الصدر فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر" قال الصبان: "قال المرادي: وحكى الأخفش أن بعض العرب يقدم العمل على كم الخبرية. فقيل: لا يقاس عليه، والصحيح جواز القياس عليه لأنها لغة" 4/ 60. 8- تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا: قال الصبان: "ومثل المرادي المجهولة الأصل -أي الألف- بنحو الددا وهو اللهو، قال، لأن ألفه لا يدرى أهي عن ياء أو واو" 4/ 82. 9- التصغير, بعد قول الناظم: فعيعل مع فعيعيل لما ... فاق كجعل درهم دريهما قال الأشموني: " ... إن كل اسم قصد تصغيره فلا بد أن يضم أوله ويفتح ثانيه" قال الصبان معلقا على هذا: "مما علل به ذلك أنهم فتحوا في التكسير أول الرباعي والخماسي ولم يبق إلا الكسر والضم، وكان الضم أولى لقوته وفتحوا ثانيه، لأن ياء التصغير، وألف التكسير في نحو مفاعل متقابلان ما قبل الياء على ما قبل الألف. ا. هـ. مرادي مع بعض تغيير" 4/ 114. 10- الإمالة, بعد قول الناظم: ولا تمل ما لم ينل تمكنا ... دون سماع غيرها وغيرنا
قال الأشموني: "وحكى قطرب إمالة لا لكونها مستقلة" قال الصبان: إمالة "لا" أي الجوابية وقوله: لكونها مستقلة أي في الجواب كما في المرادي" 4/ 173. 11- الإبدال, بعد قول الناظم: كذاك ثاني لينين اكتنفا ... مد مفاعل كجمع نيفا قال الأشموني: " ... وأما ضياون فشاذ مع أنه لما صح في واحده صح في الجمع فقالوا ضياون كما قالوا ضيون وكان قياسه ضين، والصحيح أنه لا يقاس عليه، قال الصبان معلقا على قوله والصحيح أنه ... "أي على ضياون في تصحيح الواو وما أشبهه في صحة واحده إذا أوجد وذهب أناس إلى القياس كذا في المرادي" 4/ 218. السادس عشر: ما نقله الشيخ محمد بن عرفة الدسوقي في حاشيته على مغني اللبيب عن المرادي: التعريف بالمؤلف: هو الشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، ولد ببلدة دسوق من قرى مصر، وحضر إلى مصر وحفظ القرآن, ولازم حضور دروس الشيخ على الصعيدي والشيخ الدردير, وتصدر للإقراء والتدريس, وكان فريدا في تسهيل المعاني وتبيين المباني، يفك كل مشكل بواضح تقريره, وكان لين الجانب, وله تأليفات واضحة العبارات. وتوفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر، وخرجوا بجنازته من درب الدليل وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين, وذلك في عام 1230هـ. الكتاب: هو كتاب مطبوع, شرح على مغني اللبيب لابن هشام، أوله: الحمد لله مانح الصواب، والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب وعلى آله وأصحابه, أما بعد فيقول العبد الفقير محمد الدسوقي، لما رأيت نسخة من المغني
التي بخط والدي عليها تقاييد مفيدة تعين على مطالعة الكتاب وخفت عليها من الضياع حملني على تجريدها إخواني المحبون, وفي آخره قال: لزمت شيخنا الشيخ أحمد الدردير في قراءته لهذا الكتاب من أوله إلى آخره ابتداء من سنة 1173 إلى تمام سنة 1174 سادس سنة من مجاورتي للأزهر, وهو مودع بمكتبة الأزهر رقم 58، 13، 1119. ما نقله: نقل الشيخ محمد بن عرفة الدسوقي في حاشيته هذه في جزئه الأول عن المرادي من كتابه الجنى الداني، في مواضع هي: إما "المكسورة المشددة", أما "بالفتح والتخفيف"، إلا "بالكسر والتشديد"، بله، رب، قد. وسأذكر خمسة مواضع منها على سبيل التمثيل: 1- أمَا -بالفتح والتخفيف- قال المغني: "أمَا على وجهين ... وزاد المالقي لأمَا معنى ثالثا هو أن تكون حرف عرض بمنزلة "ألا" فتختص بالفعل نحو أمَا تقوم وأمَا تقعد" قال الدسوقي: "قال ابن أم قاسم: ونص المالقي على أن "أمَا" التي للعرض بسيطة كأمَا التي للاستفتاح، ثم قال ابن أم قاسم: وكون أمَا حرف عرض لم أره في كلام غيره" ص78. 2- إلا -بالكسر والتشديد- على أربعة أوجه. قال المغني: "الثاني أن تكون بمنزلة غير فيوصف بها وبتاليها جمع مذكر أو شبهه" قال الدسوقي معلقا على "فيوصف بها وبتاليها": "أي لا بها وحدها خلافا لبعضهم، وإنما صح أن يوصف بها وبتاليها؛ لأن مجموعها يؤدي معنى الوصف وهو المغايرة كذا قال ابن أم قاسم" ص102. 3- بله: قال المغني: "بله على ثلاثة أوجه: اسم لدع ومصدر بمعنى الترك واسم مرادف لكيف". قال الدسوقي معلقا على "واسم مرادف لكيف": "قال الدماميني: وفات المصنف وجه رابع, وهو أنها حرف على مذهب الأخفش حكاه عنه ابن أم قاسم في الجنى الداني" ص168. 4- رب: انفراد رب عن غيرها من كم الخبرية وقد والتصغير، قال المغني:
"وتنفرد رب, ووجوب تنكير مجرورها ونعته إن كان ظاهرا وإفراده وتذكيره وتمييزه بما يطابق المعنى إن كان ضميرا", قال الدسوقي معلقا على قوله: "وإفراده وتذكيره ... إلخ": "وحكى الكوفيون مطابقة الضمير للتمييز نحو: "ربهما رجلين، وربهم رجالا، وربها امرأة" حكوا ذلك نقلا عن العرب، وقال ابن عصفور: إنهم حكوا ذلك قياسا وليس كما قال. كذا في الجنى الداني". ا. هـ. ص201. 5- قد: قال المغني: "قد على وجهين: حرفية وستأتي واسمية وهي على وجهين: اسم فعل وستأتي واسم مرادف لحسب وهذه تستعمل على وجهين ... والمستعملة اسم فعل مرادفة ليكفي, وقوله: قدني من نصر الخبيبين قدي. تحتمل قد الأولى مرادفة حسب على لغة البناء وأن تكون اسم فعل, وأما الثانية فتحتمل الأول وهو واضح". قال الدسوقي معلقا على قوله: "وهو واضح": "لأن حذف النون حينئذ ليس ضرورة أما أنها معربة فظاهر وأما على أنها مبنية على ما نقله ابن أم قاسم من جواز حذف النون من المبنية" ص249. السابع عشر: ما نقله الشيخ محمد الأمير في حاشيته على مغني اللبيب عن المرادي: التعريف بالمؤلف: هو الشيخ محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن محمد السنباوي المالكي الأزهري الشهير بالأمير. ولد بناحية صنبو "من قرى ديروط" بالصعيد, حيث نزل جده هناك، وكان مولده في شهر ذي الحجة سنة أربع وخمسين ومائة، وألف بأخبار والديه وارتحل معهما إلى مصر وهو ابن تسع سنين وحضر دروس أعيان عصره واجتهد في التحصيل، وله مؤلفات منها حاشية على المغني لابن هشام وحاشية على شرح الشذور لابن هشام وحاشية على الأزهرية, توفي يوم الاثنين عاشر ذي القعدة الحرام سنة 1232 مائتين واثنتين وألف، ودفن قرب عمارة السلطان قايتباي.
الكتاب: هو كتاب مطبوع، طبع بدار إحياء الكتب العربية بالقاهرة. وهو حاشية على كتاب مغني اللبيب لابن هشام، أوله: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي نحوه بل علمه مغنٍ عن سؤاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله ... والشيخ الأمير في حاشيته هذه نقل عن المرادي المعروف بابن أم قاسم في الجزء الأول منه فقط وكان نقله من الجنى الداني, ومودع في مكتبة الأزهر رقم 2034-3395-6563. ما نقله: نقل عن المرادي من كتابه الجنى الداني الذي سار على نمطه واعتمد عليه وأخذ عنه ابن هشام في كتابه مغني اللبيب, وكان نقل الشيخ الأمير في أبواب هي: حرف الباء "بجل"، حرف الراء "رب"، حرف القاف "قد"، حرف الكاف "الكاف غير الجارة، كان"، حرف اللام "لولا، لعل", وسأقتصر على ذكر بعض المواضع على سبيل المثال. 1- قد: قال صاحب المغني بعد أن قسم قد على وجهين: حرفية واسمية, والاسمية على وجهين: اسم فعل واسم مرادف لحسب قال: "والمستعملة اسم فعل مرادفة ليكفي يقال: قدني من نصر الخبيبين قدي. تحتمل قد الأولى أن تكون مرادفة لحسب على لغة البناء، وأن تكون اسم فعل، وأما الثانية فتحتمل الأول وهو واضح". قال الأمير في حاشيته معلقا على قوله: "مرادفة ليكفي": " ... وقد صرح ابن أم قاسم بأنه بمعنى كفى". وعلق على قوله: "هو واضح": "أي لأن حذف النون حينئذ ليس بضرورة أما على أنها معربة فظاهر وأما على أنها مبنية فعلى ما نقله ابن أم قاسم من جواز حذف النون من المبنية". ا. هـ. ص147. 2- الكاف غير الجارة, وهي اللاحقة لبعض أسماء الأفعال، قال المغني: "ولبعض أسماء الأفعال نحو حيهلك ورويدك والنجاءك وأرأيتك بمعنى أخبرني نحو: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} ... ".
قال الأمير معلقا على "بمعنى أخبرني": "اعلم أن المصنف وابن أم قاسم المرادي صاحب الجنى الداني وشرح التسهيل اختارا أن أرأيت هذه منقولة من العلمية لا البصرية لأنها تتعدى إلى اثنين، نحو أرأيتك زيدا ما صنع، فالتاء فاعل والكاف حرف خطاب على الصحيح وزيدا مفعول أول وجملة الاستفهام مفعول ثان ... " ص156. 3- لولا: قال المغني: "على أربعة أوجه أحدها أن تدخل على جملتين اسمية ففعلية لربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو: "لولا زيد لأكرمتك" ... وليس المرفوع بعد لولا فاعلا بفعل محذوف ولا بلولا لنيابتها عنه ولا بها أصالة". قال الأمير معلقا على قوله: "لنيابتها عنه": "في الجنى الداني أن الفراء حكى عن بعضهم أنه مرفوع بلولا لنيابتها منابه لو لم يوجد، ورد بأنك تقول لولا زيد لا عمرو لأتيتك ولا يعطف بلا بعد النفي". ا. هـ. ص215. 4- لعل -لغاتها- قال المغني: "فيها عشر لغات ... قال الأمير: وفي الجنى الداني وفي لعل اثنتا عشرة لغة فذكر هذه إلا لعلت وذكرهنَّ ورعل وغن قال: واختلف في الغين المعجمة في تلك اللغات الثلاث فقيل: بدل من المهملة وقيل: ليست بدلا منها". ا. هـ. ص223. الثامن عشر: ما نقله الشيخ حسن العطار عن المرادي: التعريف بالمؤلف: هو الشيخ حسن بن محمد العطار الشافعي المصري الأزهري, أقام في مصر ودرس لبعض الطلاب في الجامع الأزهري، ثم دهم مصر ما دهمها من حادثة الكفرة الفرنسيين, فخرج فارا من مصر إلى البلاد الرومية, فأقام بالبلاد مدة طويلة ثم توجه إلى دمشق الشام فصادف دخوله فيها زوال يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين ومائتين وألف ... ومن مؤلفاته في النحو حاشية على شرح الأزهرية للشيخ خالد، المتوفى سنة 1250هـ.
الكتاب: هو كتاب مطبوع، حاشية في علم النحو على كتاب شرح الأزهرية لمؤلفه الشيخ خالد الأزهري. أوله: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله ... وقد جمع المؤلف هذه الحاشية وقت أن كان بالجامع الأزهر، وجعلها في مسودة ثم استصحبها حينما توجه إلى البلاد الرومية، ولما استقر به المقام في دمشق شرع في نقل هذه الحاشية من المسودة، ووافق تمام النقل يوم الثلاثاء المبارك السابع عشر من جمادى الأولى عام خمسة وعشرين ومائتين بعد الألف. مودع بمكتبة الأزهر رقم 70-816-1218-1791. ما نقله عن المرادي: نقل الشيخ العطار في حاشيته هذه عن المرادي أربعة مواضع هي: الممنوع من الصرف، المبتدأ والخبر، تابع المرفوع، المفعول فيه. وسأذكر هذه المواضع تفصيلا: 1- الممنوع من الصرف: الوصف والعدل كأخر، قال العطار معلقا على "كأخر": "بضم الهمزة جمع أخرى مؤنث آخر بفتح الهمزة والخاء والمد بمعنى غير وهو من باب أفعل التفضيل فإذا قلت: مررت بزيد ورجل آخر فمعناه أحق بالتأخير من زيد في الذكر؛ لأن الأول قد اعتني به في التقدم في الذكر قاله المرادي في شرح التسهيل" ص108. 2- الخبر: الخبر الجملة إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا، قال العطار "تتمة" قال المرادي: قال بعض المتأخرين في الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا أربعة مذاهب. أحدها: أنهما من قبيل المفردات فيكون العامل فيها اسم فاعل، الثاني: أنهما من قبيل الجملة فيكون العامل فيهما فعلا نحو كان أو استقر أو يستقر وهذا مذهب جمهور البصريين.
الثالث: يجوز أن يكونا من قبيل المفرد وأن يكونا من قبيل الجملة وهو اختيار بعض المتأخرين. الرابع: أنهما قسم برأسه وهو مذهب ابن السراج" ص136. 3- الباب السابع من المرفوعات تابع المرفوع، وهو كل ثان أعرب إعراب سابقه الحاصل والمتجدد. قال العطار: " ... وزاد المرادي في التعريف قيدا لإخراج الخبر الثاني فقال: وليس خبرا ... " ص149. 4- المفعول فيه وهو ما ضمن معنى "في" من اسم زمان مطلقا سواء كان مبهما أو مختصا. قال العطار معلقا على "سواء كان مبهما أو مختصا": "قال المرادي في شرح التسهيل: المبهم من الزمان ما وقع على قدر من الزمن غير معين كوقت وحين. والمختص قسمان: محدود وغيره فالمحدود هو ماله قدر من الزمن معلوم نحو يومين وشهر وسنة والمحرم وسائر أيام الشهور ونحو الصيف والشتاء، والمختص غير المحدود كأسماء الأيام كالسبت والأحد وما أضافت إليه العرب شهرا من أعلام الشهور وهو رمضان وربيع الأول وربيع الثاني وما اختص بأل أو الصفة أو الإضافة" ص185. التاسع عشر: ما نقله الشيخ محمد الخضري عن المرادي: التعريف بالمؤلف: هو الشيخ محمد الدمياطي الشافعي الشهير بالخضري المولود في عام 1213هـ المتوفى في عام 1287هـ. وهو من أكابر علماء الشافعية، وأخذ عنه الجم الغفير، وواظب على الإفادة والتدريس، إلى أن انتقل إلى دار الكرامة يوم الثلاثاء بعد الظهر ثالث صفر ودفن في مشهد حافل. الكتاب: هو حاشية على شرح الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل لألفية ابن مالك. أوله: بسم الله الرحمن الرحيم. نحمدك اللهم يا من تفضل على من نحا نحوه بتواتر خلاصة نعمه الكافية ...
وهو كتاب مطبوع قال في آخره: وهذا آخر ما يسره الله تعالى على هذا الشرح المبارك. قال المؤلف: وقد وافق فراغ تأليفه بعد عصر يوم السبت الحادي عشر من ربيع الثاني سنة 1250 من الهجرة. مودع في مكتبة الأزهر رقم 1028-1138-1474. ما نقله: نقل الشيخ محمد الخضري في حاشيته هذه عن المرادي في أبواب هي: الكلام، العلم, التنازع، المفعول المطلق، التمييز -في موضعين- النداء، أسماء الأفعال والأصوات، ما لا ينصرف، كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما، الإبدال. وسأكتفي بذكر بعض المواضع على سبيل المثال: 1- العلم, بعد قول الناظم: ومثله برة للمبره ... كذا فجار علم للفجره قال ابن عقيل: "وحكم علم الجنس في المعنى كحكم النكرة". قال الخضري: فهو نكرة معنى كما هو ظاهر المتن، ونص عليه المصنف في شرح التسهيل، لكن تعقبه المرادي بأن تفرقة الواضع بين أسد وأسامة لفظا تؤذن بفرق في المعنى وإلا لزم التحكم" 1/ 166. 2- التمييز, بعد قول الناظم: والنصب بعدما أضيف وجبا ... إن كان مثل ملء الأرض ذهبا قال الخضري: "وقال الأشموني والمرادي: "إن كان مثل ملء الأرض ... إلخ". في إنه لا يصلح إغناؤه عن المضاف إليه، ومثله "قدر راحة سحابا" إذ لا يقال: ملء ذهب ولا قدر سحاب، فإن صح إغناء المضاف عن المضاف إليه جاز النصب والجر بالإضافة بعد حذف المضاف إليه الأول، كأشجع الناس رجلا وأشجع رجل". ا. هـ. 1/ 224.
3- كيفية تثنية الممدود والمقصور وجمعهما تصحيحا, بعد قول الناظم: في غير ذا تقلب واوا الألف ... وأولها ما كان قبل قد ألف ألف التأنيث المقصورة تقلب ياء إذا كانت سادسة مجهولة الأصل وأميلت فتقول في متى علما متيان، قال الخضري معلقا على: "مجهولة الأصل" هي التي في حرف أو شبهه كما يؤخذ من مثاله تبعا لابن الحاجب ولظاهر ابن المصنف وجعل المرادي ألفهما أصلية ومثل مجهولة الأصل بنحو الددا -بدالين مهملتين- كالفتى وهو اللهو. قال: "لأنه لا يدرى أهي عن ياء أو عن واو" 2/ 150. 4- أسماء الأفعال والأصوات, بعد قول الناظم: ما ناب عن فعل كشتان وصه ... هو اسم فعل وكذا أوه ومه قال الخضري: "أوه بفتح الهمزة وشد الواو، وفيه لغات منها ما اشتهر من قولهم آه وآه بالضم والسكون فهما اسما فعل بمعنى أتوجع كما في المرادي 2/ 89. 5- ما لا ينصرف, بعد قول الناظم: وزائدا فعلان في وصف سلم ... من أن يرى بتاء تأنيث ختم يمنع الاسم من الصرف للصفة وزيادة الألف والنون، بشرط أن يكون المؤنث في ذلك مختوما بتاء التأنيث ... فإن كان المذكر على فعلان والمؤنث على فعلانة صرف، قال الخضري معلقا على "والمؤنث على فعلانة": لم يجئ من ذلك إلا ألفاظ معدودة جمعها المصنف في قوله: أجز فعلى لفعلانا ... إذا استثنيت حبلانا وذيله المرادي بقوله: وزد فيهن خمصانا ... على لغة وأليانا
6- كيفية تثنية الممدود والمقصور وجمعهما تصحيحا, بعد قول الناظم: في غير ذا تقلب واوا الألف ... وأولها ما كان قبل قد ألف ألف التأنيث المقصورة تقلب ياء إذا كانت ثالثة مجهولة الأصل وأميلت فتقول في متى علما متيان. قال الخضري معلقا على "مجهولة الأصل" هي التي في حرف أو شبهه كما يؤخذ من مثاله تبعا لابن الحاجب ولظاهر ابن المصنف، وجعل المرادي ألفهما أصلية، ومثل مجهولة الأصل بنحو الددا -بدالين مهملتين- كالفتى وهو اللهو، قال: لأنه لا يدرى أهي عن واو أو ياء. ا. هـ. 2/ 150. العشرون: ما نقله الشيخ أبو النجا عن المرادي: التعريف بالمؤلف: هو العلامة السيد محمد أبو النجا من علماء القرن الثالث عشر الهجري. الكتاب: هو كتاب مطبوع بالمطبعة الحسينية، مودع بمكتبة الأزهر رقم 217-1198-1430. حاشية على شرح الشيخ خالد الأزهري على متن الأجرومية في علم العربية. أوله: الحمد لله الذي فتح أبواب فيضه لمن اصطفاه من عباده ورفع عن أحزاب حضرته عوامل الجوازم فذاقوا لذة أنسه ووداده, أما بعد فهذه عبارات شريفة ونكات ظريفة, أخذت أغلبها من حاشية شيخ مشايخنا العلامة المدابغي ... ما نقله: نقل الشيخ أبو النجا في حاشيته هذه -عن المرادي- موضعين في المبتدأ وفي العطف. 1- المبتدأ: تعريفه: هو الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية غير الزائدة وما أشبهها، قال أبو النجا معلقا على غير الزائدة ... إلخ: "قيد في القيد فهو
لإدخال المجرور بحرف زائد أو بحرف يشبه الزائد، فمن الأول بحسبك زيد، إن حسبك مبتدأ والباء فيه زائدة، قال المرادي: وذكر في شرح الكافية أن حسبك في هذا المثال ونحوه خبر مقدم لا مبتدأ؛ لأنه لا يتعرف بالإضافة وإنما يكون مبتدأ إذا كان بعده نكرة نحو بحسبك درهم" ص106. 2- العطف: البيان: التابع الموضح لمتبوعه إن كان معرفة أو المخصص له إن كان نكرة الجامد غير المؤول بالمشتق المؤول لمتبوعه, فخرج بالجامد غير المؤول النعت، والقاعدة أن ما صح عطف بيان صح جعله بدلا وبالعكس إلا في مسائل نظمها العلامة المرادي فراجعها. ص135. ملاحظة: بعد أن تصفحت كتب الناقلين، لاحظت أن النقل عن المرادي من شرح التسهيل أكثر من النقل عن شرح الألفية والنقل من شرح الألفية أكثر من النقل عن الجنى الداني.
الباب الثالث
الباب الثالث: الفصل الأول: أضواء على الشرح: كنت أظن أن المرادي في شرحه للألفية قد نقل أكثر مما ألفه عن غيره من شراحها وأخذ عنهم علمهم, وقد كان أكثر اعتماده على ابن مالك في كتبه الكافية وشرحها والتسهيل وشرحه فقد تأثر به. وقد يعرض آراء بعض النحاة على سبيل التوضيح والمقارنة، وقد لاحظت أن الأشموني اتبع طريقة المرادي في الشرح وذكر التنبيهات فظننت أن لهما مصدرا واحدا ولكن ظهر لي جليا أن المرادي العالم كان هو المصدر الوحيد للأشموني الذي نقل عنه واعتمد عليه, وذكرت بعض الأمثلة على ذلك في قسم الناقلين عن المرادي. وبعد تحقيقي لهذا القسم من الشرح لاحظت أنه جمع قواعد النحو وأسرارها وكشف بشرحه مخبآتها وأحاط بأوابدها فهو الفيصل تستحكم الفكرة عنده فيبرزها بالدليل النقلي أو النظري أو هما معا. وكان ينسب القول إلى قائله باسمه وذلك كثير جدا لا يقع تحت حصر وأمثال ذلك السيرافي, والكسائي, وابن مالك والشارح, وسيبويه, والأخفش، والزجاج، والمازني، وابن عصفور، والجرمي، والمبرد, وأبو حيان, وغيرهم. ولاحظت في شرحه أنه تارة ينقل عن ابن مالك أو يستدركه ويوافق آراء النحاة أو يخالفهم، وكان اعتماده على السماع أكثر من القياس, وإن كان في الجملة بصري الاتجاه، ولم يغفل تصويبه لمذهب الكوفيين والميل إليه، كما لم يغفل المرادي عن الناحية اللغوية وإعراب بعض الجمل توضيحا للمعنى، واعتمد في الاستشهاد على القرآن الكريم وأوجه القراءات فيه والأحاديث النبوية، وأمثال العرب وأقوالهم وأشعارهم. وسأضرب الأمثلة لكلٍّ.
نقله عن ابن مالك: كثيرا ما كان يستعين بالكافية والتسهيل وشرحيهما، وكان يتجه في ذلك اتجاهين: إما أنه يكمل ما فات ابن مالك في النظم, فكان يذكر مسائل من هذين الكتابين، وإما أن يأتي بالنقل منهما لبيان المخالفة بينهما وبين الألفية ومن الأمثلة: مسألة "1": في باب الكلام, بعد قول الناظم: كلامنا لفظ مفيد كاستقم بعد الشرح قال المرادي في تنبيهات له: "الثالث: قال في شرح التسهيل وزاد بعض العلماء في حد الكلام أن يكون من ناطق واحد احترازا من أن يصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فعلا أو مبتدأ، ويذكر الآخر فاعل ذلك الفعل، أو جزء ذلك المبتدأ؛ لأن الكلام عمل واحد فلا يكون عامله إلا واحدا، قال: وللمستغني عن هذه الزيادة جوابان: أحدهما: أن يقول: لا نسلم أن مجموع النطقين ليس بكلام بل هو كلام، وليس اتحاد الناطق معتبرا كما لم يكن اتحاد الكاتب معتبرا في كون الخط خطًّا. والثاني: أن يقال: كل واحد من المصطلحين إنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالا على نطق الآخر بالأخرى, فمعناها مستحضر في ذهنه، فكل واحد من المصطلحين متكلم بكلام كما يكون قول القائل لقوم رأوا شبحا: زيدا. أي: المرئي زيدا. ا. هـ مختصرا". مسألة "2": في باب الكلام بعد قول الناظم: بالجر والتنوين والندا وأل ... ومسند للاسم تمييز حصل "وقال في شرح التسهيل: وإنما اختص الاسم بالنداء، لأنه مفعول به في المعنى والمفعولية لا تليق بغير الاسم". ثم شرح وقال:
وقد صرح في الكافية باسمية ما أخبر عن لفظه حيث قال: وإن نسبت لأداة حكما ... فابن أو أعرب واجعلنها اسما مسألة "3": في باب المعرب والمبنى: قال: الإعراب في الاصطلاح مذهبان: قال أحدهما: أنه لفظي. قال: "وحده في التسهيل بقوله: الإعراب ما جيء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو سكون أو حذف". والبناء في الاصطلاح. قال: "وأما في الاصطلاح فقد حده في التسهيل بقوله: ما جيء به لا لبيان مقتضى العمل من شبه الإعراب، وليس حكاية أو اتباعا أو نقلا أو تخلصا من سكونين". مسألة "4": في باب الضمير, بعد قول الناظم: وكل مضمر له البنا يجب قال: "وقد ذكر في التسهيل لبنائه أربعة أسباب: أولها: شبه الحرف وضعا؛ لأن أكثره على حرف أو حرفين وحمل الباقي على الأكثر. ثانيها: شبه الحرف افتقارا؛ لأن المضمر لا تقم دلالته على مسماه إلا يضميمة من مشاهدة أو غيرها. ثالثها: شبه الحرف جمودا، والمراد بالجمود عدم التصرف في لفظه بوجه من الوجوه حتى في التصغير، وبأن يوصف أو يوصف به كما فعل بالمبهمات. رابعها: الاستغناء باختلاف صيغة لاختلاف المعاني. مسألة "5": في باب الإشارة بعد قول الناظم: وبأولى أشر لجمع مطلقا ... والمد أولى ... إلخ
بعد الشرح وضح المصنف أن تكون أولئك بالمد المتوسط. قال "قلت" ونسبه الصفار إلى سيبويه، وقد استدل له في شرح التسهيل بأوجه. أولها -وهو أقواها: أن الفراء روى أن الحجازيين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام، وأن التميميين ليس من لغتهم استعمال الكاف مع اللام، وأن بني تميم يقولون: "ذاك وتيك حيث يقول الحجازيون" "ذلك وتلك، فلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان. ثانيها: أن القرآن العزيز ليس فيه إشارة إلا بمجرد عن اللام والكاف معا، أو مصاحب لهما معا. أعني غير المثنى والمجموع فلو كانت الإشارة إلى المتوسط بكاف لا لام معها لكان القرآن غير جامع لوجوه الإشارة. وهذا مردود بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] . وثالثها: أن التعبير "بذلك" عن مضمون كلام على أثر انقضائه شائع في القرآن وغيره، ولا واسطة بين النطقين. ورابعها: أنها لو كانت مراتب الإشارة ثلاثا لم يكتف في التثنية والجمع بلفظين، لأن في ذلك رجوعا عن سبيل الإفراد ولا التفات إلى قول من قال: إن تشديد النون دليل على البعد؛ لأن التشديد عوض عما حذف من الواحد؛ لأنه يستعمل مع المجرد من الكاف. انتهى". قال المرادي: وفيه اختصار، ولإخفاء ما في الوجه الثاني من الضعف. مسألة "6": في باب الإشارة, بعد قول الناظم: واللام إن قدمت ها ممتنعة قال: "قال في شرح التسهيل: إن المقرون بالكاف في التثنية والجمع لا يصحبه "ها" فلا يقال: هذانك" ولا "هاؤلئك"؛ لأن واحدهما "ذاك" أو "ذلك"
فحمل على ذلك مثناه وجمعه؛ لأنهما فرعا، وحمل عليهما مثنى "ذاك" وجمعه، لتساويهما لفظا ومعنى". ا. هـ. قال المرادي: والسماع في الجمع يرد عليه. من هؤليائكن الضال والسمر مسألة "7": في باب الإشارة, بعد قول الناظم: أو بهنالك انطقن قال المرادي: "ظاهر كلامه هنا اختصاص "هنا" بالمكان، وقد صرح به في الكافية. فقال: وبالمكان اخصص هنا. وقال في شرح التسهيل: وقد يراد "بهناك" و"هنالك" الزمان، وقد مثل "هناك" في شرحه بقول الشاعر: وإذا الأمور تشابهت وتعاظمت ... فهناك تعترفون أين المفزع ومثل "هنالك" بقوله: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 11] . ولا حجة فيهما، لاحتمال أن تكون الإشارة إلى المكان". مسألة "8": في باب الموصول: تعريفه: قال: "وقد حده في التسهيل بقوله: ما افتقر أبدا إلى عائد أو خلفه جملة صريحة أو مؤولة غير طلبية ولا إنشائية". والموصول الحرفي قال: "وأما الحرفي: فحده في التسهيل بقوله ما أول مع ما يليه بمصدر ولم يحتج إلى عائد".
مسألة "9": في باب الموصول, بعد قول الناظم: والنون إن تشدد فلا ملامة قال المرادي: "وذكر في شرح التسهيل: أن حذف النون من قوله: "هما اللتا" لضرورة الشعر، وهو مخالف لما في التسهيل. فإنه قال: "يجوز إثبات نونها وحذفها". وقد ذكر فيه قبل ذلك أن من أسباب حذف نون التثنية تقصير الصلة، ومثله في الشرح بقوله: أبني كليب إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا وذكر في التسهيل لغة رابعة. هي: "لذان" بحذف الألف واللام". مسألة "10": في باب الموصول, بعد قول الناظم: ومن وما وأل تساوي ما ذكر قال في "ما" لمبهم أمره: "قال في شرح التسهيل، وكذلك لو علمت إنسانيته ولم تدر أهو ذكر أم أنثى؟ ومنه قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي} [آل عمران: 35] أو لمختلط بما لا يعقل. "قال في الكافية: وعند الاختلاط خير من نطق ... في أن يجيء منهما بما اتفق مسألة "11": في باب الابتداء, بعد قول الناظم: مبتدأ زيد وعاذر خبر
وبعد الكلام في "بحسبك زيد" قال المرادي: "وذكر في شرح الكافية، أن "حسبك" في هذا المثال ونحوه خبر لا مبتدأ؛ لأنه لا يتعرف بالإضافة، وإنما يكون مبتدأ إذا كان بعده نكرة نحو "بحسبك درهم". مسألة "12": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: وألحقت بإن لكن وأن ... من دون ليت ولعل وكأن بعد الشرح قال المرادي: "قال في التسهيل: و"أن" في ذلك "كإن" على الأصح". ا. هـ. فأطلق كما أطلق هنا، وقيد ذلك في شرحه بأن يتقدمها علم كقوله: وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق أو معناه. كقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] . وهذا هو الصحيح؛ لأن "أن" ههنا وما عملت فيه بتأويل الجملة فصح أن يعطف عل محلها كالمكسورة". مسألة "13": في باب الحال بعد قول الناظم: الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حال كفردا أذهب بعد الشرح قال في التنبيه له: "ذكر في شرح التسهيل أن "من" الزائدة ربما دخلت على الحال ومثله بقراءة من قرأ: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرفان: 18]-مبنيا للمفعول- وفيه نظر". مسألة "14": في باب الحال, بعد قول الناظم:
................... ... أو يخصص أو بين من بعد نفي أو مضاهيه ... .............................. بعد أن ذكر المسوغات مفصلة قال: "وزاد في التسهيل ثلاثة: أحدها: أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو نحو: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ} [البقرة: 259] ؛ لأن الواو رفعت توهم النعتية. والثاني: أن يكون الوصف به على خلاف الأصل نحو: "هذا خاتم حديدا". والثالث: اشتراك المعرفة مع النكرة في الحال نحو: "هؤلاء ناس وعبد الله منطلقين". مسألة "15": في باب حروف الجر, بعد قول الناظم: ... والظرفية استبن ببا ... و"في" وقد يبينان السببا "قال في شرح التسهيل: باء السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها مجازا نحو: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 57] . فلو قصد إسناد الإخراج إلى الهاء لصح وحسن لكنه مجاز، ومنه "كتبت بالقلم" و"قطعت بالسكين" فإنه يقال: "كتب القلم" و"قطع السكين". والنحويون يعبرون عن هذه الباء بباء الاستعانة، وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى، فإن استعمال السببية فيها تجوز، واستعمال الاستعانة فيها لا يجوز. قال: وباء التعليل هي التي يصلح غالبا في موضعها اللام كقوله تعالى: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 54] , {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} [النساء: 160] . ا. هـ. مسألة "16": في باب الإضافة, بعد قول الناظم: وذي الإضافة اسمها لفظية ... وتلك محضة ومعنوية بعد الشرح المطول، وذكر "غير ومثل". قال: "قال في شرح التسهيل: قد يعني بغير ومثل مغايرة خاصة ومماثلة
خاصة, فيحكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في "غير" إذا وقع بين ضدين وأجاز بعض العلماء -منهم السيرافي- أن يعمل على هذا قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] لوقوع "غير" فيه بين متضادين وليس بلازم، لقوله تعالى: {نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] فنعت به النكرة مع وقوعه بين متضادين". ا. هـ. استدراك على ابن مالك: كثيرا ما يتعقب الناظم في كلامه وقد علل وبين ... مسألة "1": في باب الكلام, بعد قول الناظم: وفعل أمر ومضى بنيا بعد الشرح قال المرادي في تنبيهات له: "الثالث: لم يتعرض في النظم لما يبنى عليه الأمر والماضي ... وأما الأمر: فإنه يبنى على ما يجزم به لو كان مضارعا، فإن كان صحيح الآخر بنى على السكون، وإن كان معتل الآخر أو مما يرفع بالنون حذف آخره, أما الماضي: فإنه يبنى على الفتح ما لم يتصل به ضمير مرفوع لمتكلم أو مخاطب أو جمع مؤنث غالبا فيسكن آخره. فإن اتصل به واو جمع ضم آخره ... إلخ". مسألة "2": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: كذا أولات والذي اسما قد جعل ... كأذرعات فيه ذا أيضا قبل قال المرادي بعد الشرح: "فإن قلت: قد ذكر حكم المجموع بالألف والتاء إذا سمي به، فما حكم المثنى والمجموع على حدة إذا سمي بأحدهما؟
قلت: أما المثنى ففيه لغتان: الأولى: أن يعرب بعد التسمية بما كان يعرب به قبلها. والثانية: أن يجعل مثل "عمران" في التزام الألف، وإعرابه على النون إعراب ما لا ينصرف ... إلخ". مسألة "3": في باب العلم, بعد قول الناظم: وشاع في الأعلام ذو الإضافه قال المرادي بعد الشرح: "وقد صرح بذلك في التسهيل حيث قال: ومعرى من إضافة وإسناد ومزج مفرد، وما لم يعرَّ مركب، وليس كما قال؛ لأنه يرد عليه أشياء كثيرة من المركب نحو ما تركب من حرفين "كأنما" أو حرف واسم نحو "يا زيد" أو حرف وفعل نحو "قد قام"". مسألة "4": في باب الموصول قال: "ولم يذكر الناظم هنا الحرفي، فلنقدمه، وهو خمسة أحرف: "أن" وتوصل بفعل متصرف مطلق خلافا لمن منع وصلها بالأمر، و"ما": وتوصل بفعل متصرف غير أمر، وقد توصل بجملة اسمية خلافا لقوم، وندر وصلها بليس في قوله: بما لستما أهل الخيانة والغدر ... إلخ". مسألة "5": في باب الموصول, بعد قول الناظم: والحذف عندهم كثير منجلي قال المرادي: "ومقتضى عبارة الناظم أن حذف المنصوب بالوصف كثير مطلقا، وليس كذلك" ولم يزد على ذلك. مسألة "6": في باب المعرف بأداة التعريف, بعد قول الناظم:
كالفضل والحارث والنعمان قال المرادي في تنبيه له: "اعلم أن في تمثيله بالنعمان نظرا؛ لأنه مثل به في شرح التسهيل لما قارنت الأداة نقله، وعلى هذا فالأداة فيه لازمة، وإذا كانت للمح لم تكن لازمة". مسألة "7": في باب المشبهات بليس, بعد قول الناظم: وقد تلى لات وإن ذا العملا بعد الشرح المطول قال: "ونص المصنف على أن عمل لا أكثر من عمل إن، والعكس أقرب إلى الصواب". مسألة "8": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: وخففت كأن أيضا فنوي ... منصوبها ثابتا أيضا روى بعد الشرح قال: "فإن قلت: قد ذكر المصنف تخفيف إن وأن وكأن وسكت عن لعل ولكن فما حكمهما؟ قلت: أما لعل, فلا تخفف، وأما لكن, فإن خففت لم تعمل ... وأجاز يونس والأخفش إعمالها مخففة قياسا، وقد حكى يونس أنه حكاه عن العرب". مسألة "9": في باب لا النافية للجنس, بعد قول الناظم: وركب المفرد فاتحا بعد الشرح قال: "وفي عبارته هنا قصور, حيث قال "فاتحا". بل الصواب على ما ينصب به ليشمل ما فعلناه، ولو قال: وركب المفرد كالنصب، لأجاد".
مسألة "10": في باب لا النافية للجنس, بعد قول الناظم: وأعط لا مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام بعد الشرح المطول قال: "إذا تقرر هذا, فاعلم أن كلام المصنف مناقش من وجهين: أحدهما: أنه أطلق فشمل التي للعرض. فإن قلت: فلعله يقول: بأنها غير مركبة من الهمزة ولا, فلم يشملها الإطلاق. قلت: قد استثناها في الكافية والتسهيل، فدل على أنها عنده مركبة. والآخر: أن مقتضى كلامه هنا موافقة المازني والمبرد في تسوية التي للتمني بالتي للتوبيخ والإنكار لمجرد الاستفهام، وهو خلاف ما ذهب إليه في غير هذا الكتاب". مسألة "11": في باب الاستثناء, بعد قول الناظم: ........................ اجعلا ... على الأصح ما لغير جعلا بعد الشرح المطول قال: "فإن قلت: ظاهر قوله: "ما لغير" مساواتها لغير في جميع الأحكام. وليس كذلك, بل افترقا في أمرين: الأول: أن المستثنى بغير قد يحذف إذا فهم المعنى نحو: "ليس غير" بالضم والفتح وبالتنوين بخلاف "سوى". الثاني: أن "سوى" تقع صلة للموصول وحدها في فصيح الكلام بخلاف "غير"". مسألة "12": في باب الإضافة, بعد قول الناظم:
وذي الإضافة اسمها لفظيه ... وتلك محضة ومعنويه بعد الشرح المطول قال: "أهمل المصنف هنا نوعين مما لا يتعرف بالإضافة: أحدهما: ما وقع موقع نكرة لا تقبل التعريف نحو: "رب رجل وأخيه". "وكم ناقة وفصيلها" و"فعل ذلك جهده وطاقته", ونحو: "لا أباك تخوفيني"؛ لأن "رب" و"كم" لا يجران المعارف، والحال لا تكون معرفة، ولا لا تعمل في المعرفة. وثانيهما: ما لا يقبل التعريف، لشدة إبهامه كغير ومثل وحسب ... ".
الاعتراضات الواردة على الناظم: من أدب المرادي مع الشيخ ابن مالك أنه يدفع عنه الاعتراض ويعتذر ويعلل وبذلك يوضح مراد الناظم. وسأقتصر على ذكر بعض الأمثلة على سبيل المثال: مسألة "1": في باب الكلام, بعد قول الناظم: اسم وفعل ثم حرف الكلم قال بعد الشرح: "وأورد على الناظم أنه قسم الكلم إلى غير أقسامه؛ لأن الاسم والفعل والحرف أقسام الكلمة لا أقسام للكلم. وأقسام الكلم أسماء وأفعال وحروف؛ لأن علامة صحة القسمة جواز إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من الأقسام. والجواب: أن هذا من تقسيم الكل إلى أجزائه، وإنما يلزم صدق اسم المقسوم على كل من الأقسام في تقسيم الكلي إلى جزئياته، والناظم لم يقصد ذلك". مسألة "2": في باب الكلام, بعد قول الناظم: ومسند للاسم تمييز حصل قال: "وأورد على الناظم أنه أطلق الإسناد، وهو قسمان: معنوي ولفظي فالمعنوي: هو الخاص بالأسماء. واللفظي: مشترك يوجد في الاسم والفعل والحرف: نحو "زيد" ثلاثي، و"ضرب" فعل ماض و"من" حرف جر. قلت: التحقيق أن القسمين كليهما من خواص الأسماء، ولا يسند إلى الفعل والحرف إلا محكوما باسميتهما". مسألة "3": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم:
كالشبه الوضعي "فإن قلت: قد أخل بهذا النوع الخامس فلم يذكره. قلت: قد أشار إليه بكاف التشبيه في قوله: "كالشبه الوضعي" فإنها مشعرة بعدم الحصر". مسألة "4": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا ... لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا قال: "ويشترط في إعراب هذه الأسماء مع الشرطين المذكورين شرطان آخران: أن تكون مفردة ... أن تكون مكبرة ... فإن قلت: فقد أهمل هذين الشرطين قلت: قد علق الحكم على ما لفظ به، وقد لفظ بها مفردة مكبرة فاكتفى بذلك" اكتفى بالمثال عن القاعدة. مسألة "5": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: وشبه ذين.................. ... سالم جمع عامر ومذنب بعد الشرح قال: "فإن قلت: زاد في التسهيل في شروط الاسم شرطين آخرين: أحدهما: أن يكون غير مركب تركيب إسناد أو مزج. والآخر: أن يكون غير معرب بحرفين. فلم ترك ذكرهما؟ قلت: هذان شرطان لصحة مطلق الجمع ولا خصوصية لهما بهذا الجمع المذكور". مسألة "6": في باب النكرة والمعرفة, بعد قول الناظم:
نكرة قابل أل مؤثرا ... أو واقع موقع ما قد ذكرا بعد الشرح قال المرادي: "فإن قلت: حصر النكرة في القسمين غير صحيح؛ لوجود ثالث لا يقبل أل ولا يقع موقع شيء يقبلها وهو نكرة، وذلك "من" و"ما" في الشرط والاستفهام خلافا لابن كيسان في "من" و"ما" الاستفهاميتين، فإنهما عنده معرفتان. قلت: الحصر في القسمين صحيح و"ما" و"من" المذكورتان واقعتان موقع شيء يقبل أل, ولا يشترط أن يكون مساويا لهما في تضمن معنى الشرط والاستفهام؛ لأن "من" و"ما" لم يوضعا في الأصل لذلك، وتضمن معنى الشرط والاستفهام طارئ على معناهما الأصلي فليتأمل". مسألة "7": في باب الضمير, بعد قول الناظم: ومن ضمير الرفع ما يستتر ... كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر فلم يذكر المصنف اسم فعل الأمر واسم المضارع والمصدر الواقع بدلا من فعله في الأمر، قال المرادي: "فإن قلت: قد أخل الناظم بهذه الثلاثة الأواخر، قلت: لم يدع الحصر، وإنما ليقاس على تمثيله ... ". مسألة "8": في باب الموصول, بعد قول الناظم: جمع الذي الألي الذين مطلقا بعد الشرح قال المرادي: "وفصل المصنف فقال: وغنى عنه الذي في غير تخصيص كثيرا، وفيه للضرورة قليلا، وأنشد البيت على أنه ضرورة. وقيل: هو مخالف لما ذكره أول التسهيل، فإنه ذكر لحذف النون أسبابا فقال: تسقط النون للإضافة وللضرورة ولتقصير الصلة.
قلت: هو غير مخالف له، فإن قوله: "ويغني الذي" معناه: أن "الذي" المفرد اللفظ قد يعبر به عن جمع إلا أنه جمع حذفت نونه. ألا ترى قوله في الشرح، وإذا لم يقصد بالذي تخصيص جاز أن يعبر به عن جمع حملا على "من". وأما "وأن الذي حانت" فمحتمل لأن يكون مفردا عبر به عن الجمع وأن يكون جمعا حذفت نونه". مسألة "9": في باب الموصول, بعد قول الناظم: كذا الذي جر بما الموصول جر ... كمر بالذي مررت فهو بر فذكر شروطا لحذف العائد المجرور بالحرف. قال المرادي: "فإن قلت: لا يؤخذ من كلامه إلا شرط واحد، وهو اتفاق الحرفين، قلت: أما أخذ الشرط الثاني من كلامه فظاهر، فإنه شرط أن يجر العائد بالذي جر الموصول، ومتى اختلف الحرفان معنى كان الجر للعائد حينئذ غير الجار للموصول، فإن باء السببية مثلا غير باء التعدية. وأما أخذ الشرط الثالث فمن تمثيله". مسألة "10": في باب نائب الفاعل, بعد قول الناظم: والثاني التالي تا المطاوعه ... كالأول اجعله بلا منازعه بعد الشرح قال المرادي: "فإن قلت: فتقييد المصنف التاء بالمطاوعة ليس بجيد. قلت: هو كذلك، والعذر له أن التاء فيما ذكرناه من الأفعال شبيهة بتاء المطاوعة فاكتفى بذكرها". مسألة "11": في باب حروف الجر, بعد قول الناظم:
وما رووا من نحو ربه فتى ... نزر............................. بعد الشرح قال المرادي: "فإن قلت: إنما أورد النحويون ذلك على أنه فصيح مقيس عليه فكيف قال: نزر؟ قلت: لعله أراد أنه قليل بالنسبة إلى الظاهر, ويؤيده قوله في الكافية: وربه عطبا استندر وقس ... عليه إن شئت وحد عن ملتبس مسألة "12": في باب حروف الجر, بعد قول الناظم: ومذ ومنذ اسمان حيث رفعا ... أو أوليا الفعل................... بعد الشرح قال المرادي: "فإن قلت: لو قال: أوليا الجملة. نحو: "مذ دعا"، لأجاد، لتندرج الجملة الاسمية. قلت: هو كذلك، والعذر له في الاقتصار على الفعل أنه الكثير".
نقله عن شيخه أبي حيان: وقد اعتد المرادي بشيخه ونقل عنه في شرحه بعض الآراء مبينا رأيه في مسائل, بلا تعقيب. ومن الأمثلة. مسألة "1": في باب النائب عن الفاعل, بعد قول الناظم: ولا ينوب بعض هذي إن وجد ... في اللفظ مفعول به وقد يرد قال المرادي: "وإذا فقد المفعول به جازت نيابة كل واحد من هذه الأشياء. قيل: ولا أولية لشيء منها، وقيل: المصدر أولى، وقيل: المجرور أولى، وقال الشيخ أبو حيان: ظرف المكان أولى". مسألة "2": في باب الاستثناء, بعد قول الناظم: واستثن ناصبا بليس وخلا ... وبعدا وبيكون بعد لا بعد الشرح قال المرادي: "وفي الارتشاف: قال ابن مالك وصاحب البسيط: هو المحذوف حذف الاسم لقوة دلالة الكلام عليه, وهذا مخالف لما اتفق عليه الكوفيون والبصريون من أن الفاعل مضمر لا محذوف". ا. هـ. مسألة "3": في باب الحال, بعد قول الناظم: ومصدر منكر حالا يقع ... بكثرة كبغتة زيد طلع بعد الشرح قال: "واستثنى في التسهيل ثلاثة أنواع لا يقتصر فيها على السماع:
الأول: قولهم: أنت الرجل علما ... وفي الارتشاف: ويحتمل عندي أن يكون تمييزا. الثاني: نحو: "زيد زهير شعرا" قال في الارتشاف: والأظهر أن يكون تمييزا". مسألة "4": في باب التمييز, بعد قول الناظم: واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كطب نفسا تفد بعد الشرح المطول قال: "قال في الارتشاف: ويدل على صحة ذلك -يعني الزيادة- أنه عطف على موضعهما نصبا. قال الحطيئة: طافت أمامة بالركبان آونة ... يا حسنه من قوام ما ومنتقبا مسألة "5": في باب حروف الجر, بعد قول الناظم: وزيد في نفي وشبهه فجر ... نكرة كما لباغ من مفر بعد الشرح قال المرادي: "قال في الارتشاف: وفي إلحاق الهمزة بها نظر، وصرح بمنعه بعد كيف ونحوها". مسألة "6": في باب حروف الجر, بعد قول الناظم: وحذفت رب فجرت بعد بل ... والفا وبعد الواو شاع ذا العمل بعد الشرح المطول قال: "وفي الارتشاف: وزعم بعض النحويين: أن الخفض هو بالفاء وبل، لنيابتهما مناب رب".
مسألة "7": في باب الإضافة, بعد قول الناظم: ........... وانو من أو في إذا ... لم يصلح إلا ذاك واللام خذا بعد الشرح المطول قال: "وفي الارتشاف: والذي أذهب إليه أن الإضافة تفيد الاختصاص، وأنها ليست على تقدير حرف مما ذكروه ولا على نيته". مسألة "8": في باب الإضافة, بعد قول الناظم: وشذ إيلاء يدي للبى قال: "وفي الارتشاف: ويضاف إلى الظاهر تقول: لبى زيد وسعدى عمرو، وإلى ضمير الغائب: لبيه، ودعوى الشذوذ فيهما باطلة". مسألة "9": في المضاف إلى ياء المتكلم, بعد قول الناظم: ....... وفي المقصور عن ... هذيل انقلابها ياء حسن قال: "فإن قلت: فهل يجوز قلب ألف المثنى في لغة من التزمها مطلقا؟ قلت: قال في الارتشاف: يحتاج في جوازه إلى سماع".
نقله عن سيبويه: وقد اعتمد المرادي على سيبويه إما بالإشارة إلى مذهبه أو بالنقل نصا وسأذكر بعض الأمثلة من نصه. مسألة "1": في باب الضمير, بعد قول الناظم: وقبل يا النفس مع الفعل التزم ... نون وقاية وليسي قد نظم بعد الشرح قال: "والوجه ليسني، وهو الفصيح كقول بعض العرب عليه، رجلا ليسني، حكاه سيبويه". مسألة "2": في باب العلم, بعد قول الناظم: ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم بعد الشرح المطول قال المرادي: "وفي كلام سيبويه إيماء إلى هذا الفرق، فإنه قال في باب ترجمته: هذا باب من المعرفة يكون فيه الاسم الخاص شائعا في الأمة ليس واحد منها بأولى من الآخر. ما نصه. إذا قلت: هذا أبو الحارث إنما يريد هذا الأسد. أي: هذا الذي سمعت باسمه أو عرفت أشباهه، ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفته بمعرفته كزيد، ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم". ا. هـ. مسألة "3": في باب ظن, بعد قول الناظم: والتزم التعليق قبل نفي ما بعد الشرح قال:
"قال سيبويه ما نصه: كما أنك إذا قلت: قد علمت أزيد ثَمَّ أم عمرو، وأردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثَمَّ". ا. هـ. مسألة "4": في باب الفاعل, بعد قول الناظم: والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ... ضميري ذي المجاز في شعر وقع قال: "أما الحذف مع الحقيقي فذكره سيبويه وحكى قال فلانة". مسألة "5": في باب التنازع, بعد قول الناظم: وقد بغى واعتديا عبدا كا بعد الشرح المطول قال: "والصحيح ما ذهب إليه سيبويه من جواز الإضمار قبل الذكر في هذا الباب لسماعه، حكى سيبويه، ضربوني وضربت قومك". مسألة "6": في باب الاستثناء, بعد قول الناظم: وغير نصب سابق في النفي قد ... يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد قال: "قال سيبويه: حدثني يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون: ما لي إلا أبوك ناصر. فيجعلون ناصرا بدلا". ا. هـ. مسألة "7": في باب الاستثناء, بعد قول الناظم: ......................... اجعلا ... على الأصح ما لغير جعلا بعد الشرح قال: "ونقل عن الفراء: قال سيبويه بعد أن مثل بقوله: أتاني القوم سواك، زعم الخليل أن هذا كقولك: أتاني القوم مكانك إلا أن في سواك معنى الاستثناء". ا. هـ.
مسألة "8": في باب الاستثناء, بعد قول الناظم: وكخلا حاشا ولا تصحب ما بعد الشرح قال: "قال سيبويه: لو قلت: أتوني ما حاشا زيدا لم يكن كلام وقد أجازه بعضهم على قلة". ا. هـ.
مدى اعتماده على ابن الناظم في شرحه للألفية: قد نرى المرادي يعتد برأي ابن الناظم ويناقشه إذا قبل الكلام المناقشة معللا في بعض الأحيان، أو معارضا. ومن الأمثلة: مسألة "1": في باب الكلام, بعد قول الناظم: بالجر والتنوين والندا وأل بعد الشرح قال المرادي: "إنما ينحصر الاسم بالإسناد إليه، فإنه أجيب بما ذكره الشارح من أنه أراد الإسناد إليه فحذف صلته اعتمادا على التوفيق وفيه نظر؛ لأن الاعتماد على التوفيق لا يحسن في مقام التعريف". مسألة "2": في باب الضمير, بعد قول الناظم: وكل مضمر له البنا يجب بعد أن شرح وذكر أن لبنائه في التسهيل أربعة أسباب. قال: "ورابعها: الاستغناء باختلاف صيغه لاختلاف المعاني. قال الشارح: ولعل هذا هو المعتبر عند الشيخ في بناء المضمرات، ولذا عقبه بتقسيمها بحسب الإعراب, كأنه قصد بذلك إظهار علة البناء". مسألة "3": في باب المعرف بأداة التعريف, بعد قول الناظم: كالفضل والحارث والنعمان
بعد الشرح قال المرادي: "وقول الشارح: وقد يكون في المنقول من مصدر أو اسم عين؛ لأن المصادر وأسماء الأعيان قد تجري مجرى الصفات في الوصف بها على التأويل وهذا يقتضي أن اللمح للوصف". مسألة "4": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: والفعل إن لم يك ناسخا فلا ... تلفيه غالبا بإن ذي موصلا بعد الشرح قال المرادي: "قال الشارح: وأما نحو: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقوله: "إن قتلت لمسلما" فقليل. وأقل منه "إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه". مسألة "5": في باب التنازع, بعد قول الناظم: ولا تجيء مع أول قد أهملا ... بمضمر لغير رفع أوهلا بل حذفه الزم إن يكن غير خبر ... وأخرنه إن يكن هو الخبر بعد الشرح قال المرادي: "أما تقديمه فقال الشارح: لا يجوز عند الجميع". ا. هـ. وقوله: "غير خبر" قد يوهم أن ضمير المتنازع فيه إذا كان مفعولا أولا في باب ظن يجب حذفه. وليس كذلك، بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف، ولزم التأخير، ولذلك قال الشارح: لو قال بدله: واحذفه إن لم يك مفعول حسب ... وإن يكن ذاك فأخره تصب لسلم".
مسألة "6": في باب المفعول فيه, بعد قول الناظم: الظرف وقت أو مكان ضمنا ... في باطراد كهنا امكث أزمنا بعد الشرح قال: "قال الشارح: وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى الاحتراز عنه بقيد الاطراد؛ لأنه يخرج بقولنا: "مضمن معنى في"". ا. هـ. مسألة "7": في باب الحال, بعد قول الناظم: الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حال كفردا اذهب بعد الشرح قال: "وقال الشارح: إن هذا التعريف ليس بمانع؛ لأنه يشمل النعت وهو غير مسلم، لخروجه بقيد لزوم النصب". مسألة "8": في باب الحال, بعد قول الناظم: ............................... وندر ... نحو سعيد مستقرا في هجر بعد الشرح قال: "وقوله: ندر، ظاهره أنه مما لا يقاس عليه، وصرح الشرح بذلك فقال: وما جاء منه مسموعا حفظ ولا يقاس عليه". مسألة "9": في باب الحال, بعد قول الناظم: وذات بدء بمضارع ثبت ... حوت ضميرا ومن الواو خلت بعد الشرح قال المرادي: "تنبيه: ويشترط في خلوه من الواو مع الإثبات شرط آخر، وهو أن يعرى
من قد، ذكره في التسهيل فإن قرن بها. قال الشارح: لزمته الواو نحو: {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} ". مسألة "10": في باب الحال, بعد قول الناظم: وجعله الحال سوى ما قدما ... بواو أو بمضمر أو بهما بعد الشرح قال: "وقول الشارح: وقد تجيء بالضمير والواو، ظاهره عدم التأويل". مسألة "11": في باب التمييز, بعد قول الناظم: واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كطب نفسا تفد بعد الشرح قال: "قال الشارح: لا يجوز جره بمن إلا في تعجب أو شبهه لقولهم: لله دره من فارس، وقال الشاعر: فنعم المرء من رجل تهامي ". ا. هـ. ثم شرح وقال: "ويلزم الشارح جواز الجر بمن في نحو زيد أحسن به وجها؛ لأنه تعجب، وقد نص غير المصنف على منعه".
الفصل الثاني
الفصل الثاني: اعتماد المرادي على السماع: ومن الأمثلة ما يلي: مسألة "1": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: وقصرها ما نقصهن أشهر قال بعد الشرح: "وذهب الفراء إلى أن وزن أب وأخ وحم فعل بالإسكان. ورد بسماع قصرها وبجمعها على أفعال". مسألة "2": في باب الضمير, بعد قول الناظم: غيري اختار الانفصالا بعد الشرح قال: "وهم الأكثرون ومنهم سيبويه ووجهه أن الضمير في البابين خبر في الأصل وحق الخبر الانفصال، وكلاهما مسموع". مسألة "3": في باب العلم, بعد قول الناظم: ومثله برة للمبره ... كذا فجار علم للفجره بعد الشرح قال المرادي في تنبيه له: "لما كان لعلم الجنس خصوص من وجه وشياع من وجه جاء في بعضه عن العرب وجهان: إعطاؤه حكم المعارف وإعطاؤه حكم النكرات، وطريق ذلك السماع، ومن المسموع فيه الوجهان غدوة وبكرة وعشية". مسألة "4": في باب المبتدأ والخبر, بعد قول الناظم: والأصل في الأخبار أن تؤخرا
قال: "ومنع الكوفيون تقديم الخبر إلا في نحو في داره زيد. وهم محجوجون بالسماع". مسألة "5": في باب المشبهات بليس, بعد قول الناظم: وقد تلى لات وإن ذا العملا بعد أن ذكر الخلاف في إعمال "أن" عمل "ليس" قال: "والصحيح الإعمال، وقد سمع في النظم والنثر فمن النثر قولهم: "إن ذلك نافعك ولا ضارك، وإن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية ... ". والنظم قوله: إن هو مستوليا على أحد ... إلا على أضعف المجانين ... " مسألة "6": في باب الفاعل, بعد قول الناظم: والتاء مع جمع سوى السالم من ... مذكر كالتاء مع إحدى اللبن بعد الشرح المطول قال: "وأما جمع المذكر السالم فلا يجوز إلحاق التاء معه إذا لم يسمع، ولذلك استثناه خلافا للكوفيين فأجازوا الوجهين في الجموع الثلاثة". مسألة "7": في باب الاستثناء بعد قول الناظم: وقيل حاش وحشا فاحفظهما قال: "وقد سمع الاستثناء بحشى في قوله: حشا رهط النبي فإن منهم ... بحورا لا تكدرها الدلاء ولم يسمع بحاش".
في الإضافة, بعد قول الناظم: وذي الإضافة اسمها لفظيه ... وتلك محضة ومعنويه بعد الشرح قال في تنبيهات له: "الأول: ذهب ابن برهان وابن الطراوة إلى أن إضافة المصدر إلى مرفوعه أو منصوبه غير محضة، والصحيح أنها محضة، لورود السماع بنعته بالمعرفة كقوله: إن وجدي بك الشديد أراني ... عاذرا فيك من عهدت عذولا مسألة "9": في باب الإضافة, بعد قول الناظم: ومن بني فلم يفندا بعد الشرح قال: "وقد ورد السماع بالبناء قبل الجملة الاسمية في قوله: على حين الكرام قليل فإنه روي بالفتح". ومن الأمثلة على القياس: وقل ميوله إلى القياس. ومن الأمثلة: مسألة "1": في باب المشبهات بليس: قال: "ما النافية حرف مهمل عند بني تميم، وهو القياس، لعدم اختصاصه". مسألة "2": في باب المفعول فيه, بعد قول الناظم:
وقد ينوب عن مكان مصدر ... وذاك في ظرف الزمان يكثر بعد الشرح قال: "وكثير في الزمان نحو: "كان ذلك خفوق النجم وطلوع الثريا" أي: وقت خفوق النجم، ووقت طلوع الثريا، وكثرته تقتضي القياس عليه". مسألة "3": في باب المفعول معه, بعد قول الناظم: ينصب تالي الواو مفعولا معه ... في نحو سيري والطريق مسرعه قال: "وهذا الباب مقيس على الأصح وقد فهم ذلك من قوله: "نحو"". ميوله للبصريين: لاحظت أن المرادي يميل إلى المذهب البصري وكثيرا ما يرجحه ويصححه، ويعلل لذلك، ولكثرته رأيت أن أذكر بعض الأمثلة. مسألة "1": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: كلتا كذاك اثنان واثنتان قال في تنبيهات له -في الثاني منها: "ما تقدم من أن كلا وكلتا مفردا اللفظ مثنيا المعنى هو مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أنهما من قبيل المثنى لفظا ومعنى. ويرده أمور منها الإخبار عنهما في الكلام الفصيح كما تقدم". مسألة "2": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: بعد إذا فجاءة أو قسم ... لا لام بعده بوجهين نمي
بعد الشرح المطول قال: " ... قد حكي عن الكوفيين تفضيله على الكسر في هذا المثال وعن بعضهم تفضيل الكسر عليه، ومذهب البصريين أن الكسر لازم، وهو صحيح". مسألة "3": في باب التنازع بعد قول الناظم: والثان أولى عند أهل البصره ... واختار عكسا غيرهم ذا أسره قال: فقال البصريون: إعمال الثاني أرجح لقربه، وقال الكوفيون إعمال الأول أرجح لسبقه ... والصحيح مذهب البصريين. لأن إعمال الثاني هو الأكثر وإعمال الأول قليل. نقل ذلك سيبويه عن العرب. مسألة "4": في باب المفعول المطلق, بعد قول الناظم: وكونه أصلا لهذين انتخب بعد أن ذكر الخلاف بين البصريين والكوفيين في الأصالة قال: "والصحيح مذهب البصريين؛ لأن الفرع لا بد فيه من معنى الأصل وزيادة والفعل يدل على الحدث والزمان". من الأمثلة التي رجح فيها المذهب الكوفي: ورجح المرادي المذهب الكوفي وصححه وهذا قليل. من ذلك: مسألة "1": في باب الموصول, بعد قول الناظم: والنون إن تشدد فلا ملامه
بعد الشرح قال المرادي: "وأما مع الياء فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون، وهو الصحيح، لقراءة ابن كثير: "ربنا أرنا اللَّذينِّ أضلانا" بالتشديد". مسألة "2": في باب الموصول, بعد قول الناظم: أي كما وأعربت ما لم تضف ... وصدر وصلها ضمير انحذف في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} . قال: وذهب الكوفيون: إلى أن أيهم علق عنه شيعة بما فيه من معنى الفعل كأنه قيل: لننزعن من كل متشيع في أيهم أشد ... وقال ابن الطراوة: غلطوا، ولم تبن إلا لقطعها عن الإضافة، وهم مبتدأ وأشد خبره، وليس بشيء لأنها لا تبنى إلا إذا أضيفت ولأن "أيا" أتت في رسم المصحف موصولة بالضمير ولو كان مبتدأ لفصل". مخالفته لآراء النحاة: ولاحظت أن المرادي في شرحه كثيرا ما كان يخالف النحاة في آرائهم ويعلل للمخالفة. مسألة "1": في باب الكلام, بعد قول الناظم: ......... يلي لم كيشم قال المرادي: "والعامة يفتحون عين الماضي ويضمون عين المضارع. قال ابن درستويه وهو خطأ وليس كما قال, بل هو لغة حكاها الفراء وابن الأعرابي ويعقوب وغيرهم". مسألة "2": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم:
وقصرها من نقصهن أشهر في تنبيهات له ذكر الخلاف بين النحويين, ثم قال المرادي: "وذهب بعضهم إلى أن لام "حم" ياء من الحماية، لأن أحماء المرأة يحمونها وهو مردود بقوله في التثنية حموان، وفي إحدى لغاته حمو". مسألة "3": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: كلتا كذاك اثنان واثنتان قال بعد الشرح: "وزعم البغداديون أن "كلتا" قد نطق لها بمفرد في قول الراجز: في كلت رجليها سلامى واحده وليس بصحيح، بل أراد "في كلتا" فحذف الألف للضرورة", ثم قال بعد ذلك: "وذهب الجرمي إلى أن التاء في "كلتا" زائدة للتأنيث، وهو ضعيف؛ لأن تاء التأنيث لا تقع حشوا ولا بعد ساكن غير الألف". مسألة "4": في باب الضمير, بعد قول الناظم: وفي قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي قال في تنبيهات له: "الأول: ذهب بعضهم إلى أن حذف النون من "قد" و"قط" لا يجوز إلا في الضرورة. والصحيح جوازه في الاختيار". مسألة "5": في باب الموصول, بعد قول الناظم: ومن وما وأل تساوي ما ذكر بعد الشرح قال: "وزاد أبو عليّ في أقسام "من" أن تكون نكرة غير موصوفة كقول الشاعر: ونعم من هو في سر وإعلان والصحيح: أنها لا تكون نكرة غير موصوفة".
مسألة "6": في باب المشبهات بليس, بعد قول الناظم: وبعد ما ليس جر البا الخبر ... وبعد لا ونفي كان قد يجر بعد الشرح قال: "ولا خلاف في زيادة الباء بعد ما الحجازية، ومنع الفارسي والزمخشري زيادتها بعد ما التميمية. والصحيح الجواز، لوجود ذلك في أشعار بني تميم". مسألة "7": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: لإن أن ليت لكن لعل ... كأن عكس ما لكان من عمل قال في "كأن" "وهي مركبة من كاف التشبيه و"أن". قبل: بلا خلاف وليس بصحيح، بل قيل: ببساطتها". مسألة "8": في باب ظن وأخواتها, بعد قول الناظم: ولا تجز هنا بلا دليل ... سقوط مفعولين أو مفعول بعد الشرح قال: "ومنع ابن ملكون شيخ الشلوبين حذف أحدهما اختصارا وليس بصحيح". مسألة "9": في باب الإضافة, بعد قول الناظم: ومَعَ مَعْ فيها قليل بعد الشرح قال: "وزعم أبو جعفر النحاس: أن الإجماع منعقد على حرفيتها إذا كانت ساكنة, وليس بصحيح، بل الصحيح أنها باقية على اسميتها، وهذا مفهوم من قوله: "فيها" يعني أن الإسكان قليل في موضع الاسمية، ولو كانت المسكنة حرفا لم يكن الإسكان لغة في الاسمية".
الفصل الثالث
الفصل الثالث ... شواهده: إن قارئ هذا الكتاب يقف على شواهد مستفيضة من القرآن الكريم وأمثال العرب وأقوالهم والحديث الشريف وشواهد شعرية. أ- الشواهد القرآنية: أما القرآن الكريم فقد كثر الاستشهاد به في الكتاب وهو في ذلك موافق للنحاة القدامى والمتأخرين. وسأقتصر على ذكر القراءات الصحيحة والشاذة التي استشهد بها. - ففي باب المعرب والمبني استشهد بالقراءات الآتية: 1- قرأ نافع: "إن هذان لساحران". 2- قراءة بعضهم: "من أوسط ما تطعمون أهليكم" على النصب في الياء. 3- قراءة قنبل: "إنه من يتق ويصبر -جزم الياء. 4- قراءة بعضهم: "إلا أن يعفون أو يعفو الذي" -نصب الواو. - في باب الضمير: - قرأ نافع: "قد بلغت من لَدُني عذرا". - في باب الموصول: 1- قرأ ابن كثير: "ربنا أرنا اللذينِّ أضلانا" -بتشديد النون. 2- قراءة ابن كثير وأبي عمرو: "فذانِّك برهانان -بتشديد النون. 3- قال أبو عمرو: سمعت أعرابيا يقرأ: "صراط لَذين" -بتخفيف اللام. 4- وقد قرئ بالوجهين قوله تعالى: "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفوَ". وقرأ أبو عمرو برفع العفو، والباقون بنصبه، فتكون "ذا" في قراءته موصولة وفي قراءتهم ملغاة. 5- وقرئ شاذا: "أيَّهم أشد" -بالنصب على لغة بعض العرب.
6- قرأ يحيى بن يعمر: "تماما على الذي أحسنُ" -برفع أحسن. 7- قرأ مالك بن دينار وابن السماك: "مثلا ما بعوضة" -برفع بعوضة. - في باب المشبهات بليس: 1- قرأ سعيد بن جبير: "إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالَكم" -نصب عباد. 2- قراءة من قرأ: "ولات حينُ مناص" برفع الحين. - في باب الفاعل: 1- قرأ مالك بن دينار وأبو رجاء الجحدري: "فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم" -بالتاء. - في باب النائب عن الفاعل: 1- قرأ علقمة: "هذه بضاعتنا رِدَّت إلينا" -بكسر الراء. 2- قرأ أبو جعفر "ليُجزى قوما بما كانوا يكسبون" -بالبناء للمجهول. - في باب الاستثناء: 1- قرأ ابن مسعود "حاش الله" -بالإضافة. 2- قرأ أبو السمال "حاشًا لله" -بالتنوين. - في باب الحال: 1- قرأ الحسن: "والسموات مطويات بيمينه" -بنصب مطويات. 2- قرأ ابن ذكوان: "فاستقيما ولا تتبعانِ" -بتخفيف النون. - في باب الإضافة: 1- قراءة بعضهم: "لأعدوا له عدة". 2- قراءة من قرأ: "من قبلٌ ومن بعدٌ" -بالتنوين. 3- قرأ ابن الجماز "والله يريد الآخرة" -بالخفض.
4- قرأ ابن محيصن: "فلا خوف عليهم" -برفع خوف من غير تنوين. 5- قرأ ابن عامر: "قتل أولادَهم شركائهم" -بنصب أولاد وجر شركاء. 6- قراءة بعض السلف: "فلا تحسبن الله مخلف وعدَهُ رسلِه"- بنصب الوعد وخفض الرسل. - في باب المضاف إلى ياء المتكلم: - قرأ الحسن: "يا بشرى". ب- الأحاديث النبوية التي استشهد بها: - في باب الكلام: 1- قال عليه الصلاة والسلام: "فإما أدركَنْ واحدٌ منكم الدجال". - في باب المعرب والمبني: 1- قال صلى الله عليه وسلم: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا". 2- قال صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك". 3- قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف". - في باب الضمير: 1- قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله ملَّككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم". 2- قال عليه الصلاة والسلام: "قط قط بعزتك". يروى بسكون الطاء وبكسرها مع ياء ودونها، ويروى "قطني قطني" بنون الوقاية، وقط قط بالتنوين وبالنون أشهر. 3- قال عليه الصلاة والسلام: "غير الدجال أخوفني عليكم". - في باب الابتداء: 1- قال عليه الصلاة والسلام: "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة".
2- قال عليه الصلاة والسلام: "لولا قومك حديثو عهد بجاهلية لأقمت البيت". - في باب الفاعل: - قال عليه الصلاة والسلام: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار". - في باب الاستثناء: - قال عليه الصلاة والسلام: "أسامة أحب الناس إليّ ما حاشا فاطمة". - في باب الحروف الجر: - قال عليه الصلاة والسلام: "لا يسرني بها حمر النعم". - في باب الإضافة: 1- عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ثماني" -بفتح دون تنوين. 2- قال عليه الصلاة والسلام: "هل أنتم تاركو لي صاحبي". 3- قال عليه الصلاة والسلام: "أو مخرجي هم". جـ- أمثال العرب وأقوالهم: - في باب المعرب والمبني: 1- ومن قصر الأخ قولهم: "مكره أخاك لا بطل". 2- في إعراب كلا وكلتا إعراب المقصور قول بعضهم: "كلاهما وتمرا". - في باب الضمير: 1- في حذف الألف من "أنا" والإتيان بهاء السكت في قول حاتم: "هذا فزدى أنه". 2- إذا كان المقدم من الضميرين غير الأخص وكان مخالفا في الرتبة لم
يجر اتصال ما بعده إلا فيما ندر كقول عثمان رضي الله عنه: "أراهمني الباطل شيطانا". 3- الضميران قد يتصلان غائبين. مثال ذلك ما رواه الكسائي في قول بعض العرب: "أهم أحسن الناس وجوها وأنضرهموها". 4- في إلحاق نون الوقاية بالفعل قبل ياء المتكلم كقول بعض العرب: "عليه رجلا ليسني". - في باب المشبهات بليس: - من إعمال "إن" عمل "ليس" قولهم: "إن ذلك نافعك ولا ضارك وإن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية". - في باب إن وأخواتها: - إن المخففة وليها فعل غير ناسخ. قولهم: "إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه". - في باب ظن وأخواتها: - جواز حذف مفعولي الفعل اقتصارا إن وجدت فائدة كقولهم: "من يسمع يخل". - في باب أعلم وأرى: - قول بعض من يوثق بعربيته: "البركة أعلمنا الله مع أكابركم". - في باب الإضافة: 1- ألا يكون المضاف بعضا ولا وصفا ولكنه شبيه بالبعض في صلاحيته للسقوط كقولهم: "اجتمعت أهل اليمامة". 2- أن شرط جر المضاف إليه بعد حذف المضاف أن يكون المحذوف معطوفا على مثله لفظا ومعنى بعاطف متصل أو منفصل "بلا" كقولهم: "ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة".
3- في الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف قول من يوثق بعربيته: "ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها". د- الشواهد الشعرية: وأما الشعر فقد دعم المرادي المعروف بابن أم قاسم القواعد بالشواهد الشعرية وأكثره للجاهليين والمخضرمين والإسلاميين سواء منها ما عرف قائلها وما لم يعرف. وقل التمثيل بشعر المحدثين الذين لا يعتد النحاة بهم في قواعدهم. ومن الأمثلة: 1- الشعراء الجاهليون وهم قبل الإسلام كامرئ القيس والأعشى ويسمون بالطبقة الأولى. ففي باب التنازع, قال امرؤ القيس: فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال وفي باب الفاعل, قال الأعشى: فإما تريني ولي لمة ... فإن الحوادث أودى بها 2- الشعراء المخضرمون وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام كلبيد وحسان ويسمون بالطبقة الثانية. ففي باب الحال, قال لبيد بن ربيعة: فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدخال وفي باب الموصول, قال حسان بن ثابت: وكفى بنا شرفا على من غيرنا ... حب النبي محمد إيانا 3- الشعراء المتقدمون ويقال لهم الإسلاميون وهم الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق ويسمون بالطبقة الثالثة. ففي باب المعرب والمبني, قال جرير:
عرفنا جعفرا وبني أبيه ... وأنكرنا زعانف آخرين وفي باب الموصول, قال الفرزدق: أبني كليب إن عمّيّ اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا 4- الشعراء المولدون ويقال لهم المحدثون كأبي نواس وأبي العلاء ويسمون بالطبقة الرابعة. ففي باب الابتداء, قال أبو نواس: غير مأسوف على زمن ... ينقضي بالهم والحزن وفي باب الخبر, قال أبو العلاء المعري: يذيب الرعب منه كل عضب ... فلولا الغمد يمسكه لسالا اعتماده على القرآن الكريم: لاحظت أن المرادي قد اعتمد في الترجيح على كتاب الله العزيز. ومن الشواهد على ذلك: مسألة "1": في باب الضمير, بعد قول الناظم: وصل أو افصل هاء سلنيه وما ... أشبهه............................ قال المرادي: "والاتصال أرجح ولذا بدأ به ولم يأت في القرآن إلا متصلا كقوله: "إذ يريكهم الله". مسألة "2": في باب الضمير, بعد قول الناظم: ومع لعل اعكس ...
قال المرادي: "يعني: أن الحذف معها كثير، ولم يأت في القرآن إلا كذلك". ا. هـ. كقوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} . وقوله تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} . مسألة "3": في باب المشبهات بليس: قال المرادي في "ما" النافية: "وألحقه أهل الحجاز بليس؛ لأنهما لنفي الحال غالبا فأعملوه عملها وبه ورد القرآن. قال تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} {مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهُمْ} ". شرح اللغويات: شرح المرادي كثيرا من الألفاظ شرحا لغويا ليبين أصله ويفهم منه المراد، وقد اعتمد في شرحه غالبا على كتاب الصحاح للجوهري. مسألة "1": في المقدمة, بعد قول الناظم: مصليا على النبي المصطفى ... وآله المستكملين الشرفا قال في "المصطفى": "والمصطفى" المختار، والاصطفاء افتعال من الصفو وهو الخالص من الكدر والشوائب أبدلت من تائه طاء لمجاورة الصاد، وكان ثلاثيه لازما. تقول: صفا الشيء، يصفو صفاء, وجاء منع متعديا". مسألة "2": في المقدمة أيضا بعد قول الناظم: لي وله في درجات الآخره
قال المرادي: "قال في الصحاح: هي الطبقات من المراتب، وقال أبو عبيدة: الدرج إلى أعلى والدرك إلى أسفل". مسألة "3": في باب الكلام, بعد قول الناظم: ... يلي لم كيشم قال: "وهو مضارع شممت الطيب ونحوه أشمه بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع والعامة يفتحون عين الماضي ويضمون عين المضارع". مسألة "4": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: وفعل أمر ومضي بنيا قال في تنبيهات له "الثاني: قد أشاروا إلى علة إعراب الفعل المضارع بتسميته مضارعا. والمضارعة: المشابهة، قال بعضهم: المضارعة من لفظ الضرع، كأنه رضع مع الاسم ضرعا واحدا، وزعم ابن عصفور، أن المضارعة مقلوبة من المراضعة، ولا ضرورة تدعو إلى ادعاء القلب؛ لأن البناء كامل التصاريف". مسألة "5": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: أب أخ حم كذاك وهن قال المرادي: "والهن كناية عن اسم جنس, قال في الصحاح: كلمة كناية ومعناها شيء فتقول: هذا هنك. أي: شيئك. وقال ابن الدهان: هو كناية عما يقلل، وكثرة الكناية به عن الفرج".
مسألة "6": في باب العلم, بعد قول الناظم: ومنه منقول كفضل وأسد ... وذو ارتجال كسعاد وأدد بعد الشرح وفي الكلام على "لأنكحن ببه". قال المرادي: "قال في الصحاح: يقال للأحمق الثقيل "ببه" وهو أيضا لقب لعبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب والي البصرة قال الفرزدق: وبايعت أقواما وفيت بعهدهم ... وببه قد بايعته غير نادم واسم جارية، وقال لأنكحن ببه، جارية خدبه، مكرمة محبة، تجب أهل الكعبة". ا. هـ. مسألة "7": في كاد, بعد قول الناظم: واستعملوا مضارعا لأوشكا ... وكاد لا غير وزادوا موشكا قال المرادي: "وذكر الجوهري: مضارع طفق، قال المصنف: لم أره لغيره، والظاهر أنه قال رأيا وقد حكى مضارع جعل".
الفصل الرابع
الفصل الرابع: موقفه من ألفية ابن مالك وألفية ابن معط: يتعرض المرادي لألفية ابن معط فيقارن بين ألفاظها وألفية ابن مالك, ومن الأمثلة: مسألة "1": في مقدمة الألفية يقول -مقارنا: قال محمد هو ابن مالك. وقال ابن معط: ويقول. مسألة "2": في باب الكلام, بعد قول ابن مالك: واحده كلمة. قال المرادي: "والكلم اسم جنس يتميز واحده بالتاء وفيه لغتان: التذكير والتأنيث. فقال: واحده على الأولى، وقال ابن معط في ألفيته: واحدها على الثانية". مسألة "3": في باب كان وأخواتها, بعد قول الناظم: وفي جميعها توسط الخبر ... أجز............................ قال المرادي: "ومنع ابن معط توسط خبر "ما دام" ونسب إلى الوهم إذ لم يقل به غيره". مسألة "4": في باب أعلم وأرى, بعد قول الناظم: وإن تعديا لواحد بلا ... همزة فلاثنين به توصلا بعد الشرح قال: "وذكر الحريري وابن معط تعدى "علم" إلى ثلاثة بالتضعيف فعدوا من أفعال هذا الباب علم.
والصحيح أن التعدي بالتضعيف سماع في اللازم والمتعدي وهو ظاهر مذهب سيبويه". التعليل في شرحه: وقد علل المرادي كثيرا مؤيدا لرأي من الآراء أو ردا على بعض النحاة فوضع الأمور في نصابها وأيد ذلك بالإقناع. ومن الأمثلة الكثيرة: مسألة "1": في باب الكلام, بعد قول الناظم: بالجر والتنوين ... إلخ. بعد الشرح في الكلام على المسند قال: "ويحتمل أن يريد به المفعول به، وهو ظاهر عبارته وهو صحيح؛ لأن المسند من خواص الأسماء وذلك أن المسند في الاصطلاح المشهور هو المحكوم به والمسند إليه هو المحكوم عليه ... ". مسألة "2": في باب الضمير, بعد قول الناظم: ......... وكن مخيرا ... في الباقيات........ بعد الشرح قال: "وأما نحو "أنا" فقد حكى بعض النحويين فيه المذاهب الثلاثة إلا أن الصحيح هنا حذف الثانية؛ لأن الثالثة هنا هي الضمير، ولثبوت حذفها في "إن" إذا حذفت". مسألة "3": في باب كان وأخواتها, بعد قول الناظم: وكل سبقه دام حظر بعد الشرح قال:
"وظاهر كلامه أنه مجمع على منعها أيضا وفيه نظر؛ لأن لمنع معلل بعلتين: إحداهما عدم تصرفها وهذا بعد تسليمه لا ينهض مانعا باتفاق، بدليل اختلافهم في "ليس" مع الإجماع على عدم تصرفها. والأخرى أن "ما" موصول حرفي ولا يفصل بينه وبين صلته، وهذا أيضا مختلف فيه". مسألة "4": في باب كان وأخواتها, بعد قول الناظم: ومنع سبق خبر ليس اصطفى بعد الشرح قال: " ... وذلك لضعفها بعدم التصرف وشبهها "بما" النافية". مسألة "5": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: أو حكيت بالقول فإنه يجوز بعده الفتح والكسر. "كقوله: أتقول إنك بالحياة ممتع. فمن فتح جعل القول عاملا، وإن غير محكية، ومن كسر حكى به، لأن الحكاية بالقول مع استيفاء شروط إجرائه مجرى الظن جائزة". مسألة "6": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: وقد يليها مع قد كإن ذا ... لقد سما على العدا مستحوذا قال: "وإنما جاز دخولها مع "قد"؛ لأن قد تقرب الماضي من الحال ... ". مسألة "7": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: وإن تخفف أن فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد أن
بعد الشرح قال: "وتجوز المصنف في قوله "استكن"؛ لأن الضمير المنصوب لا يستكن والحرف لا يستكن فيه الضمير, وإنما محذوف لا مستكن". مسألة "8": في باب الإضافة, بعد قول الناظم: والثاني اجرر..... قال "في الجار أقوال: أحدها أنه المضاف، والثاني: أنه الحرف المنوي, والثالث: أنه معنى الإضافة. والأول مذهب سيبويه وهو الصحيح، لاتصال الضمائر به ولا تتصل إلا بعاملها". مزايا الشرح: يأتي المرادي بحاصل البيت أو بمعناه أو بتلخيص للمسألة؛ ليكون الكلام سهل الفهم وفي متناول القارئ. ومن الأمثلة: مسألة "1": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: وأي فعل آخر منه ألف ... أو واو أو ياء فمعتلا عرف بعد الشرح قال: "وحاصل البيت أن كل فعل آخره ألف نحو "يخشى" أو واو نحو "يدعو" أو ياء نحو "يرمي" فهو معتل قد عرف بهذا ولا يقال منقوص ولا مقصور إلا في الأسماء". مسألة "2": في باب الضمير, بعد قول الناظم: وقدم الأخص في اتصال
بعد الشرح قال: "والحاصل أن المبيح لجواز الاتصال والانفصال هو كون الضمير ثاني ضميرين أولهما أخص وغير مرفوع أو كونه خبر كان وأخواتها, ثم إن كان المقدم من الضميرين غير الأخص، فإما أن يكون مخالفا الرتبة أو مساويا لها, فإن كان مخالفا لم يجز اتصال ما بعده إلا فيما ندر كقول عثمان رضي الله عنه: أراهمني الباطل شيطانا". مسألة "3": في باب الضمير, بعد قول الناظم: وقبل يا النفس مع الفعل التزم ... نون وقاية وليسي قد نظم بعد الشرح قال: "ومعنى البيت: أن نون الوقاية تلزم قبل ياء التكلم مع جميع الأفعال نحو أكرمني يكرمني أكرمني, إلا فعلا واحدا وهو "ليس" ندر حذف نون الوقاية معه في النظم لضرورة الشعر". مسألة "4": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: من دون ليت ولعل وكأن بعد الشرح قال: "وتلخيص هذه المسألة: أن نصب المعطوف بعد الخبر وقبل الخبر جائز في الجميع، وأما رفعه فيجوز بعد الخبر لا قبله في "إن" و"لكن" باتفاق و"أن" بعد العلم أو ما في معناه على المختار". ومن مزاياه رغبته في توضيح المسائل النحوية: فيحسم الخلاف بتحقيق أو تفضيل ليعطي القارئ صورة موجزة تساعد على فهم المراد. ومن الأمثلة:
مسألة "1": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: ما لم يضف أويك بعد أل ردف قال المرادي: "فإن قلت: إذا أضيف ما لا ينصرف أو دخلته أل وانجر بالكسرة فهل يسمى منصرفا؟ قلت: فيه خلاف مشهور. والتحقيق: أنه إن زالت إحدى علتيه بالإضفة أو أل فمنصرف نحو "مررت بأحمدكم" وإلا فغير منصرف نحو "مررت بأحسنكم". والمفهوم من قوة كلامه في النظم أنه باق على منع صرفه". أقول: والفرق بينهما أن "أحمد" ذهبت منه العلمية بالإضافة، أما في "أحسنكم" فلا تزال فيه الوصفية ووزن الفعل، فالأول منصرف, والثاني غير منصرف. مسألة "2": في باب المعرب والمبني, بعد قول الناظم: واحذف جازما..... ... ثلاثهن............. بعد الشرح قال: "والتحقيق أن الحذف عند الجازم، لأنه فرع. إذا كان حرف العلة بدلا من همزة نحو: "يقرأ" فإن قدر دخول الجازم قبل الإبدال وجب إقراره، وإن قدر دخوله بعد الإبدال فقد ذكر ابن عصفور فيه وجهين: الإثبات والحذف ومنع بعضهم الحذف". مسألة "3": في باب الابتداء, بعد قول الناظم: حاوية معنى الذي سيقت له
بعد الشرح قال: "قلت: التحقيق. إن الجملتين إذا عطفت إحداهما على الأخرى بالفاء التي للسببية تنزلتا منزلة الشرط والجزاء، واكتفى بضمير واحد في إحداهما كما يكتفي بضمير واحد في جملتي الشرط والجزاء". مسألة "4": في باب الاشتغال, بعد قول الناظم: وإن تلا السابق ما بالابتدا ... يختص فالرفع التزمه أبدا وبيت بعده.......... بعد شرح قال: "والتفصيل؛ فإن كان مقرونا بقد جاز النصب بعدها وإن لم يكن مقرونا بها وجب الرفع؛ لأن الأخفش قد حكى عن العرب إيلاءها الفعل المقرون بقد، قيل: وهو الصحيح".
مسائل: الظاهر من تعبير المرادي وتعبير النحاة أنه انفرد بها: مسألة "1": في باب الكلام, بعد قول الناظم: كلامنا لفظ مفيد كاستقم بعد الشرح قال المرادي في شرحه للألفية: "وأقول: إن صدور الكلام من ناطقين غير متصور؛ لأن الكلام مشتمل على الإسناد والإسناد لا يتصور صدوره إلا من واحد، وكل واحد من المصطلحين متكلم بكلام كما أجاب ثانيا" ونسبه إليه السيوطي في همعه 1/ 10. مسألة "2": في باب العلم, بعد قول الناظم: ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم بعد الشرح, قال المرادي في شرحه للألفية: "وأقول: تفرقة الواضع بين "أسامة" و"أسد" في الأحكام اللفظية توزن بفرق من جهة المعنى". مسألة "3": في باب الموصول "الأولي" إشارية وموصولة. قال الشيخ عبادة في حاشيته على الشذور "وقال المرادي في شرح التسهيل: فرق بينهما، وذلك أن "أولي" الإشارية لا يجوز دخول "أل" عليها. والموصولة يجوز دخولها عليها، والإشارية تكتب بعد همزتها واو بخلاف الموصولة". مسألة "4": في باب المبتدأ, بعد قول الناظم: كنطقي الله حسبي وكفى "وأقول: الذي يظهر -والله أعلم- في هذا ونحوه أنه ليس من الإخبار
بالجملة، وإنما هو من الإخبار بالمفرد؛ لأن الجملة في نحو ذلك إنما قصد لفظها كما قصد حين أخبر عنها في نحو: "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة". مسألة "5": في باب إن وأخواتها, بعد قول الناظم: بعد إذا فجاءة أو قسم ... لا لام بعده بوجهين نمي وبعد الكلام على قول الشاعر: وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا قال الشيخ الصبان: "لكن قال المرادي في شرح المتن أن من الأفعال المتعدية إلى ثلاثة" "أرى" -بالبناء للمفعول- مضارع "أريت" بمعنى أظننت كذلك، وكذا في شرحه للتسهيل، وزاد فيه عن سيبويه وغيره أن "أريت" بمعنى أظننت لم ينطق له بمعنى للفاعل كما لم ينطق بأظننت التي أريت بمعناها". مسألة "6": في باب ظن وأخواتها, بعد قول الناظم: ظن حسبت وزعمت مع عد ... حجا درى وجعل اللذ كاعتقد قال الشيخ السجاعي في حاشيته على ابن عقيل: "قال المرادي: أو ساق أو كتم". مسألة "7": في باب ظن وأخواتها, بعد قول الناظم: وجوز الإلغاء لا في الابتدا قال الشيخ الصبان: "ذكر المرادي أن لجواز الإلغاء هنا قيدين أهملهما المصنف. أحدهما: ألا تدخل لام الابتداء على الاسم، فإن دخلت نحو "لزيد قائم ظننت" وجب الإلغاء.
الثاني: ألا ينفي الفعل، فإن نفي امتنع، فيمتنع نحو "زيد قائم لم أظن"، لبناء الكلام على النفي. ولم يتعرض المصنف ولا غيره من أتباعه لهذا الذي ذكره المرادي". مسألة "8": في باب المفعول له: قال الشيخ يس في حاشيته على مجيب الندا للفاكهي: "قال المرادي في شرح التسهيل: يجوز في "كي" إذا كانت ناصبة بنفسها أن تقع مفعولا له؛ لأنها إذ ذان ينسبك منها المصدر فتكون مثل أن وإن". مسألة "9": في باب المفعول فيه, بعد قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} . جعلوا "حيث" مفعولا -أي: يعلم حيث. وقال الشيخ عبادة في حاشيته على شذور الذهب "قال المرادي: لم يجئ "حيث" فاعلا ولا مفعولا ولا مبتدأ". مسألة "10": في باب الإضافة, بعد قول الناظم: وألزموا إضافة لدن فجر قال المكودي: "وجعل المرادي قوله: "فجر" شاملا للجر في اللفظ والمحل، لتندرج الجملة، وجعل من إضافتها إلى الجملة قوله: لدن شب حتى شاب سود الذوائب وأجاز المرادي أيضا أن يضاف إلى الجملة الاسمية كقوله: لدن أنت يافع". مسألة "11": في باب المصدر في شروط المصدر:
قال الشيخ خالد في التصريح: "زاد المرادي شرطا خامسا، وهو أن يكون ما اشتملت عليه الجملة غير صالح للعمل". أقول: وقد ذكره المرادي في شرحه للألفية, بعد قول الناظم: إن كان فعل مع أن أو ما يحل ... محله............................. مسألة "12": في باب الترخيم, بعد قول الناظم: ترخيما احذف آخر المنادى ... كيا سعا فيمن دعا سعادا بعد الكلام في إعراب "ترخيما". قال الشيخ الأشموني: "وأجاز المرادي وجها رابعا، وهو أن يكون مفعولا مطلقا وناصبه احذف؛ لأنه يلاقيه في المعنى". مسألة "13": في باب موانع الصرف, الوصفية وزيادة الألف والنون: قال الشيخ عبادة في حاشيته على الشذور. بعد الشرح: "وزاد المرادي لفظين: وزد فيهن خمصانا ... على لغة وأليانا وأيضا ذكره الأشموني والصبان. أقول: وبالرجوع إلى كتب النحو المتقدمة على المرادي، وجدت أن "أليان" سبقه بها ابن الناظم. قال في شرحه لألفية والده ص259: "فقد رأينا بعض ما هو صفة على فعلان مصروفا كندمان وسيفان وأليان". ا. هـ. مسألة "14": في حرف الباء "بجل" في المصنف من الكلام على مغني ابن هشام قال الشمني: "قال ابن أم قاسم في الجنى الداني. أما "بجل" الاسمية فلها قسمان:
أحدهما: أن يكون فعلا بمعنى يكفي فتلحقها نون الوقاية مع ياء التكلم. فيقال "بجلني". والثاني: أن تكون اسما بمعنى "حسب" فتكون الباء المتصلة بها مجرورة الموضع ولا تلحقها نون الوقاية". وبالرجوع إلى هذه الآراء في كتب المرادي لاحظت أنه لم يسنبها لقائل. ملاحظة: يلاحظ على ابن أم قاسم المرادي أنه: 1- كان يقتصر على بعض الأحكام في المسألة دون استقصاء. مثل ذلك في باب الكلام, بعد قول الناظم: بالجر والتنوين ... إلخ قال: "للاسم خمس علامات: الأولى الجر, وهو يشمل الجر بالحرف نحو "بزيد" وبالمضاف نحو "غلام زيد", ولا جر بغيرهما خلافا لمن زاد التبعية". فاقتصر على ذلك وترك الجر بالمجاورة، وقد أثبته الجمهور كما في همع الهوامع للسيوطي 55/ 2 "أثبت الجمهور من البصريين والكوفيين الجر بالمجاورة ... ". وإن كان ضعيفا كما قال السيوطي في الهمع "خاتمة" في سبب للجر ضعيف أثبت الجمهور..". فعلى صاحب أن يذكر الجر من جميع الجوانب. 2- كان يعترض على المسألة فيقول: وفيه نظر، وفي بعض المسائل لا يذكر وجهة نظره. مثال ذلك: في باب ظن, بعد قول الناظم: بغير ظرف أو كظرف أو عمل ... وإن ببعض ذي فصلت يحتمل بعد الشرح قال المرادي: "وزاد في التسهيل أن يكون حاضرا، وفي شرحه بأن يكون مقصودا به الحال. فعلى هذا لا ينصب مقصودا به المستقبل، ولم يشترطه غيره، وفيه نظر".
ومثال آخر في باب الحال, بعد قول الناظم: الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حال كفردا أذهب في جر الحال بمن الزائدة. قال المرادي: "وذكر في حروف الجر من شرح التسهيل أن "من" الزائدة ربما دخلت على الحال، ومثله بقراءة من قرأ: "ما كان ينبغي لنا أن نُتَّخذ من دونك من أولياء"- مبنيا للمفعول- وفيه نظر". مذهبه النحوي: يبدو لي من الدراسة أن المرادي لم يفته كتاب من كتب النحو الهامة ابتداء من كتاب سيبويه إلى مؤلفات معاصريه, دون أن يقرأه، ولم يترك أيضا كتب مالك كالتسهيل وشرحه في الكافية وشرحها وغير ذلك. ولا أغالي إذا قلت: إنه درس كل هذه الكتب دراسة وافية واعية. وكان كثير الدأب على القراءة والاطلاع، حتى إنه ليخيل إليّ وهو يتصدى للتأليف يضع أمامه كتب ابن مالك وسيبويه والكسائي والفراء والأخفش والمبرد وابن السراج وثعلب والجرمي والفارسي والسيرافي والزمخشري وابن كيسان وابن برهان وابن جني وابن مضاء وابن خروف وابن الحاجب وابن عصفور وأبي حيان وغيرهم من كبار النحاة. فإننا نجد آراء هؤلاء جميعا وغير هؤلاء معروضة في كتب النحو عامة وشرح المرادي خاصة يوافقها أو يخالفها يؤيدها أو يردها يقويها أو يضعفها يصححها أو يخطئها، ويوازن بينها ويرجح ويختار في تبصرة وثقة واعتداد إلى جانب أنه كان على إحاطة بالقراءات والعروض والتفسير والأصول. وأول ما يطالعنا من مميزات مذهب المرادي أنه مال إلى التجديد والابتكار في منهج تأليفه، ويمكن أن نلمس هذا في شرحه. فقد اعتمد على أن يعرض آراء ابن مالك في شرحه مؤيدا أو معارضا، ولما كان هذا العمل قد حاز إعجاب بعض الشراح، رأينا الشيخ الأشموني في شرحه
للألفية نهج نهجه واتبع سبيله فنراه أيضا يسأل ويجيب، وأفرد مسائل في تنبيهات اقتداء بالمرادي. وقد مال ابن أم قاسم إلى السهولة واليسر في كل ما ذهب إليه حتى إنه ليصرح عقب المسائل الخلافية المطولة بتحقيق يشتمل على إجمال لما وقع فيه الخلاف، وأنه يختار المذهب؛ لأنه أسهل أو لبعده عن التكلف والتعقيد. ويعول كثيرا على آراء ابن مالك في التسهيل والكافية وشرحيهما، وقد يذكر المسائل المتعارضة من آرائه في هذه الكتب, قاصدا بذلك التوضيح والتبيين. ويمتاز المرادي بالجمع بين مذاهب النحاة بصريين وكوفيين وبغداديين ومغاربة فهو يعرض الآراء في دقة وأمانة ويرجح ويتخير. فشرحه هذا مزيج من نحو النحاة وآرائه الخاصة، وإن كانت المسحة الغالية هي المسحة البصرية. ولا يقف المرادي في كتابه عند المسائل النحوية بل يعدو ذلك إلى التصريف واللغة كلما سنحت سانحة. ولما كان ابن أم قاسم قد اشتغل بالقراءات والتفسير والأصول، فقد استمد شواهده من القرآن الكريم، ولحبه في كتاب الله حمله هذا الاتجاه في بعض الأحيان على قبول الشواهد من القراءات غير المشهورة أو الشاذة؛ لأنه كان يثق فيما نقله القراء. ويلاحظ أن المرادي يمثل بأبيات لا يحتج بقول قائلها كأبي نواس وأبي العلاء مقتديا بغيره. وابن أم قاسم كان يحترم السماع والقياس، ويمتاز أسلوبه بالدقة في التعبير وصوغ الأحكام التي تكفل عرض المذاهب بوضوح وسهولة. وشرح الألفية موضوع البحث مثال حي لهذا الأسلوب. انتهت الدراسة, ويليها الجزء الأول من التحقيق.
القسم الثاني: تحقيق شرح ألفية ابن مالك للمرادي
بسم الله الرحمن الرحيم القسم الثاني: تحقيق شرح ألفية ابن مالك للمرادي مقدمة المحقق: الحمد لله المنعوت بجميل الصفات، وصلى الله على سيدنا محمد أشرف الكائنات، والمبعوث بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وعلى آله وصحبه الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن بيضة الدين، حتى رفع الله بهم مناره، وأعلى كلمته، وحبك دينه المرضي وطريقه المستقيم. وبعد: فهذا الكتاب تحقيق لأهم أصل من أصول الأشموني التي اعتمد عليها وأخذ منها، ويكاد يكون صورة لها, فالأشموني وشرح المرادي على ألفية ابن مالك يكادان يكونان شيئا واحدا. لذلك اخترت هذا الكتاب للتحقيق والشرح، وقدمته إلى كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، جزءا من رسالتي للدكتوراه التي أجزت عليها مع مرتبة الشرف الأولى. واسم الكتاب كاملا هو: "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك" ومؤلفه ابن أم قاسم المرادي. وقد اعتمدت على ثلاث نسخ: وصف المخطوط: أ- النسخة الأولى: 1- خطها: نسخة في مجلد بقلم معتاد بخط إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل ومسطرتها 21 سطرا, 22سم. مودعة بمكتبة الأزهر تحت رقم "3238" عروسي 42565. 2- في أول صفحة خاتم مكتوب فيه "ملك الفقير إلى رب العالمين محمد أمين المنصوري".
3- وفي نفس الصفحة مثلث مكتوب بداخله "هذا كتاب توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك للشيخ العالم العلامة بدر الدين بن عليّ ابن الشيخ صالح الزاهد قاسم بن عبد الله بن المرادي المالكي رحمه الله". 4- ووضع أيضا خاتم أزرق اللون لم تظهر عليه كتابة. 5- نهايتها: وفي نهاية النسخة كتب: "تم الشرح المبارك المسلك في تحقيقه الطريق المبارك يوم الأربعاء لثلاث وعشرين من شهر محرم سنة 1283 على يد العبد الفقير المعترف بالذنب والتقصير إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل القناوي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين". 6- قيمتها: هذه النسخة وإن لم تكن مضبوطة بالشكل فخطها واضح، وجلي ومجدولة بالمداد الأحمر، والسقط بها قليل. ب- النسخة الثانية: 1- خطها: نسخة في مجلد مخطوط بخط الشيخ صالح سلامه رمضان السكندري مودعة بدار الكتب المصرية تحت رقم 323. 2- في أول صفحة كتب بين خاتمين لم تظهر عليهما الكتابة "مشترى من تركة الشيخ صالح سلامة رمضان في 3 أغسطس سنة 1780م". 3- وفي الصفحة الثانية أبيات من الشعر هي: وقفت على يقيني في اعتقادي ... فما شرح الخلاصة كالمرادي كتاب جل في تحصيل نحو ... وتنقيح على وفق المرادي مؤلفه له علم غزير ... وذهن ثاقب في الاجتهاد1 لقد سبق الورى في علم نحو ... على ألفية سبق الجوادي
وفاق فما يطاق له سباق ... على الخيل المضمرة الهوادي وقد بذل النصيحة في كتاب ... له شرف وها أنا فيه بادي شهير فضله في الناس طرا ... وما يخفيه إلا ذو عنادي فمهما شئت فن النحو خذه ... ففوزك في مرادك بالمرادي مراديّ تكفل بالمراد ... وفيه كفاية لذوي الرشادي فخذ بالجد بالتذكار فيه ... فهذا النصح عن محض الودادِ 4- نهايتها: وكان قد نسخ القسم الأخير قبل القسم الأول، فكتب في آخرها "كتبه لنفسه ثم لمن شاء من بعده عبيد الله الفقير صالح سلامة السكندري مولدا ومنشأ المالكي مذهبا الأشعري عقيدة الخلوتي طريقة غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وأحبابه، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، آمين يا مجيب الدعوات. وكان الفراغ من نسخه يوم الجمعة المبارك الموافق لمضي سبعة عشر يوما خلت من شوال سنة 1277هـ سبعة وسبعين ومائتين وألف من هجرة من له العز والشرف. وكان ذلك بمقام وليّ الله سيدي أحمد المكني نفعنا الله وإياكم ببركاته آمين اللهم كما مننت علينا بإكمال الجزء الثاني فامنن علينا بإكمال الجزء الأول بجاه سيدنا محمد وآله وصحبه". وفي آخر القسم الأول كتب "حرر في 25ل سنة 1278. 5- قيمتها: نالت حظ الضبط بالشكل، وهي أقل جودة من غيرها في الخط، ومجدولة بالمداد الأحمر، وبها سقط. ج- النسخة الثالثة: 1- نسخة في مجلد مخطوط مودع بدار الكتب المصرية بالمكتبة التيمورية رقم 150 وعدد أوراقها 230 ورقة.
2- في أول صفحة فهرس أجمل فيه جميع أبواب النحو. 3- وعليه خاتم أحمر كتب فيه "وقف أحمد بن إسماعيل بن محمد تيمور بمصر". 4- نهايتها: كتب في آخر النسخة: "تم الكتاب بعناية الملك الوهاب والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين. بتاريخ نهار الأربعاء حادي عشر شوال سنة 1034 أربع وثلاثين وألف". 5- مكتوب على هامش النسخة في آخر صفحة منها: "بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله مفيض أنوار الفهوم وفاتح مغاليق العلوم، والصلاة والسلام على من أوتي نوابغ الكلم، وبوالغ الحكم، المرسل رحمة لكافة الأمم، والمنزل عليه: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 3-5] وعلى آله وأصحابه مصابيح العلم. وبعد: فإن الشاب الفاضل والماهر الكامل درة تاج الأذكياء، وواسطة قلادة أرباب الجد والتشمير من الاتقياء, السيد سليمان الحافظ بن الشيخ أحمد بن الشيخ سليمان الشهير بالحموي، الإمام بالجامع الشريف الأموي، قد قرأ هذا الشرح بطرفيه قراءة مذاكرة وتدبر، والتمس مني الإجازة به، والتفسير والفقه والقراءات وسائر ما تجوز لي وعني روايته بشروطه المعتبرة عند أهل الأثر راجيا منه ألا ينسانا من دعائه النافع. ولا سيما إذا جافت النفحات السحرية الجنوب عن المضاجع، وله مني على قصوري مثل ذلك، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. أحمد بن عليّ العثماني حرر ليلة الخميس لتسع بقين من ذي القعدة سنة 1143. 6- وقبل الغلاف الأخير خاتم أيضا مثل الأول مكتوب فيه: "وقف أحمد بن إسماعيل بن محمد تيمور بمصر". 7- قيمتها: نسخة وضح خطها وضبطت بالشكل ومنظمة، ومجدولة بالمداد الأحمر, غير أن بها خرما، وبهامشها كثير من التصحيحات.
وإنما وقع اختياري على أن أجعل النسخة الأولى هي الأصل، مع أن الثانية ضبطت بالشكل وكذا الثالثة لأن خطها أوضح وسقطها أقل منهما. عنوان الكتاب: في النسخة الأولى: "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك", وفي الثانية والثالثة: "شرح ألفية ابن مالك". موضوعات الكتاب: هي موضوعات ألفية ابن مالك، أولها: كلامنا لفظ مفيد كاستقم طريقة شرحه للألفية: يعرض البيت ثم يشرحه شرحا إجماليا، وكثيرا ما يذكر كل جزء من أجزائه على حدة، ويشرح هذا الجزء منفردا بوضوح مستشهدا بآيات الله والأحاديث النبوية، وأقوال العرب وأشعارهم، وفي الغالب يكتفي من البيت بجزء الشاهد، وألاحظ في هذا الشرح أنه يسأل ويجيب لتتم الفائدة، وقد حلى شرحه بذكر تنبيهات. مرتبة شرحه للألفية بين مؤلفاته: يلاحظ أن هذا الشرح في المرتبة الثانية من بين شروحه، فهو يقول في شرحه للألفية في المقدمة عند قول ابن مالك: وأستعين الله في ألفيه "قول صاحب المقرب: النحو علم مستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها، وقد بسطنا الكلام في غير هذا الكتاب". ورجعت إلى مؤلفاته الموجودة, فلم أعثر على هذا البسط، ولعله في كتاب كشرح المفصل له، وهو غير موجود.
وفي باب المعرف بالألف واللام, بعد قول الناظم: أل حرف تعريف أو اللام فقط بعد الشرح قال المرادي: "وأجاب المستنصر لسيبويه عن أكثر هذه الأوجه، وقد ذكرت ذلك في غير هذا الكتاب". ورجعت إلى مؤلفاته الموجودة فلم أجد إجابة, فأخذت من ذلك أن هذا الشرح مرتبة من بين شروحه. منهج التحقيق: عنيت في تحقيق هذه المخطوطة بالجوانب الآتية: 1- بعد مراجعة النسخ الثلاث جعلت نسخة هي الأصل، واعتمدت عليها. 2- قابلت النسخ الأخرى عليها، وأثبت بعض المخالفات التي وجدت في النسخ. 3- رقمت الآيات القرآنية مع ذكر سورها. 4- تخريج الأحاديث النبوية، وشرح ما صعب منها. 5- نسبت الأبيات الشعرية إلى قائلها، وشرحتها مما يبين الغرض، مع النص على ما موضع الاستشهاد بها، وذكر شراح الألفية الذين استشهدوا بها. 6- شرحت الأمثال العربية ونسبتها إلى مصدرها. 7- توضيح لبعض ما أشكل من النص. 8- قمت بإضافة عدد قليل من العناوين للتوضيح وحتى لا يطول الكلام بالقارئ ووضعته بين قوسين معقوفين تتميما للفائدة. 9- تعرضت لذكر بعض آراء سيبويه في كتابه "الكتاب". 10- التعريف بالأعلام.
11- طريقة الترقيم في الهامش هي: قد أشير إلى نسخة "أ" مثلا -يعني: أن هذه الجملة أو الكلمة موجودة في نسخة "أ" فقط وسقط في الباقي، وقد أشير إلى "أ", "ب" فقط فكذلك, أما إذا كانت الجملة أن الكلمة في كل نسخة فأشير إلى كل نسخة برقمها, مع بيان التغيرات. وأعتقد أن المكتبة العربية في أمس الحاجة إلى هذا التحقيق الذي يعتبر من أهم المراجع في إحياء التراث العربي. والله أسأل أن يسدد خطانا على طريق الحق والصواب، وأن يكتب لنا التوفيق والسعادة، وأن يكون عملي مثمرا نافعا إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين. دكتور/ عبد الرحمن عليّ سليمان
الجزء الأول
الجزء الأول مقدمة الألفية ... الجزء الأول: قال الشيخ الإمام العالم العلامة بدر الدين أبو عليّ حسن ابن الشيخ الصالح الزاهد قاسم بن عبد الله عليّ المرادي المالكي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته: الحمد لله والشكر له، وصلاته وسلامه على محمد خير نبي أرسله، وبعد: فهذا توضيح "مختصر"1 لمقاصد ألفية ابن مالك -رحمه الله تعالى- يجلو معانيها على طلابها ويظهر محاسنها "على حفاظها"2 سألنيه بعض حفاظها المعتنين باستنباط فوائدها من ألفاظها، فأجبته إلى ذلك رغبة في الثواب، وتقريبا على الطلاب، وبالله أستعين، وهو الموفق والمعين. مقدمة الألفية: بسم الله الرحمن الرحيم قال محمد هو ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك قال فعل "ماض"3 واوي العين مفتوحها متعد إلى واحد، وإذا وقعت بعده جملة محكية به فهي في موضع مفعوله والمحكي به في "الرجز"4 أحمد ربي ... إلخ. وقوله "هو ابن مالك" جملة معترضة بين القول ومحكيه. فإن قلت: هلا قال: يقول محمد كما "قال"5 ابن "معط"6 في ألفيته؛ لأن المحكي لم يمض "بعد"7. قلت: "فالجواب عنده"8 ثلاثة أوجه:
الأول: يجوز أن يكون قد تأخر نظم "قال" عن المحكي فيكون على ظاهره. والثاني: أن يكون أوقع الماضي موقع المستقبل "تحقيقا له وتنزيلا"1 منزلة الواقع. والثالث: أن يكون وضع كلمة "قال" أول "نطقه"1 ليحكي بها عند "قضاء"3 الحاجة والفراغ من المحكي، ونظيره "ما أجازه"4 السيرافي5 في قول سيبويه رحمه الله: "هذا باب علم ما الكلم6 من العربية"7 أن يكون وضع كلمة الإشارة غير مشير بها إلى شيء ليشير بها عند الحاجة والفراغ من المشار إليه. وحذفت ألف "مالك الأول"8 خطأ؛ لأنه علم مشتهر كثير الاستعمال، ويجوز إثبات ألفه أيضا. قال بعضهم: وإثباتها جيد، وأما مالك آخر البيت فلا تحذف ألفه؛ لأنه صفة9. مصليا على النبي المصطفى ... وآله المستكملين الشرفا مصليا حال من فاعل أحمد، والمصطفى المختار، الاصطفاء افتعال من الصفو وهو الخالص من الكدر والشوائب، أبدل من تائه طاء لمجاورة الصاد, وكان
ثلاثيه لازما تقول صفا الشيء يصفو "صفاء"1 وجاء الافتعال "منه"2 متعديا. وفي معنى الآل3 وأصله خلاف مشهور ليس هذا موضع ذكره4. واختلف في جواز إضافته إلى الضمير فمنعه الكسائي5 والنحاس6 وأجازه غيرهما7 وزعم أبو بكر الزبيدي8 أن إضافته "إلى"9
"الضمير"1 من لحن العامة والصحيح أنه من كلام العرب2. وأستعين الله في ألفيه ... مقاصد النحو بها محويه للنحو في اللغة أربعة معان: الأول أن يكون مصدرا. تقول: نحوت كذا نحوا أي قصدته قصدا. والثاني أن يكون ظرفا. أنشد أبو الحسن: يحدو بها كل فتى هبات ... وهن نحو البيت عامدات3 قال أبو الفتح4: وأصله المصدر.
والثالث: أن يكون بمعنى مثل، يقال: هذا نحو هذا أي مثله. والرابع: أن يكون بمعنى القسم, يقال: هذا على أربعة أنحاء أي أقسام. وإطلاق لفظ النحو على هذا العلم من إطلاق لفظ المصدر على المفعول به، فالنحو إذن بمعنى المنحو أي المقصود "كالنسج بمعنى المنسوج"1, وخص "به هذا"2 العلم وإن كان كل علم منحوا كاختصاص علم الأحكام الشرعية بالفقه وله نظائر في كلامهم. سبب تسمية النحو: وسبب تسمية هذا العلم نحوا، ما روي أن عليًّا رضي الله عنه3 لما أشار إلى أبي الأسود الدؤلي4 أن يضعه وعلمه الاسم والفعل والحرف وشيئا من الإعراب. قال: "انحُ"5 هذا النحو يا أبا الأسود. وقد حد النحو بحدود كثيرة، ومن أقربها قول بعضهم: النحو: علم يعرف به أحكام الكلم العربية إفرادا وتركيبا، ومن أشهرها قول صاحب المقرب6: النحو علم مستخرج بالمقاييس
المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه "التي"1 ائتلف منها، وقد "بسطنا"2 الكلام على ذلك "في غير الكتاب"3. تقرب الأقصى بلفظ موجز ... وتبسط البذل بوعد منجز قال الشارح: يقول هذه الألفية مع أنها حاوية للمقصود الأعظم من النحو فيها من المزية على نظائرها، أنها تقرب إلى الأفهام المعاني البعيدة بسبب وجازة اللفظ وتنقيح العبارة "وبسط البذل" أي: توسع العطاء بما تمنحه لقرائها من الفوائد، واعدة بحصول مآربهم وناجزة "بوفائها"4. ا. هـ5. وتقتضي رضا بغير سخط ... فائقة ألفية ابن معطي6 هو الإمام أبو زكريا يحيى بن معطي بن عبد النور الزواوي الحنفي الملقب زين الدين، سكن دمشق طويلا واشتغل عليه خلق كثير، ثم سافر إلى مصر وتصدر بالجامع العتيق بها لإقراء الأدب إلى أن توفي بالقاهرة في سلخ القعدة سنة 628 ثمان وعشرين وستمائة, ودفن من الغد على شفير الخندق بقرب تربة الإمام الشافعي رضي الله عنه، ومولده سنة 564 أربع وستين وخمسمائة7.
وهو بسبق حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا والله يقضي بهبات وافره ... لي وله في درجات الآخره يشير بذلك إلى فضل المتقدم على المتأخر وما يستحقه السلف من ثناء الخلف ودعائهم, والدرجات، قال في الصحاح1: هي الطبقات من المراتب, وقال أبو عبيدة2: الدرج إلى أعلى والدرك إلى أسفل.
الكلام وما يتألف منه
الكلام وما يتألف منه: إنما بدأ بتعريف الكلام؛ لأنه هو المقصود في الحقيقة، إذ به يقع التفاهم، وإنما قال "وما يتألف"1, ولم يقل: وما يتركب؛ لأن التأليف كما قيل أخص إذ هو تركيب وزيادة، وهو وقوع الألفة بين الجزءين2, والضمير المرفوع في يتألف عائد على ما, والمعنى هذا باب شرح الكلام. والمجرور بمن عائد على ما. والمعنى هذا باب شرح الكلام وشرح الشيء الذي يتألف الكلام منه، وهو الكلم, ولكنه حذف الباب والشرح وأقام المضاف إليه مقام المحذوف اختصارا "ثم قال"3: كلامنا لفظ مفيد كاستقم ... ................................. هذا تعريف "الكلام"4 في اصطلاح النحويين، فلذلك قيده بإضافته إلى الضمير, وقوله: "لفظ" جنس للحد، وهو صوت المعتمد على "مقطع من اللسان"5
وخرج بتصدير الحد به ما يطلق عليه كلام في اللغة وليس بلفظ, وهو خمسة أشياء: الخط، والإشارة، وما يفهم من حال الشيء، وحديث النفس، والتكلم. وقوله "مفيد" فصل أخرج به ما يطلق عليه لفظ، وليس بكلام في الاصطلاح لكونه غير مفيد. وذلك خمسة أشياء: الكلمة، نحو "زيد"، والمركب تركيبا تقييديا1 نحو "غلام زيد" أو تركيبا إسناديا لا يجهل "كالنار حارة" أو لم يقصد ككلام النائم، أو قصد لغيره لا لذاته كالجملة الموصول بها، فلا يسمى شيء من ذلك كلاما في الاصطلاح لكونه غير مفيد الإفادة الاصطلاحية, وهي إفهام معنى يحسن السكوت عليه. وقوله "كاستقم" تمثيل للكلام الاصطلاحي بعد تمام حده, لا تتميم للحد خلافا للشارح2، 3 وقد نص في شرح الكافية على أن في الاقتصار على مفيد كفاية. فإن قلت: إذا كان في الاقتصار على مفيد كفاية، لكونه مغنيا عن بقية القيود فما باله ذكرها في التسهيل، حيث قال: والكلام، ما تضمن من الكلام إسنادا مفيدا مقصودا لذاته؟ 4
قلت كأنه أخذ "المفيد"1 في حد التسهيل بالمعنى الأعم لا بمعنى الاصطلاح، فلذلك احتاج إلى ذكرها أو أراد أن ينص فيه على ما يفهم من قيد الإفادة بطريق الالتزام. فإن قلت: هل الأولى تصدير الحد باللفظ كما فعل هنا أو بالقول كما فعل في الكافية؟ قلت: تصديره بالقول "أولى"2؛ لأنه أخص، إذ لا يقع على المهمل بخلاف اللفظ فإنه يقع على المستعمل والمهمل، وقد صرح بذلك في شرح التسهيل3. وذهب بعضهم إلى أن اللفظ والقول مترادفان يجوز إطلاقهما على المهمل، وعلى هذا قيل: إن اللفظ أولى من القول؛ لأن القول يطلق على الرأي, والاعتقاد إطلاقا متعارفا "وشاع ذلك"4 حتى صار كأنه حقيقة عرفية، واللفظ ليس كذلك. وأورد أن اللفظ جمع لفظة فلا يصح جعله جنسا. وأجيب بأن اللفظ مصدر "صالح"5 للقليل والكثير، والتاء في "لفظة" "للتنصيص"6 على الوحدة، وليس اللفظ بجمع، وإنما يقال "ذلك"7 فيما ليس بمصدر كالكلم والنبق. واعترض بأنه لا يصح كون اللفظ هنا مصدرا؛ لأن المصدر "هو"8 فعل الشخص، وفعل الشخص ليس هو الكلام بل الكلام متعلقه. "فزيد قائم" مثلا هو الكلام, ولفظك إذا عنيت به المصدر يتعلق بهذه الجملة. والجواب أن اللفظ هنا مصدر أطلق على المفعول به.
تنبيهات: الأول: لم يشترط كثير من النحويين في الكلام سوى التركيب الإسنادي، فمتى حصل "الإسناد"1 كان كلاما، ولم يشترطوا الإفادة ولا القصد، فالكلام عندهم ما تضمن كلمتين بالإسناد. قال في شرح التسهيل: وقد صرح سيبويه2 في مواضع كثيرة من كتابه بما يدل على أن الكلام لا يطلق حقيقة إلا على الجمل المفيدة. الثاني: لم يشترط ابن طلحة3 في الكلام التركيب فزعم أن الكلمة الواحدة وجودا وتقديرا قد تكون كلاما إذا قامت مقام الكلام "كنعم" و"لا" في الجواب. والصحيح أن الكلام هو الجملة المقدرة "بعدهما"4 لا واحدة منهما. الثالث: قال في شرح التسهيل: وزاد بعض العلماء في حد الكلام "أن يكون"5 من ناطق واحدا احترازا من أن يصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فعلا أو مبتدأ ويذكر الآخر فاعل ذلك الفعل "أو جزء"6 ذلك المبتدأ؛ لأن الكلام "عمل"7 واحد فلا يكون عامله إلا واحدا. قال: "وللمستغني"8 عن هذه الزيادة جوابان:
أحدهما: أن يقول: لا نسلم أن مجموع النطقين ليس بكلام بل هو كلام وليس اتحاد الناطق معتبرا كما لم يكن اتحاد الكاتب معتبرا في كون الخط خطا. والثاني: أن يقال كل واحد من المصطلحين إنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالا على نطق الآخر بالأخرى، فمعناها مستحضر في ذهنه فكل واحد من المصطلحين متكلم بكلام كما يكون قول القائل لقوم رأوا شبحا زيد. أي: المرئي زيد. ا. هـ مختصرا. وأقول: "إن"1 صدور الكلام من "ناطقين"2 غير مقصور؛ لأن الكلام مشتمل على الإسناد لا يتصور "صدوره"3 إلا من واحد، وكل واحد من المصطلحين متكلم بكلام كما أجاب به ثانيا. وقوله: .................................. ... واسم وفعل ثم حرف الكلم بيان: يتألف "منه"4 الكلام "أي: الكلم الذي يتألف منه الكلام"5 اسم وفعل وحرف لا رابع لها. ودليل الحصر أن الكلمة إن لم تكن ركنا للإسناد فهي الحرف وإن كانت ركنا له، فإن قبلته بطرفيه فهي الاسم وإلا فهي الفعل. وأول من قسم الكلم "إلى"6 هذه القسمة وسماها بهذه "الأسماء"7 أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والنحويون مجمعون على أن أقسام الكلم ثلاثة: إلا من "لا"8 يعتد بخلافه9, واعلم أن الكلم اسم جنس
جمعي1 وأقل ما يتناول2 ثلاث كلمات، وبينه وبين الكلام عموم من وجه3 وخصوص من وجه، فالكلام أعم من جهة أنه يتناول المركب من الكلمتين فصاعدا، وأخص من جهة أنه لا يتناول غير المفيد، والكلم أعم من جهة أنه يتناول المفيد وغير المفيد، وأخص من جهة أنه لا يتناول المركب من "كلمتين كما سبق"4. فإن قلت: مقتضى قوله: "اسم وفعل ثم حرف الكلم" أن "الكلم مخصوص"5 بما تركب من اسم وفعل وحرف. وليس كذلك بل يطلق على ثلاث كلمات فصاعدا من ثلاثة أجناس نحو: "إن زيدا ذهب" أو من جنسين نحو: "إن زيدا ذاهب"6 أو من جنس واحد نحو "غلام زيد ذاهب". قلت: المعنى بالكلام "ههنا"7 الأجناس الثلاثة، أعني الكلمة التي يراد بها جنس الأسماء والكلمة التي يراد بها جنس الأفعال والكلمة التي يراد بها جنس الحروف. والكلم "بهذا"8 الاعتبار لا يقع إلا على الثلاثة المذكورة، ولا يتصور فيه غير ذلك. وأما إطلاق الكلم على ما ذكر من المثل ونحوها فصحيح باعتبار الآحادي لأن الكلمة كما تطلق ويقصد بها جنس الاسم أو الفعل أو الحرف تطلق ويقصد بها "آحاد الأسماء"9 والأفعال والحروف. فإذا قيل: في نحو "إن زيدا ذهب"10 هذا كلم.
فواحد الكلم هنا كلمة يراد بها الشخص لا الجنس فتأمله. وأورد على "الناظم"1 أنه قسم الكلم إلى غير أقسامه؛ لأن الاسم والفعل والحرف أقسام للكلمة لا أقسام للكلم، وأقسام الكلم أسماء وأفعال وحروف؛ لأن علامة صحة القسمة جواز إطلاق2 اسم المقسوم على كل واحد من الأقسام. والجواب: أن هذا من تقسيم الكل إلى "أجزائه"3 وإنما يلزم صدق اسم المقسوم على كل من الأقسام في تقسيم الكلي إلى جزئياته4 والناظم لم يقصد ذلك. وأورد عليه أيضا أن إدخال "ثم" في قوله "ثم حرف" ليس بجيد؛ لأن ثم للتراخي وإذا قسمنا شيئا إلى أشياء فنسبة كل واحد من الأقسام إلى الشيء المقسم نسبة واحدة, والجوب: أن ثم في قوله: "ثم حرف" يحوز أن يكون استعملها5 بمعنى الواو؛ "لأنها المعهودة في مثل ذلك"6، ويجوز أن تكون على بابها للتنبيه على تراخي مرتبة الحرف عن الاسم والفعل، لكونه فضلة، وكل منهما يكون عمدة. وقوله: "واحده كلمة". الضمير للكلم أي: واحد الكلم كلمة، فكل من الاسم والفعل والحرف كلمة "وجد بها"7 لفظ بالفعل أو بالقوة دل بالوضع على معنى مفرد، وتطلق في الاصطلاح مجازا على أحد جزءي العلم المضاف نحو: "امرئ القيس"
"فمجموعهما"1 كلمة حقيقية، وكل منهما كلمة مجازا "والكلم اسم جنس يتميز واحده بالتاء"2, وفيه لغتان التذكير والتأنيث فقال واحده على الأولى، وقال ابن معط3 في ألفيته واحدها على الثانية. وفي الكلم ثلاث لغات في نظائره نحو "كَبِد"4, وقوله "والقول عم" يعني عم الكلمة والكلام والكلم، فيطلق على كل "واحد"5 من الثلاثة قول حقيقة، ويطلق مجازا على الرأي والإشارة وما يفهم من حال الشيء وهو أخص من اللفظ؛ "لأنه لا يطلق"6 على المهمل, خلافا لمن جعلهما مترادفين، وقد سبق ذكره. وقوله: ........................... ... كلمة بها كلام قد يؤم بيان لأن الكلمة قد يقصد بها في اللغة ما يقصد بالكلام، فتطلق على اللفظ المفيد كقولهم "كلمة الشهادة" هو مجاز مهمل في عرف النحويين. فقيل: هو من "تسمية الشيء7 باسم بعضه"8. وقيل: إن أجزاء الكلام لما ارتبط بعضها ببعض حصلت له بذلك وحدة فشابه9 بذلك الكلمة, فأطلق عليه كلمة. ولما ذكر أن "الكلم"10 ثلاث، شرع في بيان ما يميز كل واحد منها عن أخويه11.
ما يميز الاسم: فقال: بالجر والتنوين والندا وأل ... ومسند للاسم تمييز حصل فذكر للاسم خمس علامات: الأولى: الجر وهو يشمل الجر بالحرف نحو "بزيد" وبالمضاف نحو "غلام زيد" ولا جر بغيرها خلافا لمن زاد التبعية1. وقد "ظهر أن ذكر"2 الجر أولى من "ذكر"3 حرف الجر4. والثانية: التنوين وهو مصدر نونت الكلمة، ثم غلب حتى صار اسما5 للنون الساكنة التي تلحق الآخر لفظا وتسقط خطا وهو عند سيبويه والجمهور خمسة أقسام: تمكين وتنكير وعوض ومقابلة وترنم، وزاد الأخفش6 سادسا
وهو الغالي1 وأنكره السيرافي والزجاج2، وقيل: هو قسم الترنم. فتنوين التمكين3 نحو "زيد، رجل" وهو اللاحق للاسم المعرف المنصرف إشعارا ببقائه على أصالته. وتنوين التنكير4 نحو "صه" إذا أردت سكوتا ما، ونحو "سيبويه" لغير معين، وهو اللاحق بعض المبنيات فرقا بين نكرتها ومعرفتها، ويطرد فيما آخره "ويه". وتنوين العوض ضربان: عوض عن حرف نحو جوار5 وغواش6 وبعيل تصغير بعلي، فالتنوين فيهما عوض "عن"7 الياء المحذوفة على
"الصحيح"1 وعوض "من المضاف إليه"2 إما جملة نحو: "يومئذ" وإما مفرد نحو: "كل وبعض" على رأيٍ3. وتنوين المقابلة نحو "مسلمات" وهو اللاحق لما جمع بألف وتاء مزيدتين سمي بذلك؛ لأنه قابل النون في جمع المذكر السالم وليس بتنوين الصرف خلافا للرَّبَعي4 بدليل ثبوته بعد التسمية كما ثبت النون في نحو "عرفات" وهذه الأربعة من خواص الاسم؛ لأنها لمعان لا تليق "لغيره"5. وتنوين الترنم, وهو اللاحق للروي المطلق عوضا من مدة الإطلاق في لغة تميم6 وقيس7 كقوله: أقلي اللوم عاذل والعتابن8 ... ...................................
وقولهم: تنوين الترنم, قال المصنف: هو على حذف مضاف, أي تنوين ذي ترنم وإنما هو عوض من الترنم1؛ لأن الترنم مد الصوت بمدة تجانس "حرف"2 الروي، وهذا القسم يشترك فيه الاسم والفعل والحرف. فمثاله في قول العجاج: يا صاح ما هاج العيون الذرفن3
وفي الفعل: من طلل كالأتحمى أنهجن1 وفي الحروف قول النابغة: أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قدن2
والغالي هو اللاحق للروي المقيد وهو كتنوين الترنم في عدم الاختصاص بالاسم, فمثاله في الاسم قول رؤبة: وقاتم الأعماق خاوي المخترِقْنْ1 أصله المخترق فزاد التنوين وكسر الحرف الذي قبله لالتقاء الساكنين, وفي الفعل قول2 امرئ القيس: .................................... ... ويعدُو عَلى المرء ما يأتمِرْنْ3 أي ما يأتمر، وفي الحرف:
قالت بنات العم يا سلمى وإنن ... كان فقيرا معدما قالت وإنن1 أي: وإن.
وزاد بعضهم في أقسام التنوين "قسما1 سابعا، وهو تنوين الاضطرار"2. كقول الشاعر3: سلام الله يا مطر عليها ... .............................. ولم يعن "المصنف"4 إلا الأربعة الأول. فإن قلت: فقد أطلق في موضع التقييد. قلت: فقد أجيب بأن "أل" في قوله: والتنوين، للعهد، فلم يشتمل غير المختص بالاسم.
وفيه نظر، إذ لا معهود يصرف "اللفظ"1 إليه عند من تذكر له علامات الأسماء، وإن جعلت "أل" جنسية فقد يقال لم يعتبر الترنم والغالي لقلتهما واختصاصهما بالشعر. وقد قيل: إن تسمية ما يلحق الروي تنوينا مجاز، وإنما هو نون بدليل أنه يثبت وقفا "ويحذف وصلا بخلاف التنوين"2. فالتنوين على هذا من خواص الاسم في جميع وجوهه. وقال أبو الحجاج يوسف بن معزوز3: ظاهر قول سيبويه في الذي يسمونه تنوين الترنم أنه ليس بتنوين وإنما هو نون تتبع الآخر عوضا عن المدة. الثالثة: النداء وهو الدعاء بيا أو إحدى أخواتها، وهو من خواص الاسم، لأن المنادى مفعول به، والمفعول به لا يكون إلا اسما4 لأنه مخبر عن المعنى. وقال في شرح التسهيل: وإنما اختص الاسم بالنداء، لأنه مفعول به في المعنى والمفعولية لا تليق بغير الاسم، واعترض قوله في المعنى لأن ظاهره أنه ليس مفعولا صريحا من جهة اللفظ، وقد سبقه أبو موسى5 إلى هذه
العبارة، وهذه مسألة خلاف، ومذهب سيبويه1 وجمهور البصريين أن المنادى مفعول من جهة اللفظ والمعنى. الرابعة: "أل" ويعني بها حرف التعريف وهو من خواص الاسم، إذ لا حظ لغيره "فيه"2. وأما "أل"3 الموصولة فإنها قد تدخل على الفعل عند المصنف وبعض الكوفيين اختيارا وعند الجمهور اضطرارا كقوله4: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... .........................................
فكان ينبغي الاحتراز عنها. فإن قلت: هل الأولى أن يعبر عن حرف التعريف بأل أو بالألف واللام "أو باللام"؟ 1. قلت: لهم في حرف التعريف ثلاثة مذاهب: أحدها أنه ثنائي وهمزته همزة قطع وصلت لكثرة الاستعمال، ولا يحسن على المذهب إلا التعبير "بأل" وهو مذهب الخليل2 واختيار الناظم. قال ابن جني: وقد حكي عن الخليل أنه كان يسميها "أل" ولم يكن يسميها "الألف واللام". والثاني: أنه ثنائي وهمزته همزة وصل زائدة، وهي مع زيادتها معتد بها كالاعتداد بهمزة استمع ونحوه، حيث لا يعد رباعيا، وهو مذهب سيبويه فيما نقله في التسهيل3 وشرحه. وعلى هذا المذهب يجوز أن يعبر "بأل" نظرا إلى أن الهمزة كمتعد بها في الوضع وهو أقيس، وأن يعبر عنها "بالألف واللام" نظرا إلى أن الهمزة زائدة وقد استعمل سيبويه في كتابه العبارتين4. والثالث: أنه اللام وحدها، وإليه ذهب أكثر المتأخرين، ونسبه بعضهم إلى سيبويه، ولا يحسن على هذا المذهب إلا التعبير باللام، وللكلام على هذه المذاهب موضع غير هذا.
الخامسة: المسند وهو مفعل من أسند فهو لفظ صالح لأن يكون مفعولا به ومصدرا واسم زمان واسم مكان ولا جائز أن يراد به هنا الزمان والمكان إذ لا وجه لإرادتهما. ويحتمل أن يريد به المفعول به، وهو ظاهر عبارته، وهو صحيح؛ لأن المسند من خواص الأسماء وذلك أن المسند في الاصطلاح المشهور هو المحكوم به والمسند إليه هو المحكوم عليه، فكأنه قال: ويتميز الاسم بمسند أي: بمحكوم به نحو "قام زيد" و"زيد قائم" فزيد في المثالين له مسند "أي محكوم به"1, وهو الفعل في المثال الأول والخبر في المثال الثاني، وذلك من علامات اسميته، ويحتمل أن يريد به المصدر أعني الإسناد، وهو نسبة شيء إلى شيء على جهة الاستقلال2 وبه جزم الشارح ولكن لا يصح على إطلاقه؛ لأن الفعل "يشارك"3 الاسم في الإسناد، فإن كلا منهما "يسند"4, وإنما ينحصر الاسم بالإسناد إليه "فإنه"5 أجيب بما ذكر الشارح من أنه "أراد الإسناد إليه"6، 7 فحذف صلته اعتمادا على "التوقيف"8 وفيه نظر، لأن الاعتماد على التوقيف لا يحسن في مقام التعريف. وإن أجيب بأن اللام في قوله "للاسم" متعلقة بمسند وهي بمعنى إلى كما وقع في بعض نسخ الشرح فهو ظاهر البعد. وأورد على الناظم أنه أطلق الإسناد، وهو قسمان: معنوي، ولفظي. فالمعنوي هو الخاص بالأسماء "واللفظي"9 مشترك يوجد في الاسم والفعل والحرف نحو "زيد" ثلاثي و"ضرب" فعل ماض و"من" حرف جر.
قلت: التحقيق أن القسمين كليهما من خواص الأسماء ولا يسند إلى الفعل والحرف إلا محكوما باسميتهما. فإذا قلت: "ضرب" فعل ماض. فضرب في هذا التركيب اسم مسماه "لفظ ضرب"1 الدال على الحدث والزمان، وكيف يتصور أن يحكم عليه في المثال المذكور ونحوه بأنه باق على فعليته، وهو لا يشعر بحدث ولا زمان ولا يقتضي فاعلا ويحكم على موضعه بالرفع على الابتداء. فإن قلت: فقد ذكر في شرح التسهيل أن الإسناد اللفظي صالح للاسم والفعل والحرف والجملة "ولذلك"2 قال في حد الاسم: كلمة يسند ما لمعناها "لنفسها أو لنظيرتها"3 فيقيد الإسناد بالمعنى لأنه خاص بالأسماء بخلاف الإسناد باعتبار مجرد اللفظ، فإنه عام، وإذا كان قائلا بذلك لزمه الإيراد المذكور. قلت: لا إشكال في أن الإسناد باعتبار اللفظ صالح للفظ الاسم "وللفظ الفعل"4 وللفظ الحرف، وللفظ الجملة. "وهذا "لا ينافي"5 اختصاصه بالأسماء لأنا نحكم على "هذه"6 الألفاظ المسند إليها بأنها أسماء وإن كانت لفظ فعل أو حرف. فقوله: إن الإسناد اللفظي صالح للاسم والفعل والحرف والجملة، صحيح بهذا الاعتبار، وقد صرح في الكافية7 باسمية ما أخبر عن لفظه حيث قال: وإن نسبت لأداة حكما ... فابن أو أعرب واجعلنها اسما فإن قلت: إذا كان الإسناد مطلقا من خواص الأسماء فلم قيد الإسناد في حد الاسم باعتبار المعنى؟ قلت: كأنه لما رأى اللفظي لا يتميز به لفظ الاسم من غيره، اقتصر على المعنوي؛ لأنه هو الذي يحصل به التمييز.
ألا ترى أنك إذا قلت: زيد ثلاثي، دل هذا الإسناد على اسمية "زيد" المراد به لفظ "زيد" الدال على الشخص. كما أنك إذا قلت: ضرب مبني على الفتح. دل هذا الإسناد على اسمية ضرب المراد به لفظ ضرب الدال على الحدث والزمان ولم يدل على "اسمية ضرب الدال على"1 الحدث والزمان. فتأمله2. ما يميز الفعل: ولما ذكر ما يتميز به الاسم، شرع في ذكر ما يتميز به الفعل فقال: بتا فعلت وأتت ويا افعلي ... ونون أقبلن فعل ينجلي فذكر للفعل أربع علامات: الأولى: "تا" فعلت، وهي تاء ضمير المخاطب نحو "تباركت يا رحمن" وفي حكمها تاء ضمير المتكلم والمخاطبة، وهذه التاء في جميع أحوالها مختصة بالفعل الموضوع "للمضي"3، ولو كان مستقبل المعنى نحو "إن قمت قمت". الثاني: "تا" أتت وهي تاء التأنيث الساكنة، وهي مثل تاء الفاعل في الاختصاص بالفعل الموضوع للمضي، وتلحقه متصرفا وغير متصرف نحو "أتت" و"نعمت". قال في شرح التسهيل: ما لم يكن أفعل في التعجب، ولو قال ما لم "يكن"4 يلزم تذكير فاعله لكان أولى، ليشمل أفعل التعجب وغيره نحو: ما عدا, وما خلا, وحاشا، ليس في الاستثناء: فإن تحركت التاء بحركة إعراب فهي من خواص الأسماء نحو "رحمة" وإن تحركت بحركة بناء فتكون في الحرف نحو "لات" وفي الاسم نحو "لا قوة إلا بالله" ولا اعتداد بحركة النقل ولا بحركة التقاء الساكنين لعروضهما.
تنبيه: قال في شرح الكافية: وقد انفردت يعني تاء التأنيث الساكنة "بلحاقها"1 نعم وبئس كما انفردت تاء الفاعل "بلحاقها"2 تباركت. والثالثة: يا افعلي3 وهي ياء المخاطبة وهي اسم مضمر عند سيبويه4, والجمهور5. وحرف عند الأخفش والمازني6، ويشترك7 في إلحاقها المضارع والأمر نحو "أنت تفعلين وافعلي". والرابعة: نون أقبلن، وهي نون التوكيد الشديدة، وهي مختصة بالفعل، وكذلك الخفيفة نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ} 8 وتلحق الأمر بلا شرط والمضارع بشرط مذكور في بابه9 وقد تلحق الماضي "وضعا"10 المستقبل معنى كقوله صلى الله عليه وسلم: "فإما أدرَكَن واحد منكم الدجال" 11.
وقول الشاعر1: دامن سعدك إن رحمت متيما وشذ لحاقها اسم الفاعل في قوله2: أقائلن احضروا الشهودا
وفي قوله1: يا ليت شعري عنكم حنيفا ... أشاهرن بعدنا السيوفا أنشدها ابن جني: فإن قلت: فليست نون التوكيد إذن من خواص الفعل لدخولها على اسم الفاعل. قلت: دخولها على اسم الفاعل مما لا يلتفت إليه لندوره2.
ما يميز الحرف: ولما ذكر ما يتميز به الاسم والفعل قال: سواهما الحرف كهل وفي ولم فكل ما لا يقبل شيئا من علامات الاسم ولا من علامات الفعل فهو حرف فترك العلامة علامة له، ثم مثله بثلاثة أحرف، تنبيها على أن الحرف ثلاثة أنواع: مشترك بين الاسم والفعل نحو "هل" ومختص بالاسم نحو "في" ومختص بالفعل نحو "لم". علامات الأفعال: ولما كان الفعل ينقسم باعتبار صيغته ثلاثة أقسام: ماض وأمر ومضارع أخذ يذكر لما يتميز به كل واحد منها عن الآخرين فقال: فعل مضارع يلي لم كيشم أي: "علامة"1 الفعل المضارع قبله، "لأن"2 يلي "لم" أي ينفي بها كقولك "في "يشم" "لم يشم" وهو مضارع شمت الطيب، ونحو "أشمه" -بكسر العين- في الماضي وفتحها في المضارع والعامة يفتحون عين الماضي، ويضمون عين المضارع. قال ابن درستويه3: وهو خطأ4 وليس كما قيل،
بل هو لغة حكاها الفراء1 وابن الأعرابي2 ويعقوب3 وغيرهم. ثم ذكر علامة الماضي فقال: وماضي الأفعال بالتا مِزْ أي ميز الفعل بالتاء المتقدم "ذكرها"4 وهي تاء التأنيث الساكنة، ويحتمل أن يريد مجموع التاءين أي: تاء فعلت وتاء أتت؛ لأن كلتيهما مختصة بالفعل الماضي، "ومز" أمر من مازه. يقال مزته "فامتاز"5 وميزته فتميز. ثم ذكر علامة الأمر فقال: وسم بالنون فعل الأمر إن أمر فهم أي وعلم فعل الأمر بالنون المتقدمة وهي نون التوكيد، لا مطلقا، بل يشترط أن يفهم من اللفظ معنى الأمر، فعلامة الأمر إذن مجموع شيئين: قبول النون وإفهام معنى الأمر، نحو "أقبل" فإنه يقبل النون، ويفهم الأمر. فهو فعل أمر، فإن
قبل اللفظ1 النون، ولم يفهم الأمر فهو فعل مضارع نحو "هل تفعلن" أو فعل تعجب نحو "أحسنن بزيد"، فإن لفظه "لفظ"2 الأمر وليس بأمر في المعنى على الأصح3. وتوكيد فعل التعجب بنون التوكيد نادر4, وإن دل اللفظ على معنى الأمر ولم يقبل نون التوكيد فهو "اسم"5 إما "مصدر"6 نحو "صبرا بني عبد الدار" وإما اسم فعل، وإلى هذا أشار بقوله: والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه هو اسم نحو صه وحيهل "فصه" بمعنى اسكت وكلاهما "يفهم منه معنى الأمر"7 ولكن اسكت يقبل "نون التوكيد"8 فهو فعل أمر وصه لا يقبلها, فهو اسم فعل. وحيهل بمعنى أقبل أو أقدم أو عجل تقول "حيهل على زيد" أي: أقبل "وحيهل زيدا" أي: قدم "وحيهل بزيد" أي: عجل، ومنه "إذا ذكر الصالحون فحيهل بعمر". فقد تساوت9 حيهل وأقبل وقدم وعجل، في إفهام معنى الأمر، ولكن هذه الثلاثة تقبل النون فهي أفعال، وحيهل لا تقبلها، فهي اسم فعل "بمعنى الماضي"10.
ثم اعلم أن علامة المضارع وهي "لم" فارقة بينه وبين اسم الفعل الذي بمعناه نحو "أف" و"أتضجر" فإنهما بمعنى "المضارع"1 ولكن "أف" لا تقبل "لم" و"أتضجر" تقبلها، وكذلك علامة الماضي وهو التاء فارقة بينه وبين اسم الفعل الذي بمعناه نحو "هيهات" "وبعد" فإنهما بمعنى "الماضي"2 ولكن هيهات لا تقبل تاء التأنيث وبعد تقبلها، وهذا واضح.
المعرب والمبنى
المعرب والمبني: المعرب مشتق من الإعراب، والمبني مشتق من البناء فوجب لذلك أن يقدم بين الإعراب والبناء فالإعراب في اللغة مصدر أعرب، أي: أبان أو أجال أو حسن "أو غير أو أزال"1 عرب الشيء وهو فساده، أو تكلم بالعربية. فهذه ستة معان. وأما في الاصطلاح ففيه مذهبان: أحدهما أنه لفظي وهو اختيار المصنف ونسبه إلى المحققين، وحده في التسهيل بقوله: الإعراب ما جيء به لبيان مقتضى العامل من الحركة أو حرف أو سكون أو حذف. ا. هـ2. والثاني: أنه معنوي، والحركات إنما هي دلائل عليه, وهو قول سيبويه واختيار الأعلم3 وكثير من المتأخرين، وحدوه بقولهم: الإعراب تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا، والمذهب الأول أقرب إلى الصواب4. والبناء في اللغة: وضع شيء على شيء "على صفة"5 يراد بها الثبوت. وأما في الاصطلاح: فقد حده في التسهيل بقوله: ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب، وليس حكاية أو اتباعا أو نقلا "أو تخلصا من سكونين"6 فعلى هذا هو لفظي.
وقيل: هو لزوم آخر الكلمة حركة1 أو سكونا لغير عامل ولا اعتلال, فعلى هذا هو معنوي2 ثم قال: والاسم منه معرب ومبني ... لشبه من الحروف مدني يعني أن الاسم قسمان: قسم معرب وقسم مبني، ولا واسطة بينهما، وذهب قوم إلى أن الأسماء قبل التركيب موقوفة، لا معربة ولا مبنية، واختاره ابن عصفور3، ومذهب الناظم أنها مبنية4 وسيأتي سبب بنائها. فإن قلت: قوله "منه معرب ومبني" لا يفهم الحصر. قلت: لما ذكر أن المبني هو ما أشبه الحرف وأن المعرب هو ما لم يشبه الحرف "عرفه"5 أنه لا واسطة بينهما. تنبيهات: الأول: بدأ الناظم بالمعرب "لأن الأصل في الاسم الإعراب"6، وما بني منه فلسبب "أخرجه"7 عن أصله.
الثاني: مذهب الجمهور، أن الإعراب إنما جيء به في الاسم ليدل على المعاني المعتَوِرة عليه كقولهم: "ما أحسن زيد" بالرفع في النفي وبالنصب في التعجب وبالجر في الاستفهام، فلولا الإعراب لالتبست هذه المعاني ولا كذلك الأفعال لأن صيغة الفعل تختلف، لاختلاف معانيه، فلذلك كان الإعراب في الاسم أصلا وفي الفعل فرعا. كما سيأتي بيانه. وذهب قطرب1 إلى أن الإعراب لم يدخل ليفرق بين المعاني، وإنما دخل ليفرق بين الوصل والوقف. الثالث: لما كان الإعراب في الاسم أصلا لم يحتج إلى بيان سببه. ولما كان البناء في الاسم على خلاف الأصل احتاج إلى بيان سببه. فقال: "لشبه من الحروف مدني" يعني أن سبب بناء الاسم، إنما هو شبهه بالحرف، وأما شبه الفعل فليس سببا للبناء عنده بل هو سبب منع الصرف، وكون سبب البناء هو شبه الحرف وحده هو ظاهر مذهب سيبويه. ثم إن شبه الحرف إنما يقتضي بناء الاسم إذا لم يعارضه معارض يقتضي إعرابه، فإن عارضه "معارض"2 مقتض3 للإعراب ألغي شبه الحرف وأعرب الاسم ترجيحا لمقتضى الإعراب فإنه داعية للأصل. وإلى ذلك أشار بقوله: "مدني" أي: مقرب، فإن الشبه لا يكون مقربا للاسم من الحرف إلا إذا لم يعارضه معارض، فإن عارضه ما يمنع البناء لم يكن حينئذ مقربا، مثال ذلك "أي" فإنها تكون موصولة وشرطية واستفهامية، وهي في هذه الأحوال مشابهة للحرف كأخواتها، ولكن عارض شبهها للحرف لزومها للإضافة، وكونها بمعنى "كل" مع النكرة وبمعنى "بعض" مع المعرفة فأعربت.
ثم اعلم أن شبه الحرف خمسة أنواع: وضعي ومعنوي واستعمالي وافتقاري وإهمالي. وقد نبه على الوضعي بقوله: كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا المراد بالشبه الوضعي: كون الاسم على حرف واحد أو حرفين في الوضع "كاسمى جئتنا" وهما التاء ونا فإنهما اسمان بدليل صحة الإسناد إليهما، وهما مبنيان لأن "التاء" على حرف واحد في الوضع و"نا" على حرفين في الوضع, فشابها بذلك الحرف، لأن أصل الحرف، أن يوضع على حرف هجاء أو "على"1 حرفي هجاء. وأصل الاسم أن يوضع على ثلاثة أحرف فصاعدا، فما وضع من الأسماء على أقل من ثلاثة فقد شابه وضعه "وضع"2 الحرف، فاستحق البناء، وأما ما وضع على أكثر من حرفين ثم طرأ عليه حذف نحو، يد ودم، فهو معرب، لأن له ثالثا في الوضع. ونبه على المعنوي بقوله: والمعنوي في متى وفي هنا المراد بالشبه المعنوي: أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف فيصير مؤديا لمعنى الحرف. وذلك ضربان: أحدهما أن يتضمن معنى حرف مستعمل نحو "متى" فإنه مضمن معنى الاستفهام "إذا وقع استفهاما3 ومعنى الشرط إذا وقع شرطا4 ولكل من الاستفهام والشرط حرف مستعمل, فحرف الاستفهام الهمزة وحرف الشرط إن"5.
والثاني: أن يتضمن معنى من معاني الحروف التي لا تليق بغيرها وإن لم يكن لذلك المعنى حرف مستعمل نحو "هنا" فإنه اسم إشارة إلى المكان فبني لتضمنه معنى الإشارة؛ لأنه كالتشبيه والتنبيه والخطاب وغير ذلك من معاني الحروف, ولم يوضع للإشارة حرف يدل عليها. وإلى "هذين"1 الضربين أشار الناظم "بمثالين"2. ونبه على الاستعمالي بقوله: وكنيابة عن الفعل بلا تأثر وحقيقته: أن يكون الاسم نائبا عن الفعل، أي عاملا عمله، ويكون مع ذلك غير متأثر بالعوامل لا لفظا ولا محلا، والمراد بذلك أسماء الأفعال نحو "دراك" و"نزال" فإنها تلزم النيابة عن أفعالها فتعمل عمله ولا تتأثر بالعوامل, فبنيت لشبهها بالحروف العاملة عمل الفعل, أعني إن وأخواتها، فإنها تعمل عمل الفعل ولا تتأثر بالعوامل3 فلما استعملت أسماء الأفعال استعمال هذه الحروف بنيت. تنبيه: ما ذكر من أن أسماء الأفعال لا تتأثر بالعوامل لا لفظا ولا محلا هو مذهب أبي الحسن الأخفش ومن وافقه وعليه بنى الناظم ونسبه في الإيضاح4 إلى الجمهور، وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى5.
واحترز بقوله "بلا تأثر" من المصدر الواقع بدلا من فعله كقوله تعالى: {فَضَرْبُ الرِّقَابِ} 1 فإنه ينوب عن الفعل ويتأثر "بالعامل"2 فأعرب لعدم مشابهته الحرف، وكذلك اسم الفاعل ونحوه مما يعمل "عمل الفعل"3 ويتأثر. ونبه على الافتقاري بقوله: "وكافتقار أصلا". وحقيقته: أن يكون الاسم مفتقرا إلى اللزوم "كافتقار"4 "الذي" ونحوها من الموصولات إلى جملة فإن لم يكن الافتقار لازما كافتقار النكرة الموصوفة بجملة إلى صفتها لم يكن سببا للبناء لأنه ليس بلازم: وإلى هذا أشار بقوله: "أصلا". وأما الشبه الإهمالي: فهو أن يكون الاسم غير عامل ولا معمول، كالحروف المهملة، ومثل ذلك الأسماء قبل التركيب, كفواتح السور، فإنها مبنية لشبهها بالحروف المهملة في أنها لا عاملة ولا معمولة. هذا مذهب الناظم, خلافا لمن قال إنها موقوفة، ولمن قال: إنها معربة حكما5. فإن قلت: قد أخل بهذا النوع الخامس فلم يذكره. قلت: قد أشار إليه بكاف التشبيه في قوله: "كالشبه الوضعي" فإنها مشعرة بعدم الحصر ثم قال: ومعرب الأسماء ما قد سلما ... من شبه الحرف كأرض وسما يعني أن المعرب من الأسماء هو ما سلم من شبه الحرف المؤثر.
ومن هنا علم انحصار الاسم في القسمين: ثم مثل المعرب بمثالين وهو "سما" "وهو إحدى"1 لغات الاسم الستة2. ونبه بذلك على أن من المعرب ما يظهر إعرابه نحو "أرض وما يقدر إعرابه نحو"3 سما. ثم انتقل إلى الفعل فقال: وفعل أمر ومضي بنيا ... وأعربوا مضارعا إن عربا يعني أن الفعل أيضا على قسمين: مبني ومعرب، وأصله البناء "فجاء"4 الأمر والماضي على وفق الأصل. فأما المضارع فإنه أعرب لشبهه بالاسم في الإبهام والتخصيص ودخول لام الابتداء. وقيل: لمشابهته في الأولين فقط. وأما لام الابتداء "فإنها"5 دخلت بعد استحقاق الإعراب لتخصيص المضارع بالحال، كما خصصته السين ونحوها بالاستقبال. وزاد بعضهم في وجوه الشبه جريانه على حركات اسم الفاعل وسكناته والذي ذهب إليه المصنف أن المضارع إنما أعرب لمشابهته بالاسم في أن كلا منهما يعرض له بعد التركيب معان تتعاقب على صيغة واحدة كقولك: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" بجزم تشرب إذا أريد النهي عن كل "واحد"6 منهما, وبنصبه إذا أريد النهي عن الجمع بينهما, وبرفعه إذا أريد النهي عن الأول فقط ويكون الثاني مستأنفا.
فلما كان الاسم والفعل شريكين في قبول المعاني بصيغة واحدة اشتركا في الإعراب، لكن الاسم ليس له ما يغنيه عن الإعراب؛ لأن معانيه مقصورة عليه، والمضارع قد يغنيه "عن الإعراب"1 تقدير اسم مكانه. فلهذا جعل "في"2، الاسم أصلا "وفي"3 الفعل المضارع فرعا، وهذا معنى ما ذكره في شرح التسهيل. قال: والجمع بما ذكرته بينهما أولى من الجمع بينهما بالإبهام والتخصيص، ودخول لام الابتداء ومجاراة اسم الفاعل في الحركة والسكون؛ لأن المشابهة بهذه الأمور بمعزل عما جيء الإعراب بخلاف المشابهة التي اعتبرتها. تنبيهات: الأول: ذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأفعال كما أنه أصل في الأسماء. واستدلوا "على ذلك"4 بأن اللبس الذي أوجب الإعراب في الأسماء موجود في الأفعال في بعض المواضع نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" كما تقدم. وأجاب البصريون بأن النصب في "وتشرب" بأن مضمرة، والجزم على إرادة "لا" والرفع على القطع5. فلو أظهرت العوامل المضمرة لكانت دالة على المعاني، ولم يحتج إلى الإعراب: وليس كذلك "ما أحسن زيدا" لأن الرافع والناصب "والجار"6 هو أحسن. وتقدم ما ذكره المصنف من أن المضارع قد يغنيه عن الإعراب تقدير اسم مكانه كقولك: "لا تُعْنَ بالجفاء وتمدح عمرا" فإنه محتمل للمعاني الثلاثة المتقدمة
في: لا تأكل السمك وتشرب اللبن. ويغني عن الإعراب في ذلك وضع "اسم"1 مكان كل واحد من المجزوم والمنصوب والمرفوع نحو: أن تقول "لا تعن بالجفاء، ومدح عمرو" "لا تعن بالجفاء مادحا عمرا" "و"2 لا تعن بالجفاء ولك مدح عمرو3. وحكي عن بعض المتأخرين، أن الفعل أحق بالإعراب من الاسم؛ لأنه وجد فيه بغير سبب فهو4 بذاته بخلاف الاسم فهو "له"5 لا لذاته، فهو فرع، وهذا قول ضعيف6. الثاني: قد أشاروا إلى علة إعراب الفعل المضارع بتسميته مضارعا والمضارعة المشابهة. قال بعضهم: المضارعة من لفظ الضرع، فإنه وضع مع الاسم ضرعا واحدا. وزعم ابن عصفور أن المضارعة مقلوبة من "المراضعة"7. ولا ضرورة تدعو إلى ادعاء القلب؛ لأن البناء كامل التصاريف8. والثالث: لم يتعرض في النظم لما "يبنى"9 عليه الأمر والماضي، وأما الأمر، فإنه يبنى على ما يجزم به لو كان مضارعا، فإن كان صحيح الآخر بني على السكون، وإن كان معتل الآخر، أو ما يرفع بالنون حذف آخره. وأما الماضي فإنه يبنى على الفتح ما لم يتصل به ضمير مرفوع لمتكلم أو مخاطب أو جمع مؤنث "غائبا"10 فيسكن آخره، فإن اتصل به واو الجمع ضم
آخره، وإنما بني على حركة لشبهه بالمعرف, أعني المضارع في وقوعه صفة وصلة وشرطا "وحالا"1 ونحو ذلك, فكان له بذلك مزية على الأمر, وإنما خص بالفتحة طلبا للخفة وسكن آخره عند اتصال الضمير المرفوع كراهة لتوالي أربع حركات في شيئين هما كشيء واحد؛ لأن الفاعل كجزء من فعله. وقال في شرح التسهيل: إنما سببه تمييز الفاعل من المفعول في نحو: "أكرمنا وأكرمنا" ثم سلك بالمتصل بالتاء والنون هذا السبيل لمساوتهما "لنا" في الرفع والاتصال وعدم الاعتلال، وضعف قول الجمهور فيما يوقف عليه في كلامه. الرابع: أجمعوا على أن الماضي مبني، وأما الأمر فمذهب البصريين، أنه مبني كما تقدم. وذهب الكوفيون إلى أنه معرب مجزوم بلام الأمر المقدرة وهو عندهما مقتطع من المضارع2, ثم أشار إلى أن إعراب المضارع مشروط بألا يتصل به نون التوكيد ولا "نون"3 الإناث بقوله: من نون توكيد مباشر ومن ... نون إناث كيَرُعْنَ من فتن المراد بالمباشر المتصل بالفعل من غير حاجز بينهما، فإذ اتصل بالمضارع نون التوكيد المباشر بني على الفتح نحو "هل تذهبن" واحترز من غير المباشر وهو: ما فصل بينه وبين الفعل ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة لفظا أو تقديرا نحو "هل"4 يفعلان، و"هل"5 تفعلُن وهل تفعلِن. حذفت الواو "والألف"6 والياء لالتقاء الساكنين وبقيت الضمة والكسرة دليلا على ما حذف.
فهذا ونحوه معرب؛ لأن النون لم تباشره. والضابط: أن ما كان رفعه بالضمة إذا أكد بنون التوكيد بني لتركيبه معها، وما كان رفعه بالنون إذا أكد "بنون التوكيد"1 لم يبن لعدم التركيب؛ لأن العرب لا تركب ثلاثة أشياء2. تنبيه: ما ذهب إليه الناظم من التفصيل في نون التوكيد بين المباشر وغيره هو المشهور والمتصور، وذهب الأخفش وطائفة إلى البناء مطلقا، وذهب قوم إلى الإعراب مطلقا3. وأما نون الإناث فلا تكون إلا مباشرة، فلذلك أطلق لعدم الحاجة إلى التقييد والفعل معها مبني على السكون نحو: "يرعن من فتن" أي يفزعن، والروع: "الفزع". وفي سبب بنائه مع نون الإناث خلاف, ومذهب سيبويه أنه مبني حملا على الماضي المتصل بها وصححه في شرح التسهيل. تنبيه: قال في شرح الكافية: وأما المتصل بنون الإناث فمبني بلا خلاف وليس كذلك, بل ذهب قوم إلى أنه معرب لوجود سبب الإعراب فيه، ومنهم ابن درستويه، وابن طلحة، والسهيلي4 والإعراب عندهم مقدر منع ظهوره ما عرض فيه من الشبه بالماضي5.
ثم انتقل1 إلى الحرف فقال: وكل حرف مستحق للبنا هذا أمر مجمع عليه، إذ ليس فيه مقتضى الإعراب قالوا: لأن الحرف لا يتصرف "ولا يتعاقب"2 عليه في المعاني ما يحتاج "به"3 إلى الإعراب. واعترض: بأن من الحروف ما يكون لمعان كثيرة نحو "من". وأجيب: بأن الحرف: إنما جيء به في الأصل ليدل على معنى واحد ليس غيره. وقوله: والأصل في المبني أن يسكنا يعني أن الأصل في كل مبني من الاسم والفعل والحرف، أن يبنى على السكون؛ لأنه أخف فلا يعدل عنه إلا لسبب؛ لأن الأصل عدم الحركة فوجب استصحابه ما لم يمنع منه مانع فيعدل إلى الحركة. ثم قال: ومنه ذو فتح وذو كسر وضم أي: ومن المبني صاحب فتح وصاحب كسر وصاحب ضم، فعلم بذلك أن المبني على أربعة أقسام، وأن أنواع البناء أربعة: ضم وكسر وفتح ووقف وهو السكون. تنبيهات: الأول: قد تقرر أن الأصل في المبني أن يسكن فما بني "منه"4 على حركة فلسبب ترك الأصل لأجله. وأسباب البناء على حركة خمسة: الأول التقاء الساكنين نحو: "أمس". والثاني: كون الكلمة على حرف واحد كبعض المضمرات.
والثالث: كون الكلمة عرضة لأن "يبدأ"1 بها كلام الابتداء "وياء الجر"2. والرابع: كون الكلمة لها أصل في "التمكن"3 نحو "أول". والخامس: الشبه بالمعرب نحو "ضرب" "فإنه"4 شابه المضارع فبني على الفتح كما سبق. الثاني: لتخصيص المبني ببعض الحركات أسباب، فأسباب الفتحة ستة: الأول: مجرد طلب التخفيف نحو "أين". الثاني: شبه محلها "بما اكتنف"5 هاء التأنيث نحو "بعلبك". الثالث: مجاورة الألف نحو "أيان". الرابع: كونها حركة "الأصل"6 نحو: "يا مضار" "ترخيم"7 مضار8 اسم مفعول. والخامس: الفرق بين معنى أداة واحدة نحو: "يالزيد لعمرو". والسادس: الإتباع9. وأسباب الكسرة سبعة: الأول: التقاء الساكنين نحو "أمس". والثاني: مجانسة العمل نحو "ياء" الجر ولامه.
والثالث: الحمل على المقابل نحو: لام الأمر، فإنها كسرت حملا على لام الجر؛ لأنها في الأفعال نظيرتها في الأسماء. والرابع: الإشعار بالتأنيث نحو "أنتِ". والخامس: كونها حركة الأصل نحو "يا مضار" ترخيم مضار1 اسم فاعل. والسادس: الفرق بين أداتين نحو لام الجر. كسرت فرقا بينها وبين لام الابتداء في نحو: "لموسى عبد". والسابع: الإتباع2. وأسباب الضمة ستة: الأول: أن تكون في الكلمة كالواو في نظيرتها "كنحن"، فإن نظيرتها "هو". الثاني: شبه المبني بما هي فيه كذلك نحو: اخشوا "القوم"3. والثالث: ألا يكون للكلمة حال الإعراب نحو "قبل وبعد". والرابع: شبه المبني بما لا يكون له الضم حال الإعراب نحو "يا زيدُ". والخامس: كونها حركة الأصل نحو "يا تحاج" ترخيم "تحاجج"4 مصدر تحاج. إذا سمي به. والسادس: الإتباع5. واعلم أن ما حرك لغير التقاء الساكنين فحقه الفتح لخفته، لا يعدل عنه غالبا إلا لسبب من الأسباب المذكورة، وما خرج عن هذا فهو شاذ. الثالث: قد فهم مما سبق أن الاسم إذا بني على السكون، ففيه سؤال واحد، لم بني؟ ولا يقال: لم سكن؟ لأنه الأصل. وإذا بني على الحركة، ففيه ثلاثة أسئلة:
لم بني؟ ولم حرك؟ ولم كانت الحركة كذا؟ وأما الفعل والحرف، فإن بنيا على السكون فلا سؤال فيهما، وإن بنيا على حركة فسؤالان: لم حركا؟ ولم كانت الحركة كذا1. وقوله: كأين أمس حيث والساكن كم تمثيل لأنواع المبني "فأين" مثال لما بني على الفتح، وهو اسم لدخول حرف الجر عليه, وبني لتضمنه معنى الهمزة في الاستفهام، ومعنى أن الشرطية في الشرط، "وحرك لالتقاء الساكنين"2 وفتح تخفيفا للكسرة. وجيرِ3 وأمس مثال لما بني على الكسر، وهو اسم لدخول حرف الجر وحرف التعريف عليه في نحو "بالأمس" ولصحة الإسناد إليه، وبني عند أهل الحجاز لتضمنه معنى حرف التعريف؛ لأنه معرفة بغير أداة ظاهرة، وحرك لالتقاء الساكنين وكسر على أصل التقائهما. وقال السهيلي: من كسر "أمس" في كل حال فإنما "شبه بما"4 سمي بالفعل، وفيه ضمير محكي "نحو"5 من هذا، عن الكسائي "وحيث" مثال لما بني على الضم، وهو اسم لدخول "من" عليه في نحو: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} 6 وبني عند غير فقعس7، لافتقاره إلى جملة افتقارا لازما, وضم على أشهر اللغات، لشبهه بالغايات، ووجه الشبه "أنها كانت"8 مستحقة للإضافة إلى المفرد كسائر أخواتها، فمنعت "من"9 ذلك. كما منعت "قبل وبعد" الإضافة.
وذهب الزجاج إلى أن "حيث" موصولة وليست مضافة فهي بمنزلة "الذي", و"كم" مثال لما بني على السكون وهو اسم لدخول حرف الجر عليه، وبني لشبهه بالحرف في الوضع أو لتضمن "كم"1 الاستفهامية معنى الهمزة والخبرية معنى "رب" التي للتكثير. وقيل في سبب بناء "كم"2 الخبرية غير هذا, مما يذكر في باب "كم"3. ولما ذكر أنواع البناء أخذ يذكر أنواع الإعراب، وهي أربعة: الرفع والنصب والجر والجزم. وعن المازني أن الجزم ليس بإعراب، وهذه ثلاثة أقسام: قسم يشترك فيه المعربان: الاسم المتمكن والفعل المضارع، وهو الرفع والنصب، تقول "زيدٌ يهابُ" و"إن زيدًا لن يهابَ". وقسم يختص بالاسم وهو الجر: "مررتُ بزيد". وقسم يختص بالفعل وهو الجزم نحو "لم يهبْ"4. وإلى هذا أشار بقوله: والرفع والنصب اجعلن إعرابا إلى آخره، وهو واضح. "وإنما اختص الجر بالاسم؛ لأن كل مجرور مخبر عنه من جهة المعنى ولا يخبر إلا عن الاسم"5, وإنما اختص الجزم بالفعل، ليكون فيه6 كالعوض من الجر في الاسم.
وقيل غير ذلك, مما لا فائدة في ذكره هنا. وقد أشار بقوله: "كما قد خصص"1 إلى علة تخصيص الفعل بالجزم ثم قال: فارفع بضم وانصبن فتحا وجر ... كسرا كذكر الله عبده يسر واجزم بتسكين............ ... .......................... يعني: أن أصل الإعراب أن يكون بالحركات والسكون، فأصل الرفع أن يكون بضمة. وأصل النصب أن يكون بفتحة، وأصل الجر أن يكون بكسرة، وأصل الجزم أن يكون بالسكون، إذ لا حظ له في الحركات، فكان حظه حذفها. وقد مثل الرفع والنصب والجر "ذكرُ اللهِ عبدَهُ يسُرّ". ثم قال: ...... وغير ما ذكر ... ينوب................ فأشار إلى أن الإعراب بغير ما ذكر من الحركات والسكون "نائب"2 عن المذكور فينوب عن "الضمة"3 الواو والألف والنون، وعن الفتحة الألف والياء والكسرة وحذف النون. وعن الكسرة الياء والفتحة، وعن السكون حذف الحرف. فللرفع أربع علامات، وللنصب خمس علامات، وللجر ثلاث علامات، وللجزم علامتان. فهذه أربع عشرة علامة: أربعة أصول، وعشرة تنوب عن تلك الأصول, وسنذكر مواضع النيابة مفصلة إن شاء الله تعالى. ثم مثل ما أعرب بغير ما ذكر عن طريق النيابة بقوله: "نحو جا أخو بني نمر" "فأخو" مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، و"بني" مجرور بالياء نيابة عن الكسرة. واعلم أن الغالب في الاسم، إما حركة، وفي الفعل إما حرف وإما حذف, فنيابة الحرف عن الحركة في الاسم تكون في ثلاثة مواضع: الأسماء الستة، والمثنى، والمجموع على حده.
إعراب الأسماء الستة: فبدأ بالأسماء الستة؛ لأن المفرد سابق1 "على المثنى"2 والمجموع فقال: وارفع بواو وانصبن بالألف ... واجرر بياء ما من الأسما أصف أي الذي سأصفه لك من "الأسماء"3 يعين الأسماء الستة. واعلم أن في إعراب هذه الأسماء الستة عشرة مذاهب قد ذكرتها في غير هذا المختصر وأقواها مذهبان: أنا أذكرهما. الأول مذهب سيبويه، والفارسي، وجمهور البصريين، أنها معربة بحركات مقدرة في الحروف واتبع "فيها"4 ما قبل الآخر للآخر. فإذا قلت: "قام أبو زيد" فأصله أبو زيد. ثم اتبعت حركة "الباء"5 لحركة الواو فصار أبو زيد، فاستثقلت الضمة على الواو فحذفت. وإذا قلت: "رأيت أبا زيد" فأصله أبو زيد. فقيل: تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا, وقيل: ذهبت حركة الباء ثم حركت إتباعا لحركة الواو، ثم انقلبت الواو ألفا. قيل: وهذا أولى "ليتوافق النصب مع الرفع"6, والجر في الإتباع. وإذا قلت: "مررتُ بأبي زيد" فأصله بأبَوِ زيد, فأتبعت حركة الباء بحركة الواو فصار بأبُوِ زيد, فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت كما حذفت الضمة، ثم قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة كما قلبت في نحو "ميزان". هذا "تقدير"7 المذهب الأول. وذكر في التسهيل أنه الأصح8.
والثاني: مذهب قطرات والزيادي1, والزجاجي2 من البصريين، وهشام3 من الكوفيين في أحد "قوليه"4 ومن وافقهم أن إعراب هذه "الأسماء"5 بالأحرف المذكورة. قال في شرح التسهيل: وهذا أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلف6. قلت: ولكنه مستلزم للخروج عن الأصل، إذ أصل الإعراب أن يكون بالحركات ولعدم النظير، إذ ليس في المفردات ما يعرب بالحروف غير هذه الأسماء، ولبقاء "فيك" و"ذي مال" على حرف واحد؛ لأن الإعراب زائد فلا يوجد ذلك في المعربات إلا شذوذا بخلاف المذهب الأول. فإن قلت: ظاهر كلامه هنا موافقة قطرب ومن ذكر معه في أن إعراب هذه الأسماء بالحروف. قلت: يحتمل أن يكون وافق القائل بذلك هنا، ويحتمل أن يكون تسامح في جعله الإعراب بالأحرف، لكون الحركات هنا لا تظهر والحروف مفيدة ما تفيد
الحركات لو ظهرت، وأراد "بذلك"1 التقريب على المبتدئ، كما فعل كثير من المصنفين مع اعترافهم بصحة مذهب سيبويه. ويؤيد حمله على التسامح نصه في التسهيل على أن إعرابها بالحركات هو الأصح وقوله: من ذاك ذو إن صحبة أبانا شرع في ذكر الأسماء الستة، وبدأ "بذو" لأنها لا تفارق الإعراب بالأحرف "وقيد إعرابها بأن تبين"2 معنى الصحبة احترازا من "ذو" الموصولة في لغة طيئ3 فإنها مبنية على "الأعرف"4. وقوله: والفم حيث الميم منه بانا يعني أن "الفم"5 من الأسماء التي تعرب بالأحرف إن بانت6 منه الميم أي: زالت وفارقت فتقول "هذا فوك. ورأيت فاك. ونظرت إلى فيك" وإن كان بالميم ففيه عشر لغات: نقصه، وقصره، وتضعيفه، كل منها مع فتح الفاء أو كسرها أو ضمها، فهذه تسعة، والعاشرة، إتباع فائه لميمه وأفصحها "فتح"7 فائه منقوصا. وقوله: أب أخ حم كذاك.... أي: ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء، والحم: هو أبو الزوج ونحوه من أقاربه وقد يطلق على أقارب الزوجة.
وقوله: "وهن" أي كذلك، وأخره "لوقوع"1 الخلاف فيه، فإن الفراء أنكر إعرابه بالأحرف2 وهو محجوج بنقل سيبويه، وأيضا فإن إعرابه بالأحرف قليل, والأحسن فيه التزام النقص، وهو حذف لامه، وجعل الإعراب على عينه "كيد" ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهَنِ أبيه، ولا تكنوا" 3 وإلى هذا أشار بقوله: والنقص في هذا الأخير أحسن أي: أحسن من الإعراب "بالأحرف"4 وجرت عادة "كثير"5 من النحويين أن "يذكروا"6 "الهن" مع هذه الأسماء منبهين على قلة إعرابه بالأحرف، فيوهم ذلك "مساواته"7 لَهُنَّ. قال في شرح التسهيل: ومن لم ينبه على قلته فليس بمصيب، وإن حظي من الفضل بأوفر نصيب. والهن: كناية عن اسم جنس، قال في الصحاح8 كلمة كناية "ومعناها"9 شيء.
فتقول: "هذا هنك" أي: شيئك. وقال ابن الدهان1: هو كناية عما "يقلل"2 وكثرة الكناية به عن الفرج. ثم قال: وفي أب وتالييه يندر أي: يندر التزام النقص في "أب" وتالييه. وهما: أخ وحم. ومنه قوله3: بأبه اقتدى عدى في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم فالوجه الراجح في "هن" هو المرجوح في "أب" وتالييه.
وأنكر بعضهم نقص "حم" وقد حكاه الفراء، وحكى أبو زيد1 نقص أخ. ثم ذكر لغة ثالثة في أب وتالييه فقال: وقصرها من نقصهن أشهر يعني أن القصر في "أب" وتالييه، وهو التزام الألف مطلقا، وجعل الإعراب بالحركات المقدرة "في الألف"2 أشهر من النقص فيها. أما قصر الحم فكثير، ومن قصر الأب قول الراجز3: إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في لمجد غايتاها
ومن قصر الأخ قولهم: "مكره أخاك لا بطل"1. تنبيهات: الأول: قد اتضح بما ذكر في هذه الأرجوزة أن الأسماء الستة على ثلاثة أقسام: قسم ليس فيه إلا لغة واحدة وهو الإعراب بالأحرف، وذلك "ذو" بمعنى صاحب و"فم" بلا ميم. وقسم فيه لغتان: النقص ثم الإعراب بالأحرف وهو "هن". وقسم فيه ثلاث لغات: الإعراب بالأحرف ثم القصر ثم النقص، وهو: "أب وأخ وحم". الثاني: زاد في التسهيل في "أب" التشديد فيكون فيه أربع لغات، وفي "أخ" التشديد، و"أخو" بإسكان الخاء، فيكون فيه خمس لغات، وفي حم حموا كقرو، وحمئا كقرء2 وحمأ كخطأ. فيكون فيه ست "لغات"3, 4. الثالث: مذهب سيبويه أن "ذو" بمعنى صاحب وزنها فعل بالتحريك، ولامها ياء.
ومذهب الخليل أن وزنها فَعْل -بالإسكان- ولامها واو، فهي من باب قوة1. وقال ابن كيسان2: محتمل للوجهين جميعا. وفوك: وزنه عند الخليل وسيبويه فَعْل -بفتح الفاء وإسكان العين- وأصله فوه ولامه هاء. وذهب الفراء إلى "أن"3 وزنه فُعل بضم الفاء. وأب وأخ وحم وهن وزنها عند البصريين فَعَل -بالتحريك- "ولاماتها"4 واو بدليل تثنيتها بالواو. وذهب بعضهم إلى أن لام "حم" ياء من الحماية؛ لأن أحماء المرأة يحمونها وهو مردود بقولهم في التثنية حموان، وفي إحدى لغاته حمو. وذهب الفراء إلى أن وزن "أب وأخ وحم" فعل -بالإسكان- ورد عليه بسماع "قصرها"5 وبجمعها على أفعال. وأما "هَنٌ" فقال بعضهم لا أعرف ما يدل على أن أصله التحريك، واستدل الشارح على ذلك بقولهم: "هنة وهنوات"6 وقد استدل "به"7 بعض شراح
الجزولية1 واعترض ابن إياز2 بأن فتحة النون في "هنة" تحتمل أن تكون لها التأنيث، وفي "هنوات" لكونه مثل "جفنات" ففتح لجمعه بالألف والتاء، وإن كانت العين ساكنة في الواحد، وقد حكى بعضهم في جمعه "أهناء" فبه "يستدل"3 على أن وزنه فَعَل بالتحريك. وهذا موضع اختصار4. ثم أشار إلى شرط إعراب هذه الأسماء بالأحرف المذكورة فقال: وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا ... لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا فاحترز: مما لم يضف منها نحو "أب" فإنه يعرب بحركات ظاهرة، وكلها تفرد إلا "ذو" فإنها ملازمة للإضافة. وإذا أفرد "فوك" عوض من واوه ميم، وقد ثبتت الميم في الإضافة كقوله5:
يصبح ظمآن وفي البحر فمه ولا تختص بالضرورة خلافا لأبي عليّ1، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك" 2. واحترز مما أضيف منها إلى ياء المتكلم، فإنه يعرب بحركات مقدرة "نحو"3: "هذا أخي" وكلها تضاف إلى الياء إلا "ذو" فإنها لا تضاف إلى مضمر، وإنما تضاف إلى اسم جنس ظاهر غير صفة وما خالف ذلك فهو نادر4. ويشترط في إعراب هذه الأسماء بالأحرف مع الشرطين المذكورين شرطان آخران:
أن تكون مفردة، فإن ثنيت أو جمعت أعربت إعراب المثنى والمجموع وأن تكون مكبرة، فإن صغرت أعربت بالحركات. فإن قلت: فقد أهمل هذين الشرطين. قلت: قد علق الحكم على ما لفظ به، وقد لفظ بها مفردة مكبرة، فاكتفي بذلك. ثم مثل ما أضيف إلى غير الياء بقوله: "جاء أخو أبيك ذَا اعتلا" وهو واضح. إعراب المثنى: ثم انتقل إلى الموضع الثاني من مواضع نيابة "الحرف عن الحركة"1 فقال: بالألف ارفع المثنى وكلا المثنى: هو الاسم الدال على اثنين في زيادة في آخره "صالحة"2 للتجريد وعطف مثله عليه كقولك: "زيدان ورجلان" فإنه يصلح فيهما ذلك نحو "زيد وزيد ورجل ورجل". وللتثنية ثمانية شروط: الأول: الإفراد، فلا يجوز تثنية المثنى والمجموع على حدة ولا الجمع الذي لا نظير له في الآحاد اتفاقا، وأما غيره من جموع التكسير فظاهر كلام المصنف جواز تثنيته. وقال غيره: إن تثنية الجمع واسم الجنس غير مقيسة. الثاني: الإعراب, فلا يثنى المبني، وأما قولهم: "منان ومنَيْن" فليست الزيادة فيهما للتثنية بل للحكاية يدل على ذلك "حذفهما"3 وصلا، وأما "يا زيدان ولا
رجلين" فإنما ثني قبل البناء، وأما "هذان واللذان" ونحوهما فصيغ وضعت للمثنى, "وليست"1 من المثنى الحقيقي عند المحققين. الثالث: عدم التركيب, فلا يثنى المركب تركيب إسناد اتفاقا, وكذا ما في حكمه كأنما مسمى به، واختلف في تثنية المركب تركيب مزج نحو: "بعلبك وسيبويه" وصحح أكثرهم المنع لشبهه بالمحكي ولعدم السماع. وأما الأعلام المضافة نحو: "أبي بكر" فيستغنى فيها بتثنية المضاف "وجمعه"2 عن تثنية المضاف إليه وجمعه، وأجاز الكوفيون تثنيتهما "معا"3 وجمعهما "معا"4 فتقول: "أبَوا البكرين وآباء البكرين". الرابع: التنكير. فلا يثنى العلم باقيا على علميته, بل إذا أريد تثنيته قدر تنكيره، ولذلك لا تثنى الكنايات عن الأعلام نحو "فلان وفلانة" فإنها لا تقبل التنكير. الخامس: أن يكون قابلا لمعنى التثنية. فلا تثنى الأسماء الواقعة على ما لا ثاني له في الوجود "كشمس وقمر" إذا قصدت الحقيقة. السادس: اتفاق اللفظ، وأما نحو: "القمرين" في الشمس والقمر فمن باب التغليب5. السابع: اتفاق المعنى, فلا يجوز تثنية المشترك والحقيقة والمجاز, هذا مذهب أكثر المتأخرين. قال في شرح التسهيل: والأصح الجواز، وممن صرح بجواز ذلك أبو بكر بن الأنباري6.
الثامن: ألا يستغنى بتثنية غيره عن تثنيته نحو: "سواء" فإن أكثرهم لا يثنيه استغناء بتثنية سي فقالوا: "سيان" ولم يقولوا: "سواءان" على أن أبا زيد حكاه عن العرب. وما أعرب إعراب المثنى وهو مخالف لمعناه بقصد التكثير نحو: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} 1. أو الإفراد نحو: "البحرين" أو موافق له ولم يصلح للتجريد نحو: "اثنين واثنتين". أو صلح للتجريد وعطف مباينه عليه لا عطف مثله نحو: "القمرين" في الشمس والقمر، و"العمرين" في أبي بكر وعمر. فهو ملحق بالمثنى. وقد أشار في النظم إلى أربعة ألفاظ الحقت بالمثنى فأعربت إعرابه، وليست من المثنى حقيقة وهي "كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان". أما "كلا وكلتا" فهما اسمان "مفردا اللفظ مثنيا المعنى"1 بدليل الإخبار عنهما بالإفراد تارة مراعاة للفظ وبالتثنية تارة مراعاة للمعنى وقد اجتمع الأمران في قوله3: كلاهما حين جد الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
ولكونهما مفردي اللفظ مثنى المعنى، أعربا إعراب المفرد في موضع "وأعربا"1 إعراب المثنى في موضع. فأعربا مع الظاهر إعراب "المفرد"2 المقصور بحركات مقدرة، ومع المضمر إعراب المثنى بالألف رفعا وبالياء جرا ونصبا. ولما كان الإعراب بالحروف فرعا عن الإعراب بالحركات، والإضافة إلى المضمر فرعا عن الإضافة إلى المظهر، جعل الفرع مع الفرع والأصل مع الأصل "تحصيلا لكمال المناسبة"3. وإلى هذا أشار بقوله: إذا بمضر مضاف وصلا أي: إذا وصل "كلا" بمضمر حال كونه مضافا إلى ذلك المضمر، فمضافا حال من الضمير المستكن في وصل وهو ضمير "كلا". وقوله: "كلتا كذاك" يعني مثل "كلا" في أن إعرابها إعراب المثنى مشروط بالإضافة إلى الضمير. تنبيهات: الأول: حكى الفراء "كلا وكلتا" ثلاث لغات: الأولى: أن يعربا مع الظاهر إعراب المقصور ومع المضمر إعراب المثنى كما "تقدم"4. والثانية: أن يعربا إعراب المثنى مع الظاهر والمضمر ونسبها إلى كنانة. والثالثة: أن يعربا إعراب المقصور مع النوعين أيضا وجعل من ذلك قول بعضهم: "كلاهما وتمرا"5, 6 بالألف.
الثاني: ما تقدم من أن "كلا وكلتا" "مفردا اللفظ مثنيا المعنى"1 هو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنهما من قبيل المثنى لفظا ومعنى. ويرده أمور منها الإخبار عنهما بالمفرد في الكلام الفصيح كما تقدم. وزعم البغداديون: أن "كلتا"2 قد نطق لها بمفرد في قول الراجز: في كلت رجليها سلامى واحدة3 ... ..........................................
وليس بصحيح، بل أراد "في كلتا" فحذف الألف للضرورة. الثالث: "كلا" عند البصريين فعل نحو معي "وألفها"1 عن واو بدليل إبدالها "تا" في "كلتا" وقيل عن ياء لقول سيبويه: إنه لو سمي بها وثنيت لانقلبت ياء، ووزن "كلتا" فعلى كذكرى وألفها للتأنيث والتاء بدل "من"2 لام الكلمة، وهو إما واو3 وهو اختيار ابن جني أو ياء4 وهو اختيار أبي عليّ، وذهب الجرمي5 إلى أن التاء زائدة للتأنيث وهو ضعيف، لأن تاء التأنيث لا تقع حشوا ولا بعد ساكن غير الألف. الرابع: المنقول عن البصريين أن قلب ألف كلا وكلتا مع المضمر "ياء"6 ليس هو للعامل7 وإنما هو بالحمل على "لدى وعلى" وذلك لأنهما ملازمان للإضافة فأشبها في النصب "لدى" وأشبها في الجر "على" ففعلوا "بكلا وكلتا" في النصب والجر، ما فعلوا بلدى وعلى فقلبوا ألفها ياء، إذا أضيفا إلى مضمر،
ولم يقلبوها إذا أضيفا إلى ظاهر1 كما أن ألف "لدى وعلى" لا تقلب مع الظاهر. وأما الرفع فبقيت الألف مع الظاهر والمضمر؛ لأنها لم تشبه في الرفع ما تنقلب ألفه. قال الخليل: ومن لا يقلب ألف "لدى وعلى" إذا أضيفا إلى المضمر، يقول: "رأيت كلاهما أو مررت بكلاهما" فيجعلهما من المضمر على حالهما مع الظاهر، وضعف الناظم "إعراب"2 هذا المذهب، وجعل "إعرابها"3 بالحرفين كالمثنى، واستدل بلغة كنانة. وأما "اثنان واثنتان" فيعربان إعراب المثنى بلا شرط، ولذلك شبههما بما هو مثنى حقيقة لئلا يتوهم أنهما مثل "كلا وكلتا" في اشتراط الإضافة إلى المضمر. فقال: ........... اثنان واثنتان ... كابنين وابنتين يجريان أي: يجريان مجرى ابنين وابنتين بلا شرط، ثم قال: وتخلف اليا في جميعها الألف ... جرا ونصبا........................ يعني أن الياء تخلف الألف. أي: تحل محلها في جميع ما تقدم وهو المثنى والألفاظ الملحقة به جرا ونصبا نحو: "مررت بالزيدين، ورأيت الزيدين". وقدم الجر لأن النصب محمول عليه في الياء التي هي أخت الكسرة، وإنما حمل عليه لاشتراكهما في أن كلا منهما فضلة، ولهذا لم يحمل على الرفع؛ لأنه عمدة وقوله: ........ بعد فتح قد ألف
سبب فتح ما قبل هذه الياء الإشعار بأنها خلقت الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا. تنبيهات: الأول: في المثنى وما ألحق به لغة أخرى وهو لزوم الألف رفعا ونصبا وجرا، وهي لغة بني الحارث بن كعب1 وقبائل أخر, وأنكرها المبرد2 وهو محجوج بنقل الأئمة3 "وهو"4 أحسن ما خرج عليه قراءة: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} 5. الثاني: مذهب الناظم أن إعراب المثنى والمجموع على حدة بالحروف كما هو ظاهر كلامه في النظم، وصرح بذلك في التسهيل, وهو مذهب قطرب وطائفة من المتأخرين, ونسب إلى الزيادي والزجاجي. قيل: وهو مذهب الكوفيين6. وذهب سيبويه7 ومن تبعه إلى أن الإعراب مقدر في الألف والياء فتقدر في الألف الضمة، وفي الياء الفتحة والكسرة، فإعراب المثنى عندهم بالحركات. وفي إعراب المثنى مذاهب لا نطول بذكرها.
المجموع على حد المثنى: ثم انتقل إلى الموضع الثالث من مواضع النيابة1 وهو المجموع على حد المثنى فقال: وارفع بواو وبيا اجرر وانصب ... سالم جمع عامر ومذنب لما كان الجمع على قسمين: جمع تكسير, وهو ما تغير فيه بناء واحده لفظا أو تقديرا, وجمع سلامة, وهو خلافه. احترز عن جمع التكسير بقوله: "سالم جمع". ثم السالم قسمان: مذكر ومؤنث. فاحترز عن المؤنث بإضافة الجمع إلى المذكر, أعني "عامرا ومذنبا" فالذي يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء هو جمع المذكر السالم. وهو قسمان: اسم، وصفة. فالاسم لا يجمع هذا الجمع إلا بأربعة شروط: الذكورية والعلمية والعقل والخلو من تاء التأنيث المغايرة لما في نحو: "عدة وثبة" علمين. والصفة لا تجمع هذا الجمع إلا بأربعة "شروط"2: الذكورية والعقل والخلو من تاء التأنيث وقبول تاء التأنيث عند قصد معناه. "واحترزت"3 بهذا الأخير من فعلان فعلى نحو: سكران وأفعل فعلاء4 نحو أحمر، وما اشترك فيه المذكر والمؤنث نحو: "صبور" فلا يجمع شيء من ذلك بالواو والنون لعدم قبوله لتاء التأنيث. فمثال الاسم "الذي"5 اجتمعت فيه الشروط "عامر" فتقول: "جاء العامريون ورأيت العامريين ومررت بالعامريين".
ومثال الصفة التي اجتمعت فيها الشروط "مذنب" فتقول: "جاء المذنبون ورأيت المذنبين ومررت بالمذنبين". وقد اكتفى الناظم بالمثالين عن ذكر هذه الشروط طلبا للاختصار, وأشار للقياس عليهما بقوله: "وشبه ذين". فشبه عامر كل اسم مذكر "علم"1 عاقل خال من تاء التأنيث، وشبه مذنب: كل وصف مذكر عاقل خال من تاء التأنيث: قابل لتاء التأنيث. فإن قلت: قد زاد في التسهيل في شروط الاسم شرطين آخرين: أحدهما: أن يكون غير مركب تركيب إسناد أو مزج. والآخر: أن يكون غير معرب بحرفين2 فلم ترك ذكرهما؟ قلت: هذان شرطان لصحة مطلق الجمع ولا خصوصية لهما بهذا الجمع "المذكور"3. تنبيهات: الأول: لم يشترط الكوفيون الخلو من تاء التأنيث, فأجازوا جمع "طلحة" بالواو والنون، ولا قبول الصفة لتاء التأنيث مستدلين بقول الشاعر: منا الذي هو ما إن طر شاربه ... والعانسون ومنا المرد والشيب4
فجمع عانسا "بالواو والنون"1 وهو من الصفات المشتركة. ولا حجة في البيت لشذوذه. الثاني: ما جعل علما من الثلاثي المعوض من "فائه"2 تاء التأنيث كعدة أو من لامه كثبة فإنه يجوز جمعه بالواو والنون وبالألف والتاء، ما لم يكسر قبل العلمية كشفة, فيلزم تكسيره أو يعتل ثانيه "كدية"3 فيلزم جمعه بالألف والتاء. وإلى هذا أشار في التسهيل بتقييده التاء بالمغايرة لما في "عدة وثبة" علمين4. الثالث: اعلم أن التصغير قائم مقام الوصف، فلذلك لو صغر نحو: "رجل وغلام" جمع الواو والنون مع أنه ليس بعلم ولا صفة، وذلك لكون التصغير وصفا في المعنى. ثم أشار إلى ما ألحق بهذا فأعرب إعرابه بقوله: .......... وبه عشرونا ... وبابه ألحق والأهلونا أولوا وعالمونا عليونا ... وأرضون شذ والسنونا
وهو أربعة أقسام: اسم جمع وجمع تكسير، وجمع تصحيح لم يستوف الشروط، ومفرد هو جمع في الأصل. فالأول: عشرون وبابه. ونعني ببابه سائر العقود إلى التسعين. و"أولو" و"عالمون" فهذه كلها أسماء جموع ألحقت بجمع المذكر السالم في إعرابه؛ لأن هذه لا واحد لها من لفظها، وليس "العالمون" جمع عالم لأن العالم عام والعالمون خاص بمن يعقل، وإنما هو اسم جمع. قاله المصنف. والثاني: أرضون وسنون وبابه "فهذه"1 جموع تكسير لتغير واحدها. أعربت إعراب جمع لمذكر السالم. الثالث: أهلون, فإنه جمع أهل وأهل، فهو مستوفي الشروط إذ هو ليس علما ولا صفة. فأهلون جمع تصحيح لم يستوف الشروط. وجعل بعضهم "أرضين وسنين" من هذا النوع. والرابع: عليون, وهو اسم لأعلى الجنة. كأنه في الأصل فعلى من العلو, فجمع جمع من يعقل وسمي به، وفي تمثيله بهذه الألفاظ تنبيه على نظائرها, وباب سنين "الذي"2 أشار له بقوله "وبابه" هو ما عوض من لامه هاء التأنيث ولم يكسر3 فهذا النوع شاع فيه جمع بالواو والنون رفعا وبالياء والنون جرا ونصبا4، وهو ثلاثة أنواع: مفتوح الفاء نحو: "سنة". ومكسور الفاء نحو: "مائة". ومضموم الفاء نحو: "ثبة" وهي الجماعة. فلام "سنة" واو أو هاء على اللغتين, ولام "مائة" ياء، ولام "ثبة" واو، وقيل: ياء من ثبيت أي جمعت, وأما الثبة التي هي وسط الحوض فمحذوفة العين
من "ثاب يثوب"1 إذا رجع، وقيل: بل محذوفة اللام أيضا من ثبيت, فما كان مفتوح الفاء كسرت فاؤه نحو: "سنين"، وقد حكي ضم "سينه"2، وما كان مكسور الفاء لم يغير "نحو"3 "مئين"، وما كان مضموم الفاء فوجهان الكسر والضم نحو: "ثيين" فإن كسر استغني عن هذا الاستعمال نحو: "شفة" إلا ما ندر. وقوله: .... ومثل حين قد يرد ... ذا الباب................. يعني أن باب سنين قد يستعمل مثل حين فجعل إعرابه بالحركات على النون منونة4 ولا تسقطها الإضافة وتلزم الياء5 فتقول: "هذه سنين وصحبته سنينا "وما رأيته"6 منذ سنين" وفي الحديث، في رواية: $"اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف"7، ومنه قول الشاعر: دعاني من نجد فإن سنينه ... لعبن بنا شيبا وشيبتنا مردا8
ومن أصحاب هذه اللغة من يسقط التنوين. وقوله: "وهو عند قوم يطرد". يعني أن إجراء سنين وبابه مجرى حين يطرد عند قوم من العرب، وقد يستعمله غيرهم على وجه الشذوذ كما في الحديث المذكور. وإنما اختص هذا النوع بهذه المعاملة لخلوه من شروط جمع التصحيح وشبهه بالتكسير في عدم سلامة نظم واحده. وقوله: "ونون مجموع" نحو: "الزينين والمسلمين". "وما به التحق" نحو "عشرين" وما ذكر معه "فافتح" أي: فلزمه الفتح للفرق بينه وبين نون التثنية.
"وقل من بكسره نطق" يعني في الضرورة وليس بلغة. ومنه قول الشاعر1: ........................... ... وأنكرنا زعانف آخرين وقول الآخر2: ............................... ... وقد جاوزت حد الأربعين
وقال في شرح التسهيل: ويجوز أن يكون كسر نون الجمع وما ألحق به لغة1. وقوله "ونون ما ثني" نحو: "الزيدين" "والملحق به" نحو: "اثنين" "بعكس ذاك استعملوه". أي: بعكس نون الجمع فينكسر لالتقاء الساكنين وقل من نطق بفتحه، إلا أن فتح نون المثنى لغة حكاها الكسائي والفراء ولكنهما حكياها مع الياء لا مع الألف2 وأجازها بعضهم مع الألف، واستدل بقول الراجز: أعرف منها الجيد والعينانا3 ... .................................
وحكى الشيباني1 أن ضم نون المثنى لغة, يعني إذا كان بالألف، وحكي عن العرب "هما خليلان". ولما فرغ من نيابة الحرف عن الحركة انتقل إلى نيابة الحركة "عن"2 حركة أخرى، وذلك في موضعين: الأول: جمع المؤنث السالم، فإنه ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة3 فحمل نصبه على جره كما حمل نصب المذكر السالم على جره، وضابطه: ما جمع بألف وتاء مزيدتين. وإليه أشار بقوله: وما بتا وألف قد جمعا ... يكسر في الجر وفي النصب معا فإن قلت: لِمَ لَمْ يقيد الألف والتاء بكونهما زائدتين؟ قلت: تعليق الباء بقوله جمع يغني عن "التقييد"4، إذ المراد ما دل على جمعيته بألف وتاء. "ونحو أبيات" مما تاؤه أصلية وقضاة مما ألفه منقلبة عن أصل لم يدل على جمعيته بالألف والتاء5.
فإن قلت: لم لم يذكر علامة رفعه؟ قلت: لأنه بالضمة على الأصل. ثم ذكر ما ألحق بجمع المؤنث السالم فقال: كذا أولات والذي اسما قد جعل ... كاذرعات فيه ذا أيضا قبل يعني: أن أولات يكسر في جره ونصبه كالجمع المذكور، وهو اسم جمع؛ لأنه لا واحد له من لفظه فهو في المؤنث نظير أولو في المذكر. وقوله: ....... والذي اسما قد جعل يعني: أن ما كان مجموعا بألف وتاء ثم سمي به فجعل اسما مفردا، فإنه يعرب بعد التسمية على اللغة الفصحى بما كان يعرب به قبلها، فيكسر في الجر والنصب وينون. وقد مثله بأذرعات "وهو بالذال المعجمة"1 اسم موضع2 فتقول: "رأيت أذرعات ومررت بأذرعات" فيستوي جره ونصبه ونحوه "عرفات". ومن العرب من يمنعه التنوين ويجره وينصبه بالكسرة كما سبق "ومنهم"3 من يمنعه الصرف فيجره وينصبه بالفتحة ولا ينون. فإن قلت: لم نون أذرعات وعرفات ونحوهما على اللغة الفصحى، وحقهما منع الصرف للتأنيث والعلمية؟ قلت: ليس تنوينهما للصرف؛ وإنما هو تنوين المقابلة وقد تقدم بيانه. فإن قلت: قد ذكر حكم المجموع بالألف والتاء -إذا سمي به- فما حكم المثنى والمجموع على حدة إذا سمي بأحدهما؟ قلت: أما المثنى ففيه لغتان: الأولى: أن يعرب بعد التسمية بما كان يعرب به قبلها. والثانية: أن يجعل مثل: "عمران" في التزام الألف وإعرابه على النون إعراب ما لا ينصرف.
وأما المجموع على حدة ففيه أربعة أوجه: الأول: أن يعرب بعد التسمية بما كان يعرب به قبلها. والثاني: أن يجعل "كغسلين" في التزام الياء وجعل الإعراب "على"1 نون مصروفا، ولم يذكر سيبويه غير هذين الوجهين2. والثالث: أن يجعل "كهارون" في التزام الواو وجعل الإعراب على النون غير مصروف للعلمية وشبه العجمة. والرابع: التزام الواو وفتح النون مطلقا، ذكره السيرافي، وزعم أن ذلك صحيح من لسان العرب. تنبيهات: الأول: جعل المثنى "كعمران" والمجموع "كغسلين" أو "هارون" مشروط ألا يتجاوزا سبعة أحرف, فإن تجاوزا السبعة لم يعربا بالحركات3, وقد تنبه على ذلك في التسهيل4. الثاني: ما تقدم من أن المثنى إذا جعل بعد التسمية "كعمران" يمنع الصرف، قيده ابن جني بغير "ذان وتان" مسمى بهما، فإنهما يصرفان إذ الألف "هنا"5 لم تقع وقع الألف الزائدة. وفي حواشي مبرمان6 منع صرف "ذان"7 قال: لأن في آخره زيادتين.
والموضع الثاني من "موضعي"1 نيابة الحركة عن حركة أخرى. ما لا ينصرف وهو كل اسم شابه الفعل من كونه فرعا من وجهين كما سيتحقق في موضعه. فهذا يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، فحمل جره على نصبه؛ لأنه لما شابه الفعل منع التنوين والجر بالكسرة. وإلى هذا أشار بقوله: وجر بالفتحة ما لا ينصرف فشمل ذلك: المفرد والجمع المكسر نحو: "مررت بأحمد، وصليت في مساجد". وسكت عن رفعه ونصبه، "لأنهما الأصل"2. وقوله: ما لم يضف أو يك بعد أل "ردف" يعني: فإنه يجر حينئذ بالكسرة نحو: "مررت بأحسن القوم وبالأحسن". وشمل قوله: "أل" المعرفة كما مثل، والموصولة نحو: ما أنت باليقظان ناظره إذا ... نسيت بما تهواه ذكر العواقب3
والزائد نحو: رأيت الوليد بن اليزيد مباركا1 ... .................................... وقال في التسهيل: ما لم يصحب الألف واللام أو بدلهما2 يعني الألف والميم في لغة أهل اليمن كقول الشاعر: ...................................... ... تبيت بليل أمأرمد اعتاد أولقا3
وقوله "رَدِف" معناه تبع. فإن قلت: إذا أضيف ما لا ينصرف أو دخلته "أل" "و"1 الجر بالكسرة فهل يسمى منصرفا؟ قلت: فيه خلاف مشهور2.
والتحقيق: أنه إن زالت إحدى علتيه بالإضافة أو "أل" فمنصرف نحو "مررت بأحمدِكم" وإلا فغير منصرف نحو: "مررت بأحسَنِكم". ولبيان ذلك موضع هو أليق به، المفهوم من قوة كلامه في النظم أنه باق على منع صرفه. ولما فرغ من مواضع النيابة في الأسماء أخذ يذكر مواضع النيابة في الأفعال, وقد تقدم أن النائب في الفعل شيئان: الحرف والحذف. فالحرف هو النون تنوب عن الضمة، والحذف حذف النون وحروف العلة، "فحذف النون ينوب عن الفتحة والسكون"1 وحذف حروف العلة ينوب عن السكون. وبدأ بمواضع النون فقال: واجعل لنحو يفعلان النونا ... رفعا وتدعين وتسألونا فنحو "يفعلان" هو كل فعل اتصل به ألف اثنين مخاطبين أو غائبين نحو: "أنتما تفعلان" وهما يفعلان سواء كان ضميرا كما مثل به، أو حرفا نحو "يفعلان الزيدين" في لغة طيئ وأزد شنوءة2. وقوله: "رفعا" هو مفعول ثان لقوله: "واجعل" أي: صيِّر، وهو تصريح "بأن الرفع بالنون"3 كما هو مذهب الجمهور خلافا لمن زعم أن الإعراب في هذه الأمثلة بحركات مقدرة على لام الفعل. وقوله "وتدعين" أي: ونحو "تدعين" وهو كل فعل اتصل به ياء "المخاطبة". وقوله "وتسألون" أي نحو "تسألون", وهو كل فعل اتصل به واو جمع مخاطبين أو غائبين، نحو: "أنتم تفعلون وهم يفعلون" وسواء أكانت ضميرا كما مثل به أو حرفا نحو: "يفعلون الزيدون" في اللغة المشار إليها.
وقوله: وحذفها للجزم والنصب سمه أي: وحذف النون علامة للجزم والنصب كقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} 1. وقد مثل بقوله: كلم تكوني لترومي مظلمه "فتكوني" مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون "وترومي" منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود وعلامة نصبه حذف النون أيضا. وبدأ بالجزم؛ لأن النصب محمول على الجزم في علامته، فإن الجزم أحق بالحذف فحمل النصب عليه كما حصل على الجر في الأسماء. وقوله: "مظلمه" يجوز فيه فتح اللام وكسرها، والفتح هو القياس. إعراب المعتل من الأسماء والأفعال: ولما أنهى القول في "بيان"2 إعراب الصحيح من الأسماء والأفعال، شرع في إعراب المعتل من الأسماء والأفعال, فقال: وسم معتلا من الأسماء ما ... كالمصطفى والمرتقي مكارما فأشار بالمثال الأول إلى كل اسم حرف إعرابه ألف لازمة, وبالثاني إلى كل اسم حرف إعرابه "ياء لازمة قبلها كسرة". فكلا النوعين يسمى معتلا وليس في الأسماء ما حرف إعرابه واو لازمة قبلها ضمة3. "ثم أشار"4 إلى أن هذين النوعين وإن اشتركا في الاعتلال، فإن لكل "واحد"5 اسما خاصا وحكما غير حكم الآخر فقال:
فالأول الإعراب فيه قدرا ... جميعه وهو الذي قد قصرا يعني بالألف ما حرف إعرابه ألف لازمة كالمصطفى "وإنما"1 قدر فيه الإعراب جميعه أعني الرفع والنصب والجر، لتعذر تحريك الألف. فإذا قلت: "جاء الفتى" فعلامة رفعه ضمة مقدرة في الألف تعذرا. وإذا قلت: "رأيت الفتى" فعلامة نصبه فتحة مقدرة في الألف تعذرا. وإذا قلت: "مررت بالفتى" فعلامة جره كسرة مقدرة في الألف تعذرا. وقوله: "وهو الذي قد قصرا" إشارة إلى أن هذا النوع يسمى في الاصطلاح مقصورا؛ لأنه منع المد، ويقابله الممدود، ولذلك لا يسمى نحو "يسعى" مقصورا إذ ليس في الفعل ممدود. وقيل: سمي مقصورا؛ لأنه قصر عن ظهور الحركات، والقصر المنع. "والثان منقوص" يعني بالثاني: ما حرف إعرابه ياء لازمة تلي كسرة كالمرتقي. وسمي منقوصا؛ لأنه تحذف لامه للتنوين نحو "داع ومرتق". وقيل لأنه نقص "فيه"2 بعض الحركات وظهر فيه بعضها. ونصبه ظهر نحو قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} 3. ذلك لخفة الفتحة4. ورفعه ينوى نحو قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} 5 فعلامة رفعه ضمة مقدرة في الياء استثقالا لا تعذرا لإمكان النطق بها، وقد ظهر في الضرورة كقول الشاعر:
وعن الفرزدق شر العروق ... خبيث الثرى كابي الأزند1 وقوله: كذا أيضا يجر. أي: يجر بالكسرة "منوية"2 كما رفع بضمة "منوية"3 لثقل الضمة والكسرة على الياء كقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} 4 فعلامة جره كسرة مقدرة في الياء استثقالا, لا "تعذرا"5 لإمكان النطق بها كقول جرير: فيوما يوافين الهوى غير ماضيٍ6 ... .........................................
ثم انتقل إلى المعتل من "الأفعال"1 فقال: وأي فعل آخر منه ألف ... أو واو أو ياء فمعتلا عرف أي: شرطية وبعدها "كان" التامة مقدرة وآخر منه مبتدأ وألف خبره والجملة خبر كان. وقوله: "فمعتلا عرف" جواب الشرط، ويحتمل أن تكون "كان" المقدرة ناقصة وآخر اسمها وألف خبرها ووقف عليه بحذف التنوين على لغة ربيعة2. ويجوز أن تكون "أي" موصولة على مذهب من أجاز إضافتها إلى النكرة.
وحاصل البيت: أن كل فعل آخره ألف نحو: "يخشى" أو واو نحو: "يدعو" أو ياء نحو: "يرمي" فهو معتل قد عرف بهذا الاسم، ولا يقال منقوص ولا مقصور "إلا في الأسماء"1. وقوله: فالألف انو فيه غير الجزم يعني بغير الجزم الرفع والنصب نحو: "زيد يسعى, ولن يسعى" فعلامة رفعه ضمة مقدرة وعلامة نصبه فتحة مقدرة. وكل ما قدر في الألف فهو على سبيل التعذر، وإنما استثني الجزم؛ لأنه يظهر بحذف الألف كما سيأتي2. وقوله: وأبدِ نصب ما كيدعو يرمي أي "ويظهر"3 نصب المعتل بالواو "كيدعو" والمعتل بالياء "كيرمي" فتقول: "لن يدعو, ولن يرمي" لخفة الفتحة. وقوله: والرفع فيهما انو........ يعني: في المعتل بالواو والياء نحو: "زيد يدعو ويرمي" فعلامة رفعهما ضمة مقدرة في الواو والياء استثقالا كما سبق في المنقوص. وقوله: .......... واحذف جازما ... ثلاثهن................... يعني: الألف، والواو، والياء، تحذف الثلاثة للجازم نحو: "لم يخش ولم يرم ولم يغز". والتحقيق: أن الحذف عند الجازم، لأنه فرع، إذا كان حرف العلة بدلا من همزة نحو: "يقرأ" فإن قدر دخول الجازم قبل الإبدال وجب إقراره4 وإن قدر دخوله بعد الإبدال فقد ذكر ابن عصفور فيه وجهين: الإثبات والحذف، ومنع بعضهم الحذف.
وقوله: "تقض حكما لازما" يعني في غير ضرورة الشعر، وأما في الضرورة فقد تثبت هذه الأحرف ويقدر الجزم. كقول الشاعر: ألم يأتيك والأنباء تنمي1 ... ............................... وكقول الآخر: ................................. ... ........ لم تهجو ولم تدع2
وقول الآخر: ........................... ... ولا ترضَّاها ولا تملَّق1 ومنع بعضهم إثبات الألف وهو اختيار ابن عصفور. وسبب هذا الخلاف، اختلافهم فيما حذفه الجازم، فقيل: الضمة المنوية فعلى هذا لا فرق بين الألف وأختيها، وقيل: الضمة الظاهرة. لفظ بها ضرورة ثم حذفت، فعلى هذا لا يجوز في الألف2، إذ لا يمكن فيها ذلك.
وقد ذهب قوم إلى أن هذه الحروف الثابتة إشباع1 وقد حذفت الحروف الأصلية للجازم، وقد ورد في الضرورة أيضا تقدير نصب الياء والواو -مثال الياء- قول الشاعر: ما أقدر الله أن يدني على شحط ... من داره الحزن ممن داره صول2 ومثال الواو قوله: ...................................... ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب3
وقد ورد أيضا في الضرورة إظهار رفعهما مثال الياء. قوله: ........................................... ... تساوي عنزي غير خمس دراهم1 ومثال الواو قوله: إذا قلت عل القلب يسلو قيضت ... هواجس لا تنفك تغريه بالوجد1
وربما قدر في "السعة"1 نصب الياء كقراءة بعضهم {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} 2 وجزمها كقراءة قنبل3 {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} 4 ونصب الواو كقراءة بعضهم5 {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي} 6. وبسط الكلام على ذلك لا يليق بهذا المختصر. والله أعلم.
النكرة والمعرفة
النكرة والمعرفة: إنما قدم الناظم هذا الباب إلى هذا الموضع، لتوقف كثير من الأحكام الإعرابية عليه، وبدأ بالنكرة؛ لأنها الأصل. فقال: نكرة قابل أل مؤثرا ... أو واقع موقع ما قد ذكرا يعني أن النكرة قسمان أحدهما يقبل "أل" المؤثرة أي المعرفة نحو "رجل" "فإنه يقبلها"1 فتقول "الرجل". والثاني: لا يقبل المؤثرة بنفسه، ولكنه واقع موقع شيء يقبلها نحو: "ذو" بمعنى صاحب، فإنه لا يقبل "أل" ولكنه واقع موقع صاحب وصاحب يقبل "أل"2 فيستدل على تنكير "ذو" بذلك. واحترز بقوله "مؤثرا" من أل الزائدة والتي للمح الصفة، فإنهما لا يدلان على تنكير ما يدخلان عليه، بل يدخلان على العلم. "فالزائدة"3 نحو: باعد أم العمرو من أسيرها4 ... ................................... والتي للمح الصفة "نحو: "الحارث" و"العباس".
فإن قلت: أل في الحارث ونحوه مؤثرة للمح الصفة فهي واردة على إطلاقه. قلت: التي للمح الصفة1 لم تؤثر في الاسم الذي دخلت عليه أثرا من تعريف ولا غيره، وإنما نبهت عن أصله، وإن كان صفة. فإن قلت: حصر النكرة، في القسمين غير صحيح، لوجود ثالث لا يقبل "أل" ولا يقع موقع شيء يقبلها وهو نكرة، وذلك "من وما" في الشرط2 والاستفهام خلافا لابن كيسان في "مَن وما" الاستفهاميتين، فإنهما عنده معرفتان. قلت: الحصر في القسمين صحيح، وما ومن المذكورتان واقعتان موضع شيء يقبل "أل" ولا يشترط أن يكون مساويا لهما في تضمن معنى الشرط "والاستفهام"3, لأن "من وما" لم يوضعا في الأصل لذلك، وتضمن معنى الشرط و"الاستفهام"4 طارئ على معناهما الأصلي فليتأمل5. ولما فرغ من تعريف النكرة انتقل إلى المعرفة. فقال: "وغيره معرفة". أي: وغير النكرة معرفة، إذ لا وساطة بينهما، واستغنى بذلك عن حد المعرفة. قال في شرح التسهيل: من تعرض لحد المعرفة عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه. ثم أشار إلى أنواع المعارف بالأمثلة وهي ستة أنواع: مضمر، وعلم، واسم إشارة، وموصول، وذو أداة، ومضاف إلى واحد من هذه إضافة تخصيص.
"وهم" مثال للمضمر، "وذي" مثال لاسم الإشارة، "وهند" مثال للعلم، "وابني" مثال للمضاف، و"الغلام" مثال لذي الأداة "والذي" مثال للموصول, وأعرفها المضمر على الأصح ثم العلم، ثم اسم الإشارة، ثم الموصول، ثم ذو الأداة, وقيل: هما في مرتبة واحدة. وقيل: ذو الأداة أعرف من الموصول والمضاف إلى واحد منها في مرتبته مطلقا على رأي المصنف "إلا"1 المضاف إلى المضمر، فإنه في مرتبة العلم على رأي أكثرهم2. وقال في التسهيل: أعرفها ضمير المتكلم ثم المخاطب ثم العلم ثم الغائب السالم عن إبهام "ثم المشار به والمنادى والموصول"3, 4 ومثلها في النظم غير مرتبة، ورتب أبوابها. فإن قلت: بقي من المعارف قسم سابع وهو النكرة المقصودة في النداء نحو: "يا رجل" فلم تركه؟ "وما"5 مرتبته؟ قلت: لم يدع الحصر بل أتى بكاف التشبيه المشعرة بعدم الحصر، وأيضا فقد ذهب قوم إلى أن نحو: "يا رجل" إنما تعرف بأل المقدرة، وأما مرتبته عند من جعل تعريفه بالمواجهة والقصد فمرتبته اسم الإشارة.
الضمير
الضمير: ثم شرع في الكلام على أن أعرف المعارف وهو المضمر. فقال: فما الذي غيبة او حضور ... كأنت وهو سم بالضمير الضمير: هو الموضوع لتعيين مسماه مشعرا بتكلمه أو خطابه أو غيبته، وهذا هو المراد بقوله: "فما الذي غيبة أو حضور" أي: فما وضع لمسمى ذي غيبة أو حضور. "والحضور"1 يشتمل للمتكلم والخطاب، لكن فيه إيهام إدخال اسم الإشارة. وأجاب الشارح بأن إفراد اسم الإشارة بالذكر يرفع الإيهام2 ومثل الحاضر: "بأنت" والغائب "بهو". وقوله "سم بالضمير" هذا هو اصطلاح البصريين يسمى عندهم بالضمير والمضمر، والكوفيون يسمونه الكناية والمكنى. والضمير قسمان: متصل ومنفصل، والمتصل قسمان: بارز ومستتر. هذا تقسيم الجمهور. وأما المصنف فقسمه أولا إلى بارز ومستتر, فالبارز ما له صورة في اللفظ، والمستتر ضده، والبارز قسمان: متصل ومنفصل. ولما كان المتصل هو الأصل، لكونه أخصر قدمه على المنفصل فقال: وذو اتصال منه ما لا يبتدا ... ولا يلي إلا اختيارا أبدا أي: الضمير المتصل هو الذي لا يصح وقوعه أول الكلام ولا بعد "إلا" في الاختيار. والمنفصل بخلافه، أي: يصح وقوعه أول الكلام وبعد "إلا" في الاختيار، وسيأتي تمثيل النوعين: واحترز بقوله: "اختيارا" من وقوع المتصل بعد "إلا" في ضرورة الشعر، كقول الشاعر: وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلاك ديار3
قال آخر: أعوذ برب العرش من فئة بغت ... عليّ فمالي عوض إلاه ناصر1
تنبيهان: الأول: منع المبرد "وقوع المتصل بعد إلا مطلقا، وأنشد "سواك ديار" وأنكر رواية "إلاك" وأجازه ابن الأنباري"1 مطلقا. الثاني: كلام الناظم هنا موافق لمذهب الجمهور، في كون وقوع المتصل بعد "إلا" ضرورة. وقال في التسهيل2 وشذ "إلاك" فلا يقاس عليه "وصرح في باب الاستثناء من شرح التسهيل، بأن ذلك ليس بضرورة"3 ثم مثل المتصل فقال: كالياء والكاف من ابني أكرمك ... والياء والهاء من سليه ما ملك المضمر المتصل ثلاثة أقسام: مرفوع ومنصوب ومجرور, وكل من الثلاثة، إما لمتكلم أو لمخاطب أو لغائب. فالمرفوع للمتكلم "فعلتُ, فعلنا" والمخاطب "فعلتَ, فعلتِ، فعلتما، فعلتم، فعلتن". وللغائب "فعل، فعلتْ، فعلا، فعلوا, فعلن" والمنصوب للمتكلم "أكرمني, أكرمنا". وللمخاطب "أكرمكَ, أكرمكِ, أكرمكما, أكرمكم, أكرمكن". وللغائب: "أكرمه, أكرمها, أكرمهما, أكرمهم, أكرمهن". والمجرور للمتكلم: "مرَّ بي, مرَّ بنا" وللمخاطب "مر بكَ, مر بكِ, مر بكما, مر بكم, مر بكن" وللغائب "مر به, مر بها, مر بهما, مر بهم, مر بهن". فهذه ستة وثلاثون ضميرا متصلا، والسابع والثلاثون "ياء المخاطبة" نحو: "تفعلين يا هند" على مذهب سيبويه4.
وقد أشار الناظم إلى المتكلم بالياء "من ابني" وإلى المخاطب بالكاف من "أكرمك" وإلى الغائب بالياء من "سليه". وأشار أيضا إلى الرفع من سليه، وإلى النصب بالكاف من أكرمك، وإلى الجر بالياء من ابني. فقد نبه بهذه الأمثلة الأربعة على الأقسام كلها. ثم أشار إلى حكم عام لجميع المضمرات فقال: وكل مضمر له البنا يجب المضمرات كلها مبنية بالاتفاق، واختلف في سبب بنائها فقيل: "بنيت"1 لشبهها بالحرف في المعنى؛ لأن كل ضمير متضمن معنى التكلم أو الخطاب أو الغيبة وهي من معاني الحروف "وقيل"2 غير ذلك. وقد ذكر في التسهيل، لبنائه أربعة أسباب: أولها: شبه الحرف وضعا؛ لأن أكثره على حرف أو حرفين وحمل الباقي على الأكثر. وثانيها: شبه الحرف افتقارا؛ لأن المضمر لا تتم دلالته على مسماه إلا بضميمة من مشاهدة أو غيرها. وثالثها: شب الحرف جمودا، والمراد بالجمود عدم التصرف في لفظه بوجه من الوجوه حتى في التصغير وبأن يوصف أو يوصف به كما فعل بالمبهمات. ورابعها: الاستغناء باختلاف صيغة لاختلاف المعاني. ا. هـ3. قال الشارح4: ولعل هذا المعتبر عند الشيخ5 في بناء المضمرات، ولذا عقبه بتقسيمها بحسب الإعراب، كأنه قصد بذلك "إظهار"6 علة البناء، فقال7:
ولفظ ما جر كلفظ ما نصب أي: الصالح للجر من الضمائر المتصلة هو الصالح للنصب. وقد "تم"1 تقدم ذكره2. ثم قال: للرفع والنصب وجر نا صلح يعني: أن هذا الضمير، يعني لفظ "نا" صلح للرفع والنصب والجر، ومثل للثلاثة بقوله: كاعرف بنا فإننا نلنا المنح فموضع "نا" جر بعد الباء ونصب بعد "إن" ورفع بعد الفعل. وما سوى ما ذكر من "الصالح"3 للنصب والجر والصالح للثلاثة مختص بالرفع4 فالأقسام ثلاثة وذلك واضح، ثم قال: وألف والواو والنون لما ... غاب وغيره كقاما واعلما الضمير المتصل بالنسبة إلى المعنى على ثلاثة أقسام: مختص بالحاضر "كالكاف" ومختص بالغائب "كالهاء". وهذان القسمان ظاهران، وقسم يكون للغائب تارة وللمخاطب أخرى، وهو ثلاثة ضمائر: ألف الاثنين، وواو الجمع، ونون الإناث، ومثل الألف "بقاما واعلما" فالألف في قاما للغائبين وفي اعلما للمخاطبين، ومثال الواو "قاموا واعلموا" والنون "قمن واعلمن".
فإن قلت: قوله "وغيره" أعم من المخاطب. قلت: لما كانت الألف والواو والنون لا تكون للمتكلم "تعينت"1 إرادة المخاطب وذلك بين. ثم أشار إلى المستتر فقال: ومن ضمير الرفع ما يستتر فعلم من تخصيصه بالرفع أن المستتر لا يكون ضمير نصب ولا جر. والمستتر ضربان: واجب الاستتار, وهو ما يخلفه الظاهر، وجائز الاستتار وهو ما يخلفه الظاهر. فالواجب الاستتار في سبعة مواضع: فعل أمر الواحد "كافعل" والمضارع المبدوء بهمزة المتكلم "كأوافق" والمبدوء بتاء الخطاب "التي"2 للمفرد "كتغتبط" والمبدوء بنون المتكلم المعظم نفسه أو المشارك "كنشكر"3، واسم فعل الأمر "كنزال" واسم المضارع "كأف" والمصدر الواقع بدلا من فعله في الأمر نحو: "ضربا زيدا". فإن قلت: قد أخل الناظم بهذه الثلاثة "الأواخر"4. قلت: لم يدع الحصر، وإنما مثل ليقاس على تمثيله، وأيضا فاختصر على الأفعال لأصالتها في العمل، واسم الفعل والمصدر نائبان على الفعل في ذلك. والجائز الاستتار هو "المرفوع"5 بفعل الغائب والغائبة ماضيا ومضارعا6 وبالصفة وباسم الفعل الماضي. ثم انتقل إلى الضمير المنفصل وهو نوعان: مرفوع ومنصوب، وبدأ بالمرفوع فقال:
وذو ارتفاع وانفصال أنا هو ... وأنت والفروع لا تشتبه ضمير الرفع المنفصل ثلاثة أقسام: متكلم، ومخاطب، وغائب، فلذلك مثل بثلاثة أمثلة. والمراد بالفروع: ما دل على مؤنث أو مثنى أو مجموع، "فأنا" له فرع واحد هو "نحن". و"أنت" له أربعة فروع "أنتِ, أنتما, أنتم, أنتن". و"هو" له أربعة أيضا "هي, هما, هم, هن". تنبيه: مذهب البصريين أن ألف "أنا" زائدة، والاسم هو الهمزة والنون، واستدلوا بحذف الألف وصلا، وإنما زيدت وقفا لبيان الحركة، ولذلك عاقبتها هاء السكت في قول حاتم: "هذا فزدي أنه"1. ومذهب الكوفيين: أن الاسم هو مجموع الأحرف الثلاثة واختاره المصنف2 وفي "أنا" لغات الفصيحة حذف ألفه وصلا وإثباتها وقفا. والثانية إثباتها وصلا ووقفا وهي لغة تميم3. والثالثة "هنا"4 بإبدال همزته هاء. والرابعة: آن بمدة بعد الهمزة. قال المصنف: من قال "آن" فإنه قلب "أنا" كما قال بعض العرب في رأي راء.
والخامسة: "أن" "كعن"1 حكاها قطرب. وأما "أنت" وفروعه، فالضمير عند البصريين "أن" والتاء وحرف خطاب "ومذهب الفراء أن "أنت"2 بجملته ضمير"3. ومذهب جمهور البصريين أن "هو" بجملته ضمير وكذلك، "هي" وأما "هما وهم وهن" فذهب أبو عليّ4: إلى أنها بجملتها ضمائر، وقد قيل غير ذلك مما لا يحتمل ذكره هذا الموضع. ثم ثنى بالمنصوب فقال: وذو انتصاب في انفصال جعلا ... إياي والتفريع ليس مشكلا "إيا" هو الضمير المنصوب المنفصل ولواحقه حروف تدل على المراد به من تكلم أو خطاب أو غيبة، هذا مذهب سيبويه5 وذهب الخليل: إلى أن "إيا" ضمير مضاف إلى لواحقه وهو ضمائر وإليه ذهب المصنف6 وفيه مذاهب أخر لا نطول بها. فللمتكلم: "إياي, إيانا" وللمخاطب "إياك, إياكِ, إياكما, إياكم, إياكن". وللغائب: "إياه, إياها, إياهما, إياهم, إياهن", وهذا معنى قوله: "والتفريع ليس مشكلا". ثم قال: وفي اختيار لا يجيء المنفصل ... إذا تأتي أن يجيء المتصل
لما كان الغرض من وضع المضمر الاختصار، وكان المتصل أخصر لم يستعمل المنفصل مع تأتي المتصل وإمكانه إلا في الضرورة كقوله: بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير1 وإلى هذا أشار بقوله: وفي اختيار. ولا بد من ذكر المواضع التي يتعين فيها الانفصال؛ لعدم تأتي الاتصال وهي اثنا عشر موضعا:
الأول: أن يحصر بإلا وشذ "إلاك" فلا يقاس عليه. الثاني: أن يحصر بإنما كقول الفرزدق: أنا الذائد الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي1 الثالث: أن يرفع بمصدر مضاف إلى المنصوب كقول الشاعر: بنصركم نحن كنتم ظافرين وقد ... أغرى العدا بكم استسلامكم فشلا2
الرابع: أن يرفع بصفة جرت على غير "صاحبها"1 نحو زيد عمرو ضاربه هو، مطلقا عند البصريين2 وبشرط خوف اللبس عند الكوفيين. الخامس: أن يحذف عامله نحو: فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب3 ... .............................................
السادس: أن يؤخر عامله نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} 1. السابع: أن يكون العامل حرف نفي نحو: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} 2. الثامن: أن يفصله متبوع نحو: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} 3. التاسع: أن تلي واو المصاحبة نحو: ........................................ ... تكون وإياها "بها"4 مثلا بعدي5 العاشر: أن تلي "أما" نحو: بك أو بي استعان فليل أما ... أنا أو أنت ما ابتغي المستعين6
السادس: أن يؤخر عامله نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} 1. السابع: أن يكون العامل حرف نفي نحو: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} 2. الثامن: أن يفصله متبوع نحو: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} 3. التاسع: أن تلي واو المصاحبة نحو: ....................................... ... تكون وإياها "بها"4 مثلا بعدي5 العاشر: أن تلي "أما" نحو: بك أو بي استعان فليل أما ... أنا أو أنت ما ابتغي المستعين6
ويدل على جواز الانفصال قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله ملككم إياهم" 1. ثم قال: في كنته الخلف انتمى أي في هاء كنته، والمراد "به"2، ما وقع خبرا لكان أو إحدى أخواتها، واخلف في الاختيار كما بينه في البيت الآتي: وقوله: كذاك خلتنيه. يعني أن هاء خلتنيه كهاء كنته في الخلاف المشار إليه، والمراد بها خلتنيه: ما وقع ثاني ضميرين منصوبين بفعل ناسخ. ثم ذكر اختياره فقال: واتصالا أختار. يعني في باب كنته وخلتنيه، ووجه أن الأصل الاتصال. ثم قال: غيري اختار الانفصالا, وهم الأكثرون ومنهم سيبويه3، ووجهه أن الضمير في البابين خبر في الأصل، وحق الخبر الانفصال وكلاهما مسموع، وما اختاره هو اختيار الرماني4 وابن الطراوة5.
تنبيهان: الأول: وافق في التسهيل1 سيبويه على اختيار الانفصال في "باب"2 خلتنيه قال لأنه خبر مبتدأ في الأصل، وقد حجزه عن الفعل منصوب آخر بخلاف هاء كنته فإنه خبر في الأصل3 ولكنه شبيه بهاء ضربته في أنه لم يحجزه إلا ضمير مرفوع, والمرفوع كجزء من الفعل فكأن الفعل مباشر له فاضطرب اختيار الناظم في باب خلتنيه. الثاني: يجوز الاتصال والانفصال أيضا فيما وقع من الضمائر منصوبا بمصدر مضاف إلى ضمير قبله هو فاعل نحو: .................................. ... كان فراقيها أمر من الصبر4 أو مفعول أول نحو: .................................. ... ومنعكها بشيء يستطاع5
أو باسم فاعل مضاف إلى ضمير وهو مفعول أول, كقول الشاعر: لا ترج أو تخش غير الله إن أذى ... واقيكه الله لا ينفك مأمونا1
والمختار في هذه الثلاثة الانفصال، ولكنه ترك في هذه الأبيات؛ لأن الوزن لم يتأت به1. ويجوز الوجهان أيضا في المفعول الثاني من نحو: "أعطيت زيدا درهما" في باب الإخبار فتقول: "الذي أعطيت زيدا إياه درهم والذي أعطيته زيدا درهم". والمختار فيه عند المازني والمصنف الاتصال؛ لأنه الأصل، وعند غيرهما الانفصال مراعاة لترتيب الأصل. ثم قال: وقدم الأخص في اتصال أي: قدم "في الاتصال"2 المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب؛ لأن المتكلم أخص من المخاطب، والمخاطب أخص من الغائب. وفهم من ذلك: أن شرط جواز الاتصال في ها سلنيه وخلتنيه ونحوهما. أن يكون الأول أخص، فإنه متى تقدم غير الأخص وجب الاتصال؛ لأنه مع الاتصال يمتنع تقديم غير الأخص. والحاصل: أن المبيح لجواز الاتصال والانفصال هو كون الضمير ثاني ضميرين أولهما أخص وغير مرفوع، أو كونه خبر كان وأخواتها. ثم إذا كان المقدم من الضميرين غير الأخص، فإما أن يكون مخالفا في الرتبة أو مساويا "لها"3 فإن كان مخالفا لم يجز اتصال ما بعده إلا فيما ندر كقول عثمان رضي الله عنه أراهمني الباطل شيطانا4. وأجاز المبرد وكثير من القدماء تقديم غير الأخص، مع الاتصال نحو: "أعطيتهوك" ولكن الانفصال عندهم أرجح، وإن كان مساويا فسيأتي.
قوله: وقدمن ما شئت في انفصال يعني أنه يجوز في الانفصال تقديم الأخص وتقديم غير الأخص، فتقول: "الدرهم أعطيتك إياه" بتقديم الأخص، "وأعطيته إياك" بتقديم غير الأخص، وفي الحديث: "أن الله ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم" 1. وقوله: وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا أي: إذا اتحدت رتبة الضميرين، بأن يكونا لمتكلم أو لمخاطب أو لغائب لزم انفصال الثاني. فتقول: "ظننتني إياي وعلمتك إياك وحسبته إياه". ثم نبه على أنهما قد يتصلان غائبين بقوله: وقد يبيح الغيب فيه وصلا مثال ذلك ما رواه الكسائي في قول بعض العرب: "هم أحسن الناس وجوها وأنضرهموها"2. وقال الشاعر: لوجهك في الإحسان بسط وبهجة ... أنالهماه قفو أكرم والد3
تنبيهان: الأول: شرط الناظم في غير هذا النظم في جواز اتصال الغائبين، أن يختلف لفظهما كمثالين، ولم يذكر ذلك هنا، واعتذر عنه الشارح، بأن قوله: "وصلا" بلفظ التنكير على معنى نوع من الوصل، تعريض، بأنه لا يستباح الاتصال مع الاتحاد في الغيبة مطلقا. بل بقيد. وهو الاختلاف في اللفظ1. الثاني: أجاز بعضهم الاتصال مع اتحاد الضميرين في المتكلم والخطاب أو الغيبة مطلقا2 وهو ضعيف. ثم استطرد إلى أن ذكر نون الوقاية للزومها بعض المضمرات فقال: وقبل يا النفس مع الفعل التزم ... نون وقاية وليسي قد نظم مذهب الجمهور: أن هذه النون سميت نون الوقاية؛ لأنها تقي الفعل من الكسر. وقال المصنف: بل لأنها تقي اللبس في نحو: "أكرمني" في الأمر، فلولا النون لالتبست ياء المتكلم بياء المخاطبة، وأمر المذكر بأمر المؤنث: "ففعل"3 الأمر أحق بها من غيره.
ثم حمل الماضي والمضارع على الأمر1. ومعنى البيت: أن نون الوقاية تلزم قبل ياء المتكلم مع جميع الأفعال نحو: "أكرَمني, يكرمني, أكرِمني" إلا فعلا واحدا "وهو ليس"2، فإنه قد ندر حذف نون الوقاية معه في النظم لضرورة الشعر كقوله: ...................................... ... إذ ذهب القوم الكرام ليسي3 والوجه: "ليسني" وهو الفصيح كقول بعض العرب: "عليه رجلا ليسني"4 حكاه سيبويه5 وأجاز بعضهم "ليس" في الاختيار.
فإن قلت: قد جاء في "نحو" تأمرونني1 مما2 اجتمع فيه نون الرفع ونون الوقاية ثلاثة أوجه: الفك، والإدغام، والحذف. قلت: المحذوف عند المصنف نون الرفع لا نون الوقاية، فلا يرد على إطلاقه وهو مذهب سيبويه. فإن قلت: قد ندر حذف نون الوقاية أيضا في قول الشاعر: تراه كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني3 والأصل فلينني: فحذف النون الثانية وهو نون الوقاية.
قال في البسيط1: لا خلاف أن المحذوفة نون الوقاية، لأن الأولى ضمير. قلت: مذهب سيبويه، أن المحذوفة نون الإناث لا نون الوقاية وهو مذهب المصنف، فلذلك لم ينبه هنا على ندوره، وليس نقل الاتفاق "في ذلك"2 بصحيح. تنبيه: أجاز الكوفيون حذف نون الوقاية في "ما أفعل زيدا" في التعجب لأنهم يقولون باسمية أفعل المذكور. ومذهب البصريين: "أن نون الوقاية تلزم معه، لأنهم يقولون بفعليته وهو الصحيح3. واعلم أن نون الوقاية تلحق قبل ياء المتكلم مع بعض الحروف وبعض الأسماء. وقد شرع في بيان ذلك فقال: وليتني فشا، أي كثر لحاق النون مع ليت، ولم يأت في القرآن4 إلا كذلك: وليتى ندرا أي: ندر إسقاط النون مع ليت كقول الشاعر: كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأتلف جل مالي5
وهو ضرورة. وقال الفراء: يجوز ليتني وليتي، وظاهر هذا جوازه في الاختيار. وقوله: ومع لعل اعكس. يعني: أن الحذف معها هو الكثير، ولم يأت في القرآن إلا كذلك1. وإثبات النون معها نادر2 كقول الشاعر: فقلت أعيراني القدوم لعلني ... أخط بها قبرا لأبيض ماجد3
ونص بعضهم على أنه ضرورة. تنبيه: إثبات النون مع لعل أكثر من حذف النون مع ليت وإن اشتركا في القلة. نبه على ذلك في الكافية حيث قال: ومن لعلني ليتي أقل. ا. هـ. وقوله: وكن مخيرا في الباقيات يعني: من أخوات: "ليت ولعل" وهي أربعة "إن وأن ولكن وكأن" يجوز فيها إثبات نون الوقاية وحذفها كراهة لاجتماع الأمثال. فإن قلت: لم اختلف حكم نون الوقاية مع هذه الأحرف "الستة مع أنها مستوية في العمل؟ قلت: إنما ألحقت هذه النون مع هذه الأحرف"1 لشبهها بالأفعال المتعدية في عمل الرفع والنصب وأوجه أخر مذكورة في موضعها فاستمرت ليت على مقتضى هذا الشبه إلا في الشعر، وضعفت لعل من "جهة"2 أنها تعلق في الغالب ما قبلها بما بعدها. ومن أجل أنها تجر على لغة، وكان حق "إن وأن ولكن وكأن" مساواتها لليت، لوجود الشبه المذكور، لكن استثقل لحاق النون معها لتوالي الأمثال، كما تقدم.
تنبيه: ما ذهب إليه الناظم من أن المحذوفة من "إني وأني ولكني وكأني"1 نون الوقاية هو مذهب الأكثرين من البصريين والكوفيين، وذهب بعضهم إلى أن الساقط هو النون الثانية وذهب بعضهم إلى أن المحذوف هو النون الأولى. والصحيح: الأول، لأنها طرف، وبدليل لعلي وهو مذهب سيبويه2. وأما نحو: "إنا" فقد حكى بعض النحويين فيه المذاهب الثلاثة إلا أن الصحيح هنا حذف الثانية؛ لأن الثالثة هنا هي الضمير، ولثبوت حذفها في "إن" إذا خففت وقوله: .................... واضطرارا خففا ... مني وعني بعض من قد سلفا أشار به إلى قول الشاعر: أيها السائل عنهم وعني ... لست من قيس ولا قيس مني3
وهذا في غاية الندور. وقوله: وفي لدنِّي لدُنِي قل، يعني: أن الأكثر في لدني إلحاق النون وحذفها قليل. وبالحذف قرأ نافع1: "قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِي عُذْرًا"2. قال في شرح التسهيل: وزعم سيبويه3 أن عدم لحاقها للدن من الضروريات4 وليس كذلك بل هو جائز في الكلام الفصيح، ومن ذلك قراءة من قرأ "من لدني عذرا" بتخفيف النون وضم "الدال"5 ولا يجوز أن تكون نون "لدني" نون الوقاية؛ لأن "لد"6 متحرك الآخر، والنون في "لدن" وأخواتها إنما جيء بها لصون "أواخرها"7 من زوال السكون فلاحظ فيها لما آخره متحرك. وإنما يقال في "لد" مضافة إلى الياء "في"8 "لدى" نص على ذلك سيبويه9. واعترض: بأن سيبويه لم ينص على أن عدم لحاقها "للدن" من الضرورات. وفي قدني وقطني مثل لدن "في أن إثبات"10 النون فيهما هو الأكثر، ولذلك قلل الحذف بقوله: الحذف أيضا قد يفي. وليس بعكس "لدن" خلافا للشارح11.
وقد جمع الراجز بين الأمرين في قوله: قدني من نصر الخبيبين قدي1 ... ........................................ وفي الحديث: "قط قط بعزتك" 2 يروى بسكون الطاء وبكسرها مع ياء ودونها ويروى قطني "قطني"3 بنون الوقاية، وقط قط بالتنوين وبالنون أشهر.
تنبيهات: الأول: ذهب بعضهم إلى أن حذف النون من "قد وقط" لا يجوز إلا في الضرورة، والصحيح جوازه في الاختيار1. الثاني: اعلم أن "قد" تكون حرفا واسما، فالحرفية ليست هي المذكورة هنا؛ لأنها من خواص الأفعال، فلا تتصل بها ياء المتكلم. والاسمية لها معنيان: أحدهما: أن تكون بمعنى "حسب" فتكون الياء المتصلة بها مجرورة بالإضافة، وتلحقها نون الوقاية ويجوز حذفها "وهي المذكورة هنا"2. والثاني أن تكون اسم فعل بمعنى "أكتفي"3 فتكون الياء المتصلة بها منصوبة، وتلزمها نون الوقاية. ولم يتعرض المصنف لذكر هذا القسم هنا، وقد ذكره في التسهيل في باب أسماء الأفعال. وأما "قط" فلها ثلاثة أقسام: تكون اسما بمعنى حسب وهي المذكورة في النظم. وتكون اسم فعل فتلزمها نون الوقاية كما تقدم في "قد". وتكون ظرفا بمعنى "قط" الظرفية فلا تتصل بها ياء المتكلم. الثالث: مذهب الكوفيين أن من أجل "قط وقد" بمعنى حسب قال: "قدي وقطي" بغير نون. كما يفعل من قال حسبي، ومن جعلهما "اسمي"4 فعل قال: "قدني وقطني" بالنون كما يفعل في غيرها من أسماء الأفعال وتكون الياء في الوجه الأول مجرورة، وفي الوجه الثاني منصوبة.
ومذهب سيبويه1 والخليل: أن "قد وقط" بمعنى حسب والباء مجرورة بالإضافة عند من ألحق النون ومن لم يلحق. الرابع: تلزم نون الوقاية أيضا مع ياء المتكلم إن نصب باسم فعل نحو: "عليكني" حكاه سيبويه وحكى أيضا "عليكي بالياء2. وسمع الفراء من بعض بني سليم3 "مكانكني"4 يريد انتظرني "في"5 مكانك، ولم يذكر الناظم هذا في النظم وذكره في التسهيل. الخامس: قد تلحق نون الوقاية مع "بجل" والحذف معها أكثر. كقول طرفة: ........................................ ... ألا بجلي من الشراب ألا بجل6
ولذلك لم يذكر "هذا الثالث، قال في التسهيل"1: وقد تلحق مع اسم الفاعل وأفعل التفضيل2. ا. هـ. مثال الأول قوله: وما أدري وظني كل ظن ... أمسلمني إلى قومي شراحي3 وقيل: إن النون في "أمسلمني"4 ونحوه هو التنوين ثبت شذوذا، ورد بثبوتها مع "أل" في قوله: وليس الموافيني ليرفد خائبا ... فإن له أضعاف ما كان أملا5
ومثال الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "غير الدجال أخوفني عليكم" 1 واعلم: أن لحاقها مع هذين في غاية من القلة فلا يقاس عليه, والله أعلم.
العلم
العلم: اسم يعين المسمى مطلقا ... علمه............................ قوله: "اسم" جنس، "ويعين المسمى" مخرج للنكرات، "ومطلقا" مخرج لما سوى العلم من المعارف. فإن العلم يعين مسماه بمجرد الوضع أو بالغلبة لا بقرينة، بخلاف غيره من المعارف، فإنه لا يعينه إلا بقرينة، إما لفظية "كأل" أو معنوية كالحضور والغيبة "في أنت وهو". وحد أبو عصفور العلم بقوله: الاسم الذي علق في أول أحواله على شيء1 بعينه في جميع أحواله من غيبة وخطاب وتكلم. فإن قلت: العلم ضربان: شخصي وجنسي. أما الشخصي: فلا إشكال في صدق هذا التعريف عليه. وأما الجنسي: فلا يصدق عليه هذا التعريف لأنه "لم يعين مسماه إذ هو"2 في المعنى شائع كاسم الجنس النكرة ولكنه جرى مجرى العلم الشخصي في الأحكام اللفظية. قلت: "التحقيق"3 أن العلم الجنسي ليس كاسم الجنس في المعنى، بل هو معين لمسماه، فالتعريف صادق عليه، وسيأتي بيان هذا. واعلم أن العلم الشخصي لا يختص بأولى العلم، بل يوضع لما يحتاج إلى تعيينه من المألوفات، فذلك نوع أمثلته "كجعفر"4 علم رجل "خرنقا" علم امرأة5 "وقرن" علم قبيلة وإليها ينسب أويس القرني6 "وعدن" علم بلد, "ولاحق" علم فرس7 "وشدقم" علم جمل8 "وهيلة" علم شاة9 "وواشق" علم كلب.
ثم قال: واسما أتى وكنية ولقبا ... .............................. العلم على ثلاثة أقسام: اسم وكنية ولقب؛ لأنه إن صدر بأب أو أم فهو كنية1، كأبي بكر وأم كلثوم، وإلا فإن أشعر برفعة المسمى أو ضعته2 فهو لقلب "كالصديق والفاروق" في الأول، "وكبطة، وأنف الناقة"3، في الثاني وإن لم يكن كذلك فهو اسم "كزيد وعمرو"4. وقوله: .............................. ... وأخرن ذا إن سواه صحبا "ذا" إشارة إلى اللقب، أي: إذا اجتمع مع اللقب غيره أخر اللقب، وقدم الاسم أو الكنية نحو، قال: أبو بكر الصديق وعمر الفاروق؛ لأن اللقب في الغالب منقول من اسم "غير"5 الإنسان "كبطة" فلو قدم لتوهم السامع، أن المراد مسماه الأصلي، وذلك مأمون بتأخيره. وندر تقدم اللقب على الاسم في الشعر كقول الشاعر: أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغها ... عني حديثا وبعض القول تكذيب بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب6
وفي بعض نسخ الألفية: وذا جعل آخرا إن اسما صحبا وما سبق أولى؛ لأن هذه النسخة لا يفهم حكم اللقب مع الكنية1. ثم قال: وإن يكونا مفردين فأضف ... حتما........................ أي: إذا كان اللقب والمصاحب له مفردين أضيف الاسم إلى اللقب نحو: "هذا سعيد كرز"2 على تأويل الأولى المسمى؛ لأن المعوض للإسناد إليه والثاني بالاسم، والمعنى "هنا"3 مسمى هذا اللقب. وقوله "حتما" هو مذهب جمهور البصريين؛ لأنهم لا يجيزون "في المفردين إلا الإضافة"4. وأجاز الكوفيون وبعض البصريين: الاتباع أيضا بدلا أو عطف بيان والقطع إلى النصب بإضمار فعل، وإلى الرفع بإضمار مبتدأ، وإلى هذا ذهب التسهيل5.
وقال في شرحه: لم يذكر سيبويه1 فيهما إلا الإضافة؛ لأنها على خلاف الأصل، فبين استعمال العرب لها، إذ لا مسند لها إلا السماع، بخلاف الإتباع والقطع فإنهما على الأصل. تنبيه: جواز الإضافة مقيد بعدم المانع فإن كان في الاسم مانع منها لم يضف ولو كانا مفردين نحو "الحارث كرز" فإن "أل" تمنع الإضافة. وقوله: وإلا أتبع الذي ردف أي: وإن لم يكونا مفردين فشمل ذلك المركبين نحو "عبد الله أنف الناقة" والاسم المفرد مع اللقب المركب، نحو: "زيد عائد الكلب" وعكسه "عبد الله بطة". فالحكم في هذه الصور الثلاث, امتناع الإضافة، ووجوب الإتباع أو القطع "بوجهيه"2. ولم يذكر القطع هنا، وكذلك لم يذكر الشارح، بل قال فلا بد من الإتباع3 وقد ذكره في التسهيل. ثم قال: ومنه منقول كفضل وأسد ... وذو ارتجال كسعاد وأدد العلم قسمان: منقول ومرتجل. فالمنقول: هو ما استعمل قبل العلمية لغيرها "كفضل" فإنه منقول من المصدر "وأسد" فإنه منقول عن اسم عين.
والمرتجل1: بخلافه "كسعاد" وهو علم امرأة "وأدد" وهو علم رجل2. تنبيهات: الأول: ذهب بعضهم إلى أن الأعلام كلها منقولة، وبعضهم إلى أنها كلها مرتجلة، والمشهور الأول. الثاني: قال بعضهم: تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل، إنما هو بالنسبة إلى الأعم الأغلب، وإلا فالذي علميته بالغلبة لا منقول ولا مرتجل. الثالث: المنقول، إما من مصدر "كفضل" أو اسم عين "كأسد" أو اسم فاعل "كحارث" أو اسم مفعول "كمسعود" أو صفة مشبهة "كسعيد" أو فعل ماض "كشمر" علم على فرس3. أو مضارع "كيزيد" أو جملة من فعل وفاعل ظاهر "كبرق نحره" أو مضمر بارز "كأطرقا". في قول الشاعر: على أطرقا باليات الخيام ... إلا الثمام وإلا العصي4
أو مستتر "كيزيد" في قول الراجز: نبئت أخوالي بني يزيد ... ظلما علينا لهم فديد1
كذا أنشده الزمخشري1 بالياء المثناة من تحت2. قال ابن يعيش3: صوابه بالتاء المثناة من فوق وهو اسم رجل4 وإليه تنسب الثياب التزيدية5. قال في شرح التسهيل: ولم يرد عن العرب علم منقول من مبتدأ أو خبر6 ولا من فعل أمر دون إسناد إلا "إصمت" اسما للفلاة الخالية. فإن من العلماء من زعم أنه منقول من الأمر بالصمت، وذلك عندي غير صحيح من وجهين: أحدهما: أنه متى كان من "أصمت" فالأمر منه مفتوح الهمزة، وإن كان من "صمت" فالأمر منه مضموم الميم "وإصمت" بخلاف ذلك والمنقول لا يغير7. والثاني: أنه قد قيل فيه "أصمتة"8 بتاء التأنيث ولو كان فعل أمر لم تلحقه هاء التأنيث. وإذا انتفى كونه منقولا من فعل أمر ولم يثبت له استعمال في غير العلمية تعين كونه مرتجلا. واعترض بأنه أمر من "صمت يصمت" بكسر الميم. والجواب عن "لحاق"9 التاء أنهم أرادوا أن يعلموا بذلك كونه فارق موضعه من الفعلية.
وزاد بعضهم في المنقول منقولا من صوت وعني بذلك "ببَّه" وهو ابن لبعض بني هاشم: وهو عبد الله بن الحارث بن نوفل، وهو منقول من الصوت، كانت أمه ترقصه به وهو صبي وذلك قولها: لأنكحن ببه, جارية خدبه, مكرمة محبه, تجب أهل الكعبه1. قال ابن مالك: والصحيح أن "ببَّه" منقول من قولهم للغلام السمين ببه. قال ابن خالويه2: إن "ببَّه" هو الغلام السمين فيكون منقولا من الصفة.
وقال في الصحاح: يقال للأحمق الثقيل "ببه" وهو أيضا لقب لعبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب والي البصرة. قال الفرزدق: وبايعت أقواما وفيت بعهدهم ... وببه قد بايعته غير نادم1 واسم جارية، وقال لأنكحن ببه، جارية خدبة، مكرمة محبة، تجب أهل الكعبة. ا. هـ2. وقد وهم في استشهاده في الرجز على أنه اسم جارية؛ لأن "ببه" في الرجز هو اللقب لعبد الله بن الحارث كما تقدم وأنشده بفتح الهمزة في قوله: "لأنحكن" والصواب ضمها، وأنشد "تجب أهل الكعبة" "بفتح التاء وكسر الجيم"3 أي تغلبهم حسنا، يقال: جب القوم إذا غلبهم والله أعلم. ثم قال: وجملة وما بمزج ركبا ... ذا إن بغير ويه تم أعربا العلم قسمان: مفرد نحو: "زيد" ومركب وهو ثلاثة أقسام: تركيب إسناد: وهو ما كان جملة في الأصل نحو: "برق نحره" وتقدم أنه لم يسمع النقل من الجملة الاسمية ولو سمي بها لجاز.
وتركيب مزج: وهو كل اسمين جعلا اسما واحدا منزلا ثانيهما منزلة هاء التأنيث نحو: "بعلبك". وتركيب إضافة1: "كامرئ القيس". فالإسنادي يحكى2 ولا يعرب مطلقا. قال في التسهيل: وربما أضيف صدر ذي الإسناد إلى "عجزه"3 إن كان ظاهرا. ا. هـ4. فتقول على هذا: "جاءني برق نحره" بالإضافة، قال بعضهم: وهذا لا يقاس عليه. والمزجي: إن ختم بويه بني على الكسر على الأشهر، وقد يعرب غير منصرف، وإن لم يختم بويه، أعرب غير منصرف على الأشهر، وقد يبنى تشبيها بخمسة عشر، وقد يضاف صدره إلى عجزه. وقد علم حكم المزجي من قوله: "ذا إن بغير ويه ثم أعربا" وذا إشارة إلى المزجي. فإن قلت: أبهم في قوله: "أعرب" إذ لم يبين أنه غير منصرف. قلت: قد نبه عليه في موضعه من باب ما لا ينصرف5. وأما الإضافي فقد ذكره في قوله: وشاع في الأعلام ذو الإضافه ... كعبد شمس وأبى قحافه
والإضافي: ضربان: كنية كأبي قحافة، وغير كنية كعبد شمس، وقد نبه على النوعين بالمثالين. وأشار بقوله: "شاع" إلى أن المضاف أكثر "أقسام"1 المركب إذ "منه"2 الكنى ولا تخفى كثرتها. فإن قلت: مقتضى ما ذكر انحصار المركب في الأنواع الثلاثة، وأن ما عداها مفرد. وقد صرح بذلك في التسهيل حيث قال: وما عري من إضافة وإسناد ومزج مفرد، وما لم يعرَ مركب. ا. هـ3. وليس الأمر كما قال؛ لأنه يرد عليه "أشياء"4 كثيرة من المركب نحو: ما تركب من حرفين "كأنما" أو حرف واسم نحو: "يا زيد" أو حرف وفعل نحو: "قد قام". قلت: عن ذلك جوابان: أحدهما أنه إنما تعرض لذكر ما ورد عن العرب من المركب وأما تركيب الحرفين وما ذكر معه فلم يرد عن العرب بالتسمية به. والثاني: أن تركيب الحرفين وما ذكر معه شبيه بتركيب الإسناد لأن حكمه أن يحكى ولا يعرب كتركيب الإسناد، فاكتفي بذكر تركيب الإسناد؛ لأن هذا ملحق به. ثم قال: ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم هذا هو الضرب الثاني من ضربي العلم الجنسي، وإنما قال: "لبعض الأجناس"؛ لأنهم لم يضعوا لجميعها، وإنما وضعوا العلم الجنسي لبعض الأجناس التي لا تؤلف غالبا كالسباع والوحوش، وربما جاء في بعض المألوفات "كأبي المضاء"5 لجنس الفرس.
وقوله: كعلم الأشخاص لفظا. يعني أن العلم الجنسي يساوي الشخصي في أحكامه اللفظية فإنه لا يضاف ولا يدخل عليه حرف التعريف، ولا ينعت بالنكرة، ولا يقبح مجيئه مبتدأ, ولا انتصاب للنكرة بعده على الحال، ولا يصرف منه ما فيه سبب زائد على العلمية "كأسامة" فساوى في ذلك كله العلم الشخصي. وقوله: وهو عم. يعني أنه فارق العلم الشخصي من جهة المعنى بعمومه إذ ليس بعض الأشخاص أولى به من بعض. ألا ترى أن "أسامة" صالح لكل أسد بخلاف العلم الشخصي. فإن قلت: فما الفرق بينه وبين اسم الجنس النكرة من جهة المعنى؟ قلت: ذهب قوم إلى أن أسامة لا يخالف في معناه دلالة أسد، وإنما يخالفه في أحكام لفظية وإنما أطلق عليه أنه معرفة مجازا. وهذا معنى ما ذكره ابن مالك في باب المعرفة والنكرة من شرح التسهيل، فإنه ذكر فيه أن أسامة ونحوه نكرة معنى معرفة لفظا وأنه في الشياع كأسد. وأقول: تفرقة الواضع بين "أسامة" و"أسد" في الأحكام اللفظية "تؤذن"1 بفرق من جهة المعنى. ومما قيل في ذلك: أن "أسدا" وضع ليدل على شخص معين، وذلك الشخص لا يمتنع أنه يوجد منه أمثال فوضع "أسدا"2 على الشياع في جملتها، ووضع أسامة لا بالنظر إلى شخص بل على معنى الأسدية المعقولة التي لا يمكن أن توجد خارج الذهن3 ولا يمكن أن يوجد منها اثنان أصلا في الذهن، ثم صار "أسامة" يقع على الأشخاص لوجود ما هو ذلك المعنى المفرد الكلي في الأشخاص. والتحقيق في ذلك: أن تقول: اسم الجنس هو الموضوع للحقيقة الذهنية من حيث هي هي "فأسد" موضوع للحقيقة من غير اعتبار قيد معها أصلا، وعلم
الجنس "كأسامة" موضوع للحقيقة باعتبار حضورها الذهني الذي هو نوع شخصي لها مع قطع النظر عن إفرادها، ونظيره المعرف باللام التي للحقيقة والماهية. وبيان ذلك: أن الحقيقة الحاضرة في الذهن، وإن كان عامة بالنسبة إلى أفرادها، فهي باعتبار حضورها فيه أخص من مطلق الحقيقة، فإذا استحضر الواضع صورة "الأسد" ليضع لها فتلك الصورة الكائنة في ذهنه جزئية بالنسبة إلى "مطلق صورة الأسد"1. فإن هذه الصورة واقعة لهذا الشخص في زمان ومثلها يقع في زمان آخر "أو في ذهو آخر"2. والجميع يشترك في مطلق صورة الأسد، فإن وضع لها من حيث خصوصها فهو علم الجنس أو من حيث عمومها فهو اسم الجنس. وفي كلام سيبويه إيماء إلى هذا الفرق، فإنه قال في باب ترجمته: هذا باب من المعرفة يكون فيه الاسم الخاص شائعا في "الأمة"3 ليس واحد منه بأولى من الآخر، ما نصه: إذا قلت هذا أبو الحارث "إنما"4 تريد هذا الأسد أي: هذا الذي سمعت باسمه أو عرفت "أشباهه"5 ولا تريد أن تشير إلى شيء "قد عرفته بعينه قبل ذلك كمعرفته زيدا"6 ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم7. ا. هـ. فجعله بمنزلة المعرف "باللام"8 التي للحقيقة. وقال ابن مالك بعد ذكره كلام سيبويه: هذا جعله خاصا شائعا في حالة واحدة.
فخصوصه باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطا من تلك الحقيقة في الخارج. ثم شرع في تمثيله فقال: من ذاك أم عريط للعقرب ... وهكذا ثعالة للثعلب علم الجنس ضربان: عيني ومعنوي. فالعيني يكون اسما نحو: "شبوة" للعقرب، و"ثعالة" للثعلب، ويكون كنية نحو: "أم عريط" للعقرب، "وأبي الحصين" للثعلب. والمعنوي مثل: "برة وفجار" فبرة علم للمبرة، وفجار علم للفجرة. قال النابغة: أنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار1
وإلى هذا أشار بقوله: ومثله برة للمبره ... كذا فجار علم للفجره وفجار, علم مؤنث مبني على الكسر مثل حذام. تنبيه: لما كان للعلم الجنس خصوص من وجه وشياع من وجه جاء في بعضه عن العرب وجهان: إعطاؤه حكم المعارف، وإعطاؤه حكم النكرات، وطريق ذلك السماع. ومن المسموع فيه الوجهان "فينة"1, وغدوة وبكرة وعشية.
اسم الإشارة
اسم الإشارة: لم يحد اسم الإشارة؛ لأنه كما قيل محصور بالعد فلا يحتاج إلى الحد. وحده في التسهيل بقوله: ما وضع لمسمى وإشارة إليه1. ا. هـ. وقال بعضهم هو الموضوع لمعين في حال الإشارة. وقال ابن الحاجب2: وهو ما وضع لمشار إليه3. والمشار إليه إما مذكر أو مؤنث، وكل منهما إما مفرد أو مثنى أو مجموع. فهذه ستة أقسام: فبدأ بما يشار به إلى الواحد المذكر فقال: بذا لمفرد مذكر أشر. للمفرد المذكر لفظ واحد وهو "ذا". وقد يقال: "ذاء" بهمزة مكسورة بعد الألف، و"ذائه" بهاء مكسورة بعد الهمزة. تنبيه: مذهب البصريين: أن "ذا" ثنائي لفظا ثلاثي وضعا، لقولهم في التصغير "ذيا" وسيأتي تقريره في باب التصغير, فهل المحذوفة عينه أو لامه؟ قولان أظهرهما الثاني، وهل هو من باب طويت أو من باب حييت؟ قولان أشهرهما الثاني، "وهل"4 وزنه فعل -بالإسكان- أو فعل -بالتحريك- قولان: أصحهما الثاني5.
وذهب الكوفيون والسهيلي: إلى أنه على حرف واحد وضعا، وأن ألفه زائدة استدلوا بسقوطها في قولهم "ذان"1. وأجيب بأنها حذفت لالتقاء الساكنين، وبأنها صيغة مرتجلة لا تثنية حقيقية. واستدلوا بقولهم "ذه أمة الله". وأجيب: باحتمال أن تكون الهاء بدلا من الباء. قلت: والظاهر أن يقال: "ذه" صيغة مرتجلة للمؤنث. وذهب قوم منهم السيرافي: إلى "أن ذا ثنائية"2 الوضع، فالألف على هذا أصل كألف "ما" "و"3 ليست منقلبة عن شيء4. ثم انتقل إلى الواحدة المؤنثة فقال: بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر أي: اقتصر بهذه الألفاظ الأربعة على المؤنث فلا تشر بها إلى "غيره"5, وليس مراده حصر ما يشار به إلى المؤنث في هذه الألفاظ. وقد حكى في التسهيل: للمؤنثة عشرة ألفاظ: "ذي وتي وذه وته -بإسكان الهاء- وذه وته -بكسر الهاء- وذهي وتهي -بالإشباع- وتا وذات -مبنية على الضم"6.
وحكى ابن أبي الربيع1 في شرح الإيضاح2 أن من العرب من يقول "ذهي" في الوصل "وذه" في الوقف -بسكون الهاء- تشبيها بالمضمر، وأن منهم من يقول: "ذى" في الوصل فإذا وقف أبدل من الياء هاء فقال "ذه". ثم انتقل إلى المثنى فقال: وذان تان للمثنى المرتفع ... وفي سواه ذين تين اذكر تطع أي نقول: في تثنية المذكر "ذان" في الرفع و"ذين" في الجر والنصب, وفي تثنية المؤنث "تان" في الرفع و"تين" في الجر والنصب تعربهما إعراب المثنى. "وإن كانا مشابهين للمبني"3؛ لأن التثنية عارضت شبه الحرف، لكونها من خواص الأسماء فلم يؤثر شبه الحرف ولم يثن "من"4 أسماء الإشارة غير "ذا وتا". ومذهب المحققين كالفارسي: أن "ذين وتين" ليسا تثنية حقيقية بل ألفاظ وضعت لمثنى. واستدل الفارسي على ذلك في التذكرة5 بأن التثنية تستلزم تقدير التنكير. ألا ترى أن العلم إذا ثني قدر تنكيره، واسم الإشارة، لازم التعريف لا يقبل التنكير. ثم انتقل إلى الجمع فقال: وبأولى أشر الجمع مطلقا أي مذكرا كان أو مؤنثا: فتقول: "أولى خرجوا وأولى خرجن" ويشار به إلى العاقل وغيره.
قال الشارح1: وأكثر ما يستعمل فيمن يعقل، وقد يجيء لغيره، وفيه لغتان: القصر: وهي لغة بني تميم، والمد: وهو لغة أهل الحجاز، وهي الفصحى، وبها جاء القرآن2 ولهذا قال: "والمد أولى" وقد حكي فيه لغات أخر، وهي "هلاء" -بإبدال الهمزة هاء- و"أولاء" -بضم الهمزتين- "وإلًى" -بالتنوين- حكاه قطرب. قال في شرح التسهيل: وتسمية هذا تنوينا مجاز3، والجيد أن يقال: إن صاحب هذه "اللغة"4 زاد بعد همزة "أولي" نونا وأولي بإشباع الضمة قبل اللام هو ما حكاه الشلوبين5 عن بعض العرب "وإلا" بالقصر والتشديد, حكاها بعض أهل اللغة. تنبيه: في همزة "أولاء"6 ثلاثة مذاهب: أحدها أنها عن ياء وهو مذهب المبرد، والثاني: أن أصلها ألف وهو مذهب الزجاج، والثالث: أنها أصلية غير مبدلة من شيء بل مما فاؤه همزة نحو: "أجاء "وأدآء"7 وهو مذهب الفارسي8. ثم قال: .................................. ... ........... ولدى البعد انطقا بالكاف حرفا دون لام أو معه ... ...................................
فأشار بذلك إلى أن لأسماء الإشارة مرتبتين قريبة وبعيدة، فما تجرد عن كاف الخطاب فهو القريب، وقد مثلنا به، وما لحقته الكاف وحدها أو مع اللام فهو للبعيد. فتقول للمذكر "ذاك وذلك", وقالوا "آلك" في معنى ذلك. وفي المؤنثة "تيك وتلك وتالك"، وفي المثنى "ذايك وتايك" "ولا تلحقه"1 اللام، وفي الجمع "أولئك وأولاكَ "وأولالِكَ"2", ولا تلحق اللام "أولئك" على لغة المدة. تنبيهات: الأول: لا تلحق الكاف من أسماء الإشارة إلى المؤنث إلا "تي "تا"3 ذي"، قالوا: تيك وتلك وتيلك -بكسر التاء- في الثلاثة، وتيك وتلك، بفتح التاء فيهما, "وتالك وذيك" "بإسكان الياء"4. وقال ثعلب5 لا يقال "ذيك" وقد حكاه غيره, فهذه سبعة ألفاظ للمؤنثة "في البعد"6. الثاني: للنحويين في أسماء الإشارة مذهبان: أحدهما أن لها مرتبتين قريبة وبعيدة، والآخر أن لها ثلاث مراتب: قريبة وبعيدة ومتوسطة، وهذا هو المشهور. وزعموا أن المقرون بالكاف وحدها للمتوسط، والمقرون بالكاف مع اللام للبعيد، وجعلوا التشديد للنون في المثنى قائما مقام اللام في الدلالة على البعد.
واختلفوا في "أولئك "بالمد"1 فقيل: هو للمتوسط، لعدم اللام، وقيل: هو للبعيد. قال المصنف: والمذهب الأول هو الصحيح، وهو الظاهر من كلام المتقدمين. يعني: القول بأن لها مرتبتين فقط. قلت: ونسبه الصفار2 إلى سيبويه، وقد استدل له في شرح التسهيل بأوجه: أولها: وهو أقواها: أن الفراء روى أن الحجازيين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام وأن التميميين ليس من لغتهم استعمال الكاف مع اللام، وأن بني تميم يقولون: "ذاك وتيك" حيث يقول الحجازيون "ذلك وتلك". فلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان. وثانيها: أن القرآن العزيز ليس فيه إشارة إلا بمجرد عن اللام والكاف معا، أو مصاحب لهما معا, أعني غير المثنى والمجموع. فلو كانت الإشارة إلى المتوسط بكاف لا لام معها، لكان القرآن غير جامع لوجوه الإشارة. وهذا مردود بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 3. وثالثها: أن التعبير "بذلك" عن مضمون كلام على أثر انقضائه شائع في القرآن وغيره، ولا واسطة بين النطقين.
ورابعها: "أنها"1 لو كانت مراتب الإشارة ثلاثا لم يكتف في التثنية والجمع بلفظين لأن في ذلك رجوعا عن سبيل الإفراد، ولا التفات إلى قول من قال: إن تشديد النون دليل على البعد؛ لأن التشديد عوض "عما"2 حذف من الواحد؛ لأنه يستعمل مع المجرد من الكاف. انتهى, وفيه اختصار, ولا خفاء فيما في الوجه الثاني من الضعف. وقوله: "حرفا" يعني: أن الكاف في ذلك حرف خطاب تبين أحوال المخاطب يقال: "ذلك وذلك وذلكما وذلكم وذلكن" كما تفعل بالكاف الاسمية, هذه أفصح اللغات. والثانية: أن تكون مفتوحة في التذكير ومكسورة في التأنيث، ولا يلحقها دليل تثنية ولا جمع. والثالثة: أن تكون مفتوحة مجردة من الزوائد في الأحوال كلها، ولا خلاف في حرفية الكاف هنا. وقوله: ......... دون لام أو معه تقدم أن اللام لغة الحجازيين، وتركها لغة بني تميم, وذكر بعضهم في هذه اللام ثلاثة أقوال: أحدها: أنها دليل البعد. والثاني: أنها عماد. والثالث: أنها عوض من هاء التنبيه؛ لأنها لا تجامعها. تنبيه: قوله: "أو معه" لا يصح في جميع أسماء الإشارة، وإنما ذلك في المفرد "وأولى"3 المقصور، وقد تقدم أن المثنى "وأولاء"4 الممدود لا تلحقه اللام وقوله: واللام إن قدمت ها ممتنعه
يعني: أنك إن قدمت قبل اسم الإشارة لفظ "ها" التي للتنبيه امتنع الإتيان باللام فلا يقال "هَذَا لِكَ". قال في شرح التسهيل: كراهية لكثرة الزوائد، وقد فهم من كلامه أن "ها" تدخل على المجرد فيقال: "هذا" وعلى المصاحب للكاف "وحدها فيقال: هذاك"1, "إلا أن دخولها على المجرد كثير وعلى المصاحب للكاف"2 قليل ومنه قوله: رأيت بنى غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطراف الممدد3 تنبيه: مقتضى ما ذكر جواز "هاذانك "وهاتانك"4 وهؤلائك". وقال في شرح التسهيل: إن المقرون بالكاف في التثنية والجمع لا يصحبه "ها" فلا يقال "هذانك" ولا "هؤلائك؛ لأن واحدهما "ذاك" أو "ذلك", فحمل
على ذلك مثناه وجمعه؛ لأنهما فرعاه، وحمل عليهما مثنى "ذاك" وجمعه لتساويهما لفظا ومعنى. ا. هـ. والسماع في "الجمع"1 يرد عليه. فقال: ...................................... ... من هؤليائكن الضال والسمر2 وقد أنشد هذا البيت في الشرح: وبهنا أو ههنا أشر إلى ... داني المكان........... يعني أن "هنا"3 من أسماء الإشارة المخصوصة بالمكان، وقد تلحقه "ها" التنبيه فيقال: "ههنا" وكلاهما للقريب أعني: المجرد والمقرون "بها" التنبيه وهو معنى قوله: "دان"4 المكان. والداني هو القريب.
فإذا أريد بها البعيد جيء بالكاف فيقال هناك "وها هناك"1. ولهذا قال: وبه الكاف صلا في البعد يعني: مجردا أو مع "ها" التنبيه، ويقال أيضا في البعد: "هنالك" باللام مع الكاف، كما يقال: "ذلك", ولا تدخل "هنا" على "هنالك" ولا يقال: "ههنالك"، كما لا يقال "هذا لك". وقد نبه على "هنالك" بقوله: ........ أو بهنا لك انطقن تنبيه: ظاهر كلامه هنا اختصاص "هنا": بالمكان، وقد صرح به في الكافية فقال: وبالمكان اخصص هنا2. ا. هـ. وقال في شرح التسهيل: وقد يراد "بهناك وهنالك" الزمان، وقد مثل "هناك" في شرحه بقول الشاعر: وإذا الأمور تشابهت وتعاظمت ... فهناك تعترفون أين المفزع3
ومثل "هنالك" بقوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} 1 ولا حجة فيهما، "لاحتمال"2 أن يكون الإشارة إلى المكان. وقوله: أو بثم فه ... إلى آخره. يعني: أنه يشار أيضا للمكان "البعيد"3 "بثم4 وهنا وهنا" بفتح الهاء وكسرها وقد يقال: "هنت" موضع "هنا" وقد يقال:"هناك وهناك" بكاف الخطاب. وقد يراد "بهنا"5 الزمان كما ذكر في التسهيل6 ومنه قول الشاعر: حنت نوار ولات هنا حنت ... وبدا الذي كانت نوار أجنت7
الموصول
الموصول: هو محصور بالعهد، فاستغنى بذلك عن الحد، كما في اسم الإشارة. وهو قسمان: اسمي وحرفي. والاسمي هو المذكور هنا، وقد حده في التسهيل بقوله: ما افتقر أبدا إلى عائد أو خلفه، وجملة صريحة أو مؤولة "غير طلبية ولا إنشائية"1. ا. هـ2. فاحترز بقوله: "أبدا" من النكرة الموصوفة بجملة، فإنها حال وصفها بها لتفتقر إليها وإلى عائد، لكن لا يصدق أنها مفتقرة إليها أبدا، واحترز بقوله: "إلى عائد" من "حيث، وإذا, وإذ" فإنها تفتقر أبدا إلى جملة، ولكن لا تفتقر إلى عائد, وأشار بقوله: "أو خلفه" إلى ما ورد من الربط بالظاهر الذي هو الموصول في المعنى نحو قولهم: "أبو سعيد الذي رويت عن الخدري" أي عنه. قال أبو عليّ في التذكرة: ومن الناس من لا يجيز هذا. وأراد بالمؤولة ثلاثة: الظرف والجار مع المجرور، والصفة الصريحة. في نحو: "الضارب" وسيأتي بيان ذلك3. وحده ابن الحاجب بقوله: ما لا يتم جزءا إلا بصلة وعائد4. وقال في التحفة:5: "اللذان واللتان" وأيهم هو أشد: معربة قبل مجيء الصلة، والإعراب دليل تمامها، والأولى ما لا تتم إفادته ... إلخ. وأما الحرفي فحده في التسهيل بقوله: ما أول مع ما يليه بمصدر ولم يحتج إلى عائد6. ا. هـ.
واحترز بقوله: "ولم يحتج إلى عائد" من "الذي" الموصوف به "مصدر محذوف"1 نحو: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2 أي كالخوض الذي خاضوه فإنه يؤول مع ما يليه بمصدر لكنه يحتاج إلى العائد. فكل من الاسمي والحرفي مفتقر إلى صلة، والفرق بينهما أن الاسمي يفتقر إلى عائد، والحرفي لا يفتقر إليه. ولم يذكر الناظم هنا الحرفي فلنقدمه, وهو خمسة أحرف: "أن"3 وتوصل بفعل متصرف مطلقا خلافا لمن منع وصلها بالأمر و"ما" وتوصل بفعل متصرف غير أمر، وقد توصل بجملة اسمية خلافا لقوم4, وندر وصلها بليس في قوله: ......................................... ... بما لستما أهل الخيانة والغدر5
وتنفرد بنيابتها عن ظرف زمان كقولك: "جد ما دمت واجدا". وزعم الزمخشري: أن "أن" تشاركها في ذلك، وجعل منه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} 1. وهو مردود، لأن "أن" في الآية صالحة للتعليل، وهو المعنى المجمع عليه ولا عدول عنه. وذهب الأخفش وابن السراج2 أن "ما" المصدرية اسم فتحتاج إلى عائد. والصحيح: أنها حرف فلا تحتاج إلى عائد، وهو مذهب سيبويه. قلت: وذكر أبو البقاء3 أنها على كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء وهو خلاف ما نقله غيره. و"كي" وتوصل بفعل مضارع "ولا تقع إلا مجرورة باللام أو مقدرا معها اللام"4. و"أن"5 وتوصل باسمها وخبرها.
و"لو"1 خلافا لمن أنكرها، وعلامتها أن يصلح موضعها "أن" وأكثر وقوعها بعد ما يدل على تمن كقوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} 2. قال المصنف: وأكثر النحويين لا يذكرون "لو" في الحروف المصدرية، وممن ذكر "من المتقدمين"3 الفراء وأبو عليّ، ومن المتأخرين التبريزي4, وأبو البقاء وتوصل بفعل متصرف غير أمر "كما". وأما الموصول الاسمي: فقد بينه بقوله: موصول الاسماء الذي الأنثى التي الموصول الاسمي ضربان: مذكر ومؤنث، وكل منهما مفرد أو مثنى أو مجموع. فالمفرد المذكر "الذي" وفيه ست لغات: إثبات يائه وحذفها مع إبقاء الكسرة، وحذفها مع إسكان الذال وتشديدها مكسورة ومضمومة، والسادسة حذف الألف "واللام"5 وتخفيف الياء الساكنة. وللواحدة المؤنثة "التي" وفيها تلك اللغات الست أيضا. ثم قال: ............................. ... واليا إذا ما ثنيا لا تثبت بل ما تليه أوله العلامه ... ............................. يعني: أنك تقول في تثنيه "الذي، اللذان" فتحذف الياء وتولي الحرف الذي تليه الياء وهو "الذال"6 علامة التثنية وهي الألف رفعا والياء جرا ونصبا, تليهما نون مكسورة. وتقول في تثنية "التي: اللتان" فتحذف الياء أيضا وتولي علامة التثنية ما قبلها "وهي"7 التاء كما في المذكر، وكان القياس إثبات الياء فيهما, فيقال:
"اللذيان واللتيانِ" كما يقال في تثنية "الشجي" ونحوه من المنقوص "الشجِيَان" بإثبات الياء. إلا أن "الذي والتي" لما كان مبنيين لم يكن "ليائهما"1 حظ في التحريك، فلذلك لم تفتح قبل علامة التثنية، بل بقيت ساكنة، فحذفت لالتقاء الساكنين. وقوله: "والنون إن تشدد فلا ملامه. إشارة إلى جواز تشديد النون في تثنية "الذي والتي" فتقول: "اللذان واللتان", وهو مع الألف متفق على جوازه، وأما مع الياء فمنعه البصريون، وأجازه الكوفيون، وهو الصحيح لقراءة ابن كثير2 {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا} 3 -بالتشديد. تنبيه: في تثنية "الذي والتي" لغة ثالثة وهي حذف النون كقول الفرزدق: أبني كليب إن عمّيّ اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا4
وقول الآخر: هما اللتا لو ولدت تميم ... لقيل فخر لهم صميم1 وذكر في شرح التسهيل: أن حذف النون من قوله: "هما اللتا" لضرورة الشعر وهو مخالف لما في التسهيل، فإنه قال: يجوز إثبات "نونها"2 وحذفها. وقد ذكر فيه قبل ذلك أن من أسباب حذف نون التثنية تقصير الصلة، ومثله في الشرح بقوله: أبني كليب إن عمّيّ اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا
وقد ذكر غيره أن حذف هذه النون لغة بني الحارث بن كعب وبعض ربيعة. وذكر في التسهيل لغة رابعة وهي: "لذان" بحذف الألف واللام1. وقوله: والنون من ذين وتين شددا ... أيضا............................. يعني أن النون في تثنية اسم الإشارة قد تشدد أيضا مع الألف باتفاق. ومنه قراءة ابن كثير وأبي عمرو2: "فذانِّك برهانان"3, ومع الياء على الصحيح كما تقدم4. ثم ذكر وجه التشديد فقال: .... وتعويض بذاك قصدا يعني: أن تشديد النون في "اللذين واللتين" قصد به التعويض عن الياء المحذوفة على غير قياس كما تقدم, والتشديد في "ذين وتين" عوض عن الألف المحذوفة من "ذواتا" فإن حقها أن تثبت كما ثبتت ألف المقصور, هذا ما ذهب إليه المصنف5. وتقدم مذهب من جعل تشديد النون في "ذانك" دليلا على البعد. قال في شرح التسهيل: ويبطل هذا القول جواز التشديد في "ذين وتين". وأجيب بأنه لا يدل جواز التشديد في "ذين وتين"6 في حالة القرب على عدم جعله على سبيل اللزوم دليلا على حالة البعد بل قد يلزم الشيء دلالة على شيء في حال، وإن كان جائزا في حال أخرى. وذكر في البسيط في علة تشديد النون أقوالا لا يقوم على صحتها دليل.
ثم انتقل إلى الجمع فقال: جمع الذي الأُلَى الذي مطلقا يعني: أن الذي له جمعان: أحدهما "الألى" وتسميته جمعا تجوز1 وإنما هو اسم جمع. وقد يرد الألى للمؤنث وهو قليل، وقد اجتمع الأمران في قوله: وتبلى الألى يستلئمون على الألى ... تراهن يوم الروع كالحدإ القبل2
وقد يقال "الألاء" بالمد ومنه قول كثير: أبى الله للشم الألاء كأنهم ... سيوف أجاد القين يوما صقالها1 والآخر "الذين" مطلقا أي: رفعا ونصبا وجرا؛ لأنه مبني فلا يتغير. وإطلاق الجمع على "الذين" فيه أيضا تجوز؛ لأنه مخصوص بأولي العلم "والذي علم"2 فهو كالعالمين3 وقد تقدم. فإن قلت: قد تقدم أن تثنية اسم الإشارة وتثنية "الذي والتي" أعربت لأن التثنية من خواص الأسماء "فعارضت"4 شبه الحرف, فهلا أعرب "الذين"؟ لأن الجمع من خواص الأسماء كالتثنية.
قلت: لما لم يجر على سنن الجموع لكونه أخص من واحدة كما "تقرر"1 لم تعتبر "معنى الجمعية"2 فيه، فبقى على بنائه. قال في شرح التسهيل: وعلى كل حال ففي "الذي والذين" شبه بالشجي، والشجيين، في اللفظ وبعض المعنى، فلذلك لم تجمع العرب على ترك إعراب الذيل بل إعرابه في لغة هذيل3 مشهور, فيقولون: "نصر اللذون آمنوا على الذين كفروا" وإلى هذه اللغة أشار بقوله: وبعضهم بالواو رفعا نطقا قلت: ونقلها بعضهم عن عقيل. تنبيه: في "الذين" أربع لغات المشهورة ولغة هذيل وحذف نونه لطول الاسم بالصلة مطلقا، هكذا ذكر المغاربة وأنشدوا قول الشاعر: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد4
وفصل المصنف فقال: ويغني عنه "الذي" في غير تخصيص كثيرا، وفيه للضرورة قليلا1. ا. هـ. وأنشد البيت على أنه ضرورة "و"2 قيل: "هو"3 مخالف لما ذكره أول التسهيل، فإن ذكر لحذف النون أسبابا فقال: وتسقط "النون"4 للإضافة وللضرورة ولتقصير صلة5. ا. هـ. قلت: هو غير مخالف له، فإن قوله: ويغني عنه الذي، معناه أن "الذي" المفرد اللفظ قد يعبر عن جمع، لا أنه جمع حذفت نونه. ألا ترى قوله في الشرح: وإذا لم يقصد بالذي "تخصيص"6 جاز أن يعبر به عن جمع حملا على "من". وأما، "وإن"7 الذي حانت، فمحتمل لأن يكون مفردا عبر به عن الجمع، وأن يكون جمعا حذفت نونه. واللغة الرابعة: حذف الألف واللام, فيقال: "الذين". قال أبو عمرو: سمعت أعرابيا "يقرأ"8: "صراط لَذين"9 بتخفيف اللام. ثم انتقل إلى جمع المؤنث فقال: باللات واللاء التي قد جمعا يعني أن "التي" لها جمعان: "أحدهما"10 "اللات" وفيه لغتان: إثبات الياء وحذفها.
والأخرى "اللاتي" وفيه لغتان أيضا: إثبات الياء وحذفها. "وللتي" جموع أخر منها "اللواتي" بإثبات الياء وحذفها "واللواء" بالمد "وباللواء" بالقصر "واللا" بالقصر، مبنيا على الكسر "أ"1, ومعربا إعراب أولات وليست هذه بجموع حقيقية, وإنما هي أسماء جموع2. وفي شرح التسهيل "تفصيل"3 في هذه الجموع قال: الصحيح أن "الذين" جمع "الذي" يراد به من يعقل وأن "اللاءات" جمع "اللائي" مرادف "اللاتي" وكذلك "اللواتي" و"اللوائي" جمعان "للاتي واللائي" على حد قولهم في الهادي -وهو العنق- الهوادي. وأما "اللاتي" فيحتمل أن يكون اسما للجمع؛ لأنه ليس على بناء من أبنية الجمع، ويحتمل أن يكون جمعا لأنه متضمن "معنى4 حروف" "التي". ويفتقر كونه مخالفا لأبنية "الجموع، كما افتقر في "اللتيا" كونه مخالفا لأبنية5 التصغير". وأما "اللاتي والألى" وغيرهما من الموصولات الدالة على جمع فأسماء جموع. وذكر أن "اللا واللوا" أصلهما "اللاتي واللواتي" فحذفوا التاء والياء. قال: والأظهر عندي أن الأصل في اللوا اللواء وفي اللاء اللاتي ثم "قصرا"6. وقوله: واللاءى كالذين تزرا واقعا يشير بها إلى نحو قوله: فما آباؤنا بأمَنَّ منه ... علينا اللاء قد مهدوا الحجورا7
فاستعمل "اللاء" بمعنى الذين، والأصل فيه أن يكون للمؤنث كما تقدم. تنبيه: من جموع "الذي" أيضا "اللائين" مطلقا وهذيل تعربه كما أعربت الذين "و" قد ذكر في شرح التسهيل أن "اللائين" جمع "اللائي" مرادف "الذين". ثم أشار إلى ألفاظ أخرى من الموصولات بقوله: ومن وما وأل تساوي ما ذكر يعني أن هذه "الأسماء" تستعمل بمعنى "الذي" و"التي" وتثنيتهما وجمعهما. "فمن" لمن يعقل نحو: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} 2 أو لمنزل منزلته كقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ} 3 فعبر عن الأصنام بمن لتنزيلها منزلة العاقل، أو لمختلط به كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ
يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} 1 أو لمقترن به نحو: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} 2 أو وقع "من" على ما لا يعقل، لاقترانه بمن يعقل فيما فصل بمن. قال في شرح التسهيل: كقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} 3 وأجاز قطرب وقوع "من" على ما لا "يعقل"4 بلا شرط، واستدل بما لا حجة فيه. و"ما" لما لا يعقل نحو: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 5 أو لصفة من يعقل نحو: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} 6 "أي وبانيها"7, {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 8 أي الطيب، أو لمبهم أمره نحو أن ترى شبحا تقدر إنسانيته وعدم إنسانيته، فتقول: أخبرني ما "هنالك"9. قال في شرح التسهيل: وكذلك لو علمت إنسانيته ولم تدر أهو ذكر أم أنثى؟ ومنه قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي} 10. قلت: وقال غيره: أتى بما دون "من" لأن الحمل حينئذ لم يتصف بالعقل, أو لمختلط "بما"11 لا يعقل12 نحو: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} 13 قال في الكافية: وعند الاختلاط خير من نطق ... في أن يجيء منهما بما اتفق
وأجاز أبو عبيدة وابن درستويه وابن خروف1 ومن وافقهم، وقوع "ما" على آحاد من يعقل، ونسبه ابن خروف إلى سيبويه، واستدلوا بظواهر تأولها المخالف ووافقهم المصنف. مسألة: "من" لها أربعة أقسام موصولة وقد ذكرت، وشرطية نحو: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} 2 واستفهامية نحو: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 3 ونكرة موصوفة نحو: "مررت بمن معجب لك". وزعم الكسائي أن العرب لا تستعمل "من" نكرة موصولة إلا "أن تقع"4 في موضع يختص بالنكرة كوقوعها بعد "رب" في قوله: ألا رب من تغتشه لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين5
كما تكون "ما" نكرة موصوفة بعد "رب" في قول "الشاعر"1: ربما تكره النفوس من الأمر ... له فرجة كحل العقال2 ورد بقول الشاعر: فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حب النبي محمد إيانا2
وأجيب بأن الكسائي يرى: أنها في هذا البيت زائدة؛ لأنه أجاز زيادة "من" ومذهب البصريين والفراء: أنها لا تزاد، لأنها اسم1. وزاد أبو علي أقسام "من" أن تكون نكرة موصوفة، كقول الشاعر: ...................................... ... ونعم من هو في سر وإعلان2
والصحيح أنها "لا تكون نكرة"1 غير موصوفة. و"ما" لها سبعة أقسام موصولة نحو: {وَلِلَّهِ " يَسْجُدُ "2 مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} 3, وشرطية نحو: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} 4 واستفهامية نحو: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} 5 ونكرة موصوفة نحو: "مررت بما معجب لك" ويمكن أن يكون منه: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} 6 ونكرة غير موصوفة نحو: "ما أحسن زيد" "في التعجب"7 على مذهب سيبويه8. أو صفة نحو: "لأمر ما جدع قصير أنفه"9. قال المصنف: والمشهور أن "ما" في هذا المثال ونحوه زائدة مبنية على وصل لائق بالمحل، ومعرفة تامة وذلك في باب نعم نحو: "غسلته غسلا نعما"
أي: نغم الغسل, وفي هذا خلاف يأتي في باب نعم1 فهذه أقسام "ما" الاسمية. وأما الحرفية: فتكون نافية وزائدة ومصدرية "وكافة ومهيئة"2 وليس هذا موضع بسط الكلام على هذه الأقسام. و"أل" "يشترك"3 فيه العاقل وغيره "وهي"4 اسم موصول عند الجمهور، وذهب المازني إلى أنها حرف موصول، وذهب الأخفش إلى أنها حرف تعريف. والصحيح أنها اسم لأوجه: أحدها عود الضمير عليها في نحو: "قد أفلح المتقي ربه". "وذهب"5 المازني "بأن"6 الضمير يعود على موصوف محذوف، ورد بأن لحذف الموصوف "مظان"7 لا يحذف في غيرها إلا لضرورة وليس هذا منها. الثاني: استحسان خلو8 الصفة معها "عن"9 الموصوف نحو: "جاء الكريم" فلولا "أنها"10 اسم موصول قد اعتمدت الصفة عليه كما تعتمد على الموصوف لقبح خلوها عن الموصوف. الثالث: إعمال اسم الفاعل "معها"11 بمعنى المضي، فلولا أنها موصولة واسم الفاعل معها في تأويل لقدح لحاقها في إعمال اسم الفاعل بمعنى الحال "أ"12 والاستقبال.
قلت: وقد التزم ذلك الأخفش، فذهب إلى أن اسم الفاعل لا عمل له مع "أل" وسيأتي بيانه في بابه1. الرابع: دخولها على الفعل نحو: الترضى حكومته2. والمعرفة مختصة بالاسم. واستدل المازني ومن وافقه على حرفيتها بأن العامل يتخطاها نحو: "مررت بالضارب" فالمجرور "هو"3 "ضارب" ولا موضع لأل، ولو كانت اسما لكان لها موضع الإعراب. قال الشلوبين: الدليل على أن الألف واللام حرف قولك "جاء4 القائم" فلو كانت اسما "لكانت"5 فاعلا واستحق "قائم" البناء؛ لأنه على هذا التقدير مهمل "لأنه"6 صلة والصلة لا يسلط عليها عامل الموصول. وأجاب في شرح التسهيل: بأن مقتضى الدليل أن يظهر عمل عامل الموصول في آخر الصلة؛ لأن نسبتها منه "نسبة عجز المركب منه"7، لكن منع من ذلك كون الصلة جملة "والجمل"8 لا تتأثر "بالعوامل"9 "فلما"10 كان صلة الألف واللام "في اللفظ"11 غير جملة جيء بها على مقتضى الدليل، لعدم المانع12.
وقوله: وهكذا ذو عند طيئ شهر يعني أن "ذو" عند طيئ اسم موصول يستعمل بمعنى الذي وفروعه بلفظ واحد "فيقال"1: "جاءني ذو فعل وذو فعلت وذو فعلا وذو فعلا وذو فعلن". وتتميز معانيها بالعائد كما مثل، أو بما هي له كقول الشاعر: فإن الماء ماء أبي وجدي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت2 أي: التي حفرت والتي طويت؛ لأن البئر مؤنثة. تنبيهان: أحدهما: تسمى "ذو" هذه3 الطائية؛ لأنها لا يستعملها موصولة إلا طيئ أو من تشبه بهم من المولدين كأبي نواس وحبيب4.
الثاني: المشهور في "ذو" الطائية أنها مبنية، وبعضهم يعربها إعراب "ذو" بمعنى صاحب1. ويروى بالوجهين قول الشاعر: .............................................. ... فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا2
وقوله: وكالتي أيضا لديهم ذات ... وموضع اللاتي أتى ذوات يعني: أن بعض طيئ تقول: "ذات" إذا أراد معنى "التي" وذوات إذا أراد معنى "اللاتي" بالبناء على الضم فيهما. وظاهر هذا أنه إذا أراد غير "التي واللاتي", يقول: "ذو" على الأصل، وأطلق ابن عصفور القول في تثنية "ذو و"ذات"1" وجمعها. قال المصنف: أظن الحامل له على ذلك قولهم: "ذات وذوات" بمعنى "التي واللاتي" فأضربت "عنه"2 لذلك. ا. هـ. ونقل الهروي3 وابن السراج عن العرب ما نقله ابن عصفور. ثم قال: ومثل ماذا بعد ما استفهام ... أو من إذا لم تلغ في الكلام يعني أن من الموصولات التي تستعمل بمعنى "الذي" وفرعه بلفظ واحد "كذا" بشرطين: الأول: أن تقع بعد "من" أو "ما" الاستفهاميتين خلافا لمن منع وقوعها بعد "من". الثاني: أن تكون غير ملغاة، والمراد بالإلغاء أن تركب "ذا"4 مع "ما أو من" "فيكونا"5 اسما واحدا.
ولها حالة الإلغاء معنيان: أحدهما وهو الأشهر أن يكون "المجموع"1 اسم استفهام، فلا يعمل فيه فعل متقدم. والآخر أن يكون اسما موصولا أو نكرة موصوفة، وعليه بيت الكتاب: دعى ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيب نبئيني2 أي: دعي الذي علمت أو شيئا علمت، ولذلك عمل فيها ما قبلها. ولها شرط ثالث أهمله لوضوحه، وهو ألا تكون "إشارة"3 نحو "من ذا" أو "ماذا". وقد اتضح بما ذكر أن "ماذا" لها أربعة استعمالات، ويجوز في "نحو"4 "ماذا صنعت؟ " وجهان: أحدهما أن تكون "ذا" موصولة فتكون "ما" حينئذ مبتدأ "وذا" وصلته خبر "ما"5 والعائد محذوف "أي صنعته"6 والآخر أن تكون أي
مركبة مع "ما"1 فيجعلان اسما واحدا من أسماء الاستفهام فتكون "ماذا" مفعولا مقدما لصنعت. ويظهر "أثر"2 الاحتمالين في البدل من اسم الاستفهام وفي الجواب، فبدل الأول مرفوع، وكذا جوابه على "المختار"3 وبدل الثاني منصوب وكذا جوابه على المختار؛ لأن حق الجواب أن يطابق السؤال، وقد قرئ بالوجهين قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} 4 قرأ عمرو برفع "العفو"5 والباقون بنصبه. فتكون "ذا" في قراءته موصولة، وفي قراءتهم ملغاة. ولما فرغ من عد الموصولات غير "أي" شرع في بيان صلتها وعائدها فقال: وكلها يلزم بعده صله ... على ضمير لائق مشتمله يعني: أن كل واحد من "هذه"6 الموصولات لا بد له من صلة؛ لأنه اسم ناقص لا يتم معناه إلا بصلته. فإن قلت: مقتضى قوله: "يلزم" أنها لا تحذف وحذفها جائز إذا دل عليها دليل أو قصد الإبهام ولم يكن صلة "أل" كقول الشاعر: نحن الألى فاجمع جمو ... عك ثم وجههم إلينا7
أي نحن الألى عرفوا بالشجاعة ونحو ذلك. قلت: المراد أنها تلزم لفظا "أ"1 وتقديرا فهي لازمة فيه وإن حذفت لفظا. تنبيه: فهم من قوله بعده "صلة"2 أنه لا يجوز تقديم الصلة ولا شيء منها على الموصول, وأما نحو: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} 3 فالجار متعلق بمحذوف دلت عليه صلة "أل" لا بصلتها، والتقدير: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين. وقوله: على ضمير "لائق مشتمله"4. هذا الضمير هو العائد على الموصول، وقوله: "لائق" أي: مطابق للموصول في الإفراد والتذكير وفروعهما. تنبيه: الموصول إن طابق لفظه معناه فلا إشكال في العائد، وإن خالف لفظه معناه، بأن يكون مفرد اللفظ مذكرا وأريد به غير ذلك، نحو: "من وما". فلك في العائد عليه وجهان: مراعاة اللفظ وهو أكثر كقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} 5 ومراعاة المعنى وهو دونه كقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} 6 ما يلزم من مراعاة اللفظ لبس نحو: "اعط من سألتك لا من سألك" أو قبح "من هي حمراء أمك"7.
فتجب مراعاة المعنى. أو بقصد لمعنى سابق فتختار مراعاته، كقول الشاعر: وإن من النسوان من هي روضة ... تهيج الرياض قبلها وتصوح1 فإن قلت: يفهم من قوله على ضمير أنه لا يربط الصلة بالموصول غيره، وقد ورد الربط بالاسم الظاهر الواقع موقع الضمير. كقولهم: "أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، والحجاج الذي رأيت ابن يوسف".
وقال الشاعر: ......................................... ... وأنت الذي في رحمة الله أطمع1 أي في رحمته"2 أو في رحمتك. قلت: هذا من القلة بحيث لا يقاس عليه، فلذلك لم يذكره في هذا المختصر, "والله أعلم"3. وقوله: وجملة أو شبهها الذي وصل ... به كمن عندي الذي ابنه كفل يعني: أن الذي يوصل به الموصول غير "أل" شيئان: جملة وشبه جملة. أما الجملة "فهي"4 ضربان اسمية نحو: "جاء الذي أبوه فاضل" وفعلية نحو: "جاء الذي قام أبوه". وأما شبه الجملة "فهو"5 الظرف نحو: الذي عندك، والجار والمجرور نحو: "الذي في الدار".
وإنما كانت الظروف "والجار والمجرور"1 شبه الجملة؛ لأنهما يجب "هنا"2 تعلقهما بفعل مقدر مسند إلى ضمير الموصول، والتقدير: الذي استقر عندك أو في الدار. وقد مثل شبه الجملة بقوله: "من عندي" فمن موصولة وعندي "صلتها"3. ومثل الجملة بقوله: "الذي ابنه كُفِل", فالذي موصول "وابنه كفل" جملة اسمية هي الصلة. تنبيه: شرط الجملة الموصول بها أن تكون خبرية4 خلافا للكسائي في جواز الأمر والنهي: وأجاز المازني أن تكون دعاء الخبر نحو: "جاء الذي رحمه "الله"5". ويلزم الكسائي موافقته. فإن قلت: من أين يعلم هذا الشرط من كلامه؟ قلت من مثاله "فإنه إنما"6 مثل ليقاس عليه، والمشهور اشتراطه كون الجملة الموصول بها معهودة. قال المصنف وليس ذلك بلازم؛ لأن الموصول قد يراد به الجنس فتوافقه صلته، كقوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} 7, وقد يقصد تعظيم الموصول فتبهم صلته كقوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} 8 وشرط أكثرهم ألا تكون
تعجبية فلا يجوز "مررت بالذي ما أحسنه" إن كانت عندهم خبرية. ومن النحاة من أجاز ذلك وهو مذهب ابن خروف كما أجاز النعت بها. وزاد المغاربة في "شروط"1 الصلة، ألا تستدعي كلاما قبلها، فلا يجوز "جاء الذي حتى أبوه قائم". ثم ذكر صلة أل فقال: وصفة صريحة صلة أل ... وكونها بمعرب الأفعال قل المراد بالصفة هنا اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، خلافا لمن منع وصلها بالصفة المشبهة. والمراد بالصريحة الخالصة الوصفية احترازا مما "يوصف"2 به وليس بمشتق نحو: "أسد" ومن الصفة التي تغلب عليها الاسمية نحو: "أبطح وأجرع وصاحب"3 فأل في ذلك حرف تعريف لا موصولة. وقوله: وكونها بمعرب الأفعال قل يعني: "أن "أل" قد وردت موصولة بمعرب الأفعال وهو المضارع لكونه مشابه لاسم الفاعل وذلك قليل. ومنه قول الشاعر: ما أنت بالحكم الترضى حكومته4 وقد سمع منه أبيات.
ومذهب الناظم جوازه اختيارا1 وفاقا لبعض الكوفيين وخصه الجمهور بالضرورة. تنبيه: شذ وصل "أل" بمبتدأ وخبر في قول الشاعر: من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معد2
وبظرف في قوله: من لا يزال شاكرا على المعه ... فهو حر بعيشة ذات سعه1، 2 أي: الذي معه، ولا يقاس على هذين باتفاق، وقد قيل: "أل" في البيت الأول زائدة وفي الثاني بقية الذي. ثم قال: أي كما وأعربت ما لم تضف ... وصدر وصلها ضمير انحذف قوله: "أي "كما"" يعني أنها تستعمل موصولة بمعنى "الذي والتي"، وفروعها خلافا لأحمد بن يحيى3 في قوله: إنها لا تستعمل إلا "شرطا"4 أو استفهاما، وقد تؤنث بالتاء إذا أريد بها المؤنث. وقال أبو موسى: وإذا أريد بها المؤنث ألحقت التاء في الأشهر.
وحكى ابن كيسان أن أهل هذه اللغة "يثنونها"1 ويجمعونها. وقوله: "وأعربت" يعني: دون إخوتها، "فلذلك"2 أفردها بالذكر وقد تقدم سبب إعرابها مع أن فيها ما في أخواتها من شبه الحرف في أول الكتاب. وقوله: ما لم تضف، وصدر وصلها ضمير انحذف. يعني أنها أعربت ما لم يجتمع فيها هذان الأمران: الإضافة وحذف الصدر "فإن فقدا أو أحدهما أعربت"3، فالصور أربع: الأولى: ألا تضاف ويثبت الصدر نحو: "جاءني أي هو فاضل" فتعرب، "لفقد الأمرين"4. الثانية: ألا تضاف ويحذف الصدر نحو5: "جاءني أي فاضل" فتعرب لفقد الأول وهو الإضافة. الثالثة: "أن تضاف"6 ويثبت الصدر نحو: "جاءني أيهم هو فاضل" فتعرب أيضا لفقد الثاني وهو حذف الصدر. الرابعة: أن تضاف ويحذف الصدر: كقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} 7. فهذه تبنى لاجتماع الأمرين هذا مذهب سيبويه8. خلافا للخليل
ويونس1 فإنهما لا يريان البناء, بل هي معربة "عندهما"2 في الأحوال كلها "وتأولا"3 الآية. أما الخليل فجعلها استفهامية محكية بقول مقدر، والتقدير: ثم لننزعن من كل شيعة "الذي"4 يقال فيه أيهم أشد. وأما يونس فجعلها استفهامية أيضا وحكم بتعليق الفعل "قبلها"5؛ لأن التعليق عنده غير مخصوص بأفعال القلوب، والحجة عليها قول الشاعر: إذا ما لقيت بني مالك ... فسلم على أيهم أفضل6
"لأن حروف الجر لا تعلق، ولا يضمر "قول"1 بينها وبين معمولها"2. وبهذا يبطل قول من زعم أن شرط بنائها ألا تكون مجرورة، بل مرفوعة أو منصوبة، ذكر هذا الشرط ابن إباز، وقال نص عليه النقيب3 في الأمالي4. وفي الآية أقوال أخر: قال الأخفش "من" زائدة"، و"كل" مفعول، و"أيهم أشد" جملة مستأنفة. وذهب الكوفيون إلى أن "أيهم" علق عنه "شيعة" بما فيه من معنى الفعل، كأنه "قيل"5 لننزعن من كل "متشيع6 "في"7" أيهم أشد، أي: من كل من نظر في أيهم، وكأنهم رأوا أن لننزعن لا تعلق فعدلوا إلى هذا، وقال ابن الطراوة: غلطوا، ولم تبن إلا لقطعها عن الإضافة. وهم مبتدأ، وأشد خبره، وليس بشيء؛ لأنها لا تعرب إلا إذا أضيفت؛ ولأن أيا أتت في رسم المصحف8 موصولة بالضمير ولو كان مبتدأ لفصل. ثم قال: "وبعضهم أعرب مطلقا" أي: وبعض العرب أعرب أيا مطلقا يعني في الصور الأربع وقرئ شاذا: "أيهم أشدَّ" بالنصب على هذه اللغة. ويحتمل أن يريد بقوله: "وبعضهم" بعض النحويين فيكون "إشارة"9 إلى مذهب الخليل ويونس ومن وافقهما. وقوله: ............................. وفى ... ذا الحذف أيا غير أي يقتفى أن يستطل وصل........ ... .............................
يعني: أن غير "أي" من الموصولات يقتفى "أيا" أي: يتبعها في جواز "هذا"1 الحذف: يعني حذف العائد إذا كان مبتدأ, لكن بشرط: وهو: أن يكون في الصلة طول "كقولهم"2: "ما أنا بالذي قائل لك سوءا". أي: هو قائل ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} 3 أي: هو في السماء إله وفي الأرض إله. ثم قال: ......... وإن لم يستطل ... فالحذف نزر.............. يعني: أن الصلة إذا لم يكن فيها طول كان حذف العائد الذي هو المبتدأ نزرا، أي قليلا ضعيفا وليس بممتنع، ومنه قراءة بعض السلف: "تماما على الذي أحسنُ"4 "أي: هو أحسن"5 وقراءة بعضهم: "مثلا مَّا بعُوضةٌ"6 "أي: هو بعوضة"7. ومذهب البصريين: أن ذلك لا يقاس عليه، ولم يشترط الكوفيون طول الصلة بل أجازوا الحذف مطلقا، واتفقوا على عدم اشتراطه "في أي"8، 9. ثم قال: .......... وأبوا أن يختزل إن صلح الباقي لوصل مكمل يعني: أنه يشترط في حذف العائد إذا كان مبتدأ أن يكون "ما يبقى"10 بعد حذفه غير صالح، لأن يكون صلة كاملة.
وهذا الشرط معتبر في "أي" وفي غيرها وضابط ذلك: أن خبره إن كان مفردا جاز حذفه نحو: "أيهم فاضل" هو فاضل؛ لأن المفرد "لا يصلح"1 لأن يكون صلة كاملة بل جزء صلة فيعلم أن أحد الجزءين محذوف، وإن كان الخبر جملة أو ظرفا أو جارا ومجرورا لم يجز حذفه؛ لأنه لو حذف والحالة هذه لم يبق عليه دليل؛ لأن الجملة الظرف والجار والمجرور يصلح لأن يكون صلة كاملة. فإذا قلت: "جاء الذي هو يفعل، أو هو عندك، أو هي في الدار" لم يجز حذفه لما ذكر. وقد اتضح بما ذكر أن العائد "إذا"2 كان مرفوعا، فإما أن يكون مبتدأ أو غير مبتدأ. فإن كان غير مبتدأ لم يجز حذفه وذلك مفهوم من سكوته عنه. وإن كان مبتدأ جاز حذفه من صلة "أي" بشرط واحد: وهو أن يكون خبره مفردا، وفي صلة غيره بشرطين: عند البصريين أن يكون الخبر مفردا وأن تطول الصلة. تنبيه: ذكر غير الناظم لحذف العائد الذي هو مبتدأ شروطا أخر: أحدها: ألا يكون معطوفا نحو: "جاء الذي زيد وهو فاضلان". والثاني: ألا يكون معطوفا عليه، نحو "جاء الذي هو وزيد قائمان". وأجاز الفراء حذفه في هذا المثال ونحوه، وأجازه أيضا ابن السراج. قال بعضهم: وهو غير مسموح ونقل اشتراطه هذا الشرط عن البصريين. والثالث: ألا يكون بعد "لولا"، نحو "جاء الذي لولا هو لأكرمتك"3, ثم انتقل إلى العائد المنصوب فقال: ..................................... ... والحذف عندهم كثير منجلي في عائد متصل إن انتصب ... بفعل أو وصف كمن نرجو يهب
اعلم أن العائد المنصوب، إما أن يكون متصلا أو منفصلا. فإن كان منفصلا لم يجز حذفه لئلا تفوت فائدة الانفصال، نحو: "جاء الذي إياه أكرمت" ولذلك قال "في عائد متصل". وإن كان متصلا، فإما أن يتصل بفعل أو بوصف أو بحرف، فإن اتصل بفعل أو بوصف جاز حذفه، وقد مثل المتصل بالفعل بقوله: "كمن نرجو يهب" أي "من"1 نرجوه. ومنه قوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} 2 أي بعثه. ومثال المتصف بالوصف قول الشاعر: ما الله موليك فضل فاحمدنه به ... فما لدى غيره نفع ولا ضرر3
أي: الذي الله موليكه فضل1. وإن كان منتصبا بحرف لم يجز حذفه، نحو "جاء الذي إنه فاضل أو كأنه أسد". وهذا مفهوم من اقتصاره على الفعل والوصف. تنبيهات: الأول2: حذف العائد المنصوب بفعل أكثر من حذف العائد المنصوب بوصف وإن اشتركا في الجواز. الثاني: لا يخلو المنصوب بالوصف من أن يكون في صلة "أل" أو في صلة غيرها فإن كان في صلة غيره جاز حذفه كما تقدم، وإن كان في صلتها فمذهب الجمهور أنه لا يجوز، وأجازه بعضهم نحو "الضارب زيد هند" يريد الضاربها. واختلف فيه عن الكسائي3. وقال في التسهيل: وقد يحذف منصوب صلة الألف واللام ومثال ذلك قول الشاعر: ما المستفز الهوى محمود عاقبة ... ولو أتيح له صفو بلا كدر4
وقول الآخر: في المعقب البغي أهل البغي ما ... ينهي امرأ حازما أن يسأما1
أي: في الذي أعقبه البغي على خلاف في هذا الضمير أمنصوب "هو"1 أم مجرور2. وعلى كل حال فحذفه نادر. ومقتضى عبارة الناظم أن حذف المنصوب بالوصف كثير "مطلقا"3 وليس كذلك4. الثالث: شرط ابن عصفور في جواز حذف المنصوب أن يكون متعينا للربط فإن لم يتعين لم يجز حذفه نحو "جاء الذي ضربته في داره". وشرط قوم أن يكون الفعل الناصب له تاما، فلو كان ناقصا لم يجز حذفه نحو "جاء الذي ليسه زيد". الرابع: إذا حذف العائد المنصوب بشرطه ففي توكيده والنسق عليه خلاف أجازه الأخفش والكسائي5 ومنعه ابن السراج وأكثر المغاربة واختلف عن الفراء. الخامس: اتفقوا على مجيء الحال منه إذا كانت مؤخرة "عنه"6 نحو: "هذه التي عانقت مجردة" "أي عانقتها مجردة"7. فإن كانت الحال متقدمة نحو: "هذه التي مجردة عانقت" فأجازها ثعلب8 ومنعها هشام9. ثم انتقل إلى المجرور فقال: كذاك حذف ما بوصف خفضا ... كأنت قاض بعد أمر من قضا
العائد المجرور إما أن ينجر بإضافة أو بحرف، فإن انجر بإضافة والمضاف وصف عامل جاز حذفه، كقوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 1 أي: "الذي"2 أنت قاضيه, وإلى هذه الآية أشار بقوله: "كأنت قاض بعد أمر -أي بعد فعل الأمر- من قضا". وهو في قوله تعالى: {فَاقْضِ} وليس حذفه بضعيف جدا خلافا لابن عصفور، بل فصيح لوروده في القرآن؛ ولأنه منصوب في "المعنى"3. على أن النحويين من زعم أنه منصوب. وإن كان المضاف غير وصف نحو: "جاء الذي وجهه حسن". أو وصفا غير عامل نحو: "جاء الذي أنا ضاربه أمس" لم يجز حذفه4, فإن قلت: أطلق الناظم الوصف ولم يقيده بالعامل. قلت: "كأنه"5 اكتفى بالمثال عن التقييد؛ لأنه قد فهم من استقراء هذا النظم أنه قد "يتمم"7 الحكم بالتمثيل. وأما المجرور بحرف فقد ذكره في قوله: كذا الذي جر بما الموصول جر ... كمر بالذي مررت فهو بر يعني: أنه يجوز حذف العائد المجرور بالحرف بشروط: الأول: أن ينجر الموصول بمثل الحرف "الجار"7 للعائد لفظا، فلو اختلفا لفظا لم يجز الحذف نحو "حللت في الذي حللت به"8.
الثاني: أن يتحد الحرفان معنى، فلو اختلفا "معنى"1 لم يجز الحذف نحو: مررت بالذي مررت به، "تعني"2 بإحدى الباءين السببية3. الثالث: أن يتحد متعلقهما معنى، فلو اختلف المتعلق لم يجز الحذف، نحو "سررت بالذي مررت به". وقد مثل ما يجوز حذفه لاجتماع الشروط فيه بقوله: "مر بالذي مررت" أي به. فحذف العائد؛ لأنه قد جر بحرف جر الموصول بمثله لفظا ومعنى ومتعلقا. ولو جر الموصوف بالموصول بالجر المماثل فيما ذكر جاز الحذف أيضا وإن كان الموصول "لم يجر"4 نحو: "مررت بالرجل الذي مررت به". فإن قلت: لا يؤخذ من كلامه إلا شرط واحد, وهو اتفاق لفظ الحرفين. قلت: أما أخذ الشرط الثاني من كلامه فظاهر، فإنه شرط أن يجر العائد بالذي جر الموصول ومتى اختلف الحرفان "معنى"5 كان الجار للعائد حينئذ غير الجار للموصول، فإن "باء" السببية مثلا غير "باء" التعدية. وأما أخذ الشرط الثالث فمن تمثيله. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: بما جر الموصول أو الموصوف به, ليشمل الصورتين. قلت: الموصوف والصفة كالشيء الواحد، فدخول الحرف على الموصوف كدخوله على الصفة، فلذلك ترك هنا التنصيص على ذلك اختصارا. تنبيه: يشترط في حذف العائد المجرور بالحرف ثلاثة شروط أخر, ذكرها غير الناظم:
الأول: ألا يكون ثم ضمير آخر يصلح للعود، نحو: مرت بالذي به في داره. الثاني: ألا يكون نائبا عن الفاعل نحو: مررت بالذي مر به. الثالث: ألا يكون محصورا نحو: مررت بالذي ما مررت به إلا به. فإن قلت: "قد"1 أخل الناظم بهذه الشروط. قلت: إنما يلزمه أن يذكر هنا من الشروط ما هو خاص بالباب لا ما يؤخذ من غيره2, وقد علم "بذلك"3 أن ما كان حذفه يوقع في اللبس امتنع حذفه في هذا الباب وفي غيره، وأن النائب عن الفاعل كالفاعل في جميع أحكامه، ومنها امتناع حذفه، وأن الفضلة إذا حصرت لم يجز حذفها وقد جاء حذف العائد المجرور وإن لم تكمل شروط الحذف, كقول حاتم: ومن حسد يجور على قومي ... وأي الدهر ذو لم يحسدوني4 أي: فيه، وهو نادر5.
المعرف بأداة التعريف
المعرف بأداة التعريف: قال: أل حرف تعريف أو اللام فقط ... فنمط عرفت قل فيه النمط مذهب الخليل أن حرف التعريف "أل" والهمزة أصلية وهي همزة قطع وصلت لكثرة الاستعمال وكان يعبر عنها "بأل" ولا يقول: الألف واللام وهو اختيار الناظم. ومذهب سيبويه: أن حرف التعريف "أل" أيضًا ولكن الهمزة عنده زائدة معتد بها في الوضع فحرف التعريف عنده ثنائي. هذا ما نقله عنه في التسهيل1 وشرحه وهو ظاهر كلام سيبويه، ونقل في شرح الكافية عن سيبويه أنه اللام وحدها وتبعه الشارح2 وهو اختيار المتأخرين. وقوله: "أن حرف تعريف"، يحتمل مذهب الخليل ومذهب سيبويه وقوله: "أو اللام فقط" هو المذهب الثالث وباقي البيت واضح. تنبيهات: الأول: قال في شرح التسهيل: الصحيح عندي قول الخليل لسلامته من وجوه كثيرة "مخالفته"3 للأصل موجه لعدم "النظائر"4. أحدها: تصدير زيادة فيما لا أهلية فيه للزيادة وهو الحرف. الثاني: وضع كلمة مستحقة للتصدير على حرف واحد ساكن ولا نظير له في ذلك. الثالث: افتتاح بهمزة وصل ولا نظير لذلك 5، 6.
الرابع: لزم فتح همزة الوصل بلا سبب ولا نظير لذلك. قال: واحترزت باللزوم ونفي السبب من همزة "أيمن" في القسم فإنها تفتح وتكسر وكسرها هو الأصل، وفتحت لئلا ينقل من كسر إلى ضم دون حاجز حصين. الخامس: أن المعهود الاستغناء عن همزة الوصل بالحركة المنقولة إلى الساكن ولم يفعل ذلك بلام التعريف إلا على شذوذ, بل يبدأ بالهمزة في المشهور من قراءة ورش1. السادس: أنها لو كانت همزة وصل لم تقطع في "قولهم"2 بالله ولا في قول بعضهم: "أفا"3 الله لأفعلن. قلت: ووجه سابع، وهو أنها لو كانت همزة وصل "للزم"4 بقاء همزة الوصل في غير الابتداء مسهلة "ومبدلة"5 في نحو: "الذكرين"6, وقد أشار إليه في شرح التسهيل، واستدل بعضهم للخليل بالوقف عليها وإعادتها في قول الراجز: عجل لنا هذا وألحقنا بذا أل ... الشحم إنا قد مللناه بجل7
وبالوقف عليها في نصف البيت: يا خليلي اربعا واستخبرا ال ... منزل الدارس عن حي حلال مثل سحق البرد عفي بعدك الـ ... ـقطر مغناه وتأويب الشمال1
وهي أبيات كثيرة اطرد فيها ذلك1. وأجاب المنتصر لسيبويه عن أكثر هذه الأوجه، وقد ذكرت ذلك في غير هذا الكتاب، فإن هذا مبني على الاختصار. الثاني: اعلم أن أداة التعريف قسمان: عهدية وجنسية لأن مصحوبها إن عهد "بتقديم"2 ذكره نحو: "جاءني رجل فأكرمت الرجل" أو بحضور مدلوله حسا كقولك "القرطاس" لمن سدد سهما, أو علما كقوله تعالى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} 3 فهي عهدية وإلا فهي جنسية. والجنسية إن خلفها كل دون تجوز فهي لشمول الأفراد نحو: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 4، وإن خلفها بتجوز فهي لشمول الخصائص مبالغة نحو: "أنت الرجل علما", وإن لم يخلفها فهي لبيان الحقيقة نحو: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} 5 وهو الذي "يسميه"6 المتكلمون تعريف الماهية. وكلامه في شرح الكافية يقتضي أنها هي العهدية7, وقد جعلها بعضهم قسما برأسه. فإن قلت: ما الفرق بين المعرف بهذه التي للحقيقة نحو "اشتر اللحم" وبين اسم الجنس النكرة نحو "اشتر لحما"؟ قلت: الفرق بينهما كالفرق بين علم الجنس واسم الجنس وقد تقدم.
ولما كانت أداة التعريف قد ترد زائدة غير معرفة نبه على ذلك بقوله: "وقد تزاد" ثم إن زيادتها على ضربين: لازمة وغير لازمة. فاللازمة هي ألفاظ محفوظة منها "كاللات" علم صنم "والآن" اسم الزمان الحاضر وهو مضمن معنى حرف التعريف، ولذلك بني. ومنها بعض الموصلات "كالذين ثم اللاتي". وإنما حكم على "أل" في هذه الكلمات بالزيادة لأنها تعرفت بغيرها. أما "اللات" فبالعلمية، وأما "الآن" فبتضمنه معنى حرف التعريف. وأما الموصلات، فلأن تعريفها بالصلات، وإنما حكم عليها بأنها لازمة لأنه لم يعهد حذفها. فإن قلت: قد رد في شرح التسهيل قول من جعل سبب بناء "الآن" تضمن معنى حرف التعريف "والقول بزيادة "أل" فيه مبني على ذلك". قلت1: والقول بزيادتها فيه يستلزم أن يكون تعريفه بغيرها ولا يلزمن أن يكون بتضمن معنى حرف التعريف "بل يجوز أن يكون بوجه آخر من وجه التعريف"2. وقد قال في التسهيل: إن "الآن" بني لتضمن معنى الإشارة3. وهو قول الزجاج فهو على هذا معرف بما تعرفت به أسماء الإشارة، وإذا كان تعريفه بذلك "فأل" فيه زائدة، وذهب قوم إلى أن "أل" في الآن لحضور لا زائدة. وذهب قوم إلى أن "أل" في الموصلات "كلها"4 للتعريف, والصحيح الأول5.
فإن قلت: قد حكى في التسهيل1 حذف "أل" من "الذين واللاتي" وذكر في شرحه أن ذلك لغة. قال أبو عمرو: سمعت أعرابيا يقرأ: "صراط لذين"2 بتخفيف اللام فكيف جعلها لازمة؟ قلت: كأنه أراد أنها لازمة عند أكثر العرب، وهو صحيح، فجزم هنا بأفصح اللغتين. ثم انتقل إلى غير اللازمة فقال: "ولاضطرار كبنات الأوبر". الزائدة غير اللازمة قسمان: قسم يزاد لمعنى، وقسم يزاد لضرورة. فالأول: "هو الذي"3 للمح الصفة. والثاني: ضربان: ضرب يزاد مع معرفة، وضرب يزاد مع نكرة لا يقبل التعريف. وقد أشار إلى الضربين، فالأول كقول الشاعر: ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر4
يعني: بنات أوبر، وهو علم على ضرب من الكمأة رديء1. والثاني كقول الشاعر: رأيتك لما أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو2 أراد: "نفسا" لأنه تمييز، والتمييز واجب التنكير "خلافا للكوفيين"3.
فإن قلت: تمثيله ببنات الأوبر ليس بجيد؛ لأن مذهب "المبرد"1 أنه نكرة وأل فيه للتعريف. قلت: نص سيبويه على أنه علم جنس، وأفادنا تمثيله به أنه موافق لسيبويه، ثم انتقل إلى القسم الأول وهو الذي يزاد لمعنى. فقال: وبعض الأعلام عليه دخلا ... للمح ما قد كان عنه نقلا إنما قال "بعض الأعلام" لأن منها ما لا يدخل عليه للمح كالمنقول من قبل نحو "يزيد" إلا في الضرورة2، وظاهر قوله: "للمح ما قد كان عنه نقلا" أنها تدخل للمح الأصل لا للمح الوصف، وهو ظاهر كلامه في التسهيل وشرحه، ويؤيده أنه مثل بالمنقول من صفة "كحارث", ومن مصدر "كفضل", ومن اسم عين "كنعمان" وهو من أسماء الدم. كالفضل والحارث والنعمان3 وقول الشارح، وقد يكون "في"4 المنقول من مصدر أو اسم عين؛ لأن المصادر وأسماء الأعيان قد تجري مجرى الصفات في الوصف بها على التأويل5 فيقتضي أن اللمح للوصف. وهذا هو المشهور في عباراتهم. تنبيه: اعلم أن في تمثيله "بالنعمان" نظر. لأنه مثل به في شرح التسهيل لما قارنت الأداة نقله، وعلى هذا فالأداة فيه لازمة، وإذ كانت للمح لم تكن لازمة6.
وقوله: فذكر ذا وحذفه سيان. يعني: أن "أل" في ذلك ليست للتعريف فحذفها لا يخل به فذكر "أل" وحذفه في ذلك سيان. فإن قلت: كيف "قال"1 سيان والوجهان مرتبان على مقصدين, إن قصد "لمح الصفة"2 جيء بأل، وإن لم يقصد استديم تجريده. قلت: أما كونهما "مرتبين"3 على مقصدين فصحيح، وهو مفهوم "مرضي"4 من قوله: "دخلا للمح ما قد كان عنه نقلا". وقوله: "سيان" يعني من جهة التعريف كما قررته. ثم قال: وقد يصير علما بالغلبه ... مضاف أو مصحوب أل كالعقبه يعني: أن من المعرف بالإضافة أو الأداة ما يغلب على بعض ما له معناه فيصير علما بالغلبة خلافا لمن ذهب إلى أنه ليس بعلم, بل أجرى مجراه. ومثال المضاف "ابن عمر، "وابن الزبير، وابن عمرو"5 وابن عباس" في العبادلة رضي الله عنهم6. ومثال مصحوب أل "العقبة والبيت والمدينة والكتاب" في عقبة أيلة والبيت الحرام وطيبة ومصنف سيبويه. ثم قال: وحذف أل ذي إن تناد أو تضف ... أوجب.............................. "ذي" إشارة إلى التي صحبت ما صار علما بالغلبة.
ومثال حذفها في النداء قولهم: في الصعق، يا صعق. ومثال حذفها في الإضافة قولهم في الأعشى "أعشى قيس"1. ولا يحذف في غير النداء والإضافة إلا قليلا كقولهم "هذا يوم اثنين مباركا فيه". ومجيء الحال منه في الفصيح يوضح فساد قول المبرد في جعله "أل" في الاثنين وسائر الأيام التعريف، فإذا زالت صارت نكرات. وأشار إلى حذفها في ذلك بقوله: ..... وفي غيرهما قد تنحذف
المبتدأ والخبر
المبتدأ والخبر: مبتدأ زيد وعاذر خبر ... إن قلت زيد من اعتذر المبتدأ هو الاسم المجرد من العوامل اللفظية غير الزائدة مخبرا عنه أو وصفا رافعا لما يستغنى به. فالاسم: جنس يشمل الصريح "نحو: زيد عاذر"1 والموؤل "نحو {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} 2" والمجرد من العوامل اللفظية: مخرج لاسم كان ونحوه، وغير الزائدة، مدخل لنحو "بحسبك زيد" و" {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 3 "فإن حسبك مبتدأ والباء فيه زائدة وكذلك "إله""4 مبتدأ ومن زائدة. وذكر في شرح الكافية: أن "حسبك" في هذا المثال ونحوه خبر مقدم لا مبتدأ لأنه لا يتعرف بالإضافة وإنما يكون مبتدأ إذا كان بعده نكرة نحو: "بحسبك درهم"5، 6. "ومخبرا أو وصفا". مخرج لأسماء الأفعال، "رافعا لما يستغنى به": يشمل الفاعل نحو: "أ"7 قائم الزيدان "ونائبه نحو: "أمضروب العمران" ويخرج به نحو: "أ"8 قائم، من قولك: "أقائم أبوه زيد" فإن مرفوعه غير مستغنى به. وقد اتضح بذلك أن المبتدأ قسمان: أحدهما ذو خبر، والثاني: مسند إلى مرفوع يغني عن الخبر, وقد أشار "إلى الأول"9 بقوله: "مبتدأ زيد وعاذر خبر" البيت.
وإلى الثاني بقوله: وأول مبتدأ والثاني ... فاعل أغنى في أسار ذان فزيد في المثال الأول اسم مجرد من العوامل اللفظية مخبر عنه "بعاذر" و"أسار" في المثال الثاني اسم مجرد من العوامل اللفظية وهو وصف رافع "لما"1 يستغنى به. فقد فهم من المثالين حد المبتدأ. ثم قال: "وقس" أي: قس على هذين المثالين وهما "زيد عاذر وأسار ذان" أو قس على الثاني في كونه بعد استفهام. ثم قال: وكاستفهام النفي. يعني: أن النفي مسوغ لاستعمال الوصف المذكور كالاستفهام نحو: "ما قائم الزيدان" وأطلق الاستفهام ليتناول جميع أدواته كهل "ومن وما"2 "فهو أولى من قول ابن الحاجب أو ألف الاستفهام"3، 4. وأطلق "في"5 النفي ليتناول كل ناف يصلح لمباشرة الاسم حرفا وهو "ما ولا وإن" واسما وهو "غير قائم الزيدان" فغير مبتدأ مضاف إلى الوصف، والزيدان فاعل يغني عن خبره. "وعلى ذلك قول الشاعر: غير مأسوف على زمن ... ينقضي بالهم والحزن6
وفعلا نحو "ليس قائم الزيدان" إلا أن الوصف بعد ليس يرتفع على أنه اسمها والفاعل يغني عن خبرها، وكذلك "ما" الحجازية. وقوله: وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد إشار إلى جواز الابتداء بالوصف المذكور مجردا من النفي والاستفهام وهو قليل. ونقل المصنف عن سيبويه جوازه على قبح1 وعن الأخفش أنه يرى ذلك حسنا. ونقل غيره أن مذهب البصريين غير الأخفش المنع.
واعلم أن الوصف المذكور إنما يتعين جعله مبتدأ، وما بعده فاعلا سد مسد الخبر إذا كان مفردا وما بعده مثنى أو مجموعا. أما إذا طابق ما بعده فله ثلاثة أحوال أشار إليها بقوله: والثان مبتدا وذا الوصف خبر ... إن في سوى الإفراد طبقا استقر فأحد الأحوال: أن يتطابقا في التثنية نحو "أقائمان الزيدان". والثاني: أن يتطابقا في الجمع نحو "أقائمون الزيدون". وإعراب هاتين الصورتين واحد، وهو أن الوصف خبر وقدم والثاني مبتدأ مؤخر ولا يجوز أن يكون الوصف فيهما مبتدأ وما بعده فاعلا لتحمله الضمير إلا على لغة "أكلوني البراغيث"1. والثالث: أن يتطابقا في الإفراد نحو: "أقائم زيد" فيجوز فيه الوجهان. فإن جعل الوصف مبتدأ وما بعده فاعل لم يكن فيه ضمير. وإن جعل خبرا مقدما وما بعده مبتدأ كان فيه ضمير. ثم أشار إلى رافع المبتدأ بقوله: ورفعوا مبتدأ بالابتدا ... كذاك رفع خبر بالمبتدا ما ذكر هو "أحد المذاهب السبعة2 وهو"3 الصحيح ومذهب سيبويه4.
والابتداء هو كون الاسم مجردا من العوامل اللفظية مخبرا عنه "أو"1 مسندا هو إلى "ما يغني"2 عن الخبر. ثم شرع في تعريف الخبر فقال: والخبر الجزء المتم الفائدة والخبر يشمل المبتدأ والخبر، والمتم الفائدة: أخرج المبتدأ. فإن قلت: هذا ليس بحد صحيح لأنه صادق على الفعل وعلى الفاعل والحرف أيضا. قلت: ليس مراده بالجزء جزء الكلام مطلقا فيلزمه ما ذكرت، وإنما المراد جزء الجملة الاسمية. ويدل على ذلك أمران: أحدهما أن الباب موضوع لها، والثاني تمثيله بقوله: كالله بر والأيادي شاهده فلم يدخل تحت كلامه الفعل والفاعل، ولا الحرف أيضا؛ لأنه لا يكون أحد جزءي الجملة الاسمية. فإن قلت: إخراج المبتدأ بقوله: "المتم الفائدة" غير واضح لأن المبتدأ أيضا يتم الفائدة، فإن الفائدة بهما حصلت. قلت: الخبر هو ثاني الجزءين ولا إشكال في أن ثانيهما هو الذي به تتم الفائدة. وأيضا، فإن الخبر هو المستفاد من الجملة؛ ولذلك كان أصله أن يكون نكرة، ولهذا قال أبو موسى: المبتدأ معتمد البيان والخبر معتمد الفائدة. ثم قال: ومفردا يأتي ويأتي جملة فقسم الخبر إلى قسمين: مفرد وجملة. خلافا لابن السراج في إثباته ثالثا لا مفردا ولا جملة وهو الظرف والجار والمجرور. ثم ذكر حكم الجملة فقال: حاوية معنى الذي سيقت له
الذي سبقت له هو المبتدأ، فكأنه قال: حاوية معنى المبتدأ ولم يقيده بالضمير, "فشمل"1 أربعة أشياء: الضمير نحو: "زيد أبوه قائم"، وقد يحذف إن أمن اللبس نحو: "السمن منوان بدرهم"2. واسم الإشارة نحو: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} 3. وتكرار لفظ المبتدأ نحو: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} 4. والعموم نحو: فأما القتال لا قتال لديكم5 ... .................................. وهذه الروابط المتفق عليها. فإن قلت: قد ذكر ابن عصفور من الروابط المتفق عليها، عطف جملة فيها ضمير بالفاء خاصة كقوله:
وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو................................1 وعبارة الناظم لا تشمله. قلت: التحقيق أن الجملتين إذا عطفت إحداهما على الأخرى بالفاء التي للسببية تنزلتا منزلة الشرط والجزاء "واكتفي بضمير واحد في إحداهما كما يكتفى بضمير واحد في جملتي الشرط والجزاء"2. "فإذا"3 قلت: "زيد جاء عمرو فأكرمه" فالارتباط يقع بالضمير الذي في الثانية. نص على ذلك ابن أبي الربيع. قال: لأنهما تنزلتا منزلة "زيد "إذا"4 جاء عمرو أكرمه" فالإخبار إذا إنما هو بمجموعهما، والرابط إنما هو الضمير "والله أعلم"5. ثم قال: وإن تكن إياه معنى اكتفى ... بها.............................. أي: إذا كانت الجملة هي نفس المبتدأ في المعنى اكتفى "بها"6 ولم يحتج إلى رابط.
ثم مثل بقوله: ....كنطقي الله حسبي وكفى فنطقي: مبتدأ، والله حسبي، جملة أخبر بها عنه ولا رابط فيها؛ لأنها هي نفس المبتدأ في المعنى. ومن ذلك قولهم: "هجيري أبي بكر لا إله إلا الله"1. وأقول: الذي يظهر -والله أعلم- في هذا ونحوه أنه ليس من الإخبار بالجملة، وإنما هو من الإخبار بالمفرد؛ لأن الجملة في نحو ذلك، إنما قصد لفظها كما قصد حين أخبر "عنها"2 في نحو: "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" 3 فليتأمل4. ثم انتقل إلى حكم المفرد فقال: والمفرد الجامد فارغ.... الخبر المفرد قسمان: جامد ومشتق. فالجامد فارغ "أي"5 من الضمير فلا يتحمل ضميرا خلافا للكسائي. وقوله: وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن أي: يتحمل ضميرا يعود على المبتدأ. فإن قلت: هذا البيت غير محرر، وذلك من خمسة أوجه: الأول: أن الجامد ليس فارغا من الضمير مطلقا بل إذا لم يؤول بمشتق فإن أول به "تحمل"6 الضمير.
والثاني: أن قوله: "فارغ" ليس مبينا لمراده، إذ لا يدرى من ماذا. الثالث: أن قوله: "وإن يشتق" ظاهره أن فاعل يشتق ضمير المفرد الموصوف بالجمود، وذلك غير مستقيم. الرابع: "أنه"1 أطلق أيضا في المشتق، ومن المشتق ما لا يتحمل الضمير كأسماء الآلة والزمان "والمكان"2. الخامس: أنه أطلق في قوله: "فهو ذو ضمير مستكن" وهو مقيد بألا يرفع ظاهرا، فإن رفع الظاهر لم يتحمل ضميرا نحو "زيد قائم أبوه". قلت: الجواب عن الأول: أن ما أول بالمشتق ينزل منزلته وأعطى حكمه فذكر حكم المشتق يغني عن ذكره في مقام الاختصار. وعن الثاني: أن قوله "في المشتق"3 "فهو ذو ضمير مستكن" علم منه أن المراد فارغ من الضمير، لأنه مقابله. وعن الثالث: أن الضمير عائد على الموصوف لا يقيد صفته، ولذلك نظائر. وعن الرابع: أن المراد بالمشتق هنا ما ذكره في شرح التسهيل، قال: والمراد بالمشتق هنا ما دل على متصف مصوغًا عن مصدر مستعمل أو مقدر. واسم الزمان والمكان والآلة ليس من هذا المشتق، وهذا اصطلاح. وعن الخامس: أن البيت الآتي يقيده كما سيأتي ثم قال: وأبرزنه مطلقا حيث تلا ... ما ليس معناه له محصلا أمر بإبراز الضمير إذا جرى على غير من هو له مطلقًا، أي: سواء خيف اللبس "أم أمن"4 مثال ما يخاف فيه اللبس "زيد عمرو ضاربه هو" ومثال ما "لا"5 لبس فيه "زيد هند ضاربها هو".
وأجاز الكوفيون استتاره إن أمن اللبس كالمثال الأخير، ووافقهم الناظم في غير هذا الكتاب. ومن منصور جريانه على غير صاحبه: أن يرفع ظاهرا نحو "زيد قائم أبوه" فقائم خبر عن زيد وهو للأب. فيجب في هذه الصورة "أيضا"1 إبراز الضمير لأنه لا يرفع شيئين ظاهرا، ومضمرا، فالهاء في قوله "أبوه" هو الضمير الذي كان مستكنا، وهذا هو الجواب عن الوجه الخامس. ثم قال: وأخبروا بظرف أو بحرف جر. مثال الظرف "زيد عندك" ومثال حرف الجر مع المجرور "زيد في الدار". واقتصر على ذكر "الحرف"2 لاستلزامه المجرور، ثم "إن"3 الظرف والجار والمجرور ليسا "خبرين"4 في الحقيقة، وإنما الخبر هو العامل فيهما، وأطلق عليهما الخبر لنيابتهما عنه، ولهذا قال: ناوين معنى كائن أو استقر فمن قدر كائنا جعلهما من قبيل الخبر بالمفرد، ومن قدر استقر جعلهما من قبيل "الجملة"5. والأول: اختيار الناظم، ويرجحه أن أصل الخبر الإفراد. والثاني: قول "أكثر"6 البصريين، ويرجحه أن الأصل في العمل، إنما هو للفعل. وقد نسب كل منهما إلى سيبويه. فإن قلت: ما فائدة قوله: "معنى كائن أو استقر"؟
قلت: "التنبيه على أن لفظ كائن أو استقر"1 لا يتعين بل مستقر وثابت وحاصل "ونحوهما"2 ككائن وكان وثبت وحصل ونحوها كاستقر. وضابط ذلك الكون المطلق. ثم قال: ولا يكون اسم زمان خبرا ... عن جثة وإن يفد فأخبرا اسم المكان يخبر به عن الجثة نحو "زيد أمامك" وعن المعنى نحو "العلم أمامك". واسم الزمان يخبر به عن المعنى "الرحيل غدا" ولا يخبر به عن الجثة، لعدم الإفادة، ما لم تقدر إضافة معنى إليها. فيجوز، لأن الإخبار حينئذ، إنما هو في "الحقيقة"3 عن المعنى المقدر كقولهم "الهلال الليلة" أي: طلوع الهلال. "وإلى هذا"4 أشار بقوله: "وإن يفد فأخبرا". وذهب بعضهم إلى أن "الهلال الليلة" لا يقدر فيه مضاف محذوف؛ لأن الهلال يشبه اسم المعنى بالحدوث وقتا دون وقت، فأفاد الإخبار عنه، وإليه ذهب في التسهيل5، وتقدير المضاف في ذلك مذهب البصريين. وقوله: ولا يجوز الابتدا بالنكره ... ما لم تفد............... يعني: أن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة، لأن الإخبار عن النكرة لا يفيد غالبا. فإن أفاد الإخبار عن النكرة جاز الابتداء بها، ولم يشترط سيبويه في الإخبار عن النكرة إلا حصول الفائدة.
وتتبع النحويون مواضع حصول الفائدة، فقالوا: "لا يبتدأ بها"1 إلا بمسوغ، والمسوغات كثيرة، وهي راجعة إلى شيئين: التخصيص والتعميم. وقد أشار بالمثال إلى ستة منها: الأول: تقديم الخبر وهو ظرف مختص نحو "عند زيد نمرة"2 أو "مجرور"3 نحو "في الدار رجل" أو جملة مشتملة على فائدة نحو "قصدك غلامه رجل" ذكره في شرح التسهيل "ولم نره لغيره"4. والثاني: تقدم استفهام نحو "هل فتى فيكم"؟ والثالث: "تقدم نفي"5 نحو "ما خل لنا". والرابع: الوصف نحو "رجل من الكرام عندنا". والخامس: العمل نحو "رغبة في الخبر خير". والسادس: الإضافة "نحو عمل بر يزين. ويصح الاستغناء بالعمل عن الإضافة"6، لأن المضاف عامل "للجر على الأصح"7. ولما لم يذكر جميع المسوغات قال: وليقس ما لم يقل والضابط حصول الفائدة8. ثم قال: والأصل في الأخبار أن تؤخرا. لأن الخبر وصف في المعنى فحقه أن يتأخر: وجوزوا التقديم إذ لا ضررا مثاله "قولهم"9 "تميمي أنا" و"مشنوء من يشنؤك"10.
ومنع الكوفيون تقديم الخبر إلا في "نحو"1 "في داره زيد" وهم محجوجون بالسماع2 وقوله: فامنعه حين يستوي الجزآن ... عرفا ونكرا عادمي بين يعني: أن الخبر يمنع من تقديمه أسباب: وهي خمسة: الأول: أن يستوي الجزآن يعني المبتدأ والخبر في التعريف مثل "صديقي زيد" و"العالم زيد" "أ"3 وفي التنكير مثل "أفضل منك أفضل مني"، ولا قرينة، فلو علم المخبر به "منهما"4 بقرينة جاز "التقديم"5 كقولك "أبو حنيفة أبو يوسف" فأبو حنيفة خبر مقدم، لأن المراد تشبيه أبي يوسف به. والثاني: أن يكون الخبر فعلا يوهم تقديم فاعلية المبتدأ نحو "زيد قام"، فإن لم يوهم نحو "الزيدان قاما" أو "زيد قام أبوه" جاز التقديم، فتقول "قام الزيدان" "وقام أبوه زيد"، لأن إسناد الفعل إلى الضمير أو السببي يعلم منه ابتدائية المتأخر. فإن قلت: تقديم الخبر في نحو "قاما أخواك وقاموا إخوتك" يوهم فاعلية المبتدأ على لغة أكلوني البراغيث. قلت: قال في شرح التسهيل: لا يمنع ذلك من التقديم، لأن تقديم الخبر أكثر من تلك اللغة، والحمل على الأكثر راجح. فإن قلت: أطلق في قوله: كذا إذا ما الفعل كان الخبرا، وهو مقيد بأن "يوهم"6 فاعلية المبتدأ كما سبق. قلت: كأنه استغنى عن "تقييده بتقييد ما قبله"7.
والثالث: أن يقصد استعمال "المبتدأ"1 منحصرا في الخبر بإلا نحو "ما زيد إلا كاتب" أو بإنما نحو "إنما زيد كاتب". وتسامح في جعله الخبر محصورا وإنما محصور فيه. وقد ندر تقديم الخبر المقرون بإلا "مقدما"2 في الضرورة كقول الشاعر: فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى ... عليهم وهل إلا عليك المعول3 أو كان مسندا لذي لام ابتدا ... أو لازم الصدر كمن لي منجدا والرابع: أن يكون الخبر مسندا لمبتدأ مقرون بلام الابتداء لاستحقاقها الصدر نحو: "لزيد قائم". وأما قوله: خالي لأنت ومن جرير خاله4 ... .....................................
فخرج على زيادة اللام أو حذف مبتدأ، أي: لهو أنت. والخامس: أن يكون "الخبر مسندا لمبتدأ"1 لازم الصدر كاسم الاستفهام، واسم الشرط، والمضاف إلى أحدهما، وضمير الشأن، وكم الخبرية. ومثل الاستفهام بقوله "من لي" وأمثلة البواقي ظاهرة. وقوله "أو لازم الصدر" بالجر عطفا على ذي لام ابتدا، والتقدير أو "اللازم للصدر"2. ثم قال: ونحو عندي درهم ولي وطر ... ملتزم فيه تقدم الخبر يعني: أن الخبر قد يلزم تقديمه لأسباب: الأول: أن يكون تقديمه مسوغا للابتداء "بالنكرة"3 نحو "عندي درهم ولي وطر" فمثل بالظرف والجار والمجرور. وزاد في شرح التسهيل الجملة نحو "قصدك غلامه رجل" كما تقدم. والثاني: أن يعود على الخبر ضمير من المبتدأ في نحو "في الدار ساكنها" إذ لو تأخر لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة. "وتقدير"4 كلامه "أنه"5 يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه. يعني: على الخبر ضمير من الشيء الذي يخبر "بالخبر"6 عنه. يعني: من المبتدأ, ودعاه إلى هذه العبارة المشتملة على هذا التعقيد ضيق النظم.
فإن قلت: الضمير في قولك "في الدار ساكنها" أليس عائدا على الخبر؟ لأن الخبر ليس هو المجرور وحده فكان ينبغي أن يقول: كذا إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على ما التبس بالخبر أو على شيء في الخبر أو نحو ذلك. قلت: ما التبس بالخبر "تنزل"1 منزلة جزئه فلذلك اكتفى بذكر الخبر. والثالث: أن يكون مستوجبا للصدر نحو "أين من علمته"؟ و"كيف زيد؟ "، فإن الاستفهام له صدر الكلام. والرابع: أن يكون المبتدأ "محصورا"2 بإلا نحو "ما لنا إلا اتباع أحمد" صلى الله عليه وسلم. "أو معناها"3 وهو "إنما" نحو "إنما قام زيد" وقوله: وحذف ما يعلم جائز ... يعني: أنه جوز حذف كل من المبتدأ والخبر إذا علم. مثال حذف الخبر "زيد" في جواب "من عندكما"؟ والتقدير: زيد عندنا. فلو كان المجاب به نكرة نحو "درهم" ففي شرح التسهيل أن الخبر يقدر بعده قال: ولا يجوز أن يكون التقدير: "عندي درهم"4 إلا على ضعف. ومثال حذف المبتدأ "دنف" في جواب "كيف زيد؟ " أي: هو دنف, "أي: مريض"5 فحذف المبتدأ للعلم به6. فإن قلت: ظاهر قوله: فزيد استغنى عنه إذ عرف أن المقدر هو الاسم الظاهر لا ضميره، والذي جرت به عادة النحويين في ذلك أن يقدروا الضمير.
قلت: تقديره بالظاهر هو الأصل، وإنما قدره النحاة "بالضمير"1 لئلا يتوهم المغايرة. وقوله: وبعد لولا غالبا حذف الخبر ... حتم............................ الأول: بعد "لولا" إذا كان كونا مطلقا "وهو"2 الغالب نحو "لولا زيد لأكرمتك" أي: لولا زيد كائن أو موجود. فإن كان خاصا ولا دليل عليه وجب إثباته. قال المصنف: كقوله عليه الصلاة والسلام: "لولا قومك حديثو عهد بجاهلية "لأقمت البيت"" 3، 4. وإن كان خاصا وله دليل جاز إثباته وحذفه نحو "لولا أنصار زيد حموه لم ينج"5. ومنه قول المعري: .................................. ... فلولا الغمد يمسكه لسالا6
وإلى هذا التفصيل أشار بقوله "غالبا" وهو مذهب الرماني وابن الشجري1 و"الشلوبين"2 ومذهب الجمهور: أن الخبر بعد "لولا" واجب الحذف مطلقا بناء على أنه لا يكون إلا كونا مطلقا، وإذا أريد الكون الخاص "جعل مبتدأ"3 قيل: "لولا قيل زيد لأتيتك" فجعل مبتدأ، ولذلك لحنوا المعريَّ في قوله: "فلولا الغمد يمسكه"4, وحاصل مذهبهم منع الإخبار بالخاص بعد لولا، وتأول ابن أبي الربيع قوله: في الحديث: ""لولا" 5 قومك حديث عهد بكفر لأقمت البيت". على أن "حديث عهد" مبتدأ وخبر وهي جملة مقدمة من تأخير، والتقدير: لولا قومك "لأ"6 قمت البيت على قواعد إبراهيم, ثم قال عهدهم بالكفر حديث. قال: على أن هذه الرواية لم أرها من طريق صحيح، والروايات "المشهورات"7 في
ذلك "لولا حدثان قومك، ولولا حداثة قومك، ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية" ونحو ذلك. والثاني: بعد مبتدأ هو نص في القسم نحو "لعمرك لأفعلنَّ"1 أي لعمرك قسمي، وسد الجواب مسده. والثالث: "بعد "واو" مع "الناصة على المعية" نحو كل صانع "وما صنع"2 أي مقرونان خلافا لمن لم يقدر3 في "نحو"4 هذا خبرا. والرابع: قبل حال لا يصلح جعلها خبرا عن المبتدأ المذكور. وشرط ذلك: أن يكون المبتدأ مصدرا عاملا في مفسر صاحب الحال نحو "ضربي العبدَ مسيئا" فمسيئا حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف, وذلك الضمير يعود على العبد، وهو معمول للمصدر. والتقدير عند سيبويه5 إذا كان مسيئا، فالمصدر إذا عامل في العبد "الذي هو"6 مفسر صاحبها. أو يكون المبتدأ مضافا إلى المصدر إضافة بعض لكل أو كل لجميع نحو "أكثر ضربي زيدا قائما" أو "كل ضربي زيدا قائما"و "أقل شربي السويق ملتوتا"7، "وبعض ضربي زيدا قائما".
والغرض أن يكون المضاف مصدرا في المعنى، ولا يختص ذلك بأفعل التفضيل. وإلى هذا أشار بقوله: .............................. وأتم ... تبييني الحق منوطا بالحكم والتقدير: إذا كان منوطا، وإن أردت الماضي قدرت إذ كان، هذا مذهب سيبويه، وكان المقدرة تامة. فإن قلت: فهلا كانت ناقصة والمنصوب خبر؛ لأن حذف الناقصة أكثر؟ قلت: منع ذلك أمران: التزام تنكيره ووقوع الجملة الاسمية مقرونة بالواو موقعه كقول الشاعر: خير اقترابي من المولى حليف رضا ... وشر بعدي عنه وهو غضبان1 وذهب الأخفش إلى أن الخبر المحذوف مصدر مضاف إلى ضمير صاحبها، والتقدير: ضربي زيدا ضربه قائما، واختاره في التسهيل2، ولم يتعرض هنا لمواضع وجوب حذف المبتدأ.
وذكر في غير هذا "الكتاب"1 أربعة مواضع: الأول: ما أخبر عنه بنعت مقطوع2. والثاني: ما أخبر عنه بمخصوص نعم3. والثالث: ما أخبر عنه بمصدر بدلا من اللفظ بفعله نحو: "سمع وطاعة"4. والرابع: ما أخبر عنه بصريح في القسم كقولهم: "في ذمتي لأفعلنَّ"5، 6. وقد ذكر الأولين في هذا النظم في موضعهما. وقوله: وأخبروا باثنين أو بأكثرا ... عن واحد................. يعني "عن غير"7 متعدد وذلك شامل لصورتين: إحداهما: متفق على جوازها "وهي"8 أن يتعدد الخبر لفظا ويتحدد معنى9 نحو: "الرمان"10 حلو حامض، ولا يجوز "فيها"11 العطف خلافا لأبي عليّ12. والأخرى: مختلف فيها "وهي"13 أن يتعدد لفظا ومعنى، نحو: "هم سراة شعرا".
والصحيح جوازها بعطف وبغير عطف، خلافا لمن منعها بغير عطف. وأما "إذا"1 تعدد الخبر لتعدد ما هو له حقيقة "أ"2 وحكما فلا بد من العطف نحو: بنوك فقيه وكاتب وشاعر. ومثال الحكم قوله تعالى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ ... } إلخ3.
كان وأخواتها
كان وأخواتها: لما فرغ من أحكام المبتدأ والخبر أخذ يبين "نواسخهما"1 وهي ثلاثة أقسام: قسم يرفع المبتدأ وينصب الخبر وهو كان وأخواتها، وما الحجازية "وأخواتها"2 وأفعال المقاربة. وقسم ينصب المبتدأ ويرفع الخبر وهو "أن" وأخواتها و"لا" النافية للجنس. وقسم ينصبهما معا وهو ظننت وأخواتها، وأعلم وأخواتها. وقد ذكر هذه النواسخ في سبعة أبواب وبدأ بكان وأخواتها فقال: ترفع كان المبتدا اسما والخبر ... تنصبه ككان سيدا عمر لا خلاف في أنها تنصب الخبر، ومذهب البصريين أنها رفعت الاسم خلافا للكوفيين3. ثم ذكر أخواتها فقال: "ككان ظل" أي: ظل وما بعدها مثل كان في رفع الاسم ونصب الخبر. وهذه الأفعال ثلاثة أقسام: قسم يعمل العمل المذكور بلا شرط وهي"ثمانية"4 أولها كان "وآخرها"5 ليس. وقسم يعمل بشرط تقدم نفي أو شبهه وهي الأربعة التي بعد ليس. وقسم يعمل بشرط أن يقع صلة "لما" الظرفية وهو "دام". وفهم هذا من النظم واضح، وشمل قوله: بعد نفي، كل نفي، وشبه النفي هو النهي نحو: .....لا تزل ذاكر الموت6 ... ...........................
والدعاء نحو: ولا زال منهلا بجرعائك القطر1 فإن قلت: أطلق في قوله: ومثل كان دام مسبوقا بما وينبغي أن يفيد فيقول: المصدرية الظرفية. قلت: أحال على المثال، فإنه إنما مثل للتقييد. وقوله: وغير ماض مثله قد عملا يعني أن ما تصرف منها كالمضارع والأمر يعمل عمل الماضي.
ثم أشار إلى أن منها ما لا يتصرف بقوله: إن كان غير الماضي منه استعملا وكلها تتصرف إلا ليس باتفاق1 ودام على الصحيح2. وقوله: وفي جميعها توسط الخبر ... أجز............................. يعني: أن خبر هذه الأفعال أصله التأخير ويجوز توسطه بينها وبين الاسم في جميعها حتى في "ليس" و"ما دام" كقوله: ................................. ... فليس سواء عالم وجهول3 وقول الآخر: لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته بادكار الموت والهرم4
وحكى المصنف الإجماع على جواز توسط خبر "ليس" تبعا للفارسي وفيه خلاف "ضعيف"1, والقاطع بالجواز قراءة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} 2، 3. ومنع ابن معط4 توسط خبر "ما دام" ونسب إلى الوهم إذ لم يقل به غيره5. وقوله: .... وكل سبقه دام حظر أي: كل النحاة أو العرب منع تقديم الخبر على "دام" وحظر بمعنى منع، ولذلك صورتان: إحداهما: أن يتقدم على "ما" ولا خلاف في منعها.
والأخرى: أن يتقدم على"دام" بعد "ما". وظاهر كلامه أنه مجمع على منعها "أيضا"1، وفيه نظر. لأن المنع معلل بعلتين: إحداهما، عدم تصرفها "وهذا بعد تسليمه لا ينهض مانعا باتفاق، بدليل اختلافهم في "ليس" مع الإجماع على عدم تصرفها". والأخرى: أن "ما"2 موصول حرفي ولا يفصل بينه وبين صلته، وهذا أيضا مختلف فيه، وقد أجاز كثير "من النحويين"3 الفصل بين الموصول الحرفي وبين صلته إذا كان غير عامل "كما" المصدرية4. ثم قال: كذاك سبق خبر ما النافية يعني أنه يمنع تقديم خبر المقرون بما النافية على "ما" لأن "ما" لها صدر الكلام، فلا يجوز أن يقال: "فاضلا ما كان زيد" "ولا جاهلا ما زال عمرو". وقال في شرح الكافية5: وكلاهما جائز عند الكوفيين؛ لأن "ما" عندهم لا يلزم تصديرها، ووافق ابن كيسان البصريين في "ما كان" ونحوه وخالفهم في "ما زال" ونحوه لأن "نفيها"6 إيجاب. فإن قلت: قوله "كذاك" يوهم أنه مجمع عليه لتشبيهه "بالمجمع"7 عليه قلت: إنما أراد أن هذا مثل ذاك في المنع لا في كونه مجمعا عليه. أما الخلاف في "ما زال" وأخواتها فشهير. وأما "ما كان" ونحوها فحكى في البسيط: الاتفاق على منع تقديم خبرها على "ما" وقد تقدم نقل الخلاف. وفهم من كلام الناظم مسألتان:
الأولى: أنه يجوز توسط الخبر بين "ما" والمنفي بها نحو "ما عالما "كان"1 زيد". ومنعه بعضهم، والصحيح الجواز. الثانية: أن النافي إن كان غير "ما" جاز التقديم2. قال في شرح الكافية: عند الجميع، وحكى الخلاف عن الفراء في التسهيل3. فإن قلت: ما فائدة قوله: فجيء بها متلوة لا تالية قلت: تقرير الحكم وتوكيده والتنبيه على علة منع التقديم، وهو أن "ما" لها صدر الكلام فتكون متبوعة لا تابعة. ثم قال: ومنع سبق خبر ليس اصطفى يعني أن المختار "منع"4 تقديم خبر ليس عليها "وفاقا"5 للكوفيين والمبرد وابن السراج والسيرافي والزجاج والفارسي في الحلبيات6 والجرجاني7 وأكثر المتأخرين، وذلك لضعفها بعدم التصرف وشبهها "بما" النافية8.
تنبيه: ينبغي أن يكون الخلاف في غير "ليس" المستثنى بها، بل ينبغي أن يمنع التقديم "فيها"1 قولا واحدا, واقتضى سكوته عن سائر أفعال الباب، أنه يجوز تقديم خبرها عليها. ثم إن أفعال هذا الباب قسمان: أحدهما: يستعمل تاما وناقصا، والآخر لا يستعمل إلا ناقصا. فأشار إلى ذلك بقوله: وذو تمام ما برفع يكتفي أي: التام من هذه الأفعال: هو ما اكتفى بالمرفوع، ولم يفتقر إلى منصوب نحو: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} 2. "وما سواه ناقص" وهو الذي لا يكتفي بالمرفوع. ولهذا سميت هذه الأفعال ناقصة لا لأنها "سلبت"3 الدلالة على المصدر خلافا لجمهور البصريين لوجود مصدرها عاملا "عملها"4 في قوله: ............................... ... وكونك إياه عليك يسير5
ثم قال: ................. والنقص في ... فتئ ليس زال دائما قفي يعني: أن هذه "الأفعال"1 الثلاثة, أعني ليس وزال وفتئ تلزم النقص ولا تستعمل تامة. وأجاز الفارسي في الحلبيات: وقوع "زال" تامة قياسا لا سماعا. ثم قال: ولا يلي العامل معمول الخبر ... إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر هذا مذهب البصريين، والعامل هنا هو "كان وأخواتها" فلا يجوز "كان طعامك زيد آكلا" "لأنه"2 ليس بظرف ولا مجرور، فإن كان ظرفا أو مجرورا نحو "كان عندك أو في الدار زيد قائما" جاز للتوسع في الظرف والمجرور. وأجاز الكوفيون "طعامك زيد آكلا" ونحوه، واحتجوا بقول الشاعر: قنافذ هداجون حول بيوتهم ... بما كان إياهم عطية عودا3
فأولَى كان "إياهم" وهو معمول الخبر. وهذا ونحوه متأول عند البصريين، وقد أشار إلى تأويله بقوله: ومضمر الشان اسما انو إن وقع ... موهم ما استبان أنه امتنع يعني: "إذا"1 وقع شيء موهم جواز ما منعناه كالبيت المتقدم، فانو في العامل ضمير شأن يحول بينه وبين المعمول، والجملة بعده خبر، فيكون اسم كان في البيت ضمير شأن منوي "وعطية" مبتدأ و"عود" خبره, "وإياهم" معمول عود والجملة خبر كان. وقد قيل في البيت غير هذا. ووافق بعض البصريين على جواز إيلاء المعمول هذه الأفعال إن تقدم الخبر على الاسم نحو: "كان طعامك آكلا زيد". ثم قال: وقد تزاد كان في حشو كما ... كان أصح علم من تقدما
"ما" مبتدأ "وأصح" خبره "كان" زائدة بين جزءي الجملة. وفهم من قوله: "تزاد كان" أنها إنما تزاد بلفظ الماضي1 وقد "ندر"2 زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل: أنت تكون ماجد نبيل3 ... ............................ وفهم من قوله: "في حشو" أنها لا تزاد في غيره خلافا للفراء في إجازته زيادتها آخرا4. وفهم من تخصيص الحكم بها أن غيرها لا يزاد، وقد شذ زيادة "أصبح، وأمسى"5. وأجاز بعضهم زيادة "أضحى" وسائر أفعال الباب إذ لم ينقص المعنى. ثم قال: ويحذفونها ويبقون الخبر ... وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر
كثر في "كلامهم"1 حذف "كان" مع اسمها وإبقاء خبرها بعد "إن" الشرطية كقولهم "المرء مجزئ بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر" أي: إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير. وفي هذا المثال ونحوه أربعة أوجه: الأول: نصب الأول ورفع الثاني، وهو أرجحها؛ لأن فيه إضمار "كان" واسمها بعد "إن" وإضمار مبتدأ بعد فاء الجزاء وكلاهما كثير مطرد. والثاني:2 عكسه، وهو أضعفها؛ لأن فيه إضمار "كان" وخبرها بعد "إن" وإضمار ناصب مع المبتدأ بعد الفاء، وكلاهما قليل. "ولذلك"3 لم يذكره سيبويه4. والثالث: رفعهما. والرابع: نصبهما وهما متوسطان. ومذهب الشلوبين: أنهما متكافئان, وقال ابن عصفور: إن رفعهما أحسن من5 نصبهما، والمسألة مشهورة. وبعد "لو" كقوله: لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا ... جنوده ضاق عنها السهل والجبل6
أي: ولو كان الباغي ملكا. وقل حذفها "مع"1 غير "إن" و"لو" ومنه قول الراجز: من لد شولا فإلى إتلائها2 أي: من لد أن كانت شولا3. ثم قال:
وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب ... كمثل أما أنت برا فاقترب يعني: أن "كان"1 حذفت أيضا بعد "أن" المصدرية، "وأبقى"2 اسمها وخبرها وعوض عنها "ما" فصار حذفها واجبا، إذ لا يجمع بين العوض والمعوض خلافا للمبرد في إجازته "أما أنت منطلقا انطلقت"3 ويجعل "ما" زائدة. والأصل في قوله: أما أنت برا فاقترب، لأن كنت برا. فحذف لام التعليل لأن حذفها مع "أن" مطرد، ثم حذف "كان" فانفصل الضمير المتصل بها لحذف عامله ثم عوض "عنها"4 "ما" فأنت اسمها وبرا خبرها. ثم قال: ومن مضارع لكان منجزم ... تحذف نون وهو حذف ما التزم مضارع "كان" يكون, فإذا دخل "عليه"5 الجازم سكنت نونه، ثم حذفت الواو، لالتقاء الساكنين نحو "لم يكن"6، ثم بعد ذلك يجوز حذف نونه تخفيفا لكثرة الاستعمال مطلقا عند يونس وبشرط أن يكون بعدها متحرك عند سيبويه7, ويشهد ليونس قول الشاعر: فإن لم تك المرآة أبدت وسامة ... فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم8
قال المصنف: وبقوله أقول؛ إذ لا ضرورة في البيت لإمكان أن يقال: فإن لم تكن المرآة أخفت وسامة1، إلا أن الإثبات قبل الساكن أكثر وبه ورد القرآن2. فإن قلت: هل حذف النون مخصوص بالناقصة؟ قلت: لا، بل هو كثير في الناقصة. ومن وروده في التامة قوله تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} 3.
فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس
فصل في "ما ولا ولات وإن المشبهات بليس": هذه الأحرف من باب "كان" وإن فصلت عنها؛ لأنها "حروف"1 وتلك أفعال. قال: إعمال ليس أعملت ما دون إن ... مع بقا النفي وترتيب زكن "ما" النافية حرف مهمل عند "بني"2 تميم، وهو القياس، لعدم اختصاصه3. وألحقه أهل الحجاز بليس؛ لأنها لنفي الحال غالبا, فأعملوه عملها، وبه "ورد"4 القرآن، قال تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} 5, {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} 6. ومن أعملها شرط في إعمالها شروطا: الأول: فقد "إن" الزائدة، فلو وجدت بطل العمل نحو: "ما إن زيد قائم". قال في شرح التسهيل: دون خلاف، وحكى غيره عن الكوفيين إجازة النصب. والثاني: بقاء النفي، فلو انتقص "النفي"7 بإلا بطل العمل نحو: "ما زيد إلا قائم". والثالث: الترتيب، وهو "تقديم"8 الاسم على الخبر، فلو تقدم الخبر "عليه"9 بطل العمل نحو "ما قائم زيد".
وفي هذين الشرطين خلاف. قال في شرح التسهيل: وقد تعمل متوسطا خبرها، وموجبا بإلا, وفاقا لسيبويه في الأول، وليونس في الثاني. والرابع: ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها ما لم يكن ظرفا أو مجرورا، فإن تقدم وليس بظرف ولا مجرور بطل العمل نحو: "ما طعامك زيد آكل"1. وأجاز ابن كيسان نصب "آكل" ونحوه "مع"2 تقديم المعمول. فإن قيل: وينبغي لمن أجاز تقديم الخبر، أن يجيز تقديم "معموله"3. "قلت: ليس بلازم"4؛ "لأنه"5 يلزم من تقديم المعمول إيلاء العامل معمول غيره، ولا يلزم ذلك "مع"6 تقديم الخبر. فإن كان المعمول ظرفا أو مجرورا جاز تقديمه على الاسم مع بقاء العمل نحو: "ما عندك أحد قائما"، "وما بي أنت معنيا". فإن قلت: من أين يؤخذ "هذا"7 الشرط الرابع من كلامه؟ قلت: من قوله: وسبق حرف جر.... البيت، فإن مفهومه أن معمول الخبر إن لم يكن ظرفا أو مجرورا، فإن لا يجوز تقديمه مع بقاء العمل، ثم قال: ورفع معطوف بلكن أو ببل ... من بعد منصوب بما الزم حيث حل
إذا عطف على منصوب ما وهو خبرها "ببل أو لكن" وجب رفع المعطوف وجعل خبر مبتدأ محذوف، لأن المعطوف بهما موجب و"ما" لا تعمل في الموجب، فإن عطف بحرف لا يوجب كالواو والفاء "نصب المعطوف"1. واعلم أن الناظم تجوز في تسمية ما بعد "بل ولكن" معطوفا، وليس "هو"2 بمعطوف بل هو خبر مبتدأ "وبل ولكن" حرفا ابتداء. ثم قال: وبعد ما وليس جر البا الخبر ... وبعد لا ونفي كان قد يجر مثاله بعد "ما" {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} 3. "ولا خلاف في زيادة "الباء" بعد "ما" الحجازية، ومنع الفارسي والزمخشري زيادتها بعد "ما" التميمية، والصحيح الجواز لوجود ذلك في أشعار بني تميم"4. وبعد "ليس" "نحو"5 {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} 6. وبعد "لا" قول سواد بن قارب: فكن لي شفيعا يوم لاذو شفاعة ... بمغن فتيلا عن سواد بن قارب7
"واختلف في زيادتها بعد "لا" النافية للجنس، فأجازه بعضهم مستدلا بقول: "لا خير بخير بعده النار"1 ومنعه آخرون وجعلوا الباء ظرفية"2. وبعد نفي "كان" كقوله: وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل3
وهو كثير بعد "ليس" و "ما" "وقلَّ"1 بعد "لا" و"كان المنفية" ولذلك قلله بقد. ثم قال: في النكرات أعملت كليس لا يعني: أن "لا" تعمل عمل "ليس" فترفع الاسم وتنصب الخبر، بشرط أن يكون "اسمها"2 نكرة كقوله: تعز فلا شيء على الأرض باقيا3 ... ........................................ خلافا للمبرد ومن وافقه في منعهم إعمالها "عمل"4 "ليس"5 وأما قول النابغة الجعدي:
وحلت سواد القلب لا أنا باغيا ... سواها ولا في حبها متراخيا1 فظاهره أنه أعملها في المعرفة. وأجاز في شرح التسهيل القياس عليه، وأجازه ابن جني وتأوله المانعون2. ثم قال: وقد تلي لات وإن ذا العملا يعني أن "لات" "وإن" "قد"3 يرفعان الاسم وينصبان الخبر. أما "لات" فأثبت سيبويه4 والجمهور عملها، ونقل "منعه"5 عن الأخفش، وهي مركبة عند سيبويه من "لا" النافية "والتاء"6.
وأما "إن" فأجاز إعمالها إعمال "ليس" الكسائي وأكثر الكوفيين وطائفة من البصريين، ومنعه جمهور البصريين، واختلف عن سيبويه والمبرد، والصحيح الإعمال1, وقد سمع في النثر والنظم, فمن النثر، قولهم: ""إن"2 ذلك نافعك ولا ضارك، وإن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية"3. وقال أعرابي: "إن قائما" يريد إن أنا قائما. وجعل ابن جني من ذلك قراءة سعيد بن جبير4: "إنِ الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم"5، 6. والنظم قوله: إن هو مستوليا على أحد7 ... ..................................
وقول الآخر: إن المرء ميتا بانقضاء حياته ... ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا1 وبهذا تبين بطلان قول من قال إنه لم يأت منه "إن هو مستوليا" وتخصيصه ذلك بالضرورة. ونص المصنف على أن "عمل"2 "لا" أكثر من عمل "إن" والعكس أقرب إلى الصواب3.
ثم قال: وما للات في سوى حين عمل يعني أن "لات" تختص بأسماء الأحيان فلا تعمل في غيرها. ثم أشار إلى أن حذف اسمها وإبقاء خبرها كثير، وأن عكسه قليل بقوله: وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل فمن حذف مرفوعها قوله تعال: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} 1. ومن حذف منصوبها قراءة من قرأ: "ولا حين مناص" "بالرفع"2 ولم يثبتوا بعدها الاسم والخبر جميعا.
أفعال المقاربة
أفعال المقاربة: سميت أفعال المقاربة، وإن كان منها ما ليس للمقاربة تغليبا. وهي ثلاثة أقسام: قسم لرجاء الفعل وهي "عسى وحرى واخلولق" فهذه الثلاثة للإعلام بالمقاربة على سبيل الرجاء. وقسم لمقاربة الفعل وهو "كاد وكرب وأوشك". وقسم للشروع فيه وهو "أنشأ وطفق وأخذ وجعل وعلق". وهذه الأفعال من باب "كان" لأنها ترفع الاسم وتنصب الخبر، إلا أن خبرها لا يكون في الغالب إلا فعلا مضارعا. وقد أشار إلى ذلك بقوله: ككان كاد وعسى. يعني أنهما مثل "كان" في رفع الاسم ونصب الخبر. ثم قال: ................. لكن ندر ... غير مضارع لهذين خبر فأشار إلى الفرق بينهما وبين "كان". ومن وروده غير مضارع قوله: ...................................... ... لا تكثرن إني عيسيت صائما1
وقول الآخر: فأبت إلى فهم وما كدت آئبا1 ... ................................... وذلك منبهة على الأصل. ثم قال: وكونه بدون أن بعد عسى ... نزر............................ يعني أن الأكثر في المضارع الواقع خبر عسى اقترانه "بأن" وكونه بدون "أن" قليل، ومنه: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب2
وجمهور البصريين على "أن" حذف أن بعد "عسى" ضرورة، وظاهر كلام سيبويه1 "أنه"2 لا يختص بالشعر. ثم قال: ... وكاد الأمر فيه عكسا يعني: أن اقتران المضارع بعدها بـ"أن" قليل. ومنه: ............................................ ... قد كاد من طول البلى أن يمصحا3
وظاهر كلام المصنف جواز ذلك، وخصه المغاربة بالضرورة. ثم قال: وكعسى حرى, أي: في المعنى؛ لأنها للرجاء كما سبق. ............... ولكن جعلا ... خبرها حتما بأن متصلا فيقال "حري زيد أن يفعل"، ولا يجوز "حري زيد يفعل"، وقل من ذكر "حري". ثم قال: وألزموا اخلولق أن مثل حري فيقال: "اخلولق زيد أن يفعل"، ولا يجوز "اخلولق زيد يفعل". ثم قال: وبعد أوشك انتفا "أن" نزرا, فهي مثل "عسى" في ذلك ومن انتفاء "أن" بعدها قوله: يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها1 ثم قال: ومثل كاد في الأصح كربا
يعني: أن إثبات "أن" بعدها قليل ومنه: .................................... ... وقد كربت أعناقها أن تقطعا1 ولم يذكر سيبويه2 في خبر "كرب" إلا التجرد، وإليه أشار بقوله: "في الأصح" والمشهور "في "كرب" فتح الراء وقد حكي كسرها. ثم قال: وترك أن مع ذي الشروع وجبا وذلك لأن الفعل معها حال "وأن" للاستقبال, ثم ذكر أفعال الشروع فقال: كأنشأ السائق يحدو وطفق ... كذا جعلت وأخذت وعلق
أو يقال: "طفق" بكسر الفاء وفتحها, وطبق بالباء أيضا, فإن قلت: فقد ذكر في التسهيل من أفعال الشروع "هب وقام"1. قلت: هما غريبان، وأيضا "فإنه"2 لم يدع الحصر. قال: واستعملوا مضارعا لأوشكا ... وكان لا غير وزادوا موشكا جميع أفعال المقاربة لا تتصرف "إلا"3 "كاد وأوشك" فإن لهما مضارعا وهو "يكاد ويوشك" واسم فاعل وهو "موشك وكائد"4. ولم يذكر هنا اسم فاعل "كاد" وقال في "الكافية"5 الكبرى "واحفظ كائدا وموشكا". ذكر الجوهري6 مضارع "طفق"7 قال المصنف: ولم أره لغيره، والظاهر أنه قال رأيا، وقد حكى مضارع "جعل"8.
ثم قال: بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد ... غنى بأن يفعل عن ثان فقد يجوز إسناد هذه الثلاثة إلى "أن يفعل" فتستغنى به عن الخبر نحو "عسى أن يقوم" فأن وصلتها في موضع رفع "بعسى"1, وسدت مسد الجزأين. فإن قلت: إذا أسندت هذه الثلاثة إلى "أن" والفعل, فهل هي تامة أو ناقصة؟. قلت: فيها خلاف2، ذهب قوم إلى أنها تامة، والمرفوع فاعلها. قال في شرح التسهيل: الوجه عندي أن تجعل "عسى" ناقصة أبدا، وإذا أسندت إلى "أن" والفعل وجه بما يوجه به وقوع حسب عليهما في نحو: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} 3. ثم قال: وجردن عسى أو ارفع مضمرا ... بها إذا اسم قبلها قد ذكرا إذا بنيت هذه الثلاثة على اسم قبلها جاز إسنادها إلى ضميره، وجعل أن يفعل خبرا وجاز إسنادها "إلى أن يفعل"4 مكتفى به، وتكون مجردة من الضمير5.
ويظهر أثر ذلك في التأنيث والتثنية والجمع، فتقول على الأول: "هند عست أن تفعل" "والزيدان عسيا أن يفعلا", "والزيدون "عسوا"1 أن يفعلوا". وتقول على الثاني: "عسى" بالتجريد في الأحوال كلها. ثم قال: والفتح والكسر أجز في السين من ... نحو عسيت وانتقا الفتح زكن يجوز كسر سين "عسى" وفتحها، إذا اتصل بها ضمير مرفوع لمتكلم، أو مخاطب أو "غائبات"2 والفتح أكثر، ولذلك قال: "وانتقا الفتح زكن". أي: واختيار الفتح علم، وبالكسر قرأ نافع3. ثم انتقل إلى القسم الثاني من نواسخ الابتداء فقال:
إن وأخواتها
إن وأخواتها: لإن أن ليت لكل لعل ... كأن عكس ما لكان من عمل يعني: أن "كان" ترفع الاسم وتنصب الخبر، وهذه الأحرف تنصب الاسم وترفع الخبر خلافا للكوفيين في قولهم إن الخبر باق على رفعه، وبعض العرب ينصب بهذه الأحرف الجزأين معا، وحكى ابن السيد1 أن ذلك لغة2. وأما معاني هذه الأحرف "فإن وأن" للتوكيد, "ولكن" للاستدراك، وليست مركبة على الأصح, "وليت" للتمني, ويكون في الممكن والمستحيل ولا يكون في الواجب، "لعل" للترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه، ولا يكون إلا في الممكن, ولا تكون للتعليل3 ولا للاستفهام4، ولا للشك عند البصريين خلافا لمن قال بذلك5، وليست مركبة على الأصح6. و"كأن" للتشبيه ولا تكون للتحقيق ولا للتقريب، ولا للظن7, خلافا لمن قال بذلك، وهي مركبة من "كاف" التشبيه، "وأن" قيل: بلا خلاف، وليس بصحيح8 بل "قيل"9 ببساطتها.
ثم مثل بقوله: كإن زيدا عالم بأني ... كفء ولكن ابنه ذو ضغن وتمثيل البواقي سهل، قال: وراع ذا الترتيب إلا في الذي ... كليت فيها أو هنا غير البذي الإشارة إلى تقديم الاسم وتأخير الخبر. يعني: أنه لا يجوز تقديم خبرها على اسمها لضعفها إلا إذا كان ظرفا نحو "ليت هنا غير البذي" أو مجرورا نحو "ليت فيها غير البذي". وإنما جاز تقديم الظرف والمجرور للتوسع فيهما، ولأنهما في الحقيقة ليسا بالخبر بل معمولاه. قال في العمدة1: ويجب أن يقدر العامل في الظرف بعد الاسم كما يقدر الخبر وهو غير ظرف. ثم قال: وهمز إن افتح لسد مصدر ... مسدها وفي سوى ذاك اكسر "إن" المكسورة أصل، والمفتوحة فرعها على أصح الأقوال، فلذلك يستدام كسرها ما لم تؤول هي ومعمولها بمصدر فتفتح وجوبا إن لزم التأويل نحو "بلغني أنك فاضل" أي: فضلك، وجوازا إن لم يلزم, وذلك في مواضع ستأتي. وقد نبه "على مواضع"2 الكسر فقال: فاكسر في الابتدا...... يعني: في ابتداء الكلام حقيقة نحو: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} 3 أو حكما نحو: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} 4. ثم قال: ...... وفي بدء صله
يعني: أول صلة موصول كقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ} 1 واحترز بالبدء من نحو: "جاء الذي في ظني أنه فاضل". ثم قال: وحيث إن ليمين مكمله يعني: إذا وقعت جواب قسم مطلقا مع "اللام" أو دونها نحو: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 2 ونحو: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} 3. فإن قلت: فقد ذكر بعد هذا جواز الفتح والكسر "بعد"4 اليمين إذا لم توجد "اللام" فيكون إطلاقه هنا مقيدا بما بعد كما قال بعضهم. قلت: الصحيح وجوب كسرها إذا وقعت جواب القسم مطلقا، فإطلاقه صحيح ولا يعارضه إجازته للوجهين بعد؛ لأن من فتح لم يجعلها جوابا، وسيأتي بيانه5. ثم قال: أو حكيت بالقول...... مثاله: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ} 6: فإن سيقت بعد القول للتعليل فتحت، لأنها غير محكية نحو: "أخصك بالقول أنك ذكي" أي لأنك "ذكي"7 وعنه احترز بقوله "حكيت". واحترز أيضا من القول "المضمن"8 معنى الظن، فإنه يجوز بعد الفتح والكسر. بقوله: أتقول إنك بالحياة ممتع9 ... ...............................
فمن فتح جعل القول عاملا و"إن" غير محكية، ومن كسر حكى به، لأن الحكاية بالقول مع استيفاء شروط إجرائه مجرى الظن جائزة. ثم قال: أو حلت محل حال..... يعني: مع واو، ونحو قوله "كزرته وإني ذو أمل" أو دون "واو" كقوله تعالى: {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 1. وكسروا من بعد فعل علقا ... باللام كاعلم إنه لذو تقى حق أن بعد أفعال القلوب أن تفتح ما لم يعلق الفعل باللام فيجب كسرها نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} 2، وكقوله "اعلم إنه لذو تقى" فلولا اللام لفتحت, فهذه ستة مواضع يجب "فيها"3 كسرها. وزاد المصنف في غير هذا الكتاب سابعا، وهو أن تقع خبر اسم عين4 نحو: "زيد أنه فاضل".
وزاد غيره ثامنا وهو بعد "حيث"1. "قال وقد أولع عوام الفقهاء بالفتح بعدها". قلت2: "ويتخرج على مذهب الكسائي"3. ثم انتقل إلى مواضع الوجهين فقال: بعد إذا فجاءة أو قسمِ ... لا لام بعده بوجهين نمي مثال ذلك بعد "إذا" قول الشاعر: وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم4 يروى بالكسر على عدم التأويل، وبالفتح على تأويل أن "ومعموليها"5 بمصدر مرفوع بالابتداء والخبر محذوف.
قال المصنف: والكسر أولى؛ لأنه لا يحوج إلى تقدير. قلت: وذهب قوم إلى أنها هي الخبر، وعلى هذا فلا تقدير في الفتح أيضا فيستوي الوجهان. ومثال ذلك بعد القسم قول الشاعر: أو تحلفي بربك العلي ... أني أبو ذيالك الصبي1 يروى بالكسر على جعل أن جواب القسم "وبالفتح على تأويل أن بمصدر معمول لفعل القسم"2 بإسقاط الخافض. أي: على أني. وقد اتضح بهذا: أن من فتح لم يجعلها الجواب، وذلك لأن الفتح متوقف على كون المحل "معنيا"3 فيه المصدر عن "أن" وصلتها، وجواب القسم ليس كذلك؛ فإنه لا يكون إلا جملة4.
قال في شرح التسهيل: فإن ورد الفتح في جواب قسم حكم بشذوذه، "وحمل"1 على إرادة "على". فإن قلت: فهل يجوز الفتح في نحو: "والله إن زيدا قائم"؟ قلت: قد حكى عن الكوفيين تفضيله على الكسر "في"2 هذا المثال وعن بعضهم تفضيل الكسر عليه. ومذهب البصريين أن الكسر لازم، وهو الصحيح3. قال ابن خروف: لم يسمع فتحها بعد اليمين "ولا"4 وجه له، وهو كما قال: وشبهة من أجاز الفتح في المثال المذكور ونحوه سماع الفتح في نحو "حلفت أن زيدا قائم". فكما جاز الفتح مع التصريح بالفعل "كذلك"5 يجوز مع تقديره؛ لأن الفعل مقدر في المثال المذكور ونحوه. قيل: وذلك غلط؛ لأن من فتح بعد "حلفت"6 لم يجعلها قسما بل إخبارا عن قسم، ولا يتصور ذلك في حلفت المضمرة؛ لأن العرب لا تضمر حلفت وتريد بها غير القسم. ثم كمل مواضع الوجهين فقال: مع تلو فا الجزا. مثال ذلك قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ 7 فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 8 الفاء جواب قوله من عمل، وقد قرئ بالوجهين فالكسر على جعل ما بعد الفاء جملة تامة, والفتح على
تقديرها بمصدر هو خبر مبتدأ محذوف. أي: فجزاؤه "الغفران"1 أو مبتدأ وخبره محذوف. والكسر أحسن في القياس. قال المصنف: ولذلك لم يجئ الفتح في القرآن إلا مسبوقا "بأن" المفتوحة. .......................... وذا يطرد ... في نحو خير القول أني أحمد فالكسر على تقدير: "أول قول أفتتح به هذا المفتتح أني، والفتح على تقدير"2 أول قولي حمد الله. فعبارة الفتح تصدق على كل لفظ تضمن حمدا، وعبارة الكسر لا تصدق على حمد بغير هذا اللفظ الذي أوله "إني" وقد قيل: في وجه الكسر غير هذا، وما ذكرته هو التحقيق. وضابط ما يجوز فيه الوجهان من هذا النوع أن تقع "إن" خبر قول "ويكون"3 خبرها قولا فلو كان غير قول تعين الكسر نحو: "أول قولي إنك ذاهب". ثم قال: وبعد ذات الكسر تصحب الخبر ... لام ابتداء نحو إني لوزر دخول هذه "اللام" بعد "إن" المكسورة متفق عليه، وأجاز بعضهم دخولها بعد المفتوحة، وحكى عن المبرد، وهو خلاف شاذ، وما سمع منه محمول على الزيادة4. وأجاز الكوفيون: دخولها بعد "لكن" وما احتجوا به متأول5. وقوله "لام ابتداء" يعني أن هذه اللام هي لام الابتداء، وإنما أخرت إلى الخبر كراهة الجمع بين حرفين لمعنى واحد خلافا لمن قال: هذه غير تلك.
وقوله: "تصحب الخبر" مقيد بقوله: ولا يلي ذا اللام ما قد نفيا ... ولا من الأفعال ما كرضيا والخبر ضربان: مثبت ومنفي. فالمنفي لا تدخل عليه اللام إلا نادرا كقوله: وأعلم إن تسليما وتركا ... للا متشابهان ولا سواء1 والمثبت إما أن يكون ماضيا متصرفا عاريا من "قد" أو غيره، فإن كان ماضيا متصرفا عاريا من "قد" لم تدخل اللام عليه، فإن وجد مثل: "إن زيدا لقام"، فاللام لام القسم. "وكذلك"2 لو تقدم "على"3 "أن" ما يقتضي فتحها لفتحت مع هذه اللام نحو: "علمت أن زيدا لقام"، وإن كان غير ذلك دخلت اللام "عليه"4. فتدخل على الخبر المفرد نحو: "إن زيدا لقائم" والفعل المضارع نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} 5 والجملة الاسمية نحو: "إن زيدا لأبوه فاضل" والماضي غير
المتصرف نحو: "إن زيدا لنعم الفتى" والمتصرف المقرون بقد نحو "إن زيدا لقد قام". وإلى هذا أشار بقوله: وقد يليها مع قد كإن ذا ... لقد سما على العدا مستحوذا وإنما جاز دخولها عليه مع "قد"؛ لأن "قد" تقرب الماضي من الحال خلافا لخطاب الماوردي1 في منعه دخولها مع "قد" فإذا وجد "إن زيدا لقد قام" فهي عنده لام القسم2. ثم أشار إلى بقية مواضع اللام بقوله: وتصحب الواسط معمول الخبر ... والفصل واسما حل قبله الخبر يعني: أن هذه "اللام" يجوز دخولها على معمول الخبر المتوسط بينه وبين الاسم نحو: "إن زيدا لطعامَك آكلٌ". وشرطه: أن يكون الخبر صالحا لها، فلو كان ماضيا متصرفا عاريا من "قد" لم تدخل "عليه"3 نحو: "إن زيدا عمرا ضرب" لأن دخولها على المعمول فرع دخولها على الخبر، خلافا للأخفش, وتدخل أيضا على الضمير المسمى بالفصل, كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} 4. وعلى الاسم إذا تأخر عن الخبر نحو: "إن في الدار لزيدا" وإنما يصح ذلك إذا كان الخبر ظرفا أو مجرورا، لأنه لا يتقدم إن كان غيرهما وإنما اشترط في دخولها "على الخبر"5 مشروطا أيضا بأن يتأخر ولم ينبه عليه.
قلت: اشتراط ذلك في الاسم منبه على اشتراطه في الخبر، إذ العلة واحدة. ثم قال: ووصل ما بذي الحروف مبطل ... إعمالها وقد يُبَقَّى العمل1 إذا اتصلت "ما" الزائدة بهذه الأحرف ففيه وجهان: أحدهما: أن تكون كافة فتبطل عملها نحو: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 2. والثاني: أن تجعل ملغاة فيبقى العمل لعدم الاعتداد بها, وهذا مسموع في "ليت"3 وقد حكي في "إنما" وأجازه ابن السراج "والزجاج"4 قياسا في سائرها ووافقهم المصنف، ولذلك أطلق في قوله: "وقد يبقى العمل". ومذهب سيبويه5 جواز الوجهين في "ليت" خاصة6، ومنع الثاني في سائر أخواتها؛ لأن "ما" قد أزالت اختصاصها بالأسماء بخلاف ليت فإنها باقية على اختصاصها، ولذلك ذهب بعض النحويين إلى وجوب الإعمال في "ليتما" وبهذا يبطل قوله في شرح التسهيل: يجوز إعمالها وإهمالها بإجماع. ثم قال: وجائز رفعك معطوفا على ... منصوب إن بعد أن تستكملا بمعنى أنه يجوز رفع المعطوف على اسم "إن" المكسورة بشرط أن تستكمل خبرها ويكون المعطوف بعد الخبر نحو: "إن زيدا ذاهب وعمرو" والنصب هو الوجه الظاهر. ولذلك قال: "وجائز رفعك".
ففهم أن النصب هو الأصل، فإن عطفت قبل الخبر تعين النصب خلافا للكسائي في إجازته الرفع قبل الخبر مطلقا، والفراء في إجازة ذلك بشرط خفاء إعراب الاسم1. ثم قال: وألحقت بإن لكن وأن ... من دون ليت ولعل وكأن أي: ألحقت "لكن وأنَّ المفتوحة" بإن المكسورة، في جواز رفع المعطوف على اسمها بعد الخبر نحو: "لكنَّ زيدا قائم وعمر"، و"علمت أنَّ زيدا قائم وعمرو". أما إلحاق "لكنَّ" بها فمتفق عليه، وأما إلحاق "أنَّ" المفتوحة، فمنعه بعض وأجازه بعض. قال في التسهيل: وأن في ذلك كإن على الأصح. ا. هـ2. فأطلق كما أطلق هنا، وقيد ذلك في شرحه بأن يتقدمها على كقوله: وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق3
أو معناه كقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} 1، 2 وهذا هو الصحيح. لأن "أنَّ" ههنا وما عملت فيه بتأويل الجملة فصح أن يعطف على محلها كالمكسورة. وقوله: من دون ليت ولعل وكأن يعني: أنه لا يجوز في المعطوف على اسم هذه الثلاثة إلا النصب، ولا يجوز الرفع لا قبل الخبر ولا بعده؛ لأن معنى الابتداء قد يغير بدخولها بخلاف "إن وأن ولكن" فإنها لا تغير معناه, أجاز الفراء الرفع مع الستة بعد الخبر مطلقا وقبله بشرط خفاء إعراب الاسم. وتلخيص هذه المسألة أن نصب المعطوف بعد الخبر وقبل الخبر جائز في الجميع. وأما رفعه فيجوز بعد الخبر لا قبله في "إنّ ولكنّ" باتفاق. "وأنّ" بعد العلم أو ما في معناه على المختار. فإن قلت: قد ورد الرفع قبل الخبر في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} 3. قلت: حمل سيبويه4 هذه الآية، وما أوهم العطف قبل التمام على التقديم والتأخير.
قال المصنف: وأسهل منه تقدير خبر قبل العاطف، مدلول عليه بخبر ما بعده1. فإن قلت: ما وجه رفع المعطوف على اسم إن وما ألحق بها؟ قلت: مذهب المحققين: أنه مبتدأ محذوف الخبر، لدلالة خبر "إن" عليه، وهو من عطف الجمل لا من عطف المفردات، وقد أوضح ذلك في شرح التسهيل. فإن قلت: ظاهر قوله: وجائز رفعك معطوفا على ... منصوب إنَّ.................. يخالف ما ذكرته. قلت: تجوز في تسميته معطوفا على الاسم؛ لأن صورته صورة المعطوف. ثم قال: وخففت إن فقل العمل إهمالها: إذا خففت هو القياس؛ لزوال اختصاصها، وإعمالها ثابت بنقل سيبويه2. ومنه: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} 3. ثم قال: وتلزم اللام إذا ما تهمل علة لزومها الفرق بين "إنْ" المخففة و"إن" النافية، وتسمى هذه اللام الفارقة. فإن قلت: هل هي لام الابتداء أم غيرها؟ قلت: مذهب سيبويه4 أنها لام الابتداء ألزمت للفرق وهو اختيار المصنف وهو مفهوم من قوله هنا "وتلزم اللام" يعني اللام المتقدم ذكرها بعد المشددة.
وذهب الفارسي إلى أنها غيرها1 ثم قال: وربما استغنى عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدا مثال ذلك قول الشاعر: أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن2 ثم قال: والفعل إن لم يك ناسخا فلا ... تلفيه غالبا بإن ذي موصلا إذا خففت "إن" فالغالب "فيها"3 أن يليها فعل ناسخ للابتداء نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} 4 {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} 5 {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} 6 قال في شرح التسهيل: ولا يكون غالبا إلا بلفظ الماضي.
وأشار بقوله "غالبا" إلى أنه قد يليها فعل غير ناسخ كقوله: شلت يمينك إن قتلت لمسلما1 ... ......................................... قال الشارح2 "وأما نحو"3 {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 4 وقوله: "إن قتلت لمسلما" فقليل، وأقل منه "إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه"5. ثم قال: وإن تخفف أن فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد أن إذا خففت "أن" المفتوحة لم تلغ كما ألغيت "إن"6 المكسورة. ولكن ينوى اسمها ولا يلفظ به إلا في ضرورة كقوله:
فلو أنكِ في يوم الرخاء سألتِني ... طلاقَكِ لم أبخل وأنتِ صديق1 "ولكون"2 عملها لا يظهر غالبا تجوز بعضهم فقال: ألغيت، ومراده ما ذكرت. وتجوز المصنف في قوله "استكنَّ"؛ لأن الضمير المنصوب لا يستكن، والحرف لا يستكن فيه الضمير وإنما هو محذوف لا مستكن. وقوله: والخبر اجعل جملة..... يشمل الاسمية والفعلية. أما الاسمية فلا تحتاج إلى فاصل بينها وبين "أن" كقوله: في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل3
وأما اللفظية ففيها تفصيل. فإن كانت مصدرة بفعل دعاء أو بفعل متصرف لم يحتج إلى فاصل مثال الدعاء قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} 1 ومثال غير المتصرف: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 2 وإن صدرت بفعل غير هذين غالبا بقد نحو: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} 3. أو حرف تنفيس نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} 4 أو حرف نفي نحو: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} 5 أو لو نحو: {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا} 6. وإلى هذا أشار بقوله: "وإن يكن فعلا ... إلخ". وأشار بقوله "فالأحسن الفصل"7 إلى أنه قد يرد غير مفصول. ومنه: علموا أن يؤملون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل8
وخصه بعضم بالضرورة. وأشار بقوله: "وقليل ذكر لو" إلى قلة ذكرها في كتب النحو لا إلى قلة استعمالها في كلام العرب. ثم قال: وخففت كأن أيضا فنوى ... منصوبها وثابتا أيضا روى تخفف "كأن" فلا تلغى "فهي"1 مثل أن المفتوحة، وقد أطلق بعضهم الإلغاء2 عليها واسمها في الغالب منوي كاسم "أن" ولا يلزم في خبرها أن يكون جملة بل يكون جملة ومفردا. فمثال كونه جملة: ووجه مشرق النحر ... كأن ثدياه حقان3
ومثال كونه مفردا قوله: ............................................ ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم1
على رواية الرفع. وأشار بقوله: وثابتا أيضا روى إلى "كأن ثدييه حقان"، وكأن ظبية في رواية النصب في كلامه في التسهيل يشعر باختصاص ذلك بالشعر. قال فيه: وقد يبرز اسمها في الشعر. فإن قلت: قد ذكر المصنف تخفيف "إنّ وأنّ وكأنّ "وسكت عن" لعلّ ولكنّ" فما حكمهما؟ قلت: أما "لعل" فلا تخفف1. وأما "لكن" فإذا خففت لم2 تعمل وستأتي في حروف العطف3. وأجاز يونس والأخفش إعمالها مخففة قياسا4. وقد حكي عن يونس أنه حكاه عن العرب5.
"لا" التي لنفي الجنس
"لا" التي لنفي الجنس: قال: عمل إن اجعل للا في نكره اعلم أن "لا" حرف مشترك, فأصلها ألا تعمل، وقد أعملت عمل "ليس" تارة وعمل "إن" أخرى. وإنما تعمل عمل إن بشروط: الأول: أن يكون اسمها نكرة فلا تعمل في المعارف، وأما نحو: لا هيثم الليلة للمطي1 ... ............................. فموؤل بنكرة. الثاني: أن يتصل بها، فلو فصل بطل عملها. قال في التسهيل: بإجماع2 وفيه خلاف ضعيف.
الثالث: أن يقصد نفي الجنس على سبيل الاستغراق. فإذا استكملت هذه الشروط عملت عمل "إن" مفردة نحو "لا رجل في الدار" ومكررة نحو "لا حول ولا قوة"1. ولكن يجب العمل إن أفردت، ويجوز إن كررت. ثم قال: فانصب بها مضافا أو مضارعه اسم "لا" هذه ثلاثة أقسام: مضاف، ومضارع للمضاف أي: مشابه له ويسمى المطول وهو ما كان عاملا فيما بعده عمل الفعل أو مركبا من معطوف ومعطوف عليه، ومفرد. فالمضاف ومضارعه منصوبان بها نحو: "لا طالب علم محروم ولا طالعا جبلا ظاهر", والمفرد يأتي حكمه. ثم قال: وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه أي: اذكر "الخبر"2 بعد نصب الاسم رافعا له "بلا" لأنها تعمل عمل "إن", قال الشلوبين: لا خلاف "في أن رفع الخبر بها"3 عند عدم تركيبها، فإن ركبت مع الاسم ففيه خلاف. مذهب الأخفش4: أنها أيضا رافعة له، وذكر في التسهيل أنه الأصح5. ومذهب سيبويه6: أنه مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها، وأنها لم تعمل إلا في الاسم.
وفهم من قوله: "وبعد ذاك". أن خبرها لا يتقدم على اسمها, وهو واضح1. ثم انتقل إلى المفرد فقال: وركب المفرد فاتحا...... سبب بنائه عند سيبويه2 والجماعة تركيبه مع "لا" كخمسةَ عشرَ. والمفرد في هذا الباب ما ليس مضافا، ولا شبيها به، فشمل المثنى والمجموع. ويبنى على ما ينصب به، فإن كان ينصب بالفتحة بني عليها نحو: "لا رجل" أو بالياء فكذلك نحو: "لا غلامين, ولا حامدين لزيد" وإن كان ينصب بالكسرة جاز فيه وجهان: استصحاب كسرة وفتحة خلافا لابن عصفور في التزام فتحه. قال المصنف: والفتح أولى. ا. هـ3، وبالوجهين روي قوله: ............................. ... ..... ولا لذات للشيب4
وخالف المبرد في نحو "لا غلامين ولا حامدين" فقال هما معربان1 وفي عبارته هنا قصور حيث قال: "فاتحا" بل الصواب على ما ينصب به ليشمل ما فصلناه. ولو قال: وركب المفرد كالنصب لأجاد، ثم مثل: "كلا حول ولا قوة" ثم بين ما يجوز في هذا المثال ونحوه فقال: .................. والثان اجعلا ... مرفوعا أو منصوبا أو مركبا يعني: مع فتح الأول، فإن رفع الأول امتنع نصب الثاني، إذ لا وجه له، وجاز رفعه وتركيبه فلهذا قال: وإن رفعت أولا تنصبا فالحاصل خمسة أوجه: الأول: "لا حولَ ولا قوةَ" بفتحهما على التركيب، والكلام جملتان. الثاني: لا حولَ ولا قوةَ" بفتح الأول على التركيب ونصب الثاني على موضع اسم "لا" باعتبار عملها، وزيادة "لا" الثانية والكلام جملة واحدة. الثالث: "لا حولَ ولا قوةٌ" بفتح الأول على التركيب أيضا ورفع الثاني عطفا على موضع "لا" واسمها، فإنهما في موضع رفع بالابتداء، و"لا" الثانية عاملة عمل "ليس" فيكون الكلام جملتين.
الرابع: "لا حول ولا قوة" برفع الأول والثاني، فرفع الأول على وجهين1 "على"2 الابتداء و"لا" ملغاة أو إعمالها عمل "ليس", ورفع الثاني على وجهين: إعمال "لا" عمل "ليس" وعطفه على الأول. الخامس: "لا حولٌ ولا قوةَ" برفع الأول على الوجهين وفتح الثاني على التركيب. ثم قال: ومفردا نعتا لمبني يلي ... فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل يجوز في نعت اسم "لا" المبني ثلاثة أوجه: فتحه ونصبه، ورفعه بشرطين: أحدهما أن يكون مفردا، والثاني: أن يتصل بالاسم، ولهذا قال: "يلي" أي: يلي المنعوت فتقول: "لا رجل ظريف" بالفتح على تركيب الصفة مع الموصوف وبالنصب اعتبارا لعمل "لا" وبالرفع اعتبارا لعمل الابتداء. فلو تفضل عن المنعوت نحو "لا رجل في الدار ظريفا" أو كان غير مفرد أعني: مضافا أو شبيها به نحو "لا رجل طالعا جبلا"3 امتنع البناء على الفتح وجاز النصب والرفع، وهذا معنى قوله: وغير ما يلي وغير المفرد ... لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد فإن قلت: هذا حكم نعت المبني, فما حكم نعت العرب؟ قلت: فيه وجهان: الرفع والنصب مطلقا، وقد وهم من منع الرفع. ثم كمل حكم المعطوف فقال: والعطف إن لم تتكرر لا احكما ... له بما للنعت ذي الفصل انتمى يعني: أن المعطوف عطف نسق، إن لم يتكرر معه "لا" جاز رفعه ونصبه كالنعت المفصول.
كقوله: فلا أبَ وابنًا مثلُ مروانَ وابنِه1 ... ..................................... وحكى الأخفش فتحه على نية "لا" وهو قليل2.
فإن تكررت "لا" فقد تقدم حكمه. فإن قلت: قد فهم من كلامه حكم النعت "وحكم"1 النسق فما حكم بقية التوابع؟ قلت: أما البدل الصالح لعمل "لا" وعطف البيان عند من أجازه في النكرات فهما كالنعت المفصول يجوز فيهما الرفع والنصب, فإن كان البدل معرفة تعين رفعه إذ المعرفة لا تصلح لعمل "لا". وأما التوكيد فقيل لا يدخل في هذا الباب لأن النكرة لا تؤكد. قلت: إنما يمتنع توكيد النكرة عند البصريين بالتوكيد المعنوي، وأما اللفظي فلا يمتنع. ثم قال: وأعط لا مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام إذا دخلت الهمزة على "لا" فله أربعة معان: "أحدها"2: وهو الأكثر أن تكون للتوبيخ والإنكار كقوله: ألا طعان ألا فرسان عادية3 ... ..................................
الثاني: أن تكون لمجرد الاستفهام عن النفي كقوله: ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد1
وللا مع الهمزة في هذين المعنيين من تركيب وعمل وإلغاء ما لها مجردة من الهمزة. والثالث: أن تكون للتمني كقوله: ألا عمر ولي مستطاع رجوعه1 ... ....................................... ولها عند المازني والمبرد في التمني مالها مجردة من جميع الأحكام السابقة. وذهب الخليل وسيبويه2 والجرمي ومن وافقهم إلى أنها تعمل في الاسم خاصة، ولا خبر لها, ولا يتبع اسمها إلا على اللفظ، ولا تلغى ولا تعمل عمل "ليس"3.
والرابع: أن تكون للعرض والتحضيض, فلا يليها حينئذ إلا فعل ظاهر أو مقدر أو معمول فعل مؤخر, ولا تعمل عمل "إن" ولا عمل "ليس" لأنها مختصة بالفعل. وما ذكره ابن الحاجب من أن التي للعرض تعمل عمل "إن" لم يصح1. وقد ذهب بعضهم إلى أن التي للعرض ليست مركبة من الهمزة و"لا" النافية بل هي حرف بسيط. وأما "ألا"2 "التي"3 للاستفتاح فهي غير مركبة على الأظهر خلافا لمن قال بتركيبها. إذا تقرر هذا، فاعلم أن كلام المصنف مناقش من وجهين: أحدهما: أنه أطلق فشمل التي للعرض. فإن قلت: فلعله يقول بأنها غير مركبة من الهمزة ولا فلم يشملها الإطلاق. قلت: قد استثناها في الكافية والتسهيل: فدل على أنها عنده "مركبة"4. والآخر أن مقتضى كلامه هنا موافقة المازني والمبرد في تسوية التي للتمني بالتي للتوبيخ والإنكار، والتي لمجرد الاستفهام، وهو خلاف ما ذهب إليه في غير هذا الكتاب. ثم قال: وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر ... إذا المراد مع سقوطه ظهر
إذا علم خبر "لا" كثر حذفه عند الحجازيين ووجب عند التميميين والطائيين ومن حذفه قوله تعالى: {قَالُوا لَا ضَيْرَ} 1. وإن لم يعلم وجب ذكره عند جميع العرب2، ولذلك قال: "إذَا المراد مع سقوطه ظهر". ولا فرق بين الظرف وغيره خلافا لمن فصل. ثم انتقل إلى القسم الثالث من نواسخ الابتداء فقال:
ظن وأخواتها
ظن وأخواتها: انصب بفعل القلب جزأي ابتدا أفعال هذا الباب قسمان: قلبي: وهو ما دل على يقين أو ظن أو عليهما، أو غير قلبي: وهو ما دل على تصيير. وجميعهما تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين وليس كل فعل قلبي يعمل العمل المذكور، فلذلك قال "أعني أرى". وهو بمعنى: علم. وقد تكون للظن، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} 1 أي: يظنونه ونعلمه. فإن كانت بصرية أو من الرأي أو بمعنى أصاب رئته، تعدت إلى واحد، وإن كانت علمية فستأتي2. ثم قال: "خال" بمعنى ظن، وقد تكون لليقين، فإن كانت بمعنى تكبر أو ظلع. يقال: "ظلع الفرس" إذا غمز في مشيه فهي لازمة. ثم قال: "علمت" علم اليقين، فإن كانت بمعنى عرف تعدت إلى واحد وستأتي, وإن كانت بمعنى صار "ذا علم"3 فهي لازمة. ثم قال: "وجد" بمعنى علم، فإن كانت بمعنى أصاب تعدت إلى واحد وإن كانت بمعنى استغنى أو حزن أو حقد فهي لازمة. ثم قال: "ظن" لغير المتيقن، وقد تكون بمعنى علم فيما طريقه النظر؛ فإن كانت بمعنى أنهم تعدت إلى واحد وستأتي. ثم قال: "حسبت" لغير المتيقن، وقد تكون بمعنى علم وهو قليل، فإن كانت من الحسبة -وهي لون- فهي لازمة.
ثم قال: "وزعمت" لغير المتيقن، ومصدرها زَعْم وزُعْم وزِعْم1. قال السيرافي: الزَّعْم قول يقترن به اعتقاده صح أو لم يصح. فإن كانت بمعنى كفل أو رأس تعدت إلى واحد تارة بنفسها وتارة بحرف الجر. وإن كانت بمعنى سمن وهزل فهي لازمة. ثم قال "عد" للظن كقوله: فلا تعدد المولى شريكك في الغنى2 ... ............................................... فإن كانت بمعنى "حسب" من "الحسبان"3 تعدت إلى واحد. ثم قال: "حجا" للظن، وهي غريبة ومضارعها يحجو، فإن كانت بمعنى غلب من المحاجاة، أو قصد أو رد، أو ساق أو كتم تعدت إلى واحد، فإن كانت بمعنى أقام أو بخل فهي لازمة.
ثم قال "درى" بمعنى علم، وأكثر ما تستعمل معداة بالباء كقولك "دريت به" فإذا دخلت عليه همزة النقل تعدت إلى واحد بنفسها وإلى ثان بالباء كقوله تعالى: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 1. فإن كانت بمعنى ختل تعدت إلى واحد يقال: "درى الذئبُ الصيدَ" إذا استخفى له "ليفترسه"2. ثم قال: "وجعل اللذ كاعتقد" كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} 3 فإن كانت بمعنى صير فستأتي4، وإن كانت بمعنى أوجد كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} 5 أو بمعنى "أوجب"6 كقولهم: "جعلت للعامل كذا" أو بمعنى ألقى كقولهم "جعلت بعض "المتاع"7 على بعض"، تعدت إلى واحد، وإن كانت للشروع في الفعل فقد تقدمت في أفعال المقاربة. ثم قال: "هب" بمعنى ظن ولا تستعمل إلا "بلفظ"8 الأمر كقوله: فقلت أجرني أبا خالد ... وإلا فهبني امرأ هالكا9
ثم قال: "تعلم" بمعنى اعلم، ولا تستعمل إلا بصيغة الأمر مثل "هب"، فإن كانت أمرا من تعلمت الحساب "ونحوه"1 تعدت إلى واحد وتصرفت ثم انتقل إلى القسم الثاني، وهو ما دل على تصيير فقال: ................. والتي كصيرا ... أيضا بها انصب مبتدًا وخبرا أي: والأفعال التي مثل "صير" وهو ما دل على تحويل كصير وأصار وجعل ورد واتخذ ووهب. حكى ابن الأعرابي: "وهبني الله فداك" أي: جعلني. ولا تستعمل إلا بصيغة الماضي. ثم قال: وخص بالتعليق والإلغاء ما ... من قبل هب............... تختص القلبية المتصرفة بالإلغاء والتعليق، ولا "حظ"2 لهب وتعلم في ذلك لعدم "تصريفهما"3، ولا لأفعال التصيير، إذ ليست قلبية. "ولذلك"4. قال: "ما من قبل هب". وهي أحد عشر فعلا: والإلغاء هو: ترك العمل لفظا ومعنى لغير مانع، والتعليق ترك العمل لفظا لا معنى لمانع.
فالإلغاء جائز، والتعليق "لازم"1، والمعلق عامل في المحل بخلاف الملغى. تنبيه: أما اختصاص هذه الأفعال القلبية بالإلغاء فلا إشكال فيه. وأما التعليق فيشاركهن فيه مع الاستفهام غيرهن من أفعال القلوب نحو: "عرف ونظر وتفكر", وكذلك "سأل وأبصر" وما بمعناهما. وقوله: ....... والأمر هب قد ألزما ... كذا تعلم............. يعني: أنهما ألزما صيغة الأمر, فلا يستعمل بهما ماض ولا مضارع لعدم تصريفهما. وقوله: ............. ولغير الماض من ... سواهما اجعل كل ماله زكن يعني: أن غير الماضي كالمضارع والأمر من سوى "هب وتعلم" يعمل عمل الماضي, فينصب المفعولين ويجوز فيه الإلغاء والتعليق ولهذا قال: "كل ماله زكن". أي: كلما علم للماضي من الأحكام. وقوله: وجوز الإلغاء لا في الابتدا فهم من قوله: "وجوز" أن الإلغاء ليس بواجب بل جائز، ولما كان جوازه مشروطا بتوسط الفعل أو تأخره قال: "لا في الابتدا" فشمل ثلاث صور: الأولى: أن يتأخر عن المفعولين نحو: "زيد قائم ظننت" فهذه يجوز فيها الإلغاء والإعمال، والإلغاء أرجح. الثانية: أن يتوسط بين المفعولين نحو: "زيد ظننت قائم" فهذه يجوز فيها الأمران على السواء. وقيل: الإعمال أرجح. الثالثة: أن يتقدم على المفعولين ولا يبتدأ به بل يقدم عليه شيء نحو: "متى ظننت زيد فاضل" فهذه يجوز فيها الأمران، والإعمال أرجح، خلافا لمن منع الإلغاء.
فإن تقدم الفعل على المفعولين ولم يتقدمه شيء, فمذهب البصريين أنه يمتنع الإلغاء، وهو مفهوم قوله: "لا في الابتدا". وذهب الكوفيون والأخفش إلى جوازه، لكن الإعمال عندهم أرجح، وقد أجازه في التسهيل بقبح1 وقال في شرحه: حكم سيبويه "بقبح"2 إلغاء المتقدم نحو: "ظننت زيد قائم" وبتقليل قبحه بعد معمول الخبر نحو: "متى ظننت زيد "قائم"؟ "3, وفي درجته الإلغاء في نحو "زيد أظن أبوه قائم". ثم قال: وانو ضمير الشان أو لام ابتدا ... في موهم إلغاء ما تقدما يعني: أنه إذا ورد ما يوهم الإلغاء للمتقدم نحو: "ظننت زيد قائم" وجب عند من منع إلغاءه تأويله على أحد تأويلين: الأول: نية ضمير الشأن فيكون هو المفعول الأول والجملة بعده هي المفعول الثاني وعلى هذا يكون الفعل باقيا على عمله. والثاني: نية لام الابتداء المعلقة، ويكون التقدير: "ظننت لزيد قائم"، والفعل على هذا معلق، وعلى هذا حمل سيبويه قوله: .................................... ... وإخال أنِّي لاحق مستتبع4
بالكسر على تقدير: أني للاحق. ومن أجاز إلغاء المتقدم لم يحتج إلى تأويل ذلك. قال في شرح التسهيل: وتقدير ضمير الشأن أو اللام المعلقة في نحو: "ظننت زيد قائم" أولى من الإلغاء. ا. هـ1. ومن منع الإلغاء في نحو: "متى ظننت زيد قائم" حمل ما أوهم ذلك على أحد التأويلين أيضا كقوله: ......................................... ... أني رأيت ملاك الشيمة الأدب2 ثم انتقل إلى التعليق فقال: والتزم التعليق قبل نفي ما
فعلم من قوله "والتزم" أن التعليق لازم بخلاف الإلغاء. ثم ذكر المعلقات وهي ستة: "ما" النافية، كقوله تعالى: {وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} 1. "وإن" أختها كقوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلَا} 2 "ولا" النافية، ذكره النحاس، ومن أمثلة ابن السراج "أحسب لا يقوم زيد" ولم يعدها المغاربة من المعلقات. "ولام" الابتداء. نحو: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} 3 على أظهر الأوجه و"لام" القسم: نحو: ولقد علمت لتأتين منيتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها4
ولم يعد بعضهم لام القسم والاستفهام بالحرف نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} 1 وبالاسم نحو: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا} 2. والمضاف إلى اسم الاستفهام مثله في ذلك نحو: "علمت غلام أيهم عندك"3. واعلم أن الجملة بعد المعلق في موضع نصب؛ لأنه عامل في المعنى. فإن قلت: ما معنى تعلق العلم بالاستفهام في نحو: "علمت أزيد عندك أم عمرو؟ ". قلت: هذا كلام صورته الاستفهام، وليس المراد به الاستفهام؛ لأنه مستحيل الاستفهام عما أخبر أنه يعلمه، وإنما المعنى علمت الذي هو عندك من هذين الرجلين.
قال سيبويه1 ما نصه: "كما أنك إذا قلت: قد علمت أزيد ثم أم عمرو وأردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم". ا. هـ. وحكى الشلوبين عن بعض المتأخرين: أن هذا الكلام على حذف مضاف، وأن المراد علمت جواب هذا الكلام، وكان يفتي به ويراه في بعض أقرائه. واعلم أن كلام العرب ثلاثة أقسام: الأول: مطابقة اللفظ للمعنى وهو الأكثر. والثاني: غلبة اللفظ للمعنى نحو: "أظن أن تقوم" أجمعوا على جوازه، ومنع الأكثر "أظن قيامك" والمعنى واحد، لاشتمال "أن تقوم" على المسند والمسند إليه بخلاف "قيامك". والثالث: غلبة المعنى للفظ نحو مسألتنا، وغلب فيها جانب المعنى وإن كان اللفظ استفهاما. وقوله: لعلم عرفان وظن تهمه ... تعدية لواحد ملتزمه الأصل في "علم" تعلقها بالنسب الخبرية وهي المتعدية إلى مفعولين، وقد ترد بمعنى العرفان متعلقة بالمفرد فتتعدى إلى واحد, كقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} 2. وأما "ظن" فإن كانت للتردد في وقوع الخبر فهي المتعدية إلى "اثنين"3, وكذلك إن استعملت لليقين, وإن كانت للتهمة تعدت إلى واحد كقولك: "ظننت زيدا على المال" أي: اتهمته، ومنه: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} 4. فإن قلت: قد ترد "علم"5 لازمة إذا كانت من العلمة6 ولم ينبه على ذلك.
قلت: قد أخرجه بقوله أول الباب: "انصب بفعل القلب"، وبقوله هنا: "لعلم عرفان". فإن قلت: كان ينبغي أن يقيد سائر أفعال الباب كما قيد علم وظن. قلت: لما كان الأصل "علم وظن" فإن غيرهما لا يعمل حتى يكون بمعناهما اكتفى بتقييدهما. وأيضا فقد خرج من قوله: "انصب بفعل القلب" نحو: "رأى" بمعنى أبصر أو أصاب الرئة. وحسب بمعنى صار أحسب وغير ذلك مما يدل على معنى غير قلبي. ثم قال: ولرأى الرؤيا انم ما لعلما ... طالب مفعولين من قبل انتمى الرؤيا مصدر رأى الحلمية, فقيد الفعل بإضافته إلى مصدره. يعني: "أن "رأى" الحلمية تتعدى إلى مفعولين كعلم لكونها مثلها في أنها إدراك بالحس الباطن ومنه: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} 1 خلافا لمن منع تعديها إلى اثنين، وجعل ثاني المنصوبين حالا ويرده وقوعه معرفة في قوله: أراهم رفقتي حتى إذا ما ... تجافى الليل وانخزل انخزالا2
وإنما قيد علم بقوله: "طالب مفعولين" لئلا يعتقد أنه أحال على علم العرفانية ويقال: "نميت الرجال إلى أبيه نميا" نسبته, "وانتمى" هو انتسب. قيل: وليس قوله: "رأى الرؤيا" بنص على المراد؛ لأن الرؤيا تستعمل مصدر لرأى مطلقا حلمية كانت أو يقظية، ولكن المشهور استعمالها مصدرا للحلمية1. ثم قال: ولا تجز هنا بلا دليل ... سقوط مفعولين أو مفعول الحذف "هنا"2 ضربان: اختصار، واقتصار؛ فالاختصار: حذف لدليل، والاقتصار: حذف لغير دليل. فأما حذف مفعولي هذا الباب، أو حذف أحدهما اختصارا فهو جائز. فمن حذفهما اختصارا قول الكميت: بأي كتاب أم بأية سنة ... ترى حبهم عارا عليّ وتحسب3
ومن حذف الأول اختصارا، قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا} 1 أي: ما يبخلون به هو خيرا لهم. ومن حذف الثاني اختصارا قول عنترة: ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم2 أي: فلا تظني غيره واقعا "مني"3. ومنع ابن ملكون4 "شيخ الشلوبين"5 حذف أحدهما اختصارا6 وليس بصحيح7.
وأما حذف أحدهما اقتصارا فلا يجوز؛ لأن أصلهما مبتدأ وخبر. واختلف في حذفهما معا اقتصارا على مذاهب المنع1 والجواز به قال الأكثر2, والجواز3 في "ظننت", وما في معناها، والمنع في "علمت", وما في معناها, وهو مذهب الأعلم. والجواز4 إن وجدت فائدة كقولهم: "من يسمع يخل"5 فلو لم يقارن الحذف قرينة تحصل بسببها فائدة لم يجز، كاقتصارك على "أظن" إذ لا يخلو الإنسان من ظن ما ولا من علم وهذا اختيار المصنف في غير هذا الكتاب ونسبه إلى سيبويه والمحققين ممن يدرى كلامه كابن خروف وابن طاهر6 والشلوبين وظاهر كلامه هنا إطلاق المنع. ثم قال: وكتظن اجعل تقول إن ولي ... مستفهما به ولم ينفصل اعلم أن القول وفروعه مما يتعدى إلى مفعول واحد، ومفعوله له إما مفرد وهو نوعان: مفرد معناه جملة نحو: "قلت شعرا", ومراد به مجرد اللفظ7 نحو:
{يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} 1 أي: يطلق عليه هذا الاسم، ولو كان يقال: "مبنيا للفاعل"2 لنصب إبراهيم, خلافا لمن منع هذا النوع، وممن أجازه ابن خروف وصاحب الكشاف3. وإما جملة فيحكى به ويكون في موضع مفعوله، وقد يجري مجرى الظن فينصب المبتدأ والخبر مفعولين بشروط أربعة عند أكثر العرب: الأول: أن يكون بلفظ المضارع، والثاني: أن يكون مصدرا بتاء الخطاب. والثالث: أن يكون بعد استفهام، والرابع: ألا يفصل بينه وبين الاستفهام بغير ثلاثة أشياء: بينها بقوله: بغير ظرف أو كظرف أو عمل فالظرف نحو: "أعندك" تقول: زيدا "قائما"4 وشبه الظرف هو المجرور نحو: "أفي الدار تقول: عمرا جالسا". والعمل: هو المعمول, ونعني به: أحد المفعولين كقوله: أجهالا تقول بني لؤي5 ... ........................... فالفصل بهذه الثلاثة مغتفر، ولهذا قال: وإن ببعض ذي فصلت يحتمل فإن فقد شرط من هذه الشروط تعينت الحكاية. فإن قلت: لم ينص على الشرطين الأولين.
قلت: نبه عليهما بالمثال. وزاد السُّهيلي: شرطا آخره, وهو ألا يتعدى باللام نحو: "أتقول لزيد عمرو منطلق" فتتحتم الحكاية. وزاد في التسهيل: أن يكون حاضرا1 وفي شرحه بأن يكون مقصودا به الحال "فعلى هذا لا ينصب مقصودا به المستقبل"2، ولم يشترط غيره وفيه نظر. فإن قلت: إعمال القول "عمل الظن"3 بالشروط المذكورة واجب أم جائز؟ قلت: بل جائز والحكاية جائزة. فإن قلت: إذا عمل القول عمل الظن "فهل"4 هو باق على معناه أو صار بمعنى الظن؟ قلت: فيه خلاف، والظاهر أنه مضمن معنى الظن. ثم قال: وأجري القول كظن مطلقا ... عند سليم نحو قل ذا مشفقا لغة سليم إجراء القول مجرى الظن في العمل مطلقا، أي بلا شرط من الشروط المذكورة، حكاها سيبويه5 فيقولون: "قلت زيدا قائما وقل ذا مشفقا".
أعلم وأرى
أعلم وأرى: إلى ثلاثة رأى وعلما ... عدوا إذا صار أرى وأعلما إذا دخلت همزة التعدية على "علم ورأى" المتعديتين "قبل دخولها"1 إلى مفعولين صارا بدخولها متعديين إلى ثلاثة. أولها: الذي كان فاعلا قبل النقل. والثاني والثالث: هما اللذان كانا قبل دخول الهمزة فتقول: "أعلمت زيدا عمرا فاضلا", و""أريت"2 زيدا عمرا فاضلا". ثم قال: وما لمفعولي علمت مطلقا ... للثان والثالث أيضا حققا يعني: للمفعول الثاني والثالث من الأحكام ما لمفعولي "علمت" من جواز حذفهما أو حذف أحدهما اختصارا أو حذفهما معا اقتصارا ومنع حذف أحدهما اقتصارا، وغير ذلك كالإلغاء والتعليق خلافا لمن منع الإلغاء والتعليق، ولمن أجازهما إن بني الفعل للمفعول لا3 إن بني للفاعل, والدليل على الجواز قول بعض من يوثق بعربيته: "البركة أعلمنا الله مع أكابركم"4, وقوله تعالى: {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 5 فعلق ينبئ وهو بمعنى يعلم. وأما المفعول الأول فلا يجوز تعليق الفعل عنه ولا إلغاؤه، ويجوز حذفه اقتصارا واختصارا ومنع ابن خروف حذفه, والاقتصار عليه، والصحيح الجواز.
ثم قال: وإن تعديا لواحد بلا ... همزة فلاثنين به توصلا قد تقدم في الباب السابق، أن علم بمعنى عرف، ورأى بمعنى أبصر يتعديان إلى واحد، فإذا دخلت عليها همزة التعدية تعديا بها إلى اثنين نحو: "أعلمتُ زيدًا عمرًا" و"أريت زيدا الهلال" وذكر بعض النحويين أنه لم يحفظ نقل علم العرفانية إلا بالتضعيف نحو: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} 1 كما أنه لم يحفظ نقل علم المتعدية إلى اثنين إلا بالهمزة. وكلام المصنف نص على جواز نقل علم العرفانية بالهمزة، فإن لم يثبت سماعه فهو بطريق القياس. فإن قلت: ظاهر مذهب سيبويه "التعدي"2 بالهمزة قياس في اللازم سماع في المتعدي وهو الصحيح. قلت: ظاهر كلام "المصنف"3 في شرح التسهيل أن ذلك قياس في المتعدي إلى واحد أيضا. ومثل في باب تعدي الفعل ولزومه "بأضربت زيدا عمرا" وهذا مذهب طائفة من النحويين: وذهب الأخفش إلى أن "التعدي"4 بالهمزة قياس مطلقا في اللازم والمتعدي إلى واحد, والمتعدي إلى اثنين من غير باب "أعطى" وذهب قوم إلى أنه سماع مطلقا, فهذه أربعة مذاهب. وذكر الحريري5 وابن معط: تعدي "علم" إلى ثلاثة بالتضعيف فعدوا من أفعال هذا الباب علم.
والصحيح أن التعدي "بالتضعيف"1 سماع في اللازم والمتعدي وهو ظاهر مذهب سيبويه2 ثم قال: والثان منهما كثاني اثني كسا ... فهو به في كل حكم ذو ائتسا يعني أن الثاني من مفعول "أعلم وأرى" المتعديين إلى اثنين بهمزة النقل مثل ثاني مفعولي "كسا" وبابه، وهو كل فعل متعد إلى مفعولين ليس "أصلهما"3 المبتدأ والخبر. فيجوز الاقتصار عليه وعلى الأول، ويمتنع الإلغاء "كما"4 في باب "كسا". واعلم أنه ليس5 ثانيهما كثاني مفعولي "كسا" في كل حكم بل يستثنى من ذلك التعليق, فإن تعليق "أعلم وأرى" المذكورتين عن الثاني جائز؛ لأن أعلم قلبية وأرى بصرية، وهي ملحقة بالقلبية في ذلك، ومن تعليق أرى عن الثاني "قوله تعالى"6: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} 7. ثم قال: وكأرى السابق نبا أخبرا ... حدث أنبأ كذاك خبرا جملة ما ذكر من الأفعال المتعدية إلى ثلاثة سبعة: "أعلم، وأرى، نبأ، وأنبأ، وخبر، وأخبر، وحدث". فأما تعدي "أعلم وأرى" إلى ثلاثة فمجمع عليه وألحق سيبويه "بهما"8 نبأ9.
وزاد الأخفش "أظن وأحسب وأخال وأزعم وأوجد" ومستنده القياس1. وألحق بعضهم2 "أرى" الحلمية سماعا, كقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا} 3 ومن منع تعديها قبل الهمزة إلى اثنين جعل الثالث حالا. وألحق الحريري وابن معط "علم" وقد تقدم4, ومما أغفل ذكره مع أفعال هذا الباب وهو منها "أرى" "مبينا"5 للمفعول وهو مضارع أريت بمعنى: أظننت ولم يستعمل أظننت. وذكر في شرح التسهيل: "أن "أرى" هذه لا ماضي لها وقد ذكره غيره6.
محتويات المجلد الأول
محتويات المجلد الأول: الصفحة الموضوع 3 مقدمة القسم الأول: "الدراسة" 9 التعريف بالمرادي المعروف بابن أم قاسم الباب الأول: الفصل الأول: 9 العصر المملوكي 11 مصر في عهد المماليك 12 انتقال الحكم من الأيوبيين إلى المماليك 12 دولتا المماليك 13 حضارة مصر في عهد المماليك 15 الحركة العلمية "انتقال النشاط إلى مصر والقاهرة" 16 عوامل نشاط الحركة العلمية 20 نتائج نشاط الحركة العلمية 21 المؤلفات 23 مؤلفات عربية الفصل الثاني: 27 نبذة عن مصر
الصفحة الموضوع 29 مصر 30 النحو والنحاة في عصر المماليك 32 المعاصرون للمرادي المعروف بابن أم قاسم الباب الثاني: 43 الفصل الأول: 45 صاحب الألفية 48 ألفية ابن مالك الفصل الثاني: 61 التعريف بالمرادي 63 المرادي المعروف بابن أم قاسم 71 الفصل الثالث: 73 شيوخ ابن أم قاسم 85 تلاميذ المرادي المعروف بابن أم قاسم 90 مؤلفاته 117 الفصل الرابع 119 الناقلون عن المرادي الباب الثالث: 181 الفصل الأول: 183 أضواء على الشرح 196 الاعتراضات الواردة على الناظم
الصفحة الموضوع 201 نقله عن شيخه أبي حيان 204 نقله عن سيبويه 207 مدى اعتماده على ابن الناظم في شرحه للألفية الفصل الثاني: 213 اعتماد المرادي على السماع 216 ميوله للبصريين 218 مخالفته لآراء النحاة 221 الفصل الثالث: 223 شواهده 229 اعتماده على القرآن الكريم 230 شرح اللغويات 233 الفصل الرابع: 235 موقفه من ألفية ابن مالك وألفية ابن معط 239 رغبته في توضيح المسائل النحوية 242 مسائل: الظاهر من تعبير المرادي وتعبير النحاة أنه انفرد بها 247 مذهبه النحوي 249 القسم الثاني: تحقيق شرح ألفية ابن مالك للمرادي: 251 مقدمة المحقق 251 وصف المخطوط 256 منهج التحقيق
الصفحة الموضوع 259 الجزء الأول 261 مقدمة الألفية 267 الكلام وما يتألف منه 296 المعرب والمبني 356 النكرة والمعرفة 358 الضمير 390 العلم 405 اسم الإشارة 416 الموصول 460 المعرف بأداة التعريف 470 المبتدأ والخبر 492 كان وأخواتها 506 ما، لا، لات، إن المشبهات بليس 515 أفعال المقاربة 523 إن وأخواتها 544 لا التي لنفي الجنس 555 ظن وأخواتها 571 أعلم وأرى 575 محتويات المجلد الأول
المجلد الثاني
تابع القسم الثاني: تحقيق شرح ألفية ابن مالك: الجزء الثاني: الفاعل: هو الاسم المسند إليه فعل تام مقدم غير مصوغ للمفعول, أو جارٍ مجراه. "فالاسم": جنس يشمل الصريح والمؤول، و"المسند إليه" فعل مخرج لما لم يسند إليه كالمفعول، والمسند إليه غير الفعل نحو: "زيد أخوك". "وتام": مخرج للفعل الناقص نحو: "كان" وأخواتها, فلا يسمى مرفوعها فاعلا حقيقة. وقد سماه سيبويه1 فاعلا والخبر مفعولا على سبيل التوسع، "مقدم" يخرج نحو: "زيد قام". قيل: "وهذا"2 حكم مختلف فيه, فلا ينبغي أن يذكر في الحد, "وغير مصوغ للمفعول" يخرج نحو: "ضُرب زيدٌ ويُضرَب" مما هو طريقة فُعِل ويُفعَل، فإن مرفوعهما نائب عن الفاعل وليس بفاعل. قال المصنف: وقد اضطر الزمخشري إلى تسميته مفعولا بعد أن جعله فاعلا. "والجاري مجرى الفعل" هو "اسم الفعل"3 والصفات والمصادر والظروف والمجرورات "بشرطها"4. وقد أشار إلى تعريف الفاعل بمثالين تضمنهما قوله: الفاعل الذي كمرفوعَيْ أتى ... زيد" منيرا وجهُهُ نعم الفتى فكأنه قال: الفاعل ما كان كزيد من قولك: "أتى زيد" في كونه اسما أسند إليه فعل تام مقدم غير مصوغ للمفعول، أو كان كوجهه من قولك "منيرا وجهه" في كونه اسما أسند إليه اسم مقدم جارٍ مجرى الفعل المذكور.
وأما قوله: "نعم الفتى" فهو مثال "ثانٍ"1 كمل به البيت, والأول يغني عنه2. ثم قال: وبعد فعلٍ فاعلٌ فإن ظهر ... فهو وإلا فضمير استتر مرتبة الفاعل أن يكون بعد فعله لكونه كالجزء منه، فإن ظهر المسند إليه بعد الفعل فهو الفاعل نحو: "قام زيد" و"قمتُ", وإن لم يظهر بعده بل قبله نحو: "زيد قام" أو لم يظهر قبله ولا بعده نحو: "قم" فهو ضمير مستتر؛ لأن الفعل لا يخلو "من"3 "الفاعل"4, ولا يتأخر عنه5. فإن قلت: ليس قوله: "وبعد فعل فاعل" على إطلاقه, فإن بعض الأفعال لا يرفع فاعلا فليس بعده فاعل، وذلك الفعل الزائد نحو: "كان" الزائدة, خلافا لمن قال فيها ضمير المصدر. والمستعمل استعمال الحرف نحو: "قلما" المراد بها النفي في الأشهر، والمؤكد في نحو: "قام قام زيد" في أحد الأوجه، وللمبني للمفعول نحو: "ضرب زيد". قلت: المراد بقوله: "وبعد فعل فاعل" أن الفاعل يكون بعد الفعل لا قبله، وليس المراد أن كل فعل يكون بعده فاعل "فيلزمه"6 ما ذكرت. فإن قلت: لا بد في الشرط والجزاء من مغايرة ولم يفد الجزاء في البيت إلا ما أفاد الشرط؛ لأن التقدير: فإن ظهر الفاعل فهو الفاعل.
قلت: الضمير في قوله: "ظهر" للفاعل في المعنى، وخبر "هو" الفاعل في الاصطلاح "فتغايرا"1. والمعنى: فإن ظهر بعد الفعل ما هو له في المعنى, فهو الفاعل في الاصطلاح. فإن قلت: قوله: "وإلا فضمير استتر" ليس بجيد؛ لأن الفاعل قد يكون ضميرا "بارزا"2, نحو: "فعلت". قلت: الضمير البارز شمله قوله: "فإن ظهر", فإن المراد بالظاهر "هنا"3 الملفوظ به, لا مقابل الضمير. فإن قلت: مقتضى قوله: "وإلا فضمير استتر" أن الفاعل إما ظاهر وإما "مضمر"4 مستتر، وبقيت حالة أخرى, وهو أن يكون "ضميرا"5 محذوفا في باب النيابة وباب المصدر وباب التعجب. قلت: قد ذكر ذلك في باب النيابة، وباب التعجب، وأما المصدر فلا يرد هنا6؛ لأنه إنما تكلم على فاعل الفعل على أن في التعجب والمصدر خلافا، وقد ذهب الكسائي إلى جواز حذف الفاعل مطلقا. ثم قال: وجَرِّدِ الفعل إذا ما أُسندا ... لاثنين أو جَمْع "كفاز الشهدا أي: إذا أسند الفعل إلى فاعل ظاهر مثنى أو مجموع، جرد في اللغة المشهورة من علامة التثنية والجمع فتقول: "فاز الشهيدان, وفاز الشهداء".
فإن قلت: أطلق في قوله: "لاثنين أو جَمْع", وإنما يعني منه الظاهر. قلت: قيد ذلك بمثاله، وأيضا بقوله في البيت الذي يليه "والفعل للظاهر بعد مسند"؛ لأن المسألة واحدة. فإن قلت: لا فائدة في تخصيصه ذلك بالاثنين والجمع؛ لأن المسند إلى المفرد مجرد أيضا. قلت: لم تختلف العرب في فعل المفرد، وإنما اختلفوا في فعل الاثنين والجمع، فنبه على مواضع الخلاف. ثم أشار إلى اللغة الأخرى: وقد يُقال: سَعِدا وسَعِدوا ... والفعل للظاهر -بعدُ- مُسنَد هذه اللغة ينسبها النحويون إلى: "أكلوني البراغيث"، وحمل المصنف عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم1: "يتعاقبونَ فيكم ملائكةٌ بالليل, وملائكةٌ بالنهار" 2 وقد نُوزع في ذلك. وقال السهيلي: ألفيتُ في كتب الحديث المروية الصحاح ما يدل على كثرة هذه اللغة. وجردها، وذكر آثارا, منها قوله عليه الصلاة والسلام: "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل, وملائكةٌ بالنهار" أخرجه مالك في الموطأ. ثم قال: لكني أقول في حديث مالك: "إن"3 الواو فيه علامة إضمار؛ لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولا مجردا4. فقال فيه: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم" ا. هـ.
وحكى بعض النحويين أنها لغة طيئ، وحكى بعضهم أزد شَنوءَةَ ولا يقبل قول من أنكرها1. ثم قال: ويرفع الفاعلَ فعلٌ أُضمرا ... كمثل "زيدٌ" في جواب "من قرا يعني: أن الفاعل قد يحذف رافعه. وحذفه، على قسمين: جائز نحو: "زيد" في جواب "من قال"2: من قرأ؟ أي: قرأ زيد. وهذا المثال يحتمل أن يكون "زيد" فيه مبتدأ محذوف الخبر, أي: زيد القارئ، وهو الأظهر؛ لأن الأولى مطابقة الجواب للسؤال. والأحسن أن يقال: كمثل زيدٌ في جواب: هل قرأ أحد؟ وواجب نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 3 أي: وإن استجارك أحد. وتجوَّز المصنف فعبر عن الحذف بالإضمار. وفهم من كلامه أن الرافع للفاعل هو "المسند"4, أعني الفعل وما جرى مجراه، وهذا أصح الأقوال5. ثم قال: وتاء تأنيث تلي الماضي إذا ... كان لأنثى كأبت هندُ الأذى
إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث, ولو بتأويل لحقته "تاء" ساكنة تدل على تأنيث فاعله. ولحاقها على ضربين: جائز وواجب، وقد بين ذلك بقوله: وإنما تلزم فعل مضمر ... متصل أو مفهم ذات حِرِ يعني: أن هذه التاء لا تلزم الفعل إلا في حالين: الأول: أن يسند إلى "ضمير"1 متصل سواء كان حقيقي التأنيث نحو: "هند قامت", أو مجازيه نحو: "الشمس طلعت". فإن كان منفصلا نحو: ما "قام"2 إلا أنتِ, ضعف إثبات التاء. الثاني: أن يسند إلى ظاهر حقيقي التأنيث متصل, غير جمع ولا جنس, نحو: "قامت هند", و"قامت الهندانِ". فإن كان مجازي التأنيث نحو: "طلعت الشمس", أو منفصلا نحو: ""قامت"3 اليوم هند", أو جنسا نحو: "نعمت المرأة", أو جمعا نحو: "قامت الهنود" لم تلزم التاء على "سببين"4. وقد فهم القيد الأول وهو: أن يكون حقيقي التأنيث, من قوله: "أو مفهم ذات حر": والحر: فرج المرأة5.
ونبه على القيد الثاني؛ أعني الاتصال بقوله: وقد يبيح الفصل ترك التاء في ... نحو: "أتى القاضيَ بنت الواقف ولكن يختار إثبات التاء في "غير الحقيقي المتصل، وفي الحقيقي"1 المفصول بغير "إلا". فقولك: "أتت القاضيَ بنتُ الواقف" أحسن من "أتى". فإن كان الفصل "بإلا" فبالعكس، وقد نبه عليه بقوله: والحذف مع فصل بإلا فُضِّلا ... كما زكا إلا فتاةُ ابن العلا فما زكا إلا فتاة, أجود مما زكت. وبعضهم لا يجيز ثبوتها مع الفصل "بإلا" إلا في الضرورة، والصحيح جوازه في النثر على قلة, ومنه قراءة مالك بن دينار2 وأبي رجاء الجحدري3: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} 4 ذكرها أبو الفتح. ثم نبه على أنه قد ورد الحذف مع الحقيقي المتصل, ومع ضمير المجازي بقوله: والحذف قد يأتي بلا فصل، ومَعْ ... ضمير ذي المجاز في شعر وقعْ أما الحذف مع الحقيقي المتصل فذكره سيبويه5, وحكى: قال فلانة.
وذكر المصنف أنه لغة بعضهم، وقال بعضهم: هو شاذّ، لا يجوز إلا حيث سمع. وأما الحذف مع ضمير المجازي, فقد ورد في الشعر كقوله: .......... ... ولا أرضَ أبقلَ إبقالها1 وقوله: إن السماحة والمروءة ضمنا ... قبرا بمرو على الطريق الواضح2
وقوله: .......... ... فإن الحوادث أودى بها1
وهو من ضرائر الشعر, خلافا لابن كيسان في القياس عليه. ثم أشار إلى القيد الثالث -أعني: كونه غير جمع- بقوله: والتاء مع جمع سوى السالم من ... مذكر, كالتاء مع إحدى اللَّبِن يعني: أن حكم التاء مع المسند إلى غير المذكر السالم حكمها مع المجازي التأنيث "كإحدى اللبن" وهي لبنة, فيجوز إثباتها وحذفها. فعلى هذا تقول: قام الرجال وقامت الرجال وقام الهندات وقامت الهندات؛ لأن قوله: "سوى السالم من مذكر" يشمل الجمع المكسر والسالم من المؤنث. فالتذكير على تأولهم بجمع والتأنيث على تأولهم بجماعة، وما ذكره في جمع التكسير متفق عليه. وأما المؤنث السالم؛ فإما أن يكون واحده مذكرا "كالطلحات", أو مغيرا وهو "بنات" فحكمه أيضا في جواز الأمرين حكم التكسير. وإما أن يكون غير ذلك "كالهندات" فحكمه حكم واحده. فلا يقول: "قام الهندات" إلا من يقول: "قام فلانة", هذا هو الصحيح وإليه ذهب في التسهيل1. وأجاز الكوفيون: "قام الهندات" كجمع التكسير، واختاره أبو علي، واستدلوا بقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} 2. وأجيب بأن حذفها في الآية للفصل، وكلامه هنا موافق مذاهب الكوفيين، ومن وافقهم من البصريين.
وأما جمع المذكر السالم فلا يجوز إلحاق التاء معه، إذا لم يسمع؛ ولذلك استثناه خلافا للكوفيين, فأجازوا الوجهين في الجموع الثلاثة. ويستثنى من ذلك البنون, فحكمه حكم التكسير1 لتغير واحده. واعلم أن اسم الجمع كالجمع المكسر. ثم نبه على القيد الرابع، أعني: كونه غير مقصود به الجنس, بقوله: والحذف في نعم الفتاةُ استحسنوا ... لأن قصد الجنس فيه بين يعني: أنهم استحسنوا الحذف في "نعم وبئس", فيقول: "نعم الفتاة" من لا يقول: "قال فلانة"؛ لأن المقصود به جنس الفتاة، و"أل" فيه جنسية، خلافا لمن زعم أنها عهدية. ولا يعني أن الحذف أحسن "من"2 الإثبات بل هو حسن، والإثبات أحسن منه. والأصل في الفاعل أن يتصلا ... والأصل في المفعول أن ينفصلا يعني: أن الأصل في الفاعل أن يتصل بفعله؛ لأنه كالجزء منه, والأصل في المفعول أن ينفصل عنه بالفاعل نحو: "ضرب زيدٌ عمرًا". ثم قال: وقد يُجاء بخلاف الأصل ... .......... أي: يقدم المفعول على الفاعل نحو: ضرب عمرًا زيدٌ. وتقديمه على الفاعل, على ثلاثة أقسام: جائز كما مثل، وواجب، وممتنع, وقد نبه عليها، فقال: ........... وقد يجي المفعول قبل الفعل وهو على ثلاثة أقسام: جائز نحو قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى} 3, وواجب
نحو: "من أكرمت؟ "؛ لأن اسم الاستفهام له الصدر، وممتنع ويمنعه ما أوجب تأخره أو توسطه. ثم قال: وأخِّر المفعول إن لبس حُذر ... أو أُضمر الفاعل غير منحصر يجب تأخير المفعول في ثلاث مسائل: الأولى: إذا خِيف التباسه بالفاعل؛ لخفاء الإعراب فيهما ولا قرينة, نحو: "ضرب موسى عيسى" فيتعين كون الأول فاعلا "كذا"1 قال ابن السراج. وتظافرت2 على ذلك نصوص المتأخرين، ونازعهم في ذلك ابن الحاج3 في نقده على ابن عصفور, وقال: لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض الواهية، ولا يبعد أن يقصد قاصد "ضرب أحدهما" من غير تعيين4, فيأتي باللفظ المحتمل، ولا يمنع أن يتكلم به لغة ويتأخر البيان إلى وقت الحاجة5. نعم، يمكن أن يقال: إذا أجملا6. فينبغي أن يبقى مع الظاهر من تقديم الفاعل، لكن ليس هذا قطعا على منعه. قال الزجاج في معانيه7 في قوله تعالى: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ 8} 9:
يجوز أن تكون "تلك" في موضع رفع على "أنها"1 اسم "زالت" وفي موضع نصب على خبر "زالت", ولا خلاف بين النحويين في جواز الوجهين ا. هـ. مختصرا وبعضه بالمعنى. ولا يلزم من إجازة الزجاج الوجهين في الآية الكريمة، جواز مثل ذلك في: "ضرب موسى عيسى"؛ لأن التباس الفاعل بالمفعول ليس كالتباس اسم "زال" بخبرها، وذلك واضح2 فلو زال "الالتباس"3 بقرينة معنوية نحو: "ولدت هذه هذه" تشير بالأولى إلى الصغرى، أو بقرينة لفظية نحو: "ضربتْ"4 موسى سعدى, جاز التقديم. الثانية: أن يكون "الفاعل"5 ضميرا "متصلا"6 غير محصور، نحو: "أكرمت زيدا", فلو كان محصورا وجب تأخيره "نحو"7: "وما ضرب زيدا إلا أنا". الثالثة: أن يحصر "المفعول"8 بإلا أو بإنما نحو: "ما ضرب زيد إلا عمرا"، و"إنما ضرب زيد عمرا". ويجب تقديم المفعول على الفاعل لثلاثة أسباب: الأول: أن يحصر "الفاعل"9 بإلا أو بإنما نحو: "ما ضرب زيدا إلا عمرو" و"إنما ضرب زيدا عمرو". والثاني: أن يكون "المفعول"10 ضميرا متصلا وفاعله ظاهر نحو: "أكرمك زيد". الثالث: أن يعود عليه ضمير متصل بالفاعل نحو: "ضرب زيدا غلامه" عند الأكثرين. وقد نبه المصنف على وجوب تأخير ما حصر, فاعلا كان أو مفعولا, بقوله:
وما بإلا أو بإنما انحصر ... أُخر.... فأما المحصور "بإنما" فلا خلاف في وجوب تأخيره. وأما المحصور "بإلا" فنقل المصنف أنه يجب تأخيره خلافا للكسائي، فإنه أجاز تقديمه, فاعلا كان أو مفعولا، ووافقه ابن الأنباري على جواز تقديم المفعول "بخلاف"1 الفاعل. والحاصل ثلاثة مذاهب: الجواز مطلقا وهو مذهب الكسائي، والمنع مطلقا وهو مذهب الجمهور2، والتفصيل وهو مذهب ابن الأنباري. ونقل غيره أن مذهب البصريين والفراء والكسائي إجازة تقديم المفعول إذا حصر "بإلا" "3" 4. وكلام المصنف هنا يقتضي موافقة الكسائي5. ..... ... وقد يسبق إن قصد ظهر واحترز بقوله: "إن قصد ظهر" من المحصور "بإنما"6, فإنه لا يظهر قصد الحصر معها إلا بالتأخير. ولم ينبه على باقي أسباب تقديم المفعول، وهو مستفاد من قوله: "أو أُضمر الفاعل غير منحصر"؛ لأن العلة واحدة، وهي أن الاتصال لا يجوز مع إمكان الانفصال في غير المواضع المستثناة. ثم قال: وشاع نحو: "خاف ربَّه عمر أي: كثر تقديم المفعول الملتبس بضمير الفاعل عليه؛ لأن الفاعل في نية التقديم نحو: "خاف ربَّه عمرُ". ثم قال:
......... ... وشذ نحو: زانَ نورُه الشجر أي: شذ تقديم الفاعل الملتبس بضمير المفعول عليه؛ لما يلزم من عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة1. قال المصنف: والنحويون -إلا أبا الفتح- يحكمون بمنع "مثل"2، هذا والصحيح جوازه3. واستدل على ذلك بالسماع، وأنشد ستة أبيات4, وأنشد غيره أبياتا أخر. وذكر لجوازه وجها من القياس5, وقد أجازه قبله وقبل أبي الفتح، الأخفش من البصريين، والطوال من الكوفيين6. وتأول المانعون بعض الأبيات بما هو خلاف الظاهر، وقد أجازه بعضهم في الشعر دون النثر، وهو الإنصاف؛ لأن ذلك إنما ورد في الشعر7، والله أعلم.
النائب عن الفاعل
النائب عن الفاعل: قال: ينوب مفعول به عن فاعل ... فيما له كنِيلَ خيرُ نائل قد يحذف الفاعل لغرض لفظي كالإيجاز "والتصحيح"1 والتوافق والتقارب2، أو معنوي: كالعلم به والجهل والإبهام والتعظيم والتحقير والخوف منه أو عليه3، وينوب عنه بعد حذفه "أحد"4 خمسة أشياء: مفعول به، ومصدر، وظرف زمان أو مكان، ومجرور، خلافا لمن منع إقامة المجرور. ولا ينوب عن الفاعل خبر كان, "ولا حال"5, ولا تمييز، ولا مشبه بالمفعول خلافا لمن أجاز ذلك. وما أقيم مقام الفاعل نائب عنه في جميع أحكامه، كالرفع ووجوب التأخير وامتناع الحذف "وتنزيله"6 منزلة الجزء والإغناء عن الخبر في نحو: "أمضروب العبدان؟ ". واتصال تاء التأنيث بفعله, إذا كان مؤنثا. إلا أن نيابة ما ذكر عن الفاعل مشروطة "بتغير"7 الفعل عن صيغته الأصلية إلى صيغة تنبيه على ذلك.
وقد أشار إلى كيفية التغيير فقال: فأول الفعل اضْمُمَنْ ... ........... يعني: ماضيا كان أو مضارعا. فإن قلت: منه ما يكسر أوله نحو: "قيل" في الفصحى, و"رِد" في لغة. قلت: لم يكسر إلا بعد تقدير ضمة كما سيأتي، والأصل: "قُول" و"رُدِدَ". ثم قال: ......... والمتصل ... بالآخر اكسِر في مُضِيّ كوُصل المتصل بالآخر هو الحرف الذي قبله, كالصاد من "وصل". فإن قلت: فنحو: "قيل" و"رد" لا يكسر ما قبل آخره. قلت: بل كسر تقديرا, كما سبق في ضم أوله. ثم قال: واجعله من مضارع منفتحا............. ... أي: واجعل المتصل بالآخر منفتحا لفظا أو تقديرا كما سبق، ثم مثّله فقال: ............ ... كينتحي المقولِ فيه يُنتحَى المقول بالجر صفة للفظ "ينتحي"1 الذي يقال فيه إذا بني للمفعول: "يُنتحَى" فيضم "أوله"2 ويفتح ما قبل آخره. فهذان العملان -أعني: ضم أول الفعل وكسر ما قبل آخره في الماضي أو فتحه في المضارع- مطردان في كل فعل "مبني"3 لما لم يسم فاعله. وقد يضاف إليهما في بعض الأفعال عمل آخر، وقد نبه على ذلك فقال: والثاني التالي تا المطاوعَهْ ... كالأول اجعله بلا منازعَهْ
أي: اجعل الحرف الثاني الذي يتلو "تاء" المطاوعة كالأول فتضمه كما تضم الأول نحو: "تَعَلّم" فتقول: "تُعُلِّم" بضم أوله وثانيه، وكذلك كل فعل أوله "تاء" مزيدة معتادة، وإن كانت لغير المطاوعة نحو: ""تبختر"1 وتكبر وتوانى وتحكم". فإن قلت: فتقييد المصنف: التاء بالمطاوعة، ليس بجيد. قلت: هو كذلك، والعذر له، أن التاء فيما ذكرناه من الأفعال شبيهة بتاء المطاوعة، فاكتفى بذكرها. فإن قلت: قوله في التسهيل: ومع ثانيه إن كان ماضيا مزيدا أوله "تاء"2 عبارة صحيحة لشمولها. قلت: لكنها شملت غير المقصود أيضا "كالتاء"3 في قولهم: "تُرمِّس الشيء" بمعنى رمَّسه4, فإنها مزيدة وهو لا يضم ثانيه5 لكونها "تاء" زيادتها غير معتادة. "فالأولى أن يقال: مزيدا أوله "تاء" معتادة"6, ثم قال: وثالث الذي بهمز الوصل ... كالأول اجعلنّه كاستُحلي إذا كان أول الماضي همزة وصل, ضم أوله وثالثه فتقول: في "استحلى"، "استُحلي" وذلك واضح. فإن قلت: ليس ذلك على إطلاقه؛ لأن الأفصح في "اختار وانقاد" أن يقال: "اختِير وانقِيد" وسيذكره7. قلت: الجواب عنه كالجواب عن كسر "قيل", وقد تقدم.
ثم قال: واكسر أو اشمِمْ فا ثلاثي أُعِلْ ... عينا وضم جا كبُوع فاحتُمِلْ إذا كان الماضي ثلاثيا معتل العين معلها نحو: "قال وباع" وقُصد بناؤه للمفعول فُعل فيه تقديرا ما يقتضيه القياس, فيضم أوله ويكسر ما قبل آخره, فيقال: "قُوِل وبُيِع". إلا أن العرب قصدوا تخفيفه؛ لثقل الكسرة على حرف العلة، فمنهم من حذف ضمة الفاء ونقل كسرة العين إلى مكانها, فسلمت الياء من "بيع" وقُلبت الواو من "قول"، "ياء" لسكونها"1 بعد كسرة فصار اللفظ: "قيل وبيع". ففي ذوات الياء عملان، وفي ذوات الواو ثلاثة، وهذه أفصح اللغات. ومنهم من فعل ما تقدم من حذف الضمة ونقل الكسرة, إلا أنه يشم الفاء "للضم"2 ومعنى الإشمام هنا: شوب الكسرة شيئا من صوت الضمة؛ ولهذا قيل: ينبغي أن يسمى رَوْمًا. قلت: وقد عبر عنه بعض القراء بالروم. فإن قلت: ما كيفية اللفظ بهذا الإشمام؟ قلت: ظاهر كلام كثير من النحويين والقراء أنه يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامة ممتزجة من حركتين: ضمة وكسرة على سبيل الشيوع. والأقرب ما حرره بعض المتأخرين. فقال: كيفية اللفظ أن يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامة مركبة من حركتين, إفرازا لا شيوعا. جزء الضمة مقدم, وهو الأقل يليه جزء الكسرة, وهو الأكثر. ومن ثم تمحضت الياء. وهذه اللغة -أعني لغة الإشمام- فصيحة تلي لغة الكسر في الفصلة.
ومنهم من يحذف كسرة العين، إذ منها ينشأ الثقل وتبقى الفاء على ضمها, فتسلم "الواو"1 في "قول" وتقلب الياء واوا في "بيع" لانضمام ما قبلها2. وهذه اللغة أضعف اللغات3, وعليها قول الراجز: ليت شباب بوعَ فاشتريت4 ... ............ تنبيه: وإنما قال: "أُعل" دون "اعتل"؛ ليخرج ما عينه حرف علة ولم يعل، نحو: "عور في المكان" وصِيد فيه، فإن حكمها حكم الصحيح. ثم قال: وإن بشكل خِيفَ لَبْس يجتنب ... .....................
إذا خِيف التباس فعل المفعول بفعل الفاعل بسبب شكل، وهو ضم الفاء "أ"1 وكسرها وجب حينئذ ذلك الشكل الذي بسببه وقع اللبس، فتقول في "بيع": "بعت يا عبد" بإخلاص الضم أو بالإشمام، وفي "عوق"2: "عقت يا زيد" بإخلاص الكسر أو بالإشمام، إذ لو أخلصت الكسر في "بعت" والضم في "عقت" لالتبس فعل المفعول بفعل الفاعل. وما ذكره من اجتناب الشكل الملتبس لم يتعرض له سيبويه، بل ظاهر كلامه جواز الأوجه الثلاثة مطلقا3. ويؤيده ما حكاه ذو الرمة عن أمة بني فلان: غُثنا ما شئنا "وهو فُعلنا"4؛ لأنه يقال: غيث القوم. ثم قال: ........... ... وما لباع قد يُرَى لنحو حب يعني: أن الثلاثي المضاعف المدغم يجوز في فائه ما جاز في فاء "باع" من إخلاص الكسر والضم والإشمام نحو: "حِبّ ورُدَّ" وقرئ: "هذه بضاعتنا رِدَّتْ إلينا"5 ولكن الأفصح في المضاعف الضم. وقال بعضهم: لا يجوز غيره، والصحيح الجواز6. فإن قلت: هل يعرض في المدغم "من الإلباس"7 ما عرض في نحو: "قيل وبيع"؟ قلت: لا؛ لأن المضاعف إذا بني للفاعل فتحت فاؤه إلا فيما كان على "فعل" إذا نقلت ضمة عينه إلى الفاء نحو: "حب"8 فيعرض اللبس بإخلاص الضم. فقياس من راعى إزالة اللبس أن يقول: "حِبّ" بالكسر أو بالإشمام.
ثم قال: وما لفا باع وما العين تلي ... في اختار وانقاد وشبه ينجلي يعني أن "ما اعتلت"1 عينه من الفعل الماضي الموزون بافتعل نحو: "اختار" أو بالفعل نحو: "انقاد" يُفعل بثالثه. وهو الذي تليه العين ما فعل بفاء باع من الكسر والضم والإشمام, فيقال: "اختِير واختُور" وبالإشمام، ومن كسر الثالث كسر الهمزة, ومن ضم الثالث ضم الهمزة، ومن أشمه أشمها. واعلم أن ما لم تعل عينه من هذا النوع, فحكمه حكم الصحيح كما سبق في الثلاثي، نحو: "اعتور". ولما فرغ من "بيان"2 الكيفية, شرع في ذكر بقية الأشياء التي تنوب عن الفاعل, فقال: وقابل من ظرف أو من مصدر ... أو حرف جر بنيابة حري أشار بقوله: "وقابل" إلى أن من الظرف والمصدر "وحرف الجر"3 ما لا يقبل النيابة. أما الظرف, فلا يقبلها إلا بشروط: الأول: أن يكون مختصا, فلا يجوز: "سِيرَ وقت، ولا جُلِس مكان". والثاني: أن يكون متصرفا, فلا يجوز: "جلس عندك" خلافا للأخفش4. والثالث: أن يكون ملفوظا به, خلافا لابن السراج في إجازته نيابة الظرف المنوي. وأما المصدر فلا يقبلها "أيضا"5, إلا بشروط:
الأول: أن يكون متصرفا، فلا يجوز نيابة "سبحان" ونحوه. والثاني: أن يكون لغير مجرد التوكيد, فلا يجوز: "ضُرب ضُرب" لعدم الفائدة. والثالث: أن يكون ملفوظا به, أو مدلولا عليه بغير العامل نحو: "بلى سِير" لمن قال: ما سير سير شديد، فلو دل عليه "العامل"1 لم ينب, خلافا لبعضهم. وأما المجرور, فلا يقبلها إلا بشرطين: الأول: "ألا يلزم"2 الحرف الجار له وجها واحدا في الاستعمال, كمذ "ومنذ"3 ورب والكاف وما خص بقسم واستثناء, فلا ينوب شيء من ذلك كما لا ينوب الظرف غير المتصرف. والثاني: ألا يكون للتعليل "كاللام والباء ومن" إذا دلت على التعليل. ذكر ذلك بعض النحويين، وقد أجاز "بعضهم"4 ذلك في قوله: يُغضِي حياء ويُغضَى من مهابته5 ... ...........
وذكر ابن إياز أن الباء الحالية في نحو: "خرج زيد بثيابه" لا تقوم مقام الفاعل, كما أن الأصل الذي ينوب عنه كذلك. وكذلك المميز إذا كان معه "مِن" كقولك: "طبت من نفس"، فإنه لا يقوم مقام الفاعل أيضا1. قلت: دخول "من" في هذا المثال غير جائز, وسيأتي في بابه2. فإن قلت: قوله: "أو حرف جر" يقتضي أن النائب إنما هو حرف جر، فيكون في محل رفع كما نقل عن الفراء. قلت: مذهب البصريين، أن النائب إنما هو المجرور لا الحرف ولا المجموع، ولما كان الحرف "ملازما"3 للمجرور اكتفى بذكره. وظاهر كلامه في الكافية4 والتسهيل أن النائب هو الجار والمجرور معا. ثم قال: ولا ينوب بعض هذي إن وجد ... في اللفظ مفعول به وقد يرد الإشارة "بهذي" إلى الظرف والمصدر "وحرف الجر"5.
مذهب جمهور البصريين: أنه لا يجوز نيابة شيء منها مع وجود المفعول به. ومذهب الكوفيين: جواز ذلك مطلقا، ونقله المصنف عن الأخفش، ونقل بعضهم عنه أنه "إنما"1 يجيز نيابة غير المفعول به إذا تقدم على المفعول به. فالمذاهب على ثلاثة. قال المصنف: وبقول الكوفيين أقول؛ إذ لا مانع من ذلك مع أنه وارد عن العرب، ومنه قراءة أبي جعفر2: "ليُجْزَى قوما بما كانوا يكسبون"3, وفي هذا ونحوه أشار بقوله: "وقد يرد". وإذا فقد المفعول به جازت نيابة كل واحد من هذه الأشياء، قيل: ولا أولوية لشيء منها، وقيل: المصدر أولى4 وقيل: المجرور5، وقال الشيخ أبو حيان6: ظرف المكان أولى"7" 8.
ثم قال: وباتفاق قد ينوب الثانِ من ... باب كسا فيما التباسه أُمِن المتعدي إلى مفعولين, ثلاثة أنواع: باب كسا، وباب ظن، وباب اختار. فباب كسا: كل "فعل"1 متعدٍّ بنفسه إلى مفعولين, ليس أصلهما المبتدأ والخبر. وباب ظن: كل "فعل"2 متعد بنفسه إلى مفعولين, أصلهما المبتدأ والخبر. وباب اختار: كل "فعل"3 متعد إلى واحد بنفسه وآخر بإسقاط حرف الجر. ولا خلاف في "جواز"4 نيابة المفعول الأول في الأبواب الثلاثة. وأما الثاني فنقل المصنف الاتفاق على جواز نيابته في باب كسا بشرط أمن اللبس؛ فتقول: "أُعطِي زيدا درهم" ولا يجوز نحو: "أعطي زيد عمرا" إلا بنيابة الأول لأنه يلبس. وحكي "عن"5 الفارسي: منع إقامة الثاني إذا كان نكرة والأول معرفة, وهو نقل غريب وسيأتي الخلاف في باب ظن. وأما باب اختار، فلم يتعرض له هنا. وقال في التسهيل: ولا يمنع نيابة المنصوب بسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل. ا. هـ.6, وهذا مذهب الفراء، ومذهب الجمهور تعيين رفع المنصوب بنفس الفعل. ثم قال:
في باب ظن وأرى المنع اشتهر ... ولا أرى منعا إذا القصد ظهر تقدم بيان باب ظن، وأما باب "أعلم" فكل متعدٍّ إلى ثلاثة. قال المصنف: منع الأكثرون نيابة ثاني المفعولين من باب "ظن وأعلم"1, والصحيح عندي جواز ذلك إن أمن اللبس2، ولم يكن ثاني المفعولين جملة ولا ظرفا ولا "مجرورا"3 ا. هـ. وأما الثالث من باب "أعلم" فلم يتعرض له، إلا أن قوله في التسهيل: ولا يمنع نيابة غير الأول من المفعولات مطلقا4 ا. هـ يقتضي جوازه. وقد نقل جوازه عن بعضهم, فأجاز: "أعلم زيدا فرسك مسرج". ونقل ابن هشام الخضراوي5 وابن أبي الربيع وابن المصنف، منع نيابته باتفاق"6" 7. ثم قال: وما سوى النائب مما عُلَّقا ... بالرافع النصب له محقَّقَا
يعني: أن ما تعلق بالفعل ولم يكن نائبا عن الفاعل فهو منصوب لفظا، كالمصدر والظرف والمفعول به أو فيه أو له أو معه والحال والتمييز والمستثنى بشرطه، أو محلا كالمجرور بحرف نحو: "مررت بزيد". فإن قلت: ينبغي أن يقول: وما سوى الفاعل والمشبه به والنائب عنه كما ذكر في التسهيل1, فإن هذه الثلاثة مرفوعة. قلت: عنى بالرافع رافع النائب لا الفعل مطلقا, فلم يحتج إلى ذكر الفاعل ولا "المشبه"2 به, والله أعلم.
اشتغال العامل عن المعمول
اشتغال العامل عن المعمول: المراد بالعامل هنا ما يجوز عمله فيما قبله "فيشمل"1 الفعل المتصرف واسم الفاعل واسم المفعول دون الصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل والحرف؛ لأنه لا يفسر في هذا الباب إلا ما يصلح للعمل فيما قبله. ثم قال: إن مضمر اسم سابق فعلا شغل ... عنه بنصب لفظه أو المحل تقدير البيت: إن شغل "مضمر اسم"2 سابق فعلا. فقوله: "مضمر اسم" فاعل بفعل مقدر يفسره الظاهر، وقوله: "سابق" صفة لاسم, و"فعلا" مفعول شغل، وقوله: "عنه" أي: عن الاسم السابق، وقوله: "بنصب لفظه أو المحل" يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون المراد بنصب لفظه الضمير، أو محله، فنصب لفظه نحو: "زيدا ضربتُهُ" ونصب "محله"3: "زيدًا مررتُ به". والثاني: أن يكون المراد بنصب لفظ، الاسم السابق أو محله. وعلى هذا, فالباء بمعنى "عن" وهو بدل اشتمال من الهاء في عنه بإعادة العامل, والتقدير: إن شغل مضمر اسم سابق فعلا عن نصب لفظ ذلك الاسم نحو: "زيدا ضربته" فإن الفعل لو لم يشتغل بالضمير لنصب "زيدا" أو نصب محله نحو: "زيدا مررتُ به" فإن الفعل لو لم يشتغل بالضمير لنصب محل "زيد" فنقول: "بزيد مررت", فيكون محل المجرور نصبا. فإن قلت: أي الاحتمالين أرجح؟ قلت: الأول هو ظاهر لفظه، ويؤيده قوله في التسهيل: إذا انتصب لفظا أو محلا ضمير اسم سابق ا. هـ4. إلا أنه يلزم منه تجوز في موضعين:
أحدهما: قوله: "عنه", فإنك إذا قلت: "زيدا مررتُ به" لم يشغله الضمير عن نصب "زيد"؛ لأنه فعل لازم، لو سلط عليه لم ينصبه، ولكن قد يقال: شغله الضمير عن "زيد" بتجوز بمعنى: شغله عن العمل في محله. والآخر: قوله: "بنصب لفظه" والضمير لا ينصب لفظه؛ لأنه مبني، ويلزم منه أيضا تكرار، فإنه يقال بعد: وفصل مشغول بحرف جر ... أو بإضافة كوصل يجري فذكر حرف الجر على هذا التقدير تكرار؛ لأنه قد علم من قوله: "أو المحل". وأما الاحتمال الثاني، فلا يلزم منه شيء من ذلك, فتأمله1. ويؤيده قوله في شرح الكافية: إذا "قدم"2 اسم على فعل صالح لنصبه لفظا أو محلا، فلم يجعل التقسيم في الضمير بل في الاسم السابق. ا. هـ3. وهذا وجه ظاهر, لولا ما فيه من استعمال البناء بمعنى "عن" في قوله: "بنصب", على أن استعمال الباء بمعنى "عن" كثير. فإن قلت: يرد على كلامه كما قيل نحو: "زيد ما أحسنه", فإنه فعل اشتغل بضمير اسم سابق وليس من الباب بإجماع. قلت: لا يرد؛ لأن الضمير "لا"4 يشغله عن الاسم السابق؛ لأن فعل التعجب لا يعمل فيما قبله فخرج بقوله: "عنه". ثم قال: فالسابقَ انصبْهُ بفعل أُضمرا ... حتما................
يعني: أن الاسم السابق إذا نصب، فالناصب له عند الجمهور فعل مضمر, لا يجوز إظهاره. ولهذا قال "حتما" أي: إضمارا حتما؛ لأن الظاهر كالعوض منه، فلا يجمع بينهما. فإن قلت: مقتضى عبارته إيجاب نصبه، وليس نصبه يوجب في كل صورة كما سيذكر. قلت: المراد: انصبْهُ بالمضمر "حتما" حيث يصح النصب، وليس المراد: "نصبه"1 حتما, وذلك واضح. وقوله: ...................... ... مُوَافِق لما قد أُظهرا يعني: موافقا له في المعنى واللفظ إن أمكن، نحو: "زيدا ضربته", فالتقدير: ضربت زيدا ضربته، أو في المعنى دون اللفظ إن تعذر، نحو: "زيدا مررت به" "أي: جاوزت زيدا"2. واعلم أن الاسم الواقع بعده فعل ناصب لضميره, على خمسة أقسام: واجب النصب، وواجب الرفع، وراجح النصب، ومستوٍ فيه الأمران، وراجح الرفع. فأشار إلى الأول بقوله: والنصب حَتْم إن تلا السابق ما ... يختص بالفعل كإن وحيثما يعني: أن النصب واجب إذا ولي الاسم السابق شيئا يختص بالفعل كأدوات الشرط وأدوات التحضيض وأدوات الاستفهام إلا الهمزة، فإن النصب بعدها راجح لا واجب. وقد "مثل"3 بإن نحو: "إن زيدا ضربته" "وحيثما" نحو: حيثما زيدا لقيته "فأكرمه"4.
ثم أشار إلى الثاني بقوله: وإن تلا السابق ما بالابتدا ... يختص فالرفع التزمه أبدا كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ... ما قبل معمولا لما بعد وجد يعني أن الرفع يجب لسببين1: أحدهما: أن يتقدم على الاسم ما يختص بالابتداء2، ومثّل المصنف ذلك "بإذا" الفجائية، و"ليتما" نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو, و"ليتما بشر كلمتُه". أما "إذا" ففي اسم "الاشتغال"3 بعدها مذاهب: جواز نصبه وهو ظاهر كلام سيبويه، ووجوب رفعه؛ "لأنها"4 لا يليها فعل ولا معمول فعل، وإنما يليها مبتدأ أو خبر. و"إن" المفتوحة: مؤولة بمبتدأ أو المكسورة؛ لأن الكلام معها بمنزلة مبتدأ أو خبر. فمن "أولاها"5 غير ذلك فقد خالف كلام العرب. قال في شرح التسهيل: ولا يلتفت إليه، وإن كان سيبويه، رحمة الله عليه. والتفصيل: فإن كان الفعل مقرونا بقد جاز النصب "بعدها"6, وإن لم يكن مقرونا بها وجب الرفع؛ لأن الأخفش قد حكى عن العرب إيلاءها الفعل المقرون بقد. قيل: وهو الصحيح.... وأما "ليتما" فمذهب الجمهور أنها لا يليها فعل ولا معمول فعل. وقد أجاز بعضهم وقوع الجملة الفعلية بعدها، وعلى هذا "لا"7 يمتنع النصب. وذكر بعضهم مما يختص بالابتداء واو الحال، نحو: "خرجت وزيد يضربه عمرو" ولا يجوز: "زيدا يضربه عمرو".
والثاني: أن يكون بين الاسم والفعل شيء لا يعمل ما بعده فيما قبله؛ كأدوات الاستفهام والشرط والتحضيض والموصول والموصوف و"إلا" في الاستثناء والحروف الناسخة وكم الخبرية ولام الابتداء و"ما" النافية. وأما "لا", فعلى المذاهب في تقديم معمول ما نفي بها1. مثال ذلك: "زيد هل لقيته؟ " فالرفع في هذا المثال ونحوه واجب؛ لأن "هل" لا يعمل ما بعدها فيما قبلها؛ لكونها من أدوات الصدر, وتمثيل سائرها سهل2 فلا نطول "به"3. وتقدير البيت: كذا إذا "تلا الفعل شيئا لن"4 يرد ما قبله مفعولا لما وجد بعده. ثم أشار إلى الثالث بقوله: واختير نصب قبل فعل ذي طلب ... وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب يعني: أن النصب يترجح على الفعل بثلاثة أسباب: الأول: أن يقع اسم الاشتغال قبل فعل ذي طلب, وهو الأمر والنهي والدعاء نحو: "زيدًا اضربه، وعمرًا لا تهنه"، و"اللهم عبدَك ارحمه". والثاني: أن يكون الاسم بعد شيء غلب إيلاؤه الفعل "كالاستفهام بالهمزة، وحيث, وما، ولا، وأن" نحو: "أزيدًا ضربته" و"حيث زيدًا تلقاه أكرمه"، و"ما زيدًا لقيته". والثالث: أن يكون الاسم بعد عاطف على جملة فعلية، وهو المراد بقوله: وبعد عاطف بلا فصل على ... معمول فعل مستقر أولا
واحترز بقوله: "مستقر أولا" من ذات الوجهين وستأتي. مثال ذلك: "لقيت زيدا وعمرا كلمته"، إنما رجح النصب للمشاكلة بعطف فعلية على مثلها. واحترز بقوله: "بلا فصل" "من"1 نحو: "قام زيد وأما عمرو فأكرمته" فلا أثر للعطف مع الفصل بأما؛ لأنها من أدوات الصدر, "فالكلام"2 بعدها منقطع عما قبلها. فالرفع بعدها أرجح ما لم يوجد مرجح النصب نحو: "وأما زيد فأكرمه". تنبيهان: الأول: تجوز المصنف في قوله: "على معمول فعل" وليس كذلك, وإنما "العطف"3 على الجملة الفعلية. الثاني: لترجيح النصب أسباب أخر, لم يذكرها هنا: أحدها: أن "يكون"4 اسم الاشتغال بعد شبيه بالعاطف على جملة فعلية نحو: "أتيتُ القومَ حتى زيدُا مررتُ به" فحتى هنا حرف ابتداء، ولكن لما وليها في اللفظ بعض ما قبلها شابهت العاطفة. فلو قلت: "ضربت زيدا حتى عمرو ضربته" "تعين"5 رفع عمرو لزوال شبه حتى الابتدائية بالعاطفة. إذ لا تقع العاطفة إلا بين كل وبعض، ذكره في شرح التسهيل. والثاني: أن يجاب به استفهام بمفعول ما يليه, أو بمضاف إليه مفعول ما يليه. مثال الأول: قولك في جواب: "أيهم ضربتَ؟ ": "زيدًا ضربتُهُ". ومثال الثاني: قولك في جواب: "غلامَ أيهم ضربت؟ ": "غلام زيد ضربتُهُ".
والثالث: أن يكون رفعه يوهم وصفا مُخلا, كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 1, فالنصب فيه راجح؛ لأن الرفع يوهم أن يكون "خلقناه" صفة مخصصة، والنصب يرفع ذلك التوهم، إذ الصفة لا تفسر ناصبا لما قبلها. وإذا لم تكن صفة فهو خبر, فيلزم عموم خلق الأشياء بقدر, فهو مذهب أهل السنة. وقد قرئ بالرفع2 ثم أشار إلى الرابع بقوله: وإن تلا المعطوفُ فعلا مُخْبَرا ... به عن اسم فاعطفَنْ مخيَّرا يعني: أنه إذا وقع اسم الاشتغال بعد عاطف على جملة ذات وجهين, وهي الابتدائية التي خبرها فعل نحو: "زيد قام" و"عمرًا أكرمته", فيجوز الرفع مراعاة لصدرها، والنصب مراعاة لعجزها، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر؛ لأن في كل منهما مشاكلة. فإن قلت: ينبغي ترجيح النصب؛ لترتبه على أقرب "المشاكلتين"3. قلت: قد رجّحه بعضهم على الرفع لذلك، ولا ينهض؛ لأن الرفع "مترجح"4 بعدم الإضمار، ولكل منهما مرجح فتساويا، وقد حكي عن الفارسي ترجيح الرفع. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: "بلا فصل" كما قال في البيت السابق؛ احترازا من نحو: "زيد قام وأما عمرا فأكرمته", فالرفع فيه راجح، ولا أثر للعطف. قلت: استغني بتقديم الاحتراز عنه. فإن قلت: ما المراد بقوله: المعطوف؟ قلت: إن أراد اسم الاشتغال "فقد"5 تسامح في العبارة، وإن أراد جملة الاشتغال فهو صحيح.
تنبيه: حكم شبه العاطف في هذه المسألة، حكم العاطف نحو: "زيد أتى القومَ حتى عمرًا مر به" وقد سبق بيان ذلك. وحكم شبه الفعل إذا وقع خبرا1 في هذه المسألة, حكم الفعل "نحو"2: "هذا ضارب عبد الله وعمرو يكرمه". ثم أشار إلى الخامس بقوله: والرفع في غير الذي مر رجح ... فما أُبيح افعل ودع ما لم يُبَح مثال: "زيد ضربته"؛ لأنه خلا من موجب النصب، وموجب الرفع، ومرجح النصب، ومستوي الأمرين، وإنما رجح رفعه؛ لأنه لا إضمار فيه. ثم قال: وفصل مشغول بحرف جر ... أو بإضافة كوصل يجري يعني: أن الأقسام الخمسة المتقدمة مع الفعل المباشر للضمير جارية مع ما منع من مباشرته حرف جر أو إضافة، فمثل "إن زيدًا رأيته" في وجوب النصب: "إن زيدا مررت به", أو "رأيت أخاه" وقس على ذلك بقية المسائل. فإن قلت: كيف يصح ذلك في جميع المسائل؟ وقد ذكروا أن النصب في نحو: "زيدًا ضربته" أحسن منه في: "زيدًا ضربت أخاه" والنصب في: "زيدا ضربت أخاه" أحسن منه في: "زيدا مررت به" لوصول ضربت بنفسه، وعكس ابن كيسان، والنصب في: "زيدا مررت به" أحسن منه في: "زيدا مررت بأخيه". قلت: "كل"3 هذه المسائل "متساوية"4 في ترجيح الرفع على النصب، وتفاوت مراتب النصب فيها لا ينافي ذلك. ثم قال: وسَوِّ في ذا الباب وصفا ذا عمل ... بالفعل إن لم يَكُ مانع حصل يعني: "أن"5 حكم الوصف "العامل"6 في تفسير ناصب الاسم السابق, حكم الفعل.
والذي يستوي بالفعل في هذا الباب من الأوصاف، اسم الفاعل واسم المفعول1. واحترز بالوصف مما يعمل عمل الوصف, وليس بوصف كالمصدر المقدر، وحرف مصدري، واسم الفعل. وأما المصدر النائب في فعله, فعلى الخلاف في جواز تقديم معموله. وبقوله: "ذا عمل" من اسم الفاعل بمعنى الماضي، فإنه لا عمل2، وبقوله: "إن لم يك مانع حصل"3 من اسم الفاعل الواقع صلة لأل، فإنه لا يعمل فيما قبل "أل"؛ لأنها موصولة، وما لا يعمل لا يفسر عاملا في هذا الباب. فإن قلت: يرد عليه الصفة المشبهة, فإنها لا تقع في باب الاشتغال. قلت: هي "كاسم"4 الفاعل الواقع صلة "لأل"؛ لأنها لا يتقدم معمولها عليها فالعلة واحدة. ثم قال: وعُلْقَة حاصلة بتابع ... كعلقة بنفس الاسم الواقع يعني: أن الشاغل إذا كان أجنبيا وله تابع سببي, فالحكم معه كالحكم مع السببي المحض، فأطلق في التابع وهو مقيد بالنعت نحو: "هند ضربت رجلا "يحبها"5" وعطف البيان نحو: "زيدا ضربت عمرا أخاه" "فلو"6 جعلت أخاه بدلا امتنع7، وعطف "النسق"8 بالواو خاصة نحو: "زيد ضربت عمرا أخاه"؛ لإفادتها معنى الجمع, فلو كان العطف بغيرها امتنع9.
تعدي الفعل ولزومه
تعدي الفعل ولزومه: قال: علامة الفعل المُعَدَّى أن تصل ... "ها" غير مصدر به نحو: "عمل" الفعل قسمانِ: متعدٍّ ولازم. فعلامة المتعدي صلاحيته لأن يتصل به ضمير يعود على غير المصدر نحو: "عمل" فتقول: "الخيرُ عمله زيد". وإنما احتُرز عن "هاء" المصدر؛ لأنها تتصل بالمتعدي واللازم, فليست عاملة لواحد منهما. فإن قلت: كان ينبغي أن يستثنى "ضمير"1 ظرفي الزمان والمكان, فإنه يتصل بالفعل اللازم كضمير المصدر نحو: ويوما شهدناه2.......... ... ........................ و"الميل سرته".
قلت: لا يتصل باللازم ضمير الزمان ولا المكان حتى يتوسع فيه، وينصب ذلك الضمير نصب المفعول به. فإن قلت: يرد عليه نحو: "كنته", فإن الضمير خبر "كان" وهو ضمير غير المصدر, ولا يطلق على "كان" وأخواتها أنها أفعال متعدية. قلت: إنما لم ينبه على هذا لوضوحه، وأيضا فكان وأخواتها مشبّهة بالمتعدي وربما أطق على خبرها المفعول. ثم قال: فانصِبْ به مفعوله إن لم ينُب ... عن فاعل نحو: تدبرت الكتب قوله: "فانصب به" تصريح بأن ناصب المفعول به هو الفعل، وهذا هو الصحيح. وشرط في نصبه ألا ينوب عن فاعل نحو: "تدبرت الكتب", فلو ناب عن الفاعل رفع كما تقدم في نائبه1. ثم قال: ولازم غير المعدَّى.... ... ....................... يعني: أن ما سوى المتعدي هو اللازم, ولا ثالث لهما. فإن قلت: ثم قسم "ثالث2" صالح للتعدي واللزوم كما ذكر في التسهيل3. قلت: هو غير خارج عن القسمين. ثم أشار إلى أن من اللازم ما يستدل على لزومه بمعناه, ومنه ما يستدل على لزومه بزنته, فقال: .......... وحُتِمْ ... لزوم أفعال السجايا كنهم أفعال السجايا: ما دل على معنى قائم بالفعل "لازم له"4 "كشجُع5" وجبُن وحسُن وقبُح، ونَهِم إذا كثر أكله.
ثم قال: كذا افعللَّ..... ... ............. نحو "اقشعرّ" و"اشمأزّ"1 و"اطمأنّ". والمضاهي اقْعَنْسَسَا....... ... ..................... يعني: ما كان على وزن "افعنْلَل" "كاحرنْجمت الإبل" أي: اجتمعت، وكذا ما ألحق بافعنلل، كاقعنسس البعير: امتنع من أن يقاد، واحْرَنْبَى الديك، أي: انتفش. والمضاهي: يعني المشابه، وينبغي أن يكون "اقعنسس" فاعلا بالمضاهي والمفعول محذوف، أي: وكذلك الفعل الذي ضاهاه "اقعنسس" كاحرنجم؛ لأن اقعنسس ملحق باحرنجم. ثم قال: .............. ... وما اقتضى: نظافة أو دَنَسا نحو: "نظُف" و"وضُأ" و"طهُر" ونحو: "نجُس" و"رجُس" و"قذُر". أو عرضا............. ... ...................... وهو ما ليس حركة جسم من معنى قائم بالفاعل, غير ثابت فيه "كمرِض وكسِل" و"نشِط" و"حزِن" و"فرِح". .......... أو طاوع المعدَّى ... لواحد................. المراد بالمطاوع: ما دل على قبول الأثر نحو: "مددت الثوب فامتد، ودحرجت الشيء فتدحرج". واحترز بقوله: "لواحد" من مطاوع المتعدي إلى اثنين، فإنه متعدٍّ إلى واحد. ثم قال: وعَدِّ لازما بحرف جر يعني: أنه إذا علق اللازم بمفعول به معنى, عدي بحرف الجر نحو: "ذهبتُ بزيد" بمعنى: أذهبته، ونحو: "رغبت في الخير" و"أعرضت عن الشر". وقد جاء "تعدية"2 المتعدي إلى واحد بالباء إلى ثانٍ، كقوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} 3.
ثم قال: ........... ... وإن حُذف فالنصب للمنجَرّ يعني: أن حرف الجر إذا حذف1 نصب المجرور، وقد يحذف ويبقى عمله, وهو ضربان: شاذ كقوله: ........... ... أشارت كُلَيْب بالأكف الأصابع2 ومطرد نحو: وليلٍ كموج البحر3 ... ..............
أي: ورب ليل. وسيأتي بيانه في باب حروف الجر. وأما حذفه ونصب المجرور, فهو نوعان: مقصور على السماع, ومطرد. والمقصور على السماع "مخصوص"1 بالضرورة, ووارد في السعة. فالمخصوص بالضرورة كقوله: .................... ... وأخفي الذي لولا الأُسَا لقضاني2
أي: لقضي عليَّ. والوارد في السعة كقوله: "شكرتُه ونصحتُه" في أحد الأقوال، وكقولهم: "ذهبتُ الشامَ" أي: إلى الشام. والمطرد حذفه مع "أنّ وأنْ"1 بشرط أمن اللبس نحو: "عجبت أنك فاضل" أي: من أنك فاضل، و"عجبت أن يَدُوا" أي: يغرموا الدية, وهذا معنى قوله: نقلا وفي أَنَّ وأَنْ يطرد ... مع أمن لبس، كعجبت أن يدوا واحترز "بأمن اللبس" من نحو: "رغبتُ في أن تفعل" فلا يجوز حذفه؛ لئلا "يتوهم"2 أن المراد: عن أن "تفعل"3. فإن قلت: فقد حذف في قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} 4 قلت: عنه جوابان: أحدهما: أن يكون حذف اعتمادا على القرينة "الرافعة"5 للبس، وقد أشار إلى هذا في "منهج"6 السالك7. والآخر: أن يكون حذف لقصد الإبهام؛ ليرتدع بذلك من يرغب فيهن لجمالهن ومالهن، ومن يرغب عنهن لدمامتهن وفقرهن.
وقد أجاز بعض المفسرين التقديرين, والله أعلم1. ثم قال: والأصل سَبْق فاعل معنى "كمن" ... من ألبسَنْ من زاركم نَسْجَ اليَمَن الكلام هنا على المتعدي من غير بابي ظن وأعلم، وهو ضربان: متعدّ إلى واحد نحو: "ضربت زيدًا", ومتعدّ إلى اثنين نحو: "أعطيت زيدًا درهمًا". فأشار إلى أن الأصل في باب أعطى تقديم ما هو فاعل في المعنى من مفعوليه "كزيد" من: "أعطيت زيدا درهما" و"من" من قوله: ألبسن من زاركم نسج اليمن ثم قال: ويلزم الأصل لموجب عرا ... ...................... يعني: أن الأصل المذكور وهو تقديم ما هو فاعل في المعنى, قد يكون واجبا؛ وذلك لأسباب: منها خوف اللبس نحو: "أعطيت زيدا عمرا" أو حصر الثاني نحو: "ما أعطيت زيدا إلا درهما" وكون الأول ضميرا متصلا والثاني ظاهرا نحو: "أعطيتك درهما". وقوله: "عرا" أي: وجد. ثم قال: ............ ... وتَرْك ذاك الأصل حتما قد يُرَى يعني: أنه قد يجب تأخير ما هو فاعل في المعنى على خلاف الأصل؛ وذلك لأسباب:
منها حصر الأول نحو: "ما أعطيت درهما إلا زيدا", وكون الثاني ضميرا متصلا والأول ظاهرا نحو: "الدرهم أعطيته زيدا", واتصال ضمير بالأول يعود على الثاني نحو: "أعطيت الدابة راكبها", وما خلا "من"1 الموجب والمانع جاز بقاؤه على الأصل، وجاز خروجه عن الأصل كما ذكر في الفاعل. ثم قال: وحذف فَضْلة أَجِزْ إن لم يَضِرْ ... كحذف ما سِيقَ جوابا أو حُصِر المفعول من غير باب "ظن" فضلة, فيجوز حذفه اختصارا كما جاز ذلك في مفعولي "ظن". ويجوز حذفه اقتصارا, بخلاف باب "ظن" فتقول: "ضربت". ويحذف المفعول لغير دليل. وكذلك "أعطيت" يجوز حذف مفعوليه معا اقتصارا، وحذف أحدهما اقتصارا، وإن كان ذلك ممتنعا في باب "ظن". ثم نبه على أن حذف الفضلة مشروط بألا يضر2، فإن كان حذفه يضر امتنع، ومثله بالمجاب به كقولك: "زيدا" في جواب "من ضربت؟ ", وبالمحصور كقولك: "ما ضربت إلا زيدا". وما يمتنع حذفه ما حذف عامله نحو: "إياك والأسدَ"3. ثم قال: ويُحذَف الناصبها إن عُلما ... .......................
يعني: أنه يجوز حذف الفعل الناصب للفضلة بشرط أن يعلم جوازا في نحو: {قَالُوا خَيْرًا} 1, ووجوبا في باب الاشتغال، والنداء، والتحذير، والإغراء بشرطه، وما كان مثلا، أو كالمثل2. وإلى هذا أشار بقوله: ................... ... وقد يكون حذفه مُلْتَزَما واحترز بقوله: "إن عُلما" مما لا دليل عليه، فلا يجوز حذفه, والله أعلم.
التنازع في العمل
التنازع في العمل: إِنْ عاملانِ اقتضيا في اسمٍ عَمَل ... قبلُ فللواحد منهما العمل قوله: "إن عاملان" يعني: من الفعل وشبهه؛ كاسم الفاعل والمفعول واسم الفعل، ولا مدخل للحرف في هذا الباب. وشمل قوله: "عاملان" الفعلين نحو: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} 1، والاسمين نحو: عُهدْتَ مغيثا مغنيا من أجرته2 ... ....................
والاسم والفعل نحو: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} 1. وعكسه نحو: ............... ... لقيت فلم أنكُلْ عن الضرب مِسْمَعا2
وقال في التسهيل: فصاعدا؛ ليشمل تنازع أكثر من اثنين. قيل: ولم يوجد أكثر من ثلاثة, كقوله: أتاني فلم أُسرِر به حين جاءني ... كتاب بأعلى القُنَّتَيْن عجيب1 فإن قلت: هل يُشترط هنا كون الفعل متصرفا؟ قلت: شرطه ابن عصفور، ولم يشترطه المصنف. وأجاز في التسهيل2: تنازع فعلي التعجب, لكن "بشرط"3 إعمال الثاني "حتى"4 لا يفصل بين الأول ومعموله، وأجازه المبرد على إعمال كل منهما5. وقوله: "اقتضيا" يخرج عن قول امرئ القيس:
............. ... كفاني ولم أطلب قليل من المال1 على جعل الواو عاطفة، فإن الثاني لم يقتضِ قليلا، والمراد: كفاني قليل ولم أطلب الملك, فليس من "باب"2 التنازع. ويخرج به -أيضا- العاملان, المؤكد أحدهما بالآخر نحو: ............. ... أتاك أتاك اللاحقون3.......
فإن الثاني "منهما"1 "لا اقتضاء"2 له إلا التوكيد, فلا عمل له، وإنما العمل للأول. وأجاز المصنف مع هذا الوجه أن ينسب العمل "لأحدهما"3؛ لكونهما شيئا واحدا، وعلى التقديرين ليس من التنازع، إذ لو كان منه لقِيل: أتاك أتوك, أو أتوك أتاك4. وأجاز بعضهم أن يكون منه, ويكون قد أضمر في أحد الفعلين مفردا كما حكى سيبويه5: "ضربني وضربتُ قومَك". وقوله: "في اسم عمل" يخرج به: "ضربت زيدا, وأكرمت عمرا"، فإن كلا منهما متوجه إلى غير ما توجه إليه الآخر, فلم يقتضيا "العمل"6 في اسم واحد. فإن قلت: ينبغي أن يقول: "في اسم فأكثر"؛ ليشمل تنازع المتعدي إلى اثنين, وإلى ثلاثة.
قلت: قد منع بعض النحويين التنازع "في"1 المتعدي إلى اثنين, وإلى ثلاثة, والمختار الجواز؛ لسماعه في المتعدي إلى اثنين2. والقياس في المتعدي إلى ثلاثة. وعبارة المصنف لا تأبى ذلك؛ لأن المراد بقوله: "اقتضيا في اسم" أن يتوجه كل من العاملين إلى الاسم الذي توجه إليه الآخر، ولا يمتنع أن يتوجها بعده إلى اسم آخر, فيتنازعا في الاسمين معا. فإن قلت: قد شرط في التسهيل في الاسم المتنازع فيه أن يكون غير سببي مرفوع3, نحو قول الشاعر: ............ ... وعزة ممطولٌ مُعَنّى غريمها4
لأنك لو قصدت فيه التنازع لأسندت أحدهما إلى السببي والآخر إلى ضميره, فيلزم عدم ارتباط رافع الضمير بالمبتدأ، وإنما يحمل ذلك على أن المتأخر مبتدأ مخبر عنه بالعاملين قبله. قلت: لم يذكر أكثرهم هذا الشرط, فلذلك لم يذكره هنا. وأجاز بعض النحويين في البيت التنازع1. وقوله: "عمل" يشمل الرفع والنصب، فقد يطلبان رفعا نحو: "قام وقعد زيد", وقد يطلبان نصبا نحو: "رأيت وأكرمت زيدا", وقد يطلب الأول رفعا والثاني نصبا نحو: "قام وأكرمت زيدا", وقد يكون بالعكس نحو: "أكرمت وأكرمني زيد", فالصور أربع. وقوله: "قبلُ" تنبيه على أن مطلوب المتنازعين لا يكون إلا متأخرا عنهما, "فلو"2 تقدم عليهما نحو: "زيد قام وقعد" "فلا"3 تنازع؛ لأن كلا "أخذ"4 مطلوبه، أعني: ضمير الاسم السابق، هذا معنى ما علل به المصنف وغيره، وهي علة قاصرة. ومقتضى ذلك ألا "يمتنع"5 تقديم مطلوبهما, إذا طلبا نصبا. وقد أجاز الفارسي التنازع مع توسط المعمول6، وأجازه بعضهم مع التقديم7. وقوله: فللواحد منهما العمل, يعني: في لفظ المتنازع فيه؛ لأن الآخر له عمل، ولكن في ضميره. وذهب الفراء في نحو: "قام وقعد زيد" إلى أن العمل لكليهما, "فزيد" مرفوع بالفعلين معا والصحيح أنه لأحدهما.
ثم قال: والثانِ أولى عند أهل البَصْرَه ... واختار عكسا غيرهم ذا أَسْرَه عمل كل "واحد"1 منها مسموع، والخلاف في الترجيح. فقال البصريون: إعمال الثاني أرجح لقربه، وقال الكوفيون: إعمال الأول أرجح "لسبقه"2, وقال بعض النحويين: يتساويان. وفصل أبو ذر الخشني3 فقال: إن كان إعمال الثاني يؤدي إلى الإضمار في الأول فيختار إعمال الأول، وإلا فيختار إعمال الثاني. والصحيح مذهب البصريين؛ لأن إعمال الثاني هو الأكثر وإعمال الأول قليل, نقل ذلك سيبويه عن العرب4. ثم قال: وأَعْمِلِ المُهْمَل في ضمير ما ... تنازعاه والتزِمْ ما التُزِما المهمل: هو الذي لم يسلط على الاسم الظاهر, فيعمل في ضميره مطابقا له. ثم إن كان الثاني أضمر فيه المرفوع وجوبا والمنصوب على المختار، ومن حذفه قول الشاعر: بعكاظ يُعْشَى الناظرين ... إذا هم لمحوا شعاعه5 أي: لمحوه.
وقيل: إن حذفه مخصوص بالضرورة، والصحيح جوازه في الاختيار، وإن كان الأول ففيه تفصيل سيأتي. فإن قلت: ما معنى قوله: "والتزم ما التزما"؟ قلت: "يحتمل"1 ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون المراد: "والتزم ما التزما" من مطابقة الضمير للظاهر، وهو رأي الشارح2. والثاني: أن يكون المراد: "والتزِم ما التزِم" مما سيذكره من وجوب حذفه من الأول في بعض الأحوال، وتأخيره في بعضها. والثالث: أن يكون المراد: "والتزم ما التزم" وهو العمدة، فلا تحذفه، بخلاف الفضلة. فيؤخذ منه جواز حذف ضمير المفعول معمولا للثاني، وهو حسن فليس هذا الكلام كما قيل حشوا. ثم قال: كيُحسنان ويسيء ابناكا ... .................. هذا مثال لإعمال الثاني, "ولذا"3 أضمر في الأول فقال: "يحسنان".
ثم قال: ............. ... وقد بغى واعتديا عبداكا هذا مثال لإعمال الأول؛ ولذلك أضمر في الثاني فقال: "واعتديا", وهذا المثال متفق على جوازه، ومنع الكوفيون المثال الأول؛ لأن مذهبهم منع الإضمار قبل الذكر في هذا الباب. وحاصل مذهبهم أن الأول إذا طلب مرفوعا لم يجُز إعمال الثاني والإضمار في الأول سواء طلب الثاني مرفوعا نحو: "يحسنان ويسيء ابناكا", أو منصوبا نحو: "ضرباني وضربت الزيدين". فإن قلت: قد تقدم أن كلا من الفريقين أجاز إعمال الأول وإعمال الثاني, وإنما اختلفوا في الترجيح. وقد ذكرت أن الكوفيين منعوا إعمال الثاني إذا طلب الأول مرفوعا, فلا يكون الاختلاف في الترجيح إلا مع طلب الأول منصوبا1. قلت: إنما منعوه إذا أُضمر المرفوع في الأول، وقد أجاز الكسائي إعمال الثاني بشرط حذف فاعل الأول، وأجاز الفراء إعماله بشرط "تأخر"2 فاعل الأول. فنقول على مذهب الكسائي: "يُحسن ويُسيء ابناك", و"ضربني وضربتُ الزيدين". وعلى مذهب الفراء: "يحسن ويسيء ابناك هما" و"ضربني وضربت الزيدين هما". وقد أجاز الفراء "أيضا"3 أن يرتفع الاسم بهما في نحو: "يحسن ويسيء ابناك", وقد تقدم "ذكر"4 مذهبه أول الباب 5. والصحيح ما ذهب إليه سيبويه من جواز الإضمار قبل الذكر في هذا الباب؛ لسماعه.
حكى سيبويه1: "ضربوني وضربت قومك". فإن قلت: قد قيل: إنه لم ينقله عن العرب, بل هو مثال "مخرج"2 على مذهبه. قلت: هو خلاف الظاهر، وأيضا فقد سمع نظيره في الكلام الفصيح كقوله: جَفَوني ولم أَجْفُ الأخلّاء إنني ... لغير جميل من خليليَّ مُهْمِل3
وليس هذا بضرورة؛ لتمكنه من أن يقول: "جفاني ولم أجف الأخلاء" فيعمل الأول ويحذف "مفعول"1 الثاني لأنه فضلة. ثم قال: ولا تَجِئْ مع أول قد أُهملا ... بمضمر لغير رفع أُوهِلا بل حذفه الزمْ إن يكن غير خبر ... وأَخِّرَنْه إن يكن هو الخبر إذا أهمل الأول, فإما أن يطلب مرفوعا أو منصوبا. إن طلب مرفوعا أضمر فيه خلافا للكوفيين كما سبق2، وإن طلب منصوبا فإما أن يكون فضلة أو غير فضلة. فإن كان فضلة وجب حذفه عند الجمهور؛ لأنه مستغنى عنه فلا حاجة لإضماره قبل الذكر، ولم يوجب في التسهيل حذفه, بل جعله أولى3. ومن إثباته قول الشاعر: إذا كنت تُرضيه ويُرضيك صاحب ... جِهَارا فكن في الغيب أحفظ للود4
ووافق هنا مذهب الجمهور، وإن كان غير فضلة، كالمفعول من باب ظن جيء به مؤخرا؛ ليؤمَن من الإضمار قبل الذكر، أو حذف ما هو عمدة. أما تقديمه, فقال الشارح: لا يجوز عند الجميع. ا. هـ1. قلت: وظاهر التسهيل جوازه2، وقد حكى ابن عصفور عنه ثلاثة مذاهب: أحدها: إضماره مقدما كالمرفوع نحو: "ظننته أو إياه وظننت زيدا قائما". والثاني: الإضمار مؤخرا, كما جزم به المصنف هنا. والثالث: حذفه؛ لدلالة المفسر عليه. قال: وهذا أسدّ المذاهب؛ لسلامته من الإضمار قبل الذكر والفصل3. تنبيهان: الأول: قد ظهر مما ذكر أن كلامه هنا "مخالف"4 التسهيل من وجهين: أحدهما: أنه جزم هنا بحذف الفضلة, وهو المراد بقوله: "غير خبر".
والثاني: أنه جزم بتأخير الخبر ولم يجزم بهما في التسهيل, بل أجاز التقديم. "والتنبيه"1 الثاني: أن قوله: "غير خبر" قد يوهم أن ضمير المتنازع فيه إذا كان مفعولا أولا في باب ظن, يجب حذفه. وليس كذلك, بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف، ولزوم التأخير؛ ولذلك قال الشارح: لو قال بدله: واحذفْهُ إن لم يَكُ مفعول حسب ... وإن يكن ذاك فأخِّرْه تصب لسلم. ا. هـ2. قلت: قوله: "مفعول حسب" يوهم أن غير مفعول "حسب" يجب حذفه, "وإن"3 كان خبرا وليس كذلك. لأن خبر كان لا يحذف أيضا, بل يؤخر كمفعول حَسِب نحو: "زيد كان, وكنتُ قائما إياه" وهذا مندرج تحت قول المصنف: "غير خبر", ولو قال: بل حذفه إن كان فضلة حتم ... وغيرها تأخيره قد التُزم لأجاد"4" 5. ثم قال: وأَظْهر إن يكن ضمير خبرا ... لغير ما يطابق المفسِّرا يعني: أن الإضمار "ممتنع"6 إذا تخالف صاحب الضمير ومفسره "كأن"7 يكون الضمير خبرا لمثنى ومفسره مفرد، وقد مثّل ذلك بقوله: نحو أظن ويظناني أخا ... زيدا وعمرا أخويْنِ في الرَّخا
"فزيدا وعمرا" مفعول أول لأظن، "وأخوين" مفعوله "الثاني, والياء من "يظنان" مفعول أول له، و"أخا" مفعوله الثاني"1, وهو خبر "له"2 في الأصل. فلو أضمر، فإما أن يجعل مطابقا للمفسر وهو ثاني مفعولي "يظنان", أو لصاحبه وهو أول مفعولي "أظن". فإن جعل مطابقا للمفسر فقيل: "إياه", فيلزم الإخبار بمفرد عن مثنى، وإن جعل مطابقا لصاحبه قيل: "إياهما" فيلزم عود ضمير مثنى على مفرد، وكلاهما غير جائز. فتعين الإظهار خلافا للكوفيين في إجازة إضماره مطابقًا لصاحبه، وإن خالف المفسر3. وفي إجازة حذفه نحو: "أظنُّ ويظناني أخا زيدا وعمرا", وعلى الإظهار تخرج هذه المسألة من التنازع.
المفعول المطلق
المفعول المطلق: المفاعيل خمسة: مفعول به وقد تقدم1, ومفعول مطلق، ومفعول له, وفيه, "ومفعول"2 معه، وهذا أول الكلام على هذه الأربعة. وبدأ بالمطلق، وسمي مطلقا؛ لأنه لم يقيد بأداة بخلاف غيره، فقال: المصدر اسم ما سوى الزمان من ... مدلولَي الفعل كأمْنٍ مِنْ أَمِن مدلولا الفعل: هما الحدث والزمان، والمصدر هو اسم الحدث، وهو معنى قوله: "اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل". فإن ما سوى الزمان من مدلوليه هو الحدث "كأمن من أمن". قال: "أمن" فعل يدل على حدث وزمان، والأمن اسم لذلك الحدث، فهو مصدر. فإن قلت: هل المفعول المطلق والمصدر مترادفان؟ قلت: لا، بل بينهما عموم من وجه وخصوص من وجه. فقد يكون المفعول "المطلق"3 غير مصدر, بل "جاريا"4 مجراه كاسم المصدر والآلة, وغير ذلك مما سيذكر. وقد يكون المصدر غير مفعول مطلق نحو: "يعجبني ذهابك". ثم قال: بمثله أو فعل أو وصف نُصب ... ......................... مثال نصبه، أي: بمصدر، قوله تعالى: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} 5. ومثال نصبه بفعل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 6.
ومثال نصبه بوصف: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} 1. وينبغي أن يحمل قوله: "بمثله" على المماثل2 في المعنى؛ ليشمل نحو: "يعجبني إيمانُك تصديقًا". ثم قال: ............... ... وكونه أصلا لهذين انتُخب أي: وكون المصدر أصلا للفعل والوصف، هو المختار، فالفعل والوصف مشتقّانِ منه, وهو مذهب البصريين, وخالف بعضهم في الوصف فجعله مشتقا من الفعل, فهو فرع الفرع. ومذهب الكوفيين أن الفعل هو الأصل، والمصدر مشتق منه. وزعم ابن طلحة أن الفعل والمصدر أصلان، وليس أحدهما مشتقا من الآخر. والصحيح مذهب البصريين؛ لأن الفرع لا بد فيه من معنى الأصل وزيادة، والفعل يدل على الحدث والزمان"3" 4. ثم قال: توكيدا أو نوعا يُبين أو عدد ... كُسرتُ سَيْرتين سَيْر ذي رَشَد المصدر: يؤتى به مع ناصبه "لثلاث"5 فوائد: الأولى: توكيده نحو: "سِرْتُ سيرا" ويسمى المبهم. والثانية: بيان عدده نحو: "سرت سيرتين" ويسمى المعدود. والثالثة: بيان نوعه, ويسمى المختص.
واختصاصه إما بإضافة نحو: "سرت1 سير ذي رَشَد", وإما بنعت نحو: "سيرًا شديدًا", وإما "بأل" نحو: "سرت السير" أي: السير الذي تعرفه، كذا قسم بعضهم. والظاهر أن المعدود مندرج تحت المختص, كما فَعَلَ في التسهيل. فالمصدر "على هذا قسمان"2: مبهم ومختص. والمختص قسمان: معدود وغير معدود. ثم قال: وقد ينوب عنه ما عليه دل ... كجِدَّ كل الجد وافرح الجذَل المصدر ضربان: مؤكد ومبين كما سبق. أما المؤكد, فينوب عنه أحد ثلاثة أشياء: الأول: "مرادفه"3 نحو: "قعدت جلوسًا". وظاهر كلام المصنف أن نصبه بالفعل المذكور وهو مذهب المازني، ونقل عن الجمهور أن ناصبه فعل من لفظه مقدر. الثاني: "ملاق"4 في الاشتقاق نحو: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} 5. ذكره الشارح6, فعلى هذا ناصبه "الفعل"7 المذكور وهو مذهب المازني أيضا، ومذهب الجمهور أن ناصبه مقدر كما سبق. وزعم ابن خروف أنه مذهب سيبويه، وفصل بعضهم بين المرادف نحو:
"قعدت جلوسًا" فنصبه بالظاهر، وبين "الملاقي"1 نحو: "أنبتكم من الأرض نباتًا" فنصبه بالمقدر وهو قول حسن2. والثالث: اسم مصدر غير علم نحو: "اغتسلت غُسلا". وأما المبين, فينوب عنه أحد ثلاثة عشر شيئا: الأول: نوع، نحو: ""رجع"3 القهقرى". والثاني: وصف، نحو: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} 4. ومذهب سيبويه في هذا ونحوه أنه حال5. والثالث: "هيئة"6 نحو: "يموت الكافر ميتةَ سوء". والرابع: آلة، نحو: "ضربته سوطا", وهو مطرد في "آلة"7 الفعل دون غيرها, فلا يجوز: "ضربته خشبة". والخامس: كل، نحو: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} 8. والسادس: بعض، نحو: "ضربته بعض الضرب". والسابع: ضمير، نحو: {لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} 9. والثامن: اسم الإشارة، نحو: "ضربته ذلك الضرب". قال في شرح التسهيل: ولا بد من جعل المصدر تابعا "له"10, وظاهر كلام سيبويه أن ذلك لا يشترط.
والتاسع: وقت، كقوله: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا1 ... ........................ أي: اغتماض ليلة أرمد, وهو عكس: "فعلته طلوعَ الشمس"، إلا أنه قليل. والعاشر: "ما" الاستفهامية، نحو: "ما تضربُ زيدا". والحادي عشر: "ما" الشرطية، نحو "ما شئتَ فقم". ذكر هذه الأحد عشر في التسهيل2. والثاني عشر: المرادف، نحو: "افرحِ الجذل" والخلاف في ناصبه كما تقدم. والثالث عشر: العدد، نحو: "ضربته ثلاثين ضربة".
وزاد بعض المتأخرين اسم المصدر العلم, نحو: "بَرّ بَرَّه وفَجَر فجَارِ"1, وفي شرح التسهيل: أن اسم المصدر "العلم"2 لا يستعمل مؤكدا ولا مبنيا3. ثم قال: وما لتوكيد فَوَحِّدْ أبدا ... ................... لأنه بمنزلة تكرير الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع. ثم قال: ................... ... وثَنِّ واجمعْ غيره وأَفْرِدا هو المختص معدودا كان, أو غير معدود. أما المعدود, فلا خلاف في جواز تثنيته "وجمعه"4 قياسا5. وأما غيره من المختص, ففي تثنيته وجمعه خلاف؛ منهم من قاسه لاختلاف أنواعه، ومنهم من لم يقسه وهو مذهب سيبويه6. ثم قال: وحذف عامل المؤكد امتنع ... ........................ قال في شرح الكافية: لأن المصدر "المؤكد"7 يقصد بتقوية عامله وتقرير معناه، وحذفه منافٍ لذلك وقد نُوزع في هذا8.
ثم قال: ................. ... وفي سواهُ لدليل متسع لا خلاف في جواز حذف عامل المصدر المختص, معدودا كان أو غير معدود, إذا دل عليه دليل، نحو: "بلى ضربتين, أو ضربا شديدا" في جواب: "ما ضربت"؟ وقد يجب الحذف, وذلك إذا كان المصدر بدلا من اللفظ بفعله، وقد نبه على ذلك بقوله: والحذف حتم مع آتٍ بَدَلا ... من فِعْله كنَدْلا اللَّذْ كانْدُلا أي: وحذف العامل واجب مع المصدر "آت" بدلا من فعله, كقول الشاعر: على حين ألهى الناس جُلُّ أمورهم ... فندلًا زريق المال ندل الثعالب1 فندلًا نائب عن أندل.
وإنما وجب حذف عامله1؛ لئلا يجمع بين البدل والمبدل منه، يقال: ندل الشيء، إذا اختطفه بسرعة. ثم قال: وما لتفصيل كإما مَنَّا ... عامله يحذف حيث عَنَّا إذا قصد بالمصدر تفصيل عاقبة ما قبله, وجب حذف عامله كقوله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 2 أي: فإما تمنون منا, وإما تفادون فداء. ثم قال: كذا مكرَّر وذو حصر ورد ... نائب فعل لاسم عين استُند إذا ناب المصدر عن خبر اسم عين بتكرير نحو: "زيد سيرًا سيرًا"3, أو حصر نحو: "إنما أنت سيرًا" وجب حذف عامله, وجعل التكرير عوضا من إظهاره وأقيم الحصر مقام التكرير. فلو لم يكن مكررا ولا محصورا جاز الإضمار والإظهار، نحو: "زيد سيرًا وزيد يسير سيرًا" احترز باسم العين، من اسم المعنى نحو: "أمرُك سير سير", فإن المصدر يرفع ويجعل خبره. ثم قال: ومنه ما يدعونه مؤكِّدا ... لنفسه أو غيره......... أي: ومن الواجب حذف عامله، قسم يسميه النحويون مؤكدا, وهو نوعان: مؤكد لنفسه، وهو الواقع بعد جملة هي نص في معناه، وسمي بذلك لأنه بمنزلة "إعادة"4 الجملة، فكأنه نفسها. ومؤكد لغيره: وهو الواقع بعد جملة صائرة به نصا، وسمي بذلك لأنه أثر في الجملة فكأنه غيره؛ لأن المؤثِّر غير "المؤثَّر"5.
"فمثل"1 "المبتدأ" به, وهو المؤكد لنفسه بقوله: نحو له عليَّ ألفٌ عُرْفًا ... ................. أي: اعترافًا. ومثل "والثان" بقوله: .................. ... كابني أنت حقا صِرْفا ثم قال: كذاك ذو التشبيه بعد جمله ... كلي بكًا بكاءَ ذات عُضْلَه من الملتزم إضمار ناصبه المصدر المشبه به, بخمسة شروط: الأول: أن يكون بعد جملة. والثاني: أن تكون حاوية معناه. الثالث: أن تكون "حاوية فاعله"2. الرابع: أن يكون ما اشتملت عليه الجملة غير صالح للعمل. الخامس: أن يكون المصدر مشعرا بالحدوث. مثال ذلك قولهم: "له صوتٌ صوتَ حمار" فهذا قد استوفى الشروط؛ لأن له صوت جملة، وقد اشتملت على معنى المصدر، وهو "صوت" وعلى فاعله, وهو "الهاء" في "له", ولا صلاحية في المصدر الذي اشتملت عليه للعمل؛ لأن "شرط"3 إعمال "المصدر"4 غير الواقع بدلا من أن يقدر بالفعل وحرف مصدري. وقوله: "صوت حمار" مشعر بالحدوث، فالناصب فعل واجب الإضمار، ومثله بقوله: "لي بكا بكاء ذت عضله". فلو "كان"5 بعد مفرد, لم يجُز النصب نحو: "صوته صوت حمار" ولو لم
"يشتمل"1 على معنى المصدر لم يصحّ، ولو لم يشتمل على فاعله ضعف النصب نحو: "في الدار صوتٌ "صوتُ"2 حمار" و"صراخ "صراخ"3 "ثكلى"4, ولم يمتنع لأنك إذا قلت: "فيهما"5 صوت علم أن فيها مصوتا "صوت حمار"6. ولو كان ما اشتملت عليه صالحا للعمل نحو: "هو مصوت صوتَ حمار", فإنه ينتصب بمصوت لا بمحذوف، ولو لم يكن المصدر مشعرا بالحدوث لم ينصب نحو: "له ذكاءٌ ذكاءُ الحكماء". لأن صوتا ونحوه، إنما انتُصب لكون ما قبله بمنزلة يفعل, مسندا إلى فاعل. فقولك: "له صوت" بمنزلة "يصوت"، وليس قولك: "له ذكاء" بمنزلة "هو يفعل", وإنما "أخبرت"7 بأنه ذو ذكاء, "فتنزل"8 ذلك منزلة قولك: "له يدٌ يدُ أسد" والله أعلم.
المفعول له
المفعول له: يُنصب مفعولا له المصدر إن ... أبان تعليلا "كجُدْ شُكرًا وَدِن "المفعول"1 له: هو علة الفعل، ولجواز نصبه شروط: الأول: أن يكون مصدرا. والثاني: أن يتحد وقته ووقت عامله، وهو المعلل به. والثالث: أن يتحد فاعلهما, ولو تقديرا. فمثال ما استوفى الشروط: "ضربته تأديبًا" و"جُدْ شكرًا". ومثال اتحاد فاعلهما تقديرا: قوله تعالى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} 2؛ لأن معنى يريكم: يجعلكم ترون. وفي بعض هذه الشروط خلاف. ثم قال: وإن شرطٌ فُقد ... فاجررْه باللام أي: إذا فقد شرط من الشروط الثلاثة, وجب جر ما علل به الحرف الدال على التعليل، وهو اللام أو ما يقوم مقامها وهو "من و"في"3 والباء", فتقول: "جئت للمال"؛ لأنه ليس بمصدر، و"جئت أمس لإكرامك غدًا" لاختلاف الزمان, و"أحسنت إليك لإحسانك إليَّ"؛ لاختلاف الفاعل. وقوله: وليس يَمتنع ... مع الشروط يعني: أنه لا يمتنع جره بالحرف مع استيفائه للشروط نحو: "قنع هذا للزهد", "فإن هذه الشروط"4 ليس اجتماعها موجبا للنصب, بل مسوغ له. ثم هو بعد ذلك على ثلاث مراتب: راجح النصب، وراجح الجر، ومستوٍ فيه الأمران.
فأشار إلى الأول بقوله: وقلّ أن يصحبها المجرد يعني: أن المجرد من أل والإضافة يترجح نصبه، وقل أن يصحب الحرف, فقوله: "ضربته تأديبًا" أرجح من قولك: ""ضربته"1 "لتأديب"2" ومنع الجزولي3 جر المجرد. قيل: ولم يقل به غيره. وأشار إلى الثاني بقوله: والعكس في مصحوب أل يعني: أن الأرجح في مصحوب "أل" جره بالحرف, فقولك: "ضربته للتأديب" أرجح من قولك: ""ضربته"4 التأديب". ثم ذكر شاهد نصب مصحوب "أل" من كلام العرب, فقال: لا أقعدُ الجبنَ عن الهَيْجَاء ... ولو توالت زُمَر الأعداء5 وسكت عن المضاف فلم يعزُه إلى راجح النصب, ولا إلى راجح الجر. فعلم أنه يستوي فيه الأمران نحو: "جئتُكَ ابتغاءَ الخيرِ، ولابتغاءِ الخيرِ".
تنبيه: إذا دخلت "أل" على المفعول له، أو أُضيف إلى معرفة تَعَرَّفَ "بأل" "أ"1, وبالإضافة خلافا للرياشي2 والجرمي والمبرد في قولهم: إنه لا يكون إلا نكرة وإن "أل" فيه زائدة، وإضافته غير محضة3. فإن قلت: هل يجوز تقديم المفعول له على عامله؟ قلت: هو جائز سواء كان منصوبا, أو مجرورا4. وهو مستفاد من قوله: كلزهد ذا قنع, فمثل به "مقدما"5، والله أعلم.
المفعول فيه وهو المسمى ظرفا
المفعول فيه, وهو المسمى ظرفًا: قال: الظرف: وقت أو مكان ضُمِّنا ... في باطِّراد: كهُنا امكثْ أزمُنا "وقت أو مكان" جنس "ضمن" مخرج لوقت أو مكان لم يضمن معناه نحو: "يومنا يوم مبارك", و"نحن في مكان حسن". "ثم قال"1: "باطراد"؛ احترازا مما نصب بدخل من المكان المختص نحو: "دخلت الدار" فهو منصوب نصب المفعول به بعد إسقاط الخافض توسعا، لا نصب الظرف، إذ لو كان ظرفا لم يختص بدخل؛ لأن "الظرف"2 لا يختص بعامل دون عامل. بل الظرف غير المشتق من اسم الحدث, يتعدى إليه كل فعل. قال الشارح: وإذا كان كذلك, فلا حاجة إلى الاحتراز "عنه"3 بقيد الاطراد؛ لأنه يخرج بقولنا: "مضمن معنى في" ا. هـ4. قلت: وفي نصب المختص من المكان بعد دَخَلَ ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه منصوب نصب المفعول به بعد إسقاط الخافض توسعا كما سبق، وهو مذهب الفارسي والمصنف، ونسبه إلى سيبويه. والثاني: أنه منصوب على الظرفية تشبيها له بالمبهم, ونسبه الشلوبين إلى "سيبويه5 ونسب"6 إلى الجمهور.
والثالث: أنه مفعول به ودخل, تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف الجر، وهو مذهب الأخفش"1" 2. وقوله: "كهنا" مثال لظرف المكان, "وأزمنا" مثال لظرف الزمان. ثم قال: فانصبه بالواقع فيه مُظْهَرا ... كان وإلا فانْوِهِ مقدَّرا يعني: أن حكم الظرف النصب، وأن الناصب له هو الواقع فيه من فعل أو ما "في"3 معناه, وأن الناصب له يكون ظاهرا نحو: "جلست أمام المسجد" و"سرت يومَ الخميس", وقد يكون مقدرا إما جوازا نحو: "يوم الجمعة" لمن قال: "متى قدمتَ؟ ". وإما وجوبا كالواقع خبرا أو صفة أو حالا أو صلة4. ثم قال: وكلّ وقت قابل ذاك ... ... ..................... يعني: أن جميع أسماء الزمان قابلة للظرفية؛ مبهمها ومختصها. وأما المعدود فهو من المختص, خلافا لمن جعله قسما ثالثا. فالمبهم: ما دل على قدر من الزمان غير معين كحين، والمختص بالمحدود: ما له مقدار من الزمان معلوم نحو: "يومين". والمختص غير المعدود: كأعلام الأيام, وما اختص "بأل"5 أو بالصفة أو بالإضافة، ثم قال:
........ وما ... يقبله المكان إلا مبهما يعني: أن أسماء المكان لا تقبل الظرفية إلا إذا كانت مبهمة، فإن كانت مختصة لم تقبل الظرفية نحو: "الدار" و"المسجد". ثم قال: نحوُ الجهات والمقادير، وما ... صِيغَ من الفعل كمرمَى مِن رَمَى فمثّل المبهم بثلاثة أنواع: الجهات: نحو: خلف "وقُدَّام"1 وأمام. والمقادير: نحو: "ميل" و"فرسخ"2. وما صيغ من اسم الحدث نحو: "مرمى ومذهب". فظاهره أن هذه الثلاثة أنواع للمبهم, أما الجهات فلا إشكال في أنها مبهمة. وأما المقادير فظاهر كلام الفارسي أنها داخلة تحت المبهم، وصححه بعض النحويين. وقال الشلوبين: ليست داخلة تحته، وصحح بعضهم "أنها شبيهة"3 بالمبهم, لا مبهم. وأما ما صيغ من "اسم"4 الحدث، فالظاهر أنه من المختص, لا من المبهم كما نص عليه غيره، وهو ظاهر كلامه في شرح الكافية. قال فيه: وأما المكان فلا يكون من أسمائه "ظرفا"5 صناعيا إلا ما كان مبهما أو مشتقا من اسم الحدث6 ا. هـ. فجعله قسيمه. قلت: وقد قسم المصنف المصدر إلى مبهم ومختص، وصرح بأن المعدود من المختص, وقياسه أن يجعل المعدود في الظرف من المختص أيضا.
فإن قلت: ما يعنى بالفعل في قوله: "وما صيغ من الفعل"؟ قلت: ظاهر كلامه أنه الفعل الصناعي؛ لقوله: "كمرمى من رمى" وليس ذلك بجيد؛ لأنه لم يصغ من الفعل وإنما صيغ من المصدر, "وإن"1 حمل على الفعل اللغوي وهو المصدر "فهو صحيح"2, "لولا"3 "أن"4 قوله: "من رمى" يبعده. ثم قال: وشرط كون ذا مَقِيسا أن يقع ... ظرفا لما في أصله معه اجتمع الإشارة إلى ما اشتق من اسم الحدث, يعني: أن هذا النوع لا يكون ظرفا مقيسا إلا إذا كان العامل فيه موافقا له في الاشتقاق نحو: "رميت مرمى زيد"، "وقعدت مقعده", "فلذا"5 عد من الشواذ قولهم: "هو مني مقعد القابلة"6 ونحوه7. وتقدير قوله: "لما في أصله معه اجتمع" مع الظرف في أصله, وهو اسم الحدث. فإن قلت: يخرج من كلامه نحو: "سرني "جلوسي"8 مجلسك"؛ لأن العامل فيه أصله لا شيء اجتمع معه في أصله. قلت: هذا, وإن لم تشمله عبارته فقد "تقرر"9 أن المصدر يعمل عمل فعله.
ثم قال: وما يرى ظرفا وغير ظرف ... فذاك ذو تصرف في العرف كلٌّ من ظرف الزمان وظرف المكان "قسمان"1: متصرف وغير متصرف: فالمتصرف: ما لا يلزم, بل يستعمل ظرفا تارة وغير ظرف أخرى نحو: "يوم وليلة" من الزمان، و"يمين وشمال" من المكان. وغير المتصرف: ما لا يخرج عن الظرفية أصلا "كقَطّ" و"عَوْض"2, أو لا يخرج عنها إلا "إلى"3 "شبهها"4. والمراد بشبه الظرفية الجر "بمن". وإنما يثبت تصرف الظرف بالإخبار عنه والجر بغير "من" "في الاختيار"5؛ لأن "من" كثرت زيادتها فلم يعتد بها. فلذلك حكم على "قبلُ وبعدُ وعندَ ولدُن" بعدم التصرف مع "أنها تجر"6 بمن. وإلى هذا أشار بقوله: وغير ذي التصرف.... البيت ثم قال: وقد ينوب عن مكان مصدر ... وذاك في ظرف الزمان يكثر نيابة المصدر عن الظرف من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وشرط "ذلك"7 إفهام تعيين "وقت"8 أو مقدار، وذلك قليل في المكان كقولهم: "جلست قرب زيد، وقصده" أي: مكان قربه, ومكان قصده.
وكثير في الزمان نحو: "كان"1 ذلك "خفوق"2 النجم، و"طلوع الثريا" أي: وقت خفوق النجم، ووقت طلوع الثريا. وكثرته تقتضي القياس عليه.
المفعول معه
المفعول معه: قال: يُنصَب تالي الواو مفعولا معه ... في نحو سيري والطريق مسرعه المفعول معه: هو الاسم المنصوب بعد "واو بمعنى"1 مع، نحو: "سيري والطريقَ" أي: مع الطريق. وهذا الباب مقيس على الأصح2، وقد فهم ذلك من قوله: "نحو". ثم قال: بما من الفعل وشَبَهه سبق ... ذا النصب لا بالواو في القول الأحقّ ناصب المفعول معه: إما فعل نحو: "استوى الماءُ والخشبةَ", وإما اسم يشبهه نحو: "زيد سائرٌ والطريقَ". ومذهب سيبويه3 أنه لا يعمل فيه العامل المعنوي كاسم الإشارة وحرف التشبيه4 والظرف المخبر به. وأجاز أبو علي في قول الشاعر: ............................. ... هذا ردائي مطويا وسربالا5
أن يكون العامل فيه هذا. وذهب الجرجاني إلى أن ناصبه الواو نفسها؛ لاختصاصها بالاسم، ورُد بأنها لو كانت ناصبة، لاتصل الضمير بها1. ولم يشترط "تقديم"2 فعل أو شبهه، وإليه أشار بقوله: "بالواو", وفهم من قوله: "سَبَق" أن المفعول معه لا يتقدم على عامله, "وهذا"3 متفق عليه. وأما تقديمه على مصاحبه نحو: "استوى والخشبةَ الماءُ" فمذهب الجمهور، والصحيح منعه، وأجازه ابن جني4.
ثم قال: وبعد "ما" استفهام أو "كيف" نصب ... بفعل كون مضمر بعض العرب من كلامهم: "كيف أنت, وقصعة من ثريد" و"ما أنت وزيدٌ" برفع ما بعد الواو على أنها العاطفة، وبعضهم ينصب على أنها التي للمعية وما قبلها مرفوع بفعل مضمر هو الناصب لما بعدها، تقديره: كيف يكون؟ وما يكون؟ والصحيح أن "كان" المقدرة ناقصة، وكيف خبر مقدم، وكذلك "ما". واعلم أن الصالح؛ لكونه مفعولا معه على ثلاثة أقسام: قسم: يجوز فيه العطف والنصب على المعية، والعطف أرجح. وقسم: يجوز فيه الأمران, والنصب على المعية أرجح. وقسم: يمنع فيه العطف. فالأول: "هو"1 ما أمكن فيه العطف بلا ضعف من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى نحو: "قمت أنا وزيد" وإن شئت نصبت. والثاني: ما لا يمكن فيه العطف إلا بضعف من جهة اللفظ نحو: "قمت وزيد"؛ لأن العطف على الضمير المرفوع المتصل بغير توكيد أو فصل ضعيف، أو من جهة المعنى كقولهم: "لو تركتَ الناقةَ وفصيلَها لرضعَها", فإن العطف فيه ممكن على تقدير: لو تركت الناقة ترأَمُ فصيلها وترك فصيلها لرضاعها لرضعه2. هذا تكلف وتكثير عبارة3، فهو "ضعيف"4, والوجه النصب على معنى: لو تركت الناقة مع فصيلها.
والثالث: "هو"1 ما لا يمكن فيه العطف لمانع لفظي نحو: "ما لك وزيدًا؟ " فإن العطف على الضمير المجرور بغير إعادة الجار ممتنع عند الجمهور, أو معنوي نحو: "سرت والجبل" مما لا يصلح للمشاركة. فهذا ونحوه يجب فيه النصب على المعية، ويمتنع "فيه"2 العطف. وقد أشار إلى الأول بقوله: والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق ... .............................. وإلى الثاني بقوله: .............. ... والنصب مختار لدى ضعف النَّسَق وإلى الثالث بقوله: والنصب إن لم يجُز العطف يجب ... ............................... وأما قوله: ................... ... أو اعتقد إضمار عامل تُصِب فيحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون "تخييرا"3 فيما امتنع عطفه بين نصبه على المعية وبين إضمار عامل، حيث يصح إضماره, كقوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} 4. فإنه لا يصح جعله معطوفا؛ لأن أجمع بمعنى عزم, "فلا"5 ينصب "إلا"6 الأمر والكيد ونحوهما. ولك أن تجعل "شركاءكم" مفعولا معه، و"لك"7 أن تجعله مفعولا به بفعل مقدر. تقديره: وأجمعوا من جمع؛ لأن جمع بمعنى ضم المتفرق، فينصب الشركاء ونحوه. وقد حكي أن أجمع بمعنى جمع, فعلى هذا يصح العطف.
والثاني: أن يكون تنويعا. والمعنى: أن ما امتنع فيه العطف نوعان: نوع يجب فيه النصب على المعية، ونوع يضمر له عامل؛ لأن المعية فيه أيضا ممتنعة كقوله: علفتُهَا تبنا وماء باردا1 ... ................... فماء منصوب بفعل مضمر تقديره: "سقيتها ماء", ولا يجوز عطفه لعدم المشاركة ولا نصبه على المعية لعدم المصاحبة. ويجوز أن يجعل "قوله"2: "أو اعتقد إضمار عامل" شاملا للناصب كما مثلنا به.
وللجار كقولك: "ما لك وزيد؟ " فيجوز جره لا بالعطف بل بإضمار الجار، كما نص عليه في شرح الكافية1, وكلامه فيه يؤيد هذا الاحتمال "والله أعلم"2.
الاستثناء
الاستثناء: الاستثناء: إخراج بإلا أو إحدى أخواتها, تحقيقا أو تقديرا. "فالإخراج" جنس و"بإلا أو إحدى أخواتها" مخرج للتخصيص ونحوه, والمراد بالمخرج "تحقيقا" المتصل، وبالمخرج "تقديرا" المنقطع، نحو: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 1, فإن الظن وإن لم يدخل في العلم تحقيقا فهو "في"2 تقدير الداخل فيه، إذ هو مستحضر بذكره لقيامه مقامه في كثير من المواضع. قال ابن السراج: إذا كان الاستثناء منقطعا, فلا بد أن يكون الكلام الذي قبل "إلا" قد دل على ما يستثنى "بها"3 فتأمل، فإنه يدق. ا. هـ. وقوله: "ما استثنت "إلا" مع تمام ينتصب". يجوز أن تكون "ما" موصولة وينتصب خبرها فهو مرفوع، وأن تكون شرطية وينتصب جوابها فهو مجزوم. والمراد بالتمام أن يكون المخرج منه مذكورا، ويقابله التفريغ. يعني: أن المستثنى "بإلا" في غير التفريغ ينتصب متصلا كان, أو منقطعا بعد موجب أو غيره. إلا أن نصبه على ثلاثة أقسام: واجب وجائز، وراجح "وجائز مرجوح"4. فالواجب النصب هو المستثنى بعد إيجاب متصلا أو منقطعا, مؤخرا "كان"5 أو مقدما نحو: "قام القوم إلا زيدا" و"خرج القوم إلا بعيرا" و"قام إلا زيدا القوم". والمرجوح النصب هو المتصل بعد نفي أو شبه نفي، والمراد به النهي والاستفهام المؤول بالنفي.
فمثال النفي: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} 1, ومثال النهي: "لا يقوم إلا زيد", ومثال الاستفهام: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} 2. وأكثر ما يكون ذلك في "هل" و"من". فجميع ذلك يترجح فيه اتباعه للمستثنى منه في رفعه ونصبه وجره بدلا عند البصريين3, وعطفا عند الكوفيين4, وإلى هذا أشار بقوله: وبعد نفي أو كنفي انتُخب ... إِتْباع ما اتصل........ والراجح النصب: هو المنقطع بعد نفي أو كنفي إن صح إغناؤه عن المستثنى منه. فإن بني تميم يجيزون فيه النصب "والإتباع"5 ويقرءون: "إلا اتباعُ الظن", وذكر بعض النحويين أن نصبه "عندهم أرجح"6. وأما الحجازيون فالنصب عندهم واجب7, فإن لم يصح إغناؤه عن المستثنى منه تعين نصبه عند الجميع، وهو كل استثناء منقطع لا يجوز فيه تفريغ ما قبل "إلا" للاسم الواقع بعدها نحو: "ما زاد إلا ما نقص, وما نفع إلا ما ضر". وجعل المصنف منه: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} 8, وإلى هذا القسم الثالث أشار بقوله:
.. وانصب ما انقطع ... وعن تميم فيه إبدال وقع ولكنه أطلق فلم يفصل بين ما يصح إغناؤه، وما لا يصح. ثم قال: وغير نصب سابق في النفي قد ... يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد يعني: أن المستثنى "المتقدم"1 على المستثنى منه بعد نفي, فيه وجهان: أحدهما وهو المختار: نصبه على الاستثناء. والثاني: أن يفرغ العامل له, ويجعل المستثنى منه بدلا. قال سيبويه2: حدثني يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون: ما لي إلا أبوك ناصر، فيجعلون ناصرا بدلا. ا. هـ. وهذا قليل؛ ولذلك قال: "قد يأتي". واحترز بقوله: "في النفي"3 من أن يكون المقدم في الإيجاب، فإنه واجب النصب كما سبق. ولما فرغ من بيان التام, شرع في المفرد فقال: وإن يُفَرَّغ سابق "إلا" لِمَا ... بعدُ يكن كما لو "الا" عُدِما أي: وإن يفرغ ما سبق "إلا" لما بعدها, فحكمه حكم ما لم توجد إلا معه نحو: "ما قام إلا زيد", فقام مفرغ لما بعد "إلا", أعني زيدا فهو فاعل به كما لو عدمت "إلا", وقيل: "ما قام زيد". وقوله: "سابق" أولى من قوله في التسهيل العامل4؛ لأن السابق قد يكون عاملا كما مثّلنا به، وقد يكون غير عامل نحو: "ما في الدار إلا زيد". فإن قلت: على ماذا يعود الضمير في يكن؟
قلت: يحتمل أن "يعود"1 على السابق, أي: يكن السابق في طلبه لما بعد "إلا" كما لو عدم "إلا", وأن يعود على "ما" من قوله: "ما بعدُ" أي: يكن ما بعد "إلا" في تسلط ما قبل "إلا" عليه, كما لو عدم "إلا". تنبيهان: الأول: لا يكون التفريغ إلا بعد نفي, أو شَبَهه. الثاني: يصح التفريغ "لجميع"2 المعمولات إلا المصدر المؤكد. فأما قوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} 3 فمتأول. ولما كانت "إلا" قد تكرر لتوكيد ولغير توكيد, نبه على ذلك فقال: وأَلْغِ إلا ذات توكيد ... ............... وهي التي يصح طرحها، والاستغناء عنها؛ لكون ما بعدها تابعا لما بعد الأولى. فإن صح إغناء الثاني عنه جعل بدلا، وإن لم يصح عطف بالواو. فالأول نحو: لا تمرُر بهم إلا الفتى إلا العلا فإن العلا هو الفتي. والثاني نحو: "لا تمرر بهم إلا زيدا، وإلا عمرا" وقد اجتمعا في قوله: ما لَكَ من شيخك إلا عملُه ... إلا رسيمُهُ وإلا رملُه4
فإن قلت: ما المراد بإلغائها؟ قلت: جعلها "كأنها"1 لم تذكر, فلا تؤثر في لفظ ولا معنى غير التوكيد. ثم قال: ........... ... وإن تُكَرَّر لا لتوكيد يعني: لقصد استثناء، وحينئذ لا يخلو ذلك من أن يكون مع تفريغ ما قبل "إلا" من العوامل, أو مع تمامه. فهاتان حالتان, أشار إلى الأولى بقوله: ................ فمع ... تفريغ التأثيرَ بالعامل دع في واحد مما بإلا استُثني ... وليس عن نصب سواه مغني المراد بالعامل "إلا", وبالتأثير النصب على الاستثناء. فكأنه قال: دع النصب على الاستثناء "بإلا" في واحد من المستثنيين أو المستثنيات. "وليس عن نصب سواه مغني" أي: سوى ذلك الواحد.
والحاصل: أن إلا إذا "كررت"1 لغير التوكيد وما قبلها من العوامل مفرقًا, شغل بواحد ونصب ما عداه على الاستثناء نحو: "ما قام إلا زيدٌ إلا عمرًا إلا خالدًا". "وقد"2 فهم من عبارته فوائد: الأولى: أن الناصب للمستثنى هو "إلا" لقوله بالعامل، ونسبه في التسهيل إلى سيبويه والمبرد3, وزاد في "شرحه"4 الجُرجاني، والخلاف في ذلك شهير5. الثانية: أن الاسم الذي "يشغل"6 به العامل المفرغ، لا يلزم كونه الأول، بل يجوز أن يكون المتوسط والآخر؛ لقوله: "في واحد" إلا أن شغله بالأقرب أولى. الثالثة: أن نصب ما سواه واجب؛ لقوله: "وليس عن نصب سواه مغني", "فهو"7 أنص من قوله في التسهيل: ونُصب ما سواه. ا. هـ8. فإن قلت: عبارته غير وافية بالمقصود من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه أمر بترك التأثير "بإلا" في واحد, فعلم أنه لا ينصب على الاستثناء، ولم يعلم ما "يفعل"9 به.
والثاني: أن الحكم "الذي"1 ذكره إنما يكون إذا لم يكن استثناء كل واحد من متلوه, فإن أمكن جعل "كل"2 واحد مخرجا مما قبله نحو: "ما قام إلا أخوتك إلا زيدًا". والثالث: أن قوله: "وليس عن نصب سواه مغني". ليس كذلك, بل إذا رفع الأول جاز رفع ما بعده إذا قصد "به"3 بدل البداء. قلت: الجواب عن الأول: أنه قد علم أن العامل المفرغ "يشتغل"4 به من قوله: "بعدُ يكن كما "لو" الا "عُدما"". وعن الثاني: أن كلام "المصنف"5 في تكرار إلا مع اتحاد المستثنى منه. وعن الثالث: أنه جعل "بدل بداء"6 كانت إلا للتوكيد فليس من هذا القسم, بل هو مندرج في قوله: "وألغِ إلا ذات توكيد". ثم أشار إلى الثانية بقوله: ودون تفريغ مع التقدم ... نصب الجميع احكم به والتزم مثال ذلك: "ما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا القومُ". ثم قال: وانصب لتأخير وجِئْ بواحد ... منها كما لو كان دون زائد يعني أن العامل إذا لم يكن مفرغا وتأخر ما استثني عن المستثنى منه نصب الجميع إلا واحدا منها, فله معها ما له منفردا نحو: "ما قام أحدٌ إلا زيدًا إلا عمرًا إلا خالدًا". ويجوز رفع واحد منها على البدل؛ لأنه بعد نفي، وهو راجح.
فإن قلت: "فهل"1 يجوز رفع الجميع على الإبدال؟ قلت: قد أجاز ذلك الأبدي2. وظاهر كلام المصنف أنه لا يبدل منها إلا واحد. ثم مثّل ذلك بقوله: كلم يَفُوا إلا امرؤ إلا علي ... ....................... فيجوز رفع "امرؤ" على البدل ونصبه على الاستثناء كما لو انفرد، "ونصب"3 "عليَّ" ولكنه وقف على لغة ربيعة "فحذف"4 تنوين المنصوب، والأصل: إلا عليا. وقوله: ............. ... وحكمها في القصد حكم الأول يعني في الدخول إن كان الاستثناء من غير موجب، وفي الخروج إن كان موجبا. تنبيه: إذا كُررت "إلا" لغير توكيد فتارة يمتنع استثناء كل واحد من متلوه، وتارة "لا يمتنع"5، ولم يتكلم المصنف على الثاني لوضوحه، وقد بينه في الكافية والتسهيل6. ولما فرغ من حكم المستثنى "بإلا", شرع يذكر سائر أدوات الاستثناء، فقال: واستثْنِ مجرورا بغير مُعْرَبا ... بما لمستثنى بإلا نُسبا أصل "غير" أن تكون صفة دالة على مخالفة موصوفها لحقيقة ما أضيفت إليه. وقد تضمن معنى "إلا" فيستثنى بها ولم يكن "به"7 بد من جر ما استثنته
بالإضافة، وأعربت هي بما يستحقه المستثنى "بإلا" من نصب واجب نحو: "قام القومُ غير زيد", أو راجح نحو: "ما لزيد علم غير ظن", أو مرجوح نحو: "ما قام أحدٌ غير زيد", ومن تأثر بعامل مفرغ نحو: "ما قام غيرُ زيد". فإن قلت: قد تقدم أن "إلا" هي ناصب المستثنى عند المصنف, فما ناصب غير؟ قلت: ناصبها العام الذي قبلها على الحال, وفيها معنى الاستثناء. هذا اختيار المصنف. قال في شرح التسهيل: وهو الظاهر من قول سيبويه، وإليه ذهب الفارسي في التذكرة1. والمشهور أن انتصابها على حد انتصاب ما بعد "إلا"2. فإن قلت: ظاهر قوله: مُعْربا, بما لمستثنى بإلا نُسبا. اتحاد جهة النصب, فيكون خلاف ما ذكره في شرح التسهيل. قلت: المفهوم من عبارته أن "غيرا" تعرب بالإعراب المنصوب للمستثنى "بإلا" من نصب أو غيره كما سبق، وليس في ذلك ما يدل على اتحاد جهة النصب. تنبيهات: الأول: قد تحمل "إلا" على "غير" فيُوصَف بها، وما بعدها "مغاير ما قبلها"3, كما حملت "غير" على "إلا", فاستثني بها. وللموصوف بإلا شرطان: أن يكون جمعا أو شبهه، وأن "يكون"4 نكرة أو معرفا بأل الجنسية، فلا يوصف بها مفرد محض ولا معرفة محضة. وتفارق "غيرا" من وجهين:
أحدهما: أن موصوفها لا يحذف وتقام مقامه، فلا يقال: "جاءني إلا زيدٌ" بخلاف "غير". والآخر: أنه لا يوصف بها إلا حيث يصح الاستثناء متصلا, أو منقطعا. فلا "يجوز"1: "عندي درهم إلا جيد"؛ لأنه لا يصح فيه الاستثناء بخلاف "غير". قال في البسيط: وهل يجوز فيه الحال, كما جاز في "غير"؟ فيه نظر, وأجازه ابن السيد. الثاني: يجوز في المعطوف على المستثنى بغير اعتبار اللفظ, واعتبار المعنى. فتقول: "قام القوم غير زيد وعمرو" بالجر على اللفظ، وبالنصب على المعنى. لأن معنى "غير زيد" "إلا زيدا", وتقول: "ما قام غير زيد وعمرو" بالجر وبالرفع؛ لأنه على معنى "إلا زيد". وظاهر كلام سيبويه2 أنه من العطف على الموضع، وذهب الشلوبين إلى أنه من باب التوهم3. الثالث: لا يجوز جر المعطوف على المستثنى "بإلا" نحو: "قام القوم إلا زيدًا" على معنى "غير" خلافا لبعضهم، وما استدل به متأول. ثم قال: ولسوى سوى سواء..... ... ...................... هذه ثلاث لغات، وزاد بعضهم4 "رابعة"5, وهي المدّ مع الكسر.
وظاهر كلامه أنه يستثنى بالثلاث، وهو ظاهر كلام الأخفش، ولم يمثل سيبويه1 إلا بالمكسورة. وقال ابن عصفور في الشرح الصغير: ولم يشرب منها معنى "الاستثناء"2 إلا سوى المكسورة السين, فإن استثني بما عداها فبالقياس عليها. ثم قال: ........... اجعلا ... على الأصح ما لغير جُعلَا أي: اجعل لسوى وأختيها ما جعل "لغير" من كونها تجر المستثنى، وتعرب بإعراب ما بعد "إلا" على ما سبق في "غير" من التفعيل والتمثيل؛ لأنها بمعنى غير. وأشار بقوله: "على الأصح" إلى مذهب سيبويه وأكثر البصريين، وهو أنها ظرف لا يتصرف إلا في الشعر. ونقل عن الفراء: قال سيبويه بعد أن مثّل بقوله: "أتاني القوم سواك": زعم الخليل أن هذا كقولك: أتاني القوم مكانك، إلا أن في سواك معنى الاستثناء. ا. هـ3. قال ابن عصفور: ولما كانت الظرفية فيها مجازا لم "يتصرف"4 فيها, واستدل من قال بظرفيتها بوصل الموصول بها نحو: "جاء الذي سواك". أي: المصنف, وإنما اختار خلاف ما ذهبوا إليه. قال في شرح الكافية لأمرين: أحدهما: إجماع أهل اللغة على أن معنى قول القائل: "قاموا سواك, وقاموا غيرك" واحد، وأنه لا أحد منهم يقول: إن "سوى"5 عبارة عن مكان أو زمان.
والثاني: أن من يحكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك، وأنها لا تتصرف. والواقع في كلام "العرب"1 نثرا ونظما خلاف ذلك2 ا. هـ. وأكثر فيه, وفي شرح التسهيل من "الاستشهاد"3 على تصرفها. وأجاب عن استدلالهم بوقوعها صلة بأنه لا يلزم من وقوعها صلة كونها ظرفا. وأجاز أن يكون موضعها بعد الموصول رفعا على أنها خبر مبتدأ مضمر، وأن يكون نصبا على أنه حال وقبله ثبت مضمرا. قال: ويقوي هذا الوجه قول من قال: "رأيت الذي سواك" بالنصب. "ولنا"4 أن نجعل سواك بعد الموصول خبر مبتدأ "ومضمر"5 على أن يكون مبنيا لإبهامه وإضافته إلى مبني كما فعل ذلك بغير في قوله: لُذْ بقيس حين يأبى غيرَه6 ... .....................
قلت: هذا خلاصة ما ذكره المصنف نصرة لمذهبه، وهو منقول عن الزجاجي. ولقائل أن يقول: ما استدل به لا ينهض دليلا على دعواه. أما ما ذكره من إجماع أهل اللغة فغير مسلم لما نقله سيبويه عن الخليل، وقد تقدم. وأما ما استشهد به من النظم فلا حجة فيه؛ لأن سيبويه ومن وافقه معترف بتصرفه في الشعر، وقد أنشد سيبويه بعضه1 ولم يذكر من تصرفه في النثر إلا جره بمن في الحديث2, وقول بعض العرب: "أتاني سواك" وحكاه الفراء. وأما الجر بمن, فقد تقدم أنه لا يعتدّ به في إخراج الظرف عن عدم التصرف. وأما "أتاني سواك", فهو أقوى ما احتج به. قال في البسيط: قال البصريون: هذا من "الشاذ"3. قلت: وكلام حاكيه -أعني الفراء- يدل على قلته، فإنه قال "في"4 "سواك ومكانك وبدلك ونحوك ودونك": لا تستعمل أسماء مرفوعة.
ثم قال: وربما رفعوا. قال أبو ثروان1: "أتاني سواك", وأما تجويزه كون "سواك" بعد الموصول خبر "مبتدأ"2 مضمر فضعيف؛ لأن فيه حذف صدر الصلة من غير3 طول، ولو كان كذلك لجاز في "غير" فصيحا كما جاز في "سوى"، وأيضا فقولهم: "رأيت الذي سواك" بالنصب يضعفه. وأما ادعاء بنائه لإبهام وإضافته إلى مبني فبعيد، وقد ضعف في باب الإضافة من شرح التسهيل القول بمثل ذلك. وأما تقدير: ثبت فلا يخفى بعده، وقد اتضح بذلك صحة القول بالظرفية إلا أن الظاهر هو عدم لزومها؛ لكثرة تصرفه في الشعر، ولما حكاه الفراء. فهو إذًا ظرف متصرف مستعمل ظرفا كثيرا وغير ظرف قليلا، وهذا مذهب قوم؛ منهم الرماني والعكبري4. وقوله في الكافية: "ومانع تصريفه من عده ظرفا" هـ, يوهم أن كل من قال بظرفيته قال بمنعه التصرف، وليس كذلك, بل المذاهب ثلاثة، والله أعلم. فإن قلت: ظاهر قوله: "ما لغير" مساواتها لغير في جميع الأحكام. وليس كذلك. بل افترقا في أمرين: الأول: أن المستثنى بغير قد يحذف إذا فهم المعنى, نحو: "ليس غيرُ" بالضم والفتح وبالتنوين بخلاف "سوى".
الثاني: أن "سوى" يقع صلة للموصول وحدها في فصيح الكلام, بخلاف "غير". قلت: "إنما ساوى بينهما فيما ذكره لغير من جر المستثنى "وإعرابها بإعراب"1 ما بعد إلا2 في جميع الأحكام. فإن قلت: يلزمه "أنه"3 يجوز في المعطوف على المستثنى بها اعتبار المعنى, كما جاز في "غير". قلت: لا يبعد أن "يلتزمه"4 قياسا. وقوله في التسهيل: تساويها مطلقا سوى, هـ5 بعد ذكره "جوز"6 اعتبار المعنى في المعطوف على مجرور "ظاهر في إجازته". ثم قال: واستثْنِ ناصبا بليس وخلا ... وبِعَدا وبيكون بعد لا أما "ليس" و"لا يكون" فالمستثنى بهما خبرهما؛ فلهذا وجب نصبه واسمهما عند البصريين ضمير عائد على البعض المفهوم من الكلام. والمعنى: ليس هو, أي: بعضهم زيدا. وعند الكوفيين ضمير عائد على الفعل المفهوم من الكلام السابق؛ ولذلك كان مفردا، والتقدير: ليس هو, أي: "ليس"7 فعلهم فعل زيد, فحذف المضاف، ورد بأنه لا يطرد8.
وفي الارتشاف1: قال ابن مالك, وصاحب البسيط: هو محذوف حذف الاسم؛ لقوة دلالة الكلام عليه. وهذا مخالف لما اتفق عليه الكوفيون والبصريون من أن "الفاعل"2 مضمر, لا محذوف. ا. هـ. قلت: قد صرح في شرح الكافية بأن اسمها مضمر مستتر3. وقوله في التسهيل: واسمها بعض مضاف إلى ضمير المستثنى منه لازم الحذف4 ا. هـ. يقتضي ظاهره أنه محذوف لا مضمر، ويمكن أن يكون تجوز في "التعبير" عن الإضمار بالحذف5. فإن قلت: هل لجملتي "ليس" و"لا يكون" في الاستثناء "محل من الإعراب"6؟ قلت: في ذلك خلاف. قيل: هما في موضع نصب على الحال، وقيل: لا محل لهما7، وصححه ابن عصفور8. وأما "عدا وخلا" فقد ثبت بالنقل الصحيح عن العرب أنهما ينصبان المستثنى ويجرانه, فنقول: "قام القومُ عدا زيدًا و"عدا زيدٍ""9 و"خلا عمرًا" و"خلا"10 عمرٍو.
وقد أشار إلى جواز جر المستثنى بهما بقوله: واجرُرْ بسابقَيْ يكون إن تُرِد ... وهما عدا وخلا فإن قلت: هل الأرجح نصب المستثنى بهما أو جره؟ قلت: لا إشكال في أن النصب "بِعَدَا" أرجح؛ لأن فعليتها "أشهر"1. ولذلك التزم سيبويه2 فعليتها, ولم يحفظ حرفيتها. وأما "خلا" "فالنصب"3 بها أرجح أيضا. قيل: ولم يعرف سيبويه الجر بها، وليس كذلك, بل ذكر سيبويه4 فيها الجر أيضا. وقال الأخفش في الأوسط5: كل العرب يجرون "بخلا" وقد زعموا أنه ينصب بها, وذلك لا يعرف. ا. هـ. وهو خلاف المشهور. وقوله: .............. ... وبعدَ ما انْصِبْ..... نحو: "ما عدا زيدًا وما خلا عمرًا"، وإنما تعين النصب بعد "ما"؛ لأنها مصدرية فتعينت "فعليتها"6؛ لأنها لا يليها حرف جر، وتعين النصب مع "ما" هو مذهب الجمهور.
وحكى الجرمي الجر مع "ما" في "الفرخ"1 عن بعض العرب، وإليه الإشارة بقوله: ................. ... .... وانجرار قد يَرِد وأجاز ذلك الكسائي والربعي والفارسي في كتاب الشعر له، وعلى هذا "فما" زائدة لا مصدرية2. وحيث جُرَّا فهما حرفان ... .................. يعني مجردين من "ما", أو مقترنين بها. فإن قلت: بأي شيء يتعلقان إذا كانا حرفي جر؟ قلت: قيل: بالفعل، أو معنى الفعل، فموضعهما نصب، وقيل: هما في موضع نصب على تمام الكلام. وقوله: ............... ... كما هما إن نصبا فِعْلان يعني مجردين من "ما" أو "مقترنين"3 بها، وهما فعلان متعديان والمستثنى بهما مفعول به، وفاعلهما عند سيبويه4 وأكثر البصريين ضمير مستكن عائد على البعض المفهوم من الكلام، ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، وبه جزم في شرح الكافية. وكلامه في التسهيل يقتضي أنه محذوف, كما تقدم في اسم "ليس" و"لا يكون". وقال في شرحه: وفيه ضعف؛ لأن قولك: "قاموا عدا زيدًا"، إن جعل تقديره: عدا بعضهم زيدًا، لم يستقم إلا أن5 يراد بالبعض من سوى زيد.
وهذا وإن صح "إطلاق البعض"1 على الكل إلا واحدا، فليس لقلته في الاستعمال "فالأجود"2 أن يجعل الفاعل مصدر ما عمل في المستثنى منه، فيقدر في "قاموا عدا زيدا": جاوز قيامهم زيدا. ا. هـ. قيل: ولا يطرد, إذ ينتقض في نحو: "القومُ إخوتُك عدا زيدا"؛ لأنه لم يتقدم فعل, ولا "ما"3 يجري مجراه. وينبغي ألا يجوز تقدير: جاوز بعضهم على مذهب الكسائي وهشام؛ لأن البعض عندهما لا يقع إلا على ما دون النصف. والصحيح جواز وقوعه على النصف، وعلى "أزيد"4 منه كقوله: داينتُ أروَى والديون تُقْضَى ... فمطلت بعضا وأدَّت بعضا5 وذهب المبرد إلى أن فاعلهما ضمير "عائد"6 على "من" المفهوم من معنى الكلام, أي: عدا من قام زيدا7.
فإن قلت: هل لجملتي "عدا" و"خلا" محل من الإعراب؟ قلت: إن وقعا صلة "لما" فلا محل لهما، وإلا فقولان كما تقدم في "ليس"، وصحح ابن عصفور أنهما لا محل لهما كما صححه في "ليس" و"لا يكون". فإن قلت: إذا وقعا صلة "لما" المصدرية، فما موضع المصدر والمؤول من الإعراب؟ قلت: نصب بلا خلاف، وإنما اختلفوا في وجه نصبه. فقال السيرافي: هو مصدر موضوع موضع الحال كما يجوز ذلك في المصدر الصريح. وذهب ابن خروف إلى أن انتصابه على الاستثناء انتصاب "غير". وقيل: انتصابه على الظرف "وما" وقتيّة؛ أي: وقت مجاوزتهم1. ثم قال: وكخلا حاشا ولا تصحب ما ... .......................... يعني: أن "حاشا" مثل "خلا" يجوز نصب المستثنى بها وجره، فإذا نصبت كانت فعلا، والخلاف في فاعلها، وفي محل الجملة كما في خلا. وإذا جرت كانت حرفا، والكلام على ما يتعلق به كالكلام على "خلا", لا فرق بينهما إلا "في"2 ثلاثة أوجه: الأول: أن الفراء ذهب إلى أن "حاشا" فعل، ولا فاعل له، والنصب بعده إنما هو بالحمل على "إلا" ولم ينقل عنه ذلك في "عدا" و"خلا", قيل: ويمكن القول فيهما بذلك. الثاني: أن الجر "بحاشا" هو الأكثر بخلاف "عدا" و"خلا"؛ ولذلك التزم سيبويه حرفيتها3 ولم يجز النصب بها؛ لأنه لم يحفظه. وقد ثبت بنقل4 أبي زيد
والفراء والأخفش والشيباني وابن خروف, وأجازه "الجرمي"1 والمازني والمبرد والزجاج"2" 3. الثالث: أن "حاشا" لا تصحب "ما", بخلاف "عدا" و"خلا". قال سيبويه4: لو قلت: "أتوني ما حاشا زيدًا" لم يكن كلاما، وقد أجازه بعضهم على قلة. ا. هـ. وقال في التسهيل: وربما قيل: "ما حاشاه"5, وذكر في شرحه قوله صلى الله عليه وسلم: "أسامة أحب الناس إليَّ ما حاشا فاطمةَ"6. وأنشد بعضهم على ذلك قوله: رأيت الناس ما حاشا قريشًا ... فإنا نحن أفضلهم فَعَالا7
ثم قال: ............ ... وقيل حاشَ وحَشَا فاحفظْهما ظاهره: أن هاتين اللغتين في حاشا التي يستثنى بها. "وقد سمع الاستثناء بحشا في قوله: حشا رهطِ النبي فإن منهم ... بحورا لا تُكدِّرها الدِّلَاء1 ولم يسمع بحاش"2. وكلامه في التسهيل ظاهر في أنهما في "حاشا" التي للتنزيه3 وهي التي يليها المجرور باللام نحو: "حاشا لله".
وقد قرئ باللغات الثلاث وأقلها "حشا", وهذه التي يليها المجرور "باللام"1 "ليست"2 حرفا. قال في "شرح"3 التسهيل بلا خلاف، بل هي إما فعل، وهو مذهب المبرد4، وإما اسم منتصب انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بالفعل5, ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود6: "حاشَ الله"7 بالإضافة مثل: "سبحانَ اللهِ", وقراءة أبي السمال8: "حاشًا لله" بالتنوين مثل: "رَعْيًا لزيد", والوجه في قراءة من لم ينون أن تكون مبنية لشبهها "بحاشا" الحرفية لفظا ومعنى.
الحال
الحال: قال: الحال وصف فضلة مُنتصِب ... مُفْهِم في حال كفردًا أذهب الحال: تذكر وتؤنث، وقوله: "وصف" كالجنس يشمل الحال وبعض الأخبار وبعض النعوت ونحو: "لله دره فارسا" من التمييز. وقوله: "فضلة" "أخرج"1 الخبر، والفضلة ما يجوز الاستغناء عنها إلا لعارض فلا يعترض "بالحال"2 في مثل: "ضربي زيدًا قائمًا", فإن امتناع حذفها لسدها مسد الخبر. وقوله: "منتصب" "أخرج"3 النعت؛ لأنه "يعني"4 لازم النصب, والنعت تابع المنعوت. وقوله: "مفهم في حال" أي: في حال كذا، أخرج نحو: "لله دره فارسا" فإن التمييز "يقدر"5 بمن لا بفي. وقول الشارح: إن هذا التعريف ليس بمانع؛ لأنه يشمل النعت هـ6, غير مسلم لخروجه "بقيد"7 لزوم النصب. تنبيه: ذكر في الكافية والتسهيل أن الحال قد تجر بباء زائدة, إن نفي عاملها8 كقوله: ................... ... فما انبعثت بمزءُود ولا وَكَل9
ونُوزِع في ذلك1. وذكر في باب حروف "الجر"2 من شرح التسهيل أن من الزائدة ربما دخلت على "الحال"3 ومثّله بقراءة من قرأ: "ما كان ينبغي لنا أن نُتَّخَذَ مِن دونك من أولياء"4 مبنيا للمفعول, وفيه نظر. وقوله: "كفردا أذهب" مثال، وفهم "منه"5 جواز تقديم الحال على عاملها وسيأتي. ثم قال: وكونه مُنْتَقلا مشتقا ... يغلب لكن ليس مُستحَقا كون الحال منتقلا أي: غير لازم لصاحبه، ومشتقا أي: مصوغا من مصدر للدلالة على متصف غالب لا واجب. فمن وروده لازما: {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} 6, ومن وروده غير مشتق: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ "أَوِ انْفِرُوا 7 جَمِيعًا} 8.
وقد اجتمع اللزوم والجمود في قولهم: "هذا خاتَمُك حديدًا" و"هذه "جُبَّتُك"1 خَزًّا" وهما من أمثلة سيبويه2. وفصل بعضهم في الانتقال, فقال: الحال قسمان: مبينة ومؤكدة. فالمبينة لا بد أن تكون منتقلة، أو مشبهة بالمنتقلة نحو: "خُلق زيد أشهل"؛ لأنه كان يمكن أن يخلق غير أشهل. والمؤكدة: يجوز أن تكون غير منتقلة، أي: لازمة. ثم قال: ويكثر الجمود في سعر ... ... ................. اعلم أنه يكثر جمود الحال إذا كان مؤولا بالمشتق "تأويلا"3 غير متكلف, وذلك بأن يدل على سعر نحو: "بعته مُدَّا بكذا" أي: مسعرا. أو مفاعلة نحو: "بعته يدًا بيد" أي: مناجزة، أو "تشبيه"4 نحو: "كر زيد أسدا" أي: مثل أسد، أو ترتيب نحو: "ادخلوا رجلا رجلا" أي: مرتين. وفي نصب الثاني أقوال, والمختار أنه وما قبله منصوبان بالعامل "المتقدم"5؛ لأن مجموعهما هو الحال، ونظيرهما في الخبر: "الرمان حلوٌ حامضٌ" أو أصالة نحو: {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} 6 أو فرعية نحو: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} 7 وهي حال مقدرة, أو تنويع: نحو: "هذا مالك ذهبًا"8.
أو "طور"1 واقع فيه تفضيل: "هذا بُسْرًا أطيب منه رُطَبًا"2. أو بنعت نحو: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} 3. وقد اندرج كله تحت قوله: .............. وفي ... مُبْدِي تأول بلا تكلف فإن قلت: الدال على السعر مندرج في ذلك، وقد أفرده بالذكر. قلت: هو من "باب"4 عطف العام على الخاص. ثم قال: والحال إن عُرِّف لفظا فاعتقد ... تنكيره معنى كوحدَكَ اجتهِد لما كان الغالب اشتقاق الحال وتعريف صاحبه, التزم تنكيره "معنى"5 لئلا يتوهم كونه نعتا. وقد يجيء على صورة المعرَّف بالأداة, فيحكم بزيادتها نحو: "ادخلوا الأولَ فالأولَ"6. أو بالإضافة: فيحكم بأنه نكرة لم يتعرف بها نحو: "طلبته جَهْدِي وطاقتي" و"اجتهد وحدَكَ" أي: منفردا. وإذا قلت في المتعدي: "ضربتُ زيدًا وحدَهُ" فمذهب سيبويه أنه حال من الفاعل, أي: ضربته في حال إيحادي له بالضرب. وأجاز المبرد أن يكون حالا من المفعول. ورجح مذهب سيبويه بأن وضع المصدر موضع اسم الفاعل أكثر.
وعين "ابن طلحة كونه"1 حالا من المفعول. قال: لأنهم إذا أرادوا الفاعل قالوا: "مررت به وحدي"2 وفي وحده أقوال: الأول: مذهب سيبويه3 أنه اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، فوجد في موضع إيحاد، وإيحاد في موضع موحد. الثاني: أنه مصدر أوحدته، وهو محذوف الزوائد، وإليه ذهب أبو الفتح. الثالث: "أنه"4 مصدر لم يلفظ له بفعل. وعلى هذين القولين, فهو مصدر في موضع الحال. الرابع: ذهب يونس إلى أنه "منتصب"5 على الظرف؛ لقول العرب: "زيد وحدَهُ" والتقدير: زيد موضِعَ التفرد6. وأجاز ابن هشام في قولهم: "زيد وحده" وجهين: أحدهما: ما قاله يونس. والآخر: أن يكون مصدرا بفعل مقدر هو الخبر, كما قالوا: "زيد إقبالا" أي: يقبل إقبالا. وقد حكى الأصمعي7: "وَحَدَ يَحِدُ", فعلى هذا هو مصدر لفعل مستعمل8.
تنبيه: ما تقدم من اشتراط تنكير الحال هو مذهب الجمهور، وأجاز يونس والبغداديون أن يأتي معرفة، وقاسوا على نحو: "ادخلوا الأولَ فالأولَ". وأجاز الكوفيون أن يأتي على صورة المعرفة، إذا كان فيها معنى الشرط وهي مع ذلك نكرة، وأجازوا: "عبدُ اللهِ المحسنَ أفضل منه المسيءَ"1. ثم قال: ومصدر منكَّر حالا يقع ... بكثرة كبغْتَةً زيدٌ طلع من وقوع المصدر موقع الحال قوله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} 2, {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} 3، وقولهم: "قتلته صبرًا"، و"اطلع زيد بغتةً" وهو كثير. ومع كثرته فنقل إجماع الفريقين على قصره على السماع، وإن اختلفوا في التخريج إلا المبرد، فإنه أجاز القياس "فقيل"4، عنه مطلقا، وقيل: فيما هو نوع الفعل, نحو: "أتيته سُرْعَةً" وهو المشهور عنه5. واستثني في التسهيل ثلاثة أنواع, لا يقتصر فيها على السماع6: الأول: قولهم: "أنت الرجل علمًا", فيجوز "أن"7 تقول: "أنت الرجل أدبًا ونبلًا", والمعنى: الكامل في حال علم وأدب ونبل.
وفي الارتشاف: ويحتمل عندي أن يكون تمييزا1. الثاني: نحو: ""زيد"2 زهير شعرًا"3, قال في الارتشاف: والأظهر أن يكون تمييزا. هـ4. الثالث: "أما علما فعالم"5, تقول ذلك لمن وصف عندك شخصا بعلم وغيره منكِرا عليه وصفه بغير العلم، والناصب لهذه الحال هو فعل الشرط المحذوف، وصاحب الحال هو المرفوع "به"6، والتقدير: مهما يُذكر إنسان في حال علم, فالذي وصفت عالم. ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء، وصاحبها الضمير المستكن فيه, وهي على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يَكُنْ من شيء, فالمذكور عالم في حال علم. فلو كان ما بعد "الفاء لا يعمل" "فيما قبله"8 نحو: "أما علمًا فهو ذو علم", تعين أن يكون العامل فعل الشرط. فلو كان المصدر التالي "أما" معرفا بأل فهو عند سيبويه مفعول له9. وذهب الأخفش إلى أن المنكر والمعرف كليهما بعد "أما" مفعول مطلق. وذهب الكوفيون -على ما نقله ابن هشام- إلى أن القسمين مفعول به بفعل مقدر، والتقدير: مهما تذكر علما فالذي "وُصف"10 عالم.
قال في شرح التسهيل: وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحق ما اعتمد عليه في الجواب. تنبيهان: الأول: مذهب سيبويه في المصدر موقع الحال أنه هو الحال. وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه مفعول مطلق, وعامله المحذوف هو الحال. وذهب الكوفيون إلى أنه مفعول مطلق منصوب "بالفعل"1 قبله, وليس في موضع الحال. وذهب بعضهم إلى أنها مصادر على حذف مضاف، فيقدر في: "أتيته رَكْضًا" إتيانه ركضا. "وقيل: هي أحوال على حذف مضاف، أي: أتيته ذا ركض"2 وكذا سائرها3. الثاني: في قوله: ومصدر منكر حالا يقع ... بكثرة.... تنبيه على "أن"4 وقوع المصدر المعرفة حالا بقلة, وهو ضربان: علم جنس: كقول العرب: "جاءت الخيل بَدَادِ" فيؤول بنكرة أي: متبددة. وذو أداة كقوله: فأرسلها العِرَاكَ ولم يذدها5 ... ......................
فيؤول على زيادة "أل". وفيه "وفي"1 نحوه ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه مصدر في موضع الحال، وهو مذهب سيبويه2. والثاني: أنه معمول لفعل مقدر, أي: تعترك العراكَ، وهو مذهب الفارسي. والثالث: أنه معمول لحال محذوفة, أي: معتركة العراك. وذهب ابن الطراوة إلى أن العراك نعت مصدر محذوف, وليس بحال. أي: الإرسال العراك. وأنشده ثعلب: "فأوردها العراك", وزعم أن العراك مفعول ثانٍ لأوردها، ونقل عن الكوفيين أن أرسلها مضمن معنى أوردها.
ثم انتقل إلى صاحب الحال فقال: ولم يُنَكَّر غالبا ذو الحال وذلك لشبهه بالمبتدأ. وأشار بقوله: "غالبا" إلى أنه "قد"1 ينكر في المواضع الآتية قليلا2، حكاه سيبويه، وجعله مقيسا بغير شرط، وإن كان الاتباع أقوى. والقياس قول يونس والخليل، خلافا لمن قال: لا يجوز في غير الموصوف إلا سماعا ما لم يتقدم. وقوله: إن لم يتأخر. يعني: عن الحال نحو: "هذا قائمًا رجلٌ" مثّل به سيبويه3. وأما نحو: "فيها قائمًا رجل" فيظهر من كلام سيبويه4 أن ذا الحال هو المبتدأ "لا"5 الضمير المستكن في الخبر كما ذهب إليه قوم. قال في شرح التسهيل: وقول سيبويه هو الصحيح؛ لأن الحال خبر في المعنى, "فجعله"6 لأظهر الاسمين أولى من جعله لأغمضهما، وهذا يستقيم لو تساويا في التعريف. وزعم ابن خروف أن الخبر إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا "لا يضمر"7 فيه عند سيبويه والفراء إلا إذا تأخر.
وقوله: أو يُخَصَّص. يعني: بإضافة نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} 1. أو وصف نحو: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} 2, خلافا لمن شرط وصفين، ولو قيل: إن الحال من الضمير "في الوصف"3 لكان أولى. وقوله: أو يَبِنْ، أي: يظهر من بعد نفي. كقوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} 4, خلافا للزمخشري في جعله الجملة صفة "قرية"5. "أو مضاهيه" يعني: مشابهة للنفي وهو النهي, كقوله: لا يركَنَنْ أحد إلى الإحجام ... يوم الوَغَى متخوفا لحِمَام6
والاستفهام كقوله: يا صاحِ هل حُمَّ عيش باقيا فترى ... لنفسك العذر في إبعادها الأملا1
ومثّل النهي بقوله: ......... كلا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا فهذه ستة مسوغات على التفصيل. وزاد في التسهيل ثلاثة1: أحدها: أن تكون الحال جملة "مقرونة"2 بالواو نحو: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ} 3؛ لأن الواو رفعت توهم النعتية. والثاني: أن يكون الوصف به على خلاف الأصل, نحو: "هذا خاتم حديدًا". والثالث: اشتراك المعرفة مع النكرة في الحال, نحو: "هؤلاء ناسٌ وعبدُ اللهِ منطلقينَ", وقد جعل سيبويه لهذه المسألة بابا4. ثم قال: وسَبْق حالٍ ما بحرف جُر قد ... أبوا ولا أمنعه فقد ورد صاحب الحال مرفوع ومنصوب ومجرور. "فتقديمها"5 على المرفوع والمنصوب جائز عند البصريين ما لم "يمنعه مانع"6 كالحصر، ومنع الكوفيون تقديمها على المرفوع الظاهر. فقيل: عنهم مطلقا، وقيل: إن تقدمت على رافعه. ومنعوا تقديمها على المنصوب الظاهر أيضا، فقيل: مطلقا, وقيل: إن لم تكن فعلا. وأما المجرور: فإن كان بإضافة لم يجز تقديم الحال عليه "عند أكثر النحويين"7.
قال في شرح التسهيل: "فإن كانت الإضافة غير محضة جاز كقولك: "هذا شارب السويق ملتوتًا الآن أو غدا"1, وإن كان مجرورا بحرف لم يجز تقديم الحال عليه عند أكثر النحويين"2. وقال المصنف: الصحيح الجواز لثبوته سماعا3، ولضعف دليل المنع إلا أن تقديمه ضعيف مع جوازه. وفصل الكوفيون؛ فقالوا: إن كان المجرور ضميرا نحو: "مررتُ ضاحكةً بها"4, أو كانت الحال فعلا نحو: "مررتُ تضحكُ بهند" جاز، وإلا امتنع5. واستدل المصنف بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} 6, وبأبيات ظاهرة فيما ادعاه7. فإن قلت: أطلق "المصنف"8 في قوله: "بحرف". وينبغي أن يقيد بغير الزائد؛ لأنه موضع الخلاف. قلت: العذر له, إن الزائد لا يقيد به؛ فلذلك أهمل التنبيه عليه لوضوحه9. فإن قلت: على ماذا يعود الضمير في قوله: "أبوا"؟
قلت: ظاهره أنه عائد على جميع النحويين ولا يصح حمله على ذلك؛ لأن منهم من أجاز، وقد نقل الجواز عن الفارسي, وابن كيسان، وابن برهان1, على أن "ابن"2 الأنباري "ذكر"3 الإجماع على المنع, فتعين صرف الضمير إلى الأكثر. فإن قلت: قوله: "ولا أمنعه" يوهم انفراده بجوازه. قلت: لا يلزم من قوله: "أمنعه" انفراده. والمراد "و"4 لا أمنعه, وفاقا لمن أجاز؛ لأنه قد نقل الخلاف في غير هذا الموضع. فإن قلت: قوله: "فقد وَرَد" دعوى لم يقُم عليها دليل، إذ لم يرد نص بذلك لأن الآية التي استدل بها، والأبيات محتملة للتأويل5. قلت: ظاهرها يدل على دعواه، والاحتمال في بعضها بعيد جدا، ولا عدول عن الظاهر مع مساعدة القياس، فليس هذا موضع الكلام على الآية, ولا على الأبيات6.
ثم قال: ولا تُجِزْ حالا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله أو كان جزء ما له أُضيفا ... أو مثل جزئه فلا تَحيفا حاصل هذين البيتين أنه لا يجوز الحال من المضاف إليه, إلا في ثلاثة مواضع: الأول: إذا كان المضاف عاملا في الحال، نحو: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} 1, فهذا جائز. قال في شرح الكافية: بلا خلاف2 هـ. والثاني: أن يكون المضاف جزء المضاف إليه, نحو: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} 3 "فإن إخوانا حال من الضمير المخفوض بالإضافة"4. الثالث: أن يكون مثل جزء المضاف إليه في صحة الاستغناء عنه "به"5, نحو: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} 6. فلو لم يكن أحد هذه الثلاثة لم يجز، قال في شرح التسهيل: بلا خلاف،
نحو: "ضربت غلام هند جالسة"، وحكى غيره عن "بعض"1 البصريين إجازته2. ونُوزِع المصنف في إجازة الحال من المضاف إليه، إذا كان المضاف جزأَهُ أو كجزئه؛ لأنه ما استدل به لا حجة فيه؛ لاحتمال كون "إخوانا" منصوبا على المدح, و"حنيفا" حال من ملة، وذكر على معنى الدين3. فإن قلت: عَلَامَ يعود الضمير في قوله: "عمله"؟ قلت: على الحال, أي: إلا إذا اقتضى المضاف نصب الحال. ثم قال: والحال إن يُنصَب بفعل صُرِّفا ... أو صفة أشبهت المصرَّفا فجائز تقديمة كمسرعًا ... ذا راحل، ومخلصًا زيد دعا يجوز تقديم الحال على عاملها، إذا كان فعلا متصرفا نحو: "مخلصا زيد دعا"4, خلافا للجرمي في منع تقديمها عليه5, وللأخفش في نحو: "راكبًا زيد جاء" لبعدها عن العامل وهو كمثال المصنف، ولبعضهم في منع تقديم المؤكدة. ومنع المغاربة تقديم الجملة الحالية المصدرة بالواو, نحو: والشمسُ طالعةٌ جاء زيدٌ". ونص ابن "أصبغ"6 على أنه لا يمتنع عند الجمهور.
أو صفة تشبه الفعل المتصرف، بقبول علامات الفرعية كاسمي الفاعل والمفعول, والصفة المشبهة نحو: "مسرعًا ذا راحلٌ". ونص سيبويه على جواز تقديمها على الفعل واسم الفاعل ونحوه, واحتُرز بقوله: "صُرِّفا" من غير المتصرف نحو: "ما أحسنَ هندًا متجردة". فلا يجوز تقديمها عليه "لضعفه"1. وبقوله: "أشبهت المصرفا" من أفعل التفضيل، فإنه لا يقبل علامات الفرعية مطلقا. فجعل موافقا "للجوامد من"2 منع تقديم الحال عليه، ما لم يتوسط بين حالين كما سيذكر. تنبيه: جواز تقديم الحال على العامل المتصرف مشروط بعدم المانع، كوقوعه صلة "أل" أو حرف مصدري. ثم قال: وعامل ضُمِّن معنى الفعل لا ... حروفه، مؤخَّرا لن يعملا كتلك ليت وكأن.... ... .............. لا يجوز تقديم الحال على عاملها إذا كان جامدا ضمن معنى المشتق، وذلك أنواع: الأول: الإشارة نحو: "تلك". والثاني: حرف التمني نحو: "ليت". والثالث: حرف التشبيه نحو: "كأَنَّ". والرابع: حرف الترجي، وهو: "لَعَلَّ". والخامس: حرف التنبيه نحو: "هَا".
والسادس: "أما" في نحو: "أما علمًا فعالمٌ". السابع: الاستفهام المقصود به التعظيم نحو: ............. ... يا جارتا ما أنتِ جارَهْ1 وأجاز الفارسي فيه الحال والتمييز. الثامن: الجنس المقصود به الكمال نحو: ""هو"2 الرجل علمًا". التاسع: "المشبه"3 نحو: "هو زهير شعرًا". ونص المصنف على أن جميع هذه تعمل في الحال, خلافا للسهيلي في اسم الإشارة4 وله، ولابن أبي العافية5 في حرف التنبيه6, ولبعضهم في "كأن", ووفاقا للزمخشري وابن عصفور في ليت و"لعل".
وصحّح بعضهم1 أن "ليت" و"لعل" وباقي الحروف لا تعمل إلا "كأنّ" وكاف التشبيه2. وتقدم بيان العامل في الحال بعد "أما" ونسبة العمل إلى "أما" مجاز. وقد اندرج تحت قوله: وعامل ضُمِّن معنى الفعل لا ... حروفه....... نوع عاشر: وهو الظرف وشبهه، إذا ضُمنا الاستقرار, فإنهما يعملان في الحال نحو: "زيد في الدار قائمًا". وللحال في هذا ثلاثة أحوال: تأخر، ولا إشكال في جوازه. وتقدم على الجملة نحو: "قائمًا زيدٌ في الدار" "وهو"3 لا يجوز4, قال في شرح الكافية: بإجماع تبعا لابن ظاهر. وأجاز الأخفش في قولهم: "فداء لك أبي وأمي" أن يكون فداء حالا، والعامل "فيه"5 لك. وأجاز ابن برهان "التقديم"6 إن كانت الحال ظرفا, قال في قوله تعالى: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} 7 "هنالك" ظرف في موضع الحال, و"الولاية" مبتدأ والخبر "لله", وهو عامل في "هنالك"8. وتوسط, وله صورتان:
إحداهما: أن تكون بين الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر نحو: "في الدار قائما زيد", ولا خلاف في جوازها. والأخرى: بالعكس, وهي المشار إليها بقوله: نحو: سعيدٌ مستقرًّا في هَجَرْ وفيها مذاهب: المنع مطلقا، وبه قال جمهور البصريين. والجواز مطلقا، وإليه ذهب الفراء والأخفش في أحد قوليه. والجواز بقوة إن "كانت"1 الحال ظرفا أو حرف جر، ويضعف إن كانت غيرهما وهو مذهب في التسهيل2. والجواز إن كانت من مضمر, نحو: "أنت قائما في الدار" وهو مذهب الكوفيين. فهذه أربعة مذاهب. وقوله: "ندر" ظاهره "مما"3 لا يقاس عليه. وصرح الشارح بذلك4 فقال: و"ما"5 جاء منه مسموعا حفظ, "ولا يقاس"6 عليه هـ. وهو خلاف ما ذهب إليه في التسهيل. واستدل المجيز بقراءة من قرأ: "والسمواتُ مطوياتٍ بيمينه"7.
"وقول"1 ابن عباس2: نزلت عليه الآية ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواريًا بمكة. وبأبيات منها قول النابغة3: رهط ابن كوز مُحْقِبي أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حُذَار4 وتأويل المانع5 وليس هذا موضع بسطه. ثم قال:
ونحو: زيد مفردًا أنفع من ... عمرو مُعَانًا مستجازٌ لن يَهِن لما كان لأفعل التفضيل مزية على الجامد بتضمن حروف الفعل رجع عليه فاغتفر "توسطه"1 بين حالين نحو: "زيد مفردًا أنفع من عمرو معانًا"2؛ فمفردا حال من الضمير المستكن في "أنفع" و"معانا" حال من "عمرو", والعامل فيهما "أنفع" على المختار، وهو سيبويه والمازني وطائفة3. ثم قال: والحال قد يجيء ذا تعدُّد ... لمفرد -فاعلم- وغير مفرد فهاتان صورتان: مثال الأولى: "جاء زيدٌ راكبًا مسرعًا", فهما حالان من "زيد" خلافا لابن عصفور في منعه تعدد الحال في هذا النحو, ما لم يكن العامل أفعل التفضيل. ونقل المنع عن الفارسي وجماعة؛ "فمسرعا" في المثال عندهم نعت لراكب, أو حال من الضمير في "راكب".
والثانية: قد يكون بجمع نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} 1, وقد تكون بتفريق، وله طريقان: إحداهما: أن تولي كل حال صاحبه نحو: "لقيت مصعدا زيدا منحدرا" "ولا إشكال فيها"2. "والأخرى: أن تؤخرهما نحو: "لقيت زيدا مصعدا منحدرا"3"4. فإن لم تكن قرينة تعين, جعل الأولى للثاني "والثانية"5 للأول، لتتصل إحداهما "بصاحبه"6 خلافا لمن عكس. وإن وجدت قرينة عمل بها، نحو: خرجت بها أمشي تجر وراءنا7 ... ..................
ثم قال: وعامل الحال بها قد أكدا الحال نوعان: مُبَيِّنة ومؤكدة خلافا للفراء والمبرد والسهيلي في إنكار المؤكدة1. ثم المؤكدة ضربان: مؤكدة لعاملها، ومؤكدة لمضمون الجملة. المؤكدة لعاملها: قد توافقه معنى لا لفظا، وهو الغالب نحو: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} 2. وقد توافقه معنى ولفظا، وهو قليل، كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} 3, والمؤكدة لمضمون جملة: شرطها أن تدل على معنى لازم أو شبيه باللازم في تقدم العلم به بعد جملة جزآها معرفتان جامدان جمودا محضا نحو قوله: أنا ابن دارةَ معروفًا بها نَسَبِي4 ... ...................
فإن قلت: أطلق في قوله: "وإن تُؤَكِّد جملة" ولم يشترط تعريف جزأيها ولا جمودها، قلت: أما اشتراط التعريف فقد يفهم من تسميتها مؤكدة؛ لأنها إنما تؤكد شيئا قد عرف. وأما اشتراط الجمود, فمن قوله: "وإن تؤكد جملة". لأنه إذا كان أحد الجزأين مشتقا أو في حكمه كان عاملا فيها، وكانت مؤكدة لعاملها لا لمضمون جملة. ولذلك جعل في شرح التسهيل قولهم: "زيد أبوك عطوفًا" و"هو الحق بَيِّنًا" من قِبَل المؤكدة لعاملها، "وهي"1 موافقة معنى لا لفظا. قال: لأن "الأب والحق" صالحان للعمل. وقوله: فمضمر عاملها. يعني: بعد الجملة وتقديره: "أحقه وأعرفه" إن كان المخبر عنه غير "أنا", وإن كان أنا فالتقدير: "أحق أو أعرف أو اعرفني". وكون عاملها مقدرا هو الصحيح2 وهو مذهب سيبويه, خلافا للزجاج في جعله عاملها هو الخبر مؤولا بمسمى. وخلافا لابن خروف في جعله عاملها هو المبتدأ مضمنا تنبيها. فإن قلت: "هل"3 إضمار عاملها واجب أو جائز4؟
قلت: بل واجب، ويؤخذ ذلك من جزمه بالإضمار. وقوله: ولفظها يُؤخَّر يعني: أنه لا يجوز تقديمها على الجملة، ولا على أحد جزأيها لشبهها بالتوكيد، ولأنهم تجوّزوا حذف عاملها، فلا يضم إليه تجوز آخر بالتقديم. فإن قلت: قد تقدم أن الحال نوعان: مبينة ومؤكدة. وقد ذكر النحويون أنواعا أُخَر، وهي المستصحبة نحو: "هذا زيدٌ راكبًا"، والمحكية نحو: "رأيت زيدا أمس ضاحكًا"، والمقدرة نحو: "مررت برجل معه صقرٌ صائدًا به غدا"1, والموطئة نحو: {لِسَانًا عَرَبِيًّا} 2. قلت: لا تستخرج هذه عن النوعين السابقين. ولما كان أصل الحال الإفراد, نبه على أنها قد تكون جملة بقوله: وموضع الحال تجيء جمله ولوقوع الجملة مواقع الحال, شرطان: أحدهما: أن تكون خبرية. فإن وقعت طلبية قدر القول كما في النعت, كقول أبي الدرداء3: "وجدت الناس أخبر تَقله"4 أي: "مقولا"5 فيهم: أخبر تقله، وفي البسيط جوز الفراء وقوع الأمر ونحوه حالا.
والآخر: ألا تكون مفتتحة بدليل استقبال "كلن وحرف التنفيس". ثم مثّل فقال: كجاء زيد وهو ناوٍ رحله وهذا مثال مجمع على جوازه, ثم شرع في التفصيل فقال: وذات بدء بمضارع ثبت ... حوت ضمير ومن الواو خلت يعني: أن الجملة الحالية إذا صدرت بمضارع مثبت, وجب حينئذ اشتمالها على ضمير صاحب الحال، وخلوها من الواو نحو: "جاء زيد يضحك", ولا يجوز: "ويضحك"؛ لأن المضارع مشابه للاسم, فلا تدخل عليه الواو كما لا تدخل على الاسم. تنبيه: ويشترط في خلوه من الواو مع الإثبات شرط آخر, وهو أن يعرى من "قد" -ذكره في التسهيل1- فإن قرن بها: قال الشارح: لزمته الواو نحو: {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} 2. ثم قال: وذات واو بعدها انْوِ مبتدا ... له المضارع اجعَلَنَّ مسندا يعني: أن الجملة المصدرة بالمضارع المثبت العاري من "قد" إذا وردت بالواو نوى3 الأصح بعدها، أي: بعد الواو، مبتدأ، وجعل المضارع خبرا عنه؛ لتصير جملة اسمية كقولهم: "قمتُ وأصكُّ عينَهُ" أي: وأنا أصك4. ثم قال: وجملة الحال سوى ما قُدِّما ... بواو أو بمضمر أو بهما الذي قدم هو الجملة الفعلية المصدرة "بالفعل"5 المضارع المثبت ""وسوى
ما" يشمل"1 الجملة الاسمية، مثبتة أو منفية، والفعلية المصدرة بالمضارع المنفي, وبالماضي مثبتا ومنفيا. ومقتضى قوله: بواو أو بمضمر أو بهما جاز الأوجه الثلاثة في ذلك كله، وليس على إطلاقه فلا بد من بيانه. أما الجملة الاسمية، فإن كانت مؤكدة لزم فيها الضمير، والخلو من الواو نحو: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 2 وكذا إن عطفت على حال كقوله تعالى: {بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} 3 وإن كانت غير مؤكدة، ولا معطوفة جازت الأوجه الثلاثة. إلا أن الأكثر مجيئها بالواو مع الضمير، وأقل منه انفراد الواو، وأقل منه انفراد الضمير. وليس انفراد الضمير مع قلته بنادر خلافا للزمخشري، وقبله الفراء بل هو فصيح4. وجعل في الكشاف5 قوله تعالى6: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} 7 {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} 8 في موضع النصب على الحال.
وأما المصدَّرة بالمضارع المنفي، فإن كان النافي "لا" فهو كالمثبت في لزوم الضمير, والتجرد عن الواو. فإن ورد بالواو قدر المبتدأ على الأصح، كقراءة ابن ذكوان1: "فاستقيما ولا تَتَّبِعَانِ"2 "نص"3 على ذلك في التسهيل4. وقول الشارح5: "وقد تجيء بالضمير واو" هـ, ظاهره عدم التأويل. وإن كان النافي غير "لا"6 جاءت الأوجه الثلاثة، والمسموع من ذلك: "لم ولما وما", والقياس يقتضي "إلحاق"7 إن "بما"8، وأما "لن" فلا مدخل لها هنا. وذكر في التسهيل9 أن المضارع المنفي "بما" لا تغني فيه الواو عن الضمير, وفي كلام غيره التمثيل "بجاء زيد, وما تطلع الشمس". وأما المصدرة بالماضي المثبت، فإن كان تاليا "لإلا" نحو: {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 10.
أو متلوًّا "بأو" نحو: #كن للخليل نصيرا جارَ أو عَدَلا1 ... .............................. أو أصله الشرط نحو: "لأضربَنَّ زيدا ذَهَبَ أو مَكَثَ"2, لزم الضمير والخلو عن الواو، وامتنع دخول قد. وقوله: متى يأتِ هذا الموت لا يُلْفِ حاجة ... لنفسي إلا قد قضيتُ قضاءَهَا3 نادر.
"أو"1 كانت الحال مؤكدة, نحو: "أبو بكر الخليفة قد علمه الناس" تركت الواو أيضا. وإن كان غير ذلك, جازت الأوجه الثلاثة. فإن انفرد الواو, لزمته "قد" نحو: فجئت وقد نَضَّت لنوم ثيابها2 ... ..........................
وإن انفرد الضمير أو اجتمعا, جاز إثبات "قد" وحذفها فهي أربع صور, وترتيبها في الكثرة: "جاء زيد وقد قام أبوه" ثم: "جاء زيد قام أبوه" ثم: "جاء زيد قد قام أبوه" ثم: "جاء زيد وقام أبوه"1. وجعل الشارح الثالثة أقل من الرابعة، وهو خلاف ما في التسهيل2. وذهب قوم؛ منهم الفراء، والمبرد، وأبو علي، إلى3 اشتراط "قد" مع الماضي ظاهرة أو مقدرة4، والمختار أنه لا يحتاج إلى تقدير؛ لكثرة ما ورد من ذلك5. وأما المصدرة بالماضي المنفي, فيجوز فيها الأوجه الثلاثة. وقد تركت تمثيل "أكثر"6 هذه المسائل لوضوحها, وخشية الإطالة. ثم قال: والحال قد يُحذَف ما فيها عَمِل ... وبعض ما يُحذَف ذكره حُظِل يعني: أن عامل الحال قد يحذف، وحذفه على ضربين: جائز وواجب. فالجائز: ما حذف لحضور معناه كقولك للراحل: "راشدًا مهديًّا"7, أو لتقدم ذكره من استفهام أو غيره كقولك: راكبا, لمن قال: كيف جئتَ؟
الواجب: إذا جرت مثلا كقولهم: "حَظِيِّين بَنَاتٍ صَلِفِينَ كَنَّاتٍ"1 أي: عرفتهم. أو بينت ازدياد ثمن أو غيره شيئا فشيئا, مقرونة بالفاء أو بثم, نحو: "بعته بدرهم فصاعدا" أي: فذهب الثمن صاعدا. أو نابت عن خبر نحو: "ضربي زيدًا قائمًا"2, أو وقعت بدلا من اللفظ بالفعل نحو: "أتميميا مرة وقيسيا أخرى؟ "3. وإلى هذه المواضع أشار بقوله: وبعض ما يحذف ذكره حظل "أي: منع"4 "والله أعلم"5.
التمييز
التمييز: قال: اسم بمعنى "مِنْ" مبين نكرة ... ......................... "اسم" جنس، و"بمعنى من" يخرج ما سوى التمييز، والمشبه بالمفعول نحو: "الحسن الوجه", واسم "لا" التبرئة نحو: "لا رجل", ونحو: "ذنبا"، من: أستغفر الله ذنبا1.... ... .......................... فكل ذلك "مشارك"2 التمييز في أنه على معنى "من". "ومبين" يخرج اسم "لا" والمنصوب "باستغفرت"، و"نكرة" يخرج المشبه.
وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى جواز تعريف التمييز1, وما أوهم ذلك مؤول عند البصريين. ثم ذكر حكمه فقال: ............ ... يُنصَب تمييزا بما قد فسره وفهم من قوله: "بما قد فسره" أن عامل التمييز هو المميز, وهو ما قبله من المبهمات المفتقرة إليه، وأقول: التمييز نوعان: الأول: تمييز مفرد، وهو: ما رفع إبهام اسم قبله مجمل الحقيقة, نحو: "رطل "سمنا"2 و"عشرين درهما"". ولا خلاف أن العامل في هذا النوع "هو"3 مميزه كما ذكر. والثاني: تمييز الجملة، وهو ما رفع إبهام نسبة في جملة أو "شبهها"4. وعامل هذا النوع عند سيبويه5 والمازني والمبرد ومن وافقهم هو الفعل، وما جرى مجراه من مصدر ووصف واسم فعل، نحو: "طاب زيدٌ نفسًا" و"عجبتُ من طيب زيد نفسًا" و"زيد طيبٌ نفسًا" و"سرعان ذا إهالةً"6. وذهب قوم إلى أن
العامل فيه هو الجملة التي انتصب عن تمامها, لا الفعل وما جرى مجراه، واختاره ابن عصفور، ونسبه إلى المحققين. فإن قلت: ظاهر قوله: "بما فسره" يقتضي موافقة من جعل العامل في هذا النوع هو الجملة؛ لأن التمييز لم يفسر "الفعل"1 ولا جرى مجراه. قلت: لا يصح حمل كلامه على ذلك؛ لنصه في غير هذا الموضع على أن عامله الفعل، وقد صرح بذلك آخر الباب2. فإن قلت: فكيف يندرج الفعل في قوله: "بما فَسَّره"؟ قلت: لما كان التمييز قد رفع إبهام نسبة إلى فاعله أو مفعوله, فكأنه رفع الإبهام عنه, "فاندرج"3 بهذا الاعتبار4. ثم "مَثَّل"5 تمييز المفرد فقال: كشبرٍ أرضًا وقفيز بُرًّا ... ومَنَوَيْنِ عسلًا وتمرا المفرد الذي يفسره التمييز، إما مقدار وهو المسموع, نحو: "شبرٌ أرضًا", والمكيل نحو: "قفيزٌ بُرًّا". والموزون نحو: "منوين عسلًا"6.
والموزون نحو: "خمسة عشر رطلا" وجعله بعضهم من المقادير. أو مفهم "غيرية"1 نحو: لنا غيرُها إبلًا. أو مثلية نحو: لنا أمثالها شاء. أو تعجب نحو: "الله دره فارسًا"2. وإنما اقتصر في "هذا"3 البيت على التمثيل بالمقدار؛ لكثرة انتصاب التمييز عنه. ثم قال: وبعد ذي وشبهها اجرُرْه إذا ... أضفتها كمد حنطة غِذَا "الإشارة بذي إلى المثل السابقة ونحوها؛ كل ما دل على مساحة أو كيل أو وزن، فيجوز في ذلك "جره"4 بإضافة المميز إليه، فتقول: "شبر أرض وقفيز بر ومنوا عسل", وقد مثل بقوله: كمد حنطة غذا"5. ثم قال: والنصب بعد ما أُضيف وجبا ... إن كان مثل "ملء" الأرض ذهبا يعني: أن جواز جر التمييز بالإضافة مشروط بخلو التمييز من إضافته إلى غير التمييز. فإن أضيف إلى غيره6 وجب النصب نحو: {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} 7.
فإن قلت: ما فائدة الشروط في قوله: "إن كان"؟ قلت: التنبيه على أن تمييز المضاف له حالتان: إحداهما: ألا يصح إغناؤه عن المضاف إليه، فهذا يجب نصبه كالمثال المذكور، إذ لو قيل فيه: "ملء ذهب" لم يستقم المعنى. والأخرى: ألا يصح إغناؤه عنه, فيجوز جره بالإضافة؛ لأن حذف "المضاف إليه"1 غير ممتنع نحو: "زيد أشجعُ الناسِ رجلًا"2 فلك في هذا أن تقول: "هو أشجعُ رجلٍ". فإن قلت: كيف جعل النصب بعد المضاف المذكور واجبا, وقد ذكر "بعده3 جواز جره "بمن"؟ قلت: يعني "بشرط"4 خلوه من "مِنْ" وذلك مفهوم من قوله: "إن كان مثل ملء الأرض ذهبًا" أي: "إن"5 كان كالمثال المذكور في امتناع إغنائه عن المضاف إليه وفي تجرده من "مِنْ". فإن قلت: لم يذكر هنا حكم تمييز العدد. قلت: لأن له بابا يذكر فيه. ثم انتقل إلى بيان موضعين من تمييز الجملة فقال: والفاعل المعنى انصبن بأفعلا ... مُفضِّلا كأنت أعلى منزلا النكرة الواقعة بعد أفعل التفضيل نوعان: أحدهما: فاعل في المعنى وهو السببي, وعلامته أن يصلح للفاعلية عند
جعل أفعل "التفضيل"1 فعلا، نحو: "أنت أعلى منزلًا", فإنه يصلح لذلك فتقول: "علا منزلك" فهذا النوع ينصب على التمييز. والآخر: أن يكون فاعلا في المعنى، وهو ما أفعل التفضيل بعضه، وعلامته أن "يحسن"2 وضع بعض موضع "أفعل"3 ويضاف إلى جمع قائم مقام النكرة نحو: "أنت أفضلُ فقيهٍ", فإنه يحسن فيه ذلك فتقول: "أنت بعضُ الفقهاء". فهذا النوع يجب جره بالإضافة، إلا أن يكون أفعل التفضيل مضافا إلى غيره، فينصب نحو: "أنت أكرمُ الناس رجلًا". ثم قال: وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... ميز "كأكرِمْ بأبي بكر أبا يعني: أنه يجوز انتصاب التمييز بعد كل ما دل على تعجب نحو: "أكرم بأبي بكر أبا"4, "وما أكرمه أبا"، وغير ذلك من الصيغ الدالة على التعجب نحو: "لله دره فارسا". قال في شرح الكافية: والمراد بأبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عن أبي بكر صاحبه5. ولما كان كل منصوب على التمييز فيه معنى "من" وبعضه يصلح لمباشرتها وبعضه لا يصلح, بين ذلك بقوله: واجرُرْ بمِنْ إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كطب نفسًا تفد أي: يجوز في كل تمييز أن يجر "بمن" إلا تمييز العدد، وما كان فاعلا في المعنى، فإنهما لا يجران "بمن" فلا يجوز "عندي عشرون من درهم"، ولا "طاب زيد من نفس", ويجوز فيما سواهما نحو: "عندي قفيز من بُرٍّ". فإن قلت: هذا الضابط غير مستقيم من أوجه:
الأول: أن تمييز العدد لا يمتنع جره "بمن" مطلقا, "لكن"1 يشترط أن يجمع نحو: "عندي عشرون من الدراهم". الثاني: أنه أطلق فيما هو فاعل في المعنى, وهو مقيد. قال الشارح2: لا يجوز جره "بمن" إلا في تعجب أو شبهه. قولهم: "لله دره من فارس". وقال الشاعر: ................... ... فنِعْمَ المرءُ من رجل تَهَامي3
الثالث: أن إجازته جر غير هذين النوعين "بمن"1 ليس على إطلاقه, بل يستثنى من ذلك ما كان "منقولا"2 من الفعل نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} 3, "فلا يجوز جره بمن"4. قلت: أما الأول فلا يرد؛ لأن تمييز العدد متى جمع لم يبق تمييزا اصطلاحيا، فإن شرطه الإفراد. وأما الثاني فهو على إطلاقه، ولا نسلم صحة استثناء الشارح5؛ لأن التمييز في نحو: "لله دره فارسًا" و"نعم المرء من رجل تهامي" تمييز مفرد لا تمييز جملة, "والمنقول عن الفاعل لا يكون إلا تمييز جملة"6. ويلزم الشارح جواز الجر بمن في نحو: "زيد أحسن "به"7 وجهًا"؛ لأنه في تعجب, وقد نص غير المصنف على منعه. وأما الثالث فالظاهر وروده، ولا يقال: لعل المصنف ممن لا يثبت المنقول "عن"8 المفعول كالشلوبين، فإن المصنف أثبته في شرح التسهيل9.
فإن قلت: ما معنى "من" الداخلة على التمييز؟ قلت: هي للتبعيض1. وقال الشلوبين: يجوز أن تكون بعد المقادير وما أشبهها زائدة عند سيبويه، كما زيدت: "ما جاءني من رجل"، قال: "إلا أن المشهور من مذهب النحويين -ما عدا الأخفش- أنها لا تزاد إلا في غير الواجب"2. قال في الارتشاف3: ويدل على صحة ذلك -يعني الزيادة- أنه عطف على موضعها نصبا4, قال الحطيئة: طافت أمامة بالرُّكبان آونة ... يا حسنه مِن قَوَامٍ ومنتقبا5 قال: وعامل التمييز قدم مطلقا ... والفعل ذو التصريف نَزْرا سُبِقا
عامل التمييز إن لم يكن فعلا متصرفا, لم يجز التمييز عليه, قال المصنف بإجماع. وأما قوله: ونارنا لم يُرَ نارًا مثلُها1 ... ...................... فضرورة، وتأوله بعضهم على أن الرؤية علمية، ونارا مفعول ثانٍ. وإن كان فعلا متصرفا, فذهب سيبويه والفراء وأكثر البصريين والكوفيين إلى منع تقديمه عليه, وذكروا لمنع تقديمه عللا2.
وذهب الكسائي والجرمي والمبرد إلى جواز "ذلك"1, ووافقهم المصنف لورود السماع به2 كقوله: أنفسًا تطيب بنيل المنى ... وداعي المنون ينادي جهارا3؟ وأبيات أخر4. فإن قلت: ظاهر قوله: "نزرا سبقا" أنه قليل, فلا يقاس عليه.
قلت: "لا يلزم من قلته ألا يقاس عليه"1, بل هو عنده مَقِيس وفاقا لمن ذكروا. ورُدَّ عليه "أن"2 ما ذكره من أن التمييز قد يسبق الفعل المتصرف، ليس على إطلاقه؛ إذ لنا فعل متصرف ولا يسبقه التمييز بإجماع، وهو "كفى" في نحو: "كفى "بزيد"3 ناصرًا" "فلا يجوز تقديم "ناصرا" على "كفى" وإن كان فعلا متصرفا؛ لأنه بمعنى فعل غير متصرف، وهو فعل التعجب، فمعنى قولك: "كفى بزيد ناصرًا" ما أنصره رجلًا4"5, وهو عند المصنف منتصب عن تمام الجملة.
حروف الجر
حروف الجر: قال: هاك حروف الجر وهي من إلى ... حتى خلا حاشا عدا في عن على مذ منذ رب اللام كي واو وتا ... والكاف والبا ولعل ومتى هذه عشرون حرفا مشتركة في جر الاسم ولكل منها تفصيل يأتي، إلا "خلا، وحاشا، وعدا" فإن حكمها تقدم في الاستثناء. وإلا "كي، ولعل، ومتى"؛ لغرابة الجر بهن. أما "كي" فتجر ثلاثة أشياء: الأول: "ما" الاستفهامية "كقولهم"1 في السؤال عن "علة"2 الشيء: كَيْمَهْ؟ بمعنى: لِمَهْ؟ الثاني: "أن" المصدرية مع صلتها في نحو: "جئت كي تفعل"3 في أحد الوجهين4. الثالث5: "ما" المصدرية مع صلتها في قوله: ................ ... يراد الفتى كَيْمَا يضر وينفع6 وهو نادر.
وأما "لعل" فتجر في لغة عقيل ثابتة "الأول ومحذوفته"1 ومفتوحة الآخر "و"2 مكسورته3, خلافا لمن أنكر الجر بها4. وأما "متى" "فتجر"5 في لغة هذيل بمعنى من6, ومن كلامهم: "أخرجها متى كُمِّه" أي: من كمه.
تنبيه: عد بعضهم من حروف الجر "ها" التنبيه، وهمزة الاستفهام, وهمزة القطع إذا جعلت عوضا من حروف الجر في القسم1. قال في التسهيل2: وليس في الجر في التعويض بالعوض، خلافا للأخفش ومن وافقه ا. هـ. وذهب الزجاج والرماني إلى أن ايمُن في القسم حرف جر وشذَّا في ذلك. "وعد"3 بعضهم منها الميم "مثلثة"4 في القسم نحو5: مَُِ الله، وجعلها في التسهيل بقية "أامُن". قال: وليست6 بدلا من الواو، ولا أصلها "من" خلافا لمن زعم ذلك. "وذكر"7 الفراء أن "لات" "قد"8 تجر الزمان، وقرئ: "ولات حِينِ مناص"9 بالجر. وزعم الأخفش أن "بَلْهَ" حرف جر بمعنى "مِنْ", والصحيح أنها اسم10. وذهب سيبويه11 إلى أن "لولا" حرف جر إذا وليها ضمير متصل نحو: لولاك ولولاي "ولولاه"12.
ومذهب الأخفش والكوفيين، أن الضمير بعدها مرفوع الموضع, استعير ضمير الجر للرفع1. ثم قال: بالظاهر اخصُصْ منذُ مذُ وحتى ... والكاف والواو ورُبَّ والتا حروف الجر نوعان: نوع يجر الظاهر فقط، ونوع يجر الظاهر والمضمر. فالأول: هو الأحرف المذكورة في هذا البيت، ولعل وكي ومتى. والثاني: ما عداها. وقوله: واخصص بمذ ومنذ وَقْتًا, "يعني: أن مذ ومنذ لا يجران إلا الزمان, وسيأتي الكلام عليهما"2. وقوله: وبرُبَّ مُنَكَّرا. يعني أن "رب" لا تجر إلا نكرة, وسيأتي دخولها على الضمير. وأجاز بعضهم أن تجر المعرف بأل، وأنشد: ربما الجامل المؤبل3..... ... .................... بخفض الجامل وصفته
فإن صحت الرواية, حمل على زيادة "أل". وشذ "رب أبيه" و"رب أخيه" و"رب أمه"1. واختلف في معنى "رب", فقيل: للتقليل، وقيل: للتكثير، ونسب كل منهما2 إلى سيبويه. وقيل: تكون "لهما"3, وقيل4: حرف إثبات لم يوضع لتقليل ولا لتكثير5, وفي التسهيل: وللتقليل بها نادر. هـ6. وقوله: "والتاء لله ورب". يعني: أن التاء مختصة باسم الله, نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} 7.
وحكى الأخفش دخولها على الرب, قالوا: "تربِّ الكعبة", وقالوا أيضا: "تالرحمن" و"تحياتك" وهو شاذ. وقالوا: إنها بدل من واو القسم. وقوله: وما رَوَوْا من نحو رُبَّهُ فتى ... نزر................... أشار "به"1 إلى أنه قد ورد دخول رب على المضمر, وأنه قليل. ومنه قول الشاعر: .............. ... ورُبَّهُ عطبا أنقذت من عَطَبه2 وروي: "وربه عطبٍ" بالجر على نية من, وهو شاذ. فإن قلت: إنما أورد النحويون ذلك على أنه "فصيح"3 مقيس "عليه"4, فكيف قال: "نزر"؟
قلت: لعله أراد أنه قليل بالنسبة إلى الظاهر، ويؤيده قوله في الكافية: وربَّهُ عطبا استُندر وقِس ... عليه إن شئت وحُد عن مُلْبِس فقال1: وقس عليه. تنبيهان: الأول: مذهب البصريين أن الضمير المجرور برب يلزم إفراده وتذكيره استغناء بمطابقة التمييز "للمراد"2، وحكى الكوفيون مطابقته أيضا. الثاني: اختلف في الضمير المجرور برب، فقيل: معرفة، وإليه ذهب الفارسي وكثير. وقيل: نكرة، واختاره الزمخشري وابن عصفور. وقوله: كذا كَهَا. أشار به إلى أن الكاف قد تجر ضمير الغائب قليلا, كقول الراجز: ................. ... وأم أوعال كَهَا أو أقربا3
"وإليه"1 أشار بقوله: "كها" "وهذا من الضرائر"2. وقد شذّ دخول الكاف على ضميري المتكلم، والمخاطب في قول الحسن: "أنا كَكَ وأنتَ كِي"3. وقول الشاعر: وإذا الحرب شمَّرت لم تكن كِي4 ... والكاف في:"كِي" مكسورة5
وقد دخلت أيضا على ضميري الرفع والنصب "المنفصلين"1 كقولهم: "ما أنا كأنت "ولا"2 أنت كأنا". "والنصب كقوله: ............ ... ولم يأسر كإيَّاك آسِر3، 4 وجعله في التسهيل أقل من دخولها على ضمير الغائب المتصل5. قيل: وفيه نظر.
بل إن لم يكن أكثر فهو "مساوٍ"1. فإن قلت: إِلَامَ أشار بقوله: "ونحوه أتى"؟ قلت: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون أشار إلى ما ورد من دخول الكاف على الضمير في غير البيت المشار إليه, كقول الشنفرى: لئن كان من جن لأبرح طارقا ... وإن يك إنسا ما كها الإنس تفعل2 ولا حجة في قوله: ......... ... كَهُ ولا كَهُنَّ إلا حاظلا3
على الاتصال؛ "لاحتمال"1 أن يكون أصله كهو. والثاني: أن يكون أشار إلى أنه قد "ندر"2 دخول بعض الأحرف المخصوصة بالظاهر "غير الكاف"3 على الضمير, كما "ندر"4 دخول الكاف عليه كقول الشاعر: فلا والله لا يُلقَى أناس ... فتى حَتَّاك يابن أبي يزيد5 وهو عند البصريين ضرورة. ثم قال: بَعِّض وبَيِّن وابتدِي في الأمكنة ... بمن......... شرع في بيان معاني "بعض"6 هذه الحروف, فبدأ بمن وذكر لها في هذا البيت ثلاثة معانٍ: الأول: التبعيض نحو: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} 7 وعلامتها جواز الاستغناء عنها ببعض.
الثاني: بيان الجنس، نحو: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} 1, وعلامتها صحة وضع الذي موضعها. الثالث: ابتداء الغاية في المكان باتفاق، نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} 2, "ولا"3 تكون لابتداء الغاية في الزمان عند البصريين, وذهب الكوفيون والمبرد وابن درستويه إلى أنها تكون لابتداء الغاية في الزمان, وهو الصحيح4 لكثرته5 نظما ونثرا6. وتأويل "ما كثر"7 ليس بجيد، وإليه ذهب المصنف. وإلى هذا قال: وقد تأتي لبدء الأزمنة. تنبيه: لم يختلفوا في أن من تكون لابتداء الغاية، واختلفوا في التبعيض "والتبيين"8. أما التبعيض, فذهب إليه الجمهور وصححه ابن عصفور، ونفاه المبرد والأخفش الأصغر9 وابن السراج، وطائفة من الحذاق والسهيلي، وقالوا: إنما هي لابتداء الغاية وإن "سائر"10 المعاني التي "ذكروها"11 راجع إلى هذا المعنى.
وأما بيان الجنس، فمشهور في كتب المعربين، وقال به جماعة من المتقدمين والمتأخرين "وأنكره"1 "أكثره"2 المغاربة. ثم قال: وزيد في نفي وشبهه فجر ... نكرة كما لباغٍ من مفر لزيادة "من" عند "جمهور"3 البصريين شرطان: الأول: أن يكون بعد نفي أو شبهه، وهو النهي والاستفهام. والثاني: أن يكون مجرورها نكرة. مثال النفي: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 4, والنهي: "لا يقم "من"5 أحد", والاستفهام: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 6, ومثّل النهي بقوله: "ما لباغٍ من مفرّ". وأجاز بعض الكوفيين زيادتها بشرط تنكير مجرورها فقط7 "نحو"8: "قد كان من مطرٍ". وأجازها الأخفش والكسائي وهشام بلا شرط ووافقهم في التسهيل، قال في شرحه لثبوت السماع "بذلك"9 نثرا ونظما10. تنبيهان: الأول: فائدة زيادة "من" تنصيص العموم, أو مجرد التوكيد.
فالأول مع نكرة لا تختص بالنفي نحو: "ما في الدار من رجل". والثاني: مع نكرة مختصة به1. "التنبيه"2 الثاني: لا إشكال في صحة زيادتها بعد جميع حروف النفي، وأما الاستفهام فلا يحفظ إلا مع "هل"3. قال في الارتشاف: وفي إلحاق الهمزة بها نظر، وصرح "بمنعه"4 بعد كيف ونحوها5. ثم قال: للانتها حتى ولام وإلى ... .................... مثال حتى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 6, ومثال إلى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 7, ومثال اللام: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ} 8. ودلالة اللام على الانتهاء قليل9 بخلاف حتى وإلى, "فإن دلالتهما على الانتهاء كثير"10, فإن قلت: أيهما أمكن في ذلك؟ قلت: إلى؛ لدخولها "فيما"11 لا تدخل فيه حتى، فإن المجرور بحتى يلزم بأن "يكون"12 آخر جزء, أو "ملاقي"13 آخر جزء بخلاف إلى.
"لو"1 قلت: "سرت النهار حتى نصفه" لم يجز. ولو قلت: إلى نصفه لجاز، نص على ذلك الزمخشري والمغاربة, "ووافق"2 المصنف في شرح الكافية وخالف في "التسهيل وشرحه"3, فلم يشترط في مجرور حتى كونه آخر جزء "ولا ملاقي آخر جزء"4 واستدل بقوله: عينت ليلة فما زلت حتى ... نصفِها راجيا فُعدت يئوسا5 وفيه نظر.
"تنبيه"1: اختلف في المجرور بحتى فقيل: الانتهاء "به"2, "فيدخل"3 فيما قبلها إلا بقرينة، وإليه ذهب المغاربة. وذهب المصنف إلى أن الانتهاء قد يكون به فيدخل، وقد يكون عنده فلا يدخل، وزعم أن سيبويه4 والفراء أشارا إلى ذلك. وحكي عن ثعلب أن حتى للغاية, والغاية تدخل وتخرج. وقال في الإفصاح5: وذهب المبرد وأبو بكر وأبو علي إلى أنه داخل. وقال الفراء والرماني: يدخل ما لم يكن غير جزء نحو: "إنه لينام الليل حتى الصباح". وصرح سيبويه بأن ما بعدها داخل ولا بد، ولكنه مثل بما هو بعض ما قبله واختلف أيضا في المجرور بإلى، والذي عليه أكثر المحققين أنه لا يدخل إلا بقرينة6, وقال بعض النحاة: يدخل. ثم قال: .............. ... ومن وباء يُفهمان بدلا علامة ذلك أن يحسن في "موضعهما"7 بدل مثال "من" {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} 8 {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً} 9. ومثال "الباء": "لا يسرني بها حُمُرُ النعَم"10.
وقول الشاعر: وليت لي بهم قوما إذا ركبوا1 ... ............................ وقوله: "واللام للملك" نحو: "المال لزيد" وشبهه نحو: "أدوم لك ما تدوم لي", ويندرج فيه الاستحقاق؛ لأنه مثله في شرح الكافية بنحو: "السرج للفرس"2 هـ. "وجعله في التسهيل"3 مغاير الشبه للملك4. "وفي تعدية أيضا" أي: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} 5، و"تعليل" نحو: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} 6 و"قُفي"، أي: تبع. وقوله: "وزيد" يعني اللام، ولا تزاد إلا مع مفعول به "لتعديه"7 إلى واحد.
وزيادتها ضربان: قياسية: وهي أن تزاد "مقوية"1 لعامل "ضعيف"2 بالتأخير نحو: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} 3، أو بالفرعية نحو: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 4. وغير قياسية: وهي في غير ذلك نحو: {رَدِفَ لَكُمْ} 5 وقد أول على التضمين6. وقوله: والظرفية استبن بما. نحو: "زيد بالبصرة" "وفي" نحو: "زيد في المسجد" وفي هي الأصل, وبها تعتبر باء الظرفية. وقوله: "يبينان السببا". قال في شرح التسهيل: باء السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها "مجازا"7 نحو: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} 8 فلو قصد إسناد الإخراج إلى الهاء لصح وحسن، لكنه مجاز. قال: ومنه "كتبت بالقلم" و"قطعت بالسكين", فإنه يقال: "كتب القلم" و"قطع السكين"9، والنحويون يعبرون عن هذه الباء بباء الاستعانة، وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى. فإن استعمال السببية فيها يجوز، واستعمال الاستعانة "فيها"10 لا يجوز. قال: وباء التعليل هي التي يصلح غالبا في موضعها اللام كقوله تعالى: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} 11, {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} 12 ا. هـ. وفيه اختصار.
وكأن التعليل والسبب عند غيره واحد؛ "فلذلك"1 لم يذكر بالتعليل وإدراجه بالاستعانة في باء السببية مما انفرد به2. واحترز بقوله: "غالبا" "من"3 قولهم: "غضبت لفلان" إذا غضبت من أجله وهو حي, وغضبت به إذا غضبت "من أجله"4 وهو ميت، ومثّل الشرح للسببية بقوله "تعالى"5: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} تبعا لشرح الكافية6. ومثال "في" السببية: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} 7 وعبر عن هذا بالتعليل في الكافية والتسهيل8. وقوله: "بالبا استعن" مثل بالاستعانة في شرح الكافية بقوله: "كتبت بالقلم"9 وتقدم إدراجه لذلك في السببية. "وعَدّ" نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} 10, وباء التعدية هي القائمة مقام همزة النقل في إيصال الفعل اللازم إلى المفعول به.
قال المصنف: وقد وُجدت في المتعدي نحو: "دفعت بعض الناس ببعض"1. "عَوِّض" باء العوض ... هي الداخلة على الأثمان والأعواض نحو: "اشتريت الفرس بألف" و"كافأت الإحسان بضعف" وتسمى باء المقابلة كما "ذكر"2 في التسهيل3. "ألصِقْ" الإلصاق هو معناها الأصلي، ولم يذكر "لها"4 سيبويه غيره5. وقال المغاربة: الباء غير الزائدة لا تكون إلا للإلصاق حقيقة أو مجازا، فقد تتجرد لهذا المعنى، وقد "يدخلها"6 مع ذلك معنى آخر. ومن أمثلة الإلصاق: "وصلت هذا بهذا". "ومثل مع" نحو: {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} 7، وتسمى بالمصاحبة، وعلامتها أن "يحسن"8 في موضعها "مع" ويغني عنها, "و"9 عن مصحوبها الحال كقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَق} 10 أي: مع الحق "و"11 محقا. "ومِنْ" "يعني إلهي"12 للتبعيض نحو: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} 13 قيل:
وهو مذهب كوفي وذكره الفارسي في التذكرة، وتبعهم القتبي1, وروى ذلك عن الأصمعي في قوله: شربن بماء البحر2..... ... ............... قال في شرح التسهيل: والأحسن أن يضمن "شربن معنى: روين"3. "وعن" نحو: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} 4 {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} 5, "أي: عن أيمانهم"6 كذا قال الأخفش, ومثله {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} 7 وكونها بمعنى "عن" بعد السؤال منقول عن الكوفيين، وتأوله الشلوبين على أنها باء السببية, أي: فاسأل بسببه، وتأوله غيره على التضمين, أي: فاعتن أو أهتم به؛ لأن السؤال عن الشيء "اعتناء"8 به.
وقوله: "على للاستعلا" هو أصل معانيها1 ولم يثبت لها كثير "من"2 البصريين غيره، وأولوا ما أوهم خلافه. "ومعنى في" يعني: الظرفية, نحو: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} 3 "أي: في ملك"4 وأول على التضمين أي: تتقول. "وعن" أي: تكون للمجاوزة بمعنى "عن" كقوله: إذا رضيت عليَّ بنو قشير5 ... ........................ أي: عني.
قال في شرح التسهيل: وكذا الواقعة بعد خفي وتعذر واستحال وغضب، وأشباهها. قيل: وهو مذهب كوفي، وقال به القتبي، وتأوله غيرهم1. وقوله: بعن تجاوزا عنى من قد فطن يعني: أن الأكثر في "عن" استعمالها للمجاوزة؛ ولذلك عدي "بها"2 صدر وأعرض ونحوهما. وقالوا: رويت عن فلان؛ لأن المروي "عنه مجاوز"3 لمن أخذ عنه. وقوله: وقد تجي موضع بعد ... ... ................ يعني: عن نحو: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} 4 أي: بعد طبق. وعلى" أي: وقد تجيء عن موضع على نحو قوله: لاهِ ابن عمك لا أُفضلتَ في حَسَب ... عني ولا أنت ديَّاني فتخزوني5
"أي: عليَّ"1. وجعل المصنف منه قولهم: "بخل عنه" والأصل: عليه. وقوله: ........... ... كما على موضع عن قد جُعلا يعني: أن كل واحدة منهما "قد"2 وضعت موضع الأخرى، وتقدم تمثيله. وقال بعض النحويين: لو كانت لها معاني هذه الحروف, لجاز أن تقع حيث تقع هذه الحروف. قال: فوجب تأويل ما ذكروه, مما يخالف معنى المجاوزة. وقوله: "شَبِّهْ بكاف" هذا أشهر معاني الكاف. "وبها التعليل قد يُعنَى" نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} 3. قال في شرح الكافية: ودلالتها على التعليل "كثيرة"4. "وزائدا لتوكيد ورد" "يعني"5: نحو: {لَيْسَ6 كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 7. قيل: ويحتمل أن تكون "مثل" بمعنى صفة فلا تكون زائدة، و"مثل" قد يراد بها الصفة.
وقوله: "واستُعمل اسما"؛ استعمالها اسما مخصوص "عند سيبويه"1 بالشعر نحو: ورحنا بكابن الماء يُجنَب وسطنا2 ... ............................ وأجازه الأخفش في الاختيار، وإليه ذهب المصنف، وهو ظاهر كلام الفارسي3, وشذ أبو جعفر بن مضاء4 فقال: إنها اسم أبدا؛ لأنها بمعنى مثل. وتأول بعضهم "ما ورد من دخول حرف الجر عليها"5 والإضافة والإسناد إليها على حذف الموصوف.
وقوله: "وكذا عن وعلى" أما عن فتكون اسما إذا دخل عليها حرف جر، ولا تجر إلا بمِنْ كقوله: ................ ... مِنْ عَنْ يمين الحُبَيَّا نظرة قَبَل1 وندر جرها بعلى في قوله: على عن يميني مرت الطير سُنَّحا2 ... ................................
قال بعضهم: وفي نحو: دع عنك نهبا صِيح في حجراته1 وأما "على" فذهب قوم منهم ابن طاهر وابن خروف والشلوبين إلى أنها اسم ولا تكون حرفا، وزعموا أن ذلك مذهب سيبويه، ومشهور مذهب البصريين أنها حرف جر وتكون اسما إذا دخل عليها "من" نحو:
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها1 ... ......................... قال بعضهم2: وفي نحو: هون عليك3..... ... ..............
وزعم الفراء ومن وافقه من الكوفيين أن "عن" و"على" إذا دخل عليهما "مِنْ" "بقيا"1 على حرفيتهما. وزعموا أن "من" تدخل على حروف الجر كلها سوى مذ واللام والباء "وفي"2. وقوله: ............... ... من أجل ذا عليهما من دخلا أي: من أجل ثبوت اسميتهما صح دخول حرف الجر عليهما، وخص "من" بالذكر لانفرادها بذلك، وتقدم جر عن بعلى. تنبيه: قال في شرح التسهيل: "عن" بعد دخول من بمعنى جانب، و"على" بمعنى فوق. قوله: "ومذ ومنذ" اعلم أن لمذ ومنذ ثلاث أحوال: "الأولى"3: أن يليهما اسم مفرد مرفوع نحو: "ما رأيته مذ يومُ الجمعة أو منذ يومانِ" وفي ذلك ثلاثة مذاهب: الأول: أنهما مبتدآن "والمرفوع خبر, وإليه ذهب المبرد وكثير من البصريين, والتقدير في المعرفة: أول انقطاع الرؤية يوم الجمعة, وفي النكرة: أمد انقطاع الرؤية يومان. الثاني: أنهما ظرفان في موضع الخبر"4 والمرفوع هو المبتدأ, والتقدير: بيني وبين لقائه يومان، وإليه ذهب الأخفش وطائفة من البصريين.
والثالث: أن المرفوع بعدهما فاعل بفعل مقدر، أي: منذ مضى يوم الجمعة "أو يومان"1, وهما ظرفان مضافان إلى الجملة، وإليه ذهب محققو أهل الكوفة, واختاره السهيلي والمصنف في التسهيل2. "الحالة3 الثانية": أن يليهما جملة, والكثير كونها فعلية نحو: ما زال مذ عقدت يداه إزاره4 ... ...........................
وقد تكون اسمية كقوله: ............... ... ... مذ أنا يافع1 وفي ذلك مذهبان2: أحدهما: أن "مذ ومنذ" ظرفان مضافان إلى الجملة وهو المختار، وصرح به سيبويه3. والثاني: أنهما مبتدآن ونقدر اسم زمان محذوفا يكون خبرا عنهما، والتقدير: مذ زمان عقدت ومذ زمان أنا يافع، وهو مذهب الأخفش، فلا يكونان عنده إلا مبتدأين، واختاره ابن عصفور. "الحالة"4 الثالثة: أن يليهما اسم مجرور كقوله:
.................... ... ورسمٍ عفت آياته منذ أزمان1 وفي ذلك مذهبان: أحدهما: أنهما حرفا جر، وإليه ذهب الجمهور وهو الصحيح. والآخر: أنهما ظرفان منصوبان بالفعل قبلهما. وقد أشار في النظم إلى الأحوال الثلاث. فإن قلت: لا تؤخذ أحكامهما من عبارته. قلت: أما الأولى فالمفهوم من قوله: "رفعا" أنهما مبتدآن؛ لأنهما لا يرفعان ما بعدهما إلا إذا جعل خبرهما؛ لأن المبتدأ رافع الخبر على الأصح. وأما الثانية "فتفهم"2 من ظاهر قوله: "أو أُوليا الفعل".
"أنهما"1 ظرفان مضافان إلى الجملة؛ لأن من جعلهما في ذلك مبتدأين وقدّر بعدهما زمانا هو الخبر فلم يولهما الفعل إلا لفظا. وأما الثالثة: فقد "عدهما"2 "مع"3 حروف الجر فيما تقدم. والحاصل: أنهما قبل المرفوع مبتدآن، وقبل الفعل ظرفان، وقبل المجرور حرفان، والمختار في التسهيل4. فإن قلت: لو قال: "أو أوليا الجملة"5 نحو: "مذ دعا", "لأجاد"6 لتندرج "الجملة"7 الاسمية. قلت: هو كذلك والعذر له في الاقتصار على الفعل أنه "الكثير"8. فإن قلت: شرط "في"9 المرفوع بعدهما والمجرور بهما أن يكون اسم زمان ولم ينبه عليه. قلت: بل نص عليه أول الباب10. ثم أشار إلى "معناهما"11 بقوله: وإن يجرا في مُضِيّ فكمِنْ ... هما وفي الحضور معنى في استبن يعني: أنهما لابتداء الغاية إن جرا ماضيا نحو: "ما رأيته مذ يوم الجمعة"12, وللظرفية إن جرا حاضرا نحو: "ما رأيته مذ يومنا"13.
وزاد في التسهيل1: أنهما يكونان بمعنى "من" و"إلى" معا. هـ فيدلان على الابتداء والانتهاء، وضابط ذلك: أنهما إن دخلا على ماضٍ معرفة فهما بمعنى "من", أو على حاضر معرفة فهما بمعنى "في", أو على نكرة فهما بمعنى "من إلى", ومعا "نحو" ما رأيته "مذ"2 أربعة أيام. وقوله: وبعد من وعن وباء زيد ما. مثال زيادتها بعد "من": "مِمَّا خطاياهم"3 وبعد عن: {عَمَّا قَلِيلٍ} 4, وبعد الباء: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} 5. وقوله: فلم يَعُق عن عمل قد عُلما. يعني: أن "ما" لم تكفها6 عن الجر كما في الآيات. وذكر في التسهيل أن "ما" قد تكف الباء وتحدث فيها معنى التعليل7 كقوله: ................... ... لبما قد تُرى وأنت خطيب8
وقال في الكافية: وقد ترد الباء ما كربما1 ا. هـ. ونُوزِع في ذلك2. وقوله: وزِيدَ بعد رُبَّ والكاف فكف ... وقد تليهما وجر لم يكف يعني: أن "ما" تزاد بعد رب والكاف, كافة وغير كافة. مثالها كافة: {رُبَمَا يَوَدُّ} 3، وقول الشاعر: لعمرك إنني وأبا حميد ... كما النشوانُ والرجل الحليم4
وأجاز ابن يسعون1 كون "ما" في {رُبَّمَا يَوَدُّ} نكرة موصوفة. أي: "ربة"2 -ود يود- وأجاز غيره في البيت كون "ما" مصدرية على مذهب من أجاز وصلها "بالجملة الاسمية"3. ومثالها غير كافة: ربما ضربةٍ بسيف صقيل4
وقول الآخر: ............. ... كما الناسِ مجروم عليه وجارم1 بجر ضربة والناس. فإن قلت: ما الأغلب على "ما" بعد "رب والكاف"؟ قلت: يفهم من قوله: "وقد" أن الكف هو "الأغلب"2 وصرح به في الكافية3. وقوله: وحُذفت رب فجرت بعد بل ... والفا وبعد الواو شاع ذا العمل "مثال ذلك"4 بعد "بل" قول رؤبة: بل بلدٍ ملء الفجاج قتمه5 ... ........................
وبعد الفاء قوله: فحورٍ قد لهوت بهن عين1 ... ..................... وبعد الواو قوله2: وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله ... عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي3
وقد تجر محذوفة دونهن كقوله: رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من جَلَله1
وفي التسهيل: يجر برب محذوفة بعد الفاء كثيرا، وبعد الواو أكثر، وبعد بل قليلا, ومع التجرد أقل. هـ1. ونوزع في كونه كثيرا بعد الفاء, إلا إن أراد بالنسبة إلى بل، وليس الجر بالفاء "وبل"2. قال في التسهيل: باتفاق هـ3، وحكى ابن عصفور الاتفاق، وفي الارتشاف: وزعم بعض النحويين أن الخفض هو بالفاء "وبل"4؛ لنيابتهما مناب رب هـ5. وأما الواو فذهب المبرد والكوفيون إلى أن الجر بها، والصحيح أنه برب المضمرة وهو مذهب البصريين. وقوله: وقد يُجر بسوى رُبَّ لدى ... حذف وبعضه يرى مطردا الجر بسوى "رب" محذوفا, ضربان: مطرد وغير مطرد. فالمطرد في مواضع: الأول: لفظ الجلالة في القسم دون عوض6. الثاني: المعطوف على خبر ليس وما الصالح لدخول الباء نحو: "قوله"7:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقٍ شيئا إذا كان جائيا1 الثالث: "بعد"2 ألا نحو: ألا رجلٍ جزاه الله خيرا3 ... ...................... يريد: ألا من رجل.
الرابع: بعد "كم" الاستفهامية إذا جرت بالحرف نحو: "بكم دراهم "اشتريت ثوبك"؟ 1" خلافا للزجاج في قوله: إن الجر بإضافتها2. الخامس: في جواب ما تضمن "مثل"3 المحذوف نحو: زيد، في جواب: بمن مررت؟ السادس: في المعطوف على ما تضمنه بحرف متصل، نحو: ................... ... وللطير مجرى والجَنوب مصارع4
السابع: في المعطوف على ما تضمنه بحرف منفصل بلا، نحو: ما لمحب جلد أن يهجرا ... ولا حبيبٍ رأفة فيجبُرا1 الثامن: في المعطوف على ما تضمنه بحرف منفصل بلو. ذكر أبو الحسن في المسائل2 أنه يقال: جيء بزيد أو عمرو ولو "أحدهما"3؛ لأن المعتاد أن يكون ما بعد لو أدنى4. التاسع: في المقرون بالهمزة بعد ما تضمنه5 نحو: "مررت بزيد", فتقول "أزيد بن عمرو؟ " حكاه الأخفش في المسائل. العاشر: في المقرون بعد ما تضمنه "كأن"6 يقال: "جئت بدرهم" فتقول: "فهلا دينارٍ". قال الأخفش: وهذا أكثر.
الحادي عشر: في المقرون بإن بعد ما تضمنه، نحو: "امرر بأيهم هو أفضل إن زيدٍ وإن عمرٍو". وأجازه يونس, وجعل سيبويه إضمار الباء بعد إِنْ؛ لتضمن ما قبلها إياها أسهل من إضمار رب بعد الواو, فعلم بذلك اطراده1. الثاني عشر: في المقرون بفاء الجزاء بعد ما تضمنه, حكى يونس: "مررت برجل صالح إن لا صالحٍ فطالحٍ" على تقدير: إن لا أمرر بصالح فقد مررت بطالح2. "فجميع"3 هذه المواضع مطرد يقاس "عليه"4 عند المصنف. والذي "قرره"5 المغاربة، أنه لا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله إلا في "باب"6 القسم، وفي باب كم على خلاف. وأما غير المطرد "فسمع"7 منه أبيات. منها قول الشاعر: إذا قيل أي الناس شر قبيلة ... أشارت كليب بالأكف الأصابع8 قال في التسهيل9: ولا خلاف في شذوذ بقاء الجر في نحو: أشارت كليبٍ بالأكف الأصابع
الإضافة
الإضافة: نونا تلي الإعراب أو تنوينا ... مماتضيف احذف كطور سينا شمل قوله: "نونا تلي الإعراب" المثنى والمجموع على حده، وما ألحق بهما نحو: "رأيت غلاميك" و"خادميك" و"اقبض" "اثنيك"1 و"عشريك", واحترز من نون "لا"2 تلي الإعراب نحو: "مساكين"3 وسنين في لغة من أعربه بالحركات، فإنها لا تحذف للإضافة. وشمل قوله: "أو تنوينا" الظاهر كقولك في طور: "طور سيناء"4, والمقدر كقولك في دراهم: "هذه دراهمك". قاله في شرح الكافية. تنبيه: فهم من "كلامه"5 اقتصاره على التنوين والنون، وأن غيرهما لا يحذف وقد تحذف تاء التأنيث. قال في الكافية6: وحذف تا التأنيث منه قد يرد7 ... في كلمات سمعت فلا تزد.... هـ8، 9 ومنه قراءة بعضهم: "لأَعَدُّوا لَهُ عِدَهُ"10 أي: عدته.
وظاهر كلام الفراء أنه قياس, وجعل منه "قوله تعالى"1: {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ} 2 ثم قال: "والثاني اجرر". في الجار له أقوال: أحدها: أنه المضاف، والثاني: أنه "الحرف"3 المنوي، والثالث: أنه معنى الإضافة. والأول مذهب سيبويه وهو الصحيح؛ لاتصال الضمائر به، ولا تتصل إلا بعاملها. ثم قال: ... وانو "من" أو "في" إذا ... لم يصلح إلا ذاك واللام خذا لما سوى ذينك............ ... ........................ يعني: أن الإضافة على ثلاثة أقسام: الأول: مقدر بمن. وضابطه أن يكون المضاف بعض المضاف إليه مع صحة إطلاق اسمه عليه, نحو: "خاتم فضة". قال في شرح التسهيل: ومن هذا النوع إضافة الأعداد إلى المعدودات، والمقادير إلى المقدرات. ا. هـ. وفي إضافة الأعداد إلى "المعدودات"4 خلاف مذهب ابن السراج أنها مقدرة بمن، ومذهب الفارسي أنها "مقدرة"5 باللام. فإن أضفت عددا إلى عدد نحو: ثلاثمائة، اتفقا على أنها بمعنى من, "فإن"6 لم يصح إطلاق اسمه عليه نحو: "يد زيد" فهي بمعنى اللام على الصحيح, وذهب ابن كيسان إلى أنها بمعنى "من".
الثاني: مقدر بفي. وضابطه أن يكون المضاف إليه وقع فيه المضاف نحو: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 1. قال المصنف: "وأغفل كثير من النحويين"2 الإضافة بمعنى "في" وهي ثابتة في الكلم الفصيح بالنقل الصحيح. ا. هـ. وعن عبد القاهر أن ثَم إضافة "تتقدر"3 بفي, وذلك قولنا: "فلان نَبْتُ الغَدَر" والغدر: المكان الصلب. ومذهب الجمهور أن الإضافة لا تتقدر بغير "من, واللام" ونحو: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} مقدر باللام عندهم على التوسع. الثالث: مقدر باللام، وهو ما سوى النوعين المتقدمين، وتقدير اللام هو الأصل؛ ولذلك يحكم به مع صحة تقديرها وتقدير غيرها, نحو: "يد زيد"؛ ولذلك خصت بالإقحام في نحو: يا بؤس للحرب4...... ... ......................
وذهب ابن الصائغ1 إلى أن الإضافة بمعنى اللام على كل حال. وفي الارتشاف: والذي أذهب إليه "أي: الإضافة تفيد"2 الاختصاص, وأنها ليست على تقدير حرف مما "ذكروه"3, ولا على نيته هـ4. وقوله: ......... واخصص أولا ... أو أعطه التعريف بالذي تلا يعني: أن المضاف يتخصص بالثاني إن كان نكرة نحو: "غلام رجل", ويتعرف به إن كان معرفة نحو: "غلام زيد" هذا "إذا"5 كانت الإضافة معنوية. فإن كانت لفظية, فقد نبه عليها بقوله: وإن يشابه المضاف "يفعل ... وصفا فعن تنكيره لا يعزل "يفعل" هو الفعل المضارع. يعني: أن المضاف إذا كان وصفا "شابه"6 الفعل المضارع في كونه بمعنى الحال والاستقبال, لم يتعرف بالمضاف إليه؛ لأن إضافته غير محضة، لا تفيد إلا تخفيف اللفظ. فإن قلت: هل تقدر اللام في الإضافة اللفظية؟ قلت: لا, إذ هي ليست على معنى حرف مما سبق, خلافا لبعض المتأخرين
في زعمه أن إضافة اسم الفاعل "وأمثلة المبالغة"1 واسم المفعول المضاف إلى "منصوب"2 على معنى اللام. واستدل بأن وصولها إلى المفعول باللام "شائع"3 في فصيح الكلام، ورد بأنه لا يطرد في الصفة المشبهة. ثم مثل قال: كرُبَّ راجينا عظيم الأمل ... مروع القلب قليل الحِيَل فرب "راجينا"4 مثال لاسم الفاعل، وعظيم الأمل وقليل الحيل مثالان للصفة المشبهة، ومروع القلب مثال لاسم المفعول. ثم قال: وذي الإضافة اسمها لفظية ... ........................... سميت بذلك؛ لأن فائدتها في اللفظ, وتسمى أيضا مجازية وغير محضة. ثم قال: "وتلك محضة" يعني: التي تفيد التخصيص والتعريف، تسمى محضة؛ لأنها خالصة من شائبة الانفصال. "ومعنوية"؛ لأن فائدتها في المعنى. تنبيهات: الأول: ذهب ابن برهان وابن الطراوة إلى أن إضافة المصدر إلى مرفوعه أو منصوبه غير محضة، والصحيح "أنها"5 محضة لورود السماع بنعته بالمعرفة كقوله:
إن وجدي بك الشديد أراني ... عاذرا فيك من عهدت عَذُولا1 وذهب ابن السراج والفارسي إلى أن إضافة أفعل التفضيل غير محضة، والصحيح أنها محضة؛ لأنه ينعت بالمعرفة، ونص سيبويه على أن إضافته محضة، وذهب الفارسي ومن وافقه إلى أن إضافة الاسم إلى الصفة غير محضة، وذهب غيرهم إلى أنها محضة، وذهب المصنف إلى أنها شبيهة بالمحضة. الثاني: المعروف "أن الإضافة تنقسم"2 إلى محضة, وغير محضة. وزاد في التسهيل ثالثا, وهو الشبيه بالمحضة3, وهو أنواع: الأول: إضافة الاسم إلى الصفة, كما تقدم4. والثاني: إضافة "المسمى إلى الاسم"5 نحو: "شهر رمضان" و"يوم الخميس" و"سعيد كرز". والثالث: إضافة الصفة إلى الموصوف نحو: "سحقُ عمامة"6.
وقوله: ................. ... وإن سقيت كرام الناس فاسقينا1 وذهب ابن عصفور إلى أنها غير محضة، وذهب غيره إلى أنها محضة. الرابع: إضافة الموصوفات إلى القائم مقام الوصف, كقوله: علا زيدنا يوم النَّقَا رأس زيدكم2 ... ............................
أي: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم, "فحذف"1 الصفتين وجعل الموصوف خلفا عنهما في الإضافة. الخامس: إضافة المؤكَّد إلى المؤكِّد, وأكثر ما يكون في أسماء الزمان المبهمة نحو: "يومئذ"2, وقد يكون في "غيرها"3 كقول الشاعر: فقلت انجوَا عنها نجا الجلد إنه ... سيرضيكما منها سنام وغاربه4 أراد اكشطا عنها الجلد؛ لأن النجا هو الجلد.
السادس: إضافة الملغى إلى المعتبر نحو: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما1 ... ............................... السابع: إضافة المعتبر إلى الملغَى, كقول بعض الطائيين: ... أقام ببغداد العراق وشوقه ... لأهل دمشق الشام شوق مبرح2 الثالث: أهمل المصنف هنا نوعين مما لا يتعرف بالإضافة: أحدهما: ما وقع موقع نكرة لا تقبل التعريف نحو: "رب رجل وأخيه". و"كم ناقة وفصيلها"، و"فعل ذلك جهده، وطاقته".
ونحو: ............... ... لا أباك تخوِّفيني1 لأن رب وكم يجران المعارف، والحال لا تكون معرفة، و"لا" لا تعمل في المعرفة. ثانيهما: ما لا يقبل التعريف؛ لشدة إبهامه كغير ومثل وحسب2. وزعم المبرد أن "غير" لا تتعرف أبدا، وقال السيرافي: تتعرف إذا وقعت بين متضادين، وزعم ابن السراج أنه إذا كان المغاير "والمماثل"3 واحدا كانت "غير ومثل" "معرفين"4. قال في شرح التسهيل: وقد يُعنَى "بغير" و"مثل" مغايرة خاصة ومماثلة
خاصة فيحكم بتعريفها. وأكثر ما يكون ذلك في "غير" إذا وقع بين ضدين، وأجاز بعض العلماء منهم السيرافي أن يعمل على هذا "قوله تعالى"1: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} 2 لوقوع "غير" فيه بين متضادين وليس بلازم؛ لقوله تعالى: {نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} 3, "فنعت"4 به النكرة مع وقوعه بين متضادين. ا. هـ. ثم قال: ووصل أل بذا المضاف مغتفر الإشارة إلى الوصف "المشابه"5 للمضارع, يعني: أن وصل أل بما إضافته لفظية مغتفر لا مطلقا, بل بشرط كونه مضافا إلى ما فيه "أل" نحو: "الجعد الشعر". أو مضافا إلى ما فيه أل نحو: "الضارب رأس الجاني" أو مثنى أو مجموعا على حدة نحو: "الضاربا زيد" و"المكرمو عمرو". وأما جمع التكسير وجمع المؤنث السالم "فكالمفرد وعنهما احترز"6 بقوله: "سبيله اتبع" أي: اتبع سبيل المثنى في سلامة واحده وإعرابه بالحرفين. فإن قلت: مفهوم الشرط أن وصل أل "بذا المضاف"7 فيما سوى هذه الصور الأربع غير مغتفر. وقد ذكر في التسهيل صورة خامسة8 يغتفر فيها ذلك "أيضا"9 و"هي"10 أن يكون الثاني مضافا إلى ضمير المقرون بأل, كقوله:
الود أنتِ المستحقة صفوه1 ... ........................ قلت: إنما أهمل هذه "الصورة"2 هنا لقلتها, وللخلاف في جوازها. فإن المبرد منع الجر في نحو ذلك وأوجب النصب، ولكن الصحيح جوازه؛ لثبوته في المستحقة صفوه "هكذا"3 روي بالجر. ثم قال: وربما أكسبت ثانٍ أولا ... ثأنيثا إن كان لحذف موهلا يعني: أن المضاف قد يؤنث لتأنيث المضاف إليه، بشرط صحة حذفه، والاستغناء عنه بالمضاف إليه "فيشمل"4 أربعة أنواع: الأول: أن يكون المضاف بعضا وهو مؤنث كقوله:
إذا بعض السنين تعرقتنا1 لأن بعض السنين سنة. والثاني: أن يكون بعضا وهو مذكر كقوله: ............. ... كما شرقت صدر القناة من الدم2
والثالث: أن يكون وصفا للمؤنث كقوله: مشين كما اهتزت رماح تسفَّهت ... أعاليها مر الرياح النواسم1 والرابع: ألا يكون بعضا ولا وصفا، ولكنه شبيه بالبعض في صلاحيته "للسقوط" 2 كقولهم: اجتمعت أهل اليمامة3. وذكر الفارسي خامسا, وهو أن يكون المضاف "كل" كقول عنترة: جادت عليه كل عين ثَرَّة4 ... .....................
ومنه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ} 1 والتأنيث في هذا النوع أفصح بخلاف ما قبله. تنبيه: قد يرد مثل ذلك في التذكير, ومنه قول الشاعر: رؤية الفكر ما يئول له الأمر ... معين على اجتناب التواني2 ثم قال: ولا يضاف اسم لما به اتحد ... معنى وأول موهما إذا ورد
لا بد من كون المضاف غير المضاف إليه بوجه ما؛ لأن المضاف يتخصص أو يتعرف بالمضاف إليه، والشيء لا يتخصص ولا يتعرف بنفسه، وما أوهم ذلك أول. فما يوهم الإضافة إلى المرادف نحو: "سعيد كرز" "فيؤول"1 الأول بالمسمى، والثاني بالاسم, كأنك قلت: جاءني مسمى هذا اللقب. ومما يوهم إضافة الصفة إلى الموصوف قولهم: "سحق عمامة", "وجرد قطيفة, بإضافة الشيء إلى جنسه, أي: سحق من عمامة"2. ومما يوهم إضافة الموصوف إلى صفته قولهم: "مسجد الجامع". فيؤول بحذف المضاف إليه وإقامة صفة مقامه, أي: مسجد المكان الجامع. وذهب الكوفيون إلى أن الصفة ذهب بها مذهب الجنس ثم أضيف الموصوف إليها كما يضاف بعض الجنس إليه في نحو: "خاتم حديد", وعلى هذا فلا حذف. وإضافة الصفة إلى موصوفها، والموصوف إلى صفته "لا ينقاس"3. وأجاز الفراء إضافة الشيء إلى ما بما معناه؛ لاختلاف اللفظين، ووافقه ابن الطراوة وغيره ونقله في النهاية4 عن الكوفيين. وقال الفراء: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} 5 أضيفت الدار إلى الآخرة, وهي الآخرة. والعرب قد تضيف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه كيوم الخميس. وذكر مثلا منها: {حَقُّ الْيَقِينِ} 6 و {حَبَّ الْحَصِيدِ} 7 و {حَبْلِ الْوَرِيدِ} 8.
وظاهر التسهيل وشرحه موافقة الفراء1. ثم قال: وبعض الأسماء يضاف أبدا ... ................... إنما احتِيج "إلى"2 التنبيه على الأسماء التي لازمت الإضافة لخروجها عن الأصل, إذ الأصل جواز إفراد الاسم عن الإضافة. ثم الأسماء "الملازمة"3 للإضافة على قسمين: قسم يلازمها لفظا ومعنى نحو: "قصارى" و"حمادى"4 و"لدى". وقسم يلازمها معنى لا لفظا نحو: "كل" و"بعض" و"أي". وإلى هذا أشار بقوله: ................... ... وبعض ذا قد يأتِ لفظا مفردا تنبيهات: الأول: لكلٍّ موضعان تلزم فيهما الإضافة لفظا ومعنى: أحدهما: إذا "وقعت"5 نعتا، والآخر: إذا "وقعت"6 توكيدا خلافا للفراء والزمخشري في التوكيد. الثاني: شذ تنكير "كل" ونصبه على الحال فيما "حكاه"7 أبو الحسن. وعلى هذا, فلا يمتنع إدخال "أل" "عليه"8. الثالث: مذهب سيبويه والجمهور أن "كلا وبعضا" معرفتان "بنية"9 الإضافة, وقالوا: "مررت بكل قائما" و"ببعض جالسا"10.
وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان، وألزم من قال بتعريفهما أن يقول: "إن"1 نصفا وثلثا وسدسا معارف؛ لأنها في المعنى مضافات، وهي نكرة بإجماع. ورد بأن العرب تحذف المضاف وتريده وقد لا تريده، ودل مجيء الحال بعد "كل وبعض" على إرادته. ثم إن الملازم2 للإضافة "ثلاثة"3 أنواع: أحدها: ما لزم الإضافة إلى "المضمر"4. والثاني: "ما يضاف"5 إلى الظاهر "والمضمر"6. والثالث: ما لزم الإضافة إلى الجملة. وقد أشار إلى الأول بقوله: وبعض ما يضاف حتما امتنع ... إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع كوحد لبى ودوالى سعدى ... وشذ إيلاء يدي للبى تقدم الكلام على نصب "وحد" في باب الحال، وهو ملازم للإضافة إلى "المضمر"7 ولازم الإفراد والتذكير؛ لأنه مصدر، وربما ثني مضافا إلى ضمير مثنى. حكى ابن سيده8 "جلسا على وحدهما, وعلى وحديهما"9 ووحد منصوب دائما، وقد يجر بإضافة نسيج وجحيش وعيير.
والأول للمدح, والأخير للذم. وزاد بعضهم قريع وحده وهو للمدح، وقد يجر بعلى كما سبق1. وأما "لبى ودوالى وسعدى" فهي مصادر مثناة تلزم الإضافة إلى "المضمر"2, فتقول: لبيك وسعديك ودواليك ونحوها: حنانيك وهذاذيك وحجازيك وحذاريك. قال في النهاية: ومن المصادر المثناة حذاريك -بفتح الحاء- ولا مفرد له. تنبيهات: الأول: الناصب لهذه المصادر واجب الإضمار, ويقدر في غير لبيك من لفظه والتقدير في لبيك: "أجبت"3 إجابتك، وكأنه من ألب بالمكان إذا قام به. الثاني: يجوز استعمال لبيك وحده، وأما سعديك فلا يستعمل إلا تابعا للبيك. قال سيبويه: أراد بقول لبيك وسعديك: إجابة بعد إجابة4. الثالث: هذه التثنية عند الجمهور للتكثير "لا تقع على الواحد"5. الرابع: ذهب الأعلم، إلى أن الكاف في لبيك وأخواته حرف خطاب لا موضع "له"6 من الإعراب وحذفت النون لشبه الإضافة.
الخامس: حكى سيبويه عن بعض العرب1: لبِّ، على أنه مفرد لبيك غير أنه مبني على الكسر، لقلة تمكنه. واختلف فيه؛ فقيل: ينصب نصب المصدر كأنه قال: إجابة, وقال المصنف: جعلوه اسم فعل. وقوله: وشذ إيلاء يدي للبى أشار إلى أنه شذت إضافته إلى الظاهر في قوله: دعوت لما نابني مسورا ... فلبى فلبى يدي مسور2 تنبيه: ذهب يونس إلى أن لبيك اسم مفرد وأصله لبى قلبت ألفه ياء للإضافة إلى المضمر كما في عليك.
ورد عليه سيبويه بقوله: "فلبى يدي مسور" لإثبات الياء مع الظاهر1, فإن قلت: قد ذكر في شرح التسهيل: إن إضافة لبيك إلى "المضمر"2 الغائب شاذة كإضافته إلى الظاهر، ومنه قول الراجز: لقلت لبيه لمن يدعوني3 وظاهر كلامه هنا جواز إضافته إلى المضمر مطلقا. قلت: لا يلزم من قوله: "امتنع إيلاؤه اسما ظاهرا" جواز إضافته لكل مضمر.
وفي الارتشاف: "ويضاف"1 إلى الظاهر؛ تقول: لبى زيد وسعدى عمرو, وإلى ضمير الغائب قالوا: لبيه، ودعوى الشذوذ فيهما باطلة. هـ2. ثم أشار إلى الثالث بقوله: وألزموا إضافة إلى الجمل ... حيث وإذ....... شمل قوله: "إلى الجمل", "الجملة"3 الاسمية والفعلية: فالاسمية نحو: "جلست حيثُ زيدٌ جالس" و"إذ زيدٌ جالس". والفعلية نحو: "حيثُ جلسَ زيد"، و"إذ جلسَ زيد". فإن قلت: كيف قال: وألزموا مع إذ, حيث قد ورد إضافتها إلى مفرد، في قوله: أما ترى حيثُ سهيلٍ طالعا4 ... ........................
وقد جاءت غير مضافة في قوله: إذا ريدة من حيثُ ما نفحت له1 ... ....................... قلت: أما إضافتها إلى المفرد "فهو ممنوع"2 عند البصريين إلا في ضرورة, وهو عند الكسائي في قياس. وأما عدم إضافتها فهو أندر "منه"3 مع أن في شاهده احتمالا ظاهرا، فلندور ذلك واختصاصه بالضرورة قال: وألزموا. وقوله: ............. وإن ينون يحتمل ... إفراد إذ..........
يعني: أن إذ يجوز إفرادها لفظا عن الإضافة، لكن بشرط أن يعوض "عن"1 الجملة المحذوفة تنوين نحو: "يومئذ", ولا تشاركها "حيث" في ذلك. ولهذا قال: "يحتمل إفراد إذ". فإن قلت: لِمَ كسرت الذال من يومئذ2 ونحوه؟ قلت: لالتقاء الساكنين خلافا للأخفش، إذ جعل كسرها للجر بالإضافة, ورد بأوجه منها: أنهم قالوا يومئذ بالفتح. تنبيه: قولهم: "إذ ذاك" ليس من الإضافة إلى المفرد, بل إلى جملة اسمية, والتقدير: إذ ذاك كذلك3. ........ وما كإذ معنى كإذ ... أضف جوازا.......... يعني: أن "المشابه لإذ"4 في كونه اسم زمان مبهما غير محدود يراد به المضي أضيف جوازا "إلى"5 ما يضاف إليه إذ وجوبا, يعني: الجملتين، وذلك نحو: يوم وأيام. فلو كان غير مبهم أو محدودا لم يضف إلى الجمل, فلا يجوز إضافة "أسبوع وشهر ويومين ونحو من المثنى وأجاز المغاربة إضافة"6 أسبوع وشهر ونحوه. وأجاز ابن كيسان إضافة المثنى ولم يسمع، ولو مرادا به الاستقبال لم يضف كإذ, بل يضاف كإذا أعني: إلى جملة فعلية؛ لأن "إذا" وما حمل عليها لا يضاف إلى الاسمية.
هذا مقتضى مذهب سيبويه؛ ولذلك يؤول قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} 1 على "تنزيله"2 منزلة الماضي. قال المصنف: والصحيح جواز ذلك على قلة، يعني: في "إذا" وما حمل عليها. تنبيهان: الأول: منع صاحب البسيط إضافة المتوسع فيه إلى الجملة، قال: لأنه اسم حينئذ، والأسماء لا تضاف إلى الجمل، وليس بصحيح. بل قد أُضيف متوسعا فيه نحو: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} 3. الثاني: "الظاهر"4 أن إضافة أسماء الزمان إلى الجمل محضة تفيد التعريف. وفي البسيط: قد يقال: لا تفيده؛ لأن الجمل نكرات. ثم قال: وابن أو أعرب ما كإذ قد أجريا ... ........................... يعني: أنه يجوز فيما أجري مجرى "إذ" من أسماء الزمان فأضيف إلى جملة, وجهان: الإعراب وهو القياس، والبناء "وهو ضعيف"5, وسببه عند البصريين المشاكلة؛ ولذلك لم يجيزوه إلا قبل فعل مبني. "و"6 قال المصنف: بل سببه شبه الظرف حينئذ بحرف الشرط في جعل الجملة التي تليه مفتقرة إليه، وإلى غيره، وذلك إن قمت من قولك: ""حين"7 قمت قمت" كان كلاما تاما قبل دخول "حين" عليه وبعد دخولها حدث له افتقار, فشبه "حين" وأمثاله بإن.
ثم قال: .............. ... واختر بنا متلوّ فعل بُنيا شمل قوله: "بنا" الماضي نحو: على حين عاتبت المشيب على الصَّبَا1 ... ...................... والمضارع المبني كقوله: ..................... ... على حين يستصبين كل حليم2
يروى ببناء "حين" أنشده في شرح التسهيل، فكلاهما يختار معه البناء, فعبارته هنا أجود من قوله في الكافية: وقبل فعل ماض البنا رجح ... والعكس قبل غيره أيضا وضح ثم قال: وقبل فعل معرب أو مبتدأ ... أعرب........... مثال الفعل المعرب: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} 1 والمبتدأ. ألم تعلمي يا عمرك الله أنني ... كريم على حين الكرام قليل2
فالإعراب قبل هذين جائز باتفاق. وأما البناء فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون, "ومال"1 الفارسي إلى تجويزه. واختاره المصنف؛ ولذلك قال: "ومن بنى فلن يفندا". لأن علة البناء "ليست لطلب"2 المشاكلة, بل ما تقدم3. قد ورد السماع بالبناء قبل الجملة الاسمية في قوله: على حين الكرام قليل4, فإنه روي بالفتح، وإذا ثبت قبل الاسمية كان قبل "الفعل"5 المضارع أولى؛ لأن أصله البناء. ثم قال: وأُلزموا إذا إضافة إلى ... جمل الأفعال كهن إذا اعتلى مذهب الجمهور أن "إذا" لازمة "للإضافة"6, والجملة بعد "ها"7 في موضع جر والعامل فيها جوابها. وقيل: ليست مضافة, والعامل فيها الفعل الذي يليها لا جوابها؛ لأن جوابها قد يقترن بما لا يعمل ما بعده فيما قبله, كالفاء وإذا الفجائية وما النافية. ولأن "وقتي"8 الشرط والجواب قد يختلفان في نحو: "إذا جئتني غدا "أجيئك"9 بعد غد".
ومذهب سيبويه أنها لا تضاف إلا إلى جملة فعلية نحو "قوله"1: "هن إذا اعتلى"2, وأما نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} 3 فعلى تقدير الفعل. قال في شرح التسهيل: لا يجيز سيبويه غير ذلك، وقال السهيلي عن سيبويه: إنه يجيز على إرادة الابتداء بعد إذا الشرطية وأدوات الشرط إذا كان الخبر فعلا، وأجاز الأخفش مع ما أوجبه سيبويه جعل المرفوع بعدها مبتدأ. قال في شرح التسهيل: وبقوله أقول، وجزم هنا بمذهب سيبويه. ثم قال: لمفهم اثنين معرف بلا ... تفرق أضيف كلتا وكلا كلا وكلتا من الأسماء "الملازمة"4 للإضافة لفظا ومعنى، ولا يضافان إلا لمفهم اثنين, "فيشمل"5 المثنى نحو: "كلا الرجلين" وضميره نحو: "كلاهما" و"كلانا" واسم الإشارة إلى المثنى ولو بلفظ الإفراد كقوله: إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل6
واحترز بقوله: "معرف" من المنكر، فلا يضافان إليه. وحكى الكوفيون إضافتها إلى النكرة "إذا"1 كانت "محدودة"2 نحو: "كلا رجلين عندك قائمان" "واحترز بقوله"3: "بلا تفرق" من نحو: "كلا زيد وعمرو", فإنه لا يجوز إلا في الضرورة كقوله: كلا الضيفن المشنوء والضيف نائل ... لدى المنى والأمن في اليسر والعسر4
وذكر ابن الأنباري أن "كلا" يضاف إلى مفرد، بشرط أن تكرر نحو: "كلاي، وكلاك محسنان" وأوردها على أنها من كلام العرب, ولم يذكر المصنف إلا في "أي". ثم قال: ولا تضف لمفرد معرف ... أيا..... من الأسماء "الملازمة"1 للإضافة "أي": ويجوز إضافتها إلى النكرة بلا شرط وإلى المعرفة بشرط إفهام تثنية نحو: "أي الرجلين2 وأيهما", أو جمع نحو: "أي الرجال3 وأيهم". ولا تضاف إلى مفرد "معرفة"4 نحو: "أي زيد عندك"؛ لأنها بمعنى بعض "مع"5 المعرفة. ولا يصح ذلك في هذا المثال ونحوه، ويستثنى من ذلك صورتان: "إحداهما"6: أن "تكرر"7 أيا معطوفا بالواو, كقوله: ..................... ... أيّي وأيك فارس والأحزاب8
والأخرى: أن تقصد الأجزاء نحو: "أي زيد أحسن" بمعنى: أي أجزائه. وإليهما أشار بقوله: .... وإن كرَّرتها ... فأضف, أو تنو الأجزا ثم قال: ..... واخصصن بالمعرفه ... موصولة أيا.... يعني: أن "أيا" الموصولة لا تضاف إلا إلى معرفة وهذا هو الأشهر, وأجاز بعضهم إضافتها إلى النكرة, ذكره ابن عصفور وغيره. وقوله: "وبعكس الصفة" يعني: أن "أيا" إذا وقعت صفة, لم تضف إلا إلى نكرة بعكس الموصولة، والواقعة حالا كالواقعة صفة1. ثم قال: وإن تكن شرطا أو استفهاما ... فمطلقا كمِّل بها الكلاما يعني أن "أيا" إذا وقعت شرطا أو استفهاما, جاز إضافتها إلى النكرة, وإلى المعرفة على التفصيل السابق2. فظهر بهذا أن "لأي"3 ثلاثة أحوال: ثم قال: وألزموا إضافة لدن فجر
من الأسماء الملازمة للإضافة "لدن", وهي لأول غاية زمان أو مكان. وتضاف إلى المفرد, وإلى الجملة. وقوله: "فجر" يعني: لفظا أو محلا لتندرج الجملة. ومن إضافتها إلى جملة اسمية قوله: وتذكر نعماه لدن أنت يافع1 ... .............. وفعلية قوله: صريع غوانٍ راقهن ورقنه ... لدن شب حتى شاب سود الذوائب2
ولم يضف إلى الجمل من ظروف المكان إلا حيث ولدن. وقال ابن برهان: إلا "حيث"1 وحدها. وقوله: ونصب غدوة بها عنهم ندر سمع في "غدوة" بعد "لدن" الجر والنصب والرفع. أما الجر فهو الأصل2, وأما النصب "فشاذ، ووجه"3 بثلاثة أوجه: أحدها: أن "لدن" شبهت باسم الفاعل "في ثبوت"4 نونها تارة, وحذفها أخرى فنصب بها. وضعف لسماع النصب بعد "لد"5 المحذوفة النون. والثاني: أن النصب على إضمار "كان" الناقصة. والثالث: أنه على التمييز. وقال سيبويه: ولا تنصب لدن غير غدوة6.
وأما الرفع فرواه الكوفيون, ووجه بإضمار "كان"1. وقال ابن جني: لشبهه بالفاعل فرفع، فظاهره أنها مرفوعة بلدن ولم يذكر الرفع هنا, وذكره في التسهيل2. وقوله: "بها" يقتضي أن نصب غدوة بلدن لا بكان المقدرة. وقوله: "ومع مع فيها قليل". مع اسم لمكان الاصطحاب أو وقته على ما يليق بالمصاحب، وهو ملازم للإضافة والظرفية وقد يجر بمن. حكى سيبويه: ذهب مِنْ مَعِهِ3. وهو معرب في أكثر اللغات، وبناؤه على السكون لغة ربيعة. وفي المحكم4 "لغة"5 ربيعة6 وغنم ولم يحفظ سيبويه أنه لغة, فزعم أنه ضرورة. وقوله: "قليل" يعني بالنسبة إلى اللغة الأخرى. وزعم أبو جعفر النحاس أن الإجماع منعقد على حرفيتها إذ كانت ساكنة. وليس بصحيح، بل الصحيح أنها باقية على اسميتها، وهذا مفهوم من قوله: "فيها". يعني: أن الإسكان قليل في موضع الاسمية، ولو كانت المسكنة حرفا لم يكن الإسكان في الاسمية7. وقوله: ........... ونقل ... فتح وكسر لسكون يتصل هما: مرتبان لا مفرعان؛ من أعربها فتح, ومن بناها على السكون كسر؛ لالتقاء الساكنين.
وقوله: واضمم -بناء- غيرا إن عدمت ما ... له أضيف ناويا ما عدما قبل كغير, بعد، حسب، أول ... ودون والجهات أيضا، وعل يعني أن هذه الأشياء المذكورة، أعني: غير "وقبلا"1 وما بعدهما، إذا حذف ما يضاف لم يخل إما أن ينوى معناه دون لفظه، أو ينوى لفظه "أ"2 ولا ينوى. فإن نوى معناه دون لفظه بنيت على الضم؛ لشبهها بحرف الجواب والاستغناء عما بعدها, مع ما فيها من شبه الحرف في الجمود والافتقار3. وإن نوى لفظه أعربت إعراب المضاف "ولم تنون"4. حكى الفراء في معانيه5 أن من العرب من يقول: "من قبل" بالخفض. وحذف التنوين للإضافة. وإن لم ينو أعربت6 ونونت كقراءة من قرأ: "من قبلٍ ومن بعدٍ"7 بالتنوين. ومنه قوله: فساغ لي الشراب وكنت قبلًا ... أكاد أغص بالماء الحميم8 وإلى هذا أشار بقوله: وأعربوا نصبا..... البيت.
فإن قلت: لم ينبه على أنه إذا نوى لفظه أعرب، بل ظاهر قوله: "ناويا ما عُدما" يقتضي بناءه. قلت: إذا نوى لفظه صار كالمنطوق به, فكأنه ما عدم. فإن قلت: قوله: وأعربوا نصبا ليس بجيد؛ لأن هذه الأسماء قد تجر حال التنكير, كقراءة "من قرأ"1: "من قبل ومن بعد". قلت: الغالب فيها النصب وجرها قليل، فكأنه اقتصر على النصب "لذلك"2. فإن قلت: قوله: "إذا نكر" يفهم أن هذه الأسماء إذا بُنيت على الضم كانت معرفة. قلت: والأمر كذلك. وقال في البسيط: قال بعضهم: هي نكرات، وإنما يريد قبل شيء. وجعل بعض النحويين التنوين في قوله: "وكنت قبلا" تنوين العوض و"أن"3 "قبلا" معرفة بنية الإضافة.
في شرح الكافية: وهذا القول عندي حسن1. ثم قال: وما يلي المضاف يأتي خَلَفا ... عنه في الإعراب إذا ما حُذِفا يجوز حذف المضاف للعلم به، والأكثر حينئذ أن يخلفه المضاف إليه في الإعراب نحو: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} 2 أي: حب العجل. وقد يخلفه في التنكير إن كان المضاف مثلا نحو: "مررت برجل زهير" "أي: مثل زهير"3؛ ولذلك نعت به النكرة. وربما خلفه في غير ذلك, كالتذكير والتأنيث. ثم قال: وربما جروا الذي أبقوا كما ... قد كان قبل حذف ما تقدما يعني: أن المضاف إليه قد يبقى بعد حذف المضاف مجرورا, كما كان قبل حذفه. ولذلك شرط ذكره في قوله: لكن بشرط أن يكون ما حُذِف ... مماثلا لما عليه قد عُطِف يعني: أن شرط جر المضاف إليه بعد حذف المضاف, أن يكون المحذوف معطوفا على مثله لفظا ومعنى بعاطف متصل, نحو: أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونارٍ تَوَقَّد بالليل نارا4
أو منفصل بلا كقولهم: "ما كل سوداء تمرة, ولا بيضاء شحمة"1 والجر في هذا النوع "بالشرط المذكور"2 مقيس، وليس ذلك مشروطا بتقدم نفي "أو"3 استفهام, كما ظن بعضهم. وما خلا مما قيد به المقيس فهو محفوظ لا يقاس عليه, كقولهم: "مررت بالتيمي عدي، أي: أحد تيم عدي"4 قاله المصنف, فجر دون عطف وكقراءة ابن
الجماز1 {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} 2 -بالخفض- والعاطف مفعول وقدره المصنف عرض الآخرة3. ثم قال: ويُحذف الثاني فيبقى الأول ... كحاله إذا به يتصل يعني: أن المضاف إليه قد يحذف وينوى لفظه, فيبقى المضاف على حاله قبل الحذف فلا ينون، ولا ترد إليه النون إن كان مثنى أو مجموعا؛ ولذلك "شرط"4 ذكره في قوله: بشرط عطف وإضافة إلى ... مثل الذي له أضفت الأولا أي: بشرط عطف مضاف إلى مثل المحذوف, كقول بعضهم: "قطع الله يد ورِجْل من قالها"5. وقول الشاعر: ................. ... بين ذراعي وجبهة الأسد6
وجاء نظيره في عدة أبيات1. وقال الفراء: لا يجوز ذلك إلا في المصطحبين كاليد والرجل, والنصف والربع, وقبل وبعد. فأما نحو دار وغلام، فلا يجوز ذلك فيهما. تنبيهات: الأول: ذهب ابن عصفور في تخريج قولهم: "قطع الله يد ورجل من قالها" ونحوه إلى أن التقدير: يد من قالها ورجله فحذف الضمير، "وأقحم المعطوف بين المضاف والمضاف إليه"2. الثاني: قد يفعل ذلك دون عطف كقوله: ومن قبل نادى كل مولى قرابة3 ... ....................
كذا رواه الثقات بالكسر بلا تنوين. قال المصنف: استعمال هذا الحذف في الأسماء الناقصة "الدلالة"1 قليل, وفي الأسماء التامة "الدلالة"2 كثير. فمن ذلك قراءة ابن محيصن3: "فلا خَوْفُ عليهم"4 أي: فلا خوف شيء عليهم وقد يفعل ذلك مع عطف على مضاف إلى مثل المحذوف وهو عكس الأول. ومن شواهده قول أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه5: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات أو ثمانيَ". هكذا ضبطه "الحافظ"6 في صحيح البخاري بفتح الياء دون تنوين, والأصل: أو ثماني غزوات. ثم قال:
فصل مضاف شبه فعل ما نصب ... مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب فصل يمين.... مذهب أكثر البصريين أن الفصل بين المضاف والمضاف إليه ممتنع إلا في الشعر, وذهب المصنف إلى أنه يجوز في السعة بشيئين: الأول: ما نصبه المضاف المشابه للفعل من مفعول به أو ظرف "أو مجرور"1. فمن الفصل بالمفعول به قراءة ابن عامر2: "قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ"3. وبالظرف قول الشاعر: ...................... ... كناحت يوما صخرة بعسيل4
وبالمجرور قول الآخر: لأنت معتاد في الهيجا مصابرة1 ... .................... قال في شرح التسهيل: فهذا من أحسن الفصل؛ لأنه فصل بمعمول المضاف، ويدل على جوازه في2 الاختيار قوله صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ " 3. وقول من يوثق بعربيته: "ترك يوما نفسِك وهواها، سعيٌ لها في رداها"4. وقوله: "شبه فعل" "يشمل"5 المصدر واسم الفاعل، ومن الفصل بالمفعول
مع اسم الفاعل قراءة بعض السلف: "فلا تحسبنّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ"1 بنصب الوعد وخفض الرسل2. وقوله: "فصل" "مفعول"3 مقدم لأجز، وقوله: "شبه فعل" صفة لمضاف. وقوله: "ما نصب" فاعل بالمصدر الذي هو فصل، وقوله: "مفعولا أو ظرفا" "حالان"4 من "ما". والتقدير: أجز أن يفصل المضاف المشابه للفعل عما أضيف إليه منصوبه حال كونه مفعولا "به"5 أو ظرفا وفي حكمه المجرور. الثاني: القسم نحو ما حكاه الكسائي من قولهم: "هذا غلامُ والله زيدٍ"6, وإليه أشار بقوله: "ولم يُعَب فصل يمين". وزاد في الكافية الفصل بإما، وقال: "الفصل بإما مغتفر" هـ, كقوله: هما خطتا إما إسار ومنة7 ... .....................
في رواية من جر1, 2. ثم نبه على أن "الفصل"3 بغير ذلك مخصوص بالضرورة, فقال: واضطرارا وُجدا ... بأجنبي أو بنعت، أو ندا الأجنبي: ما ليس بمعمول "للمضاف"4 من مفعول "به"5 "أ"6 وظرف "أ"7 ومجرور "أ"8 وفاعل. مثال المفعول قول الشاعر: تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها9 ... ................................
والظرف كقوله: كما خُط الكتاب بكف يوما ... يهودي يقارب أو يزيل1 والمجرور كقوله:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له1 والفاعل كقوله: أنجب أيامَ والداه به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا2
وكذا لو كان الفاعل مرفوعا بالمضاف، فإن الفصل به مخصوص بالضرورة كقوله: نرى أسهما للموت تصمي ولا تنمي ... ولا ترعوي عن نقض أهواؤنا العزم1 فإن قلت: لا تؤخذ هذه الصورة من كلامه هنا. قلت: قد يفهم من قوله: "ما ينصب"، فعلم أن المرفوع لا يسوغ الفصل به اختيار، ومثال النعت قول الشاعر:
نجوت وقد بلّ المرادي سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب1 أراد: من "ابن"2 أبي طالب شيخ الأباطح. ومثال النداء قول الشاعر: وفاق كعب بجير منقذ لك من ... تعجيل تهلكة والخلد في سَقَرَا3
وزاد في التسهيل الفصل بفعل ملغى هـ1. أنشد ابن السكيت2: بأي تراهم الأرضين حلوا3 ... .......................... وزاد غيره الفصل بالمفعول لأجله نحو: معاود جرأة وقت الهوادي4 ... ........................
أي: معاود وقت الهوادي جرأة. وحكى ابن الأنباري: هذا غلام إن شاء الله "تعالى"1 ابن أخيك؛ ففصل بإن شاء الله، والله أعلم2.
المضاف إلى ياء المتكلم
المضاف إلى ياء المتكلم: آخر ما أُضيف للياء اكسر إذا ... لم يك معتلا كرام وقذى يجب كسر آخر المضاف "إلى ياء"1 المتكلم, "إن"2 لم يكن منقوصا أو مقصورا أو مثنى أو مجموعا على حدة كقولك في "غلام": غلامي. وفيه أربعة مذاهب: أحدها: أنه معرب بحركات "مقدرة"3 في الأحوال الثلاثة. والثاني: أنه معرب في الرفع والنصب بحركة مقدرة، بالجر بالكسرة الظاهرة, واختاره في التسهيل. والثالث: أنه مبني. والرابع: أنه لا معرب ولا مبني, وإليه ذهب ابن جني. والأول مذهب الجمهور. ويجوز في الياء "بعد المكسور"4 وجهان: الفتح والإسكان، فقيل: الفتح أصل, وقيل: الإسكان أصل "جمع"5 بينهما "بأن"6 الإسكان أصل أول إذ هو أصل كل مبني، والفتح أصل ثانٍ، إذ هو أصل ما هو على حرف واحد. وأما المقصور والمنقوص والمثنى والمجموع على حدة, فإذا أضيف شيء منها إلى ياء المتكلم وجب فتح الياء في اللغة المشهورة، فتقول في "قذى": قذايَ، وفي "رامٍ": راميَّ, وفي "ابنين": ابنيَّ، وفي "زيدين": زيديَّ. وإلى ذلك أشار بقوله: ........... فذي ... جميعها اليا بعد فتحها احتُذِي
الإشارة "بذي" إلى الأنواع الأربعة, و"احتذي" تبع. ثم بين حكم آخر المقصور والمنقوص والمثنى والمجموع على حدة إذا أضيف للياء فقال: "وتدغم اليا فيه" أي: وتدغم اليا "من"1 آخر المنقوص والمثنى والمجموع "على حدة"2 نصبا وجرا فيه أي: في ياء المتكلم، ولا يغير ما قبلها من فتح أو كسر فتقول: رأيت راميَّ وابنيَّ وزيديَّ، وتفتح الياء كما سبق. ثم قال: "والواو" أي: وتدغم الواو أيضا في ياء المتكلم, يعني "بعد"3 قلب الواو ياء. فإن كان ما قبلها فتحة لم تغير نحو: "مصطفَون" فتقول فيه: "هؤلاء مصطفيّ", وإن كان "ما"4 قبلها ضمة قلبتها كسرة لتصبح الياء نحو: "مسلمون" فتقول فيه: مسلميّ, بقلب الواو ياء والضمة كسرة. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "أَوَمخرجِيّ هم" 5. وإلى هذا أشار بقوله: ............. وإن ... ما قبل واو ضُم فاكسره يهن ثم قال: "وألفا سلم" أي: سلم الألف من الانقلاب. وشمل ذلك ألف المثنى نحو: "هذان غلامايَ" ولا خلاف فيه، وألف المقصور
نحو: "هي عصايَ"1 وفيه لغتان: إقرار الألف "وهي المشهورة"2, وقلبها ياء وهي لغة هذيل "وحكاها"3 عيسى بن عمر4 عن قريش. وقرأ الحسن5: "يا بِشْرَى"6, وإليها أشار بقوله: ............. وفي المقصور عن ... هذيل انقلابها ياء حسن وينبغي أن يستثنى من ذلك ألف "لدى" و"على" الاسمية، فإن الأكثر فيه القلب مع ياء المتكلم. فإن قلت: فهل يجوز للقلب ألف المثنى في لغة من التزمها مطلقا؟ قلت: قال في الارتشاف: يحتاج في جوازه إلى سماع7.
الجزء الثالث
الجزء الثالث: إعمال المصدر: بفعله المصدر ألحق في العمل أي: ألحق المصدر بفعله في عمله, فيعمل عمل الفعل في اللزوم والتعدي بنفسه وبالحرف، وخطب التمثيل في ذلك سهل. "تنبيه": "يخالف"1 المصدر "فعله"2 في أمرين: أحدهما: أن في رفعه "نائب الفاعل"3 خلافا، ومذهب جمهور البصريين جوازه, وإليه ذهب في التسهيل. الثاني: "أن"4 فاعل المصدر يجوز حذفه بخلاف فاعل الفعل، وإذا حذف لم يتحمل "ضميره"5، خلافا لبعضهم. ثم قال: مضافا أو مجردا أو مع أل فهو ثلاثة أحوال، وإعماله مضافا أكثر نحو: {.... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ....} 6 ولا خلاف فيه، وفي كلام بعضهم ما يشعر بالخلاف.
وإعماله مجردا "من"1 الإضافة وأل أقل من المضاف نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} 2. وفيه خلاف أجازه البصريون, ومنعه الكوفيون. فإن "وقع بعده"3 مرفوع أو منصوب, فهو محمول عندهم على فعل مضمر، وإعماله مع أل أقل من المجرد، ومنه قول الشاعر4: ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخي الأجل وفيه خلاف؛ أجازه سيبويه ومن وافقه، ومنعه الكوفيون وبعض البصريين كابن السراج، وأجازه الفارسي على قبح، وفصّل ابن طلحة بين أن
يكون بأل معاقبة "للضمير"1, فيجوز نحو: "إنك والضرب خالد المسيء إليه" وإلا فلا يجوز نحو: "عجبت من الضرب عمرا", ثم نبه على "شرط"2 عمل المصدر بقوله: إن كان فعل مع "أن" أو "ما" يحل محله شرط إعمال المصدر غير الواقع بدلا من اللفظ بفعله، أن يصح تقديره بالفعل مع حرف مصدري. فإن أريد به غير الحال جاز أن يقدر بأن "أو"3 بما، وإن أريد به الحال قدر بما ولم يقدر بأن؛ لأن مصحوبها لا يكون حالا؛ فلذلك لم يقتصر على أن كما فعل بعضهم. فإن قلت: قد ذكر في التسهيل "معهما"4 "أن" المخففة، ومثله بنحو: "علمتُ ضربَكَ زيدًا" تقديره: علمت أن قد ضربت زيدا، فأن "هذه"5 مخففة؛ لأنها واقعة بعد العلم، وهي موضع غير صالح للمصدرية6. قلت: ذكر "ما" المصدرية مغنٍ عنها، فإنها يصح وقوعها بعد العلم، ولم يقدر سيبويه في الباب بغير "أن" الثقيلة مع ضمير الشأن. فإن قلت: ظاهر قوله: "إن كان" وقوله في الكافية: حيث ما يصح حرف مصدري تمما أن هذا الشرط لازم، وقد جعله في التسهيل غالبا7, وقال في شرحه: وليس تقديره بأحد الثلاثة شرطا في عمله، ولكن الغالب أن يكون كذلك، ومن
وقوعه غير مقدر بأحدها قول العرب: "سَمْعُ أذني زيدا يقول ذلك"1 وذكر مثلا آخر. قلت: المشهور أن تقديره بذلك شرط وما ذكره من المثل لا يتعذر فيه التقدير، وكلام صاحب البسيط موافق للمصنف في عدم اشتراط ذلك. "تنبيه": لإعمال المصدر شروط لم يذكرها هنا: الأول: أن يكون مظهرا، فلو أضمر لم يعمل؛ لعدم حروف الفعل، خلافا للكوفيين، وأجاز ابن جني في الخصائص والرماني إعماله في المجرور ونقل عن الفارسي، وقياسه في الظرف. الثاني: أن يكون مكبرا، فلو صُغِّر لم يعمل. الثالث: أن يكون غير محدود, فلو حُدّ بالتاء لم يعمل، فإن ورد حكم بشذوذه كقوله2: يحايي به الجلد الذي هو حازم ... بضربة كفيه الملا نفس راكب فنصب الملا بضربة كفيه وهو محدود، ونصب نفس بيحايي. ومعناه: يصف الشاعر مسافرا معه ماء فتيمم, وأحيا بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا.
الرابع: أن يكون غير منعوت قبل تمام عمله؛ لأن معمول المصدر بمنزلة الصلة من الموصول، فلا يفصل بينهما بالنعت، فإن ورد ما يوهم ذلك قدر فعل بعد النعت يتعلق به المعمول المتأخر، فلو نعت بعد تمامه لم يمنع. والأولى أن يقال: "غير متبوع" بَدَل "غير منعوت"؛ لأن حكم سائر التوابع حكم النعت. الخامس: أن يكون مفردا. ذكره في البسيط عن بعضهم ولم يشترطه في التسهيل1, وقال في الكافية: وأهمل المضمر والمحدود ... ومصدر فارقه التوحيد ورب محدود ومجموع عمل ... وبسماع لا قياس قد قبل وصرح بجوازه في شرح التسهيل: ومن إعماله مجموعا قوله2: قد جربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا
واختلف النحويون في "جوازهم"1 إعمال المجموع، فأجازه قوم، واختاره ابن عصفور، ومنعه قوم ومنهم ابن سيده. فإن قلت: فهل يشترط في إعماله أن يكون بمعنى الحال والاستقبال, كاسم الفاعل؟ قلت: لا يشترط ذلك؛ لأنه عمل لكونه أصلا، فلم يتقيد بزمان بخلاف اسم الفاعل، قاله المصنف. وقال غيره: لأنه عمل بالنيابة عن الفعل، والفعل لا يشترط فيه ذلك. وحكي عن بعض المتأخرين أنه منع إعماله ماضيا، وليس بصحيح. وقوله: ولاسم مصدر عمل. يعني أن اسم المصدر يعمل عمل فعله، وهو قليل، وإلى قلته أشار بتنكير "عمل" واختلف في إعمال اسم المصدر، فأجازه الكوفيون ومنعه البصريون، قال بعضهم: إلا في ضرورة، وتأولوا ما ورد من ذلك على إضمار فعل. ومن عمله قول عائشة رضي الله عنها: "من قبلة الرجل امرأتَه الوضوءُ"2 وظاهر كلامه في التسهيل أنه مَقِيس3, وقال الشارح: وليس ذلك بمطرد في اسم المصدر, ولا فاشٍ.
"تنبيهان": الأول: أطلق في قوله: "ولاسم مصدر عمل" وهو مقيد بغير العَلَم، فالعلم لا يعمل، وهو ما دل على معنى المصدر دلالة مغنية عن الألف واللام؛ لتضمن الإشارة إلى حقيقته كيسار وبرة وفجار1. الثاني: عرف اسم المصدر في التسهيل إذ قال: ويعمل عمله اسمه غير العلم, وهو ما دل على معناه وخالفه بخلوه -لفظا وتقديرا دون عوض- من بعض ما في فعله, مثال ذلك: "توضأ وضوءا" و"تكلم كلاما"؛ فالوضوء والكلام اسمان للمصدر، لا مصدران؛ لخلوهما -لفظا وتقديرا- من بعض ما في فعلهما. وحق المصدر أن يتضمن حروف فعله بمساواة نحو: "توضأ توضؤا" أو بزيادة نحو: "أعلم إعلاما". واحترز بقوله: "أو تقديرا" من نحو: "قاتل قتالا" فإنه مصدر لا اسم مصدر، إذ لم يخل تقديرا، فإن أصله: "قيتالا", فالمدة مقدرة وقد "ثبتت"2 لفظا. وبقوله: "دون عوض" من نحو: "عدة", فإنه مصدر مع خلوه من الواو؛ لأن التاء عوض "منها"3. من نحو: "كلّم تكليما" فإنه مصدر مع خلوه من التضعيف؛ لأن "التاء"4 عوض منه. قال الشارح: اعلم أن اسم المعنى الصادر عن الفاعل كالضرب، أو القائم بذاته كالعلم، ينقسم إلى مصدر واسم مصدر.
فإن كان أوله ميما مزيدة لغير مفاعلة كالمضرب والمحمدة، أو كان لغير ثلاثي بوزن ما لثلاثي كالغسل والوضوء، فهو اسم للمصدر، وإلا فهو المصدر. قلت: الذي أوله الميم المذكورة، وإن أطلق بعضهم عليه اسم المصدر فإنه يعمل عمل فعله، وليس هو موضع الخلاف، ولا المراد هنا. والنوع الثاني وهو ما كان لغير ثلاثي بوزن ما لثلاثي, هو المذكور في التسهيل1. قال الشيخ أبو حيان: وهذا الثاني عندنا مصدر، لا اسم مصدر، قال: واسم المصدر يقال باصطلاحين: أحدهما: "ما ينقاس"2 بناؤه من الثلاثي على مفعل، "وما زاد"3 على صيغة اسم المفعول وهذا يعمل عمل فعله. الثاني: ما كان أصل وضعه لغير المصدر كالثواب والعطاء والكلام والدهن والخبز، فهذه وضعت لما يثاب به ولما يعطى وللجمل "المقولة"4 ولما يدهن به ولما يخبز به. وفي هذا النوع اختلف الكوفيون والبصريون، وتحقيق الخلاف بين الفريقين: هل ينقاس أن يطلق اسم المصدر مجازا على المصدر ويعمل عمل المصدر, أو لا؟ فقال البصريون: لا, إلا أن يضطر شاعر. وقال الكوفيون والبغداديون: ينقاس ذلك. قلت: وصرح في شرح التسهيل بأن ثوابا وعطاء مصدران؛ لقرب ما بينهما وبين الأصل، وهو إثواب وإعطاء.
قوله: وبعد جره الذي أُضيف له ... كمل بنصب أو برفع عمله للمصدر المضاف خمسة أحوال: الأول: أن يضاف إلى فاعله ويحذف مفعوله نحو: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ....} 1. الثاني: أن يضاف إلى مفعوله ويحذف فاعله نحو: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ ... } 2. الثالث: أن يضاف إلى فاعله ثم يكمل عمله بنصب مفعوله نحو: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} 3. الرابع: أن يضاف إلى مفعوله ثم يكمل عمله برفع فاعله نحو قوله عليه الصلاة والسلام: " ... وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" 4. وهو قليل، قيل: ولم يجئ في القرآن إلا ما روي عن ابن عامر أنه قرأ: "ذكر رحمةِ ربك عَبْدُهُ زَكَرِيَّاءُ"5 -برفع الدال والهمزة- وليس ذلك مخصوصا بالضرورة على الصحيح. والأكثر في المصدر إذا أضيف إلى مفعوله أن يحذف فاعله.
الخامس: أن يضاف إلى الظرف, فيرفع وينصب كالمنون نحو: "عجبت من انتظار يوم الجمعة زيدٌ عمرًا". وقوله: "كمل" يعني: إن أردت؛ لأن "ذاك"1 غير لازم. وقوله: وجُر ما يتبع ما جُر ومن ... راعى في الاتباع المحل فحسن المضاف إليه المصدر، إن كان فعلا فمحله رفع، وإن كان مفعولا فهو في موضع نصب، إن قدر المصدر بأن وفعل الفاعل، وفي موضع رفع إن قدر المصدر بأن وفعل المفعول، خلافا لمن منع تقديره بفعل المفعول. فلك في التابع الجر على اللفظ والرفع على المحل، إن كان فاعلا أو نائبه، والنصب على المحل إن كان مفعولا به, تقول: "عجبت من أكل الخبز واللحم" بالجر والرفع والنصب. فالجر على اللفظ، والنصب على المحل؛ لأنه مفعول به، والرفع على تقدير: إن أُكل الخبز "واللحم"2. "تنبيه": ظاهر كلام المصنف جواز الإتباع على المحل في جميع التوابع، وهو مذهب الكوفيين، وطائفة من البصريين، وذهب سيبويه ومن وافقه من أهل البصرة إلى أنه لا يجوز الإتباع على المحل، وفصل أبو عمرو فأجاز في العطف والبدل ومنع في التوكيد والنعت، والظاهر الجواز لورود السماع، والتأويل خلاف الظاهر.
إعمال اسم الفاعل
إعمال اسم الفاعل: اسم الفاعل: هو الصفة الدالة على فاعل جارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها لمعناه, أو معنى الماضي. فالصفة: جنس، والدالة على فاعل: مخرج لاسم المفعول وما بمعناه، وجارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها: مخرج للجارية على الماضي نحو: "فرح"، وغير الجارية نحو: "كريم". وقوله: في التذكير والتأنيث: مخرج لما كان من الصفات على أفعل نحو: "أهيف", فإنه لا يجري على المضارع إلا في التذكير، وقوله: لمعناه أو معنى الماضي: مخرج لنحو: "ضامر الكشح" من الصفة المشبهة وقوله: كفعله اسم فاعل في العمل يعني: إن كان فعله لازما فهو لازم، وإن كان فعله متعديا إلى واحد فأكثر فهو كذلك. وقوله: إن كان عن مضيه بمعزل يعني: أن شرط عمل اسم الفاعل عمل فعله أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن كان بمعنى الماضي لم يعمل خلافا للكسائي، فإنه أجاز عمله مستدلا بقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ....} 1 ورد بأنه حكاية حال، ووافقه على إجازة ذلك هشام وابن مضاء. "تنبيه": هذا الخلاف في عمل الماضي دون أل بالنسبة إلى المفعول به، فأما بالنسبة إلى الفاعل، فذهب بعضهم إلى أنه لا يرفع الظاهر, وبه قال ابن جني والشلوبين، وذهب قوم إلى أنه يرفعه، وهو ظاهر كلام سيبويه، واختاره ابن عصفور. وأما المضمر: فحكى ابن عصفور الاتفاق على أنه يرفعه، وحكى غيره عن ابن طاهر وابن خروف أنه لا يرفعه، وهو بعيد.
وقوله: وولي استفهاما أو حرف ندا يعني: أن اسم الفاعل لا يعمل حتى يعتمد على أحد الأشياء المذكورة، والاستفهام نحو قوله1: أناوٍ رجالك قتل امرئ ... من العز في حبك اعتاض ذلا؟ وحرف النداء نحو: "يا طالعًا جبلًا" ولم يذكره في الكافية، ولا في التسهيل. وقال الشارح: المسوّغ لإعمال "طالع" هنا اعتماده على موصوف محذوف تقديره: رجلا طالعا جبلا، وليس المسوغ الاعتماد على حرف النداء؛ لأنه ليس كالاستفهام والنفي في التقريب من الفعل. والنفي: "ما ضارب الزيدان عمرا". ومثال كونه صفة: "جاءني رجل مكرم عمرا", "أو مسندا" يعني خبرا: "زيد مكرم عمرا", فالواقع صفة معتمد على الموصوف، والواقع خبرا معتمد على المخبر عنه. فإن قلت: أهمل المصنف اعتماده على صاحب الحال نحو: "جاءني زيد ضاربا عمرا". قلت: استغنى عن ذكره بذكر الصفة؛ لأنه صفة في المعنى.
"تنبيهان": الأول: اعتماد اسم الفاعل على ما ذكر شرط في صحة عمله عند جمهور البصريين، وذهبالأخفش والكوفيون إلى أنه لا يشترط. والثاني: ذكر المصنف هنا لعمله شرطين: الأول: أن يكون بمعزل عن المضي، والثاني: الاعتماد. وزاد في التسهيل شرطين1: أحدهما: أن يكون غير مصغر، خلافا للكسائي في إجازته إعماله مستدلا بقول بعضهم: "أظنني مرتحلا وسُوَيِّرا فرسخا" ولا حجة لأن فرسخا ظرف، والظرف يعمل فيه رائحة الفعل، قيل: والجواز مذهب الكوفيين إلا الفراء، وتابعهم أبو جعفر النحاس، وقال المتأخرون: إن لم يحفظ له مكبر جاز إعماله كقوله2: .................... ... ترقرق في الأيدي كُمَيْتٍ عصيرُها في رواية من جر كميت.
والآخر: ألا يكون موصوفا, خلافا للكسائي في إجازته إعماله مطلقا. قال في شرح التسهيل: ووافق بعض أصحابنا الكسائي في إعمال الموصوف قبل الصفة؛ لأن ضعفه يحصل بعد ذكرها لا قبلها، ونقل غيره أن مذهب البصريين والفراء هذا التفصيل، وأن مذهب الكسائي وباقي الكوفيين إجازة ذلك مطلقا, والحاصل ثلاثة مذاهب. وقوله: وقد يكون نعت محذوف عُرف ... فيستحق العمل الذي وصف يعني: أن اعتماد اسم الفاعل على موصوف محذوف مسوغ لعمله عمل فعله كاعتماده على موصوف مذكور، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ....} 1. وقوله: وإن يكن صلة أل ففي المضي ... وغيره إعماله قد ارتُضي ما تقدم من اشتراط إرادة الحال والاستقبال إنما هو في المجرد من أل, وأما ما وقع صلة لها فهو صالح للعمل بمعنى الماضي والحال والاستقبال، قال الشارح: باتفاق، وفي شرح الكافية: وأما الملتبس بهما فلا خلاف في إعماله، وحكى الخلاف في التسهيل2. والحاصل أربعة مذاهب: الأول: "أنه"3 يعمل مطلقا لوقوعه موقعا يجب تأويله بالفعل، وهو المشهور. والثاني: أن المنتصب بعده مشبه بالمفعول "به"4؛ لأن أل ليست موصولة بل حرف تعريف، ودخولها يبطل عمله كما يبطله التصغير والوصف؛ لأنه يبعد
عن الفعل، وهذا مذهب الأخفش، وأصحاب الأخفش يقولون: إن قصد بأل العهد فالنصب على التشبيه، وإن قصد معنى الذي، فالنصب باسم الفاعل. والثالث: أنه لا عمل له، والمنصوب بعده منصوب بفعل مضمر. والرابع: أنه يعمل بمعنى المضي خاصة وهو مذهب الرماني. وقوله: فَعَّال أو مِفْعَال أو فَعُول ... في كثرة عن فاعل بديل إذا قصد التكثير والمبالغة باسم الفاعل الثلاثي حول إلى فعال "كعقار"1 أو مفعال كمنحار، أو فعول كضروب, أو فعيل كعليم, أو فعل كحذر، وقد ذكرهما في البيت الآتي، فإن قلت: ما معنى قوله: "في كثرة"؟ قلت: يعني أن هذه المثل إنما يعدل عن فاعل إليها؛ للدلالة على الكثرة والمبالغة2. فإن قلت: من أين يعلم من كلامه اختصاص ذلك بالثلاثي؟ قلت: من قوله: "عن فاعل", فإن اسم فاعل غير الثلاثي لا يكون على فاعل، وقد يبنى فعّال ومفعال وفعول وفعيل من أفعَل كقولهم: درَّاك, ومِهْوان، وزهوق، ونذير، من أدرك وأهان وأزهق وأنذر، وذلك قليل. وقوله: فيستحق ما له من عمل يعني: هذه الأمثلة تستحق ما لاسم الفاعل من العمل بالشروط المذكورة, على التفصيل المتقدم. وقوله: وفي فعيل قل ذا وفعل الإشارة إلى عمل اسم الفاعل, أي: قل في فعيل وفعل أن يعمل عمل اسم الفاعل، ومذهب سيبويه جواز إعمال هذه الأمثلة الخمسة، ومنع أكثر البصريين منهم المازني والمبرد إعمال فعيل وفعل. وفصّل الجرمي فأجاز إعمال فَعِل؛ لأنه على وزن الفعل، ومنع إعمال
فعيل، ومنع الكوفيون إعمال الخمسة؛ لأنها لما جاءت للمبالغة زادت على الفعل، فلم تعمل عندهم لذلك. والصحيح مذهب سيبويه ومن وافقه؛ لورود السماع بذلك نظما ونثرا. مثال فعّال قول من سمعه سيبويه: "أما العسل فأنا شرّاب". وقول الشاعر1: أخا الحرب لبَّاسًا إليها جِلَالها ومثال مفعال قول بعض العرب: "إنه لمِنْحار بوائكَها" أي: سمانها. وقول الشاعر2:
شُمّ مهاوينُ أبدان الجَزُور مخا ... ميص العشيات لا خُور ولا قَزَم فمهاوين جمع مِهْوان. ومثال فعول قول بعضهم: "أنت غَيُوظ ما علمت أكباد الإبل" حكاه الكسائي, وقول الشاعر1: ضَرُوبٌ بنصل السيف سُوق سمانها ومثال فعيل قول بعضهم: "إن الله سَمِيع دعاء من دعاه" وقالوا: "هو حَفِيظ وعلمه وعلم غيره".
وقول الشاعر1: فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالا، وأخرى منهما تشبه البدرا
ومثال فَعِل قول الشاعر1: حَذِرٌ أمورًا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيَه من الأقدار أنشده سيبويه، والقدح فيه من وضع الحاسدين. ومن إعمال فعل قول زيد الخيل2:
أتاني أنهم مَزِقُون عِرْضي فأعمل مزقون عرضي وهو جمع مزق محول؛ للمبالغة من مازق. قوله: وما سوى المفرد مثله جُعِل ... في الحكم والشروط حيثما عَمِل ما سوى المفرد هو المثنى والمجموع فحكمهما حكم المفرد في العمل بالشروط المذكورة، فضاربان وضاربون مثل ضارب، وذلك واضح فيما ذكر، وضروبان وضروبون مثل ضروب فيما ذكر, وذلك قوله: وانصب بذي الإعمال تِلْوا واخفض احترز "بذي الإعمال" عن المراد به المضي، فإنه يضاف وجوبا كإضافة الجوامد. وفهم من تقديمه النصب أنه أولى، وهو ظاهر كلام سيبويه، وقال الكسائي:
هما سواء، قيل: والذي يظهر أن الإضافة أولى بالوجهين قرئ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ....} 1. ويعني بقوله: "تلو" المفعول الذي يليه، فلو فصل تعين نصبه نحو: { ... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ... } 2 وقد أضيف مع الفصل في قراءة من قرأ: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ... } 3 وقد تقدم في الإضافة. تنبيه: ما ذكره من جواز الوجهين إنما هو في الظاهر، وأما المضمر المتصل فيضاف إليه اسم الفاعل المجرد وجوبا نحو: "هذا مكرمك", وذهب الأخفش وهشام إلى أنه في محل النصب كالهاء من واقيكه4. وقد فهم من قوله: "تلوا" أنه إنما يجوز الوجهان في المفعول الذي يليه، فلو فصل زيدا تعين نصبه به؛ ولذلك قال: وهو لنصب ما سواه مقتضي مثال ذلك: "زيد معطي عمرو درهما ومعلمُ خالدٍ عمرا فاضلا". "تنبيه": إذا أضيف اسم الفاعل بمعنى المضي، واقتضى مفعولا آخر نحو: "معطي زيدٍ درهما أمس" نصب بفعل مضمر عند الجمهور، وأجاز السيرافي نصبه باسم الفاعل، وإن كان بمعنى الماضي؛ لأنه اكتسب بالإضافة شبها بمصحوب أل. وقوله: واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... كمبتغي جاهٍ ومالُا من نهض
فالجر على اللفظ والنصب على المحل، ومن منع إتباع المحل في نحو ذلك أضمر فعلا، وهو قول سيبويه. فإن قلت: قوله: "الذي انخفض" لا يصح على إطلاقه؛ لأن المخفوض بإضافة الذي بمعنى الماضي لا يصح في تابعه اعتبار المحل، إذ لا محل له، بل إن نصب تابعه بفعل مقدر. قلت: إنما كلامه في المخفوض بإضافة ذي الإعمال لقوله: "وانصب بذي الإعمال" وهذا البيت من تتمة الكلام عليه. وقوله: وكل ما قُرِّر لاسم فاعل ... يعطى اسم مفعول بلا تفاضل أي: فيعمل إن كان صلة لأل مطلقا، وإن كان مجردا فبشرط إرادة الحال أو الاستقبال والاعتماد على ما تقدم ذكره, وقوله: فهو كفعل صيغ للمفعول في ... معناه........... يعني: أن اسم المفعول يعمل عمل فعل مصوغ للمفعول موافق له في المعنى نحو "مضروب", فإنه يعمل عمل ضرب، فيرفع نائب الفاعل فتقول: "زيدٌ مضروبٌ أبوهُ"1 كما تقول: "ضُرب أبوه". فإن كان من متعدٍّ إلى اثنين أو ثلاثة, رفع واحدا ونصب ما سواه. وقد مثل المتعدي لاثنين بقوله: كالمعطى كفافا يكتفي فأل موصولة ومعطى صلتها، وهي مبتدأ ويكتفي خبره، وأول مفعولي المعطى ضمير أل وثانيهما كفافا، واستتر الأول؛ لنيابته عن الفاعل. وقوله: وقد يضاف ذا إلى مرتفع معنى.......
يعني: أن اسم المفعول انفرد عن اسم الفاعل بأنه تصح إضافته إلى مرفوعه في المعنى؛ فتقول: "هذا مضروب العبد" بالرفع نيابة عن الفاعل، وبالجر لأنك "أسندت"1 المفعول إلى ضمير المبتدأ، وبالنصب أيضا على التشبيه بالمفعول به، وقد مثل بقوله: كمحمود المقاصد الورع أي: الورع محمود المقاصد, اسم المفعول من المتعدي إلى واحد يلحق بالصفة المشبهة في رفع السببي ونصبه وجره كما مثل.
أبنية المصادر
أبنية المصادر: اعلم أن الفعل الثلاثي مجرد، وزائد على الثلاثة. فالثلاثي المجرد له ثلاثة أبنية: فَعَل وهو متعد نحو ضَرَبَ، ولازم نحو قَعَدَ، وفَعِل وهو متعد نحو فَهِم ولازم نحو فَرِح، وفَعُل وهو لازم أبدا إلا بتضمين أو تحويل نحو سَهُل. وأبنية مصادر الثلاثي كثيرة، واقتصر هنا على الغالب, فقال: فَعْل قياس مصدر المعدى ... من ذي ثلاثة كرد ردا شمل "قوله"1: "المعدى من ذي ثلاثة" فعَل وفعِل, فقياس مصدرهما فعل -بفتح الفاء وإسكان العين- نحو: ضرَب ضرْبا وفهم فهما، وظاهره أنه مقيس فيهما بلا قيد، وقيد الفعل -المكسور العين- في التسهيل بأن يُفْهِم عملا بالفم نحو: شَرِب شَرْبا, ولقم لقما2. ولم يقيده سيبويه أو الأخفش, بل أطلقا. "تنبيه": اختلف في معنى القياس هنا، فقيل: إنما يقاس على فعل فيما ذكر عند عدم سماع غيره، فإن سمع غيره وقف عنده، وهو مذهب سيبويه والأخفش، وقيل: يجوز القياس مع ورود السماع بغيره وهو ظاهر قول الفراء. ثم قال: وفَعِل اللازم بابه فَعَل يعني: قياس مصدر فعل اللازم فعل -بفتح الفاء وكسر العين- لا فرق في ذلك بين الصحيح نحو فرح فرحا، والمعتل نحو: جوي جوى، والمضعف نحو: شل شللا، فإن أصله شلل بكسر اللام.
تنبيه: أطلق الناظم في فعل اللازم، وينبغي أن يقيد بألا يكون لونا؛ لأن فُعلة هو الغالب فيه كالشُّهلة والسمرة. ثم قال: وفَعَلَ اللازم مثل قعدا ... له فُعُول باطراد كغدا تقول: غدا غُدوا ومثله: قعد قعودا وجلس جلوسا، واطراد فعول في فعل اللازم مشروط بألا يكون مستوجبا لأحد الأوزان المذكورة في قوله: ما لم يكن مستوجبا فِعَالا ... أو فَعَلانا فادر أو فُعَالا فهذه ثلاثة أوزان، وسنذكر رابعا متى استوجب فعل اللازم واحدا منها لم يأت مصدره على فعول إلا نادرا. ثم قال: فأول لذي امتناع كأبى الأول فعال -بكسر الفاء- وهو مقيس فيما دل على امتناع نحو: أبى إباء, ونفر نفارا. ................ ... والثان للذي اقتضى تقلبا والثاني هو فعلان -بتحريك العين- وهو مقيس فيما دل على تقلب نحو: جال جولانا, ولمع لمعانا. وقوله: للدا فُعَال أو لصوت يعني: أن فعالا -بضم الفاء- وهو الثالث لنوعين: أحدهما: ما دل على داء نحو: زَكم زُكاما وسعل سعالا. والآخر: ما دل على صوت نحو: نَعق نُعاقا ونبح نباحا. وذكر ابن عصفور أنه مقيس فيهما. وقوله: ........... وشمل ... سيرا وصوتا الفعيل كصهل
يعني: أن فعيلا، وهو الوزن الرابع، لنوعين أيضا: أحدهما: ما دل على سير نحو: ذَمَل ذميلا ورَحَل رحيلا. والآخر: ما دل على صوت نحو: صَهَل صهيلا ونَهَق نهيقا. وذكر ابن عصفور أنه يطرد في الأصوات. والحاصل أن فعل اللازم يطرد في مصدره فعول إلا إذا دل على هذه المعاني الخمسة "وهي"1 الامتناع والتقلب والداء والصوت والسير، فالغالب في الامتناع فِعال، وفي التقلب فَعَلان، وفي الداء فُعال، وفي الصوت فُعال أو فَعِيل، وقد يجتمعان نحو: نَعَقَ نُعاقا ونَعِيقا، وقد تنفرد فُعال نحو: بَغَم بُغَاما، وقد تنفرد فعيل نحو صهل صهيلا، واطرد انفراد فُعال "في الفعل اللازم"2 نحو: رغاء وفي السير فعيل. تنبيه: يستثنى أيضا من فعل اللازم ما دل على حرفة وشبهها، فإن الغالب في مصدره فِعَالة نحو: تجر تجارة، وأمر إمارة. وذكر ابن عصفور أنه مقيس في الولايات والصنائع. وقوله: فُعُولة فَعَالة لفعُلا ... كسَهُل الأمر وزيد جَزُلا فعولة وفعالة مطردان في مصدر فعل نحو: سهل سهولة, وجزل جزالة. وقال بعضهم: فعولة غير مقيس. وقوله: وما أتى مخالفا لما مضى ... فبابه النقل كسُخْط ورضا فسخط مصدر سخط وقياسه سخط -بالفتح والتحريك- ورضا مصدر رضي وقياسه رضى بالفتح.
وكلامه مقيد في فعالة بالحرف, وشبهها كما تقدم. ولما فرغ من بيان مصادر الثلاثي, شرع في بيان ما زاد عليه فقال: وغير ذي ثلاثة مقيس ... مصدره......... أي: كل فعل زاد على ثلاثة, فله مصدر مقيس لا يتوقف في استعماله على سماع. وقوله: كقدس التقديس. يعني: أن ما كان على فُعِّل صحيح اللام فمصدره تفعيل نحو: قدس تقديسا, كلم تكليما. وقوله: وزكه تزكية, يعني: أن ما كان فعّل معتل اللام فمصدره تفعلة نحو: زكى تزكية وغطى تغطية. وقوله: ............. وأجملا ... إجمال من تجمُّلا تَجَملا يعني: أن مصدر أفعل الصحيح إفعال، نحو: أجمل إجمالا وأكرم إكراما، ومصدر تفعَّل تفعُّلا نحو تجمل تجملا. واستعذ استعاذة أصل استعاذ، استعوذ على وزن استفعل. قياس مصدره استعواذ، فأعلت الواو، فنقلت حركتها وقلبت ألفا، فاجتمع ألفان فحذفت إحداهما وهي الزائدة عند الخليل وسيبويه، وبدل العين عند الأخفش والفراء, فصار استعاذ ثم أتي بالتاء عوضا عن المحذوف. وقوله: ........ ثم أقم ... إقامة....... أصل أقم أقوِم كأكرم, فقياس مصدره إقوام، فلما اعتلت الواو بالنقل والقلب اجتمع ألفان، فحذف أحدهما على الخلاف المتقدم, فصار إقاما, ثم أتي بالتاء عوضا عن المحذوف.
وقوله: وغالبا ذا التا لزم أشار إلى أن التاء قد تحذف, كقول بعضهم: أراه إراء1, واستقام استقاما. قال ابن عصفور: ولا يجوز حذفها إلا حيث ورد، وظاهر كلام سيبويه جوازه، قال: وإن شئت لم تعوض. وقال الفراء: لا يجوز إلا إذا كانت الإضافة عوضا من التاء نحو: "وإقام الصلاة". وقوله: وما يلي الآخر مُدَّ وافتحا ... مع كسر تلو الثان مما افتُتحا بهمز وصل كاصطفى...... ... ................... يعني: أن صوغ المصدر من كل فعل مبدوء بهمزة وصل يكون بكسر ثالثه, وهو تلو الثاني وزيادة ألف قبل آخره نحو: اصطفى اصطفاء. فإن قلت: لا يفهم من قوله: "مد" أن المدة ألف. قلت: فهم ذلك من قوله: "وافتحا". وينبغي أن يقيد كلامه بألا يكون أصله تفاعل ولا تفعل نحو: اطّاير واطّير أصلهما: تطاير تطيّر، فإن مصدرهما لا يكسر ثالثه ولا يزاد ألف قبل آخره. وقوله: ..... وضم ما ... يربع في أمثال قد تلملما يعني: أن مصدر تفعلَل تفعلُل -بضم رابعه- نحو: تلملَم تلملُما وتدحرج تدحرجا. وقوله: فعلال أو فعللة لفعللا ... ..................... يعني: أن مصدر فعلل نحو: دحرج وما ألحق به نحو: جلبب وحوقل وبيطر يأتي على فعلال نحو دحراج, وعلى فَعلَلة نحو دحرجة، والمقيس منهما فعللة، ولذلك قال:
واجعل مقيسا ثانيا لا أولا وكلاهما عند بعضهم مقيس، وهو ظاهر التسهيل، وكثر فعلال في المضاعف نحو الزلزال، وفتح أول الزلزال ونحوه من المضاعف جائز. قوله: لفاعل الفِعَال والمفاعله يعني: أن فاعل له مصدران: فِعال نحو خاصم خِصاما، ومفاعلة نحو: مخاصمة، واللازم له عند سيبويه المفاعلة، وقد يتركون الفعال ولا يتركون المفاعلة، وانفراد مفاعلة بما فاؤه ياء نحو: ياسر مياسرة، وندر الفعال في قولهم: ياومه مياومة، حكاه ابن سيده. وقوله: وغير ما مر السماع عادله أي: كان له عديلا، فلا يقدم عليه إلا بسماع، من ذلك مجيء المصدر المعتل اللام على تفعيل ونحو1:
وهي تنزي دلوها تنزيا ومجيء مصدر فعل الصحيح اللام على تفعلة نحو: تكرمة وتجربة، وغلب فيما لامه همزة نحو: خطأ تخطئة وهنأ تهنئة, وقد جاء مصدر فعل على فعال نحو: كلم كلاما. وقوله: وفَعْلة لمرة كجلسه ... وفِعْلة لهيئة كجلسه يعني: أنه يدل على المرة في مصدر الثلاثي المجرد بإتيانه على فعلة -بفتح الفاء- وعلى الهيئة بفعلة -بكسر الفاء- وهو مقيد بألا يكون المصدر على فَعلة نحو: رحمة, أو فِعلة نحو: ذِرْبة1, فلا يدل حينئذ على المرة أو الهيئة إلا بقرينة حالية أو وصف. وقوله: في غير ذي الثلاث بالتا المرة يعني: أنه يدل على المرة في مصدر غير الثلاثي زيادة التاء نحو: انطلق انطلاقة. تنبيهان: الأول: إنما تلحق التاء للدلالة على المرة في الأبنية المقيسة. والثاني: إن ذلك مقيد بأن يكون المصدر مجردا من التاء، فإن بني على التاء دل على المرة فيه بالقرينة لا بالتاء كما سبق في الثلاثي. وقوله: وشذ فيه هيئة كالخمره أي: شذ في غير الثلاثي صوغ فعلة للدلالة على الهيئة كقولهم: "هو حَسن العِمّة والقُمصة" و"هي حسنة الخمرة والنِّقبة" من تعمم وتقمص, واختمرت وانتقبت.
أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات
أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات: تقدم حد اسم الفاعل, ويأتي حد الصفة المشبهة: كفاعل صغ اسم فاعل ذا ... من ذي ثلاثة يكون كغذا شمل قوله: "من ذي ثلاثة" فَعَل المتعدي نحو ضرب فهو ضارب, واللازم نحو ذهب فهو ذاهب، وفَعِل المتعدي نحو علم فهو عالم, واللازم نحو سلم فهو سالم، وفَعُل نحو فَرُه فهو فاره، وليس نسبته إليها على السواء؛ فلهذا قال: وهو قليل في فعلت وفَعِل ... غير معدى........ "يعني: أن فاعلا قليل في فَعُل -المضموم العين- وفَعِل -المكسور العين- غير المعدى"1, ففهم منه أنه كثير مقيس في فعل مطلقا، وفي فعل المتعدي. وقوله: بل قياسه فَعِل ... وأَفْعَل فعلان يعني: أن قياس فعل اللازم أن يكون اسم فعله على أحد الأوزان الثلاثة، ففعِل للأعراض نحو أشر وفرح، وأفعل للألوان والخِلَق نحو أخضر وأجهر -وهو الذي لا يبصر في الشمس- وفَعْلان للامتلاء وحرارة البطن نحو ريان وصديان، وقد نبه على ذلك بالتمثيل. وقوله: وفعل أولى وفعيل بفَعُل يعني: أن هذين الوزنين أولى به من غيره نحو "ضخُم فهو ضَخْم وجَمُل فهو جميل"2, فإن قلت: فهل ينقاس عليهما؟
قلت: أما فعيل فمقيس، وقال في شرح التسهيل: ومن استعمل القياس فيهما لعدم السماع, فهو مصيب. وقول الشارح: الذي كثر في "استعمال"1 اسم الفاعل حتى كاد "يطرد"2 أن يجيء على فعل أو فعيل, يخالف قوله: وأفعل فيه قليل وفَعَل الضمير لفَعْل. مثال أفعل: أحرش3 المكان فهو أحرش، ومثال فعل: بطل فهو بطل، ولا يقاس عليهما لقلتهما. وبسوى الفاعل قد يغنى فَعَل أي: قد يستغني فعل -المفتوح العين- بمجيء اسم فاعله على غير فاعل نحو طاب فهو طيب, وشاخ فهو شيخ, وشاب فهو أشيب, وعف فهو عفيف، ولم يأتوا فيه بفاعل. فإن قلت: كيف يطلق على هذه الأوزان اسم فاعل، وإنما هي من الصفة المشبهة؟ قلت: يطلق اسم الفاعل في اللغة كثيرا, وفي الاصطلاح قليلا على كل وصف مشارك للفعل في مادة حروف الاشتقاق وتحمل ضمير الفاعل، وفي مشهور الاصطلاح على ما تقدم وحده في بابه. وقوله: وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذي الثلاث كالمواصل مع كسر متلو الأخير مطلقا ... وضم ميم زائد قد سبقا
بيّن بهذين البيتين كيفية بناء اسم الفاعل من كل فعل زائد على ثلاثة أحرف, وهو واضح. وقوله: "وزنة" هو خبر مقدم لقوله: "اسم فاعل", والتقدير: واسم الفاعل من غير ذي الثلاث زنة المضارع، وفهم من قوله: "مطلقا" أنه إذا كان مكسورا قدر كسره, فتكون الحركة غير الحركة. وقوله: وإن فتحت منه ما كان انكسر ... صار اسم مفعول كمثل المنتظر فلا فرق بين اسم الفاعل, واسم المفعول فيما زاد على ثلاثة إلا بكسر ما قبل الأخير, وفتحه. وقوله: وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد ... زنة مفعول كآت من قصد أي: كالمصوغ من قصد، فتقول: مقصود. وإذا كان الثلاثي لازما قيد مفعوله بالحرف الذي يتعدى به نحو: "ممرور به" ويعني بالثلاثي المتصرف. وقوله: وناب نقلا عنه ذو فَعِيل ... نحو فتاة أو فتى كحيل أي: ناب ذو فعيل, يعني: صاحب هذا الوزن عن مفعول نقلا لا قياسا نحو: كحيل بمعنى مكحول، وقتيل وطريح وهو كثير. قال الشارح: وعلى كثرته لم يقس عليه بإجماع، وفي التسهيل: وليس مقيسا خلافا لبعضهم فنص على الخلاف1, وقال في شرحه: وجعله بعضهم مقيسا فيما ليس له فعيل بمعنى فاعل، فقيد في الشرح وأطلق في الأصل. فإن قلت: فهل يعمل فعيل النائب عن مفعول عمل اسم المفعول؟ قلت: ذكر في التسهيل "أنه ينوب"2 في الدلالة لا العمل3, فعلى هذا لا
يقال: "مررت برجل كحيل عينه ولا قتيل أبوه" وقد أجازه ابن عصفور ويحتاج إلى سماع. فإن قلت: لِمَ قال: نحو فتاة أو فتى، فمثل بالمؤنث والمذكر؟ قلت: لينبه على أن "فعيل" بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
الصفة المشبهة باسم الفاعل
الصفة المشبهة باسم الفاعل: صفة استحسن جر فاعل ... معنى بها المشبهة اسم الفاعل تتميز الصفة المشبهة عن اسم الفاعل باستحسان جر فاعلها بإضافتها إليه. نحو "حسن الوجه" وذلك خلاف اسم الفاعل، فإنه "لا يصلح لذلك"1. فإن قلت: يشعر قوله: "استحسن" بأن اسم الفاعل قد يضاف إلى فاعله، ولكنه ليس بمستحسن. قلت: قال الشارح: إن ذلك "لا يسوغ"2 في اسم الفاعل إلا إن أمن اللبس، فقد "يجوز"3 على ضعف وقلة في الكلام نحو: "كاتب الأب" تريد: كاتب أبوه، انتهى. وليس على إطلاقه بل نقول: إذا قصد ثبوت اسم الفاعل، فإن كان من غير متعد عُومل معاملة الصفة المشبهة. "وساغت"4 إضافته إلى ما هو فاعل في المعنى، فتقول: "زيد قائم الأب" -بالرفع والنصب والجر- على حد الحسن الوجه. وإن كان من متعد بحرف جر فكذلك عند الأخفش، وصححه ابن عصفور بدليل قولهم: "هو حديث عهد بوجع" ونقل المنع عن الجمهور. وإن كان من متعد إلى واحد فكذلك عند المصنف بشرط أمن اللبس وفاقا للفارسي، وذهب كثير إلى منعه، وفصّل قوم فقالوا: إن حذف مفعوله اقتصارا جاز وإلا فلا، وهو اختيار ابن عصفور وابن أبي الربيع والسماع يوافقه كقوله5:
ما الراحم القلب ظلاما وإن ظُلما وإن كان "متعديا"1 إلى أكثر من واحد لم يجز جعله كالصفة، قال بعضهم بغير خلاف. فإن قلت: لِمَ قال: فاعل معنى؟ قلت: لأنه لا تضاف الصفة إليه إلا بعد إسنادها إلى ضمير الموصوف, فلم يبق فاعلا إلا من جهة المعنى.
وقوله: "المشبهة اسم فاعل" يجوز أن يكون مبتدأ وصفة خبره، وفي الكلام تقديم وتأخير، ويجوز أن يكون صفة مبتدأ، وإن كان نكرة لوصفه "والصفة المشبهة"1 خبره, والأول أظهر. فإن قلت: ما وجه الشبه بينها, وبين اسم الفاعل؟ قلت: من أوجه، أحدها: أنها تدل على حدث, ومن قام به. الثاني: أنها تؤنث وتذكر. الثالث: أنها تثنى وتجمع، وكان حقها ألا تعمل عمل فعلها؛ لأنها لا تجري على المضارع، ولا هي معدولة عن الجاري عليه، إلا أنها عملت لمشابهتها اسم الفاعل فيما ذكر. ثم اعلم أن بين اسم الفاعل والصفة المشبهة فروقا: الأول: أن الصفة المشبهة لا تكون إلا من فعل لازم بخلاف اسم الفاعل, فإنه يصاغ من المتعدي واللازم. وإلى هذا أشار بقوله: وصوغها من لازم. الثاني: أنها لا تكون للماضي المنقطع ولا لما لم يقع ولا "توجد"2 إلا للحاضر، وهو الأصل في باب الوصف؛ لأنها لم توضع لإفادة معنى الحدوث بل لنسبة الحدث إلى الموصوف به على جهة الثبوت بخلاف اسم الفاعل، فإنه كالفعل في إفادة معنى الحدوث والصلاحية لاستعماله بمعنى الماضي والحال والاستقبال؛ ولذلك إذا قصد باسم الفاعل الثبوت عُومِل معاملة الصفة المشبهة كما سبق، وإذا قصد بالصفة الحدوث حُوِّلت إلى بناء اسم الفاعل كقوله3:
وما أنا من رزء وإن جل جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح وإلى هذا أشار بقوله: "لحاضر". تنبيه: قد تقدم مما ذكرناه أن كونها للحال ليس شرطا في عملها، ولكن وضعها كذلك؛ لكونها دالة على الثبوت من ضرورته الحال، فعبارته هنا أجود من قوله في الكافية: والاعتماد واقتضاء الحال ... شرطان في تصحيح ذا الإعمال الثالث: أنها غير جارية على المضارع بخلاف اسم الفاعل. نص على ذلك الزمخشري وغيره، وهو ظاهر كلام أبي علي في الإيضاح، ورده المصنف وقال في التسهيل: وموازنتها للمضارع قليلة إن كانت من ثلاثي, ولازمة إن كانت من غيره1. ولذلك مثل هنا "بطاهر القلب" وهو جارٍ على المضارع, و"بجميل الظاهر" وهو غير جارٍ تنبيها على "مجيئه"2 بالوجهين.
ومثالها من غير الثلاثي منطلق اللسان, ومطمئن القلب. قلت: ولقائل أن يقول: إن ضامرا ومنطلقا ومنبسطا ونحوها مما جرى على المضارع أسماء فاعلين قصد بها الثبوت, فعوملت معاملة الصفة المشبهة، وليست بصفة مشبهة. فإن قلت: قد رد ما ذهب إليه من قال: إنها لا تكون جارية بكونهم متفقين على أن "شاحطا" في قوله1: من صديق أو أخي ثقة ... أو عدو شاحط دارا صفة مشبهة: قلت: إن صح الاتفاق فهو محمول على أن حكمه حكم الصفة المشبهة؛ لأنه قصد به الثبوت كما تقدم؛ فلذلك أطلق عليه صفة مشبهة. الرابع: أن معمولها لا يتقدم عليها؛ لضعفها بخلاف اسم الفاعل2. الخامس: أن معمولها لا يكون إلا سببيا بخلاف اسم الفاعل، فإنه يعمل في السببي والأجنبي3. والمراد بالسببي المتلبس بضمير صاحب الصفة لفظا, أو معنى.
وإلى هذين أشار بقوله: وسبق ما تعمل فيه مجتنب ... وكونه ذا سببية وجب فإن قلت: قد ذكر في التسهيل أن معمول الصفة المشبهة يكون ضميرا بارزا متصلا1 كقوله2: حسن الوجه طلقه أنت في السلم ... وفي الحرب كالح مكفهر ولا يطلق عليه سببي. قلت: إنما احترز بالسببي عن الأجنبي فإنها لا تعمل فيه، وأما عملها في الموصوف فلا إشكال فيه. وأما قوله: وعمل اسم فاعل المعدى ... لها........... فيعني به أنها تنصب فاعلها في المعنى, كما ينصب اسم الفاعل مفعوله. فإن قلت: كيف قال: وعمل اسم فاعل المعدى لها وبينهما فرق، وهو أن معمول اسم الفاعل مفعول به ومعمولها مشبه بالمفعول، فعملهما إذًا مختلف؟
قلت: هو متحدّ صورة وهو المراد بقوله: على الحد الذي قد حُدَّا, يعني: أن عملها مشروط بالاعتماد, كما شرط ذلك في اسم الفاعل. فإن قلت: لِمَ أخر قوله: "وسبق ما تعمل فيه ... البيت" عن قوله: وعمل اسم فاعل المعدى؟ وكان ينبغي العكس؛ لأن ذلك من تتمة الفروع. قلت: بيان شرط معمولها من "توابع عملها"1؛ فلذلك أخره عنه. وقوله: فارفع بها وانصب وجر مع أل الرفع على الفاعلية2 والنصب على التشبيه بالمفعول به في المعرفة، وعلى التمييز في النكرة، وقيل: يجوز فيه أيضا التشبيه، وأجاز بعض البصريين كون المقرون بأل والمضاف إلى المقرون بها تمييزا وهي نزعة كوفية والجر على الإضافة، وهل هي من نصب أو رفع؟ قولان. وظاهر كلام المصنف أنها من رفع وإليه ذهب السهيلي، وذهب الشلوبين وأكثر أصحابنا كابن عصفور إلى أنها من المنصوب. وقوله: "ودون أل". يعني: أن الصفة المشبهة تعمل الرفع والنصب والجر في السببي مقرونة بأل, ومجردة منها. ثم قسّم معمولها إلى ثلاثة أقسام: الأول: معرف بأل، وإليه أشار بقوله: "مصحوب أل". والثاني: المضاف، وهو المراد بقوله: "وما اتصل بها مضافا". أي: وما اتصل بالصفة, ولم ينفصل عنها بأل. والثالث: المجرد من أل والإضافة.
ثم اعلم أن المضاف أنواع: الأول: مضاف إلى ضمير الموصوف. الثاني: مضاف "إلى مضاف" إلى ضميره. والثالث: مضاف إلى المعرف بأل. والرابع: مضاف إلى المجرد. والخامس: مضاف إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف. ذكره في التسهيل1 ويحتاج إلى سماع. والسادس: مضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى، ذكره في شرح التسهيل. والسابع: مضاف إلى موصول. والثامن: مضاف إلى موصوف يشبهه. والمجرد من أل والإضافة يشمل ثلاثة أنواع: الموصول والموصوف وما سواهما، فجملة أنواع معمولها السببي أحد عشر نوعا وهذه أمثلتها على الترتيب: مثال مصحوب أل "الحسن الوجه", ومثال المضاف إلى ضمير الموصوف "الحسن وجهه", ومثال المضاف إلى المضاف إلى ضميره "الحسن وجه أبيه". ومثال المضاف إلى المجرد "الحسن وجه أب". ومثال المضاف إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف "مررت بامرأة حسن وجه جاريتها جميلة أنفه" فالأنف مضاف إلى ضمير الوجه والوجه مضاف إلى جارية والجارية مضاف إلى ضمير الموصوف.
ومثال المضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى "مررت برجلٍ حسن الوجنة جميلٍ خالها" وهو تركيب نادر. وشاهده قول الشاعر1: سبتني الفتاة البضة المتجرد الـ ... لطيفة كشحه وما خلت أن أسبى ومثال المضاف إلى الموصول قوله2:
فعجتها قِبَل الأخيار منزلة ... والطيبي كل ما التاثت به الأزر ومثال المضاف إلى الموصوف "رأيت رجلا حديدا سنان رمح يطعن به". ومثال الموصول قوله1: وثيرات ما التفّتْ عليه المآزر
ومثال الموصوف قوله1: أزور امرأ جما نوال أعده ... لمن أَمَّهُ مستكفيا أزمة الدهر وهذان القسمان غريبان: ومثال المجرد غيرهما "الحسن وجه". إذا تقرر هذا, فاعلم أن الصفة تعمل في السببي الرفع والنصب والجر مع أل ودون أل, فلها ستة أحوال. وكل منها على أحد عشر تقديرا في المعمول فهذه ست وستون صورة كلها جائزة إلا ما لزم منها إضافة ما فيه أل إلى الخالي من أل, ومن إضافة إلى المعرف بها أو إلى ضمير المعرف بها فيمتنع "الحسن وجهه" و"الحسن وجه أبيه" و"الحسن وجه أب" و"الحسن وجه" ونحوها. ويجوز نحو: "الحسن الوجه"؛ لأنه معرف بأل, و"الحسن وجه الأب"؛ لأنه مضاف إلي المعرف بها, و"الكريم الآباء الغامر جودهم"؛ لأن جودا مضاف إلى ضمير المقرون بها، ذكره في التسهيل2.
وإلى هذا أشار بقوله: ولا تجرُرْ بها, أي: الصفة، سُما1. مع أل سما من أل خلا. أي: اسما خلا من أل "ومن إضافة لتاليها". وقوله: .......... وما ... لم يخل فهو بالجواز وسما يعني: وما لم يخل من أل ومن إضافة لتاليها, فهو موسوم بالجواز. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: أو من إضافة لمضمر المعرف بها, كما ذكره في التسهيل. قلت: إنما "تركه"2 هنا؛ لأنه تركيب نادر كما مر. تنبيهان: الأول: لم يتعرض المصنف لبيان أقسام الجائز، وهو ينقسم إلى قبيح وحسن ومتوسط. فالقبيح: ما عري عن الضمير، والحسن: ما كان فيه ضمير واحد، والمتوسط: ما تكرر فيه الضمير، إلا ما تقدم امتناعه، وقد بسطته في غير هذا المختصر3. الثاني: ما ذكره من الحكم إنما هو النسبي، وقد تقدم أن معمول الصفة يكون ضميرا وعملها فيه جر بالإضافة إن باشرته وخلت من أل نحو: "مررت برجل حسن الوجهِ جميلِهِ", ونصب إن فُصلت أو قُرنت بأل, فالمفصولة نحو: "قريش بخباء الناس ذرية وكرامُهُموها". والمقرونة بأل نحو: "زيد الحسنُ الوجهِ الجميله".
التعجب
التعجب: استعظام فعل ظاهر المزية، ويدل عليه بألفاظ كثيرة غير ما يذكر في هذا الباب نحو: "سبحان الله" و"لله دره"، لم يبوب لها في النحو؛ لكونها لم تدل عليه بالوضع بل بقرينة. والمبوب له من ألفاظه: أفعَل وأفعِل, وقد أشار إلى الأول بقوله: بأفعل انطق بعد ما تعجُّبا أي: انطق بوزن أفعل بعد ما؛ لإنشاء التعجب أو في حال تعجبك. فقوله: "تعجبا" مفعول له أو حال. وأشار إلى الثاني بقوله: أو جئ بأفعِل قبل مجرور ببا يعني: أو جئ بوزن أفعل قبل اسم مجرور بباء الجر. ثم قال: وتلو أفعل انصبنه مذهب البصريين أنه مفعول به، وزعم الفراء ومن وافقه من الكوفيين أن نصبه على حد النصب في نحو: "زيدٌ كريمٌ الأبَ". فإن قلت: شرط المجرور بعد أفعِل والمنصوب بعد ما أفعَل، أن يكون مختصا لتحصل به الفائدة، ولم ينبه على ذلك. قلت: في تمثيله الآتي إرشاد إليه. ثم مثل الصيغة الأولى بقوله: ........ كما ... أوفى خليلينا....... وهو نظير: "ما أحسن زيدًا" فما اسم لعود الضمير عليها مبتدأ، قيل: بلا خلاف، وقد روي عن الكسائي: أنها لا موضع لها من الإعراب، وهو خلاف شاذ. وبعد ثبوت اسميتها وأنها مبتدأ، ففي معناها خلاف. مذهب سيبويه وجمهور البصريين أنها اسم تام نكرة، والفعل بعدها خبرها، وهو الصحيح لأن
قصد المتعجب الإعلام بأن المتعجب منه ذو مزية إدراكها جلي، وسبب الاختصاص بها خفي، فاستحقت الجملة المعبر بها عن ذلك أن تفتتح بنكرة غير مختصة؛ ليحصل بذلك إبهام متلو بإفهام. فإن قلت: كيف ساغ الابتداء بما, وهي نكرة لا مسوغ لها؟ قلت: سوغها قصد الإبهام، وقد ذكره في التسهيل من المسوِّغات1. وقال الشارح: لأنها في تقدير التخصيص. والمعنى: شيء عظيم أحسن زيدا, أي: جعله حسنا، فهو كقولهم: "شيء جاء بك وشر أهر ذا ناب"2. انتهى، وفيه نظر. وذهب الأخفش وطائفة من الكوفيين إلى أنها موصولة, والفعل صلتها والخبر محذوف لازم الحذف, تقديره: الذي أحسن زيدًا شيء عظيم. ورد بأنه يستلزم مخالفة النظائر من وجهين: أحدهما: تقدم الإفهام وتأخر الإبهام, والمعتاد فيما تضمن من الكلام إفهاما وإبهاما "أن"3 يقدم الإبهام. والثاني: التزم حذف الخبر دون شيء سد مسده، وذهب الفراء وابن درستويه إلى أنها استفهامية, ونقله في شرح التسهيل عن الكوفيين. ورده بأن الاستفهام المشوب بالتعجب لا يليه إلا الأسماء نحو: {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} 4 وما المشار إليها مخصوصة بالأفعال، وبأنها لو كان فيها معنى الاستفهام لجاز أن يخلفها أي.
وبأن قصد التعجب بما أفعله مجمع عليه والاستفهام زيادة لا دليل عليها, فلا يلتفت إليها. قلت: وفي الأول نظر. لأن مذهب الكوفيين أن أفعل اسم, وسيأتي. وذهب الأخفش في أحد أقواله إلى أنها نكرة موصوفة، وأفعل صفتها والخبر محذوف. وثاني أقواله: أنها موصولة، وقد تقدم. وثالثها: كقول سيبويه. ثم مثّل الصيغة الثانية بقوله: وأصدِقْ بِهِما. وهو نظير: "أحسِنْ بزيد". ومذهب جمهور البصريين أن أفعل في نحو: "أحسن بزيد" لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، فمعنى "أحسن بزيد" أحسن زيد, أي: صار ذا حسن وهو مسند إلى المجرور بعده، والباء الزائدة مع الفاعل مثلها في نحو: {..... وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 1. وذهب الفراء ومن وافقه إلى أنه أمر باستدعاء التعجب من المخاطب مسندا إلى ضميره، واستحسنه الزمخشري وابن خروف، وذهب ابن كيسان إلى أن المخاطب ضمير الحسن كأنه قيل: يا حسن أحسن بزيد, أي: دم به؛ ولذلك كان الضمير مفردا على كل حال، قال ابن طلحة: وهو حسن، وعلى هذين القولين فالباء زائدة مع المفعول؛ لأن من جعل أفعل أمرا حقيقة فالهمزة عنده للتعدية. وأجاز بعض المتأخرين أن تكون الباء للتعدية لا زائدة، والهمزة للصيرورة لا للتعدية، وهو أمر للسبب2 أو للشخص على القولين.
والصحيح ما ذهب إليه جمهور البصريين؛ لسلامته مما يرد على غيره. ورد المصنف قول الفراء بأربعة أوجه: أحدها: أنه لو كان أمرا لم يكن الناطق به متعجبا, كما لا يكون الآمر بالحلف ونحوه حالفا، ولا خلاف في كونه متعجبا. الثاني: أنه لو كان أمرا لزم إبراز ضميره. الثالث: أنه لو كان مسندا إلى ضمير المخاطب لم يَلِهِ ضمير المخاطب في نحو: "أحسن بك". الرابع: لو كان أمرا لوجب له من الإعلال ما وجب لأقِمْ وابْنِ. ورد قول ابن كيسان بأن من المصادر ما لا يكون إلا مؤنثا كالسهولة والنجابة، فلو كان الأمر على ما توهمه، لقيل في أسهل به وأنجب به: أسهلى به وأنجبى، وقد أجيب عما رد به، وليس "هذا"1 موضع ذكره. تنبيهان: الأول: الباء بعد أفعل لازمة عند الفريقين، إلا إذا كان المتعجب منه أن وصلتها, كقول الشاعر2:
وأحبِبْ إلينا أن تكون المقدما الثاني: قال في شرح التسهيل: لو اضطر شاعر إلى حذف الباء المصاحبة غير أن لزمه أن يرفع، وعلى قول الفراء يلزم النصب. وقوله: وحذف ما منه تعجبت استبح ... إن كان عند الحذف معناه يضح يعني: أنه يجوز حذف الاسم المنصوب بعد ما أفعل, والمجرور بالباء بعد أفعل؛ فمثال حذفه بعد ما أفعل قول علي رضي الله عنه1: جزى الله عنا والجزاء بفضله ... ربيعة خيرا، ما أعفَّ وأكرَما
أي: ما أعفهم وأكرمهم. ومثاله بعد أفعِل قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ....} 1 -أي: بهم- وإنما حذف مع كونه فاعلا؛ لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة خلافا للفارسي. وذهب قوم إلى أنه لم يحذف, ولكنه استتر في الفعل حين حذفت الباء. ورُدّ بوجهين: أحدهما: لزوم إبرازه حينئذ في التثنية والجمع. والآخر: أن من الضمائر ما لا يقبل الاستتار كنا من: "أكرم بنا"2. قال في شرح الكافية: ولا تحذف الباء بعد أفعل إلا مع مجرورها, بشرط كون أفعل مسبوقا بآخر معه الفاعل المذكور كقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ... } 3. وقد تحذف الباء ومجرورها بعد أفعل مفردا, كقول الشاعر4:
فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدا وإن يستغن يوما فأجدر فإن قلت: كيف أطلق على الاسم متعجبا منه في قوله: # وحذف ما منه تعجبتَ استبِح والمتعجب منه إنما هو فعله "لا نفسه"1؟ قلت: قد أجاب الشارح بأنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقوله: إن كان عند الحذف معناه يضح شرط في استباحة حذف المتعجب منه بعد ما أفعل, وأفعل "به"2. يعني: أن جواز حذفه مشروط بأن يكون المراد واضحا عند الحذف للعلم به, فلو كان مجهولا لا دليل عليه لم يجز حذفه؛ لعدم الفائدة. قوله: وفي كلا الفعلين قدما لزما ... منع تصرف بحكم حُتما قال في شرح التسهيل: لا خلاف في عدم تصرف فعلي التعجب, انتهى. وقد أجاز ابن هشام الإتيان بمضارع ما أفعَل, فتقول: "ما يحسن زيدا".
وهو قياس ولم يسمع, فوجب اطّراحه. فإن قلت: فهلا جعلوا أفعِل أمرا من أفعَل؟ قلت: المانع من ذلك كون الهمزة في أفعِل للصيرورة، وفي ما أفعل للنقل، هذا تفريع على مذهب الجمهور. قلت: صرح المصنف في هذا البيت بفعلية صيغتي التعجب. وأما ما أفعله ففيه خلاف؛ ذهب البصريون والكسائي إلى فعليته, وذهب الكوفيون إلى اسميته ولم يستثنه بعضهم، فلعل له قولين. والصحيح أنه فعل؛ لبنائه على الفتح، ولنصبه المفعول به، وليس من الأسماء التي تنصبه، وللزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية نحو: "ما أفقرني إلى عفو الله" ذكر ذلك المصنف. قلت: قد حكى الكوفيون عن العرب حذف هذه النون، ولم يجعلوها لازمة، واستدلوا على الاسمية بعدم تصرفه، وبتصغيره، وبصحة عينه. وأجيب: بأن امتناع تصرفه؛ لأنه لزم طريقة واحدة، وبأن تصغيره وصحة عينه لشبهه بأفعل التفضيل. وأما أفعل, فقال المصنف وغيره: لا خلاف في فعليته، وفي كلام ابن الأنباري ما يدل على اسميته، قال: وأحسن لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث لأنه اسم، انتهى. فإن قلت: ما إعراب: "ما أحسن زيدًا" عند القائلين باسمية أفعل؟ قلت: نقل الفراء أن الأصل في "ما أظرف زيدا" ما أظرفُ زيد على الاستفهام, ثم نقلوا الصيغة من زيد وأسندوها إلى ضمير "ما", وانتصب زيد بالظرف فرقا بين الخبر والاستفهام، والفتحة في أفعل فتحة إعراب وهو خبر عن "ما", وإنما انتصب؛ لكونه خلاف المبتدأ الذي هو "ما", إذ هو في الحقيقة خبر عن زيد.
وزعم بعض الكوفيين أن أفعل مبني وإن كان اسما؛ لأنه مضمن معنى التعجب وأصله أن يكون للحرف. وقوله: وصفهما من ذي ثلاث صرفا ... قابل فضل تم غير ذي انتفا وغير ذي وصف يضاهي أشهلا ... وغير سالك سبيل فعلا اشتمل هذان البيتان على شروط ما يصاغ منه فعلا التعجب قياسا، وهي ثمانية: الأول: أن يكون فعلا، فلا يصاغان من غيره، وبذلك ظهر خطأ من يقول من الكلب: ما أكلبه، ومن الحمار: ما أحمره. وشذ من ذلك قوله: "أَقْمِنْ به" اشتقوه من قَمِن, أي: حقيق. وذكر المصنف منه قولهم: "ما أذرَعها" بمعنى: ما أخفها في الغزل، وهو من قولهم: امرأة ذَرَاع، قال: ولم يسمع منه فعل. وحكى ابن القطاع1: "ذُرعت المرأة": خفت يداها في الغَزْل فهي ذراع, فعلى هذا ليس بشاذ. فإن قلت: فلِمَ ينص الناظم هنا على هذا الشرط؟ قلت: هو مفهوم من قوله: "من ذي ثلاث". "لأن التقدير: من قبل ذي ثلاث"2, فحذف الموصوف للعلم به.
الثاني: أن يكون ثلاثيا. ونعني به ثلاثي اللفظ، فلا يصاغان من الرباعي المجرد باتفاق نحو: دحرج، ولم يشذ منه شيء. وأما الثلاثي المزيد, فإن كان أفعل ففيه مذاهب: أحدها: جواز صوغهما منه قياسا مطلقا، وهو اختيار المصنف، قال: وهو مذهب سيبويه والمحققين من أصحابه. والثاني: منعه إلا أن يشذ شيء فيحفظ, وهو مذهب الأخفش والمازني والمبرد وابن السراج والفارسي ومن وافقهم. والثالث: التفصيل، فإن كانت همزته للنقل لم يجز، وإن كانت لغيره جاز, وصححه ابن عصفور ونسبه إلى سيبويه، والظاهر أن مذهب سيبويه هو الأول؛ لتمثيله بأعطى والهمزة فيه للنقل، يقال: عطوت بمعنى تناولت، وأعطيت بمعنى ناولت، قلت: والقياس على ذلك عند من أجازه مشروط بعدم مانع آخر، فإن وجد مانع لم يجز نحو: أودى بمعنى هلك، فإنه غير قابل للتفاضل، نحو: أجاب فإنهم استغنوا عنه بما أفعل فعله، فلا يقال: ما أجوبه, بل ما أجود جوابه، ذكره سيبويه. وإن كان غير أفعل فقد شذ منه ألفاظ, منها: ما أشده من اشتد، وما أشوقه من اشتاق، وما أحوله من احتال، وما أخصره من اختُصر. وفيه شذوذان؛ لأنه مزيد ومبني للمفعول. وليس من الشاذ: ما أفقره وما أشهاه وما أحياه، خلافا لأكثرهم؛ لثبوت فَقِرَ وفَقَرَ بمعنى افتقر، وشهي بمعنى اشتهى، وحيي بمعنى استحيا. ولا حجة في قول من خفي عليه ما ظهر لغيره. ونقل عن الأخفش أنه أجاز التعجب في كل فعل مزيد على استكراه، كأنه راعى أصله. الثالث: أن يكون متصرفا، فلا يصاغان من غير المتصرف كنعم وبئس, وشذ من ذلك قولهم: "ما أعساه" و"أعسِ به".
فإن قلت: ينبغي أن يقال: كامل التصرف؛ احترازا "من"1 نحو: يدع ويذر. قلت: إذا أطلق المتصرف فهو محمول على كامل التصرف. الرابع: أن يكون قابلا للتفاضل، فلا يصاغان من فعل لا يقبل ذلك نحو: مات وفني وحدث؛ لأنه لا مزية فيه لبعض فاعليه على بعض. الخامس: أن يكون تاما، فلا يصاغان من الأفعال الناقصة خلافا لمن أجاز صوغهما من كان الناقصة. السادس: أن يكون مثبتا, فلا يصاغان من فعل مقصود نفيه لزوما كلم يَعِجْ, أو جوازا كلم يَعُجْ كذا. قال في شرح التسهيل: يعني: أن عاج يعيج بمعنى انتفع لم يستعمل إلا منفيا, وعاج يعوج بمعنى مال استعمل مثبتا ومنفيا. ونوزع في اختصاص الأول بالنفي، فإنه ورد مثبتا فيما أنشده أبو علي القالي في نوادره, قال: أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي2:
ولم أر شيئا بعد ليلى ألذه ... ولا منظرا أروى به فأعيج السابع: ألا يكون معبرا عن فاعله بأفعل فعلاء، فلا يصاغان من شهل وحول، ولا فرق بين أن يكون من المحاسن كالأول، أو من العيوب كالثاني. وعلة المنع عند الجمهور أن حق ما يصاغان منه أن يكون ثلاثيا محضا. وأصل الفعل في هذا النوع أن يكون على أفعل. قال في شرح التسهيل: وعندي تعليل آخر أسهل منه، وهو أن يقال: لما كان بناء الوصف من هذا النوع على أفعل لم يُبْنَ منه أفعل التفضيل؛ لئلا يلتبس أحدهما بالآخر، فلما امتنع صوغ أفعل التفضيل امتنع صوغ فعل التعجب؛ لتساويهما وزنا ومعنى, وجريانهما مجرى واحدا في أمور كثيرة. قال: وهذا الاعتبار بيّن ورجحانه متعيّن. وشذ من هذا النوع قولهم: "ما أحمقه" و"ما أرعنه" و"ما أهوجه" و"ما أنوكه", بمعنى: ما أحمقه، وما ألده من لد إذا كان عسر الخصومة، ومنه الوصف من كل هذه على أفعل في التذكير، وفعلاء في التأنيث. وكلامه في الكافية والتسهيل، يقتضي ظاهره أن صوغهما من فِعْلِ أفعَل إذا فهم جهلا أو عسرا مقيس1. الثامن: ألا يكون مبنيا للمفعول, فلا تقول: "ما أضرب زيدا" وأنت تتعجب من الضرب الواقع "به"2.
وعلته عند قوم خوف اللبس، وإليه ذهب المصنف؛ فلذلك حكم باطراد صوغهما منه عند أمن اللبس كقولهم: "ما أشغله" من شغل, و"ما أجنّه" من جُنّ, و"ما أولعه" من وُلِع، و"أزهاه" من زُهي. قال المصنف: وهذا الاستعمال في أفعل التفضيل أكثر منه في التعجب. وعلته عند قوم: أن الفعل المتعجب منه لا بد أن يكون قبل دخول همزة النقل على فعُل أصلا أو تحويلا، وفعُل أبدا لا يكون فِعْل مفعول، وإليه ذهب ابن عصفور؛ فلذلك جعل ما ورد من ذلك شاذا. قال: وينبغي أن يتأول على أنه متعجب فيه من فعل فاعل في معنى فعل مفعول لم ينطق به. قلت: بقي شرط تاسع لم يذكره هنا، وهو ألا يستغنى عنه بالمصوغ من غيره نحو: قال من القائلة, فإنهم لا يقولون: ما أقيَله؛ استغناء بقولهم: "ما أكثر قائلته, وما أنومه في ساعة كذا، كما قالوا: تركت ولم يقولوا: ودَعت، نص على ذلك سيبويه". وقد ذكر في التسهيل فقال: ويُغني في التعجب فعل عن فعل مستوف للشروط، كما يغني في غيره1, وذكر "ذلك"2 في شرحه. من ذلك "سكر" و"قعد" و"جلس" ضدي "قام" و"قال" من القائلة، وزاد غيره "قام" و"غضب" و"نام" وممن ذكر السبعة ابن عصفور. وعَدّ "نام" فيها غير صحيح؛ لأن سيبويه حكى: ما أنومه. فإن قلت: قد ذكر بعضهم في شروطه أن يكون على فعُل أصلا أو تحويلا، وذكر بعضهم أن يكون واقعا3, وذكر بعضهم أن يكون دائما، فهذه ثلاثة شروط لم يذكرها الناظم.
قلت: أما اشتراط كونه على فعُل, فقد ذهب إليه كثير. والصحيح أن صيغتي التعجب تبنيان من فعَل وفَعِل ولا تحتاجان إلى تحويل وهذا اختيار المصنف، وظاهر كلام سيبويه، قال: وهي تبنى من فعَل وفعِل وفعُل. وأما اشتراط الواقع والدوام فليس بصحيح، بل يجوز: ما أحسن ما يكون هذا الطفل، وليس بواقع، وما أشد لمع البرق، وليس بدائم. وقوله: وأشدِدْ أو أشدَّ أو شبههما ... يخلف ما بعض الشروط عدما ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد أفعل جره بالبا يجب يعني: أنه إذا قصد التعجب من فعل عدم بعض الشروط المذكورة, لم يجز صوغ صيغتي التعجب منه، بل يتوصل إلى التعجب منه بصوغهما مما جمع الشروط، ويؤتى بمصدر الفعل الذي عدم بعض الشروط فيعامل معاملة الاسم المتعجب منه فينصب بعد ما أفعل، ويجر بالباء بعد أفعل مضافا إلى اسم المتعجب منه, فيقال في التعجب من استخرج ونحوه: ما أشد استخراجه وأشدد باستخراجه ومن "نحو"1 مات: ما أفجع موته وأفجع بموته. هذا حاصل البيت. تنبيه: هذا العمل يصح في كل متصرف مثبت مصوغ ذي مصدر مشهور, إذا لم يستوف بقية الشروط. فإن كان غير متصرف لم يكن فيه هذا العمل؛ لأنه لا مصدر له، وإن كان منفيا أو مبنيا للمفعول لم يصح ذلك فيه، إلا بأن يؤتى به صلة لحرف مصدري معطى ما للمتعجب منه، فيقال: ما أقرب ألا يفعل وأقرب بألا يفعل، وما أشد ما ضرب وأشدد بما ضرب. وإنما فعل ذلك؛ ليبقي لفظ النفي ولفظ الفعل المبني للمفعول.
قال الشارح: ولو أمن اللبس, جاز إيلاؤه المصدر الصريح نحو: ما أسرع نفاس هند, وأسرع بنفاسها. فإن لم يكن للفعل مصدر مشهور, فالحكم أن يجعل صلة لما أيضا نحو: ما أكثر ما يذر زيد الشر. وقوله: وبالندور احكم لغير ما ذُكر ... ولا تَقِس على الذي منه أُثر الإشارة بهذا البيت إلى أنه قد ورد بناء فعل التعجب مما لم يستوف الشروط على وجه الشذوذ "فيحفظ ولا يقاس", وقد تقدم بيان ما شذ من ذلك. وقوله: وفعل هذا الباب لن يقدما ... معموله ووصله به الزما قال في شرح الكافية: لا خلاف في منع تقديم المتعجب منه على فعل التعجب، ولا في منع الفصل بينهما بغير ظرف وجار ومجرور، وتبعه الشارح في نفس الخلاف عن غير الظرف والمجرور، قال: كالحال والمنادى. وليس كما زعما, بل في الحال خلاف. أجاز الجرمي من البصريين وهشام من الكوفيين الفصل بالحال1, وقد ورد في الكلام الفصيح ما يدل على جواز الفصل بالمنادى, وذلك قول علي رضي الله عنه2: أعزز عليّ أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا وقال في شرح التسهيل بعد ذكر كلام علي رضي الله عنه: وهذا مصحِّح للفصل بالنداء. وأجاز الجرمي الفصل بالمصدر نحو: "ما أحسن إحسانًا زيدًا" ومنعه الجمهور؛ لمنعهم أن يكون له مصدر.
وأجاز ابن كيسان الفصل بلولا ومصحوبها، نحو: "ما أحسن لولا بخله زيدا" ولا حجة له على ذلك. وأما الظرف والمجرور, ففيهما خلاف مشهور. قال في شرح الكافية: والصحيح الجواز؛ لثبوت ذلك عن العرب. وقال في شرح التسهيل: لم يمتنع ولم يضعف؛ لثبوت ذلك نثرا ونظما وقياسا. فمن النثر قول عمرو بن معديكرب: "لله در بني سالم, ما أحسن في الهيجاء لقاءها، وأكرم في اللَّزبات عطاءها، وأثبت في المكرمات بقاءها"1، ومن النظم قول بعض الصحابة رضي الله عنهم2: وقال نبي المسلمين تقدموا ... وأحبب إلينا أن تكون المقدما وقول الآخر3: أقيم بدار الحزم ما دام حزمها ... وأحْرِ إذا حالت بأن أتحولا
ومن القياس أن الفصل بالظرف والمجرور, مغتفر بين المضاف والمضاف إليه فهنا أولى. وأجاز بعضهم الفصل بهما على قبح. فالحاصل ثلاثة مذاهب، والجواز مذهب الفراء والجرمي والمازني والزجاج والفارسي وابن خروف والشلوبين. وإلى المنع ذهب الأخفش والمبرد وأكثر البصريين، ونسبه الصيمري1 إلى سيبويه. والحق أنه ليس لسيبويه فيه نص، قال الشلوبين: والصواب أن ذلك جائز, وهو المشهور والمتصور. قلت: وقد أشار في النظم إلى ترجيح الجواز بقوله: "مستعمل"؛ لأن استعماله دليل جوازه. تنبيه: جواز الفصل بالظرف والمجرور عند المجيز مشروط بكونهما متعلقين بفعل التعجب، فإن لم يتعلقا به امتنع الفصل بهما كما امتنع بغيرهما, فلا يجوز: "ما أحسن بمعروف آمرا" وذكر في شرح التسهيل أنه لا خلاف في ذلك.
نعم وبئس وما جرى مجراهما: فعلان غير متصرفين ... نعم وبئس رافعان اسمين قوله: "فعلان" خبر مقدم لنعم وبئس، وفي ذلك خلاف. وفي نقله طريقان: أحدهما: أن البصريين والكسائي ذهبوا إلى فعليتهما, واستدلوا بأوجه: أحدها: اتصال تاء التأنيث الساكنة بهما عند جميع العرب. والثاني: اتصال ضمير الرفع البارز بهما في لغة قوم, وحكاها الكسائي والأخفش. والثالث: بناؤهما على الفتح كسائر الأفعال الماضية. وذهب الفراء وأكثر الكوفيين إلى أنهما اسمان، واستدلوا بدخول حرف الجر في نحو قوله: "ما هي بنعم الولد"1 و"نعم السير على بئس العير"2. ويؤول على: بمقول فيها: نعم الولد, وعلى: مقول فيها: بئس العير. والأخرى: حررها ابن عصفور في تصانيفه المتأخرة, فقال: لا يختلف أحد من النحويين البصريين والكوفيين في أن نعم وبئس فعلان، وإنما الخلاف بينهم بعد إسنادهما إلى الفاعل. فذهب البصريون: أن "نعم الرجل" جملة فعلية وكذلك "بئس الرجل". وذهب الكسائي إلى أن قولك: "نعم الرجل" و"بئس الرجل" اسمان محكيان
حيث وقعا بمنزلة تأبط شرا وبرق نحره، فنعم الرجل عنده اسم للممدوح وبئس الرجل اسم للمذموم، وهما جملتان في الأصل نقلتا عن أصلهما وسمي بهما. وذهب الفراء إلى أن الأصل في قولك: "نعم الرجل زيد" و"بئس الرجل عمرو": رجل نعم الرجل زيد، ورجل بئس الرجل عمرو، فحذف الموصوف الذي هو رجل وأُقيمت الصفة التي هي الجملة من نعم وفاعلها وبئس وفاعلها مقامه. فحكم لها بحكمه، فنعم الرجل من قولك: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل من قولك: بئس الرجل عمرو، عندهما رافعان لزيد وعمرو، كما أنك لو قلت: ممدوح زيد ومذموم عمرو، لكان زيد مرفوعا بممدوح، وعمرو مرفوعا بمذموم. والذي حملهما على ذلك أنهما رأيا العرب قد حكمت لنعم الرجل وبئس الرجل بحكم الأسماء في بعض المواضع، فحملاهما على ذلك في سائر المواضع. وقوله: "غير متصرفين" سبب عدم تصرفهما لزومهما إنشاء المدح والذم. وفي نعم أربع لغات: نَعِم وهي الأصل, ونَعْم بالتخفيف, ونِعِم بالإتباع, ونِعْم بالتخفيف بعد الإتباع، قيل: وأفصحها نِعْم وهي لغة القرآن, ثم نِعِم بالإتباع نعم وهي الأصلية وقرئ "بها"1: "فنِعِمَّ هي"2 ثم نعم في المرتبة الرابعة. وحكى بعضهم: "نعيم الرجل" واستدل به على الاسمية؛ لأن فعيلا من أوزان الأسماء. ورُد بأن ذلك من باب الإشباع على سبيل الشذوذ، فلا يثبت لغة. وأما بئس, فنص كثير على أن فيها اللغات الأربع، وقال بعضهم: لم يسمع فيها إلا لغتان: بيس -بالتخفيف بعد الإتباع- وبئس على الأصل، والأخريان بالقياس. وقال ابن عصفور والمحققون: الهمزة يبدلون منها ياء فيقولون: بيس.
وحكى الأخفش وأبو علي: بيس, بفتح الباء وتسكين الياء. وقوله: "رافعان اسمين" يعني: أن كلا منهما يقتضي مرفوعا على الفاعلية؛ لأنهما فعلان كما سبق. فإن قلت: كون المرفوع بعدهما فاعلا، إنما هو على مذهب البصريين، فما وجه رفعه على مذهب الكوفيين؟ قلت: أما على الطريقة الأولى, فقال في البسيط: ينبغي أن يكون تابعا عندهم لنعم إما بدلا أو عطفا، ونعم اسم يراد به الممدوح, فكأنك قلت: الممدوح الرجل زيد, وأما على الثانية فواضح. وقوله: "مقارني أل" نعت لقوله: "اسمين". وحاصل كلامه أن فاعل نعم وبئس يكون قسمين: ظاهرا ومضمرا. فالظاهر شرطه أن يكون معرفا بأل نحو: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} 1. أو مضافا إلى معرف بهما نحو: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} 2. "أو مضافا إلى"3 مضاف إلى المعرف بهما نحو4: فنعم ابن أخت القوم غير مكذَّب ... زهير حسامٌ مفردٌ من حمائل
وقد أشار إلى الأول بقوله: "مقارني أل". وإلى الثاني بقوله: "أو مضافين لما قارنها". ومثل بقوله: "كنعم عقبى الكرما". ولم ينبه على الثالث؛ لكونه بمنزلة الثاني, وقد نبه عليه في التسهيل1. تنبيهات: الأول: اشتراط كون الظاهر معرفا بأل أو مضافا إلى المعرفة بها "أو إلى"2 المضاف إلى المعرف بها، هو الغالب، وأجاز بعضهم أن يكون مضافا إلى ضمير ما فيه أل كقوله3: فنعم أخو الهيجا ونعم شبابها
والصحيح أنه لا يقاس عليه؛ لقلته. وأجاز الفراء أن يكون مضافا إلى نكرة كقوله1: فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم ونقل إجازته عن الكوفيين وابن السراج، وخصه عامة النحويين بالضرورة. وزعم صاحب البسيط أنه لم يرد نكرة غير مضافة، وليس كما زعم، بل ورد، ولكنه أقل من المضافة. وحكى الأخفش أن ناسا من العرب يرفعون بنعم النكرة مفردة ومضافة, ومنه قوله2: ونعم نيم.
وقد جاء ما ظاهره أن الفاعل علم أو مضاف إلى علم كقول بعض العبادلة: "بئس" عبد الله أنا "إن كان كذا", وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم عبد الله خالد بن الوليد" 1. وقول سهل بن حنيف: "شهدت صفين, وبئست صفّون". قال ابن عصفور: وأجاز الجرمي أن يقال: "نعم عبدُ الله هذا". والصحيح أن ذلك لا يجوز؛ لأن عبد الله ليس معرفا بالألف واللام, ولا مضافا إلى ما تعرف بهما. فأما قول الشاعر2: بئس قوم الله قوم طُرقوا ... فقروا جارهم لحما وحر فضرورة.
وكأن الذي سهل ذلك كون قوم يقع على ما يقع عليه القوم معرفا بالألف واللام, وهو مع ذلك مضاف في اللفظ إلى ما فيه الألف واللام، وإن لم يكن تعريفه بهما. وأجاز المبرد والفارسي: إسناد نعم وبئس إلى الذي الجنسية1. ومنع ذلك الكوفيون وجماعة من البصريين منهم: ابن السراج وأبو عمر2 في الفرخ. قال: ولم يرد به سماع، والقياس المنع؛ لأن كل ما كان فاعلا لنعم وكان فيه أل, كان مفسرا للضمير المستتر فيها إذا نُزعت منه و"الذي" ليست كذلك. قال في شرح التسهيل: ولا ينبغي أن يمنع؛ لأن "الذي" جعل بمنزلة الفاعل؛ ولذلك اطرد الوصف به. الثاني: اعلم أن ما ورد مما يوهم ظاهره أن الفاعل علم, أو مضاف إلى علم يمكن تأويله على أن الفاعل ضمير مستتر حُذف مفسره، والعلم أو المضاف إليه هو المخصوص. ذكر هذا التأويل في شرح التسهيل، وهو مبني على جواز حذف التمييز في
نحو ذلك، وسيأتي بيانه، ويمكن أن يحمل على هذا أيضا ما أوهم كون فاعلهما نكرة، إلا أن حكاية الأخفش أن1 ذلك لغة لقوم وتدفع التأويل. الثالث: "أل"2 في فاعل نعم, ذهب الأكثرون أنها جنسية ثم اختلفوا: فقيل: حقيقة، فإذا قلت: "نعم الرجل زيد", فالجنس كله هو الممدوح، وزيد مندرج تحت الجنس؛ لأنه فرد من أفراده، ولهؤلاء في تقريره قولان: أحدهما: أنه لما كان الغرض المبالغة في إثبات المدح للممدوح جُعل المدح للجنس الذي هو منهم، إذ الأبلغ في إثبات الشيء جعله للجنس؛ حتى لا يتوهم كونه طارئا على المخصوص. والثاني: أنه لما قصدت المبالغة, عدوا المدح إلى جنس المقصود بسببه. فكأنه قيل: ممدوح جنسه لأجله، وقيل: مجاز. فإذا قلت: "نعم الرجل زيد" جعلت زيدا جميع الجنس مبالغة، ولم تقصد غير مدح زيد. وذهب قوم إلى أنها عهدية، ثم اختلفوا فقيل: المعهود ذهني كما تقول: "اشتر اللحم" ولا تريد الجنس ولا معهودا تقدم، وأراد بذلك أن يقع إبهام يأتي التفسير بعده تفخيما للأمر، وقيل: المعهود هو الشخص الممدوح. فإذا قلت: "زيد نعم الرجل", فكأنك قلت: زيد نعم هو. واستدل هؤلاء بتثنيته وجمعه. وعلى القول بأنها للاستغراق بأن المعنى أن هذا المخصوص يَفْضُل أفراد هذا الجنس, إذا ميزوا رجلين رجلين, أو رجالا رجالا. وعلى القول بأنها للجنس مجازا, بأن كل واحد من الشخصين على حِدَته جنس، فاجتمع جنسان فثُنِّيا.
وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع. الرابع: لا يجوز إتباع فاعل نعم وبئس بتوكيد "معنوي"1. قال في شرح التسهيل: باتفاق. قال: وأما التوكيد اللفظي فلا يمتنع، وأما النعت فمنعه الجمهور، وأجاز أبو الفتح في قوله2: لبئس الفتى المدعوّ بالليل حاتمُ قال في شرح التسهيل: وأما النعت فلا ينبغي أن يُمنع على الإطلاق, بل يمنع إذا قُصد به التخصيص مع إقامة الفاعل مُقَام الجنس؛ لأن تخصيصه حينئذ منافٍ لذلك المقصد.
وأما إذا تؤول بالجامع لأكمل الخصال, فلا مانع من نعته حينئذ؛ لإمكان أن ينوى في النعت ما نوي في المنعوت، وعلى هذا يُحمل قول الشاعر1: نعم الفتى المُرِّي أنت إذا هُمُ ... حضروا لدى الحُجرات نار الموقد وحمل ابن السراج وأبو علي مثل هذا على البدل، وأَبَيَا النعت، ولا حجة لهما. انتهى. وأما البدل والعطف, فظاهر سكوته في شرح التسهيل جوازهما. وينبغي ألا يجوز فيهما إلا ما تباشره نعم. ولما بين الظاهر, شرع في "بيان"2 المضمر فقال: ويرفعان مضمرا يفسره ... مميز كنعم قومًا معشره
فاعل "نعم" في المثال ضمير مبهم مفسر بالتمييز بعده, و"معشره" هو المخصوص بالمدح، وسيأتي إعرابه. ولهذا الضمير أحكام: أحدها: أنه لا يبرز في تثنية ولا جمع؛ استغناء بتثنية تمييزه وجمعه. وأجاز قوم من الكوفيين تثنيته وجمعه، وحكاه الكسائي عن العرب. ومنه قول بعضهم: "مررت بقوم نعمُوا قوما" وهو نادر. الثاني: أنه لا يُتبع لشبهه بضمير الشأن، وأما نحو: "نعم هم قوما أنتم" فهم تأكيد للضمير المستكن، وذلك شاذ لا يعرج عليه. الثالث: أنه إذا فُسِّر بمؤنث لحقته تاء التأنيث فتقول: "نعمت امرأة هند" كذا مثله في شرح التسهيل. وقال ابن أبي الربيع: لا تلحق، وإنما يقال: "نعم امرأة هند" استغناء بتأنيث المفسِّر، ونص خطاب على جواز الأمرين. الرابع: ذهب القائلون بأن فاعل "نعم" الظاهر يراد به الشخص، إلى أن المضمر كذلك، وأما القائلون بأن الظاهر يراد به الجنس، فذهب أكثرهم إلى أن المضمر كذلك، وذهب بعضهم إلى أن المضمر لشخص، قال: لأن المضمر على التفسير, لا يكون في كلام العرب إلا شخصا. ولمفسر هذا المضمر شروط: الأول: أن يكون مؤخرا عنه، فلا يجوز تقديمه على نعم وبئس. الثاني: أن يتقدم على المخصوص, فلا يجوز تأخيره عنه عند البصريين. وأما قولهم: "نعم زيد رجلا" فنادر. الثالث: أن يكون مطابقا للمخصوص في الإفراد وضدَّيه، وفي التذكير وضده.
الرابع: أن يكون قابلا لأل، فلا يفسر بمثل وغير وأيّ وأفعل التفضيل؛ لأنه خلف عن فاعل مقرون بأل, فاشتُرط صلاحيته لهما، وسيأتي الكلام على التمييز بما. الخامس: أن يكون نكرة عامة، فلو قلت: "نعم شمسا هذه "الشمس""1 لم يجز؛ لأن الشمس مفرد في الوجود، ولو قلت: "نعم شمسا شمس هذا اليوم" لجاز. ذكره ابن عصفور. تنبيهان: الأول: نص سيبويه على لزوم ذكر هذا التمييز، وصحح بعضهم أنه لا يجوز حذفه، وإن فهم المعنى، ونص بعض المغاربة على شذوذ "فبها ونعمت". وقال في التسهيل: لازم غالبا2؛ استظهارا على نحو: "فبها ونعمت"3. وممن أجاز حذفه لفهم المعنى ابن عصفور. الثاني: ما ذكر من أن فاعل "نعم" قد "يضمر"4 فيها هو مذهب الجمهور، وذهب الكسائي إلى أن الاسم المرفوع بعد النكرة المنصوبة فاعل نعم, والنكرة عنده منصوبة على الحال, ويجوز عنده أن تتأخر فيقال: "نعم زيدٌ رجلًا", وذهب الفراء إلى أن الاسم المرفوع فاعل كقول الكسائي، إلا أنه جعل النكرة المنصوبة تمييزا منقولا. والأصل في قولك: "نعم رجلا زيد": "نعم الرجلُ زيدٌ" ثم نقل الفعل إلى اسم الممدوح فقيل: "نعم رجلًا زيدٌ" ويقبح عنده تأخيره؛ لأنه وقع موقع الرجل المرفوع وأفاد إفادته.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لوجهين: أحدهما: قولهم: "نعم رجلا أنت" و"بئس رجلا هو", فلو كان فاعلا لاتصل بالفعل. والثاني: قولهم: "نعم رجلا كان زيد", فأعملوا فيه الناسخ. قوله: وجمع تمييز وفاعل ظهر ... فيه خلاف عنهُمُ قد اشتهر في الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر ثلاثة مذاهب: المنع وهو مذهب سيبويه، إذ لا إبهام يرفعه التمييز. والجواز وهو مذهب المبرد وابن السراج والفارسي. قال المصنف: وهو الصحيح، واستدل بالقياس والسماع. فالقياس أن التمييز قد ورد مؤكدا, لا لرفع الإبهام في نحو قوله1: ولقد علمتُ بأن دين محمد ... من خير أديان البريّة دينا فلا يمتنع مع الفاعل الظاهر للتوكيد "لا لرفع الإبهام"2.
والسماع قوله1: تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا وقول الآخر2: والتغلبيون بئس الفحل فحلهم ... فحلا............
وقول الآخر1: نعم الفتاةُ فتاةً هندُ لو بذلت ... رد التحية نطقا أو بإيماء وحكي من كلام العرب: "نعم القتيلُ قتيلًا أصلح بين بكر وتغلب"2. وهذا وارد في الاختيار. وتأول المانع السماع. أما فحلا وفتاة وقتيلا فحال مؤكدة، وأما زادا فمصدر محذوف الزوائد، أو مفعول به "وقيل"3: حال.
قال الشيخ أبو حيان: وعندي تأويل أقرب من هذا، وذلك أن يدعى أن في نعم وبئس ضميرا، وفحلا وفتاة وزادا تمييز تأخر عن المخصوص، وفحلهم وهند وزاد أبيك إبدال. والمذهب الثالث التفصيل، فإن أفاد التمييز معنًى لا يفيده الفاعل جاز نحو: "نعم الرجل رجلًا عالمًا" ومنه في الأثر: "نعم المرءُ من رجل لم يطأ لنا فراشا, ولم يفتش لنا كنفا منذ أتانا"1. ومنه قوله2: ................. ... فنعم المرء من رجل تهامي
وقوله1: وقائلة نعم الفتَى أنت من فتًى ... ............. لأن المعنى: من مُتَفَتٍّ أي: كريم. فأفاد ما لا يفيده الفاعل، وإلا لم تجز، وصححه ابن عصفور. تنبيه: ما نقل عن سيبويه من المنع هو المعروف من مذهبه، وتأول الفارسي كلامه على أنه إنما عنى أنه لا يكون الفاعل ظاهرا حيث يلزم التمييز, بل الفاعل في حال لزوم التمييز مضمر لا غير، وفيه بعد. وقوله: ومما مُمَيِّز وقيل فاعل ... في نحو نعم ما يقول الفاضل إذا وقعت ما بعد نعم وبئس, فتارة يليها فعل نحو: "نعم ما صنعت", وتارة يليها اسم نحو: {فَنِعِمَّا هِيَ} 2.
فإن وليها فعل ففيها عشرة أقوال, ومرجعها إلى أربعة: أحدها: أنها نكرة في موضع نصب على التمييز. والثاني: أنها في موضع رفع على الفاعلية. والثالث: أنها المخصوص. والرابع: أنها كافة. فأما القائلون بأنها في موضع نصب على التمييز, فاختلفوا على ثلاثة أقوال: الأول: أنها نكرة موصوفة بالفعل بعدها والمخصوص محذوف، وهو مذهب الأخفش والزجاج والفارسي في أحد قوليه والزمخشري وكثير من المتأخرين. والثاني: أنها نكرة غير موصوفة والفعل بعدها صفة لمخصوص محذوف1. والثالث: أنها تمييز والمخصوص "ما" أخرى موصولة "محذوفة"2, والفعل صلة لما الموصولة المحذوفة, ونُقل عن الكسائي. وأما القائلون بأنها الفاعل, فاختلفوا على خمسة أقوال: الأول: أنها اسم معرفة تام أي: غير مفتقر إلى "صلة"3، والفعل بعدها صفة لمخصوص, والتقدير: نعم الشيء شيء صنعت، وقال به قوم منهم ابن خروف, ونقله في التسهيل عن سيبويه والكسائي4. والثاني: أنها موصولة، والفعل صلتها, والمخصوص محذوف، ونُقل عن الفارسي.
والثالث: أنها موصولة، والفعل صلتها، وهي فاعل يكتفى بها وبصلتها عن المخصوص. ونقله في شرح التسهيل عن الفراء والفارسي. والرابع: أنها مصدرية ولا حذف هنا، وتأويله: بئس صنعك، وإن كان لا يحسن في الكلام: بئس صنعك حتى تقول: بئس الصنع صنعك، كما تقول: أظن أن تقوم، ولا تقول: أظن قيامك. والخامس: أنها نكرة موصوفة في موضع رفع1. "وأما القائل بأنها المخصوص, فقال: إنها موصولة وهي المخصوص وما أخرى محذوفة، والأصل: نعم ما ما صنعتَ، والتقدير: نعم شيئا الذي صنعته, وهذا قول الفراء"2. وأما القائل بأنها كافة, فقال: إنما كفت نعم كما كفت قلّ, فصارت تدخل على الجملة الفعلية. وإن وليها اسم, ففيها ثلاثة أقوال: الأول: أنها نكرة في موضع نصب على التمييز, والفاعل مضمر والمرفوع "بعد "ما""3 هو المخصوص. قيل: وهو مذهب البصريين. قلت: ليس هذا النقل على إطلاقه؛ لما سيذكر. والثاني: أنها معرفة تامة، وهي الفاعل، وهو ظاهر مذهب سيبويه، ونقل عن المبرد وابن السراج والفارسي، وهو قول الفراء. والثالث: أن "ما" ركبت مع الفعل، فلا موضع لها من الإعراب والمرفوع بعدها هو الفاعل، وقال به قوم وأجازه الفراء.
تنبيهات: الأول: قد ظهر مما ذكرته أن قوله: "وما مميز" صادق على ثلاثة أقوال, وأن قوله: "وقيل: فاعل" صادق على خمسة "أقوال"1 إلا أن الظاهر أنه "إنما"2 أراد الأول من الثلاثة والأول من الخمسة؛ لاقتصاره عليهما في شرح الكافية. الثاني: يندرج في كلامه صورتان -أعني: ما وليه الفعل وما وليه الاسم- فإن القول بأن "ما" تمييز أو فاعل جاز فيهما. الثالث: ظاهر عبارته هنا يشير إلى ترجيح القول الذي بدأ "به"3 وهو أن "ما" تمييز, وكذا عبارة الكافية، وذهب في التسهيل4 إلى أنها معرفة تامة وأنها فاعل، ونقله عن سيبويه والكسائي, واستدل بأوجه: أحدها: أن "ما" مساوية للضمير في الإبهام، فلا تكون تمييزا. والثاني: أنه كثر الاقتصار عليها في نحو: "غسلته غسلا نعما", والنكرة التالية نعم لا يقتصر عليها إلا نادرا. والثالث: أن التمييز في هذا الباب, وفي غيره أيضا لا بد أن يكون قابلا لأل, ونص ابن عصفور وغيره على أن التمييز لا يكون إلا بالأسماء المتوغلة في البناء, لا بالمتوغلة في الإبهام "كَسِيّ"5 ولا أدخل في الإبهام، والبناء من ما. الرابع: جزم المصنف بنقل هذا المذهب عن سيبويه نظرا, فإن مستنده قول سيبويه "في"6: دققته دقا نعما، أي: نعم الدق. وفي فنعما هي: نعم الشيء إبداؤها, وهو محتمل لأن يكون تفسير معنى، لا تفسير إعراب.
وقوله في الكافية: والرفع بعضهم نمى، لسيبويه, وادعى التعريف مع تمام ما وظاهر قد اتبع، ظاهر في عدم الجزم. وقوله: ويُذكر المخصوص بعد مبتدا ... أو خبر اسم ليس يبدو أبدا المخصوص هو المقصود بالمدح بعد "نعم", وبالذم بعد "بئس". وله ثلاث أحوال: الأولى: أن يذكر بعد فاعلها نحو: "نعم الرجلُ زيدٌ" وفي إعرابه حينئذ ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره. والثاني: أن يكون خبر مبتدأ واجب الإضمار. وهذا معنى قوله: "ليس يبدو أبدا". والثالث: أن يكون مبتدأ حُذف خبره. "والأول هو الصحيح"1 وبه جزم سيبويه. قال ابن الباذش2: لا يجيز سيبويه أن يكون المخصوص بالمدح أو الذم إلا مبتدأ. وأجاز الثاني جماعة, منهم السيرافي وأبو علي والصيمري. وذكر في شرح التسهيل أن سيبويه أجازه، وعبارة سيبويه فيها احتمال، ومن تأمّل كلامه لم يجد فيه ذكرا له.
قال في شرح التسهيل: والأول أولى، بل هو عندي متعين؛ لصحته في المعنى وسلامته من مخالفة أصل بخلاف الثاني، فإنه يلزم منه أن ينصب لدخول كان عليه، وأما الثالث فأجازه قوم منهم ابن عصفور، وقال في شرح التسهيل: هو غير صحيح؛ لأن هذا الحذف ملتزم ولم نجد خبرا يلتزم حذفه إلا ومحله مشغول بشيء يسد مسده. وذهب ابن كيسان إلى أن المخصوص بدل من الفاعل، وردّ بأنه لازم وليس البدل بلازم، وبأنه لا يصلح لمباشرة نعم. والثانية: أن يذكر قبل نعم وبئس، وهو حينئذ مبتدأ والجملة بعده خبر, سواء أقيل بفعلية نعم وبئس أم باسميتهما، وجوّزوا على القول بالاسمية أن يكونا مبتدأين والمخصوص الخبر والعكس. فإن قلت: إذا جعل المخصوص مبتدأ والجملة خبره, فما هو الرابط؟ قلت: الرابط عند الجمهور هو العموم الذي في الفاعل, ويجوز دخول نواسخ الابتداء عليه كقول الشاعر1:
إذا أرسلوني عند تعذير حاجة ... أمارس فيها كنتُ نِعْمَ الممارسُ وكقول الآخر1: إن ابن عبد الله نِعْمَ ... أخو الندى وابن العشيرهْ والثالثة: أن يحذف للدلالة عليه كقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} 2. وإلى هذا أشار بقوله: وإن يُقَدَّم مشعر به كفى فإن قلت: قد ظهر بما قدمته أن المخصوص لا يجب تأخيره. وقوله: ويذكر المخصوص بعد، يقتضي أن يكون متأخرا. قلت: ما ذكرته من جواز تقديمه, صرح به ابن عصفور والمصنف في التسهيل, وعبارته هنا وفي الكافية وشرحها تُوهِم منع تقديمه, بل قوله: وإن يقدم مشعر به كفى ... كالعلم نعم المقتنَى والمقتفَى
تصريح بأن المتقدم ليس هو المخصوص, بل مشعر به. والظاهر أن هذا المثال مما تقدم فيه المخصوص، لا مما حذف فيه لدلالة ما قبله. فإن قلت: كيف خير المصنف بين جعله مبتدأ وجعله خبرا وليسا سواء؛ لأن الأول متفق عليه والثاني قد منعه بعضهم, ومن أجازه فهو أضعف عنده من الأول. قلت: التخيير بينهما يقتضي جوازهما لا استواءهما في القوة، مع أنه يحتمل ألا يكون تخييرا, بل حكاية خلاف، وقد جرت عادة كثير بعطف الأقوال بأو. فإن قلت: يحتمل قوله: "مبتدأ" القولين السابقين, "فإنما"1 يحمل كلامه عليه. قلت: على أن خبره ما قبله؛ إذ لو أراد الآخر لبين أن الخبر محذوف. تنبيه: للمخصوص شرطان: أحدهما: أن يختص وهو شرط غالب كقولهم: "نِعْمَ البعير جمل". الثاني: أن يكون أخص من الفاعل. وقوله: واجعل كبئس ساء...... يعني: معنًى وحكمًا, فتقول: "ساء الرجل أبو جهل", و"ساء رجلًا هو". فإن قلت: ما وزن ساء؟ قلت: فَعُل -بضم العين- بدليل أنها للمبالغة في الذم؛ ولذلك قيل: لا حاجة لإفراد ساء بالذكر؛ لأنها من أفراد النوع الآتي، وألفها عن واو. وهي فعل لا يتصرف.
وقوله: ...... واجعل فَعُلا ... من ذي ثلاثة كنعم يجوز بناء فعل -بضم العين- من كل فعل ثلاثي، ويجعل مثل نعم وبئس في عدم التصرف، وإفادة المدح والذم, واقتضاء فاعل كفاعل نعم وبئس، فيكون ظاهرا مصاحبا لأل أو مضافا إلى صاحبها أو ضميرا مفسَّرا بتمييز على ما تقدم من التفصيل. وسواء في ذلك ما وضع على فَعُل كقوله تعالى: { ... كَبُرَتْ كَلِمَةً} 1, أو وضع على فعَل أو فعِل ثم حُول نحو: "قَضُوَ الرجل فلان" و"علُم الرجل زيد". وقوله: "مسجلا" قال الشارح: أي: بلا قيد، يقال: أسجلت الشيء, إذا أمكنت من الانتفاع مطلقا. فإن قلت: كيف قال: "مسجلا" وبناء فَعْل من الثلاثي؛ لقصد المدح والذم, مشروط بأن يكون مما يتعجب منه بقياس؟ نص على ذلك ابن عصفور, وحكاه عن الأخفش. قلت: لعل قوله: "مسجلا" يعني به أن فعل المذكور يجعل مثل نعم مطلقا, أي: في جميع أحكامها. ويحتمل أن يكون قال: "مسجلا" ليشمل "المصوغ"2 على فعُل, والمصوغ على فعَل أو فعِل. فإن قلت: مقتضى كلامه أن معنى فعل المذكور إذا قصد به المدح كمعنى نعم, وإذا قصد به الذم كمعنى بئس، وليسا بسواء لأن العرب لا تبني فعُل المذكور وتُضَمِّنه معنى المدح أو الذم, إلا إذا أرادوا معنى التعجب، نص على ذلك ابن عصفور. فهو إذن يدل على المدح والذم, وزيادة معنى التعجب.
قلت: لا نسلم أن مقتضى كلامه أن فعل المذكور بمعنى نعم وبئس, بل يكون قوله: واجعل فعلا كنعم, يعني: في الحكم لا في المعنى، ويؤيده أنه لم يذكر في النظم بئس. وليس كل فعل للمدح, فكيف يجعل مثل نعم في المعنى؟ وقد ذكر في التسهيل أن فعل المذكور مضمن معنى التعجب1. فإن قلت: وفي جعل فعُل المذكور مثل نعم في جميع أحكامها نظر؛ لأن من أحكامها أن فاعلها لا يكون إلا مقرونا بأل أو مضافا إلى المقرون بها أو مضمرا يفسره تمييز إلا ما ندر. وفَعُل المشار إليه يكثر انجرار فاعله بالباء واستغناؤه عن أل وإضماره على وفق ما قبله, كما ذكر في التسهيل2 خلاف نعم3. قلت: ذكر أبو الحسن الأخفش أن من العرب من يجري فعل المذكور مجرى نعم وبئس, فيجعل فاعله كفاعلهما؛ رعيًا لما تضمنه من معنى المدح والذم. ومنهم من لا يجريه مجراهما، فلا يلزم إذ ذاك أن يكون فاعله كفاعل نعم وبئس؛ رعيا "لما فيه"4 من معنى التعجب. وظاهر هذا أنهما لغتان. تنبيه: مثل في شرح الكافية وشرح التسهيل بعلُم الرجل، وذكر ابن عصفور أن العرب شذت في ثلاثة ألفاظ فلم تحوِّلها إلى فَعُل، بل استعملتها استعمال نعم من غير تحويل، وهي: عَلِم وجَهِل وسَمِع.
وقوله: ومثل نعم حَبَّذا. يعني: أن حبذا بمنزلة نعم وفاعلها في إفادة المدح. فإن قلت: مقتضى عبارته أن "حبذا" بمجموعه مثل "نعم" وليس كذلك، بل حب بمنزلة نعم، وإذا بمنزلة فاعل نعم. قلت: كأنه قصد التنبيه على أن حب الذي هو بمنزلة نعم "هو"1 المقرون بذا. فلذلك لم يقل: "ومثل نعم حب". فإن قلت: ليس حبذا مثل نعم كما ذكر؛ لأن حبذا يشعر مع دلالتها على المدح العام، بأن الممدوح محبوب وقريب من النفس بخلاف نعم. قال في شرح التسهيل: والصحيح أن "حب" فعل يقصد به المحبة والمدح. وجعله فاعله "ذا"؛ ليدل بذلك على الحضور في القلب. قلت: إنما جعلها مثلها في إفادة المدح العام، فلا ينافي ذلك إشعارها بما ذكر. وقوله: "الفاعل ذا" هو "ظاهر"2 مذهب سيبويه، وهو المختار. قال ابن خروف بعد أن مثّل بحبذا زيد: حب فعل وذا فاعلها، وزيد مبتدأ وخبره حبذا, هذا قول سيبويه. وأخطأ عليه من زعم غير ذلك. وفي قوله: "الفاعل ذا" تعريض بالرد على القائلين بتركيب حب مع ذا, ولهم مذهبان: أحدهما: أن التركيب أزال فاعلية "ذا", فصار "ذا"3 مع حب اسما واحدا مرفوعا بالابتداء وخبره ما بعده. وهو مذهب المبرد وابن السراج ووافقهما ابن عصفور، ونسبه إلى سيبويه. وأجاز بعضهم كون "حبذا"4 خبرا مقدما.
والآخر: أن التركيب أزال اسمية "ذا", فصار مع حب فعلا فاعله المخصوص, وإليه ذهب قوم منهم الأخفش. والصحيح: القول بعدم التركيب؛ لأن فيه إقرار كل من اللفظين على ما كان عليه. وقوله: وإن تُرِدْ ذما فقل لا حبذا يعني: أنه إذا أُريد الذم أدخلت "لا" النافية؛ لأن نفي المدح ذم. قال في شرح التسهيل: وتدخل عليها "لا" فتحصل موافقة بئس معنى, وقد تقدم بيان ما يشعر به حبذا مما لا يدل عليه نعم, ولا بئس. وقوله: وأول ذا المخصوص...... يعني: اجعل المخصوص بالمدح أو الذم تابعا لذا. ففُهم من ذلك أنه لا يتقدم، وهذا فرق بينه وبين نعم وبئس، فإن "مخصوصهما"1 لا يمتنع تقديمه. قال في شرح التسهيل: أغفل أكثر النحويين التنبيه على امتناع تقديم المخصوص في هذا الباب. فإن قلت: ما سبب امتناعه؟ قلت: ذكر ابن بابشاذ أن سبب ذلك خوف توهم كون المراد من "زيد حبذا": "زيد حب هذا". قال في شرح التسهيل: وتوهم هذا بعيد، فلا ينبغي أن يكون المنع من أجله، بل المنع من أجل إجراء "حبذا" مجرى المثل. وقوله: "أيا كان" يعني: أي شيء كان المخصوص, مذكرا كان أو مؤنثا،
مفردا كان أو مثنى أو مجموعا، فنقول: "حبذا زيد" و"حبذا الزيدان" و"حبذا الزيدون" و"حبذا هند" و"حبذا الهندان" و"حبذا الهندات". وقوله: "لا تعدل بذا" يعني: أن لفظ "ذا" لا يغير في تأنيث ولا تثنية ولا جمع. فلا يقال: "حبذي هند" ولا "حبذان الزيدان" ولا "حبَّ أولاء الزيدون", واختلف في علة ذلك فقيل: لأنه جرى مجرى المثل، والأمثال لا تُغير. وإليه أشار بقوله: فهو يضاهي المَثَلا. وقال الفارسي: "ذا" جنس شائع، فلا يختلف كما لا يختلف الفاعل في نعم. يعني: إذا كان ضميرا. وقال ابن كيسان: إنما لم يختلف؛ لأن الإشارة فيه أبدا إلى مذكر محذوف، والتقدير في حبذا هند: حبذا حُسنُ هند، وكذا باقي الأمثلة. ورُدّ بأنه دعوى لا دليل عليها. تنبيهان: الأول: إنما يُحتاج إلى الاعتذار عن عدم مطابقته1 على قول من جعل "ذا" فاعلا، وأما على التركيب فلا يحتاج إلى اعتذار. الثاني: لم يذكر هنا إعراب المخصوص بعد "حبذا"، وأجاز في التسهيل2 أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره، وأن يكون خبر مبتدأ واجب الحذف. وإنما لم يذكر ذلك هنا؛ استغناء بتقديم الوجهين في مخصوص نعم. وقال ابن كيسان: هو بدل من "ذا".
ورُدّ بلزومه على القول بأن "ذا" فاعل، وأما على القول بالتركيب فتقدم إعرابه. فإن قلت: إذا أعرب المخصوص مبتدأ والجملة قبله خبره، فما الرابط؟ قلت: الرابط الإشارة أو العموم إذا قلنا: إن "ذا" أريد به الجنس. الثالث: بين مخصوص حبذا, ومخصوص نعم فروق: أولها: أن مخصوص حبذا لا يتقدم، بخلاف مخصوص نعم، وقد سبق بيانه. وثانيها: أنه لا تعمل فيه النواسخ، بخلاف مخصوص نعم. وثالثها: أن إعرابه خبر مبتدأ محذوف أسهل منه في باب "نعم"؛ لأن ضعفه هناك نشأ من دخول نواسخ الابتداء عليه، وهي هنا لا تدخل. قاله في شرح التسهيل. ورابعها: أنه يجوز لك التمييز قبله وبعده نحو: "حبذا رجلًا زيدٌ" و"حبذا زيدٌ رجلًا". قال في شرح التسهيل: وكلاهما سهل يسير، واستعماله كثير، إلا أن تقديم التمييز أولى وأكثر. انتهى. وذلك بخلاف مخصوص "نعم"، فإن تأخير التمييز عنه نادر كما سبق. وقوله: وما سوى ذا ارفع بحُبَّ أو فَجُر يعني: أن "حب" قد تفرد عن "ذا" مع إرادة المدح, فيجيء فاعلها مرفوعا نحو: "حب زيد", ومجرورا بباء زائدة نحو: "حب بزيد". قال في شرح التسهيل: وهذا الاستعمال جائز في كلام ثلاثي, مضمن معنى التعجب. وقوله: ودون ذا انضمام الحا كثُر
يعني: كثر ضم الحاء إذا أفردت من "ذا", فيقال: "حب زيد" بنقل حركة العين إلى الفاء، والفتح جائز، وبالوجهين ينشد قوله1: ................... ... وحُبّ بها مقتولة حين تُقتَل وأما مع "ذا", فلا يجوز إلا الفتح. فإن قلت: قوله2 لا يدل على أنه أكثر من الفتح. وقال الشارح: وأكثر ما يجيء "حب"3 مع غير "ذا" مضمومة الحاء. قلت: قال في شرح الكافية: وهذا التحويل مطرد في كل فعل مقصود به المدح. وقال في التسهيل: وكذا كل فعل حَلْقي الفاء مراد به مدح أو تعجب4.
أفعل التفضيل
أفعل التفضيل: صُغْ من مصوغ منه للتعجب ... أفعل للتفضيل وَأْبَ اللذ أُبِي سوت العرب بين أفعل التفضيل وفعل التعجب فيما يصاغان منه؛ لما بينهما من التناسب، فما جاز صوغ التعجب منه جاز أفعل التفضيل منه، وما لا يجوز صوغ فعل التعجب منه لفقد بعض الشروط لا يجوز صوغ أفعل التفضيل منه. ولهذا قال: وأب اللذ أبي. واعلم أن ما شذ في التعجب؛ لكونه من غير فعل أو من فعل ولم يستوف "الشروط"1 جاز استعماله في التفضيل محكوما بشذوذه, "وكذلك ما شذ في التفضيل, جاز استعماله في التعجب محكوما بشذوذه"2 أيضا فتقول: "ما ألصه" و"ألصص به". وإن كان منه غير فعل كقولهم: "هو ألص من شِظاظ"3. وقوله: وما به إلى تعجب وُصل ... لمانع به إلى التفضيل صل يعني: أنه يتوصل إلى التفضيل فيما لا يجوز بناء أفعل من لفظه بمثل ما توصل به إلى التعجب من أشد, وما جرى مجراه. ولكن أشد في التعجب فعل وهنا اسم، وينصب هنا مصدر الفعل المتوصَّل إليه تمييزا، فتقول: "زيد أشد استخراجًا من عمرو" ونحو ذلك. وقوله: وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرا أو لفظا بمن إن جُرِّدا أفعل التفضيل: مجرد ومضاف ومعرف بأل.
فالمجرد يلزم اقترانه بمن جارة للمفضول لفظا نحو: "زيد أفضل من عمرو", أو تقديرا نحو: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 1. "وأما"2 المضاف والمعرف بأل, "فيمتنع"3 اقتران "من" بهما. تنبيهان: الأول: اختلف في معنى "من" المصاحبة لأفعل التفضيل. فذهب المبرد ومن وافقه إلى أنها لابتداء الغاية، وذهب سيبويه إلى أنها لابتداء الغاية أيضا، وأشار إلى أنها مع ذلك تفيد معنى التبعيض. فقال: "هو أفضل من زيد", فضله على بعض ولم يعم. وذهب في شرح التسهيل إلى أنها لمعنى المجاوزة، فإن القائل: "زيد أفضل من عمرو" كأنه قال: جاوز زيدٌ عمرًا في الفضل. قال: ولو كان الابتداء "مقصودا"4, لجاز أن يقع بعدها "إلى". قال: ويُبطل كونها للتبعيض أمران: أحدهما: عدم صلاحية بعض موضعها. والآخر: صلاحية كون المجرور بها عاما, نحو: "الله أعظم من كل عظيم". وأقول: الظاهر كونها لابتداء الغاية، ولا تفيد معنى التبعيض، كقول المبرد. وما رد به المصنف من أن الابتداء لو كان مقصودا لجاز أن يقع بعدها قد رد به ابن ولاد5 قبله، وليس بلازم؛ لأن الانتهاء قد يُترَك الإخبار به؛ لكونه لا يعلم، أو لكونه لا يُقصَد الإخبار به، ويكون ذلك أبلغ في التفضيل، إذ لا يقف السامع على محل الانتهاء.
الثاني: إذا وقع أفعل التفضيل خبرا, كثر حذف "من" ومجرورها بعده نحو: {.... ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} 1. وإن لم يكن خبرا, قل الحذف كالحال والصفة2. الثالث: قوله: "صله" يقتضي أنه لا يُفصل بين أفعل وبين من، وليس على إطلاقه، بل يجوز الفصل بينهما بمعمول أفعل. وقد فُصل بينهما بلو, وما اتصل بها كقوله3: ولفوكِ أطيب لو بذلت لنا ... من ماء موهبة على خمر
ولا يجوز بغير ذلك. الرابع: إذا بُني أفعل التفضيل مما يتعدى بمن, جاز الجمع بينها وبين الداخلة1 على المفضول, مقدمة أو مؤخرة، نحو: "زيد أقربُ من عمرو من كل خير، وأقربُ من كل خير من عمرو". الخامس: قد تقدم أن المضاف, والمعرف بأل يمتنع اقترانهما بمن المذكورة، فأما قوله2: نحن بغرس الوديّ أعلمُنا ... منا بركض الجياد في السدف فإنه أراد أعلم, فأضاف ناويا "اطراح"3 المضاف إليه، كما تدخل الألف واللام في بعض الأمكنة، وينوى سقوطها، قاله في شرح التسهيل. وأما قول الأعشى4:
ولستَ بالأكثر منهم حصى ... ....................... فأول على ثلاثة أوجه: أحدها: أن "أل" زائدة. والثاني: أنها متعلقة بأكثر مقدرا, مدلولا عليه بالموجود. الثالث: أنها للتبيين، لا لابتداء الغاية، كأنه قال: "ولست بالأكثر من بينهم". وقوله: وإن لمنكور يضف. قد تقدم أن أفعل التفضيل: مجرد ومعرف بأل ومضاف. فأما المجرد فيلزم فيه الإفراد والتذكير، فتقول: "زيد أفضل" و"الزيدان أفضل" و"الزيدون أفضل" وكذلك في المؤنث.
وأما المعرف بأل فيلزم فيه المطابقة، فتقول: "زيدٌ الأفضلُ" و"الزيدانِ الأفضلانِ" و"الزيدونَ الأفضلونَ أو الأفاضلُ" و"هند الفُضْلى" و"الهندان الفضليان" و"الهندات الفضليات أو الفُضَّل". وأما المضاف فنوعان: مضاف إلى نكرة, ومضاف إلى معرفة. "فالمضاف"1 إلى نكرة كالمجرد يلزم الإفراد والتذكير، فتقول: "زيد أفضل رجل" و"الزيدان أفضل رجلين" و"الزيدون أفضل رجال" وكذلك في المؤنث. والمضاف إلى معرفة ثلاثة أقسام: قسم يقصد به زيادته على ما أضيف إليه، وقسم يقصد به زيادة مطلقة، وقسم يؤول بما لا تفضيل فيه من اسم فاعل أو صفة. فالأول: ينوى فيه معنى "من", وفيه قولان: أحدهما: أنه يلزم الإفراد والتذكير كالمجرد، وهو مذهب ابن السراج ومن وافقه. والثاني: أنه يجوز فيه الأمران: المطابقة؛ لشبهه بالمعرف بأل، وعدم المطابقة لشبهه بالمجرد؛ لنية معنى "من"، وإليه ذهب المصنف، واستدل بقوله عليه الصلاة والسلام: "ألا أخبرُكم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة؛ أحاسنكم أخلاقا" فأفرد أحب وأقرب, وجمع أحسن. قال المصنف: ومعنى "من" مراد في الثلاثة. وجعل الزمخشري "أحاسنكم" من القسم الثاني الذي قصد به زيادة مطلقة؛ فلذلك جمع بخلاف أحب وأقرب، فإنهما مما نوى معنى "من"؛ فلذلك أفردهما. والثاني والثالث لا ينوى فيهما معنى "من" وتلزمهما المطابقة؛ لشبههما بالمعرف بأل في الإخلاء عن لفظ "من" ومعناها.
ومما "يتحملها"1 قولهم: "الناقص والأشجّ أعدلا بني مروان"2. وإضافة هذين النوعين لمجرد التخصيص، كما يضاف "ما لا تفضيل"3 فيه؛ ولذلك جازت إضافة أفْعَلَ فيهما إلى ما ليس هو بعضه بخلاف المنوي فيه "معنى "من", فإنه لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه"4؛ فلذلك يجوز: "يوسف أحسن إخوته" إن قصد الأحسن من بينهم، أو قصد حسنهم، ويمتنع إن قصد: أحسن منهم. تنبيه: قد يرد أفعل التفضيل مجردا عاريا عن معنى التفضيل، كقوله تعالى: {.... هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} 5. وأجاز المبرد استعمال أفعل التفضيل, مؤولا بما لا تفضيل فيه قياسا. قال في التسهيل: والأصح قصره على السماع6. وحكى ابن الأنباري عن أبي عبيد القول بورود أفعل7 مؤولا بما لا تفضيل فيه، ولم يسلم "له"8 النحويون هذا الاختيار، وقالوا: لا يخلو أفعل "التفضيل"9 من التفضيل، وتأولوا ما استدل به.
قال في شرح التسهيل: والذي سُمع منه، فالمشهور فيه التزام الإفراد والتذكير, وقد يُجمع إذا كان ما هو له جمعا، كقوله1: إذا غاب عنكم أسود العين كنتم ... كراما, وأنتم ما أقام ألائم قال: وإذا صح جمع "أفعل" العاري؛ لتجرده من معنى التفضيل، جاز أن يؤنث فيكون قول ابن هانئ2:
كأن صغرى وكبرى ... ................. إذا تقرر ما ذكره، فاعلم أن الناظم أشار إلى حكم المجرد والمضاف إلى النكرة بقوله: وإِنْ لمنكور يُضف أو جُرِّدا ... أُلزِم تذكيرا وأن يُوَحَّدا وإلى المعرف بأل بقوله: "وتلو أل طبق". وإلى المضاف لمعرفة بقوله: ............ وما لمعرفة ... أضيف ذو وجهين ولما كان مراده "القسم"1 الذي ينوى فيه "من", قيده بقوله: هذا إذا نويتَ معنى من وقوله: "وإن لم تنو" يشمل القسمين الآخرين من أقسام المضاف إلى المعرفة؛ لأن حكمهما واحد وذلك واضح. تنبيه: أفعل التفضيل بمعنى بعض إن أضيف إلى معرفة، وبمعنى كل إن أضيف إلى نكرة؛ ولهذا يقال: "أفضل الرجلين زيد" و"أفضل رجلين الزيدان".
وقوله: وإن تكن بتِلْو مِنْ مستفهما ... فلهما كن أبدا مُقدِّما لا يخلو المجرور بمن بعد أفعل "التفضيل من أن يكون"1 اسم استفهام أو مضافا إليه أو غيرهما. فإن كان اسم استفهام أو مضافا إليه وجب تقديمه نحو: "من أي الناس أنت أكرم؟ " و"من غلام أيهم أنت أجمل؟ ". لأن الاستفهام له الصدر. ذكر هذه المسألة الفارسي في التذكرة. قال المصنف: وهي من المسائل المغفول عنها. قال الشيخ أبو حيان: وينبغي أن ينبه على أنه يسبق أيضا ما أفعل خبر له كما مثل. ولم يذكر هذا المضاف إلى اسم استفهام؛ لوضوحه، ومثل اسم الاستفهام بقوله: ممن أنت خير؟ وإن كان المجرور غيرهما "فالأصل"2 تأخيره، وقد نبه على أنه قد ندر التقديم بقوله: ...... ولدى ... إخبار التقديم نزرا وَرَدَا وقد ورد ذلك في أبيات منها قوله3: ..................... ... بل ما زوَّدت منه أطيب
وقوله: .......... ورفعه الظاهر نزر اعلم أن أفعل التفضيل يرفع الضمير، وأما الظاهر ففي رفعه "به"1 لغتان: إحداهما: أنه يرفع الظاهر مطلقا، فتقول: "مررت برجل أكرمَ منه أبوه" حكاه سيبويه. وأشار إليها بقوله: ....... ورفعه الظاهر نزر والأخرى, وهي لغة جمهور العرب: أنه لا يرفع الظاهر، إلا إذا ولي نفيا وكان مرفوعه مفضلا على نفسه باعتبارين نحو: "ما رأيت رجلا أحسنَ في عينه الكحلُ منه في عين زيد" ففي هذه الصورة ونحوها يرفع الظاهر عند جميع العرب. وعلة ذلك أن أفعل التفضيل إنما قصُر عن رفع الظاهر؛ لأنه ليس له فعل بمعناه, وفي هذا المثال ونحوه يصح أن يقع موقعه فعل بمعناه, فتقول: "ما رأيت رجلا يحسُنُ في عينه الكحلُ كحسنه في عين زيد".
وإلى ذلك أشار بقوله: ومتى عاقب فعلا فكثيرا ثَبَتَا وأيضا لو لم يجعل المرفوع فاعلا لوجب كونه مبتدأ، فيلزم الفصل بين أفعل ومن بأجنبي, ثم مثّل بقوله: كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق والأصل: أولى به الفضل منه بالصديق، فاختصر. تنبيهان: الأول: قال في شرح التسهيل: لم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعل إلا بعد نفي, ولا بأس باستعماله بعد نهي أو استفهام فيه معنى النفي, كقوله: "لا يكن غيرك أحبَّ إليه الخيرُ منه إليك، وهل في الناس رجلٌ أحقُّ به الحمد منه بمحسن لا يَمُنّ؟ "1. الثاني: لا ينصب أفعل التفضيل مفعولا به، وما أوهم ذلك يؤول. فإن أول أفعل "التفضيل"2 بما "لا تفضيل"3 فيه, جاز على رأي أنه ينصبه. ويحتمل أن يكون منه قوله تعالى: "الله أعلم حيث يجعل رسالاته"4.
النعت
النعت: يَتْبَع في الإعراب الأسماء الأول ... نعت وتوكيد وعطف وبدل التابع هو المشارك ما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبر. فخرج بالحاصل والمتجدد خبر المبتدأ، والمفعول الثاني، والحال المنصوب, ونحو ذلك. ولكن يرد عليه "حامض" ونحوه من قولك: "هذا حلو وحامض", فخرج بزيادة غير خبر1. والتابع جنس، يشمل خمسة أنواع، وهي: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل, ودليل الحصر الاستقراء. فإن قلت: كيف قال: "يتبع في الإعراب الأسماء" وبعض التوابع قد يتبع غير الاسم؟ قلت: لا دليل في كلامه على اختصاصها بالأسماء، وسنبين أن التوكيد اللفظي والبدل وعطف النسق يتبع غير الاسم. فإن قلت: ما معنى قوله: "الأول"؟ قلت: فيه إشارة إلى وجوب تقديم المتبوع على التابع. وأجاز صاحب البديع تقديم الصفة على الموصوف إذا كانت لاثنين أو جماعة وقد تقدم أحد الموصوفين، تقول: "قام زيدٌ العاقلانِ وعمرٌو". ومنه قول الشاعر2: ............... ... أبى ذاك عَمِّي الأكرمانِ وخاليا
وأجاز الكوفيون تقديم المعطوف بأربعة شروط: الأول: أن يكون بالواو، وقال هشام: تقديم الفاء وثم وأو ولا، جيد. الثاني: ألا يؤدي إلى وقوع حرف العطف صدرا. الثالث: ألا يؤدي إلى مباشرة حرف العطف عاملا غير متصرف، فلا يجوز: "أن وزيدا عمرا ذاهبان". الرابع: ألا يكون المعطوف مخفوضا، ولا يجوز ذلك عند البصريين إلا في الشعر بشروطه. تنبيهان: الأول: اختُلف في العامل في التابع، فمذهب الجمهور أن العامل فيه هو العامل في المتبوع إلا البدل، فالجمهور على أن العامل فيه مقدر. وذهب قوم منهم المبرد إلى أن العامل فيه المبدل منه، واختاره المصنف وهو ظاهر, وهو العامل في مذهب سيبويه. الثاني: لم يتعرض هنا لبيان "رتب"1 التوابع، وقال في التسهيل: ويُبدأ
-عند اجتماع التوابع- بالنعت، ثم بعطف البيان، ثم بالتوكيد، ثم بالبدل, ثم بالنسق1, وأجاز بعضهم تقديم التأكيد على الصفة، نقله صاحب البديع. وقوله: فالنعت تابع مُتمّ ما سبق ... بوسمه أو وسم ما به اعتَلَق قوله: "تابع" جنس يشمل الخمسة، وقوله: "متم ما سبق" مخرج البدل والنسق، وقوله: "وسمه أو وسم ما به اعتلق" مخرج لعطف البيان والتوكيد، وذلك أنهما شاركا النعت في إتمام ما سبق؛ لأن الثلاثة تكمل دلالته وترفع اشتراكه واحتماله، إلا أن النعت يُوصِّل إلى ذلك بدلالته على معنى في المنعوت أو متعلقه، والتوكيد وعطف البيان ليسا كذلك. فإن قلت: إنما يشمل قوله: "متم ما سبق" ما جيء به من النعوت؛ لتوضيح وتخصيص، وأما ما جيء لمدح أو ذم أو توكيد أو ترحم فلا. قلت: لما كان أصل النعت أن يؤتى به للتوضيح والتخصيص, اقتصر عليه. وقوله: وليُعطَ في التعريف والتنكير ما ... لما تلا كامْرُر بقوم كرُما يجب تبعية النعت للمنعوت في الإعراب والتعريف والتنكير. فتنعت المعرفة بالمعرفة نحو: "امرر بالقومِ الكرماءِ", والنكرة بالنكرة نحو: "امرر بقومٍ كرماءَ". ولا تنعت المعرفة بالنكرة؛ لأن في النكرة إبهاما وفي المعرفة إيضاحا، فتدافَعَا. تنبيهات: الأول: لم يتعرض هنا "لموافقة النعت للمنعوت"2 في الإعراب؛ استغناء بقوله أولا: "يتبع في الإعراب".
الثاني: استثنى الشارح من المعارف المعرف بلام الجنس، قال: فإنه لقرب مسافته من النكرة يجوز نعته بالنكرة المخصوصة؛ ولذلك تسمع النحويين يقولون في قوله1: ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني ... فأعفّ ثم أقول لا يعنيني إن "يسبني" صفة لا حال؛ لأن المعنى: ولقد أمر على لئيم من اللئام، ومثله قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} 2 وقولهم: "ما ينبغي للرجل مثلك -أو خيرٍ منك- أن يفعل كذا" انتهى. قلت: أما نعته بالجملة, فقد نص عليه في التسهيل وغيره, وسيأتي.
وأما قولهم: ما يحسن بالرجل خير منك، فمذهب الخليل في هذا المثال الحكم بتعريف النعت والمنعوت على نية أل مع خير. ومذهب الأخفش الحكم بتنكيرهما على زيادة أل في "الرجل". قال المصنف: وعندي أن أسهل مما ذهبا الحكم بالبداية، وتقدير التابع والمتبوع على ظاهرهما. الثالث: ما ذكر من وجوب تبعية النعت للمنعوت في التعريف والتنكير, وهو مذهب جمهور النحويين. وأجاز الأخفش نعت النكرة إذا اختصت بالمعرفة1، وجعل "الأوليان" صفة "آخران" في قوله تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} 2. وأجاز بعض النحويين وصف المعرفة بالنكرة. وأجازه ابن الطراوة بشرط كون الوصف خاصا بذلك الموصوف, كقول النابغة3: .................... ... في أنيابها السم ناقع
والصحيح مذهب الجمهور، وما أوهم خلافه مؤول. الرابع: لا يمتنع النعت بالأخص في النكرات نحو: "رجلٌ فصيحٌ", و"غلامٌ يافعٌ". وأما في المعارف, فلا يكون النعت أخص عند البصريين، بل مساويا، أو أعم. قيل: وسبب ذلك أن الاختصاص مؤثر, فوجب لذلك أن يبدأ بالأخص؛ ليقع الاكتفاء به. فإن عرض اشتراك, لم يوجد ما يرفعه إلا المساوي. وقال الشلوبين والفراء: ينعت الأعم بالأخص، قال المصنف: وهو الصحيح, وقال بعض المتأخرين: توصف كل معرفة بكل معرفة, كما توصف كل نكرة بكل نكرة. وقوله: وهو لَدَى التوحيد والتذكير أو ... سواهما كالفعل فاقفُ ما قَفَوا يعني: أن النعت "إن"1 رفع ضمير المنعوت, طابقه في الإفراد والتذكير وأضدادهما, سواء كان معناه له أو "لسببيه"2 نحو: "مررت برجل حسن أو حسن
الوجه" وإن رفع سببيه أفرد مطلقا كرفعه الظاهر، ووافق في التذكير والتأنيث مرفوعه, لا متبوعه نحو: "مررت برجلين حسنة جاريتهما". فحكم النعت في ذلك كحكم الفعل الواقع موقعه، وهذا معنى قوله: "كالفعل". فإن قلت: كيف سوّى بينه وبين الفعل، وهو مخالفه في أمرين: أحدهما: أن الوصف يجوز تكسيره, مسندا إلى السببي المجموع نحو: "مررت برجل كرام غلمانه". والثاني: أن الوصف الرافع لضمير المنعوت قد يعامل معاملة الرافع للسببي، إذا كان معناه له، فيقال: "مررت برجل حسنة العين", كما يقال: حسُنت عينه؟ حكى ذلك الفراء، ولا يكون ذلك في الفعل. قلت: أما الأول فظاهر وروده على النظم، وقد ذكر في التسهيل: أن الجمع في ذلك أولى من الإفراد، ونص على ذلك سيبويه في بعض نسخ الكتاب, وهو مذهب المبرد. وقيل: الإفراد أحسن، ونسب إلى الجمهور، وفصّل بعضهم فقال: الجمع أولى إن تبع جمعا، والإفراد أولى إن تبع مفردا أو مثنى. وأما الثاني: فهو وجه ضعيف، ومذهب كثير -منهم الجرمي- منعه. تنبيهان: الأول: يجوز تثنية الوصف الرافع السببي وجمعه جمع المذكر السالم على لغة طيئ، فتقول: "مررت برجلين حسنينِ غلاماهما، وبرجال حسنينَ غلمانهم". وقد يفهم ذلك من قوله: "لفعل" أي: على اللغتين. الثاني: ما ذكر من أن مطابقة النعت للمنعوت مشروطة بألا يمنع مانع منها, كما في جريح ونحوه وأفْعَل من1.
وقوله: وانعت بمشتق كصعب وذرب ... وشبهه كذا وذي والمنتسِب المنعوت به قسمان: مفرد وجملة؛ فالجملة ستأتي. والمفرد قسمان: مشتق وشبهه. قال في شرح الكافية: والمراد بالمشتق هنا ما كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو أحد أمثلة المبالغة أو صفة مشبهة باسم الفاعل أو أفعل تفضيل، وكل ذلك معروف مما سبق "ذكره"1. ويجمعها كلها أن يقال: المشتق الموصوف به ما دل على فاعل أو مفعول به, مضمنا معنى فعل وحروفه. انتهى. وإذا كان هذا مراده بالمشتق, لم يرد عليه اسما الزمان والمكان والآلة, ولا مشاحة في الاصطلاح. والمراد بشبه المشتق، ما أقيم مقامه من الأسماء العارية من الاشتقاق "وهي"2 قسمان: مطرد وغير مطرد. فالمطرد ضربان: أحدهما: جارٍ مجرى المشتق أبدا. والآخر: جارٍ مجراه في حال دون حال. فالجاري أبدا كذي بمعنى صاحب وأسماء النسب المقصود، والجاري في حال دون حال كأسماء الإشارة غير المكانية وذو الموصولة وفروعها وأخواتها المبدوءة بهمزة وصل. وذهب الكوفيون, وتبعهم السهيلي إلى أن أسماء الإشارة لا ينعت بها؛ لجمودها.
وغير المطرد: المصدر والعدد والقائم بمسماه معنى "ملازم"1 ينزله منزلة المشتق كأسد. وللمصدر مزية عليها, وسيأتي. ثم ذكر الجملة فقال: ونعتوا بجملة منكرا الجملة المؤولة بمفرد نكرة. فلذلك لا ينعت بها إلا النكرة. قال في التسهيل: أو معرف بأل الجنسية2, وقال في الشرح: "لأنه"3 معرفة في اللفظ, ونكرة في المعنى. وفي الارتشاف: لا ينعت بها المعرف بأل الجنسية, خلافا لمن أجاز ذلك. ثم أشار بقوله: فأعْطيت ما أُعطيته خبرا إلى أن الجملة المنعوت بها لا بد من اشتمالها على "ضمير يربطها بالمنعوت"4, وأن حكمه في جواز الحذف للعلم به كحكم الخبرية. ومن حذفه قوله5: ................ ... وما شيء حميت بمستباح
تنبيهات: الأول: ليس حذف العائد من النعت كحذفه من الخبرية في القلة والكثرة، بل ذكر في التسهيل1 أن الحذف من الخبر قليل, ومن الصفة كثير، ومن الصلة أكثر. الثاني: قال في شرح التسهيل: وقد يغني عنه الألف واللام كقوله2: كأن حفيف النبل من فوق عَجْسِها ... عَوَازِب نحل أخطأ الغارَ مُطْنِف أي: غارها.
وقد منع ذلك, وأوّل البيت على الحذف "أي: الغار منها"1. الثالث: إذا نعت بالجملة اسم زمان, جاز حذف عائدها المجرور بفي نحو: {يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ} 2 أي: فيه. فحذف برمته عند سيبويه, وبتدريج عند الكسائي والأخفش. الرابع: ذكر في البديع أن الوصف بالجملة الفعلية أقوى منه بالجملة الاسمية. الخامس: فهم من قوله: "ما أعطيته خبرا" أنها لا تقترن بالواو، بخلاف الحالية. فلذلك لم يقل: ما أعطيته حالا، خلافا لمن أجاز اقترانها بالواو كالزمخشري. السادس: لما كان إطلاق قوله: "ما أعطيته خبرا" يوهم جواز النعت بالجملة الطلبية، إذ يجوز الإخبار بها؛ أزال الإبهام بقوله: وامنع هُنا إيقاع ذات الطلب..... وسبب ذلك أنها لا تدل على معنى محصل، فلا يفيد النعت بها. ثم أشار إلى تأويل ما يُوهم وقوعها نعتا بقوله: .... وإن أتت فالقول أضمر تُصِب فيكون القول المقدر هو النعت، والجملة محكية به، ومن ذلك قول الراجز3:
................. ... جاءوا بمَذْق هل رأيت الذئب قط؟ أي: بمذق مقول عند رؤيته هذا القول. ثم انتقل إلى النعت بالمصدر فقال: ونعتوا بمصدر كثيرا ... ................. وكان حقه في الأصل ألا ينعت به؛ لجموده, ولكنه من الجاري مجرى المشتق. فإن قلت: هل يؤخذ من قوله: "كثيرا" أن النعت به مطرد؟ قلت: لا كما قال في الحال بكثرة, وقد صرح بعدم اطراد وقوعه نعتا وحالا.
فإن قلت: فهل هما في الكثرة سواء؟ قلت: لا, بل جعل المصدر حالا أكثر من جعله نعتا، ذكر ذلك في شرح التسهيل. قلت: وأطلق في قوله: "بمصدر" وهو مقيد بألا يكون في أوله ميم زائدة كمزار ومسير، فإنه لا ينعت به، لا باطراد ولا بغيره. وقوله: .............. ... فالتزموا الإفراد والتذكير قال المصنف: كأنهم قصدوا التنبيه على أن أصله ذو عدل، فلما حذف المضاف ترك المضاف إليه على ما كان عليه. قلت: في النعت بالمصدر طريقان: إحداهما: أن يقصد المبالغة، فلا يقدر مضاف. والأخرى: ألا يقصد فيقدر. والكوفيون يجعلون ضربا وعدلا واقعين موضع ضارب وعادل. وقوله: ونعت غير واحد إذا اختلف ... فعاطفا فَرِّقْه لا إذا ائتلف مثال المختلف: "مررت برجلين كريم وبخيل"، ومثال المتفق: "مررت برجلين كريمين". فالمختلف يفرق بالعطف، والمتفق يستغنى عن تفريقه بتثنيته وجمعه. قلت: وأورد على إطلاقه اسم الإشارة، فإنه لا يجوز تفريق نعته، فلا يجوز: "مررت بهذين الطويل والقصير"، نص على ذلك سيبويه وغيره كالزيادي، والمبرد، والزجاج. قال الزيادي: وقد يجوز ذلك على البدل, وعطف البيان.
تنبيهات: الأول: يندرج في غير الواحد ما هو مفرد لفظا مجموع معنى كقول حسان رضي الله عنه1: فوافيناهم منا بجمع ... كأُسْد الغاب مُرْدَان وشيب الثاني: قال في الارتشاف: والاختيار في "مررت برجلين كريم وبخيل" القطع. الثالث: قال في التسهيل2: يُغَلَّب التذكير والعقل عند الشمول وجوبا، وعند التفصيل اختيارا. وقوله: ونعت معمولي وحيدَيْ معنى ... وعمل أتبع بغير استثنا إذا قصد نعت معمولين, فإما أن يكونا لعامل واحد أو لعاملين. فإن كانا لعامل واحد, فثلاث صور: الأولى: أن يتحد العمل "والنسبة"3 نحو: "قام زيد وعمرو العاقلان", فهذه يجوز فيها الإتباع والقطع في أماكنه من غير إشكال.
الثانية: أن يختلف العمل والنسبة "نحو: "ضرب زيد عمرا الكريمان""1, فهذه يجب فيها قطع من غير إشكال. والثالثة: أن يختلف العمل وتتحد النسبة من جهة المعنى نحو: "خاصم زيد عمرا الكريمان". فالقطع في هذه, واجب عند البصريين. وأجاز الفراء وابن سعدان2 الإتباع، والنص عن الفراء أنه إذا أتبع غُلِّب المرفوع، فتقول: "خاصم زيد عمرا الكريمان". ونص ابن سعدان على جواز إتباع أي شئت؛ لأن كلا منهما مخاصِم ومخاصَم. والصحيح مذهب البصريين، قيل: بدليل أنه لا يجوز: "ضارب زيد هندًا العاقلةُ" برفع العاقلة نعتا لهند. قلت: ذكر في باب أبنية الفعل من شرح التسهيل أن الاسمين في نحو: "ضارَبَ زيدٌ عمرًا" ليس أحدهما أولى من الآخر بالرفع ولا بالنصب، قال: ولو أتبع منصوبهما بمرفوع، أو مرفوعهما بمنصوب لجاز. ومنه قول الراجز3:
قد سالَمَ الحيَّاتُ منه القَدَما ... الأُفْعُوَانَ والشجاع الشجْعَمَا فنصب "الأفعوان" وهو بدل من "الحيات"، وهو مرفوع "لفظا"1؛ لأنه منصوب معنى؛ لأن كل شيئين تسالما فهما فاعلان مفعولان. وهذا التوجيه أسهل من أن يكون التقدير: قد سالم الحيات منه القدم، وسالمت القدمُ الأفعوانَ، انتهى. وإن كان لعاملين لم يخل العاملان من أن يتحدا في المعنى والعمل، أو يختلفا فيهما أو في أحدهما. فإن اتحدا في المعنى والعمل جعل النعت تابعا للمعمولين في الرفع والنصب والجر، سواء اتفق لفظ العاملين نحو: "ذهب زيد وذهب عمرو العاقلان", أو اختلف نحو: "ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان". فالإتباع فيهما جائز، وهذا مفهوم من النظم، إذ لم يشترط اتحاد اللفظ. وذهب ابن السراج إلى منع الإتباع في الثاني، وفصّل في الأول فقال: إن قدرت الثاني عاملا فالقطع, أو توكيدا والأول هو العامل جاز الإتباع. وإن اختلف العاملان في المعنى والعمل، أو في أحدهما وجب القطع, فيرفع على إضمار مبتدأ، وينصب على إضمار فعل.
مثال المختلفين في المعنى والعمل: "جاء زيد ورأيت عمرا العاقلين". ومثال المختلفين في المعنى دون العمل: "جاء زيد وذهب عمرو العاقلين". ومثال المختلفين في العمل دون المعنى: "مررت بزيد وجاوزت عمرا العاقلين". يجوز في ذلك "العاقلان" على تقدير: هما، و"العاقلين" على تقدير: أمدح، والإتباع في ذلك يمتنع عند الجمهور، إذ العمل الواحد لا يمكن نسبته إلى عاملين, من شأن كل واحد منهما أن يستقل. فإن قلت: قوله: "وحيدي" صفة لماذا؟ قلت: لمحذوف تقديره: ونعت معمولي عاملين وحيدي معنى وعمل. فإن قلت: هل يعني بقوله: "أتبع" إيجاب الإتباع أو الإعلام بجوازه؟ قلت: لا يصح حمله على الإيجاب، فإن القطع في ذلك منصوص على جوازه. فإن قلت: ما معنى قوله: "بغير استثنا"؟ قلت: يعني في الرفع والنصب والجر كما قال الشارح، وكأنه يشير بذلك إلى مذهب من خصص جواز الإتباع بنعت فاعلين وخبري مبتدأين، ولا وجه للتخصيص. وقوله: وإنْ نعوتٌ كثُرت وقد تلت ... مفتَقِرا لذكرهن أُتبعت إذا كثرت نعوت الاسم، فله ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون مفتقرا إلى جميعها, لا يتميز بدونها. والثاني: أن يكون مستغنيا عنها, متميزا بدونها. والثالث: أن يكون مفتقرا إلى بعضها دون البعض. فإن كان مفتقرا إلى جميعها وجب إتباع الجميع، وإن كان متعينا بدونها جاز فيه ثلاثة أوجه:
إتباع الجميع، وقطع الجميع، وإتباع بعض وقطع بعض. وإن كان مفتقرا إلى بعض دون بعض, وجب إتباع المفتقر إليه وجاز فيما سواه الإتباع والقطع. هذا ما ذكره المصنف. فإن قلت: كيف يفهم ذلك من النظم؟ قلت: أما الأولى فظاهر من قوله: "وإن نعوت.... البيت". وأما الثانية فمن قوله: واقطع أو اتبع إن يكن معينا.... بدونها. وأما الثالثة فمن قوله: أو بعضها اقطع معلنا. قال الشارح بعد أن ذكر الصورة الثالثة: وإلى هذا الإشارة بقوله: "أو بعضها اقطع معلنا" أي: وإن يكن معينا ببعضها اقطع ما سواه، وفيه نظر. تنبيه: إذا قُطع بعض النعوت دون بعض, قُدِّم المُتبَع على المقطوع ولا يعكس، وفيه خلاف. قال ابن الربيع: والصحيح المنع، وقال صاحب البسيط: والصحيح جوازه. ثم بيّن وجهي القطع بقوله: وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا ... مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا يعني: أنه يجوز القطع إلى الرفع وإلى النصب، فإذا رفع فهو خبر مبتدأ واجب الحذف، وإذا نصب فبإضمار فعل واجب الحذف. وإلى وجوب إضمار المبتدأ والفعل الناصب, أشار بقوله: "لن يظهرا". تنبيه: قد يوهم كلام الناظم أن القطع مشروط بتكرار النعوت, كما أوهمه كلام غيره، وليس ذلك بشرط، وإنما ذكر مسألة كثرة النعوت لما فيها من التقسيم والأوجه المتقدمة.
وتلخيص الكلام على القطع، أن يقال: المنعوت قسمان: معرفة ونكرة. فالمعرفة إن كان نعته لمدح أو لذم أو ترحم, جاز القطع بالرفع على إضمار مبتدأ، وبالنصب على إضمار فعل لائق، فيقدر في المدح: أمدح وفي الذم: أذم وفي الترحم: أرحم1. ولا يجوز إظهار المبتدأ، ولا الفعل كما سبق. وخالف يونس في الترحم, فلا يجوز القطع وإن كان لتوكيد كقوله: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 2 أو ملتزما نحو: "الشِّعْرى العَبُور"3 أو جاريا على مشار به نحو: "هذا العالم" لم يجز القطع. وإن كان لتخصيص وليس أحد الثلاثة نحو: "مررت بزيد الخياطُ", جاز قطعه إلى الرفع على إضمار "هو"، وإلى النصب على إضمار "أعني", ويجوز إظهارهما، بخلاف نعت المدح والذم والترحم. وأما النكرة فيشترط في جواز قطع نعته تأخره عن آخر, كقول أبي الدرداء: "نزلنا على خالٍ لنا ذو مال وذو هيبة". فإن لم يتقدمه نعت آخر, لم يجز القطع إلا في الشعر. وما ذكرته من جواز قطع نعت التخصيص على الوجه المذكور, نص عليه ابن أبي الربيع وهو مفهوم من التسهيل4.
قوله: وما من المنعوت والنعت عُقل ... يجوز حذفه وفي النعت يقل يعني: أنه إذا علم النعت أو المنعوت جاز حذفه، ويكثر ذلك في المنعوت، ويقل في النعت. فمن الأول: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} 1, ومن الثاني قول العباس بن مرداس2: ................... ... فلم أعط شيئا ولم أمنع تنبيه: إنما يكثر حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه بشرطين:
أحدهما: أن يعلم جنس المنعوت إما باختصاص النعت به نحو: "مررت بكاتب", وإما بمصاحبة ما يعينه نحو: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} 1. والآخر: أن يكون صالحا لمباشرة العامل. فلو كان جملة أو شبهها لم يقم مقامه في الاختيار؛ لكونه غير صالح لها إلا بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن، حكى سيبويه: "ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا" فهذا مثال الجملة. ومثال شبهها قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} 2. وقوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3. التقدير: أحد مات، وإن أحد من أهل الكتاب، وقوم دون ذلك، فهذا ونحوه كثير مطرد. وقول الشارح: وهو مطرد في النفي، يفهم أنه غير مطرد في الإيجاب، وليس كذلك. وأما نحو قوله4: لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضُلُها في حَسَب ومَيْسَم
فأجازه المصنف في الاختيار, وجعل الجر بفي كالجر بمن، وجعله ابن عصفور ضرورة. فلو لم يكن المنعوت بالجملة وشبهها بعض ما قبلها من مجرور بمن أو في, لم تقم الجملة أو شبهها مقامه إلا في الضرورة كقوله1: .................. ... لكم قُبصه من بين أثرى وأقترا
التوكيد
التوكيد: التوكيد مصدر سمي به التابع لأنه يفيده، ويقال: أكّد تأكيدا، ووكّد توكيدا, وهو: معنوي ولفظي. فالمعنوي تابع بألفاظ مخصوصة؛ فلذلك استغني عن حده بذكرها. ثم المعنوى نوعان: أحدهما: يرفع توهم الإضافة إلى المتبوع. والثاني: يرفع توهم إرادة الخصوص بما ظاهره العموم. والأول بالنفس والعين, والثاني بكل وأخواته. وبدأ بالأول فقال: بالنفس أو بالعين الاسم أُكِّدا فتقول: ""جاء زيد"1 نفسه أو عينه" والمراد بهما حقيقته, وينفردان عن سائر ألفاظ التوكيد بجواز جرهما بباء زائدة2. فإن قلت: فهل يجوز الجمع بينهما؟ قلت: نعم. وإنما عطف بأو؛ للتنبيه على أن كلا منهما يصح التوكيد به وحده. فإن قلت: فبأيهما يبدأ عند الاجتماع؟ قلت: بالنفس؛ لأنها عبارة عن جملة الشيء، والعين مستعارة في التعبير عن الجملة. فإن قلت: هل هذا التركيب لازم, أم على سبيل الأولوية؟
قلت: الظاهر أنه لازم، وقيل: إنه على طريق الأحسنية. ثم قال: ........... ... مع ضمير طابق المؤكَّدَا فنبه على أنه لا بد من إضافة النفس والعين إلى ضمير المؤكد, مطابقا له في الإفراد والتذكير وفروعهما, وتمثيل ذلك سهل. ثم قال: واجمعهما بأفْعُل إن تبعا ... ما ليس واحدا تكن مُتَّبعا وإنما قال: بأفعُل احترازا عن جمع الكثرة، فإنه لا يؤكد بنفوس ولا عيون. وهو أولى من قوله في التسهيل: جمع قلة1, فإن عينا جمع على أعيان ولا يؤكد به. وشمل قوله: "ما ليس واحدا" المثنى نحو: " قام الزيدان أو الهندان أنفسهما", والجمع نحو: "قام الزيدون أنفسهم والهندات أنفسهن". وترك الأصل في المثنى كراهة اجتماع تثنيتين، وعدل إلى الجمع؛ لأن التثنية جمع في المعنى. تنبيه: قال الشارح بعد ذكره أن الجمع في المثنى هو المختار: ويجوز فيهما أيضا الإفراد والتثنية. ووهم في ذلك؛ إذا لم يقل به أحد من النحويين. قلت: وأجاز ابن إياز -في شرح الفصول- التثنية, فقال: ولو قلت "نفساهما" لجاز. وكان الناظم أشار إلى منع الإفراد والتثنية بقوله: "تكن متبعا", ثم انتقل إلى النوع الثاني من نوعي التأكيد المعنوي, فقال: وكُلًّا اذكر في الشمول وكِلَا ... كِلْتَا جميعا بالضمير مُوصَلا
وأما كل, فلا يؤكد بها إلا ذو أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه غير مثنى. وأما كلا وكلتا فللمثنى، وأما جميع فبمنزلة كل. ثم أشار إلى وجوب إضافة كل وما بعدها إلى ضمير المؤكد بقوله: "بالضمير موصلا". فتقول: جاء الجيشُ كلُّه، والقبيلةُ كلُّها، والزيدان كلهم، والرجال كلهم أو كلها، أو كله على قياس "هم أحسن الفتيان وأجمله" وهو ضعيف, "وجاء الهندات كلهن أو كلها" وحكى الخليل كلتهن عن بعض العرب، وكذلك تقول في جميع. وتقول في المثنى: "جاء الزيدان كلاهما، والمرأتان كلتاهما". وقد فهم من قوله: "بالضمير موصلا" فوائد: الأولى: "أنه"1 ضمير مطابق للمؤكد؛ لأن أل فيه للعهد السابق في النفس والعين. الثانية: أنه لا يحذف استغناء بنيته، خلافا للفراء والزمخشري، ونقله بعضهم عن الكوفيين، وجعلوا منه قراءة من قرأ: "إنَّا كُلًّا فيها"2, "أي: إنا كلنا"3. وخرج على وجهين: أحدهما: أنه حال من الضمير المرفوع في "فيها"4. والآخر: "أنه"5 بدل من اسم "إن"6.
الثالثة: أن كلا لا يضاف في التوكيد إلى ظاهر، وعلى ذلك نصوص النحويين, وذكر في التسهيل1 أنه قد يستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بكل، وجَعَلَ منه قول كثير2: ............... ... يا أشبهَ الناس كلِّ الناس بالقمر
ونحوه، قيل: ولا حجة فيه؛ لاحتمال كون "كل" نعتا بمعنى الكاملين، فلم يفضله إلا على الناس الكاملين، وهو أمدح. تنبيهان: الأول: ما ذكر أن "كلا" للمذكر و"كلتا" للمؤنث، هو المشهور. وقال في التسهيل1: وقد يستغنى "بكليهما" عن "كلتيهما". ومنه قول الشاعر2: يَمُتّ بقربى الزينبينِ كِلَيْهِما ... إليك وقربى خالد وحبيب وقال ابن عصفور: هو من تذكير المؤنث حملا على المعنى للضرورة، كأنه "قال"3: بقربى الشخصين. الثاني: ذكر في التسهيل4 أيضا أنه قد يستغنى "بكلهما" عن "كليهما"
و"كلتيهما" في تأكيد المثنى, فيقال على هذا: "جاء الرجلانِ كلُّهُمَا" والمرأتان كلهما. ثم قال: واستعملوا أيضا ككل فاعله ... من عم في التوكيد مثل النافله أي: واستعملت العرب في التوكيد وزن "فاعلة من عم" يعني عامة، وتوصل إلى ذكرها بذكر وزنها لتعذر دخولها في النظم. وأشار بقوله: "ككل" إلى أنها يؤكد بها ما سوى المثنى مما يؤكد بكل، وأنها تضاف إلى ضمير المؤكد. فيقال: "جاء الجيشُ عامتُهُ، والقبيلة عامتها، والزيدون عامتهم، والهندات عامتهن". قال في شرح التسهيل: وذكرت مع كل جميعا وعامة كما فعل سيبويه. وأغفل ذلك أكثر المصنفين سهوا أو جهلا، وإلى ذلك أشار بقوله: "مثل النافلة". قال الشارح: يعني أن ذكر عامة في ألفاظ التوكيد مثل النافلة أي: الزيادة على ما ذكره النحويون في هذا الباب، فإن أكثرهم أغفله، وليس هو في حقيقة الأمر نافلة على ما ذكروه؛ لأن من أجلِّهم سيبويه -رحمه الله- لم يغفله. انتهى. قلت: خالف المبرد في "عامة" وقال: إنما "هي"1 بمعنى أكثرهم. ثم ذكر توابع "كل" فقال: وبعد كل أكدوا بأجمعا ... جَمْعَاء أجمعين ثم جُمَعا فيقال: جاء الجيشُ كلُّهُ أجمعُ, والقبيلةُ كلُّها جمعاءُ، والزيدون كلهم أجمعون، والهندات كلهن جمع".
وقد فهم من قوله: "وبعد كل" أمران: أحدهما: واجب، وهو أن "أجمع" وفروعه لا يتقدم على "كل"، وفي الارتشاف بدأت بكل ثم بأجمع مرتبا، وقيل: على طريق الأولوية. والثاني: غالب لا واجب، وهو أنها لا تستعمل دون "كل". وقد أشار إلى جوازه بقوله: ودون كل قد يجيء أجمع ... جمعاء أجمعون ثم جمع وهو معنى قوله في التسهيل1: وقد يغنين عن "كل". قال الشارح: وهو قليل، وفي الارتشاف كثر ورود "أجمعين" في القرآن بدون "كل"2، فهو توكيد كما يؤكد بكل، وليس من باب الاستغناء عن كل كما زعم ابن مالك. تنبيهات: الأول: ذهب الفراء إلى أن "أجمعين" تفيد اتخاذ الوقت، والصحيح أنها ككل في إفادة العموم مطلقا, بدليل قوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 3. الثاني: قد يتبع "أجمع" وأخواته بأكْتَع وكَتْعاء وأكتَعِين وكُتَع, وقد يتبع "أكتع" وأخواته بأبْصَع وبَصْعاء وأبصَعِين وبُصَع4. وزاد الكوفيون بعد أبصع وأخواته: أبْتَع وبَتْعاء وأبتَعِين وبُتَع. وإنما لم يتعرض في النظم لذلك؛ لقلة استعماله. الثالث: قال الشارح: ولا يجوز أن يُتعدَّى هذا الترتيب.
وقال في شرح الكافية: ولا يجاء بأكتع وأخواته غالبا إلا بعد أجمع وأخواته على هذا الترتيب. انتهى. ومراعاة هذا الترتيب هو المشهور. وأجاز ابن كيسان أن تبدأ بأي الثلاثة شئت بعد أجمع, وهو ظاهر قوله في التسهيل1 بهذا الترتيب أو دونه. وقال ابن عصفور: وأما أبصع وأبتع فلا تبال بأيهما قدمتَ على الآخر. وأجاز الكوفيون وابن كيسان تقديم أكتع على أجمع. ومذهب الجمهور أنه لا يتقدم عليه. وأجاز الكوفيون وابن كيسان أيضا الاستغناء بأكتع وأخواته عن أجمع وأخواته، ومذهب الجمهور المنع. وقوله2: حولا أكتعا
ونحوه من الضرورات "وشذ"1 قول بعضهم: "أجمع أبصع", وإنما حق أبصع أن يجيء بعد أكتع. وأشد منه قول بعضهم: "جُمَع بُتَع"، وإنما حق "بتع"2 وأخواته أن يجاء بهن آخرا توابع لأبصع. الرابع: إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع، وليس الثاني تأكيدا "للتأكيد"3. الخامس: لا يجوز في ألفاظ التوكيد القطع إلى الرفع، ولا إلى النصب4. السادس: لا يجوز عطف ألفاظه بعضها على بعض، فلا يقال: "قام زيدٌ نفسُهُ وعينُهُ", ولا "جاء القوم كلهم وأجمعون"، وأجاز العطف بعضهم وهو قول ابن الطراوة. السابع: ألفاظ التوكيد معارف، أما ما أُضيف إلى الضمير فظاهر, وأما أجمع "وتوابعه"5 ففي تعريفه قولان: أحدهما: أنه بنية الإضافة، ونسب إلى سيبويه6. والثاني: أنه بالعلمية عُلِّق على معنى الإحاطة7.
قال محمد بن مسعود الغزني1 في البديع: وتعريفها تعريف علمي كتعريف أسامة انتهى، ولكون هذه الألفاظ معارف منع البصريون نصبها على الحال. وقوله: وإن يُفِد توكيد منكور قُبِل ... وعن نحاة البصرة المنع شمل مذهب الكوفيين والأخفش جواز توكيد النكرة إذا كانت مؤقتة "وأجاز بعض الكوفيين مطلقا مؤقتة كانت, أو غير مؤقتة"2, ومنع ذلك البصريون3 وإلى الجواز ذهب المصنف؛ لإفادته ولورود السماع به4. فإن قلت: على أي "المذهبين"5 يحمل كلامه؟ قلت: ظاهر النظم موافقة الثاني، إذ لم يشترط في الجواز غير الإفادة. وقوله في التسهيل6: وإن أفاد توكيد النكرة جاز وفاقا للأخفش والكوفيين, يقتضي موافقة الأول إذ الأخفش ومن وافقه من الكوفيين خصوا ذلك بالمؤقتة على ما نقل عنهم. وقوله: "المنع شمل" المقيد وغيره.
وقوله: واغْنَ بكلتا في مثنى وكِلَا ... عن وزن فَعْلَاء ووزن أَفْعَلا استغني في تثنية المثنى بكلا وكلتا عن تثنية أجمع وجمعاء، فلا يقال: أجمعان ولا جمعاوان, خلافا للكوفيين وابن خروف في إجازتهم تثنيتهما قياسا معترفين بعدم السماع. فإن قلت: هل يجري خلافهم في توابع أجمع وجمعاء؟ قلت: في كلام بعضهم ما يشعر بإجراء الخلاف فيها، والقياس يقتضي إجراءه, وقوله: وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل عنيت ذا الرفع........... ... ..................... يعني: "أنه"1 إذا أكد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو بالعين, فلا بد من توكيده "قبلها"2 بضمير مرفوع منفصل، فتقول: "قُمْ أنتَ نفسُكَ" و"قمت أنتَ نفسُكَ". فإن قلت: فهل توكيده بذلك واجب؟ قلت: قال في شرح الكافية: لم يجز إلا بعد توكيده بضمير "مرفوع"3 منفصل. فلو قلت: "قوموا أنفسكم" لم يجز، وهو موافق لنصوص غيره من النحويين. وقال في التسهيل4: ولا يؤكد بهما غالبا ضمير رفع متصل إلا بعد توكيده
بمنفصل وأشار بقوله: "غالبا" إلى ما ذكره الأخفش في المسائل من أنه يجوز على ضعف "قاموا أنفسهم" وفي عبارة الفارسي لا يحسن. "فرع": إذا قلت: "هلم لكم أنفسكم" جاز دون توكيد للفصل الذي هو "لكم" وهذا بلا خلاف. فلا يتوهم أنه لا بد فيه من التأكيد, ذكره في الارتشاف. وقد فهم من قوله: "المتصل" أن المنفصل يؤكد بهما بلا شرط. ومن قوله: "عنيت ذا الرفع" أن المنصوب والمجرور "يؤكد"1 بهما بلا شرط, فتقول: "رأيتُكَ نفسَكَ" و"مررت بِكَ نفسِكَ". وإن شئت أكدتهما بالمنفصل. وقوله: ....... وأكدوا بما ... سواهما والقيد لن يُلتزما يعني: أن ما سوى النفس والعين من ألفاظ التوكيد إذ أكد "بها"2 ضمير الرفع المتصل, لم يلتزم توكيده بمنفصل، وهو المعني بالقيد، ولكن يجوز فتقول: "قوموا كلكم". ولو قلت: "أنتم كلكم", لكان حسنا. ولما فرغ من التوكيد المعنوي, انتقل إلى التوكيد اللفظي فقال: وما من التوكيد لفظي يجي ... مكررا كقولك ادْرُجي ادْرُجي التوكيد اللفظي: إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنى. فالأول كقولك: "ادرجي ادرجي" ويكون في الاسم والفعل والحرف والمركب غير الجملة, والجملة، نحو: "جاء زيد زيد".
.................. ... أتاكِ أتاكِ اللاحقون1 ونَعَمْ نَعَمْ. ............. ... وحَتَّامَ حَتَّامَ العناء المطول2
.................. و ... لكَ الله لكَ الله1 قال الشارح: وأكثر ما يجيء مؤكد لجملة. والثاني: نحو: انزل نزال. قال2: ............. ... صَمِّي لما فعلت يهود صَمَام
ومنه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل. ومنه قوله1: .............. ... أَجَلْ جير إن كانت أُبيحت دعاثره فإن قلت: عبارته ظاهرة في تناول الأول دون الثاني لقوله: "مكررا". قلت: إذا حمل على تكرار معنى المؤكد، ولم يختص بتكرار لفظه كما ذكر الشارح تناولهما. فإن قلت: ما إعراب صدر البيت؟
قلت: "ما" موصولة و"لفظي" خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة, و"يجي" خبر الموصول. أي: والذي هو من التوكيد لفظي, يجيء مكررا. قوله: ولا تُعِدْ لفظ ضمير متصل ... إلا مع اللفظ الذي به وُصِل تقول: "قمتُ قمتُ" ونحوه؛ لأن إعادته مجردا تخرجه عن الاتصال. ثم قال: "كذا الحروف" يعني: أن الحرف لا يعاد إلا مع ما اتصل به أولا؛ لكونه كالجزء منه نحو: "إن زيدا قائم, إن زيدا قائم" و"في الدار, في الدار زيد" ولا يعاد وحده إلا ضرورة، نص عليه ابن السراج كقوله1:
.. ولا لِلِما بهم أبدا دواء وأجاز الزمخشري: "إن إن زيدا قائم", وتبعه ابن هشام. قال في شرح التسهيل: وقوله مردود؛ لعدم إمام يستند إليه وسماع يعتمد عليه. ولا حجة له في قول الشاعر1: إن إن الكريم يحلُم ما لم ... يَرَيَنْ من أجاره قد ضِيما فإنه من الضرورات.
تنبيه: قال في التسهيل1: لم يعد في غير ضرورة إلا معمولا بمثل عامله أولا أو مفصولا. ومثّل الفصل بقوله2: حتى تراها وكأنّ وكأنْ ... أعناقها مشددات بقرن وبقوله3: ليت شعري هل ثم هل آتيَنْهم
قال: ومن الفصل المسموع, الفصل بالوقف كقوله1:
لا يُنسِكَ الأسى تأسيا فما ... ما من حمام أحد مستعصما فظاهره أن مثل ذلك يجوز اختيارا. وصرح في الكافية وشرحها بقلة: حتى تراها وكأن وكأن ولم يجعل للفصل فيه أثرا. ثم استثنى من الحروف الجوابية فقال: ..... غير ما تحصلا ... به جواب كنَعَمْ وكبَلَى فيجوز أن يؤكد بإعادة اللفظ من غير اتصاله بشيء فتقول: "نعم نعم" و"لا لا " و"بلى بلى". وذلك لأن الحرف الجوابي كالمستقل؛ لصحة الاستغناء به عن ذكر المجاب به. وقوله: ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكدْ به كل ضمير اتصل فيؤكد به المرفوع نحو: "قمت أنت", والمنصوب نحو: "رأيتك أنت", والمجرور نحو: "مررت بك أنت". وهذا من قبيل التوكيد اللفظي. "تنبيه": إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب نحو: "رأيتك إياك" فمذهب البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد. قال المصنف: وقولهم عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في نحو: "فعلتَ أنتَ" والمرفوع تأكيد بإجماع.
قيل: وكأنه يعني بقوله: بإجماع أنه يجوز، لا أنه يتعين فإنهم قد أعربوا "قمت أنت" بدلا. قلت: قوله في التسهيل1: ولا يبدل مضمر من مضمر, يمنع من إعرابه بدلا.
العطف
العطف: العطف إما ذو بيان أو نسق......... يعني: أو ذو نسق. والعطف كما ذكر قسمان: عطف بيان وعطف نسق. والنسق لغة: النظم، وقد يستعمل بمعنى المنسوق. عطف البيان: وقوله: .... والغرض الآن بيان ما سبق يعني: عطف البيان. وقوله: فذو البيان تابع شبه الصفه ... حقيقة القصد به منكشفه "تابع": جنس يشمل الخمسة. وقوله: "شبه الصفه" أي: في التوضيح والتخصيص مخرج لعطف النسق والبدل والتوكيد. وقوله: "حقيقة القصد به منكشفه" يعني: أن إيضاحه للمتبوع إنما هو بشرح وتبيين لحقيقة المقصود, لا بدلالة على معنى في المتبوع أو في سببه، وبذلك فارق النعت. وقوله: فأولينه من وفاق الأول ... ما من وفاق الأول النعت وَلِي لما كان عطف البيان بمنزلة النعت، وجب أن يوافق متبوعه في أربعة من عشرة كالنعت الخالص، فيوافقه في الرفع أو النصب أو الجر، والتعريف أو التنكير, والإفراد أو التثنية أو الجمع، والتذكير أو التأنيث. ولما كان في ورود عطف البيان نكرة تابعا لنكرة خلاف, نص عليه بقوله:
فقد يكونان مُنَكَّرين ... كما يكونان مُعَرَّفين ذهب الكوفيون والفارسي وابن جني والزمخشري وابن عصفور إلى جواز تنكيرهما، وإليه ذهب المصنف. وقال الشارح: أجازه أكثرهم, قال: وليس قول من منع بشيء؛ لأن النكرة تقبل التخصيص بالجامد كما تقبل المعرفة التوضيح به، كقولك: "لبستُ ثوبًا جُبَّةً". ونظيره من كتاب الله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} 1. وقال ابن عصفور: ذهب أكثر النحويين إلى امتناعه، وزعم الشلوبين أن مذهب البصريين التزام وتعريف التابع والمتبوع في عطف البيان. قال المصنف: ولم أجد هذا النقل من غير جهته، ونقل عن بعضهم تخصيصه بالعلم, اسما أو كنية أو لقبا. تنبيهان: الأول: فهم من كلامه أن تخالفهما في التعريف والتنكير ممتنع، وأجازه الزمخشري فجعل قوله تعالى: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} عطف بيان على {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} 2 قيل: وهو مخالف لإجماع الفريقين، فلا يلتفت إليه. الثاني: اشترط الجرجاني والزمخشري زيادة تخصيص عطف البيان على متبوعه، قال في شرح الكافية: وليس بصحيح؛ لأن عطف البيان في الجامد بمنزلة النعت. قال: وقد جعل سيبويه "ذا الجُمَّة" من "يا هذا ذا الجمة"3 عطف بيان, مع أن تخصيص هذا زائد على تخصيصه.
وقال في شرح التسهيل: زعم أكثر المتأخرين أن متبوع عطف البيان لا يفوقه في الاختصاص بل يساويه، أو يكون أعم منه. والصحيح جواز الأوجه الثلاثة, قال: وهو مذهب سيبويه. قلت: فتحصلت ثلاثة مذاهب. وقوله: وصالحا لبَدَلية يُرَى ... ................. يعني: أن كل ما حكم "عليه"1 بأنه عطف بيان, فجائز جعله بدلا، إلا في موضعين أشار إلى أحدهما بقوله: في غير نحو: غلامُ يَعْمُرا ويعني به ما كان مفردا معرفة معربا ومتبوعه منادى، فإنه ينصب بعد منصوب نحو: "يا أخانا زيدا" وينصب ويرفع بعد مضموم نحو: "يا غلام زيدا أو زيد", ومثله: "يا غلام يعمرا"2. فهذا ونحوه عطف بيان لا بدل، إذ لو جعل بدلا تعين بناؤه على الضم؛ لأن البدل في نية تكرار العامل، فيلزم تقدير حرف النداء معه بخلاف عطف البيان. ثم أشار إلى الآخر بقوله: ونحو بشر تابع البكريّ ويعني به ما كان تابعا لمجرور بإضافة صفة مقرونة بال "وإليه"3, وهو غير صالح لإضافتها إليه كقول الشاعر4:
أنا ابن التارك البكريِّ بشرٍ ... عليه الطير ترقبه وقوعا فبشر عطف بيان، ولا يجوز أن يكون بدلا لما يلزم من تقدير إضافة التارك إليه؛ لأن البدل في نية تكرار العامل، وهو غير صالح لذلك، إذ لا يضاف ما فيه أل إلى عارٍ منها. ونُقِل عن المبرد أنه لا يجوز في بشر إلا النصب، ولا يجيز جره لا على البدل, ولا على عطف البيان. وأجاز الفراء في "بشر" أن يكون بدلا؛ لأن مذهبه جواز إضافة ما فيه أل إلى جميع المعارف. وإلى تضعيف مذهبه, أشار بقوله: وليس أن يُبدِل بالمرضي وقد نقل جواز البدل في "بشر" عن الفارسي أيضا.
تنبيه: استدرك على المصنف أمور ينفرد بها عطف البيان, لم يتعرض لها: الأول: أن يفتقر الكلام إلى رابط، ولا رابط إلا التابع نحو: "هند ضربت الرجل أخاها". الثاني: أن يضاف أفعل التفضيل إلى عام ويتبع بقسيميه نحو: "زيد أفضل الناس الرجال والنساء أو النساء والرجال". الثالث: أن يتبع الموصوف "به"1 أيضا بمضاف نحو: "يا أيها الرجل غلام زيد". الرابع: أن يتبع مجرور أي بمفضل نحو: "بأي الرجلين زيد وعمرو مررت". الخامس: أن يتبع مجرور كلا بمفضل نحو: "كلا الرجلين زيد وعمرو قال ذلك". ومسائل أخر في باب النداء، وهي مفهومة من تعليل "يا غلام يعمرا", فلا حاجة لذكرها.
عطف النسق
عطف النسق: تالٍ بحرف مُتبع عطف النسق ... ......................... "تال" -أي تابع- جنس يشمل الخمسة، وقوله: "بحرف متبع" يخرج الأربعة. فإن قلت: قوله: "بحرف" يخرج غير المحدود، فما فائدة قوله: "متبع"؟ قلت: لو اقتصر على قوله: "بحرف" لورد نحو: "مررت بغضنفر أي: أسد". فإنه تابع بحرف1, فلما قال: "متبع" خرج؛ لأن "أي" ليس بمتبع2. خلافا لمن عده من حروف العطف. فإن قلت: فما أي؟ وما إعراب تاليها؟ قلت: أما أي فحرف تفسير على الصحيح، وأما تاليها فعطف بيان بالأجلى على الأخفى، وتوافق ما قبلها في التعريف والتنكير. ثم مثّل فقال: .................... ... كاخصُص بود وثناء من صدق ثم شرع في ذكر حروف العطف فقال: فالعطف مطلقا بواو ثم فا ... حتى أم أو كفيك صدق ووفا فهذه ستة أحرف تُشرك لفظا ومعنى3, وهذا معنى قوله: "مطلقا". وقد مثل بقوله: "فيك صدق ووفا" وهو ظاهر4.
فإن قلت: كيف جعل أم وأو مشركين في اللفظ والمعنى، والذي يظهر خلاف ذلك؟ قلت: قال المصنف: أكثر النحويين يجعل أم وأو "مشركين"1 في اللفظ لا في المعنى، والصحيح أنهما يشركان لفظا ومعنى ما لم يقتضيا إضرابا؛ لأن القائل: "أزيد في الدار أم عمرو؟ " عالم بأن الذي في الدار هو أحد المذكورين، وغير عالم بتعيينه، فالذي بعد "أم" مساوٍ للذي قبلها في الصلاحية؛ لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه، وحصول المساواة إنما هو بأم. وكذلك "أو" مشركة لما قبلها وما بعدها فيما يُجَاء بها لأجله، من شك أو غيره. فإن قلت: أطلق في "أم" و"أو" وينبغي أن يقيدهما بألا يقتضيا إضرابا، فإن اقتضيا إضرابا كانا مشركين في اللفظ, لا في المعنى كما ذكر في التسهيل2. قلت: دلالتهما على الإضراب قليلة؛ فلذلك لم يتعرض لها، وسيأتي بيان ذلك. ثم قال: وأَتبعتْ لفظا فحسبُ بل ولا ... لكن كَلَمْ يبدُ امرؤ لكن طلا فهذه ثلاثة أحرف تشرك لفظا لا معنى، وقد مثل بقوله: "كلم يبد امرؤ لكن طلا" وهو واضح3. والحاصل: أن حروف العطف على ما ذكر تسعة، والمتفق عليه منها ستة: الواو, والفاء، وثم، وأو، وبل، ولا. واختُلف في ثلاثة: حتى, وأم، ولكن.
أما "حتى" فذهب الكوفيون إلى أنها ليست بحرف عطف، وإنما يعربون ما بعدها بإضمار1. وأما "أم" فذكر النحاس فيها خلافا، وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة. فإذا قال: "أقائم زيد أم عمرو؟ " فالمعنى: أعمرو قائم؟ فتصير على مذهبه استفهاما2. وقال الغزني في البديع: أما "أم" فعديل همزة الاستفهام، وليست بحرف عطف، وأما "لكن" فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف. ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها لا تكون عاطفة إلا إذا لم تدخل عليها الواو، وهو مذهب الفارسي، قيل: وأكثر النحويين. الثاني: أنها عاطفة ولا تستعمل إلا بالواو، والواو مع ذلك زائدة، وصحّحه ابن عصفور، قال: وعليه ينبغي أن يحمل مذهب سيبويه والأخفش؛ لأنهما قالا: إنها عاطفة، ولما مثّلا للعطف بها مثّلاه مع الواو. الثالث: أن العطف بها، وأنت مخير في الإتيان بالواو، وهو مذهب ابن كيسان، وذهب يونس إلى أنها حرف استدراك، وليست بعاطفة، والواو قبلها عاطفة لما بعدها عطف مفرد على مفرد. تنبيهان: الأول: وافق المصنف هنا الأكثرين، ووافق في التسهيل يونس3, قال فيه: وليس منها "لكن" وفاقا ليونس.
وظهر من كلامه في الشرح أنه غير موافق له من كل وجه؛ لأنه جعل الواو قبلها عاطفة جملة على جملة, ويضمر لما بعدها عاملا. فإن قلت: "ما قام سعد ولكن سعيد", فالتقدير: ولكن قام سعيد. وإنما جعله من عطف الجمل؛ لما يلزم على مذهب يونس من مخالفة المعطوف بالواو لما قبلها، وحقه أن يوافقه. واستدل من قال بأنها ليست بعاطفة بلزوم اقترانها بالواو قبل المفرد. قال في شرح التسهيل: وما يوجد من كلام النحويين من نحو: "ما قام سعد لكن سعيد" فمن كلامهم, "لا من"1 كلام العرب. ولذلك لم يمثل سيبويه في أمثلة العطف إلا بـ "ولكن", وهذا من شواهد أمانته وكمال عدالته؛ لأنه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو، وترك التمثيل به لئلا يعتقد أنه مما استعملته العرب. قلت: وفي قوله: إن سيبويه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو, نظر. فقد تقدم ما ذكره ابن عصفور. الثاني: اختلف في تسعة ألفاظ أخر, وهي: إما، وإلا، وليس، ولولا، وهلا، وكيف، ومتى، وأين, وأي. والصحيح أنها ليست من حروف العطف، وسيأتي الكلام على "أما". ثم شرع في ذكر معاني حروف العطف، وبدأ بالواو. فقال: فاعطف بواو سابقا أو لاحقا ... في الحكم أو مصاحبا موافقا يعني: أن الواو للجمع المطلق كما ذهب إليه الجمهور، فيصح أن يعطف
بها لاحق في الحكم نحو: "جاء زيد وعمرو بعده"، أو سابق نحو: "جاء زيد وعمرو قبله", أو مصاحب نحو: "جاء زيد وعمرو معه". وذهب بعض أهل الكوفة إلى أن الواو تُرَتِّب1. وحُكي عن قطرب وثعلب والربعي. وبذلك يُعلم أن ما ذكره السيرافي والسهيلي من إجماع النحاة بصريهم وكوفيهم على أن الواو لا ترتب, غير صحيح. تنبيه: قال في التسهيل: وتنفرد الواو بكون مُتبعها في الحكم محتملا للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة2. قيل: وليس هذا مذهب البصريين ولا الكوفيين، فهو قول ثالث. وقوله: واخصص بها عطف الذي لا يغني ... متبوعه كاصطَفَّ هذا وابني يعني: أن الواو تنفرد بعطف ما لا يستغنى عنه بمتبوعه كفاعل الافتعال والتفاعل، نحو: "اصطف هذا وابني", و"تخاصم زيد وعمرو", وكذا نحو: "جلستُ بين زيد وعمرو"3 و"سواء زيد وعمرو"4.
وأجاز الكسائي: "ظننت عبد الله وزيدا مختصمينِ" بالفاء، وثم, ومنع ذلك البصريون والفراء. ثم انتقل إلى "الفاء" فقال: الفاء للترتيب باتصال أي: بلا مهلة, فهي للتعقيب, وهذا مذهب الجمهور, وما أوهم خلافه يُؤَوَّل. وذكر في التسهيل أن الفاء تقع موقع ثم1 كقوله تعالى: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} 2. ثم انتقل إلى "ثم" فقال: وثم للترتيب بانفصال أي: بمهلة، وهو مذهب الجمهور، وما أوهم خلافه يؤول. وذكر في التسهيل أنها قد تقع موقع الفاء3 كقوله4: .................... ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب
وذكر فيه أيضا أنها قد تقع في عطف المقدم بالزمان؛ اكتفاء بترتيب اللفظ1. وقد أشار الفراء إلى ذلك. قال ابن عصفور: وما ذكره الفراء من أن المقصود بثم ترتيب الإخبار، يعني في نحو2: إن من ساد ثم أبوه ... ........... ليس بشيء؛ لأن "ثم" تقتضي تأخُّر الثاني بمهلة، ولا مهلة بين الإخبار.
وذكر الشارح أن الفاء وثم قد يكونان لترتيب الذكر، وهو الذي عناه في التسهيل بترتيب اللفظ. تنبيه: في "ثم" أربع لغات: ثُمَّ، فُمَّ، ثُمَّتَ، ثُمَّتْ. بقوله: واخصص بفاء عطف ما ليس صله ... على الذي استقر أنه الصله يعني: أن "الفاء" تختص بعطف ما لا يصلح كونه صلة؛ لعدم الضمير على ما هو صلة كقوله: "الذي يطير فيغضبُ زيدٌ الذبابُ", ولو عطفت بغير الفاء لم يجز، وذلك لما فيها من معنى السببية1. قلت: وما ذكره في التسهيل2 من أنها تنفرد بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صفة أو صلة أو خبر, أعم لشموله ست مسائل تنفرد بها الفاء, هذه إحداها3. ثم انتقل إلى "حتى" فقال: بعضا بحتى اعطِفْ على كل ولا ... يكون إلا غاية الذي تلا
لا يكون المعطوف بحتى إلا بعض متبوعه نحو: "قدم الحجاج حتى المشاة". وقال في التسهيل: أو كبعضه1, وفي الكافية: بعضا وشبهه "ومثله"2 في شرحها بقوله: "أعجبتني الجاريةُ حتى حديثُها", فإن حديثها ليس بعضا منها ولكنه كالبعض؛ لأنه معنى من معانيها. قال: وقد يكون المعطوف بحتى مباينا, فنقدر بعضيَّته كقوله3:
ألقى الصحيفةَ كي يخفف رحله ... والزادَ حتى نعلَهُ ألقاها فعطف "النعل" وليست بعضية لما قبلها صريحة، لكنها بالتأويل؛ لأن المعنى: ألقى ما يثقله حتى نعله. ولا يكون المعطوف بها أيضا إلا غاية لما قبلها في زيادة أو نقص نحو: "مات الناسُ حتى الأنبياءُ" و"قدم الحجاجُ حتى المشاةُ". تنبيهات: الأول: "حتى" بالنسبة إلى الترتيب كالواو، خلافا لمن زعم أنها للترتيب كالزمخشري. الثاني: إذا عطف بحتى على المجرور، قال ابن عصفور: الأحسن إعادة الخافض؛ ليقع الفرق بين العاطفة والجارة، وقال ابن الخباز1: لزم إعادة الجار للفرق. وقال في التسهيل: لزم إعادة الجار ما لم يتعين العطف2. الثالث: حيث جاز الجر والعطف فالجر أحسن، إلا في باب "ضربتُ القومَ حتى زيدًا ضربتُهُ" فالنصب أحسن على تقدير كونها عاطفة و"ضربته" توكيد3, أو على تقدير جعلها ابتدائية و"ضربته" تفسير. الرابع: قد فهم من اشتراط كون المعطوف بحتى بعضا، أنها لا تعطف جملة على جملة وإنما تعطف مفردا على مفرد.
ثم انتقل إلى "أم" فقال: وأَمْ بها اعطفْ بإثر همز التسويه ... أو همزة عن لفظ أي مغنيه "أم" على ضربين: متصلة ومنقطعة. فالمتصلة: هي المعادلة لهمزة التسوية, أو همزة يطلب بها وبأم ما يطلب بأي. وعلامة الهمزة الأولى: أن تكون مع جملة يصح تقدير المصدر في موضعها. وعلامة الثانية: أن يصح الاستغناء بأي عنها. مثال الأولى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} 1. ومثال الثانية: "أزيدٌ في الدار أم عمرو؟ ". وقد تحذف الهمزة قبل المتصلة للعلم بها, وأمن اللبس كقراءة ابن محيصن: "سَوَاءٌ عليهم أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لم تنذرهم"2, وهو في الشعر كثير3. وإلى ذلك أشار بقوله: وربما أُسقطت الهمزة إن ... كان خفا المعنى بحذفها أمن فإن قلت: فهل يطرد ذلك؟
قلت: ظاهر قوله في شرح الكافية. فهذا وأمثاله من مواضع حذف الهمزة المعطوف على مصحوبها بأم جائز اطراده, وقد أجاز الأخفش حذف الهمزة في الاختيار، وإن لم يكن بعدها أم، وجعل من ذلك قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} 1. والمنقطعة ما سوى المتصلة، وإليها أشار بقوله: وبانقطاع وبمعنى بل وَفَتْ ... إن تَكُ مما قُيِّدت به خَلَت الذي قيدت به هو أن يكون بعد إحدى الهمزتين لفظا أو تقديرا. فإن خلت من ذلك فهي منقطعة. واختُلف في معنى المنقطعة، فذهب البصريون إلى أنها تقدر "بمعنى"2 بل والهمزة مطلقا. وذهب الكسائي وهشام إلى أنها بمنزلة بل, وما بعدها مثل ما قبلها. فإذا قلت: "قام زيد أم عمرو" فالمعنى: بل قام عمرو. وقال في التسهيل: وتقتضي إضرابا مع استفهام ودونه3. وذكر في غيره أن الأكثر اقتضاؤها مع الإضراب استفهاما. فإن قلت: قوله: "وبمعنى بل" يقتضي موافقة الكسائي وهشام إذا لم يذكر الاستفهام. قلت: إنما اقتصر على ذكر "بل"؛ لأن اقتضاء المنقطعة إضرابا لازم, وليس اقتضاؤها الاستفهام بلازم.
تنبيهات: الأول: حصر "أم" في المتصلة والمنقطعة هو مذهب الجمهور، وذهب أبو زيد إلى أن "أم" تكون زائدة، فهو قسم ثالث. الثاني: سُميت المتصلة متصلة؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر, ولذلك لم تقع إلا بين مفردين أو "بين"1 جملتين في تقدير مفردين، أو مفرد وجملة في تقدير مفرد. وسُميت المنقطعة منقطعة؛ لوقوعها بين جملتين مستقلتين. الثالث: إذا عادلت المتصلة بين جملتين، فقد تكونان فعليتين أو اسميتين أو مختلفتين2, قيل: إلا في التسوية، فإنه لا يُذكَر بعدها إلا الفعلية، ولا يجوز: "سواءٌ علي أزيدٌ قائمٌ أم عمرٌو منطلقٌ" فهذا لا تقوله العرب، وأجازه الأخفش قياسا على الفعلية. وقد عادت بين مفرد وجملة في قوله3:
سواءٌ عليك النَّفْرُ أم بِتَّ ليلة ... ......................... ويجري مجرى التسوية: ما أدري، وليت شعري -ويقع بعده الجملتان- وما أبالي -ويقع بعده الجملتان أيضا- خلافا لمن زعم أنه لا يكون بعده إلا الفعلية. الرابع: فصل "أم" مما عُطفت عليه نحو: "أزيد في الدار أم عمرو" أولى من وصلها "به"1, هذا مذهب سيبويه، وهو الصحيح. قال في شرح التسهيل: ومن ادعى امتناع وصلها أو ضعفه فمخطئ؛ لأن دعواه مخالفة للاستعمال المقطوع بصحته، ولقول سيبويه والمحققين من أصحابه. الخامس: قد يكتفى "بلا" عن ذكر المعادل نحو: "أتفعل أم لا؟ ". السادس: ذهب ابن كيسان إلى أن ميم "أم" بدل عن واو، وأصلها أو، وهي دعوى مجردة عن الدليل. السابع: ذكر في التسهيل أن عطف المنقطعة المفرد قليل2, ومثل في الشرح بقولهم: "إنها لإبل أم شاء". "قال: فأم هنا لمجرد الإضراب عاطفة ما بعدها على ما قبلها، كما يكون بعد "بل" فإنها بمعناها، ومذهب الفارسي وابن جني في ذلك أنها بمنزلة بل والهمزة، وأن التقدير: بل أهي شاء؟ "3.
وبه جزم في شرح الكافية. وقال في شرح التسهيل, بعد حكاية هذا القول: وهذه دعوى لا دليل عليها, ولا انقياد إليها. وقد قال بعض العرب: "إن هناك لإبلا أم شاء"1, فنصب ما بعد "أم" حين نصب ما قبلها، وهذا عطف صريح مقوٍّ لعدم الإضمار قبل المرفوع. قيل: ولا حجة في قول بعضهم: "إن هناك لإبلا أم شاء"؛ لاحتمال كونها متصلة، والهمزة قبلها محذوفة. ويحتمل أن ينصب "شاء" على إضمار فعل, تقديره: أم ترى شاء. الثامن: قد ظهر من كلام المصنف أن "أم" المنقطعة تكون عاطفة، وقال في شرح الكافية: وأما "أم" المنقطعة فليست للعطف, لا في مفرد ولا جملة. التاسع: تدخل "أم" المنقطعة على "هل" وأسماء الاستفهام نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 2, {أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 3 وهو فصيح كثير، ولا التفات لمن زعم أنه من الجمع بين أداتي معنى، وأنه قليل جدا. وبذلك رد على من قال: "إنها بمعنى"4 بل والهمزة في كل موضع. ثم انتقل إلى "أو" فقال: خيِّر أَبِحْ قسِّم بأو وأبهِمْ ... واشكُكْ وإضراب بها أيضا نُمي فذكر لها سبعة معانٍ: الأول: التخيير، نحو: "خذ دينارًا أو ثوبًا".
والثاني: الإباحة، نحو: "جالس الحسن أو ابن سيرين". فإن قلت: فما الفرق بينهما؟ قلت: الفرق بينهما جواز الجمع بين الأمرين في الإباحة, ومنعه في التخيير. فإن قلت: فهل استفيد جواز الجمع في الإباحة من لفظ "أو"؟ قلت: قد ذكر بعضهم أن ذلك ليس لأمر راجع إلى اللفظ, بل لأمر خارج، وهو قرينة انضمّت إلى اللفظ. وذلك أن التخيير يرد فيما أصله الحظر، والإباحة ترد فيما ليس أصله الحظر. تنبيه: قال المصنف: من علامات الإباحة استحسان الواو موقعها، فلو جيء بالواو مكان "أو" لم يختلف المعنى. وفرق غيره بين الواو وأو في ذلك؛ "فقال"1: إذا قلت: "جالس الحسن أو ابن سيرين", جاز له مجالستهما ومجالسة أحدهما. وإذا عطفت بالواو, لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر. الثالث: التقسيم, نحو: "الكلمة: اسم أو فعل أو حرف" قال في التسهيل2: بدل التقسيم: أو تفريق مجرد, يعني: من الشك والإبهام والتخيير، ومثّله بقوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} 3.
قال: والتعبير عن هذا بالتفريق أولى من التعبير عنه بالتقسيم؛ لأن استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال "أو" نحو: "الكلمة: اسم وفعل وحرف". وعبّر بعضهم عن هذا المعنى بالتفصيل. الرابع: الإبهام، نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى} 1, ومعنى الإبهام أن يكون المتكلم عالما ويبهم على المخاطب. الخامس: الشك نحو: "قام زيد أو عمرو". والفرق بينهما أن الشك للمتكلم, والإبهام على السامع. السادس: الإضراب، كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 2. قال الفراء: "أو" هنا بمعنى "بل". وأشار بقوله: "بها أيضا نمي" أي: نُقل، إلا أن ورودها للإضراب غير متفق عليه. وقال في شرح الكافية: أجاز الكوفيون موافقتهما "بل" في الإضراب، ووافقهم أبو علي وابن برهان. قلت: وابن جني. قال في قراءة أبي السمال "أَوْ كُلَّمَا عاهدوا عهدا"3: معنى "أو" هنا معنى "بل". وقال ابن عصفور: والإضراب ذكره سيبويه في النفي والنهي إذا أعدْت العامل، كقولك: "لست بشرا، أو لست عمرا، ولا تضرب زيدا، أو لا تضرب عمرا".
قال: وزعم بعض النحويين أنها تكون للإضراب على الإطلاق، واستدلوا بقوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} 1, وبقوله: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} 2. قال: وما ذهبوا إليه فاسد. السابع: معنى "الواو" كقوله3: جاء الخلافةَ أو كانت له قَدَرَا ... ................ أي: وكانت، فأوقع "أو" مكان الواو؛ لأمن اللبس. وإلى هذا أشار بقوله:
وربما عاقبتِ الواوَ إذا ... لم يُلفِ ذو النطق للبس مَنْفَذا وإلى أن "أو" تأتي بمعنى "الواو" ذهب الأخفش والجرمي، واستدلا بقوله تعالى: {أَوْ يَزِيدُونَ} 1 وهو مذهب جماعة من الكوفيين. وذكر في التسهيل أن "أو" تُعاقب "الواو" في الإباحة كثيرا، وفي عطف المصاحب والمؤكد قليلا2. مثل الإباحة: "جالس الحسن أو ابن سيرين" وقد تقدم الكلام عليه. ومثال المصاحب قوله عليه الصلاة والسلام: "اسكن أحد, فإنما عليك نبي أو صدِّيق أو شهيد". ومثال المؤكِّد: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا} 3. تنبيهان: الأول مذهب الجمهور: أن "أو" لأحد الشيئين أو الأشياء، فإذا عطف بها في الطلب فهي للتخيير أو الإباحة، وإن عطف بها في الخبر فهي للشكّ أو الإبهام أو التقسيم. الثاني: إذا دخل النهي في الإباحة، استوعب ما كان مباحا باتفاق النحويين، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} 4. فهذه هي التي تقع في الإباحة؛ لأن النهي وقع على الجمع والتفريق، وإذا دخل النهي في التخيير ففيه خلاف. ذهب السيرافي إلى أنه يستوعب "الجميع"5 كالنهي عن المباح.
وذهب ابن كيسان إلى جواز أن يكون النهي عن كل واحد، وأن يكون عن الجميع. وقوله: ومثل أو في القصد إما الثانيه ... في نحو إما ذي وإما النائيه يعني: أن "إما" مثل "أو" فيما يقصد بها، فتكون للتخيير والإباحة والتقسيم والشك والإبهام، ولم يذكر الإباحة في التسهيل1. فإن قلت: ظاهر قوله: "مثل أو" أنها توافقها في المعاني السبعة. قلت: لا يصح حمله على ظاهره؛ لأن "إما" لا ترد بمعنى "الواو" ولا بمعنى "بل", والعذر له2 أن ورود "أو" لهذين المعنيين قليل ومختلف فيه، فالإحالة إنما هي على المعاني المتفق عليها. وقد فهم من البيت فوائد: الأولى: أن "إما" ليست بعاطفة، إذ لم يجعلها مثل "أو" مطلقا, بل في القصد فقط؛ ولذلك لم يذكرها مع حروف العطف أولا. ونقل المصنف عن أكثر النحويين أنها عاطفة، ونقل عن يونس وابن كيسان وأبي علي أنها ليست بعاطفة، ووافقهم المصنف وهو الصحيح؛ لدخول الواو عليها. واستدل الرماني على أنها عاطفة بأن الواو للجمع، وليست هنا كذلك؛ لأننا نجد الكلام لأحد الشيئين فعلم أن العطف لإما.
ونقل ابن عصفور اتفاق النحويين على أن "إما" ليست بعاطفة، وإنما أوردوها في حروف العطف "لمصاحبتها لها"1. "وقد عدّ سيبويه"2 "إما" من حروف العطف، فجعل بعضهم كلامه على ظاهره. وقال: إن "الواو" عطفت "إما" الثانية على "إما" الأولى، و"إما" الثانية عطفت الاسم الذي بعدها على الاسم بعد الأولى. وتأوله بعضهم بأن "إما" لما كانت "صاحبة"3 المعنى، ومخرجة الواو عن الجمع، والتابع يليها، سماها عاطفة مجازا. الثانية: أن المشبهة بأو إنما هي الثانية، وهي المختلف فيها، وأما الأولى فليست بعاطفة! الثالثة: فهم من قوله: "الثانية" أن "إما" لا بد من تكرارها بخلاف "أو". "وهذا أحد الفرقين بينهما، والثاني: أن الكلام مع "إما" مبني من أوله على ما جيء بها لأجله, بخلاف "أو""4. الرابعة: فهم من تمثيله أنه لا بد من اقترانها بالواو. فإن قلت: التزام الواو ظاهر عند من لم يجعل "إما" عاطفة، فما يقول من جعلها عاطفة؟ قلت: من رأى أنها عاطفة لم ير إخلاءها من الواو إلا نادرا، كقوله5:
...أيما إلى جنة أيما إلى نار فإن قلت: فهل يحسن الاحتجاج بمثل هذا البيت، لمن قال: إنها عاطفة؟ قلت: لا؛ لندوره، فيجعل من حذف العاطف ضرورة. تنبيهات: الأول: ما ذكر من أن "إما" لا بد من تكرارها هو الكثير، وقد يستغنى عن الثانية بأو، كقراءة أُبَيّ: "وإنا وإِيَّاكُمْ لإما على هدى أو في ضلال مبين"1 ونحوه في الشعر كثير. وبإن الشرطية مع "لا" النافية كقوله2:
فإما أن تكون أخي بصدق ... فأعرف منك غثِّي من سَمِيني وإلا فاطَّرِحْني واتخذني ... عدوا أتقيك وتَتَّقيني وقد يستغنى عن الأولى، كقول الفرزدق1:
تُهَاض بدار قد تقادم عهدها ... وإما بأموات ألمّ خيالها الثاني: اختُلف في "إما" المذكورة؛ فقيل: بسيطة, وقيل: مركبة من: إن وما وهذا مذهب سيبويه، والدليل عليه اقتصارهم على "إن" في الضرورة، كقوله1: .................... ... فإنْ جَزَعا وإن إجمالَ صبر
وقوله1: سقتْه الرواعد من صيف ... وإن من خريف فلن يَعْدَما وأجيب بأنه يحتمل أن تكون "إن" في البيتين شرطية حذف جوابها، والتقدير: فإن كنت ذا جزع فلا جزع، وإن كنت مجمل صبر فأجمل، وإن سقته من خريف فلن يعدم الري. فرع: لو سميت "بإما" على القول بالتركيب, حكيت. الثالث: في "إما" المذكورة لغتان: كسر همزتها، وهي لغة أهل الحجاز ومن جاورهم وهي الفصحى، وفتح همزتها، وهي لغة قيس وأسد وتميم. وحكي إبدال ميمها الأولى "ياء" مع كسر الهمزة وفتحها.
الرابع: تشارك "إما" المذكورة في اللفظ "إما" الشرطية وهي مركبة من: إن وما بغير إشكال، كقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} 1. وزعم الكسائي أن لها قسما ثالثا تكون فيه جحدا، تقول: "إما زيد قائم" تريد: إن زيد قائم، وما صلة. ثم انتقل إلى "لكن" فقال: وأول لكن نفيا او نهيا ولا ... نداء او أمرا أو إثباتا تلا فالنفي "نحو"2: "ما قام زيدٌ لكن عمرٌو" والنهي: "لا تضرب زيدًا لكن عمرًا" فالمعطوف بلكن محكوم له بالثبوت بعدهما. وفهم من ذلك أنها لا تقع في الإيجاب "وهو مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون أن يعطف بها في الإيجاب"3 نحو: "أتاني زيدٌ لكن عمرٌو"4. تنبيه: إنما يشترط النهي والنفي في الواقعة قبل المفرد, وتقدم الخلاف في كونها عاطفة. وإذا وَلِيَها جملة فتكون حينئذ بعد إيجاب أو نفي أو نهي "أو أمر"5 لا استفهام, فلا يجوز: "هل زيد قائم لكن عمرو لم يقم؟ ". فإن قلت: إذا وقعت قبل الجملة، فهل هي عاطفة أو غير عاطفة؟ قلت: الذي ذهب إليه أكثر المغاربة أنها حينئذ حرف ابتداء، لا حرف عطف.
وقيل: إنها تكون عاطفة جملة على جملة, إذا وردت بغير واو. قال ابن أبي الربيع: وهو ظاهر كلام سيبويه. فإن قلت: فما المفهوم من كلام الناظم؟ قلت: المفهوم من اشتراطه قبل العاطفة النفي والنهي، أن الواقعة قبل الجملة غير عاطفة، إذ لا يشترط فيها ذلك. ثم انتقل إلى "لا", فقال: .............. ... ولا نداء او أمرا أو إثباتا تلا أي: وأَوْلِ "لا" نداء نحو: "يا يزيد لا عمرو" أو أمرا نحو: "اضرب زيدا لا عمرا" أو إثباتا نحو: "زيد كاتب لا شاعر". وزعم ابن سعدان أن العطف "بلا" على منادى ليس من كلام العرب, ونص على جوازه سيبويه. ومنع أبو القاسم الزجاجي في كتاب معنى الحروف أن يُعطَف بها بعد الفعل الماضي, وليس منع ذلك بصحيح؛ لثبوته في كلام العرب. تنبيهات: الأول: في معنى الأمر الدعاء نحو: "غفر الله لزيد لا بكر", والتحضيض نحو: "هلا تضرب زيدا لا عمرا". الثاني: أجاز الفراء العطف بها على اسم "لعلّ" كما يعطف بها على اسم "إنّ". نحو: "لعل زيدًا لا عمرًا منطلق". الثالث: فائدة العطف "بلا" قَصْر الحكم على ما قبلها؛ إما قصر أفراد كقولك: "زيد كاتب لا شاعر"، ردا على من يعتقد أنه كاتب وشاعر. وإما قصر قلب، كقولك: "زيد عالم لا جاهل"، ردا على من يعتقد أنه جاهل.
الرابع: شرط عطف الاسم "بلا" أن يكون ما بعدها غير صالح لإطلاق ما قبلها عليه؛ فلذلك لا يجوز: "قام رجل لا زيد". الخامس: قد يحذف المعطوف عليه "بلا" نحو: "أعطيتُك لا لتظلم" أي: لتعدل لا لتظلم. السادس: لا يعطف "بلا" إلا مفرد أو جملة لها موضع من الإعراب نحو: "زيد يقوم لا يقعد". فإن لم يكن للجملة موضع لم تكن عاطفة؛ ولذلك يجوز الابتداء بها. وفي النهاية: وتعطف لا الجملة "على الجملة"1 نحو: "زيد قائم لا عمرو جالس". ثم انتقل إلى "بل" فقال: وبل كلكن بعد مصحوبيها ... ............................. مصحوبا "لكن" هما النفي والنهي. فإذا عطفت "بل" بعدهما، فهي كلكن, يعني: لتقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها نحو: "ما قام زيد بل عمرو", "فتقرر"2 نفي القيام عن زيد، وتثبته لعمرو. ومثله: كلم أكن في مربع بل تَيْها والمربع: منزل الربيع، والتيهاء: الأرض التي لا يُهتدَى بها. وتقول: "لا تضرب زيدا بل عمرا" فتقرر النهي عن زيد, وثبت الأمر بضرب عمرو. ووافق المبرد على هذا الحكم، وأجاز مع ذلك كون "بل" ناقلة حكم النفي والنهي لما بعدها.
ووافقه على ذلك أبو الحسين عبد الوارث. قال المصنف: وما أجازه مخالف الاستعمال. ثم قال: وانقُل بها للثان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي مثال الخبر المثبت: "جاء زيد بل عمرو", والأمر: "اضرب زيدا بل عمرا". فهي في ذلك لإزالة الحكم عما قبلها حتى كأنه سكوت عنه، وجعله لما بعدها. وذهب الكوفيون إلى أن "بل" لا تكون نسقا إلا بعد النفي أو ما جرى مجراه، ولا تكون نسقا بعد الإيجاب. وجملة القول في "بل" أنها إن وقع بعدها جملة كانت إضرابا عما قبلها، إما على جهة الإبطال نحو: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} 1. وإما على جهة الترك من غير إبطال نحو: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} 2. فظهر "من هذا"3 أن قوله في شرح الكافية: فإن كان الواقع بعدها جملة فهي للتنبيه على انتهاء غرض واستئناف غيره، ولا يكون في القرآن إلا على هذا الوجه، فيه نظر. وإن وقع بعدها مفرد وليس قبله نفي أو نهي، فهي لإزالة حكم ما قبلها وجعله لما بعدها. وإن كان قبل المفرد نفي أو نهي، فهي لتقرير حكمه وجعل ضده لما بعدها. تنبيهات: الأول: لا يعطف ببل بعد الاستفهام، لا يقال: "أضربتَ زيدًا بل عمرا؟ " ولا نحوه4.
الثاني: ظاهر إطلاق المصنف أن "بل" تعطف الجملة كما تعطف المفرد. وقد صرح به الشارح في قوله: فإن كان المعطوف بها جملة. وذكر غيره أنها لا تكون قبل الجملة عاطفة. الثالث: قال في التسهيل: وتزاد "لا" قبل "بل"؛ لتأكيد التقرير وغيره. انتهى1. فإذا زيد بعد إيجاب أو أمر نحو: "قام زيد لا بل عمرو" و"اضرب زيدا لا بل عمرا" فهي لتأكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول. وإذا زيدت بعد نفي أو نهي نحو: "ما قام زيد لا بل عمرو" و"لا تضرب خالدا لا بل بشرا". فهي لتأكيد بقاء النفي والنهي. وذهب الجزولي إلى أنها بعد الإيجاب والأمر نفي، وبعد النفي والنهي تأكيد. ومنع ابن درستويه زيادتها معها بعد النفي. وقال ابن عصفور: لا ينبغي أن يقال بزيادتها مع "بل" في النفي والنهي إلا أن يشهد له سماع، قيل: وهو مسموع من كلام العرب. الرابع: قد تكرر "بل" في الجمل رجوعا عما ولي المتقدمة "نحو"2: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} 3. وتنبيها على رجحان ما ولي المتأخرة، نحو: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} 4. ولما ذكر معاني حروف العطف, شرع في ذكر أحكام تتعلق بالباب فقال:
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصِلْ بالضمير المنفصل أو فاصل ما.... يعني: أنه إذا قصد العطف على ضمير الرفع المتصل، لم يحسن إلا بعد توكيده بضمير رفع منفصل، كقوله تعالى: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ} 1. أو فصل يقوم مقام التوكيد، كقوله تعالى: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} 2. ونبه بقوله: "أو فاصل ما" على أنه يكتفى بما يصدق عليه فاصل ولو قل. أجاز صاحب الكشاف في قوله تعالى: {أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} 3 أن يكون "آباؤنا"4 معطوفا على الضمير في لمبعوثون للفصل بالهمزة. ومن صور الفصل: الفصل "بلا" بين العاطف والمعطوف نحو: {مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} 5. وفهم من قوله: "متصل" أن المنفصل يعطف عليه بلا شرط. فحكم المنفصلين في العطف والعطف عليهما حكم الظاهر. ووهم الأُبَّدي في منعه: "رأيت زيدا وإياك". ثم نبه على ورود العطف على الضمير المذكور بغير توكيد ولا فصل، فقال: ............ وبلا فصل يرد ... في النظم فاشيا.... كقول عمر بن أبي ربيعة6:
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... .................... وهو كثير في الشعر، ومع كثرته فهو ضعيف؛ ولهذا قال: ........ وضعفه اعتقد فإن قلت: فهل يطرد مع ضعفه أو يختص بالضرورة؟ قلت: نص المصنف على أنه يجوز في الاختيار مع ضعفه؛ لقول بعض العرب: "مررتُ برجلٍ سواءٍ والعدمُ"1 حكاه سيبويه. ولأن العطف في البيت السابق ونحوه ليس بفصل مضطر؛ لإمكان النصب. ومذهب الكوفيين وابن الأنباري جوازه في الاختيار، ونقل الجواز عن أبي علي. قيل: ومذهب البصريين أنه لا يجوز بغير فصل بتوكيد, أو غيره إلا في الضرورة.
ونص سيبويه والخليل على قبحه. وفي كتاب سيبويه حين ذكر انفصال بعض الضمائر، وكذلك: "كنا وأنتم ذاهبين" إلا أن الشراح تأولوه. تنبيه: شرط في التسهيل في صحة العطف صلاحية المعطوف, أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل1. الأول: نحو "قام زيد وعمرو". والثاني: نحو "قام زيد وأنا", فإنه لا يصح "قام أنا"، ولكن يصح "قمت", والتاء بمعنى أنا. فإن لم يصح هو أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، أضمر له عامل مدلول عليه بما قبله، وجعل من عطف الجمل. قال: وذلك كالمعطوف على الضمير المرفوع بالمضارع ذي الهمزة أو النون أو تاء المخاطب أو بفعل الأمر نحو: "أقوم أنا وزيد", و"نقوم نحن وزيد"2, و"تقوم أنت وزيد", و {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} 3 أي: وليسكن زوجك. وكذا في باقيها. قال: وكذلك المضارع المفتتح بتاء التأنيث نحو: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} 4. قال الشيخ أبو حيان: وما ذهب إليه مخالف لما تضافرت عليه نصوص النحويين والمعربين، من أن "زوجك" معطوف على الضمير المستكن في "اسكن" المؤكد "بأنت".
ولا نعلم خلافا في جواز تقدم هند وزيد، وأنه من عطف المفردات. انتهى. وقوله: وعَوْد خافض لدى عطف على ... ضمير خَفْض لازما قد جُعلا هذا مذهب جمهور البصريين, أن إعادته لازمة إلا في الضرورة1. وذهب الكوفيون ويونس والأخفش إلى جواز العطف عليه بدون إعادة الخافض, واختاره الشلوبين والمصنف. ولهذا قال: ......وليس عندي لازما ثم استدل بوروده في النثر كقراءة حمزة: "تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ"2. والنظم كقوله3: ................. ... فاذهب فما بِكَ والأيامِ من عَجَب
أنشده سيبويه، وهو كثير في الشعر. وفي المسألة مذهب ثالث, وهو أنه إذا أُكِّد الضمير جاز نحو: "مررتُ بك أنت وزيدٍ" وهو مذهب الجرمي والزيادي. قلت: وهو حاصل كلام الفراء، فإنه أجاز: "مررت به نفسِهِ وزيدٍ، ومررت بهم كلِّهم وزيدٍ". قال: وكذا القول في أجمعين وقضهم وقضيضهم وخمستهم, إذا خفضت. فإن نصبت "خمستهم" لم يجز -يعني العطف- بغير إعادة الجار. قال الشارح: ولا يبعد أن يقال في هذه المسألة: إن العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار غير جائز في القياس، وما ورد من السماع محمول على شذوذ إضمار الجار. تنبيهان: الأول: قيل: ينبغي أن يقيد العطف على الضمير المجرور، بأن يكون الحرف غير مختص بالضمير، احترازا من المجرور بلولا على مذهب سيبويه, فإنه لا يجوز عطف الظاهر عليه، فلو رفع على توهم أنك نطقت بالضمير مرفوعا, ففي جوازه نظر. الثاني: قد فهم من سكوته عن الضمير المنصوب المتصل أنه يجوز العطف عليه بلا شرط1.
وقوله: والفاء قد تُحذف مع ما عطفتْ يعني: إذا أمن اللبس. ومنه: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} 1 أي: فضرب فانفجرت. وزعم ابن عصفور أنه إنما حذف المعطوف عليه وحده وحذفت الفاء من المعطوف, فاتصلت الفاء الأولى بالمعطوف، فأبقي من كل منهما ما يدل على المحذوف. ورُدّ بقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 2 أي: فأفطر فعدة؛ لأن فاء العطف لا تنوب مناب فاء الجزاء. وقوله: "والواو". يعني: أن الواو أيضا قد تحذف مع ما عطفت، ومنه: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} 3. أي: والبرد. وإنما يجوز إذا دل عليه دليل. فإن قلت: ظاهر كلامه أن هذا مختص بالفاء والواو، وقد ذكر في التسهيل4 أن "أم" تشاركهما في ذلك، كقوله5:
................ ... فما أدري أرشد طلابها التقدير: أم غي. قلت: هو في الفاء والواو، وأكثر منه في "أم", فلقلته لم يذكر هنا. وقوله: "وَهْيَ" يعني الواو. انفردت بعطف عامل مزال قد بقي ... معموله ... مثال ذلك قول الشاعر1:
علفتُها تبنا وماء باردا ... .................... أي: وسقيتها ماء. فحذف العامل المعطوف، واستغنى بمعموله، وأمثلته كثيرة نظما ونثرا. وهذا مذهب جماعة من الكوفيين والبصريين, منهم الفراء والفارسي. وذهب قوم, منهم أبو عبيدة والجرمي والمازني والمبرد إلى أن تالي الواو في ذلك معطوف على الأول عطف مفرد على مفرد، لا عطف جملة على جملة, وأن العامل ضمن معنى ينظم المعطوف والمعطوف عليه، واختاره بعض المتأخرين. واحتج الأولون بأنه لو كان على التضمين, لساغ: "علفتها ماء وتبنا". ورد بأنه مسموع من كلام العرب كقوله1:
................. ... لها سبب ترعى به الماءَ والشجرَ واختُلف أيضا في هذا التضمين، والأكثرون على أنه ينقاس. وضابطه عندهم: أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام. قال الشيخ أبو حيان: والذي أختاره التفصيل، فإن كان العامل الأول تصح نسبته إلى الاسم الذي يليه حقيقة, كان الثاني محمولا على الإضمار؛ لأن الإضمار أكثر من التضمين، نحو: "جدع الله أنفه وعينه" أي: "ويفقأ عينه"1, فنسبة الجدع إلى الأنف حقيقة. وإن كان لا يصح كان العامل مضمنا معنى ما يصح نسبته إليه؛ لأنه لا يمكن الإضمار، نحو قول العرب: "علفت الدابة ماء وتبنا" أي: أطعمتها أو غذيتها. وقوله: دفعا لوهم اتُّقي. يعني: أن إضمار العامل في "نحوه"2 يدفع توهم أنه معطوف أو مفعول معه. فإن قلت: ولِمَ كان حمله على العطف أو المعية وَهْمًا؟ قلت: أما العطف؛ فلأن العامل لا يصلح للعمل فيه، وأما المعية؛ فلأنها غير مرادة هنا، وذلك واضح. وقوله: وحذف متبوع بدا هنا استبِحْ
يعني: أنه يجوز حذف المعطوف عليه؛ لظهوره، ويستغنى بالعاطف والمعطوف نحو: "بلى وزيدا" لمن قال: "ألم تضرب عمرا؟ ". ومنه قول العرب: "وبك وأهلا وسهلا" لمن قال: مرحبا1. تنبيهان: الأول: حذف المتبوع كثُر مع الواو كما مثّل، وقلّ مع الفاء. ومنه: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} 2 أي: فضرب فانفلق. ونذر مع "أو" كقول أبي أمية الهذلي3:
فهل لكَ أو من والد لكَ قبلَنَا ... ...................... أي: فهل لك من أخ أو من والد؟ والثاني: جعل الزمخشري من ذلك قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا} 1 و {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} 2. فقدّر بين الهمزة والعاطف محذوفا هو المعطوف عليه، وإلى ذلك ذهب محمد بن مسعود الغزني. ومذهب الجمهور أن حرف العطف عطف ما بعده على الجملة قبله ولا حذف, ولكنه اعتنى بالهمزة فصدرت. وقوله: وعطفك الفعل على الفعل يصح يعني: أن الأفعال في جواز عطف بعضها على بعض كالأسماء، نحو: "زيد قام وقعد، ويقوم ويقعد". تنبيه: أهمل المصنف شرطا في عطف الفعل، وهو اتحاد زمانهما3. فلا يعطف الماضي على المستقبل, ولا المستقبل على الماضي. فإن قلت: فهل يشترط اتحاد اللفظ, أعنى: أن يكونا بصيغة الماضي أو بصيغة المضارع ... ؟ قلت: لا, بل يجوز عطف الماضي على المضارع نحو: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ} 4 وعكسه نحو: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} 5.
وإنما ساغ ذلك لاتحاد الزمان. فإن قلت: ليس هذه المثل من عطف الفعل على الفعل، وإنما هي من عطف جملة على جملة. قلت: لما كان الغرض منها إنما هو عطف الفعل؛ لأن فاعل الفعل الثاني هو فاعل الفعل الأول, صح أن يقال: إنها من عطف الفعل على الفعل. وقوله: واعطف على اسم شبه فِعْل فِعْلا مثاله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا} 1, {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} 2. فإن قلت: كيف جاز ذلك "وحرف"3 العطف لا يربط بين مختلف الجنس؟ قلت: إنما جاز؛ لأن أحدهما مؤول بالآخر، فاتحد الجنس بالتأويل. فإن قلت: فأيهما المؤول؟ قلت: الذي يؤول هو الحال محل الآخر "فيكون"4 الأول كمثال الأول؛ لأن المصدقين صلة "أل" وحق الصلة أن تكون جملة، فأل مؤولة بالذي والمصدقين بتصدقوا. وتارة يكون الثاني كالمثال الثاني؛ لأن صافات فيه حال، وأصل الحال أن يكون اسما, فيقبضن مؤول بقابضات. وقوله: وعكسا استعملْ تجدْهُ سهلا
يعني: بالعكس أن تعطف الاسم المشابه للفعل على الفعل، كقوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} 1. وقول الراجز2: أم صبي قد حَبَا أو دارج عطف "دارجا" على "قد حبا". قال في شرح الكافية: لأن دارجا بمعنى درج. قلت: ظاهر هذا أن الاسم في البيت ونحوه مؤول بالفعل، وليس بجيد، بل الظاهر أن "حبا" مؤول بحاب؛ لأنه في موضع النعت، وأصل النعت أن يكون اسما.
البدل
البدل: هو اصطلاح البصريين، وأما الكوفيون فقال الأخفش: يسمونه بالترجمة والتبيين. وقال ابن كيسان: يسمونه بالتكرير. وقوله: التابع المقصود بالحكم بلا ... واسطة هو المسمَّى بدلا "التابع": جنس, و"المقصود بالحكم": يخرج النعت والتوكيد وعطف البيان؛ لأنهن مكملات للمقصود بالحكم, و"بلا واسطة" مخرج "لعطف"1 النسق. وتخصيص الشارح المعطوف ببل وبلكن كما في شرح الكافية, يقتضي حمل المقصود على المستقل بالقصد، وإلا فلا وجه للتخصيص. ولما عرّفه, أخذ في ذكر أقسامه فقال: مطابقا أو بعضا أو ما يشتمل ... عليه يُلفَى أو كمعطوف ببل هذه أربعة: الأول: المطابق, كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ} 2. وهو المسمى بدل كل من كل3. قال في شرح الكافية: وذكر المطابقة أولى؛ لأنها عبارة صالحة لكل بدل يساوي المبدل منه في المعنى، بخلاف العبارة الأخرى. فإنها لا تصدق إلا على ذي أجزاء، وذلك غير مشروط للإجماع على صحة البدلية في أسماء الله تعالى, كقراءة غير نافع وابن عامر: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} 4.
الثاني: بدل بعض من كل، نحو: "قبضت المال نصفه" والبعض عند البصريين يقع على أكثر الشيء وعلى نصفه وعلى أقله. وعن الكسائي وهشام: أن بعض الشيء لا يقع إلا على ما دون نصفه؛ ولذلك منع أن يقال: "بعض الرجلين لك1" أي: أحدهما. الثالث: بدل اشتمال, وهو ما صح الاستغناء عنه بالأول، وليس مطابقا له ولا بعضا. وقيل: هو ما لابس الأول بغير الكلية والجزئية. وقيل: إما دالّ على معنى في متبوعه نحو: "أعجبني زيدٌ حسنُهُ". أو مستلزم معنى فيه نحو: "أعجبني زيدٌ ثوبُهُ". والأول هو الكثير. الرابع: بدل مباين مطلقا, بحيث لا يشعر به ذكر المبدل منه بوجه؛ ولهذا شبهه بالمعطوف ببل، وهو قسمان سيأتي ذكرهما. تنبيهات: الأول: لا بد في "بدل"2 الاشتمال من مراعاة أمرين: أحدهما: إمكان فهم معناه عند الحذف، ومن ثَمَّ جعل نحو: "أعجبني زيد أخوه" بدل إضراب لا بدل اشتمال، إذ لا يصح الاستغناء عنه بالأول، والآخر: حسن الكلام على تقدير حذفه، ومن ثم امتنع نحو: "أسرجت زيدا فرسه"؛ لأنه وإن فهم معناه في الحذف، فلا يستعمل مثله ولا يحسن. فلو ورد مثل هذا في الكلام, لكان بدل غلط. الثاني: اشتراط أكثر النحويين في بدل "البعض"3 وبدل الاشتمال ضميرا عائدا على المبدل منه.
قال المصنف: والصحيح عدم اشتراطه، لكن وجوده أكثر من عدمه، ذكر من الشواهد على الاستغناء عن الضمير في بدل البعض قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 1. وفي بدل الاشتمال، قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} 2. قلت: وتُؤُولت الآيتان على حذف الضمير, أي: منهم وفيه. وظاهر التسهيل أنه لا بد من ضمير أو ما يقوم مقامه3, ومثّل "للقائم"4 مقامه بـ {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} ، فالألف واللام تقوم مقام الضمير. وذهب الفراء وتبعه ابن الطراوة إلى أن "النار" بدل كل من كل، عبر بالأخدود عن النار لما كان مشتملا عليها كقولهم: "عفيف الإزار". وقال ابن هشام: الأولى أن يكون على حذف مضاف، أي: أخدود النار. وقال ابن خروف: هو بدل إضراب. الثالث: اختُلف في المشتمِل في بدل الاشتمال، فقيل: هو الأول, وقيل: الثاني, وقيل: العامل. فإن قلت: فما المفهوم من كلامه؟ قلت: قوله: "أو ما يشتمل عليه" يحتمل القول الأول والثالث. وإلى الأول ذهب في التسهيل5.
الرابع: رد السهيلي بدل البعض, وبدل الاشتمال إلى بدل الكل، فقال: العرب تتكلم بالعام وتريد به الخاص، وتحذف المضاف وتنويه. فإذا قلتَ: "أكلت الرغيف ثلثه", إنما تريد: أكلت بعض الرغيف, "ثم"1 بينتَ ذلك البعض. وبدل المصدر من الاسم إنما هو في الحقيقة من صلة مضافة إلى ذلك الاسم. الخامس: زاد بعضهم في الإبدال بدل كل من بعض، كقول امرئ القيس2: كأني غَدَاةَ البَيْنِ يومَ تحمّلوا ... ........................ ونفاه الجمهور, وتأولوا البيت3.
وقوله: وذا للاضراب اعْزُ إن قصدا صحب ... ودون قصد غَلَط به سُلِب الإشارة إلى القسم الرابع، أعنى: المباين, فذكر أنه نوعان: أحدهما: يسمى بدل الإضراب، وبدل البداء أيضا، وهو ما يذكر متبوعه بقصد كقولك: "أعط السائل رغيفا درهما", ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الرجل ليصلي الصلاة, وما كتب له نصفُها ثُلثها" إلى "عشرها". ولم يثبت بعضهم بدل البداء. والآخر: يسمى بدل الغلط، وهو ما لا يقصد متبوعه بل يجري على لسان المتكلم من غير قصد. وهذا النوع, قال المبرد وغيره: لا يوجد في كلام "العرب"1 لا نثرها ولا نظمها, وإنما يقع في لفظ "الغلاط"2. وزعم قوم, منهم ابن السيد أنه وجد في شعر العرب، كقول ذي الرمة3:
لمياء في شفتيها حُوَّةٌ لَعَسٌ ... ...................... قال: "لعس" بدل غلط؛ لأن الحوة السواد، واللعس سواد يشوبه حمرة، وذكر بيتين آخرين، ولا حجة له فيما ذكره؛ لإمكان تأويله1. فإن قلت: ما معنى قوله: "به سلب"؟ قلت: يعني: أن بدل الغلط سلب الحكم عن الأول وأثبته للثاني. فإن قلت: كيف قال: "ودون قصد" ولا بد من قصد البدل في النوعين, أعني: بدل الإضراب وبدل الغلط؟ قلت: إنما يعني نفي القصد في بدل الغلط "بقصد الأول لا الثاني"2. تنبيه: زاد ابن عصفور بدل النسيان نحو: "مررت برجل امرأة" إذا توهمت أن الممرور به رجل, ثم تذكرت أنه امرأة. وقد أدرجه الشارح في بدل الغلط، وإدراجه في بدل الإضراب أقرب. ولما ذكر أقسام البدل مثّلها في قوله:
كَزُرْهُ خالدا وقبِّلْه اليدا ... واعرفه حقه وخذ نَبْلا مُدَى فزره خالدا بدل كل، وقبله اليدا بدل بعض، واعرفه حقه بدل اشتمال، وخذ نبلا مدى بدل إضراب إن قدر قصد الأول، وبدل غلط إن قدر عدم قصده. فإن قلت: قد فهم من كون البدل تابعا، أنه يوافق متبوعه في الإعراب، فما حاله في التعريف والتذكير والإفراد وأضدادها؟ قلت: أما التعريف والتنكير فلا يلزم موافقته لمتبوعه فيهما، بل تبدل المعرفة من المعرفة نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} 1, في قراءة من جر. والنكرة من النكرة نحو: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} 2. والمعرفة من النكرة نحو: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} 3. والنكرة من المعرفة نحو: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} 4. واشترط الكوفيون في إبدال النكرة من النكرة أن تكون موصوفة، واشترطوا في إبدال النكرة من المعرفة شرطين: اتحاد اللفظ، وكونها موصوفة، كذلك نقل المصنف. ونقل غيره اشتراط الأول من الشرطين عن نحاة بغداد لا عن نحاة الكوفة، وكلام أهل الكوفة يدل على عدم اشتراطه, ووافقهم على اشتراط "الثاني طائفة من
المتأخرين، وحكي عن الكوفيين أيضا اشتراط"1 اتحاد اللفظ في بدل المعرفة من النكرة. والصحيح أنه لا يشترط "شيء"2 من ذلك؛ لورود السماع به. قال في الارتشاف: وقد سمع إبدال النكرة من المعرفة، وليست من لفظ الأول ولا موصوفة، وهو مذهب البصريين. وأما التذكير والإفراد وأضدادهما, فإن كان بدل كل وافق متبوعه فيها ما لم يمنع مانع من التثنية والجمع، ككون أحدهما مصدرا نحو: {مَفَازًا, حَدَائِقَ} أو قصد التفصيل نحو3: وكنتُ كذي رِجْلينِ رِجْلٍ صحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلت وإن كان غيره من أنواع البدل لم يلزم موافقته فيما ذكر. قوله: ومن ضمير الحاضر الظاهر لا ... تُبدله إلا ما إحاطة جلا
أو اقتضى بعضا أو اشتمالا ... كأنك ابتهاجَكَ استمالا اعلم أنه يجوز إبدال الظاهر من "الظاهر"1, وإبدال الظاهر من المضمر على تفصيل، وهو أن الضمير إن كان لغائب أبدل منه الظاهر مطلقا نحو: "ضربته زيدا". وإن كان لحاضر, أبدل منه بدل البعض نحو2: أوعدني بالسجن والأداهم ... رجلي فرجلي شثنة المناسم في أحد الأوجه.
وبدل الاشتمال نحو1: .................. ... وما أَلْفيتني حِلْمي مُضَاعا ومثله قوله: "ابتهاجك استمالا"2. وأما بدل الكل، فإما أن يفيد معنى الإحاطة كالتوكيد, أو لا. فإن أفاد معنى الإحاطة جاز نحو: "جئتم صغيركم وكبيركم", ومنه {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 3.
وإلا فمذاهب1. أحدها: المنع، وهو قول جمهور البصريين2. والثاني: الجواز، وهو قول الأخفش والكوفيين، وسمع الكسائي إلى أبي عبد الله وقال3: بكُمْ قريشٍ كُفينا كل معضِلة ... ........................ والثالث: أنه يجوز في الاستثناء نحو: "ما ضربتكم إلا زيدا" وهو قول قطرب4.
وأما إبدال المضمر من المضمر فنحو: "رأيتك إياك", وتقدم الخلاف فيه في باب التوكيد. وأما إبدال المضمر من الظاهر فنحو: "رأيت زيدا إياه". قال في التسهيل: ولا يُبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر، وما أوهم ذلك جُعل توكيدا إن لم يُفِد إضرابا1. وقال في شرحه: والصحيح عندي أن نحو: "رأيت زيدا إياه" لم يستعمل في كلام العرب نثره ونظمه، ولو استعمل لكان توكيدا. وأشار بقوله: ما لم يفد إضرابا إلى نحو: إياك وإياي قصد زيد، تريد: إياي فإنه بدل.... قوله: وبَدَل المُضمن الهمز يلي ... همزا كمن ذا أسعيد أم علي يعني: أن المبدل من اسم الاستفهام لا بد من اقترانه بالهمزة، وقد مثّله. تنبيه: نظير هذه المسألة بدل اسم الشرط, فإنه يقرن بإن نحو: "متى تقم إن ليلا, وإن نهارا قمت". قوله: ويُبدَل الفعل من الفعل كمن ... يصل إلينا يَستعِنْ بنا يُعَن يجوز إبدال الفعل من الفعل بدل كل، قال في البسيط: باتفاق، ومنه2:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... ......................... وبدل الاشتمال نحو: {يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ} 1, و"من يصل إلينا يستعن بنا يُعَن" وحكى في البسيط فيه خلافا. ولا يبدل بدل بعض، وأما بدل الغلط فقال في البسيط: جوّزه سيبويه وجماعة من النحويين، والقياس يقتضيه2. تنبيهان: الأول: ذكر كثير من النحويين أن الجملة قد تبدل من الجملة، ومثله الشارح بقوله3:
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... ........................... وبقوله عز وجل: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا} 1. وبقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} 2. وبقوله عز وجل: {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 3. وفي الارتشاف: وما استدل به لا يقوم به حجة. الثاني: أجاز ابن جني والزمخشري والمصنف أن تبدل الجملة من المفرد، وجعل المصنف من ذلك: "عرفت زيدا أبو من هو"4. وجعل الزمخشري قوله تعالى: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} 5 بدلا من النجوى. وجعل ابن جني "كيف يلتقيان" بدلا من حاجة وأخرى في قوله6:
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان؟ كأنه قال: أشكو هاتين الحاجتين تعذُّر التقائهما.
النداء
النداء: فيه لغتان: كسر النون، وضمها. ومعناه لغة: الدعاء. واصطلاحا: دعاء بحروف مخصوصة، وهي: يا، وأي، وأَيَا، وهيا، والهمزة، ووا في الندبة. وزاد الكوفيون: آ، وآيْ بالمد. وأخبر سيبويه رواية عن العرب أن الهمزة للقريب المصغي، وأن ما سواها للبعيد مسافة أو حكما. وعلى مذهب سيبويه اعتمد الناظم فقال: وللمنادى الناءِ أو كالناء يا ... وأَيْ وآ كذا أَيَا ثم هَيَا والهمز للداني.... فالنائي: هو البعيد مسافة، وكالنائي: هو البعيد حكما كالساهي، والداني: هو القريب، ولا حاجة إلى ذكر سائر المذاهب؛ لأن قائليها لم يعتمدوا إلا على الرأي، والرواية لا تعارض بالرأي، كذا قال المصنف. وقوله: ووا لمن ندب. يعني: مختصة بالندبة، وهذا مذهب سيبويه والجمهور، وأجاز بعضهم استعمالها في غير الندبة قليلا. وقوله: "أو يا" يعني: أن "يا" قد تستعمل في الندبة بشرط أمن اللبس1, فإن خِيفَ التباس المندوب بغيره تعينت "وا"2.
ولذلك قال: وغير وا لدى اللبس اجتُنب تنبيهات: الأول: أجمعوا على أن نداء القريب بما للبعيد يجوز توكيدا، وعلى منع العكس. الثاني: ذهب بعض النحاة إلى أن هذه الأدوات أسماء أفعال محتملة لضمائر مستترة. الثالث: ذهب ابن السكيت1 إلى أن ها "هيا" بدل من همزة "أيا" وتبعه ابن الخشاب2. الرابع: قال في شرح التسهيل: لم يذكر آ، وآي -بالمد- إلا الكوفيون, رووهما عن العرب الذين يثقون بعربيتهم، ورواية العدل مقبولة. قلت: وذكر غيره أن الأخفش حكى "آ" في الكبير، وجعلها ابن عصفور للقريب كالهمزة. وقوله: وغير مندوب ومُضْمَر وما ... جا مستغاثا قد يُعَرَّى فاعلما المنادى قسمان:
فالأول: يمتنع حذف حرف النداء معه، وهو المندوب نحو: "وا زيداه", والمضمر نحو: "يا أنت ويا إياك", والمستغاث نحو: "يا لزيد". فإن قلت: ما سبب "منع"1 الحذف مع هذه الثلاثة؟ قلت: أما المندوب والمستغاث؛ فلأن المطلوب فيهما مد الصوت، والحذف ينافيه. وأما المضمر فلأن الحذف معه تفوت به الدلالة على النداء. تنبيه: فهم من كلامه جواز نداء المضمر، وفيه تفصيل. فإن كان لمتكلم أو غائب لم يجز، لا يقال: "يا أنا", ولا "يا هو", و"إن كان"2 لمخاطب ففيه خلاف. قال في الارتشاف: والصحيح المنع. انتهى. وقد سمع ما ظاهره نداء المضمر بصيغة النصب كقوله: "يا إياك قد كفيتُكَ"3 وهو القياس، وبصيغة الرفع كقوله4:
يا أبجرُ بنَ أبجرِ يا أنتا وهو من نيابة بعض الضمائر عن بعض. وتأول بعضهم: "يا إياك" على أن "يا" للتنبيه و"إياك" منصوب بمقدر يدل عليه الظاهر بعده. و"يا أنت" على أن "يا" للتنبيه و"أنت" مبتدأ، و"أنت" الثاني مبتدأ ثانٍ أو توكيد, أو فصل، أو بدل، والخبر الموصول. والقسم الثاني: يجوز فيه حذف النداء -وهو ما عدا القسم الأول- إلا أن منه ما يقل الحذف معه، ومنه ما يكثر. وقد نبّه على ما يقل بقوله: وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذله الإشارة إلى تعرِّيه من الحرف. ومن حذفه من اسم الجنس قوله: "ثوبي حَجَر" 1. وجاءت منه ألفاظ في النثر والنظم. ومذهب البصريين: أن حذف حرف النداء منه, لا يجوز إلا في شذوذ أو ضرورة. وهو عند الكوفيين قياس مطرد.
ومن حذفه من اسم الإشارة قوله1: ..................... ... بمثلك هذا لوعة وغرام وسمع منه أبيات. ومذهب البصريين: أنه لا يجوز؛ ولذلك لحنوا أبا الطيب في قوله2: هذي بَرَزتِ لنا فهجتِ رَسِيسا
ومذهب الكوفيين جوازه، وجعلوا منه قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} 1. تنبيه: ظاهر كلامه موافقة الكوفيين على الجواز، وقال الشارح: وقول الشيخ: ومن يمنعه فانصر عاذله، يوهم اختيار مذهب الكوفيين. هذا, إن لم يحمل المنع على عدم قبول ما جاء من ذلك. قلت: قد صرح بموافقتهم في اسم الجنس في شرح الكافية، فقال: وقولهم هذا أصح. انتهى. والإنصاف القياس على اسم الجنس؛ لكثرته نثرا ونظما. "وقصر"2 اسم الإشارة على السماع، إذ لم يرد إلا في الشعر. وأما نحو: "ثم أنتم هؤلاء" فمتأول3. فإن قلت: فهم من كلامه أن ما سوى هذه الخمسة يجوز معه حذف حرف النداء، وليس على إطلاقه. فقد ذكر في التسهيل4: أن مما يلزمه الحرف لفظ الجلالة والمتعجب منه، ولم يذكرهما هنا، وقد ذكر الأول في الكافية دون الثاني.
قلت: لما كان الأكثر في لفظ الجلالة تعويض الميم عن حرف النداء, لم يذكره مع ما يلزمه الحرف. وأما المتعجب منه، فلما كان كالمشتقّات لفظا وحكما نحو: "يا للماء" استغنى بذكره عنه. فإن قلت: إذا كان حرف النداء غير لازم مع لفظ الجلالة؛ لكونه قد يحذف إذا عوض عنه. فما وجه ذكره في التسهيل والكافية مع ما يلزم الحرف؟ قلت: وجهه أنه مما يلزمه الحرف إذا لم يعوض. فإن قلت: أطلق في اسم الجنس، والمراد إنما هو اسم الجنس المبني للنداء، فإنه محل الخلاف. فأما اسم الجنس المفرد غير المعين, فقد نص في الكافية وشرحها على أن الحرف يلزمه. قلت: أجاز بعضهم حذف الحرف منه أيضا نحو: "رجلا خذ بيدي". فلعله ذهب هنا إلى ذلك، فيكون إطلاقه مرادا. فإن قلت: وأطلق أيضا في "اسم"1 الإشارة، وهو مقيد بألا يصحب كاف الخطاب, فإن صحبها ففي ندائه مع ثبوت الحرف خلاف، وممن منع السيرافي. فإن لم يصحبه الحرف, فلا خلاف في جواز ندائه, ذكره في الارتشاف. قلت: كأنه اعتمد على تقييده بالواقع؛ لقلته. تنبيه: قال في الكافية, بعد ذكر لفظ الجلالة والمضمر والمستغاث واسم الإشارة واسم الجنس: وغير ذي الخمسة ناده بيا ... أو غيرها أو أوله تعريا وذكر في شرحها أن ذلك بإجماع.
فقد يقال: يرد عليه المندوب والمتعجب منه. والجواب: أنه ذكر المندوب قبل ذلك, فقال: وألزم المندوب وا أو لفظ يا, وتقدم الجواب عن المتعجب منه. والحاصل: أن حرف النداء يجوز حذفه من العلم نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 1. والمضاف نحو: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي} ، والموصول نحو: "من لا يزال محسنا أحسن إليَّ"، وأي نحو: "أيها المؤمنون", والمطول نحو: "خيرا من زيد أقبل". ويختلف في جواز حذفه من اسم الجنس المبني للنداء، واسم الإشارة، والنكرة غير المقصودة. ويمتنع مع الأشياء المتقدم ذكرها. قوله: وابن المعرَّف المنادى المفردا ... على الذي في رفعه قد عُهدا المعرف: يشمل ما له تعريف قبل النداء نحو: "يا زيد", وما "حصل"2 له تعريف في النداء نحو: "يا رجل". أما نحو: "يا زيد" فقيل: باقٍ على علميته، وهو مذهب ابن السراج، وقيل: سلب تعريف العلمية وتعرف بالإقبال، وهو مذهب المبرد والفارسي. وإلى الأول ذهب المصنف، واحتج بنداء ما لا يمكن سلب تعريفه كاسم الله تعالى واسم الإشارة. وأما نحو: "يا رجل"، فقيل: تعرف بالإقبال والقصد3, وإليه ذهب المصنف وقيل: بأل محذوفة.
والمراد بالمفرد هنا: ما ليس مضافا ولا شبيها به كما في باب "لا", فيشمل المثنى والجمع والمركب تركيب مزج. وقوله: على الذي في رفعه قد عُهدا يعني: أنه يبنى على ما كان يرفع به قبل النداء من ضمة ظاهرة نحو: "يا زيد" و"يا رجال" و"يا مسلمات"، أو مقدرة نحو: "يا زيدون". فإن قلت: ما علة بناء المنادى المفرد؟ قلت: شبهه بالمضمر من نحو: "يا أنت" في التعريف والإفراد, وتضمين معنى الخطاب. وقيل: إجراؤه مجرى الأصوات, ونسب إلى سيبويه. تنبيهات: الأول: قال في التسهيل: ويجوز نصب ما وُصف من معرّف بقصد وإقبال1، وحكاه في شرحه عن الفراء، وأيده بما روي من قوله -عليه الصلاة والسلام- في سجوده: "يا عظيما يُرجَى لكل عظيم". وجعل منه2: أَدَارًا بجُزْوَى هجتِ للعين عَبْرة....
فظاهر مذهب البصريين أن النصب في هذا البيت ونحوه؛ لقصد التنكير. الثاني: ذهب الكسائي والزيادي إلى أن ضمة "يا زيد" ونحوه ضمة إعراب, ونقله ابن الأنباري عن الكوفيين. الثالث: ذهب بعض الكوفيين, إلى أن نداء المثنى والمجموع على حده بالياء, تشبيها بالمضاف. قال في البسيط: وهو فاسد؛ لأنه ليس مركبا. الرابع: إذا ناديت "اثني عشر" و"اثنتي عشرة" قلت: يا اثنا عشر ويا اثنتا عشرة, بالألف. وقال الكوفيون: يا اثني عشر، ويا اثنتي عشرة -بالياء- إجراء لهما مجرى المضاف. وأشار بقوله: وانوِ انضمام ما بنوا قبل الندا إلى أن ما كان مبنيا قبل النداء، يقدر بناؤه على الضم نحو: ""يا سيبويه" و"يا رقاش" و"يا خمسة عشر" و"يا برق نحره""1.
"ويظهر أثر التقدير في التابع فيجوز"1: "يا سيبويه الظريف" -بالنصب- اتباعا للمحل -وبالرفع- اتباعا للبناء المقدر2. وإلى هذا أشار بقوله: .... وليُجْزَ مجرى ذي بناء جُدِّدا ثم قال: والمفرد المنكور والمضافا ... وشِبْهه انصب عادما خلافا مثال المفرد المنكور -يعني: الذي لم يقصد به معين- قول الأعمى: "يا رجلا خذ بيدي", وقوله3:
أيا راكبا إما عرضت فبلغَنْ ... ........................ والمضاف نحو: "يا غلام زيد", والمشبه بالمضاف -ويسمى المطول والممطول- وهو طول بعمل أو عطف نحو: "يا عظيما فضله" و"يا راحما عبده" و"يا لطيفا بالعباد", ونحو: "يا ثلاثةً وثلاثين" اسم رجل. فلو ناديت جماعة هذه عدتهم قلت: يا ثلاثة والثلاثون فيمن قال: والحارثُ, والثلاثين فيمن قال: والحارثَ. وفصل الأخفش فقال: إن أريد بذلك جماعة مبلغها هذا العدد, فلا يجوز إلا نصب الاسمين؛ لأنهما إذ ذاك وقعا على مسمى واحد. وإن "كان"1 الثلاثة على حدة والثلاثون على حدة، حكم لهما بحكم المعطوف "والمعطوف"2 عليه. قيل: وينبغي أن يفصل فيما إذا كان كل منهما على حدة بين أن يكون كل منهما مقصودا بالنداء، فالحكم كذلك، وبين أن يقصد ثلاثة مبهمة فينصبا معا. تنبيه: لا يطول المنادى بمعموله، إلا إذا كان ملفوظا به، فلا يعتدّ بالضمير المستكن. "فرعان" على ذلك: لو قلت: "يا ذاهبُ" لبنيت على الضم؛ لعدم الاعتداد بالضمير. ولو قلت: "يا ذاهبُ وزيد" فإن عطف على ذاهب فالبناء، أو على الضمير نصبت لعمله في "زيد" بواسطة الحرف. ومن ثم وجب: "يا مشتركا وزيدا" بالنصب, عطفا على الضمير؛ لعدم استغنائه بواحد.
فإن قلت: كيف قال: "عادما خلافا" مع أن في بعض ذلك خلافا؟ ذهب المازني: أنه لا يتصور وجود للنكرة غير المقبل عليها، وأن ما جاء منونا نحو: أدارا بجزوى هجت للعين عبرة ضرورة. وذهب ثعلب: إلى جواز ضم المضاف الصالح للألف واللام نحو: "يا حسن الوجه". قلت: أما الأول: فخلاف في وجود قسم، لا في حكمه. وأما الثاني: فجوابه أن مراده: "عادما خلافا" في صحة النصب، ولم يختلف في صحته، وإن أجاز بعضهم معه الضم في بعض المواضع. وقوله: ونحو زيد ضُمَّ وافتحن من ... نحو أزيدُ بنَ سعيد لا تهن يجوز في المنادى المضموم أن يفتح بخمسة شروط: الأول: أن يكون عَلَما. الثاني: أن ينعت بابن. الثالث: أن يضاف الابن إلى علم. الرابع: ألا يفصل بين ابن وموصوفه. الخامس: أن يكون المنادى مما يُضم لفظا. فلو كان غير علم نحو: "يا غلام ابن زيد" أو منعوتا بغير ابن نحو: "يا زيد الكريم", أو أُضيف الابن إلى غير علم نحو: "يا زيد ابن أختنا", أو كان المنادى لا تظهر الحركة فيه نحو: "يا عيسى بن مريم" تعين الضم. وقد جمع هذه الشروط قوله: "أزيد بن سعيد". فيجوز في "زيد" ضمه على الأصل، وفتحه إتباعا لفتحة "ابن" ولا يعتد بفصل الساكن.
وقد نص على اشتراط عَلَمية المنادى والمضاف إليه واتصاله بقوله: والضم إن لم يَلِ الابنُ علمًا ... أو يل الابنَ علمٌ قد حُتما فإن قلت: من أين يفهم اشتراط الاتصال؟ قلت: من قوله: "يَلِ". فإن قلت: قد أخل بالشرط الخامس. قلت: هو شرط مختلف فيه، فإن الفراء أجاز في نحو: "يا عيسى بن مريم" تقدير الفتحة والضمة، إلا أن المصنف شرطه في التسهيل1 وأوجب تقدير الضمة, إذ لا فائدة في تقدير الفتحة. فإن قلت: كان ينبغي أن ينص على أن شرط الفتح في ذلك جعل الابن صفة؛ لأنه لو جعل بدلا أو عطف بيان أو منادى أو مفعولا بفعل مقدر تعيّن الضم، ولا يغني تمثيله عن ذلك؛ لأن المثال يحتمل هذه الأوجه. قلت: هي احتمالات مرجوحة، وكونه نعتا هو الظاهر، ولو نص على ذلك لكان أولى. فإن قلت: لم يبيّن أي الوجهين أرجح. قلت: ذهب المبرد إلى أن الضم أجود، وقال ابن كيسان: الفتح أكثر في كلام العرب. قيل: والفتح اختيار البصريين. تنبيهات: الأول: لا إشكال في أن فتحة "ابن" فتحة إعراب إذا ضم موصوفه، وأما إذا فُتح فمذهب الجمهور أنها أيضا فتحة إعراب، وقال عبد القاهر: هي حركة بناء؛ لأنك ركَّبته مع "زيد".
الثاني: حكم "ابنة" حكم "ابن" فيما ذكر، فيجوز الضم والفتح في نحو: "يا هند بنةَ زيدٍ" خلافا لبعضهم. وأما النعت ببنت, فلا أثر له في النداء1. الثالث: يلحق بالعَلَم نحو: "يا فلانُ بنَ فلان" و"يا ضُلُّ بنَ ضل"2 و"يا سيد بن سيد" ذكره في التسهيل3, وهو مذهب الكوفيين. ومذهب البصريين في ذلك ونحوه مما ليس بعلم, التزام الضم. الرابع: أجاز الكوفيون فتح المنعوت بغير "ابن", إذا كان المنعوت مفردا نحو: يا زيد الكريم" وأنشدوا4
............. ... يا عمرَ الجوادا بالفتح. وخرج على وجهين: أحدهما: أن أصله "يا عمرا" -بالألف- عند من يجيز إلحاقها من غير الندبة والاستغاثة والتعجب. والآخر: أصله "عمرًا" -بالتنوين- ضرورة، ثم حذفه؛ لالتقاء الساكنين. الخامس: حكى الأخفش عن بعض العرب: "يا زيدُ بنُ عمرو" بضم النون, إتباعا لضمة الدال. وقوله: واضمم أو انصب ما اضطرارا نُوِّنا ... مما له استحقاق ضم بُيِّنا الذي يستحق البناء على الضم هو المعرفة، فإذا اضطر شاعر إلى تنوينه جاز له فيه وجهان: أحدهما: الضم, تشبيها بمرفوع، اضطر إلى تنوينه وهو مستحق لمنع الصرف. والثاني: النصب، تشبيها بالمضاف لطوله بالتنوين. وكلاهما مسموع من العرب. والضم اختيار الخليل وسيبويه، والنصب اختيار أبي عمرو وعيسى ويونس والجرمي والمبرد. قال المصنف: وعندي أن بقاء الضم راجح في العلم، والنصب راجح في النكرة المعينة؛ لأن شبهها بالمضمر أضعف. وقوله: وباضطرار خُص جمع يا وأل ... إلا مع الله ومحكِيِّ الجُمَل
يعني: أن الجمع بين حرف النداء وحرف التعريف مخصوص بالضرورة كقوله1: فيا الغلامان اللذان فرا ... ................... إلا في موضعين: أحدهما: "مع"2 الله، فيجوز "يا الله" بوصل الهمزة وقطعها؛ للزوم أل لهذا الاسم حتى صارت بمنزلة الحروف الأصلية. والآخر: ما سمي به من الجمل المصدّرة بأل نحو: "يا المنطلق زيد" -في رجل مسمى بذلك- نص عليه سيبويه. تنبيه: قاس المبرد ما سمي به من موصول مصدر بأل على الجملة نحو: "يا الذي قام", قال في شرح التسهيل: وهو قياس صحيح. انتهى. ونص سيبويه على منعه. فإن قلت: أهمل هنا موضعا ثالثا ذكره في التسهيل3 وهو اسم الجنس المشبه به نحو:
"يا الأسدَ شدةً"1. قلت: إنما لم يذكره هنا لأن مذهب الجمهور منعه، والجواز مذهب ابن سعدان في شرح التسهيل, وهو قياس صحيح؛ لأن تقديره: يا مثلَ الأسد, فحسن لتقدير دخول "يا" على غير الألف واللام. وأجاز الكوفيون والبغداديون دخول حرف النداء على ما فيه "أل" مطلقا، ولا حجة لهم في نحو: "يا الغلامان" لأنه ضرورة. وقوله: والأكثر اللَّهُمَّ بالتعويض يعني: أن الأكثر في نداء هذا الاسم الشريف تعويض الميم المشددة في آخره عن حرف النداء، فيقال: "اللهم" وهذا من خصائصه. ثم قال: وشذ يا اللهم في قريض وجه شذوذه أن فيه جمعا بين العِوَض والمعوَّض، ومنه قوله2:
إني إذا ما حَدَثٌ ألمّا ... أقول يا اللهم, يا اللهما تنبيهات: الأول: مذهب الكوفيين أن الميم في "اللهم" بقية جملة محذوفة وهي: "أمّنا بخير", وليست عوضا عن حرف النداء؛ فلذلك أجازوا الجمع بينهما في الاختيار. الثاني: شذ أيضا حذف "أل" منه كقوله1: لاهُمَّ إن كنت قَبِلت حجتج ... .............. وهو في الشعر كثير. الثالث: قال في الارتشاف: لا يستعمل "اللهم" إلا في النداء، وشذ استعماله في غير النداء.
قلت: أنشد الفراء لبعض العرب1: كحلفة من أبي رِيَاح ... يسمعها لاهم الكبار وفيه شذوذان: أحدهما: استعماله في غير النداء؛ لأنه فاعل يسمعها. والثاني: تخفيف ميمه. الرابع: إذا قلت: "اللهم" ففي جواز وصفه خلاف؛ منعه سيبويه والخليل، قال بعضهم: لأنه لما اتصلت به الميم صار بمنزلة صوت كقولك: "يا هناه", وأجازه المبرد والزجاج. الخامس: قال في النهاية: استعمل "اللهم" على ثلاثة أنحاء:
أحدها: أن "يراد به"1 النداء المحض، كقولهم: "اللهم أمنا". والثاني: أن يذكره المجيب تمكينا للجواب في نفس السامع، يقول لك القائل: "أزيد قائم؟ " فتقول: اللهم نعم، أو اللهم لا. الثالث: أن تستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور, كقوله: "أنا أزورك اللهم إذا لم تدعُني". ألا ترى أن وقوع "الزيارة"2 مقرونا بعدم الدعاء قليل؟ انتهى.
فصل في تابع المنادي
فصل "في تابع المنادى": تابع ذي الضم المضاف دون أل ... ألزِمْه نصبا كأزيد ذا الحيل اعلم أن المنادى إن كان معربا فتابعه منصوب لا غير، نحو: يا أخانا الفاضلَ "ما لم يكن"1 بدلا أو عطف نسق، فحكمهما بعد المعرب كحكمهما بعد المبني على الضم وسيأتي. وإن كان مبنيا على الضم نحو: "يا زيدُ" و"يا رجل" و"يا سيبويه" فتابعه إن كان بدلا أو عطف نسق, فسيأتي الكلام عليهما. وأما غيرهما, فإن كان مضافا غير مقرون بأل لزم نصبه مطلقا، مثال النعت: "يا زيدُ ذا الحِيَل" والتوكيد: "يا زيد نفسَهُ" وعطف البيان: "يا زيدُ عائدَ الكلبِ". وإن كان مضافا مقرونا بأل, أو مفردا ففيه وجهان: الرفع إتباعا للفظ المنادى, والنصب إتباعا لمحله. وإلى ذلك الإشارة بقوله: وما سواه ارفع أو انصب فشمل قوله: ما سواه المضاف المقرون بأل نحو: "يا زيدُ الحسنَ الوجهِ", والمفرد نحو: "يا زيد الظريف", و"يا تميم أجمعين", و"يا سعيد كرز", فيجوز في جميع ذلك الرفع والنصب على ما تقدم. فإن قلت: أما النصب إتباعا للمحل فظاهر؛ لأن المنادى مفعول بفعل مقدر. وأما الرفع إتباعا للفظ فمشكل؛ لأن ضمة المنادى بناء، وحركة البناء لا تتبع. قلت: لما كان البناء في باب النداء مشابها للإعراب في اطراد حركته جاز إتباعه. فإن قلت: فهلا جاز الرفع أيضا في المضاف العاري من أل؟
قلت: لأنه يستلزم تفضيل فرع عن أصل، إذ لو كان منادى لوجب نصبه. فإن قلت: فلِمَ ألحق المضاف المقرون بأل المفرد في جواز الوجهين؟ قلت: لأن إضافته غير محضة، فلم يعتدّ بها. فإن قلت: فهل الرفع والنصب في المفرد سيان؟ قلت: لم ينص المصنف على تسوية ولا ترجيح، ولكن النصب أقيس. وفي الفرخ: أكثر قول العرب الرفع في: "يا زيد العاقل". تنبيهات: الأول: شمل قوله: "تابع" الخمسة، ومراده النعت والتوكيد وعطف البيان, علم ذلك مما بعد. الثاني: شمل قوله: "ذي الضم" العلم والنكرة المقصودة والمبني قبل النداء؛ لأنه يقدر ضمة، و"قد"1 تقدم تمثيل الثلاثة. الثالث: أجاز الكسائي والفراء والطوال وابن الأنباري الرفع في نحو: "يا زيدُ صاحبُنا"، والصحيح المنع؛ لأن إضافته محضة2. وأجاز الفراء رفع التوكيد والمنسوق المضافين, قياسا على النعت. وقد سمع الرفع في "يا تميمُ كلكم" وحمل على القطع، أي: كلكم مدعوّ. ثم قال: واجعلا.... كمستقل نسقا وبدلا يعني: أن حكم النسق والبدل في الإتباع حكمهما في الاستقلال، ولا فرق في ذلك بين الواقع بعد مضموم، والواقع بعد منصوب، فما كان منهما مفردا غير معين أو مضافا أو مطولا نصب نحو: "يا زيد رجلا صالحا" و"يا زيد وغلاما" و"يا زيد أخانا" و"يا زيد وأخانا" و"يا زيد خيرا من عمرو" و"يا زيد وخيرا من عمرو".
وما كان منهما مفردا علما أو معينا, بُني على الضم نحو: "يا زيد وعمرو" و"يا زيد ورجل". وذهب الأخفش وخطاب إلى أنه لا يجوز عطف النكرة المقبل عليها على العلم. فلا يجوز: يا زيد ورجل. وإنما جعل البدل والنسق كالمستقل؛ لأن البدل في قوة تكرار العامل, والعاطف كالنائب عن العامل. تنبيهان: الأول: أجاز المازني والكوفيون النصب في نحو: "يا زيدُ وعمرًا". قال في شرح التسهيل: وما رواه غير بعيد من الصحة, إذا لم تنوِ إعادة حرف النداء. فإن المتكلم قد يقصد إيقاع نداء واحد على الاسمين. قال: ويجوز عندي أن يعتبر في البدل حالان؛ حال يجعل فيها كالمستقل وهو الكثير نحو: "يا غلام زيد"، وحال يعطى فيها الرفع والنصب لشبهه فيها بالتوكيد والنعت وعطف البيان وعطف النسق المقرون بأل في عدم الصحة؛ لتقدير حرف نداء قبله نحو: "يا تميم الرجال والنساء". الثاني: ما ذكر من أن المنسوق كالمستقل إنما هو في غير المقرون بأل, وأما المقرون بأل فقد ذكر حكمه في قوله: وإن يكن مصحوب أل ما نُسِقا ... ففيه وجهان ورفع يُنتقَى إذا كان المنسوق مقرونا بأل, جاز فيه وجهان: الرفع والنصب نحو: "يا زيد والحارث". وإنما لم يجعل كالمستقل؛ لامتناع مباشرته لحرف النداء.
واختلف في المختار من الوجهين؛ فقال الخليل وسيبويه والمازني: الرفع، ووجهه مشاكلة الحركة، وحكاية سيبويه أنه أكثر، وإليه ذهب الناظم. وقال أبو عمرو وعيسى بن عمرو الجرمي: النصب، ووجهه أن ما فيه أل لم يَلِ حرف النداء, فلم يجعل كلفظ ما وليه، وإجماع القراء -ما عدا الأعرج- على النصب في قوله تعالى: {أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} 1. وقال المبرد: إن كان معرفة فالنصب وإلا فالرفع، ووجهه أن المعرفة بأل تشبه المضاف. تنبيه: هذا الخلاف في الاختيار, والوجهان مجمع على جوازهما إلا فيما عطف على نكرة مقصودة نحو: "يا رجلُ والغلام", فلا يجوز فيه على مذهب الأخفش ومن تبعه إلا الرفع. وقوله: وأيها مصحوب أل بعد صفهْ ... يلزم بالرفع لدى ذي المعرفهْ إذا نُوديت "أي" فهي نكرة مقصودة مبنية على الضم وتلزمها "ها" التنبيه مفتوحة الهاء، وضمها إذا لم يكن بعدها اسم إشارة -لغة بني مالك من بني أسد- وقد قُرئ بها. فإن قلت: لِمَ لزمها "ها"2 التنبيه؟ قلت: لتكون "ها" عوضا مما فات "أيا" من الإضافة، ويلزم وصفها بأحد ثلاثة أشياء: الأول: مصحوب "أل" نحو: "يا أيها الرجل".
والثاني: اسم الإشارة نحو1: أيُّهذانِ كُلا زادكما ... ودعاني واغِلًا فيمن وغل والثالث: الموصول المصدَّر بأل نحو: "يا أيها الذي فعل". وإلى هذين أشار بقوله: وأي هذا أيها الذي وَرَد ثم أشار إلى أن نعت "أي" بغير هذه الثلاثة ممنوع, بقوله: ووصف أيّ بسوى هذا يُرَد فلا يقال: "يا أيها صاحب عمرو". وقد فهم من النظم فوائد: الأولى: أن "ها" تلزم "أيا"2؛ لنطقه بهما معا. والثاني: أن تابع "أي" صفة لها، وقيل: عطف بيان، قال ابن السيد: وهو الظاهر.
وقيل: إن كان مشتقا فهو نعت نحو: "أيها الفاضل"، وإن كان جامدا فهو عطف بيان. والثالثة: أن وصف "أي" بأحد هذه الأشياء الثلاثة لازم؛ لقوله "تلزم". فإن قلت: ولِمَ لزم نعتها "بأحد الثلاثة"1؟ قلت: لأن "أيا" مبهم، فلا بد من تخصيصه، ولأنه وصلة إلى نداء ما فيه أل، فكان المقصود بالنداء وصفه. والرابعة: أن صفة "أي" ترفع، ولا يجوز فيها النصب بخلاف صفة غيرها, فهي مستثناة مما تقدم. هذا مذهب الجمهور، وذهب المازني إلى نصب صفة "أي" قياسا على صفة "غيرها"2 من المناديات المضمومة. قال الزجاج: لم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله ولا تابعه أحد بعده، وعلة ذلك: أن المقصود بالنداء هو نعتها، وأي وصلة إلى ندائه، وقالوا: والنصب مخالف لكلام العرب. قلت: ذكر ابن الباذش أن النصب فيه مسموع من كلام العرب. وإلى التعريض بمذهب المازني أشار بقوله: لدى ذي المعرفه. تنبيه: نسب الجواز في شرح الكافية إلى المازني والزجاج وتبعه الشارح، ونسبته إلى الزجاج مستبعدة، وقد نقل عنه في شرح التسهيل كلامه المتقدم. والخامسة: أن اسم الإشارة إذا نعت به "أي" فليس من شرطه أن يكون منعوتا بذي أل, وفاقا لابن عصفور وشاهده البيت السابق. وذكر غيرهما أن ذلك شرط في صحة النعت به. قيل: وما ذهب إليه ابن عصفور وابن مالك بنياه على بيت نادر شاذ، لا تُبنَى على مثله القواعد، وهو قول الشاعر: أيهذان كلا زادكما
والسادسة: أن اسم الإشارة المنعوت به "أي" شرطه ألا يصحبه حرف الخطاب؛ لقوله: "وأيهذا" خلافا لابن كيسان، فإنه أجاز: "يا أيها ذاكَ الرجلُ"، وبالمنع قال السيرافي. فإن قلت: أطلق في قوله: "مصحوب أل" وشرط في التسهيل أن تكون جنسية. فإذا قلت: "يا أيها الرجل" فأل جنسية وصارت بعد "أي" للحضور, كما صارت كذلك بعد اسم الإشارة. قلت: اشتراط ذلك صحيح، وليس في كلامه ما يرشد إليه. وقد أجاز الفراء والجرمي إتباع "أي" بمصحوب أل التي للمح الصفة نحو: "يا أيها الحارث", والمنع مذهب الجمهور. ويتعين أن يجعل عطف بيان عند من أجازه. تنبيهات: الأول: تؤنث "أي" لتأنيث موصوفها نحو: "يا أيتها المرأة". وقال في البديع: الاختيار إثبات التاء, ولا تثنى ولا تجمع. الثاني: ذهب الأخفش في أحد قوليه إلى أن المرفوع بعد "أي" خبر لمبتدأ محذوف, وأي موصولة بالجملة. ورُدَّ بأنه لو كان كذلك, لجاز ظهور المبتدأ بل كان أولى، ولجاز وصلها بالفعلية والظرف. الثالث: ذهب الكوفيون وابن كيسان إلى أن "ها" دخلت للتنبيه مع اسم الإشارة. وإذا قال: "يا أيها الرجل" يريد: يا أيهذا الرجل، حذف "ذا" اكتفاء بها1.
الرابع: يجوز أن تُوصَف صفة "أي" ولا تكون إلا مرفوعة، مفردة كانت أو مضافة، كقول الراجز1: يا أيها الجاهلُ ذُو التنزي ... ................ وقوله: وذو إشارة كأي في الصفه ... إن كان تركها يفيت المعرفه لاسم الإشارة في النداء حالتان: إحداهما: أن يُجعل وصلة لنداء ما فيه أل, فيساوي إذ ذاك "أيا" في لزوم نعته ووجوب رفعه، وأنه لا ينعت إلا بمصحوب أل الجنسية، أو بموصول مصدر بأل فتقول: "يا هذا الرجل" و"يا هذا الذي فعل". وهو في هذه الحالة غير مكتفٍ به, لو قدر الوقف عليه لفات المراد؛ لأنه وصلة لنداء غيره ... والأخرى: أن يقدر مكتفى بندائه، لا وصلة لغيره، فيكون إذ ذاك كغير "أي", فلا يلزم نعته. ويجوز رفعه ونصبه، وينعت بمصحوب أل وبالمضاف فتقول: "يا هذا الطويل", بالرفع والنصب.
وذلك مفهوم من قوله: إن كان تركها يُفِيت المعرفه فإن قلت: مقتضى قوله: "كأي في الصفة" أن ينعت بما تنعت به "أي" و"أي" تنعت باسم الإشارة، واسم الإشارة لا ينعت بمثله. قلت: ترك التنبيه به على ذلك؛ لوضوحه. تنبيه: مذهب السيرافي أن اسم الإشارة إذا لحقته كاف الخطاب لم يجز نداؤه، ومذهب سيبويه وابن كيسان الجواز، وحكى فيه ابن كيسان عن بعض النحويين سماعا من العرب. وقوله: في نحو سعدُ سعدَ الأوس ينتصب ... ثان وضم وافتح أولا تُصِب إذا تكرر لفظ المنادى مضافا نحو1:
يا تيمَ تيمَ عدي لا أبا لكم ... ............ فلا بد من نصب الثاني، وأما الأول ففيه وجهان: ضمه وفتحه. فإن ضم فإنه منادى "مفرد"1 معرفة، ونصب الثاني حينئذ لأنه منادى مضاف أو توكيد أو عطف بيان أو بدل أو إضمار أعني. ذكر ذلك المصنف، ونُوزع في التوكيد. وأجاز السيرافي أن ينصب على النعت, وتأول فيه الاشتقاق. وإن فتح الأول, ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منادى مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني مُقْحَم بين المضاف والمضاف إليه. فإن قلت: فما وجه نصب الثاني إذا جُعل مقحما؟ قلت: قال بعضهم: إن نصبه على التوكيد. الثاني: أن الأول منادى مضاف إلى محذوف دل عليه الآخر، والثاني مضاف إلى الآخر ونصبه من خمسة أوجه كما سبق. الثالث: أن الاسمين رُكِّبا تركيب خمسةَ عشرَ، وجعلا اسما واحدا، وفتحتهما فتحة بناء، ومجموعهما منادى "مضاف"2 كما قالوا: "ما فعلتْ خمسة عشر له" وهو مذهب الأعلم. فإن قلت: أي الوجهين أرجح: أضم الأول أم فتحه؟ قلت: بل ضمه لوضوح وجهه, وقد صرح في الكافية بأنه الأمثل.
فإن قلت: فهل يشترط في ذلك أن يكون الاسم المكرر عَلَمًا كما مثل؟ قلت: مذهب البصريين أنه لا يشترط، بل اسم الجنس نحو: "يا رجلُ رجلَ قوم", والوصف نحو: "يا صاحبُ صاحبَ زيد" كالعلم في جواز ضم الأول وفتحه بلا تنوين. وخالف الكوفيون في اسم الجنس؛ فمنعوا نصبه, وفي الوصف فذهبوا إلى أنه لا ينتصب إلا منونا، فتقول: "يا صاحبًا صاحب زيد" ولم يختلفوا في جواز الضم في جميع ذلك.
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم: واجعل منادى صح إن يُضَفْ لِيَا ... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا حكم "المنادى"1 المضاف إلى الياء إذا كان معتل الآخر في النداء, كحكمه في غير النداء وقد تقدم، فاحترز عنه بقوله: "صح". وأما الصحيح الآخر: فيجوز فيه في النداء ستة أوجه، وقد أشار في النظم إلى خمسة, والسادس: أن يضم اكتفاء بنية الإضافة نحو: "يا عبد". وأفصحها حذف الياء وإبقاء الكسرة، ثم إثبات الياء ساكنة ومتحركة، ثم قلبها ألفا، ثم حذف الألف وإبقاء الفتحة. وأقلها الضم، وقد قرئ: "قَالَ رَبُّ السِّجْنُ"2 و"قال ربُّ احكم" بالضم, وحكى يونس "يا أمُّ لا تفعلي" قال الشلوبين: وهذا إذا لم يلتبس. يعني بالمنادى المقبل عليه. فإن قلت: فتعريف المضموم على هذه اللغة بالإضافة أو بالإقبال والقصد. قلت: كلاهما محتمل. وقد صرح في النهاية بالثاني فقال: جعلوه معرفا بالقصد فبنوه على الضم، وهذه الضمة كما هي في "يا رجل", إذا قصدت رجلا بعينه. انتهى. والأول أظهر لثلاثة أوجه: أحدها: أنهم جعلوه لغة في المضاف، ولو كان تعريفه بالقصد والإقبال لم يكن لغة فيه. الثاني: لو لم يجعل من قبيل المضاف، لكان مثل "افتدِ مخنوقُ"3, و"أصبِحْ ليلُ"4 وحذف حرف النداء قليل.
والثالث: أنه لو كان غير منوي الإضافة، لكان في الأصل صفة لأي، وأسماء الله تعالى لا توصف بها "أي", فتعين كون الأصل "يا ربي" ثم حُذف المضاف إليه تخفيفا، وبني على الضم؛ لشبهه حينئذ بالنكرة المقصودة، وهذا اختيار المصنف. تنبيهات: الأول: نقل عن الأكثرين منع الألف؛ اكتفاء بالفتحة نحو: "يا عبد", وأجازه الأخفش والفارسي والمازني. الثاني: أطلق هنا جواز هذه الأوجه كما أطلقه أكثرهم، وقيده في التسهيل بإضافة التخصيص احترازا من اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال نحو: "يا مُكرِمِي", فإن إضافته إضافة تخفيف، والياء في نية الانفصال لم تمازج ما اتصلت به, فيشبه بيا قاضٍ فتشاركها في الحذف، فلا تحذف ولا تقلب، ولا حظ لها في غير الفتح والسكون. قاله في شرحه، وهو موافق لقول ثعلب في المجالس: "يا غلام أقبل" تسقط من الياء, و"يا ضاربي أقبل" لا تسقط الياء منه. وذلك فرق بين الاسم والفعل. وذكر في النهاية: أنه لا يجوز حذف الياء في اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال. الثالث: إنما كثر تخفيف المضاف للياء في النداء؛ لكثرة إضافة المنادى للياء، والكثرة تستتبع التخفيف. وأما في غير النداء، فالأصح إثباتها ساكنة ومتحركة، وقد سمع حذفها استغناء بالكسرة نحو: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} 1 وقلبها ألفا كقوله2:
................. ... إلى أُمّا ويُروِيني النَّقِيع وأجاز المازني: "قام غلاما", وقال ابن عصفور: هذا في الضرورة. وحذف الألف استغناء بالفتحة كقوله1:
.................... ... بلهف ولا بِلَيْتَ ولا لَوَ اني وأما الضم في غير النداء نحو: "جاء غلام" وأنت تريد الإضافة, فأجازه أبو عمر وغيره على قلة. واستدلوا بقوله1: ................ ... وإنما أهلكت مال يريد: مالي. وردّه أبو زيد الأنصاري، وتأول ما استدل به أبو عمرو. الرابع: قال في شرح الكافية: إذا كان آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كبُنَيّ2.
قيل: يا بني أو يا بني لا غير، فالكسر على التزام حذف ياء المتكلم فرارا من توالي الياءات, مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل وجود الياءين، وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه. والفتح على وجهين: أحدهما: أن تكون ياء المتكلم أُبدلت ألفا ثم التزم حذفها؛ لأنها بدل مستثقل. والثاني: أن تكون ثانية ياءي بُنَيَّ حذفت, ثم أدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت؛ لأن أصلها الفتح. قوله: وفتح او كسر وحذف الياء استمر ... في يابن أُمَّ يابن عَمَّ لا مفر إذا نُودي المضاف إلى المضاف إلى الياء كان حكم الياء معه كحكمها في غير النداء نحو: "يابن أخي" إلا "ابن أم" و"ابن عم"، فإنهما لما كثُر استعمالهما في النداء خُصا بالتخفيف, فيقال: "يابن أم" بفتح الميم وكسرها. أما الفتح, ففيه قولان: أحدهما: أن الأصل "أُمَّا" و"عمَّا" -بقلب الياء ألفا- فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها. والثاني: أنهما جعلا اسما واحدا مركبا, وبني على الفتح. والأول قول الكسائي والفراء وأبي عبيدة وحكي عن الأخفش، والثاني قيل: هو مذهب سيبويه والبصريين. وأما الكسر: فظاهر قول الزجاج وغيره أنه مما اجتزئ فيه بالكسر عن الياء المحذوفة, من غير تركيب. قال في الارتشاف: وأصحابنا يعتقدون أن "ابن أم" و"ابنة أم" و"ابن عم" و"ابنة عم" حكَمَتْ لها العرب بحكم اسم واحد، وحذفوا الياء كحذفهم إياها من "أحدَ عشرَ" إذا أضافوه إليها.
فإن قلت: ما معنى قوله: "استمر"؟ قلت: يشير إلى أن هذين الوجهين استمرا في كلامهم, واطردا بحيث لا يكادون يُثبتون الياء والألف إلا في الضرورة، وقد قرئ بهما في السبع. فإن قلت: فأيهما أجود؟ قلت: نصّ بعضهم على أن الكسر أجود, وهو ظاهر. فإن قلت: لم يذكر "ابنة أم" و"ابنة عم", وحكمهما حكم "ابن أم" و"ابن عم". قلت: كأنه استغنى بذكر المذكر عن ذكر فرعه. فإن قلت: قد يوهم اقتصاره على الكسر والفتح أن غيرهما ممتنع، وقد قال في التسهيل: وربما ثبتت أو قُلبت ألفا1 يعني: الياء. قلت: الذي يفهم من قوله: "استمرا" أن غيرهما لم يستمر في الكلام, ولم يطرد كاطرادهما. وهذان الوجهان ضعيفان؛ ولذلك قال: وربما، وفي الكافية: ونَدُرَ، وفي شرحها: ولا يكادون يُثبتون الياء والألف إلا في الضرورة. وقال غيره: هما لغتان قليلتان. ومن إثبات الياء قوله2:
يابنَ أمي ويا شُقَيِّق نفسي ... ....................... ومن إثبات الألف قوله1: يا ابنةَ عَمَّا لا تلومي واهجعي ... ..........................
وأما قوله1: كن لي لا عليّ يابنَ عمَّا ... نَعِشْ عزيزين ونكف الهما فيحتمل أن تكون الألف فيه للإطلاق. فإن قلت: فأي هذين الوجهين أجود؟ قلت: قال بعضهم: قلب الياء ألفا أجود من إثباتها. تنبيه: إذا ثبت الياء ففيها وجهان: الإسكان والفتح. فالحاصل: خمسة "أوجه"2 ونص بعضهم على أن الخمسة لغات. وقوله: وفي الندا أبت أُمَّت عَرَض ... واكسر أو افتح ومن اليا التا عِوَض إذا "نودي"3 الأب والأم مضافين إلى الياء, جاز فيهما الوجوه الستة المقدمة في نحو: "يا عبد". وينفردان بتعويض تاء التأنيث من الياء مكسورة ومفتوحة، وبالفتح قرأ ابن عامر, وبالكسر قرأ غيره من السبعة.
ووجه الكسر أن الكسرة كانت مستحقة قبل الياء, فلما عوض عنها التاء -ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا- جعلت الكسرة عليها؛ لتكون المعوض عنه في مجامعة الكسرة بالجملة. وعن الفراء أن الكسر حصل؛ لأن الياء في النية. ورده أبو إسحاق وقال: كيف تكون الياء في النية، وليس يقال: يا أبتي؟ ووجه الفتح، أن التاء حركت بحركة الياء؛ لكونها عوضا عنها، وقيل: لأن الأصل: "يا أبتا" فحذفت الألف. ويرده ما رد قول الفراء. فإن قلت: فأي الوجهين أكثر؟ قلت: نص المصنف وغيره على أن الكسر أكثر، وذكر الشارح أن الفتح أقيس، قال: إلا أن الكسر أكثر. وقد فُهم من كلام الناظم فوائد: الأولى: أن تعويض التاء من ياء المتكلم في أب وأم, لا يكون إلا في النداء، لقوله: "وفي الندا". الثانية: أن ذلك مختصّ بالأب والأم. الثالثة: أن التعويض فيهما ليس بلازم، فيجوز فيهما ما جاز في غيرهما من الأوجه السابقة، فُهم ذلك من قوله: "عرض". الرابعة: أنه لا يجوز الجمع بين الياء والتاء؛ لأنها عوض عنها، ولا بين التاء والألف؛ لأن الألف بدل من الياء. وأما قوله1:
يا أَبَتِي لا زلتَ فينا فإنما ... لنا أملٌ في العيش ما دُمْتَ عائشا وأجاز كثير من الكوفيين الجمع بينهما في الكلام، ونظيره قراءة أبي جعفر: {يَا حَسْرَتَى} 1. فجمع بين العوض والمعوض. وأما قوله2: ..................... ... يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكَا فجعله ابن جني من ذلك، وهو أهون من الجمع بين التاء والياء؛ لذهاب صورة المعوض عنه.
وقال في شرح الكافية: الألف فيه هي الألف التي يُوصَل بها آخر المنادى إذا كان بعيدا أو مستغاثا به أو مندوبا، وليست بدلا من ياء المتكلم، وجوّز الشارح الأمرين1. تنبيهات: الأول: اختلف في ضم التاء في "يا أبت" و"يا أمت"، فأجازه الفراء وأبو جعفر النحاس، ومنعه الزجاج. وحكى سيبويه عن الخليل أنه سمع من العرب من يقول: "يا أمتُ" بالضم. الثاني: مذهب البصريين أن الوقف على هذه التاء بالهاء، ومذهب الفراء بالتاء. وفي التسهيل: وجعلها هاء في الخط والوقف جائز2. وقرئ بالوجهين في السبع، ورسمت في المصحف بالتاء. الثالث: قال في شرح التسهيل: وقالوا في "أبا" المقصور: "يا أبات". قال الشاعر3:
..................... ... كأنك فينا يا أَبَات غريب ولو لم يعوض "لقال: أباي"1. انتهى. وزعم بعضهم أنه أراد: "يا أبتي" فقلب، وهو بعيد. وقيل: يخرج على أن الألف إشباع.
محتويات المجلد الثاني
محتويات المجلد الثاني: الصفحة الموضوع 581 الجزء الثاني 583 الفاعل 598 النائب عن الفاعل 611 اشتغال العامل عن المعمول 620 تعدي الفعل ولزومه 629 التنازع في العمل 644 المفعول المطلق 654 المفعول له 657 المفعول فيه وهو المسمى ظرفا 663 المفعول معه 669 الاستثناء 692 الحال 726 التمييز
الصفحة الموضوع 738 حروف الجر 782 الإضافة 834 المضاف إلى ياء المتكلم 837 الجزء الثالث 839 إعمال المصدر 849 إعمال اسم الفاعل 862 أبنية المصادر 869 أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات 873 الصفة المشبهة باسم الفاعل 885 التعجب 902 نعم وبئس وما جرى مجراهما 933 أفعل التفضيل 945 النعت 967 التوكيد
الصفحة الموضوع 988 العطف 993 عطف النسق 1036 البدل 1051 النداء 1072 "فصل" في تابع المنادى 1083 المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
المجلد الثالث
المجلد الثالث تابع القسم الثاني: تحقيق شرح الفية ابن مالك الجزء الرابع أسماء لازمت النداء: معنى ملازمتها النداء أنها لم تستعمل في غيره إلا "في"1 ضرورة. وهي ضربان: مسموع، ومقيس. فمن المسموع: "يا أبت" و"يا أمت" و"اللهم"2 وقد تقدمت. و"هناه" بالضم والكسر. كقوله3: وقد رابني قولها يا هناه ... .................... واختلفوا في مادة هذه الكلمة على قولين: أحدهما: أن أصل مادته "هـ. ن. و" ثم اختلف القائلون بهذا على أربعة مذاهب:
الأول: أن الهاء في "هناه" بدل من لام الكلمة، والأصل هناو، وهو مذهب أكثر البصرين. والثاني: أنها بدل من همزة مبدلة من الواو فهي بدل "بدل"1 اللام، وهو مذهب ابن جني. والثالث: أن اللام محذوفة والألف والهاء زائدتان في نفس البناء على حد زيادة الهمزة في أحمر. والرابع: أن اللام محذوفة "أيضا"2 والألف هي التي تلحق المنادى البعيد والمندوب والهاء للسكت، وهو مذهب الفراء واختيار المصنف وابن عصفور، ويدل على صحته كسرها، لالتقاء الساكنين. والقول الآخر: أن أصل مادته "هـ. ن. ة" فهو من باب سلس، وهو مذهب أبي زيد. قال الشيخ أبو حيان: ولو ذهب ذاهب إلى أن أصل "هن" ومادته "هـ. ن. ن" مستدلا بما حكاه أبو الخطاب من قولهم: "يا هنانان" في التثنية يريد: "يا هنان" لكان مذهبا. ومن المسموع: "فُلُ" وقد أشار إليه بقوله: وفُلُ بعض ما يُخَص بالندا يقال: "يا فل" للرجل، و"يا فلة" للمرأة. واختلف فيهما، وفمذهب سيبويه أنهما كناية عن نكرتين، ففُلُ: كناية عن رجل، وفُلَةُ: كناية عن امرأة. وذهب الكوفيون إلى أن أصلهما فلان وفلانة فرخما، ورد بأنه لو كان مرخما لقيل فيه "فلا"، ولما قيل في التأنيث فلة.
وذهب الشلوبين وابن عصفور وصاحب البسيط: إلى أن "فل" كناية عن العَلَم بمعنى يا فلان، وهذا مذهب الناظم، فإنه صرح في شرح التسهيل وغيره، بأن "يا فل" بمعنى يا فلان. و"يا فلة" بمعنى يا فلانة، قال: وهما الأصل، ولا يستعملان منقوصَيْن في غير نداء إلا في ضرورة. قلت: وهو موافق لمذهب الكوفيين في أنهما بمعنى فلان وفلانة، مخالف له في الترخيم. فإن قلت: قوله: وهما الأصل "يعني"1 موافقة الكوفيين "في الترخيم"2. "قلت: قد رد المصنف مذهب الكوفيين في أنهما ترخيم"3 فلان وفلانة بالوجهين السابقين، فعلم أنه غير موافق لهم على ذلك، بل هما عنده من "قبيل"4 ما حذف منه لغير ترخيم. ومن المسموع: "لُؤمان" و"نَومان" وقد نبه عليهما بقوله: ................ ... لُؤْمَان نَوْمَان كذا أي: مختصان بالنداء. أما "لؤمان" -بالهمز وضم اللام- فمعناه يا عظيم اللؤم، ومثله: "يا مَلأمُ" و"يا مَلأمَان"5. وأما "نومان" -بفتح النون- فمعناه يا كثير النوم6. "تنبيهان": الأول: الأكثر في بناء "مَفْعَلان" نحو "مَلْأَمَان" أن يأتي في الذم. وقد جاء في المدح "يا مَكْرَمَان"7. حكاه سيبويه والأخفش، و"يا مَطْيَبَان".
وزعم ابن السيد: أنه مختص بالذم، وأن "مَكْرَمَان" تصحيف "مَكْذَبان". وليس بشيء. الثاني: قال في شرح الكافية -بعد أن ذكر ملأم، ولؤمان، وملأمان، ومكرمان: وهذه الصفات مقصورات على السماع بإجماع. انتهى. وتبعه الشارح، وهو صحيح في غير "مَفْعَلان"، فإن فيه خلافا أجاز بعضهم القياس عليه، فنقول: "يا مَخْبَثان"، وفي الأنثى "يا مَخْبَثانة". ثم انتقل إلى المقيس فقال: ............................ ... ..................... واطردا في سب الأنثى وَزْنُ يا خَبَاثِ ... ............................ اطراده مشروط بشرطين: أحدهما: أن يكون في السب. والثاني: أن يكون من ثلاثي كالنوع الذي يليه. وسبب بنائه على الكسر شبهه بنزال عدلا وزنة وتأنيثا. تنبيه: كلام المصنف في الكافية والتسهيل وكلام الشارح يوهم أن في القياس عليه خلافا؛ لنصه على سيبويه وحده. قال الشيخ أبو حيان: ولا أعلم فيه خلافا، وفي الارتشاف -في باب ما لا ينصرف- قال بعضهم: لا يقاس، فلا يقال: "يا قباح" قياسا على "فساق". ثم استطرد فقال: ....................... ... والأمر هكذا من الثلاثي يعني أن بناء "فَعَال" للأمر مطرد من كل فعل ثلاثي نحو "نَزَالِ" و"تَرَاكِ" هذا مذهب سيبويه، وخالفه المبرد فقال: "لا يقال منه إلا"1 ما سمع.
فإن قلت: أهمل المصنف من شروط القياس على هذا النوع أربعة شروط: الأول: أن يكن مجردا، فأما غير المجرد فلا يقال منه إلا ما سمع نحو: دراك. والثاني: أن يكون تاما، فلا يُبنى من الناقص. والثالث: أن يكون متصرفا. والرابع: أن يكون كامل التصرف، لا يُبنى من يذر ويَدعُ. قلت: اشتراط بعض هذه الشروط واضح، فلم يتعرض له، وقوله: "ثلاثي" محمول على المجرد كما تقدم في التعجب. ثم رجع إلى المسموع فقال: وشاع في سب الذكور فُعَلُ ... ولا تَقِسْ................. يعني: أن ما عدل إلى فُعَل في سب الذكور نحو" يا خُبَث" و"يا فُسَق" و"يا غُدَر" و"يا لُكَع" شائع، ومع شياعه لا يقاس عليه، قيل: والمسموع منه هذه الأربعة. ونص المغاربة "على"1 أنه ينقاس عليه، ونقله في البسيط عن سيبويه، ومن قاس عليه فبالشروط السابقة. ثم نبه على أن بعض هذه الألفاظ قد استعمل في غير النداء ضرورة، بقوله: ................. ... وجُرّ في الشعر فُلُ يعني في قول الراجز2:
أمسك فلانا عن فُلِ تنبيهان: الأول: الحاصل من كلام سيبويه أن "فل" في الرجز محذوف من فلان؛ لضرورة الشعر، وليس هو المختص بالنداء، بل هو غيره، ومعناهما مختلف؛ لأن المختص كناية عن اسم جنس، وهذا كناية عن علم، ومادتهما مختلفة. فالمختص مادته "ف. ل. ي"، وهو محذوف اللام، فلو صغر قلت فيه: "فُلَيٌّ". وهذا مادته "ف. ل. ن"، فلو صغر قلت فيه: "فُلَيْنٌ" وتقدم ما ذهب إليه المصنف. الثاني: ليس مراده أنه لم يستعمل في غير النداء من الألفاظ المذكورة إلا "فل".
بل "ذكرها"1. تنبيها على ورود نظيره، ومنه قوله2: ............ قَعِيدَته لَكَاعِ وخرجه بعضهم على تقديم: يقال لها: يا لكاع، فحذف القول وحرف النداء.
الاستغاثة
الاستغاثة: هي نداء من يخلِّص من شدة، أو يعين على مشقة. وللمستغاث ثلاثة أحوال: أحدها: أن يجر بلام مفتوحة، وهذا أكثر أحواله. الثانية: أن يجاء في آخره بألف معاقبة للام. الثالثة: أن يجرد من اللام والألف ويجعل كالمنادى المطلق نحو: "يا زيد لعمرو" وهذه أقلها. ومنها قوله1: ألا يا قوم لِلعجَبِ العجيبِ ... .........................
وقد ذكر الثلاثة في الكافية، واقتصر هنا على الأولين كالتسهيل؛ لقلة الثالث. فأشار إلى الأول بقوله: إذا استُغيث اسمٌ منادى خُفِضَا ... باللام مفتوحا كَيَا للمُرْتَضَى إنما جر المستغاث باللام للتنصيص على الاستغاثة، وفتحت لوقوعه موقع المضمر، ولكونه منادى، وليحصل بذلك فرق بينه وبين المستغاث من أجله، وإنما أعرب مع كونه منادى مفردا معرفة؛ لأن "تركيبه"1 مع اللام أعطاه شبها بالمضاف. وقد فهم من النظم فوائد: الأولى: أن "استغاث" متعد بنفسه لقوله: "إذا استُغيث اسم منادى". والنحويون يقولون: مستغاث به. قال في شرح التسهيل: وكلام العرب بخلاف ذلك، والمعروف في اللغة تعدي فعله بنفسه. قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} 2. وقيل: بل هو يتعدى بوجهين، وقد جاء "تعديه"3 بالباء في أبيات. الثانية: أن المستغاث معرب؛ لقوله: "خفضا" وتقدم بيانه. الثالثة: أنه يجوز أن يكون بأل، وإن كان منادى؛ لأن حرف النداء لم يباشرها. فُهِمَ "ذلك"4 من تمثيله، وهو مجمع عليه. فإن قلت: يرد على عبارته ثلاثة أشياء: الأول: أنه قال: "اسم منادى" وأطلق فأوهم أنه يجوز نداؤه بغير ياء، وذلك غير جائز، فإن المستغاث لا يُنادى إلا بيا.
والثاني: أنه قال "خفضا باللام" بصيغة الجزم، وقد تقدم أنه ليس بلازم، وبل هو الأكثر. والثالث: أنه قال: "مفتوحا" وأطلق، وثَمَّ موضع يكسر فيه وهو مع ياء المتكلم في نحو "يَالِي". وقد أجاز أبو الفتح في قوله1: فَيَا شَوْقِ ما أبقى ويَالِي من النَّوَى أن يكون استغاث بنفسه "وأن يكون استغاث لنفسه"2. قلت: الجواب على الأول أن قوله بعد: "إِنْ كرَّرْتَ يا" يرشد إلى ذلك؛ إذ لم يقل: إن كررت حرف النداء. وعن الثاني: أن قوله بعد: "ولامُ ما استُغيث عَاقَبَتْ أَلِفْ" يوضح أن جره باللام ليس بلازم.
وعن الثالث: أن كسر اللام مع ياء المتكلم معلوم وجوبه في كل موضع فهو "يقيد"1 الإطلاق، على أن ان عصفور قال: الصحيح عندي أن "يالي" حيث وقع مستغاث له، والمستغاث به محذوف. وعلل ذلك بأن العامل في المستغاث فعل النداء المضمر، فيصير التقدير: يا أدعو لي، وذلك غير جائز في غير "ظننت" وما حمل عليها، إلا أن في لزوم هذا لابن جني نظرا؛ لأن اللام تتعلق عنده بحرف النداء. تنبيهان: الأول: اختلفوا في اللام الداخلة على المستغاث، فقيل: هي بقية آل، والأصل: يا آل زيد، وزيد مخفوض بالإضافة، ونقله المصنف عن الكوفيين، ونقله صاحب النهاية عن الفراء. وفي نسبته إلى الفراء نظر. لأن الفراء "حكى"2 أن من الناس من زعم أنها بقية من آل، فظاهر حكايته أنه ليس مذهبا له. وذهب الجمهور إلى أنها لام الجر، ثم اختلفوا فقيل: زائدة فلا تتعلق بشيء، وهو اختيار ابن خروف، وقيل: ليس بزائدة فتتعلق، وفيما تتعلق به على هذا قولان: أحدهما: أنها تتعلق بالفعل المحذوف، وهو مذهب سيبويه، واختيار ابن عصفور. الثاني: أنها تتعلق بحرف النداء، وهو مذهب ابن جني. الثالث: إذا وصف المستغاث جرت صفته نحو: "يَا لزيد الشجاع لِلمظلوم"، وفي النهاية لا يبعد نصب الصفة حملا على الموضع؛ لأن الجار والمجرور لا بد له من شيء يتعلق به.
وقوله: وافْتَحْ مع المعطوفِ إِنْ كررْتَ يا ... وفي سِوَى ذلك بالكسر ائْتِيَا إذا عطف على المستغاث فإما أن تتكرر "يا" أو لا. فإن تكررت فتحت اللام كقوله1: يا لَقومي ويا لأمثال قومي ... لأناس عُتُوُّهُمْ في ازدياد وإن ولم تتكرر كسرت نحو2:
......................... ... يالَلْكَهُولِ وَلِلشُّبَّانِ لِلْعَجَبِ وإنما كسرت لأمن اللبس. فإن قلت: فهل هي لازمة في المعطوف؟ قلت: لا؛ لقوله1: يا لَعَطَّافِنَا ويَالرباح ... وأبي الحشرج الفتى النَّفَّاح فجمع بين الأمرين. واعلم أن قوله: "سوى ذلك" يعني به سوى ما ذكر من المستغاث والمعطوف المعاد معه "يا" فشمل شيئين:
أحدهما: المعطوف الذي لم تعد معه "يا" كما تقدم، والآخر المستغاث من أجله. تنبيهات: الأول: ما ذكره عن كسر اللام مع المستغاث من أجله، إنما هو في الأسماء الظاهرة، فأما الضمير فتفتح اللام معه إلا مع الياء نحو: "يا لَزيد لك". وإذا قلت: "يا لك" احتمل الأمرين، وقيل في قوله1: فيَا لَك من ليل كأن نجومه ......................... ... إن اللام فيه للاستغاثة. الثاني: اختلف فيما تتعلق به اللام الجارة للمستغاث من أجله، فقيل: بحرف النداء. وقيل: بفعل محذوف؛ أي أدعوك لزيد2، وقيل: بحال محذوفة؛ أي مدعوا لزيد. وقد علم بهذا أن قول ابن عصفور أنها تتعلق بفعل مضمر تقديره: أدعوك قولا واحدا ليس كما قال.
الثالث: قد يجر المستغاث من أجله بمن لأنها قد تأتي للتعليل بمعنى اللام كقوله1: يا لَلرجال ذوي الألباب من نَفَر ... لا يَبرحُ السفه الْمُرْدي لَهم دينا الرابع: قد يحذف المستغاث قيل "يا" المستغاث من أجله؛ لكونه غير صالح لأن يكون مستغاثا كقوله2: يا لأُنَاس أَبَوْا إلا مُثابرة ... على التوغل في بَغْيٍ وعدوان الخامس: قد يكون المستغاث مستغاثا من أجله نحو: "يا لَزيد لزيد" أي: أدعوك لتنصف من نفسك. ثم أشار إلى ثاني أحوال المستغاث بقوله:
ولام ما استغيث عاقبت ألف ... ........................... يعني: أن الألف تعاقب لام الاستغاثة فلا يجتمعان، تقول: "يا لزيد" و"زيدا" ولا يجوز "يا لزيدا". ومن وروده بالألف قوله1: يا يزيدا لآمل نيل عز وقوله: ........................... ... ومثله اسم ذو تعجب ألف يعني: أن المتعجب منه إذا نودي عومل معاملة المستغاث من غير فرق، فيجوز جره بلام مفتوحة نحو قولهم: "يا لَلماء" و"يا لَلعجب". ويجوز الاستغناء عن اللام بالألف نحو: "يا عجبا"، وقد يخلو منهما، نحو: "يا عجب". تنبيهات: الأول: جاء عن العرب في نحو: "يا للعجب" فتح اللام باعتبار استغاثته، وكسرها باعتبار الاستغاثة من أجله، وكون المستغاث محذوفا. الثاني: التعجب بالنداء على وجهين:
أحدهما: أن ترى أمرا عظيما فتنادي جنسه نحو: "يا للماء". ثانيهما: أن ترى أمرا تستعظمه فتنادي مَن له نسبة إليه ومكنة فيه نحو: "يا للعلماء". والثالث: إذا وقفت على المستغاث أو المتعجب منه حالة إلحاق الألف جاز الوقف بهاء السكت.
الندبة
الندبة: هي نداء المتفجع عليه أو المتوجع منه، وهي من كلام النساء غالبا، والمندوب هو المذكور بعد "يا" أو "وا" تفجعا لفقده حقيقة؛ كقول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه1: .......................... ... وقُمتَ فيه بأمر الله يا عُمَرا أو حكما؛ كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "واعمراه واعمراه" حين أُعلم بجدب شديد أصاب قوما من العرب. أو توجعا؛ لكونه محل ألم، نحو قوله2: فواكبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناء
أو سببه كقوله1: وتقول سلمى وازيتيه وحكم المندوب حكم المنادى، فلهذا قال: ما للمنادى اجعل لمندوب. يعني: أنه يضم إذا كان مفردا نحو "وازيد" وينصب إذا كان مضافا أو مطولا نحو: "واعبد الله" و"واضربا عمرا"2. وإذا اضطر شاعر إلى "تنوينه"3 جاز ضمه ونصبه كقوله4:
وافقْعَسا وأين مني فَقْعَسُ ... ....................... ثم نبه على ما لا تصح ندبته بقوله: وما نُكِّر لم يُندب ولا ما أُبهما الغرض من الندبة الإعلام بعظمة المصاب؛ فلذلك لا يندب إلا المعرفة السالم من إبهام، فلا تندب النكرة. وأجاز الرياشي ندبة اسم الجنس المفرد، وقد جاء في الأثر: "واجبلاه" وهو نادر. ولا يندب المبهم كاسم الإشارة والموصول بصلة لا تعينه، لا يقال: "واهذاه"1. ولا "وامن ذَهَباه" لأن ذلك لا يقع به العذر للمتفجع. ويجوز أن يندب الموصول بصلة تعينه لشهرتها. وإلى هذا أشار بقوله: ويُندب الموصول بالذي اشْتَهَرْ ... كبئر زمزم يلي وامَنْ حَفَرْ فتقول: "وامن حفر بئر زمزم" لأنه في الشهرة كالعلم. ثم نبه على ما يلحق آخر المندوب فقال: ومُنتهى المندوب صله بالألف يشتمل منتهى المندوب آخر المفرد نحو: "وازيدا"، أو المضاف نحو: "واعبدا الملكا" وما طول به نحو: "واثلاثة وثلاثينا" والصلة نحو: "وامن حفر بئر زمزما" وعجز المركب نحو: "وامعدي كربا". وقوله: "صله" يعني جوازا؛ لأن المندوب له استعمالان: أحدهما: أن يجري مجرى غيره من المناديات كما تقدم. والآخر: أن يوصل بالألف المذكورة. فإن قلت: أطلق في وصل المندوب بالألف وقيده في التسهيل2 بألا يكون
في آخره ألف وهاء، فلا يقال: "واعبد اللاهاه" ولا "واجهجاهاه في عبد الله" و"جهجاه"1. قلت: إطلاقه هنا موافق لإطلاق النحويين، وصرح بعض المغاربة بجوازه وفي ألفية ابن معطي. وفي المضاف: "يا عبيد اللاهاه". ولا يخلو ما قبل ألف الندبة من أن يكون ساكنا أو مفتوحا أو مكسورا أو مضموما، فإن كان ساكنا فتح للألف نحو: "وامن يغزواه" و"وامن يرمياه" ما لم يكن ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها المندوب أو واوا أو ياء لا يقبلان الحركة، فإن كان ألفا حذفت لتعذر تحريكها نحو: "واموساه". وأشار إليه بقوله: مَتْلُوها إن كان مثلها حُذف أي: متلو ألف الندبة، يعني: الحرف الذي قبلها إن كان ألفا مثلها حذف لما تقدم، وأجاز الكوفيون قياسا قلب الألف فقالوا: "وامُوسياه"، وإن كان تنوينا حذف أيضا؛ لأنه لاحظ له في الحركة وفتح ما قبله، فتقول: "واغلام زيداه" وهذا مذهب سيبويه والبصريين. وأجاز الكوفيون فيه مع الحذف وجهين: فتحه، فتقول: "واغلام زيدناه" وكسره مع قلب الألف ياء فتقول: "واغلام زيدنيه". قال المصنف: وما رأوه حسن لو عضده سماع، لكن السماع فيه لم يثبت. وقال ابن عصفور: أهل الكوفة يحركون التنوين فيقولون: "واغلام زيدناه"، وزعموا أنه سُمع. انتهى.
وأجاز الفراء وجها ثالثا، وهو حذفه مع إبقاء الكسرة وقلب الألف ياء؛ فتقول: "واغلام زيديه". ولا يجيز البصريون إلا الأول. فإن كان الياء المشار إليها فسيأتي الكلام عليها. وإن كان واوا لا تقبل الحركة كواو الصلة في نحو: "غلامه" أو ياء كذلك نحو: "غلامه" حذفا، وقلبت الألف إلى مجانس ما قبلها. وإن كان ما قبل الألف مفتوحا استصحب فتحة نحو: "واعبد يغوثاه" وإن كان ما قبلها مكسورا أو مضموما، فإما أن يوقع فتحه في لبس أو لا، فإن لم يوقع فتحه في لبس وجب فتحه كقولك في عبد الملك: "واعبد الملكاه" وفي من اسمه "قام الرجل" وقام الرجلاه، وإنما فتح لتسلم الألف. فإن أوقع "في لبس"1 قلبت ألف الندبة ياء بعد الكسرة، وواوا بعد الضمة. فتقول في ندبة "غلام" مضافا إلى ضمير المخاطبة. "واغلامكيه" وفي ندبته مضافا إلى ضمير الغائب "واغلامهوه"؛ إذ لو قلت: "واغلامكاه" لالتبس بالمذكر، ولو قلت: "واغلامهاه" لالتبس بالغائبة. وذلك مفهوم من قوله: والشكل حتما أوله مُجانسا ... إن يكن الفتح بِوَهْمٍ لابسا الشكل: الحركة، ومجانس الكسرة: الياء، ومجانس الضمة: الواو. وأشار بقوله: "حتما" إلى وجوب ذلك دفعا للبس. وفهم من الشروط أن الألف لا تغير إذا كان الفتح لا يلبس كما تقدم. وهذا مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون إتباع الألف للكسرة في المثنى نحو: "وازيدانيه" وفي "المفرد"2 نحو: "واعبد الملكيه" وفي نحو: "رَقاش" "وارقاشيه"3. قوله:
وواقفا زِدْ هاء سَكْتٍ إن تُرِدْ ... وإن تشأ فالمد والها لا تَزِدْ إذا وقف على المندوب زيد بعد ألفه أو بدلها هاء السكت، وليست بلازمة بل غالبة؛ لأنه يجوز الاقتصار على المد فيقال: "وازيدا". وهذا معنى قوله: "وإن تشأ فالمد والها لا تزد" أي: إن تشأ ألا تزيد الهاء فالمد كافٍ وهو كالتنصيص على ما فهم من قوله: "إن ترد" ولو قيل: فالمد بالنصب لأفاد جواز تجريده من المد أيضا، أي: وإن تشأ فلا تزد المد والهاء، بل تجعله كالمنادى غير المندوب وقد تقدم بيانه أول الباب. وقد فهم من قوله: "وواقفا" أن هذه الهاء لا تثبت وصلا، وربما ثبتت في الضرورة مضمومة ومكسورة، وأجاز الفراء إثباتها في الوصل بالوجهين. قوله: وقائلٌ واعبديا واعبدا ... مَن في الندا اليا ذا سكون أبدَى تقدم أن "في"1 المنادى المضاف إلى ياء المتكلم "نحو: "يا عبد""2 ست لغات: فإذا ندبت على لغة من يقول: "يا عبد" -بالكسر- أو "يا عبد" -بالفتح- أو "يا عبد" -بالضم- أو "يا عبدا" -بالألف. قلت: "واعبدا" لما علمت، وإذا ندبت على لغة من أثبت الياء مفتوحة قلت: "واعبديا". وإذا "ندبت"3 على لغة من أثبتها ساكنة وهو المشار إليه في البيت فوجهان: أحدهما: أن تحذفها لالتقاء الساكنين، وتفتح ما قبلها فتقول: "واعبدا". والثاني: أن تفتحها لقبولها الحركة فتقول: "واعبديا". والحذف مذهب المبرد، والفتح مذهب سيبويه.
الترخيم
الترخيم: الترخيم في اللغة: ترقيق الصوت وتليينه، يقال: صوت رخيم، أي رقيق. وفي الاصطلاح: حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص. وهو على ثلاثة أنواع: ترخيم النداء، وترخيم الضرورة، وترخيم التصغير، والمذكور في هذا الباب الأولان، ويأتي الثالث في بابه إن شاء الله تعالى. أما ترخيم النداء، فهو حذف آخر المنادى تخفيفا، وقد أشار إليه بقوله: ترخيما احذف المنادى ثم مثله بقوله: كيا سُعا فيمن دعَا سُعَادَا في قوله من دعا "سعاد"1 فحذف المضاف. فإن قلت: فما وجه نصبه ترخيما؟ قلت: أجاز "فيه"2 الشارح أن يكون مفعولا له أو مصدرا في موضع الحال، أو ظرفا على حذف مضاف3. فهذه ثلاثة أوجه. ويحتمل رابعا: وهو أن يكون مفعولا مطلقا وناصبه احذف؛ لأنه يلاقيه في المعنى4. ثم أخذ في بيان ما يجوز ترخيمه فقال:
وجَوِّزْنَه مطلقا في كل ما ... أنت بالها.............. المنادى ضربان: مؤنث بالهاء ومجرد منها. فالمؤنث بها يجوز ترخيمه مطلقا، أي: بلا شرط فيرخم علما وغير علم، وثلاثيا وأزيد نحو1: أفاطمُ مَهلا بعض هذا التدلل ... ..........................
ونحو1: جارِيَ لا تستنكري عَذيري و"يا شا ادجُنِي" أي: أقيمي2 يقال: دَجَنَ بالمكان يَدْجُن دُجُونا: أقام به. فإن قلت: كيف قال مطلقا، ولترخيمه خمسة شروط: الأول: أن يكون معينا، فلا يجوز ترخيم النكرة غير المقصودة كقول الأعمى: "يا امرأة خُذي بيدي"3.
والثاني: ألا يكون مضافا، فلا يجوز ترخيم نحو: "يا طلحة الخير"، وأما نحو قوله1: يا علقم الخير قد طالت إقامتنا فنادر. والثالث: ألا يكون مختصا بالنداء فلا يرخم فلة. والرابع: ألا يكون مندوبا "فإن المندوب"2 لا يجوز ترخيمه، لحقته علامة الندبة أو لم تلحقه، نص عليه سيبويه. والخامس: ألا يكون مستغاثا به، فإنه لا يجوز ترخيمه. قلت: وقد يجاب بأن معنى قوله: مطلقا، أي: بلا شرط من الشروط التي تخص المجرد كالعلمية. وأما هذه الشروط فاشترك فيها النوعان إلا أن "اشتراطه للإضافة"3 في المجرد يوهم عدم اشتراطها في المؤنث بالهاء، فيقوى السؤال، وقد استغنى عن الأولين في التسهيل4 باشتراط "البناء"5 ولم يذكر "الثالث"6.
تنبيهات: الأول: شرط المبرد في ترخيم المؤنث بالهاء العلمية؛ فمنع ترخيم النكرة المقصودة، والصحيح جوازه لما تقدم1. الثاني: منع ابن عصفور ترخيم "صلعمة بن قلعمة" لأنه كناية عن المجهول الذي لا يعرف، وإطلاق النحاة بخلافه، فليس كونه كناية عن المجهول بمانع؛ لأنه علم جنس. الثالث: إذا ناديت طلحة ونحوه ورخمت قلت: يا طلحَ ويا طلحُ بالفتح والضم كما سيأتي، وإن لم ترخم قلت: "يا طلحةُ" بضم التاء. وقد سمع وجه رابع، وهو "يا طلحةَ" بفتح التاء، قال النابغة2:
كليني لهم يا أميمةَ نَاصِبِ ... ....................... فاختلف النحويون فيه، فقال قوم: ليس بمرخم، ثم اختلفوا؛ فقيل: هو معرب نُصب على أصل المنادى ولم ينون لأنه غير منصوب، وقيل: هو مبني على الفتح؛ لأن منهم من يبني المنادى المفرد على الفتح؛ لأنها1 حركة تشاكل حركة إعرابه لو أعرب. فهو نظير "لا رجلَ في الدار"، وأنشد هذا القائل2: يا ريحَ من نحو الشمال هُبِّي بالفتح، وذهب أكثرهم إلى أنه مرخم فصار في التقدير "يا أميمُ" ثم أقحم التاء غير معتد بها وفتحها؛ لأنها واقعة موقع ما يستحق الفتح وهو ما قبل هاء التأنيث3، وهذا ظاهر كلام سيبويه. قلت: فعلى هذا تكون مقحمة بين الحاء والتاء المحذوفة المنوية. وللفارسي قولان: أحدهما: أنها زيدت ثم فتحت إتباعا لحركة الحاء. والثاني: أنها أقحمت بين الحاء وفتحها، فالفتحة التي في التاء هي فتحة الحاء ثم فتحت الحاء إتباعا لحركة التاء. وقال في شرح التسهيل بعد ذكره مذهب سيبويه: وأسهل من هذا عندي ان تكون فتحة التاء إتباعا لفتحة ما قبلها.
قلت: هذا يوافق أحد قولي أبي علي في الإتباع، لكن ظاهر كلامه في الشرح أن التاء هي الأولى لا تاء زيدت بعد حذف الأولى فهي قول آخر. الرابع: أجاز قوم منهم الفراء إلحاق ألف التأنيث الممدودة بتائه في الفتح فأجازوا "يا أسماء أقبلي" وليس بصحيح؛ لأنه غير مسوغ. ومقيس على ما ترك فيه مقتضى الدليل. الخامس: إذا وقف على المرخم بحذف الهاء فالغالب أن تلحقه هاء ساكنة؛ فتقول في الوقف على "يا طلح"1: "يا طلحهْ". واختلفوا في هذه الهاء. فقيل: هاء السكت وهو ظاهر كلام سيبويه، وقيل: هي التاء المحذوفة أعيدت لبيان الحركة، وإليه ذهب المصنف. قال "في"2 التسهيل3: ولا يستغنى غالبا في الوقف على المرخم بحذفها عن إعادتها أو تعويض ألف منها، وأشار بالتعويض إلى قوله4:
قِفِي قبل التفرُّقِ يا ضُبَاعَا ... ........................ فجعل ألف الإطلاق عوضا "عن"1 الهاء، ونص سيبويه وابن عصفور على أن ذلك لا يجوز إلا في الضرورة. وأشار بقوله: "غالبا" إلى أن بعض العرب يقف بلا هاء ولا عوض، حكى سيبويه "يا حَرْمَل" في الوقف بغير هاء. قال الشيخ أبو حيان: أطلقوا في لحاق هذه الهاء، ونقول: إن كان الترخيم على لغة من لا ينتظر لم تلحق. ثم قال: ....................... ... ....... والذي قد رُخِّمَا بحذفها وفره........... ... ...................... أي: لا تحذف منه شيئا بعد حذف الهاء. فعلم أن قوله: "ومع الآخر احذف الذي تلا" خاص بالمجرد منها. وما ذكره هو مذهب عامة النحويين، وأجاز سيبويه أن يرخم ثانيا بعد حذف التاء على لغة من لم يراعِ المحذوف، ومنه قوله2:
أحَارُ بنَ بدر قَد وَليتَ ولاية ... .......................... يريد: أحارثةُ. وقول الآخر1: يا أَرْطُ إنَّكَ فاعل ما قلْتَهُ ... ....................... يخاطب أرطاة بن سهية. قال الشيخ أبو حيان: ولو ذهب ذاهب إلى أن المؤنث يجوز في ترخيمه وجهان: أحدهما: حذف التاء وهو الكثير.
والآخر: حذفها مع ما قبلها كالحذف في منصور، لكان قولا. وتقدير أن الشاعر في البيت الواحد نوى الترخيم أولا ثم نوى الترخيم ثانيا في الكلمة الواحدة حال النطق بها -يحتاج إلى وحي يسفر عن هذا التقدير. انتهى. ثم انتقل إلى المجرد فقال: ...................... واحظُلا ... ترخيم ما من هذه الها قد خَلا إلا الرباعي فما فوق العَلم ... دون إضافة وإسناد مُتم أي: امنع ترخيم ما خلا من الهاء إلا ما اجتمعت فيه أربعة شروط: الأول: أن يكون زائدا على الثلاثة فلا يجوز ترخيم الثلاثي تحرك وسطه نحو: "حَكَم"، أو سُكِّن نحو: "بَكْر" هذا مذهب الجمهور، وأجاز الفراء والأخفش ترخيم المحرك الوسط1، ونقل عن الكوفيين، وفيه نظر؛ لأنه "قد"2 نقل عن الكسائي المنع إلا "أن"3 يثبت له قولان. وأما الساكن الوسط فقال ابن عصفور: لا يجوز ترخيمه قولا واحدا. وقال في الكافية: ولم يرخم نحو بكر أحد، وليس كما قالا بل فيه خلاف؛ حكي عن الأخفش وبعض الكوفيين إجازة ترخيمه، ونقل الخلاف فيه أبو البقاء العكبري وصاحب النهاية وابن هشام4 وابن الخشاب. قلت: وفصل بعض المتأخرين بين لازم السكون وعارضه، فقال: لو سمى "بضرب" -المبني للمعفول- ثم سكن لما امتنع ترخيمه، ولو سمى به بعد الإسكان لم يجز ذلك. الثاني: أن يكون علما، وأجاز بعضهم ترخيم النكرة المقصودة نحو: "يا غَضَنْفَ" في غضنفر قياسا على قولهم: "أطرق كَرَا" و"يا صاح".
الثالث: ألا يكون ذا إسناد فلا يجوز ترخيم "بَرَقَ نحرُه" ونحوه، وسيأتي الكلام عليه. الرابع: ألا يكون ذا إضافة، خلافا للكوفيين في إجازتهم ترخيم المضاف إليه كقوله1: خُذُوا حظكم يا آل عِكْرمَ واذكروا هذا عند البصريين نادر، وأندر منه حذف المضاف إليه بأسره، كقوله2: يا عبدَ هل تَذْكُرني ساعة ... ....................... يريد: يا عبد هند، وعبد هند. علم له، وتقدم أن ترخيم المضاف نادر أيضا في قوله: يا علقم الخير. فإن قلت: أهمل المصنف من شروط ترخيم المجرد ثلاثة:
أحدها: ألا يكون مختصا بالنداء1. والثاني: ألا يكون مندوبا. والثالث: ألا يكون مستغاثا. قلت: أما الأول فلم ينبه عليه، وأما الثاني والثالث فقد تقدم ما يرشد إليهما وهو نصه على التزام حرف النداء معهما؛ لأن علة التزامه هي علة منع ترخيمهما، وأجاز ابن خروف ترخيم المستغاث إذا لم يكن فيه اللام. كقوله2: ........................ ... أَعَام بْنَ صعصعةَ بْنِ سعْدِ قال ابن الصايغ: وهذا ضرورة، وقد ناداه بغير يا، وذلك ممنوع وقد سمع ترخيمه.
ومع اللام كقوله1: كلما نادى مُنادٍ منهم ... يا لتَيْمِ الله قُلنا يا لَمالِ ثم اعلم أن الخالي من تاء التأنيث إذا استوفى شروط الترخيم فالمحذوف منه للترخيم إما حرف وإما حرفان وإما كلمة، فالذي يحذف منه حرف نحو: "حارث" و"مالك" فتقول: "يا حار" و"يا مال" وأما الذي يحذف منه حرفان فقد أشار إليه بقوله: ومَعَ الآخِرِ احذفِ الذي تَلا أي: احذف مع الآخر ما قبله بخمسة شروط: الأول: أن يكون حرف لين، فلو كان حرفا صحيحا حذف الآخر وحده، فتقول في "سفرجل وقِمَطْر" يا سفرج ويا قِمَط، خلافا للفراء في نحو "قمطر" فإنه يقول: يا قِمَ بحذف حرفين. الثاني: أن يكون ساكنا، لو كان متحركا لم يحذف فتقول في "هَبَيَّخ" و"قَنَوَّر"2: يا هَبيَّ ويا قنوَّ، بحذف الآخر وحده.
الثالث: أن يكون زائدا، فلو كان أصليا لم يحذف فتقول في "مختار": يا مختا، ولا تحذف الألف؛ لأنها بدل العين، وعن الأخفش أنه يحذف مع الآخر، وأجاز الجرمي في "منقاد": يا منق. الرابع: أن يكون رابعا فصاعدا، فلو كان ثالثا نحو: "عماد" و"سعيد" و"ثمود" فمذهب البصريين أنه يرخم بحذف آخره فقط، ونقل المصنف عن الفراء أنه أجاز في نحو "عماد" و"سعيد" وجهين: حذف الآخر وحده كالبصريين، وحذفه مع الألف والياء فتقول: يا عم وياسع، وأما في ثمود فيحذف الحرفين ولا يجيز يا ثمو؛ لأن بقاء الواو يستلزم عدم النظير، ونقل غيره عن الفراء أنه يحذف الحرفين في ثمود ويحذف الآخر فقط في عماد وسعيد. الخامس: أن يكون قبله حركة مجانسة، فلو كان قبل الواو والياء فتحة نحو: "غُرنَيْق"1 و"فرعون"، فمذهب الجرمي والفراء أنه يحذف مع الآخر كالذي قبله حركة مجانسة لا يفرقان بين النوعين. قال في شرح الكافية: وغيرهما لا يرى ذلك بل يقولون: يا فرعو، ويا غرني. قلت: وذكر الجرمي أن ما ذهب إليه هو مذهب الأكثرين. وإلى هذا الخلاف أشار بقوله: .......... والخلف في ... واو وياء بهما فتح قُفي فإن قلت: إطلاقه يوهم إجراء الخلاف في نحو "مصطَفَوْنَ" -علما- لأن واوه قبلها فتحة، وليس كذلك، بل يقولون في ترخيمه: يا مُصْطَف وجها واحدا، وقد نبه في شرح الكافية على ذلك.
قلت: الواو في مصطفون ونحوه من الجمع بعد الضمة مقدرة؛ لأن أصله مصطفيون فأعل على ما اقتضاه التصريف1، فليست الواو في التقدير بعد فتح، وإلى هذا أشار بقوله في التسهيل2: مسبوق بحركة مجانسة ظاهرة أو مقدرة. ومثال ما حذف منه حرفان؛ لاجتماع الشروط المذكورة: عمران وحماد وأسماء وزيدان ومسلمات -علمين- وحمدون ومنصور وزيدون وملكوت -علمين- "وجعفر ومسكين"3 وغسلين وعفريت -أعلاما. ثم أشار إلى ما يحذف منه كلمة بقوله: والعَجْزَ احذِفْ من مركَّب إذا رخم المركب حذف عجزه نحو: "يا بعلَ" و"يا سيبَ" في بعلبك وسيبويه، وفي خمسة عشر -علما- يا خمسةَ، ومنع الفراء ترخيم المركب من العدد إذا سُمي به، ومنه أكثر الكوفيين ترخيم ما آخره ويه، وذهب الفراء إلى أن لا يحذف منه إلا الهاء فتقول: يا سيبوَيْ، وقال ابن كيسان: لا يجوز حذف الثاني من المركب بل إن حذفت الحرف أو الحرفين فقلت: يا بعلبَ ويا حضرمَ، لم أرَ به بأسا، والمنقول أن العرب لم ترخم4؛ وإنما أجازه النحويون. تنبيه: إذا رخمت "اثنا عشر، واثنتا عشرة" -علمين- حذفت العجز مع الألف قبله "يا اثنَ، ويا اثنتَ" كما يقال في ترخيمهما لو لم يركبا، نص على ذلك سيبويه وعلته أن عجزهما بمنزلة النون؛ ولذلك أعرابا. وقوله: ..................... وَقَلْ ... تَرخِيمُ جُملةٍ وذا عمروٌ نَقلْ
قال المصنف: أكثر النحويين لا يجيزون ترخيم المركب المضمن إسنادا كتأبط شرا، وهو جائز؛ لأنه سيبويه حكى ذلك في "بعض"1 أبواب النسب فقال: تقول في النسب إلى تأبط شرا تأبطي؛ لأن من العرب من يقول: يا تأبط، ومنع ترخيمه في باب الترخيم، فعُلم بذلك أن منع ترخيمه كثير، وجواز ترخيمه قليل، وقال الشارح: فعلم أن جوازه على لغة قليلة، وإلى هذا أشار بقوله: "وذا عمرو نقل" وعمرو هو اسم سيبويه. قال الشيخ أبو حيان: وهوغير صحيح؛ لأن سيبويه لم ينص على ترخيمه، بل قال: من العرب من يفرد فيقول: "تأبط أقبل" فيجعل الأول مفردا، وليس مناقضا لما قرره من أن المحكي لا يرخم، بل أراد أن من العرب من يفردها لا على جهة الترخيم. ولذلك قال من يفرد ولم يقل من يرحم، ولا نعلم خلافا عن أحد من النحويين أن المحكي لا يرخم. واعلم أن في ترخيم المنادى لغتين: الأولى: أن ينوي المحذوف. والثانية: ألا ينوي. وقد أشار إلى الأول بقوله: وإِنْ نويتَ بعد حذفٍ ما حُذِفْ ... فالباقيَ استعملْ بما فيه أُلِفْ أي: إذا نويت ثبوت المحذوف بعد حذفه للترخيم تركت ما قبله على حاله قبل الحذف واستعملته بما فيه من حركة نحو: "يا حارِ، ويا جعفَ، ويا منصُ" في حارث وجعفر ومنصور، أو يكون "يا قمطْ" في "نحو"2 يا قمطر، خلافا للكوفيين؛ فإنهم لا يرخمون قمطرا أو نحوه مما قبل آخره ساكن إلا على لغة من لم ينو، وتقدم مذهب الفراء في حذفه.
تنبيه: مقتضى قوله: "بما فيه ألف" ألا يغير ما بقي عن شيء مما كان عليه قبل الحذف. ويرد على إطلاقه مسألتان: الأولى: ما كان مدغما في المحذوف وهو بعد ألف، فإنه إن كانت له حركة في الأصل حركت بها نحو: "مُضارّ، وتَحاجّ"، فتقول فيهما: يا مضار -بالكسر- إن كان اسم فاعل، وبالفتح وإن كان اسم مفعول، ويا تحاج -بالضم- لأن أصله تحاجُج. وإن كان أصلي السكون حرك بالفتحة؛ لأنها أقرب الحركات إليه نحو: "أسحار" اسم نبت، تقول فيه: "يا أسحار" -بفتح الراء- هذا مذهب سيبويه. ثم اختلف عنه فقال السيرافي: يتحتم الفتح، وقال الشلوبين: يختاره ويحيز الكسر، ونقل ابن عصفور عن الفراء أنه يكسر على أصل التقاء الساكنين، وهو مذهب الزجاج. ونقل عنه أيضا صاحب رءوس المسائل أنه يسقط كل ساكن يبقى بعد الآخر حتى ينتهي إلى متحرك، فعلى هذا تقول: "يا أسْحَ". الثانية: ما حذف لواو الجمع نحو: "قاضون" فإنه إذا رخم بحذف الواو والنون رد إليه ما حذف منه؛ لزوال سبب الحذف، هذا مذهب الأكثرين، واختار في التسهيل عدم الرد. ثم أشار إلى الثانية بقوله: واجْعَلْهُ إن لم تنوِ محذوفا كما ... لو كان بالآخِر وضعا تُمِّمَا أي: إذا لم تنوِ المحذوف، فاجعل الباقي بعد الحذف كالاسم التام المصوغ على تلك الصيغة فيعطي آخره من البناء على الضم وغير ذلك من الصحة والإعلال ما يستحقه لو كان آخرا في الوضع فتقول: "يا حارُ، ويا جعفُ، ويا منصُ، ويا قمطُ" -بالضم- في الجميع كما لو كانت أسماء تامة لم يحذف منها شيء.
تنبيهان: الأول: لو كان ما قبل المحذوف معتلا قدرت فيه الضمة على هذه اللغة، فتقول في "ناجية": يا ناجي -بالإسكان- وهو علامة تقدير ضمها. الثاني: يجوز في نحو: "يا حر بن عمر" على هذه اللغة -ضم الراء وفتحها- كما جاز ذلك في نحو: "يا زيد بن عمرو"، ثم فرع على الوجهين المذكورين فقال: فَقُلْ على الأول في ثمود يا ... ثَمُو ويا ثَمِي على الثاني بيا يعني بالأول لغة من ينوي، وبالثاني لغة من لا ينوي، فتقول في ترخيم ثمود على الأول يا ثمو؛ لأن الواو محكوم لها بحكم الحشو، فلم يلزم مخالفة النظير، وعلى الثاني يا ثمي بقلب الواو ياء، لتطرفها بعد الضمة كما فعل في أدل ونحوه؛ وذلك لأن بقاءها على هذا التقدير مستلزم عدم النظير؛ إذ ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة، وإذا رخمت "صَمَيان، وكَروان"1 قلت على الأول: يا صمي ويا كرو، وعلى الثاني: يا صما ويا كرا، بقلب الياء والواو ألفا؛ لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، ولا مانع. وإذا رخمت "سقاية وعلاوة"2 قلت على الأول: يا سقايُ ويا علاو، وعلى الثاني: يا سقاءُ ويا علاءُ، بإبدال الياء والواو "همزة"3 لتطرفهما بعد ألف زائدة. وأما نحو "غاوٍ" فتقول فيه على الأول: يا غاوِ، وعلى الثاني: يا غاوُ، ولا تبدلها همزة لوجهين: أحدهما: ألا يتوالى إعلالان؛ لأن لامه أعلت. والثاني: "أنه"4 صار كاسم تام على ثلاثة أحرف، وما كان كذلك لا تقلب واوه همزة نحو "واو" ذكر ذلك الشيخ أبو حيان.
وإذا رخمت "شاة" قلت على الأول: ياشا، وعلى الثاني: يا شاة، برد اللام، لبقائها على حرفين ثانيهما حرف علة، ولا يكون كذلك اسم متمكن. وإذا رخمت "ذات" قلت على الأول: يا ذا، وعلى الثاني: يا ذوا، برد المحذوف لا ذكر في شاة. وإذا رخمت "لات" قلت على الأول: يالا، وعلى الثاني: يالا، برد اللام؛ لأنه لا يعلم له ثالث فيرد. وإذا رخمت "سُفيرج" تصغير سفرجل قلت على الأول: يا سفيرِ، وعلى الثاني: يا سفيرُ "عند الأكثرين"1. وقال الأخفش: يا سفيرلُ، برد اللام المحذوفة، لأجل التصغير، وفروع الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية. ثم أشار إلى ما يلزم فيه الوجه الأول بقوله: والتَزِمِ الأولَ في كمُسْلِمَهْ ... وجَوَّزِ الوجهينِ في كَمَسْلَمَهْ يعني أن الوجه الأول وهو الترخيم على لغة من نوى يلتزم في الصفات المؤنثة بالتاء الفارقة بين المذكر والمؤنث نحو: "مسلمة" فيقال فيه: يا مسلمَ -بالفتح- ولا يجوز ترخيمه على الوجه الثاني؛ لأنه لو قيل "فيه"2: يا مسلمُ -بالضم- لالتبس بالمذكر، بخلاف العلم نحو: مسلمة، فإنه يجوز ترخيمه على الوجهين؛ لأن التاء فيه ليست للفرق. قيل: وكلامه في التسهيل يدل على اعتبار اللبس في العلم، وقد فهم من ذلك أن نحو: "ربعة" يجوز ترخيمه على الوجهين وإن كان صفة؛ لأن التاء فيه ليست للفرق.
تنبيه: لالتزام الوجه الأول سببان: أحدهما: ما ذكر، والثاني: لزوم عدم النظير بتقدير التمام، فيمتنع الوجه الثاني في أمثلة منها "طيلسان" -بكسر اللام- إذ لو رخم على "تقدير التام لزم"1 وجود فَيْعِل -بكسر العين- في الصحيح، وهو مفقود إلا ما ندر من "صيقل" -اسم امرأة- وبَيْئِس في قراءة2، ومنها: حبلوى وحمراوى، فإنهما لو رخما على هذا الوجه، لقيل فيهما: يا حبلى ويا حمرا، فيلزم من ذلك ثبوت ما لا نظير له. وهو كون ألف فعلى وهمزة فعلاء مبدلتين من واو، وهما لا يكونان إلا للتأنيث، ومنها "عُرقوة، وحذرية" فإنهما لو رخما على هذا الوجه لقيل فيهما: يا عرقى ويا حذرى، فيلزم وجود فُعلى وفعلى، وهما بناءان مهملان. فإن قلت: لم أهمل هاهنا ذكر السبب الثاني، وقد ذكره في الكافية والتسهيل؟ قلت: هو سبب مختلف فيه. وممن ذهب إلى اعتباره الأخفش والمازني والمبرد ونقل عنهم في ترخيم حبلوى، ونقل عن الأخفش في طيلسان، ونقله ابن أصبغ عن كثير من النحويين. وذهب السيرافي وغيره إلى عدم "عدم"3 اعتباره، فأجاز الترخيم في المسائل المتقدمة، فلعله تركه "لذلك"4 وقوله: ولاضطرار رَخَّمُوا دون نِدَا ... ما للنِّدَا يَصْلُحُ نحو أحمدا يرخم في الضرورة ما ليس منادى بشرط أن يكون صالحا لأن يُنادى نحو "أحمد" فتقول فيه: يا أحم.
وقد فهم من عدم تقييده جواز ترخيمه على الوجهين: "أما جواز ترخيمه"1 على تقدير التمام فمجمع على جوازه كقوله2: لَنعْمَ الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... طريفُ بنُ مالٍ ليلة الجوع والخَصَرْ يعني: ابن مالك. وأما ترخيمه على نية المحذوف فأجازه سيبويه ومنعه المبرد، وهو محجوج بالقياس على النداء وبالسماع كقوله3:
إن ابن حارث إن أشتقْ لرؤيته أو أمتدحْه فإن الناس قد عَلمُوا وقوله1: ........................... ... وأضْحَتْ منك شَاسِعَةً أُمَامَا أنشدهما سيبويه، وأنشد المبرد2:
......................... ... وما عهدى كعهدك يا أمَامَا قال في شرح الكافية: والإنصاف يقتضي تقرير الروايتين، ولا تدفع إحداهما بالأخرى. وفهم من الشرط المذكور أن المعرف بأل لا يرخم في غير النداء؛ لعدم صلاحيته للنداء؛ ولهذا خطئ من جعل "من"1 ترخيم الضرورة قول العجاج2: أوَالِفَا مكة من وُرْقِ الحمي فإن قلت: فهل يشترط في ترخيم الضرورة عِلِّيَّة أو تأنيث بالهاء؟ قلت: لا. ونص على ذلك في التسهيل3 وهو المفهوم من إطلاقه هنا. ومن ترخيم النكرة "قوله"4 5:
ليس حي على المنون بخالِ يعني: بخالد.
الاختصاص
الاختصاص: الاختصاص كنداء دون يا ... كأيها الفتى بإثر ارجونيا الاختصاص: ما جيء به على صورة هي لغيره توسعا، كما يرد الأمر بصيغة الخبر والخبر بصيغة الأمر1. والباعث على الاختصاص فخر أو تواضع أو زيادة بيان. والمخصوص اسم ظاهر بعد ضمير متكلم يخصه أو يشارك فيه، وذلك الاسم ثلاثة أنواع: الأول: أيها وأيتها نحو: "أنا أفعل كذا أيها الرجل" و"اللهم اغفر لنا أيتها العصابة"2 وأي هنا مبنية على الضم، ويلزم وصفها باسم جنس معرف بأل واجب الرفع على ما تقدم في النداء. الثاني: المعرف بالإضافة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم "نحن معاشر الأنبياء لا نُورَثُ" 3. قال سيبويه: أكثر الأسماء دخولا في هذا الباب بنو فلان ومعشر مضافة وأهل البيت وآل فلان. الثالث: المعرف بأل كقولهم: "نحن العربَ أقرى من الناس للضيف"، وقد يكون علما كقول رؤبة4: بنَا تميما يُكْشَفُ الضَّبَابُ
ولا يدخل في هذا الباب نكرة ولا اسم إشارة. قال سيبويه: ولا يجوز أن يذكر إلا اسما معروفا، ولم يقع المختص مبنيا إلا بلفظ أيها وأيتها، وأما غيرهما فالمنصوب والناصب واجب الإضمار تقديره أخص. وأما أيها وأيتها فمذهب الجمهور أنهما في موضع نصب بأخص مضمرا أيضا. وذهب الأخفش إلى أنه منادى. قال: ولا ينكر أن ينادي الإنسانُ نفسَه، ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه: "كل الناس أفقه منك يا عمر". وذهب السيرافي إلى أن "أيا" في الاختصاص معربة، وزعم أنها تحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: أنا أفعل كذا، هو أيها الرجل، أي: المخصوص به. والثاني: أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: أيها الرجل المخصوص أنا المذكور. والأكثر في هذا الاختصاص أن يلي ضمير متكلم كما سبق، وقد يلي ضمير مخاطب كقولهم: "بك اللهَ نرجو الفضلَ" و"سبحانك الله العظيمَ"، ولا يكون بعد ضمير غائب.
وأما ما وقع في الكتاب "على المضارب الوضيعة أيها البائع"1 فقال الفارسي: لا علم لي بوجه ذلك، وفي كتاب الصفَّار: أن هذا فساد وقع في الكتاب وقد أول بأنه وضع الظاهر موضع المضمر، ويكون المعنى: عليَّ الوضيعة أيها البائع، وقد روي كذلك. ولما ذكر أن الاختصاص كالنداء في الصورة نبه على أنه قد خالف النداء من ثلاثة أوجه: الأول: أنه لا يستعمل معه "يا" ولا غيرها من حروف النداء، وإلى هذا أشار بقوله: "دون يا". الثاني: أنه لا يستعمل مبدوءا به، فهم ذلك من قوله: "بإثر ارجونيا". الثالث: أنه استعمل معرفا بأل، وإلى هذا اشار بقوله: وقد يُرى ذا دون أي تِلْوَ أل ... كمثل نحنُ العرب أسخى مَن بَذَلْ إنما قال "دون أي" لأن استعمال المعرف بأل صفة لأي مشترك بين النداء والاختصاص نحو: "يأيها الرجل". قلت: وجه رابع، وهو أن "أيا" توصف في النداء باسم الإشارة، وهنا لا توصف باسم الإشارة. ووجه خامس: وهو أن المازني أجاز نصب صفة أي في النداء، ولم يحكوا هنا خلافا في وجوب رفع صفتها، وفي الارتشاف: لا خلاف في متبوعها أنه مرفوع.
التحذير والإغراء
التحذير والإغراء: إياك والشرَّ ونحوَه نَصَبْ ... مُحذِّرٌ بما استتارُه وَجَبْ إنما ذكر التحذير والإغراء بعد باب النداء؛ لأن الاسم في التحذير والإغراء مفعول به بفعل لا يجوز إظهاره كالمنادى، على تفصيل سيأتي. والتحذير: هو تنبيه المخاطب على مكروه يجب الاحتراز منه، ويكون بثلاثة أشياء: بإياك وأخواته، وبما ناب عنها من الأسماء المضافة إلى ضمير المخاطب، وبذكر المحذر منه. فإن كان بإياك وأخواته وجب إضمار ناصبه مطلقا، أعني في إفراده وتكراره والعطف عليه، وقد مثل العطف "عليه"1 بقوله: "إياك والشر" فإياك مفعول بفعل واجب الإضمار تقديره: اتق، ونحوه. فإن قلت: هل يقدر قبل إياك أو بعده؟ قلت: قيل: يجب تقديره بعده؛ لأنه لو قدر قبله لاتصل به فيلزم تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وذلك خاص بأفعال القلوب وما ألحق بها. وقيل: كان الأصل: اتقِ نفسك، فلما حذف الفعل استغني عن النفس وانفصل الضمير. واختلف في إعراب ما بعد الواو. فقيل: هو معطوف على إياك، والتقدير: اتقِ نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك. "وهذا"2 مذهب كثير منهم السيرافي واختاره ابن عصفور. فإن قلت: كيف جاز عطفه على إياك وهما مختلفان في الحكم؛ لأن الأول محذر والثاني محذر منه؟
قلت: الجواب أنه لا يلزم اشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في المعنى الذي كان إعرابه بسببه، والتقدير السابق يوضح ذلك. وذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أن الثاني منصوب بفعل آخر مضمر، فهو عندهما من قبيل عطف الجمل، واختار في شرح التسهيل مذهبا ثالثا وهو أن الثاني معطوف عطف مفرد لا على التقدير الأول، بل على تقدير: اتقِ تلاقي نفسك والشر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، قال: ولا شك في أن هذا أقل تكلفا فكان أولى. ومثال التكرار: "إياك إياك من الشر"، ومثال الإفراد: "إياك من الشر". وقد نبه على وجوب إضمار ناصب "إيا" في الإفراد بقوله: ودون عطف ذا لإيا انْسُبْ ... ........................ وإن كان التحذير بغير "إيا" لم يلزم الإضمار إلا مع العطف نحو: "مازِ رأسك والسيف، والشيطان وكيده". أو التكرار نحو: "رأسك رأسك" و"الأسد الأسد". فإن عدم العطف والتكرار جاز الإظهار والإضمار نحو: "رأسك" وإن شئت: قِ رأسك والأسد، وإن شئت: احذر الأسد، وإلى هذا أشار بقوله: ................... وما ... سواه سَتْرُ فعله لن يلزما إلا مع العطف أو التكرار ومثل التكرار بقوله: ............................. ... كالضيغمَ الضيغمَ يا ذا الساري والضيغم: الأسد. فإن قلت: ما علة التزام الإضمار مع "إيا" مطلقا، ومع غيرها في العطف والتكرار؟ قلت: علة التزامه مع "إيا" كثرة الاستعمال فشابهت بذلك الأمثال، وغيرها ليس كذلك، إلا أن العطف والتكرار جعلا كالبدل من اللفظ بالفعل؛ فذلك وجب إضماره معهما.
تنبيهات: الأول: أجاز بعضهم إظهار العامل مع المكرر، وقال الجزولي: يقبح ولا متنع. الثاني: شمل قوله: "وما سواه" يعني: النوعين المتقدم ذكرهما، أعني: ما ناب عن إيا من الأسماء المضافة إلى ضمير المخاطب منه. وكلامه في الكافية وشرحها يقتضي عدم لزوم الإضمار مع التكرار في الأول من هذين النوعين، فإنه قال: ونحوُ رأسَك كإياك جُعل ... إذا الذي يُحْذَرُ معطوفا وُصِلْ وقال في الشرح: فلو لم يذكر المعطوف جاز الإظهار والإضمار، وقد صرح الشارح بوجوب الإضمار في نحو "رأسك" رأسك؛ لأجل التكرار. الثالث: لا يعطف في هذا الباب إلا بالواو1. الرابع: لا يحذف العاطف بعد إياك إلا والمحذور مجرور بمن نحو: "إياك من الشر" "وتقديرها مع أن تفعل"2 كاف نحو: "إياك أن تفعل" أي: من أن تفعل. فأما بيت الكتاب وهو3: فإياكَ إياكَ المراءَ فإنه ... إلى الشر دَعَّاءٌ وللشر جَالِبُ
فقيل: هو على حذف الجار للضرورة، وقيل: على حذف العاطف للضرورة أيضا، وقيل: إنه بدل من إياك، وقيل: أضمر له ناصب آخر بعد إياك، فقوله: إياك إياك مستقل بنفسه، ثم أضمر بعد إياك فعلا تقديره: اتقِ المراء، على هذا حمله سيبويه. قال في شرح التسهيل: وعلى كل حال فلا يجوز مثل هذا إلا في الشعر. انتهى. وقوله: في باب التحذير من التسهيل1: ولا يحذف العاطف بعد إيا إلا والمحذر منصوب بإضمار فعل أو مجرور بمن. يقتضي جواز إياك المراء ونحوه على إضمار فعل؛ لتسويته بينه وبين الجر بمن. قال أبو البقاء العكبري: في نحو: "إياك الشر" المختار عندي أن يضمر له فعل يتعدى إلى مفعولين نحو: "جنب نفسك الشر" "فإياك في موضع نفسك"2، ومثل الشارح إفراد إيا بقوله: "إياك الشر" وقال: تقديره أحذرك الشر، وهو نظير "إياك المراء" وظاهر تقديره أن الناصب لهما فعل واحد متعد إلى اثنين فهو نحو مما قاله أبو البقاء. فإن قلت: إذا جعل ناصب المراء فعلا مضمرا بعد إياك فهل يكون إضماره واجبا أم جائزا؟ قلت: قال ابن عصفور: إن حذفت الواو لم يلزم إضمار الفعل نحو: "فإياك إياك المراء". تقديره: دَعِ المراء، ولو كان في الكلام لجاز إظهار هذا الفعل. انتهى. وشذ إياي، وإياه أشذ ... ....................
الشائع في التحذير أن يراد به المخاطب. وقد ورد للمتكلم كقول من قال: "إيايَ وأن يحذِفَ أحدُكم الأرنبَ"1 أي: إياى نح عن حذف الأرنب ونح حذف الأرنب عن حضرتي، فعلى هذا هو جملة واحدة. وقال الزجاج: إن ذلك جملتان، والتقدير: إياي وحذف الأرنب وإياكم وحذف أحدكم الأرنب، فحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني "وحذف"2 من الثاني ما أثبت نظيره في الأول، وقال بعضهم: إياي ليس على "معنى فعل أمر بل على معنى"3 إياي باعد، فجعله خبرا. وقد ورد للغائب في قولهم: "إذا بلغ أحدكم الستين فإياه وإيا الشواب"4، وإليه أشار بقوله: "وإياه أشذ" أي: أشذ من إياي، وفي هذا المثل شذوذ من وجه آخر، وهو إضافة "إيا" إلى الظاهر. وعن سبيل القَصْد مَنْ قاس انتبَذْ يقتضي منع القياس "على إياي وعلى إياه فلا يستعمل إلا حيث سمع"5. "قلت: ظاهر كلامه في التسهيل جواز القياس"6 على المتكلم؛ لأنه قال بنصب تحذير إياي وإيانا معطوفا عليه المحذور، فلم يصرح بشذوذه، وذكر إيانا معه. وكمُحذِّرٍ بلا إيا اجْعَلا ... مُغْرًى به في كل ما قصد فُصِّلا الإغراء: إلزام المخاطب العكوف على ما يُحمد عليه، والمغرى به: منصوب بفعل مضمر، وحكم ناصبه في وجوب الإضمار وجوازه كحكم ناصب المحذر به، فيجب إضماره مع العطف نحو: "الأهل والولد" والتكرار نحو7:
أخاكَ أخاكَ........... ... ....................... ولا يجب مع الإفراد بل يجوز إظهاره نحو: الزم أخاك. إلا أن الإغراء لا يكون بلفظ إياك وأخواته، فلهذا قال: بلا إيا. تنبيه: قد يرفع المكرر في الإغراء والتحذير كقوله1: لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النجدة السلاحُ السلاحُ وأجاز الفراء الرفع في قوله: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} 2 على إضمار هذه.
أسماء الأفعال والأصوات
أسماء الأفعال والأصوات: الكلام على أسماء الأفعال يحتاج إلى مقدمة تشمل ثلاث مسائل: الأولى: مذهب جمهور البصريين أنها أسماء، وقال بعض البصريين: أفعال استعملت استعمال الأسماء، وذهب الكوفيون إلى أنها أفعال حقيقية، والصحيح أنها أسماء لقبولها بعض علامات الأسماء كالتنوين والتصريف، ولعدم قبولها علامات الأفعال، ولورودها على أوزان تخالف أوزان الأفعال. الثانية: اختلف القائلون باسميتها في مدلولها، فقيل: مدلولها لفظ الفعل لا الحدث والزمان، بل تدل على ما يدل على الحدث والزمان، وقيل: مدلولها المصادر إلا أنها دخلها معنى الأمر ومعنى الوقوع بالمشاهدة. ودلالة الحال في غير الأمر فتبعه الزمان، وقيل: إنها دالة على ما يدل عليه الأفعال من الحدث والزمان، إلا أن دلالتها على الزمان بالوضع لا بالصيغة. قيل: وهو ظاهر مذهب سيبويه وأبي علي وجماعة. فهذه ثلاثة مذاهب، فصَهْ مثلا على الأول اسم للفظ اسكت، وعلى الثاني اسم لقولك سكوتا، وعلى الثالث اسم لمعنى الفعل، إلا أن دلالة الفعل على الزمان بالصيغة، ودلالتها على الزمان بالوضع. الثالثة: ذهب كثير منهم الأخفش إلى أن أسماء الأفعال لا موضع لا من الإعراب، وهو مذهب المصنف ونسبه بعضهم إلى الجمهور، وذهب المازني ومن وافقه إلى أنها في موضع نصب، ونقل عن سيبويه وعن الفارسي القولان، وذهب بعض النحويين إلى أنها في موضع رفع بالابتداء، وأغنى مرفوعها عن الخبر كما أغنى في "أقائم الزيدان" وقد عرفهما بقوله: ما ناب عن فعل كشَتَّان وصَهْ ... هو اسم فعل وكذا أوَّهْ ومَهْ قوله: "ما ناب عن فعل" جنس يشمل اسم الفعل وغيره مما ينوب عن الفعل، وقوله: "كشتان وصه" يعني كونه غير معمول ولا فضلة، وهو تمثيل تمم به الحد، فخرج به ما ناب عن الفعل وهو معمول كالمصدر العامل، أو فضلة كالحرف العامل عمل الفعل، فإنهما ليسا كشتان وصه، وهذا قوله في الكافية: نائب فعل غير معمول ولا فضلة اسم الفعل.
تنبيه: اسم الفعل نوعان: أحدهما: ما كان في الأصل ظرفا "ومجروره"1 أو حرف جر ومجروره، وسيأتي. والآخر: ما ليس كذلك، وهو ضربان: ضرب مختلف في القياس عليه، وضرب مقصور على السماع. فالمختلف في قياسه ثلاثة أنواع: الأول: بناء فعال من الثلاثي المجرد. مذهب سيبويه والأخفش أنه مقيس، ومذهب المبرد أنه لا يقاس عليه. الثاني: بناء فعال من أفعل أجاز ابن طلحة القياس عليه، كما أجاز البناء منه في التعجب، وقد سمع منه دراك من أدرك. الثالث: بناء فعلال من الرباعي أجازه الأخفش قياسا على ما سمع من قولهم: "قَرْقار" و"عَرْعَار"2. ومذهب سيبويه أن ذلك لا يقاس عليه، وهو الصحيح لقلته، وأنكر المبرد سماع اسم الفعل من الرباعي، وذهب إلى أن "قرقار" و"عرعار" حكايتا صوت. وأما المتفق على قصره على السماع. فما عدا هذه الأنواع، وهو ألفاظ كثيرة، وأنا أشرح منها ما اشتمل عليه النظم إن شاء الله تعالى. وقد اشتمل هذا البيت على أربعة ألفاظ "منها"3 وهي: شتان، وصه، وأوه، ومه. فأما "شتان" فهي اسم فعل بمعنى تباعد أو افتراق، وذهب أبو حاتم والزجاج إلى أن "شتان" مصدر جاء على فعلان، وهو واقع موقع الفعل، فيقال: "شتان زيد وعمرو" و"شتان ما زيد وعمرو" بزيادة "ما" و"شتان ما بين زيد وعمرو". ونقل ابن عصفور وغيره أن الأصمعي منع "شتان ما بين زيد وعمرو"، ورد عليه
بأنه مسموع، ونقل صاحب البسيط أن الأصمعي جوَّز أن يكون بمعنى بَعُد، فتقول: "شتان ما بين زيد وعمرو"، وإن غيره منع ذلك. وأما "صه" فاسم فعل بمعنى اسكت، ويقال: صِهْ بكسر الهاء غير منونة، وصهٍ بالتنوين. وسيأتي أن ما نون فهو نكرة وما لم ينون فهو معرفة، وقد يقال: صاه بالألف قبل الهاء الساكنة. وأما "أوه" فاسم فعل بمعنى أتوجع، وفيه لغات أخر: أوَّهْ، أوِّهِ، آوْهْ، أوَّهِ، أوَّتَاهْ، آوَّتَاهُ، آهْ، آهِ، أَوِّ، آوِّ، أووه، أَوَأَهْ. وإذا صرف الفعل منه قيل: أوَّه وتأوه. وأما "مه" فاسم فعل بمعنى انكفف لا بمعنى اكفف؛ لأنه متعد ومه لا يتعدى، ويقال: مِهِ بالكسر، ومِهٍ بالتنوين، كما تقدم في صه. وما بمعنى افْعَلْ كآمينَ كَثُرْ ... وغيرُهُ كَويْ وهيهات نَزُرْ اسم الفعل ثلاثة أضرب: ضرب بمعنى الأمر وهو كثير، وضرب بمعنى المضارع، وضرب بمعنى الماضي، وكلا هذين الضربين قليل، ومن الذي بمعنى الأمر مقيس كما تقدم، وليس في الذي بمعنى المضارع والماضي شيء يقاس عليه، ومثل الأمر بآمين والمضارع بوي والماضي بهيهات. أما "آمين" فاسم فعل بمعنى استجب، وفيه لغتان المد والقصر خلافا لابن درستويه في تخصيصه القصر بالضرورة، وإذا مد فقيل وزنه فايل وهو أعجمي. وقيل: أصله القصر ووزنه فعيل والمد إشباع؛ لأنه ليس في كلام العرب أفعيل ولا فاعيل ولا فيعيل. حكي ذلك عن أبي علي، وحكى القاضي عياض عن الداودي آمين -بالمد والتشديد- وقال: إنها لغة شاذة، وذكر ثعلب وغيره أن تشديد الميم خطأ. وأما "وَيْ" فهو اسم فعل بمعنى أعجب و"أن"1 مثلها وا، وواهَا.
قال في شرح الكافية: ووي ووا وواها بمعنى أعجب، وقال غيره: وي بمعنى أعجب وفيها تندم. ووا بمعنى التعجب والاستحسان. قال1: وَا بأبي أنْت وفُوكِ الأشْنَبُ وتلحق وي كاف الخطاب كقول عنترة2: قيل الفوارس وَيْكَ عنتر أقدم
وزعم الكسائي أن ويك محذوفة من ويلك، فالكاف على قوله ضمير مجرور، وأما قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} 1. قال الخليل وسيبويه: هي وي، ثم قال: كأن الله يبسط، وقال أبو الحسن: هي ويك بمعنى أعجب كأن الله "يبسط". وأما "هيهات" فاسم فعل بمعنى بَعُدَ خلافا لأبي إسحاق2؛ إذ جعلها بمعنى البعد، وزعم أنها في موضع رفع نحو قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} 3 وخلافا للمبرد إذ زعم أنها ظرف غير متمكن وبنى لإبهامه، وتأويله عنده في البعد4. ويفتح الحجازيون "تا" هيهات فيقفون بالهاء، ويكسرها تميم وأسد ويقفون بالتاء وبعضهم يضمها، وإذا ضمت فمذهب أبي علي أنها تكتب بالتاء، ومذهب ابن جني أنها تكتب بالهاء، وحكى الصغاني5 فيها ستا وثلاثين لغة: هيهات، وأيهات، وهيان، وأيهان، وهيهاه، وأيهاه، وكل واحدة من هذه الستة مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته، وكل واحدة منها منونة وغير منونة، فتلك ستة وثلاثون وجها. وحكى غيره "فيها"6 هيهاتا وإيهاك، والكاف للخطاب، وأيهاه وأيها وهيهاه، وقرأ عيسى بن عمر الهمداني "هيهات هيهات" على نية الوقف. والفعل من أسمائه عليكا ... وهكذا دونك مع إليكا يعني: أن من اسم الفعل نوعا هو في الأصل جار ومجرور أو ظرف ومجروره، فالأول عليك وكذاك وكما أنت.
والثاني: عندك ولديك ودونك ووراءك وأمامك ومكانك وبعدك، هذا هو المسموع. فعليك بمعنى الزم ويتعدى بنفسه، قال الله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} 1 وبالباء تقول: "عليك بزيد". وإليك بمعنى تَنَحَّ، وهو لازم عند البصرين، وزعم ابن السكيت والكوفيون أنها تتعدى فتقول: "إليك زيدا" أي: أمسك زيدا، وكذاك بمعنى أمسك. كقوله2: ......................... ... كذاك القول إن عليك عينا وكما أنت بمعنى انتظر، حكى الكسائي "كما أنت زيدا" أي: انتظر زيدا، وكما أنتني أي: انتظرني، وعندك بمعنى خذ، وهي متعدية وترد بمعنى توقف، فتكون لازمة، ولديك بمعنى خذ، وهي متعدية تقول: "لديك زيدا". ودونك بمعنى خذ فتتعدى، وبمعنى تأخر أيضا، ولا يتعدى، ووراءك بمعنى تأخر، وأمامك بمعنى تقدم، ومكانك بمعنى اثبت. وسمع الفراء مكانني أي: انتظرني، فتكون ذات تعد ولزوم، وبعدك بمعنى تأخر، وحكى الكسائي الإغراء ببين، وسمع من كلامهم: "بينكما البعير فخذاه" ولا حجة فيه لجواز أن يكون من باب الاشتغال.
تنبيهات: الأول: لا يُستعمل هذا النوع في الغالب إلا متصلا بضمير المخاطب، وشذ عليَّ بمعنى أولني، وإلي معنى أتنحى، وعليه بمعنى ليلزم. الثاني: أجاز الكسائي قياس بقية الظروف على المسموع بشرط الخطاب نحو: خلفك وقدامك، ونقله بعضهم عن الكوفيين، ومذهب البصريين قصر ذلك على السماع. الثالث: اختلف في كاف عليك وأخواته فذهب الكسائي أنها في موضع نصب، ومذهب الفراء أنها في موضع رفع، ومذهب البصريين أنها في موضع جر، وهو الصحيح لأن الأخفش روى عن عرب فصحاء "عَليَّ عبدِ الله زيدًا" بجر عبد الله، فتبين أن الضمير مجرور الموضع، وذهب ابن بابشاذ إلى أنها حرف خطاب، فلا موضع لها من الإعراب. الرابع: في كل واحد من هذه الأسماء مع الضمير "المجرور"1 ضمير رفع مستتر هو الفاعل، فلك في التوكيد أن تؤكد الكاف بالمجرور فتقول: "عليك نفسك" وأن تؤكد المستتر بالمرفوع فتقول: "عليك أنت نفسك" ولا بد من تأكيده بالمرفوع المنفصل. كذا رُوَيْدَ بَلْهَ نَاصِبَيْنِ ... ويَعَمْلانِ الخفضَ مصدَرَيْنِ "رويد" يستعمل أمرا وغير أمر، فإذا استعمل أمرا فله حالان: أحدهما: أن يكو مبنيا على الفتح، وإن وليه مفعول نصب نحو "رُويدَ زيدا" فهو هاهنا اسم فعل بمعنى أمهل؛ لأنه لو كان مصدرا لكان معربا، وذكر بعضهم أنه يرد بمعنى دع، ومنه: لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد الشعر -أي: فدع الشعر- وما زائدة، ويجوز ألا تزاد كما قال2: رويدَ بني شيبان بعض وعيدكم ... .............................
والآخر: أن يكون معربا منصوبا إما مضافا نحو: "رُويدَ زيد"، وإما منونا منصوبا نحو: "رويدًا زيدًا" فهو هاهنا مصدر؛ لأنه لو كان اسم فعل لكان مبنيا. وإذا أضيف فتارة يضاف إلى فاعله نحو: "رويد زيد عمرًا" وتارة إلى مفعوله نحو: "رويد زيدٍ". قيل: ومن الإضافة إلى فاعله قولهم: "رويدك زيدًا" ويحتمل أن يكون اسم فعل، والكاف للخطاب. وإذا نون نصب المفعول، ومنع المبرد النصب "به"1؛ لكونه مصغرا ورويد تصغير إرواد مصدر رود أي: أمهله تصغير ترخيم، وذهب الفراء إلى أن تصغير رَوْدِ بمعنى المهل، ورد بأن رويدًا يتعدى. وإذا استعمل غير أمر فله حالان: أحدهما: أن يكون حالا كقولهم: "ساروا رويدا" فقيل: هو حال من الفاعل أي: مُرْوِدِين. وقيل: من ضمير المصدر المحذوف أي: ساروه رويدا. والآخر: أن يكون نعتا إما لمصدر مذكور نحو: "ساروا سيرا رويدا" وإما لمصدر محذوف نحو: "ساروا رويدا" وضعف كونه نعتا لمصدر محذوف؛ لأنه صفة غير خاصة بالموصوف. واختلفوا في "رويد" الواقع نعتا، فقيل: هو الذي يستعمل مصدرا وصف به كما وصف برضى.
وقيل: تصغير رَوْد تصغير الترخيم وليس بمصدر. وأما "بله" فيكون اسم فعل بمعنى دع وهو مبني نحو: "بله زيدا" وتكون مصدرا بمعنى ترك النائب عن اترك، فتستعمل مضافة نحو: "بله زيد" وهو مضاف إلى المفعول، وقال أبو علي: إلى الفاعل، وروى أبو زيد فيه القلب إذا كان مصدرا تقول: "بَهْلَ زيد" وحكى أبو الحسن الهيثم فتح الهاء واللام فتقول: "بَهْلَ زيدٍ" وأجاز قطرب وأبو الحسن أن يكون بمعنى كيف فتقول: "بله زيد" ويروى1: ....................... ... بَلْهَ الأكفَّ كأنها لم تُخْلَق بالنصب على أنها اسم فعل، وبالجر على أنها مصدر، وبالرفع، فقيل: هي اسم فعل بمعنى اترك. وقيل: بمعنى كيف، وأنكر أبو علي الرفع بعدها، وذهب بعض الكوفيين إلى أن "بله" بمعنى غير، فمعنى: بله الأكف غير الأكف، وذهب الأخفش إلى أنها حرف جر، وعدها الكوفيون والبغداديون من أدوات الاستثناء، فأجازوا النصب بعدها على الاستثناء. وما لِمَا تنوبُ عنه مِن عَمَلْ ... لها وأخِّرْ ما لذِي فيه العَمَلْ
يعني: أن أسماء الأفعال تعمل عمل الأفعال التي تنوب عنها فترفع الفاعل ظاهرا نحو: "هيهات زيد" ومضمرا نحو: "نزال"، وتنصب المفعول إن نابت عن متعد، وتتعدى إليه بحرف الجر إن نابت عما يتعدى به، وينبغي أن يقول: غالبا، كما قال في التسهيل احترازا من "آمين" فإنها لم يحفظ لها مفعول، وفعلها يتعدى. وقوله: "وأخر ما لذى فيه العمل" يعني: أنه يجب تأخير معمول أسماء الأفعال، ولا يسوى بينها وبين أفعالها في جواز التقديم، فلا يقال: "زيدا دراكِ" قال الشارح: هذا مذهب جميع النحويين إلا الكسائي فإنه أجاز فيه ما يجوز في الفعل من التقديم والتأخير. انتهى. ونقله بعضهم عن الكوفيين. تنبيه: مذهب المصنف جواز إعمال اسم الفعل مضمرا، وقال في شرح الكافية: إن إضمار اسم الفعل مقدما لدلالة متأخر عليه جائز عند سيبويه. انتهى. ومنع كثير من النحويين حذفه وإبقاء معموله، وتأول كلام سيبويه. واحْكُم بتنكير الذي يُنون ... منها وتعريف سواه بَيِّنُ ما نون من أسماء الأفعال فهو نكرة وما لم ينون فهو معرفة وهي ثلاثة أقسام: لازم التعريف كنزال وآمين، ولازم التنكير كواها بمعنى أعجب وويها بمعنى أغْرِ وذو وجهين نحو صه ومه، وذهب قوم إلى أن أسماء الأفعال كلها معارف ما نون منها وما لم ينون تعريف علم جنس، والأول هو المشهور. ولما فرغ من أسماء الأفعال انتقل إلى أسماء الأصوات، وهي ألفاظ أشبهت أسماء الأفعال في الاكتفاء بها، وهي نوعان: أحدهما: ما خوطب به ما لا يعقل إما لزجر كهلا للخيل، وعدَسْ للبغل، وإما لدعاء كأو للفرس ودَوْه للربع1، وإلى هذا النوع أشار بقوله: وما به خوطب ما لا يعقل من مُشبه اسم الفعل صوتا يُجعل والثاني: ما وضع لحكاية صوت يحوان نحو "غاقِ" للغراب، و"ماء" للظبية، أو غير حيوان نحو "قبْ" لوقع "السيف"2، و"طَق" لوقوع الحجر. وغلى هذا النوع أشار بقوله: كذا الذي أجدى حكاية كقَبْ أي: أفهم حكاية.
ثم قال: والزَمْ بنا النوعين فهو قد وَجَبْ يحتمل أن يريد بالنوعين أسماء الأفعال والأصوات، ويحتمل أن يريد نوعي الأصوات، وعلة بناء أسماء الأفعال شبهها بالحروف؛ لأنها عاملة غير معمولة كما تقدم أول الكتاب، وعلة بناء أسماء الأصوات أنها ليست عاملة ولا معمولة فأشبهت الحروف المهملة فهي أحق بالبناء من أسماء الأفعال. تنبيه: هذه الأصوات لا ضمير فيها، بخلاف أسماء الأفعال؛ فهي من قبيل المفردات، وأسماء الأفعال من قبيل المركبات.
نونا التوكيد
نونا التوكيد: للفعل توكيدٌ بنونين هُما ... كنوني اذهبنَّ واقصدنهما للتوكيد نونان ثقيلة كنون "اذهبن" وخفيفة كنون "اقصدنَهما" وهما أصلان عند البصريين لتخالف بعض أحكامهما، ومذهب الكوفيين أن الخفيفة فرع الثقلية، وذكر الخليل أن التوكيد بالثقيلة أشد من الخفيفة. وفهم من قوله: "للفعل" اختصاصه بهما، وندر توكيد اسم الفاعل كقوله1: أقائلُنَّ أحضروا الشهودا يؤكدان افعل ويفعل آتيا ... ذا طلب أو شرطا إما تاليا نونا التوكيد يؤكدان الأمر والمضارع دون الماضي؛ وقد جاء توكيد الماضي؛ لكونه مستقبل المعنى في قوله2: دامَنَّ سعْدُكِ إن رَحمْتِ متَيَّمَا ... ...........................
فأما الأمر فيؤكدانه بلا شرط نحو "اضربن" وكذا الدعاء نحو1: وأَنْزِلَنْ سكينةً عَلَيْنَا وتوكيد الأمر بالنون جائز لا واجب. وأما المضارع فإن كان حالا لم تدخل عليه النون؛ ولهذا قال: "آتيا"، وإن كان مستقبلا أكد بها لا مطلقا بل في مواضع مخصوصة:
أولها: أن يكون بعدما يقتضي طلبا من لام أمر أو لا نهي أو أداة تحضيض أو عرض أو تمن أو استفهام بحرف أو باسم خلافا لمن خص ذلك بالهمزة وهل1، وقد أشار إلى هذا بقوله: "ذا طلب". الثاني: أن يكون شرطا لأن مقرونة بما الزائدة نحو: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ} 2. وإلى هذا أشار بقوله: "أو شرطا إما تاليا" واحترز من الواقع شرطا لغير إما فإن توكيده قليل كما سنذكر. الثالث: أن يكون جوابا لقسم بخمسة شروط: الأول: أن يكون مستقبلا، فإن الحال لا يؤكد بالنون كما سبق، فإذا أقسم على فعل الحال صدر باللام وحدها كقراءة ابن كثير: "لَا أُقْسِمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ"3. ومن منع الإقسام على فعل الحال أول الآية على إضمار مبتدأ، أي: لأنا أقسم، والمنع مذهب البصريين. الثاني: أن يكون مثبتا، فإن كان منفيا لم تدخله النون نحو: "والله لا يقوم زيد". وقد جاء توكيد المنفي في قوله4: تالله لا يُحمدنَّ المرءُ مُجْتَنِبَا ... فِعْلَ الكرامِ ولو فَاقَ الورَى حَسبَا
الثالث: أن يكون غير مقرون بحرف تنفيس، فإنه لا يدخله النون نحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 1. الرابع: ألا يكون مقدم المعمول كقوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 2. فإنه لا تدخله النون. الخامس: ألا يقترن بقد نحو: "والله لقد أظن زيدا منطلقا"، فإنه لا يجوز توكيده "بالنون"3. وإلى هذا أشار بقوله: أو مثبتا في قَسَم مُستقبلا ... ....................... لكنه أخل بشتراط الثلاثة المتأخرة. وقد نبه في الكافية والتسهيل على الثالث والرابع. تنبيه: توكيد المضارع بعد الطلب ليس بواجب اتفاقا، وأما بعد إما فمذهب سيبويه أنه ليس بلازم ولكنه أحسن؛ ولذا لم يجئ في القرآن بعدها إلا مؤكدا، وإليه ذهب الفارسي وأكثر المتأخرين، وهو الصحيح، وقد كثر في الشعر مجيئه غير مؤكد4. وذهب المبرد والزجاج إلى لزوم نون التوكيد بعد إما، وزعما أن حذفها ضرورة.
وأما بعد القسم فهو واجب عند البصريين بالشروط المذكورة، فلا بد عندهم من اللام والنون، وأجاز الكوفيون تعاقبهما، وقد ورد في الشعر. وقوله: وقَلَّ بعد ما ولم وبعد لا يعني: أن التوكيد بالنون قَلَّ بعد هذه الأربعة: الأول: "ما" والمراد بها الزائدة كقولهم: "بعَيْنٍ ما أَرَيَنَّكَ وبِجُهْدٍ ما تَبْلُغَنْ"1. وقوله2: ومن عِضَةٍ ما يَنْبُتنَّ شَكيرُهَا وقوله3: قليلا به ما يَحْمَدَنَّك وارِثٌ
وجعل بعضهم في قوله: "ما يحمدنك وارث" نافية، وقال: هو نادر أو ضرورة يندرج في إطلاقه ما الكافة لرب، حكى سيبويه: "ربما يقولن ذلك". وأما قوله1: رُبَّما أَوْفَيْتَ فِي عَلَم ... تَرْفَعْنَ ثَوبِي شَمَالاتُ فبعيد جدا. فإن قلت: فقد ذكر في الكافية أن التوكيد بعد "ما" الزائدة شاع، وقال في شرحها: وإنما كثر هذا التوكيد بعد "ما" الزائدة لشبهها بلازم القسم. قال سيبويه: ولا تقع بعد هذه الحروف "إلا" و"ما" زائدة، فأشبهت لام القسم عندهم. انتهى.
فكيف قال هنا: قد قلَّت؟ قلَّته إنما هو بالنسبة إلى المواضع السابقة فلا ينافي كونه شائعا. فإن قلت: فهل هو مطرد؟ قلت: ظاهر كلام المصنف اطراده، وقال بعضهم: لا يقاس على هذه الأمثلة المذكورة. فإن قلت: فهل يطرد بعد ربما؟ قلت: قال في الكافية: وشذ بعد ربما، وعلل بأن الفعل بعدها ماضي المعنى، ونص بعضهم على أن إلحاق النون بعدها ضرورة، وظاهر كلام سيبويه يشعر بأنه لا يختص بالضرورة، وهو ظاهر التسهيل ومثاله بعد "لم" قوله1: يحسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلَمَا ... ....................... وهو قليل، ونص سيبويه على أنه ضرورة؛ لأن الفعل بعد لم ماضي المعنى كما كان بعد ربما.
قال في شرح الكافية: وهو بعد ربما أحسن. ومثاله بعد "لا" والمراد بها النافية قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ} 1 وذلك لشبهها بالناهية. ومذهب الجمهور منع التوكيد بالنون بعد "لا" النافية إلا في الضرورة، وأجازه المصنف وابن جني. وتأول المانعون الآية فقيل: "لا" ناهية والجملة محكية بقول: "محذوف هو"2 صفة "فتنة" فتكون نظير3: جاءوا بِمذْقٍ هَلْ رأيتَ الذِّئْبَ قَطْ وقيل: "لا" ناهية أيضا وتم الكلام عند قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} ثم ابتدأ نَهْيَ الظلمة خاصة عن "التعرض"4 للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة، وأخرج النهي "عن"5 إسناده للفتنة، فهو نهي محول كما قالوا: "لا أريَنَّك هاهنا"6 وهذا تخريج المبرد والفراء والزجاج، وقال الأخفش الصغير: "لا تصيبنّ" هو على معنى الدعاء، وقيل: "لا تصيبن" جواب قسم، والجملة موجبة، والأصل "لتُصيبَنّ" كقراءة ابن مسعود وغيره، ثم أشبعت اللام، وهو ضعيف؛ لأن الإشباع بابه الشعر، وقيل: جواب قسم، ولا: نافية ودخلت النون تشبيها بالموجب وكما دخلت في قوله7: تالله لا يحمدن المرء مجتنبا وقال الفراء: الجملة جواب الأمر، كقولك: "انزل عن الدابة لا تطرَحَنَّكَ" "ولا: نافية ومَن منع النون بعد دخول "لا" النافية منع "انزل عن الدابة
لا تطرحنك""1 ويؤيد ما ذهب إليه المصنف ورود النون بعد النافية، وقد فصل بينها وبين الفعل بمعموله كقولك2: فلا ذا نعيم يَتْرُكَنْ لنَعِيمِهِ ... ....................... أو بمعمول مفسره كقوله3: فلا الجارة الدنيا لها تَلْحَينَّهَا ... .......................... فتوكيد "لا تصيبن" أحق بالجواز؛ لاتصاله بلا. فإن قلت: فهل يطرد التوكيد بعد "لا" مع الفصل؟ قلت: نص غير المصنف على أن ذلك ضرورة.
وقوله: وغير إما من طوالِبِ الْجَزا يشمل "إن" مجردة وغيرها1. ويشمل كلامه الشرط كقوله2: مَنْ نَثْقَفَنْ منهم فليس بآيبٍ والجواب كقولك3:
.................. ... متى يأتِك الخيرُ يَنْفَعَا ودخولها في غير شرط إما وجواب الشرط مطلقا ضرورة. قال سيبويه: بعد إنشاد -فمها تشأ منه فزارة تُعْطِكُم1: وهو قليل في الشعر. قال في التسهيل2: وقد تلحق جواب الشرط اختيارا. انتهى. ولم يخص لحاقها جواب الشرط بالضرورة. تنبيه: جاء توكيد المضارع في غير ما ذكر لضرورة الشعر، وهو غاية من الندور؛ لذلك لم يتعرض لذكره. ومنه قوله3: لَيْتَ شِعْرِي وأشْعُرَنَّ إذا ما ... قرَّبُوها مَنْشُورةً ودُعِيتُ
ولما فرغ من ذكر ما تدخله النون "على اختلاف أحواله"1 أخذ في بيان ما ينشأ عن دخولها في التغيير فقال: وآخِرَ المؤكدِ افتحْ كابرُزَا أمر بفتح آخر الفعل المؤكد أمرا كان أو مضارعا نحو: "ابرزنّ" و"لا تبرزنّ" وشمل كلامه الصحيح كما مثل، والمعتل بالواو كاغزونّ، وبالياء نحو: ارمينّ، وبالألف نحو: اسعينّ -بعد قلب الألف ياء. فإن قلت: ومن أين يؤخذ من كلامه "قلب الألف"2؟ قلت: مما سيذكر. تنبيهات: الأول: أطلق في قوله: "آخر المؤكد" ومراده المجرد من الضمير البارز، علم ذلك مما سيأتي. الثاني: ذهب قوم إلى أن فتحة آخر المؤكد عارضة لالتقاء الساكنين، ونسبه الزجاج إلى سيبويه، وذهب قوم منهم المبرد وابن السراج إلى أنها فتحة بناء، ونسبه إلى سيبويه أيضا، وهو ظاهر مذهب المصنف، وقال في الغرة: إنه هو الصحيح. الثالث: لغة فزارة حذف الآخر إذا كان ياء تلي كسرة نحو: "ارمِنَّ يا زيد"، ومنه3:
ولا تُقاسِنّ بعدي الهم والجزَعَا ثم انتقل إلى رافع الضمير البارز فقال: واشْكلهُ قبل مضمر لين بما ... جَانسَ من تَحرُّكٍ قد عُلِمَا فأمر بتحريك آخر المؤكد قبل المضمر اللين بحركة تجانسه، والمضمر اللين هو ألف الاثنين وواو الجمع وياء المخاطبة. فيفتح آخر المؤكد قبل الألف ويضم قبل الواو ويكسر قبل الياء. وأما حكم المضمر في نفسه، فإن كان ألفا أقرت لخفتها، وإن كان واو أو ياء حذف وتركت الحركة المجانسة دليلا عليهما، وإلى هذا أشار بقوله: والمضمرَ احذفنَّهُ إلا الألفْ فعلم أن الألف تقر نحو: "هل تضربان؟ "، وأن الياء والواو يحذفان نحو: "هل تضربُن يا زيدون؟ " و"هل تضرِبن يا هند؟ ". هذا حكم الصحيح، "وأما"1 المعتل بالواو والياء فتقول: اغزن وارمن، بحذف الواو وإبقاء الضمة دليلا عليها، واغزن وارمن، بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها كما فعلت في الصحيح. فإن قلت: ليس المعتل بالواو والياء كالصحيح؛ لأن المعتل بهما يحذف آخره، ويجعل الحركة المجانسة على ما قبله بخلاف الصحيح. قلت: حذف آخر المعتل إنما هو لإسناده إلى الواو والياء، لا لتوكيده، فهو مساوٍ للصحيح في التغيير الناشئ عن التوكيد؛ ولذلك لم يتعرض له الناظم. وأما المعتل بالألف فليس كالصحيح فيما ذكر؛ بل له حكم آخر نه عليه بقوله:
وإنْ يكُن في آخرِ الفعل ألِفْ ... فاجعله منه رافعا غيرَ اليَا والواو ياء كاسعيَنَّ سَعْيَا الضمير في "اجعله" للألف التي هي آخر الفعل، والضمير في منه للفعل وياء ثاني مفعولي اجعل أي: اجعل الألف التي هي آخر الفعل ياء إن كان رافعا غير الياء والواو، فيشمل ثلاثة أنواع: رافع الألف نحو: "اسعيان"، ورافع نون الإناث نحو: "اسعينان"، والمجرد من الضمير البارز نحو: "اسعينّ يا زيد". ثم ذكر حكم رافع الواو والياء فقال: واحذفه من رافع هاتين وفي أي: واحذف الألف من رافع الياء والواو وتبقى الفتحة قبلها دليلا عليها. ثم ذكر حكم الواو والياء بعد حذف الألف فقال: واو ويا شكْلٌ مُجانِسٌ قفِي يعني: أن الواو تضم والياء تكسر، وإنما احتيج إلى تحريكهما ولم يحذفا؛ لأن قبلها حركة غير مجانسة، أعني: فتحة الألف المحذوفة، فلو حذفا لم يبقَ ما يدل عليهما. ثم مثل فقال: نَحْوُ اخْشِينْ يا هِنْدُ بالكَسْرِ ويَا ... قَوْمُ اخْشُونْ واضْمُمْ وقِسْ مُسَوِّيَا قوله: "واضمم" يعني الواو. تنبيهان: الأول: أجاز الكوفيون حذف الياء المفتوح ما قبلها نحو: "اخْشَينَّ" فتقول: "اخشِنَّ يا هند"، وحكى الفراء أنها لغة طيئ. الثاني: فرض المصنف الكلام على الضمير، وحكم الألف والواو اللذين هما علامة1 كحكم الضمير، وهذا واضح. ولم تقع خفيفة بعد الألف ... لكن شديدة............ قال في شرح الكافية: لو كان المسند إليه ألفا لم يجز أن يؤتى بالنون إلا مشددة، هذا مذهب سيبويه وغيره من البصريين إلا يونس، فإنه يجوز أن يؤتى
بعد الألف بالنون الخفيفة مكسورة، ويعضد قوله قراءة بعض القراء: "فدَمَّرَانِهم تدميرا"1 حكاها ابن جني. ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن ذكوان: "وَلَا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"2. ومذهب يونس كمذهب الكوفيين في وقوع الخفيفة بعد الألف. انتهى. قلت: وفي كلام بعضهم ما يدل على أنهم يلحقونها ساكنة لا مكسورة وهو ظاهر كلام سيبويه. قال: وأما يونس وناس من النحويين فيقولون: اضربان واضربنان زيدا، فهذا لم تقله العرب، وليس له نظير في كلامها؛ إذ لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم. انتهى. فإن قلت: إذا كان بعدها ما تدغم فيه، فهل يجوز لحاقها على مذهب البصريين لزوال المانع نحو: "اضربان نعمان"؟ قلت: قال الشيخ أبو حيان: نص بعضهم على المنع، ويمكن أن يقال: يجوز. انتهى، وقد صرح سيبويه بمنع ذلك. وقوله: "وكسرها ألف" يعني: أن النون الشديدة إذا وقعت بعد الألف كسرت، وإن كانت في غير ذلك مفتوحة، وإنما كسروا مع الألف فرارا من اجتماع الأمثال. وألفًا زِدْ قبلها مُؤَكِّدا ... فِعلا إلى نون الإناثِ أُسْنِدَا فتقول: "اضربنان" وإنما زيدت هذه الألف للفصل بين الأمثال. والخلاف في التوكيد بالخفيفة بعد الألف كالخلاف بعد ألف الاثنين. واحذِفْ خفيفةً لساكنٍ رَدِفْ ... وبعدَ غيرِ فتحةٍ إذا تَقِفْ يعني: أن الخفيفة تحذف وهي مرادة لأمرين:
أحدهما: أن يليها ساكن نحو: "اضربَ الرجلَ" تريد: اضرِبَنْ. ومنه قوله1: لا تُهينَ الفقير علَّك أَنْ ... تركع يوما والدهرُ قد رفعَهْ لأنها لما لم تصلح للحركة عوملت معاملة حرف المد2. وإذا وليها ساكن وهي بعد ألف على مذهب المجيز، فزعم يونس أنها تبدل همزة وتفتح فتقول: "اضرباء الغلام" و"اضربناء الغلام" قال سيبويه: وهذا لم تقله العرب، قال: والقياس "اضرب الغلام، واضربن الغلام"3 يعني: بحذف الألف والنون.
والثاني: أن يوقف عليها بعد غير فتحة، يعني: بعد ضمة أو كسرة، فإنها تحذف إذ ذاك كما يحذف التنوين، ويرد ما حذف لأجلها، أعني: واو الضمير وياءه ونون الرفع أيضا وفي المعرب. وقد نبه على رد المحذوف بقوله: واردُدْ إذا حَذَفْتَهَا في الوقف ما ... من أَجْلِهَا في الوَصْلِ كَان عُدِمَا يعني: أنه يرد إلى الفعل الموقوف عليه بعد حذفها ما حذف في الوصل لأجلها فتقول: "اضربن يا زيدون" و"اضربن يا هند" فإذا وقفت عليهما "قلت"1: اضربوا واضربي، برد واو الضمير ويائه، وتقول في "هل تضربن؟ " و"هل تضربين؟ " إذا وقفت "عليهما"2: هل تضربون؟ وهل تضربين؟ برد الواو والياء ونون الرفع؛ لزوال سبب الحذف. ثم نبه على حكمها بعد الفتحة فقال: وأبدِلَنْهَا بعد فَتْحٍ أَلِفَا ... وقْفًا كما تَقُولُ في قِفَن قِفَا وذلك لشبهها بالتنوين، وقد ندر حذفها لغير ساكن ولا وقف كقوله3: اضربَ عنكَ الهمومَ طارقَها
وكقوله1: كما قِيلَ قَبْلَ اليومِ خَالفَ تُذْكَرَا فإن قلت: ما ذكر من حذف الخفيفة "للوقف"2 بعد غير الفتحة ينافي معنى التوكيد الذي جاءت لأجله؛ إذ لا دليل عليها بعد الحذف. فينبغي أن يقال: إن التوكيد بها إنما يكون في الوصل خاصة كما أشار إليه بعضهم. قلت: يرده قلبها بعد الفتحة ألفا في الوقف، فعلم بذلك أن التوكيد بها لا يختص بالوصل. تنبيهات: الأول: اختلف في الفعل المعرب إذا أكد بالنون على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه مبني، والثاني: أنه معرب، والثالث: التفصيل بين أن تباشر فيكون مبنيا، أو لا تباشر فيكون معربا، وهو الصحيح -كما تقدم أول الكتاب- ويدل على صحته رد نون الرفع عند حذف نون التوكيد في الوقف. فدل على أنها مقدرة في الوصل.
والثاني: أجاز سيبويه إبدالها واوا أو ياء نحو: اخشَوُنْ واخْشَينْ. فتقول: اخشَوُوا واخْشَيي، وغيره يقول: "اخشوا واخشي". وقد نقل عنه إبدالها واوا بعد الضمة وياء بعد الكسرة مطلقا. قلت: وكلام سيبويه يدل على أن يونس إنما قال بذلك في المعتل، فإنه قال: وأما يونس فيقول: اخشَيي واخْشَوُوا، يزيد الواو والياء بدلا من النون الخفيفة من أجل الضمة والكسرة. وقال الخليل: لا أرى ذلك إلا على قول من قال: هذا عمرو ومررت بعمري - ثم قال: وينبغي لمن قال بقول يونس في اخشي واخشيوا- إذا أراد الخفيفة أن يقول: هل تضربوا؟ بجعل الواو مكان الخفيفة. والثالث: إذا وقف على المؤكد بالخفيفة بعد الألف على مذهب يونس والكوفيين أبدلت ألفا، ونص سيبويه على ذلك عن يونس ومَنْ وافقه، ثم قيل: يجمع بين الألفين فيمد بمقدارهما، وقيل: بل ينبغي أن تحذف إحداهما ويقدر بقاء المبدلة من النون وحذف الأولى. وفي الغرة إذا وقفت على "اضربان" على مذهب يونس زدت ألفا عوض النون، فاجتمع ألفان، فهمزت الثانية فقلت: اضرباء. انتهى. وقياسه في اضرِبْنان اضربنَاءْ.
ما لا ينصرف
ما لا ينصرف: الأصل في الاسم أن يكون "معربا"1 منصرفا، وإنما يخرجه عن أصله شبهه بالفعل أو بالحرف، فإن شابه الحرف بلا "معاند"2 بُني، وإن أشبه الفعل بكونه فرعا من وجهين من الوجوه الآتية مُنع الصرف. ولما أراد بيان ما يمنع الصرف بدأ بتعريف الصرف فقال: الصرفُ تنوينٌ أتَى مُبَيِّنَا ... معنًى به يكونُ الاسمُ أمْكَنَا فقوله: "تنوين" جنس يشمل جميع أقسام التنوين، وقد تقدمت أول الكتاب، وقوله: "أتى مبنيا ... إلخ" مُخرج لسائر أقسام التنوين غير المعبر عنه بالصرف والمراد بالمعنى الذي يكون به الاسم أمكن بقاؤه على أصالته، ومعنى بقاؤه على أصالته سلامته من شبه الحرف وشبه الفعل، فكأنه يقول: الصرف تنوين يبين كون الاسم باقيا على أصالته، أي: غير مشابه فعلا ولا حرفا، فإن هذا هو المعنى الذي يكون الاسم به أمكن؛ أي: زائد في التمكن. قيل3: وهو أفعل تفضيل من التمكن، وهو شاذ. تنبيهات: الأول: مذهب المحققين أن الصرف هو التنوين المذكور؛ أعني: تنوين التمكين وحده، وقيل: "الصرف"4 هو الجر والتنوين معا. الثاني: تخصيص تنوين التمكين بالصرف هو المشهور، وقد يطلق على غيره من تنوين التنكير والعوض والمقابلة صرفا. الثالث: فهم من تعريفه الصرف أن المنصرف ما يدخله التنوين المسمى بالصرف، وأن غير المنصرف ما لا يدخله ذلك التنوين.
قال الشارح: وفي هذا التعريف مسامحة، فإن من جملة ما لا يدخله التنوين الدال على الأمكنية "باب"1 مسلمات قبل التسمية، وليس من المتمكن أن يقول: إنه غير مصروف؛ لما سنعرفه بعد. الرابع: اختلف في اشتقاق المنصرف، فقيل: "هو"2 من الصريف، وهو الصوت؛ لأن في آخره التنوين وهو صوت، وقيل: من الانصراف في جهات الحركات، "وقيل: من الانصراف"3 وهو الرجوع، كأنه انصرف عن شبه الفعل. وقال في شرح الكافية: سمي منصرفا لانقياده إلى ما يصرفه عن عدم تنوين إلى تنوين، وعن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره. الخامس: جميع ما لا ينصرف اثنا عشر نوعا، منها خمسة لا تنصرف في تعريف ولا تنكير، وسبعة لا تنصرف في التعريف وتنصرف في التنكير، وستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى. ولما شرع في بيان موانع الصرف بدأ بما يمنع في الحالتين فقال: فألفُ التأنيثِ مُطلقا مَنَعْ ... صَرْفَ الذي حواه كيفما وَقَعْ يعني: أن ألف التأنيث مطلقا -مقصورة كانت أو ممدودة- تمنع صرف ما هي فيه كيفما وقع من كونه نكرة أو معرفة، مفردا أو جمعا، اسما أو صفة. فالمقصورة نحو: ذكرى وسلمى ومرضى وسكرى، والممدودة نحو: صحراء وزكرياء وأشياء وحمراء. وإنما استقلت الألف بالمنع؛ لأنها قائمة مقام "شيئين"4؛ وذلك لأنها لازمة لما هي فيه، بخلاف التاء فإنها في الغالب مقدرة الانفصال، فهي المؤنث بالألف فرعية من جهة التأنيث، وفرعية من جهة لزوم علامته، بخلاف المؤنث بالتاء.
فرعان: الأول: إذا سُمي بكلتا من قولك: "قامت كلتا جارتيك" منعت الصرف؛ لأن ألفها للتأنيث، وإن سميت بها من قولك: "رأيت كلتيهما أو كلتي المرأتين" على لغة كنانة صرفت؛ لأن ألفها إذ ذاك منقلبة وليست للتأنيث. الثاني: إذا رخمت حبلوى على لغة الاستقلال عند من أجازه وقلت: يا حبلى1 ثم سميت به صرفت، ولما ذلك في كلتا. ثم قال: وزائدا فَعْلانِ في وَصْفٍ سَلِمْ ... مِنْ أن يُرَى بتاء تأنيثٍ خُتِمْ أي: ويمنع صرف الاسم أيضا زائدا فعلان، وهما الألف والنون في مثال فعلان صفة لا تختم بتاء التأنيث، وذلك يشمل نوعين: أحدهما: ما مؤنث فعلى نحو: سكران وسكرى، وهو متفق على منع صرفه. والآخر: ما لا مؤنث له، نحو: لحيان لكبيرة اللحية، وهذا فيه خلاف، والصحيح منع صرفه؛ لأنه وإن لم يكن له فعلى وجودا فله فعلى تقديرا؛ لأنا لو فرضنا له مؤنثا لكان فعلى أولى به من فعلانة؛ لأن باب سكران أوسع من باب ندمان، والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع صرف أكمر وآدر2 مع أنه لا مؤنث له. واحترز من فعلان الذي مؤنثه فعلانة؛ لأنه مصروف نحو: ندمان وندمانة. وقد جمع المصنف ما جاء على فعلان ومؤنثه فعلانة في قوله: أجِز فعلى لفعلانه ... إذا استثنيت حبلانا ودَخْنَانا وسَخْنَانا ... وسَيْفانا وصَيْحانا وصَوْجَانا وعَلانا ... وقَشْوانا ومصانا وموتانا وندمانا ... وأبتعهن نصرانا
واستدرك عليه لفظان، وهما: خَمْصَان لغة في خُمصان، وأليان في "نحو"1 "كبش أليان"2، وقد ذيلت أبياته بقولي: وزد فيهن خمصانا ... على لغة وأليانا ولا بد من شرح هذه الألفاظ، فالحبلان: العظيم البطن، وقيل: الممتلئ غيظا، والدخنان: اليوم المظلم، والسخنان: اليوم الحار، والسيفان: الرجل الطويل الممشوق، والصحيان: اليوم الذي لا غيم فيه، والصوجان3: البعير اليابس الظهر، والعلان: الكثير النسيان، وقيل: الرجل الحقير، والقشوان: الدقيق الساقين، والمصان: اللئيم، والموتان: البليد الميت القلب، والندمان: المنادم4، والنصران: واحد النصارى. فإن قلت: ولِمَ صرف ما مؤنثه فعلانة مع أن فيه ما في سكران من الزيادتين والوصف؟ قلت: لم يمتنع الصرف بزيادتي فعلان لذاتها بل لشبهها بزيادتي حمراء في وجوه منها: أنهما لا تلحقهما تاء التأنيث، وهذا مفقود فيما مؤنثه فعلانة؛ فلذلك صرف. تنبيهات: الأول: فهم من قوله: "زائدا فعلان" أنهما لا يمنعان في غيره من الأوزان كفعلان -بضم الفاء- نحو: خُمصان؛ لعدم شبههما في غيره بألفي التأنيث. الثاني: لغة بني أسد صرف سكران وبابه؛ لأنهم يقولون في مؤنثه فعلانة، فهو عندهم كندمان. الثالث: ما تقدم من أن المنع بزيادتي فعلان لشبههما بألفي التأنيث في حمراء، هذا مذهب سيبويه، وزعم المبرد أنه امتنع؛ لكون النون بعد الألف مبدلة من ألف التأنيث، والقولان عن أبي علي.
ومذهب الكوفين أنهما منعا لكونهما زائدتين لا تقبلان الهاء، لا للتشبيه بألفي التأنيث. ووصفٌ أصلي ووَزْنُ أَفْعَلا ... ممنوعُ تأنيثٍ بتا كأَشْهَلا أي: ويمنع الصرف أيضا اجتماع الوصف الأصلي ووزن أفعل بشرط أن يمنع من التأنيث بالتاء، وذلك يشمل ثلاثة أنواع: أحدها: ما مؤنثه فعلاء نحو: أشهل وشهلاء. والثاني: ما مؤنثة فعلى نحو: أفضل وفضلى. والثالث: ما لا مؤنثة له نحو: أكمر -العظيم الكمرة. فهذه الأنواع الثلاثة ممنوعة من الصرف للوصف الأصلي ووزن أفعل، فإن وزن الفعل به أولى؛ لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم، فكان لذلك أصلا في الفعل؛ لأن ما زيادته لمعنى أولى مما زيادته لغير معنى، فإن أنث بالتاء انصرف، نحو أرمل بمعنى فقير، فإن مؤنثه أرملة1 خلافا للأخفش فإنه يمنع صرف أرمل بمعنى فقير، "فإنه يجريه"2 مجرى أحمر؛ لأنه صفة وعلى وزنه، وأما قولهم: "عام أرمل"3 فغير منصرف؛ لأن يعقوب حكى فيه "سنة رملاء" واحترز بالأصلي عن العارض فإنه "لا يعتد به"4 كما سيأتي. تنبيهان: الأول: مثل الشارح ما تلحقه التاء بأرمل وأباتر -وهو القاطع لرحمه- وأدابر -وهو الذي لا يقبل نصحا- فإن مؤنثهما أباترة وأدابرة، أما أرمل فواضح، وأما أباتر وأدابر فلا يحتاج هنا إلى ذكرهما؛ إذ لم يشملهما كلام الناظم فإنه علق "المنع"5 على وزن أفعل، وإنما ذكرهما في شرح الكافية؛ لأنه علق المنع بوزن الفعل ولم يخصه بأفعل؛ ولذلك احترز أيضا من يَعْمَل6 -الجمل السريع.
الثاني: الأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى، لا على وزن أفعل ليشمل نحو: أحيمر وأفيضل من المصغر، فإنه لا ينصرف لكونه على وزن الفعل نحو: أبطر، وإن لم يكن حال التصغير على وزن أفعل. ثم صرح بمفهوم قوله أصلي فقال: وألغينَّ عارض الوصفيَّهْ ... كأربع وعارض الإسميَّهْ فالأقسام ثلاثة: فالأول: ما وصفيته أصلية باقية نحو: أشهل، ولا إشكال في منعه. والثاني: ما وصفيته عارضة نحو: "مررت برجل أرنب" أي: ذليل "وبنسوة أربع". فهذا يصرف إلغاء للوصفية العارضة، وأربع أحق بالصرف؛ لأن فيه تاء التأنيث أيضا. والثالث: ما وصفيته اصلية فغلبت عليه الاسمية، فهذا يمنع إلغاء للاسمية العارضة واعتبارا للأصل، وقد مثل بقوله: فالأدهم القيد لكونه وُضع ... في الأصل وصفا انصرافُه مُنِع أدهم: للقيد، وأسود: للحية، وأرقم: لحية فيها نقط كالرقم. فهذه أوصاف في الأصل غلبت عليها الاسمية، وهي غير منصرفة نظرا إلى أصلها، وذكر سيبويه أن كل العرب لا تصرفها كما لم تصرف أبطح وأبرق وأجرع1، وأن العرب لم تختلف في منع هذه الستة من الصرف، وإن استعملت استعمال الأسماء، وحكى غيره أن من العرب من يصرف أبطح وأبرق وأجرع ملاحظة للاسمية، وقد نبه على ذلك في التسهيل وذكر ابن جني أن هذه الأسماء كلها قد تصرف، ثم قال: وأجدل وأخيل وأفعى ... مصروفة وقد ينلن المنعا
أكثر العرب تصرف أجدلا وهو الصقر، وأخيلا وهو طائر عليه نقط كالخيلان، وأما أفعى فلا مادة له في الاشتقاق، لكن ذكره يقارنه تصور إيذائها فأشبهت المشتق. تنبيه: اختلف في وزن أفعى فقيل: أفعل، فالهمزة زائدة لقولهم مفعاة وألفها عن واو لقولهم أفعوان، وقال الفارسي: هو مقلوب وأصله أيفع هو من يافع، وقال أبو الفتح: مقلوب وأصله أفوع وهو من فوعة السم. ومَنعُ عدلٍ مع وصف مُعْتَبَرْ ... في لفظ مثنى وثُلاث وأُخَره العدل صرف لفظ أولي بالمسمى إلى لفظ آخر، وهو يمنع الصرف مع الوصف في موضعين: أحدهما: المعدول في العدد إلى مفعل نحو مثنى، أو فعال نحو ثلاث. والثاني: أخر مقابل آخرين. أما المعدول في العدد في مفعل أو فعال فالمانع له عند سيبويه والجمهور العدل والوصف. أما العدل فعن أسماء العدد، فأحاد وموحد معدولان عن واحد واحد ومثنى وثُناء معدولان عن اثنين اثنين، وكذا سائرها، وأما الوصف. فلأن هذه الألفاظ لم تستعمل إلا نكرات، إما نعتا نحو: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ} 1 وإما حالا نحو: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ} 2 وإما خبرا نحو: "صلاة الليل مثنى مثنى" 3، ولا تدخلها أل، قال في الارتشاف: وإضافتها قليلة، وذهب الزجاج إلى أن المانع لها العدل في اللفظ وفي المعنى. أما في اللفظ فظاهر، وأما في المعنى فلأن مفهوماتها تضعيف أصولها فصار فيها عدلان.
وأما "أخر" المعدول وهو جمع أخرى أنثى آخَر بفتح الخاء1، فالمانع له أيضا العدل والوصف. أما الوصف فظاهر، وأما العدل فقال أكثر النحويين: إنه معدول عن الألف واللام؛ لأنه من باب أفعل التفضيل، فحقه ألا يُجمع إلا مقرونا بأل كالصغر والكبر. والتحقيق: أنه معدول عن أخر مرادا به جمع المؤنث؛ لأن حقه أن يستغنى فيه بأفعل عن فُعَل لتجرده من أل، كما يستغنى بأكبر عن كبر في نحو: "رأيتُها مع نساء أكبر منها". تنبيه: قد يكون "أخر" جمع أخرى بمعنى آخرة فيصرف؛ لانتفاء العدل2. والفرق بين أخرى أنثى آخر، وأخرى بمعنى آخرة أن تلك لا تدل على الانتهاء، ويعطف عليها مثلها من صنف واحد "نحو: جاءت امرأة أخرى وأخرى"3 وأما أخرى بمعنى آخرة فتدل على الانتهاء ولا يُعطف عليها مثلها من جنس واحد، وهي المقابلة "الأولى"4 في قوله تعالى: {قَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} 5 وكان ينبغي أن يحترز عنها كما احترز في الكافية والتسهيل بقوله مقابل آخرين6. ووزنُ مَثْنَى وثُلاثَ كهُما ... مِن واحدٍ لأربع فليُعْلَمَا يعني: أن ما وازن مثنى وثلاث من المعدول من واحد إلى أربع، فهو مثلها في امتناعه من الصرف للعدل والوصف، فهذه ثمانية ألفاظ متفق على سماعها وهي: أحاد وموحد وثناه ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع؛ ولذلك اقتصر عليها، قال في شرح الكافية: وروي عن بعض العرب: "مخمس وعشار ومعشر".
ولم يرد غير ذلك، وظاهر كلامه في التسهيل أنه قد سمع خماس أيضا، واختلف فيما لم يسمع على ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه يقاس على ما سمع وهو مذهب الكوفيين والزجاج، ووافقهم الناظم في بعض نسخ التسهيل، وخالفهم في بعضها. والثاني: أنه لا يقاس عليه، بل يقتصر على المسموع، وهو مذهب جمهور البصريين. والثالث: أنه لا يقاس على فُعال لكثرته، لا على مَفْعَل. قال أبو حيان: والصحيح أن البناءين مسموعان من واحد إلى عشرة، وحكى البناءين أبو عمرو الشيباني. وحكى أبو حاتم وابن السكيت من أحاد إلى عُشار، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. تنبيه: أجاز الفراء صرف هذه الألفاظ مذهوبا بها مذهب الأسماء قال: تقول العرب: "ادخلوا ثُلاث ثُلاث، وثُلاثا ثُلاثا" والوجه ألا نجري، انتهى، ومنع ذلك غيره. وكُنْ لجمْعٍ مُشْبِه مَفاعِلا ... أو المفاعيل بمنعٍ كَافِلا الجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل هو الجمع الذي لا نظير له في الآحاد وهو كألف التأنيث في أنه يستقل بمنع الصرف وحده لقيامه مقام شيئين، فإن فيه فرعية من جهة الجمع وفرعية من جهة عدم النظير. ويعني بالشبه أن يكون أوله مفتوحا وثالثه ألفا بعدها حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن، وما يلي الألف مكسور لفظا أو تقديرا، ولا يشترط أن يكون أوله ميما، بل يدخل فيه ما أوله ميم نحو: مساجد ومصابيح، وما أوله غير ميم نحو: دراهم ودنانير؛ لأن المعتبر موافقته لمفاعل ومفاعيل في الهيئة لا في الوزن. وفهم من تقييد أوسط الثلاثة بأنه ساكن أن نحو صياقلة منصرف لتحركه، وإنما كان منصرفا لأن له في الآحاد نظيرا، وذلك طواغية وكراهية ونحوهما.
وفهم من تقييد "تالي" الألف بأن يكون مكسورا أن ما ليس كذلك منصرف نحو عبال -جمع عبالة- على حد ثمرة وثمر؛ لأن الساكن الذي يلي الألف في عبال لاحظ له في الحركة، والعبالة: الثقل، يقال ألقى عليه عبالته أي: ثقله، هذا مذهب سيبويه والجمهور، أعني: اشتراط حركة ما بعد الألف. قال في الارتشاف: وذهب الزجاج إلى أنه لا يشترط ذلك، فأجاز في تكسير هبيّ أن تقول: هبايّ -بالإدغام- قال: وأصل الياء عندي السكون ولولا ذلك لأظهرتها، انتهى، وظهر من ذكر التقييد أن نحو دواب غير منصرف؛ لأن أصله دوابب، فهو على مثال مفاعل تقديرا. وذا اعتلالٍ منه كالجواري ... رفعا وجرا أجرِهِ كَسَارِي ما كان من الجمع الموازن مفاعل معتلا فله حالتان: إحداهما: أن يكون آخره ياء قبلها كسرة نحو جوار. والأخرى: أن تقلب ياؤه ألفا نحو عذارى. فإن كان آخره ياء قبلها كسرها أجري في رفعه وجره مجرى سارٍ ونحوه من المنقوص "المنصرف" فتقول: "هؤلاء جوارٍ" و"مررت بجوارٍ" بالتنوين وحذف الياء، كما تقول: "هو سارٍ" و"مررت بسارٍ". وأما في نصبه فيجري مجرى موازنة الصحيح فتقول: "رأيت جواري" -بفتح آخره من غير تنوين- كما تقول: "رأيت مساجد"، فإن قلبت ياؤه ألفا قدر إعرابه ولم ينون بحال، ولا خلاف في ذلك. فإن قلت: لم ينبه في النظم على هذا، بل في قوله: "وذا اعتلال". قلت: قيد بقوله: "كالجواري". تنبيهات: الأول: اختلف في تنوين جوار ونحوه رفعا وجرا، فذهب سيبويه إلى أنه تنوين عوض عن الياء المحذوفة، لا تنوين صرف، وذهب المبرد والزجاج إلى أنه تنوين عوض عن الياء ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وذهب الأخفش إلى أنه
تنوين صرف؛ لأن الياء لما حذفت تخفيفا زالت صيغة مفاعل، وبقي اللفظ كجناح فانصرف، والصحيح مذهب سيبويه. وأما جعله عوضا عن الحركة فضعيف؛ لأنه لو كان عوضا عن الحركة لكان ذو الألف أولى به من ذي الياء؛ لأن حاجة المتعذر إلى التعويض أشد ولألحق مع الألف واللام كما أحلق معهما تنوين الترنم. وأما كونه للصرف فضعيف؛ لأن الياء حذفت تخفيفا وثبوتها منوي؛ ولذلك بقيت الكسرة دليلا عليها، ولو لم تكن منوية لجعل ما قبلها حرف إعراب. فإن قلت: إذا جعل عوضا عن الياء، فما سبب حذفها أولا؟ قلت: قال في شرح الكافية: لما كانت ياء المنقوص قد تحذف تخفيفا ويكتفى بالكسرة التي قبلها، وكان المنقوص الذي لا ينصرف أثقل، التزموا فيه من الحذف ما كان جائزا في الأدنى ثقلا؛ ليكون لزيادة الثقل زيادة أثر؛ إذ ليس بعد الجواز إلا اللزوم. انتهى، وقال الشارح: ذهب المبرد إلى أن فيما لا ينصرف تنوينا مقدرا، بدليل الرجوع إليه في الشعر، وحكموا له في جوار ونحوه بحكم الموجود، وحذفوا لأجله الياء في الرفع والجر لتوهم التقاء الساكنين، ثم عوضوا عما حذف التنوين، وهو بعيد؛ لأن الحذف لملاقاة ساكن متوهم الوجود مما لم يوجد له نظير، ولا يحسن ارتكاب مثله. انتهى. قلت: المشهور عن المبرد أن التنوين عنده عوض من الحركة كما نقل في شرح الكافية. الثاني: ما ذكر من تنوين جوار ونحوه في الجمع في رفعه وجره متفق عليه، نص على ذلك المصنف وغيره، وما ذكره أبو علي من أن يونس ومن وافقه ذهبوا إلى أنه لا ينون، ولا تحذف ياؤه، وأنه يجر بفتحة ظاهرة وَهْمٌ، وإنما قالوا ذلك في العلم، وسيأتي بيانه. الثالث: إذ قلت: "مررت بجوار" فعلامة جره فتحة مقدرة على الياء؛ لأن غير منصرف، وإنما قدرت مع خفة الفتحة؛ لأنها نابت عن الكسرة، فاستثقلت لنيابتها عن المستثقل.
الرابع: اعلم أن باب جوار وإن جرى مجرى سار في الجر والرفع فهو يخالفه من وجهين؛ أحدهما: أن جره بفتحة مقدرة وجر سار بكسرة مقدرة. والآخر: أن تنوين جوار تنوين عوض، وتنوين سار تنوين صرف، وتقدم بيانه. فإن قلت: قوله: "أجره كساري" يوهم أن علامة جرهما واحد، وأن تنوينهما واحد. قلت: إنما أراد: "أجره كساري" في اللفظ فقط، وإن كان التقدير مختلفا. ولسراويلَ بهذا الجمع ... شَبَهٌ اقتضى عُمُومَ المنْعِ اعلم أن سراويل اسم مفرد أعجمي جاء على وزن مفاعيل، فمنع من الصرف لشبهه بالجمع في الصيغة المعتبرة؛ وذلك أن بناء مفاعل ومفاعيل لا يكونان في كلام العرب إلا لجمع أو منقول عن جمع، فحق ما وازنهما أن يمنع الصرف وإن فقدت منه "الجمعية"1 ولكن بثلاثة شروط: الأول: ألا تكون ألفه عوضا عن إحدى ياءي النسب تحقيقا نحو: يمان وشآم، فإن أصلهما يمني وشامي، فحذفت إحدى الياءين وعوض منها الألف، أو تقديرا نحو: تهام وثمان، فإن ألفهما موجودة قبل، فكأنهم نسبوا إلى فَعَل أو فَعْل ثم حذفوا إحدى الياءين وعوضوا الألف. فهذه الألفاظ مصروفة وإن كانت على مثال مفاعيل؛ لأن ألفها عوض ففارقت الجمع بذلك لأن ألفه لا تكون عوضا. الثاني: ألا تكون كسرة ما يلي الألف عارضة نحو: توان وتدان؛ لأن وزنهما في الأصل تفاعل -بالضم- فجعل مكان الضم كسرة لتصح الياء. فهذا أيضا منصرف؛ لأنه خالف الجمع بعروض الكسرة. الثالث: ألا يكون "بعد الكسرة"2 ياء مشددة عارضة نحو حواري -وهو الناصر- وظفاري3 فإن ياء النسب في ذلك مقدرة الانفصال فخالف بذلك
الجمع؛ لأن ما بعد ألفه غير مقدر الانفصال، وأما بخاتي -جمع بختي- فغير منصرف؛ لأن ما بعد الألف ليس بعارض، ولو نسب إلى بخاتي لا تصرف لعروض ياءي النسب. وضابط ذلك أن الياء إن تقدم وجودها على الألف وجب المنع وإلا صرف سواء سبق وجود الألف كظفاري، أو كانا غير منفكين كحواري. إذا تقدر هذا فاعلم أن سراويل اسم "مفرد"1 أعجمي جاء على مثال مفاعيل فمنع الصرف؛ لوجود صيغة الجمع فيه؛ ولهذا أشار بقوله: "وسراويل بهذا الجمع شبه" ونبه بقوله: "اقتضى عموم المنع" إلى أنه ممنوع من الصرف وجها واحدا خلافا لمن زعم أن فيه وجهين: المنع والصرف. وقال المصنف: إن صرفه لم يثبت عن العرب. قلت: نقل الأخفش أن بعض العرب يصرفه في النكرة إذا جعل اسما مفردا. تنبيهات: الأول: ذهب بعضهم إلى أن سراويل عربي، وأنه جمع سروالة في التقدير، ثم أطلق اسم جنس على هذه الآلة المفردة، ورد بأن سروالة لم يسمع. وأما قوله2:
عليه من اللؤم سروالةٌ ... فليس يرق لمستعطف فشاذ، لا حجة فيه. قلت: ذكر الأخفش أنه سمع من العرب سروالة، وقال أبو حاتم: من العرب من يقول: سروال، والذي يرد به هذا القول وجهان: أحدهما: أن سروالة لغة في سراويل؛ لأنها بمعناه وليس جمعا لها كما ذكر في شرح الكافية. والآخر: أن النقل لم يثبت في أسماء الأجناس، وإنما يثبت في الأعلام. الثاني: سراويل مؤنث فلو سُمي به ثم صغر امتنع صرفه للعلمية والتأنيث وإن زالت صيغة الجمع بالتصغير. الثالث: شذ منع صرف ثمان تشبيها له بجوار في قوله1: يَحْدُو ثماني مُولَعا بلقاحها ... ........................ والمعروف فيه الصرف، وقيل هما لغتان.
وإِنْ به سُمِّيَ أو بما لَحِقْ ... به فالانصرافُ منعُهُ يَحِقُّ يعني: أن ما سُمي به من الجمع الذي على مفاعل أو مفاعيل أو بما ألحق به كسراويل فحقه أن يمنع من الصرف، سواء كان منقولا عن جمع محقق كمساجد -اسم رجل- ومقدر كشراحيل1. قال الشارح: والعلة في منع صرفه ما فيه من الصيغة مع أصالة الجمعية أو قيام العلمية مقامها، فلو طرأ تنكيره انصرف على مقتضى التعليل الثاني دون الأول. انتهى. قلت: مذهب سيبويه أنه لا ينصرف بعد التنكير لشبهه بأصله، ومذهب المبرد صرفه لذهاب الجمعية، وعن الأخفش القولان، والصحيح قول سيبويه؛ لأنهم منعوا سراويل من الصرف وهو نكرة وليس جمعا على الصحيح. والعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيْبَ مَزْجٍ نحو مَعْدِيكَرِبا قد تقدم أن ما لا ينصرف على ضربين: أحدهما: ما لا ينصرف لا في تنكير ولا تعريف. والثاني: ما لا ينصرف في التعريف وينصرف في التنكير. وقد فرغ من الكلام عن الضرب الأول، فشرع في الثاني وهو سبعة أقسام: الأول: المركب تركيب المزج، والمراد به جعل الاسمين اسما واحدا لا "بإضافة ولا بإسناد"2، بل ينزل ثانيهما من الأول منزلة تاء التأنيث، وهو نوعان: النوع الأول: ما ختم بويه فهو مبني على الأشهر. فإن قلت: فلِمَ لَمْ يحترز عنه هنا؟ قلت: عن ذلك أجوبة: أحدها: أن قوله: "معديكربا" يقيد إطلاقه. والثاني: أشار إلى أنه مبني في باب العلم فاكتفى بذلك.
والثالث: أن يكون أطلق ليدخل في إطلاقه ما ختم بويه على لغة من أعربه، ولا يرد على لغة من بناه؛ لأن باب الصرف إنما وضع للمعربات، وقد تقدم ذكره في العلم. والنوع الثاني: ما ختم بغير ويه، فهذا فيه ثلاثة أوجه: أحدها: وهو الأصح أن يعرب إعراب ما لا ينصرف، ويبني صدره على الفتح، نحو: "بعلبك" إلا أن يكون ياء نحو: "معدي كرب" فإنها تسكن، قيل: أو نونا نحو: "باذنجانة" وإنما بني على الفتح لتنزل عجزه منزلة تاء التأنيث، وإنما لم تفتح الياء وإن كانت تفتح قبل تاء التأنيث؛ لأن التركيب مزيد ثقل فخص بمزيد خفة. والوجه الثاني: أن يضاف صدره إلى عجزه فيعرب صدره بما تقتضيه العوامل، ويعرب عجزه بالجر للإضافة ويجعل العجز على هذه اللغة كالمستقل فإن كان فيه مع العلمية سبب يؤثر منع الصرف كهرمز من رام هرمز؛ فإن فيه العجمة وإلا صرف نحو: موت من حضرموت. فأما كرب من "معدي كرب" فمصروف في اللغة المشهورة، وبعض العرب لا يصرفه بجعله مؤنثا. تنبيه: إذا كان آخر الصدر1 ياء نحو: "معدي كرب" وأضيف صدره إلى عجزه على هذه اللغة استصحب سكون يائه في كل الأحوال الثلاثة. قال المصنف: لأن من العرب من يسكن هذه الياء في النصب مع الإفراد تشبيها بالألف، فالتزم في التركيب لزيادة الثقل ما كان جائزا في الإفراد. انتهى. وقال بعضهم: تفتح في النصب وتسكن في الرفع والجر. والوجه الثالث: أن يبني صدره وعجزه على الفتح ما لم يعتل الأول فيسكن تشبيها بخمسة عشر، وأنكر بعضهم هذه اللغة، وقد نقلها الإثبات2.
تنبيهات: الأول: احترز بقوله: "تركيب مزج" من تركيب الإضافة وتركيب الإسناد، وقد تقدم حملها في العلم. وأما تركيب العدد نحو: "خمسة عشر" فمتحتم البناء عن البصريين، وأجاز "فيه"1 الكوفيون إضافة صدره إلى عجزه، وسيأتي في بابه، فإن سمي به ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن تقره على حاله. والثاني: أن تعربه إعراب ما لا ينصرف. والثالث: أن يضاف صدره إلى عجزه. وأما تركيب الأحوال والظروف نحو: "شغر بغر، وبيت بيت، وصباح مساء"2. إذا سمي به أضيف صدره إلى عجزه وزال التركيب، هذا رأي سيبويه وقيل: يجوز فيه التركيب والبناء. كَذاكَ حَاوِي زَائِدَيْ فَعْلانا ... كغَطَفَان وكأَصْبَهَانَا يعني: أن زائدي فعلان يمنعان "الصرف" مع العلمية في وزن فعلان وفي غيره نحو: حمدان وعثمان وعمران وغطفان وأصبهان، وقد نبه على التعميم بالتمثيل.
تنبيهات: الأول: قد يكون في النون اعتباران، فإن قدرت النون زائدة منع الصرف، وإن قدرت أصلية صرف نحو: "حسان" إن جعل من الحس امتنع أو من الحسن انصرف1. وشيطان: إن جعل من شاط امتنع، أو من شطن انصرف. ولو سميت برمان فذهب الخليل وسيبويه إلى منع الصرف؛ لكثرة زيادة النون في نحو ذلك، وذهب الأخفش إلى صرفه؛ لأن فعالا في النبات أكثر، ويؤيده قول بعضهم: "أرض مرمنة"2، ويأتي الكلام على زيادة النون في التصريف إن شاء الله تعالى. الثاني: إذا أبدل من النون الزائدة لام منع الصرف، إعطاء للبدل حكم المبدل، مثال ذلك "أصيلال" فإن أصله أصيلان، فلو سمي به منع الصرف ولو أبدل من حرف أصلي نون صرف، بعكس أصيلان، ومثال ذلك "حنان" في حناء، أبدلت همزته نونا. والثالث: ذهب الفراء إلى منع الصرف للعلمية وزيادة ألف قبل نون أصلية، تشبيها لها بالزائدة، نحو: "سنان" و"بيان"، والصحيح صرف ذلك. كَذَا مؤنَّثٌ بهاء مطلقا ... وشَرْطُ مَنْعِ العار كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاثِ أو كَجُور أو سَقَرْ ... أو زَيْدٍ اسم امرأة لا اسمَ ذَكَرْ من موانع الصرف التأنيث، وهو ضربان: لفظي ومعنوي: فاللفظي: إن كان بالألف فقد تقدم حكمه، وإن كان بالتاء منع مع العلمية مطلقا نحو: عائشة وطلحة وهبة. والمعنوي: أيضا يمنع مع العلمية ولكن يشترط في تحتم منعه أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف نحو زينب؛ لأن الرابع منه ينزل منزلة هاء التأنيث أو متحرك الوسط نحو سقر؛ لأن الحركة قامت مقام الرابع خلافا لابن الأنباري، فإنه جعله
ذا وجهين، وما ذكره في البسيط من أن سقر ممنوع الصرف باتفاق، ليس كذلك، أو يكون أعجميا نحو جور -اسم بلد- لأن العجمة لما انضمت إلى التانيث والعلمية تحتم المنع، وإن كانت العجمة لا تمنع صرف الثلاثي لأنها هنا لم تؤثر منع الصرف، وإنما أثرت تحتم المنع، وحكى بعضهم فيه الخلاف فيجعل جور مثل هند في جواز الوجهين، أو منقولا من مذكر نحو زيد -إذا سمي به امرأة- لأنه حصل بنقله إلى التأنيث نقل عادل خفة اللفظ. هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب عيسى بن عمر وأبو زيد والجرمي والمبرد إلى أنه ذو وجهين. واختلف النقل عن يونس. ثم نبه على أن الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن أعجميا ولا منقولا عن مذكر يجوز فيه المنع والصرف بقوله: وجهان في العادم تذكيرا سَبَقْ ... وعُجمة كهندَ والمنع أحق فمن صرفه نظر إلى خفة السكون، ومن لم يصرفه نظر إلى وجود السببين ولم يعتبر الخفة. وقد صرح بأن منعه أحق من صرفه وهذا مذهب الجمهور، وقال أبو علي: الصرف أفصح، قال ابن هشام: وهو غلط جلي، وذهب الزجاج -قيل: والأخفش- إلى أنه متحتم المنع. قال الزجاج: لأن السكون لا يغير حكما أوجبه اجتماع علتين يمنعان الصرف، وذهب الفراء إلى أن ما كان اسم بلد لا يجوز صرفه نحو: "فيد"؛ لأنهم لا يرددون اسم البلدة على غيرها1، فلم يكثر في الكلام بخلاف هند. تنبيهات: الأول: لا فرق في ذلك بين ما سكونه أصلي كهند، أو عارض بعد التسمية كفخذ أو الإعلال كدار، ففي ذلك وجهان، أجودهما المنع.
الثاني: إذا كان المؤنث ثنائيا نحو يد جاز فيه الوجان ذكرهما سيبويه. وظاهر التسهيل أن المنع أجود كما في هند، وقول صاحب البسيط في يد صرفت بلا خلاف غير صحيح. الثالث: إذا صغر نحو هند تحتم منعه لظهور التاء نحو هنيدة، فإن صغر بغير تاء نحو حريب -وهي ألفاظ مسموعة- انصرف. الرابع: إذا سُمي مذكر بمؤنث، فإن كان ثلاثيا صرف مطلقا خلافا للفراء وثعلب؛ إذ ذهبا إلى أنه لا ينصرف سواء تحرك وسطه نحو فخذ أم سكن نحو حرب. ولابن خروف في متحرك الوسط - وإن كان زائدا على الثلاثة لفظا نحو سعاد، أو تقديرا كلفظ نحو جيل مخفف جيأل1 بالنقل منع من الصرف. فإن قلت: مذهب سيبويه والبصريين أن علامة التأنيث تاء، والهاء عندهم بدل التاء في الوقف فلم عدل عن التعبير بالياء في قوله: "كذا مؤنث بهاء مطلقا"؟ قلت: كأن عدل إلى الهاء احترازا من تاء بنت وأخت، فإنهما تاء إلحاق بنيت الكلمة عليها، فليس حكمها حكم الهاء. وقد نص سيبويه على أن بنتا وأختا إذا سُمي بهما رجل مصروفان، وقياس هذا أنهما إذا سُمي بهما امرأة يجوز فيهما الوجهان كهند، وقد ذهب قوم إلى أن تاء بنت وأخت للتأنيث فمنعوهما الصرف في المعرفة، ونقله بعضهم عن الفراء. فإن قلت: قد تقرر أن المؤنث بلا علامة ظاهرة فيه تاء مقدرة؛ ولذلك ترد في التصغير، فيقال: هنيدة، فكيف سماه عاريا في قوله: "وشرط منع العار"؟ قلت: يعني: العاري من العلامة لفظا، وهو واضح. والعَجَميُّ الوضع والتعريف مع ... زيد على الثلاث صرفه امتنع من موانع الصرف العجمة مع العلمية، فإذا كان الاسم من أوضاع العجم وهو علم امتنع صرفه بشرطين:
أحدهما: أن يكون عجمي التعريف أيضا أعني: بكونه علما في لغتهم. الثاني: أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف، وذلك نحو: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، واحترز بالشرط الأول عن نوعين: أحدهما: ما نقل من لسانهم وهو نكرة نحو لجام1 فلا أثر للعجمة فيه؛ لأن عجمته جنسية فألحق بالأمثلة العربية. والآخر: ما كان في لسان العجم نكرة ثم نقل في أول أحواله علما نحو بندار2. وهذا فيه خلاف. وذهب قوم منهم الشلوبين وابن عصفور إلى أنه لا ينصرف؛ لأنهم لا يشترطون أن يكون علما في لغة العجم، وذهب قوم إلى أنه منصرف؛ لأنهم يشترطون أن يكون علما في لغة العجم، وإليه ذهب المصنف، وهو ظاهر كلام سيبويه. واحترز بالشرط الثاني عن الثلاثي، فإنه ينصرف؛ لأن العجمة سبب ضعيف فلا تؤثر في الثلاثي بخلاف التأنيث. قال في شرح الكافية: قولا واحدا في لغة جميع العرب، ولا التفات إلى من جعله ذا وجهين مع السكون، ومتحتم المنع مع الحركة. قال: وممن صرح بإلغاء عجمة الثلاثي مطلقا السيرافي وابن برهان وابن خروف، ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفا. انتهى. قلت: نقل عن عيسى بن عمرو وتبعه ابن قتيبة والجرجاني جواز المنع والصرف في الثلاثي الساكن الوسط. ويتحصل في الثلاثي ثلاثة أقوال:
أحدها: أن العجمة لا أثر لها فيه مطلقا، وهو الصحيح. الثاني: ما تحرك وسطه نحو "لمك" -اسم رجل- لا ينصرف، وما سكن وسطه فيه وجهان، وقد تقدم القائلون به. والثالث: ما تحرك وسطه لا ينصرف وما سكن وسطه منصرف، وبه جزم ابن الحاجب. تنبيهات: الأول: قوله: "زيد" "هو"1 مصدر زاد "يزيد"2 زيدا وزيادة وزيدانا. الثاني: المراد بالعجمي ما نقل من لسان غير العرب، ولا يختص بلغة الفرس. الثالث: إذا كان الأعجمي رباعيا وأحد حروفه ياء التصغير انصرف ولم يعتد بالياء. الرابع: تعرف عجمة الاسم بوجوه: أحدها: نقل الأئمة. والثاني: خروجه عن أوزان الأسماء العربية نحو إبراهيم. والثالث: أن يعرى من حروف الذلاقة، وهو خماسي أو رباعي، فإن كان في الرباعي السين، فقد يكون عربيا نحو "عسجد"3 وهو قليل، وحروف الذلاقة ستة يجمعها: "مر بنفل". والرابع: أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب كالجيم والقاف بغير فاصل نحو: "قج وجق"4 والصاد والجيم نحو: "صلوجان"5، والكاف
والجيم نحو: "أسكرجة"1، "وتبعية الراء للنون"2 أول كلمة نحو: "نرجس" والزاي بعد الدال نحو: "مهندز". كذاك ذو وزن يخص الفِعْلا ... أو غَالِبٍ كأحمد ويَعْلَى مما يمنع الصرف مع العلمية وزن الفعل، بشرط أن يكون مختصا به، أو غالبا فيه. والمراد بالمختص: ما لا يوجد في غير فعل إلا في نادر أو علم أو أعجمي، كصيغة الماضي المفتتح بتاء المطاوعة3 أو همزة وصل4. وما سلم من المصوغ للمفعول وبناء فعل وما صيغ للأمر من غير فاعل والثلاثي5، وما سوى أفعل ونفعل وتفعل ويفعل من أوزان المضارع. واحترز من النادر نحو: "دئل" لدويبة، وينجلب لخرزة، وتبشر لطائر. وبالعلم نحو: "خضم" لرجل و"شمر" لفرس، وبالعجمي من نحو: "بقم، وإستبرق"6، فلا يمنع وجدان هذه7 اختصاص أوزانها بالفعل؛ لأن النادر والعجمي لا حكم لهما، والعلم منقول من فعل، فالاختصاص باقٍ. والمراد بالغالب: ما كان الفعل به أولى، إما لكثرته فيه كإثمد وإصبع وأبلم8. فإن أوزانها تقل في الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي، إما لأن زيادته
تدل على معنى في الفعل ولا تدل على معنى في الاسم كأفكل وأكلب1، فإن "نظائرهما"2 تكثر في الأسماء والأفعال، لكن الهمزة من أفعل وأفعل تدل على معنى في الفعل3 ولا تدل على معنى في الاسم، فكان المفتتح بأحدهما من الأفعال أصلا للمفتتح بأحدهما من الأسماء. وقد يجتمع الأمران في نحو: "يرمغ، وتنضب"4، فإنهما كإثمد في كونه على وزن يكثر في الأفعال ويقل في الأسماء، وكأفكل في كونه مفتتحا بما يدل على وزن يكثر في الفعل دون الاسم. تنبيهات: الأول: قد اتضح بما ذكر أن التعبير عن هذا النوع بأن يقال: "أو ما أصله الفعل" كما فعل في الكافية. أو ما هو به أولى كما فعل في التسهيل. أجود من التعبير عنه بالغالب. الثاني: قد فهم من قوله: "يخص الفعل أو غالب" أن الوزن المشترك غير الغالب لا يمنع الصرف نحو: ضرب ودحرج. خلافا لعيسى بن عمر فيما نقل من فعل فإنه لا يصرفه متمسكا بقوله5:
أنا ابنُ جَلا وطَلَّاع الثَّنَايَا ... ....................... ولا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون فيه ضمير الفاعل، فيكون محكيا لأنه منقول من جملة، أو يكون حذف الموصوف وأقام صفته مقامه. أي: أنا ابن رجل جلا. وقد ذهب بعضهم إلى أن الفعل قد يحكى مسمى به، وإن كان غير مسند إلى ضمير متمسكا بهذا البيت. ونقل عن الفراء ما يقرب من مذهب عيسى، قال: الأمثلة التي تكون للأسماء والأفعال إن غلبت للأفعال فلا تجره في المعرفة نحو رجل اسمه "ضرب" فإن هذا اللفظ وإن كان اسما للعسل الأبيض هو الأشهر في الفعل. فإن غلب في الاسم فأجره في المعرفة والنكرة نحو رجل مسمى بحجر؛ لأنه يكون فعلا تقول: "حجر عليه القاضي" ولكنه أشهر في الاسم. انتهى. الثالث: يشرتط في الوزن المانع للصرف شرطان: أحدهما: أن يكون لازما. والثاني: ألا يخرج بالتغيير إلى مثال هو للاسم. فخرج بالأول نحو امرئ، فإنه لو سمي به انصرف، وإن كان في النصب شبيها بالأمر من علم. وفي الجر شبيها بالأمر من ضرب، وفي الرفع شبيها بالأمر
من خرج؛ لأنه خالف الأفعال بكون عينه لا تلزم حركة واحدة، فلم تعتبر فيه الموازنة. وخرج بالثاني نحو: "رد، وقيل" فإن أصلهما رُدِدَ وقُوِل، ولكن الإدغام والإعلال أخرجاهما إلى مشابهة يرد وقيل، فلم يعتبر فيهما الوزن الأصلي. وشمل قولنا: "إلى مثال هو للاسم" قسمين: أحدهما: ما خرج إلى مثال غير نادر، ولا إشكال في صرفه نحو: "رُدَّ، وقيل". والآخر: ما خرج إلى مثال نادر نحو "انْطلقَ" إذا سكنت لامه، فإنه خرج إلى مثال إنْقَحْل1 وهو نادر، وهذا فيه خلاف، وجوز فيه ابن خروف الصرف والمنع. وقد فهم من ذلك أن ما دخله إعلال ولم يخرجه إلى وزن الاسم نحو يزيد امتنع صرفه. الرابع: اختلف في سكون التخفيف العارض بعد "التسمية"2 نحو ضُرْبَ3، فمذهب سيبويه أنه كالسكون اللازم فينصرف، وهو اختيار المصنف، وذهب المازني والمبرد ومن وافقهما إلى أنه يمنع الصرف، فلو خفف قبل التسمية انصرف قولا واحدا. وما يصير علما من ذي أَلِفْ ... زِيدَتْ لإلحاق فليس يَنْصَرِفْ ألف الإلحاق المقصورة تمنع الصرف مع العلمية؛ لشبهها بألف التأنيث من وجهين لا يوجدان في ألف الإلحاق الممدودة، فلذلك لم تمنع الصرف لوجهين: أحدهما: أنها زائدة ليست مبدلة من شيء، بخلاف الممدودة فإنها مبدلة من ياء.
الثاني: أنها تقع في مثال صالح لألف التأنيث نحو أرطى1، فهو على مثال سكرى بخلاف الممدودة. تنبيه: حكم ألف التكثير كحكم ألف الإلحاق في أنها تمنع من العلمية نحو "قبعثرى"2 ذكره بعضهم. والعَلَمَ امْنَعْ صرفَه إن عُدِلا ... كفُعَلِ التوكيد أو كَثُعْلا العدل يمنع الصرف مع العلمية في أربعة مواضع، وقد اشتمل هذا البيت على موضعين "منها"3: الأول: فُعَل في التوكيد، والمراد به جُمَع وتوابعه كقولك: "مررت بالهندات جمع" والمانع له من الصرف التعريف والعدل. أما تعريفه فبالإضافة المنوية فشابه بذلك العلم؛ لكونه معرفة بغير قرينة لفظية، هذا ظاهر كلام سيبويه وهو اختيار ابن عصفور، وذهب بعضهم إلى أنه علم، وهو المفهوم من كلام الناظم هنا. قلت: وإلى الأول ذهب في الكافية، وقال في شرحها: لأن العلم إما شخصي وإما جنسي. فالشخصي مخصوص ببعض الأشخاص فلا يصلح لغيره. والجنسي مخصوص ببعض الأجناس فلا يصلح لغيره، وجمع بخلاف ذلك، فالحكم بعلميته باطل. انتهى. وقال في التسهيل: والمانع العدل مع شبه العلمية أو الوصفية في فُعَل توكيدا. قال الشيخ أبو حيان: وتجويز ابن مالك أن العدل يمنع مع شبه الصفة في باب جُمَع لا أعرف له فيه سلفا. انتهى.
وأما عدله ففيه أقوال: قيل: إنه معدول عن فعلاوات؛ لأنه جمع فعلاء مؤنث أفعل وقد جمع المذكر بالواو والنون فكان حق المؤنث أن يجمع بالألف والتاء، وهو اختيار المصنف. وقيل: معدول عن فُعْل؛ لأن قياس أفعل فعلاء أن يجمع مذكره ومؤنثه على فُعْل نحو: حُمْر في أحمر وحمراء، وهو قول الأخفش والسيرافي واختاره ابن عصفور. وقيل: إنه معدول عن فعاليّ؛ لأن جمعاء اسم كصحراء. الثاني: علم المذكر المعدول إلى فعل نحو: عمر، وطريق العلم بعدل هذا النوع سماعه "غير"1 مصروف عاريا من سائر الموانع ومنه: زفر ومضر وثعل وهبل وزحل وعظم وجثم وقثم وجمح وقزح ودلف وبلغ -بطن من قضاعة. فإن ورد فعل مصروفا وهو علم علمنا أنه ليس بمعدول، وذلك نحو: أدد. وهو عند سيبويه من الود فهمزته عن واو، وعند غيره من الأد2 فهمزته أصلية، فإن وجد في فعل مانع مع العلمية لم يجعل معدولا نحو طُويّ، فإن منعه للتأنيث والعلمية ونحو "تُتل" اسم أعجمي3 فالمانع له العجمة والعلمية عند من يرى منع الثلاثي مع العجمة. تنبيهات: الأول: فُعَل المذكور معدول عن فاعل، فعمر عن عامر وكذلك سائرها، قيل: وبعضها معدول عن أفعل وهو ثُعَل. الثاني: إنما جعل هذا النوع معدولا لأمرين: أحدهما: أنه لو لم يقدر عدله لزم ترتيب المنع على علة واحدة. وليس فيه من الموانع غير العلمية.
والآخر: أن الأعلام يغلب "عليها"1 النقل، فجعل عمر معدولا عن عامر العلم المنقول من الصفة ولم يجعل مرتجلا. الثالث: ذكر بعضهم لعدله فائدتين: إحداهما: لفظية وهي التخفيف. والأخرى: معنوية وهي تمحيض العلمية؛ إذ لو قيل: "عامر" لتوهم أنه صفة. الرابع: ذكر بعضهم عن فُعَل علم جنس قالوا: "جاء بعلق وفلق" ولا يصرف وهو غريب. الخامس: من الممنوع الصرف للعدل والتعريف فلا يصلح لغيره علما من المعدول إلى فعل في النداء كغدر وفسق فحكمه حكم عمر. قال المصنف: وهو أحق من عمر بمنع الصرف؛ لأن عدله محقق وعدل عمر مقدر. انتهى. وهو مذهب سيبويه. وذهب الأخفش وتبعه ابن السيد إلى صرفه ثم انتقل إلى الموضع الثالث فقال: والعدلُ والتعريفُ مانعا سَحَرْ ... إذا به التعيينُ قَصْدا يُعْتَبَرْ إذا قصد بسحر سحر يوم بعينه، فالأصل أن يعرف بأل أو بالإضافة. فإن تجرد منهما مع قصد التعيين فهو حينئذ ظرف لا يتصرف، ولا ينصرف، نحو: "جئت يوم الجمعة سحر" والمانع له من الصرف العدل والتعريف. أما العدل فعن اللفظ بأل وكان الأصل أن يعرف بها. وأما التعريف فقيل: بالعلمية؛ لأنه جعل علما لهذا الوقت. وصرح به في التسهيل. وقيل: بشبه العلمية؛ لأنه تعرف "بغير أداة ظاهرة"2 كالعَلَم. وهو اختيار ابن عصفور. وقوله هنا: "والتعريف" يومئ إليه؛ إذ لم يقل: والعلمية.
وذهب صدر الأفاضل -وهو أبو الفتح ناصر بن أبي المكارم المطرزي1- إلى أنه مبني على الفتح؛ لتضمنه معنى حرف التعريف كأمس. وذهب ابن الطراوة إلى أنه مبني لا لتضمنه معنى الحرف بل لعدم "التقارب"2. وذهب السهيلي إلى أنه معرب، وإنما حذف تنوينه لنية الإضافة. وذهب الشلوبين الصغير إلى أنه معرب أيضا، وإنما حذف تنوينه لنية أل. وعلى هذين القولين فهو من قبيل المنصرف، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور. تنبيه: نظير سحر في امتناعه من الصرف أمس عند بني تميم، فإن منهم من يعربه في الرفع غير منصرف. ويبنيه على الكسر في الجر والنصب. ومنهم من يعربه إعراب ما لا ينصرف في الأحوال الثلاث. خلافا لمن أنكر ذلك. وغير بني تميم يبنونه على الكسر. وحكى ابن الربيع أن بني تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف إذا رفع أو جر بمذ أو منذ فقط، وزعم الزجاج أن من العرب من يبنيه على الفتح، واستشهد بقول الراجز3:
لقد رأيتُ عجبا مذ أمسا ... ........................ قال في شرح التسهيل: ومدَّعاه غير صحيح؛ لامتناع الفتح في مواضع الرفع، ولأن سيبويه استشهد بالرجز على أن الفتح في "أمسا" فتح إعراب، وأبو القاسم لم يأخذ البيت من غير كتاب سيبويه. فقد غلط فيما ذهب إليه، واستحق ألا يعول عليه. انتهى. وأجاز الخليل في "لقيته أمس" أن يكون التقدير: بالأمس، فحذف الباء وأل فتكون الكسرة إعراب، ولأمس أحكام أخر ليس هذا موضع ذكرها. ثم انتقل إلى الموضع الرابع فقال: وابْنِ على الكسر فَعَالِ عَلما ... مؤنثا وهو نظير جُشَمَا عند تميم............. ... ...................... لغة الحجازيين بناء فَعال علما لمؤنث نحو: "حذام" على الكسر مطلقا، وفي سبب بنائه أقوال: أحدهما: شبهه بنزال وزنا وتعريفا وعدلا وتأنيثا. والثاني: تضمنه معنى "هاء"1 التأنيث، وإليه ذهب الربعي.
والثالث: توالي العلل، وليس بعد منع الصرف إلا البناء، قاله المبرد. والأول هو المشهور1. وأما بنو تميم ففصل أكثرهم بين ما آخره راء نحو حضار فبنوه على الكسر، وبين ما ليس آخره راء فمنعوه الصرف، وبعضهم أعرب النوعين إعراب ما لا ينصرف. وإنما وافق أكثرهم فيما آخره راء؛ لأن مذهبهم الإمالة، فإذا كسروا توصلوا إليها ولو منعوه الصرف لامتنعت، وقد جمع الأعشى بين اللغتين في قوله2: ومرَّ دهرٌ على وَبَارِ ... فهَلَكَتْ جَهْرَةً وبار ويحتمل أن يكون وباروا فعلا ماضيا والواو ضمير جمع. واختلف في منع صرفه عند تميم فذهب سيبويه إلى أن المانع له العدل عن فاعله وللعلمية. وذهب المبرد إلى أن المانع له التأنيث والعلمية، وليس بمعدول ووافق على أنها معدولة إذا بنيت.
فإن قلت: مذهب المبرد هو الظاهر؛ لأن التأنيث محقق والعدل مقدر، وأيضا فلا حاجة إلى تقدير عدلها؛ لأن تقدير العدل في باب عمر إنما ارتبك لأنه لو لم يقدر لزم ترتيب المنع على العلمية وحدها، ولا يلزم من ذلك هنا. قلت: قال بعضهم: الظاهر مذهب سيبويه؛ لأن الغالب على الأعلام أن تكون منقولة؛ فلهذا جعلت معدولة عن فاعلة المنقولة "عن"1 صفة كما تقدم في عمر. وعلى مذهب المبرد تكون مرتجلة. تنبيهات: الأول: أطلق في قوله: "عند تميم" وإنما هو عند بعضهم. الثاني: فهم من قوله: "نظير جشما" أن المانع له العدل والعلمية وفاقا لسيبويه. الثالث: أفهم قوله: "مؤنثا" أن حذام وبابه لو سمي به مذكر لم يبن؛ ولكن يمنع الصرف للعلمية عن مؤنث، ويجوز صرفه؛ لأنه إنما كان مؤنثا لإرادتك به ما عدل عنه، فلما زال العدل زال التأنيث بزواله. الرابع: فَعَال يكون معدولا وغير معدول؛ فالمعدول إما علم مؤنث كحذام وتقدم حكمه، وإما أمر نحو نزال، وإما مصدر نحو حَمَاد، وإما حال نحو2:
.......................... ... والخيل تعدو في الصعيد بداد وإما صفة جارية مجرى الأعلام نحو حَلاق -للمنية- وإما صفة ملازمة للنداء نحو يا خباث، فهذه خمسة أنواع كلها تبني على الكسر معدولة عن مؤنث، فإن سمي بها مذكر ففيه وجهان: أرجحهما منع الصرف كعناق إذا سمي به1. والآخر: الصرف فيجعل كصَبَاح2. ولا يجوز البناء خلافا لابن بابشاذ، وغير المعدول يكون اسما كجناح ومصدرا كذهاب وصفة نحو جواد وجنسا نحو سحاب، فلو سمي بشيء من هذه مذكر انصرف قولا واحدا إلا ما كان مؤنثا كعناق. وقوله: ......... واصرِفَنْ ما نُكِّرَا ... من كل ما التعريف فيه أُثِرَا يعني: أن ما أثر فيه التعريف إذا نكر صرف لذهاب جزء العلة، والمراد بذلك الأنواع السبعة المتأخرة، وهي: ما امتنع للعلمية والتركيب أو الألف والنون الزائدتين، أو التأنيث بغير الألف، أو العجمة، أو وزن الفعل، أو ألف الإلحاق، أو العدل. فتقول: ربَّ معديكربٍ وعمرانٍ وطلحةٍ وإبراهيمٍ وأحمدٍ وأرطًى وعمرٍ لقيتهم، فتصرف لذهاب العلمية. وأما الأنواع الخمسة المتقدمة، وهي ما امتنع لألف التأنيث، أو للوصف والزيادتين، أو للوصف ووزن الفعل، أو للوصف والعدل، أو للجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل. فهذه لا تنصرف وهي نكرة، فلو سمي بشيء منهما لم ينصرف أيضا، أما ما فيه ألف التأنيث فلأنها كافية في منع الصرف، ووهم من قال في "حواء": امتنع للتأنيث والعلمية.
وأما ما فيه الوصف مع زيادتي فَعْلان، أو وزن أفعل؛ فلأن العلمية تخلُف الوصف فيصير منعه للعلمية والزيادتين، أو للعلمية ووزن أفعل؛ أما ما فيه الوصف والعدل؛ وذلك أخَرُ وفُعال ومَفْعل نحو أحاد ومَوْحَد، فمذهب سيبويه أنها إذا سمي بها امتنعت من الصرف للعلمية والعدل. وكل معدول سمي به فعدله باقٍ، إلا سَحَر وأمسِ في لغة بني تميم1. هذا مذهب سيبويه. وذهب الأخفش وأبو علي وابن برهان وابن بابشاذ إلى صرف العدل المعدول مسمى به، قالوا: لأن العدل يزول بالتسمية. والصحيح مذهب سيبويه؛ لأن العدل باقٍ ولا أثر لزوال معناه. وأما الجمع الموازن مفاعل أو مفاعيل؛ فقد تقدم الكلام على التسمية به. وإذا نكر شيء من هذه الأنواع الخمسة بعد التسمية لم ينصرف أيضا، أما ذو ألف التأنيث فللألف، وأما ذو الوصف مع زيادتي فعلان أو وزن أفعل أو العدل إلى مَفعل أو فُعال؛ فلأنها لما نكرت شابهت حالها قبل التسمية فمنعت الصرف لشبه الوصف مع هذه العلل، هذا مذهب سيبويه، وخالف الأخفش في باب سكران فصرفه2. وأما باب أحمر ففيه أربعة مذاهب: الأول: منع الصرف، وهو الصحيح. والثاني: الصرف، وهو مذهب المبرد والأخفش في أحد قوليه، ثم وافق سيبويه في كتابه الأوسط. قال في شرح الكافية: وأكثر المصنفين لا يذكرون إلا مخالفته. وذِكرُ موافقته أولى؛ لأنها آخر قوليه. والثالث: إن سمي بأحمر رجل أحمر لم ينصرف بعد التنكير، وإن سمي به أسود أو نحوه انصرف. وهو مذهب الفراء وابن الأنباري.
والرابع: أنه يجوز صرفه. قاله الفارسي في بعض كتبه. وأما المعدول إلى مفعل أو فعال فمن صرف أحمر بعد التسمية صرفه، وقد تقدم الخلاف في الجمع إذا نكر بعد التسمية. تنبيه: إذا سمي بأفعل التفضيل مجردا من "من" ثم نكر بعد التسمية انصرف اتفاقا؛ لأنه لم يبقَ فيه شبه الوصف إذا لم يستعمل صفة إلا بمن ظاهرة أو مقدرة. فإن سمي به مع "من" ثم نكر امتنع الصرف قولا واحدا، وسقط خلاف الأخفش؛ لأنك إن لم تلحظ أصله خرجت عن كلام العرب. قلت: وكلامه في الكافية وشرحها يقتضي إجراء الخلاف فيه، فإنه قال: وذو التفضيل منعه رجح ... إن قارنته من.......... وقال في شرحها: وحكمه حكم أحمر. وما يكون منه منقوصا ففي ... إعرابه نهج جَوارٍ يَقْتَفِي تقدم أن الجمع الموازن لمفاعل، إذا كان منقوصا أجري في الرفع والجر مجرى سار، وفي النصب مجرى نظيره من الصحيح، ولا خلاف في ذلك، وقد سبق تغليط من حكى فيه الخلاف. وأما غير الجمع المنقوص الذي نظيره من الصحيح غير مصروف، فإن كان غير علم جرى مجرى جوار ونحوه فيما ذكر بلا خلاف. نحو "أعيم" تصغير أعمى. فتقول: "هذا أعيمٍ. ومررت بأعيمٍ. ورأيت أعيمَى" وتنوينه في الرفع والجر تنوين العوض كما سبق، وإن كان علما وهو المشار إليه بالبيت ففيه خلاف. مذهب الخليل وسيبويه وأبي عمرو وابن أبي إسحاق أنه كذلك فتقول في "يُعَيل" تصغير يُعْلَى، هذا يعيل ومررت بيعيل ورأيت يعيلى.
وذهب يونس وأبو زيد وعيسى والكسائي إلى أنه يجري مجرى الصحيح في ترك تنوينه وجره بفتحة ظاهرة، واحتجوا بقوله1: قد عَجِبَت مني ومن يُعيليا ... ........................ والصحيح الأول؛ لأنه نظير جوار، وأما قوله: "يُعيليا" فهو عند غيرهم للضرورة. ولاضطرار أو تناسب صُرف ذو المنع والمصروف قد لا يَنْصَرِفْ أما صرف ما يستحق المنع للضرورة فمتفق على جوازه، ومنه قوله2:
وأتاها أحيمرٌ كأخي السهم ... بعَضْب فقال: كوني عقيرا وهو كثير، وقد اختلف في نوعين: أحدهما: ما فيه ألف التأنيث المقصورة، فمنع بعضهم صرفه للضرورة، وقال: إنه لا فائدة فيه؛ إذ يزيد بقدر ما ينقص. ورد بقول المسلم بن رباح المري1: إني مقَسِّمُ ما ملكت فجاعلٌ ... جرما لآخرتي ودنيًا تنفع أنشده ابن الأعرابي بتنوين "دنيا". وقال بعضهم في رد هذا القول: إن الألف قد تلتقي بساكن بعده فيحتاج الشاعر إلى كسر الأول لإقامة الوزن فينون ثم يكسر. قلت: ومقتضى هذا أنه إذا لم يحتج إلى تنوينه لم ينون، وهو تفصيل حسن. والثاني: "أفْعل من" منع الكوفيون صرفه للضرورة، قالوا: لأن حذف تنوينه إنما هو لأجل "من" فلا يجمع بينه وبينها، ومذهب البصريين جوازه؛ لأن المانع له الوزن والوصف كأحمر لا "من" بدليل صرف "خير منه وشر منه" لزوال الوزن.
ومثال صرفه للتناسب قوله تعالى: {سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} 1 وقرأ ابن مهران: "ولا يغوثًا ويعوقا ونسرا"2. وأجاز قوم صرف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد اختيارا، وزعم قوم أن صرف ما لا ينصرف مطلقا لغة، قال الأخفش: وكأن هذه لغة الشعراء؛ لأنهم اضطروا إليه في الشعر "فجرت"3 ألسنتهم على ذلك في الكلام. وأما من منع صرف المستحق للصرف للضرورة، ففي جوازه خلاف: مذهب أكثر البصريين منعه، وأكثر الكوفيين والأخفش والفارسي جوازه، واختاره المصنف، وهو الصحيح، لثبوت سماعه فمنه4:د وما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداس في مَجمع وأبيات أخر5. وفصل بعض المتأخرين بين ما فيه العلمية فأجاز منعه لوجود إحدى العلتين وبين ما ليس كذلك فصرفه، ويؤيده أن ذلك لم يسمع إلا من العلم. وأجاز قوم منهم أحمد بن يحيى منع صرف المنصرف اختيارا.
إعراب الفعل
إعراب الفعل: ارْفَعْ مُضارعا إذا يُجَرَّدُ ... من ناصبٍ وجازمٍ كتَسْعَدُ يعني المضارع الذي لم "تباشره"1 نون التوكيد ولا نون الإناث، وإنما لم يقيده اكتفاء بتقديم ذلك في باب الإعراب. وفهم من كلامه أنه يجب رفع المضارع "المعرب"2 إذا لم يدخل عليه ناصب ولا جازم نحو: "أنت تسعد"، ولم ينص هنا على رافعه، وفيه أقوال: الأول: أن رافعه وقوعه موقع الاسم، وهو قول البصريين. والثاني: أن رافعه تجرده من الناصب والجازم، وهو "قول حذاق"3 الكوفيين منهم الفراء. والثالث: أن رافعه نفس المضارعة، وهو قول ثعلب. والرابع: أن رافعه حروف المضارعة، ونسب إلى الكسائي. واختار المصنف الثاني؛ لسلامته من النقض، بخلاف مذهب البصريين، فإنه ينتقض بنحو: "هلا تفعل"4. ورد مذهب الفراء بأن التعري عدم فلا يكون عاملا، وأجاب الشارح بأنا لا نسلم أن التجرد من الناصب والجازم عدمي؛ لأنه عبارة عن استعمال المضارع على أول أحواله مخلصا عن لفظ يقتضي تغييره، واستعمال الشيء والمجيء به على صفة ما ليس بعدمي. انتهى. ولما ذكر أن رفعه مشروط بتجريده من الناصب والجازم أخذ يبينهما فقال: وبِلَن انصبْه وكي كذا بأَنْ
الأدوات التي تنصب المضارع أربعة، وهي الثلاثة المذكورة في هذا البيت وإذن وستأتي. فأما "لن" فحرف نفي ينصب المضارع ويخلصه للاستقبال ولا يلزم أن يكون مؤبدا، خلافا للزمخشري، ذكر ذلك في أنموذجه، وقال في غيره: إن "لن" لتأكيد ما تعطيه "لا" من نفي المستقبل. قال ابن عصفور: وما ذهب إليه دعوى لا دليل عليها، بل قد يكون النفي بلا آكد من النفي بلن؛ لأن النفي بلا قد يكون جوابا للقسم، والنفي بلن لا يكون جوابا له، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد. تنبيهات: الأول: مذهب سيبويه والجمهور أن "لن" بسيطة، وذهب الخليل والكسائي إلى أنها مركبة وأصلها "لا أن" حذفت همزة أن تخفيفا، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. ورد سيبويه بجواز تقديم معمول معمولها عليها نحو: "زيدا لن أضرب". وأجيب بأنه قد يحدث بعد التركيب ما لم يكن قبله، ومنع الأخفش الصغير تقديم معمول معمولها عليها. وذهب الفراء إلى أن "لن" هي "لا" أبدلت ألفها نونا، وهو ضعيف. الثاني: ذهب قوم منهم ابن السراج إلى أنه يجوز أن يكون الفعل بعدها دعاء، واختاره ابن عصفور، وجعلوا منه قوله تعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} 1. والصحيح: أنه لم يستعمل من حروف النفي في الدعاء إلا "لا" خاصة. الثالث: حكى بعضهم أن الجزم بلن لغة لبعض العرب. وأما "كي" فلفظ مشترك يكون اسما مخففا من كيف فيليها اسم أو فعل ماض أو مضارع مرفوع؛ كقوله2:
كي تجنحون إلى سلْم وما ثُئرت ... قتلاكم ولَظَى الهيجاء تضطرمُ وتكون حرفا جارا للتعليل بمعنى اللام، وحرفا مصدريا فيتعين الأول في ثلاثة مواضع: أحدها: أن تدخل على "ما" الاستفهامية كقولهم: "كيمه"1. والثاني: أن تدخل على "ما" المصدرية كقوله2: ................ ... كَيْمَا يَضرُّ وينفعُ
والثالث: أن تقع اللام بعدها كقوله1: فأوقدت ناري كي ليُبْصَرَ ضَوؤُها فهي هنا حرف جر واللام تأكيد لها وأن مضمرة بعدها، ولا يجوز كونها مصدرية لفصل اللام، وهذا التركيب نادر، ويتعين الثاني إذا وقعت بعد اللام ولم تقع أن بعدها نحو: "جئت لكي أقرأ". ولا يجوز أن تكون حرف جر؛ لدخول حرف الجر عليها، فإن وقع بعدها "أن" ولا يكون ذلك إلا في الضرورة، كقوله2:
أردت لكيما أن تطير بقِرْبَتي ... .......................... ترجح كونها حرف جر مؤكدة للام، ويحتمل أن تكون مصدرية مؤكدة بأن. وإنما يترجح كونها جارة لأوجه: أحدها: أن "أن" أم الباب، فلو جعلت مؤكدة لكي لكانت كي هي الناصبة1. والثاني: أن ما كان أصلا في بابه لا يجعل مؤكدا لغيره. والثالث: أن "أن" وليَت الفعل فترجح أن تكون العاملة، ويجوز الأمران في نحو: "جئت كي تفعل" فإن جعلت جارة كانت "أن" مقدرة بعدها، وإن جعلت ناصبة كانت اللام مقدرة قبلها. تنبيهات: الأول: ما ذكرته من أن "كي" تكون حرف جر ومصدرية هو مذهب سيبويه وجمهور البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها2 ناصبة للفعل دائما، وتأولوا كيمه على تقدير "كي" تفعل ماذا. وذهب قوم إلى أنها حرف جر دائما، ونقل عن الأخفش. الثاني: إذا كانت "كي" حرف جر ودخلت على الاسم، فهي بمعنى لام التعليل، وإذا دخلت على الفعل دلت على العلة الغائية فقط، فهي أخص من اللام. الثالث: أجاز الكسائي تقديم معمول معمولها عليها نحو: "جئت النحو كي أتعلم".
ومذهب الجمهور منع ذلك. الرابع: إذا فصل بين "كي" والفعل لم يبطل عملها، خلافا للكسائي نحو: "جئت كي فيك أرغب" والكسائي يجيزه بالرفع لا بالنصب. قيل: والصحيح أن الفصل بينها وبين الفعل لا يجوز في الاختيار. والخامس: زعم الفارسي أن أصل كما في قوله1: وطَرْفُك إما جئتنا فاحبسنه ... كما يَحسبوا أن الهوى حيثُ تنظر أي: "كيما" فحذفت الياء ونصب بها، وذهب المصنف إلى أنها كاف التشبيه كفت بما ودخلها معنى التعليل فنصبت، وذلك قليل. وقد جاء الفعل بعدها مرفوعا في قوله2:
لا تَشْتِمِّ الناس كما لا تشتم ... .......................... وإما أن تكون زائدة ومفسرة ومصدرية، فالزائدة: هي التي دخولها في الكلام كخروجها فيطرد زيادتها بعد "لما" نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} 1 وبين القسم ولو. نحو2: أما والله أن لو كنت حرا ووقع لابن عصفور أن هذه رابطة والجواب "لو" وما دخلت عليه. وشذت زيادتها بعد كاف الجر في قوله3: ........................ ... كأَنْ ظبيةٍ..............
في رواية الجر. وفائدة زيادتها التوكيد، وزعم الزمخشري والشلوبين أنه ينجر مع التوكيد معنى آخر وهو أن الجواب يكون بعقب الفعل الذي يليها فتنبه على السببية والاتصال، وليست مثقلة في الأصل خلافا لزاعمه. والمفسرة: وهي التي يحسن في موضعها أي. وعلامتها: أن تقع بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه نحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} 1. فلو كان الذي قبلها غير جملة حكم عليها بأنها المصدرية نحو: "إشارتي إليك أن اصبر" ولا تقع المفسرة بعد صريح القول خلافا لبعضهم. ومذهب الكوفيين أن التفسير ليس من معاني "أن" وهي عندهم الناصبة للفعل والمصدرية هي التي تؤول مع صلتها بمصدر، وتنقسم إلى مخففة من "أن" وناصبة للمضارع فإن كان العامل فيها فعل علم وجب أن تكون المخففة نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} 2 وتقدم ذكرها في بابها. وإن كان فعل ظن جاز فيها الأمران، وجاز في الفعل بعدها الرفع والنصب بالاعتبارين، إلا أن النصب هو الأكثر؛ ولذلك أجمع عليه في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} 3 وقرئ بالوجهين: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 4. وإن كان العامل فيها غير العلم والظن وجب أن تكون الناصبة للفعل نحو: "أريد أن تفعل" وإلى هذا التقسيم أشار بقوله: ........................... ... لا بَعْدَ عِلْمٍ والتي من بَعْدِ ظَنْ فانْصِبْ بها والرَّفْعَ صَحِّحْ واعْتَقِدْ ... تَخْفِيفَها مِنْ أنَّ فهو مُطَّرِدْ أي: فاعتقد تخفيفها من "أن" إذا رفعت الفعل بعدها.
تنبيهات: الأول: إذا أول العلم بغيره جاز وقوع الناصبة بعده؛ ولذلك أجاز سيبويه "ما علمت إلا أن تقوم" -بالنصب- قال: لأنه كلام خرج مخرج الإشارة، فجرى مجرى قولك: "أشير عليك أن تقوم". وعن أبي العباس: أن الناصبة لا تأتي بعد لفظ العلم أصلا. الثاني: أجاز سيبويه والأخفش إجراءها بعد الخوف مجراها بعد العلم لتيقن المخوف نحو: "خفت أن لا تفعل" أو "خشيت أن تقوم" -بالرفع- ومنع ذلك المبرد. الثالث: أجاز الفراء وابن الأنباري أن تنصب بعد العلم غير المؤول، ومذهب الجمهور المنع. الرابع: أجاز الفراء تقديم معمول معمولها عليها، مستشهدا بقوله1: ربَّيتُه حتى إذا تَمَعْدَدَا ... كان جزائِي بالعصا أن أُجْلَدَا قال في التسهيل: ولا حجة فيما استشهد به لندوره، أو إمكان تقدير عامل مضمر.
الخامس: أجاز الأخفش أن تعمل وهي زائدة، واستدل بالسماع كقوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 1 وبالقياس على حرف الجر الزائد. ولا حجة في ذلك؛ لأنها في الآية ونحوها مصدرية دخلت بعد "ما لنا" لتأوله بما منعنا. والفرق بينها وبين حرف الجر أن اختصاص باقٍ مع الزيادة بخلاف "أن" فإنها قد وليها الاسم في "كأن ظبية". السادس: إذا وصلت "أن" بالماضي والأمر فهي التي تنصب المضارع خلافا لابن طاهر فإنه جعلها غيرها. السابع: جملة ما ذكر لأن عشرة أقسام: ناصبة للمضارع ومخففة، وزائدة، ومفسرة، وشرطية، وبمعنى لا، وبمعنى لئلا، وبمعنى إذ، وبمعنى أن المخففة، وجازمة. وقد تقدم الكلام عن الأربعة الأُول ولم يثبت ما سواها. وأما الجازمة، فقال في التسهيل: ولا يجزم بها خلافا لبعض الكوفيين، انتهى. ووافقهم أبو عبيدة. وحكى اللحياني2 أنها لغة بني صباح؛ وقال الرؤاسي3: فصحاء العرب تنصب بأن وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها، وقد أنشدوا على ذلك أبياتا: وبعضُهم أهملَ أَنْ حَمْلا علَى ... ما أخْتِها حيث استحقَّتْ عَمَلا يعني: أن بعض العرب أهمل أن الناصبة حيث استحقت العمل، وذلك إذا لم يتقدمها علم أو ظن كقوله4: أَنْ تَقْرآنِ على أسماءَ ويْحَكُمَا ... مني السلام وأن لا تُشْعِرَا أَحَدَا
فإن الأولى والثانية مصدريتان غير مخففتين وقد أعملت إحداهما وأهملت الأخرى، ومنه قراءة بعضهم: "لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَة"1. ووجه إهمالها حملها على "ما" أختها، أعني: ما المصدرية، هذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فهي عندهم "المخففة من الثقيلة"2، وقوله في التسهيل: كونها المخففة أو المحمولة عليها أو على المصدرية يقتضي قولا ثالثا. فإن قلت: هل يقاس على ذلك؟ قلت: ظاهر كلام المصنف أن إهمالها مقيس. قال في شرح الكافية: ثم نبهت على أن من العرب من يجيز الرفع بعد أن الناصبة السالمة من سبق علم أو ظن. ونَصَبُوا بإِذَنِ المسْتَقْبَلا ... إن صُدِّرَتْ والفعلُ بعدُ مُوصَلا "إذن" حرف ينصب المضارع بثلاثة شروط: الأول: أن يكون مستقبلا، فإن كان حالا رفع؛ لأن النواصب تخلص للاستقبال.
الثاني: أن تكون مصدرة، فإن تأخرت ألغيت حتما، نحو: "أكرمك إذن" وإن توسطت وافتقر ما قبلها لما بعدها فكذلك. قال في شرح الكافية: وشذ النصب بإذن بين خبر وذي خبر في قول الراجز1: لا تَتْرُكَنِّي فيهم شَطِيرَا ... إني إِذَنْ أُهْلَكَ أو أَطِيرَا قلت: نقل جواز ذلك عن بعض الكوفيين، وتأوله البصريون على حذف الخبر، والتقدير: إني لا أقدر على ذلك، ثم استأنف بإذن فنصب. وإن تقدمها حرف عطف فسيأتي. والثالث: ألا يفصل بينها وبين الفعل بغير القسم، فإن فصل بينهما بغيره ألغيت نحو: "إذن زيد يكرمك"، وإن فصل به لم يعد حاجزا نحو: "إذن والله أكرمك". تنبيه: أجاز ابن عصفور الفصل بالظرف نحو: "إذن غدا أكرمك" وأجاز ابن بابشاذ: الفصل بالنداء والدعاء نحو: "إذن يا زيد أحسن إليك" و"إذن يغفر الله لك يدخلك الجنة" ولم يسمع شيء من ذلك، فالصحيح منعه.
وأجاز الكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، وفي الفعل1 حينئذ وجهان. والاختيار عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع. وقد اشتمل البيت على "ذكر"2 الشروط الثلاثة، ثم أشار إلى أن الفصل بالقسم مغتفر بقوله: أو قبله اليمينُ ثم نبه على حكمها بعد العاطف فقال: ........... وانْصِبْ وارْفَعَا ... إِذَا إِذَنْ من بعد عَطْفٍ وَقَعَا والرفع أجود الوجهين وبه قرأ السبعة، وفي الشواذ: "وَإِذًا لَا يَلْبَثُوا"3 على الإعمال. تنبيهات: الأول: أطلق في العطف، وفصل بعضهم فقال: إن كان العطف على ماله محل ألغيت نحو: "إن تزرني أزرك وإن أحسن إليك" بجزم أحسن عطفا على جواب الشرط. وإن كان على ما لا محل له، فالأكثر الإلغاء كالآية. الثاني: إلغاء إذن مع استيفاء الشروط لغة نادرة حكاها عيسى وسيبويه ولا يقبل قول من أنكرها. الثالث: مذهب الجمهور أن "إذن" حرف. وذهب بعض الكوفيين إلى أنها اسم وأصلها "إذًا" والأصل أن تقول: "إذا جئتني أكرمك" فحذف ما يضاف إليه وعوض منه التنوين، والصحيح مذهب الجمهور. ثم اختلف القائلون بحرفيتها؛ فقال الأكثرون: إنها بسيطة، وذهب الخليل في أحد أقواله إلى أنها مركبة من "إذ" و"إن".
ثم اختلف القائلون بأنها بسيطة، فذهب الأكثرون إلى أنها ناصبة بنفسها. وذهب الخليل فيما روى عنه أبو عبيدة أنها ليست ناصبة بنفسها، وأن مضمرة بعدها، وإليه ذهب الزجاج والفارسي. الرابع: إذا وقع بعدها الماضي مصحوبا باللام كقوله تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ} 1. فالظاهر أن اللام جواب قسم مقدر قبل إذن. وقال افراء: لو مقدرة قبل إذن. والتقدير: لو ركنت إليهم لأذقناك، وقدر في كل موضع ما يليق به. الخامس: قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء "يعني إذن"2 وحمله الشلوبين على ظاهره، وأنها للجواب والجزاء في كل موضع، وتكلف تخريج ما خفي فيه ذلك. وذهب الفارسي إلى أنها قد ترد لهما، وهو الأكثر، وقد تكون للجواب وحده نحو أن يقول القائل: "أحبك" فتقول: "إذن أظنك صادقا" فلا يتصور هنا الجزاء. وحمل كلام سيبويه على ذلك كما قال في نعم: إنها عدة وتصديق باعتبار حالين. وقال بعضهم: إذن وإن دلت على أن ما بعدها متسبب عما قبلها على وجهين؛ أحدهما: أن تدل على إنشاء الارتباط بحيث لا يفهم من غيرها. والثاني: أن تكون "واردة"3 جوابا ارتبط بمتقدم أو منبهة على سبب "حصل"4 في الحال نحو: "إن أتيتني إذن آتيك" أو "إذن أظنك صادقا" تقوله لمن يحدثك "وهي في الحالين غير عاملة"5. وبَيْنَ لا ولام جر التُزِمْ ... إظهارُ أن ناصبة وإن عُدِمْ لا فأَنَ اعْمِلْ مُظهِرا أو مُضْمَرا ... وبعد نفي كان حتما أُضْمِرَا
"اعلم" أن أقوى نواصب الفعل "أن" لاختصاصها به ولشبهها بأن الناصبة للاسم؛ فلذلك عملت مظهرة ومضمرة بخلاف أخواتها، وإضمارها على ثلاثة أضرب: واجب، وجائز، وشاذ. فالواجب بعد ستة أشياء؛ أولها: "كي" الجارة. وثانيها: لام الجحود. وثالثها: "أو" بمعنى إلى أو إلا. ورابعها: حتى. وخامسها: فاء الجواب. وسادسها: واو المصاحبة. والجائز بعد شيئين؛ الأول: لام كي إذا لم يكن معها لا. والثاني: العاطف على اسم خالص. والشاذ: إعمالها مضمرة في غير هذه المواضع. والحاصل: أنها لا تعمل مضمرة باطراد إلا بعد حرف جر أو حرف عطف على ما سيأتي بيانه. فأما "كي" الجارة، فلم ينبه في النظم عليها؛ بل ظاهر كلامه هنا موافقة من يقول: إنها ناصبة بنفسها دائما؛ لأنه ذكرها مع النواصب، ولم يذكرها غير ذلك. وقد ذكر لها في الكافية وغيرها الحالين. وقد اشتمل هذان البيتان على حكم "أن" بعد لام كي ولام الجحود. فأما لام كي فهي لام التعليل، ولأن بعدها حالان، حال يجب فيه إظهارها وذلك مع الفعل المقرون بلا النافية أو الزائدة، كقوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} 1. وحال يجوز فيه إظهارها وإضمارها، وذلك مع الفعل غير المقرون بلا نحو: "جئت لتكرمني". ولو أظهرت فقلت: لأن تكرمني، لجاز. فإن قلت: فهل يجوز أن يكون النصب بعدها بإضمار كي؟
قلت: أجاز ذلك ابن كيسان والسيرافي، ومذهب الجمهور أن كي لا تضمر؛ لأنه لم يثبت إضمارها في غير هذا الموضع. فإن قلت: لِمَ سميت لام كي؟ قلت: لأنها للسبب كما أن كي للسبب. وأما لام الجحود، فهي الواقعة بعد كان المنفية الناقصة الماضية لفظا أو معنى نحو: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} 1 و {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} 2. والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة واجبة الإضمار، وعلل ذلك بأن إيجاب "ما كان زيد ليفعل" "كان زيد سيفعل" جعلت اللام في مقابلة السين، فكما أنه لا يجمع بين أن والسين كذلك لا يجمع بين أن واللام. فإن قلت: حاصل كلام الناظم أن لأن بعد لام الجر ثلاثة أحوال: وجوب إظهارها مع المقرون بلا، ووجوب إضمارها بعد نفي كان، وجواز الأمرين فيما عدا ذلك، وهذا غير محرر من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لم يقيد بالناقصة، فأوهم أنه يجب الإضمار أيضا بعد التامة، وليس كذلك؛ لأن اللام بعدها ليست لام الجحود. الثاني: أنه يوهم "أن"3 اختصاص هذا الحكم بالماضية لفظا، وقد تقدم أن الماضية معنى كالماضية لفظا. والثالث: أنه أطلق فشمل إطلاقه النفي بكل نافٍ، وليس كذلك؛ لأن النفي هنا لا يكون إلا بما أو بلم ولا يكون بأن ولا بلما ولا بلا ولا بلن. نص على ذلك في الارتشاف. قلت: قد يجاب عن الأول بأن استعمال الناقصة أكثر، وذكرها في أبواب النحو أشهر فتوجه كلامه إليها، وتعين حمله عند عدم التقييد عليها.
وعن الثاني: بأنه لم يكن مندرجا في قوله: "ونفى كان" لأن المراد نفي الماضي، ولم تنف الماضي، على أن من النحويين من يرى أنها تصرف لفظ الماضي دون معناه. وعن الثالث: أن قوله: "نفي كان" لا يشمل كل نافٍ، بل يشمل كل ما ينفي الماضي فخرجت "لن" لأنها تختص بالمستقبل، وكذلك "لا" فإن نفي غير المستقبل بها قليل، وأما لما فإنها وإن كانت تنفي الماضي تدل على اتصال نفيه بالحال بخلاف "لم" وأما "أن" فهي بمعنى "ما" وإطلاقه يشملها، وفي استثنائها نظر. بل الظاهر أن لام الجحود تقع بعد النفي بها، ويدل على ذلك قراءة غير الكسائي: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} 1، ونص بعضهم على أن اللام في غير قراءته لام الجحود. وفي هذه الآية رد على من زعم أن الفعل بعد لام الجحود لا يرفع إلا ضمير الاسم السابق. وقد فهم من النظم فوائد: الأول: أن ذلك لا يكون في أخوات كان؛ لتخصيص الحكم بها خلافا لمن أجازه قياسا في أخواتها، ولمن أجازه في ظننت. والثانية: أن الفعل معها لا يكون موجبا، فلا يقال: "ما كان زيد إلا ليفعل" لأنها إذ ذاك بعد إيجاب لا بعد نفي كان. الثالثة: أن إظهار أن بعد لام الجحود ممتنع؛ لقوله: "حتما أضمرا"، وهذا مذهب البصريين. وأما الكوفيون فحكى ابن الأنباري عنهم منع ذلك، وحكى غيره عن بعضهم جواز إظهار أن بعدها توكيدا.
تنبيهات: الأول: أجاز بعض النحويين حذف لام الجحود وإظهار أن مستدلا بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} 1. واضطراب ابن عصفور فمرة أجاز ومرة منع، والصحيح المنع، ولا حجة لهم في الآية؛ لأن "أن يفترى" في تأويل مصدر هو الخبر. الثاني: قد فهم مما تقدم أن لام الجر التي ينصب الفعل بعدها قسمان: لام كي ولام الجحود. أما لام الجحود فقد تقدم ضابطها. وأما لام كي فهي ما عداها، وقسم بعضهم ما عدا لام الجحود إلى ثلاثة أقسام كما فعل الشارح: لام كي نحو: "جئت لتحسن إلي" ولام العاقبة نحو: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} 2 ولام زيادة نحو: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} 3. وأن بعد هذه الثلاثة يجوز إظهارها وإضمارها. قلت: أما لام العاقبة، وتسمى أيضا لام الصيرورة، ولام المآل، فقد أثبتها الكوفيون والأخفش وذكرها في التسهيل، وتأول جمهور البصريين ما أوهم ذلك، وردوه إلى لام كي. وأما الزيادة، فذهب قوم إلى أن اللام في نحو: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا} 4 {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} 5 زائدة وأن مقدرة بعدها. وقال الفراء: العرب تجعل لام كي في موضع أن في أردت وأمرت، والمختار أنها لام كي.
والتقدير: يريدون ما يريدون من الكفر ليطفئوا، وأمرنا بما أمرنا لنسلم. الثالث: ما ذكر من أن اللام التي "تنصب الفعل"1 بعدها هي لام الجر، والنصب بأن مضمرة، هو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن اللام ناصبة بنفسها، وذهب ثعلب إلى أن اللام ناصبة بنفسها لقيامها مقام أن، والخلاف في اللامين -أعني: لام كي ولام الجحود- واحد. الرابع: اختلف في الفعل الواقع بعدم اللام، فذهب الكوفيون إلى أنه خبر "كان" واللام للتوكيد. وذهب البصريون إلى أن الخبر محذوف، واللام متعلقة بذلك الخبر المحذوف وقدروه: "ما كان زيد مريدا ليفعل"، وإنما ذهبوا إلى ذلك لأن اللام جارة عندهم، وما بعدها في تأويل مصدر، وصرح المصنف بأنها مؤكدة لنفي الخبر -وظاهره موافقة الكوفيين- إلا أن الناصب عنده أن مضمرة، فهو قول ثالث، قال الشيخ أبو حيان: ليس بقول بصري ولا كوفي، ومقتضى قوله مؤكدة أنها زائدة. وصرح به الشارح، وقال في شرحه لهذا الموضع من التسهيل: سميت مؤكدة لصحة الكلام بدونها، لا لأنها زائدة، إذ لو كانت زائدة لم يكن لنصب الفعل بعدها وجه صحيح، وإنما هي لام اختصاص دخلت على الفعل لقصد ما كان زيد مقدرا أوهاما أو مستعدا لأن يفعل. قلت: ما نقل عن البصريين من أنها متعلقة بالخبر المحذوف يقتضي أنها ليست بزائدة وتقدرهم مريدا يقتضي أنها زائدة مقوية للعامل. فليتأمل. الخامس: ذكر في التسهيل أن فتح اللام الجارة الداخلة على الفعل لغة عكل وبلعنبر. وقال أبو زيد: سمعت من يقرأ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} 2. ثم انتقل إلى "أو" فقال: كَذاكَ بعد أو إذا يَصْلحُ في ... موضِعِها حتى أَوِ الَّا أَنْ خَفى
يعني: أن "أن" يجب إضمارها بعد "أو" إذا صلح في موضعها حتى أو إلا كما وجب إضمارها بعد لام الجحود. فإن قلت: حتى "تكون"1 بمعنى إلى وبمعنى كي فأيهما أراد؟ قلت: قال الشارح: حتى التي بمعنى إلى لا التي بمعنى كي، فإن كان ما قبلها ينقضي شيئا فشيئا فهي بمعنى إلى وإلا فهي بمعنى إلا. انتهى. يحتمل أن يريد المعنيين معا، وذلك أن بعضهم قدرها بكي، وبعضهم قدرها بإلى. وأما سيبويه فقدرها بإلا، فكأنه أشار إلى الأولين بذكر حتى، ويصلح للتقديرات الثلاثة قولهم: "لألزمنك أو تقضيني حقي" فإنه يصلح للتعليل وللغاية وللاستثناء من الأزمان. ويتعين الأول في نحو: "لأطيعن الله أو يغفر لي". والثاني في نحو: "لأنتظرنه أو يجيء"، والثالث في نحو: "لأقتلن الكافر أو يسلم"، وبذلك "يضعف"2 قول من قال: إن تقديرا "بإلا مطرد، وقول من قال: إن تقديرها"3 بكي أو إلى مطرد، ويؤيد الاحتمال الثاني أنه لو أراد حتى التي بمعنى إلى فقط لصرح بإلى والوزن موات له على ذلك. تنبيهات: الأول: احترز بقوله: "إذا يصلح في موضعها "حتى أو إلا " من التي لا يصلح في موضعها"4 أحد الحرفين، فإن المضارع إذا ورد بعدها منصوبا جاز إظهار أن كقوله5:
ولولا رجالٌ من رِزَامٍ أعزةٌ ... وآلُ سُبيع أو أسوءَك عَلْقَمَا الثاني: ما ذكر من تقدير حتى أو إلا في مكان أو تقدير لحظ فيه المعنى دون الإعراب، والتقدير الإعرابي المرتب على اللفظ أن يقدر قبل "أو" مصدر وبعدها "أن" الناصبة للفعل، وهما في تأويل مصدر معطوف بأو على المقدر قبلها فتقدير "لأنتظرنه أو يقدم": ليكونن انتظارٌ أو قدومٌ. الثالث: ذهب الكسائي إلى أن "أو" المذكورة ناصبة بنفسها، وذهب الفراء ومن وافقه من الكوفيين إلى أن الفعل انتصب بالمخالفة، والصحيح أن النصب بأن مضمرة بعدها؛ لأن "أو" حرف عطف فلا عمل لها ولكنها عطفت مصدرا مقدرا على مصدر متوهم، ومن ثَمَّ لزم إضمار أَنْ بعدها. الرابع: قوله: "إذا يصلح في موضعها حتى أو إلا" أجود من قول الشارح بعد أو بمعنى إلى أو إلا، فإنه يوهم أن "أو" ترادف الحرفين، وليس كذلك، بل هي أو العاطفة التي لأحد الشيئين. ثم انتقل إلى حتى فقال: وبعد حتى هكذا إضمارُ أن ... حَتْمٌ كجُدْ تَسُرَّ ذا حَزَنْ حتى في الكلام على ثلاثة أضرب: عاطفة، وابتدائية، وجارة. فالعاطفة: تعطف بعضا على كل، وتقدمت في حروف العطف.
والابتدائية: تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها كقوله1: .......... حتى ماءُ دجلةَ أَشْكَلُ وليس المعنى أنه يجب أن يكون بعدها المبتدأ والخبر، بل المعنى على الصلاحية، فمتى كان بعدها جملة فعلية مصدرة بماض نحو: {حَتَّى عَفَوْا} 2 أو بمضارع مرفوع تقول: "شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه" أطلق عليها حرف ابتداء. والجارة: تدخل على الاسم الصريح بمعنى إلى وتقدمت في حروف الجر، وتدخل على المضارع ويجب حيئنذ إضمار أن بعدها ناصبة؛ لتكون مع الفعل في تأويل مصدر مجرور بحتى ولا يجوز إظهار أن بعدها. تنبيهات: الأول: قال في شرح التسهيل عند ذكر حتى الجارة ومجرورها إما اسم صريح نحو: {حَتَّى حِينٍ} 3 أو مصدر مؤول من أن وفعل ماض نحو: {حَتَّى عَفَوْا} أو مضارع نحو: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} 4. ونوزع في الماضي فإن حتى قبله ابتدائية وأن غير مضمرة.
الثاني: ذهب الكوفيون إلى أن حتى ناصبة بنفسها وأجازوا إظهار أن بعدها توكيدا كما أجازوا ذلك بعد لام الجحود. الثالث: إذا انتصب المضارع بعد حتى، فالغالب أن تكون للغاية؛ كقوله تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} 1 وعلامتها "أن يصلح في موضعها إلى، وقد تكون للتعليل نحو: "جد حتى تسر ذا حزن" وعلامتها"2 أن يحسن في موضعها كي، وزاد في التسهيل: أنها تكون بمعنى إلا أن، كقوله3: ليس العطاءُ من الفضول سماحةً ... حتى تجودَ وما لديك قليلُ وهذا معنى غريب، وممن ذكره ابن هشام وحكاه في البسيط عن بعضهم. ولا حجة في البيت لإمكان جعلها فيه بمعنى إلى. ثم نبه على أن "الفعل بعدها لا يكون إلا مستقبلا حقيقة"4 أو حكما. وتِلوَ حتى حالا أو مؤولا ... به ارفعَنَّ وانصب المستقبلا مثال الحال قولهم: "سألت عنك حتى لا أحتاج إلى سؤال"، ومثال المؤول بالحال كقراءة نافع: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} 5.
والمراد بالمؤول بالحال أن يكون الفعل قد وقع فيقدر اتصافه بالدخول فيه فيرفع؛ لأنه حال بالنسبة إلى تلك الحال، وقوله: "وانصب المستقبلا" يعني: حقيقة أو بتأويل. فالمستقبل حقيقة نحو: "لأسيرن حتى أدخل المدينة" والمؤول كقراءة غير نافع: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ} "والمراد"1 به أن يكون الفعل قد وقع فيقدر المخبر به اتصافه بالعزم فينصب؛ لأنه "مستقبل بالنسبة إلى تلك الحال"2. تنبيهات: الأول: إذا كان الفعل حالا أو مؤولا به فحتى ابتدائية وإذا كان مستقبلا أو مؤولا به فهي الجارة وأن مضمرة بعدها كما تقدم. الثاني: علامة كونه حالا أو مؤولا به صلاحية جعل الفاء في موضع حتى، ويجب حينئذ أن يكون ما بعدها فضلة مسببا عما قبلها. الثالث: قد فهم مما ذكر أن الرفع يمتنع في نحو: "كان سيري حتى أدخلها" إذا جعلت ناقصة؛ لأنه لو رفع لكانت حتى ابتدائية، فتبقى كان بلا خبر، وفي نحو: "سرت حتى تطلع الشمس" لانتفاء السببية خلافا للكوفيين، وفي نحو: "ما سرت أو أسرت حتى تدخل المدينة" مما يدل على حدث غير واجب؛ لأنه لو رفع لزم أن يكون مستأنفا مقطوعا بوقوعه وما قبلها سبب له، وذلك لا يصح لأن ما قبلها منفي في "ما سرت" ومشكوك في وقوعه في "أسرت" فيلزم وقوع المسبب مع نفي السبب أو الشك فيه، وأجاز الأخفش الرفع في نحو: "ما سرت حتى أدخل المدينة" فقيل: هي مسألة خلاف بينه وبين سيبويه، وقيل: إنما أجازه على أن يكون أصل الكلام واجبا ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره، فنفيت أن يكون سير كان عنه دخول. قال ابن عصفور: وهذا الذي قاله جيد وينبغي ألا يعد هذا خلافا. الرابع: ذهب أبو الحسن إلى أن حتى إذا كانت بمعنى الفاء فهي عاطفة وتعطف الفعل على الفعل، وذلك إذا دخلت على الماضي أو المستقبل على جهة السبب نحو: "ضربت زيدا حتى بكى" و"لأضربنه حتى يبكي".
ومذهب الجمهور أنها ابتدائية كما سبق؛ لأنها إنما تعطف المفردات. وثمرة الخلاف أن الأخفش يجيز الرفع في يبكي على العطف، والجمهور لا يجيزون فيه إلا النصب، ثم انتقل إلى فاء الجواب فقال: وبَعْدَ فَا جوابِ نَفْي أو طَلَبْ ... مَحْضَيْنِ أَنْ وسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ يعني: أن "أن" تنصب الفعل مضمرة بعد فاء جواب نفي نحو: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} 1 أو طلب وهو أمر أو نهي أو دعاء أو استفهام أو عرض أو تحضيض أو تمن، فالأمر نحو: "اضرب زيدا فيستقيم" والنهي: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ} 2 والدعاء: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا} 3 والاستفهام: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} 4 والعرض قول بعض العرب: "ألا تقع الماء فتسبح" يريد: في الماء. والتحضيض: "هلا أمرت فتطاع" والتمني: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} 5. والتمني يكون بليت كما مثل أو بألا نحو: "ألا رسول لنا منا فيخبرنا"، وبلو كقوله6: لو نُعان فننهدا.
ومنع المصنف كون لو للتمني وقال: التقدير: وددنا لو نعان، فهو جواب تمن إنشائي كجواب ليت. وقد فهم من كلامه أنه لا يجوز النصب بعد شيء من ذلك إلا بشرطين: أحدهما: أن تكون الفاء مقصودا بها "الجواب"1 لإضافتها إلى الجواب احترازا من الفاء التي لمجرد العطف كقولك: "ما تأتينا فتحدثنا" بمعنى: ما تأتينا فما تحدثنا؛ فيكون الفعلان مقصودا نفيهما، وبمعنى: ما تأتينا فأنت تحدثنا، على إضمار مبتدأ، فيكون المقصود نفي الإتيان وإثبات الحديث، وإذا قصد بها معنى الجزاء والسببية لم يكن الفعل بعدها إلا منصوبا على معنى: ما تأتينا محدثا، فيكون المقصود نفي اجتماعهما أو على معنى: ما تأتينا فكيف تحدثنا، فيكون المقصود نفي الثاني لانتفاء الأول. الثاني: أن يكون النفي والطلب محضين، واحترز بذلك "عن"2 النفي الذي ليس بمحض نحو: "ما أنت تأتينا إلا فتحدثنا" و"ما تزال تأتينا فتحدثنا". ومن الطلب الذي ليس بمحض، والمراد بالطلب المحض أن يكون بفعل أصل في ذلك، فاحترز من أن يكون بمصدر نحو: "سقيا" أو باسم فعل نحو: "صه" أو بلفظ الخبر نحو: "رحم الله زيدا" فلا يكون لشيء من ذلك جواب منصوب، وسيأتي الخلاف في بعض ذلك. تنبيهات: الأول: قال في شرح الكافية: النفي الذي لا جواب له منصوب لكونه ليس نفيا خالصا بأربعة أمثلة: "ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا" و"ما تزال تأتينا فتحدثنا" و"ما قام فيأكل إلا طعامه" وقول الشاعر3:
وما قام مِنَّا قائمٌ في ندينا ... فينطِقُ إلا بالتي هيَ أعرفُ وتبعه الشارح في التمثيل بها، فأما الأولان فالتمثيل بهما صحيح، وأما الآخران فالنصب فيهما جائز، فإن النفي إذا انتقض بإلا بعد الفاء جاز النصب. نص على ذلك سيبويه، وعلى النصب أنشد: فينطِقَ إلا بالتي هي أعرفُ الثاني: ذهب بعض الكوفيين إلى أن ما بعد الفاء منصوب بالمخالفة، وبعضهم إلى أن الفاء هي الناصبة كما تقدم في أو، والصحيح مذهب البصريين؛ لأن الفاء عاطفة فلا عمل لها؛ لأنها في ذلك عاطفة لمصدر مقدر على مصدر متوهم، والتقدير في نحو: "ما تأتينا فتحدثنا" ما يكون منك إتيان فحديث، وكذلك يقدر في جميع المواضع. الثالث: شرط في التسهيل في نصب جواب الاستفهام ألا يتضمن وقوع الفعل احترازا من نحو: "لِمَ ضربتَ زيدا فيجازيك؟ " لأن الضرب قد وقع فلم يمكن سبك مصدر مستقبل منه، وهو مذهب أبي علي، ولم يشترط ذلك المغاربة، وحكى ابن كيسان "أين ذهب زيد فتتبعَه؟ " بالنصب، والفعل في ذلك محقق
الوقوع، فإذا لم يمكن سبك مصدر من الجملة سبكناه من لازمها، والتقدير: ليكن منك إعلام بذهاب زيد فاتباع منا. ثم انتقل إلى الواو فقال: والواوُ كالفَا إن تُفِدْ مفهومَ مَعْ ... كَلا تكُنْ جَلْدًا وتُظْهِرَ الجزَعْ يعني: أن الواو تضمر أن بعدها وجوبا بعد النفي والطلب بشرطهما، كما أضمرت بعد الفاء بشرط أن تفيد المعية، كقوله: "لا تكن جلدا وتظهر الجزع" أي: لا تجمع بين الأمرين، وهي يومئذ عاطفة لمصدر مقدر على مصدر متوهم كما تقدم في الفاء وأو. واحترز من أن يقصد التشريك بين الفعلين فتكون عاطفة فعلا على فعل نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" بالجزم أو بقصد الاستئناف نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" -بالرفع- وأمثلة النصب بعد الواو معلومة من أمثلة الفاء، فلا نطول بذكرها. قال الشيخ أبو حيان: ولا أحفظ النصب جاء بعد الواو في الدعاء ولا العرض ولا التحضيض ولا الرجاء، ولا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع. تنبيهات: الأول: الخلاف في الواو كالخلاف في الفاء، وقد تقدم. الثاني: قد علم أن النصب بعد الواو ليس على معنى النصب بعد الفاء، وقولهم: تقع الواو في جواب كذا وكذا تجوز ظاهر، وزعم بعضهم أن النصب بعد الواو، وهو على معنى الجواب، وليس بصحيح. وبعدَ غيرِ النفي جَزْمًا اعْتَمِدْ ... إنْ تسقُطِ الفا والجزاءُ قد قُصِدْ انفردت الفاء بأن الفعل بعدها سنجزم عند سقوطها بشرط أن يقصد الجزاء نحو1:
قِفَا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ وذلك إنما يكون بعد الطلب، والأمثلة ظاهرة. وأما النفي فليس له جواب مجزوم، فإنه يقتضي تحقيق عدم الوقوع كما يقتضي الإيجاب تحقق الوقوع، فلا يجوز بعده كما في الإيجاب؛ ولذلك قال: وبعد غير النفي جزما. واحترز من ألا يقصد الجزاء، فإنه لا يجزم بل يرفع، إما مقصودا به الوصف نحو: "ليت لي مالا أنفق منه" أو الحال أو الاستئناف "ويحتملها"1 قوله تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا} 2. تنبيه: إذا جزم الفعل بعد سقوط الفاء، ففي جازمه أقوال: الأول: أن لفظ الطلب ضمن معنى حرف الشرط فجزم، وإليه ذهب ابن خروف، واختاره المصنف ونسبه إليه الخليل وسيبويه. والثاني: أن الأمر والنهي وباقيها نابت عن الشرط؛ أي: حذفت جملة الشرط وأنيبت هذه في العمل منابها فجزمت، وهو مذهب السيرافي والفارسي وابن عصفور.
والثالث: أن الجزم بشرط مقدر دل عليه الطلب، وإليه ذهب أكثر المتأخرين. والرابع: أن الجزم بلام مقدرة، فإذا قال: "ألا تنزل تُصِبْ خيرا". "فمعناه: لتصب خيرا"، وهو ضعيف، ولا يطرد إلا بتجوز وتكلف. والمختار القول الثالث، لا ما اختاره المصنف لأربعة أوجه: أحدها: أن ما ذهب إليه يستلزم أن يكون العامل جملة، وذلك لا يوجد في موضع. والثاني: أن الإضمار أسهل من التضمين؛ لأن التضمين زيادة بتغيير الوضع، والإضمار زيادة بغير تغيير، فهو أسهل. والثالث: أن التضمين لا يكون إلا لفائدة، ولا فائدة في تضمين الطلب معنى الشرط؛ لأنه يدل عليه بالالتزام. والرابع: أن الشرط لا بد له من فعل، ولا يجوز أن يكون هو الطلب بنفسه ولا مضمنا له "مع معنى"1 حرف الشرط؛ لما في ذلك من التعسف، ولا مقدرا بعده لقبح إظهار بدون حرف الشرط، بخلاف إظهاره معه. وشَرْطُ جَزمٍ بعد نهي أَنْ تَضَعْ ... إِنْ قَبْلَ لا دونَ تَخالُفٍ يَقَعْ يعني: أن شرط جزم الجواب بعد النهي أن يصح إقامة شرط منفي مقامه، وعلامة ذلك أن يصح المعنى بتقدير إن قبل لا النافية نحو: "لا تدنُ من الأسد تسلم" "فهذا يصح جزمه لأن المعنى: إن لا تدن من الأسد تسلم"2 بخلاف "لا تدن من الأسد يأكلك" فإن هذا لا يصح جزمه لعدم صحة المعنى بتقدير إن لا تدن، هذا مذهب الجمهور، وأجاز الكسائي جزم جواب النهي مطلقا، ولا يشترط تقدير إن قبل لا، بل يقدر: إن تدن من الأسد يأكلك. وذكر في شرح الكافية أن غير الكسائي لا يجيز ذلك. قلت: وقد نسب "ذلك"3 إلى الكوفيين.
واستدل الكسائي بالقياس على النصب؛ لأن المنصوب بعد الفاء جاء فيه ذلك كقوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} 1 وبالسماع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا يقربنَّ مسجدنا يُؤذِنا بريح الثوم"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وقول أبي طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشرفْ يُصبْك سهمٌ". وأجيب بأن القياس على المنصوب لا يحسن؛ لأن النصب بعد الفاء يكون في النفي ولا جزم فيه. وأما السماع فمحمول على إبدال الفعل من الفعل مع أن الرواية المشهورة "يؤذينا" و"يضرب" -بالرفع- ويحتمل أن يكون يضرب بعضكم على الإدغام نحو: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ} 2. تنبيه: شرط الجزم بعد الأمر بتقدير إن تفعل، كما أن شرطه بعد النهي بتقدير إن لا تفعل فيمتنع الجزم في نحو: "أحْسِن إليّ لا أحسن إليك" فإنه لا يجوز: "إِنْ تُحسنْ إليّ لا أحسن إليك" لكونه غير مناسب، وكلام التسهيل يوهم إجراء خلاف الكسائي فيه. والأمرُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ افْعَلْ فَلا ... تَنْصِبْ جَوَابَهُ وجَزْمَهُ اقْبَلا إذا دل على الأمر بخبر بفعل ماض أو مضارع أو باسم فعل أو باسم غيره جاز جزم الجواب اتفاقا، كقولهم: "اتقي الله امرؤٌ فَعَلَ خيرا يُثَبْ عليه"، وقوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ} 3، وقول الشاعر4:
مكانَكِ تُحْمَدِي أو تَسْتريحي وقولهم: "حسبُك ينم الناس"؛ لأن المعنى: ليتق وآمنوا واثبتي واكفف. وأجاز الكسائي النصب نحو: "صه فأحدثك" و"حسبك فينام الناس". ومذهب الجمهور منع ذلك؛ لأن النصب إنما هو بإضمار "أن" والفاء عاطفة على مصدر متوهم، وحسبك وصه ونحوها لا تدل على المصدر؛ لأنها غير مشتقة؛ ولذلك قال: فلا تنصب جوابه. تنبيهات: الأول: ذكر في شرح الكافية: أن الكسائي انفرد بجواز النصب بعد الفاء المجاب بها اسم أمر نحو: "صه" أو خبر بمعنى الأمر نحو: "حسبك". قلت: وافقه ابن عصفور في جواز نصب جواب نزال ونحوه من اسم الفعل المشتق، وحكاه ابن هشام عن ابن جني، والذي انفرد به الكسائي ما سوى ذلك. الثاني: أجاز الكسائي "أيضا"1 نصب جواب الدعاء المدلول عليه بالخبر نحو: "غفر الله لزيد فيُدخلَه الجنةَ".
الثالث: "حسبك" في قولك: "حسبك ينم الناس" مبتدأ وخبره محذوف؛ أي: حسبك السكوت، وهو لا يظهر، والجملة متضمنة معنى اكفف، وزعمت جماعة -منهم ابن طاهر- أنه مبتدأ بلا خبر؛ لأنه في معنى ما لا يخبر عنه، وقال بعضهم: لو قيل: إنه اسم فعل مبني والكاف للخطاب، وضم لأنه كان معربا فحمل في البناء على قبل وبعد، لم يبعد. والفعلُ بعد الفاء في الرَّجَا نُصِبْ ... كنَصْبِ ما إلى التمني يَنْتَسِبْ قال في شرح الكافية: ألحق الفراء الرجاء بالتمني فجعل له جوابا منصوبا، وبقوله أقول: لثبوت ذلك سماعا، ومنه قراءة حفص عن عاصم: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} 1 انتهى، وكذلك قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} 2. ومذهب البصريين أن الرجاء ليس له جواب منصوب، وتأولوا ذلك بما فيه بُعد. وقول أبي موسى: وقد أشْرَبَها معنى ليت مَن قرأ: "فأطلعَ" نصبا يقتضي تفصيلا3. فإن قلت: فهل يجوز جزم جواب الترجي إذا أسقطت الفاء عند مَن أجاز نصبه؟ قلت: نعم، وفي الارتشاف، وسمع الجزم بعد الترجي فدل على صحة مذهب الكوفيين. وإِنْ على اسمٍ خالصٍ فعلٌ عُطِفْ تَنْصِبُهُ أن ثابتًا أو مُنْحَذِفْ قد تقدم أن "أن" تضمر جوازا في موضعين:
أحدهما: بعد لام كي إذا لم يكن معها "لا" وقد سبق بيانه. والآخر: بعد العاطف على اسم خالص، وهو المذكور في البيت، والعاطف المذكور هو: "الواو" و"الفاء" و"ثم" و"أو". فالواو كقوله1: لَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي والفاء كقوله2:
لولا توقُّعُ مُعترٍّ فأرضِيَهُ وأو كقراءة غير نافع: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} 1. وثم كقوله2: إني وقَتْلِي سُلَيْكًا ثم أَعْقِلَهُ ... ........................ ونص بعضهم أن ذلك لا يجوز في غير هذه الأحرف.
تنبيهات: الأول: إنما قال على اسم ولم يقل على مصدر، كما قال بعضهم: ليشمل غير المصدر، فإن ذلك لا يختص به، فتقول: "لولا زيدٌ ويُحْسِنَ إليَّ لهلكتُ". الثاني: المراد بالخالص ما ليس مؤولا بالفعل، واحترز من نحو: "الطائرُ فيغضبُ زيد الذباب" فإنه معطوف على اسم، ولا ينصب لأن الطائر بمعنى الذي يطير، ويخرج أيضا بذكر الخالص العطف على مصدر متوهم، فإنه يجب "فيه"1 إضمار أن كما تقدم. الثالث: تجوز في قوله: "فعل عطف" فإن المعطوف في الحقيقة إنما هو المصدر. الرابع: أشار بقوله: "ثابتا أو منحذف" إلى جواز إظهار أن وإضمارها بعد العاطف المذكور. الخامس: أطلق في العاطف ولم يسمع في غير الأحرف الأربعة "المذكورة"2 كما تقدم. وشذَّ حذفُ أن ونَصْبٌ في سوَى ... ما مرَّ فاقبلْ منه ما عَدْلٌ رَوَى يعني: أن حذف "أن" مع النصب في غير المواضع المنصوبة المذكورة شاذ لا يقبل منه إلا ما نقله العدول، كقول العرب: "خذ اللص قبل يأخذك" و"مُرْهُ يحفرَها" وقرأ الحسن: "أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدَ"3، ومنه قول الشاعر4: ونَهْنَهْتُ نفسي بعدما كِدْت أفْعَلَه
تنبيهات: الأول: فهم من قوله: "فاقبل منه ما عدل روى" أنه مقصور على السماع، ولا يقاس عليه، ونص على ذلك في غير هذا الموضع، وقال في التسهيل: وفي القياس عليه خلاف. انتهى. والجواز مذهب الكوفيين ومَن وافقهم، والصحيح قصره على السماع؛ لقلته. الثاني: قد يفهم من قوله: "وشذ حذف أن ونصب" أن حذفها ورفع الفعل ليس بشاذ، وهو ظاهر كلامه في شرح التسهيل، فإن جعل منه قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} 1 قال: ويريكم صلة لأن حذفت وبقي يريكم مرفوعا، وهذا هو القياس؛ لأن الحرف عامل ضعيف، فإذا حذف بَطَلَ عمله. انتهى. وهذا مذهب أبي الحسن، أجاز "أن" ورفع الفعل دون نصبه، وجعل منه قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} ، وذهب قوم إلى أن حذف "أن" مقصور على السماع مطلقا، فلا ينصب ولا يرفع بعد الحذف إلا ما سمع، وإليه ذهب متأخرو المغاربة، قيل: وهو الصحيح. والثالث: ما ذكره من أن حذف "أن" والنصب في غير ما مر شاذ، ليس على إطلاقه؛ بل هو مقيد بالنصب بعد الفاء والواو وبعد الشرط والجزاء، وسيأتي2.
عوامل الجزم
عوامل الجزم: هي ضربان: أحدهما: يطلب فعلا واحدا، والآخر: يطلب فعلين. فالأول أربعة أحرف ذكرها في قوله: بلا ولامٍ طالبا جَزْما ... في الفعل هكذا بلَمْ ولَمَّا أما "لا" فتكون للنهي نحو: {لَا تَحْزَنْ} 1 وللدعاء نحو: {لا تُؤَاخِذْنَا} 2. وأما "اللام" فتكون للأمر نحو: {لِيُنْفِقْ} 3 والدعاء نحو: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} 4. ولذلك قال "طالبا" فشمل الأمر والنهي والدعاء، واحترز به من "لا" غير الطلبية وهي النافية والزائدة، ومن لام غير طلبية كاللام التي ينتصب المضارع بعدها. فأما "لا" فقال الشارح: تصحب فعل المخاطب والغائب كثيرا، وقد تصحب فعل المتكلم، فسوى بين المخاطب والغائب في الكثرة، ولم يفصل في المتكلم بين فعل الدعاء "وفعل"5 المفعول، وهو موافق لظاهر الكافية والتسهيل، وفصل بعضهم فقال: إذا بنى الفعل للمفعول جاز دخول "لا" عليه سواء كان لمتكلم أو لمخاطب أو لغائب، وإذا بنى للفاعل فالأكثر أن يكون للمخاطب ويضعف للمتكلم نحو6: لا أعْرِفَن رَبْرَبا حُورا مَدَامِعُها
والغالب نحو: "لا يخرج زيد". وأما "اللام" فتدخل على فعل المفعول مطلقا نحو: "لأعن بحاجتك ولتعن بحاجتي وليعن زيد بالأمر". وتدخل على فعل الفاعل مسندا إلى الغالب نحو: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} 1 وإلى المتكلم مشاركا نحو: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} 2 أو مفردا كقوله في الحديث: "قوموا فلأصَلِّ لكم" وذكر الشارح: أن دخولها على مضارع الغائب والمتكلم كثير، وذكر في الكافية: أن دخولها على مضارع المتكلم قليل، لكن أكثر من دخول "لا". وأما مضارع المخاطب المبني للفاعل فدخولها عليه قليل استغناء بصيغة أفعل، قالوا: وهي لغة رديئة. وقال الزجاجي: هي لغة جيدة، ومن دخولها قراءة عثمان وأبي وأنس: "فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا"3.
وقوله في الحديث: "لتأخذوا مصَافكُمْ". تنبيهات: الأول: زعم بعصهم أن أصل "لا" الطلبية لام الأمر زيدت عليها ألف فانفتحت، وزعم السهيلي: أنها لا النافية، والجزم بعدها بلام الأمر مضمرة قبلها، وحذفت كراهة اجتماع لامين في اللفظ وهما زعمان ضعيفان. الثاني: لا يفصل بين "لا" ومجزومها "بمعموله"1 إلا في ضرورة كقوله2: ....................... ... ولا ذا حَقَّ قومِكَ تَظْلِمِ أراد: ولا تظلم ذا حق قومك. قال في شرح الكافية: وهذا رديء؛ لأنه شبيه بالفصل بين الجار والمجرور. انتهى. قال في التسهيل: وقد يليها معمول مجزومها "ولم ينبه على اختصاصه بالضرورة، وقد أجازه بعضهم في قليل من الكلام نحو: "لا اليومَ تضرِب زيدًا"". الثالث: في كلام ابن عصفور والأبدي ما يدل على جواز حذف "مجزومها"3 إذا دل عليه دليل "قالا"4 كقولك: "اضرب زيدا إن أساء" وإلا فلا، أي: فلا تضربه.
قال في الارتشاف: ويحتاج إلى سماع. الرابع: حركة لام الطلب الكسرة، قال في التسهيل: وفتحها لغة. قلت: فتحها حكاه الفراء عن بني سليم، فحكي عنه مطلقا كما في التسهيل، وعنه تفتح لفتحة الياء بعدها، فظاهر هذا أنها لا تفتح إذا انضم ما بعدها نحو: "ليكرم" أو انكسر نحو: "لتأذن"، وعنه أيضا ما نص عليه في سورة النساء، وهو قوله: وبنو سليم يفتحونها إذا استؤنفت، يريد: أنهم لا يفتحونها إلا إذا لم يكن قبلها واو أو فاء أو ثم. الخامس: يجوز تسكين لام الطلب بعد الواو والفاء وثم، وتسكينها بعد الواو والفاء أكثر من تحريكها، وليس بضعيف بعد ثم، ولا ضرورة، خلافا لمن زعم ذلك. ومذهب الأكثرين أن تسكينها حمل على عين فَعِل، ورده المصنف بأن ذلك إجراء منفصل مجرى متصل، ومثله لا يكاد يوجد مع قلته إلا في الاضطرار، وهو عند رجوع إلى الأصل؛ لأن لهذا اللام الأصالة في السكون من وجهين؛ أحدهما: مشترك، وهو كون السكون مقدما على الحركة. والثاني: مختص، وهو أن يكون لفظها مشاكلا لعملها كما فعل بباء الجر. السادس: مذهب الجمهور أن لام الأمر لا تحذف إلا في الشعر، ومنع المبرد حذفها في الشعر أيضا وإن كان النحويون أنشدوا1: مُحمدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نفسٍ
فإنه لا يعرف قائله، ويحتمل أن يكون خبرا وحذفت الياء استغناء بالكسرة، وأجاز الكسائي حذفها بعد الأمر بالقول كقوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} 1. وذكر في شرح الكافية: أن حذف لام الأمر وإبقاء عملها على ثلاثة أضرب: كثير مطرد، وهو حذفها بعد أمر بقول كالآية. وقليل جائز في الاختيار، وهو حذفها بعد قول غير أمر، كقوله2: قلتُ لبوَّابٍ لديه دارُها ... تِيذَنْ فإني حَمُوها وجارُهَا قال: وليس مضطرا؛ لتمكنه من أن يقول: ائذن، وليس لقائل أن يقول: إن هذا من تسكين المتحرك، على أن يكون الفعل مستحقا للرفع، فسكن اضطرارا؛ لأن الراجز لو قصد الرفع لتوصل إليه مستغنيا عن الفاء، فكان يقول: "تأذَن إني". وقليل مخصوص بالاضطرار، وهو الحذف دون تقدم قول بصيغة أمر ولا بخلافه، كقول الشاعر3:
فلا تَسْتَطِلْ مني بقائي ومُدَّتِي ... ولكن يكنْ للخير منكَ نَصِيبُ وقال في التسهيل: ويلزم في النثر في فعل غير الفاعل المخاطب، وفي بعض النسخ مطلقا، خلافا لمن أجاز حذفها في "نحو"1: "قل له لِيفعل" وهو خلاف ما في الكافية وشرحها. وأما "لم" و"لما" أختها، فينفيان المضارع ويصرفان معناه إلى المضي وفاقا للمبرد وأكثر المتأخرين، لا لفظ الماضي إلى المضارع خلافا لأبي موسى ومَن وافقه، "وقد"2 نسب إلى سيبويه. ويختلفان في أمور: الأول: أن النفي بلم لا يلزم اتصاله اتصاله بالحال، بل قد يكون منقطعا نحو: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} 3، وقد يكون متصلا نحو: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} 4 بخلاف "لما" فإنه يجب اتصال نفيها بالحال. الثاني: أن الفعل بعد "لما" حذفه اختيارا، وهو أحسن ما تخرج عليه قراءة: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا} 5، ولا يجوز حذفه بعد "لم" إلا في الضرورة، كقوله6:
احفَظْ وديعتَك التي استُودِعْتَها ... يَوْمَ الأعازِبِ إن وصَلْتَ وإن لَمِ الثالث: إن "لم" تصحب أدوات الشرط نحو "إن لم" و"لو لم" بخلاف "لما". الرابع: إن "لم" قد يفصل بينها وبين مجزومها اضطرارا، كقوله1: .................................. ... كأن لم سِوَى أهل من الوحش تُؤْهَلِ قال في التسهيل: وقد يلي لم معمول مجزومها اضطرارا، ولم يذكر ذلك في "لما". وقال في شرح الكافية وانفردت "لم" بأشياء:
منها أن الفصل بينها وبين مجزومها اضطرارا، فهذا تصريح بانفراد "لم" بذلك، وفي الارتشاف: ولا يفصل بينها وبين معمولها إلا في الشعر. قلت: ذكر المصنف في باب الاشتغال من شرح التسهيل أن "لن" و"لم" و"لما" الجازمة لا يلي الاسم واحدا منها إلا في ضرورة، وحكمه حينئذ أن يضمر له على سبيل الوجوب فعل يفسره ما بعده كما قال1: ظُنِنتُ فقيرا ذا غنًى ثم نِلتُه ... فلم ذا رجاء ألقه غيرَ واهبِ فسوى بين الثلاثة في الفصل باسم الاشتغال للضرورة. الخامس: أن "لم" قد تلغى فلا يجزم بها، قال في التسهيل: حملا على "لا" وفي شرح الكافية: حمل على "ما" وهو أحسن "لأن ما"2 ينفي بها الماضي كثيرا، بخلاف "لا". وأنشد الأخفش على إهمالها3:
لولا فوارسُ من ذُهْل وأسرتهم ... يوم الصُّليفاء لَمْ يُوفُون بالجارِ ولم يذكر ذلك في "لما". فإن قلت: فهل إهمال "لم" ضرورة أو لغة؟ قلت: نص بعض النحويين على أنه ضرورة، وقال في الكافية: وشذ، وفي التسهيل: وقد لا يجزم بها فلم يخصه بالضرورة، وصرح في أول شرح التسهيل بأن الرفع لغة قوم. تنبيهات: الأول: قال في التسهيل: ومنها "لم" ولما أختها، يعني من الجوازم، فقيد لما بقوله: "أختها" احترازا من "لما" بمعنى "إلا" ومن "لما" التي هي حرف وجود لوجود، وكذلك فعل الشارح، فقال: احترزت بقولي: أختها، من لما الحينية نحو: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} 1، ومن "لما" بمعنى "إلا" نحو: "عزمت عليك لما فعلت" أي: إلا فعلت. المعنى: ما أسألك إلا فعلت "قوله: الحينية"2 هو على مذهب الفارسي. فإن قلت: فهلا قيد في النظم؟ قلت: لا يحتاج إليه؛ لأن التي بمعنى "إلا" يليها ماضي اللفظ مستقبل المعنى، والتي هي حرف وجود لوجود يليها ماضي اللفظ والمعنى، وقد ذكر ذلك في شرح التسهيل، فلا يحتاج إلى التقييد؛ لأنهما لا يليهما مضارع. الثاني: حكى اللحياني عن بعض العرب أنه ينصب بلم، وقال في شرح الكافية: زعم بعض الناس أن النصب بلم لغة؛ اغترارا بقراءة بعض السلف: "أَلَمْ نَشْرَحَ لَكَ صَدْرَكَ"3 -بفتح الحاء- وبقول الراجز4:
في أيّ يَومَى من الموت أفِر ... أيَومَ لم يقدَرَ أم يوم قُدِر وهو عند العلماء محمول على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة، ففتح لها ما قبله، ثم حذفت ونويت. الثالث: اختلف في "لما" فقيل: مركبة من لم وما، وهو مذهب الجمهور، وقيل: بسيطة. ثم انتقل إلى ما يطلب فعلين من الجوازم فقال: واجْزِمْ بإِنْ ومَنْ وما ومهما ... أيٍّ متى أيانَ أينَ إِذْمَا وحيثما أنَّى وحَرفٌ إذْمَا ... كإِنْ وباقي الأدوات اسْمَا هذه أدوات الشرط الجازمة، وهي كَلِمٌ وضعت لتعليق جملة بجملة تكون الأولى سببا والثانية مسببا. وهذه الكلم حرف واسم. فالحرف إن وهي أم الباب وإذما عند سيبويه، وذهب المبرد في أحد قوليه وابن السراج والفارسي إلى أنها ظرف زمان زيد عليها ما. قال في شرح الكافية: والصحيح ما ذهب إليه سيبويه، فعلى مذهب سيبويه تكون إذما كإن في "أنهما موضوعان"1 للتعليق المذكور من غير إشعار بأمر آخر. وعلى مذهب القائلين بأنها الظرفية تكون مشعرة بالزمان، ويجزم بها في الاختيار خلافا لمن خص ذلك بالضرورة. والاسم ظرف وغير ظرف، فغير الظرف من وما ومهما، فمن لتعميم أولي العلم، وما لتعميم ما تدل عليه وهي موصولة، وكلتاهما مبهمة في أزمان الربط، ومهما بمعنى ما ولا تخرج عن الاسمية خلافا لمن زعم أنها تكون حرفا، ولا عن
الشرطية خلافا لمن زعم أنها تكون استفهاما، ولا تجر بإضافة ولا حرف جر بخلاف من وما، وقد وهم ابن عصفور فزعم أنه يجوز أن يدخل عليها حرف الجر، وذكر في الكافية وفي التسهيل أن ما ومهما مثل من في لزوم التجرد عن الظرفية مع أن استعمالهما ظرفين ثابت في أشعار الفصحاء من العرب، وأنشد أبياتا1. قال ابنه بدر الدين: ولا أرى في هذه الأبيات حجة؛ لأنه يصح تقديرها بالمصدر. وقال الزمخشري: هذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية فيضعها غير موضعها ويحسب مهما بمعنى متى ما، ويقول: "مهما جئتني أعطيتك" وهذا من وضعه وليس من كلام واضح العربية في شيء، ثم يذهب فيفسر: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} 2 بمعنى الوقف، فيلحد في آيات الله وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مما يوجب الجثو بين النظار في كتاب سيبويه، انتهى. واختلف في "مهما" فقيل: إنها بسيطة وإنها فعلى وألفها إما للتأنيث وإما "للإلحاق"3 وزال التنوين للبناء فهي على هذا من باب سلس، وقال ابن إياز: لو قيل: إنها مفعل تحاميا لذلك، لم أرَ به بأسا. وقال الخليل: مركبة من ماما الأولى للجزاء والثانية التي تزاد بعد الجزاء، فأبدلوا من ألف الأولى هاء كراهة التكرير. وقال الأخفش والزجاج ومن وافقهما: مركبة من مَهْ بمعنى اكفف وما الشرطية، وأجازه سيبويه. وأما "أي" فهي عامة في ذوي العلم وغيرهم، وهي بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى ظرف مكان كانت ظرف مكان، أو إلى ظرف زمان كانت ظرف زمان، أو إلى غيرهما لم تكن ظرفا، والظرف: مكاني وزماني.
فالزماني: متى، وأيان، فمتى لتعميم الأزمنة، وأيان كمتى، وقد تستعمل في الأزمنة التي تقع فيها الأمور العظام، وكسر همزة أيان لغة سليم، وقرئ بها شاذا، والجزم بها محفوظ خلافا لمن أنكره، ولم يحفظه سيبويه لقلته. وأما المكاني: أين وحيثما، هما لتعميم الأمكنة، وأنَّى ذكروها في ظروف المكان بمعنى أين. وقال بعضهم: هي لتعميم الأحوال. تنبيهات: الأول: "قد"1 فهم من كلامه أن حيث وإذ لا يجزمان إلا مقترنين بما كما لفظ بهما، وأجاز الفراء الجزم بإذ وحيث دون ما، وأما غيرهما فقسمان: قسم لا تلحقه "ما" "وهو": مَنْ وما ومهما وأنَّى. وقسم يجوز فيه الأمران وهي: إن وأي ومتى وأين وأيان، وأجاز الكوفيون زيادة "ما" بعد من وأنى، ومنع بعض النحويين زيادتها بعد أيان، والصحيح ما تقدم. الثاني: ذكر في الكافية والتسهيل: أَنَّ "إِنْ" قد تهمل حملا على لو، كقراءة طلحة: "فَإِمَّا تَريْنَ"2 بياء ساكنة ونون مفتوحة، وإن متى قد تهمل حملا على إذا ومثل بها بحديث: "إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم مقامك لا يُسمع الناس" 3. وفي الارتشاف: ولا تهمل حملا على إذا خلافا لمن زعم ذلك ويعني متى. الثالث: لم يذكر هنا من الجوازم إذا وكيف ولو. أما إذا فالمشهور أنه لا يجزم بها إلا في الشعر لا في قليل من الكلام ولا في الكلام إذا زيد بعدها ما، خلافا لزاعم ذلك، وقوله في التسهيل: وقد يجزم بإذا
الاستقبالية حملا على متى يقتضي ظاهره جواز ذلك في قليل من الكلام، وقال في الكافية1: وذَا في النثر لن يُسْتَعْمَلا وأما "كيف" فيجازى بها معنى لا عملا، خلافا للكوفيين، فإنهم أجازوا الجزم بها قياسا، ووافقهم قطرب. وأما "لو" فذهب قوم منهم ابن الشجري إلى أنها يجزم بها في الشعر، ورده المصنف في الكافية2. وقال في التسهيل في آخر عوامل الجزم: والأصح امتناع حمل لو على إن، وقال في فصل: لو لم يجزم بها إلا اضطرارا، وزعم اطراد ذلك على لغة، فظاهره موافقة ابن الشجري ويتحصل فيه ثلاثة مذاهب، وذكر بعضهم أن من الجوازم "مهمن"3، وقال قطرب: لم يحمل الجزم "بها"4 عن فصيح. فِعلَيْنِ يَقْتَضِينَ شرطٌ قُدِّما ... يتلو الجزاءُ وجوابًا وُسِمَا يعني: أن كلا من أدوات الشرط تقتضي جملتين تسمى الأولى شرطا والثانية جزاء وجوابا أيضا. ويجب كون الأولى فعلية، وأما الثانية: فمنها "أيضا" أن تكون فعلية، وقد تكون اسمية، وسيأتي. فإن قلت: فلمَ قال "فعلين" ولم يقل جملتين؟ قلت: للتنبيه على أن حق الشرط والجزاء أن يكونا فعلين، وإن كان ذلك لا يلزم في الجزاء. تنبيهان: الأول: فهم من قوله: "يتلو الجزاء" أنه لا يتقدم، وإن تقدم على أداة الشرط شبيه بالجواب فهو دليل عليه، وليس إياه، هذا مذهب جمهور البصريين، وذهب الكوفيون والمبرد وأبو زيد إلى أنه الجواب نفسه، والصحيح الأول.
الثاني: قد يؤخذ من قوله: "يقتضين" أن أداة الشرط هي الجازمة للشرط والجزاء معا لاقتضائها لهما، أما الشرط فنقل الاتفاق على أن الأداة جازمة له. وشذ المازني: فعنه في قول: إنه مبني هو وفعل الجزاء، وفي قوله: إنه معرب وفعل الجزاء مبني. وأما الجزاء ففيه أربعة أقوال: الأول: أن الأداة هي الجازمة له، قيل: وهو مذهب المحققين من البصريين وعزاه السيرافي إلى سيبويه، وذهب الأخفش إلى أن الجزم بفعل الشرط، واختاره في التسهيل، وقيل: بالأداة والفعل معا، ونسب إلى سيبويه والخليل، وقيل: بالجواز، وهو مذهب الكوفيين. وماضِيَيْنِ أو مُضارعَيْنِ ... تُلفِيهِمَا أو مُتخالِفَيْنِ إذا كان الشرط والجزاء فعلين فلهما تسع صور؛ لأن الشرط له ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون ماضي اللفظ أو مضارعا عاريا من لم ومصحوبا بها، والجزاء كذلك. والحاصل من ضرب ثلاثة في ثلاثة تسعة منها ثمانية تجوز في الاختيار وواحد مختلفين فيه، وهو أن يكون الشرط مضارعا، والجزاء ماضيا عاريا من لم، فمذهب الجمهور أنه لا يجوز إلا في الشعر، ومذهب الفراء والمصنف جوازه في الاختيار، واستدل المصنف بقوله صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، ويورد ذلك في أبيات لم يضطر قائلها إلى ذلك1. ثم تلك الثمانية الجائزة في الاختيار منها راجح ومرجوح، فإن كونهما ماضيين وضعا أو بمصاحبة لم أحدهما أو كلاهما، أو مضارعين دون لم، أَوْلَى من سوى ذلك.
وبَعْدَ ماضٍ رفعُك الجزا حَسَنْ ... ورفعُه بعد مضارعٍ وَهَنْ يعني: أن الجزاء إذا كان مضارعا والشرط ماضيا جاز جزمه ورفعه، ومن الجزم قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} 1. ومن الرفع قول زهير2: وإن أتاه خليلٌ يوم مسغبة ... يقول: لا غائبٌ مالي ولا حرِمُ ونص الأئمة على جوازه في الاختيار مطلقا، وزعم بعضهم أنه لا يجيء في الكلام الفصيح إلا مع كان. وقال بعض المتأخرين: لا أعلمه جاء في الكلام، وقد صرح الناظم بأن الرفع حسن. فإن قلت: فأي الوجهين أحسن؟ قلت: زعم بعض المتأخرين أن الرفع أحسن من الجزم، والصواب عكسه، وقال في شرح الكافية: الجزم مختار، والرفع جائز كثير.
فائدة: اختلف النحويون في تخريج الرفع، فذهب سيبويه إلى أنه على تقدير التقديم وجواب الشرط محذوف، وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه على تقدير الفاء وهو الجواب، وذهب قوم إلى أنه ليس على التقديم والتأخير، ولا على حذف الفاء، بل لما لم يظهر لأداءة الشرط تأثير في فعل الشرط؛ لكونه ماضيا ضعف عن العمل في الجواب. وإذا كان الشرط والجزاء مضارعين وجب جزمهما نحو: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} 1. وقد يجيء الجواب مرفوعا والشرط مضارع مجزوم كقوله2: يا أقرعُ بن حابس يا أقرعُ ... إنك إن يُصرَعْ أخوك تُصرَعُ وإليه الإشارة بقوله: "ورفعه بعد مضارع وهن" أي: ضعف. فإن قلت: فهل يطرد أم يخص بالضرورة؟ قلت: نصوا على أنه ضرورة، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال: وقد جاء في الشعر.
وقال ابن الأنباري: في "إن تزرني أزرك" الاختيار الجزم، وإنما يحسن الرفع هنا إذا تقدم ما يطلب الجزاء قبل "إن" كقولهم: "طعامك إن تزرنا نأكل" وتقديره: طعامك نأكل إن تزرنا. انتهى. وصرح في بعض نسخ التسهيل: أنه ضرورة، وفي بعضها بقتله، ولم يخصه بالضرورة، وقال في شرح الكافية: وقد يجيء الجواب مرفوعا والشرط مضارع مجزوم، ومنه قراءة طلحة بن سليمان: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ"1. تنبيهات: الأول: اختلف في تخريج الرفع بعد المضارع، فذهب المبرد إلى أنه على حذف الفاء مطلقا، وفصل سيبويه بين أن يكون قبله ما يمكن أن يطلبه نحو: "إنك" في البيت، فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير، وبين أن يكون قبله ما يمكن أن يطلبه، فالأولى أن يكون على حذف الفاء، وجوز العكس، وقيل: إن كانت الأداة اسم شرط فعلى إضمار الفاء، وإلا فعلى التقديم والتأخير. الثاني: أطلق في قوله: بعد مضارع، وقيد في بعض نسخ التسهيل بألا يكون منفيا بلم، وجعل رفع الجزاء بعد المنفي بلم كثيرا؛ لرفعه بعد الماضي. الثالث: قد يظهر من قوله: "رفعك الجزا" موافقة المبرد في أنه على تقدير الفاء لتسميته جزاء، ويحتمل أن يكون سماه جزاء باعتباره حالة الجزم وإن لم يكن جزاء إذا رفع. واقْرُنْ بفا حَتْمًا جوابا لو جُعِلْ ... شرطا لإِنْ أو غيرها لم يَنْجَعِلْ أصل جواب الشرط أن يكون فعلا صالحا لجعله شرطا، فإذا جاء على الأصل لم يحتج إلى فاء يقترن بها، وذلك إذا كان ماضيا متصرفا مجردا من قد وغيرها، أو مضارعا مجردا أو منفيا بلا ولم. قال الشارح: ويجوز اقترانه بها، فإن كان مضارعا رفع، وذلك نحو قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} 2 وقوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} 3. انتهى.
وهو معترض من ثلاثة أوجه: الأول: أن قوله: "ويجوز اقترانه بها" يقتضي ظاهره أن الفعل هو الجواب مع اقترانه بالفاء. والتحقيق حينئذ أن الفعل خبر مبتدأ محذوف، والجواب جملة اسمية، قال في شرح الكافية: فإن اقترن بها فعلى خلاف الأصل، وينبغي أن يكون الفعل خبر مبتدأ، ولولا ذلك لحكمنا بزيادة الفاء وجزم الفعل إن كان مضارعا. وقال الشيخ أبو حيان: ولو قيل: ربط الجملة الشرطية بالمضارع له طريقان: أحدهما: بجزمه، والآخر: بالفاء ورفعه، لكان قولا. والثاني: أن ظاهر كلامه جواز اقتران الماضي مطلقا، وليس كذلك، بل الماضي المنصرف المجرد على ثلاثة أضرب: ضرب لا يجوز اقترانه بالفاء، وهو ما كان مستقبلا معنى ولم يقصد به وعد أو وعيد نحو: "إن قام زيد قام عمرو". وضرب يجب اقترانه بالفاء، وهو ما كان ماضيا لفظا ومعنى نحو: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} وقد معه مقدرة. وضرب يجوز اقترانه بالفاء، وهو ما كان مستقبلا معنى وقصد به وعد أو وعيد نحو: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} 1. وقد نص المصنف على هذا التفصيل في شرح الكافية. والثالث: أنه مثل ما يجوز اقترانه بالفاء بقوله تعالى: {فَصَدَقَتْ} وليس كذلك، بل هو مثال الواجب، وإذا كان الجواب لا يصلح لأن يجعل شرطا وجب اقترانه بالفاء؛ ليعلم ارتباطها بالأداة. وذلك إذا كان جملة اسمية أو فعلية طلبية، أو فعلا غير متصرف أو مقرونا بالسين أو سوف أو قد منفية بما أو لن أو إن، أو يكون قسما أو مقرونا برب2.
فهذه الأجوبة تلزمها الفاء؛ لأنها لا يصلح جعلها شرطا، وخطب التمثيل سهل. وقد تحذف الفاء الواجب ذكرها للضرورة كقوله1: مَنْ يفعلِ الحساتِ اللهُ يشكرها ... ............................. وقال الشارح: لا يجوز تركها إلا في الضرورة أو ندور، ومثل الندور بما أخرجه البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: "فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها" 2، وعن المبرد إجازة حذفها في الاختيار، وقد جاء حذفها وحذف المبتدأ في قوله3:
بني ثُعَل من ينكَعِ العنزَ ظالم فإن قلت: ما هذه الفاء التي في جواب الشرط؟ قلت: هي فاء السبب الكامنة في نحو: "يقوم زيد فيقوم عمرو" وتعينت هنا للربط لا للتشريك، وزعم بعضهم أنها عاطفة جملة على جملة، ولا تخرج عن العطف، وهو بعيد. وتَخْلُفُ الفاءَ إِذَا المفاجَأَهْ ... كإِنْ تَجُدْ إذا لنا مُكَافَأَهْ يعني: أن إذا المفاجأة قد تقوم مقام الفاء وتخلفها في الربط ولا يكون ذلك إلا في الجملة الاسمية. وقد فهم من قوله: "وتخلف الفاء" فائدتان: الأول: أن الربط بإذا نفسها خلافا لمن ذهب أن الربط بألف مقدرها قبلها. والثانية: أنه لا يجوز الجمع بين الفاء وإذا في الجواب، وإن كان ذلك جائزا في غيره؛ لكونها نائبة عنها كما نص عليه بعض النحويين. فإن قلت: أطلق في قوله: "تخلف الفاء" وإنما يكون ذلك في الجملة الاسمية، لا مطلقا، بل بثلاثة شروط: الأول: ألا تكون طلبية نحو: "إن عصى زيد فويل له". والثاني: ألا يدخل عليها أداة نفي نحو: "إن قام زيد فما عمرو بقائم". والثالث: ألا يدخل عليها إن نحو: "إن قام زيد فإن عمرًا قائم". فكل ذلك لا بد له من الفاء، وذكر الثلاثة في الارتشاف.
قلت: مثاله يرشد إلى أن ذلك في الجملة الاسمية "وأيضا فقد تقرر أن إذا الفجائية لا تليها غالبا إلا الجملة الاسمية"1، فلم تحتج إلى التنبيه عليها لوضوحه. وأما الشروط فمثاله قد حازها إلا أنه ليس في كلامه ما يدل على اشتراطها، وقد ذكر الأول في التسهيل. فإن قلت: ظاهر كلامه أن "إذا" يربط بها بعد "إن" وغيرها من أدوات الشرط، وفي بعض نسخ التسهيل: "وقد تنوب بعد إن إذا المفاجأة عن الفاء" فخصه بإن. قلت: نصوص النحويين على الإطلاق. قال الشيخ أبو حيان: ومورد السماع إن، وقد جاءت بعد إذا الشرطية كقوله تعالى: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} 2. والفِعْلُ من بعد الجزَا إن يَقْتَرِنْ ... بالفا أو الواو بتَثْليثٍ قَمِنْ إذا أخذت أداة الشرط جوابها، وذكر بعده مضارع مقرون بالفاء أو الواو جاز جزمه عطفا على الجواب ورفعه على الاستئناف ونصبه على إضمار أن، وقرئ بالثلاثة قوله تعالى: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ} 3 فالنصب يروى عن ابن عباس، وإنما جاز بعد الجزاء لأن مضمونه لم يتحقق وقوعه فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام. تنبيه: قوله: "من بعد الجزا" يشمل المجزوم وغيره، وقول الشارح: إذا كان بعد جواب الشرط المجزوم يوهم أن الجزم شرط في جواز الأوجه الثلاثة، وقد قرئ بالثلاثة قوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ} 4.
وجَزْمٌ أو نَصْبٌ لفعل إِثْر فَا ... أو واوٍ إِنْ بالجملتَيْنِ اكتُنفا إذا وقع المضارع المقرون بالفاء أو الواو بين الشرط وجوابه جاز جزمه عطفا على فعل الشرط ونصبه بإضمار إن، وامتنع الرفع إذ "لا يصح"1 الاستئناف قبل الجزاء. تنبيه: ألحق الكوفيون ثم بالفاء والواو، فأجازوا النصب بعدها، واستدلوا بقراءة الحسن: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} 2، وزاد بعضهم أو. والشرطُ يُغني عن جواب قد عُلم ... والعكس قد يأتي إِنِ المعنى فُهم مثال حذف الجواب للعلم به استغناء بالشرط قوله تعالى: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} 3 تقديره -والله أعلم: تطيرتم، وهو كثير، ومثال عكسه قول الشاعر4: فطلِّقْهَا فلست لها بكُفْءٍ ... وإلا يَعْلُ مِفْرقك الحسامُ
أي: وإلا تطلقها. تنبيه: فهم من النظم فوائد: الأولى: أن ما لم يعلم من شرط أو جواب؛ لكونه لا دليل عليه لا يجوز حذفه، وذلك واضح. والثانية: أن حذف الشرط أقل من حذف الجواب؛ لقوله: "لقد يأتي" فإن قد هنا للتقليل، وقد نص على ذلك في شرح الكافية. والثالثة: أنه لا يشترط في حذف الشرط أن يكون مع إن، وفي الارتشاف: لا أحفظ إلا في إن وحدها. وقال الشارح: حذفه بدون إن قليل، وحذفه معها كثير، وأنشد على حذفه مع غيرها1: مَتَى تُؤخَذُوا قَسْرًا بظِنَّةِ عامرٍ ... ولا ينجُ إلا في الصِّفَادِ يَزِيدُ أراد: متى تثقفوا تؤخذوا. والرابعة: أنه لا يشترط في حذف فعل الشرط تعويض لا من الفعل المحذوف خلافا لابن عصفور والأبدي فإنهما قالا: لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام إلا بشرط تعويض لا من الفعل المحذوف.
وقال في الارتشاف: قولهما ليس بشيء. انتهى. وقد حذف وهو مثبت في نحو قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 1. قلت: وفي بعض نسخ التسهيل: وكذا الشرط المنفي بلا تالية إن فظاهره اشتراط الأمرين. تنبيهان: الأول: قال في التسهيل: ويحذفان بعد إن في الضرورة، يعني الشرط والجزاء. كقوله2: .............................. ... ................... قالت وإننْ وفي كلام بعضهم ما يدل على جوازه في الاختيار على قلة.
والثاني: لا يجوز حذف إن ولا غيرها من أدوات الشرط خلافا لمن جوز ذلك في إن. قال: ويرتفع الفعل بحذفها، وجعل منه1. وإنسانُ عيني يحسرُ الماءُ تارة ... فيبدو..................... وهو ضعيف. واحذِفْ لدى اجتماعِ شرطٍ وقَسَمْ ... جَوَابَ ما أخَّرْتَ فهو مُلْتَزَمْ القسم كالشرط في احتياجه إلى جواب إلا أن جوابه مؤكد باللام أو إن أو منفي، فإذا اجتمع الشرط والقسم حذف جواب المتأخر منهما استغناء بجواب المتقدم، مثال تقدم الشرط: إن قام زيد والله أكرمه، ومثال تقدم القسم: "والله إن قام زيد لأكرمنه". هذا إذا لم يتقدم عليهما ذو خبر، فإن تقدم جعل الجواب للشرط مطلقا وحذف جواب القسم تقدم أو تأخر، وقد نبه على ذلك بقوله: وإن تَوَاليَا وقبل ذُو خَبَرْ ... فالشرطُ رَجِّحْ مطلقا بلا حَذَرْ مثال ذلك: "زيد والله إن يقم يكرمك" و"زيد إن يقم والله يكرمك" فجواب القسم محذوف في المثالين استغناء بجواب الشرط. وإنما جعل الجواب للشرط مع تقدم ذي خبر؛ لأن سقوطه مخل بمعنى الجملة التي هو منها، بخلاف القسم، فإنه مسوق لمجرد التأكيد. والمراد بذي الخبر ما يطلب خبرا من مبتدأ أو اسم كان ونحوه.
تنبيه: وقوله: "رجح" يقتضي أن ذلك ليس على سبيل التحتم، فعلى هذا يجوز أن يجعل الجواب للقسم المتقدم مع تقدم ذي خبر كما ذكر ابن عصفور وغيره، ونص في الكافي والتسهيل على أن ذلك على سبيل التحتم، وليس في كلام سيبويه ما يدل على التحتم. ثم قال: ورُبَّما رُجِّحَ بَعْدَ قَسَم ... شَرْطٌ بلا ذي خَبَرٍ مُقَدَّم هذا مذهب الفراء. أجاز جعل الجواب للشرط المتأخر وإن لم يتقدم ذو خبر، وتبعه المصنف مستشهدا بقول الأعشى1: لئن مُنِيتَ بنا عن غِبِّ مَعْرَكةٍ ... لا تُلْفِنَا عن دماءِ القومِ ننفتل وأبيات أُخَر، ومنع ذلك الجمهور وتأولوا البيت ونحوه على جعل اللام زائدة، وجعل الزمخشري قوله تعالى: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ} 2 جواب الشرط في قوله: "لئن". قال في شرح الكافية: فتثبت المزية للشرط من ثلاثة أوجه:
أحدها: لزوم الاستغناء بجوابه عند تقدم ذي خبر. والثاني: لزوم الاستغناء بجوابه عند تقدمه وعدم تقدم ذي خبر. والثالث: جواز الاستغناء بجوابه عند تأخره وتقدم ذي خبر. تنبيهات: الأول: أطلق في قوله: "واحذف لدى اجتماع شرط" وقيده في التسهيل بغير الامتناعي احترازا من نحو: لو ولولا؛ لأنه يتعين الاستغناء بجوابهما تقدما على القسم أو تأخرا كقوله1: فأُقْسِم لو أندى الندِيُّ سوادَه ... لَمَا مَسَحَتْ تلك المسالاتِ عامرُ وكقوله2: والله لولا الله ما اهتدينا ... ......................
وقد نص على ذلك في الكافية أيضا، وهو الصحيح، وذهب ابن عصفور إلى أن الجواب في ذلك للقسم؛ لتقدمه، ولزوم كونه ماضيا؛ لأنه مغنٍ عن جواب لو ولولا، وجوابهما لا يكون إلا ماضيا، وقوله في باب القسم في التسهيل: "وتصدر -يعني جملة الجواب- في الشرط الامتناعي بلو أو لولا يقتضي أن لو ولولا وما" دخلتا عليه جواب القسم، وكلامه في الفصل الأول من باب عوامل الجزم يقتضي أن جواب القسم محذوف استغناء بجواب لو ولولا، والعذر له في عدم التنبيه هنا على لو ولولا أن الباب موضوع للشرط غير الامتناعي فلم يشملهما كلامه. والمغاربة لا يسمون "لولا" شرطا ولا "لو" إلا إذا كانت بمعنى إن. الثاني: إذا تأخر القسم وقرن بالفاء وجب جعل الجواب له، والجملة القسمية حينئذ هي الجواب. وقوله في الكافية: وبجواب القسم أغنى إن وصل بالفاء. وفي التسهيل أيضا: فيغني جوابه، يوهم أن جواب الشرط محذوف، وليس كذلك. الثالث: أجاز ابن السراج أن تنوي الفاء فيعطي القسم المتأخر مع نيتها ما أعطيه مع اللفظ بها، فأجاز "إن تقم يعلم الله لأزورنك" على تقدير: فيعلم الله، ولم يذكر شاهدا. وينبغي ألا يجوز ذلك؛ لأن حذف فاء جواب الشرط لا يجوز عند الجمهور إلا في الضرورة. الرابع: إذا حذف جواب الشرط لم يكن الشرط حينئذ إلا ماضيا أو مقرونا بلم. قال في التسهيل: إلا قليلا. انتهى، وقد ورد في الشعر مضارعا مجردا من لم، ومنه1:
.......................... ... ولديكَ إِنْ هو يستزدكَ مَزِيدُ وأجاز ذلك الكوفيون إلا الفراء. الخامس: لم ينبه هنا على اجتماع الشرطين، فنذكره مختصرا. إذا توالى شرطان دون عطف فالجواب لأولهما، والثاني مقيد للأول كتقييده بحال واقعة موقعه، كقوله1: وإن تَستغيثوا بنا إن تُذْعَرُوا تَجِدوا ... منا معاقلَ عِزٍّ زَانَها كَرَمُ
وإن تواليا بعطف فالجواب لهما معا، كذا قال المصنف، ومثل له بقوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} 1. وقال غيره: إن توالَى الشرطان بعطف بالواو فالجواب لهما نحو: "إن تأتني وإن تحسن إليَّ أحسن إليك" أو بأو فالجواب لأحدهما نحو: "إن جاء زيد أو إن جاءت هند فأكرمه، أو فأكرمها" أو بالفاء، فنصوا على أن الجواب للثاني، والثاني جوابه جواب الأول، وعلى هذا فإطلاق المصنف محمول على العطف بالواو.
فصل لو
فصل لو: على ثلاثة أضرب: شرطية، ومصدرية، وللتمني. فالشرطية: هي المذكورة في هذا الفصل، وهي قسمان: امتناعية وهي للتعليق في الماضي، وبمعنى إن، وهي للتعليق في المستقبل، وسيأتي الكلام على القسمين. وأما المصدرية: فلم يذكرها الجمهور، وممن ذكرها أبو علي والفراء، ومن المتأخرين التبريزي وأبو البقاء وتبعهم المصنف، وعلامتها: أن يصلح في موضعها أن كقوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} 1 ومن أنكر كونها مصدرية تأول الآية ونحوها على حذف مفعول يود وجواب لو؛ أي: يود أحدهم طول العمر لو يعمر ألف سنة لسر بذلك. وأما التي للتمني: فذكرها كثير من النحويين، وجعل الزمخشري لو في قوله تعالى: {لَوْ يُعَمَّرُ} للتمني، وهو حكاية لودادتهم ولا إشكال، فإن لو قد ترد في مقام التمني؛ ولذلك ينصب الفعل بعد الفاء في جوابها كما ينصب في جواب ليت كقوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ} 2، ولكن هل هي قسم برأسه أو راجعة إلى أحد القسمين السابقين، في ذلك خلاف، نص ابن الصائغ وابن هشام الخضراوي على أنها قسم برأسه، فلا تجاب بجواب الامتناعية، وذكر غيرهما أنها الامتناعية أشربت معنى التمني. قيل: وهو الصحيح، وقد جاء جوابها باللام بعد جوابها بالفاء في قوله3:
فلو نُبِشَ المقابرُ عن كلَيْب ... فيُخْبَرَ بالذنائب أيُّ زِيرِ بيوم الشَّعْثَمَيْنِ لقَرَّ عينا ... وكيف لقاءُ مَنْ تحت القبورِ؟ وذهب المصنف إلى أنها مصدرية أغنت عن التمني، بكونها لا تقع غالبا إلا بعد مفهم تمن، قال في التسهيل بعد ذكر المصدرية: وتغني عن التمني، فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء. وقال في شرحه: أشرت إلى نحو قول الشاعر1: سَرَينا إليهم في جموع كأنها ... جبالُ شَرَوْرَى لو تُعانُ فتَنْهدا قال: فلك في "تنهدا" أن تقول: نصب لأنه جواب تمن إنشائي كجواب ليت؛ لأن الأصل وددنا لو تعان، فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه، فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمني دون لفظه، فكان لها جواب كجواب ليت، وهذا عندي هو المختار، ولك أن تقول: ليس هذا من باب الجواب بالفاء، بل من باب العطف على المصدر؛ لأن لو والفعل في تأويل مصدر. انتهى. ونص على أن لو في قوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} مصدرية. واعتذر عن الجمع بينها وبين أن المصدرية بوجهين: أحدهما: أن التقدير: لو ثبت أن. والآخر: أن يكون من باب التوكيد.
وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الكتاب، والغرض هنا شرح النظم، فقوله: لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ في مُضِيٍّ ... ....................... هذا هو القسم الأول من قسمي الشرطية، وهي الامتناعية. يعني: أن لو الامتناعية حرف يدل على تعليق فعل بفعل فيما مضى، فيلزم من تقدير حصول شرطها حصول جوابها، ويلزم كون شرطها محكوما بامتناعه؛ إذ لو قُدر حصوله لكان الجواب كذلك، ولم تكن للتعليق في المعنى، بل للإيجاب، فتخرج عن معناها. وأما جوابها فلا يلزم كونه ممتنعا على كل تقدير؛ لأنه قد يكون ثابتا مع امتناع الشرط، كقوله: "نعم المرءُ صهيبٌ لو لم يخفِ الله لم يَعْصِهِ"1. ولكن الأكثر أن يكون ممتنعا، فلذلك كان قولهم: لو حرف امتناع لامتناع عبارة ظاهرها الفساد؛ لأنها تقتضي كون الجواب ممتنعا في كل موضع، وليس كذلك. والحاصل: أن لو تدل على امتناع شرطها، وعلى كونه مستلزما لجوابها، ولا يتعرض لامتناع الجواب في نفس الأمر ولا لثبوته، قال في شرح الكافية: العبارة الجيدة في لو أن يقال: حرف يدل على امتناع تالٍ يلزم لثبوته ثبوت تاليه، فقيام زيد من قولك: "لو قام زيد لقام عمرو" محكوم بانتفائه فيما مضى، وكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام عمرو، وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له؟ لا يتعرض لذلك، بل الأكثر كون الأول والثاني غير واقعين. وقال في التسهيل: لو حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه. وفي بعض النسخ: لو حرف يقتضي نفي ما يلزم لثبوته ثبوت غيره، وعباراته الثلاث بمعنى واحد، قال ابن المصنف: ولا شك أن ما قاله -يعني ما قاله أبوه- في تفسير لو أحسن وأدل على معنى لو، غير أن ما قالوه عندي تفسير صحيح وافٍ بشرح معنى لو، وهو الذي قصده سيبويه من قوله: لما كان سيقع لوقوع غيره.
يعني: أنها تقتضي فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره والمتوقع غير واقع، فكأنه قال: لو تقتضي فعلا امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته، وهو نحو مما قاله غيره، فلنرجع إلى بيان صحته، فنقول: قولهم لم تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول يستقيم على وجهين: الأول: أن يكون المراد أن جواب لو ممتنع لامتناع الشرط غير ثابت لثبوت غيره بناء منهم على مفهوم الشرط في حكم اللغة لا في حكم العقل. والثاني: أن يكون المراد أن جواب لو ممتنع لامتناع شرطه، وقد يكون ثابتا لثبوت غيره؛ لأنها إذا كانت تقتضي نفي تاليها أو استلزامه لتاليه فقد دلت على امتناع الثاني لامتناع الأول؛ لأنه متى انتفى شيء انتفى مساويه في اللزوم مع احتمال أن يكون ثابتا لثبوت آخر. انتهى مختصرا. وهذا الوجه الثاني هو الذي قرره في شرح الألفية. ................. ويقل ... إيلاؤُه مُستقبَلا لَكِنْ قُبِلْ أي: يقل إيلاء لو فعلا مستقبل المعنى، وما كان من حقها أن يليها، لكن قيل: لورود السماع به كقوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} 1. وقد ذكر ابن عصفور وغيره من النحويين أن لو "قد"2 ترد بمعنى أن، وتعقب ذلك ابن الحاجب على ابن عصفور وقال وقال: هذا خطأ. قال الشارح: وعندي أن لولا تكون لغير الشرط في الماضي، وما تمسكوا به من نحو قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} وقول الشاعر3: ولو أن ليلى الأخيلية سلَّمتْ
لا حجة فيه لصحة حمله على المعنى. ثم نبه بقوله: وَهْيَ في الاختصاصِ بالفعلِ كإِنْ ... ............................... على أن لولا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر يفسره فعل ظاهر بعد الاسم، كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة"1، وقال ابن عصفور: لا يليها فعل مضمر، إلا في الضرورة، كقوله2:
أخلايَ لو غيرُ الحِمَامِ أصابكُم ... ............................ أو نادر، كقول حاتم: "لو ذاتُ سِوارِ لطَمتْني"1. والظاهر أن ذلك لا يختص بالضرورة والنادر، بل يكون في فصيح الكلام، كقوله تعالى: {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} 2 حذف الفعل فانفصل الضمير. ثم نبه على ما تنفرد به لو من مباشرة أن، فقال: ...................... ... لكِنَّ لو أنَّ بها قد تَقْتَرِنْ وهو كثير، كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} 3 واختلف في موضع أن بعد لو، فذهب سيبويه إلى أنها في موضع رفع بالابتداء، وشبه شذوذ ذلك بانتصاب غدوة بعد لدن. وذهب الكوفيون والمبرد والزجاج وجماعة إلى أنها فاعل يثبت مقدرا، وهو أقيس؛ إبقاء للاختصاص، وقوله في شرح الكافية: وزعم الزمخشري أن بين لو وأن ثبت مقدرا، قد يوهم انفراده بذلك. فإن قلت: إذا جعلت مبتدأ فما الخبر؟
قلت: قال ابن هشام الخضراوي: مذهب سيبويه والبصريين أن الخبر محذوف، وقال غيره: مذهب سيبويه أنها لا تحتاج إلى خبر؛ لانتظام المخبر عنه والخبر بعد أن. فإن قلت: هل يفهم من قوله: "لكن لو" موافقة سيبويه؟ قلت: ظاهره موافقته في جعلها مبتدأ؛ إذ لو كان الفعل مقدرا لكان الاختصاص باقيا، ولم يكن حاجة إلى الاستدراك. ويحتمل أن يكون استدراك للتنبيه على أنها تنفرد بمباشرة أن لا غير، فيحتمل المذهبين. فإن قلت: ظاهر كلامه أن لولا يليها غير ما ذكر، وقد ذكر في غير هذا الموضع أنها قد وليها مبتدأ وخبر في قول الشاعر1: لو بغير الماء حَلْقي شَرِقٌ ... ....................... قلت: إنما ساغ ذلك في الضرورة، ولقلته لم يذكره هنا، وقد تأول ابن خروف البيت على إضمار "كان" الشانية، وتأوله الفارسي على أن حلقى فاعل فعل مقدر يفسره شرق، وشرق خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو شرق، وفيه تكلف.
تنبيه: قال في شرح الكافية: وقد حمل الزمخشري ادعاءه إضمار ثبت بين لو وأن على التزام كون الخبر فعلا، ومنعه أن يكون اسما، ولو كان بمعنى فعل نحو: "لو أن زيد حاضر" وما منعه شائع ذائع في كلام العرب، كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} 1 وكقول الراجز2: لو أن حيا مُدركُ الفلاح ... ....................... قلت: وقد نُقل ذلك عن السيرافي، وأقول: الذي ينبغي أن يحمل عليه كلام الزمخشري أن يمنع كون خبرها اسما مشتقا، ويلتزم الفعل حينئذ؛ لإمكان صوغه قضاء لحق طلبها بالفعل، وأما إذا كان الاسم جامدا فيجوز لتعذر صوغ الفعل منه كما فعل الشيخ أبو عمرو. ألا ترى قوله في المفصل، لو قلت: "لو أن زيدا حاضر لأكرمته" لم يجز؟ ولم يتعرض لغير المشتق، وإذا حمل على هذا لم يرد عليه قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} . ولا نحو3: ولو أنها عصفورة.......... ... ..........................
وإنما يرد عليه نحو: لو أن حيا مدركُ الفَلاحِ. وله أن يجيب بأنه نادر. وإِنْ مضارعٌ تلاها صُرِفَا ... إلى المضيِّ نَحْوُ لو يَفِي كَفَى "يعني أن المضارع إذا وقع بعد لو صرف معناه إلى المضي. فمعنى لو يفي كفى: لو وفا كفى"1، ومثله2: لو يسمعونَ كما سمعتُ حديثَها ... خَرُّوا لعزة رُكعا وسُجُودا
تنبيهان: الأول: "لو" الصارفة إلى المضي هي الامتناعية. وأما التي بمعنى إن فتصرف الماضي إلى المستقبل، فإذا وقع بعدها مضارع فهو مستقبل المعنى، كقوله1: لا يُلْفِكَ الرَّاجُوك إلا مُظهِرا ... خُلُقَ الكرام ولو تكونُ عَدِيمَا الثاني: لا يكون جواب لو إلا فعلا ماضيا مثبتا أو منفيا بما أو مضارعا مجزوما بلم. والأكثر في الماضي المثبت اقترانه باللام، وقد تحذف كقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} 2 وقد تصحب المنفي بما، كقول الشاعر3: كذبتُ وبيت الله لو كنتَ صادقا ... لما سَبَقتْنِي بالبكاءِ حمائمُ وإن ورد ما ظاهره خلاف ذلك جعل الجواب محذوفا.
فصل أما، ولولا، ولوما
فصل أمَّا ولَوْلا ولَوْمَا: أمَّا كمهما يكُ من شيء وَفَا ... لتِلْوِ تلوها وُجُوبا ألِفَا أما حرف بسيط فيه معنى الشرط يؤول بمعنى: مهما يك من شيء؛ لأنه قائم مقام أداة الشرط وفعل الشرط، ولا بد بعده من جملة هي جواب له، فالأصل في قولك: "أما زيد فمنطلق" مهما يكن من شيء فزيد منطلق، فحذف فعل الشرط وأداته، وأقيمت أما مقامهما، وكان الأصل أن يقال: أما زيد منطلق، فتجعل الفاء في صدر الجواب، وإنما أخرت لضرب من إصلاح اللفظ. وإلى هذا أشار بقوله: ............. وفا ... لتلو تلوها....... تنبيهات: الأول: يؤخذ من قوله: "لتلو تلوها" أنه لا يجوز أن يتقدم الفاء أكثر من اسم واحد، فلو قلت: "أما زيد طعامه فلا تأكل" لم يجز، كما نص عليه غيره. الثاني: لا يفصل بين "أما" والفاء بجملة تامة، إلا إن كان دعاء، بشرط أن يتقدم الجملة فاصل نحو: "أما اليوم رحمك الله فالأمر كذا". الثالث: قول الشارح: يفصلون بين أما والفاء بجزء من الجواب، فإن كان الجواب شرطيا فصل بجملة الشرط، وإن كان غير شرطي فصل بمبتدأ أو خبر أو معمول فعل أو شبهه أو معمول مفسر به يقتضي ظاهره أنه لا يفصل بغير ذلك، وليس كذلك، بل قد يفصل بالظرف والمجرور والحال والمفعول له معمولا لأما أو لفعل الشرط المحذوف. الرابع: ما ذكر من قوله: "أما كمهما يك" لا يعني به أن معنى أما كمعنى مهما وشرطها؛ لأن أما حرف فكيف يصح أن تكون بمعنى اسم وفعل؟ وإنما المراد أن موضعها صالح لهما، وهي قائمة "مقامهما"1؛ لتضمنها "معنى الشرط"2.
الخامس: تقديرها بمهما كما ذكر قول الجمهور. وقال بعض النحويين: إذا قلت: "أما زيد فمنطلق" فالأصل إن أردت معرفة حال زيد فزيد منطلق، حذفت أداء الشرط وأنيبت أما مناب ذلك. السادس: قال في التسهيل: أما حرف تفصيل، وكذا قال كثير من النحويين، ولم يذكروا لها غير هذا المعنى، وقال بعضهم: "وقد ترد حيث لا تفصل نحو: "أما زيد فمنطلق" وقال بعضهم"1: وهي حرف إخبار مضمن معنى الشرط. وقوله "وجوبا" يعني: في غير ما سيذكر في قوله: وحَذْفُ ذي الفا قّلَّ في نَثْرٍ إذَا ... لم يكُ قَوْلٌ معها قد نُبِذَا يعني: أن حذف هذه الفاء في النثر قليل وكثير. فالكثير: أن تحذف مع قول استغنى عنه بمحكيه كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} 2 أي: فيقال لهم: أكفرتم. والقليل: أن تحذف لا مع قول نحو ما خرجه البخاري من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "أما بعد، ما بالُ جالٍ". قد فهم من قوله: في نثر، أنها تحذف للضرورة كقوله3:
فأما القتالُ لا قتالَ لديكُمُ ... ........................ والحاصل أن حذفها على ثلاثة أضرب كثير، ونادر، وضرورة. تنبيه: لم ينبه في الكافية والتسهيل على ندور حذفها في النثر دون قول، فهو من زيادات الألفية: لولا ولوما يلزمان الابتدا ... إذا امتناعا بوجود عَقَدَا للولا ولوما حالان: أحدهما: يختصان فيه بالأسماء، وذلك إذا دلا على امتناع شيء لوجود غيره. "وقد"1 يقال أيضا: لوجوب غيره، وهذا معنى قوله: "إذا امتناعا بوجود عقدا" أي: إذا ربطا امتناع شيء بوجود غيره، وفهم من قوله: "يلزمان الابتدا" فائدتان: الأولى: أنهما لا يليهما الفعل. والثانية: أن الاسم بعدهما مرفوع بالابتداء، وتقدم الكلام على خبره في باب الابتداء. فإن قلت: فقد ولي لولا الفعل في قوله2:
........................... ... فقلت بلى لولا يُنازعني شُغْلي قلت: يُؤول على وجهين: أحدهما: أن لولا مؤولة بلو وليست مركبة، بل لو على حالها ولا نافية للماضي. والآخر: أن تكون المختصة بالابتداء وإن مقدرة بعدها وموضعها رفع بالابتداء. وثاني الحالين: يختصان فيه بالأفعال، وذلك إذا دلا على التحضيض "ويشاركهما في ذلك الأحرف المذكورة في قوله"1: وبهما التحضيضَ مِزْ وَهَلا ... ألَّا، ألا وأولِيَنْها الفِعْلا المشهور أن حروف التحضيض أربعة وهي: لولا، ولوما، وهلا وألا -بالتشديد- وأما ألَا -بالتخفيف- فهي حرف عرض، وذكره لها مع حروف التحضيض يحتمل وجهين: أحدهما: أن يريد "به"2 أنها تكون للتحضيض بمعنى هلَّا في بعض المواضع لا مطلقا؛ لأنه ذكر في غير هذا الموضع أنها تكون للعرض. والثاني: أن يكون ذكرها مع أدوات التحضيض لمشاركتها لهن في الاختصاص بالفعل "وقرب معناها من معناهن، وإن لم تكن موضوعة لمعناهن". ويؤيده قوله في شرح الكافية وألحق بحروف التحضيض في الاختصاص بالفعل3: "ألا تزورنا" ثم قال:
وقَدْ يليها اسْمٌ بفِعْلٍ مُضْمَرِ ... عُلِّقَ أو بظاهرٍ مُؤخَّرِ مثال الأول: "هلَّا زيدًا تضربه" فزيدًا علق بفعل مضمر، بمعنى أنه معمول للفعل المضمر. ومثال الثاني: "هلَّا زيدًا تضربُ" فزيدًا علق بفعل ظاهر مؤخر، بمعنى أنه معمول للفعل الذي بعده؛ لأنه مفرغ له. فإن قلت: ظاهر كلامه أن حروف التحضيض لا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر أو فعل مؤخر. تنبيه: قال في شرح الكافية: وربما ولي حرف التحضيض مبتدأ وخبر كقول الشاعر1: ...................... ... فهلَّا نفسُ ليلى شفيعُهَا قال: والأجود أن ينوي بعدها "كان" الشأنية.
قلت: وعلى هذا "الوجه"1 خرجه ابن طاهر، وخرجه بعضه على جعل ما بعدها فاعلا بفعل مقدر تقديره: فهلا شفعت نفس ليلى، وشفيعها خبر مبتدأ محذوف، أي: هي شفيعها، وفيه تكلف.
الإخبار بالذي والألف واللام
الإخبار بالذي والألف واللام: الباء في قوله: "الإخبار بالذي" باء السببية لا باء التعدية؛ لأن "الذي" يجعل في هذا الباب مبتدأ، لا خبرا، كما ستقف عليه، فهو في الحقيقة مخبر عنه، وباب الإخبار وضع للاختبار كمسائل التمرين في التصريف. قال الشارح: وكثيرا ما يصار إلى هذا الإخبار لقصد الاختصاص، أو تقوي الحكم، أو تشويق السامع، أو إجابة الممتحن. ولما شرع في هذا الباب بدأ بكيفية الإخبار فقال: ما قِيلَ أخبر عنه بالذي خَبَرْ ... عن الذي مبتدأ قَبْلُ استقَرْ وما سواهما فوسِّطهُ صِلَهْ ... عائدُها خلفُ مُعْطِي التَّكْمِلَهْ أي: إذا عين لك اسم من جملة، وقيل "لك"1 أخبر عنه بالذي فصدر الجملة بالموصول مبتدأ وأخر ذلك الاسم، واجعله خبرا عن الموصول المتقدم، وما سوى الموصول وخبره فوسطه بينهما فيكون صلة للموصول، واجعل في موضع الاسم الذي أخرته وجعلته خبرا ضميرا عائدا على الموصول. فقد علم بما ذكر أن المخبر عنه في هذا الباب هو المجعول خبرا، قال ابن السراج: وإنما قال النحويون: أخبر عنه وهو في اللفظ خبر؛ لأنه في المعنى مخبر عنه و"ما" في قوله: "ما قيل" موصولة وهي مبتدأ. وقوله: "خبر" هو "خبرها"2، وقوله: "مبتدأ" حال من الذي، وقوله: "عائدها خلف معطي التكملة" معناه عائد الصلة، هو الضمير الذي خلف الاسم المجعول خبرا وهو "معطي التكملة" ثم فقال: نحوُ الذي ضربتُه زيدٌ فَذَا ضربتُ زيدا كان فادْرِ المأخَذَا
إذا أخبر عن "زيد" من قولك: "ضربت زيدا" قلت: "الذي ضربته زيد" فصدرت الجملة بالذي مبتدأ وأخرت "زيدا" وهو المخبر عنه فجعلته خبرا عن الذي، وجعلت ما بينهما صلة الذي وجعلت "في"1 موضع زيد الذي أخرته ضميرا عائدا على الموصول. وإذا أخبرت عن التاء من قولك: "ضربت زيدا" قلت: "الذي ضرب زيدا أنا" ففعلت فيه ما ذكر، إلا أن التاء ضمير متصل لا يمكن تأخيرها مع بقاء الاتصال ففصلت الضمير وأخرته، فلذلك قلت: أنا. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: ما قيل أخبر عنه بالذي خبر هو أو خلفه. كما قال في التسهيل: وتأخير الاسم أو خلفه خبرا؛ ليشمل الضمير المتصل. قلت: لا يخفى أن الضمير المتصل لا يمكن تأخيره إلا بعد انفصاله، فلم يحتج هنا إلى التنبيه عليه لوضوحه، واستكن الضمير الغائب الذي جعلته موضع التاء في ضرب، ومنع بعضهم الإخبار عن الفاعل إذا كان ضمير متكلم أو مخاطب، والصحيح الجواز. وباللذَيْنِ والذِينَ والتي ... أخبِرْ مراعيا وِفَاقَ الْمُثْبَتِ يعني: أن المخبر عنه في هذا الباب إذا كان مثنى أو مجموعا أو مؤنثا جيء بالموصول مطابقا له؛ لكونه خبره، فإذا أخبرت عن الزيدين من نحو: "بلَّغَ الزيدانِ العمرَيْنِ رسالةً". قلت: "اللذان بلغ العمرين رسالة الزيدان". أو عن العمرين قلت: "الذين بلغهم الزيدان رسالة العمرون". أو عن الرسالة قلت: "التي بلغها الزيدان العمرِين رسالة". وقد فهم من النظم فوائد: الأولى: أن حكم باب الإخبار تقديم المبتدأ على الخبر لقوله: "قبل استقر". فإن قلت: فهل ذلك على سبيل الوجوب؟
قلت: الذي يدل عليه كلام النحويين أن ذلك على سبيل الوجوب؛ لاشتراطهم في المخبر عنه قبول التأخير، ونص بعضهم على جواز تقديم المبتدأ في هذا الباب. وممن نص عليه الشارح، وفي البسيط أن ذلك على جهة الأولى والأحسن، وأنه يصح أن يقال: "زيد الذي ضرب عمرًا" فنجعل زيدا خبرا عن الذي إما مقدما وإما مؤخرا، وجوزه المبرد. والثانية: أن الضمير الذي يخلف الاسم المتأخر لا بد من مطابقته الموصول لكونه عائدا، ويلزم كونه غائبا. ولو خالف ضمير متكلم أو مخاطب، وأجاز أبو ذر الخشني جعله مطابقا للخبر في الخطاب والتكلم، فتقول في الإخبار عن التاء في "ضربت الذي ضربت أنت" وعن التاء في "ضربت الذي ضربت أنا" ومذهب الجمهور منع ذلك. الثالثة: أن هذا الضمير ينوب عن الاسم المتأخر في إعرابه الذي كان له؛ لكونه خلفه في موضعه فاستحق إعرابه. ولما بين كيفية الإخبار شرع في شروط المخبر عنه فقال: قبولُ تأخيرٍ وتعريفٍ لِمَا ... أُخْبِرَ عنه هاهنا قد حُتِمَا كذا الغِنَى عنه بأجنبي اوْ ... بمضمرٍ شَرْطٌ فَرَاعِ ما رَعَوْا هذه أربعة شروط: الأول: قبول التأخير، فلا يخبر عن اسم يلزم صدر الكلام كضمير الشأن واسم الشرط واسم الاستفهام وكم الخبرية. الثاني: قبلو التعريف، فلا يخبر عن الحال والتمييز؛ لأنهما ملازمان للتنكير. الثالث: قبول الاستغناء بأجنبي، فلا يخبر عن اسم لا يجوز الاستغناء عنه بأجنبي، ضميرا كان أو ظاهرا، فالضمير كالهاء من قولك: "زيد ضربته" فإنها عائدة قبل ذكر الموصول على بعض الجملة، فلو أخبرت عنها لخلفها مثلها في العود إلى ما كانت تعود عليه، فيلزم إما بقاء الموصول بلا عائد، وإما عود ضمير واحد على شيئين، وكلاهما محال.
والظاهر كاسم إشارة نحو: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} 1 وغيره مما حصل به الربط، فإنه لو أخبر عنه لزم المحذوف السابق. تنبيه: فهم من قوله: "كذا الغنى عنه بأجنبي" "أنه يجوز الإخبار عن ضمير الغائب الذي يجوز الاستغناء عنه بأجنبي"2 وله صورتان: إحداهما: أن يكون عائدا إلى اسم جملة أخرى نحو أن يذكر إنسان فتقول: لقيته، فيجوز الإخبار عن الهاء فيقال: الذي لقيته هو. صرح المصنف بجواز الإخبار في هذه الصورة وفاقا للشلوبين وابن عصفور، وذهب الشلوبين الصغير إلى منع ذلك، وهو ظاهر كلام الجزولي. قال الشيخ أبو حيان: ونكتة هذا الخلاف: هل شرط هذا الضمير ألا يكون عائدا على شيء قبله أو شرطه ألا يكون رابطا؟ والأخرى: أن يكون عائدا على بعض الجملة إلا أنه غير محتاج إليه للربط نحو: "ضرب زيد غلامه". فلا يمتنع على مقتضى كلام الناظم الإخبار عن الهاء في المثال فتقول: "الذي ضرب زيد غلامه هو" لأن الهاء في المثال يجوز أن يخلفها الأجنبي، فتقول: "ضرب زيد غلام عمرو" فلا يلزم من الإخبار عنها المحذوف المتقدم ذكره، وقد مثل الشارح بهذا لما يمتنع الإخبار عنه لكونه لا يستغنى عنه بالأجنبي، وليس كذلك. فإن قلت: ظاهر كلامه في شرح الكافية منعها، فإنه قال: وباشتراط جواز الاستغناء عنه بأجنبي على امتناع الإخبار عن ضمير عائد على بعض الجملة؛ يعني: ونبهت باشتراط. قلت: لا حجة في ذلك، بل الظاهر أن مراده ما كان متعينا للربط؛ لأن تعليله يرشد إليه وتمثيله يساعد عليه. فإن قلت: فهل يجري فيها خلاف من تقدم؟
قلت: لا إشكال أن من منع الأولى فامتناع هذه عنده أولى. الرابع: جواز الاستغناء "عنه بضمير، فلا يخبر عن مصدر عامل دون معموله، ولا موصوف دون صفته، ولا صفة دون موصوفها، ولا مضاف دون المضاف إليه؛ إذ لا يجوز الاستغناء"1 عن هذه الأشياء بضمير. فإن قلت: هذا الشرط الرابع مُغْنٍ عن اشتراط الثاني؛ لأن ما لا يقبل التعريف لا يقبل الإضمار. قلت: هو كذلك، وقد نبه في شرح الكافية على أن ذكره زيادة في البيان. فإن قلت: كلام الناظم يقتضي أن الشروط المذكورة ثلاثة: قبول التأخير، وقبول التعريف، والغناء عنه بأحد أمرين: بأجنبي إن كان ضميرا، أو بضمير إن كان ظاهرا؛ إذ لا فائدة لاشتراط الاستغناء بالأجنبي في الظاهر ولا لاشتراط الاستغناء بالضمير في المضمر، ويدل على ذلك عطفه بأو. قلت: بل هي أربعة: ولا يستقيم حمل كلامه على ما ذكرت؛ لأن اشتراط الاستغناء بالأجنبي مقيد في الضمير والظاهر كما تقدم، فلو كان الشرط لأحدهما لجاز الإخبار عن الظاهر إذا جاز الاستغناء عنه بالضمير، وإن لم يجز الاستغناء عنه بأجنبي، وليس كذلك كما سبق. تنبيهات: الأول: علة اشتراط هذه الشروط على سبيل الإجمال، أن كيفية الإخبار المذكورة لا تتأتى بدونها. الثاني: بقي من شروط المخبر عنه في هذا الباب أربعة شروط أُخر لم يذكرها هنا وقد ذكرتها في غير هذا الكتاب: أولها: جواز استعمال مرفوعا، فلا يخبر عن لازم الرفع نحو: "ايمن الله"، ولا عن لازم النصب نحو: "سبحان الله" وسحر معينا.
وثانيها: جواز استعماله مثبتا، فلا يخبر عن "أحد وديار" ونحوهما من الأسماء الملازمة للنفي. وثالثها: أن يكون بعض ما يوصف به1 "من"2 جملة أو جملتين في حكم جملة واحدة كالشرط والجزاء؛ فلا يخبر عن اسم في جملة طلبية؛ لأن الجملة بعد الإخبار تجعل صلة، فيشترط أن تكون صالحة لأن يوصل بها. ورابعها: إمكان الاستفادة، فلا يخبر عن اسم ليس تحته معنى، كثواني الأعلام نحو بكر من أبي بكر؛ إذ لا يمكن أن يكون خبرا عن شيء، وذكر هذا الشرط في الفصل في التسهيل، وفيه خلاف، أجاز المازني الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى مستدلا بقوله الشاعر3: فكأنما نظروا إلى قمر ... أو حيث عَلَّق قَوْسَه قُزَح ورد بأن قزح اسم الشيطان. وأخْبَرُوا هنا بأل عن بعضِ مَا ... يكونُ فيه الفِعْلُ قد تَقَدَّمَا يجوز الإخبار بالذي وفروعه في الجملتين: الاسمية والفعلية. ويجوز بالألف واللام في الفعلية خاصة لا مطلقا بل بشرطين: أحدهما: أن يكون الفعل متصرفا يمكن صوغ صلة منه للألف واللام، فلا يجوز الإخبار بأل في جملة مصدرة بليس ونحوها. والثاني: أن يكون الفعل موجبا، فإن كان منفيا لم يجز الإخبار؛ لتعذر صوغ صلتها من المنفي.
وقد أشار إلى الأول بقوله: إن صح صوغُ صلةٍ منه لألْ ثم مثل فقال: كصوغ واقٍ من وَقَى الله البَطَلْ فإن أخبرت عن الفاعل قلت: "الواقي البطلَ اللهُ" أو عن المفعول قلت: "الواقيه اللهُ البطلُ". ونبه عن الثاني في التسهيل. وإن يَكُنْ ما رَفَعَتْ صلة أل ... ضميرَ غيرِها أُبِينَ وانْفَصَلْ إذا رفعت صلة أل ظاهرا كالمثال "السابق"1 فلا إشكال فيه، وإن رفعت ضميرا، فإن كان لأل وجب استتاره، وإن كان لغيرها وجب إبرازه. فإذا أخبرت عن التاء من قولك: "ضربت زيدا". قلت: الضارب زيد أنا، فيستكن مرفوع الصلة؛ لكونه لأل. وإذا أخبرت عن زيد من المثال قلت: الضاربه أنا زيد، فتبرزه لكونه لغيرها؛ لأن الصفة متى جرت على غير من هي له يستكن مرفوعها. تنبيه: ذكر الأخفش مسألتن يخبر فيهما بأل ولا يصح الإخبار فيهما بالذي. الأولى: "قامت جاريتا زيد لا قعدتا" فإذا أخبر عن زيد قلت: القائم جاريتاه لا القاعدتان زيد. ولو أخبرت بالذي فقلت: "الذي قامت جاريتاه لا الذي قعدتا زيد" لم يجز؛ لأنه لا ضمير يعود على الجملة المعطوفة، وقد أجاز بعض النحويين: "مررت بالذي قام أبواه لا الذي قعدا". فعلى هذا يجوز في الإخبار في المسألة بالذي أيضا. الثانية: "المضروب الوجه زيد" ولا يجوز "الذي ضرب الوجه زيد". قلت: وينبغي أن يجيزه من أجاز تشبيه الفعل اللازم بالمتعدي. واعلم أن باب الإخبار طويل، فلنكتف بما تقدم.
العدد
العدد: ثلاثةً بالتاء قُلْ للعشَرهْ ... في عَدِّ ما آحادُه مذَكَّرَهْ في الضِّدِّ جَرِّدْ......... ... ....................... للثلاثة والعشرة وما بينهما ثلاثة أحوال: الأولى: أن يقصد بها العدد المطلق. الثانية: أن يقصد بها معدود ويذكر. والثالث: أن يقصد بها معدود ولا يذكر. فإذا قصد بها العدد المطلق كانت كلها بالتاء نحو: "ثلاثةٌ نصفُ ستةٍ" ولا تتصرف لأنها أعلام خلافا لبعضهم. وإن قصد بها معدود وذكر في اللفظ استعملت بالتاء إن كان واحد "المعدود"1 مذكرا، وجردت من التاء إن كان واحده مؤنثا حقيقيا أو مجازيا كقوله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} 2. وإذا قصد بها معدود ولم يذكر في اللفظ "فالفصيح"3 أن يكون بالتاء للمذكر وبعدمها في المؤنث كما لو ذكر المعدود، فتقول: "صمت خمسة" تريد أياما، و"سرت خمسا" تريد ليالي، ويجوز أن تحذف التاء في المذكر، وحكى الكسائي عن أبي الجراح "صمنا من الشهر خمسا"، وحكى الفراء "أفطرنا خمسا وصمنا خمسا وصمنا عشرا من رمضان" وتضافرت الروايات على حذف التاء من قوله صلى الله عليه وسلم: $"ثم أتبعه بست من شوال". وبهذا يظهر ضعف قول بعضهم: ما حكاه الكسائي لا يصح عن فصيح ولا يلتفت إليه، وقيل: لما استمر في التاريخ الاستغناء بالليالي عن الأيام التزم في غيره
بشرط أمن اللبس كقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 1 ومنه: "وأتبعه بست من شوال"، وقال الزمخشري: تقول: "صمت عشرا" ولو ذكرت لخرجت "عن"2 كلامهم، ورد بأن التذكير الأكثر الفصيح. واختلف في علة إثبات التاء في العدد المذكر وإسقاطها في عدد المؤنث، فقال في شرح التسهيل ما معناه: إن الثلاثة وأخواتها أسماء جماعات كزمرة وأمة وفرقة، فالأصل أن يكون بالتاء لتوافق نظائرها فاستصحب الأصل من المذكر لتقدم رتبته وحذفت مع المؤنث فرقا لتأخير رتبته، وقد ذكر غيره هذا المعنى من النحويين، وهو حسن فلنكتف به. تنبيهات: الأول: شمل كلام الناظم الصورتين الأخيرتين إذا لم يشترط اللفظ بالمعدود وخرجت منه الصورة الأولى في قوله: "ما آحاده مذكرا". الثاني: فهم من قوله: "ما آحاده" أن المعتبر تذكير الواحد وتأنيثه، لا تذكير الجمع وتأنيثه؛ فلذلك تقول: "ثلاثة حمامات" خلافا لأهل بغداد فإنهم يقولون: "ثلاث حمامات" فيعتبرون لفظ الجمع. وقال الكسائي: تقول: "مررت بثلاث حمامات" وتقول: "رأيت ثلاث سجلات" بغير هاء، وإن كان الواحد مذكرا، وقاس عليه ما كان مثله ولم يقل به الفراء. الثالث: اعتبار التأنيث في واحد المعدود إن كان اسما في لفظه فتقول: "ثلاثة أشخاص" قاصد نسوة، و"ثلاث أعين" قاصد رجال؛ لأن لفظ شخص مذكر ولفظ عين مؤنث. ما لم يتصل بالكلام ما يقوي المعنى أو يكثر قصد المعنى، فيجوز حينئذ اعتباره. فالأول كقوله3:
ثلاثُ شخوصٍ كاعبانِ ومُعْصِر فتقوى المعنى بقوله: "كاعبان ومعصر". والثاني كقوله1: ثلاثةُ أنفسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ
فغلب المعنى؛ لأن النفس كثر استعمالها مقصودا بها إنسان. وإن كان صفة فبموصوفها المنوي لا بها كقوله تعالى: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 1 أي: عشر حسنات، وتقول: "ثلاث دواب" إذا قصدت ذكورا، وقال بعض العرب: "ثلاث دواب" لأنها جرت مجرى الأسماء الجامدة. الرابع: ما ذكر من اعتبار تذكير الواحد وتأنيثه إنما هو في الجمع، وأما اسم الجنس نحو "غنم" واسم الجمع نحو "قوم" فيعتبر حكم لفظه ما لم يفصل بينه وبين العدد صفة دالة على المعنى أو يكن نائبا عن جمع المذكر، فالأول كقولك: "عندي ثلاثة ذكور من البط" وقال بعض المتأخرين: ويجوز حذفه التاء فلا يلحظ الوصف ولكن الأولى أن تلحظه، والثاني كقولهم: "ثلاثة أشياء" لأنه نائب من جمع شيء على أفعال، ولا أثر للوصف المتأخر كقولك: "ثلاث من البط ذكور". والخامس: لا تعتبر أيضا تأنيث لفظ المفرد إذا كان علما نحو طلحة. ثم ذكر حكم المميز فقال: .......... والمميِّزْ اجرُرِ ... جمعا بلفظ قلة في الأكثرِ اعلم أن مميز الثلاثة وأخواتها إن كان اسم جنس أو اسم جمع جر بمن نحو: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} 2 وقد أضيف إليه في قوله تعالى: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} 3 وقوله عليه الصلاة السلام: "خمس ذود" 4. فإن قلت: فهل يقاس على الأمرين؟ قلت: أما جره بمن فمتفق عليه، وأما الإضافة إليه ففيها مذاهب: أحدها: الجواز على قلة، وهو ظاهر كلام ابن عصفور. والثاني: الاقتصار على ما سمع، وهو مذهب الأكثرين، وإليه ذهب المصنف، قال في التسهيل: وإن ندر مضافا إليه لم يُقس عليه، وصرح سيبويه بأنه لا يقال: "ثلاث غنم".
والثالث: التفصيل، فإن كان مما يستعمل من اسم الجمع للقلة نحو: نفر ورهط وذود جاز، وإن كان مما يستعمل للقليل والكثير لم يجز، وإليه ذهب ابن عصفور في بعض كتبه، وحكاه الفارسي عن أبي عثمان، وإن كان غيرهما أضيف العدد إليه مجموعا على مثال قلة من جموع التكسير نحو: "ثلاثة أعبد، وثلاث آمٍ" هذا إذا وجد للاسم جمع قلة وجمع كثرة، فإن أهمل أحدهما أضيف إلى الموجود نحو: "ثلاثة أرجل، وثلاثة رجال". وأشار بقوله: "في الأكثر" إلى أنه قد يؤثر مثال كثرة على مثال قلة، إما لقلة استعمال مثال القلة أو لخروجه عن القياس. فالأول: نحو قولهم: "ثلاثة شسوع"1 فأوثر على أشساع لقلة استعماله. والثاني: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2 فأوثر على أقراء؛ لأن واحده قرء كفلس وجمع مثله على أفعال شاذ قاله المصنف، وذكر غيره أنه جمع قرء -بضم القاف- فلا يكون شاذا ولا يؤثر جمع قلة في غير ذلك إلا نادرا. وأجاز المبرد "ثلاثة كلاب" ونحوه إذا أريد به ثلاثة من الكلاب وجعل من ذلك "ثلاثة قروء" وقال في شرح التسهيل: ولو جاز هذا لم يكن معنى في الحجة بجمع القلة؛ لأن كل جمع كثرة صالح لأن يراد به مثل هذا. تنبيهات: الأول: قال: "بلفظ قلة" يعني من أمثلة التكسير التي هي أفعل وأفعال وأفعلة وفعلة. وأما جمع التصحيح فلا يضاف إليه غالبا إلا إن أهمل غيره أو جاور ما أهمل أو قل استعمال غيره. فالأول: نحو: "سبع بقرات" وفي هذا ونحوه يتعين التصحيح لإهمال غيره. والثاني: نحو: "سبع سنبلات" ففي هذا ونحوه تجوز إضافته إلى التصحيح لمجاورته ما أهمل تكسيره وهو بقرات.
والثالث: نحو: "ثلاث سعادات" فيجوز لقلة سعائد أيضا، ويختار التصحيح في هذين الموضعين فإن كثر استعمال غيره ولم يجاور ما أهمل تكسيره لم يضف إليه إلا قليلا نحو: "ثلاثة أحمدين" و"ثلاث زينبات"، وإلى هذا أشرت بقولي: غالبا، وقال ابن عصفور: وكذلك أيضا يضاف إلى جموع السلامة إذا لم تكن صفات يقول: "ثلاثة زيدين، وأربع هندات". انتهى. والإضافة إلى الصفة ضعيفة نحو: "ثلاثة صالحين"، والأحسن الإتباع على النعت ثم النصب على الحال. الثاني: إذا كان تمييز الثلاثة وأخواتها مائة لم يجمع إلا في شذوذ كقوله1: ثلاثُ مئينَ للملوك وفَى بها قيل: ويظهر من كلام سيبويه جواز جمع المائة في الكلام وتميز بالمائة ثلاث وتسع وما بينهما، ولا يقال: عشرة مائة استغناء بالألف، ذكر ذلك في شرح التسهيل، وحكى الفراء أن بعض العرب يقولون: عشر مائة، وأن أهل هذه اللغة هم الذين يقولون: "ثلاث مئين وأربع مئين" فيجمعون.
وفي كتاب الصفار عن الفراء: لا تقول: ثلاث مئين، إلا من لا يقول ألف، وإنما يقول: عشر مئين. وقوله: "ومائة والألف لمفرد أضف" يعني: أن المائة والألف يضافان إلى المعدود مفردا نحو: "مائة رجل وألف رجل" وتثنيتهما وجمعهما كذلك. وقوله: "ومائة بالجمع نزرا قد ردف". أشار به إلى قراءة حمزة والكسائي: "ثلثمائة سنين"1، وأشار بقوله: "نزرا" إلى تقليله، وقال بجوازه الفراء، وقال المبرد: هو خطأ في الكلام وإنما يجوز في الشعر للضرورة وكلامه مردود بالقراءة المتواترة. تنبيه: قد شذ تمييز المائة بمفرد منصوب، كقول الربيع2: إذا عاشَ الفتَى مائتينِ عامَا ولا يقاس عليه عند الجمهور، وأجاز ابن كيسان نصب تمييز المائة والألف فتقول: "المائة دينارا، والألف درهما" ثم شرع في بيان تركيب العشرة مع ما دونها فقال:
وأحَدَ اذْكُرْ وصِلْنهُ بعَشَرْ ... مركَّبا قاصِدَ معدود ذَكَرْ فتقول: "عندي أحد عشر درهما" بتجريد عشر من التاء، وهمزة أحد هذا مبدلة من واو، وقد قيل: وحد عشر على الأصل، وهو قليل، وقد يقال: واحد عشر على أصل العدد، ثم قال: وقُلْ لدى التأنيث إحدى عَشْرَهْ فتقول: إحدى عشرة امرأة، بإثبات التاء في عشرة، وقد يقال: واحدةَ عشرة. وقوله: "والشين فيها عن تميم كسْرَهْ". يعني في التأنيث، فيقولون: "إحدى عشرة، واثنتا عشرة، وكذا في سائرها، وبلغتهم قراءة بعضهم: {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} 1 قال في التسهيل: وقد تفتح يعني في المؤنث، وبالفتح قرأ الأعمش، قال الزمخشري: وهي لغة، انتهى، والفتح هو الأصل إلا أن الأفصح التسكين وهي لغة الحجازيين، وأما في التذكير فالشين مفتوحة، وقد تسكن عين عشر فيقال: "أحد عشْر" وكذا أخواته؛ لتوالي الحركات، وبها قرأ أبو جعفر وقرأ هبيرة صاحب حفص {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} 2 وفيها جمع بين ساكنين، وقوله: ومع غير أحَدٍ وإحدَى ... ما معْهُما فعلتَ فافعَلْ قَصْدَا يشير به إلى جعل ثاني "جزأي المركب عشر في التذكير وعشرة في التأنيث، والحاصل أن للعشرة في التركيب عكس ما لها قبله فتحذف التاء في التذكير وتثبت في التأنيث"3 وقوله: ولثلاثة وتسعة وما ... بينهما إن رُكبا ما قُدِّمَا يشير به إلى أن حكم الثلاثة والتسعة وما بينهما إذا ركبا أن تثبت التاء في التذكير وتحذف في التأنيث كما كان يفعل بهما في الإفراد، وقوله: وأَوْلِ عَشْرَةَ اثنتَيْ وعَشَرَا ... اثنَيْ إذا أُنثى تَشَا أو ذَكَرا
يعني أنه يقال في تركيب اثنين واثنتين اثنا عشر في المذكر فتحذف نون اثني وتوليه عشر، واثنتا عشرة في المؤنث فتحذف نون اثنتين وتلويه عشرة. وقوله: واليَا لغير الرَّفعِ وارفَعْ بالألِفْ يعني به: أنه يقول: اثنا عشر واثنتا عشرة بالألف في الرفع، واثني عشر واثنتي عشرة بالياء في الجر والنصب، بإعراب الصدر إعراب المثنى وبناء العجز. ثم نبه على أن غيرهما لا حظ له في الإعراب بقوله: والفتحُ في جزأَيْ سواهُما أُلِفْ أما العجز فعلة بنائه تضمنه معنى حرف العطف، وأما الصدر فعلة بنائه وقوع العجز منه موقع تاء التأنيث؛ ولذلك أعرب صدر اثني عشر واثنتي عشرة؛ لوقوع العجز منه موقع النون، وما قبل النون محل إعراب لا بناء، ولوقوع العجز منهما موقع النون لم يضافا بخلاف غيرهما فيقال: "أحد عشرك" ولا يقال: "اثنا عشرك" وذهب ابن درستويه وابن كيسان إلى أنهما مبنيان كسائر أخواتهما، ورد بتغييرهما بالألف والياء. تنبيهان: الأول: بناء أحد عشر وغيره من المركب لازم، وأجاز الكوفيون إضافة صدره إلى عجزه فيقولون: "هذه خمسةُ عشرِ" واستحسنوا ذلك إذا أضيف نحو: "خمسة عشرِكَ". الثاني: قال في التسهيل: وتجعل العشرة مع النيِّف اسما واحدا مبنيا على الفتح ما لم يظهر العاطف. انتهى. فإن ظهر منع التركيب والبناء نحو: خمسة وعشرة، قال الشيخ أبو حيان: ويحتاج في إثبات نحو: "عندي خمسة وعشرة رجلا، وخمس وعشر امرأة" إلى سماع من العرب. وميِّزِ العشرينَ للتسعينَا ... بواحدٍ كأربعينَ حِينا العقود الثمانية يستوي فيها المذكر والمؤنث وتعطف على النيف كقولك: "ثلاثة وعشرون" في المذكر "وثلاث وعشرون" في المؤنث، وتميز بمفرد منصوب نحو قولك: "عشرون رجلا وعشرون امرأة". وقد فهم من كلامه فائدتان: الأولى: أن مميز العشرين وأخواته لا يجمع وهذا مذهب الجمهور، وأجاز الفراء جمعه فتقول: عشرون رجالا؛ ولذلك أجاز جمع تمييز أحد عشر وأخواته، وأجاز بعضهم أن يقال: عندي عشرون دراهم لعشرين رجلا، قاصدا أن لكل "واحد"1 منهم عشرين، قال في شرح التسهيل: وهذا إذا دعت الحاجة إليه فاستعماله حسن، وإن لم تستعمله العرب؛ لأنه استعمال لا يفهم معناه بغيره، ولا يجمع مميز عشرين وبابه في غير هذا النوع. فإن وقع موقع تمييز شيء منها فهو حال أو تابع، انتهى. والثانية: أن تمييز العشرين وبابه لا يكون إلا منصوبا كما مثل، وحكى الكسائي أن من العرب من يضيف العشرين وأخواته إلى المفسر منكرا أو معرفا فتقول: عشرو درهم وعشرو ثوب، وهذا عند الأكثرين من الشاذ الذي لا تبنى على مثله القواعد.
تمييز المركب
تمييز المركب: وميزُوا مركبا بمثل ما ... مُيِّزَ عشرون فسوِّينهُمَا يعني: بواحد منصوب وتقدم خلاف الفراء، وأجاز بعضهم أن يميز بجمع صادق على الواحد منه، وجعل الزمخشري منه قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} 1. والمراد: وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة كل قبيلة أسباط لا سبط فأوقع أسباطا موقع قبيلة، قال في شرح التسهيل: ومقتضى ما ذهب إليه أن يقال: "رأيت أحد عشرة أنعاما" إذا أريد أحد عشرة جماعة كل جماعة أنعام، ولا بأس برأيه هذا لو ساعده استعماله، ولكن قوله: إن كل قبيلة أسباط لا سبط، مخالف لما يقوله أهل اللغة: إن السبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب، وعلى هذا فأسباط واقع موقع قبائل، فلا يصح كونه تمييزا بل هو بدل والتمييز محذوف، انتهى.
قلت: كلامه في شرح الكافية مخالف لما ذكره هنا، فإنه قال عند ذكر تذكير التمييز وتأنيثه فإن اتصل به ما يراد به المعنى كقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} فبذكر أمم ترجح حكم التأنيث ولولا ذلك لقيل: اثنا عشر أسباطا؛ لأن السبط مذكر، انتهى. وقال الجرمي: يجوز أن تكون أسباطا نعتا لفرقة ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، وأمما نعت الأسباط وأنث العدد وهو واقع على الأسباط وهو مذكر؛ لأنه بمعنى فرقة أو أمة كما قال ثلاثة أنفس يعني رجالا وعشر أبطن بالنظر إلى القبيلة. انتهى. تنبيه: إذا نعت تمييز العشرين وبابه جاز فيه الحمل على اللفظ فتقول: عندي عشرون درهما وازنا، والحمل على المعنى فتقول: وازنة، ومنه قول عنترة1: فيها اثنتانِ وأربعون حَلُوبة ... سُودًا كخَافيةِ الغُرابِ الأسْحَمِ
وهذا المعنى هو الذي لحظه الجرمي في جعله أسباطا نعتا لفرقة. وإِنْ أُضيفَ عددٌ مُركَّبُ ... يَبْقَ البِنَا وعجزُه قد يُعْربُ إذا أضيف العدد المركب ففيه ثلاثة أوجه: الأول: أن يبقى بناؤه وهو الأكثر كما يبقى مع الألف واللام بإجماع. والثاني: أن يعرب عجزه مع بقاء التركيب كبعلبك، وحكاه سيبويه عن بعض العرب فتقول: "أحد عشرك مع أحد عشر زيد" واستحسنه الأخفش، واختاره ابن عصفور، وزعم أنه الأفصح، ووجه ذلك بأن الإضافة ترد الأسماء إلى أصلها من الإعراب، ومنع في التسهيل القياس عليه، وقال في الشرح: لا وجه لاستحسانه؛ لأن المبني قد يضاف نحو: "كم رجل عندك؟ " و {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} 1. قلت: قال بعضهم: وهي لغة ضعيفة عند سيبويه، وإذا ثبت كونها لغة لم يمتنع القياس عليها، وإن كانت ضعيفة. والثالث: أن يضاف صدره إلى عجزه مزالا بناؤهما، حكى الفراء أنه سمع من أبي فقعس الأسدي وأبي الهيثم العقيلي: "ما فعلت خمسة عشرك". وذكر في التسهيل أنه لا يقاس عليه خلافا للفراء، وحكى ابن عصفور هذا الوجه في بعض كتبه عن الكوفيين وفي بعضها عن الفراء، ورد بأنه لم يسمع، وهذا الرد مردود بما تقدم. تنبيه: قال في التسهيل: ولا يجوز بإجماع "ثماني عشرة" إلا في الشعر يعني بإضافة صدره إلى عجزه دون إضافة كقول الراجز2:
كُلِّف من عنائه وشِقْوَتِهْ ... بنتَ ثماني عَشْرة من حِجَّتِهْ وحكى غيره مع الكوفيين أنهم أجازوا ذلك مطلقا في الشعر وغيره في ثماني عشرة وغيرهما، فليس نقل الإجماع بصحيح. وصُغْ من اثنينِ فما فوق إلى عَشرةٍ كفاعلٍ من فَعَلا يعني: أنه يصاغ من اثنين فما فوق إلى العشرة موازن فاعل نحو ثاني إلى عشرة كما يصاغ اسم الفاعل من فعل نحو ضرب فهو ضارب. فإن قلت: لِمَ قال "من اثنين" وترك ذكر واحد وقد ذكره بعضهم من اسم الفاعل المشتق من العدد؟ قلت: واحد من أسماء العدد ولس المراد العدد فيذكر، وإنما المراد الصفة وهو وإن كان على زنة فاعل لا يمكن أن يراد به التصيير؛ إذ لا عدد أقل منه بخلاف الثاني فما فوقه: واحْتِمْهُ في التأنيث بالتا ومتى ... ذَكَّرْتَ فاذكُرْ فاعلا بغيرِ تَا فتقول في التأنيث ثانية إلى عشرة وفي التذكير ثان إلى عاشر، كما يفعل في اسم الفاعل من نحو ضارب، وإنما نبه على هذا مع وضوحه لئلا يتوهم أنه يسلك به سبيل العدد الذي صيغ منه. وإن تُرِدْ بعضَ الذي منه بُنِي ... تُضِفْ إليه مثل بَعْضٍ بَيِّنِ لاسم الفاعل المصوغ من العدد ثلاثة أحوال: الأول: أن يستعمل مفردا ولا إشكال فيه.
والثاني: أن يستعمل مع موافق كثاني مع اثنين فيجب إضافته عند الجمهور فتقول في التذكير: ثاني اثنين إلى عاشر عشرة، وفي التأنيث: ثانية اثنتين إلى عاشرة عشرة، وإنما لم ينصب لأنه ليس في معنى ما يعمل ولا مفرعا على فعل فالتزمت إضافته لكونه واحدا من العدد كما يلتزم إضافة البعض، وإلى هذا أشار بقوله: "مثل بعض بين" هذا مذهب الجمهور، وذهب الأخفش والكسائي وقطرب وثعلب إلى جواز إعماله فتقول: ثان اثنين وثالثُ ثلاثةَ، وفصل بعضهم فقال: يعمل ثان، ولا يعمل ثالث وما بعده، وإليه ذهب في التسهيل، قال: لأن العرب تقول: "ثَنَيْتُ الرجلين" إذا كنت الثاني منهما فمن قال: ثانِ اثنين بهذا المعنى عُذر؛ لأن له فعلا، ومن قال: ثالث ثلاثة لم يُعذر؛ لأنه لا فعل له، فهذه ثلاثة أقوال. تنبيه: قال في الكافية: وثعلبٌ أجاز نحو رابع ... وأربعة وما له متابعُ وقال في شرحها: ولا يجوز تنوينه والنصب به، وأجاز ذلك ثعلب وحده، ولا حجة له في ذلك. انتهى. فعمم المنع، وقد فصل في التسهيل وخص الجواز بثعلب، وقد نقله فيه عن الأخفش، ونقله غيره عن الكسائي وقطرب كما تقدم. والثالث: أن يستعمل مع مخالفه ولا يكون إلا للعدد الذي تحته، فهذا يجوز أن يضاف وأن ينون وينصب لأنه اسم فالع حقيقة، فإنه يقال: "ثلثتُ الرجلين" إذا انضممت إليهما فصرتم ثلاثة، وكذلك "ربعت الثلاثة" إلى "عشرت التسعة" وقد أشار إلى هذا بقوله: وإن تُردْ جَعْلَ الأقل مثلَ مَا ... فوق فحُكْمَ جاعلٍ له احْكُمَا يعني: أن حكمه حكم اسم الفاعل، فإن كان بمعنى المضي وجبت إضافته. وإن كان بمعنى الحال والاستقبال جازت إضافته وجاز تنوينه وإعماله كما يفعل جاعل أو غيره من أسماء الفاعلين. فإن قلت: هل لاختصاص جاعل بالتمثيل به فائدة؟ قلت: نعم، وهي التنبيه على معنى اسم فاعل العدد إذا استعمل مع ما تحته معنى جاعل، فإذا قلت: رابع ثلاثة فمعناه جاعل الثلاثة أي: مصيِّرهم أربعة.
تنبيهان: الأول: قال الشارح في البيت: معناه وإن ترد بالمصوغ من اثنين فما فوقه أنه جعل ما هو أقل عددا مما اشتق منه مساويا له فاحكم لذلك المصوغ بحكم جاعل. انتهى. وفيه تصريح بأن ثاني يستعمل بمعنى جاعل فيقال: ثاني واحد، وهو خلاف التسهيل؛ لأنه خص المصوغ من الاثنين بالإضافة إلى الموافق بمعنى بعض أصله، ونص سيبويه على أنه لا يقال: ثاني واحد، وقال الكسائي: بعض العرب يقول: ثاني واحد، وحكاه الجوهري أيضا وقال: ثاني واحد، والمعنى: هذا ثني واحدا. والثاني: قال في التسهيل: وإن قصد بفاعل المصوغ من ثلاثة إلى عشرة، وهذه العبارة -كما قال في شرحه- تقريب على المتعلم، والحقيقة أنه من الثلث إلى العشر وهي مصادر ثلثت الاثنين إلى عشرت التسعة. وإِنْ أردت مثل ثانِي اثنينِ ... مركبا فجِيءَ بتركيبينِ إذا قصد صوغ الفاعل من المركب بمعنى بعض أصله كثاني اثنين. ففي استعماله ثلاثة أوجه: الأول: وهو الأصل أن يجاء بتركيبين صدر أولهما فاعل في التذكير وفاعلة في التأنيث وصدر ثانيهما الاسم المشتق منه، وعجزهما عشر في التذكير وعشرة في التأنيث. فتقول في التذكير: "ثاني عشر اثني عشر" إلى "تاسع عَشَر تسعةَ عشَر"، وفي التأنيث: "ثانية عشر اثنتي عشرة" إلى "تاسعةَ عشَرة تِسْعَ عشَرة" بأربع كلمات مبنية، وأول التركيبين مضاف إلى ثانيهما إضافة ثاني إلى اثنين. الثاني: أن يقتصر على صدر الأول، فيعرب لعدم التركيب ويضاف إلى المركب باقيا بناؤه، وإليه أشار بقوله: أو فاعلا بحالتيه أَضِفْ ... إلى مركب بما تَنْوِي يَفِي حالتاه هما التذكير والتأنيث فتقول في التذكير: "ثاني اثني عشر" إلى "تاسع تسعة عشر"، وفي الثأنيث: "ثانية اثنتي عشرة" إلى "تاسعة تسعَ عشرة".
الثالث: أن يقتصر على التركيب الأول، وإليه أشار بقوله: وشاع الاستغنا بحادي عَشَرَا ... ونحوه.................... وفيه حينئذ ثلاثة أوجه: الأول: أن يُبنى صدره وعجزه وهو الأعرف. والثاني: أن يعرب صدره مضافا إلى عجزه مبنيا، حكاه ابن السكيت وابن كيسان. ووجهه أنه حذف عجز الأول فأعربه لزوال التركيب، ونوى صدر الثاني فبناه. والثالث: أن تعربهما معا مقدرا حذف عجز الأول وصدر الثاني، وهذا الوجه أجازه بعض النحويين. تنبيهان: الأول: مثل في النظم بحادي عشر ولم يمثل بثاني عشر، قال الشارح: ليتضمن التمثيل فائدة التنبيه على ما التزموه حين صاغوا أحدا وإحدى على فاعل وفاعلة من القلب وجعل الفاء بعد اللام فقال: "حادي عشر، وحادية عشرة" والأصل واحد وواحدة. قلت: وحكى الكسائي عن بعض العرب "واحد عشر" على الأصل فلم يلتزم القلب كل العرب. الثاني: لم يذكر هنا صوغ اسم الفاعل من المركب بمعنى جاعل؛ لكونه لم يسمع، إلا أن سيبويه وجماعة من المتقدمين أجازوه قياسا "فيقولون": "هذا رابع عشر ثلاثة عشر" أو "رابع ثلاثة عشر" وإنما أجازوه بشرط الإضافة ولا يجوز أن ينصب ما بعده، وأجاز بعض النحويين "هذا ثان أحد عشر، وثالث اثني عشر" بالتنوين، وذهب الكوفيون وأكثر البصريين إلى منع بنائه بهذا المعنى، وقوله: .................. ... وقبل عشرين اذكرا وبابه الفاعل من لفظ العدد ... بحالتَيْهِ قبل واو يُعْتَمَدْ
يعني: أن العشرين وبابه يعني بقية العقود يعطف على اسم الفاعل بحالتيه يعني التذكير والتأنيث فتقول: "الحادي والعشرون" إلى "التاسع والتسعين" و"الحادية والعشرون" إلى "التاسعة والتسعين" ولا يستعمل الحادي والحادية إلا في تنييف. تنبيه: لم يسمع بناء اسم الفاعل من العقود الثمانية أعني عشرين وبابه إلا أن بعضهم حكى "عاشر عشرين" فقاس عليه الكسائي. وقال سيبويه والفراء: "هذا الجزء العشرون" على معنى تمام العشرين فحذف. وقال بعضهم: تقول: "هذا متمم عشرين أو مكمل عشرين" ورُد بأنه يلزم أن يتمم نفسه أو يكمل نفسه. وقال أبو علي: هو الموفى عشرين. قال بعضهم: والصحيح أن يقال: هو كمال العشرين، أو تمام العشرين، أو تأتي بألفاظ العقود فتقول: العشرين إلى التسعين، والله أعلم.
كم وكأين. وكذا
كم وكأين وكذا: هذه ألفاظ يكنى بها عن العدد؛ فلذلك أردف بها باب العدد. أما "كم" فاسم لعدد مبهم الجنس والمقدار، وليست مركبة خلافا للكسائي والفراء فإنها مركبة عندهما من كاف التشبيه وما الاستفهامية محذوفة الألف وسكنت ميمها لكثرة الاستعمال. وكم قسمان: استفهامية وخبرية، وكل منهما مفتقر إلى تمييز، وقد أشار إلى الاستفهامية بقوله: ميِّزْ في الاستفهام كم بمثل ما ... ميَّزْتَ عشرين ككم شخصا سَمَا يعني: أن تمييز الاستفهامية كتمييز العشرين في الإفراد والنصب نحو: "كم شخصا؟ ". أما إفراده فلازم خلافا للكوفيين فإنهم يجيزون جمعه نحو: "كم شهودا لك؟ " ولو سمع مثل هذا لم يكن لهم فيه حجة لصحة حمله على الحال، وجعل التمييز محذوفا. وأجاز بعضهم جمعه إذا كان السؤال عن الجماعات نحو: "كم غلمانا لك؟ " إذا أردت أصنافا من الغلمان، وهو مذهب الأخفش، فتحصل في جمعه ثلاثة مذاهب، وأما نصبه ففيه أيضا ثلاثة مذاهب: أحدهما: أنه لازم ولا يجوز جره، وهو مذهب بعض النحويين. والثاني: أنه ليس بلازم بل يجوز جره مطلقا حملا على الخبرية، وإليه ذهب الفراء والزجاج والسيرافي، وعليه حمل أكثرهم1: كم عمةٍ لك يا جريرُ وخالةٍ
والثالث: أنه لازم إن لم يدخل على كم حرف جر، وراجح على الجر إن دخل عليها حرف جر، وهو المشهور، ولم يذكر سيبويه جره إلا إذا دخل على كم حرف جر، وإلى هذا أشار بقوله: وأجِزْ أن تَجُرَّهُ من مُضْمَرا ... إن وَلِيتْ كم حَرْفَ جر مُظهَرا فيجوز في نحو: "بكم درهم اشتريت؟ " النصب على الأصل، وهو الأجود والأكثر، والجر أيضا وفيه قولان: أحدهما: أنه بمن مقدرة كما ذكر، وهو مذهب الخليل وسيبويه والفراء وجماعة. والثاني: أنه بإضافة كم إليه، وهو قول الزجاج، وزعم ابن بابشاذ أن الأول ليس مذهب المحققين "ورد بأنه نص من كلامهم إلا الزجاج"1، ورد مذهب الزجاج بوجهين: أحدهما: أنه بمنزلة عدد ينصب ما بعده قولا واحدا فلا يمكن الخفض بها، قاله ابن خروف.
والآخر: أن الجر لو كان بالإضافة لم يشترط دخول حرف الجر على كم ليكون عوضا من إظهار من. قلت: وفي لزوم هذا للزجاج نظر؛ لأنه نقل عنه أنه يجيز الجر مطلقا كما تقدم. ثم أشار إلى الخبرية بقوله: واسْتَعْمِلنَهَا مُخبرًا كعَشَرَهْ ... أو مائةٍ ككَمْ رِجالٍ أو مَرَهْ يعني: أن كم الخبرية تستعمل تارة استعمال عشرة فيكون تمييزها جمعا مجرورا نحو: "كم رجالٍ" وتارة استعمال مائة فيكون تمييزها مفردا مجرورا نحو: "كم مرةً" ومن الجمع قول الشاعر1: كَمْ ملوكٍ باد ملكُهم ومن الإفراد قول الراجز2:
وكم ليلةٍ قد بِتُّها غير آثِم تنبيهات: الأول: إفراد تمييز الخبرية أكثر وأفصح من جمعها، وليس الجمع بشاذ كما زعم بعضهم، وقيل: الجمع على معنى الواحد فكم رجال على معنى كم جماعة من الرجال. الثاني: ذهب الفراء إلى أن الجر بعد الخبرية بمن مقدرة، ونقله عن الكوفيين، والصحيح أنه بإضافة كم؛ إذ لا مانع من إضافتها. الثالث: شرط جر تمييز الخبرية الاتصال، فإن فُصل نصب، حملا على الاستفهامية، وقد جاء مجرورا مع الفصل بظرف أو بجار ومجرور. فالأول: كقوله1: كم دون مَيَّة مَومَاةٍ يُهالُ لها ... إذا تيمَّمها الخريت ذُو الجلدِ وقوله2:
كم بجودٍ مُقْرِفٍ نالَ العلا ... ........................ وفيه مذاهب: أحدها: أنه لا يجوز إلا في الشعر، وهو مذهب جمهور البصريين، وإليه ذهب المصنف. والثاني: أنه يجوز في الاختيار، وهو مذهب الكوفيين. والثالث: أنه يجوز إذا كان الفصل بناقص نحو: "كم اليوم جائع أتاني" و"كم بك مأخوذ جاءني" لا إن كان بتام، وهو مذهب يونس. فإن كان الفصل بجملة نحو1:
كم نالني منهم فضلا على عدم أو بظرف أو جار ومجرور معا نحو1: تؤُمُّ سنانا وكم دونه ... من الأرض محدَودِبا غارُها تعين النصب، قال المصنف: وهو مذهب سيبويه. وظاهر كلام المبرد جواز جر المفصول بجملة في الشعر، وحكي عن الكوفيين جوازه في الكلام. وقد رُوي خفض "فضلا" من قوله: "كم نالني منهم فضل على عدم". الرابع: ذكر سيبويه أن بعض العرب ينصب مميز الخبرية مع الاتصال حملا على الاستفهامية. وحكاه المصنف في غير هذا الكتاب عن تميم، وجزم هنا باللغة الفصحى. الخامس: إذا نصب هنا مع الاتصال على هذه اللغة، فقال الشلوبين: لا يكون إلا مفردا، والصحيح أنه تجوز فيه "هنا"2 الإفراد والجمع على هذه اللغة كما ذكره في شرح الكافية، نص على ذلك السيرافي. السادس: قد علم مما تقدم أن الاستفهامية والخبرية تتفقان في أحكام وتفترقان في أحكام. فلنذكر طرفا من ذلك فنقول: يتفقان في ستة أشياء: أولها: أنهما اسمان خلافا لمن قال: إن الخبرية حرف، ودليل اسميتها واضح.
وثانيها: أنهما مبنيان، أما الاستفهامية فلتضمنها معنى حرفه، وأما الخبرية فقيل: لشبهها بها، وقيل: لمناسبة رب التي للتكثير، وقيل: حملا على رب، وإن كانت للتقليل؛ لأن الشيء يحمل على نقيضه كما يحمل على نظيره. قلت: والتعليل بالشبه الوضعي كافٍ في بنائهما. ورابعهما: أن مميزهما قد يحذف إذا دل عليه دليل خلافا لمن منع حذف تمييز الخبرية، وقال بعضهم: يقبح حذف مميز الخبرية إلا إن قدر منصوبا، قال في الارتشاف: وبنبغي أن يقال: إن قدر تمييز الخبرية منصوبا أو مجرورا بمن جاز حذفه، أو بالإضافة فلا يجوز. وخامسها: أنهما يلزمان الصدر، أما الاستفهامية فواضح، وأما الخبرية فللحمل على رب، فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر، وحكى الأخفش أن بعض العرب يقدم العامل على كم الخبرية، فتقول على هذا: "ملكت كم غلام" فقيل: هي من القلة بحيث لا يقاس عليها، والصحيح أنه يجوز القياس عليها، وأنها لغة. وسادسها: أنهما يشتركان في وجوه الإعراب، وهذا تقييد في إعراب كم إن تقدم عليها حرف جر أو مضاف، فهي مجرورة وإلا فإن كانت كناية عن مصدر أو ظرف فهي منصوبة على المصدر أو على الظرف، وإلا فإن لم يلها فعل أو وليها فعل وهو لازم أو متعد رافع ضميرها أو سببها فهي مبتدأ، وإن وليها فعل متعد ولم يأخذ مفعوله، وإن أخذه فهي مبتدأ، إلا أن يكون ضميرا يعود عليها، ففيها الابتداء، والنصب على الاشتغال. ويفترقان في ستة أشياء: أولها: أن تمييز الاستفهامية أصله النصب وتمييز الخبرية أصله الجر. وثانيها: أن تمييز الاستفهامية مفرد وتمييز الخبرية يكون مفردا وجمعا. وثالثها: أن الفصل بين الاستفهامية ومميزها جائز في السعة، ولا يفصل بين الخبرية ومميزها إلا في الضرورة، نص المصنف على ذلك، وتقدم ما يقتضي الإطلاق. ورابعها: أن الاستفهامية لا تدل على تكثير -خلافا لبعضهم- والخبرية للتكثير خلافا لابن طاهر وتلميذه ابن خروف.
وخامسها: أن الاستفهامية تحتاج إلى جواب بخلاف الخبرية، والأجود في جوابها أن يكون على حسب موضعها في الإعراب، ولو رفع مطلقا لجاز. وسادسها: أن الاستفهامية لا يعطف عليها بلا، خلاف الخبرية، فتقول: كم رجل جاءني لا رجل ولا رجلان. ثم انتقل إلى كأين وكذا فقال: كَكَمْ كَأَيِّنْ وكذَا وينْتَصِبْ ... تَمييزُ ذَينِ أو به صِلْ من تُصِبْ يعني: أن كأين وكذا مثل كم الخبرية في الدلالة على تكثير عدد مبهم الجنس والمقدار إلا أن تمييزها منصوب بخلاف تمييز كم الخبرية، فتقول: كأين رجلا رأيت، ورأيت كذا رجلا، والأكثر بعد كأين جره بمن كقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} 1 {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ} 2 وخطئ ابن عصفور في قوله: إن من تلزم تمييز كأين. تنبيهات: الأول: المشبه به في قوله "ككم" هي الخبرية؛ لأن كأين وكذا لا يستفهم بهما، أما كذا فبالاتفاق، وأما كأين فذهب المصنف إلى أنها قد يستفهم بها مستدلا بقول أبي بن كعب لعب الله بن مسعود رضي الله عنهما: "كأين تقرأ سورة الأحزاب آية". ونصوص النحويين على أنها لا تكون إلا خبرية. فإن قلت: فأي قرينة ترشد إلى أن مراده الخبرية؟ قلت: القرينة أنها المذكورة ثانيا. الثاني: وجه الشبه إنما هو في الدلالة على تكثير عدد مبهم لا في جميع الأحكام؛ لأن كأين لا يحفظ كون مميزها جمعا بخلاف "الدلالة على"3 كم،
ولأن كذا لا تلزم الصدر ولأن كأين لا تجر بحرف ولا بإضافة، وأجاز ابن قتيبة1 وابن عصفور جرها بالحرف. الثالث: فهم من تشبيه كأين وكذا بكم الخبرية أنهما للتكثير، وقد صرح المصنف بذلك في غير هذا الموضع، ونوزع في "كذا" فإن الذي يظهر أنها لم توضع للتكثير. الرابع: قد فهم من قوله: "وينتصب" أن تمييزها لا يجوز جره بإضافتهما إليه بخلاف كم. فإن قلت: كان حقهما أن يضافا كما تضاف كم؛ لكونهما بمعناها. قلت: منع من ذلك أن المحكي لا يضاف، وأن في آخر كأين تنوينا وفي آخر كذا اسم الإشارة، وهما مانعان من الإضافة. الخامس: خطأ الفارسي والزجاج وابن أبي الربيع وابن عصفور من جر التمييز بعد كذا في نحو: "كذا درهم"، وأجازه بعضهم على الإضافة وبعضهم على البدل، والصحيح أنه لا يجوز ولم يسمع. قال ابن العلج: "وأما الرفع"2 بعد كذا فخطأ؛ لأنه لم يسمع. السادس: ظاهر قوله: "أو به صل من تصب" جواز جر تمييز كذا بمن، وكلامه في غير هذا الموضع يقتضي وجوب نصبه. السابع: ظاهر قوله: "وكذا" أنها تستعمل كناية عن العدد وهي مفردة، قال بعضهم: ولا يحفظ فيها إذا كانت كناية عن العدد إلا كونها مكررة بالعطف كقوله3:
عِدِ النفس نُعمى بعد بُؤساك ذَاكِرَا ... كذا وكذا لُطفا به نُسي الْجَهد وقال في التسهيل: وقلَّ ورود "كذا" مفردا أو مكررا بلا واو، وذلك يدل على ورود الأمرين، ولم يذكر لهما شاهدا، ونازع ابن خروف في إفرادها وزعم أنه غير مستعمل. الثامن: مذهب البصريين أن تمييز كذا لا يكون إلا مفردا ومنصوبا سواء كانت مفردة أو مكررة كما تقدم، وذهب الكوفيون إلى أنها تعامل معاملة ما يكنى بها "عنه"1 فكذا أعبد كناية عن ثلاثة إلى عشرة، وكذا عبد "من"2 مائة فصاعدا، وكذا وكذا عبدا من أحد عشر إلى تسعة عشر، وكذا عبدا من عشرين إلى تسعين، وكذا وكذا عبدا من واحد وعشرين إلى تسعة وتسعين، ووافقهم على ذلك المبرد وابن الدهان وابن معط، ونقله صاحب البسيط عن الأخفش، قال في شرح التسهيل: ومستند هذا التفصيل الرأي لا الرواية، وذهب ابن عصفور إلى مذهب ثالث وهو موافقتهم في المركب والعقد والمعطوف ومخالفتهم في المضاف وهو الثلاثة إلى العشرة، فيفسر بجمع معروف بالألف واللام مجرور بمن، وزعم أنه مذهب البصريين بناء على ما نقله ابن السيد من أن البصريين والكوفيين اتفقوا على أن كذا وكذا كناية عن الأعداد المعطوفة، وأن كذا كذا كناية عن الأعداد المركبة، وليس كما نقل.
التاسع: كأين مركبة من كاف التشبيه وأي، قيل: الاستفهامية، وحكيت فصارت كيزيد مسمى به يحكى ويحكم على موضعه بالإعراب، وقال ابن عصفور: الكاف فيها زائدة لا تتعلق بشيء، وأجاز ابن خروف أن تكون مركبة من الكاف التي هي اسم ومن أي اسم على وزن فيعل، ولم يستعمل هذا الاسم مفردا بل مركبا مع الكاف، وهو مبني على السكون من حيث استعمل في معنى كم، وقال بعض المغاربة: ويحتمل أن تكون بسيطة. العاشر: في كأين خمس لغات أفصحها كأين وبها قرأ أكثر القراء، وثانيها كائن وبها قرأ ابن كثير، وثالثها كأن وحكاها المبرد، ورابعها كأين وبها قرأ ابن محيصن والأشهب العقيلي، والخامسة كيئن. الحادي عشر: اختلف في الوقف على كأين في اللغة المشهورة، فذهب الفارسي والسيرافي وجماعة من البصريين إلى أنه تخذف النون، وذهب ابن كيسان وابن خروف إلى أنه بإقرار النون. والوجهان منقولان عن أبي عمرو والكسائي. قلت: وقف أكثر القراء بالنون إتباعا للرسم، ووقف أبو عمرو بالياء، واختلف أيضا في الوقف على كائن وهي التي قرأ بها ابن كثير، فوقف المبرد وابن كيسان بالنون، ووقف جماعة بحذفها، وقد أغرب من جعلها اسم فاعل من كان، ومن علها من كاء يكيء كيئا إذا رجع وارتدع. الثاني عشر: كذا مركبة من كاف التشبيه وذا الإشارية، وتكون كناية عن العدد كما تقدم، وعن غيره. وإذا كانت كناية عن غير عدد فتكون مفردة ومعطوفة، ويكنى بها عن المعرفة والنكرة.
الحكاية
الحكاية: هذا باب للحكاية بأي، وبمن في الاستثبات، لا مطلق الحكاية. احْكِ بأيٍّ ما لمنكور سُئِلْ ... عنه بها في الوَقْفِ وحين تَصِلْ إذا سئل بأي حكي بها ما للمسئول عنه بشرطين: أحدهما: أن يكون السؤال عن مذكور، الثاني: أن يكون نكرة. وفي الحكاية بها بهذين الشرطين لغتان: الأولى: أن يحكى بها ما للمسئول عنه من إعراب وتذكير وإفراد وفروعهما، فتقول لمن قال: قام رجل أي أو رجلان أيان أو رجلا أيون أو امرأة أية أو امرأتان أيتان أو نساء أيات، ولا يحكى بها إلا جمع تصحيح موجود في المسئول عنه أو صالح لأن يوصف به نحو رجال، فإنه يوصف بجمع التصحيح فتقول: "رجال مسلمون"، وهذه اللغة هي الفصحى وبها جزم هنا. والثانية: أن يحكى بها ما له من إعراب وتذكير وتأنيث فقط ولا يثنى ولا يجمع. فتقول: أي لمن قال: قام رجل أو رجلان أو رجال وأية لمن قال: قامت امرأة أو امرأتان أو نساء. وقوله: "في الوقف أو حين تصل" يعني: أن أيا يحكي بها في الحالين بخلاف من. تنبيه: اختلف في الحركات اللاحقة لأي، فقيل: هي حركات حكاية وأي بمنزلة من في موضع رفع بالابتداء أو الخبر، ولا يبعد أن تكون مفعولة محلا، وقيل: هي حركات إعراب فهي في الرفع على قياس قول البصريين مبتدأ وخبرها محذوف تقديره: أي قام، وإنما لم يقدم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وأجاز الكوفيون رفعها بفعل مضمر قبلها، ولو أظهر لجاز. وأما في النصب والجر فهي محمولة على فعل مقدر بعدها تقديره: أيا ضربت وبأي مررت، ويجب ذكره مؤخرا، وأجاز بعضهم أن يؤتى به قبل أي
واعترض من قال: إنها إعراب؛ لأنه يلزمه إضمار حرف الجر في نحو أي، والتزم بعضهم إدخال حرف الجر فيقول: بأي. ثم انتقل إلى من فقال: ووقْفًا احْكِ ما لمنكور بِمَنْ ... والنونَ حرِّكْ مطلقا وأشبِعَنْ إذا سئل بمن عن منكور حكي بها في الوقف دون الوصل ما للمسئول عنه من إعراب وإفراد وتذكير وفروعهما، وتشبع الحركة في نونها حال الإفراد فتقول لمن قال: قام رجل مَنُو، ولمن قال: رأيت رجلا منا، ولمنقال: مررت برجل مني. تنبيهات: الأول: الحكاية بمن مشروطة بالشرطين المذكورين في الحكاية بأي. أعني: كون المسئول عنه مذكورا منكورا. الثاني: فهم من كلامه أن "أيا" تخالف من في أمرين؛ أحدهما: أن "أيا" يحكى بها وصلا ووقفا ولا يحكى بمن إلا وقفا. والآخر: أن "أيا" لا تشبع حركاتها في الوقف بخلاف من. الثالث: اختلف في هذه الأحرف اللاحقة لمن فقال أبو علي: ألحقت إرادة الحكاية وحركت النون إتباعا لها، وذهب السيرافي إلى أن الحكاية وقعت بالحركات ثم أشبعت فنشأت عنها الحروف؛ ليوقف عليها، وبهذا يشعر قول الناظم: "وأشبعن"، وذهب قوم إلى أن هذه الأحرف مبدلة من التنوين. ثم اعلم أن المحكي ستة أقسام؛ لأنه إما مذكر وإما مؤنث وكل منهما إما مفرد وإما مثنى وإما جمع، وقد تقدم حكاية المفرد المذكر. ثم انتقل إلى المثنى المذكر فقال: وقُلْ مَنَانِ ومنَيْنِ بعدَ لِي ... إِلْفانِ بابنيْنِ وسكن تَعْدِلِ أي: تقول: منان في الرفع ومنين في النصب والجر والنون فيهما ساكنة، وإنما كسرها لإقامة الوزن اضطرارا، ونبه على ما يلزم في غير الضرورة بقوله: "وسكن تعدل". ثم انتقل إلى المفرد المؤنث فقال:
وقُلْ لمن قال أتَتْ بِنتٌ مَنَهْ أي: تقول في حكاية المؤنث منه -بفتح النون وقلب التاء هاء- وقد يقال: "منت" -بإسكان النون وسلامة التاء- ثم انتقل إلى المثنى المؤنث فقال: والنونُ قبل تا المثنى مُسْكَنَهْ أي تقول: في حكاية المثنى المؤنث منتان -بإسكان النون التي قبل التاء والنون التي بعد الألف. وفي الجر والنصب منتين -بإسكان النونين- وبعضهم يحرك النون قبل التاء فيقول: منتان ومنتين، وإليه أشار بقوله: "والفتح نزر". فإن قلت: لِمَ كان الفتح في المفرد أشهر والإسكان في التثنية أشهر؟ قلت: لأن التاء في مَنَه متطرفة فهي ساكنة للوقف فحرك ما قبلها لئلا يلتقي ساكنان ولا كذلك منتان، ثم انتقل إلى جمع المؤنث فقال: ..... وصِلِ التا والألفْ ... بمَنْ بإثْرِ ذا بنسوةٍ كلفْ أي: تقول في حكاية جمع المؤنث منات -بإسكان التاء- ثم كمل الأقسام بجمع المذكر فقال: وقُلْ منونَ ومنينَ مُسْكِنَا ... إِنْ قيل جَا قَومٌ لقومٍ فُطَنَا أي: تقول في حكاية جمع المذكر منون رفعا ومنين نصبا وجرا، والنون ساكنة للوقف كما سبق. تنبيه: في الحكاية بمن لغتان: إحداهما: وهي الفصحى، أن يحكى بها للمسئول عنه من إعراب وإفراد وتذكير وفروعهما على ما تقدم من التفصيل، ولم يذكر المصنف غيرها. والآخر: أن يحكى بها إعراب المسئول عنه فقط، فتقول لمن قال: قام رجل أو رجلان أو رجال أو امرأة أو امرأتان أو نساء: منو، وفي النصب: منا، وفي الجر: مني، وقوله: "وإن تصل فلفظ من لا يختلف" تصريح بمفهوم قوله: "وقفا
احك" فتقول: "من يا فتى؟ " في الأحوال كلها، وأجاز يونس إثبات الزوائد وصلا، فتقول: "منو يا فتى" وتشير إلى الحركة في "منت" ولا تنون وتكسر نون المثنى وتفتح نون الجمع، وتنون مناتٍ -ضما وكسرا- وهو مذهب حكاه يونس عن بعض العرب، وحمل عليه قول الشاعر1: أَتَوْا نارِي فقلت: مَنونُ أنتم؟ ... فقالوا: الجن قُلت عِمُوا ظلاما وهذا شاذ عند سيبويه والجمهور من وجهين: أحدهما: إثبات العلامة وصلا، والآخر: أنه حكي مقدرا غير مذكور. وإلى البيت أشار بقوله: ونادرٌ مَنُونَ في نَظْمٍ عُرِفْ وهو لتأبط شرا، ويقال: لشمر الغساني، ورواه بعضهم: فقلت عموا صباحا، وغلط الزجاج من رواه كذلك؛ لأن القصيدة ميمية، وقال ابن السيد: ليس ما أنكره بخطأ، فإنه وقع في شعر آخر منسوبا إلى خديج بن سنان الغساني في قصيدة حائية، ثم ذكر حكاية العلم فقال:
والعَلَمَ احكينَّهُ من بَعْدِ مَنْ ... إن عَرِيَتْ من عَاطِفٍ بها اقْتَرَنْ إذا سئل بمن علم مذكور لم يتيقن نفي الاشتراك فيه، ففيه لغتان: إحداهما: أن يحكى فيه بعد من إعراب الأول، فتقول: لمن قال قام زيد: مَن زيد؟ ورأيت زيدا: من زيدا؟ ومررت بزيد: من زيدٍ؟ وهذه لغة الحجازيين. وأما غيرهم فلا يحكون، بل يجيئون بالعلم المسئول عنه بعد من مرفوعا؛ لأنه مبتدأ خبره من، أو خبر مبتدؤه من، فإن اقترنت بعاطف كقولك: "ومن زيد؟ " تعين الرفع عند جميع العرب. تنبيهات: الأول: أجاز يونس حكاية سائر المعارف قياسا على العلم. الثاني: جزم المصنف في التسهيل عن الحجازيين بالحكاية بشرطها، وحكى غيره عنهم جواز الإعراب أيضا. الثالث: فهم من قوله: "احكينه" أي: حركاته حركات حكاية، وأن إعرابه مقدر كما صرح به في غير هذا الموضع، ومذهب الجمهور أن من مبتدأ وزيدا خبره كانت حركته ضمة أو فتحة أو كسرة، وحركة إعرابه مقدرة؛ لاشتغال آخره بحركة الحكاية. وقيل: الحركة في حال الرفع إعراب بخلاف النصب والجر، وذهب كثير من الكوفيين إلى أنها محمولة على عامل مقدر يدل عليه العامل في الاسم المستفهم عنه والواقع بعد من مبدل منه، وقيل غير ذلك، والصحيح الأول. والله أعلم.
الجزء الخامس
الجزء الخامس: التأنيث: علامة التأنيث تاء أو ألف ... ........................ التذكير هو الأصل فلم يفتقر إلى علامة بخلاف التأنيث. وللتأنيث كما ذكر علامتان: التاء والألف، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن علامات التأنيث ثلاث: التاء والألف والهمزة في حمراء ونحوه، وذهب بعضهم إلى أن الهمزة والألف قبلها معا علامتا التأنيث، ومذهب الجمهور أن الهمزة في حمراء ونحوه بدل من ألف التأنيث؛ وذلك أنهم لما أرادوا تأنيث ما آخره ألف بألف التأنيث لم يمكنهم الجمع بين ألفين فأبدلت المتطرفة همزة. تنبيه: إنما قال "تاء" ولم يقل هاء؛ لأن مذهب البصريين أن التاء هي الأصل والهاء المبدلة في الوقف فرعها، وعكس الكوفيون: .......................... ... وفي أسامٍ قدروا التاكالكتف يعني: أن المؤنث بالتاء نوعان: نوع ظهرت فيه التاء ونوع قدرت فيه، فالأول ثلاثة أقسام: مؤنث المعنى نحو عائشة لا يذكر إلا ضرورة، ومذكر نحو حمزة، فهذا لا يؤنث إلا ضرورة، كقوله1: أبُوكَ خليفةٌ وَلَدَتْه أخرى ... ....................... وما ليس معناه مذكرا حقيقة ولا مؤنثا حقيقة نحو خشبة، فهذا يؤنث نظرا إلى لفظه: خشبة واحدة. تنبيه: هذا التقسيم إنما هو فيما يمتاز مذكره من مؤنثه، فإن لم يميز نحو: "نملة"
أنت مطلقا؛ ولهذا وهم من استدل على تأنيث نملة سليمان عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله تعالى: {قَالَتْ نَمْلَةٌ} 1. وأما الثاني: وهو ما تاؤه مقدرة نحو: كتف ويد وعين، ومأخذه السماع. فإن قلت: ما الدليل على أن فيه تاء مقدرة؟ قلت: لرجوعها في التصغير نحو: كتيفة ويدية وعيينة، ثم أشار إلى ما يعرف به التقدير بقوله: ويُعْرَفُ التقديرُ بالضَّميرِ ... ونَحْوِهِ كالردِّ في التَّصْغِيرِ فالضمير نحو: "الكتف نهشتها" والرد في التصغير نحو: "كتيفة" ونحو ذلك كتأنيث خبره أو نعته أو حاله أو عدده أو الإشارة إليه أو جمعه على مثال يخص المؤنث نحو: هندات، أو يغلب فيه نحو: عقاب وأعقب. ثم اعلم أن التاء تأتي لفوائد كثيرة لا حاجة هنا إلى ذكرها، فإن الناظم لم يتعرض هنا لتنبيه عليها، والغرض الأصلي من زيادتها الفرق بين المذكر والمؤنث، ويكثر ذلك في الصفات نحو: ضارب وضاربة، ويقل في الأسماء نحو: رجل ورجلة، وقد اتسع في صفات فلم تلحقها تاء الفرق وهي خمسة: الأول: فعول بمعنى فاعل نحو: صبور وشكور، وإليه أشار بقوله: ولا تَلِي فارقةً فَعُولا ... أَصْلا ولا المِفْعَال والمِفْعِيلا كَذاكَ مِفْعَلٌ............ ... ....................... أي: بمعنى فاعل؛ لأن بنية الفاعل أصل، وقال الشارح: لأنه أكثر من فعول بمعنى مفعول فهو أصل له. انتهى. واحترز بذلك عن فعول بمعنى مفعول؛ لأنه قد تلحقه التاء نحو: أكولة بمعنى مأكولة، وركوبة بمعنى مركوبة، وحلوبة بمعنى محلوبة، وربما حذفوها فقالوا: ركوب وحلوب. والثاني: مفعال نحو: مكسال ومهذار ومذكار2.
والثالث: مِفْعِيل نحو: معطير ومنطيق1. والرابع: مِفْعَل نحو: مِغْشَم2. تنبيهان: الأول: فهم من قوله: "ولا تلي فارقة" أنها قد تلي غير فارقة كقولهم: "ملولة وفروقة" فإن التاء فيهما للمبالغة؛ ولذلك تدخل في المؤنث والمذكر. الثاني: أشار بقوله: .................. وما تليهِ ... تَا الفَرْقِ من ذي فشُذُوذٌ فِيهِ إلى أن تاء الفرق قد تلحق بعض هذه الأوزان شذوذا كقولهم: "عدو وعدوة وميقان وميقانة ومسكين ومسكينة"3، وحكي عن بعض العرب: "امرأة مسكين" على القياس. والخامس: فعيل بمعنى مفعول نحو: "قتيل وجريح" فتقول: رأيت رجلا قتيلا وامرأة قتيلا، وإلى تقييده بمعنى مفعول أشار بقوله: "كقتيل". واحترز من فعيل بمعنى فاعل نحو: شريف وظريف، فإنه تلحقه التاء، وقد يشبه بالذي بمعنى مفعول فلا تلحقه كقوله: {وَهِيَ رَمِيمٌ} 4. وقوله: ............... إِنْ تَبِعْ ... مَوْصُوفَه غالبا التَّا تَمْتَنِعْ شرط في تجريد فعيل من التاء الفارقة، واحترز بذلك من أن يحذف موصوفه فتلحقه التاء نحو: "رأيت قتيلا وقتيلة" فرارا من اللبس، قال في التسهيل: ما لم يحذف موصوف فعيل فتلحقه. تنبيه: ذكر أبو حاتم أنه إذا جيء بما يبين أنه مؤنث لم تلحقه التاء لأمن اللبس نحو: "رأيت قتيلا من النساء" قيل: وعلى هذا فإطلاق المصنف ليس بجيد.
قلت: يمكن أن يحمل كلامه على أن المراد بقوله: ما لا لم يحذف موصوف فعيل، أن يستعمل استعمال الأسماء غير جار على موصوف ظاهر ولا منوي لدليل، فحينئذ تلحقه التاء نحو: "رأيت قتيلة وأكيلة السبع". وقد أشار إلى هذا المعنى في شرح الكافية. وقوله: "غالبا" إلى أنه قد تلحقه تاء الفرق حملا على الذي بمعنى فاعل، كقول العرب: صفة ذميمة، وخلة حميدة، فقد حمل كل منهما على الآخر. ثم انتقل إلى ألف التأنيث فقال: وألفُ التأنيثِ ذَاتُ قَصْرِ ... وذاتُ مدٍّ نحو أُنثى الغُرِّ تقدم أن المقصورة أصل الممدودة وأنثى الغر غراء، ثم قال: والاشتهارُ في مبانِي الأُولَى يعني بالأولى: المقصورة، وذكر لها من الأبنية المشتهرة اثني عشر بناء، وهي ضربان: ضرب يختص بها، وضرب يشركها فيه الممدودة، وسأنبه على ذلك إن شاء الله تعالى. الأولى: فُعْلَى نحو: أُرْبَى -للداهية- ولم ترد إلا اسما، وهو بناء مشترك، ومثال الممدود: خُشَشَاء -لعظم خلف الأذن- وعُشَرَاء. الثاني: فُعْلَى، وهو مختص بالمقصورة، ويكون اسما غير مصدر كبُهْمَى1 ومصدرا كرجعي وصفة كطُولى، وأما قولهم بهماة فشاذ، وقيل: جعلت الألف للتكثير أو للإلحاق على من يثبت بناء فعلل، وما رواه ابن الأعرابي من صرف دنيا شاذ. الثالث: فَعَلَى، وهو مشترك، فمثال المقصورة اسما بَرَدَى، وصفة كحَيَدَى، ومصدرا نحو مرطى2.
ومثال الممدودة: قرماء وجنفاء -وهما موضعان- وابن دَاثَاء1، ولا يحفظ غيرها. الرابع: إذا كان جمعا نحو: جرحى، أو مصدرا نحو: دعوى، أو صفة نحو: شبعى، فإن كان فعلى اسما لم يتعين كون ألفه للتأنيث، بل ألفه صالحة للتأنيث والإلحاق، ومما فيه وجهان: أَرْطَى وعلقى وتترى2. الخامس: فُعَالَى، وهو مختص بالمقصورة نحو حبارى -لطائر- ولم يجئ صفة إلا جمعا نحو: سكارى، وزعم الزبيدي أنه جاء صفة مفردا، وحكى قولهم: جمل عُلادَى3. السادس: فُعَّلَى، وهو مختص بالمقصور نحو قولهم: السُّمَّهَى -للباطل. السابع: فِعَلَّى، وهو مختص بالمقصورة نحو: سبطرى ودفقى- وهما لضربين من المشي. الثامن: فِعْلَى، وهو مختص بالمقصورة نحو: ذكرى. تنبيه: أطلق في قوله فِعلى، وكان ينبغي أن يفصل كما فصل في فَعْلَى؛ وذلك أن فِعلى -بكسر الفاء- إن كان مصدرا نحو: ذكرى، أو جمعا نحو: حجلى أو ظربى4 ولا ثالث لهما، فألفه للتأنيث، وإن لم يكن مصدرا ولا جمعا، لم يلزم كون ألفه للتأنيث، بل إن لم ينون في التنكير فهي للتأنيث نحو ضئزى -بالهمزة- وهي القسمة الجائرة، وإن نُون فألفه للإلحاق نحو: رجل كِيصَى -وهو المولع بالأكل وحده- وإن كان يُنون في لغة ففي ألفه وجهان نحو: ذفرى، والأكثر في ذفرى منع الصرف.
التاسع: فِعِّيلَى، وهو مشترك، فالمقصورة نحو: حثيثى وهجيرى1 ولم يجئ إلا مصدرا، والممدودة: فخيراء وخصيصاء ومكناء2، وهذه الثلاثة تمد وتقصر ولا رابع لها، والكسائي يقيس على ما سمع من فعيلاء فيمد جميع الباب، وغيره يقصره على السماع. والعاشر: فُعُلَّى، وهو مختص بالمقصورة نحو: "كفرى"، وهو وعاء الطلع بفتح الفاء وضمها، وحكى الفراء سلحفاة3، وظاهره أن ألف سلحفاة ليست للتأنيث إلا أن تجعل شاذا مثل بهماة، وحكى في التسهيل: سلحفاء -بالمد- وحكاه ابن القطاع4، فعلى هذا يكون من الأبنية المشتركة. الحادي عشر: فُعَّيْلى، وهو مشترك، فالمقصورة نحو: خليطى5، والممدودة نحو قولهم: هو عالم بدخيلاته -أي: بباطن أمره- ولا يحفظ غيره. الثاني عشر: فُعَّالى، وهو مختص بالمقصورة نحو: شقارى -وهو نبت. وقوله: ...................... ... واعز لغير هذه استندارا يعني: أن ما لم يذكره هنا من أبنية ألف التأنيث المقصورة مستندر، وفيه نظر. ثم شرع في ذكر أبنية الممدودة مقتصرا على الأوزان المشتهرة كما فعل في المقصورة، وجملة ما ذكره سبعة عشر وزنا، وهي أيضا ضربان: مختص بالممدود ومشترك، ويتبين بالتفصيل: الأول: فَعْلاء، كيف أتى اسما كصحراء، أو مصدر كرغباء6، أو جمعا في المعنى كطرفاء، أو صفة أنثى أفعل كحمراء أو غيره كديمة هطلاء7، وهو قليل.
الثاني والثالث والرابع: أفعلاء -بفتح العين وكسرها وضمها- وإليه أشار بقوله: ............ أفعلاء ... مثلث العين....... ومثالها قولهم لليوم الرابع من أيام الأسبوع: أربَعاء وأربِعاء وأربُعاء -بفتح الباء وكسرها وضمها- وأفعلاء بفتح العين مشترك، ومثال المقصورة قولهم: أجفلى -لدعوة الجماعة. الخامس: فَعْلَلاءُ، وهو مشترك، فالممدودة: عقرباء وحرملاء -لمكانين- ذكرهما سيبويه، والمقصورة: فرتنى -اسم امرأة- وقرقرى -اسم موضع- ولا يكون هذا الوزن إلا اسما مدا وقصرا. السادس: فِعالاء، وهو مختص بالممدودة ومثاله قصاصاء -وهو القصاص- حكاه ابن دريد، ولا يحفظ غيره. السابع: فُعْلُلاء، نحو: قعد القرفصاء ولم يجئ إلا اسما، وهو قليل، وحكى ابن القطاع أنه يقال: قعد القرفصى -بالقصر- فعلى هذا يكون مشتركا. الثامن: فَاعُولاء، نحو: عاشوراء، وهو مشترك، ومثال المقصورة بادولى -وهو اسم موضع. التاسع: فَاعِلاء، نحو: قاصعاء1، وهو مختص بالممدودة. العاشر: فِعْلِياء، نحو: كبرياء، وهو مختص بالممدودة. الحادي عشر: مَفْعولاء -نحو مشيوخاء- وهو جماعة الشيوخ، وهو مختص بالممدودة. الثاني عشر: فَعالاء، نحو: براساء، يقال: ما أدرى أي البراساء هو، أي: أي الناس هو، وقد أثبت ابن القطاع فعالى مقصورا في ألفاظ؛ منها: خزازى -اسم جبل- فعلى هذا يكون مشتركا. الثالث عشر: فعِيلاء، نحو: كثيراء، وهو مشترك. ومثال المقصورة: كثيرى2 أيضا. الرابع عشر: فَعُولاء، نحو: دبوقاء، وحروراء3، وجعله في التسهيل من
الأبنية المختصة بألف التأنيث المقصورة، وإلى ذلك ذهب ابن عصفور وابن القطاع إلى إثبات فعولى، وأورد من ذلك "عبد سنوطى" اسم أو لقب، وحضورى -موضع- وديوقى -للعذرة- ودقوقى -قرية بالبحرين- وقطورى -قبيلة في جرهم. وفي شعر امرئ القيس1: عُقَابُ تَنُوفى. وعلى هذا فهو مشترك، وهو الصحيح. وقد أشار إلى هذه الأوزان الثلاثة بقوله: ومطلق العين فعالا.... ... ..................... ويعني بالإطلاق: أن يحركها بالفتح مع الألف وبالضم مع الواو وبالكسر مع الياء.
الخامس عشر: فَعَلاء، نحو: جنفاء -اسم موضع- وهو مشترك كما تقدم في أبنية المقصورة. السادس عشر: فِعَلاء، نحو: سِيَراء -وهو ثوب مخطط يعمل من القز- وهو مختص بالممدودة. السابع عشر: فُعَلاء، نحو: عشراء1 ونفساء، وهو مشترك كما تقدم في المقصورة. وقد أشار إلى هذه الثلاثة بقوله: .............. وكذا ... مطلق فاء فَعَلاء أُخِذَا والله أعلم.
المقصور والممدود
المقصور والممدود: المقصور: هو الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة. والممدود: هو الذي حرف إعرابه همزة قبلها ألف زائدة. وكلاهما مقيس ومسموع، وقد أشار إلى ضابط المقصور القياسي بقوله: إذا اسمٌ استوجَبَ من قبل الطرَفْ ... فَتْحًا وكان ذا نظيرٍ كالأَسَفْ فَلِنَظِيره الْمُعَلِّ الآخِرِ ... ثُبوتُ قصرٍ بقياس ظاهِرِ اعلم أن القصر والمد لا يكونان إلا في المعتل الآخر، فكل اسم معتل الآخر له نظير من الصحيح، يطرد فتح ما قبل آخره، فهو مقصور كقولك: جَوِيَ جَوّى، فإن نظيره من الصحيح: أسف أسفا، وهو يطرد فتح ما قبل آخره؛ لأن فَعِلَ اللازم قياس مصدره فعَل. فقوله: "إذا اسم" يعني: من الصحيح، وقوله: "وكان ذا نظير" يعني: من المعتل، وقوله: "كالأسف" مثال للصحيح الذي استوجب من قبل الطرف فتحا. فإن قلت: قوله: "استوجب" ليس بجيد؛ لأنه يقتضي أن شرط ذلك أن يلزم فتحه فلا يكفي غلبة الفتح، وليس كذلك، بل هي كافية، قال في التسهيل: كل المعتل الآخر فتح ما قبل آخر نظيره الصحيح لزوما أو غلبة فقصره مقيس. انتهى. فمثال ما فتح لزوما اسم مفعول ما زاد على الثلاثة، ومثال ما فتح غلبة مصدر فعل اللازم، فإنه قد جاء على فعالة نحو: شكس شكاسة، وعلى مفعول نحو: صهب صهوبة، وعلى فعل نحو: سكر سكرا. قلت: معنى قوله: "استوجب" أنه استحق ذلك في القياس فيشمل القسمين، ألا ترى أن مصدر فعل اللازم يتوجب فتح ما قبل آخره في القياس، وإن كان السماع قد ورد في بعضه بخلاف ذلك، والذي يوضح لك أن هذا معنى كلامه تمثيله بالأسف للمستوجب الفتح، وهذا واضح. كفِعَلْ وفُعَلْ في جَمْع مَا ... كفِعْلةٍ وفُعْلةٍ نحو الدُّمَى هذان من أمثلة المقصور المقيس، ففعل جمع فعلة نحو: مرية ومرى، وفعل
جمع فُعلة نحو: دمية ودمى1، وإنما وجب قصرهما لأن نظيرهما من الصحيح قِرب جمع قِربة، وقُرب جمع قُربة، ثم شرع في بيان ضابط الممدود فقال: وما استَحقَّ قبل آخر ألفْ ... فالمد في نظيره حَتْمًا عُرِفْ يعني: أن الاسم الصحيح إذا استحق زيادة الألف قبل آخره، فإن نظيره المعتل واجب المد قياسا، فالمدود المقيس إذا كان معتل الآخر له نظيره في الصحيح يطرد زيادة الألف قبل آخره، وقوله: "استحق" يعني: في القياس سواء لزم ذلك كمصدر ما أوله همزة وصل كما سيذكر أو غلب ولم يلزم كمفعال صفة نحو: مهداء2، فإن نظيره من الصحيح مهذار، وقد جاء منه شيء على مفعل نحو: مدعس3. وقوله: كمصدر الفعل الذي قد بُدئا ... بهمز وصل كارْعَوَى وكارْتَأَى هذا مما يجب مده قياسا؛ لأن نظيره من الصحيح تجب زيادة ألف قبل آخره، فتقول: ارعواء وارتياء -بالمد- لأن نظيرهما احمرار واقتدار، ثم قال: والعادمُ النظير ذا قَصْرٍ وذَا ... مَدٍّ بنَقْلٍ كالحِجَا وكالحِذَا يعني: أن ما كان معتل الآخر ولا نظير له من الصحيح يطرد فتح ما قبل آخره، أو زيادة ألف قبل آخره، فلا يؤخذ قصره ومده إلا من السماع. فمن المقصور سماعا: الحجا -وهو العقل- ومن الممدود سماعا: الحذاء وهو النعل، وقد صنف الناس في ذلك كتبا فلا نطول بكثرة الأمثلة. تنبيه: كلامه مخصص كما قيل مما تقدم ذكره من ألفي التأنيث. ثم ختم الباب بالكلام على قصر الممدود ومد المقصور فقال: وقَصْرُ ذي المد اضطرارا مُجْمَعُ ... عليه والعَكْسُ بخُلْفٍ يَقَعُ قصر الممدود للضرورة يشبه صرف ما لا ينصرف، فلذلك أجمع على جوازه، ومد المقصور شبيه بمنع ما يستحق الصرف؛ فلذلك اختلف فيه فمنعه
جمهور البصريين مطلقا، وأجازه جمهور الكوفيين مطلقا، وفصل الفراء فأجاز مد ما لا موجب لقصره كالعنى، ومنع مد ما له موجب قصر كسكرى، والظاهر جوازه لوروده، كقول العجاج1: والمرء يُبليه بِلاءَ السِّربالْ ... تَعاقُبُ الإهلالِ بعد الإهلالْ وقول الآخر2: يا لك من تَمْر ومن شِيشَاء ... يَنشَبُ في المسْعَل واللَّهاء فمد اللهاء، وهي مقصورة.
وقال طرفة1: لها كَبدٌ ملساءُ ذاتُ أسِرَّة ... وكشحان لم ينقص طواءَهما الحبل وممن وافق الكوفيين على جواز ذلك ابن ولاد وابن خروف، وزعما أن سيبويه استدل على جوازه في الشعر بقوله: وربما مدوا فقالوا منابير. قال ابن ولاد: فزيادة الألف قبل آخر المقصور كزيادة هذه الياء، وأما قراءة طلحة: "يَكَادُ سَنَاء بَرْقِهِ"2 -بالمد- فشاذ؛ إذ لم تثبت لغة، ويمكن أن يكون أراد العلو لا الضوء. فإن قلت: حُكي الإجماع على قصر الممدود، فليس كذلك؛ لأن مذهب الفراء منعه فيما له قياس يوجب مده نحو فعلاء أفعل. قلت: هو مجمع على جوازه في الجملة وإن وقع الخلاف في بعض المواضع، والصحيح جوازه مطلقا. ورد مذهب الفراء بقول الشاعر3: وأنتِ لَوْ بَاكَرْتِ مشمولةً ... صَفْرَا كَلَونِ الفرس الأشْقَرِ
كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا
كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا: تقدم حد المقصور والممدود، وإنما اقتصر عليهما لوضوح تثنية غيرهما وجمعه، قال في شرح الكافية: إذا قصدت تثنية اسم ولم يكن مقصورا ولا ممدودا فتح آخره ووصل بإحدى العلامتين المذكورتين في باب الإعراب. آخِرَ مقصورٍ تُثَنِّي اجعلْهُ يَا ... إِنْ كَانَ عن ثلاثةٍ مرتَقِيَا شمل الألف الرابعة نحو: معطى، والخامسة نحو: منتمى، والسادسة نحو: مستدعى، فتقول: معطيان ومنتميان ومستدعيان بقلب الألف ياء في جميع ذلك ولا نظر إلى أصلها، ثم قال: كذا الذي اليا أصله نحو الفتى ... والجامدُ الذي أُميل كمتى إذا وقعت ألف المقصور ثالثة فلها أربعة أقسام: منقلبة عن الياء نحو: الفتى، ومنقلبة عن واو نحو: العصا، وأصلية وهي: إذا ومتى، والمراد بها: كل ألف في حرف أو شبهه، ومجهولة الأصل نحو: الددا -وهو اللهو- فإن ألفه لا يُدرى هل هي عن ياء أو عن واو؟ لأن الألف في الثلاثي المعرب لا تكون إلا منقلبة عن أحدهما. فأما المنقلبة عن الياء فتنقلب في التثنية ياء ردا إلى أصلها نحو قولك: فتيان، وأما المنقلبة عن الواو فتقلب واوا ردا إلى أصلها أيضا نحو قولك: عصوان. وأما الأصلية والمجهولة ففيها ثلاثة مذاهب: الأول: -وهو المشهور- أن يعتبر حالهما بالإمالة فإن أميلا ثنيا بالياء، نحو: بلى ومتى، فتقول: بليان ومتيان، وإن لم يمالا فبالواو نحو: على، وإذا مسمى بهما علوان وإذوان، وهذا مذهب سيبويه، وبه جزم هنا.
والثاني: أن ألفهما إن أميلت أو قلبت ياء في موضع ما ثنيت بالياء، وإلا فبالواو، وهذا اختيار ابن عصفور، وبه جزم في الكافية. فعلى هذا يثنى على وإلى ولدى بالياء لانقلاب ألفهن ياء مع الضمير، وعلى الأول يثنيان بالواو، والقولان عن الأخفش. والثالث: أن الألف الأصلية والمجهولة يقلبان ياء مطلقا. تنبيهان: الأول: قوله: "جامد" يشمل الألفين، فإن الجامد هنا ما لم يعرف له اشتقاق، وقد عبر بعضهم عن الأصلية بالمجهولة. والثاني: مثل في شرح التسهيل المجهولة بخسا -بمعنى فرد- ولقا بمعنى ملقى لا يعبأ به، ونوزع في المثالين، أما خسا فقال في المخصص يكتب في الألف من خساء مهموزا، وأما لقى فنص ابن جني على أن ألفه عن ياء وهو بمعنى ملقى فهو فعل بمعنى مفعول، والمعنى أنه لخساسته وكونه تافها يلقاه كل أحد فلا يأخذه. وقوله: في غَيْرِ ذا تُقْلَبُ واوا الألِفْ الإشارة إلى الأنواع التي تقلب ألفها ياء وهي ما كانت ألفه رابعة فصاعدا أو ثالثة منقلبة عن ياء أو أصلية أو مجهولة وأميلت، وما عدا ذلك تقلب ألفه واوا، وهو نوعان؛ أحدهما: ما ألفه ثالثة منقلبة عن واو. والآخر: ما ألفه أصلية أو مجهولة ولم تمل، وتقدم تمثيل ذلك. وقوله: وأَوْلِهَا ما كان قَبْلُ قد أُلفْ يعني: من العلامة المذكورة في باب الإعراب، ثم انتقل إلى الممدود فقال: وما كصحراء بواو ثنيا يعني: أن ما كانت همزته للتأنيث فإذا ثني تقلبها واوا فتقول في صحراء صحراوان، وكذلك ما أشبهه. وقوله: ....................... ... ونحو علباء كساء وحياء بواو أو همز............ ... ....................... يعني: أن ما همزته للإلحاق نحو علباء1 أو منقلبة عن أصل نحو كساء وحياء فهمزة كساء عن واو وأصله كساو، وهمزة حياء عن ياء وأصله حياي، فهذان النوعان يجوز في همزتهما وجهان: قلبهما واوا وتصحيحهما، فتقول عن الأول: علباوان وكساوان وحياوان، وعلى الثاني: علباءان وكساءان وحياءان.
فإن قلت: أي الوجهين أجود؟ قلت: ذكر المصنف وفاقا لبعضهم أن قلب التي للإلحاق أولى من تصحيحها والمنقلبة عن أصل بالعكس. ونص سيبويه والأخفش على أن إقرار الهمزة فيهما أحسن إلا أن سيبويه ذكر أن القلب في التي للإلحاق أكثر منه في المنقلبة عن أصل، مع اشتراكهما في القلة، وقوله: .......... وغير ما ذكر ... صحح................ يعني: أن غير ما ذكر من أقسام الممدود تصحح همزته في التثنية، ويعني بذلك ما همزته أصلية نحو: قَرَّاء ووَضَّاء، فإنه لم يبقَ من أقسام الممدود غيره، فتقول فيهما: قراءان ووضاءان1. والحاصل أن الممدود أربعة أقسام؛ لأن همزته إما أصلية أو مبدلة من أصل أو مبدلة من ياء الإلحاق أو مبدلة من ألف التأنيث، وقد عرفت أحكامها. تنبيه: قال الشارح: الممدود على أربعة أضرب؛ لأن همزته إما زائدة وإما أصلية، والزائدة إما للتأنيث نحو حمراء وصحراء وإما للإلحاق كعلباء وقوباء2، والأصلية إما بدل نحو كساء ورداء وحياء، وإما غير بدل نحو قراء ووضاء. انتهى. وفيه تجوُّز؛ لأن الهمزة في حمراء ونحوه ليست زائدة للتأنيث، بل مبدلة من الألف الزائدة للتأنيث عند الجمهور، وكذلك الهمزة في علباء ونحوه إنما هي مبدلة من الياء الزائدة للإلحاق، وتسمية همزة كساء ونحوه أصلية إنما هو باعتبار ما نشأت عنه. وقوله: ........................... ... ..... وما شذ على نقل قُصِرْ يشير به إلى أن الذي يقاس عليه في تثنية المقصور والممدود هو ما سبق ذكره، وما ورد بخلافه فهو شاذ لا يقاس عليه. أما الذي شذ في المقصور فثلاثة أشياء: الأول: قولهم مِذْرَوان -وهما طرفا الألية- وقد يطلقان على جانب الرأس ونحوه، والقياس مِذْرَيان؛ لأن ألفه رابعة، وعلة تصحيحه أنه لم يستعملها مثنى،
قال أبو علي: التالي لا يفرد ألبتة، وحكى أبو عبيد عن أبي عمرو مذري مفردا، وحكي عن أبي عبيدة مذري ومذريان على القياس. والثاني: حذف ألف المقصور خامسة فصاعدا لقولهم: خَوْزَلان وضَغْطَران في خوزلي1 وضغطري -وهو الأحمق- ولا يقاس على ذلك خلافا للكوفيين. والثالث: قوله بعضهم: رضيان في رضى وقياسه رضوان؛ لأنه من ذوات الواو، وقاس الكسائي على ما ندر من ذلك، فأجاز تثنية نحو رضى وعلا من ذوات الواو المكسورة الأول والمضمومة بالياء. وأما الذي شذ في الممدود فخمسة أشياء: الأول: إقرار همزة التأنيث كقولهم: حمراءان. والثاني: قلبها ياء نحو حمرايان. قال المصنف: وكلاهما نادر، انتهى. وحكى النحاس أن الكوفيين أجازوا فيها الإقرار، وحكى غيره أن قلبها ياء لغة فزارة. والثالث: حذف الألف والهمزة من قاصعاء ونحوه، قالوا: قاصعان، وقاس عليه الكوفيون. والرابع: قلب همزة كساء ونحوه ياء، وفي التسهيل: ولا يقاس عليه خلافا للكسائي. انتهى، ونقله أبوزيد لغة عن فزارة. والخامس: قلب الأصلية واوا، قال في التسهيل: وربما قلبت قلبت الأصلية واوا. انتهى. وفي كلام بعضهم ما يقتضي أنه لم يسمع، وقال في شرح التسهيل: والحاصل أن المقيس عليه قلب المبدلة من ألف التأنيث واوا وسلامة الأصلية وإجازة وجهين في الملحقة مع ترجيح القلب، وإجازة وجهين في المبدلة من أصل مع ترجيح السلامة، وما سوى ذلك يحفظ ولا يقاس عليه إلا عند الكسائي، وقد تبين ذلك. واحْذِفْ من المقصورِ في جَمْعٍ عَلَى ... حَدِّ المثنى ما به تَكَمَّلا
الجمع الذي على حد المثنى هو الجمع المذكر السالم، فإذا جمع الاسم هذا الجمع وكان مقصورا حذف لالتقاء الساكنين وأبقيت الفتحة التي كانت قبل الألف لتشعر بالألف المحذوفة، فتقول: جاء الأعلون ورأيت الأعلين، وقد أشار إلى إبقاء الفتحة، وعلة إبقائها بقوله: والفتحَ أبقِ مُشْعِرًا بما حُذِفْ وقد فهم من إطلاقه أنه لا فرق فيما ألفه زائدة وما ألفه غير زائدة، وهذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فنقل عنهم أنهم أجازوا ضم ما قبل الياء مطلقا، ونقله المصنف عنهم في ذي الألف الزائدة نحو حبلى -مسمى به- قال في شرح التسهيل: فإن كان أعجميا نحو عيسى أجازوا فيه الوجهين؛ لاحتمال الزيادة وعدمها. تنبيه: ظاهر كلامه في التسهيل وشرحه أن الكوفيين يجزمون في ذي الألف الزائدة بما ذكر من الضم والكسر، وقال في شرح الكافية: وأجاز الكوفيون ضم ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء في المقصور الذي ألفه زائدة، فظاهره أنهم يجيزون الوجهين، وهو الظاهر من نقل غيره. فإن قلت: لم يذكر هنا حكم غير المقصور إذا جمع على حد المثنى. قلت: قد تقدم أول الباب الاعتذار عن اقتصاره هنا على المقصور والممدود، ولما كان حكم همزة الممدود في جمع التصحيح كحكمها في التثنية لم يعد ذكره في الجمع إحالة على التثنية، وكان ينبغي أن ينبه على أن ياء المنقوص تحذف في الجمع على حد المثنى، ويضم ما قبل الواو ويكسر ما قبل الياء فتقول: "جاء القاضون ورأيت القاضين". والحاصل أن حكم المجموع على حد المثنى في الصحة والتغيير كحكم المثنى إلا المقصور والمنقوص، فإن آخرهما يحذف. ثم انتقل إلى الجمع بالألف والتاء فقال: .................... ... وإِنْ جَمَعْتَهُ بتاءٍ وأَلِفْ فالألفَ اقلِبْ قلبَها في التثنيهْ ... ..........................
الضمير في قوله: "وإن جمعته" للمقصور، ومعنى قوله: "قلبها في التثنية" أنها إن كانت رابعة فصاعدا قلبت ياء، وإن كانت ثالثة فعلى التفصيل المتقدم. فإن قلت: ما حكم الممدود والمنقوص إذا جمعا بالألف والتاء؟ قلت: كحكمهما إذا ثنيا. فالحاصل أن حكم المجموع بالألف والتاء كحكم المثنى مطلقا إلا في حذف تاء التأنيث مما هي فيه، كما سيأتي. فإن قلت: لم ذكر حكم المقصور إذا جمع بالألف والتاء ولم يذكر حكم الممدود وكلاهما موافق للتثنية، فكان حقه أن يترك ذكرهما استغناء بما تقدم في التثنية أو يذكرهما إيضاحا؟ قلت: لما كان حكم الممدود في جمعي التصحيح واحدا لم يذكره استغناء بذكره في التثنية بخلاف المقصور فإنه خالف التثنية في أحد الجمعين ووافقهما في الآخر. وقوله: ....................... ... وتاءَ ذي التا أَلزِمَنَّ تَنْحِيَهْ يعني: أن تاء التأنيث تحذف عند تصحيح ما هي فيه؛ لئلا يجمع بين علامتي التأنيث، ويعامل الاسم بعد حذفها معاملة العاري منها فتقول في مسلمة: مسلمات، وإذا كان قبلها ألف قلبت على حد قلبها في التثنية، فتقول في فتاة: فتيات؛ لأنها عن ياء، وفي قطاة: قطوات؛ لأنها عن واو، وفي معطاة: معطيات؛ لأنها رابعة، وإذا كان قبلها همزة تلي ألفا زائدة صححت إذا كانت أصلية نحو قراءة وقراءات، وجاز فيها القلب والتصحيح إن كانت بدلا من أصل نحو نباءة فيقال: نباءات ونباوات، كما يفعل في التثنية. والسالِمَ العَيْن الثلاثي اسمًا أنِلْ ... إتْباعَ عين فاءَه بما شُكِلْ إنْ ساكن العين مؤنثا بَدَا ... مُختتما بالتاء أو مُجردَا يعني: أن ما جمع بالألف والتاء وحاز الشروط المذكورة في هذين البيتين تتبع عينه فاءه في الحركة، فتفتح إن كانت الفاء مفتوحة وتضم إن كانت الفاء مضمومة وتكسر إن كانت الفاء مكسورة.
والشروط المذكورة خمسة، وأنا أذكرها على ترتيبها: الأول: أن يكون سالم العين، واحترز به من نوعين: أحدهما المشددة نحو جَنة وجِنة وجُنة1 فليس فيه إلا التسكين. والآخر: ما عينه حرف علة، وهو ضربان: ضرب قبل حرف العلة فيه حركة تجانسه نحو تارة ودولة وديمة، فهذا يبقى على حاله، وذكر ابن الخباز في سورة الفتح ونسب إلى الوهم، وفي المصباح: هذيل تقول ديمات -بالفتح- في جميع الباب. وضرب قبل حرف العلة فيه فتحة نحو جَوْزة وبيضة، وهذا فيه لغتان: لغة هذيل الإتباع، ولغة غيرهم الإسكان، وسيأتي ذكره عند إشارة الناظم إليه. الثاني: أن يكون ثلاثيا، واحترز به من الرباعي نحو جيأل -علم للضبع فإنه يبقى على حاله. الثالث: أن يكون اسما، واحترز به من الصفة نحو ضخمة وجِلْفة2 وحلوة، فليس فيها إلا التسكين. الرابع: أن يكون ساكن العين، واحترز به من متحرك العين، نحو شجرة ونِبقة وسمُرة، فإنه لا يغير. الخامس: أن يكون مؤنثا، واحترز به من المذكر نحو بكر، فإنه لا يجمع بالألف والتاء فلا يكون الإتباع المذكور، ولا يشترط أن يكون فيه تاء التأنيث، فلذلك سوى بين المختتم بتاء التأنيث والمجرد منها، فمثال المختتم بالتاء جفنة وسدرة وغرفة، ومثال المجرد منها دعد وهند وجُمْل، فإذا جمعت هذه المثل ونحوها بالألف والتاء تبعت عينها فاءها لجمعها للشروط المذكورة فتقول: جفنات وسدرات وغرفات ودعدات وهندات وجملات. تنبيه: منع الفراء إتباع الكسرة إلا أن يسمع فيحفظ ولا يقاس عليه، وحجته أن فعلات تتضمن فعلا وهو وزن أهمل إلا ما ندر كإبل، ورد بأنه أخف من فعل، فإن تصرف أدى إلى استعماله فلا ينبغي أن يجتنب.
وقوله: وسَكِّنْ التالي غيرَ الفتحِ أوْ ... خفِّفْهُ بالفتح فكُلًّا قد رَوَوْا يعني: أنه يجوز في العين بعد الفاء المضمومة أو المكسورة وجهان مع الإتباع، وهما الإسكان والفتح، فاتضح بذلك أن في نحو سدرة وهند من مكسور الفاء وجمل وغرفة من مضموم الفاء ثلاث لغات: الإتباع والإسكان والفتح. وأما نحو جفنة ودعد فلا يجوز فيه إلا الإتباع، ولا يسكن إلا في الضرورة، وذكر في التسهيل أنه يجوز فيه الإسكان اختيارا لأمرين؛ أحدهما: اعتلال لامه نحو ظبيان، والآخر: شبه الصفة نحو أهل وأهلات، ولم يستثنِ أكثرهم هذين النوعين، والأول حكاه ابن جني عن قوم من العرب، فإذا صح النقل وجب قبوله. تنبيهان: الأول: أشار بقوله: "فكلا قد رووا" إلى ثبوت هذه اللغات نقلا عن العرب خلافا لمن زعم أن الفتح في نحو غرفات إنما هو على أنه جمع غرف، ورُدَّ بأن العدول إلى الفتح تخفيفا أسهل من ادعاء جمع الجمع، ورده السيرافي بقولهم: "ثلاث غُرَفات" -بالفتح. الثاني: مذهب أبي علي والجماعة أن السكون في نحو غرفات تخفيف عن الضم وليس على الأصل، واستدل أبو علي بأن السكون لم يجئ في المفتوح على الأصل إلا نادرا في الشعر فلا يحمل عليه الشائع الكثير، وكذلك الفتح عندهم تخفيفا عن الضم، عدلوا عن الضم إليه، وذهب بعضهم إلى الفتح إتباع لما بعد، وان التسكين تسليم للمجموع، واستدل بقول سيبويه: ومن العرب من يدع العين ساكنة، فهذا دليل على أنه سكون الأصل، وظاهر قوله: "وسكن التالي الفتح أو خففه بالفتح" موافقة أبي علي والجماعة. ومنعوا إِتْباع نحو ذروه ... وزبية................ يعني: أن العرب منعوا إتباع الكسرة فيما لامه واو، وإتباع الضمة فيما لامه ياء؛ لاستثقال الكسرة قبل الواو والضمة قبل الياء، ولا خلاف في ذلك. وقوله:
..................... ... ..... وشذ كسر جروه إشارة إلى قولهم: جِروات -بكسر الراء- حكاه يونس وهو في غاية الشذوذ؛ لما فيه من الكسر قبل الواو. تنبيهات: الأول: قد ظهر بهذا أن لإتباع الكسرة والضمة شرطا آخر غير الشروط السابقة. الثاني: فهم من كلامه جواز الإسكان والفتح في نحو ذِرْوَة وزُبْيَة1؛ إذ لم يتعرض لمنع غير الإتباع. الثالث: فهم أيضا من إطلاقه جواز اللغات الثلاث، في نحو خطوة ولحية، ومنع بعض البصريين الإتباع في نحو لحية؛ لأن فيه توالي الحركات مرتين قبل الياء قال ابن عصفور: كما لم يحفلوا باجتماع ضمتين والواو، كذلك لم يحفلوا باجتماع كسرتين والياء. ونَادِرٌ أو ذو اضطرارٍ غير ما ... قَدَّمْتُه أو لأناس انْتَمَى يعني: أن ما ورد من هذا الباب مخالفا لما تقدم فهو إما نادر، وإما ضرورة، وإما لغة قوم من العرب، فمن النادر قول بعضهم: كَهَلات -بالفتح2- وقياسه الإسكان؛ لأنه صفة، ولا يقاس عليه، خلافا لقطرب، ومنه قول جميع العرب: "عِيَرات" -بكسر العين وفتح الياء- جمع عير وهي الدابة التي يحمل عليها، والعير مؤنث، وذهب المبرد والزجاج إلى أنه "عَيرات" بفتح العين، قال المبرد: جمع عَيْر -وهو الحمار- وقال الزجاج: جمع عير، الذي في الكتف أو القدم3 وهو مؤنث، ومنه جروات كما تقدم.
ومن الضرورة قوله1: فتستريح النفسُ من زَفْراتِهَا وقياسه الفتح. ومن المنتمي إلى قوم من العرب فتح العين المعتلة بعد الفاء المفتوحة نحو: جوْزة وبيضة، فإنها لغة هذيل. قال شاعرهم2:
أخو بيضات رائح متأوب وبلغتهم قرئ: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} 1، ومنه إسكان العين في نحو ظبية؛ لاعتلال لامه كما تقدم. والله أعلم.
جمع التكسير
جمع التكسير: وهو الاسم الدال على أكثر من اثنين بتغيير ظاهر أو مقدر. وقسَّم المصنف التغيير إلى ستة أقسام؛ لأنه إما بزيادة نحو صِنْو وصنون1، أو بنقص كتخمة وتُخَم، أو تبديل شكل نحو أَسَد وأُسْد، أو بزيادة وتبديل شكل نحو رجل ورجال، أو بنقص وتبديل شكل نحو قضيب وقُضُب، أو بهن كغلام وغلمان. واعترض بأنه لا تحرير فيه؛ لأن صنوان من زيادة وتبديل شكل، وتخم من نقص وتبديل شكل؛ لأن الحركات التي في الجمع غير الحركات التي في المفرد. والتغيير المقدر في نحو فُلْك ودِلاص وهِجَان وشِمال للخِلْقة2 قيل: ولم يرد غير هذه الأربعة. قلت: وليس كذلك، بل ذكر في شرح الكافية من ذلك قولهم: "رجل عِفْتَان" -وهو القوي الجافي- "ورجال عفتان"، وحكى ابن سيده "ناقة كِنَاز" و"نوق كناز"3 فتكون منها، ومذهب سيبويه أن فلكا وبابه جمع تكسير، فيقدر في ذلك زوال حركات المفرد وتبدلها بحركات مشعرة بالجمع، ففلك إذا كان مفردا كقُفْل، وإذا كان جمعا كبُدْن، وكذلك تقول في سائرها، ودعانا إلى ذلك أنهم قالوا في تثنيته فلكان، فعلم أنهم لم يقصدوا به ما قصدوا بجُنُب ونحوه مما اشترك فيه الواحد وغيره، حين قالوا: هذا جنب، وهذان جنب، وهؤلاء جُنُب، فالفارق عنده بين ما يقدر تغييره وما لا يقدر تغييره وجود التثنية وعدمها، وقال المصنف في باب أمثلة الجمع من التسهيل: والأصح كونه -يعني باب فلك- اسم جمع مستغنيا عن تقدير التغيير. فإن قلت: يرد على حد جمع التكسير نحو: "جَفَنات، ومُصْطفيْن" فإن واحده قد تغير للجمع.
قلت: ليست الجمعية مستفادة من فتح فاء جفنات وحذف ألف مصطفى، فإن تقدير السلامة فيها لا يخل بالجمعية. وجمع التكسير على ضربين: ضرب للقلة، وضرب للكثرة. فمدلول جمع القلة بطريق الحقيقة من ثلاثة إلى عشرة، ومدلول جمع الكثرة بطريق الحقيقة ما فوق العشرة إلى ما لا نهاية له، وبدأ بأبنية القلة فقال: أَفْعِلَةٌ أفَعُلُ ثم فِعْلَهْ ... ثُمَّت أفعالٌ جموعُ قِلَّهْ أمثلتها على الترتيب: أرغفة، أبحر، فتية، أجمال. وقد فهم من هذا أن ما بقي من أبنية جمع التكسير فهو للكثرة، وليس من أبنية القلة فُعَل نحو ظُلَم، ولا فِعَل نحو نِعَم، ولا فِعَلة نحو قِرَدة خلافا للفراء، ولا فَعَلة نحو بَرَرة، خلافا لبعضهم، نقله عنه ابن الدهان، ولا أفعِلاء نحو أصدقاء خلافا لأبي زيد الأنصاري، نقله عنه أبو زكريا التبريزي، والصحيح أن هذه كلها من جموع الكثرة. تنبيهات: الأول: ذهب ابن السراج إلى أن فِعْلة اسم جمع، لا جمع تكسير، وشبهته أنه لم يطرد. الثاني: يشارك أفعلة وأخواته في الدلالة على القلة جمع التصحيح للمذكر والمؤنث، ونقل ابن إياز عن ابن خروف: أنه قال في شرح الجمل: هو مشترك بينهما؛ وذلك لأنه مستعمل فيهما، والأصل الحقيقة، قال ابن إياز: واستضعفه بعض الأشياخ؛ لأن اللفظ إذا دار بين المجاز والاشتراك كان المجاز راجحا. الثالث: إذا قُرِنَ جمع القلة بأل التي للاستغراق، أو أضيف إلى ما يدل على الكثرة انصرف بذلك إلى الكثرة كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} 1 وقد جمع الأمرين قول حسان2:
لنا الْجَفناتُ الغر يَلْمعنَ في الضحى ... وأسيافنا يقْطُرن من نَجْدَة دمَا وبعضُ ذي بكَثْرة وَضْعا يَفِي ... كأرْجُل والعكس جاء كالصُّفِي قد يستغنى بوضع مثال القلة عن مثال الكثرة، كقوله في رِجْل: أرجُل، ولم يجمعوه على مثال كثرة، ونظيره عُنُق وأعناق، وفؤاد وأفئدة. وقد يستغنى بوضع مثال الكثرة عن مثال القلة كقولهم في صَفَاة صُفِي1 ولم يجمعوه على مثال القلة، ونظيره قَلْب وقلوب ورجُل ورجال. وقد يستغنى بأحدهما عن الآخر في الاستعمال لقرينة مجازا نحو: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2. واعلم أن للكلام على جمع التكسير طريقتين: الأولى: وهي طريق سيبويه وأكثر النحويين، أن يتكلم على بنية المفرد فيقال مثلا فَعْل يجمع في القلة على كذا وفي الكثرة على كذا. والثانية: وهي طريق المصنف أن يتكلم على بنية الجمع فيقول مثلا أفعل يطرد في كذا ويحفظ في كذا. ولما شرع في التفصيل على هذه الطريقة قال: لفِعْلٍ اسمًا صَحَّ عينًا أفعُلُ ... وللرباعي اسما أيضا يُجعَلُ
يعني أن أفعُلا أحد جموع القلة يطرد في نوعين من المفردات: الأول: ما كان على فَعْل بشرطين؛ أحدهما: أن يكون اسما، وأن يكون صحيح العين. فشمل نحو: فَلْس وكَف ودَلْو وظَبْي ووَجْه، فتقول في هذه: أفْلُس وأَكف وأَدْل وأظب1 وأوجه. واحترز بقوله: "اسما" من الصفة، فلا يجمع على أَفْعُل، وندر أعبد في عبد؛ لأنه صفة، وسهله غلبة الاسمية. واحترز بقوله: "صح عينا" من معتل العين، فلا يجمع على أفعل إلا نادرا كقولهم: أعين وأثوب. والثاني: ما كان رباعيا، بأربعة شروط: أن يكون اسما، وأن يكون بمدة ثالثة، وأن يكون مؤنثا، وأن يكون بلا علامة نحو: "عَنَاق"2 وذرِاع، وعُقاب، ويمين، فتقول فيها: أعنُق، وأذرُع، وأعقُب، وأيمُن. فإن كان صفة نحو شجاع، أو بلا مدة نحو خِنْصَر، أو مذكرا نحو حمار، أو بعلامة التأنيث نحو سحابة لم يجمع على أفعُل، وندر من المذكر طِحَال وأطحُل، وغُراب وأغرُب، وعَتَاد وأعتُد، ونحوها. وقد أشار إلى هذه الشروط بقوله: إِنْ كان كالعنَاقِ والذِّراعِ في ... مدٍّ وتأنيثٍ وعَدِّ الأحرُفِ تنبيهات: الأول: فهم من تمثيله أن حركة الأول لا يشترط كونها فتحة أو غيرها لتمثيله بالمفتوح والمكسور.
الثاني: فهم من إطلاقه "في مد" أن الألف وغيرها من أحرف المد في ذلك سواء. الثالث: فائدة قوله: "وعد الأحرف" التنبيه على الشرط الرابع -وهو التعري من العلامة- ولولا التنبيه على هذا لم يكن له فائدة؛ لأنه صرح أولا بالرباعي. وغيرُ ما أفعُلُ فيه مطَّرِدْ ... من الثلاثي اسمًا بأفعالٍ يَرِدْ يعني: أن أفعالا يطرد في جمع اسم ثلاثي لم يطرد فيه أفعُل، وهو فَعْل الصحيح العين، فاندرج في ذلك فَعْل المعتل نحو ثوب وسيف، وغير فَعْل من أوزان الثلاثي، وهي فِعْل نحو حزب وأحزاب، وفُعْل نحو صُلْب وأصلاب1، وفَعَل نحو جَمَل وأجمال، وفَعِل نحو وعل وأوعال2، وفَعُل نحو عضد وأعضاد، وفُعُل عنق وأعناق، وفُعَل نحو رطب وأرطاب، وفِعِل نحو إبل وآبال، وفِعَل نحو ضِلَع وأضلاع. وأما فَعْل الصحيح العين، وهو الذي يطرد فيه أفعل، فلا يجمع على أفعال إلا نادرا نحو: فَرْخ وأفراخ، وزَنْد وأزناد3، وسمع من ذلك شيء كثير، حتى لو قيل: ذهب ذاهب إلى اقتباسه، لذهب مذهبا حسنا، وذهب الفراء إلى أنه ينقاس فيما فاؤه واو نحو وهم وأوهام، أو همزة نحو ألف وآلاف ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس فيهما ولا في غيرهما. وذكر في شرح الكافية أن أفعالا أكثر من أفعُل في فَعْل الذي فاؤه واو نحو: وقت وأوقات ووهم وأوهام، والمضاعف نحو: عم وأعمام وجد وأجداد، وذكر أن جمع الذي فاؤه واو على أفعل شاذ نحو: وجه وأوجه، وأن المضاعف لم يسمع فيه أفعل إلا نادرا. قلت: وهذا يؤيد مذهب الفراء فيما فاؤه واو، بل يقتضي ألا يكون أفعل مطردا في هذين النوعين، وقد صرح في التسهيل بمخالفة الفراء. وغالبًا أغناهُمُ فِعْلانُ ... في فُعَل كقولهم صِرْدَانُ
يعني: أن الغالب في فُعَل أن يجمع على فِعْلان -بكسر الفاء- كقولهم في صُرَد: صِرْدان، وفي نُغَز: نِغْزان1، وقد جاء بعضه على أفعال نحو: رطب وأرطاب، وإليه أشار بقوله: "غالبا"، ونص في التسهيل على أن أفعالا فيه نادر. قلت: فلا ينبغي أن يمثل به فيما يطرد فيه أفعال. في اسمٍ مذكرٍ رباعيٍّ بِمَدّ ... ثالثٍ أفعِلَةُ عنهُمُ اطَّرَدْ يعني: أن أفعلة يطرد في جمع اسم مذكر رباعي بمدة ثالثة نحو: طعام وأطعمة، ورغيف وأرغفة، وعمود وأعمدة، وقال المهاباذي2: وربما شذ شيء من هذا فلم يستعملوا فيه أفعلة قالوا: كتاب وكتب، ولم يقولوا: أكتبة. واحترز بالاسم من الصفة وبالمذكر من المؤنث، وبالرباعي من الثلاثي، وبالمدة الثالثة من العاري عنه، فلا يجمع شيء من ذلك على أفعلة، إلا ما ندر من قولهم: شحيح وأشِحَّة -وهو صفة- وعقاب وأعقبة -وهو مؤنث، وإنما قياسه أفعل- وقدح وأقدحة -وهو ثلاثي- وجائز وأجوزة -وليست مدته ثالثة- والجائز: الخشبة الممتدة في أعلى السقف. والزَمْهُ في فَعَالٍ أو فِعَالِ ... مُصَاحِبي تضعيف أو إعلالِ يعني: أن أفعل ملتزم في جمع فَعال -بفتح الفاء- وفِعال -بكسرها- مضاعفين نحو: بتات3 وأبتة، وزمام وأزمة، أو معتل اللام نحو: قَباء وأقبية، وإناء وآنية، فإن قلت قد شذ قولهم: عِنَان وعُنُن، وحَجَاج وحُجُج4، وقالوا في جمع سماء بمعنى المطر: سُمِيّ، والقياس: أسمية، وهو مسموع أيضا، فكان ينبغي أن يقول: "والزمه في غير شذوذ".
قلت: وقد أشار إلى ذلك بعد بقوله: ما لم يُضاعَفْ في الأعم ذو الألف وسيأتي. فُعْلٌ لنحو أحْمَر وحَمْرَا من أمثلة جمع الكثرة فُعْل، وهو مطرد في أفل فعلاء، صفتين متقابلتين نحو أحمر وحمراء فتقول فيهما: حمر. ومنفردين لمانع في الخلقة، نحو رجل أكمر -للعظيم الكمرة1- وامرأة عفلاء2 فتقول فيهما: كُمْر وعُفْل، فإن كانا منفردين لمانع في الاستعمال خاصة نحو: رجل آلى3 وامرأة عجزاء4 ولم يقولوا: رجل أعجز ولا امرأة ألياء في أشهر اللغات؛ ففي اطراد فُعْل في هذا النوع خلاف. ونص في شرح الكافية على اطراده، وتبعه الشارح، ونص في التسهيل على أن فُعْلا فيه محفوظ. فإن قلت: فما المفهوم من كلامه هنا؟ قلت: موافقة شرح الكافية؛ لأنه أحال على التمثيل بأحمر وحمراء، فكل ما شابهه في الوزن والوصف جمع جمعها، وإن خص كلامه بالمتقابلين لخصوصية المثال لم يستقم لخروج المنفردين لمانع، فتعين التعميم. تنبيهان: الأول: يجب كسر فاء هذا الجمع فيما عينه ياء نحو بيض؛ لما سيذكر في التصريف. الثاني: يجوز في الضرورة ضم عين هذا الجمع بثلاثة شروط: صحة عينه، وصحة كلامه، وعدم التضعيف، كقوله5: ............................ ... وأنكرَتْنِي ذواتُ الأعين النُّجُلِ
وهو كثير، فإن اعتلت عينه نحو بيض وسود، أو لامه نحو عُمْي وعُشْو، أو كان مضاعفا نحو غُر جمع أغَرّ، لم يجز الضم. ..................... ... وفَعْلَةٌ جمعًا بنقلٍ يُدْرَى هذا هو رابع جمع القلة، ولم يطرد في شيء من الأبنية، بل هو محفوظ في ستة أوزان: فَعيل نحو صبي وصبية، وفَعَل نحو فتى وفتية، وفَعْل نحو شيخ وشيخة، وفُعَال نحو غلام وغلمة، وفَعَال نحو غزال وغزلة، وفِعَل نحو ثِنَى وثنية على وزن عِدَى حكاه الفارسي، والثِّنى: هو الثاني في السيادة. فإن قلت: فما فائدة قوله: "وفعلة جمعا" وقد علم بذكره أولا أنه جمع؟ قلت: التعريض بقول ابن السراج؛ ولذلك لم يقل مثل هذا في غيره من جموع القلة؛ "إذ لا خلاف فيها"1. تنبيه: لو قدم قوله: "وفعلة جمعا بنقل يدرَى" على قوله: "فعل لنحو أحمر وحمرا" لتوالت جموع القلة. وفَعُلٌ لاسم رُباعي بمد ... قد زِيدَ قبل لامٍ اعلالا فَقَدْ ما لم يُضاعَفْ في الأعم ذُو الأَلِفْ ... ............................... من أمثلة جمع الكثرة فعل، وهو مطرد في اسم رباعي بمد قبل لامه صحيح اللام، فإن كانت مدته ياء أو واوا ولم يشترط فيه غير ذلك نحو: قضيب وقُضُب، وعمود وعُمُد. فإن كانت ألفا اشترط فيه مع ذلك ألا يكون مضاعفا نحو: قَزَال وقُذُل2 وحِمَار وحُمُر.
واحترز بالاسم من الصفة فإنها لا تجمع على فُعُل، وشذ في وصف على فَعال نحو: صَناع وصُنَع، وفِعال نحو: ناقة كِنَاز ونوق كُنُز، وذهب بعضهم إلى أنه قياس فيهما وبالرباعي من غيره، وشذ نحو: رهن ورهن ونَمِر ونُمُر، قال1: فيها عيَايِيلُ أُسُودٍ ونُمُرْ وقيل: يجوز أن يكون قصره من نمور ضرورة. وبالمد من العاري منها، وبصحة اللام من المعتلها نحو سقاء، فإنه لا يجمع على فُعُل، وسبب ذلك أنه لو جمع عليه لأدى إلى قلب الياء واوا فيصير إلى سُقُو، وقياسه حينئذ قلب الواو ياء والضمة كسرة فيصير إلى سُقِي، وهو بناء تنكبته العرب، وبعدم التضعيف في ذي الألف عن نحو: بتَات وزِمام، فإن قياسه أفعلة، وأشار بقوله: في الأعم، إلى شذوذ قولهم: عِنان وعُنُن وحِجاج وحُجُج، وفهم من تخصيص ذلك بذي الألف أن المضاعف من ذي الياء نحو سرير، وذي الواو نحو ذلول، يجمع على فعل نحو: سرير وسرر وذلول وذُلُل. تنبيهات: الأول: لا فرق في الاسم الرباعي الجامع للشروط بين أن يكون مذكرا كما مُثِّلَ، أو مؤنثا نحو: أتان وأُتن، وقَلوص وقُلص2، فكلاهما يطرد فيه فُعُل.
الثاني: ما مدته ألف ثلاثة أقسام: مفتوح الأول، ومكسوره، ومضمومه. أما الأول والثاني ففُعُل فيهما مطرد، وتقدم تمثيلهما، وأما الثالث فظاهر إطلاقه هنا اطراد فُعُل فيه، وصرح بذلك في شرح الكافية، فإنه مثل بقُراد وقُرُد، وكُراع وكُرُع في المطرد، وتبعه الشارح، وذكر في التسهيل أن فُعُلا نادر في فُعَال وهو الصحيح؛ فلا يقال في غراب: غُرُب، ولا في عُقاب: عُقُب. وإذا قلنا باطراده فيشترط ألا يكون مضاعفا كما شرط ذلك في أخويه. الثالث: يجب في غير الضرورة تسكين عين هذا الجمع إن كانت واوا نحو: سِوار وسور، ومن ضمها في الضرورة قوله1: أغَرُّ الثنايا أحم اللِّثَاتِ ... يحسِّنُها سُوُكُ الإِسْحِلِ قال الفراء: وربما قالوا: عون كرسل، فعلوا ذلك فرقا بين العوان والعانة، أي: بين جمعهما، والبصريون لا يجيزون ضم هذه الواو إلا في الشعر، ويجوز تسكين عينه إن لم تكن واوا نحو: قُذْل وحُمْر في قذل وحمر، وإن كانت ياء كسرت الفاء عند التسكين فتقول في سيال: سُيُل وسيل2، فإن كان مضاعفا لم يجز تسكينه، لما يؤدي إليه من إدغام، وندر قولهم: ذُباب وذُبُّ، والأصل: ذُبُب. الرابع: اطرد عند تميم وبعض كلب فتح عين فعل المضاف تخفيفا فقيل في الاسم فقط، فلا يصح في ثياب جدد إلا الضم، وقيل: مطلقا في الاسم
والصفة، وإلى الأول ذهب ابن قتيبة وغيره من أئمة اللغة، واختاره ابن الصائغ، وإلى الثاني ذهب أبو الفتح والشلوبين. الخامس: ذكر في الكافية والتسهيل أن فُعُلا طرد في نوعين: أحدهما المتقدم، والآخر فُعُول بمعنى فاعل نحو: صبور وصُبُر، فإن كان بمعنى مفعول لم يجمع على فُعُل نحو رَكوب، ولم يذكره هنا، فأوهم أنه غير مقيس، وليس كذلك. ..................... ... وفُعَلٌ جمعا لفُعلة عُرِف ونحوِ كُبرى.......... ... ...................... من أمثلة جمع الكثرة فُعل، ويطرد في نوعين: الأول: فُعْلة - اسما نحو: غُرفة وغُرَف، فإن كانت صفة نحو ضُحكة1 لم يجمع على فُعَل. الثاني: الفُعْلَى - أنثى الأفعل نحو: الكُبَرى والكبر، فإن لم تكن أنثى الأفعل نحو بُهمَى ورُجعَى لم يجمع على فُعَل. تنبيهات: الأول: قوله: "ونحو" بالجر معطوف على فاعله، أي ولنحو. الثاني: فهم من تمثيله بكبرى أن مراده أنثى الأفعل، احترازا من غيرها كما سبق. الثالث: أخل هنا باشتراط الاسمية من فُعْلة، وهو شرط كما تقدم فلو قال: "فُعَل لفُعلة اسما عرف" لأجاد. الرابع: اقتصر هنا وفي الكافية على هذين النوعين، أعني فعلة اسما والفُعلَى أثنى الأفعل، وقال في شرح الكافية بعد ذكرهما: وشذ فيما سوى ذلك، يعني فُعَلا، وزاد في التسهيل نوعا ثالثا وهو فُعُلَة اسما نحو: جُمُعة وجُمَع، فإن
كان صفة نحو امرأة شُلُلة -وهي السريعة- لم يجمع على فُعَل. وتقدم رابع يطرد فيه فُعَل عند بعض تميم وكلب. الخامس: اختلف في ثلاثة أنواع أخر؛ الأول: فُعْلى مصدرا نحو رُجْعى، والثاني: فَعْلة -بفتح الفاء- فيما ثانيه واو ساكنة نحو جَوْزَة، فقاسه الفراء في هذين النوعين فتقول: رُجَع وجُوَز كما قالوا في رؤيا ونوبة: رُؤًى ونُوَب. وغيره يجعل رُؤًى ونوب مما يحفظ ولا يقاس عليه. والثالث: فُعْل مؤنثا بغير تاء نحو جُمْل، فهذا يجمع على فُعَل قياسا عند المبرد، وغيره يقصره إن جاء على السماع. وقوله في الكافية: وجُمْل مثل بُرُمة في فُعَل - يقتضي موافقة المبرد. ............... ولفِعلَةٍ فعَلْ ... .......................... من أمثلة جمع الكثرة فِعْلٌ، وهو مطرد في فعلة، قال في التسهيل: اسما تاما، نحو فرقة وفرق، واحترز بالاسم من الصفة كقولهم: صِغرَة وكِبرَة وعِجزَة في ألفاظ ذكرت في المخصص، وذكر أنها تكون هكذا للمفرد وللمثنى والمجموع، وبالتام من نحو رِقَة فإن أصله ورق، لكن حذفت فاؤه. فإن قلت: فقد أخل هنا بالشرطين. قلت: أما اشتراط الاسمية فإنه أخل به في فعلة كما أخل به في فعلة، ولو قال: لفعلة اسما، وجاء بعضه على فعل لأوضح. وأما الثاني: فقد أجاب عنه بأن نحو رقة بعد الحذف لم يبقَ على وزن فعلة، وإنما ذلك باعتبار أصله. فإن قلت: قد زعم بعض النحويين أن فعلة لم يجئ صفة فلعله إنما لم يعتد بالاسمية بناء على هذا كما تقدم. قلت: تقييده بالاسمية في التسهيل يرد ذلك، وأيضا فقد ثبت ورود فعله صفة "فليس نفيه بصحيح"1. فإن قلت: ما حكم فُعلة -بضم الفاء- إذا حذفت فاؤه؟
قلت: لم يشترط في التسهيل التمام إلا في فِعلة -بكسر الفاء- والقياس يقتضي تساويهما، فلعله إنما لم يذكر ذلك في فعلة -بضم الفاء- لأنه قليل جدا قالوا: في وصله صلة. تنبيه: قاس الفراء فِعَلا في فِعْلى اسما نحو: ذكرى وذِكَر، وفَعْلة يائي العين نحو: ضيعة وضِيَع، كما قاس فُعَلا في نحو: رُؤْيا ونَوْبة، وقاسه الفراء في نحو هند، كما قاس فُعَلا نحو جُمْل، ومذهب الجمهور أنه إن ورد لم يقس عليه هذه الأنواع، وقوله في الكافية: وهند مثل كِسْرةٍ في فِعَل. يقتضي موافقة المبرد كما في نحو جمل "وقد يجيء جمعه على فُعَل" يعني أن فِعلة -بكسر الفاء- قد تجمع على فعل كقولهم: حِلية وحُلى، ولِحية ولِحى، وهو شاذ، وقال بعضهم: حِلى ولِحى -بالكسر- على القياس. تنبيه: كما ناب فُعَل عن فِعَل في حلية ولحية ناب فِعَل عن فُعَل في صورة وقوة قالوا: صِوَر وقِوى، بكسر أولهما شذوذا. في نحو رامٍ ذُو اطراد فُعَلَه من أمثلة جمع الكثير فُعلة -بضم الفاء- وهو مطرد في فاعل وصفا لمذكر عاقل معتل اللام نحو: رام ورُماة وقاض وقُضاة، وإلى هذه الشروط بقوله في التمثيل برام، فاحترز بفاعل من وصف على غير فاعل، وبالصفة من نحو واد، وبالمذكر من نحو رامية، وبالعاقل من نحو أسد ضارٍ1، وبالمعتل من نحو ضارب، فلا يجمع شيء من ذلك على فُعَلة، وشذ في صفة على غير فاعل نحو كمي وكماة، وفي فاعل اسما نحو بازٍ وبُزاة، وفيه شذوذ من وجه آخر؛ لأنه غير عاقل، وفي وصف على فاعل صحيح اللام قالوا: هادر وهُدَرَة -بالدال المهملة- وهو الرجل الذي لا يعتد به.
تنبيه: اختلف النحويون في وزن رماة ونحوه، فذهب الجمهور إلى أنه فعلة، وهو مما انفرد به المعتل إلا ما ندر، أعني هدرة، وذهب الفراء إلى أن وزنه فعّل نحو شاهد وشهد بدليل مجيء بعض ذلك كقولهم: غُزّى جمع غاز والهاء فيه عوض من ذهاب التضعيف، وذهب بعضهم إلى أن وزنه فعلة -بالفتح- نحو حملة، وضمت فاؤه فرقا بين الصحيح والمعتل. ....................... ... وشاعَ نحوُ كاملٍ وكَمَلَهْ ومن أمثلة جمع الكثرة فعلة -بفتح الفاء- وهو مطرد في فاعل وصفا لمذكر عاقل صحيح اللام نحو: كامِل وكَمَلة وبارّ وبَرَرَة، وأشار بالمثل أيضا إلى الشروط. واحترز من غير فاعل ومن فاعل اسما أو مؤنثا أو غير عاقل أو معتل اللام، ولا يجمع شيء من ذلك على فعلة باطراد، وشذ في غير فاعل نحو: سيِّد وسادَة، وقل في غير العاقل نحو: ناعق ونَعَقَة -وهي الغربان. تنبيه: لو قال كذاك نحو: كامل وكملة، لكان أنصّ؛ لأن الشياع لا يلزم منه الاطراد. فَعْلَى لوصفٍ كقتيلٍ وزَمِنْ ... وهالك ومَيِّت به قَمِنْ من أمثلة جمع الكثرة فَعْلَى، وهو مطرد في وصف على فَعِيل بمعنى مفعول دال على هلك أو توجع، قال في شرح الكافية: أو تشتت نحو: قتيل وقتلى وجريح وجرحى وأسير وأسرى، ويُحمَل عليه ما أشبه في المعنى من فَعِل كزَمِن وزَمْنَى، وفاعل كهالك وهلكى، وفَيْعل كميت وموتى، وزاد في الكافية والتسهيل فعيل بمعنى فاعل كمريض ومَرْضى، وأَفْعَل كأحمق وحَمْقى، وفَعْلان كسكران وسَكْرَى، قال: وبه قرأ حمزة والكسائي: "وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى"1 قال: وما سوى ذلك محفوظ، كقولهم: كيس وكيسى، فإنه ليس فيه ذلك المعنى. لفعلٍ اسما صَحَّ لامًا فِعَلَهْ ... والوضعُ في فَعْلِ وفِعْلٍ قَلَّلهْ
من أمثلة جمع الكثرة فَعِلة، وهو لاسم صحيح اللام على فُعْل نحو: دُرْج ودِرَجة1 وكُوز وكِوزة، ودُب ودِبَبة، وعلى فعْل وفِعْل قليلا، فالأول نحو: غَرْد وغِردَة2 وزَوْج وزِوَجة، والثاني قِرْد وقِرَدة وحِسْل وحِسَلة وهو الضب، وهو محفوظ في هذين كما يحفظ في غيرهما نحو هادِر وهِدَرة. واحترز بالاسم من الصفة، وبالصحيح اللام من المعتل نحوى مدى وظبى ونِحْي3 فإنه لا يجمع شيء من ذلك على فِعَلة، وندر في عِلْج عِلَجَة4 لأنه صفة. وفُعَّلٌ لفاعل وفاعِلَهْ ... وصفَيْنِ نحوُ عاذِلٍ وعاذِلَهْ من أمثلة جمع الكثرة فُعَّل، وهو مطرد في وصف صحيح اللام على فاعل وفاعلة نحو: عاذل وعذل، وعاذلة وعذل، واحترز بالوصفين من الاسمين نحو: حاجب العين، وجائزة البيت، ولا يجمعان على فعل. من أمثلة جمع الكثرة فُعَّال وهو مثل فُعَّل في المذكر خاصة، أي: يطرد في وصف صحيح اللام على فاعل نحو: عاذل وعُذَّال، وندر في المؤنث كقوله5:
أبصارُهن إلى الشبان مائلةٌ ... وقد أراهُن عني غير صُدَّادِ وتأوله بعضهم على أن صداد في البيت جمع صاد، وجعل الضمير للأبصار؛ لأنه يقال: بصر صادّ، كما يقال: بصر حادّ. تنبيه: قال بعض النحويين: ينظر ما سمع من فعل وفعال في فاعل المذكور فيتبع فإن لم يسمع جمع تصحيحا، فإن فقد شروط التصحيح جمعت بأيهما شئت، وهذا خلاف المفهوم من كلام المصنف. وقوله: "وذان" الإشارة إلى فُعَّل وفُعَّال، يعني: أنهما ندرا في جمع فاعل المعتل اللام نحو: غاز وغُزَّى، فعلم أن شرط اطرادهما صحة اللام. فَعْلٌ وفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا ... وقَلَّ فيما عينُه اليَا مِنْهُمَا من أمثلة جمع الكثرة فِعَال، وهو مطرد في فعل وفعلة اسمين أو وصفين نحو: كعب وكعاب، وصعب وصعاب، وقصعة وقصاع، وخَدْلة وخدال1، بشرط ألا تكون عينهما ياء، فهم ذلك من قوله: "وقل فيما عينه اليا منهما". ومن القليل: ضيف وضِياف. تنبيه: بقي شرط آخر وهو ألا يكون فاؤهما ياء، وندر قولهم: يِعار جمع يَعْر -وهو الجدي- وقد ذكر هذا في غير هذا الكتاب. وفَعَلٌ أيضا له فِعَالُ ... ما لم يكن في لامه اعتلالُ يعني: أن فعال أيضا يطرد في فَعَل نحو: جبل وجبال بثلاثة شروط:
الأول: ألا تكون لامه معتلة، احترازا من نحو فتى. والثاني: ألا يكون مضعفا، احترازا من نحو طلل. والثالث: أن يكون اسما لا صفة، ونص على الثاني بقوله: "أو يك مضعفا" وأما الثالث فقد ذكره في التسهيل "ومثل فَعَل ذو التا" يعني: أن فَعلة يجمع على فعال باطراد كفعل نحو: رقبة ورقاب، ويشترط فيه ما اشترط في فعل. والله أعلم. وقوله: "وفِعْلٌ مع فُعْل فاقبل" يعني: أن فعالا يطرد فيها أيضا نحو: قِدْح وقِدَاح ورُمْح ورِمَاح. تنبيه: يشترط في هذين الوزنين أن يكونا اسمين احترازا من نحو: جِلْف وجلوف1. ويشترط في ثانيهما ألا يكون واوي العين كحوت، ولا يائي اللام كمُدْي2. وفي فَعِيلٍ وَصْفَ فاعلٍ وَرَدْ ... كذاك في أُنْثَاهُ أيضا اطَّرَدْ يطرد فعال أيضا في فعيل بمعنى فاعل وفعيلة مؤنثة نحو ظريف وظريفة يجمعان على ظراف. واحترز من فعيل بمعنى مفعول ومؤنثه نحو: جريح وجريحة، فلا يقال فيهما: جِراح. تنبيهات: الأول: يشترط في فعيل بمعنى فاعل وأنثاه أن يكونا صحيحي اللام، ذكره في التسهيل. الثاني: زعم العبدي3 أن فعالا يختص بجمع فعيلة المؤنث وهو خطأ، بل يشترط فيه المذكر والمؤنث.
الثالث: قد اتضح بما تقدم أن فعالا مطرد في ثمانية أوزان: فَعْل، وفَعْلة، وفَعَل، وفَعَلَة، وفِعْل، وفُعْل، وفَعِيل، وفَعِيلة - بالشروط المذكورة. وشاع في وصف على فَعْلانا ... أو أنثييه................... أي: كثر فِعال في وصف على فَعلان نحو: غضبان وغِضاب، وندمان ونِدام، أو على فعلى نحو: غضبى وغِضاب أيضا، أو على فعلانة نحو: ندمانة ونِدام، وهما أنثيا فعلان؛ لأن مؤنثه يكون على فعلى وفعلانة، وقوله: "أو على فعلانا" -بضم الفاء- نحو: خُمصان وخِماص1، وكذلك فعلانة أنثاء نحو: خُمصانة وخِماص أيضا، وإليها أشار بقوله: ........................ ... .......... أو على فعلانا فهذه خمسة أوزان: فَعْلان، وفَعْلى، وفَعْلانة، وفُعْلان وفعلانة - كثر فيها فعال. فإن قلت: فهل يطرد فيها؟ قلت: صرح في شرح الكافية بعدم الاطراد فيها فقال: وشاع دون اطراد، وظاهر التسهيل اطراده، وقوله: ومثلُه فُعلانة والزمْه في ... نحو طويل وطويلة تَفِي أي: التزم فعالا فيما عينه واو ولامه صحيحة من فعيل بمعنى فاعل وفعيلة أنثاه نحو طويل وطويلة، فنقول فيهما: طوال، ولم تجاوزه فيهما إلا إلى التصحيح2. وبفُعُول فَعِل نحو كَبِدْ ... يُخَصُّ غالبا........ من أمثلة الكثرة فُعُول، وهو مطرد في اسم على فَعِل نحو: كبد وكُبُود ونمر ونُمُور، ولم يجاوزوا فُعُولا في جمع فعل إلى غيره من جموع الكثرة غالبا، وإلى هذا أشار بقوله: "يخص غالبا". وأشار بقوله: "غالبا" إلى أنه قد يجمع على غير فُعُول نادرا، نحو: نَمِر ونُمُر،
ولم يجمع فعل على فعال استغناء بفعول، وقال الشارح: ولا يكادون يجاوزون في الكثرة جمع فعل على فعول إلى جمعه على فعال، فإن جاء منه شيء عد نادرا، فيه نظر؛ لأن تخصيصه بقوله إلى فعال يقتضي أنهم قد يجاوزونه إلى غير فعال، وكلام الناظم يقتضي أنهم لم يجاوزوه، غالبا لا إلى فعال ولا إلى غيره، وقوله: "وإن جاء منه بشيء"، يقتضي أنه لم يقف على شيء منه، وقد سمع نمار في نمر، وأشار إليه في التسهيل. .......................... ... .............. كذاك يطرد في فَعْل اسما مطلق الفا..... ... ......................... يعني: أن فُعُولا أيضا يطرد في فَعْل -بفتح الفاء- نحو: كعب وكعوب، وكسرها نحو: حِمل وحمول، وضمها نحو: جُند وجنود، بشرط أن يكون اسما، فإن كانت أوصافا نحو: صعب وجِلْف وحُلو، لم يجمع على فعول، إلا ما شذ كضيف وضُيُوف. تنبيهات: الأول: اطراد فُعول في فَعْل مشروط بألا تكون عينه واوا كحوض وشذ فُووج في فَوْج، ومشروط في فُعْل بألا تكون عينه واوا أيضا كحوت، وألا يكون مضاعفا نحو: خُف وشذ وحُص وحُصُوص1. الثاني: صرح المصنف بأن فعالا وفعلولا مقيسان في هذه الأوزان الثلاثة بشروطها. وقال بعض النحويين: فعل يجمع في الكثرة على فعال وفعول، وهو في ذلك على ثلاثة أضرب: ضرب يجتمعان فيه نحو: كعب وكعاب وكعوب، وضرب ينفرد به فعال نحو: كلب وكلاب دون كلوب، وضرب ينفرد به فعول وهو: فلس وفلوس دون فلاس. وقال غيره: فعول وفعال كثرا في جمع فعل الصحيح العين فعلى أيهما جمعته العرب اتبع، فإن لم يحفظ منها واحد نظر في بقية أبنية الجموع فإن جمع على واحد منها أو أكثر اتبع، فإن لم يوجد جمع على أي منهما على التخيير، قال
بعض المتأخرين: وينبغي أن تعلم أن أكثر الجموع سماعي، لكن منها ما يغلب فيذكر الغالب ليحمل عليه ما لم يسمع جمعه. الثالث: قال في التسهيل: وقد تلحقهما التاء، يعني فعالا وفعولا نحو: فحالة وفحولة، وهو قليل لا يطرد. وذكر في التسهيل أيضا أن من أمثلة اسم الجمع فعالة نحو: جمل وجمالة، قيل: وقد ذكر أولا أن فعالا تحلقه التاء فيكون جمالة جمع تكسير لا اسم جمع. وقوله: "وفَعَلْ لَهُ" من تتمة الكلام على فعول نحو: أَسَد وأُسُود وشَجَن وشُجُون. فإن قلت: فهل يطرد جمعه على فعول؟ قلت: ذكره في التسهيل مع ما يقاس فيه فُعُول، لكن بشرطين: أن يكون اسما، وألا يكون مضاعفا، أما نحو طُلول في طلل فمقصور على السماع. وقال في الكافية: وفي فعل يقل، وصرح في شرحها بأنه يقتصر فيه على السماع، وفي الارتشاف بعد ذكره فيما يطرد فيه فعول، وقيل: يقتصر فيه على السماع، وبه جزم الشارح. فإن قلت: فما المفهوم من قوله: "وفعل له"؟ قلت: ظاهره أنه مقيس، وفاقا لظاهر التسهيل، فإنه ذكره عقيب المطرد، ولم يصرح بعد اطراده، وأيضا فإنه لم يذكر في هذا النظم غالبا إلا المطرد، وقد شذ فعول في غير فعل نحو: شاهد وشهود وصال وصُليّ، ولم يتعرض لذكر ذلك، فظهر أن مراده ذكر المطرد، وقال الشارح: ويحفظ فعول في فعل ولذلك قال: وفعل أيضا له فعول، ولم يقيده باطراد، فعلم أنه محفوظ فيه. انتهى. وفيه نظر؛ لأن مثل هذه العبارة إنما استعملها الناظم فيما هو مطرد كقوله: وفعل أيضا له فعال. فإذا قلت: فما إعراب قوله: "وفعل له" على هذا؟ قلت: يحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون فعل مبتدأ، وله خبر مبتدأ محذوف تقديره: له فعول، والضمير عائد على فعل، والجملة خبر الأول، وهذا ظاهر تقدير الشارح. والثاني: أن يكون فعل مبتدأ، وله خبره، والضمير لفُعُول أي: فَعل لفُعُول، يعني أنه من المفردات التي تجمع على فعول.
فإن قلت: فهلا جعلت قوله: وفعل معطوفا على قوله: في فعل، فيكون نصا في اطراد فعول فيه، فيكون قوله: له، ابتداء كلام يتعلق بما بعده، والضمر لفعل، أي: لفعل وللفعال فعلان، فيؤخذ منه أن فعلا جمع على فعلان. قلت: أما جمع فعل على فعلان فثابت في الصحيح والمعتل نحو خرب وخربان -وهو ذكر الحبارى- وفتى وفتيان، وأخ وإخوان، وتاج وتيجان، وهو مطرد في واوي العين، صرح بذلك في شرح الكافية قال: وقد يجمع عليه الصحيح العين نحو خرب، فظاهره أنه لا يطرد في الصحيح العين، فلو جعل قوله: له، ابتداء كلام لاقتضى اطراد جمع فعل على فعلان في الواوي العين وغيره. وقوله: بعد "وشاع" في قاع وحوت، يدل على أن اطراده مخصوص بنحو قاع من الواوي العين. فإن قلت: يحتمل أن يكون أراد أن فعلانا مطرد في فعل مطلقا، ولا ينافي ذلك ما ذكر من شياعه في قاع ونحوه، لاحتمال أن يكون في قاع ونحوه أكثر منه في غيره مع اطراده في النوعين، ويدل على صحة هذا قوله في التسهيل: ومنها فعلان لاسم على فعل أو فعال أو فعل مطلقا، أو فعل واوي العين فلم يعتد بواوي العين إلا فعلا، وقال: في فعل مطلقا. قلت: هذا احتمال يبعده ظاهر اللفظ، والله أعلم. وقوله: ........................ ... ... وللفُعال فِعْلان حَصَلْ يعني: أن من أمثلة جمع الكثرة فِعْلان -بكسر الفاء- وهو مطرد في اسم على فُعال نحو: غراب وغربان، وغلام وغلمان، وتقدم أول الباب التنبيه على اطراده في فُعَل نحو: صُرَد وصِرْدَان. وشاع في حُوت وقاع مع ما ... ضاهاهما وقَلَّ في غيرهما يعني: أن فِعْلان كثر فيما عينه واو من فُعْل وفعل فالأول نحو: حوت وحيتان ونون ونينان1 والثاني نحو: قاع وقيعان، وتاج وتيجان.
قلت: وصرح في شرح الكافية باطراده فيما عينه واو من الوزنين، ثم أشار بقوله: وقل في غيرهما، إلى أنه قد ورد فعلان في غير ما ذكر قليلا كقولهم: خَرَب وخِرْبان، وتاج وتيجان، وأخ وإخوان، وغزال وغزلان، وصِوَار وصِيران -والصِّوار: قطيع بقر الوحش- وظَلِيم وظِلْمان -والظليم ذَكَر النعام- وخروف وخرفان، وحائط وحيطان، وقِنْو وقِنْوَان1. قال الشارح بعد ذكر هذه المثل: فهذه وأمثالها أسماء تحفظ ولا يقاس عليها. قلت: وفيه تصريح بأن فعلان في نحو خرب لا يقاس عليه، وهو ظاهر كلامه في شرح الكافية كما سبق ذكره، وتقدم ما ذكره في التسهيل. والله أعلم. وفَعْلا اسما وفَعيلا وفَعَلْ ... غير مُعَلِّ العين فُعْلان شَمِلْ من أمثلة الكثرة فُعْلان -بضم الفاء- وهو مقيس في اسم على فَعْل نحو: بطن وبطنان وظهر وظهران وسقف وسقفان، أو فعيل نحو: قضيب وقضبان ورغيف ورغفان، أو فَعَل -صحيح العين- نحو: ذكر وذُكرن وجمل وجُمْلان. تنبيهات: الأول: قال في شرح الكافية: إن فعلان يطرد فيما كان من الأسماء الجامدة والجارية مجراها على فعل، ومثل الجارية مجراها بعبدان جمع عبد. الثاني: ذكر الشارح في أمثلة فَعَل جَذَع وجُذعان2. وذكر في التسهيل أن فعلان يحفظ في جذع ولا يقاس عليه لأنه صفة. الثالث: ظاهر كلامه أن فُعلانا شاذ في غير ما ذكر، وقال في التسهيل: ومنها فُعْلان لاسم على فَعيل أو فَعَل صحيح العين أو فَعْل أو فِعل، فزاد فِعْلا نحو: ذئب وذؤبان، وقال في شرح الكافية: إن فُعلانا في فِعْل قليل. ولكريم وبخيل فُعَلا ... كذا لما ضاهاهما قد جُعِلا
ومن أمثلة جمع الكثرة فعلاء، وهو مقيس في فعيل صفة لمذكر عاقل بمعنى فاعل غير مضاف ولا معتل اللام، نحو: كريم وكرماء وبخيل وبخلاء. فإن قلت: هل لذكر المثالين فائدة؟ قلت: التنبيه على استواء وصف المدح والذم في ذلك. تنبيهات: الأول: قيد فعيلا المذكور في شرح الكافية بأن يكون بمعنى فاعل، واحترز بذلك من فعيل بمعنى مفعول، فإنه لا يجمع على فعلاء إلا نادرا كقولهم: دفين ودُفناء وسجين وسجناء، وقال في التسهيل: ومنها فُعَلاء لمذكر عاقل بمعنى فاعل أو مُفْعِل أو مُفاعِل فزاد مفعلا نحو فعيل سميع بمعنى مسمع، ومفاعلا نحو جليس بمعنى مجالس، فيقال فيهما: سمعاء وجلساء، فينبغي أن يحمل قوله في شرح الكافية بمعنى فاعل على أن المراد بمعنى اسم الفاعل مطلقا؛ ليشمل الثلاثي وغيره. والثاني: يحتمل قوله: "كذا لما ضاهاهما" وجهين؛ أحدهما: أن المراد ما شابه كريما وبخيلا في الوزن بالشروط المذكورة، نحو: ظريف وشريف، وأراد بذلك التنصيص على تعميم الحكم. والآخر: أن يكون المراد ما شابه كريما وبخيلا في المعنى، وبهذا جزم الشارح، قال: وكثر فيما دل على المدح كعاقل وعقلاء وصالح وصلحاء وشاعر وشعراء، وإلا هذا أشار بقوله: لما ضاهاهما. يعني: أن نحو عاقل وصالح وشاعر مشابه لنحو بخيل وكريم في الدلالة على معنى هو الغريزة، فهو كالنائب عن فعيل، فلهذا جرى مجراه. انتهى. قلت: ما ذكره الشارح هو معنى قوله في الكافية: وكفعيل ذا اجمَعَنّ فاعِلا ... في قصد مدح نحو جَمْعي عاقِلا وظاهر كلامه اطراد ذلك، إلا أن فهم ذلك من قوله هنا: كذا لما ضاهاهما. غير واضح؛ لأنه لم يخصه بفاعل، فيوهم أن كل وصف دل على مدح "أو ذم"1 يجمع على فعلاء، وليس كذلك.
ثم اعلم أن في اقتصار الشارح تبعا للكافية على فاعل وعلى معنى المدح نظرا؛ لأنه ذكر في التسهيل أنه حمل على فعيل المذكور ما دل على سجية حمد أو ذم من فعال أو فاعل، فزاد فعالا ولم يقتصر على المدح ومثَّل فقال: شجاع وشجعاء وبعاد وبعداء، وذكر في الكافية أن ذلك في فعال مقصور على السماع، فعلى هذا لا ينبغي أن يذكر مع فاعل. ونابَ عنه أَفْعِلاءُ في المُعَلّ ... لاما ومُضْعَف وغير ذاك قَلّ من أمثلة جمع الكثرة أَفْعِلاء، وهو ينوب عن فُعَلاء في المضاعف والمعتل اللام من فعيل المتقدم ذكره، فالمضاعف نحو: شديد وأشداء وخليل وأخلاء، والمعتل نحو: غني وأغنياء وولي وأولياء، استغنوا به عن فعلاء في هذين النوعين لما فيه من الثقل إلا ما ندر في المعتل كقولهم: سَرِيّ وسُرَوَاء، وتقي وتُقَواء، وسَخِي وسخواء، وأشار بقوله: وغير ذاك قل، إلى ورود أفعلاء في غير المضعف والمعتل قليلا نحو: نصيب وأنصباء وصديق وأصدقاء وهَيِّن وأَهْوِنَاء، ونحو ذلك. فواعِل لفَوْعَل وفاعلِ ... وفاعِلاء مع نحو كاهِلِ وحائض وصاهل وفاعِلهْ ... ...................... من أمثلة جمع الكثرة: فواعل، وهو مطرد في هذه الأنواع السبعة: أولها: فوعل، نحو: جوهر وجواهر. وثانيها: فاعَل -بفتح العين- نحو: طابَع وطوابع. وثالثها: فاعلاء، نحو: قاصعاء وقواصع1. ورابعها: فاعِل اسما علما أو غير علم، نحو: كاهل وكواهل2 وخاتم وخواتم. وخامسها: فاعِل صفة مؤنث، نحو: حائض وحوائض. وسادسها: فاعِل صفة مذكر غير عاقل، نحو: صاهل وصواهل.
وسابعها: فَاعِلة مطلقا، نحو: ضاربة وضوارب وفاطمة وفواطم وناصية ونواصٍ. تنبيهات: الأول: زاد في الكافية نوعا ثامنا وهو فَوْعَلَة نحو: صومعة وصوامع. الثاني: ذكر في التسهيل ضابطا لهذه الأنواع، قال: فواعل لغير فاعل الموصوف به مذكر عاقل مما ثانيه ألف زائدة أو واو غير ملحقة بخماسي، واحترز بقوله: غير ملحقة بخماسي، من نحو خَوَرْنق1، فإنك تقول في جمعه: خرانق، بحذف الواو. الثالث: نص سيبويه على اطراد فواعل في فاعل صفة لمذكر غير عاقل كما تقدم نحو: "نجوم طوالع وجبال شوامخ"، قال في شرح الكافية: وغلط كثير من المتأخرين فحكم على مثل هذا بالشذوذ، وإنما الشاذ جمع فاعل صفة لمذكر عاقل على فواعل نحو: فارس وفوارس، وإلى هذا أشار بقوله: وشذ في الفارس مع ما ماثله. والذي ماثله نحو: نَواكِس وهوالك وغوائب وشواهد، وكلها في صفات المذكر العاقل، قيل: ويحسنه في فوارس أمن اللبس؛ لاختصاص معناه بالمذكر، فإنه لا يقال: امرأة فارسة، وأما هوالك فورد في مثل قالوا: هالك في الهوالك، ونواكس وغوائب وردا في الشعر. تنبيهان: الأول: تأول بعضهم ما ورد من ذلك على أنه صفة لطوائف فيكون على القياس، فيقدر في قولهم: هالك في الهوالك في الطوائف الهوالك، قيل: وهو ممكن إن لم يقولوا: رجال هوالك. الثاني: قال في الارتشاف: وذكر المبرد أنه الأصل وأنه جائز شائع في
الشعر، قلت: يعني أنه جائز في الشعر لا مطلقا كما نقل غيره، وقال في الارتشاف: وأجاز الأصمعي أن تجمع هذه الصفة جمع الاسم بالحمل عليه. وبفَعَائِل اجمَعنْ فَعَالهْ ... وشِبْهَه ذا تاء أو مُزَالَهْ ومن أمثلة جمع الكثرة: فعائل، وهو لكل رباعي مؤنث بمدة قبل آخره مختوما بالتاء أو مجردا منها، وإلى هذا الضابط أشار بقوله: "وشبهه" فاندرج فيه خمسة أوزان بالتاء وخمسة بلا تاء، فالتي بالتاء فَعَالَة نحو: سحابة وسحائب، وفِعالة نحو: رسالة ورسائل، وفُعَالة نحو: ذؤابة وذوائب1، وفَعُولة نحو: حمولة وحمائل، وفَعِيلة نحو: صحيفة وصحائف. والتي بلا تاء فِعال نحو: شِمال وشمائل، وفَعال نحو: شَمال وشمائل2، وفُعال نحو: عُقاب وعقائب، وفَعُول نحو: عجوز وعجائز، وفَعِيل نحو: سعيد -علم امرأة- قال في شرح الكافية: وأما فعائل جمع فعيل من هذا القبيل فلم يأتِ اسم جنس فيما أعلم، لكنه بمقتضى القياس يكون لعلم مؤنث كسعائد جمع سعيد -اسم امرأة. تنبيهات: الأول: شرط هذه المثل المجردة من التاء أن تكون مؤنثة، فلو كانت مذكرة لم تجمع على فعائل إلا نادرا، كقولهم: جَزُور وجَزَائر، وسماء وسمائي3، قال4:
....................... ... سماءُ الإلهِ فوق سبع سمائِيَا ووَصيد ووصَائِد1. الثاني: قال في التسهيل: ولفُعولة وفَعالة وفِعالة وفُعالة أسماء، فشرط الاسمية في غير فعيلة وأخل باشتراطها هنا، وأما فعيلة فشرط فيها ألا تكون بمعنى مفعولة احترازا من جريحة وقتيلة ونحوهما، فلا يقال: جرائح ولا قتائل، وشذ قولهم: ذبيحة وذبائح ونحوهما. الثالث: ظاهر اطراد فعائل في هذه الأوزان الخمسة مختومة التاء ومجردة منها كما هو ظاهر الكافية، وقال في التسهيل -بعد ذكر فُعولة وفَعالة وفِعالة وفُعالة: وإن خلون من التاء حفظ فيهن وأحقهن به فعول. انتهى. وأما فعيل فلم يذكره في التسهيل؛ لأنه لم يحفظ فيه فعائل كما تقدم، وهذا يدل على أن فعائل غير مطرد في هذه الأوزان المجردة وتبعه في الارتشاف. الرابع: ذكر في التسهيل أن فعائل أيضا لنحو جُرائض وقَرِيثاء وبَرَاكاء وجَلُولاء وحُبَارى وحَزَابية2 أن حذف ما زيد بعد لاميهما، يعني حبارى وحزابية، واحترز من أن يحذف أول الزائدين فيجمعا حينئذ على الفعالى فتقول: إن حذفت ما بعد اللام حبائر، وحزائب، وإن حذفت الأولى حباريّ وحزابيّ.
وبالفَعاَلِي والفَعَالَى جُمِعَا ... صَحْرَاء والعَذْرَاء والقَيْسَ اتْبَعَا من أمثلة جمع الكثرة: الفَعَالِي -بالكسر- والفَعَالَى -بالفتح- ولهما اشتراك وانفراد، فيشتركان في أنواع: الأول: أن يكونا فَعْلاء اسما نحو: صحراء وصحارٍ وصحارى. والثاني: فَعْلَى اسما نحو: عَلْقَى وعلاقٍ وعَلاقَى1. والثالث: فِعْلَى اسما نحو: ذِفْرَى وذَفَارٍ وذَفَارَى2. والرابع: فُعْلَى وصفا لأنثى أفعل نحو: حُبْلَى وحبالٍ وحبالَى. الخامس: فَعْلَاء نحو: عذراء قالوا عذارٍ وعذارَى. وظاهر قوله: "والقيس اتبعا" أن فعالِي وفعالَى مقيسان في نحو عذراء كما أنهما مقيسان في نحو صحراء، ويؤيد ذلك قوله في شرح الكافية: وكذلك ما أشبههما، ثم يحتمل أن يريد بنحو عذراء ما كان على فعلاء صفة مطلقا أو صفة خاصة بالمؤنث، وهذا أقرب، وقال الشارح: ويشترك فعالِي وفعالَى فيما كان على فعلاء اسما نحو صحراء أو صفة نحو عذراء، فسوى بينهما ولم يقيد الصفة، ثم الظاهر بعد هذا ما ذكره في التسهيل وهو أن فعالى يحفظ في نحو عذراء وأن الفعالى يشاركه فيه فاتضح أنهما غير مقيسين في فعلاء صفة، ويشتركان أيضا في جمع مَهْرِيّ قالوا: مهارٍ ومهارَى، ولا يقاس عليهما، وسوى في التسهيل بين عذراء ومهري، وينفرد فعالِي -بالكسر- بنحو: حذرية وسعلاوة وعرقوة والمأقي3
وربما حذف أول زائديه من نحو: حَبَنْطَى وعَفَرنَى وعَدَوْلَى وقَهَوْبَاة وبُلَهْنِية وقلنسوة وحبارى1. وندر في أهل وعشرين وليلة وكيكة، وهي البيضة. وينفرد فعالَى -بالفتح- بوصف على فَعْلان أو فَعْلى نحو: سكران وسكرى وغضبان وغضبى فتقول: سكارى وغضابى، ولا تقول: سكاري وغضابي -بالكسر- وورد محفوظا في ألفاظ أخر نحو: حبط وحباطى. واعلم أن جمع فعلان وفعلى على فعالى -بضم الفاء- راجع على فعالى -بفتحها. تنبيهات: الأول: إنما لم يذكر هنا ما تنفرد به فَعَالى من نحو حذرية وما بعدها؛ لأنه يستفاد من قوله: "وبفَعَالِل وشبهه انطقا" وسيأتي بيانه، ولكنه أخل بفُعالى -بضم الفاء- فلم يذكره. الثاني: قالوا في جمع صحراء وعذراء: صحارِيّ وعذارِيّ أيضا -بالتشديد- فصار لكل منهما ثلاثة جموع فعالي وفعالَى وفعالِيّ. الثالث: اعلم أن فعاليّ -بالتشديد- هو الأصل في جمع صحراء ونحوها، وإن كان محفوظا لا يقاس عليه، وإنما يجيء غالبا في الشعر، وإنما قلنا: إنه الأصل لأنك إذا جمعت صحراء أدخلت بين الحاء والراء ألفا وكسرت الراء، كما تكسر ما بعد ألف الجمع في كل موضع نحو مساجد، فتنقلب الألف التي بعد الراء ياء؛ لانكسار ما قبلها، وتنقلب الثانية التي للتأنيث أيضا ياء ثم تدغم الأولى فيها، ثم
إنهم آثروا التخفيف فحذفوا إحدى الياءين، فمن حذف الثانية قال الصحارِي -بالكسر- ومن حذف الأولى قال الصحارَى -بالفتح- وإنما فتح الراء وقلب الياء ألفا لتسلم من الحذف عند التنوين، والله أعلم. واجعَلْ فَعَاليّ لغير ذي نَسَبْ ... جُدِّدَ كالكرسي تَتْبَعِ العربْ من أمثلة جمع الكثرة: فعاليّ وهو لثلاثي، ساكن العين، مزيد، آخره ياء مشددة لغير تجديد نسب، نحو: كرسيّ وكراسيّ وبرديّ وبراديّ، واحترز بقوله: "لغير ذي نسب جدد" من نحو بصري، فلا يقال: بصاريّ، وعلامة النسب المتجدد جواز سقوط الياء وبقاء الدلالة على معنى مشعور به قبل سقوطها. تنبيهات: الأول: قد تكون الياء في الأصل للنسب الحقيقي ثم يكثر استعمال ما هي فيه حتى يصير منسيا أو كالمنسي، فيعامل الاسم معاملة ما ليس منسوبا كقولهم: مَهْرِيّ مهاريّ، وأصله البعير المنسوب إلى مَهْرَة قبيلة من قبائل اليمن، ثم كثر استعماله حتى صار اسما للنجيب من الإبل. الثاني: ذكر في التسهيل أن هذا الجمع أيضا لنحو علباء وقوباء وحَوْلايا1 ويحفظ في نحو صحراء وعذراء وإنسان وظَرِبان2. قلت: أما صحراء وعذراء فقالوا فيهما: صحاري وعذاري -بالتشديد- وتقدم التنبيه على أنه الأصل مع أنه لا يقاس عليه، وأما إنسان وظربان، فقالوا فيهما: أناسي وظرابي، وأصلهما أناسين وظرابين والياء فيهما بدل من النون. وزعم ابن عصفور: أن هذا البدل في أناسي لازم، ورد بأن العرب قالت أناسين على الأصل، قال الشاعر3:
أهلا بأهل وبيتًا مثل بيتِكم ... وبالأنَاسِين إبدالِ الأَنَاسِين قال في التذييل والتكميل: ولو ذهب ذاهب إلى أن الياء في أناسي ليست بدلا وأن أناسي جمع إنسي، وأناسين جمع إنسان، لكان قد ذهب إلى قول حسن واستراح من دعوى البدل؛ إذ العرب تقول: إنسي في معنى إنسان، قال الشاعر1: ولست لإِنْسيٍّ ولكن لَمِلأَكٍ ... تَنَزَّلَ من جو السماء يَصُوبُ فكما قالوا بختي وقمري وبخاتي2 وقماري كذلك قالوا: إنسى وأناسي. انتهى. قلت: الحامل لأهل التصريف على جعل أناسي جمع إنسان لا جمع إنسي أن ياءه للنسب، فليست كياء كرسي، قال في شرح الكافية: ولو كان أناسي جمع إنسى لقيل في جمع جني: جناني، وفي جمع تركي: تراكي. انتهى. ويُحكى في
جمع إنسان أيضا أناسية بتعويض تاء التأنيث من الياء المحذوفة كما قالوا في زنادقة، وحكى أهل التصريف أيضا إبدال نون الأولى ياء في الإفراد والجمع فقالوا: إنسان وجمعه أناسين، وأما ظرابي فذكر بعض أهل التصريف أن الإبدال فيه لازم، وليس كذلك؛ لأن من العرب من يقول: ظرابين على الأصل. ذكره في شرح الكافية، وحكى أبو القاسم السعدي وغيره أنه يقال: ظرباء لغة من ظربان، قيل: فيحتمل أن يكون ظرابي جمعا لظرباء وتكون الياء بدلا من همزة التأنيث كما قالوا في "جمع"1 صحراء: صحاري. الثالث: هذا آخر ما ذكره في هذا النظم من أمثلة تكسير الثلاثي المجرد والمزيد فيه غير الملحق والشبيه به، وجملتها أحد وعشرون بناء. فعل كخمر، فعل كقُذَل، وفعل كغرَف، وفعل كفرق، وفعلة كرماة، وفعلة ككملة، وفعلى كقتلى، وفعلة كدِرَجَة، وفعل كعُذَّل، وفعال كعُذَّال، وفعال ككعاب، وفعول ككبود، وفعلان كغلمان، وفعلان كظهران، وفعلاء نحو كرماء، وأفعلاء نحو أولياء، وفواعل كخواتم، وفعائل كرسائل، وفعالى كصحارى، وفعاليّ ككراسيّ. وزاد في الكافية ثلاثة أبنية: فُعالى، وفَعِيل، وفُعال، أما فُعالى فنحو سكارى وهو لوصف على فَعْلان وفَعْلى، وتقدم ذكره، وأنه يرجع إلى فعالَى -بفتح الفاء- في هذين الوصفين. وأما فعيل وفُعَال -بضم الفاء- نحو عبيد وظُؤَار -جمع ظئر2- ففيهما خلاف ذكر بعضهم أنهما اسما جمع على الصحيح، وقال في التسهيل: الأصح أنهما مثالا تكسير لا اسما جمع فإن ذكر فعيل فهو اسم جمع، وقال في شرح الكافية: وما كان على وزن فعيل فهو جمع إن أُنِّث كعبيد وحمير واسم جمع إن ذكر ككليب وحجيج. قلت: ففي فعال قولان متقابلان، وفي فعيل قولان: أحدهما أنه اسم جمع مطلقا. والثاني التفصيل.
وفي كلام بعضهم ما يقتضي أنه جمع تكسير مطلقا، قال ابن الخباز: قد كسروا على فعيل ثلاثة أبنية: فعل كعبد وعبيد وكلب وكليب ورهن ورهين، وفعل كبقر وبقير، وفعل كضرس وضريس، وهو قليل؛ لأنه أشبه بالآحاد. انتهى، فلم يفرق بين عبيد وكليب كما ترى، وكذا قال في الصحاح، والعبد خلاف الحر والجمع عبيد مثل كلب وكليب وهو جمع عزيز، وذكر في الكافية أيضا من جموع التكسير فعلى ولم يسمع منه إلا لفظان حجلى جمع حجل، وظربى جمع ظربان، قال: ومذهبو ابن السراج أنه اسم جمع، وقال الأصمعي: الحجلى لغة في الحجل1. وذهب الأخفش إلى أن نحو ركب وصحب جمع تكسير، مذهب سيبويه أنه اسم جمع وهو الصحيح؛ لأنه يصغر على لفظه وذهب الفراء إلى أنه كل ما له واحد موافق في أصل اللفظ نحو ثمر وثمار جمع تكسير، وليس بشيء. وبفَعَالل وشِبْهِهِ انْطِقَا ... في جَمْعِ ما فَوْقَ الثلاثةِ ارْتَقَى من أمثلة جمع الكثرة وشبهه، والمراد يشبه ما يماثله في العدة والهيئة، وإن خالفه في الوزن، نحو: مفاعل وفياعل، أما فعالل فيجمع عليه كل ما زادت أصوله على ثلاثة، وما شبهه فيجمع عليه كل ثلاثي مزيد إلا ما أخرجه بقوله: من غير ما مضى. وهو باب كُبْرى وسُكْرى، وأحمر وحمراء، ورامٍ وكامل ونحوها؛ لأن هذه قد استقر تكسيرها على ما تقدم بيانه. تنبيه: شمل قوله: "ما فوق الثلاثة" الرباعي وما زاد عليه، أما الرباعي فإن كان مجردا جمع على فعالل نحو: جعفر وجعافر وبرثن وبراثن2، وإن كان بزيادة جمع على شبه فعالل سواء كانت الزيادة للإلحاق نحو: صَيْرَف وصيارِف وعلقى وعلاق3، أم لغيره نحو: أَصْبَع وأصابع ومسجد ومساجد، ما لم يكن مما تقدم استثناؤه.
وأما الخماسي فهو أيضا إما مجرد وإما بزيادة، فإن كان مجردا فقد نبه عليه بقوله: ........... ومن خماسي ... جُرِّد الآخر انْفِ بالقياس إذا أريد جمع الخماسي المجرد حذف آخره؛ ليتوصل بذلك إلى بناء فعائل، فتقول في سفرجل: سفارج، ثم إن كان رابعه شبها بالزائد جاز حذفه وإبقاء الخامس كما نبه عليه بقوله: والرابع الشبيه بالمزيد قد ... يُحذف دون ما به تم العدد يجوز حذف الرابع إذا كان شبيها بالمزيد لفظا أو مخرجا، فالأول نحو خدرنق1؛ لأن النون من حروف الزيادة، والثاني نحو فرزدق2؛ لأن الدال من مخرج التاء وهي من حروف الزيادة، فلك أن تقول فيهما: خدارق وفرازق -بحذف النون والدال- ولك أن تقول: خدارن وفرازد بحذف الخامس كما تقدم وهو الأجود، وهذا مذهب سيبويه، وقال المبرد: لا يحذف في مثل هذا إلا الخامس، وخوارق وفرازق غلط. تنبيهان: الأول: أجاز الكوفيون والأخفش حذف الثالث، كأنهم رأوا حذف الثالث أسهل؛ لأن ألف الجمع تحل محله. الثاني: منع ابن ولاد تكسير الخماسي ألبتة، وقال سيبويه: لا يكسرونها إلا على استكراه، وقال في التسهيل: ويغني غالبا التصحيح عن تكسير الخماسي الأصول، وأما الخماسي بزيادة فإنه يحذف زائده آخرا كان أو غير آخر نحو: سِبَطْرَى وسباطر وفَدَوْكَس وفداكس3، ما لم يكن الزائد من الخمسة حرف لين قبل
الآخر، فإنه لا يحذف بل يجمع على مفاعيل ونحوه، نحو: عصفور وعصافير وقرطاس وقراطيس وقنديل وقناديل، وهذا مفهوم من قوله: وزائدَ العادي الرابعي احذفْه ما ... لم يكُ لينا إثره اللذ خَتَمَا فإن قلت: فهم من استثنائه حرف اللين أنه لا يحذف، ولكن من أين يفهم أن واو عصفور وألف قرطاس ونحوها يقلبان ياء؟ قلت: هذا مفهوم من قاعدة مذكورة في التصريف لا يحتاج هنا إلى النص عليها. تنبيهان: الأول: شمل قوله: "وزائد العادي الرباعي" نحو: قَبَعْثَرَى1 مما أصوله خمسة، فهذا ونحوه إذا جمع حذف حرفان الزائد وخامس الأصول؛ فتقول فيه: قباعث. الثاني: شمل قوله: "لينا" ما قبله حركة مجانسة كما مر تمثيله، وما قبله حركة غير مجانسة نحو: غُرْنَيْق وفردوس2، فتقول فيهما: غرانيق وفراديس، وخرج منه كَنَهْوَر3 مما يحرك فيه حرف العلة، فإنه لا يقلب ياء، بل حذف فتقول: كناهر. والسين والتا من كمُسْتَدْعٍ أَزِلْ ... إذ بِبِنَا الجمع بَقَاهُما مُخِل اعلم أن الاسم إذا كان فيه من الزوائد ما يخل بقاؤه بمثالي الجمع -أعني فعالل وفعاليل- توصل إليهما بحذفه، فإن تأتي أحد المثالين بحذف بعض وإبقاء بعض أبقى ما له مزية في المعنى أو في اللفظ، فلذلك تقول في جمع مستدع: مداع -بحذف السين والتاء معا- لأن بقاءهما يخل ببنية الجمع، وأبقيت الميم لأن لها مزية عليهما لكونها تزاد لمعنى يخص الأسماء، وكذلك تقول في منطلق
ومغتلم: مطالق ومغالم، فتؤثر الميم بالبقاء على النون والتاء، لما تقدم، وإلى هذا أشار بقوله: والميم أَوْلَى من سواه بالبَقَا، فشمل قوله: "من سواه" صورتين: إحداهما: وفاقية وهي أن يكون ثاني الزائدين غير ملحق، كنون منطلق وتاء مغتلم. والأخرى: خلافية وهي أن يكون الزائد ملحقا نحو: مُقْعَنْسس1، فمذهب سيبويه فيه وفي نحوه إبقاء الميم فتقول: مقاعس، ومذهب المبرد إبقاء الملحق فتقول: قعاسس، ورجح مذهب سيبويه بأن الميم مصدره وهي لمعنى يخص الاسم فكانت أولى بالبقاء. تنبيه: لا يعني بالأولوية هنا رجحان أحد الأمرين مع جوازهما؛ لأن إبقاء الميم فيما ذكر متعين؛ لكونه أولى فلا يعدل عنه. قوله: والهمز واليا مثله إن سبقا، يعني: أن الهمزة والياء مثل الميم في كونهما أولى بالبقاء إذا تصدرا نحو: أَلَنْدَد ويَلَنْدَد2 فتقول في جمعهما: أَلادّ ويلادّ، بحذف النون وإبقاء الهمزة والياء؛ لتصدرهما ولأنهما في موضع يقعان فيه دالين على معنى بخلاف النون فإنهما في موضع لا تدل فيه على معنى أصلا، وإنما أدغم ألاد ويلاد في الجمع رجوعا إلى القياس. تنبيه: تقدم أن المزية تكون في المعنى وفي اللفظ، وما تقدم من إبقاء الميم والهمزة والياء في المثل السابقة من المزية المعنوية ولها أمثلة أخر لا يحتمل ذكرها هذا المختصر، ومثال المزية اللفظية كقولك في جمع استخراج تخاريج؛ لأن له نظيرا وهي تماثيل، فلا تقول: سخاريج؛ لأن سفاعيل عدوم، وكذلك مثله مرمريس3
فتقول فيه: مراريس -بحذف الميم وإقباء الراء- لأن ذلك لا يجهل معه كون الاسم ثلاثيا في الأصل، فلو حذفت الراء وأبقيت الميم فقلت: مراميس، لأوهم أنه كون الكلمة رباعية، وكذلك مثله حطائط1، فإن الهمزة فيه أولى بالبقاء من الألف لتحركها ولشبهها بحرف أصلي؛ لأن زيادتها وسطا شاذة، بخلاف الألف، ويونس يؤثر الألف بالبقاء؛ لأنها أبعد من آخر الاسم فتنقلب همزة فتقول: حطائط، على القولين، والتقدير مختلف، ومسائل هذا الفصل كثيرة، فلنكتفِ بما ذكرناه، ومن المزية أيضا ما أشار إليه بقوله: والياءَ لا الواوَ احذفْ إن جَمَعْتَ ما ... كحَيْزَبُون فهو حُكْمٌ حُتِمَا ما يجب إيثاره بالبقاء واو حيزبون وعَيْطموس2 ونحوهما، فإن تكسيرهما حزابين وعطاميس، حذفت الياء وأبقيت الواو فانقلبت ياء لانكسار ما قبلهما، وإنما أوثرت الواو في ذلك بالبقاء؛ لأن الياء إذا حذفت أغنى حذفها عن حذف الواو، ولبقائها رابعة قبل الآخر، فيفعل بها ما فعل بواو عصفور، ولو حذفت الواو أولا لم يغنِ حذفها عن الياء؛ لأن بقاء الياء مفوت لصيغة الجمع. وخَيِّرُوا في زائدَيْ سَرَنْدَى ... وكل ما ضاهاه كالعَلَنْدَى زائدا سرندى3 هما النون والألف، فإن حذفت النون قلت: سراد، وإن حذفت الألف قلت: سراند، وكذلك نظائره نحو: العلندى4 والحبنطى العفرنى، وإنما خيروا في هذين الزائدين لثبوت التكافؤ بينهما؛ إذ لا مزية لأحدهما على الآخر. والحاصل أنه إن كان لأحد الزائدين مزية أبقى، فإن ثبت التكافؤ فالحاذف مخير. وهذه مسائل أختم بها باب الجمع:
الأولى: يجوز تعويض ياء قبل الطرف مما حذف "منه"1 أصل زائد، فتقول في سفرجل ومنطلق: سفاريج ومطاليق، وقد ذكر هذا أول التصغير، وسيأتي. الثانية: أجاز الكوفيون زيادة الياء في مماثل مفاعل وحذفها من مماثل مفاعيل، فيجيزون في جعافر جعافير، وفي عصافير عصافر، وهذا عندهم جائز في الكلام، وجعلوا من الأول: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} 2 ومن الثاني: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} 3 ووافقهم في التسهيل على جواز الأمرين، واستثنى فواعل فلا يقال فيه: فواعيل، إلا شذوذا كقولهم4: .......................... ... سوابيغ بيض لا يُخرِّقها النبل ووافقهم الجرمي على زيادة الياء قياسا في نحو: طوابيق وخواتيم5، وكل ما يجمع على فعائل، وقال أبو حاتم في نحو: أمنية وأثفية6: كل ما جاء من هذا
النوع واحده مشدد، ففي جمعه التشديد والتخفيف كأثافي، وقال الأخفش: هذا كما يقال في جمع مفتاح مفاتح ومفاتيح، وقال النحاس: الحذف في المعتل أكثر، ومذهب البصريين أن زيادة الياء في مثل "مفاعل وحذفها من مثال"1 مفاعيل لا يجوز إلا للضرورة. الثالثة: قد ورد في جمع التكسير ما يشبه تصغير الترخيم، وأشار إليه في التسهيل بقوله: وربما قدر تجريد المزيد فيه فعومل معاملة المجرد، ومثال ذلك قولهم في ظريف وخبيث: ظروف وخبوث، قال الجرمي والفارسي: كسروه على حذف الزيادة، وهو مذهب المبرد، وكان يقول فيه: جمع الترخيم، ومذهب الخليل وسيبويه أنه مما جمع على غير واحده المستعمل كملاميح، وأجاز السيرافي أن يكون اسم جمع. الرابعة: قال في التسهيل: يُجمع اسم الجمع وجمع التكسير غير الموازن مفاعل أو مفاعيل أو فعلة أو فعلة لما يثنيان له جمع شبيهيهما من مثل الآحاد. انتهى. فمن جمع اسم الجمع قوم وأقوام، وظاهر كلام سيبويه أنه لا ينقاس، ومن جمع الجمع عقبان وعقابين كما تقول سرحان وسراحين2، ومعنى قوله: "لما يثنيان له" للمعنى الذي يثنيان له، يعني أن الداعي إلى جمعهما هو الداعي إلى تثنيتهما، وظاهر كلامه جواز ذلك في جمع الكثرة وجمع القلة ونقل غيره أن جمع الكثرة لا يقاس عليه باتفاق. واختلف في جمع القلة فقيل: يقاس عليه، وهو مذهب الأكثرين، وقيل: لا ينقاس ولا يجمع من الجموع إلا ما جمعوا، وهو مذهب الجرمي، واختيار ابن عصفور، وبه فسر الفارسي كلام سيبويه. الخامسة: اختلف في أصائل فقيل: هو جمع جمع جمع؛ لأنه جمع آصال وآصال جمع أصل وأصل جمع أصيل، قاله ابن الشجري، ورده ابن الخشاب وهو خليق بالرد وقيل: هو جمع جمع، لأنه جمع آصال وآصال جمع أصل وأصل مفرد
لا جمع له. وقيل: إن آصالا جمع أصيل كيمين وأيمان وأصائل جمع أصيلة كسفينة وسفائن ذكره ابن الباذش وقاله أيضا أبو الحسين بن فارس1، وقال ابن الخشاب: أصائل مفرده أصيل مثل أفيل وأفائل والأفيل الصغير من أولاد الإبل، وعلى هذين القولين فليس بجمع جمع. السادسة: في الفرق بين الجمع واسم الجمع واسم الجنس، وإنما أخرته إلى هذا الموضع؛ لأن معرفته متوقفة على معرفة أمثلة التكسير، والفرق بين هذة الثلاثة من وجهين: أحدهما معنوي، والآخر لفظي. أما المعنوي: فقال الشارح في صدر الشرح: الاسم الدال على أكثر من اثنين بشهادة التأمل، إما أن يكون موضوعا للآحاد المجتمعة دالا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف، وإما أن يكون موضوعا لمجموع الآحاد دالا عليها دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماه، وإما أن يكون موضوعا للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية؛ إلا أن الواحد ينتفي بنفيه، فالموضوع للآحاد المجتمعة هو الجمع سواء كان له من لفظه واحد مستعمل كرجال وأسود، أو لم يكن كأبابيل2 والموضوع لمجموع الآحاد، وهو اسم الجمع، سواء كان له واحد من لفظه كركب وصحب، أو لم يكن كرهط وقوم، والموضوع للحقيقة بالمعنى المذكور هو اسم الجنس، وهو غالب فيما يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة وعكسه كمأة وجبأة. انتهى. يعني: أن الكمأ والجبأ للواحد، والكمأة والجبأة للجنس، وهذا قليل، وبعضه يقول كمأة وللجنس كمء على القياس. وقوله: وهو غالب يفرق بينه وبين واحده بالتاء، يشير إلى أن اسم الجنس لا ينحصر في ذلك؛ لأنه قد يفرق بينه وبين واحده بياء النسب نحو: روم ورومي وزنج وزنجي.
واعلم أن فيما عرف به اسم الجنس نظرا؛ لأن مقتضاه صحة إطلاق تمر ونحوه على القليل والكثير كالعسل والماء؛ لأن الواحد إنما ينتفي بنفيه إذا كان صادقا عليه، وقد صرح بذلك الشيخ أبو عمرو في شرحه لكافيته، والمفهوم من كلام النحويين أن اسم الجنس الذي يفرق بينه وبين واحده بتاء التأنيث نحو: جَوْز ونخل1 وكلم، لا يطلق على أقل من ثلاثة، وإنما يقال ذلك في نحو ضرب من المصادر، فإنه صالح للقليل والكثير، وإذا قيل ضربة فالتاء للتنصيص على الوحدة، وأما غير المصادر فلا يقال فيها ذلك، وقد صرح المصنف بذلك قال في شرح التسهيل: الكلم اسم جنس جمعي كالنبق واللبن، وأقل ما يتناول ثلاث كلمات، بل يقتضي قوله في التسهيل: تكسير الواحد الممتاز بالتاء محفوظ استغناء بتجريده في الكثرة وبتصحيحه في القلة، أن تمرا ونحوه لما فوق العشرة حتى قيل ناقض كلامه الأول. وأما اللفظي فاعلم أن الاسم الدال على أكثر من اثنين إن لم يكن له واحد من لفظه فإما أن يكون على وزن خاص بالجمع أو غالب فيه أو لا؛ فإن كان على وزن خاص بالجمع نحو عبابيد، أو غالب فيه نحو أعراب، فهو جمع واحد مقدر، وإلا فهو اسم جمع نحو رهط وإبل. وإنما قلنا: إن أعرابا على وزن غالب؛ لأن أفعالا وزن نادر في المفردات كقولهم: "برمة أعشار"2 هذا مذهب بعض النحويين، وأكثرهم يرى أن أفعالا وزن خاص بالجمع، ويجعل قولهم: "برمة أعشار" من وصف المفرد بالجمع، ولذلك لم يذكر في الكافية غير الخاص بالجمع، وليس الأعراب جمع عرب؛ لأن العرب يعم الحاضرين والبادين، والأعراب يخص البادين، خلافا لمن زعم أنه جمعه، وإن كان له واحد من لفظه فإما أن يوافقه في أصل اللفظ دون الهيئة أو فيهما، فإن وافقه فيهما وثنى فهو جمع يقدر تغييره نحو فلك، فإن لم يثن فليس بجمع نحو جنب، والمصدر إذا وصف به وإن وافقه في أصل اللفظ دون الهيئة، فإما أن يميز من واحده بنزع ياء النسب نحو روم أو بتاء التأنيث ولم يلتزم تأنيثه نحو تمر أو لا، فإن ميز بما ذكر ولم يلتزم تأنيثه فهو اسم جنس، وإن التزم تأنيثه فهو جمع نحو
تُخَم وتهم، حكم سيبويه بجمعيتهما؛ لأن العرب التزمت تأنيثهما، فإن الغالب على "اسم الجنس"1 الممتاز واحده بالتاء. التذكير، وقال ابن سيده: التذكير والتأنيث سواء في الاستعمال والكثرة. وإن لم يكن كذلك، فإما أن يوافق أوزان الجموع الماضية أولا، فإن وافقها فهو جمع، ما لم يساو الواحد في التذكير والنسب إليه دون قبح فيكون اسم جمع، فلذلك حكم على غزى بأنه اسم جمع لغاز؛ لأنه ساوى الواحد في التذكير، بخلاف كليب، فإنه جمع لأنه مؤنث، وحكم أيضا على ركاب بأنه اسم جمع لركوبة؛ لأنهم نسبوا إليه فقالوا: ركابي، والجموع لا ينسب إليها إلا إذا غلبت أو أهمل واحدها. وإنما قلنا: دون قبح؛ لأن الجمع قد يساوي الواحد فيما ذكر بقبح فيقال: الرجال قام، وإن خالف أوزان الجمع الماضية فهو اسم جمع نحو صحب وركب؛ لأن فعلا ليس من أبنية الجمع، خلافا لأبي الحسن. والحاصل أن اسم الجنس هو ما يتميز واحده الياء أو بالتاء ولم يلتزم تأنيثه واسم الجمع ما لا واحد له من لفظه وليس على وزن خاص بالجمع ولا غالب فيه، أو له واحد ولكنه مخالف لأوزان الجمع، أو غير مخالف ولكنه مساو للواحدة دون قبح في التذكير والنسب، وإذا عرفا عرف الجمع بمعرفتهما. والله أعلم.
التصغير
التصغير: إنما ذكره بعد التكسير "لأنهما"1 -كما قال سيبويه- من وادٍ واحد، فلنذكر فوائده وعلاماته وشروط المصغر. أما فوائده عند البصريين "فثلاثة"2: التقليل، والتقريب، والتحقير. فالتحقير: إما لذات الشيء نحو حجير أي: حجر صغير، وإما لشأنه نحو رجيل. والقليل: لكمية الشيء "نحو"3 دريهمات، والتقريب: إما لزمان الشيء نحو بعيد العصر، وإما لمكانه نحو دوين السماء، وإما لمنزلته نحو صُدِّيقي. وزاد الكوفيون في فوائده التعظيم، كقول لبيد4: ........................ ... دُوَيْهَية تَصْفَرُّ منها الأناملُ أي: الموت. وأجيب بأن الداهية إذا كانت عظيمة كانت سريعة الوصول، فالتصغير لتقليل المدة، أو بأن المراد أن أصغر الأشياء قد يفسد الأمور العظام.
وأما علامته فهي: الياء، وإنما جعلوها ياء؛ لأن أَوْلَى الحروف بالزيادة حروف المد واللين، فالألف قد استبد بها الجمع فعدلوا إلى الياء؛ لأنها أقرب إلى الألف، وزعم بعض الكوفيين وصاحب الغرة: أن الألف قد تجعل علامة التصغير، واستدلوا بقول العرب في: هدهد، هداهد، يعنون التصغير، وفي دابة وشابة، دوابة وشوابة. ورد بأن الهداهد لغة في الهدهد، وأما دوابة وشوابة فألفهما بدل من ياء التصغير والأصل دويبة وشويبة؛ لأن ياء التصغير قد تجعل ألفا إذا وليها حرف مشدد. وأما شروط المصغر فأربعة: الأول: أن يكون اسما فلا يصغر الفعل ولا الحرف؛ لأن التصغير وصف في المعنى وشذ تصغير فعل التعجب، وفي كونه مقيسا خلاف تقدم في بابه. الثاني: أن يكون غير متوغل في شبه الحرف، فلا تصغر المضمرات ولا مَنْ وكيف ونحوها. وشذ تصغير بعض أسماء الإشارة والموصولات، وسيأتي. والثالث: أن يكون قابلا للتصغير فلا يصغر نحو كبير وجسيم، ولا الأسماء المعظمة شرعا، وفي أسماء شهور السنة وأيام الأسبوع قولان، والمنع مذهب سيبويه. والرابع: أن يكون خاليا من صيغ التصغير وشبهها، فإنه لا يصغر نحو كميت1. فُعَيلا اجعل الثلاثي إذا ... صغرته نحو قُذَيٍّ في قَذَا فُعَيْعِل مع فُعَيْعِيل لما ... فاق كجَعْل درهم دُريهما أبنية التصغير ثلاثة: فُعيل وفُعيعِل وفُعيعيل، ففعيل للثلاثي مطلقا نحو: قذي في تصغير قذى، وفليس في تصغير فلس، وفعيعل وفعيعيل لما زاد على الثلاثة. أما فعيعل فللرباعي نحو: دريهم في درهم، وجعيفر في جعفر، وللخماسي المجرد إذا حذف آخره ولم يعوض نحو: فريزد في فرزدق.
وأما فعيعيل فللخماسي ولما فوقه أيضا، إذا كان قبل آخره حرف لين نحو عصيفير، أو حذف منه وعوض نحو فريزيد "ولما فوقه أيضا"1. تنبيهات: الأول: هذه الأوزان الثلاثة من وضع الخليل -رحمه الله- فقيل له: لم بنيت المصغر على هذه الأمثلة؟ فقال: وجدت معاملة الناس على فلس ودرهم ودينار. والثاني: وزن المصغر بهذه "الأوزان"2 اصطلاح خاص بهذا الباب، اعتبر فيه مجرد اللفظ تقريبا، وكراهة لتكثير الأبنية، وليس بجار على مصطلح التصريف. ألا ترى أن وزن أُحيمد ومُكيرم وسفيرج في التصغير فعيعل، ووزنها التصريفي أفيعل ومفيعل وفعيلل. الثالث: فهم من قوله: "فعيلا اجعل الثلاثي" أن في الثلاثي إذا صغر ثلاثة أعمال: ضم أوله وفتح ثانيه وإلحاق ياء ساكنة بعده. وفهم من قوله: "فعيعل مع فعيعيل لما.... فاق...." أن ما فوق الثلاثة يشارك الثلاثي في الأعمال الثلاثة ويزيد "عليه" 3 رابعا وهو كسر ما بعد الياء إلا "فيما"4 سيستثنيه. الرابع: هذه الكيفية المذكورة إنما هي في المتمكن، وأما غير المتمكن فإنه يخالفه في بعضها، وسيأتي آخر الباب. الخامس: ذكروا لضم أول المصغر عللا أكثرها ظاهر الضعف، منها أنهم لما فتحوا في التكسير أول الرباعي والخماسي لم يبقَ إلا الكسر والضم، فكان الضم أولى لمكان الياء. قال معناه السيرافي. وفتحوا ثانيه لأن ياء التصغير وألف التكسير في نحو مفاعل متقابلان فحمل ما قبل الياء على ما قبل الألف.
السادس: قال بعضهم: ضم أول المصغر وفتح ثانيه إنما هو فيما ليس كذلك نحو صرد1 أو تقول: الضمة والفتحة في المكبر غير الضمة والفتحة في المصغر كما في فلك ونحوه. وجزم ابن إياز بالثاني فقال: لو كان أول المكبر مضموما كغراب وغلام ثم صغرته لحكم بأن الضمة في التصغير غيرها في التكبير، وقال بعضهم في نحو زبرج2 مما قبل آخره مكسورا إذا صغر لا يغير، قال: ولو قيل: إن الكسرة في التصغير غيرها في التكبير لكان وجها. السابع: لو كان المكبر على هيئة المصغر كمبيطر ومهيمن3 ونحوهما من أسماء الفاعلين، فقال بعضهم: إن تصغيرها يكون بالتقدير، وظاهر التسهيل أن مثل هذا لا يصغر؛ لأنه شرط في المصغر خلوه من صيغ التصغير وشبهها. وما به لمنتهى الجمع وصِلْ ... به إلى أمثلة التصغير صِلْ يعني: أنه يتوصل إلى بناء فعيعل وفعيعيل فيما زاد على أربعة أحرف "بما يتوصل به إلى منتهى الجمع"4 يعني: بناء مفاعل ومفاعيل "وللحاذف"5 هنا -من ترجيح وتخيير- ما له في التكسير فتقول في تصغير فرزدق فريزد بحذف الخامس، أو فريزق بحذف الرابع؛ لأنه يشبه الزائد، وتقول في منطلق: مطيلق بحذف النون وإبقاء الميم؛ لأنه لها مزية كما تقدم، وتقول في استخراج تخيريج -بحذف السين؛ لأن التاء أولى بالبقاء لما سبق، وتقول في حيزبون6: حُزيبين بحذف الياء وإبقاء الواو مقلوبة ياء لما مر، وتقول في علندى7: عليند أو عليد؛ إذ لا مزية لأحد زائديه على الآخر، وقد تقدم بيان ذلك في التكسير فأغنى عن إعادته.
تنبيه: يستثنى من ذلك هاء التأنيث، وألفه الممدودة، وياء النسب، والألف والنون بعد أربعة أحرف فصاعدا، فإنهن لا يحذفن في التصغير، ولا يعتد بهن كما سيأتي. وجائز تعويض يا قبل الطرف ... إن كان بعض الاسم فيهما انحذف يعني: أنه يجوز أن يعوض مما حذف في التكسير والتصغير ياء قبل الآخر، وسواء في ذلك ما حذف منه أصل نحو سفرجل فتقول في جمعه: سفارج، وإن عوضت قلت: سفاريج، وفي التصغير: سفيرج، وإن عوضت قلت: سفيريج. وما حذف منه زائد نحو منطلق فتقول في جمعه: مطالق ومطاليق، وفي تصغيره مطيلق على الوجهين. وعلم من قوله: "جائز" أن التعويض لا يلزم. تنبيه: قال في التسهيل: وجائز أن يعوض مما حذف ياء ساكنة قبل الآخر، ما لم يستحقها لغير تعويض، واحترز بقوله: "لغير تعويض" من نحو لفاغيز جمع لُغيَّزى، فإنه حذفت ألفه ولم يحتج إلى تعويض، لثبوت يائه التي كانت في المفرد. وحائد عن القياس كل ما ... خالف في البابين حكما رُسِمَا مما خولف "به"1 القياس في التصغير نحو قولهم في المغرب: مغيربان، كأنه تصغير مغربان، وفي العشاء: عُشَيَّان، كأنه تصغير عَشِيَّان، وفي عشية: عشيشية، كأنه تصغير عشاة، وفي إنسان: أنيسيان، كأنه تصغير: أنسيان، وفيه خلاف. مذهب البصريين أنه فعلان من الأنس، وقال الشيباني: فعلان أيضا، لكن من الإيناس بمعنى الإبصار، وقال معظم الكوفيين: إنه أفعلان من النسيان فهو على الأولين من
هذا النوع، وفي بنون: أبينون، كأنه تصغير أبنين، وفي ليلة: لييلية، كأنه تصغير ليلاه، وفي رجل: رويجل، كأنه تصغير راجل، وفي صبية وغلمة: أصيبية وأغيلمة، كأنهما تصغير أفعلة، فهذه الألفاظ ما استغنى فيها بتصغير مهمل عن تصغير مستعمل "وقد سمع في بعضها القياس أيضا"1 قالوا في صبية: صبيّة على القياس. أنشد سيبويه2: صُبَيَّة على الدخان رُمْكَا ... ما إن عدا أصغرهم أنْ زكَّا يقال: زك زكيكا إذا دب، قال المبرد: والصواب: ما إن عدا أكبرهم. ومما خولف به القياس في التكسير قولهم: رهط وأراهط، وباطل وأباطيل، وحديث وأحاديث، وكراع وأكارع، وعروض وأعاريض، وقطيع وأقاطيع3. فهذه جموع لواحد مهمل استغنى به عن جمع المستعمل، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب بعض النحويين إلى أنها جموع للمنطوق به على غير قياس، وذهب ابن جني إلى أن اللفظ يغير إلى هيئة أخرى ثم يجمع، فيرى في
أباطيل أن الاسم غير إلى إبطيل أبطول ثم جمع، وذهب المبرد إلى أن أراهط جمع أرهط وأباطيل جمع إبطال مصدر أبطل واستغنى به عن جمع الاسم، وأعاريض تكسير إعراض مصدر أعرض. وذهب الفراء إلى أن أحاديث جمع أحدوثة بمعنى حديث، وقال ابن خروف: إن أحدوثة إنما تستعمل في المصائب والدواهي لا في معنى الحديث الذي يتحدث به، وعد بعضهم من هذا النوع قولهم: أظافير في جمع ظفر، وليال في جمع ليلة، وليستا منه، بل هما مما استغنى فيه بجمع واحد مستعمل قليلا؛ لأنهم قالوا "أظفور وليلاه، وإن كان الأشهر ليلية وظفرا، قلت: وكذا لا ينبغي أن يعد قولهم"1 في التصغير لييلية مما استغنى فيه بتصغير مهمل. لتلو يا التصغير من قبل علم ... تأنيث أو مدته الفتح انحتم كذلك مامدة أفعال سبق ... أو مد سكران وما به التحق اعلم أن ما بعد ياء التصغير إن كان حرف إعراب جرى بوجوه الإعراب: على مقتضى العوامل نحو زبيد، وإن لم يكن حرف إعراب وجب كسره كما كسر ما بعد ألف التكسير إلا خمسة أشياء: الأول: ما قبل علامة التأنيث وهي التاء والألف نحو: طلحة وسكرى، فتقول فيهما: طليحة وسكيرى -بالفتح- لوجوب فتح ما قبل تاء التأنيث، ومحافظة على بقاء الألف. ويعني بقوله: "من قبل علم" ما كان متصلا كما مثل، فلو انفصل من الياء كسر نحو دُحَيْرِجة. الثاني: ما قبل مدة التأنيث وهي الألف التي قبل الهمزة في حمراء ونحوه، فإنها ليست علامة للتأنيث عند جمهور البصريين، وإنما العلامة عندهم الألف التي انقلبت همزة، وقد تقدم بيان ذلك في التأنيث والتذكير، فتقول في تصغير حمراء: حُميراء -بالفتح- محافظة على سلامة الألف.
فإن قلت: فلعله أراد بعلم التأنيث التاء وحدها، وبالمدة الألفين المقصورة والممدودة. قلت: لا يصح ذلك؛ لأن المقصورة علم تأنيث أيضا فتخصيصه بالتاء لا وجه له، وإنما عطفت المدة المذكورة على علم التأنيث؛ لعدم اندراجها فيه فهو كقوله في التسهيل: أو ألف التأنيث أو الألف قبلها. فإن قلت: قوله في شرح الكافية: فإن اتصل بما ولي الياء علامة تأنيث فتح، كتُميرة وحُبيلى وحُميراء، يقتضي أن المدة في حمراء مندرجة في قوله: "علامة تأنيث"؛ ولذلك اقتصر في الكافية على قوله: لتأنيث علم. قلت: يجوز في ذلك، والتحقيق ما تقدم. والثاني: ما قبل ألف أفعال نحو أجمال فتقول فيه: أجيمال؛ محافظة على بقاء الألف "التي"1 للجمع. تنبيه: أطلق الناظم أفعالا، ولم يقيده بأن يكون جمعا، فشمل المفرد، وفي بعض نسخ التسهيل: "أو ألف أفعال جمعا أو مفردا" فمثال الجمع ما ذكر، وأما المفرد فلا يتصور تمثيله على قول الأكثرين، إلا ما سمي به من الجمع؛ لأن أفعالا عندهم لم يثبت في المفردات. قال سيبويه: إذا حقرت أفعالا اسم رجل قلت: أفيعال كما تحقرها قبل أن تكون اسما، فتحقير أفعال كتحقير عطشان، فرقوا بينها وبين أفعال؛ لأنه لا يكون إلا واحدا، ولا يكون أفعال إلا جمعا. انتهى. وقد أثبت بعض النحويين أفعالا في المفردات، وجعل منه قولهم: برمة أعشار، وثوب أخلاق وأسمال2، وهو عند الأكثرين من وصف المفرد بالجمع، وتصغيره أفيعال كما سبق.
فإن قلت: إذا فرعنا على مذهب من أثبته في المفردات، فهل يصغر على أفيعال أو على أفيعيل؟ قلت: مقتضى إطلاق الناظم وقوله في التسهيل: جمعا أو مفردا أنه يصغر على أفيعال -بالفتح. ومقتضى قول من قال من النحويين: "أو أفعال جمعا" كأبي موسى وابن الحاجب أنه يصغر على أفيعيل -بالكسر. وقال بعض شراح تصريف ابن الحاجب: قيد بقوله: "جمعا" احترازا عما ليس بجمع نحو أعشار، فإن تصغيره أعيشير. انتهى. وقال الشارح: "أو ألف أفعال جمعا، وعلى هذا نبه بقوله سبق". انتهى. فقيد. وحمل كلام الناظم على التقييد، وكأنه جعل "سبق" قيدا لأفعال، أي ألف أفعال السابق في باب التكسير، وهو الجمع، أما تقييده فتتبع فيه أبا موسى ومن وافقه. وقال الشلوبين مشيرا إلى قول أبي موسى: هذا خطأ؛ لأن سيبويه قال: إذا حقرت أفعالا اسم رجل قلت: أفيعال كما تحقرها قبل أن تكون اسما، وأما حمل كلام الناظم على التقييد، فلا يستقيم؛ لأن قوله: "سبق" ليس حالا من أفعال فيكون مقيدا به، بل هو صلة ما، ومدة مفعول لسبق تقدم عليه، والتقدير: كذلك ما سبق مدة أفعال، وأيضا فإن الناظم أطلق في غير هذا الكتاب، بل صرح بالتعميم في بعض نسخ التسهيل. فعلى هذا يحمل كلامه. والله أعلم. الرابع: ما قبل ألف سكران ونحوه مما آخره ألف ونون زائدتان لم يعلم جمع ما هما فيه على فعالين دون شذوذ؛ ولهذا أحال الناظم على سكران، فيقال فيه سكيران؛ لأ، هم لم يقولوا في جمعه سكارين، وكذلك ما كان مثله نحو غضبان وعطشان، فإن جمع على فعالين دون شذوذ صغر على فعلين نحو سرحان وسريحين1، فإنه جمع على سراحين، وإن كان جمعه على فعالين شاذا لم يلتفت
إليه، بل يصغر على فعيلان، مثال ذلك: غرثان1 وإنسان، فإنهم قالوا: جمعهما غراثين وأناسين على جهة الشذوذ، فإن صغرا قيل فيهما: غريثان وأنيسان. وإذا ورد ما آخره ألف ونون مزيدتان، لم يعرف هل تقلب العرب ألفه ياء أو لا؟ حمل على باب سكران؛ لأنه أكثر. الخامس: ما كان قبل اسم منزل منزلة تاء التأنيث، والمراد به عجز المركب نحو بعلبك، فتقول فيه: بعيلبك، ولم يذكره هنا. وألف التأنيث حيث مدا ... وتاؤه منفصلين عدا كذا المزيد آخرا للنسب ... وعجز المضاف والمركب وهكذا زيادتا فَعْلانا ... من بعد أربع كزَعْفَرانا وقَدِّر انفصالا ما دل على ... تثنية أو جمع تصحيح جلا يعني: أنه لا يعتد في التصغير بهذه الأشياء الثمانية؛ لأنها تعد منفصلة، أي: تنزل منزلة كلمة مستقلة. ومعنى عدم الاعتداد بها أن ما قبلها يصغر غير متمم بها. الأول: ألف التأنيث الممدود نحو راهطاء. الثاني: تاء التأنيث نحو حنظلة. الثالث: ياء النسب نحو عبقري2. الرابع: عجز المضاف المركب نحو عبد شمس. الخامس: عجز المركب، يعني: غير المضاف المتقدم ذكره نحو بعلبك. السادس: الألف والنون الزائدتان بعد أربعة أحرف فصاعدا، نحو زعفران
وعبوثران1، واحترز من أن يكونا بعد ثلاثة نحو سكران وسرحان، وقد تقدم حكمها. السابع: علامة التثنية نحو مسلمين. الثامن: علامة جمع التصحيح نحو مسلمين ومسلمات. فهذا لا يعتد بها فتقول في تصغيرها رويهطاء وحنيظلة وعبيقرى وعبيد شمس وبعيلبك وزعيفران وعبيثران ومسيلمان ومسيلمين ومسيلمات، فيقدر تمام بنية التصغير قبل الألف والتاء، وكذا سائرها. تنبيهات: الأول: هذا تقييد لإطلاق قوله: "وما به لمنتهى الجمع وصل" وقد تقدم التنبيه عليه. الثاني: ليست الألف الممدودة عند سيبويه كتاء التأنيث في عدم الاعتداد بها من كل وجه؛ لأن مذهبه في نحو جلولاء وبراكاء وقريثاء2 -مما ثالثه حرف مد- حذف الواو والألف والياء، فتقول في تصغيرها: جليلاء وبريكاء وقريثاء بالتخفيف بخلاف نحو فروقة3 فإنه يقول في تصغيرها فريقة بالتشديد، ولا يحذف، فقد ظهر أن الألف عنده يعتد بها من هذا الوجه، بخلاف التاء. ومذهب المبرد إبقاء الواو والألف والياء في جلولاء وأخويه، فيقول في تصغيرها: جليلاء وبركاء وقريثاء، بالإدغام مسويا بين ألف التأنيث وتائه. وحجة سيبويه أن لألف التأنيث الممدودة شبها بهاء التأنيث وشبها بالألف المقصورة، واعتبار الشبهين أَوْلَى من إلغاء أحدهما، وقد اعتبر الشبه بالهاء من قبل
مشاركة الألف الممدودة لها في عدم السقوط وتقدير الانفصال بوجه ما فلا غنى عن اعتبار الشبه بالألف المقصورة في عدم ثبوت الواو في جلولاء ونحوها، فإنها كألف حبارى الأولى، وسقوطها في التصغير متعين عند بقاء ألف التأنيث، فكذا يتعين سقوط الواو المذكورة ونحوها في التصغير. واعلم أن تسوية الناظم هنا بين ألف التأنيث الممدودة وتائه تقتضي موافقة المبرد. ولكنه صحح في غير هذا النظم مذهب سيبويه. الثالث: اختلف أيضا في نحو "ثلاثين" علما أو غير علم، وفي نحو "جدارين، وظريفين، وظريفات" أعلاما، فمذهب سيبويه الحذف فتقول: ثُليْثون -بالتخفيف- لأن زيادته غير طارئة على لفظ مجرد، فعومل معاملة جلولاء، وكذا يفعل بما جعل علما مما فيه علامة التثنية وجمع التصحيح، نص على جميع ذلك. ومذهب المبرد إبقاء حرف المد في ذلك والإدغام كما يفعل في جلولاء واتفقا في نحو: "ظريفين، وظريفات" إذا لم يجعلن أعلاما على التشديد، ولم يذكر هنا هذا التفصيل. وألف التأنيث ذو القصر متى ... زاد على أربعة لن يَثْبُتَا ألف التأنيث المقصورة أبعد عن تقدير الانفصال من الممدودة لعدم إمكان استقلال النطق بها، فلذلك تحذف في التصغير خامسة فصاعدا، فإن بقاءها يخرج البناء عن مثال فعيعيل كقولك في قرقرى ولغيزى: فريقر ولغيغز1. فإن كانت خامسة وقبلها مدة زائدة جاز حذف المدة وإبقاء ألف التأنيث وجاز عكسه، وإلى هذا أشار بقوله: وعند تصغير حُبارى خَيِّر ... بين الْحُبيرى فادْرِ والحبير فإن حذفت المدة قلت: الحبيرى، وإن حذفت ألف التأنيث قلت: الحبير، بقلب المدة ياء ثم تدغم ياء التصغير فيها.
واردد لأصل ثانيا لينا قُلب ... فقيمة صير قُويمة تُصب اعلم أن الثاني يرد إلى أصله في التصغير بشرطين: الأول: أن يكون لينا، والثاني: أن يكون بدل غير همزة تلي همزة، فاندرج في ذلك ثلاثة أنواع: أولها: ما كان لينا منقلبا عن لين نحو باب وميزان وقيمة وناب وموقن، فتقول في تصغير باب بويب؛ لأن ألفه عن واو، وفي ميزان مويزين؛ لأن ياءه عن واو، وكذلك تقول في قيمة قويمة وديمة دويمة؛ لأن الياء فيهما منقبلة عن واو، وفي ناب -وهو السن- نييب؛ لأن ألفه عن ياء، وفي موقن مييقن؛ لأن واوه عن ياء، وإنا رد الثاني في ذلك إلى أصله لزوال سبب انقلابه. وثانيها: ما كان لينا مبدلا من حرف صحيح غير همزة نحو: دينار وقيراط، فإن أصلهما دنار وقراط1 والياء فيهما بدل من أول المثلين، فتقول في تصغيرهما: دنينير وقريريط؛ لزوال سبب الإبدال. وثالثها: ما كان لينا مبدلا من همزة لا تلي همزة نحو ذيب فإن أصله الهمزة، والياء فيه بدل من الهمزة، فإذا صغرته قلت: ذؤيب -بالهمزة- رجوعا إلى أصله؛ لأن قلب الهمزة ياء إنما لانكسار ما قبلها. وخرج بالشرط الأول ما ليس بلين، فإنه لا يرد إلى أصله ولو كان مبدلا من لين فتقول في قائم قويئم -بالهمزة- وفي متعد متيعد خلافا للزجاج في متعد، فإنه يرده إلى أصله، فيقول فيه: مويعد، والأول مذهب سيبويه، وهو الصحيح؛ لأنه إذا قيل فيه مويعد أوهم أن مكبره موعد، أو موعد، ومتيعد لا إبهام فيه. وخرج بالشرط الثاني ما كان لينا مبدلا من همزة تلي همزة كألف آدم وياء أيمة فإنهما لا يردان إلى أصلهما، أما آدم فتقلب ألفه واوا، وأما أيمة فيصغر على لفظه.
تنبيهات: الأول: ضابط هذا الفصل إنما أبدل لعلة ما لا تزول بالتصغير "فإنه لا يرد إلى أصله"1 وما أبدل لعله تزول بالتصغير رد إلى أصله. الثاني: ظهر بما ذكرناه أن قوله في شرح الكافية "وهو -يعني الرد- مشروط بكون الحرف حرف لين مبدلا من لين" غير محرر، بل ينبغي أن يقول "مبدلا من غير همزة تلي همزة" كما ذكر في التسهيل. الثالث: ظاهر قوله: "لينا قلب" أن مراده قلب عن لين، كما قال في الكافية: واردُدْ لأصل ثانيا أُبدلَ من ... ذي اللين عينا فهو بالرد قَمِنْ وذلك لأن القلب في اصطلاح أهل التصريف لا يطلق على إبدال حرف لين من حرف صحيح، ولا عكسه، بل على إبدال حرف علة من حرف علة آخر، وإذا كان كذلك فمفهومه يوهم اشتراط كونه مبدلا من لين، صرح به في شرح الكافية. فإن قلت: فلعل مراده بالقلب هنا مطلق الإبدال، فيشمل ما كان مبدلا من لين وما كان مبدلا من غيره. قلت: إذا حمل على هذا ورد عليه "ما كان بدلا من همزة تلي همزة"2 فإنه لم يستثنه. الرابع: أجاز الكوفيون في نحو ناب مما ألفه ياء نويب بالواو، وأجازوا أيضا إبدال الياء في نحو شيخ واوا، ووافقهم في التسهيل على جوازه فيهما جوازا مرجوحا، ويؤيده أنه سمع في بيضة بويضة، وهو عند البصريين شاذ. وقوله: "وشذ في عيد عييد" وجه شذوذه أنهم صغروه على لفظه، ولم يردوه إلى أصله، وقياسه عويد؛ لأنه من عاد يعود، فلم يردوا الياء إلى الأصل. قال الشارح: حملا على قولهم: في جمعه أعياد.
قلت: وقال غيره: فيه نظر؛ لأنهم قالوا: جمعوه على أعياد فرقا بينه وبين جمع عود فينبغي أن يقال: وصغروه على عييد فرقا بينه وبين تصغير عود، ولا حاجة إلى جعل أحدهما محمولا على الآخر. وقوله: ..................... وحُتم ... للجمع من ذا ما لتصغير عُلم يعني: يجب لجمع التكسير من رد الثاني إلى أصله ما وجب للتصغير، كقولك في باب وناب وميزان أبواب وموازين، إلا ما شذ كأعياد وقوله1: حِمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ولا نسأل الأقوام عقد المياثق يريد: المواثق. والألف الثان المزيد يُجعل ... واوا كذا ما الأصل فيه يُجهل الألف إذا كانت ثانية فلها خمسة أقسام: الأول: مبدل من ياء كناب. والثاني: مبدل من واو كباب. والثالث: مجهول الأصل كعاج وصاب2. والرابع: زائد كضارب. والخامس: مبدل من همزة كآدم. فأما الأولان فتقدم أنهما يردان إلى الأصل، وأما الثالث والرابع فينقلبان واوا، وإليهما أشار بقوله في البيت، فيقال: عويج وصويب وضويرب.
وأما الخامس: فينقلب واوا أيضا نحو أويدم، ولم ينبه عليه. واعلم أن حكم التكسير في إبدال الثاني كحكم التصغير؛ فتقول: ضوارب وأوادم. وكمل المنقوص في التصغير ما ... لم يَحْوِ غير التاء ثالثا كَمَا المنقوص هنا هو العام، وهو ما حذف منه أصل الخاص، وهو ما حرف إعرابه ياء لازمة قبلها كسرة. فإذا صغر المنقوص المذكور كمل بأن يرد ما حذف منه إن كان على حرفين نحو "خذ" مسمى به -وثبة ويد- فتقول فيها: أخيذ وثييبة ويدية -برد فاء الأول وعين الثاني ولام الثالث. وإن كان على ثلاثة والثالث تاء التأنيث لم يعتد بها، ويكمل أيضا كما يكمل الثنائي، نحو عدة وسنة، فتقول فيهما: وعيدة وسنيهة أو سنية، برد فاء الأول ولام الثاني. فإن قلت: فهل ورد من هذا النوع محذوف العين؟ قلت: لا أعرف لذلك مثالا إلا لفظا واحدا فيه خلاف وهو ثبة، ذهب الزجاج إلى أنها محذوفة العين من ثاب يثوب، وذهب غيره إلى أنها محذوفة اللام من ثبيت إذا جمعت، وهو الأولى. وهذا الخلاف إنما في الثبة التي هي مجتمع الماء من وسط الحوض. وأما الثبة التي هي الجماعة من الناس، فهي من محذوفة اللام، لا أعرف في ذلك خلافا. وإن كان للمنقوص ثالث غير الياء لم يرد إليه ما حذف؛ لعدم الحاجة إليه؛ لأن بنية فعيل تتأتى بدونه؛ فتقول في هار وشاك وميت1: هوير، وشويك، ومييت، وإلى هذا أشار بقوله:
.................. ما ... لم يحو غير التاء ثالثا ... ففهم منه أنه إن حوى ثالثا غير التاء لم يرد إليه المحذوف، وإن كان الثالث هو التاء لم يعتد بها ورد إليه. تنبيهات: الأول: شذ قول بعض العرب في هار هوير -برد المحذوف- ولا يقاس عليه، خلافا لأبي عمرو، ونقل أيضا عن يونس والمازني إلا أن أبا عمرو ويونس يردان الهمزة في خير وشر، والمازني لا يردها فيهما. الثاني: إنما قال: "غير التاء"، ولم يقل: غير الهاء، ليشمل تاء بنت وأخت؛ فإنها لا يعتد بها أيضا، بل يقال: بنية وأخية -برد المحذوف. الثالث: يعني بقوله: "ثالثا" ما زاد على حرفين، ولو كان أولا أو وسطا، فالأول كقولك في تصغير يرى1: يُري، فلا يرد اعتدادا بحرف المضارعة، وأجاز أبو عمرو والمازني الرد؛ فيقولان: يُريْ. ويونس يرد ولا ينون على أصل مذهبه في يعيل2 ونحوه، ويقدم مثال الوسط. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: ما لم يحو غير التاء أو همزة الوصل؛ لأن همزة الوصل لا يعتد بها أيضا، بل يرد المحذوف فيما هي فيه. قلت: لا يحتاج إلى ذلك، فإن ما فيه همزة الوصل إذا صغر حذفت فيبقى على حرفين لا ثالث لهما نحو: اسم وابن، تقولم في تصغيرهما: سمي وبني، بحذف همزة الوصل استغناء عنها بتحريك الأول. وقوله: "كما" أشار إلى الثنائي وضعا يكمل أيضا في التصغير توصلا إلى بناء فعيل إلا أن هذا النوع لم يعلم له ثالث، فيرد بخلاف النوع السابق. وأجاز في الكافية والتسهيل في الثنائي وضعا وجهين: أحدهما: أن يكمل بحرف علة، فتقول في عن وهل -مسمى بهما- عني وهلي.
والآخر: أن يجعل من قبيل المضاعف، فتقول فيهما: عنين وهليل، وصرح في التسهيل بأن الأول أولى، وبه جزم الشارح. فإن قلت: إذا كمل بحرف علة فهل يكمل بياء أو بواو؟ قلت: خير بعضهم فقال: واو أو ياء، وظاهر كلام المصنف أنه ياء "لأنه"1 شبهه بدم، ونص الأبدي على أنه ياء، وهو الأظهر. تنبيهان: الأول: لا يظهر لهذين الوجهين أثر لفظي في نحو "ما" الاسمية والحرفية إذا سمي بهما، فإنك تقول على التقديرين: مُوَى، وهو واضح. الثاني: في قوله "كما" نظر؛ لأنه أراد التمثيل، فليس بجيد؛ لأن ما ونحوه من الثنائي وضعا، ليس من قبيل المنقوص فكيف يمثل به، وإن أراد التنظير، فليس نظير المنقوص إلا في مطلق التكميل؛ لأن المنقوص يرد إليه ما حذف منه، وهذا لم يعلم له محذوف، فلا يؤخذ إذ ذاك من كلامه إلا أن نحو "ما" يكمل كما يكمل المنقوص، ولا يدرى بما يكمل، والله أعلم. ومَنْ بترخيم يُصغر اكتفى ... بالأصل كالعُطَيف يَعني المِعْطَفَا من التصغير نوع يسمى تصغير الترخيم، وهو تصغير الاسم بتجريده من الزوائد، فإن كانت أصوله ثلاثة صغر على فعيل، وإن كانت أصوله أربعة صغر على فعيعل فتقول في معطف: عطيف، وفي أزهر: زهير، وفي حمدان وحامد ومحمود وأحمد: حميد، وتقول في قرطاس وعصفور: قريطس وعصيفر. تنبيهات: الأول: إذا كان المصغر تصغير الترخيم ثلاثي الأصول، ومسماه مؤنث، لحقته التاء، فتقول في غلاب وسعاد وحبلى: غليبة وسعيدة وحبيلة.
الثاني: إذا صغرت نحو حائض وطالق من الأوصاف الخاصة بالمؤنث تصغير الترخيم، قلت: حييض وطليق؛ لأنها في الأصل صفة لمذكر. الثالث: شذ في تصغير إبراهيم وإسماعيل بريه وسميع، فحذفوا من كل منهما أصلين وزائدين؛ لأن الهمزة فيهما والميم واللام أصول، أما الميم واللام فباتفاق، وأما الهمزة ففيها خلاف: مذهب المبرد أنها أصلية، ومذهب سيبويه أنها زائدة، وينبغي عليهما تصغير الاسمين لغير ترخيم، فقال المبرد: أبيريه، وقال سيبويه: بريهيم وسميعيل، وهو الصحيح الذي سمعه أبو زيد وغيره من العرب، وعلى هذا ينبغي جمعها؛ فقال الخليل وسيبويه: براهيم وسماعيل، وعلى مذهب المبرد أباريه وأساميع، وحكى الكوفيون براهم وسماعل بغير ياء، وبراهمة وسماعلة، والهاء بدل من الياء. وقال بعضهم: أباره وأسامع، وأجاز ثعلب براه كما يقال في تصغيره بريه، والوجه أن يجمعا جمع سلامة، فيقال: إبراهيمون وإسماعيلون. الرابع: لا يختص تصغير الترخيم بالأعلام، خلافا للفراء وثعلب، وقيل: وللكوفيين، بدليل قول العرب: "يجري بليق ويذم"1 تصغير أبلق، ومن كلامهم: "جاء بأم الربيق على أريق"2. قال الأصمعي: تزعم العرب أنه من قول رجل رأى الغول على جمل أورق، فقلبت الواو في التصغير همزة. وأما قولهم: "عرف حميق جمله"3 فلا حجة فيه؛ لاحتمال أن يكون تصغير حمق. واختم بتا التأنيث ما صَغَّرْتَ مِنْ ... مؤنث عارٍ ثلاثي كَسِنّ
تلحق تاء التأنيث في تصغير الاسم المؤنث بلا علامة إذا كان ثلاثيا في الأصل أو في الحال أو في المآل. فالأول: نحو يد فإنه ثلاثي في الأصل، فتقول في تصغيره: يدية. والثاني: نحو سن ودار، فتقول في تصغيرهما: سنينة ودويرة. والثالث: نوعان: أحدهما: ما كان رباعيا بمدة قبل لام معتلة، فإنه إذا صغر تلحقه التاء نحو سماء وسمية؛ وذلك لأن الأصل فيه سمييي -بثلاث ياءات- الأولى ياء التصغير، والثانية بدل المدة، والثالثة: بدل لام الكلمة، فحذفت إحدى الياءين على القياس المقرر في هذا الباب، فبقي الاسم ثلاثيا، فلحقته التاء كما تلحق الثلاثي المجرد. والآخر: ما صغر تصغير الترخيم مما أصوله ثلاثة، وقد تقدم بيانه. ثم استثنى من هذا الضابط نوعين لا تلحقهما التاء، وأشار إلى الأول منهما بقوله: ما لم يكن بالتا يُرى ذا لَبْس ... كشجر وبقر وخَمْس يعني: أن التاء لا تلحق اسم الجنس الذي يتميز من واحده بنزع التاء نحو شجر وبقر فتقول في تصغيرهما: شجير وبقير؛ إذ لو قلت في تصغيرهما شجيرة وبقيرة؛ لالتبس بتصغير شجرة وبقرة، ولا تلحق أيضا بضعا وعشرا وما دونهما من عدد المؤنث، بل يقال: بضيع وعشير؛ إذ لو قيل: بضيعة وعشيرة؛ لتوهم أن ذلك عدد مذكر، ثم أشار إليه الثاني بقوله: وشذ ترك دون لبس. يعني: شذ ترك التاء دون لبس، في ألفاظ مخصوصة لا يقاس عليها، وهي: ذود، وشول1 وناب -للمسن من الإبل- وحرب وفرس وقوس ودرع -للحديد- وعرس وضحى ونعل ونَصَف2، وبعض العرب يذكر الحرب والدرع
والعرس، فلا يكون من هذا القبيل، وبعضهم ألحق التاء في عرس وقوس، فقال: عريسة وقويسة. تنبيهات: الأول: لم يتعرض في الكافية والتسهيل إلى اسثناء النوع الأول أعني: نحو شجر وخمس. الثاني: كان ينبغي أن يستثني نوعا آخر وهو طالق من أوصاف المؤنث، إذا صغر تصغير الترخيم، وقد تقدم التنبيه عليه. الثالث: لا اعتبار في العلم بما نقل عنه من تذكير وتأنيث، بل تقول في رمح -علم امرأة- رميحة، وفي عين -علم رجل- عيين، خلافا لابن الأنباري في اعتبار الأصل، فتقول في الأول: رميح، وفي الثاني: عيينة، واستدل بقولهم: عيينة بن حصن ونحوه، وأجيب بأن ذلك مما نقل مصغرا. الرابع: إذا سميت مؤنثا ببنت وأخت حذفت هذه التاء ثم صغرت وألحقت تاء التأنيث فتقول: بنية وأخية، وإذا سميت بهما مذكرا لم تلحق التاء، فتقول: بني وأخي. وقوله: ................ وندر ... لحاق تا فيما ثلاثيا كَثر أي: ندر لحاق التاء في تصغير ما زاد على ثلاثة، وذلك قولهم في وراء: وريئة -بالهمزة- وفي أمام: أميمة، وفي قدام: قديديمة. وقوله: "كثر" بمعنى فاقه في الكثرة و"ثلاثيا" مفعوله تقدم عليه. تنبيه: أجاز أبو عمرو أن يقال في تصغير جبارى ولغيزى1: حبيرة ولغيغيزة، فيجاء
بتاء عوضا من الألف المحذوفة، وظاهر التسهيل موافقته، فإنه قال: ولا تلحق التاء دون شذوذ غير ما ذكر، إلا ما حذفت منه ألف التأنيث خامسة أو سادسة. وصغروا شذوذا الذي والتي ... وذا مع الفروع منها تا وتِي التصغير من جملة التصريف في الاسم، فحقه ألا يدخل غير المتمكن، إلا أن أسماء الإشارة والموصولات شابهت المتمكن؛ لكونها توصف ويوصف بها، فلذلك استبيح تصغير بعضها، لكن على وجه خولف به تصغير المتمكن، فترك أولها على ما كان عليه قبل التصغير، وعوض منه ضمة ألف مزيدة في الآخر، ووافقت المتمكن في زيادة ياء ثالثة ساكنة بعد فتحة، فقيل في الذي والتي: اللذيا واللتيا، وفي تثنيتهما: اللذيان واللتيان، وأما الجمع فقال سيبويه في جمع الذي اللذيون رفعا واللذيين جرا ونصبا -بالضم قبل الواو والكسر قبل الياء- وقال الأخفش: اللذيون واللذيين -بالفتح- كالمقصور. ومنشأ الخلاف من التثنية، فسيبويه يقول: حذفت ألف اللذيا في التثنية تخفيفا وفرقا بين المتمكن وغيره، والأخفش يقول: حذفت لالتقاء الساكنين. قال بعضه: ولم ينقل عن العرب ما يستند إليه في جمع الذي. قالوا في جمع التي: اللتيات، وهو جمع للتيا تصغير التي، ولم يذكر سيبويه من الموصولات التي صغرت غير اللذيا واللتيا وتثنيتهما وجمعهما. وقال في التسهيل: واللتيات واللوايتا في اللاتي، واللويا واللويون في اللائي واللائين، فزاد تصغير اللاتي واللائين. وظاهر كلامه أن اللتيات. واللويتا كلاهما تصغير اللاتي، أما اللويتا فصحيح، ذكره الأخفش. وأما اللتيات فإنما هو جمع اللتيا كما سبق، فتجوز في جعله تصغير اللاتي. ومذهب سيبويه أن اللاتي لا يصغر استغناء بجمع اللتيا، وأجاز الأخفش أيضا اللويا في اللاي غير مهموز، وأجاز غيره اللويا في اللائي، وقال في اللائين: اللويئون. قيل: والصحيح أنه لا يجوز تصغير اللاتي ولا اللواتي، وهذا مذهب سيبويه.
وصغروا من أسماء الإشارة ذا وتا، فقالوا: ذيا وتيا، وفي التثنية: ذيان وتيان، وقالوا في أولى بالقصر: أوليا، وفي أولاء بالمد: أولياء، ولم يصغروا منها غير ذلك. تنبيهات: الأول: لأسماء الإشارة في التصغير من التثنية والخطاب ما لها في التكسير. الثاني: أن اصل ذيا وتيا ذييا وتييا، بثلاث ياءات، الأولى عين الكلمة، والثانية للتصغير، والثالثة لام الكلمة، فاستثقلوا ذلك مع زيادة الألف آخره فحذفت الياء؛ لأن ياء التصغير لمعنى فلا تحذف، ولأن الثالثة لو حذفت لزم فتح ياء التصغير لأجل الألف. فإن قلت: ما الداعي إلى هذا التقدير؟ قلت: الداعي إليه المحافظة على ما استقر لياء التصغير من كونها لا تلحق إلا ثالثة. الثالث: ما ذكر من التقدير إنما يستقيم على قول البصريين أن ذا ثلاثي في الوضع وأن ألفه عن ياء، وعين الكلمة محذوفة، وهي ياء أيضا. وذهب بعضهم إلى أن عينه واو فتكون من باب طويت، وقد قيل: إن هذه الألف هي العين واللام هي المحذوفة. وأما على مذهب الكوفيين والسهيلي فلا يستقيم؛ لأن الألف عندهم زائدة، وهو مما وضع على حرف واحد. وذهب قوم منهم السيرافي إلى أن ذا ثنائي في الوضع، والتقدير السابق فيه يمكن، لأن يكمل في التصغير كما تقدم في ماء. الرابع: ذكروا أن الألف في آخر هذه الأسماء عوض من ضم أولها. قيل: ويرده ما حكي من ضم لام اللذيا واللتيا، وذكر في التسهيل أن الضم لغة. الخامس: زيادة الألف في أُليّا -بالقصر- ظاهرة؛ لأن ألفه أبدلت ياء وأدغمت ياء التصغير فيها.
وأما أُليّاء -بالمد- فمذهب المبرد أن الألف المزيدة ألحقت قبل الهمزة لئلا يصير الممدود مقصورا، فالياء الأولى للتصغير والثانية منقلبة عن ألف أولاء، والألف التي قبل الهمزة هي المزيدة. ومذهب الزجاج أن الألف زيدت آخرا كما في أخواته، لكنه يرى أن أصل همزة أولاء ألف، فزيدت الياء ثالثة وقلبت الألف التي بعدها وأعيدت الهمزة إلى أصلها وزيدت ألف العوض آخرا. واعلم أن في همزة أولاء ثلاثة مذهب: أحدها: أنها عن ياء وهو مذهب المبرد. والثاني: أن أصلها ألف وهو مذهب الزجاج. والثالث: أنها أصلية غير مبدلة من شيء "يل إلا"1 مما فاؤه همزة ولامه همزة وهو مذهب الفارسي وقد تقدمت "هذه المذاهب في باب اسم الإشارة"2. فإن قلت: كيف زعموا أن الألف المزيدة في ألياء وأليا للعوض وأولها مضموم؟ قلت: الضمة فيهما ليست المجتلبة للتصغير، بل هي الموجودة في حل التكبير. السادس: اعلم أن قول الناظم: وصغروا شذوذا ... ، البيت معترض من ثلاثة أوجه: أولها: أنه لم يبين الكيفية، بل ظاهره أن تصغيرها كتصغير المتمكن. وثانيها: أن قوله: "مع الفروع" ليس على عمومه؛ لأنهم لم يصغروا جميع الفروع. وثالثها: أن قوله: "منها تا وتِي" يوهم أن تِي صغر كما صغرتا، وقد نصوا على أنهم لم يصغروا من ألفاظ المؤنث إلا تا، وهو المفهوم من التسهيل، فإنه قال: لا يصغر من غير المتمكن إلا ذا والذي وفروعهما الآتي ذكره، ولم يذكر من ألفاظ المؤنث غير تا.
النسب
النسب: هذا الأعرف في ترجمته، وقال سيبويه: باب الإضافة. ويحدث بالنسب ثلاثة تغييرات: الأول: لفظي، وهو ثلاثة أشياء: إلحاق ياء مشددة آخر المنسوب إليه وكسر ما قبلها، ونقل إعرابه إليها. والثاني: معنوي، وهو صيرورته اسما لما لم يكن له. والثالث: حكمي، وهو معاملته معاملة الصفة المشبهة في رفعه المضمر والظاهر باطراد. وقد أشار إلى التغيير اللفظي بقوله: ياء كيا الكرسي زادوا للنسب ... وكل ما تليه كسره وجب يعني: أنهم إذا قصدوا نسبة شيء إلى شيء زادوا آخر المنسوب إليه ياء مشددة "كيا الكرسي" مكسورا ما قبلها كقولك في النسب إلى زيد: زيدي، ولم ينص على أن إعرابه ينقل إليها لوضوحه. ثم إنه قد ينضم إلى هذه التغييرات في بعض الأسماء تغيير آخر أو أكثر، فمن ذلك ما أشار إليه بقوله: ومثله مما حواه احذِفْ وتا ... تأنيث أو مدته لا تُثْبِتَا يعني: أنه يحذف لياء النسب كل ياء تماثلها في كونها مشددة بعد ثلاثة أحرف فصاعدا وتجعل ياء النسب مكانها، كقولك في شافعي: شافعي، وفي مرمي: مرمي. يقدر حذف الأولى وجعل ياء النسب في موضعها. فإن قلت: فهل يظهر لهذا التقدير أثر لفظي؟ قلت: يظهر أثره في نحو بخاتي جمع بختي -إذا سمي به- ثم نسب إليه، فإنك تقول: هذا بَخَاتِي1 مصروفا، وكان قبل النسب غير مصروف.
تنبيه: لا فرق في ذلك بين ما ياءاه زائدتان كشافعي، وبين ما إحدى ياءيه أصلية كمرمي "هذا هو الأفصح، وفصل بعض العرب، فقال في المرمي: مرموي؛ لأن ثاني ياء به أصلية، وسيأتي"1. وقوله: "تا تأنيث" يعني: أنها تحذف أيضا لياء النسب، فيقال في النسب إلى مكة: مكي؛ لئلا يجمعوا بين علامتي تأنيث في نحو: امرأة مكية. وقول العامة: درهم خليفتي -لحن. وقوله: "أو مدته" يعني: أن ألف التأنيث المقصورة، وهي إما رابعة أو خامسة فصاعدا، فإن كانت خامسة فصاعدا حذفت وجها واحدا، كقولك في حبارى: حُباري، وفي قبعثرى: قُبعثري2، وإن كانت رابعة في اسم ثانية متحرك حذفت كالخامسة كقولك في جَمَزَى: جَمَزِي3، وإن كان ثانيه ساكنا فوجهان: قلبها واوا وحذفها. وقد أشار إليها بقوله: وإن تكن تربع ذا ثان سَكَنْ ... فقلبها واوا وحذفها حَسَنْ مثال ذلك حبلى، فتقول على الأول: حبلوي، وعلى الثاني: حبلي. تنبيهات: الأول: يجوز مع القلب أن يفصل بينها وبين اللام بألف زائدة تشبيها بالممدود. الثاني: ليس في كلام الناظم ترجيح أحد الوجهين على الآخر، وليسا على حد سواء، بل الحذف هو المختار، وقد صرح به في غير هذا النظم.
الثالث: شذوا في بني الحبلى من الأنصار، فقالوا: الحبَلى -بفتح الباء. لشبهها الملحق والأصلي ما ... لها....................... يعني: أن الألف الرابعة إذا كانت للإلحاق نحو علقى، أو منقلبة عن أصل نحو ملهى، فلها ما لألف التأنيث من نحو حبلى من القلب والحذف، فتقول: علقوى وملهوى وعلقى وملهى. فأشار بقوله: ......................... ... .... وللأصلى قلب يُعتمى إلى ترجيح القلب في المنقلبة عن أصل، فملهوى أفصح من ملهى، يقال: اعتماده يعتميه، إذا اختاره، واعتامه يعتامه أيضا. قال طرفة1: أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد تنبيهات: الأول: أراد بالأصلي المنقلب عن أصل واو أو ياء؛ لأن الألف لا تكون أصلا غير منقلبة إلا في حرف وشبهه. الثاني: تخصيص الأصلي بترجيح القلب يوهم أن ألف الإلحاق ليست كذلك، بل تكون كألف التأنيث في ترجيح الحذف؛ لأنه مقتضى قوله: "ما لها"، وقد صرح في الكافية وشرحها بأن القلب في ألف الإلحاق الرابعة أجود من
الحذف كالأصيلة، لكن ذكر أن الحذف في ألف الإلحاق أشبه من الحذف في الأصلية؛ لأن ألف الإلحاق شبيهة بألف حبلى في الزيادة. الثالث: لم يذكر سيبويه في ألف الإلحاق والمنقلبة عن أصل غير الوجهين المذكورين، وزاد أبو زيد في ألف الإلحاق ثالثا وهو الفصل بالألف كما في حبلاوي، وحكي في أرطى أرطاوي، وأجازه السيرافي في الأصلية، فتقول: ملهاوي. والألف الجائز أربعا أَزِلْ ... ...................... إذا كانت ألف المقصور خامسة فصاعدا حذفت مطلقا سواء كانت أصلية أو كانت للتأنيث أو للتكثير نحو: مستدعى، وقرقرى، وقبعثرى، فتقول: مستدعيّ، وقرقريّ، وقبعثريّ. تنبيهان: الأول: إذا كانت الألف المنقلبة عن أصل خامسة بعد حرف مشدد نحو معلَّى. فمذهب سيبويه والجمهور الحذف، وهو مفهوم من إطلاق الناظم، ومذهب يونس جعله كملهى، فيجيز فيه القلب وهو ضعيف، وشبهته أن المضعف بإدغام في حكم حرف واحد فكأنها رابعة. الثاني: قد ظهر مما تقدم أن قولهم: مصطفوي خطأ، والصواب: مصطفى "وتقرير"1 النسب إلى المقصور أن تقول: إن كانت ألفه خامسة فصاعدا حذفت مطلقا خلافا ليونس في نحو معلى، وإن كانت رابعة، وهي ثلاثة أقسام: ألف تأنيث، وألف إلحاق، وأصلية. فألف التأنيث إن كان ثاني ما هي فيه متحركا حذفت، وإن كان ساكنا "ففيه"2 ثلاثة أوجه: الحذف. والقلب بلا فصل. والقلب مع الفصل، وأجودها الأول ثم الثاني ثم الثالث. وألف الإلحاق فيها الأوجه الثلاثة، وأجودها على رأي القلب.
والأصلية: فيها وجهان، وعلى رأي السيرافي ثلاثة، أجودها القلب إلا أن الحذف في الملحقة أشبه منه في الأصلية. وإن كانت ثالثة قلبت واوا مطلقا كقولك في فتى وعصا: فتوي وعصوي. فإن قلت: لم يصرح في النظم بحكم الألف الثالثة فمن أين يؤخذ؟ قلت: لما بين ما يحذف، علم أن ما عداه لا يحذف، بل يقلب. وقوله: .............................. ... كذاك يا المنقوص خامسا عزل يعني: أن المنقوص إذا نسب إليه حذفت ياؤه إن كانت خامسة فصاعدا، فتقول في معتد ومستعل: معتدي ومستعلي. تنبيه: إذا نسبت إلى محيي اسم فاعل حيا يحيى، حذفت الياء الأخيرة لأنها خامسة فتصير: محييي -بأربع ياءات- فيجوز فيه وجهان: أحدهما: أن تعامله معاملة قصي فتقول فيه: محوي كما تقول: قصوي، وسيأتي بيانه. والآخر: ألا تغيره ويغتفر الجمع بين أربع ياءات، فتقول: محييي. وقول ابن الحاجب: "وباب محيي جاء على محوي ومحييي كأمييي"1. وفي التنظير نظر؛ لأن أمييا شاذ، وأما محييي فهو وجه قوي. قال مبرمان: سألت أبا العباس: هل يجوز أن يحذف من محيي ياء لاجتماع الياءات؟ فقال: لا؛ لأن محييا جاء على فعله، واللام تعتل كما تعتل كما تعتل في الفعل. قال: والاختيار عندي محييي؛ لأني لا أجمع حذفا بعد حذف. ومن قال: محوي، يجب عليه مهيمي، وهذا هو الذي ذكره سيبويه. انتهى.
والحذف في اليا رابعا أحق من ... قَلْب وحتم قلب ثالث يَعِنّ يعني: إذا نسب إلى المنقوص فإن كانت ياؤه خامسة فصاعدا حذفت كما تقدم. وإن كانت رابعة فالأجود حذفها أيضا، فتقول في النسب إلى قاض: قاضيّ. وقد تقلب واوا بعد فتح ما قبلها، فيقال: قاضويّ، وعليه أنشدوا1: فكيف لنا بالشرب إن لم يكن لنا ... دراهم عند الحانويّ ولا نقد جعل اسم الموضع حانية، ونسب إليه. السيرافي: والمعروف في الموضع الذي يباع فيه الخمر حانة -بلا ياء. فإن قلت: هل يطرد هذا الوجه؟ قلت: ظاهر كلام المصنف اطراده، وذكر غيره أن القلب عند سيبويه من شواذ تغيير النسب. قيل: ولم يسمع إلا في هذا البيت. وإن كانت ثالثة قلبت واوا مطلقا، فتقول في فتى وعصا: فتوي وعصوي، وإنما قلبت واوا في فتى، وإن كان أصله الياء لئلا تجتمع الكسرة، والياءات.
وقوله: وأَوْل ذا القلب انفتاحا..... ... .......................... يعني: أن ياء المنقوص إذا قلبت واوا فتح ما قبلها كما تقدم تمثيله. واعلم أن فتح ما قبل الياء سابق على ما قبلها، وذلك أنه إذا أريد النسب إلى شج1 ونحوه، فتحت عينه كما تفتح عين نمر، وسيأتي. فإذا انفتحت قلبت الياء ألفا لتحريكها وانفتاح ما قبلها، فيصير شجى مثل فتى، تقلب ألفه واوا كما قلبت ألف فتى. فقد ظهر بهذا أن الياء لم تبدل واوا إلا بواسطة. فإن قلت: فما وجه فتح العين في قاض عند من قال: قاضوي، ونظيره من الصحيح لا تفتح عينه. قلت: هو نظير فتح لام تغلب عند بعض العرب، قال ذلك بعض النحويين. وقوله: ................ وفَعِل ... وفُعِل عينهما افتح وفِعْل يعني: أن المنسوب إليه إذا كان ثلاثيا مكسور العين فتحت عينه في النسب، سواء كان مفتوح الأول كنمر، أو مكسور الأول كإبل، أو مضموم الأول كدُئل2، فتقول في النسب إليها: نمري، وإبلي ودؤلي. فإن قلت: هل الفتح في ذلك على سبيل الوجوب أو على سبيل الجواز؟ قلت: بل على سبيل الوجوب، وقد نص على ذلك في شرح الكافية. وأما قوله في التسهيل: وتفتح غالبا عين الثلاثي المكسورة. فإنما أشار بقوله: غالبا إلى شذوذ قولهم في بنى الصعق: صعقي3 -بكسر الفاء والعين- وذلك أنهم كسروا الفاء إتباعا للعين، ثم استصحبوا ذلك بعد النسب شذوذا.
قال الشيخ أبو حيان: فتح العين في ذلك واجب لا نعلم فيه خلافا إلا ما ذكره طاهر القزويني في مقدمة له من أن ذلك على سبيل الجواز. تنبيهات: الأول: لو سميت ببعد فالقياس في النسب إليه بعدي -بفتح العين. الثاني: لو سميت بيزر مخفف يزأر، بالنقل فيه وجهان. الثالث: فهم من اقتصاره على الثلاثي أن ما زاد على الثلاثة مما قبل آخره كسرة لا يغير، فاندرج في ذلك ثلاث صور: الأولى: ما كان على خمسة أحرف نحو جحمرش1. والثانية: ما كان أربعة أحرف متحركات نحو جنَدل2. والثالثة: ما كان أربعة وثانيه ساكن نحو تغلب. فالأولان لا يغيران، وأما الثالث ففيه وجهان أعرفهما أنه لا يغير، والآخر أنه يفتح، وقد سمع الفتح مع الكسرة في: تغلبي ويحصبي ويثربي، وفي القياس عليه خلاف، وذهب المبرد وابن السراج والرماني ومن وافقهم إلى أنه جائز مطرد، وهو عند الخليل وسيبويه شاذ. وفي شرح الصفار ما ملخصه: أن الجمهور قالوا: يجوز الوجهان، وأن أبا عمرو قال: الفتح شاذ، وظاهر كلام الخليل وسيبويه ما تقدم. وقد ظهر بهذا أن قول الشارح: "وإن كانت الكسرة مسبوقة بأكثر من حرف جاز الوجهان" ليس بجيد؛ لشموله الصور الثلاث، وإنما الوجهان في نحو تغلب. وقيل في المرميّ مرمويّ ... واخْتِير في استعمالهم مرميّ
قد تقدم عند قوله: "ومثله مما حواه احذف" أنه لا فرق عند أكثر العرب بين ما ياءاه زائدتان، وبين ما إحدى ياءيه أصلية. ونبه هنا على أن من العرب من يفرق بين النوعين فيوافق في الأول على الحذف فيقول في النسب إلى شافعي: شافعي، وأما النوع الثاني فلا يحذف ياءيه، بل يحذف الزائدة منهما ويقلب الأصلية واوا، فيقول في النسب إلى مرمي: مرموي. فإن قلت: هل يقاس على مرمي وما أشبهه؟ قلت: صرح الشارح بأنه لغة، قال: وهذه قليلة، والمختار خلافها، وهو ظاهر كلامه في شرح الكافية. وفي الارتشاف: وشذ في مرمي مرموي. فإن قلت: هذا البيت متعلق بقوله: ومثله مما حواه احذف. فهلا قدمه كما فعل في الكافية؟ قلت: لعل سبب تأخيره هذا ارتباط الأبيات السابقة، فكل منها أخذ بحجز تاليه، فلم يلق به غير التأخير، وليس كذلك في الكافية. ونحو حَي فتح ثانيه يَجب ... واردده واوا إن يكن عنه قُلب إذا نسب إلى ما آخره ياء مشددة، فإما أن تكون مسبوقة بحرف، أو بحرفين، أو بثلاثة فصاعدا، فإن كانت مسبوقة بحرف لم يحذف من الاسم شيء عند النسب، ولكن يفتح ثانيه ويعامل معاملة المقصور الثلاثي، فإن كان ثانيه ياء في الأصل لم تزد على ذلك، كقولك في حي: حيوي، فتحت ثانيه فقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم قلبتها واوا لأجل ياء النسب، وإن كان ثانيه في الأصل واوا رددته إلى أصله، فتقول في طي: طووي؛ لأنه من طويت. وإن كانت مسبوقة بحرفين فسيأتي حكمها، وإن كانت مسبوقة بثلاثة فأكثر فقد تقدم حكمها. وعَلَمُ التثنية احذِفْ للنسَبْ ... ومثل ذا في جمع تصحيح وَجَبْ
يحذف من المنسوب إليه أيضا ما فيه من علامة تثنية وجمع تصحيح كقولك في من اسمه: مسلمان أو مسلمون أو مسلمات: مسلمي، واثنان وعشرون ونحوهما من الشبيه بالمثنى والمجموع كذلك، فتقول فيهما: اثني وثنوي وعشري، وتقول في أولات: أولي. تنبيه: هذا الحذف إنما هو على لغة من يعرب المثنى والمجموع الذي على حده بالحرفين. وأما من أجرى المثنى مجرى حمدان، والجمع مجرى غسلين، فإنه لا يحذف، فتقول في اسمه: زيدان، على الأول: زيدي، وعلى الثاني: زيداني، وفي نصيبين، على الأول: نصيبي، وعلى الثاني: نصيبيني. وثالث من نحو طيِّب حُذف ... وشذ طائي مقولا بالأَلِفْ إذا وقع قبل الحرف المكسور لأجل ياء النسب ياء مكسورة مدغم فيها أخرى، حذفت المكسورة كقولك في طيب: طيبي، وفي ميت: ميتي. فإن كانت الياء مفردة نحو مغيل، أو مشددة مفتوحة نحو هَبَيَّخ1، أو فصل بينها وبين المكسور نحو مهيم -تصغير مهيام مفعال من هام- لم تحذف، بل يقال في النسب إلى هذه: مغيلي، وهبيخي، ومهيمي، لنقص النقل بعدم الإدغام، وبالفتح والفصل. وقوله: "وشذ طائي" يعني: أن قياسه طيئي2 كطيي، ولكن تركوا فيه القياس فقالوا: طائي بإبدال الياء ألفا. تنبيهات: الأول: ذكروا أن المحذوف من طائي الياء الثانية، فإن الأولى قلبت ألفا.
وقال بعض المتأخرين: فيه نظر؛ لأن هذا الانقلاب لا يتعلق بهذا الباب، ومقتضى هذا الباب حذف الياء الثانية، وقد حذفت. قال: فوجه شذوذه أن يقال: حذفت الياء الأولى الساكنة وقلبت الثانية المتحركة ألفا، فطائي شاذ من حيث حذف الأولى، والقياس حذف الثانية. واعترض بأنه لو كان كذلك لم يكن القلب شاذا، وقد ذكر شذوذه في الإعلال، فالوجه أنهم حذفوا الثانية كما ذكرنا أولا، ولكن لما كان "هذا"1 القلب مختصا بحال النسب ذكروا شذوذه فيه. الثاني: قال أبو سعيد في كتابه المستوفي: وتقول في أيم: أيمي؛ لأنك لو حذفت الياء المتحركة لم يبقَ ما يدل عليها، قيل: وليس بتعليل واضح، ولو علل بالالتباس بالنسب إلى أيم لكان حسنا، وإطلاق سيبويه والنحاة يدل على أنه لا فرق بين نحو سيد وأيم. الثالث: لا فرق بين سيد ونحوه، وبين غزيل ونحوه -تصغير غزال- في الحذف فتقول: غزيلي. نص على ذلك غير واحد، وإن كان سيبويه لم يمثل إلا بغير المصغر. وفَعَلِي في فَعِيلَة التُزمْ ... وفُعَلِي في فُعِيلة حُتِمْ مثال فعيلة حنيفة، فإذا نسبت إليها حذفت تاؤها وياؤها، وفتحت عينها، فيقال: حنفي، ومثال فُعيلة: جهينة، فإذا نسب إليها حذفت تاؤها وياؤها أيضا فتقول: جهني. تنبيهات: الأول: قوله: "التزم وحتم" ويعني: فيما لم يشذ، ويشذ من فعيلة سليقى في سليقة وسليمى في سليمة الأزد، وعميرى في عميرة كلب، والسليقى الذي يتكلم بأصل طبيعته معربا، قال الشاعر2:
ولست بنحوي يلوك لسانه ... ولكن سُلَيْقِي أقول فأعرب وأشذ من ذلك قولهم: عبدي وجذمي، في بني عبيدة وجذيمة. لأن ما تقدم رجوع إلى أصل مرفوض، وأما الضم فلا وجه له. وشذ من فعيلة رديني في ردينة وحزيني في حزينة -وهو من أسماء البصرة. الثاني: لو سمي باسم شذت العرب في النسب إليه لم ينسب إليه إلا على ما يقتضيه القياس. الثالث: ما ذكر من أنه يقال في فعيلة فعليّ، وفي فعيلة فعلي له شرطان: الأول: عدم التضعيف، والثاني: ألا تعتل العين، واللام صحيحة. وسيأتي التنبيه على هذين الشرطين. وألحقُوا معل لام عَرِيَا ... من المثالين بما التا أُولِيَا يعني: بالمثالين فعيلة وفعيلة، فإذا عريا من التاء وصارا على فعيل وفعيل، وقصد النسب إليهما، فإما أن يكونا معتلي اللام أو صحيحي اللام. فإن كانا معتلي اللام ألحقا بفَعيلة وفُعيلة في حذف الياء وفتح ما قبلها إن كان مكسورة فيقال في عدي وقصي: عدوي وقصوي. كما يقال في غنية وأمية: غنوي وأموي.
فإن قلت: هل إلحاق عدي وقصي بما ختم بالتاء واجب أم جائز؟ قلت: صرح في الكافية بأن ذلك واجب، وصرح به الشارح أيضا، وذكر بعضهم فيهما وجهين: الحذف والإثبات، ولم يذكر سيبويه في عدي إلا الحذف. وذكر فيه الفارسي: وجهي عدي، ونقل عن يونس: الإثبات في عدي فتقول: عَدِيِّيّ. تنبيه: استثنى بعضهم من فعيل ما كان نحو كُسي تصغير كساء، فإن النسب إليه كُسَيِّيّ -بياءين مشددتين- قال: ولا يجوز غيره، وأجاز بعض النحويين كُسَوِي. وإن كانا صحيحي اللام فالمطرد فيهما عدم الحذف كقولهم في عَقيل وعُقيل: عَقيلي وعُقيلي، هذا مذهب سيبويه، وهو مفهوم قوله: "معل لام". وذهب المبرد إلى جواز الحذف فيهما، فالوجهان عنده مطردان قياسا على ما سمع من ذلك، وهو قولهم: قرشي وهذلي وصبري في بني صبير، وفقمي في بني فقيم كنانة، وأما فقيم دارم فلم يشذوا فيه، وملحي في مليح خزاعة، وأما مليح سعد فلم يشذوا فيه، وقومي في قويم، وسلمي في سليم، وقالوا في ثقيف: ثقفي. ووافق السيرافي المبرد وقال: الحذف في هذا خارج عن الشذوذ، وهو كثير جدا في لغة أهل الحجاز، قيل: وتسوية المبرد بين فعيل وفعيل ليست بجيدة؛ إذ سمع الحذف في فعيل كثيرا، ولم يسمع في فعيل إلا في ثقيف، فلو فرق بينهما لكان أسعد بالنظر. وتَمموا ما كان كالطويله ... وهكذا ما كان كالجليله يعني: أن ما كان من فَعيلة وفُعيلة معتل العين صحيح اللام، نحو: طويلة1 ونويرة2، أو مضاعفا نحو: جليلة وقُديدة، فإنه ينسب إليه على لفظه متمما، فتقول: طويلي ونويري، وجليلي وقديدي؛ فرارا من تحريك حرف العلة في المعتل، ومن اجتماع المثلين في المضاعف.
تنبيهات: الأول: من هذا البيت يؤخذ الشرطان المشار إليهما فيما مضى. الثاني: الشرطان معتبران في فُعيلة وفَعيلة كليهما، ولا أثر لخصوصية المثال. الثالث: لم يذكر الشارح في فعيلة -بضم الفاء- إلا شرطا واحدا، وهو عدم التضعيف، وقال في فعيلة -بالفتح- إن لم يكن معتل العين، ولا مضاعفا، فأخل فعيلى بشرط. وأطلق في قوله: إن لم يكن معتل العين، وكان ينبغي أن يقول: صحيح اللام؛ لأن الشرط عدم مجموع الأمرين؛ ليحترز بذلك من نحو طوية وحيية، فإنه يقال فيهما: طووي وحيوي. الرابع: لم يذكر الناظم هنا فعولة نحو شنوءة1 والنسب إليها فعلي كالنسب إلى حنيفة فيقال: شنئي -بالشرطين المذكورين- هذا مذهب سيبويه، وذهب المبرد والأخفش إلى أن النسب "إلى"2 ذلك على لفظه، فيقال في حمولة: حمولي. وذهب ابن الطراوة إلى أنك تحذف الواو وتترك ما قبلها مضموما، فتقول: حملي. والصحيح مذهب سيبويه؛ لورود السماع في شئوءة، وفي الغرة: نسبة هذا المذهب إلى سيبويه والأخفش، وهو وهم. فإن قلت: كيف جعل سيبويه ذلك قياسا، ولم يرد غير هذه اللفظة؟ قلت: لأنه لم يرد ما يخالفها، وهذا معنى قول بعضهم؛ لأنها جميع ما سمع، فإن اعتلت عين فعولة نحو قوولة، أو كان مضاعفا نحو ضرورة لم تحذف منه الواو، وفعولة المعتل اللام نحو عدوة كشنوءة في حذف الواو، فتقول: عدوي، خلافا للمبرد، أنه يقول عدوي على لفظه، وتقدم أن مذهبه في شنوءة كذلك.
وأما فعول -بغير تاء- فينسب إليه على لفظه باتفاق، فتقول في سلول وعدو: سلولي وعدوي. وهمز ذي مد يُنال في النسب ... ما كان في تثنية له انتسب حكم الهمزة الممدودة في النسب كحكمها في التثنية، فإن كانت للتأنيث قلبت واوا، كقولك في حمراء: حمراوي. وإن كانت أصيلة سلمت، كقولك في قراء: قراءان1، فتقول في النسب إليه: قرائي، وإن كانت بدلا من أصل أو للإلحاق فوجهان، كقولك في كساء وعلباء2: كساءان وعلباءان، وإن شئت: كساوان وعلباوان. "فتقول في النسب إليهما: كسائي وعلبائي وكساوي وعلباوي"3. تنبيهات: الأول: مقتضى كلامه هنا أن الأصلية تتعين سلامتها، وصرح بذلك الشارح، فقال: وإن كانت أصلا غير بدل وجب أن تسلم، وذكر في التسهيل فيها الوجهين، وقال: أجودهما التصحيح. الثاني: قال في شرح الكافية: ما شذ في التثنية نحو كسايين، فلا يقاس عليه على النسب. وانْسُب لصدر جملة وصدر ما ... رُكب مزجا................ المركب أربعة أقسام: إسنادي، وشبيه به، ومزجي، وإضافي. أما الإسنادي والشبيه به فينسب إلى صدره، مثال الإسنادي تأبط شرا فتقول فيه: تأبطي. ومثال الشبيه به لولا وحيثما -مسمى بهما- فتقول فيهما: لوي بالتخفيف وحيي، وقياس النسب إلى كنت: كوني، برد الواو لزوال سبب حذفها، وقالوا:
كنتي، وكنتني -بزيادة نون- وكلاهما شاذ، وأجاز الجرمي النسب الثاني فتقول: شري، في تأبط شرا. تنبيه: قوله: "وانسب لصدر جملة" أجود من قوله في التسهيل: "ويحذف لها -يعني ياء النسب- عجز المركب" لأنه لا يقتصر في الحذف على العجز، بل يحذف ما زاد على الصدر، فلو سميت بخرج اليوم زبد، قلت: خرجي. وأما المزجي ففي النسب إليه خمسة أوجه: الأول: مقيس اتفاقا، وهو النسب إلى صدره، فتقول في بعلبك: بعلي، وكذا حكم خمسة عشر، فتقول: خمسي. الثاني: أن ينسب إلى عجزه، فتقول: بكي، وهذا الوجه أجازه الجرمي ولا يجيزه غيره، ولم يسمع إلى العجز مقتصرا عليه. الثالث: أن ينسب إليهما معا مزالا تركيبهما، فتقول: بعلي، بكي، وهذا أجازه قوم منهم أبو حاتم1 قياسا على قول الشاعر2: تزوجتها رامية هرمزية ... .....................
وظاهركلام أبي الحسن في الأوسط موافقته. الرابع: أن ينسب إلى مجموع المركب فقالوا: بعلبكي. الخامس: أن يبنى من جزأي المركب اسم على فعلل وينسب إليه، قالوا في حضرموت: حضرمي. وهذان الوجهان شاذان يقتصر فيهما على ما سمع لا نعلم في ذلك خلافا. وأما الإضافي فقد نبه عليه بقوله: ........................... ... ............... ولثمان تَمما إضافة مبدوءة بابن أو ابْ ... أو ماله التعريف بالثاني وجب فيما سوى هذا انسبن للأول ... ما لم يُخف لَبْسٌ كعبد الأشهل وحاصله أن المركب تركيب إضافة ينسب إلى عجزه في أربعة مواضع: الأول: ما كان مبدوءا بابن، نحو ابن الزبير، فتقول: زبيري. الثاني: ما كان كنية وإليه الإشارة بقوله "أو اب" فتقول في أبي بكر: بكري. الثالث: "ما تعرف"1 صدره بعجزه، ومثله الشارح بغلام زيد، فتقول: زيدي. الرابع: ما يخاف اللبس من حذف عجزه كعبد الأشهل وعبد مناف، فتقول فيهما: أشهلي ومنافي. وما سوى هذه المواضع ينسب فيه للصدر كقولك في امرئ القيس: امرئي ومرئي. تنبيهات: الأول: ظاهر كلامه في الكافية وشرحها أن المبدوء بابن من قبيل ما تعرف به الأول بالثاني. قال في شرحها: وإذا كان الذي ينسب إليه مضافا وكان معرفا صدره بعجزه، أو كان كنية حذف صدره ونسب إلى عجزه، كقولك في ابن
الزبير: زبيري، وفي أبي بكر: بكري، انتهى. وكذا قال الشارح، إلا أنه زاد في المثل غلام زيد، وعلى هذا فقول الناظم: "أو ما له التعريف بالثاني" عن عطف العام على الخاص؛ لاندراج المصدر بابن فيه. وفي تمثيل الشارح بغلام زيد نظر؛ لأنهم يعنون بالمضاف هنا ما كان علما غالبا لا مثل غلام زيد، فإنه ليس لمجموعه معنى مفرد ينسب إليه، بل يجوز أن ينسب إلى غلام وإلى زيد، ويكون ذلك من قبيل النسب إلى المفرد لا إلى المضاف، وإن أراد غلام زيد مجعولا علما فليس من قبيل ما تعرف فيه الأول بالثاني، بل هو من قبيل ما ينسب إلى صدره ما لم يخف لبس. والله أعلم. والثاني: شذ بناء فعلل، من جزأي الإضافي منسوبا إليه، كما شذ ذلك في المركب المزجي، والمحفوظ من ذلك: تيملي، وعبدري، ومرقسي، وعبقسي، وعبشمي، في تيم اللات، وعبد الدار، وامرئ القيس بن حجر الكندي، وعبد القيس، وعبد شمس. واجبُرْ برد اللام ما منه حُذف ... جوازا إن لم يك رده أُلف في جمعي التصحيح أو في التثنيه ... وحق مجبور بهذي تَوْفِيَه إذا نسب إلى الثلاثي المحذوف، لم يخل من أن يكون محذوف الفاء أو العين أو اللام. فإن كان محذوف الفاء أو العين، فسيأتي. وإن كان محذوف اللام فإما أن يجبر في التثنية كأب وأخ، أو في الجمع بالألف والتاء كعضة وسنة، أو لا، فإن جبر فيهما وجب جبره في النسب فتقول: أبوي وأخوي وعضوي وسنوي أو عضهي وسنهي على الخلاف في المحذوف، فهذا ونحوه يجب جبره؛ لأن جبر في التثنية والجمع بالألف والتاء كقولك: أبوان وأخوان، وعضوات وسنوات، أو عضهات وسنهات على الوجهين، وإن لم يجبر في التثنية ولا في الجمع بالألف والتاء لم يجب جبره في النسب بل يجوز فيه الأمران نحو: حر وغد وشفة وثبة، فيجوز في النسب إليها: حري وغدي وشفي وثبي -بالحذف- وحرحي، وعدوي، وشفهي، وثبوي -بالرد- والمحذوف من الحر الحاء، ومن غد الواو، ومن شفة الهاء، ومن ثبة الياء.
تنبيهات: الأول: ما ذكرته واضح فهمه من كلام الناظم، إلا أن ذكره لجمعي التصحيح فيه نظر؛ إذ لا تظهر فائدة لذكر جمع التصحيح المذكر، وقد اقتصر في التسهيل على الجمع بالألف والتاء. والثاني: أطلق في قوله: جوازا إن لم يك رده أُلف وهو مقيد بألا تكون العين معتلة، فإن كانت عينه معتلة وجب جبره كما ذكره في الكافية والتسهيل، وإن لم يجبر في التثنية وجمع التصحيح، احترازا من نحو شاة، وذي بمعنى صاحب، فتقول في شاة: شاهي، وعلى أصل الأخفش: شوهي، وقد حكي أنه رجع عنه وسيأتي بيانه، وفي ذي: ذووي اتفاقا؛ لأن وزنه عند الأخفش فعل كمذهب سيبويه. الثالث: إذا نسب إلى يد ودم جاز الوجهان عند من يقول: يدان ودمان، ووجب الرد عند من يقول: يديان ودميان. الرابع: إذا نسب إلى ما حذفت لامه وعوض منها همزة الوصل جاز أن يجبر وتحذف الهمزة، وألا يجبر وتستصحب، فتقول في ابن واسم: بنوي وسموي، على الأول، وابني واسمي على الثاني. الخامس: مذهب سيبويه وأكثر النحويين أن المجبور تفتح عينه وإن كان أصله السكون. وذهب الأخفش إلى تسكين ما أصله السكون، فتقول في يد ودم وغد وحر -على مذهب الجمهور: يدوي، ودموي، وغدوي، وحرحي بالفتح، وعلى مذهب الأخفش: يدي، ودميي، وغدوي، وحرحي -بالسكون- لأنه أصل العين في هذه الكلمات، والصحيح مذهب سيبويه، وبه ورد السماع قالوا في غد: غدوي، وحكي عن أبي الحسن أنه رجع في الأوسط إلى مذهب سيبويه، وذكره سماعا عن العرب. وبأخ أختا وبابن بنتا ... ألحِقْ ويونس أَبَى حَذْف التا
اختلف في النسب إلى أخت وبنت. قال الخليل وسيبويه كالنسب إلى أخ وابن - بحذف التاء ويرد المحذوف، تقول: أخوى وبنوى، كما تقول في المذكر، وقال يونس: ينسب إليهما على لفظهما ولا تحذف التاء، فتقول: أختي وبنتي، لأن التاء فيهما للإلحاق. والزمه الخليل أن ينسب إلى هنت ومنت - بإثبات التاء، وهو يقول به، وله أن يفرق بأن التاء فيهما لا تلزم، بخلاف بنت وأخت، لأن التاء في هنت في الوصل خاصة وفي منت في الوقف خاصة. تنبيهات: الأول: حكم نظائر أخت وبنت حكمهما وهي: ثنتان، وكلتا، وذيت، وكيت، فالنسب إليها عند سيبويه كالنسب إلى مذكراتها، فتقول: ثنوى، وكلوى، وذيوى، وكيوى، وعلى مذهب يونس تقول: ثنتى، وكلتى أو كلتوى، وذيتى، وكيتى. وذكر بعضهم في النسب إلى كلتا على مذهب يونس: كلتى وكلتوى وكلتاوى كالنسب إلى حبلى بالوجه الثلاثة. الثاني: ذهب الأخفش في أخت وبنت ونظائرهما إلى مذهب ثالث، وهو حذف التاء وإقرار ما قبلها على سكونه وما قبل الساكن على حركته، فتقول: أخوى وبنوى وكلوى وثنوى، وقياس مذهبه في كيت وذيت - إذا رد المحذوف - أن ينسب إليهما كما ينسب إلى حي، فتقول: كيوى وذيوى. الثالث: قد اتضح مما سبق أن أختا وبنتاً حذفت لامهما، لأن النحويين ذكروهما فيما حذفت لامه، فالتاء إذن فيهما عوض من اللام المحذوفة، وإنما حذفت في النسب على مذهب سيبويه لما فيها من الإشعار بالتأنيث، وإن لم تكن متمحضة للتأنيث. وظاهر مذهب سيبويه أن تاء كلتا كتاء بنت وأخت، وأن الألف للتأنيث، وعلى هذا ينبني ما سبق، وذهب الجرمي إلى ان التاء زائدة، والألف لام الكلمة، ووزنه فِعْتَل، وهو ضعيف، لأن التاء لا تزاد وسطاً، فإذا نسب إليه على مذهبه قلت: كلتوى: وقيل: إن التاء بدل من الواو، والأصل كلوى. فإذا نسب إليه على هذا القول قلت: كلتى، هكذا ذكر بعضهم.
والمشهور في النقل عن جمهور البصريين أن التاء في كلتا بدل من الواو التي هي لام الكلمة ووزنها فعلى، وصرح ابن الحاجب في شرح المفصل بأن اصل كلتا عند سيبويه كلوي، ووزنه فعلى أبدلت الواو إشعارا بالتأنث تاء، وإذا كان هذا مذهب سيبويه والجمهور فالذي ينبغي أن يقال في النسب إليه: كلتي، كما تقدم عن بعضهم، وأيضا فلا ينبغي على هذا القول أن يعد فيما حذفت لامه؛ لأن ما أبدلت لامه لا يقال فيه: محذوف اللام في الاصطلاح، والإلزام أن يقال في نحو "ماء" محذوف اللام، والذي يظهر من مذهب سيبويه ومَن وافقه أن لام كلتا محذوفة كلام أخت وبنت، والتاء في الثلاثة عوض من اللام المحذوفة كما قدمته أولا، ولا يمتنع أن يقال: هي بدل من الواو، إذا قصد هذا المعنى، كما قال بعض النحويين في تاء بنت وأخت: إنها بدل من لام الكلمة، وأما إن أريد البدل الاصطلاحي فلا؛ لأن بين الإبدال والتعويض فرقا يذكر في موضعه. الرابع: النسب إلى ابنة ابنتي وبنوي كالنسب إلى ابن اتفاقا؛ إذ التاء فيها ليست عوضا كتاء بنت. وضاعِفِ الثاني من ثنائي ... ثانيه ذو لين كلا ولائي إذا نسب إلى الثنائي وضعا، فإن كان ثانيه حرفا صحيحا جاز فيه التضعيف وعدمه، فتقول في كم: كَمِيّ، وكَمِّىّ، وإن كان ثانيه حرف لين ضعف بمثله إن كان ياء أو واوا فتقول في كي ولو: كيوي ولووي؛ لأن كي لما ضعف صار مثل حي، ولو لما ضعف صار مثل الدو1، وإن كان ألفا ضوعفت وأبدل مضعفها همزة، فتقول فيمن اسمه لا: لائي، وإن شئت أبدلت الهمزة واوا، فقلت: لاوي. تنبيه: إذا نسب إلى اللات -اسم الصنم- قلت: لائي، ولاوي، كما ينسب إلى
لا؛ لأن تاءه تحذف ولا يدرى ما لامه فعومل عاملة لا، هذا مذهب سيبويه. ومن زعم أن لامه هاء، وأن أصله ليه قال: لاهي، كما تقول: شاهي. وإن يكن كشِيَة ما الفا عَدِمْ ... فجبره وفتح عينه التُزم تقدم الكلام على محذوف اللام، وذكر في هذا البيت محذوف الفاء، ولا يخلو محذوف الفاء من أن تكون لامه صحيحة كعدة أو معتلة كشية1، فإن كانت صحيحة لم يجبر فتقول في النسب إلى عدة: عدي، وإن كان معتل اللام جبر برد فائه، فتقول في شية وشوي، على مذهب سيبويه؛ لأنه لا يرد العين إلى أصلها من السكون، بل يفتح العين مطلقا ويعامله معاملة المقصور، وتقول على مذهب أبي الحسن: وشيي -برد أصله- وجزم هنا بمذهب سيبويه. فإن قلت: فمن أين يؤخذ من كلامه اشتراط اعتلال اللام؟ قلت: من قوله: "كشية". تنبيه: بقي من المحذوف قسم ثالث لم يبين حكمه، وهو محذوف العين، فتقول: المحذوف العين إن كانت لامه صحيحة لم يجبر، كقولك في: سه ومذ -مسمى بهما- سهي ومذي، كذا أطلق كثير من النحويين، وليس كذلك، وهو مقيد بألا يكون من المضاعف، نحو: رب -المخففة- بحذف الباء الأولى- إذا سمي بها ونسب إليها، فإنه يقال: ربي -برد المحذوف- نص عليه سيبويه، ولا يعرف فيه خلافا، وإن كانت لامه معتلة نحو المري ويري -مسمى بهما- جبر، فتقول فيهما: المرئي واليرئي -برد المحذوف. والواحد اذكر ناسبا للجمع ... إن لم يشابه واحدا بالوضع 1 الشية: العلامة، وكل لون يخالف معظم اللون -من الفرس وغيره- وأصل شية: وشي، حذفت الواو ونقلت حركتها إلى الشين وزيدت تاء التأنيث عوضا عن الواو المحذوفة.
الجمع ثلاثة أقسام: قسم أهمل واحده كعباديد1، وقسم له واحد شاذ كملامح فإن واحده لمحة، وقسم له واحد قياسي. فالأول: ينسب إليه بلفظه فتقول: عباديدي. "والثاني فيه خلاف؛ ذهب أبو زيد إلى أنه كالأول فنيسب إلى لفظه، فتقول: ملامحي"2. وحكي أن العرب قالت في المحاسن: محاسني، وغيره ينسب إلى واحده، وإن كان شاذا، فيقول في النسب إلى ملامح: لمحي. والثالث: إذا غلب نسب إلى لفظه فتقول في الأنصار والأبناء، وهم قوم من أبناء فارس: أنصاري وأبنائي، وإن لم يغلب نسب إلى واحده، فتقول في فرائض وكتب وقلانس: فرضي وكتابي وقلنسي، وقول الناس: فرائضي وكتبي وقلانسي -خطأ، وقد أجاز ذلك قوم، وذهبوا في قمري إلى أنه منسوب إلى الجمع من قولهم: طيور قمر، وكذا دبسي منسوب عندهم إلى طيور دبس، وهو عند غيرهم منسوب إلى القمرة -وهي البياض- وإلى الدبسة، ويحتمل أن يكونا مما بني على ياء مشددة نحو كرسي. هذا "التقسيم"3 في الجمع الباقي على جمعيته، فإن سمي به نسب إلى لفظه؛ لأنه صار واحدا، كقولك في كتاب وأنمار ومدائن ومعافر: كلابي وأنماري ومعافري. وقد يرد الجمع المسمى به إلى الواحد إن أمن اللبس، ومثال ذلك الفراهيد -علم على بطن من أسد- فقالوا: الفراهيدي على اللفظ، والفرهودي نسبا إلى واحده لأمن اللبس؛ إذ ليس لنا قبيلة تسمى بالفرهود. فإن قلت: إن كلام الناظم هنا لا يفي بهذا التفصيل؟ قلت: قوله: "إن لم يشابه واحدا" يمكن أن يجعل شاملا لثلاثة أنواع:
أولها: نحو أنمار مما جعل علما. والثاني: نحو أنصار مما غلب فصار كالعلم. والثالث: نحو عباديد مما أهمل واحده؛ لأنه بسبب إهمال واحده شابه نحو قوم ورهط مما لا واحد له، وإذا كان كلامه شاملا لهذه الثلاثة فهو وافٍ بالمطلوب؛ لأن حاصله حينئذ أن الجمع لا ينسب إلى لفظه، بل إلى واحده إلا في ثلاثة مواضع، وهو صحيح. تنبيه: إذا نسب إلى نحو تمرات وأرضين وسنين باقية على جمعيتها قيل: تمري، وأرضي، وسنهي أو سنوي، على الخلاف في لامه، وإذا نسب إليها أعلاما التزم فتح العين في الأولين، وكسر الفاء في الثالث. ومع فاعِل وفَعَّال فَعِل ... في نسب أغن عن اليا فقُبِلْ يستغنى عن ياء النسب بصوغ فاعل إن قصد صاحب الشيء، كقولهم: لابن وتامر أي: صاحب لبن وتمر، وبفعّال إن قصد الاحتراف، كقولهم: بزّاز وعطّار، وقد يقوم أحدهما مقام الآخر، فمن قيام فاعل مقام فعال قولهم: حائك في معنى حواك؛ لأنه من الحرف؛ ومن عكسه قول امرئ القيس1:
وليس بذي رمح فيطعنني به ... وليس بذي سيف وليس بنبال أي: وليس بذي نبل. قال المصنف: وعلى هذا حمل المحققون قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} 1. أي: بذي ظلم. وقد يؤتى بياء النسب في بعض ذلك، قالوا لبياع العطر ولبياع البتوت -وهي الأكسية- عطار وعطري، وبتات وبتي. وقد يستغنى عن ياء النسب بفَعِل بمعنى صاحب كذا، كقولهم: رجل طَعِم ولَبِس وعَمِل بمعنى ذي طعام وذي لباس وذي عمل، أنشد سيبويه2: لست بلَيْليّ ولكني نَهِر ... ..................... أي: عامل بالنهار.
تنبيهان: الأول: قد يستغنى أيضا عن ياء النسب بمفعال، كقولهم: امرأة معطار -أي: ذات عطر- ومفعيل. كقولهم: ناقة محضير، أي: ذات حضر، وهو الجري. الثاني: هذه الأبنية غير مقيسة، وإن كان بعضها كثيرا، هذا مذهب سيبويه. قال: لا يقال لصاحب الدقيق دقاق، ولا لصحاب الفاكهة فكاه، ولا لصاحب البر برار، ولا لصاحب الشعير شعار، والمبرد يقيس هذا. وغير ما أسلفته مقررا ... على الذي يُنقل منه اقُتصرا يعني: أن ما جاء من النسب مخالفا للأقيسة المتقدم ذكرها، فهو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وبعضه أشذ من بعض، فمن قولهم في النسب في البصرة: بِصري -بكسر الباء- وإلى الدهر: دُهري -بضم الدال- وإلى مرو: مروزي، وإلى الري: رازي. ومن ذلك قولهم: عميري من عميرة كلب، وقد تقدمت أمثلة منه أثناء الباب.
الوقف
الوقف: هو قطع النطق عند آخر الكلمة، والمراد هنا الاختياري، وهو غير الذي يكون استثباتا وإنكارا وتذكرا وترنما، وغالبه يلزمه تغييرات، وترجع إلى سبعة أشياء: السكون، والروم، والإشمام، والإبدال، والزيادة، والحذف، والنقل، وهذه الأوجه مختلفة في الحسن والمحل، وسيأتي مفصلة إن شاء الله تعالى. تنوينا إثر فتح اجعل ألفا ... وقفا وتلو غير فتح احذفا في الوقف على المنون ثلاث لغات: الأولى: وهي الفصحى، أن يوقف عليه بإبدال تنوينه ألفا إن كان بعد فتحة، وبحذفه إن كان بعد ضمة أو كسرة، كقولك: رأيت زيدَا، وهذا زيدْ، ومررت بزيدْ. والثانية: أن يوقف عليه بحذف التنوين وسكون الآخر مطلقا، وذكر ذلك أبو الحسن وقطرب وأبو عبيد والكوفيون، ونسبها المصنف إلى ربيعة. قال في الإفصاح: والجماعة يرون أن هذا مما جاء في الشعر، ولا يجوز في الكلام. والثالثة: أن يوقف عليه بإبدال التنوين ألفا بعد الفتحة، وواوا بعد الضمة، وياء بعد الكسرة، ونسبها المصنف إلى الأزد، وقيده غيره بأزد السراة. وزع أبو عثمان أنها لغة قوم من أهل اليمن ليسوا فصحاء واقتصر هنا على الفصحاء. تنبيهات: الأول: شمل قوله: "إثر فتح" فتحة الإعراب، نحو: رأيت زيدا، وفتحة البناء نحو: أيها وويها، فكلا النوعين يبدل تنوينه ألفا على المشهور. الثاني: يستثنى من المنون المنصوب ما كان مؤنثا بالتاء "نحو قائمة"1؛ فإن تنوينه لا يبدل بل يحذف، وهذا لغة من يقف بالهاء وهي الشهيرة، وأما من وقف
بالتاء فبعضهم يجريها مجرى سائر الحروف، فيبدل التنوين ألفا؛ فيقول: رأيت قائمتا، وأكثر أهل هذه اللغة يسكنها لا غير. الثالث: المقصور المنون يوقف عليه بالألف، نحو: رأيت فتى، وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب: الأول: أنها بدل من التنوين في الأحوال الثلاث، واستصحب حذف الألف المنقلبة وصلا ووقفا، وهو مذهب أبي الحسن والفراء والمازني، وهو المفهوم من كلام الناظم هنا؛ لأنه تنوين بعد فتحة. والثاني: أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاث، وأن التنوين حذف؛ فلما حذف عاد الألف، وهو مروي عن أبي عمرو والكسائي والكوفيين، وإليه ذهب "ابن كيسان والسيرافي، ونقله ابن الباذش عن سيبويه والخليل، وإليه ذهب"1 المصنف في الكافية، قال في شرحها: ويقوي هذا المذهب ثبوت الرواية بإمالة الألف وقفا والاعتداد بها رويا وبدل التنوين غير صالح لذلك. انتهى. ومثال الاعتداد بها رويا قول الشاعر2:
إنك يابن جعفر نعم الفتى ... ....................... إلى قوله: ورب ضيف طرق الحي سُرى ... ............................ والثالث: اعتباره بالصحيح؛ فالألف في النصب بدل من التنوين، وفي الرفع والجر بدل من لام الكلمة، وهذا مذهب سيبويه فيما نقله أكثرهم. قيل: وهو مذهب معظم النحويين، وإليه ذهب أبو علي في غير التذكرة، وذهب في التذكرة إلى موافقة المازني. واحذف لوقف في سوى اضطرار ... صلة غير الفتح في الإضمار إذا وقف على هاء الضمير الموصولة حذفت صلتها إن كانت مضمومة أو مكسورة نحو: لَهْ وبِهْ، تحذف الواو والياء وتقف على الهاء ساكنة، وإن كانت مفتوحة نحو رأيتها وقف على الألف ولم تحذف. واحترز بقوله: "في سوى اضطرار" من وقوع ذلك في الشعر، وإنما يكون ذلك آخر الأبيات، وذكر في التسهيل: أنه قد يحذف ألف ضمير الغائبة منقولا فتحة إلى ما قبله، اختيارا، كقول بعض طيئ: "والكرامة ذات أكرمكم الله بهْ" يريد: بها1، واستشكل قوله: "اختيارا" فإنه يقتضي جواز القياس عليه، وهو قليل. وأشْبَهَتْ إذًا منونا نُصب ... فألفا في الوقف نونها قُلب اختلف في الوقف على إذًا، فذهب الجمهور "إلى"2 أنه يوقف عليها بالألف لشبهها بالمنون المنصوب، وذهب بعضهم إلى أنه يوقف عليها بالنون لأنها بمنزلة أن، ونقل عن المازني والمبرد، واختلف النحويون أيضا في رسمها على ثلاثة مذاهب: أحدها: أنها تكتب بالألف؛ لأنها يوقف عليها بالألف، قيل: وهو الأكثر، وكذلك رسمت في المصحف، ونسب هذا القول إلى المازني، وهو مخالف لما نقل عنه أولا.
والثاني: أنها تكتب بالنون، قيل: وإليه ذهب المبرد والأكثرون، وعن المبرد: اشتهى أن أكوي يد من يكتب إذن بالألف؛ لأنها مثل أن ولن، ولا يدخل التنوين في الحروف. والثالث: التفصيل، فإن ألغيت كتب بالألف لضعفها، وإن أعملت كتبت بالنون لقوتها، قاله الفراء. وقال ابن عصفور: الصحيح كتبها بالنون "لأنها يوقف عليها عنده بالنون"1 وللفرق بينها وبين إذا الظرفية، ولا إشكال أن من وقف عليها بالنون يكتبها بالنون. وينبغي أن يكون هذا الخلاف مفرعا على قول من يقف بالألف. فإن قلت: إذا فرعت على الوقف بالألف فالقياس أن تكتب بالألف؛ لأن الأصل في كل كلمة أن تكتب بصورة لفظها بتقدير الابتداء بها والوقف عليها، فلا وجه لقول من يكتبها بالنون، ويقف "عليها"2 بالألف. قلت: بل له وجه ظاهر وهو التفرقة بينها وبين إذا الظرفية، ألا ترى أن نون التوكيد الخفيفة تبدل بعد الفتحة ألفا بغير خلاف. وقد فصلوا في رسمها فقالوا: تكتب بالألف إن لم تلبس نحو "لنسفعا"3 وبالنون إن التبست نحو: اضربن ولا تضربن؛ إذ لو كتبت بالألف في مثل هذا لالتبست بألف الاثنين. وحذف يا المنقوص ذي التنوين ما ... لم يُنصب أولى من ثبوت فاعلما إذا وقف على المنقوص المنون، فإن كان منصوبا أبدل من تنوينه ألف نحو رأيت قاضيا، وإن كان غير منصوب فالمختار الوقف عليه بالحذف، ويجوز الوقف برد الياء، وبه قرأ ابن كثير في بعض المواضع، كقوله تعالى: "وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادي"4.
وكل هذا ظاهر من البيت، وأما غير المنون فسيأتي. تنبيهات: الأول: في هذا البيت إطلاق يقيده تاليه. الثاني: فهم من قوله: "ما لم ينصب" أن المنصوب المنون لا حذف فيه؛ لأن ياءه تحصنت بألف التنوين، وحكى الأبدي: أن من العرب من يقف عليها بحذف التنوين، وعلى ذلك بنَى المتنبي قوله1: ألا أذن فيما أذكرت ناسي ... ......................... الثالث: لم يختلفوا في أن الحذف من المنون غير المنصوب أكثر ولكن اختلفوا في الأقيس. فقال الفارسي: الحذف لأن فيه عدم الاعتداد بالعارض، وقال بعضهم: الإثبات قياسا على ألف المقصور. وغير ذي التنوني بالعكس وفي ... نحو مُر لزوم رد اليا اقتُفِي يعني: أن المنقوص غير المنون يجوز فيه الوجهان، ولكن المختار فيه الإثبات بعكس المنون، فالأجود أن يقال: هذا القاضي ومررت بالقاضي، وقد يقال: هذا القاض ومررت بالقاض، هذا مفهوم كلامه، وهو غير محرر، وتحرير ذلك أن يقال: المنقوص غير المنون أربعة أنواع: الأول: ما سقط تنوينه لدخول أل، فهذا إن كان منصوبا فهو كالصحيح نحو: رأيت القاضي فيوقف عليه بإثبات الياء قولان واحدا، وينبغي لمن قدر فتحة
الياء بالنصب أن يقف بالوجهين، وإن كان مرفوعا نحو: هذا القاضي، أو مجرورا نحو: مررت بالقاضي، ففيه الوجهان، والمختار الإثبات، كما ذكر، وليس الحذف مخصوصا بالضرورة خلاف لبعضهم. والثاني: ما سقط تنوينه للنداء نحو: "يا قاض" فالخيل يختار فيه الإثبات، ويونس يختار فيه الحذف، ورجح سيبويه مذهب يونس؛ لأن النداء محل حذف. ورجح غيره مذهب الخليل؛ لأن الحذف مجاز، ولم يكثر فيرجح بالكثرة. والثالث: ما سقط تنوينه لمنع الصرف نحو: "رأيت جواريَ" نصبا، فيوقف عليه بإثبات الياء، كما تقدم في المنصوب. والرابع: ما سقط تنوينه للإضافة نحو: "قاضي مكة" فإذا وقف عليه جاز فيه الوجهان الجائزان في المنون، قالوا: لأنه لما زالت الإضافة بالوقف عليه عاد إليه ما ذهب بسببها وهو التنوين، فجاز فيه ما جاز في المنون. وبنوا على ذلك فرعا، وهو أن ما سقط نونه للإضافة، إذا وقف عليه ردت نونه نحو: هؤلاء قاضو زيد، فإذا وقفت قلت: قاضون لزوال سبب حذفها. فأما وقف القراء على قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} 1 بحذف النون، فاتباع الرسم. قلت: وفي هذا نظر. وقد علم مما تقدم أن كلام الناظم معترض من وجهين: أحدهما: أن عبارته شاملة لهذه الأنواع الأربعة، وليس حكمها واحدا. والآخر: أنه لم يستثن المنصوب وهو متعين الإثبات، كما ذكر ذلك في الكافية. وقوله: .................... وفي ... نحو مر لزوم رد اليا اقتُفِي يشير به إلى أن ما كان من المنقوص محذوف العين نحو مر اسم فاعل من
أرأى1 يرأى أصله مرأى2 فأعل إعلال قاض، وحذف عينه وهي الهمزة بعد نقل حركتها، فإذا وقف عليها لزم رد الياء "جبرا للكلمة"3 لأنها لو حذفت لزم بقاء الاسم على أصل واحد في حالة الوصل أيضا. قلت: لا يمكن إثباتها وصلا لما يلزم من الجمع بين ساكنين بخلاف الوقف، مع أن في بقاء التنوين وصلا جبرا للكلمة. تنبيه: الموقوف عليه إما ساكن وإما متحرك؛ فالساكن إن لم يكن له صورة في الخط حذف كصلة الضمير إلا تنوين المنصوب كما سبق، وإن كانت له صورة في الخط ترك على حاله، ولم يغير إلا نون إذن وياء المنقوص، وقد تقدم حكمهما. وأما نون التوكيد الخفيفة فتقدمت في بابها. وقد فهم من هذا أن المقصور غير المنون إذا وقف عليه لم تحذف ألفه ولم يغير. وشذ حذفها للضرورة في قوله4:
........................... ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل يريد: المعلى، وبعض العرب يقلبون الألف الموقوف عليها ياء فيقولون: أفعى وعصى وهي لغة فزارة وناس من قيس، وبعضهم يقلبها واوا فيقولون: هذا أفعو وعصو وهي لغة بعض طيئ، وبعضهم يقلبها همزة فيقولون: هذا أفعاء وعصاء، وليس من لغة هؤلاء التخفيف، قال سيبويه: وكذلك كل ألف في آخر الاسم، وزعم الخليل أن بعضهم قال: رأيت رجلا فيهمز، وكذلك هو يضربها، وقد توصل ألف هنا وأولى وكل مبني آخره بهاء السكت، وأما قلب الألف هاء في قوله1: ................... ... من هاهنا ومن هُنَهْ فشاذ. ولما ذكر الناظم حكم الوقف على ما ينبغي ذكره من الساكن أخذ بذكر المتحرك، فقال: وغيرها التأنيث من مُحرك ... سَكِّنْه أو قِفْ رائم التحرك في الوقف على المتحرك خمسة أوجه: الإسكان، والروم، والإشمام، والتضعيف، والنقل، ولكل منها علامة.
فعلامة السكون خ فوق الحرف، هكذا جعلها سيبويه، والمراد خف أو خفيف، وجعلها بعض الكُتاب دائرة؛ لأن الدائرة صفر، وهو الذي لا شيء فيه من العدد، وجعلها بعضهم دالا. وعلامة الروم: خط بين يدي الحرف، وهذه صورته /. وعلامة الإشمام: نقطة بين يدي الحرف، وهذه صورته *. وعلامة التضعيف: شين فوق الحرف، وهذه صورته شـ. فإن كان المتحرك هاء التأنيث لم يوقف عليها إلا بالإسكان، وليس لها نصيب في غيره، وإن كان غيرها جاز أن يوقف عليه بالإسكان، وهو الأصل، وبالروم مطلقا، أعني في الحركات الثلاث، ويحتاج في الفتحة إلى رياضة لخفة الفتحة؛ ولذلك لم يجزه أكثر القراء في المفتوح، ووافقهم أبو حاتم. قال في شرح الكافية: وهي عبارة عن إخفاء الصوت بالحركة، ويجوز الإشمام والتضعيف والنقل، لكن بالشروط الآتية، وقد أشار إلى الإشمام بقوله: "أو أشمم الضمة" الإشمام هو الإشارة بالشفتين إلى الحركة دون صوت، ولا يكون إلا في الضمة؛ لأن إشمام الكسرة والفتحة تسوية لهيئة الشفة. وقد روي الإشمام عن بعض القراء في الجر، وهو محمول على الروم؛ لأن بعض الكوفيين يسمى الروم إشماما، ولا مشاحة في الاصطلاح، ثم أشار إلى التضعيف بقوله: ............ أو قف مُضْعفا ... ما ليس همزا أو عليلا إن قَفَا مُحركا................... ... ........................... التضعيف تشديد الحرف الموقوف عليه، كقولك: هذا فرجّ -بالتشديد- وذكر له شروطا ثلاثة: أولها: ألا يكون همزة، احترازا من نحو: بناء، فلا يجوز تضعيفه؛ لأن العرب اجتنبت إدغام الهمزة ما لم تكن عينا. وثانيها: ألا يكون عليلا نحو: سرو وبقي، فلا يجوز تضعيفه. وثالثها: أن يكون بعد متحرك، احترازا من نحو: بكر، فلا يجوز تضعيفه.
وزيد شرط رابع، وهو ألا يكون منصوبا في أشهر اللغات. وأما قوله1: لقد خشيتُ أن أرى جدبا ... ........................ فضرورة. قلت: وقد لا يحتاج إلى هذا الشرط؛ لأن المنصوب المنون إذا أبدل تنوينه ألفا، لم يكن الحرف الذي قبل الألف موقوفا عليه. بل الموقوف عليه إنما هو الألف، والكلام في أحكام الموقوف عليه. تنبيه: لم يؤثر الوقف بالتضعيف عن أحد من القراء إلا عن عاصم، فعنه أنه وقف على قوله تعالى: "مستطر"2 في القمر -بالتشديد- والله أعلم. ثم أشار إلى النقل بقوله: ........ وحركات انقلا ... لساكن تحريكه لن يُحظلا النقل: تحويل حركة "الحرف"3 إلى الساكن قبلها، وذكر له ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون الساكن لا يمتنع تحريكه، احترازا من أن يكون ألفا نحو دار، فإن الألف لا تقبل الحركة. واعترض بأن ذلك يقتضي جواز نقل الحركة إلى الواو والياء، وليس كذلك، بل لا يجوز النقل إليهما، وإن كانا حرفي لين؛ لاستثقال الحركة عليهما. فالأول أن يقال: شرطه أن يكون حرف علة. قلت: لا يرد هذا عليه؛ لأن قوله: "لن يحظلا" لا يختص بالمتعذر، بل المراد: الساكن لن يمتنع تحريكه إما لتعذره كالألف أو لغير ذلك، فيشمل الواو والياء ويشمل الحرف المدغم نحو الجد، فإنه يمتنع تحريكه؛ لأن تحريكه يلزم منه فكه، وهو ممتنع في غير الضرورة. والثاني: ألا تكون الحركة فتحة على غير همزة عند البصريين، وإلى هذا أشار بقوله: ونقل فتح من سوى المهموز لا ... يراه بصري وكوف نقلا لا يجوز عند البصريين نقل الفتحة من غير همزة، فلا يقال: رأيت البكر؛ لأن المفتوح إن كان منونا لزم من النقل فيه حذف ألف التنوين، وحمل عليه غير المنون. وقيل: لأنهم لو نقلوا في الوقف وسكنوا في الوصل، لكان ذلك كأنه إسكان فعل -المفتوح- وهو لا يجوز وليس بظاهر، وأجاز الكوفيون نقل الفتحة من غير همزة. فيقولون: رأيت البكر، ونقل الجرمي أنه أجاز ذلك، وعن الأخفش أنه أجاز ذلك في المنون على لغة من قال: رأيت عمرو. وأشار بقوله: "من سوى المهموز" إلى أن المهموز يجوز نقل حركته، وإن كانت فتحة. فتقول: رأيت الخبأ والردأ والبطأ، في: رأيت الخبء والردء والبطء1. وإنما
اغتفر ذلك في الهمزة لثقلها، وإذا سكن ما قبل الهمزة الساكنة كان النطق بها أصعب. الثالث: ألا يوجب عدم النظير في غير المهموز، وإلى هذا أشار بقوله: والنقل إن يُعدم نظير ممتنع ... وذاك في المهموز ليس يمتنع فعلم بذلك أنه لا يجوز نقل ضمة مسبوقة بكسرة ولا كسرة مسبوقة بضمة، فلا يجوز النقل في نحو "هذا بشر" لما يلزم من بناء فعل، وهو مفقود، ولا في نحو: "انتفعت بقفل" لما يلزم من بناء فعل وهو مهمل في الأسماء أو نادر، هذا في غير المهموز. أما المهموز فيجوز فيه النقل، وإن أدى إلى عدم النظير لما تقدم التنبيه عليه من استثقال الهمزة، فتقول: هذا ردء ومررت بكفء. تنبيهات: الأول: لجواز النقل شرط رابع، وهو أن يكون المنقول منه صحيحا، فلا ينقل من نحو غزو. الثاني: إذا نقلت حركة الهمزة حذفها الحجازيون واقفين على حامل حركتها كما يوقف عليه مستبدا بها؛ فيقولون: "هذا الخب" بالإسكان والروم والإشمام، وغير ذلك بشروطه، وأما غير الحجازيين فلا يحذفها، بل منهم من يثبتها ساكنة، نحو: "هذا البُطؤ، ورأيت البُطَأ، ومررت بالبطئ"، ومنهم من يبدلها بمجانس الحركة المنقولة؛ فيقول: "هذا البطو، ورأيت البطا، ومررت بالبطي". وبعض بني تميم يفرون من هذا النقل الموقع في عدم النظير إلى الإتباع1 فيقولون: هذا ردئ مع كفؤ، وبعضهم يتبع ويبدل الهمزة بعد الإتباع، فيقولون: هذا ردي مع كفو. وقد تبدل الهمزة بمجانس حركتها بعد سكون باق فتقول: هذا البطو، ومررت بالبطي.
وأما في النصب فيلزم فتح ما قبلها، وقد يبدلونها كذلك بعد حركة، فيقولون: هذا الكلو مررت بالكلي، وأهل الحجاز يقولون: "الكلا" في الأحوال كلها. الثالث: الذي يظهر في حركة النقل أنها الحركة التي في الحرف الأخير نقلت إلى الساكن، ونص على ذلك قوم من النحويين، وقال أبو البقاء العكبري: لا يريدون أنها حركة إعراب صيرت على ما قبل الحرف؛ إذ الإعراب لا يكون قبل الطرف، إنما يريدون أنها مثلها. الرابع: نقل في الكافية وغيرها أن الوقف بالنقل إلى متحرك لغة لخمية، وأنشد1: من يأتمر للخير فيما قصده ... تُحمد مساعيه ويعلم رشده فنقل حركة الهاء إلى الدال، وهي متحركة، قيل: ويحتمل أن يكون أصله قصدوه، بواو الجمع حملا على معنى من، ثم حذف الواو اكتفاء بالضمة كقوله2:
فلو أن الأطبا كان حولي ... ....................... فإن كان مستنده في إثبات هذه اللغة هذا البيت، فلا حجة فيه. الخامس: لم يؤثر الوقف بالنقل عن أحد من القراء إلا ما روي عن أبي عمرو أنه وقف على قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} 1 -بكسر الباء. وفي الوقف تا تأنيث الاسم ها جُعل ... إن لم يكن بساكن صح وُصل واحترز بالتأنيث من تاء لغيره، فإنها لا تغير، وشذ قول بعضهم: قعدنا على الفراه، وبالاسم من تاء الفعل "نحو قامت"2 فإنها لا تغير، وبعدم الاتصال بساكن صحيح من تاء بنت وأخت ونحوهما فإنها لا تغير. وشمل كلامه ما قبله متحرك نحو رحمة، وما قبله ساكن غير صحيح، ولا يكون إلا ألفا نحو الحياة، والأعرف في هذين إبدال التاء هاء في الوقف. وإنما جعل حكم الألف حكم المتحرك؛ لأنها منقلبة عن حرف متحرك. وقل ذا في جمع تصحيح وما ... ضاهَى وغير ذين بالعكس انتمى أي: وقل جعل التاء هاء في جمع تصحيح المؤنث نحو الهندات، وما ضاهاه، مما جمل عليه كالبنات والأخوات وأولات.
فالأعرف في ذلك سلامة التاء، وقد سمع إبدالها في قول بعضهم: "دفن البناه من المكرماه" 1 و"كيف بالإخوة والأخواه؟ ". قال في شرح الكافية: وأشرت بقولي: وما ضاهاه -إلى هيهات، وأولات، فإنه يوقف عليهما بالتاء كثيرا وبالهاء قليلا. تنبيهات: الأول: نقل بعضهم أن الوقف على جمع التصحيح والملحق به بالهاء لغة طيئ، وقال في الإفصاح: شاذ لا يقاس عليه. الثاني: إذا سمي بهيهات على لغة من أبدل فهي كطلحة تمنع من الصرف للعلمية والتأنيث. وإذا سمي به على لغة من لم يبدل فهي كعرفات يجري فيها وجوه جمع المؤنث السالم إذا سمي به. وقوله: "وغير ذين بالعكس" إشارة إلى جمع التصحيح ومضاهيه، يعني: أن غيرهما يقل فيه سلامة التاء بعكسهما سواء كان مفردا كمسلمة، أو جمع تكسير كغلمة، ومن إقرارها تاء قول بعضهم: يأهل سورة البقرتْ، فقال مجيب: ما أحفظ منها ولا آيتْ. وأكثر من وقف بالتاء يسكنها ولو كانت منونة منصوبة، وتقدم هذا أول الباب، وعلى هذه اللغة رسمت مواضع من القرآن، وهي معروفة. وقِفْ بها السكت على الفِعْل المعل ... بحذف آخر كأَعْطِ من سأل من "خواص"2 الوقف، زيادة هاء السكت، وأكثر ما تزاد بعد شيئين: أحدهما: الفعل المعل المحذوف الآخر جزما نحو: "لم يعطه" أو وقفا نحو: "أعطه".
والثاني: "ما" الاستفهامية إذا جرت بحرف نحو "على مه" أو باسم نحو "اقتضاء مه". ولحاقها لكل من هذين النوعين واجب وجائز؛ أما الفعل المحذوف الآخر فقد نبه عليه بقوله: وليس حتما في سوى ما كع أو ... كيع مجزوما فراعِ ما رَعَوْا يعني: أن الوقف بها السكت على الفعل المعل بحذف الآخر ليس واجبا في غير ما بقي على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد: فالأول: نحو "عِهْ" أمر من وَعَى يَعِي، ونحو "رَهْ" أمر من رأى يرى. والثاني: "لم يَعِهْ، ولم يَرَهْ"؛ لأن حرف المضارعة زائد، فزيادة هاء السكت في ذلك واجبة؛ لبقائه على أصل واحد. فإن قلت: مقتضى تمثيله أن ذلك إنما يجب في المحذوف الفاء نحو: عِ ويع. قلت: محذوف العين كمحذوف الفاء في ذلك؛ لأن العلة واحدة، وإنما أراد بالتمثيل التنبيه على ما بقي على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد كما سبق. فإن قلت: فهل تجب زيادة الهاء في قولهم: تقي يتقى في معنى اتقى يتقي "لأن تقي"1 محذوف الفاء؛ لأن أصله أوتقى يوتقى؟ قلت: ظاهر التسهيل الوجوب؛ لأنه جعل الضابط أن تحذف فاؤه أو عينه، ويتقي محذوف الفاء، وظاهر قوله في شرح الكافية: ويجب إلحاق هذه الهاء في الوقف على ما كان من الأفعال على حرف واحد أو حرفين؛ أحدهما: زائد لأن زيادة الهاء لا تجب في نحو لا يتق؛ لأنه على ثلاثة أحرف، ولكن الأمر يندرج في كلامه؛ لأنه على حرفين؛ أحدهما زائد. وقال الشيخ أبو حيان: لم نجد لأحد من النحويين نصا على الوقوف على هذه الكلمة، والذي يقتضيه النظر عندي أن يكون الوقف بالهاء اختيارا لا
وجوبا؛ لأنه وإن حذفت فاؤه، فإن تاء الافتعال لازمة للفعل، وهذا الحذف عرض شاذ، وليس بمطرد فلا يلتفت إليه. وما في الاستفهام إن جُرت حُذف ... ألفها............................ واحترز بالاستفهامية عن الموصولة والشرطية نحو: "مررت بما مررت به وبما تفرح أفرح" فإنهما "لا تحذف"1 ألفهما. وزعم المبرد: أن حذف ألف ما الموصولة ليس لغة، ونقله أبو زيد أيضا، وقال أبو الحسن في الأوسط: وزعم أبو زيد أن كثيرا من العرب يقولون: "سلْ عمَّ شئت" كأنهم حذفوا لكثرة استعمالهم إياه. وشمل قوله: "إن جرت" أن تجر بالحرف نحو: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} 2 أو بالاسم نحو: "قراءة م تقرأ" وقوله: "حذف ألفها" يعني وجوبا، وسبب الحذف إرادة التفرقة بينها وبين الموصولة والشرطية، وكانت أولى بالحذف لاستقلالها بخلاف الشرطية، فإنه متعلقة بما بعدها، وبخلاف الموصولة فإنها والصلة اسم واحد. وقوله: وأولها الهاء إن تقف يعني: جوازا، إن جرت بحرف نحو "عمه" ووجوبا إن جرت باسم نحو "اقتضاء مه"؛ ولهذا قال: وليس حتما في سوى ما انحفضا ... باسم كقولك اقتضاء م اقتضى أي: وليس إيلاؤها الهاء واجبا في سوى المجرورة بالاسم، وقد مثله، وعلة ذلك أن الجار الحرفي كالجزء؛ لاتصاله بها لفظا وخطا، بخلاف الاسم؛ فوجب إلحاق الهاء للمجرورة بالاسم لبقائها على حرف واحد. فإن قلت: قد علم أن اتصال الهاء بالمجرورة بالحرف ليس بواجب، فهل هو راجح أو مرجوح؟ قلت: نقل النحويون أنه راجح، قالوا: وهو الأفصح والأكثر، وإنما وقف أكثر القراء بغير هاء إتباعا للرسم.
تنبيهات: الأول: فهم من قوله: "إن جرت" أن المرفوعة والمنصوبة لا تحذف ألفها في غير ضرورة كقوله1: ألام تقول الناعيات ألامه ... ألا فاندبا أهل الندى والكرامه الثاني: أهمل المصنف من شروط حذف ألفها ألا تركب مع ذا، فإن ركبت معه لم تحذف الألف نحو: "على ماذا تلومونني"، وقد أشار إليه في التسهيل. الثالث: قد ثبتت ألف ما الاستفهامية المجرورة غير المركبة في الضرورة، كقول الشاعر2:
على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرغ في رماد وحكاه الرزمخشري في كشافه لغة، وحمل عليه قوم من المفسرين قوله تعالى: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} 1. قالوا: معناه: بأي شيء غفر لي ربي. قال ابن هشام: وهذا قول مرغوب عنه؛ لأن النحويين على خلافه. الرابع: قد ورد تسكين ميمها في الضرورة مجرورة بحرف كقوله2: يا أسديا لِمْ أكلتَه لِمَهْ؟ ... ..................... ووصل ذي الهاء أَجز بكل ما ... حُرك تحريك بناء لزما اعلم أن هاء السكت لا تتصل بحركة إعراب ولا شبيهة بها؛ فلذلك لا تلحق اسم "لا" ولا المنادى المضموم، ولا ما بني لقطعه عن الإضافة كقبل وبعد،
ولا العدد المركب نحو خمسة عشر؛ لأن حركات هذه الأشياء مشابهة لحركة الإعراب في أنها عارضة. ألا ترى أنها حدثت لوجود الأسباب وأنها تنتفي عند عدمها، فبذلك شابهت حركة الإعراب. وأما الفعل الماضي فحركته لازمة ليست كحركات هذه الأشياء. وفي اتصال هاء السكت به ثلاثة أقوال: الأول: المنع مطلقا، وهو مذهب سيبويه والجمهور واختيار المصنف. والثاني: الجواز مطلقا؛ لأنها لازمة. والثالث: أنها تلحقه إذا لم يخف لبس نحو "قعده" إلا إذا خيف لبس نحو ضربة، والصحيح الأول؛ لأن حركته وإن كانت لازمة فهي شبيهة بحركة الإعراب؛ لأن الماضي إنما بني على حركة لشبهه بالمضارع المعرب في وجوه مذكورة في موضوعها. وشذ اتصال الهاء بعل في قوله1:
يا رُب يوم لي لا أظلله ... أمرض من تحت واضحى من عَلُهْ ووجه شذوذه أن حركته "حركة بناء"1 عارضة؛ لقطعه عن الإضافة، فهي كقبل وبعد، وإلى هذا أشار بقوله: ووصلها بغر تحريك بنا ... أُديم شذ.............. فحركة عل غير حركة بناء مدام، بل حركة بناء غير مدام، وقوله: "في المدام استحسنا" يعني: أن وصل هاء السكت بحركة البناء المدام -أي الملتزم- جائز مستحسن، كفتحة هو وهي، فيقال في الوقف عليها: هوه وهيه، وقد قرئ بذلك. فإن قلت: هذا البيت معترض من وجهين: أحدهما: أن قوله: وصلها بغير تحريك بنا ... أديم................. يقتضي أن وصلها بحركة الإعراب قد شذ أيضا؛ لأن قوله: ...... بغير تحريك بنا ... أديم................. يشمل نوعين: أحدهما: تحريك البناء غير المدام. والثاني: تحريك الإعراب. والوجه الآخر: أن قوله: "في المداد استحسنا" يقتضي موافقة من أجاز اتصالها بحركة الماضي؛ لأنها من التحريك المدام. قلت: أما الأول فليس بلازم، وأما الثاني فظاهر اللزوم، وقد استثناه في الكافية فقال: ووصل ذي الهاء أجز بكل ما ... حُرك تحريك بناء لزما ما لم يكن ذلك فعلا ماضيا وربما أُعطي لفظ الوصل ما ... للوقف نثرا وفشا منتظما مثال إعطاء الوصل حكم الوقف نثرا قراءة غير حمزة والكسائي: {لَمْ يَتَسَنَّهْ
وَانْظُرْ} 1 {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ} 2 ومنه قول بعض طيئ: "هذه حبلو يا فتى" لأنه يبدل هذه الألف واوا في الوقف، فأجرى الوصل مجراه، ومثال ذلك في النظم قول الراجز3: مثل الحريق وافق القصبّا فشدد الباء مع وصلها بحرف الإطلاق، ومثله في الشعر كثير، ومنه4: أتوا ناري فقلت: منون أنتم؟ ... ........................... وقد تقدم في الحكاية.
الإمالة
الإمالة: إما الألف أن تنحو بها نحو الياء، ومن لازم ذلك أن ينحى بالفتحة قبلها نحو الكسرة، والنظر في فائدتها، وحكمها، ومحلها، وأصحابها، وأسبابها. أما فائدتها: فاعلم أن الغرض الأصلي من الإمالة هو التناسب، وقد ترد الإمالة للتنبيه على أصل أو غيره، مما سيأتي ذكره. وأما حكمها: فإنها وجه جائز، ولغة لبعض العرب. وسببها مجوز لها لا موجب، فلذلك يجوز فتح كل ممال. وأما محلها: فالأسماء المتمكنة والأفعال، هذا هو الغالب، وسيأتي التنبيه على ما أميل من غير ذلك. وأما أصحابها: فتميم وقيس وأسد وعامة أهل نجد، وأما الحجازيون فلغتهم الفتح إلا في مواضع قليلة. وأما أسبابها فقسمان: لفظي ومعنوي، فاللفظى: الياء والكسرة، والمعنوي: الدلالة على ياء أو كسرة. وجملة أسباب إمالة الألف -على ما ذكره المصنف- ستة: الأول: انقلابها عن الياء، الثاني: مآلها إلى الياء، الثالث: كونها بدل عين ما يقال فيه فلت، الرابع: ياء قبلها أو بعدها، الخامس: كسرة قبلها أو بعدها، السادس: التناسب. تنبيه: هذه الأسباب كلها راجعة إلى الياء والكسرة، واختلف في أيهما أقوى، فذهب الأكثرون إلى أن الكسرة أقوى من الياء، وأدعى إلى الإمالة، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال في الياء: لأنها بمنزلة الكسرة، فجعل الكسرة أصلا، وذهب ابن السراج إلى أن الياء أقوى من الكسرة، والأول أظهر لوجهين: أحدهما: أن اللسان يتسفل بها أكثر من تسفله بالياء.
والثاني: أن سيبويه ذكر أن أهل الحجاز يميلون الألف للكسرة، وذكر في الياء أن أهل الحجاز وكثيرا من العرب لا يميلون للياء، فدل هذا من جهة النقل أن الكسرة أقوى. واعلم أن عبارات المصنفين اختلفت في ذكر أسباب الإمالة، وليس بينهم في ذلك كبير اختلاف، والغرض هنا شرح كلام الناظم. الألف المبدل من يا في طرف ... أَمِلْ...................... هذا هو السبب الأول، وهو أن يكون الألف بدلا من ياء، وهي على طرف كلمة، وسواء في ذلك الاسم مرمى والفعل نحو رمى وشمل قوله: "من ياء" المبدل من ياء أصلية كالمثالين والمبدل من ياء منقبلة عن واو نحو ملهى وأعطى، واحترز بقوله: "في طرف" من الكائنة عينا، وسيأتي حكمها. ............................. ... ..... كذا الواقع منه اليا خَلَفْ دون مزيد أو شذوذ......... ... ............................. هذا هو السبب الثاني، وهو أن تكون الألف صائرة إلى الياء دون زيادة ولا شذوذ، وذلك نحو حبلى ومعزى، وكل ما آخره ألف تأنيث مقصورة، فإنها تمال لأنها تئول إلى الياء في التثنية والجمع، فأشبهت الألف المنقبلة عن الياء. واحترز بقوله: "أو شذوذ" من قلب الألف ياء في الإضافة إلى ياء المتكلم في لغة هذيل، فإنهم يقولون في عصا وقفا: عُصيّ وقُفيّ، ومن قلب الألف ياء في الوقف عند بعض طيئ نحو: عَصَيْ وقَفَيْ، فلا تسوغ الإمالة لأجل ذلك. واحترز بقوله: "دون مزيد" من رجوع الألف إلى الياء بسبب زيادة كقولهم في تصغير قفا: قُفَى، وفي تكسيره: قُفِيّ، فلا يمال قفا لذلك. تنبيهات: الأول: هذا السبب الثاني هو أيضا في الألف الواقع طرفا كالأول. الثاني: قد علم مما تقدم أن نحو قفا وعصا من الاسم الثلاثي لا يمال؛ لأن ألفه عن واو لا يئول إلى الياء إلا في شذوذ أو بزيادة، وقد سمعت إمالة العشا مصدر الأعشى -وهو الذي لا يبصر ليلا ويبصر نهارا- والمكا -بالفتح- وهو جحر
الثعلب والأرنب، والكبا -بالكسر- الكناسة، وهذه من ذوات الواو، لقولهم: "ناقة عشواء" وقولهم: "المكو والمكوة" بمعنى المكا، وقولهم: "كبوت البيت" إذا كنسته. وهذه الألفاظ الثلاثة مقصورة. فإن قلت: "فلعل إمالة "الكبا" لأجل الكسرة، فلا تكون شاذة"1. قلت: الكسرة لا تؤثر في المنقبلة عن الواو. والثالث: يجوز إمالة الألف في نحو: "دعا وغزا" من الفعل الثلاثي وإن كانت عن واو؛ لأنها تئول إلى الياء في نحو: "دعى وغزى" من المبني للمفعول. وبهذا ظهرالفرق بين الاسم الثلاثي والفعل الثلاثي إذا كانت ألفهما عن واو، وما ذكره نص عليه الفارسي وغيره من النحويين، وظاهر كلام سيبويه التسوية في الثلاثي بين بنات الواو وبنات الياء، فيجيز الإمالة في ذوات الواو في الأسماء والأفعال، والمشهور ما تقدم. وقوله: ...................... ولما ... تليه ها التأنيث ما الها عدما يعني: أن للألف التي قبل هاء التأنيث في نحو "مرماة وفتاة" -من الإمالة، لكونها منقبلة عن الياء- ما للألف المتطرفة؛ لأن هاء التأنيث غير معتد بها، فالألف قبلها متطرفة تقديرا. وهكذا بدل عين الفعل إن ... يؤل إلى فلت كماضي خف ودن هذا هو السبب الثالث، وهو أن تكون الألف بدلا من عين فعل تكسر فاؤه حين يسند إلى تاء الضمير واويا كان كخاف أو يائيا كدان، فإنك تقول فيهما: خفت ودنت -بحذف عين الكلمة- فيصيران في اللفظ على وزن فِلت، والأصل فعلت، فحذفت العين وحركت الفاء بحركتها. فإن قلت: أما خاف فعينه مكسورة؛ لأن أصله خوف، وأما دان وطاب ونحوهما، فأصل عينهما الفتح، فكيف يقال: حركت الفاء بحركتها؟
قلت: يقدر تحويلهما إلى فعل -بكسر العين- ثم تنتقل الحركة، هذا مذهب كثير من النحويين، وبعضهم يقول لما حذفت العين حركت الفاء بكسرة مجتلبة للدلالة على أن العين ياء، ولبيان ذلك موضع غير هذا. واحترز بقوله: "إن بؤل إلى فلت" من نحو: طال وقال، فإنه لا يئول إلى فلت -بالكسر- وإنما يئول إلى فلت -بالضم- في قولك: طلت وقلت. والحاصل أن الألف التي هي عين الفعل تمال إن كانت عن ياء نحو دان أو عن واو مكسورة نحو خاف، فإن كانت عن واو مضمومة نحو طال أو مفتوحة نحو قام لم تمل. تنبيهات: الأول: اختلف في سبب إمالة نحو طاب وخاف، قال السيرافي وغيره: إنها للكسرة العارضة في فاء الكلمة؛ ولذلك جعل السيرافي من أسباب الإمالة كسرة تعرض في بعض الأحوال، وهو ظاهر كلام الفارسي، قال: وأمالوا "خاف وطاب" مع المستعلى طلبا للكسر في خفت، وقال ابن هشام الخضراوي: الأولى إن الإمالة في "طاب" لأن الألف فيه منقلبة عن ياء، وفي "خاف" لأن العين مكسورة، أرادوا الدلالة على الياء والكسرة. الثاني: نقل عن بعض الحجازيين إمالة نحو "خاف وطاب" وفقا لبني تميم، وعامتهم يفرقون بين ذوات الواو نحو "خاف" فلا يميلون، وبين ذوات الياء نحو "طاب" فيميلون. الثالث: مفهوم قوله: "وهكذا بدل عين الفعل" أن بدل عين الاسم لا تمال؛ لكونها منقبلة عن الياء، وصرح بعضهم بشذوذ إمالة الألف المنقلبة عن ياء عينا في اسم ثلاثي، كقولهم: هذا عاب وناب -بالإمالة- وهو ظاهر كلام سيبويه، وقال صاحب المفصل: والمتوسطة إن كانت في فعل يقال فيه فعلت كطاب وخاف أميلت ولم ينظر إلى ما انقلبت عنه، وإن كانت في اسم نظر إلى ذلك فقيل ناب ولم يقل باب، وهذا يقتضي أن إمالة نحو ناب فيما عينه ياء جائزة إلا أنه ذكر بعد ذلك فيما شذ عن القياس إمالة عاب وألفه عن ياء، قال ابن يعيش: عاب بمعنى العيب، ويقع في بعض النسخ غاب -بالمعجمة- وألفه أيضا عن ياء.
كذاك تالي الياء والفصل اغتُفر ... بحرف أو مع ها كجيبها أدر هذا هو السبب الرابع، وهو وقوع الياء قبل الألف أو بعدها، فإن كان قبل الألف فشرطها أن تكون متصلة بها كقولك: "سيال" وهو شجر له شوك، أو منفصلة بحرف نحو: "شيبان" أو بحرفين ثانيهما هاء كقولك: "جيبها أدر" فلو كانت مفصولة بحرفين ليس أحدهما هاء أو بأكثر من حرفين امتنعت الإمالة. تنبيهات: الأول: إنما اغتفر الفصل بالهاء لخفائها. الثاني: قال في التسهيل: "أو حرفين ثانيهما هاء" وقال هنا: "أو مع ها" فلم يقيد بكون الهاء ثانية، وكذلك فعل في الكافية. الثالثة: أطلق قوله: "أو مع ها" وقيده غيره بألا يكون قبل الهاء ضمة نحو: "هذا جيبها" فإنه لا يجوز فيه الإمالة. الرابع: الإمالة للياء المشددة في نحو "بيَّاع" أقوى منها في نحو "سيال" والإمالة للياء الساكنة في نحو "شيبان" أقوى منها في نحو "حيوان". الخامس: قد سبق أن من أسباب الإمالة وقوع الياء قبل الألف أو بعدها، ولم يذكر هنا إمالة الألف لياء بعدها، وذكرها في الكافية والتسهيل وشرطها إذا وقعت بعد الألف أن تكون متصلة نحو "بايع" ولم يذكر سيبويه إمالة الألف للياء بعدها، وذكرها ابن الدهان وغيره. كذاك ما يليه كسر أو يلي ... تالي كسر أو سكون قد وَلِي كسرا وفصل الها كلا فصل يُعد ... فدر هماك من يمله لم يُصد هذا هو السبب الخامس، وهو وقوع كسرة بعد ألف أو قبلها، فإن كانت بعدها فشرطها أن يليها نحو مساجد، وإن كانت قبلها فشرطها أن تكون منفصلة بحرف نحو عماد، أو بحرفين أولهما ساكن نحو "شملال"1، أو بحرفين
متحركين أحدهما هاء نحو "يريد أن يضربها" أو بحرف ساكن بعده متحركان أحدهما هاء نحو "درهماك". فكل هذا تجوز إمالته، فلو فصل غير ذلك لم تجز الإمالة. فإن قلت: من أين تؤخذ إمالة نحو "أن يضربها"؟ قلت: من قوله: "وفصل الها كلا فصل" بل إمالته أولى من إمالة درهماك. تنبيهات: الأول: قوله: "أو سكون" معطوف على قوله: "كسر" والمعنى: أو يلي تالي سكون قد ولي كسرا نحو "شملال". الثاني: فلم يذكر في الكافية إمالة نحو "درهماك" وذكر إمالة نحو "أن يضربها" "وذكر سيبويه إمالة نحو أن يضربها"1 عن أناس كثير من العرب، وقال صاحب المفصل: وأما قولهم يريد أن ينزعها ويضربها، فشاذ، والذي سوغه أن الهاء خفية فلم يعتد بها. الثالث: أطلق في قوله: "وفصل الها كلا فصل" وقيده غيره بألا ينضم ما قبلها احترازا من نحو "هو يضربها" فإنه لا يمال، وتقدم مثل هذا في الياء. ولما فرغ من ذكر الغالب من أسباب الإمالة شرع في ذكر موانعها فقال: وحرف الاستعلا يكف مظهرا ... من كسر أو يا وكذا تكف را مواقع الإمالة ثمانية أحرف منها سبعة تسمى أحرف الاستعلاء، ويجمعها: قظ خص ضغط. والثامن: الراء غير المكسورة، فهذه الثمانية تمنع إمالة الألف وتكف سببها إذا كان كسرة ظاهرة على تفصيل يأتي. وعلة ذلك أن السبعة الأولى تستعلى إلى الحنك فلم تمل الألف معها طلبا للمجانسة.
وأما الراء فشبهت بالمستعلية؛ لأنها مكررة. فإن قلت: أطلق في قوله: "وكذا تكف را" ولم يقيده بغير المكسورة. قلت: قد علم التقييد بذلك من قوله بعد: وكف مستعل ورا ينكف ... بكسر را.............. فإن قلت: ما إعراب قوله "مظهرا"؟ قلت: هو مفعول يكف، أي: وحرف الاستعلاء يكف السبب المظهر من الكسرة والياء لا المنوي، فلا يمنع حرف الاستعلاء إمالة الألف في نحو "هذا قاض" في الوقف ولا "هذا ماض"؛ لأن أصله ماضض، ولا إمالة باب خاف وطاب وطغى؛ لأن ما أميل للدلالة على شيء لا يمنعه حرف الاستعلاء. تنبيه: وقوله: "أو يا" تصريح بأن حرف الاستعلاء والراء غير المكسورة تمنع الإمالة إن كان سببها ياء ظاهرة، وقد صرح بذلك في الكافية والتسهيل ولم يمثله. وقول الزمخشري: إن حرف الاستعلاء في غير باب خاف وطاب وطغى مانع من الإمالة، ظاهر في موافقته، وقال ابن حيان: لم نجد ذلك في الياء؛ وإنما يمنع مع الكسرة فقط. إن كان ما يكف بعد متصل ... أو بعد حرف أو بحرفين فصل اعلم أن المانع المشار إليه، أعني حرف الاستعلاء والراء تمنع متأخرا عن الألف ومتقدما عليها، فإن تأخر فشرطه أن يكون متصلا نحو "فاقد وباخل وناصح" أو منفصلا بحرف نحو "منافق ونافخ وناشط" أو بحرفين نحو "مواثيق ومنافيخ ومواعيظ" فهذه ثلاثة أنواع تمنع إمالتها. وأما المتصل أو المنفصل بحرف فقال سيبويه: لا يمليها أحد إلا من لا يؤخذ بلغته. وأما المنفصل بحرفين فنقل سيبويه إمالته عن قوم من العرب لتراخي المانع. قال سيبويه: وهي لغة قليلة، وجزم المبرد بالمنع في ذلك، وهو محجوج بنقل سيبويه.
وقد فهم مما سبق أن حرف الاستعلاء أو الراء، لو فصل بأكثر من حرفين لم يمنع الإمالة. وفي بعض نسخ التسهيل الموثوق بها: "وربما غلب المتأخر رابعا" ومثال ذلك: "يريد أن يضربها بسوط" فبعض العرب يغلب في ذلك حرف الاستعلاء وإن بعد، وإن تقدم المانع على الألف فقد أشار إليه بقوله: كذا إذا قُدم ما لم ينكسر ... أو يسكن إثر الكسر كالمطواع مر يعني: أن حرف الاستعلاء والراء غير المكسورة إذا تقدما على الألف منعا الإمالة "بشرط أن يكون المانع غير مكسور أو ساكنا بعد كسر، فلا يجوز الإمالة"1 في نحو "طالب وصالح وغالب" بخلاف نحو "طلاب وغلاب" ونحو "إصلاح ومطواع" فإن ذلك تجوز إمالته؛ لأن حرف الاستعلاء إذا كان مكسورا أو ساكنا بعد كسر لا يمنع الإمالة. تنبيهان: الأول: من أصحاب الإمالة من يمنع الإمالة في نحو مطواع لأجل حرف الاستعلاء، ذكره سيبويه، ولم يذكر في المكسور خلافا. الثاني: ظاهر قوله: "كذا إذا قدم" أنه يمنع، ولو فصل عن الألف، والذي ذكره سيبويه وغيره أن ذلك إذا كانت الألف تليه نحو قاعد وصالح. وكف مستعل وار ينكف ... بكسر را كغراما لا أجفو إذا وقعت الراء المكسورة بعد الألف كفت مانع الإمالة، سواء كان حرف استعلاء نحو: {عَلَى أَبْصَارِهِمْ} 2 أو راء غير مكسورة نحو: {دَارُ الْقَرَارِ} 3. هذا ونحوه تجوز إمالته ولا أثر فيه لحرف الاستعلاء ولا للراء غير المكسورة؛ لأن الراء المكسورة غلبت المانع، فلم يبقَ لها أثر.
تنبيه: من هنا علم أن شرط كون الراء مانعة من الإمالة أن تكون غير مكسورة، فيؤخذ منه إمالة نحو {إِلَى حِمَارِكَ} بطريق الأولى؛ لأنه إذا أميل نحو: أبصارهم، وغارم، ودار القرار؛ مع وجود المقتضي لمنع الإمالة، فإمالة نحو حمارك مما لا مقتضى فيه للمنع أولى. "ولا تمل لسبب لم يتصل" يعني: أن سبب الإمالة لا يؤثر إذا لم يتصل، يعني: إذا كان من كلمة أخرى فلا يمال ألف "سابور" للياء قبلها في قولك: "رأيت يدي سابور" لأنها منفصلة، وكذلك لو قلت1: ها إن تا عذرة......... لم تمل ألف "ها" لكسرة إن؛ لأنها من كلمة أخرى. والحاصل أن شرط تأثير سبب الإمالة أن يكون من الكلمة التي فيها الألف.
تنبيهان: الأول: يستثنى من ذلك ألف "ها" التي هي ضمير المؤنثة في نحو "لم يضربها، وأدر جيبها"، فإنها قد أميلت، وسببا منفصل. أعني: من كلمة أخرى. الثاني: ذكر غير المصنف أن الكسرة إذا كانت منفصلة عن الألف فإنها قد تمال الألف لها، وإن كانت أضعف من الكسرة التي معها في الكلمة، قال سيبويه: وسمعناهم يقولون: "لزيد مال" فأمالوا للكسرة، فشبهوه بالكلمة الواحدة، وليس كلام المصنف على عمومه. والكف قد يوجبه ما ينفصل يعني: أن سبب المنع قد يؤثر وهو منفصل، أي: ولو كان من كلمة أخرى نحو: "يريد أن يضربها قبل" فلا تمال الألف لأن القاف بعدها، وهي مانعة من الإمالة، ولو انفصلت. فإن قلت: لم أثر المانع منفصلا، ولم يؤثر سبب الإمالة منفصلا؟ قلت: لأن الفتح -أعني ترك الإمالة- أصل، فيصار إليه لأدنى سبب، ولا يخرج عنه إلا لسبب محقق. تنبيهان: الأول: فهم من قوله: "قد يوجبه" أن ذلك ليس عند كل العرب، فإن من العرب من لا يعتد بحرف الاستعلاء إذا ولي الألف من كلمة أخرى فيميل، إلا أن الإمالة في المنفصل نحو: "مررت بمال ملق" أقوى منها في المتصل نحو "بمال قاسم". الثاني: قال في شرح الكافية: إن سبب الإمالة لا يؤثر إلا متصلا، وإن سبب المنع قد يؤثر منفصلا، فيقال: "أتى أحمد" بالإمالة, "أتى قاسم" بترك الإمالة، وتبعه الشارح في هذه العبارة، وفي التمثيل بأتى في قاسم نظر؛ فإن متقضاه أن حرف الاستعلاء يمنع إمالة الألف المنقلبة عن ياء، وليس كذلك. وقد أمالوا لتناسب بلا ... داع سواه كعمادا وتلا
هذا هو السبب السادس من أسباب الإمالة، وهو التناسب، وعبر بعضهم عنه بقوله: الإمالة للإمالة، وعبر عنه آخرون بقولهم: الإمالة لمجاورة الممال؛ وإنما آخره لضعفه بالنسبة إلى الأسباب المتقدمة. ثم إن إمالة الألف للتناسب لها صورتان، إحداهما: أن تمال لمجاورة ألف ممالة كإمالة ثاني الألفين في نحو: رأيت عمادا. والأخرى: أن تمال لكونها آخر مجاور ما أميل آخره، كإمالة ألف "تلا" من قوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} 1 فأميلت ألف تلاها ليشاكل اللفظ بها اللفظ بما بعدها. وإلى هذا أشار بقوله "تلا" ومثل هذا شرح الكافية بإمالة ألفي {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} 2 ليشاكل التلفظ بهما بما بعدها. فإن قلت: في تمثيله بتلا وضحى نظر، فإن ألفهما تجوز إمالتها لسبب غير التناسب؛ لأنها تئول إلى الياء إذا بني الفعل للمفعول، وقد تقدم بيانه، وإنما ينبغي تمثيل هذا النوع بما لا سبب لإمالته غير التناسب. قلت: السبب المقتضي لإمالة نحو دعا مما ألفه عن واو لم تعتبره القراء؛ ولذلك لم يميلوا هذا النوع حيث وقع، وإنما أمالوا منه ما جاور الممال، فلما أمالوا "تلاها" ونحوه وليس عادتهم إمالة ذلك، علم أن الداعي إلى إمالته عندهم إنما هو التناسب. تنبيه: استفيد من تمثيله فائدتان: إحداهما: التنبيه على صورتي الإمالة للتناسب كما سبق. والآخرى: أن الألف قد تمال لمناسبة الألف قبلها نحو "عمادا" فإن الألف الثانية أميلت لمناسبة الأولى "وقد تمال لمناسبة ألف بعدها"3 كإمالة ألف "تلالها" لمناسبة ما بعده مما ألفه عن ياء أعني "جلاها ويغشاها".
فإن قلت: فلا جعلت إمالة "ألف"1 تلاها لمناسبة ما قبله أعني: ضحاها؟ قلت: ألف ضحاها عن واو، وإنما أميل لمناسبة ما بعده أيضا. فإن قلت: هي يقاس على إمالة الألف الثانية في "عمادا" لمناسبة الأولى؟ قلت: ظاهر كلام سيبويه أنه يقاس عليه، فإنه قال: وقالوا مغزانا في قول من قال: "عمادا" فأمالهما جميعا، وذا قياس. انتهى. ولا تُمل ما لم ينل تمكنا ... دون سماع غير ها وغير نا الإمالة من خواص الأفعال والأسماء المتمكنة؛ فلذلك لا تطرد إمالة غير المتمكن، نحو إذا وما، إلا ها ونا، نحو: "مر بها ونظر إليها، ومر بنا ونظر إلينا" فهذان تطرد إمالتهما؛ لكثرة استعمالهما. وأشار بقوله: "دون سماع" إلى ما سمعت إمالته من الاسم غير المتمكن، وهو "ذا" الإشارية، و"متى" و"أنى" وقد أميل من الحروف: بلى، ويا في النداء، ولا في قولهم: "إما لا" لأن هذه الأحرف نابت عن الجمل، فصار لها بذلك مزية على غيرها، وحكى قطرب إمالة "لا" في الجواب؛ لكونها مستقلة، ومنع سيبويه ومن وافقه إمالة "حتى، وحكى ابن مقسم2 الإمالة فيها عن بعض أهل نجد وأكثر أهل اليمن، وحكيت إمالتها عن حمزة والكسائي. تنبيهات: الأول: لا تمنع الإمالة فيما عرض بناؤه نحو "يا فتى" و"يا حبلى" لأن الأصل في ذلك الإعراب.
الثاني: لا إشكال في جواز إمالة الفعل الماضي وإن كان مبنيا، قال المبرد: وإمالة عسى جيدة. فإن قلت: قد يورد على كلام الناظم الفعل الماضي فإنه يطلق عليه غير متمكن كما قيل. قلت: إن سلم أنه يطلق عليه غير متمكن، فلوضوحه لم يذكره، وأيضا فقد تقدم أول الباب ذكر الإمالة فيه. فإن قلت: قول صاحب المفصل: والأسماء غير المتمكنة يمال منها المستقل بنفسه نحو: ذا ومتى وأنى، ولا يمال ما ليس بمستقل نحو: ما الاستفهامية أو الشرطية أو الموصولة ... ونحو إذا، يقتضي أن إمالة ذات ومتى وأنى غير شاذ. قلت: لا إشكال في أن الإمالة في ذلك شاذة؛ لأن الألف في غير المتمكن أصل غير منقلبة ولا سبب لإمالتها، وكأنه أراد الإشارة إلى المعنى الذي لحظه من أمالها من العرب وهو الاستقلال، وإن كان ذلك مما لا يجعل سببا يقاس عليه. والفتح قبل كسر راء في طرف ... أمل كللأيسر مِلْ تُكْفَ الكُلَفْ اعلم أن الفتحة قد تمال كما تمال الألف؛ لأن الغرض من الإمالة مشاكلة الأصوات وتقريب بعضها من بعض، وذلك موجود في الحركة كما أنه موجود في الحرف، ولإمالة الفتحة سببان: الأول: أن تكون قبل راء مكسورة نحو قوله تعالى: {تَرْمِي بِشَرَرٍ} 1 و {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 2 ومل للأيسر، فإمالة ذلك ونحوه مطرد. تنبيهات: الأول: فهم من قوله "والفتح" أن المال في ذلك الفتح، لا المفتوح. وقول سيبويه: "أمالوا المفتوح" فيه تجوز.
الثاني: لا فرق بين أن تكون الفتحة في حرف استعلاء نحو من البقر، أو في راء نحو بشرر، أو في غيرهما نحو من الكبر. الثالث: فهم من قوله: "قبل كسر راء" أن الفتحة لا تمال لكسرة راء قبلها نحو رمم، وقد نص غيره على ذلك. الرابع: شرط أن شرط أن تكون الفتحة قبل راء، وظاهره أن مراده أن تكون متصلة كما مثل، فعلى هذا لو فصل بينهما لم تمل، وليس ذلك على إطلاقه، بل فيه تفصيل، وهو أن الفاصل بين الفتحة والراء إن كان مكسورا أو ساكنا غير ياء فهو مغتفر، وإن كان غير ذلك يمنع الإمالة؛ فتمال الفتحة في نحو "أشر" وفي نحو "عمرو" لا في نحو بجير، نص على ذلك سيبويه، ونبه عليه المصنف في بعض نسخ التسهيل. الخامس: شرط أن تكون الراء في طرف، وفي بعض نسخ التسهيل: أن تكون لاما، وليس اشتراط ذلك بصحيح؛ لأن سيبويه قد ذكر إمالة فتحة الطاء في قولهم: "رأيت خبط1 رياح" وذكر غيره أنه يجوز إمالة فتحة العين في نحو "العرد"2 والراء في ذلك ليست بلام، ولعله إنما خص الطرف لكثرة ذلك فيه. السادس: أطلق في قوله: "أمل" فعلم أن الإمالة في ذلك جائزة وصلا ووقفا، بخلاف إمالة الفتحة للسبب الآتي، فإنها خاصة بالوقف. السابع: أهمل من شروط إمالة الفتحة لكسرة الراء شرطين غير ما ذكر: أحدهما: ألا تكون على ياء، فلا تمال فتحة الياء في نحو "من الغير" نص على ذلك سيبويه. وذكره في بعض نسخ التسهيل. والآخر: ألا يكون بعد الراء حرف استعلاء نحو "من الشرق" فإنه مانع من الإمالة، نص على ذلك سيبويه أيضا.
فإن قلت: فهل يشترط ألا يتقدم على الفتحة حرف استعلاء؟ قلت: لا؛ لأن الراء المكسورة تغلب المستعلى إذا وقع قبلها، فيمال نحو "من الضرر". الثامن: قد ظهر بما ذكرناه أن كلام الناظم في إمالة الفتحة لكسرة الراء غير محرر، وتحريره أن يقال: تمال كل فتحة في غير ياء قبل راء مكسورة متصلة بها أو مفصولة بمكسور أو ساكن غير ياء، وليس بعد الراء حرف استعلاء. التاسع: منع سيبويه إمالة الألف في نحو "من المحاذر" إذا أميلت فتحة الذال، قال: ولا تقوى على إمالة الألف، أي: ولا تقوى إمالة الفتحة على إمالة الألف قبلها. أمال هنا ألف "المحاذر" لأجل إمالة فتحة الذال، وضعف ما ذهب إليه ابن خروف بأن الإمالة للإمالة من الأسباب الضعيفة، فينبغي ألا ينقاس شيء منها إلا في المسموع، وهو إمالة الألف، لأجل إمالة الألف قبلها أو بعدها. كذا الذي تليه ها التأنيث في ... وقف إذا ما كان غير ألف هذا هو السبب الثاني من سببي إمالة الفتحة، فتمال كل فتحة تليها هاء التأنيث، إلا أن إمالتها مخصوصة بالوقف، وبذلك قرأ الكسائي في إحدى الروايتين عنه، والرواية الأخرى أنه أمال إذا كان قبل الهاء أحد خمسة عشر حرفا، يجمعها قولك: فجئت زينب لذود شمس. وفصل في أربعة يجمعها قولك: أكهر1. فأمال فتحتها إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة على ما هو معروف في كتب القرءات. تنبيهات: الأول: قوله: "كذا الذي تليه ها التأنيث" يعني به أن فتحة الذي تليه هاء التأنيث تمال، لا الحرف الذي تليه هاء التأنيث، وقد تجوز من عبر عن ذلك بإمالة هاء التأنيث.
الثاني: إنما قال: "ها التأنيث" ولم يقل: تا التأنيث؛ لتخرج التاء التي لم تقلب ها، فإن الفتحة لا تمال قبلها. الثالث: لا فرق في هاء التأنيث بين أن تكون لمعنى التأنيث أو لغير ذلك، كالمبالغة نحو "علامة" فإن الإمالة جائزة في جميع ذلك؛ لأن هاء المبالغة هي هاء التأنيث. الرابع: خرج بقوله: "ها التأنيث" ها السكت نحو {كِتَابِيَهْ} 1 فلا تمال الفتحة قبلها، هذا هو الصحيح، وذهب ثعلب وابن الأنباري إلى جواز الإمالة فيما قبلها، وقرأ به أبو مزاحم الخاقاني في قراءة الكسائي. الخامس: استثنى المصنف مما "كان"2 قبل هاء التأنيث الألف، فإنها لا تصح إمالتها نحو: الصلاة والحياة. فإن قلت: لم يكن لاسثنائه الألف حاجة؛ لأن كلامه في إمالة الفتحة لا في إمالة الحرف، فلم تندرج الألف في قوله: "كذا الذي تليه ها التأنيث" لأن مراده الفتحة فلم يشمل كلامه إلا كل مفتوح. قلت: هو كذلك، ولكن نبه على منع إمالة الألف لئلا يتوهم أن بهاء التأنيث تسوغ إمالة الألف كما سوغت إمالة الفتحة. فإن قلت: ما وجه إمالة الفتحة قبل هاء التأنيث؟ قلت: ذكر سيبويه أن سبب ذلك شبه الهاء بالألف، فأميل ما قبلها كما يمال ما قبل الألف، ولم يبين سيبويه بأي ألف شبهت، والظاهر أنها شبهت بألف التأنيث.
خاتمة لباب الإمالة: ذكر بعضهم لإمالة الألف سببين غير ما سبق: أحدهما: الفرق بين الاسم والحرف، وذلك في "را" وما أشبهها من فواتح السور. قال سبيويه: وقالوا: را ويا وتا، يعني بالإمالة؛ لأنها أسماء ما يلفظ به، فليست كإلى وما ولا وغيرها من الحروف المبنية على السكون، وحروف التهجي التي في أوائل السور إن كان في آخرها ألف فمنهم من يفتح ومنهم من يميل، وإن كان في وسطها ألف نحو كاف وصاد، فلا خلاف في الفتح. والآخر: كثرة الاستعمال، وذلك إمالتهم "الحجاج" علما في الرفع والنصب، وكذلك "العجاج" في الرفع والنصب، وذكره بعض النحويين، وإمالة "الناس" في الرفع والنصب. قال ابن برهان في آخر شرح اللمع: روى عبد الله بن داود عن أبي عمرو بن العلاء إمالة "الناس" في جميع القرآن مرفوعا ومنصوبا ومجرورا. واعلم أن الإمالة لهذين السببين شاذة لا يقاس عليها، بل يقتصر في ذلك على ما سمع. والله أعلم.
التصريف
التصريف: اعلم أن علم النحو مشتمل على نوعين؛ أحدهما: علم الإعراب، والآخر: علم التصريف، وذلك أن علم النحو مشتمل على أحكام الكلم العربية، وتلك الأحكام نوعان: إفرادية وتركيبية، فالإفرادية هي علم التصريف، والتركيبية هي علم الإعراب؛ ولذلك يقال في حد علم النحو: علم يُعرف به أحكام الكلم العربية إفرادا وتركيبا. فإن قلت: الأحكام التركيبية نوعان: إعرابي وغير إعرابي، فكيف أطلق على جميعها علم الإعراب؟ قلت: أطلق على النوعين علم الإعراب تغليبا، ثم إن المسمى بعلم التصريف وهي الأحكام الإفرادية تنقسم إلى قسمين: أحدهما: جعل الكلمة على صيغ مختلفة، لضروب من المعاني كالتصغير والتكسير واسم الفاعل واسم المفعول، وهذا القسم جرت عادة كثير من المصنفين بذكره قبل التصريف كما فعل الناظم وهي في الحقيقة من التصريف. والآخر: تغيير الكلمة لغير طارئ عليها، ولكن لغرض آخر، وتنحصر في الزيادة والحذف والإبدال والقلب والنقل والإدغام، وهذا القسم هو المقصود هنا بقولهم: التصريف. وقد عرف التصريف في الكافية بقوله: تغيير بنية لمعنى قصدا. فإن قلت: هذا التعريف لا يشمل قسمي التصريف، وإنما شمل الأول أعني: تغيير الكلمة لمعنى. قلت: المراد بقوله لمعنى ما ذكره في شرحها؛ إذ قال: التصريف تحويل الكلمة من بنيتها إلى غيرها لغرض لفظى أو معنوي، فهو إذن شامل للنوعين، وقد حده في التسهيل بقوله: التصريف علم يتعلق ببنية الكلمة، وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال، وشبه ذلك. وقال الشارح: تصريف الكلمة هو تغيير بنيتها بحسب ما يعرض لها من المعنى، كتغيير المفرد إلى التثنية والجمع، وتغيير المصدر إلى بناء الفعل واسمي
الفاعل والمفعول، ولهذا التغيير أحكام كالصحة والإعلال، ومعرفة تلك الأحكام وما يتعلق بها تسمى علم التصريف، فالتصريف إذن: هو العلم بأحكام بنية الكلمة بما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك. حرف وشبهه من الصرف بَرِي ... وما سواهما بتصريف حَرِي لا حَظَّ في التصريف للحروف ولا للأسماء غير المتمكنة ولا للأفعال الجامدة، أعني: ليس وعسى ونحوهما، وإنما يكون التصريف في الأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة، وهو المراد بقوله: "وما سواهما بتصريف حري" أي: حقيق. فإن قلت: مقتضى قوله: "وما سواهما" أن التصريف يدخل الأفعال مطلقا؛ إذ لم يستثن الجامدة. قلت: قد يمكن إدراجها في شبه الحرف، فإن ليس وعسى ونحوهما شابها الحروف في الجمود. فإن قلت: قد دخل التصريف في بعض الأسماء التي تشبه الحرف نحو ذا والذي، فإنهما قد صغرا، وقد جاء الحذف في سوف وإن، وجاء الحذف والإبدال في لعل. قلت: هذا كله شاذ، يوقف على ما سمع منه. فإن قلت: قد اتضح أن الذي يقبل التصريف من الكلم نوعان: الأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة، فأيهما له الأصالة فيه؟ قلت: الأفعال لكثرة تغيرها ولظهور الاشتقاق فيها. وليس أدنى من ثلاثي يرى ... قابل تصريف سوى ما غُيرا يعني: أن ما كان على حرف واحد أو حرفين فإنه لا يقبل التصريف، إلا أن يكون ثلاثيا في الأصل وقد غير بالحذف، فإن ذلك لا يخرجه عن قبول التصريف. وقد فهم من ذلك أمران؛ أحدهما: أن الاسم المتمكن والفعل لا ينقصان في أصل الوضع عن ثلاثة أحرف؛ لأنهما يقبلان التصريف، وما يقبل التصريف لا يكون في أصل الوضع على حرف واحد، ولا على حرفين.
والآخر: أن الاسم والفعل قد ينقصان عن الثلاثة بالحذف، أما الاسم فإنه قد يرد على حرفين، بحذف لامه نحو يد، أو عينه نحو سه أو فائه نحو عدة، وقد يرد على حرف واحد نحو "م الله" عند من يجعله محذوفا من "ايمن الله" وكقول بعض العرب: شربت ما، وهذا قليل، وأما الفعل فإنه قد يرد على حرفين نحو قل وبع وسل، وقد يرد على حرف واحد نحو "ع كلامي، وق نفسك" وذلك فيما أعلت فاؤه ولامه، فيحذفان في الأمر. ومنتهى اسم خمسٌ ان تجردا ... وإن يُزد فيه فما سبعا عدا الاسم ينقسم إلى مجرد من الزوائد، وإلى مزيد فيه. فالمجرد ثلاثة أنواع: ثلاثي ورباعي وخماسي، فلا ينقص عن الثلاث؛ لأن الثلاثي أعدل الأبنية لتوسطه بين الخفة والثقل؛ لانقسامه على المراتب الثلاث: المبتدأ والمنتهى والوسط بالسوية، ولأن المبدوء به لا يكون إلا متحركا والموقوف عليه ساكن فلا بد من حرف يفصل بينهما لتنافيهما في الصفة. فإن قلت: ذلك الفاصل إن كان متحركا نافَى الموقوف عليه، وإن كان ساكنا نافَى المبدوء به. قلت: قد أجيب عن ذلك بأنه لما جاز عليه الأمران لم يتحقق التنافي ولا يزيد على الخمسة؛ لأمرين: أحدهما: أنهم جعلوا زيادته على قدر نقصانه. والآخر: أنه لو وضع على ستة لتوهم أنه كلمتان. فإن قلت: قد تقدم أن الثلاثي أعدل الأبنية فلم عدلوا عنه إلى الرباعي والخماسي؟ قلت: للتوسع بكثرة الأبنية. وأما المزيد: فيبلغ بالزيادة سبعة أحرف ولا يتجاوزها إلا بهاء التأنيث أو زيادتي التثنية أو التصحيح أو النسب. فإن قلت: فكيف قال: "فما سبعا عدا" ولم يستثن هاء التأنيث وما ذكر معها؟ قلت: هذه زوائد، وقد علم أنها غير معتد بها؛ لكونها مقدرة الانفصال.
تنبيهات: الأول: إنما يبلغ المزيد بالزيادة سبعة أحرف إذا كان ثلاثي الأصول نحو "أشهيباب" مصدر اشهابَّ1 أو رباعي الأصول نحو "احرنجام" مصدر احرنجمت الإبل؛ أي: اجتمعت. وأما الخماسي الأصول، فإنه لا يزاد فيه غير حرف مد قبل الآخر أو بعده مجردا أو مشفوعا بها التأنيث نحو "عضرفوط" وهو ذكر العظاءة2 وقبعثرى وهو البعير3. ومثال المشفوع بهاء التأنيث قبعثراة وندر قرعبلانة4؛ لأنه زيد فيه حرفان وأحدهما نون، وقيل: إنه لم يسمع إلا من كتاب العين فلا يلتفت إليه، والقرعبلانة دويبة عريضة عظيمة البطن. الثاني: ذكر بعضهم أنه زيد في الخماسي حرفا مد قبل الآخر نحو "مغناطيس" قيل: فإن صح وكان عربيا كان ناقصا، لقولهم: إنه لا يزاد فيه إلا حرف مد قبل الآخر. قلت: إن صح وكان عربيا جعل نادرا كما ندر زيادة حرفين بعد الآخر في "قرعبلانة". وقد حكاه ابن القطاع، أعني: مغناطيس. الثالث: اعلم أن حروف الهجاء تذكر وتؤنث، فباعتبار تذكيرها تثبت التاء في عددها، وباعتبار تأنيثها تسقط التاء من عددها، فلذلك قال: "فما سبعا عدا".
وغير آخر الثلاثي افتح وضم ... واكسر وزد تسكين ثانيه تَعم تقدم أن المجرد ثلاثي ورباعي وخماسي، فالثلاثي تقتضي القسمة العقلية أن تكون أبنيته اثني عشر بناء؛ لأن أوله يقبل الحركات الثلاث ولا يقبل السكون؛ إذ لا يمكن الابتداء بساكن، وثانيه يقبل الحركات الثلاث والسكون أيضا. والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة اثنا عشر. وأما الآخر فلا عبرة به في وزن الكلمة، فإنه حرف الإعراب؛ فلذلك قال: "وغير آخر الثلاثي" فعزى إلى غير آخره، وهو أوله وثانيه الحركات الثلاث، بلا تقييد. فعلم أن ذلك يكون فيهما بتوافق وتخالف، فللتوافق ثلاثة أوزان، والمخالف ستة أوزان، ثم قال: "وزد تسكين ثانيه تعم" أي: وزد على تلك الأبنية التسعة ما سكن ثانيه تعم، وأوله مفتوح أو مكسور أو مضموم، يعم القسمة الممكنة في الثلاثي، وهي اثنا عشر بناء، منها عشرة مستعملة وواحد مهمل، وواحد نادر، وقد أشار إليهما بقوله: وفعل أُهمل والعكس يَقِل ... لقصدهم تخصيص فِعْل بفُعِلْ أهمل من أبنية الثلاثي فِعُل -بكسر الفاء وضم العين- لاستثقالهم الانتقال من كسر إلى ضم، وأما قراءة بعضهم: "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحِبُكِ"1 بكسر الحاء وضم الباء، فوجهت على تقدير صحتها بوجهين: أحدهما: أن ذلك من تداخل اللغتين في جزأي الكلمة؛ لأنه يقال: حُبُك -بضم الحاء والباء- وحِبِك -بكسرهما- فركب القارئ منهما هذه القراءة، قال ابن جني: أراد أن يقرأ بكسر الحاء والباء، فبعد نطقه بالحاء مكسورة مال إلى القراءة المشهورة، فنطق بالباء مضمومة، قال في شرح الكافية: وهذا التوجيه لو اعترف به من عزيت هذه القراءة له لدل على عدم الضبط ورداءة التلاوة، ومن هذا شأنه لا يعتمد على ما سمع منه، لإمكان عروض ذلك له.
والآخر: أن يكون كسر الحاء إتباعا لكسر تاء ذات، ولم يعتد باللام الساكنة؛ لأن الساكن حاجز غير حصين، قيل: وهو أحسن. وقوله: "والعكس" يعني به بناء فَعِل -بضم الفاء وكسر العين- وهذا الوزن فيه خلاف، ذهب قوم إلى أنه مهمل؛ لاستثقال الانتقال من ضم إلى كسر وإن كان أخف من عكسه. وذهب قوم إلى أنه مستعمل، لكنه قليل، وهو الظاهر، وقد جاء منه الدئل، وهو اسم دويبة سميت بها قبيلة من كنانة، وأنشد الأخفش لكعب بن مالك1: جاءوا بجيش لو قيس معرسه ... ما كان إلا كمعرس الدئل والرئم: اسم جنس للاست، والوعل: لغة في الوعل، حكاه الخليل، فثبت بهذه الألفاظ أنه ليس بمهمل. وقوله: "لقصدهم تخصيص فعل بفعل" يعني: أن بناء فعل إنما قل في الأسماء؛ لأنهم قصدوا تخصيص الفعل به للدلالة على ما لم يسم فاعله، ولو أهمل لثقله لم يستعمل في الأفعال، وقال أبو الفتح نصر بن أبي الفنون2: أما دئل
ورئم، فقد عده قوم من النحويين قسما حادي عشر لأوزان الثلاثي، وإنما هي عند النحويين عشرة، انتهى. وقد أجاب القائلون بإهمال هذا الوزن عن الدئل والرئم بجوابين: أحدهما: أنهما من الشاذ، فلا يثبت بهما وزن، قلت: وفيه نظر؛ لأن سيبويه أثبت بناء فعل بلفظ واحد وهو إبل، وسيأتي ذكره. والآخر: أنهما منقولان من الفعل، واعترض بأن ذلك ممكن في الدئل؛ لأنه علم قبيلة بخلاف الرئم فإنه اسم جنس، والنقل لا يكون إلا في الأعلام. قلت: ذهب السيرافي إلى أن النقل يجيء في أسماء الأجناس كما جاء في الأعلام. قال: ومنه تنوط اسم لطائر يعلق عشه ويلصقه ضربا من الإلصاق بديعا فسمي بالفعل، انتهى. ولا وجه للتفرقة بين الدئل والرئم؛ لأن الدئل في الأصل اسم جنس لدويبة ثم نقل إلى القبيلة. تنبيه: قد فهم من هذا البيت أن ما عدا هذين "الوزنين"1 مستعمل ليس بمهمل ولا نادر، وهي عشرة أوزان: أولها: فَعْل، ويكون اسما نحو فلس، وصفة نحو سهل. وثانيها: فَعَل، ويكون اسما نحو فرس، وصفة نحو بطل. وثالثها: فَعِل، ويكون اسما نحو كبد، وصفة نحو حذر. ورابعها: فَعُل، ويكون اسما نحو عضد، وصفة نحو يقظ. وخامسها فِعْل: ويكون اسما نحو عدل، وصفة نحو نكس. وسادسها: فِعَل، ويكون اسما نحو عنب، قال سيبويه: ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع وهو قولهم: عدي، وقال غيره: لم يأتِ من الصفات على فعل إلا زيم -بمعنى متفرق- وعدى اسم جمع. وقال
السيرافي: استدرك على سيبويه قيما في قراءة من قرأ: "دِينًا قِيَمَا"1 ولعله يقول: إنه مصدر بمعنى القيام. انتهى. واستدرك بعض النحاة على سيبويه ألفاظا أخر؛ وهي سِوًى في قوله تعالى: "مَكَانًا سِوًى"2. ورجل رِضًى، وماء رِوًى، وماء صِرًى، وسبي طِيَبَة3، ومنهم من تأولها. وسابعها: فِعِل، ويكون اسما نحو إبل، وصفة نحو أتان بلز -وهي السمينة- ولم يذكر سيبويه من هذا الوزن غير إبل، وأما بلز "فحكاه الأخفش مخفف الزاي، وحكاه سيبويه مشدد الزاي، قيل: فيحتمل أن يكون"4 ما حكاه الأخفش مخففا من المشدد، فلا يكون بناء أصليا، قال بعضهم: ولا ثالث لهذين اللفظين. قلت: وزاد بعضهم: حبرة5 ولا أفعل ذلك أبد الأبد، وعيل -اسم بلد- ووتد وإطل ومشط ودبس وإثر، لغة في الوتد والإطل والمشط والدبس والأثر، وزاد غيره حِبِك لغة في الحُبُك، وقد تقدم. وجاء في الصفات أيضا: أتان إِبد، وأمة إِبد أي: ولود. قال ثعلب: لم يأتِ من الصفات على فِعِل إلا حرفان امرأة إِبِد أي: ولود، وأتان بِلِز أي: ضخمة، وأما قوله6:
عَلَّمها إخواننا بنو عجل ... شرب النبيذ واصطفاقا بالرجل ونحوه، فهو من النقل للوقف، أو من الإتباع، فليس بأصل، وقد قيل في إطل: إنه من الإتباع. وثامنها: فُعْل، ويكون اسما نحو قفل، وصفة نحو حلو. وتاسعها: فُعَل، ويكون اسما نحو صرد، وصفة نحو حطم. وعاشرها: فُعُل، ويكون اسما نحو عنق، صفة وهو قليل، والمحفوظ منه نحو جنب وشُلُل، وناقة سُرُح، أي: سريعة. وافتح وضم واكسر الثاني من فعل ثلاثي وزد نحو ضُمن الفعل ينقسم إلى مجرد ومزيد، فالمجرد ثلاثي ورباعي، ولا يكون خماسيا، فالثلاثي ثلاثة أبنية؛ لأنه لا يكون إلا مفتوح الأول، وثانيه يكون مفتوحا ومكسورا ومضموما، ولا يكون إلا ساكنا؛ لئلا يلزم التقاء الساكنين عند اتصال الضمير المرفوع. الأول: فَعَل، ويكون متعديا نحو ضرب، ولازما نحو ذهب، ويرد لمعانٍ كثيرة، ويختص بباب المغالبة، وقد يجيء فَعَل مطاوعا لفعل، بالفتح فيهما، وقال1: قد جبر الدينَ الإلهُ فجَبَر والثاني: فَعِل، ويكون متعديا نحو شرب ولازما نحو فرح، ولزومه أكثر من تعديه؛ ولذلك غلب في النعوت اللازمة والأعراض، وقد يطاوع فَعَل -بالفتح- نحو خدعه فخدع.
والثالث: فَعُل نحو ظرف، ولا يكون متعديا إلا بتضمين أو تحويل، فالتضمين نحو: "رحبتكم الدار" وقول علي: "إن بشرا قد طلع اليمن" بتضمين الأول معنى وسع، والثاني معنى بلغ، وقيل: الأصل رحبت بكم؛ فحذف الخافض توسعا، والتحويل نحو سدته، فإن أصله سودته -بفتح العين- ثم حول إلى فعُل -بضم العين- ونقلت الضمة إلى فائه عند حذف العين. فإن قلت: فما فائدة التحويل؟ قلت: فائدته الإعلام بأنه واوي العين؛ إذ لو لم يحول إلى فعل وحذفت عينه لالتقاء الساكنين عند انقلابها ألفا لالتبس الواوى باليائي، هذا مذهب قوم منهم الكسائي، وإليه ذهب في التسهيل، وقال ابن الحاجب: وأما باب سدته، فالصحيح أن الضم لبيان بنات الواو، لا للنقل. ولا يرد فَعُل إلا لمعنى مطبوع عليه من هو قائم به، نحو كرم ولؤم، أو المطبوع نحو فقه وخطب، أو شبهه نحو خبث، شبه بنجس؛ ولذلك كان لازما لخصوص معناه بالفاعل. وقوله: "وزد نحو ضمن" يعني: أن بناء ما لم يسم فاعله بناء أصلي من أبنية المجرد فحقه أن يذكر مع الأصول، فتكون أبنية الثلاثي المجرد أربعة. وإلى كون صيغة ما لم يسم فاعله أصلا ذهب المبرد وابن الطراوة والكوفيون، ونقله في شرح الكافية عن سيبويه والمازني، وذهب البصريون إلى أنها فرع مغيرة عن صيغة الفاعل، ونقله غير المصنف عن سيبويه، وهو أظهر القولين، وقد ذهب إليه المصنف في باب الفاعل من الكافية وشرحها. تنبيهات: الأول: لما لم يتعرض لبيان حركة فاء الفعل فهم أنها غير مختلفة، وأنها فتحة؛ لأن الفتح أخف من الضم والكسر، فاعتباره أقرب. الثاني: ما جاء "من الأفعال مكسور الأول أو ساكن الثاني"1 فليس بأصل، بل هو مغير عن الأصل، نحو: شَهِد وشِهِد وشِهْد.
الثالث: قال في شرح الكافية: جرت عادة النحويين ألا يذكروا في أبنية الفعل المجرد فعل الأمر، ولا فعل ما لم يسم فاعله، مع أن فعل الأمر أصل في نفسه اشتق من المصدر ابتداء كاشتقاق الماضي والمضارع منه. ومذهب سيبويه والمازني أن فعل ما لم يسم فاعله أصل أيضا، فكان ينبغي على هذا إذا عدت صيغ الفعل المجرد من الزيادة أن يذكر للرباعي ثلاث صيغ: صيغة للماضي المصوغ للفاعل كدحرج، وصيغة له مصوغا للمفعول كدحرج، وصيغة للأمر كدحرج، إلا أنهم استغنوا بالماضي الرباعي المصوغ للفاعل عن الآخرين لجريانها على سنن مطرد، ولا يلزم من ذلك انتفاء أصالتهما كما يلزم من الاستدلال على المصادر المطردة بأفعالها انتفاء أصالتها. قلت: أما صيغة المفعول فتقدم ذكر الخلاف فيها، وأما "صيغة"1 فعل الأمر، فذهب البصريون أنها أصل، وأن قسمة الأفعال ثلاثية، ومذهب الكوفيين: أن الأمر مقتطع من المضارع، فإذن تكون القسمة عندهم ثنائية. ومنتهاه أربع إن جُردا ... وإن يُزَدْ فيه فما ستا عَدَا لما كان الفعل أكثر تصرفا من الاسم لم يحتمل من عدة الحروف ما احتمله الاسم، فلهذا لم يجاوز المجرد منه أربعة أحرف، ولا المزيد ستة أحرف. وللرباعي المجرد بناء واحد، وهو فعلل، ويكون متعديا نحو دحرج ولازما نحو دربخ -بمعنى ذل- قال الشارح: له ثلاثة أبنية، واحد للماضي المبني للفاعل نحو دحرج، وواحد للماضي المبني للمفعول نحو دحرج، وواحد للأمر نحو دحرج. قلت: قد تقدم أن عادة النحويين الاقتصار على بناء واحد، وهو الماضي المبني للفاعل لما سبق ذكره. وأما المزيد: فإن كان ثلاثي الأصول، فإنه يبلغ بالزيادة أربعة نحو أكرم وخمسة نحو اقتدر وستة نحو استخرج، وإن كان رباعي الأصول، فإن يبلغ بالزيادة خمسة نحو تدحرج وستة نحو احرنجم.
تنبيهات: الأول: قال في التسهيل: وإن كان فعلا لم يتجاوز ستة إلا بحرف التنفيس أو تاء التأنيث أو نون التوكيد. ولو استغني عن هذا الاستثناء -كما فعل هنا- لكان أجود. الثاني: لم يتعرض الناظم لذكر أوزان المزيد من الأسماء والأفعال؛ لكثرتها ولأنه سيذكر ما به يعرف الزائد. أما الأسماء فقد بلغت بالزيادة -من قول سيبويه- ثلثمائة بناء وثمانية أبنية، وزاد الزبيدي عليه نيفا على الثمانين، إلا أن منها ما يصح، ومنها ما لا يصح. وأما الأفعال فللمزيد فيه من ثلاثيها خمسة وعشرون بناء مشهورة، وأبنية أخر غير مشهورة، وفي بعضها خلاف. وللمزيد من رباعيها ثلاثة أبنية: تَفَعْلَل نحو تدحرج، وافعنْلَل نحو احرنجم، وافعلَلَّ نحو اقشعر، وهي لازمة. واختلف في هذا الثالث، فقيل: هو بناء مقتضب، وقيل: هو ملحق باحرنجم، زادوا فيه الهمزة، وأدغموا الأخير فوزنه الآن افعلل، ويدل على إلحاقه باحرنجم مجيء مصدره كمصدره. وزاد بعضهم في مزيد الرباعي بناء رابعا. وما جاء على افعلل نحو اجرَمَّز1 قال في الارتشاف: ويظهر لي أنه مزيد من الثلاثي غير الملحق والمماثل لاسم مجرد. لاسم مجرد رباع فَعْلَل ... وفِعْلِل وفِعْلَل وفُعْلُل ذكروا للرباعي المجرد ستة أبنية: الأول: فَعْلَل -بفتح الأول والثالث- ويكون اسما نحو جعفر -وهو النهر الصغير- وصفة نحو سهلب وشجعم، والسهلب: الطويل، والشجعم: الجريء، وقد قيل: إن الهاء في سهلب والميم في شجعم زائدتان، وجاء بالتاء عجوز شهربة، وشهبرة -للكبيرة- وبهنكة -للضخمة الحسنة.
الثاني: فِعْلِل -بكسر الأول والثالث- ويكون اسما نحو زبرج، وهو السحاب الرقيق، وقيل: السحاب الأحمر، وهو من أسماء الذهب أيضا، وصفة نحو خرمل، قال الجرمي: الخرمل -بالكسر- المرأة الحمقاء مثل الخذعل. الثالث: فِعْلَل -بكسر الأول وفتح الثالث- ويكون اسما نحو درهم، وصفة نحو هبلع -للأكول. الرابع: فُعْلُل -بضم الأول والثالث- ويكون اسما نحو برثن وهو واحد براثن السباع، وهو كالمخلب من الطير، وصفة نحو جرشع -للعظيم من الجمال، ويقال للطويل. الخامس: فِعَل -بكسر الأول وفتح الثاني- ويكون اسما نحو قمطر -وهو وعاء الكتب- وفِطَحْل -قيل: وهو اسم لزمن خروج نوح عليه السلام من السفينة، قال الجوهري: الفطحل على وزن الهزبر من لم يخلق بعد1، قال الجرمي: سألت أبا عبيدة عنه قال: الأعراب تقول: هو زمن كانت الحجارة فيه رطبة- وأنشد العجاج2: وقد أتاه زمن الفطحل ... والصخر مُبتل كطين الوحل وصفة نحو سبطر -للطويل. السادس: فُعْلَل -بضم الأول وفتح الثالث- ويكون اسما نحو جخدب -لذكر الجراد- وصفة نحو جرشع بمعنى جُرْشُع بالضم3.
تنبيهات: الأول: مذهب البصريين غير الأخفش أن هذا البناء السادس ليس ببناء أصلي، بل هو فرع على فُعْلُل -بالضم- فتح تخفيفا؛ لأن جميع ما سمع فيه الفتح سمع فيه الضم نحو جخدب وطحلب وبرقع1 في الأسماء، وجرشع في الصفات، ويقال للمخلب: برثن، ولشجر في البادية عرفط؛ ولكساء مخطط برجد، ولم يسمع فيها فُعْلَل -بالفتح- وذهب الكوفيون والأخفش إلى أنه بناء أصلي؛ واستدلوا لذلك بأمرين: أحدهما: أن الأخفش قال: جؤذر2، ولم يحك فيه ضم الذال، فدل على أنه غير مخفف، وهذا مردود، فإن الضم منقول في جؤذر أيضا، وزعم الفراء أن الفتح في جؤذر أكثر، وقال الزبيدي: إن الضم في جميع ما ورد منه أفصح. والآخر: أنهم قد ألحقوا به، فقالوا: عُنْدَد، يقال: ما لي عن ذلك عندد، أي: بد، وقالوا: عاطت الناقة عُوطَطا إذا اشتهت الفحل، وقالوا: سودد فجاءوا بهذه الأمثلة مفكوكة، وليست من الأمثلة التي استثنى فيها فك المثلين لغير الإلحاق، فوجب أن يكون للإلحاق، وأجاب الشارح: بأنا لا نسلم أن فك الإدغام للإلحاق بنحو: جخدب، وإنما هو لأن فعللا من الأبنية المختصة بالأسماء، فقياسه الفك كما في جدد وظلل. وإن سلمنا أنه للإلحاق فلا نسلم أنه لا يلحق إلا بالأصول، فإنه قد ألحق بالمزيد فيه فقالوا: اقعنسس3 فألحقوه باحرنجم، فكما ألحق بالفرع بالزيادة، فكذا يلحق بالفرع بالتخفيف. الثاني: ظاهر كلام الناظم هنا موافقة الأخفش والكوفيين على إثبات أصالة فعلل، وقال في التسهيل: وتفريغ فعلل على فعلل أظهر من أصالته. الثالث: قال بعضهم في ثبوت فِعْلَل -بكسر الأول وفتح الثالث- بحث؛ لأن دِرْهَما معربا وهِبْلَع يحتمل زيادة الهاء.
قلت: إنما يتم هذا إذا لم يكن لهذا الوزن مثال يثبت به غير هذين المثالين، وليس كذلك، بل قد ذكروا له أمثلة غيرهما منها هجرع؛ ويحتمل أيضا زيادة الهاء، وزئبر1 وقلعم -لجبل بعينه- وقال الجرمي: هو من أسماء الرجال. وقال الزبيدي: القلعم -الشيخ المسن، ويقال: القعلم الطويل- فجعله صفة، وذكر الجوهري قلحم -بالقاف والحاء المهملة وقال: القلحم المسن، قال: وقد ذكرناه في باب الحاء؛ لأن الميم زائدة. فإن قلت: قد قال الأصمعي: ليس في الكلام فعلل إلا درهم وهجرع فحصر. قلت: قد زاد غيره ما تقدم ذكره. فإن قلت: وعلى تقدير ثبوت هذا الوزن فتمثيله بدرهم ليس بجيد؛ إذ الوزن لا يثبت بالمعرب. قلت: ذكر بعضهم أن الأسماء الأعجمية على ثلاثة أقسام: قسم "غيرته"2 العرب وألحقته بكلامها، فحكم أبنيته في اعتبار الأصلي والزائد والوزن حكم أبنية الأسماء العربية "الوضع"3 كدرهم. وقسم "غيرته"4 ولم تلحقه بأبنية كلامها، فلا تعتبر فيه ما اعتبر فيما قبله نحو آخر، وقسم تركوه غير مغير فما ألحقوه بأبنية كلامهم عد منها نحو خُرَّم5 ألحقوه بسُلَّم، وما لم يلحقوه "بأبنية كلامهم"6 لم يعد منها نحو خراسان لا يثبت فيه فعالان.
الرابع: زاد بعضهم في أبنية الرباعي ثلاثة أوزان: وهي فِعْلُل -بكسر الأول وضم الثالث- وحكى ابن جني أنه يقال لجوز القطن الفاسد: خرفع، ويقال أيضا لزئبر الثوب: زئبر، وللضئبل وهو من أسماء الداهية: ضئبل، وفُعَلّ -بضم الأول وفتح الثاني- نحو: خبعث ودلمز، وفَعلِل -بفتح الأول وكسر الثالث- نحو طحربة1. ولم يثبت الجمهور هذه الأوزان، وما صح نقله منها فهو عندهم شاذ، وقد ذكر الأول من هذه الثلاثة في الكافية فقال: وربما استعمل أيضا فِعلُل، والمشهور في الزئبر والضئبل كسر الأول والثالث. قال في الصحاح: وربما جاء بضم الباء فيهما، قال ثعلب: لا نعلم في الكلام فعلل، فإن كان هذان الحرفان مسموعين -بضم الباء- فهما من النوادر. وقال ابن كيسان: هذا إذا جاء على هذا المثال شهد للهمزة بأنها زائدة. وإذا وقعت حروف الزيادة في الكلمة جاز أن تخرج على بناء الأصول. الخامس: قد علم بالاستقراء أن الرباعي لا بد من إسكان ثانيه أو ثالثه، ولا يتوالى أربع حركات في كلمة، فمن ثم لم يثبت فُعْلُل بقولهم عرتن -وهو نبت يصبغ به، بل جعل فرعا على فعنلل لقولهم فيه: عرنتن، فحذفت نونه وترك على حاله، ولافُعَلِل بقولهم عُلَبِط2؛ بل جعل فرعا على فعالل؛ لأن ما جاء على فُعَلِل يجوز فيه فعالل، ولا فَعَلِل بقولهم جندل، بل جعله البصريون فرعا على فعالل، وأصله جنادل، وجعله الفراء وأبو علي فعليل، واصله جنديل. واختاره المصنف؛ لأن جَنَدِلا مفرد، فتفريعه على المفرد أولى، وقد أورد بعضهم هذه الأوزان على أنها من الأبنية الأصول، وليست محذوفة، وليس بصحيح لما سبق.
.......... وإن علا ... فمع فَعَلَّل حوى فَعْلَلِلا كذا فعلِّل وفعلَل..... ... .................... يعني: أن الاسم الخماسي المجرد، وهو المراد بقوله: "إن علا" أي: جاوز الأربعة، له أربعة أبنية: الأول: فَعَلَّل -بفتح الأول والثاني والرابع- ويكون اسما نحو سفرجل، وصفة نحو شمردل -للطويل. الثاني: فَعْلَلِل -بفتح الأول والثالث وكسر الرابع- قالوا: لم يجيء إلا صفة نحو جحمرش -للعظيمة من الأفاعي- وقال السيرافي: هي العجوز المسنة، وقَهْبَلِس -للمرأة العظيمة- وقيل: لحشفة الذكر، فيكون اسما. الثالث: فُعَلِّل -بضم الأول وفتح الثاني وكسر الرابع- ويكون اسما نحو خُبَعْثِن -للأسد- وخُزَعْبِل -للباطل، وللأحاديث المستطرفة- وصفة نحو قذعمل -للبعير الضخم. الرابع: فِعْلَلّ -بكسر الأول وفتح الثالث- ويكون اسما نحو قرطعب -وهو الشيء الحقير- وصفة نحو جِرْدَحْل -وهو الضخم من الإبل. تنبيه: زاد ابن السراج في أوزان الخماسي فُعْلَلِل نحو هندلع -اسم بقلة- ولم يثبته سيبويه، والصحيح أن نونه زائدة لأوجه: أحدها: أنه يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير. الثاني: أن كُرَاعا1 حكي في الهندلع -كسر الهاء- فلو كان أصلية لزم كون الخماسي على ستة أمثلة، فكان يفوت تفضيل الرباعي عليه، وهو مطلوب.
الثالث: أنه يلزم على قوله أصالة نون كنهبل1؛ لأن زيادتها لم تثبت، إلا لأن الحكم بأصالتها موقع في وزن لا نظير له مع أن نون هندلع ساكنة ثانية، فأشبهت نون عنبر وحنظل ونحوهما ولا يكاد يوجد نظير كنهبل في زيادة نون ثانية متحركة، فالحكم على نون هندلع بالزيادة أولى. وزاد غيره للخماسي أوزانا أخر لم يثبتها الأكثرون لندورها، واحتمال بعضها الزيادة فلا نطول. وقوله: ...................... وما ... غاير للزيد أو النقص انتمى يعني: أن ما جاء من الأسماء المتمكنة على غير الأمثلة المذكورة فهو منسوب إلى الزيادة فيه نحو خزعبيل، وجميع أبنية المزيد، أو إلى النقص منه وهو ضربان: ضرب نقص منه أصل نحو يد ودم، وضرب نقص منه زائد نحو جندل وعلبط، وأصلهما: جنادل وعلابط، وقد سبق بيان ذلك. تنبيه: كان ينبغي أن يقول: "وما غاير للزيد أو النقص أو الندور" لأن مثل طحربة مغاير للأوزان المذكورة، ولم ينتمِ إلى الزيادة ولا النقص، ولكنه نادر، قال في التسهيل: وما خرج عن هذه المثل فشاذ، أو مزيد فيه، أو محذوفة منه، أو شبه الحرف، أو مركب، أو أعجمي. والحرف إن يلزم فأصل والذي ... لا يلزم الزائد مثل تا احتُذِي لما ذكر أن أبنية الأسماء والأفعال ضربان: مجرد ومزيد فيه، أشار هنا إلى ما يتميز به الأصل عن الزائد، فذكر أن علامة الأصل أن يلزم تصاريف الكلمة، ولا يحذف شيء منها. وأن علامة الزائدة، ألا يلزم تصاريف الكلمة، بل يحذف من بعض التصاريف. ومثل الزائد بتاء احتذي؛ لأنها تحذف من بعض التصاريف، ولا تلزم، تقول: حذا حذوه، فيعلم بسقوط التاء من حذا، أن التاء في
احتذى زائدة ويقال: احتذى به، أي: اقتدى به، ويقال أيضا: احتذى أي: انتعل، قال1: كل الحذاء يَحْتَذِي الحافي الوَقِعْ والحذاء: النعل. فإن قلت: تعريف الأصلي بأنه ما يلزم تصاريف الكلمة، غير جامع لخروج ما يسقط من بعض التصاريف، وهو أصل كواو يعد، وغير مانع لدخول ما يلزم، وهو زائد، فلا يصح حذا، ولا يصح علامة أيضا؛ لأن شرط العلامة الاطراد، وذلك يعرف أيضا أن تعريف الزائد بما لا يلزم لا يصح. قلت: الأصل إذا سقط لعلة فهو مقدر الوجود بخلاف الزائد، والزائد إذا لزم فهو مقدر السقوط؛ ولذلك يقال: الزائد ما هو ساقط في أصل الوضع تحقيقا أو تقديرا، وقد دعت الحاجة هنا إلى ثلاث مسائل: الأولى: في ذكر حروف الزيادة. اعلم أن الزائد نوعان: أحدهما: أن يكون تكرير أصل لإلحاق أو غيره، فلا يختص بأحرف الزيادة وهو إما تكرير عين نحو قطَّع، أو لام نحو جَلْبَبَ أو فاء وعين مع مباينة اللام نحو مَرْمَرِيس2 وهو قليل، أو عين ولام مع مباينة الفاء نحو صَمَحْمَح3.
والآخر: ألا يكون تكرير أصل، فهذا لا يكون إلا أحد الأحرف العشرة المجموعة في "أمان وتسهيل" وقد جمعت في تراكيب أخر لا فائدة في التطويل بذكرها، ومعنى تسميتها حروف الزيادة أنه لا يزاد لغير تكرير إلا منها، وليس المراد أنها تكون زائدة أبدا؛ لأنها قد تكون أصلا، وذلك واضح، وأسقط المبرد من حروف الزيادة الهاء، وسيأتي الرد عليه. الثانية: في ذكر فوائد الزيادة، وهي ستة: أولها: الإلحاق نحو شَمْلَل1. وثانيها: بيان معنى كحروف المضارعة. وثالثها: المد نحو كتاب. ورابعها: الإمكان نحو همزة الوصل. وخامسها: التعويض كتاء زنادقة؛ لأنها عوض من الياء في زناديق. وسادسها: التكثير نحو ألف قَبَعْثَرى. الثالثة: في ذكر أدلة الزيادة، وهي تسعة: أولها: سقوط الحرف من أصل، كسقوط ألف من ضارب في أصله أعني المصدر، وهذا الدليل هو الذي يسميه أهل التصريف الاشتقاق، والاشتقاق ضربان أكبر وأصغر. فالأكبر: هو عقد تراكيب الكلمة كيفما قلبتها على معنى واحد، كعقد تراكيب "ق ول" على معنى الخفة والسرعة، وعقد تراكيب "ك ل م" على معنى الشدة والقوة، ولم يقل به إلا أبو الفتح، وكان أبو علي يأنس به في بعض المواضع. والأصغر: هو إنشاء مركب من مادة عليها وعلى معناه كأحمر والحمرة، وهذا هو المعتبر في التصريف، ولا يقبل قول من أنكره.
ثانيها: سقوط من فرع، كسقوط ألف كتاب في جمعه على كتب، وهذا يسمى بالتصريف، وهو شبيه بالاشتقاق، والفرق أن الاشتقاق استدلال بالفرع والتصريف استدلال بالأصل1. وثالثها: سقوطه من نظيره كسقوط ياء أيطل في إطل، والأيطل: الخاصرة. وشرط الاستدلال بسقوط الحرف في أصل أو فرع أو نظير على زيادته أن يكون سقوطه لغير علة، فإن كان سقوطه لعلة، كسقوط واو وعد في يعد أو في عدة، لم يكن دليلا على الزيادة. ورابعها: كون الحرف مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع الاشتقاق، وذلك كالنون إذا وقعت ثالثة ساكنة غير مدغمة وبعدها حرفان نحو عصنصر2، فإن النون فيه محكوم بزيادتها مع أنه لا يعرف له اشتقاق؛ لأن نونه في موضع لا تكون فيه مع الاشتقاق إلا زائدة نحو جَحَنْفَل من الجَحْفَلة، وهي لذي الحافر كالشَّفَة للإنسان، والجحنفل: العظيم الشفة. وخامسها: كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه زيادته مع الاشتقاق، كالهمزة إذا وقعت أولا وبعدها ثلاثة أحرف، فإنها يحكم عليها بالزيادة وإن لم يعلم الاشتقاق، فإنها قد كثرت زيادتها إذا وقعت كذلك فيما علم اشتقاقه، وذلك نحو إِفْكِل، يحكم بزيادة همزته حملا على ما عرف اشتقاقه نحو أحمر، والإِفْكِل: الرعدة. وسادسها: اختصاصه بموضع لا يقع فيه إلا حرف من حروف الزيادة، كالنون من كنتأو3 ونحوه "فإنها زائدة إذ لا يقع موضعها ما لا يصلح للزيادة"4، فلا يوجد مثل سِرْدَأَوْ. وسابعها: لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة في تلك الكلمة نحو تَتْفُل -بفتح التاء وضم الفاء- ولد الثعلب، فإن تاءه زائدة؛ لأنها لو جعلت أصلا، لكان وزنه فعلل، وهو مفقود.
وثامنها: لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة في نظير الكلمة التي ذلك الحرف منها نحو تتفل على لغة من ضم التاء والفاء، فإن تاءه أيضا زائدة على هذه اللغة وإن لم يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير، فإنها لو جعلت أصلا كان وزنه فعلل نحو برثن وهو موجود، ولكن يلزم عدم النظير في نظيرها أعني: لغة الفتح، فلما ثبتت زيادة التاء في لغة الفتح حكم بزيادتها في لغة الضم أيضا؛ إذ الأصل اتحاد المادة. وتاسعها: دلالة الحرف على معنى كحروف المضارعة وألف اسم الفاعل ونحو ذلك. وزاد بعضهم في الدلائل عاشرا، وهو: الدخول في أوسع البابين نحو كنَهْبُل -بضم الباء- فإن وزنه على تقدير أصالة نون فَعلُّل1 وهو مفقود، وعلى تقدير زيادتها فَعَنْلُل، وهو مفقود أيضا، ولكن حكم بزيادتها دخولا في أوسع البابين؛ لأن باب المزيد أوسع. قلت: وهذا مندرج في السابع؛ لأنه إذا عدم النظير على تقدير الأصالة حكم بالزيادة سواء وجد النظير على تقدير الزيادة أو لم يوجد. بضمن فِعْل قابل الأصول في ... وزن وزائد بلفظه اكتُفِي اصطلح أهل التصريف على أن يزنوا بالفاء والعين واللام، فيقابل أول الأصول بالفاء، وثانيها بالعين، وثالثها باللام، فيقال في وزن فلس فعل وفي ضرب فعل، ويسوى بين الوزن والموزون في الحركة والسكون. وأما الزائد فيعبر عنه بلفظه كقولك في وزن أحمر أفعل فيعبر عن الهمزة بلفظها؛ لأنها زائدة، ويستثنى من الزوائد نوعان لا يعبر عنهما بلفظهما: أحدهما: المبدل من تاء الافتعال، فإنه يعبر عنه بالتاء التي هي أصله، كقولك في وزن اصطبر: افتعل؛ وذلك لأن المقتضي للإبدال في الموزون غير موجود في الوزن فرجع إلى أصله، وما قيل من أن ذلك لدفع الثقل، ليس بشيء. والآخر: المكرر لإلحاق أو لغيره، فإنه يقابل به الأصل، وسيأتي بيانه.
وضاعف اللام إذا أصل بَقِي ... كراء جعفر وقاف فُسْتُقِ إذا كان الموزون رباعيا أو خماسيا، قوبل الرابع بلام ثانية، والخامس بلام ثالثة، كقولك في وزن جعفر فعلل، وفي وزن فستق فُعلُل، وكقولك في وزن سفرجل فَعلَّل، وفي وزن قُدَعْمِل فعلل. وإن يك الزائد ضعف أصل ... فاجعل له في الوزن ما للأصل إذا كان الزائد ضعف أصل قوبل بما يقابل به ذلك الأصل، فإن كان ضعف الفاء قوبل بالفاء، وإن كان ضعف العين قوبل بالعين، وإن كان ضعف اللام قوبل باللام، فتقول في وزن اغدودن1 افعوعل، وفي وزن جلبب فَعْلَل، وهذا يقيد قوله: وزائد بلفظه اكتفي. وحاصل ما ذكر في الوزن أنه يعبر عن أول الأصول بالفاء وعن ثانيها بالعين وعن ثالثها ورابعها وخامسها باللام، وعن الزائد بلفظه إلا المبدل من تاء الافتعال، فإنه يقابل بأصله وإلا المكرر فإنه يقابل بمثل ما يقابل به الأصل. ثم اعلم أن الزائد إن لم يكن من حروف "أمان وتسهيل" فهو تكرير، ولا إشكال كالباء من جلبب. وإن كان منها فقد يكون تكريرا، وقد يكون غير تكرير، بل تكون صورته صورة المكرر، ولكن دل دليل على أنه لم يقصد به تكرير، فيقابل في الوزن بلفظه نحو "سَمْنَان" -هو ماء لبني ربيعة- فوزنه فعلال لا فعلان؛ لأن فعلالا بناء نادر. تنبيهات: الأول: فائدة هذا الوزن التوصل إلى الإعلام بالأصلي والزائد باختصار. ألا ترى أنك إذا سئلت عن وزن أحمر فقلت: أفعل، علم من ذلك زيادة الهمزة، وأصالة ما عداها. الثاني: المعتبر في الوزن ما استحقه الموزون من الشكل قبل التغيير؛ فلذلك يقال في وزن رد ومرد فَعَل ومَفْعَل؛ لأن أصلهما رَدَد ومَرْدَد.
الثالث: لما كان الغرض من الوزن التنبيه على الأصول والزوائد، وعلى ترتيبها قلبت الزنة إذا وقع في الموزون قلب، كقولك في وزن آدُر: أعفُل؛ لأنه أصل أدور ثم قدمت العين على الفاء؛ ولذلك لو كان في الموزون حذف وزن باعتبار ما صار إليه بعد الحذف، في قاض: فاع؛ وفي عدة: علة، إذا أريد بيان الأصل في المقلوب والمحذوف1. فيقال: أصله كذا ثم أعل. الرابع: حكى بعضهم في تمثيل البدل في نحو كساء قولين قال: منهم من يقابله بلفظه، ومنهم من يقابله بأصله، فمثال كساء فعاء أو فعال. الخامس: ما ذكر من التعبير عن الرابع والخامس باللام هو مذهب البصريين، وهو المعتمد، وللكوفيين في ذلك خلاف، واضطراب لا حاجة إلى التطويل به. السادس: ما ذكره من أن الزائد إذا كان تكريرا يقابل بما يقابل به الأصل هو الصحيح، وبه قال الأكثرون، وذهب بعضهم إلى أن الزائد يقابل بلفظه مطلقا، ولو كان مكررا، فيقال في وزن جلبب: فعلب. واحكم بتأصيل حروف سِمْسم ... ونحوه والخلف في كَلَمْلَم إذا تكرر حرفان ولا أصل للكلمة غيرهما، فإن لم يفهم المعنى بسقوط الثالث عمتهما الأصالة نحو سمسم فوزنه فِعْلِل؛ لأن أصالة اثنين متيقنة ولا بد من ثالث مكمل لأصوله، وليس أحد الباقين أولى من الآخر، فحكم بأصالتهما، وظاهر كلام المصنف أن هذا القسم لا خلاف فيه، وفي كلام بعضهم ما يوهمه، وقد حكي عن الخليل وعن بعض الكوفيين أن وزنه فعفل تكررت فاؤه، وهو بعيد. وإن فهم المعنى بسقوط ثالثة نحو لَمْلَم -وهو أمر من لملمت- بمعنى لممت، ففيه ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب البصريين إلا الزجاج أن حروفه كلها محكوم بأصالتها كالنوع الأول فوزن لملم فعلل، ولا فرق عندهم بين ما يفهم المعنى عند سقوط ثالثه وما لا يفهم. الثاني: مذهب الزجاج أن الصالح للسقوط زائد فتكون اللام الثانية من لملم زائدة. والثالث: مذهب الكوفيين أن الصالح للسقوط أبدل من تضعيف العين، فأصل لملم على قوله لمم، فاستثقل توالي ثلاثة أمثال، فأبدل من إحداهما حرف يماثل الفاء، ورد مذهب الكوفيين، بأنهم قالوا في مصدره: فعللة، ولو كان مضاعفا في الأصل لجاء على التفعيل، واختار الشارح مذهب الكوفيين. فإن تكرر حرفان وللكلمة أصل غيرهما، حكم فيه بزيادة الضعفين نحو: صمحمح ومرمريس. وفي تعيين الزائد في نحو ذلك خلاف. وذكر في التسهيل: أنه حكم بزيادة ثاني المتماثلات. وثالثها: في نحو صمحمح -يعني: الحاء الأولى والميم الثانية- وبزيادة ثالثها ورابعها في نحو مرمريس يعني "الميم والراء التي تليها"1. واستدل بعضهم على زيادة الحاء الأولى في صمحمح والميم الثانية في مرمريس بحذفهما في التصغير حيث قال: صميمح ومريريس، ونقل عن الكوفيين في صمحمح أن وزنه فعلل، وأصله صمحح، أبدلوا الوسطى ميما. فألف أكثر من أصلين ... صاحب زائدة بغير مَيْنِ شرح الناظم في بيان ما تطرد زيادته من الحروف العشرة، فذكر أن الألف إذا صحب أكثر من "أصلين"2 فهو زائد كألف كتاب وسرداح3، وعلة ذلك أن أكثر ما وقع فيه الألف كذلك دل الاشتقاق على زيادته، فحمل عليه ما سواه.
وقد فهم من قوله: "أكثر من أصلين" أنه إذا صحب أصلين فقط لم يكن زائدا، بل إن كان في فعل أو في اسم متمكن، فهو بدل من أصل، إما ياء نحو رحا، أو واو نحو عصا. ولا تكون الألف أصلا إلا في حرف أو شبهه. ونزيد هذا الموضع بيانا فنقول: للألف ثلاثة أحوال: أولها: أن تكون مصاحبة لأصلين فقط، فيتعين الحكم بعدم زيادتها كما ذكر. وثانيها: أن تكون مصاحبة لأكثر من أصلين، فيتعين الحكم بزيادتها، لما تقدم، إلا في نحو عاعى وضوضى1 من مضاعف الرباعي، فإنها فيه بدل من أصل لا زائدة. وثالثها: أن تكون مصاحبة لأصلين والثالث يحتمل الأصالة والزيادة، فإن قدرت أصالته فالألف زائدة، وإن قدرت زيادته فالألف غير زائدة. فإن قلت: فما المحكوم به عند الاحتمال؟ قلت: إن كان ذلك المحتمل همزة مصدرة أو ميما مصدرة أو نونا ثالثة ساكنة في الخماسي حكم عليه بالزيادة، وعلى الألف بأنها منقلبة عن أصل نحو: أفعى وموسى وعقنقى2، إن وجد في كلامهم ما لم يدل دليل على أصالة هذه الأحرف، وزيادة الألف نحو أرطى فيمن قال: أديم مأروط3. وإن كان المحتمل غير هذه الثلاثة حكمنا بأصالته وزيادة الألف، كما ذكروا. وقال في التسهيل: وتترجح زيادة ما صدر من ياء أو همزة أو ميم على زيادة ما بعده من حرف لين، فسوى بين الياء والهمزة والميم في ذلك.
ثم اعلم أن الألف لا تزاد أولا؛ لامتناع الابتداء بها، وتزاد في الاسم ثانية نحو ضارب، وثالثة نحو كتاب، ورابعة نحو حبلى، وخامسة نحو انطلاق، وسادسة نحو قبعثرى، وسابعة نحو أربعاوى. وتزاد في الفعل ثانية نحو قاتل، وثالثة نحو تغافل، ورابعة نحو سلقى، وخامسة نحو اجأوى، وسادسة نحو اغرندى1. والياء كذا والواو إن لم يقعا ... كما هما في يُؤْيُؤ ووَعْوَعَا يعني: أن الياء والواو مثل الألف في أن كلا منهما إذا صحب أكثر من أصلين، حكم بزيادته إلا الثنائي المكرر نحو يؤيؤ -لطائر ذي مخلب- قال الجوهري: شبه الباشق، والجمع البآبئ، ووعوع: إذا صوت. فهذا النوع يحكم فيه بأصالة حروفه كلها كما حكم بأصالة حروف سمسم. والتقسيم السابق في الألف يأتي هنا أيضا، فنقول الياء والواو لهما ثلاثة أحوال: فإن صحبا أصلين فقط فهما أصلان، وإن صحبا ثلاثة فصاعدا مقطوعا بأصالتها فهما زائدان، إلا في الثنائي المكرر كما تقدم، وإن صحبا أصلين وثالثا محتملا، فإن كان همزة أو ميما مصدرتين حكم بزيادتهما وأصالة الياء والواو، نحو أيدع ومزود2 إلا أن يدل دليل على أصالة "الميم والهمزة"3 وإن كان غيرهما حكم بأصالته وزيادة الياء والواو ما لم يدل دليل على خلاف ذلك. ثم إن الياء تزاد في الاسم أولى نحو يَلْمَع، وثانية نحو ضَيْغَم، وثالثة نحو
قضيب، ورابعة نحو حذرية، وخامسة نحو سُلَحْفية، قيل: وسادسة نحو مغناطيس، وسابعة نحو خُنْزُوانية1. وتزاد في الفعل أولى نحو يضرب، وثانية نحو بيطر، وثالثة عند من أثبت فَعْيَل في أبنية الأفعال نحو رَهْيَأ، ورابعة نحو قلسيت، وخامسة نحو تَقَلْسَيْتُ، وسادسة نحو اسْلَنْقَيْتُ2. والواو تزاد ثانية نحو كوثر، وثالثة نحو عجوز، ورابعة نحو عَرْقُوة، وخامسة نحو قلنسوة، وسادسة نحو أَرْبَعَاوِي، وتزاد في الفعل ثانية نحو حوقل، وثالثة نحو جَهْوَر، ورابعة نحو اغْدَوْدَنَ3. ومذهب الجمهور أن الواو لا تزاد أولا، قيل: لثقلها، وقيل: لأنها إن زيدت مضمومة اطرد همزها، أو مكسورة فكذلك، وإن كان همز المكسورة أقل، أو مفتوحة فيتطرق إليها الهمز؛ لأن الاسم يضم أوله في التصغير، والفعل يضم أوله عند بنائه للمفعول؛ فلما كانت زيادتها أولا تؤدي إلى قلبها همزة رفضوه؛ لأن قلبها همزة قد يوقع في اللبس، وزعم قوم أن واو "وَرَنْتَل" -وهو الشر- زائدة على الندور، وهو ضعيف؛ إذ لا نظير لذلك، ولأنه يؤدي إلى بناء وَفَنْعَل، وهومفقود، والصحيح أن الواو أصلية.
واختلف في لامه؛ فقال الفارسي: زائدة، وإليه ذهب المصنف، وقال غيره: أصلية، ووزنه على هذين القولين فعنلل؛ لأن اللام الأخيرة على الأول منهما زائدة، وعلى الثاني أصلية. تنبيهان: الأول: قد اتضح أن الواو والياء بينهما فرق، وهو أن الواو لا تزاد أولا بخلاف الياء. الثاني: إذا تصدرت "الياء"1 وبعدها ثلاثة أصول، فهي زائدة كما سبق نحو يلمع، وإذا تصدرت وبعدها أربعة أصول فهي أصل كالياء في يستعور -وهو شجر يتسوك بعيدانه- ووزنه فعللول كعضرفوط، هذا هو الصحيح؛ لأن الاشتقاق لم يدل على الزيادة في مثله إلا في المضارع نحو يدحرج، فإن زيادته فيه معلومة. وهكذا همز وميم سَبقا ... ثلاثة تأصيلها تحققا الهمزة والميم متساويتان في أن كلا منهما إذا تصدر وبعده ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها فهو زائد نحو أحمد وإفكل ومكرم؛ لدلالة الاشتقاق في أكثر الصور على الزيادة، فحمل عليه ما سواه. فإن قلت: فقد حكم سيبويه وأكثر النحويين على ميم "مَرْجَل" بأنها أصل مع أن بعدها ثلاثة أصول، وهكذا ميم مُغْفُور -وهو ضرب من الكمأة- وقد ذهب كثير إلى أن ميم "مِرْعزّى"2 أصل فلم يطرد هذا القانون. قلت: هو مطرد ما لم يعارضه دليل على الأصالة من اشتقاق أو نحوه، فيحكم بمقتضى الدليل.
كما عارض في مرجل ثبوت ميمه في التصريف، كقولهم: "مَرْجَل الحائك الثوب" إذا نسجه مُوَشًّى بوَشْيٍ يقال له: المراجل، قال ابن خروف: المرجل ثوب يعمل بدارات كالمراجل وهي: قدور النحاس. وقد ذهب أبو العلاء المعري إلى زيادة ميم مِرْجل اعتمادا على ذلك الأصل، وجعل ثبوتها في التصريف كثبوت ميم تَمَسْكَنَ من المسكنة، وتَمَنْدَلَ من المنديل، وتَمَدْرَعَ إذا لبس المدرعة، والميم فيها زائدة، ولا حجة له في ذلك؛ لأن الأكثر في هذا تَسَكَّنَ وتندَّل وتدرع، قال أبو عثمان: هو كلام أكثر العرب. وأما مُغْفُور، فعن سيبويه فيه قولان: أحدهما: أن الميم زائدة، والآخر: أنها أصل؛ لقولهم: "ذهبوا يَتَمَغْفَرُون" أي: يجمعون المغفور، وهو ضرب من الكمأة. وأما مِرْعِزَّى، فذهب سيبويه إلى أن ميمه زائدة، وذهب قوم منهم الناظم إلى أنها أصل؛ لقولهم: "كساء مُمَرْعَز" دون مُرَعَّز. وألزم المصنف سيبويه أن يوافق على الأصالة في مِرْعِزِيٍّ أو يخالف في الجميع. تنبيهات: الأول: فهم من قوله "سبقا" أنهما لا يحكم بزيادتهما متوسطتين ولا متأخرتين إلا بدليل، ويستثنى من ذلك الهمزة المتأخرة بعد الألف وقبلها أكثر من أصلين، فإنها تطرد زيادتها، وسيأتي. ومثال ما حكم فيه بزيادة الهمزة، وهي غير مصدرة شَمْأَل واحْبَنْطَأ1. ومثال ما حكم فيه بزيادة الميم، وهي غير مصدرة دلامص وزرقم2. أما شمأل، فالدليل على زيادة همزتها سقوطها في بعض لغاتها، وفيها عشر لغات: شَمْأل، وشَأْمل -بتقديم الهمزة على الميم- وشَمَال -على وزن قَذَال- وشَمُول -بفتح الشين- وشَمَل -بفتح الشين والميم- وشَمْل -بإسكان الميم-
وشَمْيَل -على وزن فَيْعَل- وشِمَال -على وزن كتاب- وشَمِيل -بفتح الشين وكسر الميم- وشَمْأَلّ -بتشديد اللام- واستدل ابن عصفور وغيره على زيادة همزة شمأل بقولهم: "شملت الريح" إذا هبت شمالا، واعترض بأنه يحتمل أن يكون أصله شمألت فنقل، فلا يصح الاستدلال به. وأما احبنطأ، فالدليل على زيادة ميمها سقوطها في الْحَبَط1، والظاهر أن وزن احبنطأ افعنلأ، وزعم بعضهم أنه افعنلى كاسرندى، والهمزة فيه بدل من الألف. قال: لأن افعنلأ بناء مفقود. وأما دلامص، فالدليل على زيادة ميمها سقوطها في قولهم: "دِرْع دلامص". يقال: دلامص ودُمالص ودُلمص ودُمْلص ودُلاص -وهو الشيء البراق- وذهب أبو عثمان إلى أن الميم في دلامص وأخواته أصل، وإن وافقت دلاصا في المعنى، فهي عنده من باب سبط وسِبَطر2. وأما زُرْقُم، فالدليل على زيادة ميمه واضح؛ لأن من الزرقة، والزرقم هو الأزرق. والثاني: فهم من قوله: "ثلاثة" أنهما إذا سبقا أصلين فقط نحو أمر ومنع، أو أربعة أصولا نحو اصطبل ومرزجوش3، فلا يحكم بزيادتهما بل يحكم بأصالتهما. أما إذا سبقا أصلين فقط فتكميلا لأقل الأبنية، وأما إذا سبقا أربعة، فإن الاشتقاق لم يدل على الزيادة في نحو ذلك إلا في فعل أو محمول عليه نحو ادحرج ومدحرج، فوزن اسطبل فعلَلّ، وزن مرزجوش فعللول.
وقياس إبراهيم وإسماعيل أن تكون همزتهما أصلية لو كانا عربيين؛ ولذلك رد أبو العباس على سيبويه قوله على تصغيرهما: بريهيم وسميعيل، وتقدم ذلك في باب التصغير. الثالث: فهم من قوله: "تأصيلها تحققا" أنهما إذا سبقا ثلاثة لم يتحقق تأصيل جميعها، بل كان في أحدها احتمال، لا يقدم على الحكم بزيادتهما إلا بدليل. وهذا فيه نظر؛ لأن الهمزة والميم إذا سبقا ثلاثة أحرف أحدها يحتمل الأصالة والزيادة، حكم بزيادة الهمزة والميم وبأصالة ذلك المحتمل إلا بدليل؛ ولذلك حكم بزيادة همزة أفعى وأبين وإجاص، وميم موسى ومِزْود ومِجَن1. وفي مجن عن سيبويه قولان: والأصح أن ميمه زائدة، فإذا دل دليل على أصالة الهمزة والميم، وزيادة ذلك المحتمل حكم بمقتضاه، كما حكم بأصالة أرطى فيمن قال: أديم مأروط، وهمزة أولق -وهو الجنون- فيمن قال: ألق فهو مألوق، وبأصالة ميم مهدد2 وزيادة أحد المثلين؛ إذ لو كانت ميمه زائدة لكان مَفْعَلا، فكان يجب إدغامه، وكذلك ميم مأجج3 أصل لما ذكر، وأجاز السيرافي في مأجج ومهدد أن تكون الميم زائدة ويكون فكهما شاذا، وما ذكره الشارح من أن في قوله: "تأصيلها تحققا" تنبيها على أصالة همزة أولق وميم مَهْدَد، مبني على ذلك المفهوم. الرابع: تزاد الهمزة في الاسم أولى كأحمر، وثانية كأشمل، وثالثة كشمأل، ورابعة كحطائط وهو القصير، وخامسة كحمراء، وسادسة كحروراء، وسابعة كعاشوراء، وثامنة كبربيطياء4. والميم تزاد أولى كمرحب، وثانية كدُملص، وثالثة كدُلَمص، ورابعة كزُرْقُم، وخامسة كضُبَارِم؛ لأنه من الضبر وهو في شدة الخلق، وذهب ابن عصفور إلى أنها في ضبارم أصلية، قال في الصحاح: الضبارم -بالضم- الشديد الخلق من الأسد.
كذاك همز آخِر بعد أَلِفْ ... أكثر من حرفين لفظُها رَدِفْ أي: كذلك يحكم باطراد زيادة الهمزة إذا وقعت آخرا بعد ألف، قبل تلك الألف أكثر من حرفين، نحو: حمراء وعلباء وقُرْفُصاء1، فلو كان قبل الألف حرفان فقط نحو كساء ورداء، أو حرف واحد نحو ماء وداء، فالهمزة بدل أصل، أو أصل لا زائدة. ولو وقعت الهمزة آخرا وليست بعد ألف حكم بأصالتها إلا بدليل كما تقدم في احبنطأ. تنبيه: مقتضى قوله: "أكثر من حرفين" أن الهمزة يحكم بزيادتها في ذلك، سواء قطع بأصالة الحروف التي قبل الألف كلها أم قطع بأصالة الحرفين، واحتمل الثالث، وليس كذلك؛ لأن ما آخره همزة بعد ألف بينها وبين الفاء حرف مشدد نحو سُلّاء وحوَّاء، أو حرفان أحدهما لين نحو زِيزَاء وقُوباء2، فإنه محتمل لأصالة الهمزة وزيادة أحد المثلين، أو اللين، وللعكس، فإن جعلت الهمزة أصلية كان سُلاء فُعّالاء وحواء فَعّالا من الحواية، وإن جعلت زائدة كان سلاء فُعلاء، وحواء فَعلاء من الحوة؛ فإن تأيد أحد الاحتمالين بدليل حكم به وألغي الآخر؛ ولذلك حكم على حواء بأن همزته زائدة إذا لم يصرف، وبأنها أصل إذا صرف نحو حواء للذي يعاني الحيات. والأولى في سلاء أن تكون همزته أصلا؛ لأن فُعَّالا في النبات أكثر من فعلاء، فلو قال الناظم: "أكثر من أصلين" لكان أجود. والنون في الآخر كالهمز وفي ... نحو غضنفر أصالة كُفِي
اعلم أن النون يُحكم بزيادتها في خمسة مواضع: الأول: أن تقع آخرا بعد ألف زائدة قبلها أكثر من أصلين، كما تقدم في الهمزة؛ فلذلك شبهها بالهمزة نحو: ندمان وزعفران، فإن كان قبلها حرفان نحو: زمان ومكان، فهي أصلية. فإن قلت: الناظم قد جعل النون في الآخر كالهمز، وتقدم أن كلامه في الهمزة ليس على إطلاقه، بل يستثنى منه نحو سلاء وقوباء، فإن فيه احتمالا، فهل يجري ذلك في النون؟ قلت: أما على قول أكثر النحويين فلا؛ لأنهم يحكمون بزيادة النون في أمثال حسَّان وعقيان1، إلا أن يدل دليل على أصالتها، بدلالة منع صرف حسان على زيادة نونه في قول الشاعر2: ألا مَن مُبلغٌ حسانَ عني ... مغلغلة تدب إلى عكاظ أما على ما ذهب إليه في التسهيل والكافية من أن النون في ذلك كالهمزة في تساوي الاحتمالين، فلا يلغي أحدهما إلا بدليل، فينبغي أن يقيد إطلاقه هنا بذلك، وهذا مذهب لبعض المتقدمين، وذهب الجمهور إلى أن النون لا يشترط في الحكم بزيادتها في ذلك إلا شرطان:
أحدهما: أن يكون قبل الألف أكثر من حرفين، والآخر: ألا يكون من باب جنجاب1. فإن قلت: قد أخل الناظم بهذا الشرط الثاني. قلت: قد ذكر قبل هذا ما يرشد إليه وهو قوله: "واحكم بتأصيل حروف سمسم" وزاد بعضهم لزيادة النون شرطا آخر، وهو ألا تكون في اسم مضموم الأول مضعف الثاني اسما لنبات نحو رمان، فإنها في ذلك أصل؛ لأن فعالا في أسماء النبات أكثر من فعلان، وإلى هذا ذهب في الكافية حيث قال: فعل عن الفعلان والفعلاء ... في النبت للفعال كالسلاء ورد بأن زيادة الألف والنون آخرا أكثر من مجيء النبات على فعال، ومذهب سيبويه والخليل: أن نون رمان زائدة، قال سيبويه: وسألته -أي الخليل- عن الرمان إذا سمي به، فقال: لا أصرفه في المعرفة، وأحمله على الأكثر، إذا لم يكن له معنى يعرف به. وقال الأخفش: نونه أصلية مثل قراص وحماض؛ لأن فعالا أكثر من فعلان، يعني النبات، والصحيح أنها أصلية، لا لكونه اسم نبات، بل لثبوتها في الاشتقاق. قالوا: مرمنة -للبقعة الكثيرة الرمان- ولو كانت النون زائدة لقالوا: مرمة. والموضع الثاني: أن تقع ساكنة غير مدغمة وبعدها حرفان نحو غضنفر وهو الأسد. فالنون في هذا ونحوه مطرد زيادتها لثلاثة أوجه: أحدها: أن كل ما عرف له اشتقاق أو تصريف وجدت فيه زائدة فحمل غيره عليه.
وثانيها: أن النون في ذلك واقعة موقع ما تيقنت زيادته كياء سَمَيْدَع وواو فدوكس1. وثالثها: أنها تعاقب حرف اللين غالبا، كقولهم للغليظ الكفين: شَرَنْبَث وشَرَابِث، وللضخم جَرَنْفَش، ولضرب من النبت عرنقصان وعريقصان. وقد اشتمل هذا الضابط على قيود ننبه عليها، فقولنا: "ثالثة" احترازا من أن تقع ثانية فإنه لا يحكم بزيادتها متحركة كانت أو ساكنة في غير ما سيأتي، إلا بدليل، ما حكم بزيادة نون كنهبل للزوم عدم النظير، وبزيادة نون حَنْظَل كقولهم: "حظلت الإبل". وقولنا: "ساكنة" احترازا من المتحركة، فإنها لا يحكم بزيادتها إلا بدليل، وقد زيدت ثالثة متحركة، في ألفاظ قليلة منها: غرنيق وقعنب وخرنوب2 على احتمال في بعضها. وقولنا: "غير مدغمة" احترازا من نحو عجنس3 تعارضت فيه زيادة النون مع زيادة التضعيف، فغلب التضعيف لأنه الأكثر، وجعل وزنه فعلل كعدبس4. قال الشيخ أبو حيان: والذي أذهب إليه أن النونين زائدتان ووزنه فعنل، والدليل على ذلك أنا وجدنا النونين مزيدتين فيما عرف له اشتقاق نحو ضفنط وزونك5.
ألا ترى أنه من الضفاطة والزوك، فيحمل ما لا يعرف له اشتقاق على ذلك. وقولنا: "وبعدها حرفان" احترازا من أن يكون بعدها حرف واحد أو أكثر من حرفين فلا يحكم عليها بالزيادة إلا بدليل، كما حكم بزيادة نون عرند1 للزوم وعدم النظير. وزاد ابن جني مع هذه الشروط شرطا آخر، وهو أن يكون مما لا يمكن فيه التضعيف. احترازا من أن يكون بعدها حرف واحد نحو حزنزق2 فإن نونه عنده محتملة، فلا يقضى عليها بالأصالة ولا بالزيادة إلا بدليل. ورده ابن عصفور وقال: الصحيح أنها في ذلك زائدة، ولبسط الكلام على ذلك موضع غير هذا. الموضع الثالث: الانفعال وفروعه كالانطلاق. الموضع الرابع: الافعنلال وفروعه كالاحرنجام. الموضع الخامس: المضارع نحو نضرب. تنبيهات: الأول: إنما لم يذكر الناظم هذه المواضع الثلاثة هنا مع أن زيادة النون فيا مطردة؛ لوضوح أمرها. الثاني: اعلم أن النون تزاد على وجهين: أحدهما: أن تزاد في بنية الكلم بحيث لو حذفت اختل معناها كما تقدم. والآخر: أن تزاد بعد تمام الكلمة كالتنوين ونون التثنية والجمع وعلامة الرفع في الأمثلة الخمسة ونون الوقاية ونون التوكيد. والذي ينبغي أن يذكر في حروف الزيادة هو النوع الأول، وقد يذكر الثاني تنبيها على أن النون تزاد على الوجهين.
الثالث: اعلم أن النون تزاد أولى نحو نضرب، وثانية نحو حنظل، وثالثة نحو غضنفر، ورابعة نحو رعشن، وخامسة نحو عثمان، وسادسة نحو زعفران، وسابعة نحو عبوثران1. والتاء في التأنيث والمضارعهْ ... ونحو الاستفعال والمطاوعهْ ذكر أن التاء تطرد زيادتها في التأنيث نحو قائمة، وكذا في الفعل نحو قامت، وفي المضارعة نحو تقوم، وفي الاستفعال وفروعه نحو الاستخراج واستخرج فهو مستخرج، وفي المطاوعة لثلاثي نحو تعلم تعلما، أو الرباعي نحو تدحرج تدحرجا. فإن قلت: قد اطردت زيادة التاء في التفاعل نحو التغافل، وفي الافتعال نحو الاقتدار وفروعهما، وفي التفعيل والتفعال نحو الترديد والترداد، دون فروعهما؛ لأن فروعهما لا تاء فيها. ولم يذكر الناظم هذه الأربعة. قلت: قد يمكن إدراكها في قوله: "ونحو الاستفعال" أي: ونحوه من المصادر التي زيدت فيها ولا يختص بهذا الوزن. وزيدت التاء أيضا في أنت وفروعه على المشهور2، ولا يقضى بزيادتها في غير ما ذكر إلا بدليل. واعلم أن التاء تزاد أولا وحشوا وآخرا، فأما زيادتها أولا فمنه مطرد وقد تقدم، ومنه مقصور على السماع كزيادتها في تنضب وتتفل3.
وأما زيادتها آخرا فكذلك منه مطرد وقد تقدم، ومنه مقصور على السماع كالتاء في رغبوت ورحموت وملكوت وعنكبوت. ومذهب سيبويه أن نون عنكبوت أصل وهو رباعي، وذهب بعض النحويين إلى أنه ثلاثي ونونه زائدة. وأما زيادتها حشوا فلا تطرد إلا في الاستفعال والافتعال وفروعهما، وقد زيدت حشوا في ألفاظ قليلة، ولقلة زيادتها حشوا ذهب الأكثر إلى أصالتها في يستعور، وإلى كونها بدلا من الواو في كلتا. والهاء وقفا كلمه ولم تره ... واللام في الإشارة المشتهره لم تطرد زيادة الهاء إلا في الوقف على ما الاستفهامية مجرورة نحو "لِمَهْ" وعلى الفعل المحذوف اللام جزما أو وقفا، وعلى كل مبني على حركة لازمة إلا ما تقدم اسثناؤه في باب الوقف. وهي واجبة في بعض ذلك، وجائزة في بعضه، وقد تقدم في بابه، فلا حاجة لإعادته. تنبيهات: الأول: أنكر المبرد زيادة الهاء ولم يعدها من حروف الزيادة، وأورد عليه زيادتها في الوقف، وأجيب بأنها حرف معنى كالتنوين وباء الجر، فلا وجه لعدها في حروف الزيادة؛ لأنها إنما تلحق لبيان الحركة، ولو عدت لزم عد الشين التي تلحق في الوقف لبيان الضمير عند العرب نحو "أكرمتكِش". والصحيح أنها من حروف الزيادة، وإن كانت زيادتها قليلة، والدليل على ذلك قولهم: أمَّهات، وقول بعضهم: أمهة، قال الراجز1:
أمهتي خندف وإلياس أبي فالهاء في أمهات وأمهة زائدة؛ لسقوطها في قولهم: أم بينة الأمومة. وأجيب بجواز أصالتها، ويكون أمهة فُعَّلَة نحو أبهة، وقد أجاز ذلك ابن السراج، ويقويه حكاية صاحب العين: تأمهت أما، بمعنى اتخذت أما، ثم حذفت الهاء فبقي أم، ووزنه فُع، أو تكون أمْهة وأم من باب سَبِط وسِبْطَر، وضعف هذا الجواب بأنه على خلاف الظاهر، وأن حكاية صابح العين تأمهت لا يحتج بها؛ لأن في كتاب العين اضطرابا لا يخفى، وكان الفارسي يعرض عنه، ويرد على المبرد أيضا قولهم: "أهراق" فالهاء فيه زائدة لسقوطها في أراق إراقة، قالوا: ولا جواب عنه إلا دعوى الغلط ممن قاله؛ لأنه لما أبدل الهمزة في هراق توهم أنها فاء1، فأدخل الهمزة عليها فأسكنت. وقال الخليل: هي زائدة في هِرْكَوْلة، وهي العظيمة الوركين، لأنها تَرْكُل في مشيتها. وقال أبو الحسن: إنها زائدة في هِبْلَع -وهو الأكوع- وهِجْرَع -وهو الطويل2- لأن الأول من البلع، والثاني من الجرع -وهو المكان السهل- وما قاله في هبلع أقرب. وذهب بعضهم إلى أنها زائدة في سَهْلَب3، وذكروا ألفاظا أخر لا نطول بها لعدم شهرتها. الثاني: تبين مما تقدم أن ذكر هاء السكت في حروف الزيادة -كما فعل المصنف- ليس بجيد.
واللام في الإشارة المشتهرهْ لم تطرد زيادة اللام إلا في أسماء الإشارة نحو ذلك وتلك، وزيادة هذه اللام، قيل: لتوكيد الإشارة، وقيل: للدلالة على البعد. تنبيه: زيادة اللام على ضربين: أحدهما: أن تزاد في الكلمة مبنية عليها كزيادتها في فَيْشَلَة -وهي رأس الذكر- وفَحْجَل -وهو المتباعد الفخذين- وهَيْقَل -وهو ذكر النعام- وعَبْدَل -بمعنى عبد- لسقوطها في قولهم: فَيْشَة وأفحج وهيق وعبد، وأجاز ابن جني في فيشلة وهيقل أصالة اللام، ويكون مادتين، ونقل عن أبي الحسن أن لام عبدل أصل. وهو مركب من عبد الله كما قالوا: عبشمي، وقال في الأوسط: واللام تزاد في عبدل وحده وجمعه عبادلة. قيل: فيكون للأخفش قولان. والضرب الثاني لزيادة اللام: أن تزاد لمعنى لم تُبنَ الكلمة عليها، وهي لام الإشارة، وهذا لا يعني أن يذكر هنا. كما تقدم في هاء السكت. تنبيه: ذكر في النظم تسعة من حروف الزيادة ولم يذكر السين، وهي تزاد باطراد مع التاء في الاستفعال وفروعه. قيل: وبعد كاف المؤنثة نحو أكرمتكس -وهي الكسكسة- وليس بجيد؛ لأنها لم تزد في بنية الكلمة، ويلزم من عد سين الكسكسة أن يعد شين الكشكشة، ولا تطرد زيادتها فيما سوى ذلك بل يحفظ كسين قدموس -بمعنى قديم- وسين أسطاع -بقطع الهمزة، وضم أول المضارع- فإن أصله أطاع يطيع، والسين زائدة، هذا مذهب البصريين، والعذر للمصنف أن السين لا تطرد زيادتها إلا في موضع واحد، وقد مثل به في زيادة التاء؛ إذ قال: "ونحو الاستفعال" فكأنه اكتفى بذلك. وامنع زيادة بلا قد ثبت ... إن لم تُبيِّن حجة كحَظِلَتْ
أي: متى وقع شيء من هذه الحروف العشرة خاليا عما قيدت به زيادته، فهو أصل ولا يقبل دعوى زيادته إلا بدليل، كسقوط نون حنظل في قولهم: "حظلت الإبل" إذا تأذت من أكل الحنظل؛ فلذلك حكم بزيادتها مع أنها قد خلت من قيد الزيادة، أعني: كونها "زائدة"1 ثالثة، وقد تقدمت أمثلة كثيرة مما حكم فيه بالزيادة لدليل مع خلوه من قيد الزيادة، فلتراجع. والله أعلم.
فصل في زيادة همزة الوصل
فصل في زيادة همزة الوصل: مناسبة هذا الفصل لما قبله: أنه من تتمة الكلام على زيادة الهمزة، وهو مشتمل على مقصدين: الأول: تعريف همزة الوصل لتمتاز عن همزة القطع. والثاني: بيان أحكامها. أما تعريفها، فله طريقان: أحدهما بالرسم، والآخر بالحصر، وقد أشار إلى رسمها بقوله: للوصل همزة سابق لا يَثْبُتْ ... إلا إذا ابتُدِي به كاسْتَثْبِتُوا وحاصله: أن همزة الوصل هي كل همزة تسقط وصلا وتثبت ابتداء، وهمزة القطع هي كل همزة تثبت وصلا وابتداء، وقد اشتمل كلامه على فوائد: الأولى: أن همزة الوصل وضعت أولا همزة؛ لقوله: "للوصل همز" هذا هو الصحيح، وقيل: يحتمل أن يكون أصلها الألف، ألا ترى "إلى"1 ثبوتها ألفا في نحو: "آلرجل؟ " في الاستفهام لما لم يضطر إلى الحركة. الثانية: أن همزة الوصل لا تكون إلا سابقة؛ لأنه إنما جيء بها وصلة إلى الابتداء بالساكن؛ إذ الابتداء به متعذر. الثالثة: أن إثبات همزة الوصل في الدرج لا يجوز إلا في ضرورة شعر، كقوله2:
إذا جاوك الإثنين سر فإنه ... ........................ وكثر ذلك في أوائل أنصاف الأبيات كقوله1: لا نَسَبَ اليوم ولا خُلة ... اتسع الخرق على الراقع تنبيه: اختلف في تسميتها همزة الوصل مع أنها تسقط في الوصل، فقيل: أضيفت إلى الوصل اتساعا، وقيل: لأنها تسقط في الدرج فتصل ما بعدها إلى ما قبلها، بخلاف همزة القطع، وقيل: لأنها يتوصل بها إلى النطق بالساكن. ثم أشار إلى حصر مواضعها، وهي ستة أنواع: الأول: الفعل الخماسي والسداسي، وإليهما أشار بقوله:
وهو لفعل ماضٍ احتوى على ... أكثر من أربعة نحو انْجَلَى فكل همزة افتتح بها فعل ماض زائد على أربعة أحرف، فهي همزة وصل نحو: انجلى وانطلق واستخرج. الثاني: فعل الأمر من كل فعل زائد على ثلاث نحو: انجلى وانطلق واستخرج1. وإليه الإشارة: بقوله: "والأمر". الثالث: مصدر الفعل الزائد على أربعة أحرف نحو: الانطلاق والاستخراج، وإليه الإشارة بقوله: "والمصدر" وقوله: "منه" قيد للأمر والمصدر كليهما. الرابع: الأمر من كل فعل ثلاثي يسكن ثاني مضارعه لفظا، وإليه الإشارة بقوله: .......................... وكذا ... أمر الثلاثي كاخشَ وامضِ وانفذا فإن تحرك ثاني مضارعه لفظا لم يحتج إلى همزة الوصل ولو سكن تقديرا، كقولك في الأمر من يقوم: قُم، ومن يعد: عِد، ومن يرد: رد، ويستثنى من ذلك: خذ وكل مر، فإنها يسكن ثاني مضارعها لفظا، والأكثر في الأمر منها حذف الفاء والاستغناء عن همزة الوصل. فإن قلت: أطلق في قوله: "أمر الثلاثي". قلت: كأنه اكتفى بتقييد الأمثلة، وقد مثل بما سكن ثاني مضارعه، وإنما مثل بثلاثة أفعال؛ ليمثل بمفتوح العين ومكسورها ومضمومها. الخامس: عشرة أسماء غير "مصادر"2 وقد ذكرها في قوله: وفي اسم است ابن ابنم سُمع واثنين وامرئ وتأنيث تَبِعْ فهذه تسعة لأن قوله "وتأنيث" يعني به ابنة واثنتين وامرأة، والعاشر "ايمن" المذكور أول البيت الآتي، ونبه بقوله: "سمع" على أن افتتاح هذه الأسماء العشرة
بهمزة الوصل غير مقيس، وإنما طريقه السماع؛ وذلك أن الفعل لأصالته في التصريف استأثر بأمور منها: بناء بعض أمثلته على السكون1، فإذا اتفق الابتداء بها زادوا همزة الوصل للإمكان ثم حملت مصادر تلك الأفعال على أفعالها في إسكان أولها، واجتلاب الهمزة. وهذه الأسماء العشرة ليست جارية على أفعال، فكان مقتضى القياس أن تُبنَى أوائلها على الحركة، ويستغنى فيها عن همزة الوصل. فإن قلت: فما وجه إسكان أوائلها حتى احتيج إلى همزة الوصل؟ قلت: قال بعض النحويين: لأنها أسماء معتلة سقطت أواخرها للاعتلال، وكثر استعمالها فسكن أوائلها لتكون همزة الوصل عوضا مما أسقط منها. انتهى. وقد دعت الحاجة هنا إلى الكلام على هذه الأسماء. أما "اسم": فأصله سمو كقنو كذا قال سيبويه، وقيل: أصله سمو كقفل، فحذفت لامه تخفيفا، وسكن أوله لما مر، وقيل: نقل سكون الميم إلى السين، وهو عند البصريين مشتق من السمو، وعند الكوفيين من الوسم، ولكنه قُلب، فأخرت فاؤه فجعلت بعد اللام، وجاءت تصاريفه على ذلك، والخلاف في هذه المسألة شهير، فلا نطول به. وأما "است": فأصله سَتَه -بفتح الفاء والعين- ودليل تحريك العين جمعه على أفعال، ودليل فتحها أن المفتوح العين أكثر، فلا يعدل عنه لغير دليل، ودليل فتح فائه قولهم: سَه -بفتح الفاء- حين حذفوا العين، وفيه ثلاث لغات: است وسه وست. وأما "ابن": فأصله بنو، ودليل فتح فائه قولهم في جمعه: بنون، وفي النسب بنوي -بفتحها- ودليل فتح عينه جمعه على أفعال. فإن قلت: ما الدليل على أن لامه واو؟
قلت: ذكروا لذلك ثلاثة أوجه: أحدها: أن الغالب على ما حذفت لامه الواو دون الياء. الثاني: أنهم قالوا: البنوة، واعترض بأن البنوة لا دليل فيها؛ لأنهم قالوا: الفتوة، ولام فتى ياء. الثالث: أنهم قالوا في مؤنثه: بنت، فأبدلوا التاء من لامها، وإبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء. وذهب بعضهم إلى أن لام ابن ياء، واشتقه من بنى يبني. وأما "ابنم": فهو ابن زيدت فيه الميم للمبالغة، كما زيدت في زرقم، قال الشاعر1: وهل لي أم غيرها إن ذكرتُها؟ ... أبَى الله إلا أن أكون لها ابنما وأما "اثنان": فأصله ثنيان؛ لأنه من ثنيت، فحذفت لامه، وسكن أوله، وجيء بهمزة الوصل. وأما "امرؤ": فهو اسم تام لم يحذف منه شيء، إلا أنه لما كان يجوز تخفيف همزته بنقل حركتها إلى الساكن قبلها مع الألف واللام نحو المرء أعلوه لذلك، ولكثرة استعماله.
وأما تأنيث ابن واثنين وامرئ، فالكلام عليها كالكلام على مذكراتها، والتاء في ابنة واثنتين للتأنيث كالتاء في امرأة، بخلاف التاء في بنت وثنتين، فالتاء فيهما بدل من لام الكلمة؛ إذ لو كانت للتأنيث لم يسكن ما قبلها، ويؤيد ذلك قول سيبويه: لو سميت بهما رجلا لصرفتهما، يعني: بنتا وأختا. فإن قيل: فإذن نفهم من الكلمة التأنيث؟ قلت: أجاب ابن يعيش في شرح المفصل بأن التأنيث مستفاد من نفس الصيغة، ونقلها من بناء إلى آخر. وذلك أن أصل بنت بنو فنقلوه إلى فعل ألحقوه بجذع بالتاء، كما ألحقوا أختا بالتاء بقفل فصارت الصيغة علما للتأنيث؛ إذ كان هذا علما اختص بالتأنيث. وأما "ايمن": فهو اسم مشتق من اليُمْن، وهو مخصوص بالقسم وهمزته قطع وصل، هذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها همزة قطع، وهو عندهم جمع يمين، ورد مذهبهم بثلاثة أوجه: أحدها: أنه لو كان جمعا لم تصح كسرة همزته، وقد سمع كسرها. الثاني: أنه قد سمع حذف همزته نثرا في قول عروة بن الزبير: ليمنُك لئن ابتليت لقد عافيت. والثالث: أنه لو كان جمعا لم يتصرف فيه بحذف بعضه؛ لأن ذلك في الجموع غير معروف، وفيه اثنتا عشرة لغة، جمعها ابن مالك رحمه الله في بيتين، وهما: همز ايمُ وايمُن فافتح واكسر أو إم قُل ... أو قل مُ أو مُنُ بالتثليث قد شُكلا وايمُن اختم به، والله كلا أضِف ... إليه في قسَم تستوف ما نُقِلا السادس: همزة حرف التعريف وهي امشار إليها بقوله: "همزة أل كذا" وشمل قوله: "همز أل" حرف التعريف والموصولة والزائدة، ومذهب الخليل أن همزة أل همزة قطع وصلت لكثرة الاستعمال، وهو اختيار المصنف في غير هذا الموضع، وهمزة أم التي هي بدل من أل في لغة أهل اليمن همزة وصل أيضا. فهذا تمام المقصد الأول، وأما المقصد الثاني فيشتمل على مسائل:
الأولى: اختلف في همزة الوصل هل أصلها السكوت أو الحركة؟ فقيل: اجتلبت ساكنة ثم حركت بالكسر الذي يجب لالتقاء الساكنين، وإليه ذهب الفارسي واختاره الشلوبين، وقيل: اجتلبت متحركة، وهو قول سيبويه، وهو الظاهر. الثانية: اعلم أن همزة الوصل تفتح في موضعين في حرف التعريف وايمن، وقد ذكر كسرها في ايمن، وتضم في غيرهما، قيل: ضمة أصلية موجودة أو مقدرة بالموجودة نحو "اسكن" والمقدرة نحو: اغزي يا هند، فإن أصله اغزوي، وذكر الشارح في نحو اغزي مما عرض إبدال ضمة ثالثه كسرة وجهين: الضم والكسر، قال: والضم هو المختار، وحكى ابن جني كسر الهمزة في نحو اخرج مما ضمته لازمة وهي لغة رديئة، ويشم الضم قبل الضمة المشمة في نحو اختير وانقيد على لغة الإشمام، وتكسر فيما سوى ذلك. الثالثة: مذهب البصريين أن أصل حركة همزة الوصل أن تكون كسرة، وإنما فتحت في بعض المواضع تخفيفا، وضمن إتباعا، وذهب الكوفيون إلى أنها كسرت في نحو اضرب تبعا لثالث الفعل، وضمت في نحو "اسكن" تبعا لثالث الفعل أيضا، ورد عليهم أنه ينبغي أن تفتح في نحو اعلم، وأجيب بأنها لو فتحت فيما ثالثه مفتوح لالتبس الأمر بالخبر. الرابعة: قد علم أن همزة الوصل إنما جيء بها للتوصل إلى الابتداء بالساكن، فإذا تحرك ذلك الساكن استغني عنها، نحو استتر، إذا قصد إدغام تاء الافتعال فيما بعدها نقلت حركتها إلى الفاء فقيل: ستر1، إلا أن لام التعريف إذا
نقلت حركة الهمزة إليها في نحو الأحمر، فالأرجح إثبات الهمزة، فتقول: "ألحمر". فإن قلت: فما الفرق بينه وبين ستر؟ قلت: النقل للإدغام، أكثر من النقل لغير الإدغام. الخامسة: إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل، حذفت همزة الوصل للاستغناء عنها إن كانت مكسورة أو مضمومة، المكسورة نحو: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} 1 أصله اصطفى بهمزة وصل مكسورة، فلما دخلت همزة الاستفهام حذفت همزة الوصل، والمضمومة نحو قولك: "أضطر الرجل؟ " أصله اضطر بهمزة مضمومة، فلما دخلت همزة الاستفهام حذفت أيضا، وإن كانت مفتوحة لم تحذف بل تبدل ألفا، أو تسهل بين الهمزة والألف، وقد قرئ بالوجهين في مواضع من القرآن نحو: {الذَّاكِرِينَ} 2، ومن التسهيل قول الشاعر3: أألحق إن دار الرباب تباعدت ... أو انبتَّ حبل أن قلبك طائرُ
والإبدال هو أرجح الوجهين. فإن قلت: لم أبدلت أو سهلت، وكان القياس أن تحذف كما حذفت المضمومة والمكسورة؟ قلت: إنما ترك مقتضى القياس في المفتوحة؛ لأن حذفها يوقع في التباس الاستفهام بالخبر لاتحاد حركتها وحركة همزة الاستفهام، وإلى ذلك أشار بقوله: ................... ويُبدل ... مدا في الاستفهام أو يُسهل فإن قلت: فهل يجري الوجهان في همزة ايمن كقولك: آيمن الله يمينك؟ قلت: نعم؛ لأن العلة واحدة، وقد نصوا على ذلك، إلا أن قوله: "ويبدل" قد يوهم اختصاصه بهمزة أل؛ لأن الظاهر أن الضمير في "يبدل" يعود عليه، وكذلك يوهمه كلام الكافية، بل هو كالتصريح بذلك. واعلم أن الكلام على هذه المسائل يستدعي بسطا، ولكنني أضربت عنه خشية الإطالة. والله أعلم.
الجزء السادس
الجزء السادس: الإبدال: الغرض من هذا الباب بيان الحروف التي تُبدل من غيرها إبدالا شائعا لغير إدغام، فإن الإبدال للإدغام لا ينظر فيه في هذا الباب. ويُحتاج هنا إلى ثلاث مسائل: الأول: في الفرق بين الإبدال والتعويض: والفرق بينهما أن البدل لا يكون إلا في موضع المبدل منه، كهاء هرقت ونحوه، والعوض يكون في غير "موضع"1 المعوض منه كتاء عِدَة، وهمزة ابن، وياء سُفَيْرج، ولا يقال في هذا بدل إلا تجوزا مع قلته. والثانية: في الفرق بين الإبدال والقلب: والفرق بينهما أن القلب يختص بحروف العلة والإبدال يكون فيها وفي الحروف الصحيحة، فالإبدال أعم، والقلب أخص، قال بعضهم: البدل على ضربين: بدل هو إقامة حرف مقام "حرف"2 غيره نحو تاء تُخمة وتكأة3، وبدل هو قلب الحرف نفسه إلى لفظ غيره على معنى إحالته إليه، وهذا إنما يكون في حروف العلة وفي الهمزة أيضا؛ لمقارنتها إياها وكثرة تغييرها، وذلك نحو قام، أصله قوَم، فالألف واو في الأصل، وموسر أصله ياء وراس أصل الألف الهمزة، وإنما لينت لنبرتها فاستحالت ألفا، فكل قلب بدل، وليس كل بدل قلبا. وقال بعضهم: الفرق بين الإبدال والقلب أن البدل وضع شيء مكان غيره على تقدير إزالة الأول، والقلب هو تصيير الشيء على غير الصورة التي كان عليها من غير إزالة؛ ولذلك جعل مثل قال وباع قلبا؛ لأن حروف العلة تقارب بعضها بعضا؛ إذ هي من جنس واحد فسهل انقلاب بعضها إلى بعض، وجعل مثل اتعد ونحوه إبدالا؛ لتباين حروف الصحة من حروف العلة، فتقول على هذا
في اتَّعد وأمثاله أنه كان في الأصل اوتعد، فحذفت الواو وأبدل منها التاء، إلا أن الواو انقلبت تاء. وأما قام وأمثاله فيقدر أنه كان في الأصل قوَم، ثم استحالت الواو ألفا، لا أنها حذفت وجعل مكانها الألف. قلت: وعلى هذا فليس بينهما عموم ولا خصوص. والثالثة: في حصر حروف البدل: اعلم أن الإبدال للإدغام، يكون في جميع حروف المعجم إلا الألف، وأما الإبدال لغير الإدغام فيكون في اثنين وعشرين حرفا، وقد جمعها في التسهيل قال: يجمع حروف البدل الشائع لغير إدغام قولك: "لجد صُرف شَكِس آمن طيّ ثوب عزَّته". وباقي حروف المعجم لا تبدل وهي: الحاء والخاء والذال والظاء والضاد والغين والقاف، إلا أن قوله: "الشائع" يفهم أن البدل قد يكون في غيرها على سبيل الشذوذ، ومن ذلك قراءة الأعمش: "فَشَرِّذْ بِهِمْ"1 بالذال المعجمة. وخرجها ابن جني على أن تكون الذال بدلا من الدال كما قالوا: لحم خَرَاذِل وخَرَادِل2، والمعنى الجامع لهما أنهما مَجْهُوَران ومتقاربان، وخرجها الزمخشري على القلب بتقديم اللام على العين، كقولهم: "شَذَرَ مَذَرَ"، وقد عد كثير من أهل التصريف حروف الإبدال اثني عشر حرفا وجمعوها في تراكيب كثيرة منها: "طال يوم أنجدته" وأسقط بعضهم اللام، وعدها أحد عشر، وجمعها في قوله: "أجد طويت منها" وزاد بعضهم الصاد والزاي، وعدها أربعة عشر، وجمعها في قوله: "أنصت يوم زل طاه جد" وعدها الزمخشري ثلاثة عشر، وجمعها في قوله: "استنجده يوم طال" وقال ابن الحاجب: وهو وهم؛ لأنه أسقط الصاد والزاي وهما من حروف الإبدال، كقولهم: زِرَاط وزَقْر، في صراط وصقر، وزاد السين وليست من حروف الإبدال، فإن أورد "اسمع" ورد "اذّكر واظّلم"؛ لأنه من باب الإدغام، لا من باب الإبدال المجرد.
قال ابن الخباز: وتتبعتها في كتبهم فلم تجاوز خمسة عشرة، وجمعها في قوله: استنجده يوم صال زط. قلت: لا طريق إلى حصرها إلى الاستقراء، وقد تقدم أنها اثنان وعشرون "حرفا"1. وإنما يذكر في هذا الباب ما هو ضروري، وقال في التسهيل: والضروري في التصريف هجاء "طويت دائما" وهي ثمانية حروف. وقال هنا: "أحرف الإبدال هدأت موطيا" فزاد الهاء كما في الكافية، وهدأت بمعنى سكنت، وموطيا اسم فاعل من أوطأت الرحل إذا جعلته وطيئا، إلا أنه خفف همزته بإبدالها ياء؛ لانفتاحها وانكسار ما قبلها، وإنما اقتصر على هذه التسعة؛ لأنها التي لا يستغنى عن ذكرها في التصريف، وما عدا هذه التسعة فإبداله إما شاذ كقولهم في: "أصيلان" أصيلال2، وإما لغة قليلة كإبدال الجيم من الياء المشددة في الوقف. قال في شرح الكافية: وهذا النوع من الإبدال جدير بأن يذكر في كتب اللغة، لا في كتب التصريف، وإنما ينبغي أن يُعد في الإبدال التصريفي ما لو لم يُبدل أوقع في الخطأ أو مخالفة الأكثر؛ فالموقع في الخطأ كقولك في مال: مَوَل، والموقع في مخالفة الأكثر، كقولك في سقَّاءة: سقَّايَة. تنبيه: يعرف الإبدال بالرجوع في بعض التصاريف إلى المبدل منه لزوما أو غلبة. الأول: نحو جَدَف، فإن فاءه بدل من ثاء جَدَث؛ لأنهم قالوا في الجمع أجداث، بالثاء فقط3. والثاني: نحو "أفْلَط" أي: أفلت، فإن طاءه بدل من التاء؛ لأن التاء أغلب فيه في الاستعمال، فإن لم يثبت ذلك في ذي استعمالين فهو من أصلين، نحو:
أرَّخَ وورَّخَ، لا تقول: إن الهمزة بدل من الواو؛ لأن جميع تصاريف الكلمة جاءت بالوجهين. وقال ابن الحاجب: يعرف البدل بكثرة اشتقاقه كتُراث، فإن أمثلة اشتقاقه: وَرِث ووَارِث ومَوْرُوث1. وبقلة استعماله كقولهم: "الثَّعالِي" في الثعالب، و"الأراني" في الأرانب، وأنشد سيبويه2: لها أشاريرُ من لحم تُتَمِّرُه ... من الثعالي ووخزٌ من أرانيها قال ابن جني: ويحتمل أن يكون الثعالي جمع ثُعالة ثم قلب؛ فيكون كقولهم: "شَرَاعي" في "شرائع"، والذي قاله سيبويه أولى؛ ليكون كأرانيها، وأيضا فإن ثُعالة اسم جنس وجمع أسماء الأجناس ضعيف. يعني بقوله اسم جنس: علم جنس. وبكونه فرعا والحرف زائد كضويرب تصغير ضارب؛ لأنه لما علم الأصل علم أن هذه الواو مبدلة من الألف.
وبكونه فرعا وهو أصل كُمَويْه، فإنه تصغير ماء، فلما صغر على مُوَيْه علم أن الهمزة مبدلة من هاء. وبلزوم بناء مجهول نحو "هَرَاق" يحكم بأن أصله أراق؛ لأنه لو لم يكن كذلك لوجب أن يكون وزنه هَفَعل، وهو بناء مجهول. فإن قلت: قد علم أن حروف البدل هي التي تبدل من غيرها، فما الحروف التي تبدل هذه منها؟ قلت: ستعرف بالتفصيل الذي يذكره الناظم بقوله: ....................... ... فأبدل الهمزة من واو ويا آخرا إثر ألف زيد.... ... ...................... شروع في ذلك التفصيل: فالهمزة تبدل كثيرا من الواو والياء والألف، وقليلا من الهاء والعين، ولم يذكرهما في النظم لقلتهما. فمثال إبدالها من الهاء ماء، أصله ماه لقولهم في الجمع: أمواه، وفي التصغير: مويه، ومثال إبدالها من العين قولهم: "أُباب بحر" في "عُباب بحر"، وذهب بعضهم إلى أن الهمزة في هذا أصل من أب بمعنى تهيأ؛ لأن البحر يتهيأ لما يزجر به، وإلى هذا ذهب ابن جني. وأما إبدالها من حروف اللين فمنه جائز ومنه واجب ومنه شاذ. فمن الواجب إبدال الهمزة من كل واو أياء تطرفت بعد ألف زائدة نحو كساء ورداء أصلهما كساو ورداي، فأبدلت الواو في الأول والياء في الثاني لما ذكر. وقد فهم من اشتراط التطرف أنهما إذا لم يتطرفا لا يبدلان همزة نحو: تعاون وتبايَن. ومن اشتراط زيادة الألف، أنهما لو تطرفا بعد ألف غير زائدة لم يبدلا؛ لئلا يتوالَى إعلالان نحو: "واو، وآي".
تنبيهات: الأول: هذا الإبدال مستصحب مع هاء التأنيث العارضة نحو: "بَنَّاء وبناءة" فإن كانت هاء التأنيث غير عارضة امتنع الإبدال نحو: "هداية، وسقاية، وعلاوة، وعداوة"؛ لأن الكلمة بُنيت على التاء، أي: أنها لم تُبْنَ على مذكر، قال في التسهيل: وربما صح مع العارضة وأبدل مع اللازمة، فالأول كقولهم في المثل: "اسْقِ رَقَاشِ فإنها سقَّاية"1 لأنه لما كان مثلا -والأمثال لا تغير- أشبه ما بُني على هاء التأنيث، ومنهم من يقول: "فإنها سَقّاءة" -بالهمز- كحاله في غير المثل، والثاني كقولهم: "صَلاءَة" في صلاية2. الثاني: حكم علامة التثنية حكم هاء التأنيث في استصحاب هذا الإبدال ما لم تبن الكلمة على التثنية، وذلك قولهم: "عَقَلْتُه بِثَنَايَيْن" وهما طرفا العقال. الثالث: قد اعترض ضابط الإبدال المذكور بأنه يرد عليه مثل "غَاوِي" في النسب3 إذا رخمته على لغة من لا ينوي، فإنك تقول: "يا غَاوُ" -بضم الواو- من غير إبدال، مع اندراجه في الضابط المذكور، وإنما لم يبدل لوجهين: أحدهما: أنه قد أعل بحذف لامه، ولم يجمع فيه بين إعلالين. والثاني: أنه لما رخم على هذه اللغة شابه ما لا يعل نحو واو، وإصلاح الضابط أن يقال: من واو أو ياء هي لام الكلمة، أو ملحق بها. الرابع: اختلف في كيفية هذا الإبدال، فقيل: أبدلت الياء والواو همزة، وهو ظاهر كلام المصنف، وقال حُذَّاق أهل التصريف: أبدل من الواو والياء ألف ثم أبدلت الألف همزة، وذلك أنه لما قيل: كساو ورِدَاي، تحركت الواو والياء بعد
فتحة، ولا حاجز بينهما إلا الألف الزائدة وليست بحاجز حصين لسكونها وزيادتها، وانضم إلى ذلك أنهما في محل التغيير وهو الطرف، فقلبا ألفا -حملا على باب عصا ورحا- فالتقى ساكنان، فقلبت الألف الثانية همزة؛ لأنها من مخرج الألف. الخامس: ليس هذا الإبدال مخصوصا بالواو والياء، فإن الألف تشاركهما فيه، فإذا تطرفت الألف بعد ألف زائدة وجب قلبها همزة نحو: "صحراء" مما ألفه للتأنيث، فإن الهمزة في هذا النوع بدل من ألف مجتلبة للتأنيث كاجتلاب ألف "سكرى" لكن ألف سكرى غير مسبوقة بالألف فسلمت، وألف صحراء مسبوقة بألف فحركت فرارا من التقاء الساكنين، فانقلبت همزة لأنها من مخرجها، وقوله في الكافية: من حرف لين آخر بعد ألف مزيدٍ ابدل همزة وذا ألف أعم لشموله الأحرف الثلاثة: وقوله: ..................... وفي ... فاعل ما أعل عينا ذا اقتُفي ذا إشارة إلى إبدال الواو والياء همزة، واقتفي: أي اتبع. هذا موضع ثانٍ يجب فيه إبدال الياء والواو همزة، وهو كل واو وياء وقعت عينا لاسم فاعل أعلت في فعله نحو: "قائل، وبائع" أصلهما: قاول وبايع؛ ولكنهم أعلوه حملا على فعله. قال في شرح الكافية: فأبدلت الهمزة من الواو والياء في اسم الفاعل، كما أبدلت الألف منهما في الفعل حيث قالوا: قال وباع، واحترز بقوله: "أُعل عينا" من نحو: عور وصيد، فاسم الفاعل منهما: عاور وصايد، بالواو والياء، ولا يبدلان لصحتهما في الفعل جريا في الصحة مجرى واحدا كما جريا في الإعلال مجرى واحدا.
تنبيهات: الأول: هذا الإبدال جار فيما كان على فاعل وفاعلة، ولم يكن اسم فاعل، كقولهم: "جائز" وهو البستان، قال 1: صَعْدَةٌ نَابِتَةُ في جائزٍ.. أَيْنَمَا الريحُ تُميِّلها تَملْ وكقولهم: "جائزة" - وهي خشبة تجعل في وسط السقف، وكلام الناظم هنا وفي الكافية لا يشمل ذلك، وقد نبه عليه في التسهيل. الثاني: اختلف في هذا الإبدال، فقيل: أبدلت الواو والياء همزة، كما قال المصنف، وقيل: بل قلبتا الفا، ثم أبدلت الألف همزة، كما تقدم في نحو كساء ورداء وكسرت الهمزة على أصل التقاء الساكنين، وبهذا قال أكثرهم. وقال المبرد: أدخلت ألف فاعل فبل الألف المنقلبة في قال وباع وأشباههما، فالتقى ألفان وهما ساكنان، فحركت العين لأن أصلها الحركة، والألف إذا تحركت صارت همزة. الثالث: يكتب نحو: "قائل، وبائع" بالياء على حكم التخفيف، لأن قياس الهمزة في ذلك ان تُسَهَّل بين الهمزة والياء. فلذلك كتبت ياء، وأما إبدال الهمزة في ذلك ياء محضة فنصوا على انه لحن وكذلك تصحيح الياء في "بائع" ولو جاز تصحيح الياء في بائع لجاز تصحيح الواو في "قائل".
قال ابن الخباز: وقد أولعت بذلك العامة واللحان من القراء، وكذلك قالوا في همزة الجمع نحو رسائل وكتائب وحلائب جمع رسالة وكتيبة وحلوبة إلا أن في الترشيح ما نصه عجائز وقبائل، بالهمزة ولا تحرك الياء؛ لأنه لا أصل لها في الحركة. وقد يجوز تخفيف الهمزة في هذا كله، وقلبها ياء أجازه أبو إسحاق الزجاج. وتخفيف الهمزة قياس مطرد في هذا وشبهه، انتهى. فإن قلت: إنه نقل عن حمزة أنه يقف في مثل ذلك بالياء. قلت: لأن حمزة يأخذ باتباع رسم المصحف الكريم في تخفيف الهمز، على أن المختار أن يؤخذ لحمزة في ذلك بالتسهيل بين بين، فإن الرسم لا يخالفه. فإن قلت: فهل يجوز نقط الياء التي هي صورة الهمزة في بائع وقائل؟ قلت: لا وجه لنقطها؛ لأن صورة الهمزة لا تنقط إلا حيث يكون قياس تخفيفها البدل كما إذا انفتحت وانكسر ما قبلها نحو "منير"، فإنها إذا كتبت على نبة الإبدال نقطت. وقال المطرزي1: نقط الياء من قائل وبائع عامي. قل: ومر بي في بعض تصانيف أبي الفتح بن جني أن أبا علي الفارسي دخل على واحد من المتَّسمين بالعلم، فإذا بين يديه جزء مكتوب فيه "قائل" منقوط بنقطتين من تحت، فقال أبو علي لذلك الشيخ: هذا خط مَن؟ فقال: خطي، فالتفت إلى صاحبه، وقال: قد أضعنا خطواتنا في زيارة مثله، وخرج من ساعته. والمد زِيدَ ثالثا في الواحد ... همزا يُرى في مثل كالقلائد هذا موضع ثالث يجب إبدال حرف المد همزة، وهو كل مدة ثالثة زائدة فإنها تبدل همزة، إذا جمع ما هي فيه على مثال مَفاعل نحو "قلائد"، وصحائف، وعجائز" فالهمزة فيهن بدل من ألف قلادة وياء صحيفة وواو عجوز، وشمل
قوله: "المد" الألف والواو والياء، واحترز به "من"1 نحو: "قسورة وقساور"2 لأن الواو فيه ليست حرف مد، واحترز بقوله: "زِيدَ" من أن تكون المدة غير زائدة فإن الإبدال لا يجوز نحو: "مفازة ومفاوز، ومسيرة ومساير، ومثوبة ومثاوب" فإن سمع في شيء منه الإبدال لم يقس عليه كمصائب ومنائر، والأصل فيهما مصاوب ومناور، وقد نطق بهذا الأصل فيهما، وشذ الهمز أيضا في "معائش" وروي عن نافع، والمشهور عنه الياء، وقوله في نحو: "كالقلائد" أي: في كل جمع على مثال قلائد في الحركات والسكنات وعدد الحروف. كذا ثاني ليِّنين اكْتَنَفَا ... مدَّ مفاعل كجمع نَيِّفَا هذا موضع رابع يجب فيه إبدال الياء والواو همزة إذا وقعت ألف التكسير بين حرفي علة وجب إبدال ثانيهما همزة بشرط ألا يفصل من الطرف، فاندرج في هذا الضابط ثلاث صور: أحدها: أن يكونا واوين نحو: "أوَّل" فتقول في جمعه: أوائل، بإبدال الواو الثانية همزة، وهذا باتفاق. والثانية: أن يكونا ياءين نحو: نيف3 فتقول في جمعه: نيائف بالهمز. والثالثة: أن يكون أحدهما ياء والآخر واوا نحو: سيِّد وصائد، فتقول في جمعهما: سيائد وصوائد -بالهمز- والأصل: سياود وصوايد، هذا مذهب سيبويه والخليل ومن وافقهما، وذهب الأخفش إلى أن الهمزة في الواوين "فقط، ولا يهمز في الياءين، ولا في الواو مع الياء فيقول: نيايف وصوائد وسياود -على الأصل- وشبهته أن الإبدال في الواوين"4 إنما كان لثقلهما؛ ولأن لذلك نظيرا، وهو اجتماع الواوين أول كلمة، وأما إذا اجتمعت الياءان أو الياء والواو فلا إبدال،
لأنه إذا التقت الياءان أو الياء والواو أول كلمة فلا همزة نحو: "يَيَنٍ، ويَوِمٍ -اسم موضع"1. واحتج أيضا بقول العرب في جمع "ضَيْوَن -وهو ذكر السنانير- ضيَاوِن من غير همزة، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه للقياس والسماع، أما القياس فلأن الإبدال في نحو: "أوائل" إنما هو بالحمل على كساء ورداء، لشبهه به من جهة قربه من الطرف "وفي رداء وكساء لا فرق بين الياء والواو فكذلك هنا"2. وأما السماع فحكى أبو زيد في سيِّقة سيائق بالهمز -وهي فيعلة من ساق يسوق- وحكى الجوهري في تاج اللغة جيِّد وجيائد، وحكى أبو عثمان عن الأصمعي في جمع عيل عيائل -بالهمز. وأما ضياون فشاذ مع أنه لما صح في واحده صح في الجمع فقالوا: ضياون كما قالوا ضَيْون، وكان قياسه ضَيِّن. فإن قلت: فهل يقاس على ضياون ما شابهه في صحة واحده إذا وجد؟ قلت: قد ذهب إلى ذلك ناس، والصحيح أنه لا يقاس عليه. تنبيهات: الأول: شمل قوله: "لينين" الواوين والياءين والواو والياء، فعلم أنه موافق لسيبويه. الثاني: فهم من قوله: "مد مفاعل" اشتراط اتصال المد بالطرف، فلو فصل بمدة ظاهرة نحو طواويس أو مقدرة كقول الراجز3:
.................... ... وكَحَّل العنين بالعوَاوِرِ يريد: العواوير؛ لأنه جمع عُوَّار -وهو الرمد- فحذف الياء ضرورة، فهذا مفصول عن الطرف تقديرا ولو اضطر شاعر ففصل بمدة زائدة في مثال مفاعل لم يتعد بها ووجبت الهمزة كقوله1: ..................... ... فيها عيائيلُ أُسودٌ ونَمُرْ وهو عكس عواور. الثالث: لا يختص هذا الإبدال بتالي ألف الجمع، بل لو بنيت من القول مثل عُوَارض قلت: "قُوائل" بالهمز، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وخالف الأخفش والزجاج فذهبا إلى منع الإبدال في المفرد لخفته بخلاف الجمع. فإن قلت: فكان ينبغي للناظم أن ينبه على هذا. قلت: قوله: "مد مفاعل" شامل له فإنه لم يقيده بالجمعية.
الرابع: زاد في التسهيل لإبدال ثاني اللينين في ذلك شطرا آخر، وهو ألا يكون بدلا من همزة، احترز من نحو زوايا، وذلك أن ثاني اللينين فيه كان همزة ثم أبدل ياء، وقد بين ذلك بقوله: وافتح ورُدَّ الهمز يا فيما أُعِلْ ... لاما وفي مثل هَرَاوة جُعِلْ الألف واللام في الهمز للعهد، والمراد الهمز المبدل مما بعد ألف الجمع المشاكل مفاعل في النوعين، أعني ما استحق الهمز لكونه مدا مزيدا في الواحد، وما استحق الهمز لكونه ثاني لينين اكتنفا مد مفاعل، فيجب في هذين النوعين إذا اعتلت لامهما أن يخففا بإبدال كسرة الهمزة فتحة، ثم بإبدالها ياء فيما لامه ياء أو واو أو همزة لم تسلم في الواحد، مثل ما لامه ياء نحو هدية وهدايا، ومثال ما لامه واو لم تسلم في الواحد مطية ومطايا، ومثال ما لامه همزة نحو خطيئة وخطايا، والأصل في جميع ذلك أن تجمع على فعائل بالهمز نحو صحيفة وصحائف، والأصل في هدايا هدايي بإبدال مدة الواحد همزة مكسورة فاستثقل ذلك فخفف بإبدال الكسرة فتحة فصار هدائي، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار هداءا، فاستثقل وقوع همزة عارضة في جمع بين ألفين وهي من مخرج الألف، فكان ذلك كتوالي ثلاث ألفات فأبدلت الهمزة ياء فصار هدايا، والعمل في مطايا كالعمل في هدايا. وأما خطايا ونحوه مما لامه همزة فأصله خطائئ -بهمزتين- الأولى مبدلة من مدة الواحد والثانية لام الكلمة فوجب إبدال الثانية ياء لاجتماع همزتين، ثم فتحت الأولى ثم قلبت الثانية ألفا ثم أبدلت الأولى ياء كما سبق في هدايا، هذا مذهب سيبويه وجمهور البصريين، وذهب الخليل إلى أن مدة الواحد لا تبدل في هذا همزة لئلا يلزم اجتماع همزتين، بل يقلب بتقديم الهمزة على الياء فيصير خطائي، ثم يعل كما تقدم، واعترض بأن القياس قلب الياء همزة. وإذا اجتمع همزتان عمل فيهما على ما يقتضيه الأصول، ويدل على صحة مذهب سيبويه قول بعض العرب: "اللهم اغفر لي خطائئي" -بهمزتين- على الأصل، وهو شاذ، وهذه الأمثلة من النوع الأول، أعني: باب قلائد.
والنوع الثاني مثاله زاوية وزوايا، أصله زوائي، بإبدال الواو همزة؛ لكونها ثاني لينين اكتنفا مد مفاعل، ثم خفف بالفتح فصار زواءي، ثم قلبت الياء ألفا فصار زواءا، ثم قلبت الهمزة ياء على نحو ما تقدم في هدايا. فإن قلت: لم يشمل كلام الناظم نحو خطيئة مما لامه همزة، فإنه خص ذلك بما أعل. قلت: قال الشارح: حروف العلة الواو والياء والألف والهمزة، فأدرجها في كلامه، وحكى النحويون في الهمزة ثلاثة أقوال: أحدها: أنها حرف صحيح، والثاني: أنها حرف علة، وإليه ذهب الفارسي، والثالث: أنها شبيهة بحرف العلة. وقوله في نحو: "هراوة جعل واوا" يعني: أن المجموع على مثال مفاعل إذا كانت لامه واوا لم تعل في الواحد بل سلمت فيه كواو هراوة، جعل موضع الهمزة المذكورة في جمعه واو، فيقال: هَرَاوَى، والأصل هَرَائِؤ، بقلب ألف هراوة همزة، ثم خفف بالفتح فصار هراءو، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار هراءا، فكرهوا ألفين بينهما همزة لما سبق، فأبدلوا الهمزة واوا طلبا للتشاكل؛ لأن الواو ظهرت في واحده رابعة بعد ألف، فقصد مشاكلة الجمع لواحده. تنبيهات: الأول: شذ إقرار الهمزة فيما لامه ياء إجراء للمعتل مجرى الصحيح في قوله: فما زالت أقدامنا في مقامنا ... ثلاثتنا حتى أُزيروا المنائيا1
وشذ إقرارها فيما لامه همزة، وقد تقدم. الثاني: شذ إبدال الهمزة واوا في قولهم: "هداوَى"؛ لأن لامه ياء، وفي مطاوَى؛ لأن لامه واو أعلت في الواحد، وأجاز الأخفش القياس على هداوَى، وهو ضعيف؛ إذ لم ينقل منه إلا هذه اللفظة. الثالث: مذهب الكوفيين أن هذه الجموع كلها على وزن فَعالَى صحت الواو في هداوَى كما صحت في المفرد، وأعلت في مطايا كما أعلت في المفرد، وهدايا على وزن الأصل، وأما خطايا فجاء على خطية بالإبدال والإدغام، وإنما ذهب البصريون إلى أنها فعائل حملا للمعتل على الصحيح، ويدل على صحة مذهب البصريين قوله: حتى أزيروا المنائيا. ونقل بعضم عن الخليل أن وزنها فعالى كقول الكوفيين، قلت: وليس موافقا لهم من كل وجه؛ لأن الألف عندهم للتأنيث، وعنده بدل من المدة المؤخرة، وتقدم بيان مذهبه. واوا وهمزا أول الواوين رُد ... في بدء غير شبه ووُفِي الأشُد يعني: أن كل كلمة اجتمع في أولها واوان، فإن أولاهما يجب إبدالها همزة بشرطين: الأول: ألا تكون الثانية بدلا من ألف فاعل نحو: ووفي وووري. والثاني: ألا تكون بدلا من همزة كالووُلَى مخفف الوُؤْلى أنثى الأوأْل1 أي: الإلجاء، فمثال ما يجب إبدالها لوجود الشرطين قولك: في جمع واصلة أواصل
والأصل: وواصل، بواوين أولاهما فاء الكلمة والثانية بدل من ألف واصلة؛ لأنها كألف ضاربة فلا بد من إبدالها، فاجتمع واوان في الأول، فأبدلت الأولى همزة وكذلك أُوَيصل تصغر واصل، وأصله وويصل، والأول جمع الأولى أصله وُوَل ولو بنيت من الوعد على مثال كوكب قلت: أوعد، فإن كانت الثانية بدلا من ألف فاعل أو من همزة لم يجب الإبدال، ولكنه جائز. تنبيهان: الأول: لم يذكر هنا الشرط الثاني، وذكرهما في الكافية، إلا أن عبارته في الشرط الأول غير وافية بالمراد؛ لأنه شرط ألا تكون الثانية بدلا من ألف فاعل، وذلك يوهم أنها لو كانت مدة زائدة وليست بدلا من ألف فاعل وجب الإبدال، وليس كذلك، فتحرير العبارة أن يقال: ألا تكون الثانية مدة غير أصلية كما في التسهيل، ليندرج في ذلك ثلاث صور: الأولى: ووري فإنها مبدلة من زائد. والثانية: أن تبنى من الوعد مثال فوعل ثم ترده إلى ما لم يسلم فاعله. والثالثة: أن تبنى من الوعد مثال طُومار1، فيقال: ووُعاد. فهذه الصور الثلاث لا يجب فيها الإبدال بل يجوز، وخالف قوم في الثالثة فأوجبوا الإبدال لاجتماع الواوين، وكون الثانية غير مبدلة من زائد؛ فإن الضمة التي قبلها غير عارضة، وإلى هذا ذهب ابن عصفور، واختار المصنف -رحمه الله- القول بجواز الوجهين؛ لأن الثانية وإن كان مدها غير متجدد، لكنها مدة زائدة، فلم تخلُ عن الشبه بالألف المنقلبة. الثانية: زاد في التسهيل لوجوب الإبدال شرطا آخر، وهو أن يكون اتصال الواوين عارضا يحذف همزة فاصلة، مثال ذلك أن تبني افعوعل من الوأي، فتقول: إيأوأي، وأصله: اوْأوْأيَ، فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها بعد كسرة، وقلبت الياء الآخرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فإذا نقلت حركة الهمزة الأولى إلى الياء
الساكنة حذفت همزة الوصل للاستغناء عنها، ورجعت الياء إلى أصلها وهو الواو، لزوال موجب قلبها، فتصير الكلمة إلى وَوْأَي، فقد اجتمع واوان أول الكلمة، ولا يجب الإبدال، ولكن يجوز الوجهان، وكذلك لو نقلت حركة الهمزة الثانية إلى الواو فصارت "وَوَا" جاز الوجهان وفاقا للفارسي، قيل: وذهب غيره إلى وجوب الإبدال في ذلك سواء نقلت الثانية أو لم تنقل. ومدًّا ابدل ثاني الهمزين من ... كملة أن يسكن كآثر وائتمن الهمزة حرف مستقل في النطق بها عسر فإذا اجتمعت أخرى في كلمة كان النطق بها أعسر فيجب إذ ذاك التخفيف في غير ندور. فإذا اجتمع الهمزتان في كلمة فلها ثلاثة أحوال: الأولى: أن تتحرك الأولى وتسكن الثانية، والثاني: عكسه، والثالث: أن تتحركا معا، وأما الرابع: وهو أن يسكنا معا فمتعذر، فإذا تحركت الأولى وسكنت الثانية، وجب في غير ندور إبدال الثانية حرف مد يجانس حركة ما قبلها، فتبدل بعد الفتحة ألفا نحو آثر، وواوا بعد الضمة نحو أُوثر، وياء بعد الكسرة نحو إيثار، وأما قراءة من قرأ: "إئلافهم ... "1 -بتحقيق الهمزتين ابتداء- فنادر، وأما نحو: "أُأْتمن زيد" فلا يجب فيه الإبدال؛ لأن الأولى للاستفهام والثانية فاء الفعل، فليستا من كلمة واحدة. وإذا سكنت الأولى وتحركت الثانية أبدلت الثانية ياء إن كانت موضع اللام، وصححت إن كانت موضع العين، فالأولى كبناء قمطر من قرأ، فإنك تقول: قِرَأْي، والأصل: قِرأْأ، فالتقى همزتان فوجب إبدال الثانية ياء؛ لأنها موضع اللام، والثاني نحو سأآل ولأآل، صحت الهمزة لأنها في موضع العين، وأدغمت الأولى فلا إبدال في مثل هذا ألبتة؛ لأن الهمزتين في موضع العين المضاعف. فإن قلت: قد أهمل الناظم بيان هذا القسم.
قلت: أما نحو سأآل مما الهمزتان منه في موضع العين فترك ذكره؛ لأنه لا إبدال فيه، وأما نحو قمطر مما همزتاه في موضع لام الكلمة فقد يؤخذ من قوله: .................. ... ما لم يكن لفظا أتم فذاك ياء مطلقا ... ............. وسيأتي، وقد أشار الشارح إلى ذلك. فإن قلت: فإن وقعت الهمزتان في موضع لام الكلمة ولم تكن الثانية طرفا، أتصحح ثانيتهما أم تبدل ياء. قلت: بل تبدل ياء لأنها لو صححت لزم الإدغام، وقد أجمعت العرب على ترك إدغام الهمزتين في كلمة إذا كانتا عينين نحو سآال، فإذا بنيت من قرأ سفرجل قلت قرأيا، وأصله قرأأأ -بثلاث همزات- فأبدلت الثانية ياء لأنها موضع اللام وصحت الأولى والثانية. وإن كانت الهمزتان متحركتين فإما أن تكون ثانيتهما موضع اللام أو لا، فهذان ضربان؛ فأما الأول منهما فسيأتي بيانه، وأما الثاني فله تسعة أنواع؛ لأن الثانية إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وعلى كل من هذه الأحوال الثلاث فالأولى إما مفتوحة أو مكسورة أومضمومة، فهذه تسعة؛ منها أربعة تبدل ياء، وهي المفتوحة بعد كسرة والمكسورة بعد فتحة أو كسرة أو ضمة، وخمسة تبدل واوا، وهي المفتوحة بعد فتحة أو ضمة، والمضمومة بعد فتحة أو كسرة أو ضمة، وستعرف ذلك بالتفصيل، ويتضح بالتمثيل، وقد بين حكم المفتوحة بقوله: إن يُفتح إثر ضم أو فتح قُلب ... واوا وياء إثر كسر ينقلب فعلم من هذا البيت حكم ثلاثة أنواع: الأول: المفتوحة بعد ضم نحو: "أُوَيدِم" تصغير آدم، أصله أأيدم -بهمزتين- فأبدلت الثانية واوا لانضمام ما قبلها.
فإن قلت: فلعل الواو في أويدم بدل من الألف في آدم لا من الهمزة، فتكون كالواو في خويتم تصغير خاتم، فلا يصح التمثيل به. قلت: هذا وجه وقع في كلام بعضهم، قال صاحب اللباب: إذا صغرت آدم أو جمعته أبدلت الألف واوا فقلت: أويدم وأوادم كما تقول في ضارب: ضويرب وضوارب، انتهى. والراجح ما تقدم من أن الواو بدل من الهمزة؛ لأن المقتضي لإبدالها ألفا في آدم زال في التصغير وفي الجمع. والثاني: المفتوحة بعد فتح نحو: "أوادم" جمع آدم، وأصله أآدم -بهمزتين- فأبدلت الثانية واوا لكونها مفتوحة بعد فتح. فإن قلت: لمساواتها لها في الخفة والخفاء، بخلاف الياء. تنبيه: ذهب المازني إلى إبدال الهمزة في هذا النوع ياء، فتقول في أفعل التفضيل من أنَّ زيد: أيَنُّ من عمرو، وعلى مذهب الجمهور تقول: هو أوَنّ من عمرو. فإن قلت: كيف يصنع بأوادم جمع آدم؟ قلت: جعل الواو فيه بدلا من الألف المبدلة من الهمزة في آدم؛ لأنه صار بمنزلة خاتم. والثالث: المفتوحة بعد كسر نحو إيَمّ وهو مثال إصبع -بكسر الهمزة وفتح الياء- من أم، أصله أأمم، فنقلت فتحة الميم إلى الهمزة توصلا إلى الإدغام فصار أأم، فأبدلت الهمزة الثانية ياء؛ لانكسار ما قبلها، ثم بين حكم المكسورة بقوله: "ذو الكسر مطلقا" يعني: أن المكسورة تبدل ياء مطلقا، فشمل ثلاثة أنواع: الأول: المكسورة بعد فتح نحو أئمة جمع إمام، أصله أأممة على وزن أفعلة، فنقلت كسرة الميم إلى الهمزة توصلا إلى الإدغام فصار أأئمة ثم أبدلت الثانية ياء لانكسارها. والثاني: المكسورة بعد كسر نحو إيم، وهو مثال إثمد من أم أصله أأمم، فنقل وأدغم أأمّ، فأبدلت الثانية ياء لانكسارها وانكسار ما قبلها.
والثالث: المكسورة بعد ضمة نحو أين مضارع أأننته إذا جعلته يئن، أصله أأنن، فنقلت كسرة النون إلى الهمزة وأدغم ثم أبدلت الثانية ياء لأنها تجانس حركتها. ثم بيَّن حكم المضمومة بقوله: ............. كذا وما يضم ... واوا أصر.................. يعني: أن المضمومة تبدل واوا مطلقا، فشمل ثلاثة أنواع أيضا: الأول: المضمومة بعد فتح نحو أَوُبّ جمع أبّ -وهو المرعى- أصله أَأْبُب على وزن أفعل، فنقلت حركة عينه إلى فائه توصلا إلى الإدغام فصار أأب، ثم خفف بإبدال الثانية واوا؛ لأنها تجانس حركتها. والثانية: المضمومة بعد كسر نحو إِومّ -وهو مثال إصبع- بكسر الهمزة وضم الباء، من أم أصله أأمم، فنقلت الميم إلى الهمزة وأدغم ثم أبدل الثانية واوا لانضمامها. والثالث: المضمومة بعد ضم نحو "أُوُمّ" -وهو مثال أصبع- بضم الهمزة والياء، من أم أصله أأمم، فنقلت ضمة الميم وأدغم كما تقدم، ثم أبدلت الثانية واوا، لانضمامها وانضمام ما قبلها. تنبيه: خالف الأخفش في نوعين من هذه التسعة؛ أحدهما: المكسورة بعد ضم فأبدلها واوا. والآخر: المضمومة بعد كسرة، فأبدلها ياء فيقول في مضارع أننته: أون، وفي مثال إصبع من أم إيم، فيدير الهمزة في هذين النوعين بحركة ما قبلهما، وغيره يديرهما بحركتهما، وهو الصحيح. وأما الضرب الأول من ضربي اجتماع الهمزتين "المتحركتين"1وهو أن يكون ثانيهما موضع اللام، فقد أشار المصنف إليه بقوله: ما لم يكمن لفظا أَتَمّ ... ................... ................... ... فذاك ياء مطلقا جَا
يعني: أن ثاني الهمزتين إذا كان متطرفا وجب إبداله ياء سواء كان قبله فتح أو كسر أو ضم، ولا يجوز إبداله واوا؛ لأن الواو الأخيرة لو كانت أصلية ووليت كسرة أو ضمة لقلبت ياء ثالثة فصاعدا، وكذا تقلب رابعة فصاعدا بعد الفتحة، فلو أبدلت الهمزة الأخيرة واوا فيما نحن بصدده لأبدلت بعد ذلك ياء فتعينت الياء. وقوله: .................. وأَؤُمْ ... ونحوه وجهين في ثانيه أُمّ يشير إلى أنه لا يجب إبدال الهمزة الثانية فيما أول همزتيه للمضارعة نحو أؤم، مضارع أم، بل يجوز فيه وجهان: الإبدال والتحقيق، فإن شئت قلت: أوم، وإن شئت قلت أؤم -بالتحقيق- وكذلك تقول في مضارع أنّ: أيِنّ بإبدالها ياء لانكسارها، وإن شئت قلت: أئِن -بالتحقيق- "لكون"1 الأولى للمضارعة وعلة ذلك شبه همزة المضارعة بهمزة الاستفهام لمعاقبتها النون والتاء والياء. تنبيه: قد فهم من هذا أن الإبدال فيما أولى همزتيه لغير المضارعة واجب في غير ندور كما سبق. قال في الكافية: وما أتى على خلاف ما مضى ... فاحفظ وكُن عن القياس مُعرِضا قال في شرحها: أشار بقوله: وما أتى على خلاف ما مضى، إلى "أئمة" بالتحقيق، وهي قراءة ابن عامر والكوفيين، وإلى قول بعض العرب: "اللهم اغفر ليس خطائئي" بهمزتين محققتين، ونحو ذلك، وقال في التسهيل: وتحقيق غير الساكنة مع الاتصال لغة، وهو مخالف لما في الكافية، وقال في إيجاز التعريف: ما لم يشذ التحقيق، وظاهره موافقة الكافية، وقوله: وياء اقلب ألفا كسرا تلا ... أو ياء تصغير.......... يعني: أن الألف يجب قلبها ياء في موضعين:
أحدهما: أن يعرض كسر ما قبلها، كقوله في جمع مصباح: مصابيح، وفي تصغيره: مُصَيْبيح؛ لأنه لما كسر ما قبلها للجمع والتصغير، لم يمكن سلامتها لتعذر النطق بالألف بعد غير فتحة فردت إلى حرف يجانس حركة ما قبلها فصارت ياء. والثاني: أن يقع قبلها ياء التصغير كقولك في تصغير غزال: غُزَيِّل؛ لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، فلم يمكن النطق بالألف بعدها، فقلبت ياء مكسورة، ثم أدغمت ياء التصغير فيها. وقوله "بواو ذا افعلا" يعني: أنه يفعل "بالواو"1 الواقعة آخرا ما يفعل بالألف من إبدالها ياء؛ لكسر ما قبلها، أو لوقوعها بعد ياء التصغير. فالأول: نحو رَضِيَ وغُزِيَ، أصلهما رَضِوَ وغُزِوَ، ولأنهما من الرضوان والغزو فقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وكونها آخرا؛ لأنها بالتأخير تتعرض لسكون الوقف، وإذا سكنت تعذرت سلامتها، فعوملت بما يقتضيه السكون من وجوب إبدالها ياء توصلا إلى الخفة وتناسب اللفظ، ومن ثم لم تتأثر الواو بالكسرة وهي غير متطرفة كعِوَض وعِوَج، إلا إذا كان مع الكسرة ما يعضدها كحِيَاض وسِيَاط. والثاني: كقولك في تصغير جَرْوٍ: جُرَيٌّ، وأصله جُرَيْوٌ، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون، وفقد المانع من الإعلال، فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار جُرَيّ. قال الشارح: وليس هذا النوع بمقصود له في قوله: "بواو ذا افعلا في آخر" إنما مقصوده التنبيه على النوع الأول؛ لأن قلب الواو ياء، لاجتماعها مع الياء، وسبق إحداهما بالسكون لا يختص بالواو المتطرفة ولا بما سبقها ياء التصغير على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. قلت: هذا صحيح؛ ولذلك قال في التسهيل: تُبدل الألف ياء لوقوعها إثر كسرة أو ياء التصغير، وكذا الواو الواقعة إثر كسرة متطرفة، انتهى، فاقتصر في الواو على ذكر الكسرة. "وقوله: "أو قبل تا التأنيث" مثاله "شَجِيَة" أصله شَجِوَة؛
لأنه من الشجو، ففعل بالواو قبل تاء التأنيث ما فعل بها متطرفة؛ لأن تاء التأنيث في حكم الانفصال"1. وقوله: "أو زيادتَيْ فَعْلان" مثاله "شَجِيان" وهو مثال ظربان، من الشجو، أصله شجوان، فقلبت الواو ياء؛ لأن الألف والنون في حكم الانفصال أيضا مثل تاء التأنيث. وقوله: ............................ ... ............... ذا أيضا رأوا في مصدر المعتل عينا والفعل ... منه صحيح غالبا.......... يعني: أن الإعلال المذكور يجب للواو الواقعة عينا لمصدر فعل معتل العين بشرط أن يكون بعدها ألف نحو صام صياما، أصله صوَام، لكنه لما أعلت عينه في الفعل استثقل بقاؤها في المصدر بعد كسرة، وقبل حرف يشبه الياء، فاعتل بقلبها ياء -حملا للمصدر على فعله- واحترز "بالمعتل عينا" من المصحح نحو لاوَذَ لواذا2؛ لأن مصدره لا يعل. والأولى أن يقال في مصدر المعل عينا؛ لأن نحو لاوذ يطلق عليه معتل؛ إذ كل ما عينه حرف علة، فهو معتل وإن لم يعل. فإن قلت: فمن أين يؤخذ اشتراط الألف؟ قلت: من قوله: "والفعل منه صحيح غالبا نحو الحِوَل" يعني: أن ما جاء على فِعَل من مصدر الفعل المعل العين، فالغالب فيه التصحيح نحو حال حِوَلا وعاد المريض عِوَاد، قال في شرح الكافية: ونبه بتصحيح ما وزنه فِعَل على أن إعلال المصدر المذكور مشروط بوجود الألف فيه حتى يكون على فِعَال. قلت: وفي تخصيصه بفِعَال نظر؛ فإن الإعلال المذكور لا يختص به، وقد مثل الشارح بانقاد انقيادا، والأصل انقوادا، فأعل لما سبق ذكره. تنبيهان: الأول: ندر التصحيح في فِعَال مصدرا قالوا: "نار نِوَارا" أي: نفر "وكان حقه الإعلال"3.
قال في شرح الكافية: ولا نظير له. الثاني: قال في التسهيل: وقد يصحح ما حقه الإعلال من فِعَل مصدرا أو جمعا وفِعَال مصدرا. فسوى بين فعل وفعال في أن حقهما الإعلال، وهو يخالف ما تقدم من أن الغالب في فِعَل التصحيح. وجَمْعُ ذي عين أُعل أو سكن ... فاحكم بذا الإعلال فيه حيثُ عَن إذا وقعت الواو مكسورا ما قبلها وهي عين جمع أعلت في واحد أو سكنت وجب قلبها ياء بشرط وقوع الألف بعد الواو. فالأول: نحو ديار أصله دِوَار، لكن لما انكسر ما قبل الواو في الجمع، وكانت في الإفراد معلة بقلبها ألفا، ضعفت فسلطت الكسرة عليها، وقوَّى تسلطها وجود الألف. والثاني: نحو ثياب أصله ثواب، ولكن لما انكسر ما قبل الواو في الجمع، وكانت في الإفراد ساكنة ضعفت أيضا، فتسلطت الكسرة عليها وقوَّى تسلطها وجود الألف. فإن قلت: من أين يؤخذ اشتراط الألف؟ قلت: من قوله: وصححوا فِعَلَة وفي فِعَلْ ... وجهان والإعلالُ أَوْلَى كالحِيَل بيان ذلك أن كل واو مكسور ما قبلها هي عين لجمع أعلت في واحده أو سكنت، لا تخلو من أن يكون بعدها ألف أو لا، فإن لم يكن بعدها ألف لم تقع إلا في وزنين: أحدهما: فِعَلة، والآخر: فِعَل، وقد بين حكمهما في هذا البيت، فعلم أن وجوب الإعلال إنما هو في غيرهما وهو فعال. والحاصل أن الجمع المذكور ثلاثة أقسام: قسم يجب إعلاله وهو فِعَال نحو: ديار وثياب.
وقسم يتعين تصحيحه، وهو فِعَلة نحو عَوْد وعِوَدة، وكُوز وكِوَزة، وقسم يجوز فيه وجهان، والإعلال أولى وهو فِعَل نحو: حاجة وحِوَج وحيلة وحيل، وإنما وجب التصحيح في فِعَلة؛ لأنها لما عدمت الألف قل عمل اللسان فخفف النطق بالواو بعد الكسرة، وصحت، ولم يجز إعلالها؛ لأنه انضم إلى عدم الألف تحصن الواو ببعدها عن الطرف بسبب هاء التأنيث. وأما فِعَل فجاز فيه التصحيح نظرا إلى عدم الألف والإعلال نظرا إلى أنها لقربها من الطرف قد ضعفت وثقل فيها التصحيح فأعلت. تنبيهات: الأول: فهم من قوله: "وجمع ذي عين" أن المفرد لا يعل نحو خِوَان1 إلا المصدر فقد تقدم ذكره، وشذ قولهم في "الصَّوان، والصَّوار"2: صِيان وصِيار. الثاني: احترز بقوله: "أُعل أو سكن" من طويل وطِوَال، فإن الواو لم تعل فيه ولم تسكن، وندر قوله3: ....................... ... وأن أعزَّاء الرجال طِيَالُها
وأما جواد وجياد، فيحتمل أن يكون من الاستغناء بجمع جيِّد. الثالث: زاد في التسهيل لوجود الإعلال شرطا آخر وهو: صحة اللام احترازا من نحو جِوَاء في جمع جو، ورِوَاء في جمع ريَّان1، فإنه يصحح لئلا يجتمع إعلالان، إبدال العين ياء واللام همزة. الرابع: جعل في التسهيل اشتراط الألف في وجوب الإعلال مخصوصا بما سكنت الواو في واحده. فقال ما نصه: أو عين جمع لواحد معتل العين مطلقا أو ساكنها إن وليها في الجمع ألف وصحت اللام. انتهى. ومقتضاه أن الإعلال يجب في فعلة وفعل إذا أعلت عين واحدهما نحو تارة وتير، وقيمة وقيم، ويكون قوله: "وصححوا فِعَلة وفي فِعَل.... وجهان" مخصوصان بما سكنت عين واحده نحو زوج وزِوَجة، ويكون نحو حاجة وحِوَج نادرا، ويدل على ذلك أيضا قوله: فيه، وقد يصحح ما حقه الإعلال من فعل مصدرا أو جمعا. الخامس: شذ إعلال فِعَلة في قولهم: "ثور وثِيَرة" والقياس: ثِورَة، كما قالوا: عود وعِوَدة، وعن المبرد قالوا ذلك للفرق بين ثور الحيوان، وثور قطعة من الأقط فقالوا في ذلك: ثِيَرة، وفي هذا: ثِوَرة، وقيل: جمعوه على فِعْلة -بسكون العين- فقلبت الواو ياء لسكونها، ثم حركت وبقيت الياء، وقيل: قالت العرب: ثورة
وثيران، فقلبوا الواو فيهما وأجروا الجمع مجرى واحدا، وذهب ابن السراج والمبرد فيما حكى عنهما المصنف أن ثِيَرة مقصورة من فِعَالة وأصله ثِيَارة كحجارة، فقلبت الواو ياء لأجل الألف، فلما قصروه بقيت الياء منبهة على الأصل. الواو لاما بعد فتح يا انقَلَب ... كالْمُعْطيان يُرْضَيَان......... يجب إبدال الواو ياء إذا تطرفت بعد فتحة رابعة فصاعدا؛ لأن ما هي فيه إذ ذاك لا يعدم نظيرا يستحق الإعلال، سواء كانت في اسم كقولك: "المعطيان" فإن أصله المعطوان، فقلبت الواو ياء حملا لاسم المفعول على اسم الفاعل، أم فعل كقولك: "يُرضيان" أصله يرْضَوَان؛ لأنه من الرِّضوان، فقلبت الواو ياء حملا لبناء المفعول على بناء الفاعل، وكذلك حملوا الماضي على المضارع فقالوا: "أعطيت" وأصله أعطوْت، حملا على يعطي. تنبيه: هذا الإعلال مستصحب مع هاء التأنيث نحو: "الْمُعْطَاة" وقوله: "والواو لاما" يشمله. وقوله: .......................... ... .................. ووَجَبْ إبدال واو بعد ضم من ألِفْ ... .......................... يعني: أنه يجب إبدال الألف واوا إذا انضم ما قبلها، مثاله ضويرب تصغير ضارب، وبويع تصغير بائع مبنيا للمفعول. وقوله: "ويا كموقن بذا لها اعتُرف" يعني: أنه يجب إبدال الياء الساكنة المفردة في غير جمع واوا إذا انضم ما قبلها نحو مُوقِن أصله مُيْقن؛ لأنه من أيقن، فقلبت الياء واوا لانضمام ما قبلها، واحترز بالساكنة من المتحرك نحو: "هُيام"1 فإنها تحصنت بحركتها، فلا تقلب إلا فيما سيأتي بيانه.
واحترز بالمفردة من المدغمة نحو: "حُيَّض"1 فإنها لا تقلب لتحصنها بالإدغام. واحترز بغير الجمع من أن تكون في جمع؛ فإنها لا تقلب واوا، بل تبدل الضمة قبلها كسرة فتصح الياء، وإلى هذا أشار بقوله: ويُكسر المضموم في جمع كما ... يقال هيم عند جمع أهيما أصل هيم: هُيْم -بضم الهاء- لأنه جمع أهيم، فهو نظير حمر جمع أحمر، فخفف بإبدال ضمة فائه كسرة لتصح الياء، وإنما لم تبدل ياؤه واوا كما فعل في المفرد؛ لأن الجمع أثقل من المفرد، فكان أحق بمزيد التخفيف، فعدل عن إبدال عينه واوا؛ لأنها أثقل من الياء. تنبيهات: الأول: سمع في جمع عائِط عيط على القياس2 وعُوط بقلب الياء واوا -وهو شاذ- حكاه أو عبيدة. الثاني: كان ينبغي أن يستثنى أيضا فُعْلَى صفة نحو الكُوسَى أنثى الأكيس، فإنها ذات وجهين عنده، وقد ذكرها آخر الفصل. الثالث: حاصل ما ذكر المصنف أن الياء الساكنة المفردة إذا انضم ما قبلها، فإما أن تكون في جمع أو في فعلى صفة أو في مفرد غير فُعْلَى الصفة، فإن كانت في جمع أبدلت الضمة كسرة وصحت الياء، وإن كانت في فعلى جاز الوجهان، وسيأتي الكلام عليها، وإن كانت في مفرد غير فعلى الصفة قلبت الياء واوا، وهذا يشمل نوعين: أحدهما: ما الياء فيه فاء الكلمة نحن موقن، فلا إشكال في إبدال يائه واوا. والآخر: ما الياء فيه عين الكلمة، وهذا فيه خلاف، مذهب سيبويه والخليل إبدال الضمة فيه كسرة كما فُعل في الجمع، ومذهب الأخفش إقرار الضمة وقلب الياء واوا، وكلام المصنف يوافقه، فإذا بنيت من البياض نحو بُرْد قلت على
مذهبهما بُيْض، وعلى مذهب الأخفش بُوض؛ ولذلك كان "ديك" عندها محتملا لأن يكون فُعْلا وأن يكون فِعْلا، ويتعين عنده أن يكون فِعْلا بالكسر، وإذا بنيت مَفْعُلة من العيش قلت على مذهبهما: معيشة، وعلى مذهبه: مَعُوشة؛ ولذلك كانت معيشة عندهما محتملة أن تكون مَفعُلة ومَفعِلة، ويتعين عنده أن تكون مَفْعِلة. واستدل لسيبويه بأوجه: أحدهما: قول العرب: "أَعْيسُ بَيِّنُ العِيسة" فالعيسة1 مصدر كالحُمْرة. والثاني: قولهم: مبيع، أصله مبيوع، فنقلت الضمة إلى الباء ثم كسرت لتصح الياء، وسيأتي بيان ذلك. والثالث: أن العين حكم لها بحكم اللام فأبدلت الضمة لأجلها كما أبدلت لأجل اللام. واستدل الأخفش بأوجه: أحدها: قول العرب مضوفة لما يحذر منه، وهي من ضاف يضيف، إذا أشفق عليه وحذر، قال الشاعر2: كنت إذا جارِي دعا لِمَضُوفَة ... أشمِّرُ حتى يبلغ الساقَ مئزرِي
والثاني: أن المفرد لا يقاس على الجمع؛ لأنا وجدنا الجمع يقلب فيه ما لا يقلب في المفرد، ألا ترى أن الواوين المتطرفتين يقلبان ياءين في الجمع نحو: "جُثيّ" جمع جاثٍ، ولا يقلبان في المفرد نحو "عتو" مصدر عَتَا. والثالث: أن الجمع أثقل من المفرد فهو أدعى إلى التخفيف. وصحح أكثرهم مذهب سيبويه وأجابوا عن الأول من أدلة الأخفش بوجهين: أحدهما: أن مضوفة شاذ، فلا تُبنى عليه القواعد. والآخر: أن أبا بكر الزبيدي ذكره في مختصر العين من ذوات الواو، وذكر أضاف إذا أشفق رباعيا، ومن روى ضاف يضيف فهو قليل. وعن الثاني والثالث بأنهما قياس معارض للنص، لا يلتفت إليه. وواوا إثر الضم رد اليا متى ... أُلفي لام فِعْل أو من قبل تا كتاء بان من رَمَى كمَقْدُرَه ... كذا إذا كسَبُعَان صيَّره تبدل الياء المتحركة بعد الضمة واوا إذا كانت لام فعل نحو: "قَضُوَ الرجل ورَمُوَ" وهذا مختص بفعل التعجب، ولم يجئ مثل ذلك في فعل متصرف إلا ما ندر من قولهم: "نَهُوَ الرجل فهو نهيّ" إذا كان كامل النُّهْيَة، وهو العقل. أو كانت لام اسم مبني على التأنيث بالتاء كمرْمُوَة مثال مَقْدُرة من رمى، فلو كانت التاء عارضة بأن يقدر بناء الكلمة على التذكير ثم يعرض لحاق التاء وجب إبدال الضمة كسرة، وتصحيح الياء كما يجب ذلك مع التجريد، وذلك نحو توان الأصل فيه تَوَاني، فأبدلت الضمة كسرة فصار توانيا، لكنه خفف بإبدال ضمته كسرة لأنه ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة لازمة، فإذا لحقته التاء قلت: تَوَانِية؛ لأنها عارضة فلا اعتداد بها.
فإن قلت: من أين يعلم أن مراده غير العارضة؟ قلت: من تقييده بنحو مقدرة وقوله: "كذا إذا كسبعان صيره" يعني: أنه يجب إبدال الياء بعد الضمة واوا قبل زيادتي فعلان كبناء مثل سُبعان من الرمي، وهو اسم موضع فتقول فيه: رَمُوَان، وأصله رَمُيَان، قلبت الياء واوا وسلمت الضمة؛ لأن الألف والنون لا يكونان أضعف حالا من التاء اللازمة في التحصن من الطرف. وإن تكن عينا لفُعْلَى وصفا ... فذاك بالوجهين عنهم يُلْفَى أي: وإن تكن الياء المضموم ما قبلها عينا لفُعْلَى وصفا جاز فيها وجهان: أحدهما: إبدال الضمة كسرة فتصح الياء، والآخر: إبقاء الضمة فتقلب الياء واوا، فتقول في أنثى الأكيس والأضيق: الكيسى والضيقى، على الأول، والكوسى والضوقى على الثاني، قال الشارح: ترديدا بين حمله على مذكره تارة وبين رعاية الزنة أخرى. تنبيهان: الأول: فهم من قوله: وصفا، أن فعلى إذا كانت اسما تقلب ياؤها واوا نحو: طوبى، وهو اسم مصدر من الطيب، وقد قرئ: "طيبى لهم ... "1 وهو قليل. الثاني: كلام الناظم هنا مخالف لكلام سيبويه ومن تبعه من أهل التصريف من وجهين؛ أحدهما: أنه جاز في فعلى وصفا وجهين وهم جزموا بأحدهما، فقالوا: تقلب ياء فعلى اسما واوا كطوبى والكوسى وهما من الطيب والكيس ولا تقلب في الصفة، ولكن يكسر ما قبلها فتسلم الياء نحو: "مشية حيكى" يقال: حاك في مشيته يحيك حيكانا إذا حرك منكبيه، و"قِسْمَةٌ ضِيَزَى"2 أي: جائزة، من قولهم: ضازه حقه يضيزه إذا بخسه وجار عليه فيه، والأصل ضيزى وحيكى بالضم؛ لأن ليس في الصفات فعلى -بالكسر- وفي فعلى -بالضم- فأبدلوا من
الضمة كسرة لتصح الياء على حد فعلهم في بُيْض فرقا بين الاسم والصفة، قال بعضهم: ولم يأتِ من الصفات غير هذين يعني: حيكى وضيزى، والآخر: أنهم ذكروا أنثى الأفعل في باب الأسماء فحكموا لها بحكم الأسماء أعني: إقرار الضمة وقلب الياء واوا، وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز فيها غير ذلك، وذكرها المصنف في باب الصفات، وأجاز فيها الوجهين، ونص على أن الوجهين في ذلك مسموعان من العرب، وقال الشلوبين: لم يجئ من هذا مقلوبا إلا فعلى أنثى أفعل، ولم يجئ اسما ولا صفة دونها، وهذا كله قياس من النحويين جعلوه نظير فعلى وهو عكسه. انتهى. وكأنه لم يعتد بطوبى أو رآه تأنيث الأطيب.
فصل: إذا اعتلت لام فعلى
فصل "إذا اعتلت لام فَعْلَى": من لام فَعْلَى اسما أتى الواو بَدَلْ ... ياء كتقْوَى غالبا جَا ذَا البَدَلْ إذا اعتلت لام فعلى -بفتح الفاء- فتارة تكون لامها واوا، وتارة تكون ياء. فإن كانت واوا سلمت في الاسم كالدعوى وفي الصفة نحو نشوى1، فلم يفرقوا في ذوات الواو بين الاسم والصفة، وإن كانت ياء سلمت في الصفة نحو خَزْيا وصَدْيا، وقلبت واوا في الاسم كالتقوى والفتوى والبقوى2 فرقا بين الاسم والصفة، وأوثر بهذا الإعلال "لأنه أخف"3، فكان أحمل، وأكثر النحويين يجعلون هذا مطردا، وقال بعضهم: شذ من ذلك لفظة واحدة وهي قولهم: "طَغْيا" لولد البقر فجاءت بالياء، وكان القياس طغوا -بالواو- وزاد في شرح الكافية لفظتين، قال فيه: وإنما قال "غالبا" احترازا من الرَّيَّا بمعنى الرائحة والطغيا وهو ولد البقرة الوحشية، وسعيا اسم موضع، انتهى. والذي ذكره سيبويه وغيره من النحويين أن الريا صفة وليس بشاذ والأصل رائحة ريا أي: مملوءة طيبا. تنبيه: ما ذكره الناظم هنا وفي شرح الكافية موافق لمذهب سيبويه وأكثر النحويين، أعني في كون إبدال الياء واوا في فَعْلى الاسم مطردا، وإقرار الياء فيها شاذ، وعكس في التسهيل فقال: وشذ إبدال الواو من الياء لاما لفعلى اسما، وقال أيضا في بعض تصانيفه: من شواذ الإعلال إبدال الواو من الياء في فعلى اسما كالنشوى والتقوى والعنوى4 والفتوى، والأصل فيهن الياء.
ثم قال: وأكثر النحويين يجعلون هذا مطردا، وألحقوا بالأربعة المذكورة: الشَّرْوَى والطغوى واللقوى والدعوى1 زاعمين أن أصلها الياء، والأولى عندي جعل هذه الأواخر من الواو سدا لباب التكثير من الشذوذ، ثم قال: ومما يبين أن إبدال يائها واوا شاذ تصحيح الريا وهي الرائحة، والطغيا وهي ولد البقرة الوحشية تفتح طاؤها وتضم، وسعيا اسم موضع. فهذه الثلاثة الجائية على الأصل والتجنب للشذوذ أولى بالقياس عليها، انتهى. وتعقب احتجاجه بهذه الثلاثة، أما "ريا" فقد جعلها سيبويه صفة قال: ولو كانت اسما لقلت رَوَّى، وأما "طغيا" فلا دليل فيه؛ لأنه قد نقل فيه ضم الطاء، فمن فتح أقر الياء استصحابا للغة الضم، وأما "سعيا" فهو علم ويحتمل أن يكون منقولا من صفة كخزيا وصديا. بالعكس جاء لام فُعْلَى وصفا ... وكون قُصْوَى نادرا لا يَخْفَى إذا اعتلت لام فُعْلَى -بضم الفاء- فتارة تكون لامها ياء، وتارة تكون واوا؛ فإن كانت ياء سلمت في الاسم نحو الفتيا، وفي الصفة نحو القصيا تأنيث الأقصى، فلم يفرقوا من ذوات الياء بين الاسم والصفة، كما لم يفرقوا في فعلى -بالفتح- من ذوات الواو كما سبق، وإن كان واوا سلمت في الاسم نحو حُزْوَى -اسم موضع- وقلبت ياء في الصفة نحو الدنيا والعليا، فهذا معنى قوله: "بالعكس". وشذ من ذلك كالقُصْوَى في لغة غير تميم، وأما تميم فيقولون: "القُصْيَا" على القياس، وشذ أيضا "الْحَلْوَى" عند الجميع.
تنبيه: ما ذكره المصنف من أن لام فُعْلَى إذاكانت واوا تبدل ياء في الصفة وتسلم في الاسم مخالف لقول أهل التصريف، فإنهم يقولون: إن فُعْلَى إذا كانت لامها واوا تقلب في الاسم دون الصفة ويجعلون "حُزْوَى" شاذا، وقال المصنف في بعض كتبه: النحويون يقولون: هذا الإعلال مخصوص بالاسم ثم لا يمثلون إلا بصفة محضة أو بالدنيا، والاسمية فيها عارضة، ويزعمون أن تصحيح حزوى شاذ كتصحيح "حَيْوَة"، وهذا قول لا دليل على صحته، وما قلته مؤيد بالدليل وموافق لقول أئمة اللغة. حكى الأزهري عن الفراء وابن السكيت أنهما قالا: ما كان من النعوت مثل الدنيا والعليا فإنه بالياء، فإنهم يستثقلون الواو مع ضمة أوله، وليس فيه اختلاف، إلا أن أهل الحجاز أظهروا الواو في القصوى، وبنو تميم قالوا: القصيا. انتهى. وأما قول ابن الحاجب بخلاف الصفة كالغُزْوى يعني تأنيث الأغزَى، قال ابن المصنف: هو تمثيل من عنده، وليس معه نقل، والقياس أن يقال: الغزيا كما يقال العليا.
فصل: إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلها
فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلها": إن يَسْكُنِ السابقُ من واو وَيَا ... واتصلا ومن عُرُوض عَريَا فياءً الواوَ اقلبنَّ مُدْغِما ... وشذَّ معطى غير ما قد رُسِمَا حاصل هذا الفصل أن الواو والياء إذا اجتمعا وسكن سابقهما وجب إبدال الواو ياء ثم الإدغام، وذلك مشروط بشروط: الأول: أن يتصلا، أعني: أن يكون في كلمة واحدة، فلو كانا في كلمتين نحو: "فويوسفُ" وهذا "فويزيد" لم يجز الإبدال والإدغام. الثاني: أن يكون سكون السابق أصليا، فلو كان عارضا نحو قَوْى مخفف قوى لم تبدل ولم تدغم. الثالث: ألا يكون الساكن بدلا غير لازم نحو رُويَة مخفف رُؤْية، فلا يبدل لعروضه، وحكى الكسائي الإدغام في رويا إذا خففت، وسمع من يقرأ: "إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّيَّا تَعْبُرُونَ"1. فإن كانت بدلا لازما نحو ايّم وهومثال أُبْلُم من الأيمة أصله أؤيم، فأبدلت الهمزة الثانية واوا؛ لانضمام التي قبلها فصار أويم، وهذا بدل لازم فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار أيم، وهذان الشرطان مأخوذان من قوله: "ومن عروض عريا" أي: من عروض ذات أو من عروض سكون. فمثال ما اجتمعت فيه الشروط سيّد وأصله سَيْوِد؛ لأنه فيعل من ساد يسود، ومرمي أصله مرموي؛ لأنه مفعول من رمى يرمي، فأبدلت الواو فيهما ياء ثم أدغمت أولى الياءين في الأخرى. تنبيهات: الأول: لوجوب الإبدال في هذا النوع شرط رابع لم ينبه عليه هنا، وهو ألا يكون الثاني واوا تحركت لفظا في إفراد وتكسير غير لازم بعد ياء التصغير نحو جدول، فلك في تصغيره وجهان:
أحدهما: جُدَيِّل بالإبدال والإدغام على القياس، وهو الأرجح. والآخر: جُدَيْول -بالتصحيح. وقوله: "وشذ معطى غير ما قد رسما" يشمل ثلاثة أضرب: أحدها: ما أبدل وأدغم ولم يستوفِ الشروط كقولهم في الرؤيا: ريّا، وقد قرأ بعضهم: "إن كنتم للريَّا تعبرون"، وحكى الفراء في روية مخفف رؤية ريّة -بالإدغام- وقال في شرح الكافية: وحكى بعضهم اطرادهم على لغة، وقاس بعضهم عارض السكون على عارض البدلية فقال: في قوى مخفف قوى في -بالإدغام- وهو ضعيف. الثاني: ما صحح مع استيفاء الشروط كقولهم للسِّنَّور ضَيْوَن، وعوى الكلب عَوْية، ويوم أَيْوَم1. والثالث: ما أبدل فيه الياء واوا وأدغمت الواو في الواو كقولهم: عوى الكلب عَوَّة، وهو نَهو عن المنكر. من واو أو ياء بتحريك أصل ... ألفًا ابدل بعد فتح متصل يجب إبدال كل ياء أو واو تحركت بعد فتح ألفا بشروط: الأول: أن يكون التحريك أصليا، احترازا من أن يكون عارضا نحو جَيَل وتَوَم مخففي جَيْئَل وتَوْءَم. والثاني: أن يكون الفتح متصلا احترازا من أن يكون منفصلا بحرف نحو زاي وواو، فإن الألف فاصلة، أو يكون من كلمة أخرى نحو إن يزيد ومق، فإنه لا يؤثر. والثالث: أن يكون اتصاله أصليا احترازا من نحو بناء مثل عُلَبِط2 من الرمي أو الغزو فتقول فيه: رُمِيٍ وغُزَوٍ -منقوصا- ولا تقلب الواو والياء ألفا؛ لأن اتصال
الفتحة بها عارض بسبب حذف الألف؛ إذ الأصل رُمَايِي وغُزَاوِي؛ لأن علبطا أصله علابط. فإن قلت: لا يؤخذ هذا الشرط من النظم. قلت: بل من قوله: "متصل" فإن هذا منفصل تقديرا واتصاله عارض، فيكون المعنى بعد فتح متصل لفظا وتقديرا، فهذه الشروط لا بد من اعتبارها في الإعلال المذكور، ولا يشترط معها في إعلال اللام إلا شرط واحد وهو ألا يتصل بها ألف ولا ياء مشددة، وأما العين فيشترط في إعلالها مع هذه الشروط الثلاثة شروط آخر. أولها: ألا يسكن ما بعدها، وثانيها: ألا يكون ما هي فيه فعلا على فعل ذا أفعل أو متصرفا منه، وثالثها: ألا يكون ما هي فيه فعلا واويا على افتعل بمعنى تفاعل أو مصرفا منه، ورابعها: ألا يعل ما وليها، وخامسها: ألا يكون ما هي فيها اسما مختوما بزيادة تختص بالأسماء، وسادسها: ألا تكون هي بدلا من حرف لا يعل، وسيأتي الكلام على هذه الشروط مفصلا إن شاء الله تعالى. فمثال ما يعل لاستيفاء الشروط وهي لام رمى ودعا أصلهما رمي ودعو، فقلبت الياء والواو ألفا لما تقدم. ومثال ذلك وهو عين باع وقال: أصلهما بيع وقول، فقلبت الياء والواو ألفا لذلك، وقد أشار إلى أول هذه الشروط الستة بقوله: إن حُرك التالي وإن سُكن كف ... إعلال غير اللام.............. يعني: أن إعلال الياء والواو بالإعلال المذكور إذا كانا غير مشروط بأن يتحرك تاليهما كما مثلنا به، فإن سكن تاليهما منع الإعلال وكفه مطلقا نحو بيان وغيور وطويل وخَوَرْنَق، وأما اللام فقد بين حكمها بقوله: ....................... ... .......... وهي لا يكف إعلالها بساكن غير ألف ... أو ياء التشديد فيها فيها قد أُلف
لما كانت اللام محل التغيير لم يكف إعلالها الساكن كما كف إعلال العين ما لم تكن ألفا أو ياء مشددة فإنهما يكفان إعلالها دون غيرهما من السواكن، فالألف نحو رَمَيَا وغَزَوَا، والياء المشددة نحو عَلويّ؛ لأنهم لو أعلوا قبل الألف لاجتمع ساكنان، فيحذف أحدهما فيصير اللفظ رمى وغزا، فلا يُدرى للمثنى هو أم للمفرد. وأما: رحيان وعصوان، فمحمول عليه لأنه من باب، وأما نحو علويّ، فلا تبدل واوه ألفا لأنها في موضع تبدل فيه الألف واوا، فإن ولي اللام غير الألف والياء المشددة من السواكن أعلت نحو يَخْشَوْن أصله يخشيون، فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فالتقى ساكنان فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وكذلك تقول في جمع عصا -مسمى به- قام عَصَوْن، والأصل عَصَوُون، ففعل به ما ذكر في يخشون، وعلى هذا لو بنيت من الرمي مثل عنكبوت قلت رَمْيَوْت والأصل رَمْيَيُوت ثم قلب وحذف لملاقاة الساكن وسهل ذلك أمن اللبس إذ ليس في الكلام فَعْلَوْت، وذهب بعضهم إلى تصحيح هذا؛ لكون ما هي فيه واحدا، ثم أشار إلى ثانيها بقوله: وصحَّ عينُ فَعَل وفَعِلا ... ذا أفْعَل كأَغْيَد وأَحْوَلا ما كان من الأفعال على فَعَل وعينه ياء أو واو واسم فاعله على أفعل لزم تصحيحه حملا على افعلّ لموافقته له في المعنى؛ لأن فعل من هذا النوع مختص بالألوان والخلق نحو غيد فهو أغيد1 وحول فهو أحول، ومصدر فعل هذا محمول عليه في التصحيح أيضا نحو غيد غيدا وحول حولا. واحترز بقوله: "ذا أفعل" من نحو خاف ونحوه فإن وزنه فَعِل، ولكن فاعله متزن بفاعل، ثم أشار إلى ثالثها بقوله: وإن يَبِنْ تَفَاعُلٌ من افْتَعَلْ ... والعينُ واو سَلِمَتْ ولم تُعَل
إذا كان افتعل واوي العين بمعنى تفاعل صح حملا على تفاعل؛ لكونه بمعناه نحو اجْتَوَرُوا وازدرجوا بمعنى تجاوروا وتزاوجوا، واحترز بقوله: "وإن يَبِن تفاعل من افتعل" من أن يكون افتعل لا يدل على التفاعل، وهو الاشتراك في الفاعلية والمفعولية، فإنه يجب إعلاله مطلقا نحو اختان بمعنى خان واجتاز بمعنى جاز، واحترز بقوله: "والعين واو" من أن تكون عينه ياء فإنه يجب إعلاله. ولو كان دالا على التفاعل، نحو: امتازوا وابتاعوا واستافوا1 أي: تضاربوا بالسيوف؛ لأن الياء أشبه بالألف من الواو، فكانت أحق بالإعلال منها، ثم أشار إلى رابعها بقوله: وإِنْ لحرفين ذا الإعلال اسْتُحق ... صُحِّح أول وعكس قد يَحِق إذا اجتمع في الكلمة حرفا علة واوان أو ياءان أو ياء وواو، وكل منهما مستحق لأن يقلب ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله، فلا بد من تصحيح أحدهما لئلا يجتمع إعلالان والآخر أحق بالإعلال، فاجتماع الواوين كالحوى مصدر حَوِيَ إذا اسودّ، ويدل على أن ألف الحوى منقلبة عن واو قولهم في مثناه: حووان، وفي جمع أحوى: حُوّ، وفي مؤنثه: حواء، فأصل الحوى حوو، فكل واحدة من الواوين تستحق الانقلاب، فإن قلبناهما لالتقى ألفان فيجب حذف أحدهما لالتقاء الساكنين، ثم حذف الآخر لملاقاة التنوين فيبقى اسم متمكن على حرف واحد، وذلك ممتنع، وما أفضى إلى الممتنع ممتنع، فلما امتنع إعلالهما معا وجب إعلال أحدهما، وكان الثاني أحق بذلك لأن الطرف محل التغيير والعين متحضنة بوقوعها حشوا واجتماع الياءين كالحيا للغيث، وأصله حيي، فأعلت الياء الثانية لما تقدم، واجتماع الواو والياء كالهوى، أصله هَوَي، فأعلت الياء على ما ذكر في الحوى.
وهكذا يفعل في كل ما جاء من هذا النوع إلا ما شذ من نحو غاية وأصله غَيَيَة، فأعلت الياء الأولى وصحت الثانية، وسهل ذلك كون الثانية لم تقع طرفا، ومثل غاية في ذلك ثَاية، وهي حجارة صغار يضعها الراعي عند متاعه فيثوى عندها، وطاية وهي السطح والدكان أيضا، وكذلك آية عند الخليل أصلها أيية، فأعلت العين شذوذا، وفي آية خمسة مذاهب غير مذهب الخليل ذكرتها في غير هذا الموضع، وإلى غاية وأخواتها أشار بقوله: "وعكس قد يحق"، ثم أشار إلى خامسها بقوله: وعينُ ما آخره قد زِيدَ ما ... يخص الاسم واجبٌ أن يَسْلَما لما كان الإعلال فرعا والفعل فرع كان أحق به من الاسم؛ ولهذا إذا كان آخر الاسم زيادة تختص بالأسماء وجب سلامة عينه إذاكانت واوا أو ياء تحركتا وانفتح ما قبلهما؛ لأنه بتلك الزيادة بعد شبهه بما هو الأصل في الإعلال، وذلك نحو: جَوَلان وسَيَلان، فإنهما قد ختما بزيادة تختص بالأسماء، وهي الألف والنون فصحت عينهما لذلك، وما جاء من هذا النوع معلا عد شاذا نحو: داران وماهان1 وقياسهما دَوَران ومَوَهان، وخالف المبرد في هذا فزعم أن الإعلال هو القياس، وعليه جاء داران وماهان، والصحيح الأول، وهو مذهب سيبويه. تنبيهات: الأول: زيادة تاء التأنيث غير معتبرة في التصحيح؛ لأنها لا تخرجه عن صورة فعل؛ لأن تاء التأنيث تلحق الماضي، فلا يثبت بلحاقها مباينة في نحو: قَالَة وبَاعَة، وأما الْحَوَكَة فتصحيحه شاذ باتفاق.
الثاني: اختلف في ألف التأنيث المقصورة في نحو صَوَرَى -وهو اسم ماء- فذهب المازني إلى أنها مانعة من الإعلال؛ لاختصاصها بالاسم. وذهب الأخفش إلى أنها لا تمنع الإعلال؛ لأنها لا تخرجه عن شبه الفعل؛ لأنها في اللفظ بمنزلة ألف فَعَلا، فتصحيح صَوَرَى عند المازني مقيس، وعند الأخفش شاذ لا يقاس عليه؛ فلو بني مثلها من القول لقيل على رأي المازني: قَوَلَى، وعلى رأي الأخفش: قَالَا، وقد اضطرب اختيار الناظم في هذه المسألة، فاختار في التسهيل مذهب الأخفش، وفي بعض كتبه مذهب المازني، وبه جزم الشارح، واعلم أن ما ذهب إليه المازني هو مذهب سيبويه. الثالث: لم ينبه الناظم هنا على الشرط السادس، وهو ألا تكون العين بدلا من حرف لا يُعل وقد ذكره في التسهيل، واحترز به عن قولهم في شجرة: شَيَرة، فلم يعلوا لأن الياء بدل من الجيم، قال الشاعر1: إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى ... فأبعدكن الله من شَيَرات الرابع: قال في الكافية: وقد يكف سبب الإعلال أن ... يُناب عن حرف بتصحيح قَمِن
فهذا شامل لنوعين: أحدهما: ما هو بدل من حرف لا يعل نحو: شيرة في شجرة، وقد تقدم. والثاني: ما هو حال محل حرف لا يعل، وإن لم يكن بدلا نحو: أيس بمعنى يئس، فيضعون الهمزة موضع الياء، والياء موضع الهمزة، ويصححون الياء، وإن تحركت وانفتح ما قبلها؛ لأنها وقعت موقع الهمزة، والهمزة لو كانت في موضعها لم تبدل، فعوملت الياء معاملتها لوقوعها موقعها، هكذا قال في شرح الكافية. وهذا النوع الثاني لم يخرج بشيء من الشروط الستة المتقدمة، فيكون هذا شرطا سابعا. وذكر بعضهم: أن أيس إنما لم يعل لعروض اتصال الفتحة به؛ لأن الياء فاء الكلمة، فهي في نية التقديم والهمزة قبلها في نية التأخير، وعلى هذا فيستغنى عن هذا الشرط بما سبق من اشتراط أصالة اتصال الفتحة. الخامس: ذكر ابن بابشاذ لهذا الإعلال شرطا آخر، وهو ألا يكون التصحيح للتنبيه على الأصل المرفوض، قال: واحترز من مثل الخونة والحوكة. انتهى، وهو غير محتاج إليه؛ لأن هذا مما شذ مع استيفائه الشروط، ومثل ذلك في الشذوذ قولهم: رَوَح وغَيَب جمع رائح وغائب، وعِفَوة جمع عِفُوْ -وهو الجحش- قال الشارح: لأن تاء التأنيث غير مختصة بالأسماء، يعني: في عفوة. وقبل با اقلب ميما النون إذا ... كان مسكنا كمن بت انبذا في النطق بالنون الساكنة قبل الباء عسر؛ لاختلاف مخرجيهما مع مباينة لين النون وغنتها لشدة الباء، فذلك وجب إبدالها قبل الباء ميما؛ لأنها من مخرج الباء ومثل النون في الغنة، ولا فرق في ذلك بين المنفصلة والمتصلة، وقد جمعها في قوله: "كمن بت انبذا" أي: من قطعك فألقه عن بالك واطرحه. وألف "انبذا" بدل من نون التوكيد الخفيفة.
تنبيهات: الأول: عبر بعضهم عن إبدال النون ميما بالقلب كما فعل الناظم، والأولى أن يعبر بالإبدال؛ لأن القلب في الاصطلاح إنما يكون في حروف العلة غالبا، وتقدم بيان ذلك. الثاني: نقل أبو علي بن أبي الأحوص أحد تلاميذ الشلوبين عن الفراء أن النون الساكنة تخفى عند الباء، ولا يحمل على ظاهره، فإن ذلك شيء لم ينقله أحد من النحويين عن العرب، وإنما يحمل على أنه تجوز، فسمي الإبدال هنا إخفاء. الثالث: قد تبدل النون ميما ساكنة ومتحركة دون باء، وذلك شاذ، فالساكنة كقولهم في حنظل: حَمظل، وأمْغَرَت الشاة أنغرت1، والمتحركة كقولهم في بنان: بنام، قال رؤبة2: يا هَاَل ذات المنطق التمتام ... وكفك المخضب البنام
فصل: أذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح
فصل "إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح": لساكن صح انقل التحريك من ... ذي لين آت عين فِعْل كأَبِنْ إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح وجب نقل حركة العين إليه، لاستثقالها على حرف العلة، نحو: "يقوم ويبين" والأصل: يَقْوُم ويَبْيِن -بضم الواو وكسر الياء- فنقلت حركة الواو والياء إلى الساكن قبلهما؛ أعني: القاف في يقوم والباء في يبين فسكنت الواو والياء. ثم اعلم أنه إذا نقلت حركة العين إلى الساكن قبلها؛ فتارة تكون العين مجانسة "للحركة المنقولة، وتارة تكون غير متجانسة"1. "فإن كانت مجانسة"2 لها لم تغير بأكثر من تسكينها بعد النقل، وذلك بأن تكون الحركة ضمة والعين واوا، أو كسرة والعين ياء، وقد تقدم تمثيلها بيقوم ويبين. وإن كانت غير متجانسة لها أبدلت حرفا يجانس الحركة، فإن كانت الحركة فتحة والعين واوا أو ياء أبدلت العين ألفا نحو أقام وأبان، أصلهما أقوَم وأبيَن، فلما نقلت الفتحة إلى الساكن بقيت العين غير مجانسة لها، فقلبت ألفا. وإذا كانت الحركة كسرة والعين واوا نقلت الكسرة، ثم قلبت الواو ياء لتجانس الكسرة نحو يُقِيم أصله يُقْوِمُ، ففعل به ما ذكر، ولهذا النقل شروط: الأول: أن يكون الساكن المنقول إليه صحيحا، فإن كان حرف علة لم ينقل إليه نحو: قَاوَل وبَايَع وعَوَّق وبَيَّن، وكذا الهمزة لا ينقل إليها نحو: يَأْيَس مضارع أيس؛ لأنها معرضة للإعلال بقلبها ألفا، نص على ذلك في التسهيل. فإن قلت: لم يستثن الهمزة هنا؟ قلت: الهمزة قد عدها المصنف من حروف العلة؛ فقد خرجت بقوله: "صح".
الثاني: ألا يكون الفعل فعل تعجب، نحو: ما أبْيَن الشيء وأقومه، وأبين به وأقوم به، حملوه على نظيره من الأسماء في الوزن والدلالة على المزية، وهو أفعل التفضيل. الثالث: ألا يكون من المضاعف اللام، نحو: ابيضَّ واسودَّ، وإنما لم يعُلوا هذا النوع لئلا يلتبس مثال بمثال، وذلك أن ابيض لو أعلت عينه بالإعلال المذكور، لقيل فيه: بَاضَّ، وكان يظن أنه فاعل من البضاضة، وهي نعومة البَشَرة، وذلك خلاف المراد فوجب صون اللفظ مما يؤدي إليه. الرابع: ألا يكون في المعتل اللام، نحو أهْوَى، فلا يدخله النقل لئلا يتوالى إعلالان، وإلى هذه الشروط الثلاثة أشار بقوله: ما لم يكن فِعْل تعجب ولا ... كابيض أو أهوى بلام عُلِّلا وزاد في التسهيل شرطا آخر، وهو ألا يكون موافقا لفعل الذي بمعنى افعَلّ نحو: يعْوَر ويَصيد مضارعا عَوِرَ وصيد، وكذا ما تصرف منه نحو: أعوره الله، وكأنه استغنى عن ذكره هنا بذكره في الفصل السابق في قوله: "وصح عين فَعَل وفَعِلا.... ذا أَفعَل" فإن العلة واحدة. ومثل فِعْل في ذا الإعلال اسم ... ضَاهى مضارعا وفيه وَسْم يعني: أن الاسم المضاهي للمضارع -وهو الموافق له في عدد الحروف والحركات- يشارك الفعل في وجوب الإعلال بالنقل المذكور، وبشرط أن يكون فيه وسم يمتاز به عن الفعل، فاندرج في ذلك نوعان: أحدهما: ما وافق المضارع في وزنه دون زيادته كمقام، فإنه موافق للفعل في وزنه وفيه زيادة تنبئ عن أنه ليس من قبيل الأفعال وهي الميم؛ فأعل، وكذلك نحو مُقيم ومُبين ولو بنيت من البيع مَفْعَلة -بالفتح- قلت: مباعة، أو مَفْعِلة -بالكسر- قلت: مَبِيعة، أو مَفْعُلة -بالضم- فعلى مذهب سيبويه تقول: مَبِيعة أيضا، وعلى مذهب الأخفش تقول: مَبُوعة. وسبق ذكر مذهبهما.
والآخر: ما وافق المضارع في زيادته دون وزنه، كبناء مثل تحلئ من البيع فتقول فيه تبيع بالإعلال المذكور لكونه موافقا للفعل في عد حروفه وحركاته وزيادته إلا في وزنه؛ لأن تفعلا -بكسر التاء- ليس من الأبنية المخصوصة بالأسماء، وإذا بنيت من البيع مثل تُرْتُب1 قلت: تُبِيع على مذهب سيبويه، وتُبوع على مذهب الأخفش؛ لأن تفعلا -بضم التاء- ليس من أوزان الأفعال، بل هو من الأوزان المخصوصة بالأسماء كتفعل -بكسر التاء. وأما ما شابه المضارع في وزنه وزيادته معا، فيجب تصحيحه نحو ابيض واسود وأطول منه وأبين، ولو بنيت من البيع مثل تضرب أو تقتل قلت: تَبِيع بالتصحيح لموافقته للفعل في الأمرين معا. والحاصل أنه لا يعل الاسم المشابه للفعل حركة وسكونا إلا إذا خالفه في حركة نحو تبيع مثال تحلئ من البيع أو زيادة في أوله نحو مقام. فإن قلت: ولِمَ كان ذلك؟ قلت: لأنه إذا شابه الفعل من كل وجه وأعل توهم كونه فعلا فوجب تصحيحه لئلا يلتبس بالفعل. فإن قلت: ينتقض هذا بنحو: يزيد وتزيد -علمين- فإنهما أُعلا مع موافقة الفعل في الأمرين. قلت: هذان ونحوهما مما نقل من الفعل بعد الإعلال، لا أنه أعل بعد تقديره اسما. ومن ذلك: أبان عند من لم يصرفه، فإنه وزنه أفعل أعل في حال الفعلية ثم سمي به، وأما من صرفه فهو عنده فعال، وليس من هذا الباب. وبهذا تعلم أن استدلال بعضهم على أنه فعال بأنه لو كان أفعل لم يعل؛ لأنه من قبيل الأسماء ضعيف؛ لأنه كيزيد ونحوه مما نقل بعد الإعلال.
تنبيه: ما تقدم من إعلال نحو تبيع مثال تحلئ؛ لكونه خالف المضارع بكسر أوله هو مذهب النحويين كافة إلا المبرد فإنه يصحح ذلك ونحوه؛ لأنه ليس مبنيا على فعل، فتقول تبيع -بالتصحيح- وتقول في مثل ترتب من القول تقول -بالتصحيح أيضا- وكذلك يشترط في إعلال نحو مقام مناسبة الفعل، وتقول: إن مقاما ومباعا ونحوهما مما خالف الفعل بزيادته، وإنما اعتلت لأنها مصار لفعل أو اسم مكان، لا لأنها على وزن الفعل، ومدين ومريم ومَكْوَرة، عنده وارد على القياس؛ إذ لا فعل لها فتحمل عليه وهي عند غيره مما شذ من الإعلال، والصحيح مذهب الجمهور، ويدل على فساد ما ذهب إليه إعلال عين معيشة ومثوبة وليسا بمصدرين ولا اسمي مكان، إنما هما اسمان لما يعاش به من خير أو شر: ومِفْعَلٌ صُحِّحَ كالمِفْعَالِ كان حق مفعل أن يعل لأنه على وزن تعلم، وزيادته خاصة بالأسماء أعني الميم، فكان فيه موافقة الفعل من وجه ومخالفته من وجه، وذلك يقتضي إعلاله، لكنه صحح لشبهه لفظا ومعنى بما يستحق التصحيح وهو مفعال؛ لأنه غير موازن للفعل لأجل الألف التي قبل لامه، أما شبهه به لفظا فواضح، وأما شبهه به معنى فلأن كلا منهما يكون آلة كمِخْيط ومكيال، وصفة مقصودا بها المبالغة كمهمز ومحضار، فسوى بينهما في التصحيح، وإلى سبب تصحيح مفعل أشار بقوله: "كالمفعال" فعلة تصحيحه عنده شبهه بمفعال، وقد صرح بذلك في غير هذا النظم، وقد ذكر كثير من أهل التصريف أن علة تصحيحه كونه مقصورا من مفعال، فهو هو غير أنه قصد. ....................... ... وألف الإِفْعَال واسْتِفْعَال أَزِلْ لذا الإعلال والتاء االزم عِوَضْ ... وحذفها بالنقل ربما عَرَضْ إذا كان المصدر على إفعال أو استفعال، مما أعلت عينه، حمل على فعله في الإعلال فتنقل حركة عينه إلى فائه، ثم تقلب ألفا لتجانس الفتحة، فيلتقي ألفان، فتحذف إحداهما لالتقاء الساكنين، ثم تعوض عنها تاء التأنيث، وذلك نحو: إقامة
واستقامة، أصلهما: إِقْوَام واستقوام، فنقلت فتحة الواو إلى القاف، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها، فالتقى ألفان الأولى بدل العين والثانية ألف إفعال واستفعال فوجب حذف إحداهما. واختلف النحويون أيتهما المحذوفة؟ فذهب الخليل وسيبويه إلى أن المحذوفة ألف إفعال واستفعال؛ لأنها الزائدة، ولقربها من الطرف، ولأن الاستثقال بها حصل، وإلى هذا ذهب الناظم؛ ولذلك قال: "وألف الإفعال واستفعال.... أزل ... ". وذهب الأخفش والفراء إلى أن المحذوفة بدل عين الكلمة، والأول أظهر، ولما حذفت الألف عوض عنها تاء التأنيث فقيل: إقامة واستقامة. وأشار بقوله: "وحذفها بالنقل ربما عرض" إلى أن هذه التاء التي جعلت عوضا قد تحذف، فيقتصر في ذلك على ما سمع، ولا يقاس عليه، كقولهم: أراء إراء واستقام استقاما، قال الشارح: ويكثر ذلك مع الإضافة كقوله تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} فهذا على حد قوله1: .............................. ... وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
وقال في شرح الكافية: وامتنع حذفها إلا بسماع كقوله تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} 1 قلت: وتقدم مذهب الفراء في باب الإضافة، قيل: وحَسَّن حذف التاء في الآية مقارنته لقوله تعالى بعد: {وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} 2. تنبيه: قد ورد تصحيح إفعال واستفعال وفروعهما في ألفاظ: منها أَعْوَل إعوالا، وأغيمت السماء إغياما، واستحوذ استحواذا، واستغيل الصبي استغيالا3، وهذا عند جمهور النحويين شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وذهب أبو زيد إلى أن ذلك لغة يقاس عليها، وحكى الجوهري عنه أنه حكي عن العرب تصحيح أفعل واستفعل تصحيحا مطردا في الباب كله، وقال الجوهري في موضع آخر: تصحيح هذه الأشياء لغة فصيحة صحيحة، وذهب في التسهيل إلى مذهب ثالث، وهو أن التصحيح مطرد فيما أهمل ثلاثيه، كاستنوق استنواقا، لا فيما له ثلاثي نحو استقام. وما لإفعال من الحذف ومن ... نقل فمفعول به أيضا قمن نحو مبيع ومصون وندر ... تصحيح ذي الواو وفي ذي الياء اشتهر إذا بني مفعول من ثلاثي معتل العين فعل به ما فعل بإفعال واستفعال من نقل حركة عينه وحذف مدته، فإذا بني مفعول من قال وباع فقيل: مقول ومبيع، والأصل: مقوول ومبيوع، فنقلت حركة الواو والياء إلى الساكن قبلهما، فالتقى ساكنان الأول عين الكلمة والثاني واو مفعول الزائدة فوجب حذف إحداهما، واختلف في أيهما حذف، فذهب الخليل وسيبويه إلى أن المحذوف واو مفعول؛ لزيادتها ولقربها من الطرف، وذهب الأخفش إلى أن المحذوف عين الكلمة؛ لأن واو مفعول لمعنى، ولأن الساكنين إذا التقيا في كلمة حذف الأول.
فأما ذوات الواو نحو مقول، فليس فيها عمل غير ذلك؛ لأنه لما حذفت منه إحدى الواوين بقي مقول على لفظه. وأما ذوات الياء نحو مبيع فإنه لما حذفت واوه على رأي سيبويه بقي مبيع بياء ساكنة بعد ضمة، فجعلت الضمة المنقولة كسرة لتصح الياء، وأما على رأي الأخفش فإنه لما حذفت ياؤه كسرت الفاء وقلبت الواو ياء، فرقا بين ذوات الواو وذوات الياء. قيل: وقد خالف الأخفش أصله في هذا، فإن أصله أن الفاء إذا ضُمت وبعدها ياء أصلية باقية قلبها واوا لانضمام ما قبلها إلا في الجمع نحو بيض، وقد قلب هاهنا الضمة كسرة مراعاة للعين التي هي ياء مع حذفها، ومراعاتها موجودة أجدر. فإن قلت: هل يظهر لخلاف الشيخين في المحذوف ثمرة لفظية؟ قلت: نعم. قال أبو الفتح: سألني أبو علي عن تخفيف مَسُوء فقلت: أما على قول أبي الحسن فأقول: رأيت مَسُوًّا، كما تقول في مقروء: مَقْرُو؛ لأنها عنده واو مفعول، وأما على مذهب سبيويه فيقال: رأيت مَسوًا كما تقول في خَبْء: خَبٌ، فنحرك الواو لأنها في مذهبه العين، فقال لي أبو علي: كذلك هو. وقوله: "وندر تصحيح ذي الواو" أشار به إلى قول بعض العرب: ثوب مصوون، ومسك مدووف1، وفي القياس على ذلك خلاف منعه الجمهور وأجازه المبرد في أحد قوليه، وذكر الجوهري: أن بعض النحويين يقيس الإتمام في الواو، وأنه لغة لبعض العرب، وقال الأستاذ أبو علي: حكي ذلك عن الكتاب وقاس عليه. وقوله: "وفي ذي الياء اشتهر" يعني: أن التصحيح في ذوات الياء كثير مشتهر
بخلاف الواو، وذلك لثقل الواو وخفة الياء، ومثال ذلك في الياء كقولهم: "خُذه مَطيُوبة به نفسًا"1. وقال شاعر2: كأنها تفاحة مطيوبة وتصحح ذوات الياء لغة تميمة حكاها المازني وغيره، وقال علقمة وهو تميمي3: ............................ ... يوم الرَّذاذ عليه الدجن مغيوم قال سيبويه: وبعض العرب يخرجه عن الأصل فيقول: مخيوط ومبيوع، ولا نعلمهم أتموا في الواو لأنها أثقل، وخالف أبو العباس في تصريفه فقال: إنا أجازوا رد مبيع إلى أصله في الضرورة ولم يجعله لغة. وصحح المفعول من نحو عدا ... وأعلل إن لم تتحرَّ الأجودا
إذا بني المفعول من فعل معتل اللام لم يخل من أن تكون لامه ياء أو واوا. فإن كانت ياء وجب إعلاله بالإبدال والإدغام وتحويل الضمة كسرة نحو مرمي والأصل مرموي، فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون وأدغمت في لام الكلمة، وكسرت الميم لتصح الياء. وإن كانت واوا فهي على ثلاثة أقسام: قسم يجب إعلاله، وقسم يختار إعلاله، وقسم يختار تصحيحه. فالذي يجب إعلاله هو ما عينه واو، فإذا بنيت اسم المفعول من نحو قَويَ قلت: مَقْوِي، والأصل: مَقْوُووٌ، فاستثقل اجتماع ثلاث واوات في الطرف مع الضمة، فقلبت الأخيرة ياء ثم قلبت المتوسطة ياء؛ لأنه قد اجتمع ياء وواو، وسبقت إحداهما بالسكون، ثم قلبت الضمة كسرة لأجل الياء، وأدغمت الياء في الياء فقيل: مَقْويّ. والذي يختار إعلاله هو ما كان فعله على فعل -بكسر العين- كمرضي، فهذا فيه الإعلال والتصحيح، والإعلال أولى؛ لأن فعله قد قلبت فيه الواو ياء في حالة بنائه للفاعل وفي حالة بنائه للمفعول، فكان إجراء اسم المفعول على الفعل في الإعلال أولى من مخالفته له؛ ولهذا جاء الإعلال في القرآن دون التصحيح، قال تعالى: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} 1 ولم يقل: مَرْضُوَّة مع كونه من الرضوان. وقال بعضهم: "مَرْضُوّة" وهو قليل، هذا ما ذكره المصنف؛ أعني: ترجيح الإعلال على التصحيح في نحو مَرْضِيّ، وذكر غيره أن التصحيح في ذلك هو القياس وأن الإعلال فيه شاذ، وصرح بعض المغاربة بعد اطراد الإعلال فيه "وظاهر كلام سيبويه اطراده قال: والوجه في هذا النحو الواو، والأخرى عربية كثيرة"2. والذي يختار تصحيحه هو ما كان من فعل وليست عينه واوا، ولا هو على فعل -بكسر العين- كالمفعول من نحو عدا، فيجوز فيه التصحيح حملا على فعل
الفاعل فتقول: مَعْدُوٌّ، فتصححه كما صح فعل الفاعل، ويجوز فيه الإعلال حملا على فعل المفعول فتقول: مَعْدِيّ، فتعله كما أعل فعل المفعول، والتصحيح أولى؛ لأن الحمل على فعل الفاعل أولى. ويُروى بالوجهين قول الشاعر1: وقجد عَلِمَتْ عِرْسِي مُليكة أنني ... أنا الليث مَعْديًّا عليه وعاديا وأنشده المازني: "مَعْدُوًّا" بالتصحيح، وأنشده غيره بالإعلال. تنبيهات: الأول: لم يذكر الناظم في هذا البيت إلا هذا القسم الأخير؛ أعني: ما يترجح فيه التصحيح، وأحال على المثال فخرج بقوله: "من نحو عدا" ما عينه واو نحو قوي، فإن المفعول منه يجب إعلاله، وما هو على فعل نحو رضي، فإن المفعول منه يترجح إعلاله عند المصنف. فإن قلت: لم ترك هنا ذكر المفعول مما لامه ياء نحو رمى؟ قلت: لأن حكمه قد تقدم بيانه. الثاني: ظاهر كلامه أن الإعلال مطرد في نحو معدي، وإن كان التصحيح أجود، وقال بعض النحويين: إن الإعلال فيه شاذ لا يطرد.
الثالث: اختلف في تعليل إعلال الواو في هذا النوع، فقيل: إنه أعل حملا على فعل المفعول، وهو قول الفراء وتبعه المصنف، وقيل: أعل تشبيها بباب أدل؛ وذلك لأن الواو الأولى ساكنة زائدة خفيفة بالإدغام فلم يعتد بها حاجزا، فصارت الواو التي هي لام الكلمة كأنها وليت الضمة، وقلبت ياء على حد قلبها في أدل، قال الزمخشري: كما فعلوا في الكساء نحو فعلهم في العصا، واعترض تعليل الفراء بوجوب القلب في المصدر، نحو عَتَا عَتِيًّا، والمصدر ليس بمبني على فعل المفعول. كذاك ذا وجهين جا الفعُول من ... ذي الواو لام جمع أو فرد يعن إذا كان الفُعُول مما لامه واو ولم يخل من أن يكون جمعا أو مفردا، فإن كان جمعا فقد جاء فيه الإعلال والتصحيح، إلا أن الإعلال أكثر نحو عصِي ودلِي جمع عصى ودلو، وأصلهما: عُصُووٌ ودُلُووٌ، فأبدلت الواو الأخيرة ياء حملا على باب أدل وأعطيت الواو التي قبلها ما استقر لمثلها من إبدال وإدغام. وقد ورد بالتصحيح ألفاظ، وهي أُبوٌّ جمع أب وأُخو جمع أخ، ونُحو جمع نحو، وحكي عن بعضهم: إنكم لتنظرون في نُحُوٍّ كثيرة، ونُجُوٌّ جمع نجو -بالجيم- وهوالسحاب الذي هراق ماءه، وقال ابن سيده: ولم يسمع فيه إلا الإعلال، ونُهُو جمع نهو، وذكر من ذلك بنو جمع ابن، وقنو جمع قنا على خلاف في لامهما، ومذهب سيبويه أنها ياء، وقول ابن عصفور: شذ من هذا الجمع لفظان وهما نجو في جمع نجو، وقنو في جمع قنا، يوهم أنه لم يشذ غيرهما، وليس كذلك. فإن كان مفردا فقد جاء فيه أيضا الإعلال والتصحيح إلا أن التصحيح أكثر نحو: علا علوًّا ونما نموًّا، وقد جاء بالتصحيح قولهم: عتا الشيخ عتيا، أي: كَبِرَ، وقسا قسيا، أي: قسوة. فإن قلت: ظاهر كلام الناظم التسوية بين فعول المفرد وفعول الجمع في الوجهين وليسا بسواء؛ لأن الإعلال في الجمع أكثر، والتصحيح في المفرد أكثر. قلت: سوى بينهما في مجيء الوجهين في كل منهما، ولم يسو بين الوجهين في الكثرة، وقد صرح بتفاوتهما في غير هذا الكتاب، قال في الكافية:
ورُجِّح الإعلال في الجمع وفي مفرد التصحيحٌ أولى ما قُفِي فإن قلت: لِمَ كان الإعلال في الجمع أرجح والتصحيح في المفرد أرجح؟ قلت: لثقل الجمع وخفة المفرد. تنبيهان: الأول: لا إشكال في اطراد الإعلال في الجمع والتصحيح في المفرد، وأما تصحيح الجمع فمذهب الجمهور أنه لا يقاس عليه، وإلى هذا ذهب في التسهيل قال: ولا يقاس عليه خلافا للفراء، انتهى. وضعف مذهب الفراء بقلة ما ورد من ذلك، وأما إعلال المفرد فظاهر التسهيل اطراده، والذي ذكره غير أنه شاذ لا يطرد. الثاني: ما تقدم في فُعول من التصحيح مشروط بألا يكون من باب قَوِيَ، فلو بني من القوة فعول لزم أن يفعل به ما فعل بمفعول من القوة، وقد تقدم. وشاع نحو نُيَّم في نُوَّم ... ونحو نُيَّام شذوذه نُمِي يعني: أنه قد كثر في فعَّل جمع فاعل الذي عينه واو الإعلال، فيقال في نُوَّم جمع نائم: نُيَّم، وفي صُوَّم جمع صائم: صُيَّم، وفي جُوَّع جمع جائع: جُيَّع قال1: ........................ ... عَجَّلْتُ طبختَه لقوم جُيَّع
ووجه ذلك أن العين شُبهت باللام لقربها من الطرف، فأعلت كما تعل اللام فقلبت الواو الأخيرة ياء "ثم قلبت الواو الأولى ياء"1، وأدغمت الياء في الياء، والتصحيح في ذلك هو الأصل، وأما فُعَّال -بالمد- نحو: صوام وقوام، فالتصحيح فيه متعين لبعد عينه عن الطرف بسبب زيادة الألف. وقد شذ الإعلال في لفظ واحد لا يقاس عليه وهو نُيام جمع نائم. قال الشاعر2: ألا طرقتنا مية بنة منذر ... فما أرق النُّيَّام إلا كلامها تنبيهان: الأول: قوله: "وشاع" يفيد الكثرة وليس بنص على اطراده، وقد نص غيره من النحويين على أنه مطرد، ولاطراده شرط لم يذكره المصنف، وهو ألا يكون معتل اللام نحو شاو وشُوَّى، فهذا لا يجوز إعلاله كراهة لتوالي الإعلال. والثاني: يجوز في فاء فُعَّل المعل العين الضم والكسر، والضم هو الوجه الأَوْلَى.
فصل: إذا كان فاء الافتعال حرف لين
فصل: "إذا كان فاء الافتعال حرف لين": ذو اللين فا تا في افتعال أبدلا ... وشذ في ذي الهمز نحو ائتكلا إذا كان فاء الافتعال حرف لين -أعني واوًا أو ياءً- وجب في اللغة الفصحى إبدالها تاء في الافتعال وفروعه، أعني الفعل واسمى الفاعل والمفعول. مثال ذلك في الواو: اتّعد يتّعدا اتّعادًا فهو متعد، ومثاله في الياء: اتّسر يتّسر اتّسارًا فهو متّسر. وإنما أبدلوا الفاء في ذلك تاء؛ لأنهم لو أقروها لتلاعبت بها حركات ما قبلها فكانت تكون بعد الكسرة ياء، وبعد الفتحة ألفًا، وبعد الضمة واوًا، فلما رأوا مصيرها إلى تغيرها لتغير أحوال ما قبلها أبدلوا منها حرفا جلدًا لا يتغير لما قبله، وهو التاء، وهو أقرب الزوائد من الفم إلى الواو، وليوافق ما بعده فيدغم فيه. تنبيهات: الأول: قال بعض النحويين البدل في اتّعد، إنما هو من الياء؛ لأن الواو لا تثبت مع الكسرة في اتّعاد وفي اتّعد وحمل المضارع واسم الفاعل واسم المفعول منه على الماضي والمصدر. الثاني: قوله "ذو اللين" يشمل الواو والياء كما تقدم، وأما الألف فلا مدخل لها في ذلك؛ لأنها لا تكون فاء ولا عينًا ولا لامًا. الثالث: من هل الحجاز قوم يتركوا هذا الإبدال، ويجعلون فاء الكلمة على حسب الحركات قبلها، فيقولون: ايتَعَد ياتَعِد فهو مُوتَعِد، وايتَسَر ياتَسِر فهو مُوتَسِر. الرابع: حكى الجرمي أن من العرب من يقول ائتسر وائتعد -بالهمز- وهو غريب. وقوله: "وشذ في ذي الهمز" أي: وشذ إبدال فاء الافتعال تاء فيما أصله الهمزة والقياس فيه ألا يبدل، وذلك نحو ايتكل ياتكل ايتكالًا؛ لأنه افتعل من الأكل، ففاء الكلمة همزة ولكنها خففت بإبدالها حرف لين لاجتماعها مع الهمزة
التي قبلها فأقرت على ما يقتضيه التصريف، ولم تبدل لأنها ليست بأصل، وإنما هي بدل من همزة، والهمزة لا تدغم، فينبغي أن يكون بدلها كذلك، وأيضًا فلأن إبدالها وهي بدل من الفاء يؤدي إلى توالي إعلالين وشذ إبدال الياء والواو في هذا تاء، كقول بعضهم اتزر، أي: لبس الإزار، فالتاء في هذا بدل من الياء المبدلة من الهمزة "وقال بعضهم: اؤتُمِن اتَّمِن، فالتاء في هذا بدل من الواو المبدلة من الهمزة" واللغة الفصيحة في ذلك عدم الإبدال. تنبيهات: الأول: قوله "وشذ" يقتضي أن الإبدال في ذي الهمز ليس بلغة فلا يصح القياس عليه، وهذا هو المعروف، وحكى عن البغداديين أنهم أجازوا الإبدال في ذي الهمزة، وحكوا من ذلك ألفاظًا وهي: اتَّزر واتَّمن، من الإزار والأمانة، واتَّهل من الأهل، ومنه عندهم اتَّخذ من الأخذ، وقال بعضهم: هي لغة رديئة متنازع في صحة نقلها، قال أبو علي: هذا خطأ في الرواية، فإن صحت فإنما سمعت من قوم غير فصحاء لا ينبغي أن يؤخذ بلغتهم، ولم يحك هذا سيبويه، ولا الأئمة المتقدمون العارفون بالصيغة وتحري النقل. قلت: وفي الحديث "وإن كان قصيرًا فليتزر به" كذا الجميع رواه الموطأ بالإبدال والإدغام، وفي حديث عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني إذا حضت أن أتزر" -بالإدغام. فإن قلت: فما يصنع أبو علي بقولهم: اتخذ وهو من الأخذ؟. قلت: خرجه على أن تاءه الأولى أصلية؛ لأن العرب قالت: تخذ بمعنى اتخذ، قال الله تعالى: {لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} 1 وأنشد2:د وقد تخذت رجلي لدى جنب غرزها ... نسيفًا كأُفْحُوصِ القطاةِ الْمُطَرِّق
ونازع الزجاجي في وجود مادة تَخِذَ، وزعم أن أصله اتخذ، وحذف، وصحح ما ذهب إليه الفارسي بما حكاه أبو زيد من قولهم: تَخِذَ يتخذ تَخَذًا، وذهب بعض المتأخرين إلى أن اتّخذ مما أبدلت فاؤه تاء على اللغة الفصحى؛ لأن فيه لغة وهي وخذ بالواو، وهذه اللغة وإن كانت قليلة إلا أن بناءه عليها أحسن؛ لأنهم نصوا على أن اتّمن لغة رديئة. الثاني: ظاهر تمثيله بائتكل -أنه مما سمع فيه الإبدال شذوذًا، ويحتمل أن يريد أن الإبدال سمع فيما هو من جنسه، وإن كان لم يسمع فيه، ونص الشارح على هذا قال: ولا يريد أنه يقال في افتعل من الأكل ايتكل. قلت: وفي كلام بعضهم ما يدل على أنه مسموع. طا تا افتعال رد إثر مطبق ... ...................... يعني أنه إذا بنى الافتعال وفروعه مما فاؤه أحد الحروف المطبقة -وهي الصاد والضاد والطاء والظاء- وجب إبدال تائه طاء، كقولك في بناء افتعل من طعن وظلم وصبر وضرب، اطعنوا واظلموا واصطبروا، واضطرب، والأصل في ذلك اطتعنوا واظتلموا واصتبروا واضترب، ولكن استثقل اجتماع التاء مع الحرف المطبق لما بينهما من تقارب المخرج وتباين الصفة إذا التاء مهموسة مستقلة، والمطبق مجهور مستعل، فأبدل من التاء حرف استعلاء من مخرجها وهو الطاء.
تنبيه: إذا أبدلت الياء طاء بعد الطاء وجب الإدغام لاجتماع المثلين، وإذا أبدلت بعد الظاء في نحو اظَّلم ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: البيان فيقال اضطلم، والثاني: إدغام الظاء في الطاء فتقول اطلَّم بطاد مشددة، والثالث: أن تجعل موضع الطاء ظاء معجمة ثم تدغم فيقال اظّلم. وينشد بالأوجه الثلاثة قول زهير1: هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوًا ويظلم أحيانًا فيظطَلِم وإذا أبدلت بعد الصاد ففيه وجهان: البيان فيقال اصطبروا، والإدغام بقلب الثاني إلى الأول فيقال: اصبروا -بصاد مشددة. قال سيبويه: وحدثنا هارون أن بعضهم قرأ: "أَنْ يُصَّلحَا"2 يريد أن يصطلحَا.
وإذا أبدلت بعد الضاد فتلاثة أوجه: البيان والإدغام بوجهيه، فيقال اضطجع واضجع واطجع، وهذا الثالث، قال ابن هشام الخضراوي: هو نادر شاذ، وقد استثقل بعضهم اجتماع الضاد والطاء لما بينهما من التقارب، فقلب الضاد لامًا فقال: الطجع، وبالأوجه الأربعة ينشد قوله1: ..................... ... مال إلى أرطاة حقق فالطجع ...................... ... في ادَّان وازدد وادَّكر دالًا بقي يعني أنه إذا بنى الافتعال مما فاؤه دال نحو دَانَ، أو زاي نحو زاد، أو ذال نحو ذكر، وجب إبدال تائه دالًا فيقال: ادّان وازداد، وادَّكر، والأصل: ادتان، وازتاد، واذتكر، فاستثقل مجيء التاء بعد هذه الأحرف، فأبدلت دالًا. تنبيهات: الأول: إذا أبدلت تاء الافتعال دالًا بعد الدال وجب الإدغام، لاجتماع المثلين، فليس في ادَّان إلا وجه واحد. وإذا أبدلت دالًا بعد الزاي فوجهان: الإظهار والإدغام بقلب الثاني إلى الأول فيقال: ازّجَّر، ولا يجوز العكس؛ لأن الزاي لا تدغم فيما ليس من
مخرجها وإذا أبدلت دالًا بعد الذال فثلاثة أوجه: الإظهار، والإدغام بوجهيه فيقال: ازدكر، وادكر، واذكر، بذال معجمة. الثاني: مقتضى اقتصار النظم على إبدال تاء الافتعال طاء بعد الأحرف الأربعة المذكورة، ودالًا بعد الثلاثة أنها تقر بعد سائر الحروف ولا تبدل، وقد ذكر في التسهيل أنها تبدل ثاء بعد الثاء فيقال: أثرد -بثاء مثلثة- وهو افتعل من ثرد أو تدغم فيها الثاء فيقال: اترد -بتاء مثناة، وقال سيبويه: والبيان عندي جيد -يعني الإظهار، فيقال اثترد، ولم يذكر المصنف هذا الوجه، وذكر في التسهيل أيضًا أنها قد تبدل دالًَا بعد الجيم كقولهم في: اجتمعوا: اجدمعوا، وفي احتز: اجدز، قال الشاعر1: فقلت لصاحبي: لا تحبسانا ... بنزع أصوله واجدزّ شِيحًا وهذا لا يقاس عليه، وظاهر كلام المصنف في بعض كتبه أنه لغة لبعض العرب، فإن صح أنه لغة جاز القياس عليه. وهذا آخر ما ذكره الناظم من باب الإبدال وما يتعلق به من أوجه الإعلال. وقد علم مما ذكره أن الهمزة تبدل من ثلاثة أحرف وهي: الألف والواو والياء.
والياء تبدل من ثلاثة أحرف، هي: الهمزة والألف والواو. والواو تبدل من ثلاثة أحرف، وهي: الهمزة والألف والياء. والألف تبدل من ثلاثة أحرف، وهي الهمزة والواو والياء. والميم تبدل من النون، والتاء تبدل من حرفين وهما: الواو والياء. والطاء تبدل من التاء، والدال تبدل من الباء، على ما سبق ذكره من التفصيل. وقد تبدل بعض هذه الحروف من غير ما ذكر، وإنما قصد هنا ذكر الضروري، ولذلك لم يتكلم على إبدال الهاء مع أنه ذكرها في حروف البدل؛ لأن ذكر الهاء ليس بضروري؛ ولهذا قال في التسهيل: والضروري في التصريف هجاء "طويت دائمًا" وأسقط الهاء، وقد تقدم أول الباب الإعلام بأن حروف الإبدال الشائع اثنان وعشرون حرفًا، وهي المجموعة في قوله: "لجدٍّ صَرْفُ شَكس آمن طيَّ ثوب عزَّتِه" وأن الإبدال قد وقع في غيرها أيضًا، ولكنه ليس بشائع، وقد رأيت أن أذيل ما سبق ذكره باستيفاء الكلام على إبدال جميع الحروف على سبيل الإيجاز مرتبًا للحروف على ترتيبها في المخارج، فأقول وبالله التوفيق: الهمزة، أبدلت من سبعة أحرف، وهي الألف، والياء، والواو، والهاء، والعين، والغين، والخاء، أما إبدالها من أحرف اللين فمنه مطرد كإبدال الهمزة من الألف في حمراء ومن الواو في كساء ومن الياء في رداء، وقد تقدم بيانه مستوفًى. ومنه غير مطرد كإبدال الهمزة من الألف في الخاتم والعالم، وفي الواو في إشاح واحد، خلافًا للمازني في إشاح فإن إبدال الهمزة من الواو فيه مطرد عنده ومن الياء في قولهم: قطع الله أديه، في أسنانه ألل -أي: يلل وهي قصر الأسنان العليا، وقيل: انعطافها إلى داخل الفم. وأما إبدالها من الهاء وما بعدها فمقصور على السماع، فمثال إبدالها من الهاء قوله: ماء وأصله ماه، ومن العين قولهم: أباب بحر والأصل عباب بحر، ومن الخاء قولهم: صَرَأ. أي صرخ، حكاه الأخفش عن الخليل، ومن الغين
قولهم: رَأْنَة بمعنى رَغْنَة حكاه النضر بن شميل1 عن الخليل، وإبدالها من هذين الحرفين غريب جدًّا. الألف: أبدلت من أربعة أحرف، وهي الياء نحو باع، والواو نحو قال، والهمزة نحو كاس في كأس، والنون الخفيفة نحو {لَنَسْفَعًا} 2. والهاء أبدلت من خمسة أحرف، وهي: الهمزة نحو هياك في إياك وهو كثير، والألف كقوله من ها هنا ومن هُنْة أي من هنا، والواو في حرفين محتملين: أحدهما هنية تصغير هنة أصله هنيوة، ويحتمل أن تكون الهاء مبدلة من الياء المبدلة من الواو، والآخر: قولهم: يا هناء عند أبي الفتح، وفيه أقوال مشهورة، والياء في هذه وهنية على أحد الوجهين، والتاء في طلحة في الوقف على مذهب البصريين، وإبدال الهاء في جميع ذلك غير مطرد إلا في نحو طلحة. العين: أبدلت من حرفين: الحاء في قولهم: ضَبَعَ بمعنى ضبح والهمزة في نحو "عَنَّ زيدًا قائم" أعني أن زيدًا قائم، وهي عنعنة تميم. والغين: أبدلت من حرفين لخاء كقولهم: "غَطَر بيديه يغطر" بمعنى خطر يخطر حكاه ابن جني، والعين كقولهم: لَغَنَّ في لَعَنَّ. الحاء: أبدلت من العين قالوا: "ربح" في ربع، وذلك قليل. الخاء: أبدلت من حرف واحد، وهو الغين في قولهم: "الأخنّ" يريدون الأغنّ3 فقد وقع التكافؤ بينهما، وذلك في غاية القلة. القاف -أبدلت من حرف واحد وهو الكاف كقولهم: وقنة في وكنة الطائر- وهي مأواه من الجبل، حكاه الخليل.
والكاف -أبدلت من حرفين: القاف في قولهم "عربي كحّ" أي: قحّ، وفسر الأصمعي القح فقال: وهو الخالص من اللؤم، وإبدال الكاف من القاف أكثر من عكسه والتاء في قول الراجز1: يا ابن الزبير طالما عَصَيْكَا ... ....................... أي: عصيت. أنشده أبو علي. الجيم -أبدلت من الياء مخففة ومشددة، والأكثر كون الياء المبدل منها الجيم مشددة أو مسبوقة بعين، وهي عجعجة قضاعة. الشين: أبدلت من ثلاثة أحرف: كاف المؤنث في نحو أكرمتك قالوا: اكرمتش، والجيم، قالوا مدمش في مدمج قال2: إذ ذاك إذ حبل الوصال مدمش أي: مدمج، والسين قالوا: جعشوش في جعسوس، وهو القميء الذليل، يجمع بالمهملة دون المعجمة، وبذلك علم الإبدال.
الياء: وهي أوسع حروف الإبدال، ذكروا أنها أبدلت من ثمانية عشر حرفًا: وهي: الألف نحو دنينير في تصغير دينار، والواو نحو أعزيت وما يتصرف منه، والهمزة نحو بير في بئر، والهاء نحو دهديت في دهدهت، والسين في سادي وخامي ودساها وأصلها سادس وخامس ودسسها، والباء في الأراني والثعالي، والأصل الأرانب والثعالب، والراء في قيراط وشيراز عند بعضهم، والنون في أناسي وظرابي جمع إنسان وظربان وفي تظنيت وهو من الظن، والصاد في قصَّيت أظفاري والضاد في قولهم"1: ....................... ... تقضِّي البازِي إذا البازِي كَسَرْ واللام في أمليت وأصله أمللت، والميم في ائتميت وأصله ائتممت، والعين في ضفادي أي ضفادع، والدال في تصدية2، والتاء في ايتصلت، والثاء في الثالي أي: الثالث، والجيم في دياجي، وشيرة في شجرة، والكاف في مكاكي3.
والصاد: أبدلت من اللام في قولهم: رجل جصد -أي: جلد. اللام -أبدلت من حرفين- وهما النون في أصيلان والضاد في الطجع بمعنى اضطجع. والراء -أبدلت من اللام في قولهم: نثرة- بمعنى نثلة، ورعل بمعنى لعل. النون: أبدلت من ثلاثة أحرف: وهي اللام كقولهم لعن في لعل "ونابن فعلت كذا" في لا بل فعلت كذا، والميم كقولهم للحية: أيم وأين -بالنون والميم- حكاه الأصمعي، وقالوا: أسود قاتم وقاتن، والهمزة كقوله في النسبة إلى صنعاء وبهراء صنعاني وبهراني، وحكى الفراء: حنان في حناء، وهو الذي يخضب به. الطاء: أبدلت من حرفين: التاء في الافتعال بعد حروف الإطباق، وقد تقدم ذكره، والدال حكى يعقوب عن الأصمعي "قط الحرف" ومده والإبعاط في الإبعاد. والدال: أبدلت من أربعة أحرف: وهي التاء في الافتعال بعد الدال والذال والزاى والجيم في نحو اجدمعوا. والطاء كقولهم: المردى في المرطى وهو حيث يمرط الشعر حول السرة، والذال في قولهم: ذكر في جمع ذكرة. التاء: أبدلت من ستة أحرف وهي: الطاء في فستاط والأصل فسطاط كقولهم في الجمع: فساطيط دون فساتيط، والدال في قولهم: "ناقة تربوط" والأصل دربوط، أي: مذللة؛ لأنه من الدربة، والواو في "تراث وتُجاه" ونحوهما، والياء في ثنتين وكيت وذيت، والصاد في لصت والسين في ست1.
قال في التسهيل: وربما أبدلت من هاء السكت، ومثاله ما تأوله بعضهم في قوله1: العَاطِفُونَةَ حين ما من عَاطِفٍ ... .......................... أنه أراد العاطفونه -بهاء السكت، ثم أبدلها تاء وحركها للضرورة، ومثله بعضه بنحو "جنت ونعمت" لأنه جعل الهاء أصلًا. الصاد: أبدلت من السين في نحو "صراط". والزاى: أبدلت من السين نحو يزدل في يسدل، والصاد نحو يزدق في يصدق. والسين: أبدلت من ثلاثة أحرف: التاء في استخذ على أحد الوجهين وأصله اتخذ، والشين في نحو مشدود قالوا: مسدود، واللام في "استقطه" أي: التقطه، وهو في غاية الشذوذ. الظاء -لم أجد في إبدالها شيئًا.
الذال: أبدلت من الدال في قراءة من قرأ "فَشَرِّذْ بِهِمْ"1 بالمعجمة، وفيه احتمال، ومن الثاء في قولهم: "تلعذم الرجل" أي: تلعثم، إذا أبطأ في الجواب. الثاء: أبدلت من الفاء في مغثور وأصله مغفور، ومن الذال في قولهم في الجذوة من النار: جثوة. الفاء: أبدلت من الثاء في قولهم: "قام زيد فُمَّ عمرو" أي: ثم عمرو، حكاه يعقوب. وقولهم: "فوم" بمعنى ثوب، ومن الباء في قولهم "خذه بإفانه" أي بإبانه. الباء: أبدلت من الميم في قولهم: "با اسمك؟ " يريدون: ما اسمك؟ وهي لغة بني مازن، ومن الفاء قولهم: "البسكل" في الفسكل2. الميم: أبدلت من أربعة أحرف وهي: الواو في فم عند أكثرهم، والنون في نحو عمبر، والبنام في البنان، ومن الباء في قولهم: "ما زلت راتِمًا على هذا" أي: راتبًا، أي: مقيمًا، ويدل على البدل أنهم قالوا: رتب ولم يقولوا رتم، واللام التي للتعريف في لغة حمير. الواو: أبدلت من ثلاثة أحرف: الألف نحو ضويرب تصغير ضارب والياء نحو موقن، والهمزة نحو مومن. والله أعلم.
فصل: في الإعلال بالحذف
فصل: في الإعلال بالحذف فا أمرٍ أو مُضَارِعٍ منْ كَوَعَدْ ... احذف وفي كعدة ذاك اطرد اعلم أن الحذف وجه من وجوه الإعلال، وهو ضربان: مقيس، وشاذ. فالمقيس هو الذي تعرض لذكره في هذا الفصل، وهو ثلاثة أنواع: الأول: حذف الواو من مضارع ثلاثي فاؤه واو استثقالًا، لوقوعها ساكنة بين ياء مفتوحة وكسرة لازمه، كقولك في مضارع وعَد يَعد والأل يَوْعِد، وحذفت الواو لما ذكر، وحمل على ذي الياء أخواته، نحو أعد ونعد وتعد، والأمر نحو عد، المصدر الكائن على فعل -بكسر الفاء وسكون العين- نحو عدة فإن أصله وعد على وزن فعل، فحذفت فاؤه حملًا على المضارع، وحركت عينه بحركة الفاء وهي الكسرة؛ ليكون بقاء كسرة الفاء دليلًا عليها، وعوضوا منها تاء التأنيث؛ ولذلك لا يجتمعان. وتعويض التاء هنا لازم، وقد أجاز بعض النحوين حذفها للإضافة مستدلًا بقول الشاعر1: وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا يعني عدة الأمر، وهو مذهب الفراء، وخرجه بعضهم على أن عدا جمع عدوة أي: ناحية، وأخلفوك نواحي الأمر الذي وعدوا. تنبيهات: الأول: فهم من قوله "من كوعد" أن حذف الواو المذكورة مشروط بشروط: أولها: أن تكون الياء مفتوحة؛ فلا تحذف من يوعد مضارع أوعد، ولا من يوعد -مبنيًّا للمفعول، إلا ما شذ من قولهم: "يدع، ويذر"2 في لغة.
وثانيها: أن تكون عين الفعل مكسورة، فلو كانت مفتوحة نحو يوجل أو مضمومة نحو يوضُؤُ لم تحذف الواو، إلا ما شذ من قول بعضهم يجد. قال الشاعر1: لو شئتِ قد نقَعَ الفؤاد بشَرْبَةٍ ... تَدَعُ الصوادي لا يجدن غَلِيلًا وهي لغة عامرية. فإن قلت: قد جاء الحذف فيما عينه مفتوحة كيقع ويسع. قلت: ما يقع فإن ماضيه وقع -بالفتح- فقياس مضارعه يفعل -بالكسر- فعدل عن القياس، ففتحت عينه لأجل حرف الحلق فكان الكسر فيه مقدرًا، فحذفت الواو منه لذلك، وأما يسع فماضيه وسع -بالكسر- فقياس مضارعه الفتح فيقال: يوسع لكنه لما حذفت الواو منه دلّ ذلك على أنه كان مما يجيء على يفعل -بالكسر- نحو ومق يمق. وإلى هذا أشار في التسهيل بقوله: بين ياء مفتوحة وكسرة ظاهرة كيعد أو مقدرة كيقع ويسع، إلا أن في جعلها مقدرة تجوزًا. وثالثها: أن يكون ذلك في فعل، فلو كان في اسم لم تحذف الواو؛ لأن الحذف في الفعل إنما كان لاستثقال ذلك في ثقيل بخلاف الاسم، فعلى هذا تقول في مثال يقطين من وعد: يوعيد.
الثاني: فهم من قوله: "كعدة" أن حذف الواو من فعلة المشار إليها مشروط بشرطين: أحدهما: أن تكون مصدرًا كعدة، فلو كانت غير مصدرية لم تحذف واوها، إلا ما شذ، وذلك قولهم: رقة -للفضة- وحشة للأرض الموحشة، ولدة1، وفيها احتمال وهو أن تكون مصدرًا وصف به، ذكره الشلوبين. وقوله: في التسهيل: وربما أعل بذا الإعلال أسماء كرقة وصفات كلدة، فيه نظر؛ لأن مقتضاه وجود أقل الجمع من النوعين، أما الأسماء فقد وجد رقة، وحشة، وجهة، عند من جعلها أسماء، وأما الصفات فلا يحفظ فيها غير لدة، وقد أنكر سيبويه مجيء صفة على حرفين. وثانيهما: ألا تكون لبيان الهيئة، نحو الوعدة والوقفة، المقصود بهما الهيئة، فإنه لا يحذف منهما، وقد احترز عن هذا في الكافية بقوله: والفعلة الأصل احذف. الثالث: قد ورد إتمام فعلة -المصدر المذكور- وهو شاذّ، قالوا: وتره وترًا ووترة2 -بكسر الواو- وحكاه أبو علي في أماليه، وقال الجرمي: ومن العرب من يخرجه على الأصل، فيقول: وعدة، ووثبة ووجهة. قلت: أما وجهة فذهب المازني والمبرد والفارسي إلى أنه اسم للمكان المتوجه إليه، فعلى هذا لا شذوذ في إثبات واوه؛ لأنه ليس بمصدر، وذهب قوم إلى أنه مصدر، وهو الذي يظهر من كلام سيبويه، ونسب إلى المازني أيضًا، وعلى هذا فإثبات الواو فيه شاذ، قال بعضهم: والمسوغ لإثباتها فيه دون غيره من المصادر أنه مصدر غير جار على فعله، إذ لا يحفظ وَجَهَ يَجِهُ، فلما فقد مضارعه لم يحذف منه، إذ لا موجب لحذفها إلا حمله على مضارعه، ولا مضارع والفعل المستعمل
منه تَوَجَّه واتَّجه، والمصدر عليه التَّوَجُّهُ، فحذفت زوائده: وقيل: وجهة، ورجح الشلوبين القول بأنه مصدر، وقال: لأن وِجْهَة وَجِهَة -بمعنى واحد، ولا يمكن أن يقال في جهة أنها اسم للمكان، إذ لا يبقى للحذف وجه. الرابع: فهم من تخصيص هذا الحذف بما فاؤه واو، أن ما فاؤه ياء لاحظ له في هذا الحذف، إلا ما شذ من قول بعضهم يئس وهو مضارع يئس، وأصله ييئس، فحذف الياء، وشذ أيضًا يئس مضارع ييس، ثم انتقل إلى النوع الثاني فقال: وَحَذْفُ هَمْزِ أَفْعَلَ استمرَّ فِي ... مُضارِعٍ وَبِنْيَتَي مُتَّصِفِ مما اطرد حذفه أفعَلَ من مضارعه، واسمي فاعله ومفعوله، وإليهما الإشارة بقوله: "وبنيتي متصف" فتقول: أكرَم يُكرِم فهو مُكرِم ومُكرَم، وكان حق أفعل أن يجيء مضارعه على يؤفعل بزيادة حرف المضارعة على أول الماضي كما فعل في غيره من الأمثلة نحو: ضارب يضارب، وتعلم يتعلم، إلا أنه لما كان من حروف المضارعة همزة المتكلم حذفت همزة أفعل معها، لئلا يجتمع همزتان في كلمة واحدة، حمل على ذي الهمزة أخواته واسما الفاعل والمفعول. تنبيهان: فإنه أهل لأن يؤكرما الأول: لا يجوز إثبات هذه الهمزة على الأصل إلا في ضرورة أو كلمة مستندرة، فمن إثباتها في الضرورة قوله1:
وأنشد سيبويه1: وصاليات ككما يؤثفين قال: وإنما هي أثفيت، ووزن أثفيت على هذا أفعلت، والهمزة زائدة، وقال السيرافي: لا حجة فيه لاحتمال أصالة الهمزة فتكون أثفيت فعليت كسلقيت، وقد أجاز سيبويه في همزة أثفيت الأصالة والزيادة. والكلمة المستندرة قولهم "أرض مؤرنية" -بكسر النون- أي: كثرة الأرانب. وقولهم "كساء مؤنب" إذا خلط صوفه بوبر الأرانب، هذا على القول بزيادة همزة أرنب، وهو الأظهر. الثاني: لو أبدلت همزة أفعل هاء، كقولهم في أرق: هراق أو عينًا كقولهم في أنهل الإبل -عَنْهَل، لم تحذف لعدم مقتضى الحذف، فتقول: هراق يهريق فهو
مهريق ومهراق، وعنهل الإبل يعنهلها، فهو معنهل وهي معنهلة أي مهملة، ثم انتقل إلى النوع الثالث. ظلت وظلت في ظللت استعملا ... وقرن في اقررن وقرن نقلا قال في شرح الكافية: كل فاعل مضاعف على وزن فعل فإنه في إسناده إلى تاء الضمير ونونه يستعمل على ثلاثة أوجه؛ تامًّا نحو ظللت، ومحذوف اللام مفتوح الفاء ظلت، ومحذوف اللام مكسورة الفاء نحو ظلت. انتهى. وقد فهم من قوله فوائد: الأولى: أن هذا الحذف مطرد في كل فعل مضاعف على فعل. وإلى هذا ذهب الشلوبين وصرح سيبويه بأنه شاذّ، وأنه لم يرد إلا في لفظين من الثلاثي وهما: ظلت ومست، في ظللت ومسست، وفي لفظ ثالث من الزوائد على الثلاثة، وهو: أحست في أحسست، وممن ذهب إلى عدم اطراده ابن عصفور، وحكى في التسهيل: أن الحذف لغة سليم، وبذلك يُردّ على ابن عصفور. الثانية: مقتضى قوله على فعل، اختصاص هذا الحذف بمكسور العين، وقد عمم في التسهيل فشمل المفتوح والمكسور، وقد حكى ابن الأنباري: الحذف في لفظه من المفتوح، وهو: همت في هممت. الثالثة: مقتضى قوله: على فعل أيضًا اختصاص ذلك بالثلاثي، وكلامه في التسهيل يشمل الزائد على ثلاثة، وتقدم تمثيله بأحست. الرابع صرح بأن المحذوف في ظَلْت وظِلت لام الكلمة، وصرح في التسهيل بأن المحذوف العين، وهو ظاهر كلام سيبويه. فإن قلت: ما وجه فتح الفاء وكسرها؟ قلت: وجه فتحها إبقاء حركتها؛ لأنها مفتوحة في الأصل، ووجه كسرها نقل حركة العين إليها، وذكر أبو الفتوح: أن كسر الظاء من ظلت لغة أهل الحجاز، وفتحها لغة بني تميم، وقوله: "وقِرْنَ في اقْرِرنَ".
يعني: أن هذا الحذف قد جاء في الأمر أيضًا بشرط أن تكون عينه مكسورة، وقرأ أكثر القراء: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} 1 وهو من قررت بالمكان أقر به، بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل، فلما أمر منه اجتمع مثلان أولهما مكسور، فحسن الحذف كما فعل بالماضي. فإن قلت: فهل يطرد الأمر؟ قلت: قال في الكافية: وقرن في اقررن وقس معتضدا. وذكر غيره أن ذلك لا يطرد، وهو ظاهر التسهيل فإنه قال: وربما أفعل ذلك بالأمر والمضارع، وزاد فيه المضارع ومثاله يقرن في يقررن، وذكر ذلك في شرح الكافية قال: وكذا يستعمل في نحو يقررن واقررن فيقال فيهما: يقرن وقرن، لكن فتح الفاء في هذين وشبههما غير جائز، انتهى. وقال الشارح: الضابط في هذا النحو أن المضارع على يفعل إذا كان مضاعفًا سكن الآخر، ولاتصاله بنون الإناث فجاز تخفيفه بحذف عينه ونقل حركتها إلى الفاء، وكذلك الأمر منه تقول في يقررن يقرن وفي اقررن قرن، وقوله: "وقرن نقلا" يعني: بفتح القاف، وهو قراءة نافع وعاصم، وهو أمر من قررن بالمكان أقر به -بكسر الماضي وفتح المضارع، وهي لغة فصيحة ثابتة لا يقبل قول من أنكرها، فلما أمر منه اجتمع مثلان أولهما مفتوح، ففعل به من حذف عينه ما فعل بأحست وهو نادر لا يقاس عليه؛ لأن هذا الحذف إنما هو للمكسور. تنبيهات: الأول: ذهب بعضهم إلى أن قرن -على قراءة الكسر- مر من الوقار، يقال: وقر يقر، فيكون قرن محذوف الفاء مثل عدن، ورجح الأول لتتوافق القراءتان، وذهب بعضهم إلى أن قرن، على قراءة الفتح، أمر من قار يقار. الثاني: أجاز في الكافية وشرحها إلحاق المضموم العين بالمكسور، فأجاز في اغضضن أن يقال: غُضْنَ، واحتج بأن فك المضموم أثقل من فك المكسورة، وإذا كان فك المفتوح قد فر منه إلى الحذف في قرن -المفتوح القاف- ففعل ذلك بالمضموم أحق بالجواز، قال: ولم أره منقولًا.
فصل: في الإدغام
فصل: في الإدغام يعني: الإدغام اللائق بالتصريف كما قيده في الكافية. والإدغام. لغة: الإدخال، والإدغام -بالتشديد- افتعال منه، وهي عبارة سيبويه. وقال ابن يعيش: الإدغام -بالتشديد- من ألفاظ البصريين، والإدغام -بالتخفيف- من ألفاظ الكوفيين. وحده اصطلاحًا: أن تأتي بحرفين ساكن ومتحرك من خرج واحد بلا فصل، ويكون في المثلين وفي المتقاربين، وفي كلمة وفي كلمتين، وهو باب مُتَّسع. واقتصر الناظم في هذا الفصل على ذكر إدغام المثلين المحركين في كلمة. ولا بد من تتميم الفائدة باستيفاء الكلام على إدغام المثلين. فأقول: إذا التقى المثلان، فالتقاؤهما على ثلاثة أضرب: الضرب الأول: أن يسكن أولهما ويتحرك ثانيهما نحو "اضرب بكرًا" فهذا يجب إدغامه بثلاثة شروط: أولها: ألا يكون أول المثلين هاء سكت، فإنه لا يدغم لأن الوقف على الهاء منوي، وقد روي عن ورش إدغام {مَالِيَهْ، هَلَكَ} 1 وهو ضعيف من جهة القياس. وثانيها: ألا يكون همزة منفصلة عن الفاء نحو "إكلأ أحمد" فإن الإدغام في ذلك رديء، بل يلزم تحفيف إحداهما، فلو كانت الهمزة متصلة بالفاء وجب الإدغام نحو سآل.
وثالثها: ألا يكون مدة في آخر أو مبدلة من غيرها دون لزوم، فإن كان مدة في آخر لم تدغم نحو: يعطي ياسر، ويغزو واقد، لئلا يذهب المد بالإدغام، فإن لم يكن في آخر وجب الإدغام نحو مغزو أصله مغزوو على وزن مفعول، واغتفر ذهاب المد في هذه لقوة الإدغام فيه، وإن كانت مبدلة من غيرها دون لزوم لم يجب الإدغام، بل يجوز إن لم يلبس نحو {أَثَاثًا وَرِئْيًا} 1 في وقف حمزة، وممتنع إن ألبس نحو قوول بناء ما لم يسم فاعله من قاول؛ لأنه لو أدغم لالتبس بفعل فإن كانت المدة مبدلة من غيرها إبدالًا لازمًا وجب الإدغام نحو أوب وهو مثال أبلم من الأوب أصله أأوب، فقلب ثاني الهمزتين واوًا لسكونها بعد ضمة، ثم أدغم وجوبًا للزوم الإبدال. الضرب الثاني: أن يتحرك أولهما ويسكن ثانيهما فهذا لا يجوز فيه إدغام؛ لأن من شرط الإدغام تحرك المدغم فيه، ومثال ذلك في كلمة ضللت، وفي كلمتين: رسول الحسن. الضرب الثالث: أن يتحركا، فإن كان من كلمتين جاز الإدغام بشرطين: أحدهما: ألا يكونا همزتين نحو: "قرأ آية" فإن الإدغام في الهمزتين رديء. والآخر: ألا يكون الحرف الذي قبلها ساكنًا غير لين نحو: "شهر رمضان" فإن هذا لا يجوز إدغامه عند جمهور البصريين، وقد روي عن أبي عمر إدغام ذلك، وتأولوه على إخفاء الحركة، وأجاز الفراء إدغامه. وإن كانا من كلمة واحدة فهو الذي تعرض الناظم لبيانه في قوله: أول مثلين محركين في ... كلمةٍ ادغم........... "فأمر بإدغام أول المثلين المحركين"2 فشمل ذلك الأفعال نحو رد وظن ولب، أصلها ردد وظنن ولبب، والأسماء نحو صب وضب، أصلهما فعل، بالكسر، فالإدغام في ذلك واجب بستة شروط:
الأول: ألا يتصدرا نحو "ددن"1 فمثل ذلك لا يجوز إدغامه، لتعذر الابتداء بالساكن، قال المصنف في بعض كتبه: إلا أن يكون أولهما تاء المضارعة فقد تدغم بعد مدة أو حركة نحو {وَلَا تَيَمَّمُوا} 2 {تَكَادُ تَمَيَّزُ} 3 انتهى. ويجوز أيضًا الإدغام في الفعل الماضي إذا اجتمع فيه تاءان، والثانية أصلية نحو تتابع، ويؤتى بهمزة الوصل فيقال: اتّابَع، ولم يذكر هنا هذا الشرط وقد ذكر في الكافية وغيرها. الثاني: ألا يكون ماهما فيه اسما على فعل نحو صفف4 أو فعل نحو ذُلُل -جمع ذلول- أو فعل نحو كلل -جمع كلة، أو فعل نحو لبب، فكل ذلك لا يجوز إدغامه. وإلى هذا أشار بقوله: "لا كَمِثْلِ صُفف. وذلل وكلل ولبب". فإن قلت: ما علة منع إدغام هذه الأمثلة؟. قلت: أما الثلاثة الأولى فلأنها مخالفة للأفعال في الوزن، والإدغام فرع في الإظهار، فخص بالفعل لفرعيته، وتبع الفعل ما وازنه من الأسماء دون ما لم يوازن. وأما الرابع: فإنه موازن للفعل، ولكنه لم يدغم لخفته، وليكون منبّهًا على فرعية الإدغام في الأسماء، حيث أدغم موازنه في الأفعال نحو رَدَّ فيعلم بذلك ضعف سبب الإدغام فيه وقوته في الفعل. واعلم أنه يمتنع الإدغام أيضًا فيما وازن أحد هذه الأمثلة بصدره لا بجملته نحو: خُشَشَاء -لعظم خلف الأذن- فإنه موازن بصدره لفعل نحو صفف، ونحو: رددان، وهو مثال سلطان من الرد، فإنه موازن بصدره لفعل نحو ذلك، ونحو: حببة جمع حب فإنه موازن بصدره لفعل نحو: كلل، ونحو: الدَّجَجَان مصدر دَجَّ
بمعنى دَبّ، فإنه موازن بصدره لفعل نحو: لبب، ولو بنيت من الرد مصل غطفان قلت: رددان -بالفك- هذا مذهب الخليل وسيبويه، وخالف الأخفش فقال: ردان -بالإدغام- ووجه أن الألف والنون بزيادتهما التزم تحريم الدال التي تليهما، فثقل توالي الفتحتين، فأدغم تخفيفًا وصار في ذلك نظير الفعل في الثقل نحو رد، بل هو أولى بالإدغام من الفعل؛ لأن حركة الدال الأخيرة في الفعل ليست بلازمة والصحيح ما ذهب إليه الخليل وسيبويه لأنه هو الذي ورد به السماع. فإن قلت: كان ينبغي أن يستثنى مثالًا خامسًا يمتنع فيه الإدغام وهو فعل نحو إبل؛ لكونه مخالفًا لأوزان الأفعال. فلو بنيت من الرد مثل إبل قلت: رِدِد، بالفك، قلت: العذر له في عدم استثنائه أنه بناء لم يكثر في الكلام، ولم يسمع في المضاعف، وقد استثناه في بعض نسخ التسهيل. واعمل أن أوزان الثلاثي التي مكن فيها اجتماع مثلين متحركين لا تزيد على تسعة، وقد سبق ذكر خمسة منها، وبقيت أربعة، منها واحد مهمل فلا كلام فيه، وهو فعل -بكسر الفاء وضم العين- وثلاثة مستعملة وهي: فعل نحو كتف، وفعل نحو عضد، وفعل نحو دئل. فإذا بنيت من الرد مثل كتف أو عضد قلت: رد -بالإدغام- لأنهما موافقان لوزن الفعل، وليسا في خفة فعل نحو لبب، هذا مذهب الجمهور، وخالف ابن كيسان فقال: رَدِدٌ ورَدُدٌ بالفك. وإذا بنيت من الرد مثل دئُِل قلت: ردُِد -بالفك- ومن رأى أن فعل أصل في الفعل ينبغي أن يدغم، وقياس مذهب ابن كيسان الفك، بل هو في هذا أولى. والثالث: ألا يتصل بأول المثلين مدغم فيه، وإليه أشار بقوله: "ولا كَجُسَّس" وهو جمع جاس، فإن فيه مثلين متحركين ولم يدغم أولهما في الثاني؛ لأن قبلهما مثل آخر مدغمًا في أول المتحركين، فلو أدغم المدغم فيه التقى الساكنان وبطل الإدغام السابق.
الرابع: ألا يعرض تحريك ثانيهما، وإليه الإشارة بقوله: "ولا كأخصص أبي" فهذا فيه مثلان متحركان ولم يدغم؛ لأن حركة الثاني عارضة، إذ هي حركة النقل والأصل اخصص -بالإسكان- فنقلت حركة الهمزة إلى الساكن فلم يعتد بها، لعروضها. والخامس: ألا يكون ما هما فيه ملحقًا بغيره، وإليه الإشارة بقوله: "ولا كهيلل" وذلك نوعان؛ أحدهما: ما حصل فيه الإلحاق بزائد قبل المثلين نحو "هيلل" إذا قال لا إله إلا الله؛ لأن لامي هيلل متحركان في كلمة ولا سبيل إلى إدغام أولهما في الثاني، لأن قبلهما مزيدًا للإلحاق بدحرجة وهو الياء فامتنع الإدغام لئلا تفوت "المماثلة"1. والآخر: ما حصل فيه الإلحاق بأحد المثلين نحو جلبب؛ لأن إحدى باءيه مزيدة للإلحاق بدحرجة فامتنع الإدغام، لاستلزامه فوات ما قصد من الإلحاق. والسادس: ألا يكون مما شذت العرب في فكه اخيارًا، وهي ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها، وإلى هذا أشار بقوله: ....... وَشَذَّ في أَلِلْ ... وَنَحْوِهِ فَكُّ بِنقْلِ فَقُبِلْ وهذه الألفاظ "ألل السقاء" إذا تغيرت رائحته، والأسنان إذا فسدت، والأذن إذا رقت، و"دبب الإنسان" إذا نبت الشعر في جبينه، و"صكك الفرس" إذا اصطكت عرقوباه، و"صببت الأرض" "إذا كثر ضبابها"، و"قطط الشعر" إذا اشتدت جعودته و"لَحِحَتِ العين أو لخِخَت" إذا التصقت بالرمص و"مِشَشَت الدابة" إذا شخص في وظيفها حجم دون صلابة العظم، و"عززت الناقة" إذا ضاق إحليلها وهي مجرى لبنها، فشذوذ ترك الإدغام في هذه كشذوذ ترك الإعلال في نحو القَودَ ونحوه.
وقد شذ الإظهار أيضًا في كلمات من الأسماء منها قولهم: "رجلٌ ضَفِفُ الحال"1 و"مُحَبَب" وحكى أبو زيد "طعام قضض" إذا كان فيه يُبس، ولا يجوز القياس على شيء من هذه المفكوكات، وما ورد من ذلك في الشعر عد من الضرورات كقول أبي النجم2: الحمد لله العلي الأجلل ... ..................... وَحَييِ افكُك وادَّغِم دُونَ حذر ... كذاك نحو تتجلى واستتر يعني أن الفك والإدغام جائزان في هذه المواضع الثلاثة: الأول: ما عينه ولامه ياءان لازم تحريكهما نحو "حي" و"عي"، فمن أدغم نظر إلى أنهما مثلان في كلمة وحركة ثانيهما لازمة، وحق ذلك الإدغام لاندراجه في الضابط المتقدم، ومن أظهر نظر إلى أن اجتماع المثلين في باب حَيَى كالعارض لكونه مختصا بالماضي دون المضارع والأمر، والعارض لا يعتد به غالبًا.
فإن قلت: أي الوجهين أكثر في كلامهم؟. قلت: الفك، نص على ذلك النحويون وكلاهما "فصيح"1. وقرأ بهما في التواتر، ولعل الناظم قدم الفك لكثرته. تنبيه: لو كانت حركة الياء الثانية عارضة نحو "لن يَحييَ، ورأيت مُحْيِيًا". لم يجز الإدغام، وأما قوله2: وكأنها بين النساء سبيكة ... تمشي بسدة بيتها فَتُعِيُّ فشاذ لا يقاس عليه، وأجازه الفراء. الثاني: نحو تتجلى، قال الشارح: كل ما فيه تاءان مثل تتأنى تتجلى فهذا قياسه الفك لتصدر المثلين، ومنهم من يدغم فيسكن أوله ويدخل همزة الوصل فيقول: تجلى، وقال في شرح الكافية: إذا أدغمت فيما اجتمع في أوله تاءان زدت همزة وصل تتوصل بها إلى النطق بالتاء المسكنة للإدغام فقلت في تتجلى اتّجلى، انتهى. وفي هذا نظر؛ لأن تتجلى فعل مضارع، واجتلاب همزة الوصل لا يكون في المضارع، والذي ذكره غيره من النحويين أن الفعل المفتتح بتاءين إن كان ماضيًا نحو تتبع وتتابع، جاز فيه الإدغام واجتلاب همزة الوصل.
فيقال: اتَّبَّعَ واتّابَعَ، وإن كان مضارعًا نحو تتذكر لم يجز فيه الإدغام إن ابتدئ به، لما يلزم من اجتلاب الهمزة وهي لا تكون في المضارع، بل يجوز تخفيفه بحذف إحدى التاءين، وسيأتي، وإن وصل بما قبله جاز إدغامه بعد متحرك أو لين نحو: "تكاد تميز" "ولا تيمموا" لعدم الاحتياج في ذلك إلا اجتلاب همزة الوصل، والله أعلم. الثالث: نحو استتر، وهو كل فعل على افتعل اجتمع فيه تاءان، فهو أيضًا يجوز فيه الفك، وهو قياسه، لبناء ما قبل المثلين على السكون، ويجوز فيه الإدغام بعد نقل حركة أول المثلين إلى الساكن، فتقول: ستر يستر ستار. تنبيهات: الأول اعلم أن الإدغام في استتر ونحوه يوجب طرح همزة الوصل من أوله لتحرك الساكن بحركة النقل، فلذلك قيل فيه ستر. الثاني: إذا أوثر الإدغام صار اللفظ به كلفظ ستر الذي وزنه فعل -بتضعيف العين- ولكن يمتازان بالمضارع والمصدر؛ لأنك تقول في مضارع الذي أصله افتعل يستر -بفتح أوله- وأصله يستتر، فنقل وأدغم. وتقول في مضارع الذي وزنه فعّل يسَتّر -بضم أوله، وتقول في مصدر الذي أصله افتعل: ستارًا، وأصله استتارًا، فلما أريد الإدغام نقلت الحركة فطرحت الهمزة، وتقول في مصدر الذي وزنه فعل تستيرًا على وزن تفعيل. الثالث: يجوز في استتر ونَحوه إذا أدغم وجه آخر، وهو أن يقال: ستر -بكسر فائه- على أصل الساكنين، وذلك أن الفاء ساكنة وحين "قصد"1 الإدغام سكنت التاء الأولى، فالتقى ساكنان فكسر أولهما على أصل التقاء الساكنين، ويجوز على هذه اللغة كسرة التاء إتباعًا لفاء الكلمة فتقول: ستر وقتل والمضارع واسم الفاعل واسم المفعول مبنية على ذلك إلا أن اسم الفاعل يشبته بلفظ اسم المفعول على لغة من كسر التاء إتباعًا، فيصير مشتركًا كمختار، ويتوقف على قرينة.
الرابع: ما ذكر في هذا البيت كالمستثنى من الضابط المتقدم، فإن حي مندرج فيه فكان حقه الإدغام على سبيل اللزوم فاستثناه ليعلم أنه ذو وجهين، وكذلك استتر، وأما نحو تتجلى فلم يندرج في الضابط المتقدم لتصدر المثلين فيه. والله أعلم. وما بتاءين ابْتُدِي قد يُقتصر ... فيه عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ العِبر إذا اجتمع في أول الفعل المضارع تاءان جاز حذف أحدهما نحو "تبين العبر" وأصله تتبين الأولى تاء المضارع والثانية تاء تفعل، وعلة الحذف أنه لما ثقل عليهم اجتماع المثلين، ولم يكن سبيل إلى الإدغام لما يؤدي إليه من اجتلاب همزة الوصل، وهي لا تكون في المضارع، عدلوا إلى التخفيف بحذف إحدى التاءين. تنبيهات: الأول: هذا الحذف كثير جدًّا، ومنه في القرآن مواضع كثيرة نحو: {لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 1 {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} 2. الثاني: أبهم في قوله: أحدهما فمذهب سيبويه والبصريين أن المحذوف التاء الثانية؛ لأن الاستثقال بها حصل، ولأن الأولى دالة على المضارعة، وقد صرح بذلك في التسهيل فقال: والمحذوفة هي الثانية لا الأولى خلافًا لهشام يعني: أن مذهب هشام أن المحذوفة هي الأولى، ونقله غيره عن الكوفيين. الثالث: أطل في قوله: "وما بتاءين ابتدي" وهذا إنما هو في المضارع؛ لأنه الذي يتعذر فيه الإدغام، وأما الماضي فيه تتابع، فلا يتعذر فيه الإدغام. الرابع: ما ذكر من تعذر الإدغام في المضارع، إنما هو في الابتداء لا في الوصل كما سبق بيانه في الكلام على نحو تتجلى. الخامس: قوله في شرح الكافية: قد يقال في مثل تتعلم استثقالًا لتوالي المثلين متحركين وللإدغام المحوج إلى زيادة همزة الوصل، قد يوهم أن الإدغام في
ذلك جائز، وإن كان مستثقلًا كما يجوز إبقاء المثلين متحركين في ذلك، وكذلك قول الشارح هربًا، إما من توالي مثلين متحركين وإما من إدغام محوج إلى زيادة "همزة"1 الوصل، وقد صرح في التسهيل بما يدفع هذا التوهم فقال: وقد يحذف تخفيفًا المتعذر إدغامه لسكونه الثاني "كاستخذ" في الأظهر أو لاستثقاله بتصدر المدغم كتنزل. السادس: قد يفعل هذا التخفيف بالحذف فيما تصر فيه نونان، ومن ذلك ما حكاه أبو الفتح من قراءة بعضهم: {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} 2 قال في شرح الكافية: في هذه القراءة دليل على أن المحذوفة من تاءي تتنزل حين قال: "تنزل" إنما هي الثانية؛ لأن المحذوفة من نوني "نزل" في القراءة المذكورة إنما هي الثانية. قال الشارح: ومنه على الأظهر قوله تعالى: "وكذلك نُجِّي المؤمنين"3 في قراءاة ابن عامر وعاصم، أصله نُنَجِّي، ولذلك سكن آخره. وَفُكّ حيثُ مُدْغَمٌ فِيهِ سَكَنْ ... لِكَونِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ إذا سكن آخر الفعل المدغم فيه لاتصاله بضمير الرفع وجب الفك؛ لأن ثاني المثلين قد سكن فتعذر الإدغام، والمراد بضمير الرفع تاء الضمير ونا ونون الإناث نحو رددت، ورددنا، ورددن، وقد مثل بقوله: "نحو حللت ما حللته". تنبيه: فك الإدغام في ذلك واجب عند جمهور العرب، قال في التسهيل: والإدغام قبل الضمير لُغيّة، قال سيبويه: وزعم الخليل أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون ردَّنَا ومَرَّنَا ورَدَّت، وهذه لغة ضعيفة، كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول النون والتاء، وأبقوا اللفظ على حاله، وحكى بعض الكوفيين في ردّن ردن -يزيد نونًا ساكنة قبل نون الإناث ويدغمها فيها؛ لأن نون الإناث لا يكون ما قبلها إلا ساكنًا، وحكى بعضهم في ردّت ردّات، وهي في غاية الشذوذ، ووجهه أن هذه التاء لا يكون ما قبلها إلا ساكنًا، وحافظ على بقاء الإدغام فزاد ألفًا قبلها.
............... وفي ... جَزْمٍ وشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْييرٌ قُفِي يعني: أن المدغم فيه إذا سكن جزمًا أو وقفًا، وهو المراد بشبه الجزم، جاز فيه الفك والإدغام نحو لم يحلل ولم يحل، واحلل وحل، والفك لغة أهل الحجاز، والإدغام لغة بني تميم، وقيل: لغة غير أهل الحجاز، وإنما أدغم بنو تيم اعتدادًا بتحرك الساكن في بعض الأحوال نحو: اردد القوم ولم يردد القوم. تنبيهات: الأول: إنما جعل سكون الأمر في نحو احلل يشبه الجزم؛ لأن الأمر يعامل آخره معاملة المضارع المجزوم. الثاني: يعني بالتخيير استواء الوجهين في الجواز، فالمتكلم متخير في اتباع أيهما شاء، وليس المراد استواؤهما في الفصاحة؛ لأن الفك لغة أهل الحجاز وبها جاء القرآن غالبا كقوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} 1 {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} 2 {وَلَا تَمْنُنْ} 3 {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} 4 وجاء على لغة تميم قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكوفيين {مَنْ يَرْتَدَّ} 5 في المائدة وقراءة السبعة {وَمَنْ يُشَاقِّ} 6. الثالث: إذا أدغم في الأمر على لغة تميم وجب طرح همزة الوصل، لعدم الاحتياج إليها، وحكى الكسائي أنه سمع في الأمر من عبد القيس أرد وأغض وأمر، بهمزة الوصل، ولم يحك ذلك أحد من البصريين. الرابع: إذا اتصل بالمدغم فيه واو جمع، نحو ردوا، أو ياء مخاطبة نحو ردي، أو نون تأكيد نحو ردن، أدغم الحجازيون وغيرهم من العرب، كذا قالواه، وعللوه أن الفعل حينئذ مبني على هذه العلامة فليس تحريكه بعارض.
الخامس: التزم المدغمون فتح المدغم فيه قبل هاء غائبة نحو: "رُدّها ولم يَرُدّها" والتزموا ضمة قبل هاء غائب نحو "رده ولم يرده" قالوا: لأن الهاء خفية، فلم يعتد بوجودها، فكأن الدال قد وليها الألف والواو نحو "ردا وردوا" وحكى الكوفيون "ردها" -بالضم والكسر، ورده -بالكسر والفتح- وذلك في المضموم الفاء، وذكر ثعلب الأوجه الثلاثة قبل هاء الغائب، وغلط في تجويزه الفتح، وأما الكسر فالصحيح أنه لغة، سمع الأخفش من ناس بني عقيل: مدة وعضة، والتزم أكثرهم بالكسر قبل ساكن فقالوا: "رد القوم" بالكسر؛ لأنها حركة التقاء الساكنين في الأصل، ومنهم من فتح وهم بنو أسد قال1: فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ ... فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا وأما الضم فقال في التسهيل: ولا يضم قبل ساكن بل يكسر وقد يفتح انتهى. وحكى ابن جني الضم أيضًا، وهو قليل. فإن لم يتصل بالفعل هاء الغائبة أو هاء الغائب أو الساكن، ففيه ثلاث لغات: الفتح مطلقًا نحو رد وفر وعض، وهي لغة أسد وناس غيرهم، والكسر
مطلقًا نحو رُدِّ وفِرّ وعَضِّ، وهي لغة كعب ونمير، والإتباع لحركة الفاء نحو رُدُّ وفِرِّ وعضِّ، وهذا أكثر "في كلامهم"1. لما ذكر جواز الفك والإدغام في المجزوم وشبهه وهو الأمر استدرك بيان حكم أفعل في التعجب فقال: وَفُّك أفعِل في التَّعَجُّب التُزِمْ ... والتُزِمَ الإدْغَامُ أيضًا فِي هَلُمّ فإنه قد التزم الجميع فكه. قال في شرح الكافية: مفكوك بإجماع. قلت: كأنه يعني إجماع لعرب، فإن إدغامه غير مسموع في كلامهم وإنما المسموع الفك كقوله2: وَقالَ نَبِيُّ المُسْلِمِينَ تَقَدَّموا ... وَأحْبِبْ إِلَينا أَن نَكونَ المُقَدَّما وإن أراد إجماع النحويين فليس كذلك؛ لأن بعض النحويين حكى عن الكسائي إجازة إدغامه، وأما هلم فإدغامه لازم بإجماع. تنبيهات: الأول: اختلف العرب في "هلُمّ" فهي عند الحجازيين اسم فعل بمعنى أحضر أو أقبل، وهي عند بني تميم فعل أمر لا يتصرف ملتزم إدغامه، وإنما ذكر هنا باعتبار فعليتها، وقد استعمل لها مضارعًا من قيل له هلم فقال: لا أهلم. الثاني: التزموا أيضًا فتح "ميم هلم"3 وحكى الجرمي فيه الفتح والكسر عند بعض بني تميم، "وإذا اتصل بهاء غائب نحو: هلمه لم يضم بل يفتح وكذا يفتح أيضا إذا اتصل به ساكن نحو هلم الرجل"4.
"الثالث: تكون هلّم عند بني تميم"1 فعلا اتصلت بها الضمائر المرفوعة البارزة، وأكدت بنون التوكيد فيقال: هلما وهلموا وهلمي -بضم الميم قبل الواو وتكسر قبل الياء، فإذا اتصل بها نون الإناث فالقياس هَلْمُمْنَ، وزعم الفراء: أن الصواب هلمَّنّ -بفتح الميم، وزيادة نون ساكنة بعدها وقاية لتفح الميم، ثم تدغم النون الساكنة في نون الضمير، وحكي عن أبي عمرو أنه سمع من العرب هلمين يا نسوة -بكسر الميم مشددة وزيادة ساكنة بعدها قبل نون الإناث، وحكى عن بعضهم هلمن -بضم الميم- وهو شاذ، وعلى لغة بني تميم بني أبو الطيب قوله2: قَصَدْنَا لَه قَصْدَ الْحَبِيبِ لِقَاؤُهُ ... إِلَيْنَا وَقُلْنَا للسيوفِ هَلُمَّنَا فأكدها بالنون الشديدة. الرابع: ذهب بعض النحويين إلى أن "هلم" في لغة تميم اسم غلب فيه جانب الفعلية واستدل بالتزامهم فتح ميمها والإدغام، ولو كانت فعلًا لجرت مجرى رد في جواز الضم والكسر والإظهار، وأجيب بأن التزام أحد الجائزين لا يخرجها عن الفعلية، والتزام أحد الجائزين في كلامهم كثير. الخامس: نقل بعض النحويين الإجماع على أن "هلم" مركبة، قلت: وفي البسيط: ومنهم من يقول ليست مركبة. وفي كيفية التركيب خلاف، قال البصريون: مركبة من "ها" التنبيه ومن "لم" التي هي فعل أمر من قولهم: "لم الله شعثه" أي: جمعه، كأنه قيل: اجمع نفسك إلينا فحذفت ألفها تخفيفًا، ونظرًا إلى أن أصل لام "لم" السكون.
وقال الخليل: ركبا قبل الإدغام، فحذفت الهمزة للدرج، إذا كانت همزة وصل وحذفت الألف لالتقاء الساكنين، ثم نقلت حركة الميم الأول إلى اللام، وأدغمت، وقال الفراء: مركبة من "هل" التي للزجر، و"أم" بمعنى اقصد، فخففت الهمزة بإلقاء حركتها إلى الساكن قبلها فصار "هلم" ونسب بعضهم هذا القول إلى الكوفيين، وقول البصريين أقرب إلى الصواب. والله سبحانه أعلم. ولما أنهى الكلام على ما قصد في فصل الإدغام وهو آخر ما يذكر فيه التصريف قال على سبيل التعريف: وَمَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ قَد كَمَلْ ... نَظْمًا عَلَى جُلِّ الْمُهِمّات اشْتَمَلْ أَحْصَى مِن الكَافِية الخُلَاصَهْ ... كَمَا اقْتَضَى غِنىً لا خَصَاصَهْ فأخبر بانتهاء ما قصد جمعه في هذا النظم، واشتماله على أعظم المهمات من هذا العلم، يقال: "عُنِيَ بكذا" أي اهتم به، والأفصح بناؤه للمفعول وبناؤه للفاعل لُغيّة حكاها في اليواقيت، وأنشد عليها: عانِ بَأخْراهَا طويلُ الشُّغْلِ ثم ختم الكلام بحمد الله والصلاة على نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال: فَأَحْمَدُ الله مُصَلِيًا عَلَى ... مُحَمّد خَيْر نَبِي أُرْسِلَا وآله الغُرِّ الكِرَامِ البرَرَه ... وَصَحْبِهِ الْمنْتَخَبِينَ الْخِيَرَهْ تم الكتاب بعناية الملك الوهاب، والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام، المرسلين وعلى آهل والصحابة أجمعين.
الفهارس
الفهارس محتويات المجلد الثالث: الصفحة الموضوع 1101 الجزء الرابع 1103 أسماء لازمت النداء 1110 الاستغاثة 1120 الندبة 1126 الترخيم 1150 الاختصاص 1153 التحذير والإغراء 1159 أسماء الأفعال والأصوات 1170 نونا التوكيد 1189 ما لا ينصرف 1228 إعراب الفعل 1265 عوامل الجزم 1295 فصل "لو" 1305 فصل "أما، ولولا، ولوما" 1311 الإخبار بالذي والألف واللام 1318 العدد
الصفحة الموضوع 1327 تمييز المركب 1335 كم، وكأين، وكذا 1346 الحكاية 1351 الجزء الخامس 1353 التأنيث 1362 المقصور والممدود 1366 كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا 1377 جمع التكسير 1419 التصغير 1443 النسب 1469 الوقف 1491 الإمالة 1508 التصريف 1550 فصل في زيادة همزة الوصل 1559 الجزء السادس 1561 الإبدال 1593 فصل "إذا اعتلت لام فَعْلى" 1596 فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلهما"
الصفحة الموضوع 1605 فصل "إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح" 1618 فصل "إذا كان فاء الافتعال حرف لين" 1631 فصل في الإعلال بالحذف 1638 فصل في الإدغام 1653 محتويات المجلد الثالث
فهرست الأبيات والشواهد
فهرست الأبيات والشواهد: الصفحة الشاهد "حرف الهمزة": 503 من له شولا فإلى إئلائها............................ 531 وأعلم أن تسليما وتركا للا متشابهان ولا سواء 655 لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زمر الأعداء 690 حشى رهط النبي فإن منهم بحورا لا يكدرها الدلاء 773 ربما ضربة بسيف صقيل بين بصرى وطعنه نجلاء 778 بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا 916 نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت رد التحية نطقا أو إيماء 983 فلا والله ولا يلفي لما بي ولا للما بهم أبدا دواء 1120 فواكبدا من حب من لا يحبني ومن عبرات ما لهن فناء 1364 يا لك من تمر ومن شيشاء ينشب في المسعل واللهاء 1402 له ما رأت عين البصير فوقه سماء الإله فوق سبع سمائيا "حرف الباء": 277 أقلي اللوم عاذل والعتابن وقولي أن أصبت لقد أصابن 332 منا الذي هو ما إن طر شاربه والعانسون ومنا المرد والشيب 342 ما أنت باليقظان ناظره إذا نسيت بما تهواه ذكر العواقب
353 فما سودتني عامر عن وراثة أبى الله أن أسمو بأم ولا أب 391 أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغها عني حديثا وبعض القول تكذيب 391 بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا ببطن شريان يعوي حوله الذيب 475 فأما القتال لا قتال لديكم ولكن سيرا في عراض المواكب 508 فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة بمغني فتيلا عن سواد بن قارب 516 عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب 546 إن الشباب الذي مجد عواقبه فيه ناذ ولا لذات للشيب 561 كذا أدبت حتى صار من خلقي أني رأيت ملاك الشيمة الأدب 566 بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عارا علي وتحسب 631 أتاني فلم أسرر به حين جاءني كتاب بأعلى القنتين عجيب 650 على حين ألهي الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب 734 طافت أمامة بالركبان آونة يا حسنة من قوام ما ومنتقبا 744 خلى الذنابات شمالا كثبا وأم أو عال كها أو أقربا 771 فلئن صرت لا تحير جوابا لبما قد ترى وأنت خطيب 812 فلئن لقيتك خاليين لتعلمن أبى وأيك فارس الأحزاب 814 صريع غوان راقهن ورقنه لدن شب حتى شاب شود الذوائب 831 نجوت وقد بل المرادي سيفه من ابن أبي شيخ الأباطح طالب 842 يحايى به الجلد الذي هو حازم بضربة كفيه الملا نفس راكب 881 سبتني الفتاة البضة المتجرد الـ لطيفة كشحه وما خلت أن أسبى
941 كأن صغرى وكبرى من فقاقعها حصباء در على أض من الذهب 942 فقالت لنا: أهلا وسهلا وزودت جنى النحل بل ما زودت منه أطيب 958 فوافيناهم منا بجمع كأسد الغاب مردان وشيب 971 يمت بقربى الزينيين كليهما إليك وقربى خالد وحبيب 998 كهز الردينى تحت العجاج جرى في الأنانيب ثم اضطرب 1026 فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب 1040 لمياء في شفتها حوة لعس وفي اللثات وفي أنيابها شنب 1093 تقول ابنتي لا رأتني شاحبا كأنك فينا يا أبات غريب 1110 ألا يا قوم للعجب العجيب وللغافلات تعرض للأريب 1115 يبكيك ناء بعيد الدار مغترب يا للكهول وللشبان العجب 1130 كليني لِهمٍّ يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب 1155 فإياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاء وللشر جالب 1172 تالله لا يحمدن المرء مجتنبا فعل الكرام ولو فاق الورى حسبا 1270 فلا تستطل مني بقائي ومدتي ولكن يكن للخير منك نصيب 1272 ظننت فقيرا ذا غنى ثم نلته فلم ذا رجاء ألقه غير واهب 1407 ولست لأنسى ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب 1454 ولست بنحويّ يلوك لسانه ولكن سليقى أقول فأعرب 1649 فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
"حرف التاء": 264 يحدو بها كل فتى هيات وهن نحو البيت عامدات 415 حنت نوار ولات هنا حنت وبدا الذي كانت نوار أجنت 436 فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت 522 ألا عمر ولى مستطاع رجوعه فيرأب ما أثأت يد الغفلات 602 ليت وهل ينفع شيئا ليت ليت شباب بوع فاشتريت 778 ألا رجل جزاه الله خيرا يدل على محصلة تبيت 1043 وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت 1054 يا أبجر بن أبجر يا أنتا أنت الذي طلقت عاما جعتا 1175ربما أوفيت في علم ترفعن ثوبي شمالات 1180 ليت شعري واشعرن إذا ما قربوها منشورة ودعيت 1602 إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى فأبعدكن الله من شيرات "حرف الجيم": 287 يا صاح ما هاج العيون الذرفن من طلل كالأتحمى أنهجن 758 شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج 896 ولم أرَ شيئا بعد ليلى ألذه ولا منظرا أروى به فأعيج 1035 يا رب بيضاء من العواهج أم صبي قد حبا أو دارج 1048 متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا ونارا تأججا 1069 لا هُم كنت قبلت حجتج فلا يزال شامج يأتيك بج
1202 يحدو ثماني مولعا بلقاحها حتى هممن بزيفة الإرتاج "حرف الحاء": 290، 1170 دامن سعدك إن رحمت متيما لولاك لم يك للصبابة جائحا 388 وما أدري وظني كل ظن أمسلمني إلى قومي شراحي 442 وإن من النسوان من هي روضة تهيج الرياض قبلها وتصوح 517 رسم عفا من بعدما قد امحى قد كان من طول البلى أن يمصحا 590 إن السماحة والمروءة ضمنا قبرا بمرو على الطريق الواضح 784 يا بؤس للحرب التي وضعت أراهط فاستراحوا 790 أقام ببغداد العراق وشوقه لأهل دمشق الشام شوق مبرح 876 وأما أنا من رزء وإن جل جازع ولا بسرور بعد موتك فارح 953 أبحت حمى تهامة بعد نجد وما شيء حميت بمستباح 1115 يا لعطافنا والرياح وأبي الحشرج الفتى النفَّاح 1158 أخاك أخاك إن من لا أخا له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح 1158 لجديرون بالوفاء إذا قا ل أخو النجدة السلاح السلاح 1316 فكأنما نظروا إلى قمر أو حيث علق قوسه قزح 1376 أخو بيضات رائح متأدب رفيق بمسح المنكبين سيوح 1623 فقلت لصاحبي لا تحبسانا بنزع أصوله واجدر شيحا
"حرف الخاء": 511 وحلت سواد القلب لا أنا باغيا سواها ولا في حبها متراخيا "حرف الدال": 279 أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قدن 290 أريت إن جاءت به أملودا أقائلن أحضروا الشهودا 327 في كلت رجليها سلامى واحده كلتاهما مقرونة بزائده 335 دعاني من نجد فإن سنينه لعبن بنا وشيبتنا مردا 348 وعرق الفرزدق شر العروق خبيث الثرى كأبي الأزند 351 ألم تأتيك والأنباء تنمى بما لاقت لبون بني زياد 354 إذا قلت على القلب يسلو قبضت هواجس لا تنفك تغريه بالوجد 370 فآليت لا أنفك أحذو قصيدة تكون وإياها بها مثلا بعدي 376 لوجهك في الإحسان بسط ومهجة أنالهماه قفو أكرم والد 381 فقلت أعيراني القدوم لعلني أخط بها قبرا لأبيض ماجد 385 قدني من نصر الخبيبين قدى ليس الإمام بالشحيح الملحد 395 نبئت أخوالي بني يزيد ظلما علينا لهم فديد 412 رأيت بني غبراء لا ينكرونني ولا أهل هذاك الطراف الممدد 425 وإن الذي حانت بلفج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد 446 من القوم الرسول الله منهم لهم دانت رقاب بني معد 499 فنافذ هداجون حول بيوتهم بما كان إياهم عطية عودا
538 شك يمينك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد 640 إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب جهارا فكن للغيب أحفظ للود 648 ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وبت كما بات السليم مسهدا؟ 748 فلا والله لا يلقى أناس فتى حتاك يابن أبا يزيد 821 يا من رأى عارضا أسر به بين ذارعي وجبهة الأسد 858 أتاني أنهم مزقون عرضي جحاش الكرملين لها فديد 911 نعم الفتى المرى أنت إذا هم حضروا لدى الحجرات نار الموقد 915 تزود مثل زاد أبيك فينا فنعم الزاد زاد أبيك زادا 999 إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده 1066 فما كعب بن مامة وابن سعدى بأجود منك يا عمر الجوادا يابن أمي ويا شقيق نفسي أنت خلفتني لدهر شديد 1114 يا لقومي ويا لأمثال قومي لا ناس عتوهم في ازدياد 1137 تمناني ليقتلى لقيط أعام لك بن صعصعة بن سعد 1222 وذكرت لبن المحلق شربة والخيل تعدوني الصعيد بزاد 1237 أن تقرآن على أسماء ويحكما مني السلام وأن لا تشعر أحدا 1287 متى تؤخذوا قسرا بظنة عامر ولا ينج إلا في الصفاد يزيد 1296 سرينا إليهم في جموع كأنها جبال شرورى لو تعان فتنهدا 1303 لو يسمعون كما سمعت حديثها خروا لعزة ركعا وسجودا 1338 كم دون مية موماة يهال لها إذا تيممها الخريت ذو الجلد
1344 عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا كذا وكذا لطفا به نُسي الجهد 1392 أبصارهن إلى الشبان مائلة وقد أراهن عني غير صداد 1445 أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد 1448 فكيف لنا بالشرب إن لم يكن لنا دراهم عند الحانوي ولا نقد 1609 إن الخليط أجدو البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا "حرف الراء": 280 أحار بن عمرو كأنى خمرن ويعدو على المرء ما يأتمرن 359 وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ألا يجاورنا إلاك ديار 360 أعوذ برب العرش من فئة بغت علي فمالي عوض إلاه ناصر 367 بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت إياهم الأرض في دهر الدهارير 373 تغربت عنها كارها فتركتها كان فواقيها أمرّ من الصبر 403 أنا اقتسمنا خطئينا بيننا فحملت برة واحتملت فجار 413 ياما أمليح غزلانا شدن لنا من هؤليائكن الضال والسمر 417 أليس أميري في الأمور بأنتما بما لستما أهل الخيانة والغدر 427 فما آباؤنا بأمن منه علينا اللاء قد مهدوا الحجورا 453 ما الله موليك فضل فاحمدنه به فما لدى غيره نفع ولا ضرر 454 ما المستفز الهوى محمود عواقبه ولو أتيح له صفو بلا كدر 465 ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر 466 رأيتك لما أن عرفت وجوهنا صدت وطبت يا قيس عن عمرو
493 ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ولا زال منهلا بحرعائك القطر 498 ببذل وحلم ساد في قومه الفتى وكونك إياه عليك يسير 516 فأبت إلى فهم وما كدت آئبا وكم مثلها فارقت وهي تصفر 549 فلا أب وابنا مثل مروان وابنه إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا 550 ألا طعان ألا فرسان عادية إلا نجشؤكم حول التنانير 713 رهط ابن كرز محقبي أدراعهم فيهم ورهط ربيعة بن حذار 716 أنا ابن دارة معروفا بهما نسبي وهل بدارة يا للناس من عار؟ 736 أنفسا تطيب بنيل المنى وداعي المنون ينادي جهارا 741 ربما الجامل المؤبل فيهم وعناجيج بينهن المهارا 746 فأجمل وأحسن في أسيرك إنه ضعيف ولم يأسر كإياك آسر 765 هون عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها 767 ما زال مذ عقدت يداه إزاره فيما فأدرك خمسة الأشبار 780 ما لمحب جلد أن يهجرا ولا حبيب رأفة فيجبرا 790 إلى الحوال ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر 801 دعوت لما نابني سورا فلبى فلبى يدي مسور 811 كلا الضيفن المشنوء والضيف نائل لدى المنى والأمن في اليسر والعسر 814 وتذكر نعماه لدن أنت يافع إلى أنت ذو فودين أبيض كالنسر 719 أكل امرئ تحسبين امرأ ونارا توقد بالليل نارا 826 هما خطتا إما أسار ومنة وإما دم والقتل بالحر أجدر
831 وفاق كعب يجبر منقذ لك من تعجيل تهلكة والخلد في سقرا 832 بأي تراهم الأرضين حلوا أألدبران أم عسفوا الكفارا 855 ضروب بنصل السيف سوق سمانها إذا عدموا زادا فإنك عاقر 856 فتاتان أما منهما فشبيهة هلالا وأخرى منهما تشبه البدرا 857 حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار 877 من صديق أو أخي ثقة أو عدو شاحط دارا 878 حسن الوجه طلقه أنت في السلـ ـم وفي الحرب كالح مكفهر 882 فعجتها قبل الأخيار منزلة والطيبي كل ما التاثت به الأزر 882 أسيلات أبدان دقاق خصورها وثيرات ما التفت عليه المآزر 883 أزور امرأ جما نوال أعده لمن أمه مستكفيا أزمة الدهر 891 فذلك إن يلق المنية يلقها حميدا وإن يستغن يوما فأجدر 907 بئس قوم الله قوم طرقوا فقروا جارهم لحما وحر 924 إن ابن عبد الله نعـ ـم أخو الندى وابن العشيرة 935 ولفوك أصيب لو بذلت لنا من ماء موهبة على خمر 937 ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر 966 لكم مسجدا الله المزوران والحصى لكم قبصه من بين أثري وأقترا 970 كم قد ذكرتك لو أجرى بذكركم يا أشبه الناس كل الناس بالقمر 981 وقلن على الفردوس أول مشرب أجل جيران إن كانت أبيحت دعاثره 1006 سواء عليك النفر أم بت ليلة بأهل القباب من عمير بن عامر
1010 جاء الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر 1014 يا ليتنا أمنا شالت نعامتها إيما إلى جنة إيما إلى نار 1016 وقد كذبتك نفسك فأكذبنها فإن جزعا وإن إجمال صبر 1031 أعمرو بن هند ما ترى رأي صرمة لها سبب ترعى به الماء والشجر 1067 فيا الغلامان اللذان فرا إيا كما أن تعقبانا شرا 1070 كحلفة من أبي رياح يسمعها لا هم الكبار 1081 يا تيم تيم عدي لا أبا لكم لا يلقينكم في سوأة عمر 1103 وقد رابني قولها يا هناه ويحك ألحقت شرا بشر 1120 حملت أمرا عظيما فاصطبرت له وقمت فيه بأمر الله يا عمرا 1128 جاري لا تستنكري عذيري سيرى واشفافي على بعيري 1136 خذو حظكم يا آل عكرم واذكروا أواصرنا والرحم بالغيب تذكر 1146 لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره طريف بن مال ليلة الجوع والخصر 1187 خلافا لقولي من فيالة رأيه كما قيل قبل اليوم خالف تذكرا 1220 ومر دهر على وبار فهلكت جهرة وبار 1226 وأتها أحيمر كأخي السهم بعضب فقال كوني عقيرا 1233 وطرفك إما جئتنا فاحبسنه كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر 1239 لا تتركني فهيم شطيرا إني إذن أهلك أو أطيرا 1273 لولا فوارس من ذهب وأسرتهم يوم الصليفاء لم يوفون بالجار 1274 في أي يوم من الموت أفر أيوم لم يقدر أم يوم قدر
1296 فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أي زير 1296 بيوم الشعثمين لقر عينا وكيف لقاء من تحت القبور؟ 1365 وأنت لو باكرت مشمولة صفرا كلون الفرس الأشقر 1467 لست بليلى ولكني نهر لا أدلج الليل ولكن أبتكر 1558 أألحق إن دار الرباب تباعدت أو انبت حبل أن قلبك طائر 1572 حي عظامي وأراه ثاثري وكحل العينين بالعواور 1572 حفت بأطوار جبال وسمر فيها عيائيل أسود ونمر 1589 وكنت إذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى مبلغ السائق مئزري 1627 إذا الكرام ابتدروا الباغ بدر تقضي البازي إذ البازي كسر "حرف الزاي": 104 يأيها الجاهل ذوي التنزي لا توعدني حية بالنكز 1296 فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أي زير 1296 بيوم الشعثمين لقر عينا وكيف لقاء من تحت القبور؟ 1365 وأنت لو باكرت مشمولة صفرا كلون الفرس الأشقر 1467 لست بليلى ولكني نهر لا أدلج الليل ولكن أبتكر 1558 أألحق إن دار الرباب تباعدت أو انبت حبل أن قلبك طائر 1572 حي عظامي وأراه ثاثري وكحل العينين بالعواور 1572 حفت بأطوار جبال وسمر فيها عيائيل أسود ونمر 1589 وكنت إذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى مبلغ السائق مئزري 1627 إذا الكرام ابتدروا الباغ بدر تقضي البازي إذ البازي كسر "حرف الزاي": 104 يأيها الجاهل ذوي التنزي لا توعدني حية بالنكز "حرف السين": 378 عندي قومي كعديد الطيس إذ ذهب القوم الكرام ليسي 632، 979 فأين إلى أين النجاة ببغلتي أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس 752 عينت ليلة فما زلت حتى نصفها راجيا فعدت يئوسا 832 معاود جرأة وقت الهوادي أشم كأنه رجل عبوس 924 إذا أرسلوني عند تقدير حاجة أمارس فيها كنت نعم الممارس 1055 هذي برزت لنا فهجت رسيسا ثم انثنيت وما شفيت نسيسا 378 عندي قومي كعديد الطيس إذ ذهب القوم الكرام ليسي 632، 979 فأين إلى أين النجاة ببغلتي أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس 752 عينت ليلة فما زلت حتى نصفها راجيا فعدت يئوسا 832 معاود جرأة وقت الهوادي أشم كأنه رجل عبوس 924 إذا أرسلوني عند تقدير حاجة أمارس فيها كنت نعم الممارس 1055 هذي برزت لنا فهجت رسيسا ثم انثنيت وما شفيت نسيسا
1219 لقد رأيت عجبا مذ أمسا عجائزا مثل السعالي خمسا "حرف الشين": 1092 يا أبت لا زلت فينا فإنما لنا أمل في العيش ما دمت عائشا 1626...................... إذ ذاك إذ حبل الوصال مدمش "حرف الصاد": 1136 يا عبد هل تذكرني ساعة في موكب أو رائدا للقنيص "حرف الضاد": 687 داينت أروى والديون تقضي فمطلت بعضا وأدت بعضا "حرف الطاء": 775 فحورت قد لهوت بهن عين نواعم في المروط وفي الرباط 956 حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط "حرف الظاء": 1541 ألا من مبلغ حسان عني مغلغلة تدب على عكاظ "حرف العين": 351 هجوت زيان ثم جئت معتذرا من هجو زيان لم تهجو ولم تدع 371 إن وجدت الصديق حقا لإيا ك فمرني فلن أكون مطيعا 373 فلا تطمع أبيت اللعن فيها ومنعكها بشيء يستطاع 414 وإذا الأمور تشابهت وتعاظمت فهناك تعترفون أين المفزع 443 فيا رب أنت الله في كل موطن وأنت الذي في رحمة الله أطمع
447 من لا يزال شاكرا على المعه فهو حر بعيشه ذات سعه 519 سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما وقد كربت أعناقها أن تقطعا 560 فغيرت بعدهم بعيش ناصب وإخال أني لاحق مستتبع 623، 781 إذا قيل: أي الناس شر قبيلة؟ أشارت كليب بالأكف الأصابع 630 لقد علمت أولى المغيرة أنني لقيت فلم أنكل عن الضرب مسمعا 738 إذا أنت لم تنفع فضر فإنما يراد الفتى كيما يضر وينفع 763 على عن يميني مرت الطير سنحا وكيف سنوح واليمين تطيع 768 وما زلت محمولا على ضغينة ومضطلع الأضغان مذ أنا يافع 779 ألا يا قوم كل ماحم واقع وللطير مجرى والجنون مصارع 803 أما ترى حيث صهيل طالعا نجما يضيء كالشهاب لامعا 807 على حين عاتبت المشيب على الصبا فقلت: ألما أصح والشيب وازع 843 قد جربوه فما زالت تجاربهم أبا قدامة إلا المجد والفنعا 949 أبيت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع 964 وقد كنت في الحرب ذا تدرأ فلم أعط شيئا ولم أمنع 974 يا ليتني كنت صبيا مرضعا تحملني الذلفاء حولا أكتعا 991 أنا ابن التارك البكري بشر عليه الطير ترقبه وقوعا 1045 ذريني إن أمرك لن يطاعا وما ألفيتني حلمي مضاعا 1084 أطوف ما أطوف ثم آوي إلى أما ويرويني النقيع
1089 يابنة عما لا تلومي واهجعي لا يخرق اللوم حجاب مسمعي 1109 أطوي ما أطوف ثم آوي إلى بيت قعيدته لكاع 1226 إني مقسم ما ملكت فجاعل جرما لآخرتي ودنيا تنفع 1227 وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع 1133 قفي قبل التفرق يا ضباعا ولا يك موقف منك الوداعا 1179 نبتم نبات الخيرزاني في الونى متى يأتك الخير ينفعا 1182 لا تتبعن لوعة إثري ولا هلعا ولا تقاسن بعدي الهم والجزعا 1232 أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شنا ببيداء بلقع 1616 ومعرض تغلي المراجل تحته عجلت طبخته لقوم جيع 1622 لما رأى أن لا دعه ولا شبع مال إلى أرطأ حقف فألطجع "حرف الفاء": 291 يا ليت شعري عنكم حنيفا أشاهرن بعدنا السيوفا 822 ومن قبل نادى كل مولى قرابة فما عطفت مولى عليه العواطف 827 تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها كما تضمن ماء المزنة الرصف 936 نحن بغرس الودى أعلمنا منا بركض الجياد في السدف 954 كأن حفيف النبل من فوق عجسها عوازب نحل أخطأ الغار مطنف 1179 من نثقفن منهم فليس بآيب أبدا وقتل بني قتيبة شافي 1202 عليه من اللؤم سروالة فليس يرق لمستعطف 1254 وما قام منا قائم من ندينا فينطق إلا بالتي هي أعرف
"حرف القاف": 280 وقائم الأعماق خاوي المخترقن مشتبه الأعلام لماع الخفقن 343 أأن شممت من نجد بريقا تألقا تبيت بليل أم أرمد اعتاد أو لقا 352 إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملق 476 وإنسان عيني يحسر الماء تارة فيبدو وتارات يجم فيغرق 510 تعز فلا شيء على الأرض باقيا ولا وزر مما قضى الله واقيا 518 يوشك من فر من منيته في بعض غراته يوافقها 534 وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق 539 فلو أنك يوم الرخاء سألتني طلاقك لم أبخل وأنت صديق 915 والتغلبيون بئس الفحل فحلهم فحلا وأمهم زلاء منطيق 1059 أدارا بجزوى هجت للعين عبرة فماء الهوى يرفض أو يترقرق 1134 أحار من يدر قد وليت ولاية فكن جردا فيها تخون وتسرق 1134 يا أرط إنك فاعل ما قلته والمرء يستحي إذا لم يصدق 1167 تذر الجماجم ضاحيا هاماتها بله الأكت كأنها لم تخلق 1433 حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ولا نسأل الأقوام عقد المياثق 1458 تزوجتها رامية هرمزية بفضل الذي أعطى الأمير من الرزق 1619 وقد تخذت رجلي لدى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق "حرف الكاف": 557 فقلت أجرني أبا خالد وإلا فهيني أمرا هالكا
1092 تقول بنتي قد أنى أناكا يا أبت علك أو عساكا 1424 صبية على الدخان رمكا ما إن عدا أصغرهم أن زكا 1626 يابن الزبير طالما عصيكا وطالما عنيتتا إليكا "حرف اللام": 284، 445 ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصل ولا ذي الرأي والجدل 343 رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأعباء الخلافة كاهله 348 فيوما يوافين الهوى غير ماض ويوما ترى منهن غولا تغول 353 ما أقدر الله أن يدني على شحط من داره الحزن ممن داره صول 368 أنا الذائد الحامي الذمار وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي 368 بنصركم نحن كنتم ظافرين وقد أغرى العدا بكم استسلامكم فشلا 369 فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب لعلك تهديك القرون الأوائل 380 كمنية جابر إذا قال ليتي أصادفه وأتلف جل مالي 387 ألا إنني سقيت أسود حالكا ألا بجلى من الشراب ألا بجل 388 وليس الموافيني ليرفد خائبا فإن له أضعاف ما كان أملا 420 أبني كليب إن عمى اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا 423 وتبلى الألى يستلئمون على الألى تراهن يوم الروع كالحدأ القبل 424 أبى الله للشم الألاء كأنهم سيوف أجاد القين يوما صقالها 431 ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال 449 إذا ما لقيت بني مالك فسلم على أيهم أفضل
461 عجل لنا هذا وألحقنا بذا الـ ـشحم إنا قد مللناه بجل 462 يا خليلي اربعا واستخبرا الـ ـمنزل الدارس عن حي حلال 462 مثل سحق البرد عفى بعدك القطر مغناه وتأويب الشمال 483 فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى عليهم وهل إلا عليك المعول؟ 483 خالي لأنت ومن جرير خاله نيل العلا ويكرم الأخوالا 486 يذيب الرعب منه كل عضب فلولا الغمد يمسكه لسالا 494 سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم فليس سواء عالم وجهول 501 أنت تكون ماجد نبيل إذا تهب شمأل بليل 502 لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا جنوده ضاق عنها السهل والجبل 509 وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أشجع القوم أعجل 513 إن المرء ميتا بانقضاء حياته ولكن بأن يُبغى عليه فيخذلا 539 في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يخفى وينتعل 540 علموا أن يؤملون فجادوا قبل أن يسألوا بأعظم سؤل 551 ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد إذ لاقى الذي لاقاه أمثالي 565 أراهم رفقتي حتى إذا ما تجافى الليل انخزل انخزالا 629 عهدت مغيثا مغنيا من أجرته فلم أتخذ إلا فناءك موئلا 632 ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال 639 جفوني ولم أجف الأخلاء إنني لغير جميل من خليلي مهمل 663 لا يحسبنك أثوابي فقد جمعت هذا ردائي مطويا وسربالا
689 رأيت ما حاشا قريشا فإنا نحن أفضلهم فعالا 692 كائن دعيت إلى بأساء داهمة فما انبعثت بمزءود ولا وكل 699 فأرسلها العراك ولم يذدها ولم يشفق على نغص الدخال 703 يا صاح هل حم عيش باقيا فترى لنفسك العذر في إبعادها الأملا 715 خرجت بها أمشي تجر وراءنا على أثرينا ذيل مرط مرحل 722 كن للخيل نصيرا جاد أو عدلا ولا تشح عليه جاد أو بخلا 723 فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل 726 أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل 745 وإذا الحرب شمرت لم تكن كي حين تدعو الكماة فيها نزال 747 لئن كان من لأبرح طارقا وإن يك إنسا ما كها الإنس تفعل 747 ولا ترى بعلا ولا حلائلا كه ولا كهن إلا حاظلا 763 فقلت للركب لما أن علا بهم من عين يمين الحبيا نظرة قبل 764 دع عنك نهبا صيح في حجراته ولكن حديثا ما حديث الرواحل 765 غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها تصل وعن فيض بزيزاء مجهل 787 إن وجدي بك الشديد أراني عاذر فيك من عهدت عذولا 793 الود أنت المستحقة صفوه مني وإن لم أرج منك نوالا 804 إذا ربدة من حيث ما نفحت له أتاه برياها خليل يواصله 808 ألم تعلمي يا عمرك الله أنني كريم على حين الكرام قليل 810 إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل
824 فرشني بخير لا أكونن ومدحتي كناحت يوما صخرة بعسيل 828 كما خط الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل 829 أنجب أيام والداه به إذ نجلاه فنعم ما نجلا 840 ضعيف التكاية أعداءه يخال الفرار يراخي الأجل 850 أنا ورجالك قتل امرئ من العز في حبك اعتاض ذلا 854 أخا الحرب لباسا إليها جلالها وليس بولاج الخوالف أعقلا 900 أقيم بدار الحزم ما دام حزمها وأحر إذا حالت بأن أتحولا 904 فنعم ابن أخت القوم غير مكذب زهير حساما مفردا من حمائل 932 فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها وحب بها مقتولة حين تقتل 979 فتلك ولاة السوء قد طال ملكهم وحتام حتام العناء المطول 1024 قلت إذ أقبلت وزهر تهادى كعناج الفلا تعسفن رملا 1033 فهل لك أو من والد لك قبلنا يوشج أولاد العشار ويفصل 1039 كأني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل 1046 بكم قريش كفينا كل معضلة وأم نهج الهدى من كان ضليلا 1076 أيهذان كلا زادكما ودعاني واغلا فيمن وغل 1086 ذريني إنما خطئي وصوبي علي وإنما أهلكت مال 1108 تضل منه إبلي في بالهوجل من لجة أمك فلافا عن فل 1116 فيا لك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل 1127 أفاطم مهلا بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
1138 كلما نادى مناد منهم يا لتيم الله قلنا يا لمال 1178 فلا الجارة الدنيا لها تلحينها ولا الضيف فيها إن أناخ محمول 1250 ليس العطاء من الفضول سماحة حتى تجود وما لديك قليل 1364 والمرء يبليه بلاء السربال تعاقب الإهلال بعد الإهلال 1365 لها كبد ملساء ذات أسرة وكشحان لم ينقص طواءهما الحبل 1383 طوى الجديان ما قد كنت أنشره وأنكرتني ذوات الأعين النجل 1386 أغر الثنايا أحم اللثاث يحسنها سلوك الإسحل 1414 عليها أسود ضاريات لبوسهم سوابيغ بيض لا يخرقها النبل 1419 وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهبة تصفر منها الأنامل 1467 ولس بذي رمح فيطعنني به وليس بذي سيف وليس بنبال 1568 صعدة نابتة في جائز أينما الريح تميل تمل 1632 لو شئت قد تقع الفؤاد بشرية تدع الصوادي لا يجدي غليلا 1643 الحمد لله العلي الأجلل الواسع الفضل الوهوب المجزل "حرف الميم": 282 سلام الله يا مطر عليها وليس عليك يا مطر السلام 317 بأبه اقتدى عدي في الكرم ومن يشابه أبَه فما ظلم 322 كالحوت لا يلهيه في شيء يلهمه يصبح ظمآن وفي البحر فمه 354 فعوضني عنها غناي ولم تكن تساوى عنزي غير خمس دراهم 398 وبايعت أقواما وفيت بعهدهم وببه قد بايعته غير نادم
421 هما اللتا لو ولدت تميم لقيل فخر لهم صميم 455 في المعقب البغي أهل البغي ما ينهي أمرا حازما أن يسأما 494 لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم 504 فإن لم تك المرآة أبدت وسامة فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم 515 أكثرت في العذل ملحا دائما لا تكثرن إني عسيت صائما 525 أتقول إنك بالحياة ممتع وقد استبحت دم امرئ مستسلم 537 وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا إذا أنه عبد القفا واللهازم 542 ويوما توافينا بوجهه مقسم كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم 556 فلا تعدد المولى شريكك في الغني ولكنما المولى شريكك في العدم 562 ولقد علمت لتأتيني منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها 567 ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم 605 يغضي حياء ويغضي من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم 702 لا يركن أحد إلى الإحجام يوم الوغى متخوفا لحمام 732 تخيره فلم يعدل سواه فنعم المرء من رجل تهام 772 لعمرك أنني وأبا حميد كما النشوان والرجل الحليم 774 وننصر مولانا ونعلم أنه كما الناس مجروم عليه وجارم 794 إذا بعض السنين تعرقتنا كفى الأيتام فقد أبي اليتيم 794 وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم 795 مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
795 جادت عليه كل عين ثرة فتركن كل حديقة كالدرهم 807 لأجتذبن منهن قلبي تحلما على حين يستصبين كل حليم 817 فساغ لي الشراب وكنت قبلا أكاد أغص بالمال الحميم 829 هما أخوا في الحرب من لا أخاله إذا خاف يوما نبوءة فدعاهما 830 نرى أسهما للموت تصمي ولا تنمي ولا ترعوى من نقص أهواؤنا العزم 855 شم مهاوين أبدان الجزور مخا ميص العشيات لا خور ولا قزم 874 ما الراحم القلب ظلاما وإن ظلما ولا الكريم بمناع وإن حرما 889، 900 وقال نبي المسلمين تقدموا وأحبب إلينا أن تكون المقدما 889 جزى الله عنا والجزاء بفضله ربيعة خيرا ما أعف وأكرما 906 نياف القرط غراء الثنايا وريد للنساء ونعم نيم 910 لعمري وما عمري على بهين لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم 917 تخيره فلم يعدل سواه فنعم المرء من رجل تهامي 940 إذا غاب عنكم أسود العين كنتم كراما وأنتم ما أقام ألائم 960 قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان والشجاع الشجعما 965 لو قلت ما في قومها تيثم يفضلها حسب وميسم 980 فرت يهود وأسلمت جيرانها صمى لما فعلت يهود صمام 983 إن إن الكريم يحلم ما لم يرين من أجاره أضيما 984 لي شعري هل ثم هل آتينهم أم يحولن دون ذاك الحمام 986 لا ينسك الأسى تأسيا فما ما من حمام أحد مستعصما
1017 سقته الرواعد من صيف وإن من خريف فلن يعدما 1044 أوعدني بالسجن والأداهم رجلي فرجلي سثنة المناسم 1049 أقول له ارحل لا تقيمن عندنا وإلا فكن في السر والجهر مسلما 1055 إذا هملت عيني لها قال صاحبي بمثلك هذا لوعة وغرام 1069 إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهما 1090 كن لي لا على يابن عما نعيش عزيزين ونكف الهما 1147 ألا أضحت حبالكم رماما وأضحت منك شاسعة أمام 1148................... وما عهدي كعهدك يا أماما 1162 ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قبل الفوارس ويك عنترة أقدم 1174 قليلا به ما يحمدنك وارث إذا نال مما كنت تجمع مغنما 1176 يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما 1230 كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم 1248 ولولا رجال من رزام أعزة وآل سبيع أو أسوءك علقما 1271 احفظ وديعتك التي استودعتها يوم الأعازب إن وصلت وإن لم 1279 وإن أتاه خليل يوم سغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم 1286 فطلقها فلست لها بكفء وإلا يعل مفرفك الحسام 1328 فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغاربة الأسحم 1379 لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما 1554 وهل لي أم غيرها إذ ذكرتها أبى الله إلا أن أكون لها ابنما
1604 يا هال ذات المنطق التمتام وكفك المخضب البنام 1612 حتى تذكرت بيضاء وهيجه يوم الرذاذ عليه الدجن مغيوم 1621 هو الجواد الذي يعطيك نائله عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم 1629 العاطفونه حين ما من عاطف نعم الذرا في النائبات لناهم 1634.................. فإنه أهل لأن يؤكرما "حرف النون": 281 قال بنات العم يا سلمى وإنن كان فقيرا معدما قالت وإنن 337 عرفنا جعفرا وبني أبيه وأنكرنا زعانف آخرين 337 وماذا يدري الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين 338 أعرف منها الجيد والعينانا ومنخرين أشبها طبيانا 370 بك أو بي استعان فليل أما أنا وأنت ما ابتغى المستعين 374 لا ترج أو تخش غير الله إن أذى واقيكه الله لا ينفك مأمونا 379 تراه كالثغام يعل مسكا يسوء الفاليات إذا فليني 383 أيها السائل عنهم وعني لست من قيس ولا قيس مني 430 ألا رب من تغتشه لك ناصح ومؤتمن بالغيب غير أمين 431 فكفى بنا فضلا على من غيرنا حب النبي محمدا إيانا 432 ونعم مزكا من ضاقت مذاهبه ونعم من هو في سر وإعلان 437 فإما كرام موسرون لقيتهم فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا 439 دعي ماذا علمت سأتقيه ولكن بالمغيب نبئيني
440 نحن الألى فاجمع جمو عك ثم وجههم إينا 459 ومن حسد يجور على قومي وأي الدهر ذو لم يحسدوني 471 غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن 489 خير اقترابي من المولى حليف رضا وشر بعدي عنه وهو غضبان 492 صاح شمر ولا تزل ذاكر المو ت فنسيانه ضلال مبين 512 إن هو مستوليا على أحد إلا على أضعف المجانين 537 أنا ابن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن 541 ووجه مشرق النحر كأن ثدياه حقان 569 أجهالا تقول بني لؤي لعمري أبيك أم متجاهلنا 754 وليت لي بهم قوما إذا ركبوا شنو الإغارة فرسانا وركبانا 760 لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتحزوني 769 قفا نبك من ذكري حبيب وعرفان ورسم عفت آياته منذ أزمان 788 إنا محيوك يا سلمى فحيينا وإن سقيت كرام الناس فاسقينا 791 أبا لموت الذي لا بد أني ملاق لا أباك تخوفيني 802 لقلت لبيه لمن يدعوني......................... 825 لأنت معتاد في الهيجا مصايرة يصلي بهما كل من عاداك نيرانا 906 فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم وصاحب الركب عثمان بن عفانا 914 ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
948 ولقد أمر على اللئيم يسبني فأعف ثم أقول لا يعنيني 984 حتى تراها وكأن كأن أعناقها مشددات بقرن 1015 فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني 1015 وإلا فاطرحني واتخذني عدوا أتقيك وتتقيني 1050 إلى الله أشكو بالمدينة حاجة وبالشام أخرى كيف يلتقيان؟ 1085 ولست براجع ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لو أني 1117 لا للرجال ذوي الألباب من نفر لا يبرح السفه المردي لهم دينا 1117 يا لا أناس أبوا إلا مثابرة على التوغل في بغي وعدوان 1118 يا يزيدا الأمل نيل عز وغنى بعد فاقة وهون 1164 يقلن وقد تلاحقت المطايا كذاك القول إن عليم عينا 1165 رويد بني شيبان بعد وعيدكم تلاقوا غدا خيلي على تفوان 1171 وأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا 1213 أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني 1283 من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان 1407 أهلا بأهل وبيتا مثل بيتكم وبالأناسين إبدال الأناسين 1432 واردد لأصل ثانيا أبدل من ذي اللين عينا فهو بالرد قمن 1635................ وصاليا ككما يؤثقين 1651 قصدنا له قصد الحبيب لقاره إلينا وقلنا للسيوف هلمنا
"حرف الهاء": 318 إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها 356 باعد أم العمرو من أسيرها حراس أبواب على قصورها 397 لأنكحن ببه جارية خدبة مكرمة محبة تحب أهل الكعبة 590 فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها 591 فإنما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها 620 ويوما شهدناه سليما وعامرا قليلا سوى الطعن النهال نوافله 634 قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها 636 بعكاظ يعشي الناظرين إذا هم لمحوا شعاعه 667، 1030 علفتها تبنا وماء باردا حتى شتتت همالة عيناها 672 ما لك من شيخك إلا عمله إلا رسيمه وإلا رمله 682 لذ بقيس حين يأبى غيره تلفه بحرا مضيضا خيره 710 باتت لتحزننا عفاره يا جارتا ما أنت جاره 722 متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة لنفسي إلا قد قضيت قضاءها 735 ونارنا لم ير نارا مثلها قد علمت ذاك معد كلها 743 واه رأيت وشيكا صدع أعظمه وربه عطبا أنقذت من عطبه 759 إذا رضيت على بنو قشر لعمر الله أعجبني رضاها 774 بل بلد ملء الفجاج قتمه لا يشترى كتانه وجهرمه 776 رسم دار وقفت في طلله كدت أقضي الحياة من جلله
789 فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه سيرضيكما منها سنام وغاربه 851 فما طعم راح في الزجاج مدامة ترقرق في الأيدي كميت عصيرها 905..................... فنعم أخو الهيجا ونعم شهابها 918 وقائله نعم الفتى أنت من فتى إذا المرضع العوجاء جال بريمها 980 لك الله على ذاك والله الله لك الله 1002 ألى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها 1016 تهاض بدار قد تقادم عهدها وإما بأموا ألم خيالها 1029 دعائي إليها القلب إني لآمره سميع فما أدري أرشد طلابها 1121 تبكيهم أسماء معيولة وتقول سلمى وارزيتيه 1174 إذا مات منهم سيد سرق ابنه ومن عضة ما ينبتن شكيرها 1185 لا تهين الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه 1231 فأرقدت ناري كي ليبصر ضوؤها وأخرجت كلبي وهي في البيت داخله 1269 قلت لبواب لديه دارها تيذن فإني حموها وجارها 1481 من يأتمر للخير فيما قصده تحمد مساعيه ويعلم رشده 1564 لها أشارير من لحم تتمره من الثعالي ووخز من أرانيها 1617 ألا طرقتنا مية بنة منذر فما أرق النوم إلا كلامها .................. كأنها تفاحة مطيوبه
"حرف الواو": 325 كلاهما حين جد الجرى بينهما قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي 394 على أطرقا باليات الخيام إلا الثمام وإلا العصى 528 أو تحلفي بربك العلي أني أبو ذيالك الصبى 544 لا هيثم الليلة للمطى ولا فتى مثل ابن خيبرى 613، 775 وليل كموج البحر أرخى سدوله عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي 762 ورحنا بكا ابن الماء يجنب وسطنا تصوب فيه العين طورا ويرتقي 788 علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم بأبيض ماض الشفرتين يماني 796 رؤية الفكر ما يئول به الأمر معين على اجتناب التواني 868 وهي تنزى دلوها تنزيا كما تنزى شهلة صبيا 945 ولست مقرا للرجال ظلامة أبى ذا عمى الأكرمان وخاليا 1061 أيا راكبا إما عرضت فبلغن نداماي من نجران ألا تلاقيا 1225 قد عجبت مني ومن يعيليا لما رأتني خلفا مقلوليا 1574 فما زالت أقدمنا في مقامنا ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا 1614 وقد علمت عرسي ملكيه أنني أنا الليث معديا عليه وعاديا 1644 وكأنها بين النساء سبيكة تمشي بسد بيتها فتعي "حرف الياء": 1112 فيا شوق ما أبقى ويا لي من النوى 1147 إن ابن حارث إن أشتق لرؤيته أو أمتدحه فإن الناس قد علموا
مراجع الكتاب
مراجع الكتاب: أولا: مراجع المخطوطات: الرقم اسم المرجع اسم المؤلف 1 ارتشاف الضرب من لسان العرب مودع تحت رقم 28 بدار الكتب المصرية/ أبو حيان 2 بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب لابن هشام مودع بدار الكتب المصرية تحت رقم 889/ أبو يحيى زكريا الأنصاري 3 تعليق الوفائد على تسهيل الفوائد مودع بمكتبة الأزهر برقم 1057/ بدر الدين الدماميني 4 تحفة الغريب في الكلام على مغني اللبيب مودع بمكتبة الأزهر برقم 971/ بدر الدين الدماميني 5 حاشية على التصريح بمضون التوضيح مودع بمكتبة الأزهر برقم 851/ عبد الله الدنوشري 6 شرح ألفية ابن مالك مودع بالمكتبة التيمورية بدار الكتب المصرية برقم 205/ أحمد الاصطهناوي 7 شرح ألفية بن مالك مودع بمكتبة الأزهر برقم 2779/ داود بن داود أبو يحيى
8 شرح ألفية ابن مالك مودع بمكتبة الأزهر برقم 1478 ودار الكتب/ أبو إسحق الشاطبي رقم 4 ش/ شمس الدين الهواري 9 شرح ألفية ابن مالك مودع بدار الكتب المصرية رقم 1111/ المختار بن بون 10 شرح ألفية بن مالك مودع بدار الكتب المصرية رقم 33 ش 11 شرح وتسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك مودع بدار الكتب المصرية برقم 13620653063/ ابن أم قاسم 12 شرح الكافية الشافية مودع بمكتبة الأزهر رقم 768-5591/ ابن مالك 13 فتح الرب المالك بشرح ألفية ابن مالك مودع بمكتبة الأزهر برقم 2322/ محمد بن قاسم الغزي 14 فتح الخالق المالك في حل ألفاظ ألفية ابن مالك مودع بمكتبة الأزهر برقم 91/ محمد الشربيني المعروف بالخطيب
15 الكواكب السنية مودع بدار الكتب المصرية برقم 885/ عبد الله بن حسين الأدكاوي 16 المنح الوفية بشرح الخلاصة الألفية مودع بمكتبة الأزهر برقم 827/ أحمد السندوبي ثانيا: مراجع المطبوعات: 17 أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، تعليق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد/ ابن هشام 18 الأشباه والنظائر/ جلال الدين السيوطي 19 الإنصاف/ ابن الأنباري 20 الأعلام/ خير الدين الزركلي 21 بغية الوعاة "طبقات اللغويين والنحاة"/ جلال الدين السيوطي 22 البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن السابع/ محمد الشوكاني 23 البهجة المرضية في شرح الألفية/ جلال الدين السيوطي 24 تراجم رجال القرنين السادس والسابع المعروف بالذيل على الروضتين/ أبو شامة المقدسي 25 تاريخ آداب اللغة العربية/ جورج زيدان 26 تاريخ مصر المعروف "ببدائع الزهور في وقائع الدهور" طبع بمطبعة بولاق/ ابن إياس
27 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب/ خالد الأزهري 28 تاريخ مصر في عهد المماليك إلى نهاية حكم إسماعيل - تعريب أحمد شكري/ المستر جورج بانج 29 تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد - تحقيق محمد كامل بركات/ ابن مالك 30 التصريح بمضمون التوضيح/ خالد الأزهري 31 حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة/ جلال الدين السيوطي 32 حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق/ عبد الرازق البيطار 33 حاشية الصبان على الأشموني/ الصبان 34 حاشية على الأشموني/ أبو عبد الله بن سعيد 35 حاشية على الأشموني/ محمد الأمير 36 حاشية على مغني اللبيب/ محمد بن عرفة الدسوقي 37 حاشية على مغني اللبيب/ محمد بن أبي بكر الدسوقي 38 حاشية على مغني اللبيب/ تقي الدين الشمني 39 حاشية على شرح ابن عقيل/ محمد الخضري 40 حاشية على شرح التصريح بمضمون التوضيح/ يس العليمي
41 حاشية على مجيب الندا للفاكهي/ يس العليمي 42 حاشية على قطر الندى وبل الصدى لابن هشام/ أحمد السجاعي 43 حاشية على شرح الأزهرية للشيخ خالد/ حسن العطار 44 حاشية على شرح الشيخ خالد على متن الآجرومية/ محمد أبو النجا 45 الحماسة/ أبو تمام 46 خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب بهامشه/ عبد القادر البغدادي 47 شرح الشواهد الكبرى للعيني الطبعة الأولى بمطبعة بولاق 48 خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر/ المحبي 49 الخصائص/ ابن جني 50 الخطط التوفيقية/ علي مبارك 51 الخطط المقريزية/ المقريزي 52 دائرة المعارف الإسلامية/ بروكلمان 53 الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة - تحقيق محمد سيد جاد الحق/ ابن حجر العسقلاني 54 الدرر اللوامع/ أحمد الشنقيطي 55 روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات/ محمد الخوانساري
56 شرح ألفية ابن مالك المسمى "منهج السالك إلى ألفية ابن مالك" 57 شذور الذهب/ ابن هشام 58 شذور الذهب في أخبار من ذهب/ ابن العماد الحنبلي 59 شرح ألفية ابن مالك/ ابن الناظم بدر الدين 60 شرح ألفية ابن مالك/ ابن عقيل 61 شرح ألفية ابن مالك/ عبد الرحمن المكودي 62 شرح ألفية ابن مالك/ ابن هشام 63 شرح المفصل/ موفق الدين ابن يعيش 64 شرح شواهد مغني اللبيب/ جلال الدين السيوطي 65 الصحاح -طبع بمطبعة بولاق/ الجوهري 66 طبقات الحنابلة/ ابن أبي يعلى 67 طبقات الشافعية/ تقي الدين السبكي 68 عصر سلاطين المماليك/ محمود رزق سليم 69 غاية النهاية في طبقات القراء/ شمس الدين بن الجزري 70 فتح الجليل على شرح ابن عقيل - على ألفية ابن مالك/ أحمد السجاعي 71 فوات الوفيات/ محمد بن شاكر الكتبي 72 الفوائد البهية في طبقات الحنفية/ الكلينوي
73 الفواكه الجنية/ أحمد الفاكهي 74 قطر الندى وبل الصدى/ ابن هشام 75 كشف الظنون/ حاجي خليفة 76 الكافية/ ابن الحاجب 77 الكتاب/ سيبويه 78 الكشاف/ الزمخشري 79 الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة - تحقيق جبرائيل جبور - طبع بيروت سنة 1945م/ نجم الدين الغزي 80 لسان العرب - طبع بولاق/ ابن منظور 81 مغني اللبيب/ ابن هشام 82 معجم المؤلفين/ عمر رضا كحالة 83 معجم البلدان/ ياقوت الحموي 84 معجم الألفاظ والأعلام القرآنية أحمد الفاكهي/ محمد إسماعيل إبراهيم 85 ملحق البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن التاسع/ محمد بن علي الشوكاني 86 منار السالك إلى أوضح المسالك - تعليق الشيخ النجار وغيره/ ابن هشام 87 المقتضب/ المبرِّد
88 مجمع الأمثال/ أبو الفضل الميداني 89 نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة/ الشيخ محمد الطنطاوي 90 النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة/ أبو المحاسن تغري 91 همع الهوامع على شرح الجوامع/ جلال الدين السيوطي 92 وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان/ شمس الدين بن خلكان
المحتويات
المحتويات: الصفحة الموضوع 3 المقدمة 9 القسم الأول "الدراسة": التعريف بالمرادي المعروف بابن أم قاسم الباب الأول الفصل الأول 9 العصر المملوكي 11 مصر في عهد المماليك 12 انتقال الحكم من الأيوبيين إلى المماليك 12 دولتا المماليك 13 حضارة مصر في عهد المماليك 15 الحركة العلمية "انتقال النشاط إلى مصر والقاهرة" 16 عوام نشاط الحركة العلمية 20 نتائج نشاط الحركة العلمية 21 المؤلفات 23 مؤلفات عربية
الفصل الثاني 27 نُبْذَة عن مصر 29 مصر 30 النحو والنحاة في عصر المماليك 32 المعاصرون للمرادي المعروف بابن أم قاسم الباب الثاني 43 الفصل الأول 45 صاحب الألفية 48 ألفية ابن مالك الفصل الثاني 61 التعريف بالمرادي 63 المرادي المعروف بابن أم قاسم 71 الفصل الثالث 73 شيوخ ابن أم قاسم 85 تلاميذ المرادي المعروف بابن أم قاسم 90 مؤلفاته 117 الفصل الرابع 119 الناقلون عن المرادي
الباب الثالث 181 الفصل الأول 183 أضواء على الشرح 196 الاعتراضات الواردة على الناظم 201 نقله عن شيخه أبي حيان 204 نقله عن سيبويه 207 مدى اعتماده على ابن الناظم في شرحه للألفية الفصل الثاني 213 اعتماد المرادي على السماع 216 ميوله للبصريين 218 مخالفته لآراء النحاة 221 الفصل الثالث 223 شواهده 229 اعتماده على القرآن الكريم 230 شرح اللغويات 233 الفصل الرابع 235 موقفه من ألفية ابن مالك وألفية ابن معط 239 رغبته في توضيح المسائل النحوية 242 مسائل: الظاهر من تعبير المرادي وتعبير النحاة أنه انفرد بها 247 مذهبه النحوي
249 القسم الثاني: تحقيق شرح ألفية ابن مالك للمرادي 251 مقدمة المحقق 251 وصف المخطوط 256 منهج التحقيق 259 الجزء الأول 261 مقدمة الألفية 267 الكلام وما يتألف منه 296 المعرب والمبني 356 النكرة والمعرفة 358 الضمير 390 العلم 405 اسم الإشارة 416 الموصول 460 المعرفة بأداة التعريف 470 المبتدأ والخبر 492 كان وأخواتها
506 ما، لا، لات، إن، المشبهات بليس 515 أفعال المقاربة 523 إنوأخواتها 544 لاالتي لنفي الجنس 555 ظن وأخواتها 571 أعلم وأرى 575 محتويات المجلد الأول 581 الجزء الثاني 583 الفاعل 598 النائب عن الفاعل 611 اشتغال العامل عن المعمول 620 تعدي الفعل ولزومه 629 التنازع في العمل 644 المفعول المطلق 654 المفعول له 657 المفعول فيه وهو المسمى ظرفا 663 المفعول معه 669 الاستثناء
692 الحال 726 التمييز 738 حروف الجر 782 الإضافة 834 المضاف إلى ياء المتكلم 837 الجزء الثالث 839 إعمال المصدر 849 إعمال اسم الفاعل 862 أبنية المصادر 869 أبنية اسما الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات 873 الصفة المشبهة اسم الفاعل 885 التعجب 902 نعم وبئس وما جرى مجراهما 33 أفعل التفضيل 945 النعت 967 التوكيد 988 العطف
993 عطف للنسق 1036 البدل 1051 النداء 1072 "فصل" في تابع المنادى 1083 المنادى المضاف إلى ياء المتكلم 1101 الجزء الرابع 1103 أسماء لازمت النداء 1110 الاستغاثة 1120 الندبة 1126 الترخيم 1150 الاختصاص 1153 التحذير والإغراء 1159 أسماء الأفعال والأصوات 1170 نونا التوكيد 1189 ما لا ينصرف 1228 إعراب الفعل 1265 عوامل الجزم
1305 فصل "أما، ولولا، ولوما" 1311 الإخبار بالذي والألف واللام 1318 العدد 1327 تمييز المركب 1325 كم، وكأين، وكذا 1346 الحكاية 1351 الجزء الخامس 1353 التأنيث 1362 المقصور والممدود 1366 كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا 1377 جمع التكسير 1419 التصغير 1443 النسب 1469 الوقف 1491 الإمالة 1508 التصريف 1550 فصل في زيادة همزة الوصل
1559 الجزء السادس 1561 الإبدال 1593 فصل "إذا اعتلت لام فَعْلى" 1596 فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلهما" 1605 فصل "إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح" 1618 فصل "إذا كان فاء الافتعال حرف لين" 1631 فصل في الإعلال بالحذف 1638 فصل في الإدغام 1653 محتويات المجلد الثالث 1657 فهرست الأبيات والشواهد 1687 مراجع الكتاب 1687 أولا: مراجع المخطوطات 1689 ثانيا: مراجع المطبوعات