توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار

الصنعاني

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف. حمدا لك يا من صح سند كل كمال إليه فلا يحوم حوله قدح ولا إعلال وشكرا لك على أياديك الحسان المنزهة عن الضعف والإعضال والصلاة والسلام على رسولك المرسل الموصول بشرائف الخلال وعلى آله الذين أحاديث شرفهم مرفوعة غير موضوعة وعلوم حديثهم لمن أرادها غير مقطوعة ولا ممنوعة الموقوف على حبهم الفوز في المعاد الموضوع من ناوأهم عن الاعتماد وعلى أصحابه الذين عليهم يدور فلك الإسناد. وبعد فهذا شرح كتبته على "تنقيح الأنظار" تأليف الإمام الحافظ العلامة النظار محمد بن إبراهيم الوزير أسكنه الله جنات تجري من تحتها الأنهار! فإنه جمع فيه نفائس تحقيقات أئمة الآثار وأضاف إليه من أنظاره ما هو نور للبصائر ولما أخذ علينا فيه بعض من لا يقنعه من التحقيق إلا أقصاه ولا يشفيه من الأبحاث إلا ما بلغ غايته ومنتهاه أمليت عليه من المعاني عند حل المباني ما يجب أن يدخره الأول للثاني فطلب كتب لفظه وإبرازه في الوجود الخطي إبقاء لحفظه فكتبت عليه ما هو قرة لعين طالب التوفيق ولا يستغني عنه إلا من يستغني التصور عن التصديق وسميته "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار" والله أسأله أن ينفع به كاتبه وقارئه والناظر بعين الإنصاف في ألفاظه ومعانيه. واعلم أن المصنف رحمه الله تعالى لم يجعل لمسائل كتابه عنوانا بمسألة ولا فصل ولا نوع ولا باب وفي عنوان المسائل بذلك مالا يخفى على ذوي الألباب، وقد عنون ابن الصلاح1 كتابه بالأنواع والمصنف رحمه الله جعل اسم كل نوع ترجمته كقوله

_ 1 ابن الصلاح هو: الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، تقي الدين أبو عمرو عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوى الشافعي. أحد فضلاء عصره في "التفسير" و "الحديث" و "الفقه". مات سنة "643" له ترجمة في: البداية والنهاية "13/168"، والعبر "5/177"،

"أصح الأسانيد" وقوله "المراد بالصحيح" إلا أنه عنوان خفي فرأيت أن اجعل عنوان كل بحث لفظ مسألة إذ قد لا يتنبه الناظر لجعله أسماء الأنواع عنوانا وقد قال جار الله1 إنه بوب المصنفون في كل من كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم ومن فوائده أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتمل على أصناف كان أحسن وأنبل وأفخم من أن يكون بيانا2 واحدا ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه وأبعث على الدروس والتحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله إلى آخر كلامه. وقد أضبط من أجوز خفاء ضبط لفظه من الرجال أو أذكر من حاله بعض ماله من الخلال ولا أتعرض لمن هو مشهود الصفات يعرفه طلبه الفن والإثبات كأهل الأمهات ومن شاركهم في الشهرة من الرواة أو أئمة المصنفات.

_ = ووفيات الأعيان "1/312". 1 جار الله هو: محمود بن عمر بن محمد بن أحمد العلامة أبو القاسم الزمخشري الخوارزمي. كان واسع العلم، كثير الفضل، غاية في الذكاء وجودة القريحة، علامة في الأدب والنحو. مات سنة "538". له ترجمة في: البداية والنهاية "12/219". وتذكرة الحفاظ "4/1238"، ووفيات الأعيان "4/254". 2 ببانا واحدا: أي طريقة واحدة ومنهج واحد. قاله شيخ شيخنا في "التعليقة السابقة".

بسم الله الرحمن الرحيم "الحمد لله الذي رفع أعلام" جمع علم وهو كما في القاموس العلم محركة الجبل الطويل والراية وله معان آخر وأنسبها هنا الراية إذ رفع العلم هنا كتابه عن علو الشأن بالنصر ونحوه "علوم الحديث" 1 شبه علوم الحديث بالجيش ثم أثبت لها لازمه وهو العلم فهو من باب أظفار المنية2 "وفضل العلم النبوي" هو كل ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ويدخل القرآن في العلم النبوي إلا أن يحمل العلم على أن اللام فيه لعلم الحديث بقرينة سبق ذكره وأن كان قوله "بالإجماع" يناسب أن يراد به ما يشمل القرآن والسنة لأنه من المتفق "على شرفه في قديم الزمان والحديث" ولا ضير في إرادة الأعم وإن كان التدوين للأخص إذا الحديث شعبة من القرآن في معانيه وبيان ما فيه. وقوله "اشترك في الحاجة إليه والحث عليه بالقرابة" وهم آله صلى الله عليه وسلم "والصحابة" يأتي تفسير الصحابي "والسلف" سلف الأمة فيشمل الصحابة ومن بعدهم إذ السلف كل متقدم كما يفيده القاموس "والخلف" هو من ذهب من الحي ومن حضر منه كما فيه أيضا والمراد هنا الآخر "فهو علم قديم الفضل" لحاجة السلف إليه وحثهم عليه "شريف الأصل" لأنه نبع من بحر النبوة، وتفرع من دوحة الرسالة فلا غرو ولأنه. "دل على شرفه العقل" لأنه علم دل على كل ما يقرب إلى الله ويبعد عما سواه وأرشد إلى مصالح الدين والدنيا ودعا العباد إلى نيل الذروة العليا وما كان بهذه

_ 1 هذا العلم يقال له: علوم الحديث، أو مصطلح الحديث، أو علم أصول الحديث، أو علم الحديث دراية: "أصول الحديث" ص "11".وعلم الحديث دراية. "أصول الحديث" ص "11". 2 من باب أظفار المنية: قال شيخ شيخنا: يريد أنه استعار بالكناية؛ لأنه شبه علوم الحديث بالجيش، أو طوى أركانه التشبيه كلها ما عدا المشبه، ثم أثبت للمشبه ما هو من لوازم المشبه به وهو الأعلام، وإضافة الأعلام إلى "علوم الحديث" تخييل كإضافة أظفار إلى المنية في قولنا: أظفار المنية نشبت بفلان". اهـ.

الصفات دل العقل على أن له الشرف الذي تقصر عن وصفه العبارات "و" كذلك دل على شرفه "النقل" عنه صلى الله عليه وسلم فإنه ورد مالا يدخل تحت الحصر من بيان شرف علم الحديث. أخرج البيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من تمسك بسنتي عنه فساد أمتي فله أجر مائة شهيد" وأخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الحافظ المنذري بإسناد لا بأس به إلا أنه قال: "أجر شهيد" 1. وكفى فيه بحديث معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل الجنة وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء يرفع الله أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم ويقتدي بأفعالهم وينتهي إلى رأيهم ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم فيستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخبار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة والتنكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام به توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام وهو إمام العمل والعمل تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء". رواه ابن عبد البر في كتاب العلم2 قال: وهو حديث حسن جدا وليس له إسناد قوي. اهـ. قال الحافظ ابن حجر3: راد بالحسن حسن اللفظ قطعا فإنه من رواية موسى بن

_ 1 "ضعيف جدا". السلسلة الضعيفة "326". 2 "1/54- 55". 3 الحافظ ابن حجر هو: شيخ الإسلام، وإمام الحفاظ في زمانه أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني ثم المصري الشافعي. برع في الحديث، في جميع فنونه. مات سنة "852". له ترجمة في: شذرات الذهب "7/270". والضوء اللامع "2/36".

محمد البلقاوي عن عبد الرحيم بن زيد العمي والبلقاوي هذا كذاب كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلي إلى وضع الحديث والظاهر أن هذا الحديث مما صنعت يداه1 وعبد الرحيم بن زيد العمي متروك أيضا2 انتهى ذكره استدلالا بأن أئمة الحديث قد يطلقون الحسن على الحديث الضعيف ويريدون حسن لفظه وسيأتي هذا في بحث الحسن وقال الحافظ المنذري وإسناده ليس بالقوي وقد رويناه من طرق شتى موقوفا انتهى. و لا يخفي أن عليه حلاوة الكلام النبوي وطلاوته ولفصوله شواهد في شرف العلم والأحاديث كثيرة وكل حديث في الحث على العلم وفضله فإنه صادق على علم الحديث بل هو العلم الحقيقي والفرد الكامل عند إطلاق لفظ العلم: العلم قال الله قال رسوله ... إن صح والإجماع فاجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين النبي وبين قول فقيه وقال المصنف رحمه الله تعالى: العلم ميراث النبي كذا أتى ... في النص والعلماء هم ورائه فإذا أردت حقيقة تدري بمن ... ورائه فكرت ما ميراثه ما خلف المختار غير حديثه ... فينا فذاك متاعه وأثاثه فلنا الحديث ورائه نبوية ... ولكل محدث بدعة أحداثه "واعتضد" من عضده كنصره أعانه "الإجماعان" إجماع السلف والخلف "عليه" أي على فضل العلم النبوي "من بعد" أي من بعد إجماع السلف وهو إجماع الخلف "ومن قبل" أي من قبل إجماع الخلف وهو إجماع السلف ويحتمل إجماع الصحابة والقرابة أو إجماع أهل العقل والنقل. ولا ريب أن علم الحديث من أشرف العلوم وأفضلها لأنه ثاني أدلة علوم الإسلام ومادة علوم الأصول والأحكام لا يرغب في نشره إلا كل صادق تقي ولا يزهد في نصره إلا كل منافق شقي قال أبو نصر بن سلام وليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته وإسناده.

_ 1 انظر ترجمته في: الميزان "4/211"، والمجروحين "2/242". 2 انظر ترجمته في: المجروحين "2/161"، والتاريخ الكبير "2/600".

"والصلاة والسلام على خاتم الرسل" لما كانت هذه الصفة معينة للموصوف وهو محمد صلى الله عليه وسلم اكتفى بها عن تعيين اسمه "وعلى أهله" هم آله1 "خير أهل" له أو خير أهل لكل ذي أهل "وعلى أصحابه كنوز الفضل" في القاموس الكنز المال المدفون فقد جعل الفضل كالمال المدفون وجعل الصحابة محله الذي يستخرج منه "وسيوف الفصل" أي السيوف التي تفصل الحق من الباطل والمؤمن من الكافر. "وبعد" أي بعد حمد الله والصلاة "فهذا" أي المعاني المخزونة في النفس بعد تزيلها المحسوس لكمال ظهورها لديه "مختصر يشتمل على مهمات علوم الحديث" وهو علم دراية لا رواية رسمه الشيخ عطا في مختصره المسمى "بالقول المعتبر في مصطلح أهل الأثر" بقوله علم يعرف به حال الراوي والمروي من جهة القبول والرد وموضوعه الراوي والمروي عنه من هذه الجهة وغايته معرفة ما يقبل وما يرد وأما الحديث فهو علم رواية ورسمه أيضا بأنه علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قيل أو إلى صحابي فمن دونه قولا أو فعلا أو هما أو تقريرا أو صفة وقيل ما جاء عن النبي صلى عليه وآله وسلم والخبر ما جاء عن غيره وعلم درايته اصطلاحي كما قال المصنف "واصطلاحات أهله ولا غنى لطالب هذا العلم" أي علم الحديث "عن معرفته" المختصر "أو" معرفة "مثله" وقد جعل ابن الصلاح أنواع علوم الحديث خمسة وستين نوعا وجعل النوع الأول معرفة الصحيح كما جعل المصنف أقسام الحديث أول أبحاثه.

_ 1 هم آله: عند الإمام الشافعي أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب؛ لحديث مسلم في الصدقة: "إنها لاتحل لمحمد ولا لآل محمد". وقال في حديث رواه الطبراني: "إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم – أو يغنيكم- " وقد قسم صلى الله عليه وسلم الخمس على بين هاشم والمطلب تاركا أخويهم بني نوفل وعبد شمس مع سؤالهم له، كما رواه البخاري. "تدريب الراوي" "1/60- 61".

مسألة (1) : في أقسام الحديث

مسألة1 [في أقسام الحديث] قال "أقسام الحديث" أي في اصطلاحات أئمة الحديث "قسمه الخطابي" هو الحافظ حمد بفتح الميم بغير همزة كما رواه الحاكم أبو عبد الله أنه سئل الخطابي عن اسمه قال اسمي حمد ولكن الناس كتبوا أحمد فتركته عليه والخطابي فقيه أديب محدث له مؤلفات منها "معالم السنين" على أبى داود وله أعلام السنن في شرح البخاري وغير ذلك وفاته سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة بمدينة بست بضم الموحدة وسكون السين المهملة ومثناه فوقية مدينة من بلاد كابل والخطابي بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وبعد الألف موحدة نسبة إلى جده وقيل إنه ذوية زيد بن الخطاب1 "في المعالم" أي معالم السنن جمع معلم بفتح الميم وسكون المهملة في القاموس معلم الشيء كمقعد مظنته وما يستدل به عليها كالعلامة كرمانة والمراد مظنة السنن وما يستدل به عليها وبهذا سمى البغوي2 تفسيره "معالم التنزيل" "إلى صحيح وحسن وسقيم" وقال ابن الصلاح: في كتابه علوم الحديث3 اعلم أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف." "وعرف الصحيح" 4 أي رسمه "بأنه عندهم: ما اتصل سنده" السند هو الإخبار عن

_ 1 انظر ترجمته في: وفيات الأعيان "2/214"، وتذكة الحفاظ "1019"، والعبر "3/39". ومرآة الجنان "2/435". 2 البغوي هو: الإمام الفقيه الحافظ أبو محمد الحسين بم مسعود بن محمد الفراء الشافعي. بورك له في تصانيفه لقصده الصالح؛ فإنه كان من العلماء الربانيين. مات سنة "516". له ترجمة في: البداية والنهاية "12/193". وشذرات الذهب "4/48". ووفيات الأعيان "1/145". 3 ص "18". 4 وعرف الصحيح: قدم لاستحقاقه التقديم رتبة ووضعا، وترك تعريفه لغة بأنه ضد المكسور والسقيم، وهو حقيقة في الأجسام بخلافه في الحديث والعبادة والمعاملة وسائر المعاني فمجاز، أو من باب الاستعارة بالتبعية لكونه خروجا عن الغرض. "فتح المغيث للسخاوي". "1/14".

طريق المتن1 من قولهم "فلان سند" أي معتمد سمي سندا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعه عليه وأما الإسناد فهو رفع الحديث إلى قائله وقد يستعمل كل منهما في مكان الآخر فقوله "ما اتصل سنده" احتراز عن المتقطع وهو الذي لم يتصل سنده بأقسامه2 ويأتي بيان أقسامه في كلام المصنف "وعدلت نقلت" احتراز عن المستور ومن قيه نوع جرح والعدل عندهم من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة ويأتي لنا بحث في رسم العدل بهذا. "ولم يشترط" الخطابي في رسم الصحيح "الضبط" كما اشترط غيره من أئمة الحديث قال السيوطي في شرح ألفيته قال الحافظ ابن حجر قول الخطابي "وعدلت نقلته" مغن عن التصريح باشتراط الضبط لأن المعدل من عدلة النقاد أي وثقوه وإنما يوثقون من اجتمع فيه العدالة والضبط بخلاف من عرفه بلفظ العدل فيحتاج إلى زيادة قيد الضبط فلا اعتراض عليه [ويؤخذ من هذا أنه إذا قيل فلان ثقة يخطئ ففيه مناقضة] نعم يبقى الاعتراض عيه بعد زيادة قيد السلامة عن الشذوذ كما يأتي والضابط عندهم من يكون حافظا متيقظا غير مغفل ولا ساه ولا شاك في حالتي التحمل والأداء وهذا الضبط التام وهو المراد هنا. واعلم أن الضبط قسمان ضبط صدر بأن يثبت الراوي ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء وضبط كتاب بأن يصونه منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه لأن الناقل إن كان فيه نوع قصور عن درجة الإتقان دخل حديثه في حد الحسن وإذا نزلت درجته عن ذلك ضعف حديثه3.

_ 1 قوله: "طريق المتن" يعنون بالطريق سلسلة الرواة الناقلين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سموا طريقا على سبيا المجاز؛ لأنهم يوصلون إلى المتن كما يوصل الطريق إلى المكان المقصود. "المصباح". ص "9". 2 لم يتصل سنده بأقسامه: يدخل فيه المنقطع والمرسل بقسميه والمعضل والمعلق الصادر ممن لم يشترط الصحة كالبخاري؛ لأن تعليقه المجزومة المستجمعة للشروط فيمن بعد المعلق عنه لها حكم الاتصال، وإن لم نقف عليها من طريق المعلق عنه فهو لقصورنا وتقصيرنا. "فتح المغيث". "114". 3 انظر "فتح المغيث". "1/15".

"ولا" اشترط الخطابي "سلامة الحديث من الشذوذ" احترازا عن الحديث الشاذ وسيأتي بيانه "و" لا اشترط سلامته من "العلة" والذي لم يسلم منها يقال له المعل أي الذي لم يسلم عن أسباب حفية قادحة كما ستعرفه في تعريف العلة في كلام المصنف فإن قيل هذا قيد مستدرك فإنه لا يخفى على الضابط الحازم مثل تلك القادحة قيل يقال الصارم قد ينبو والحازم قد يسهو. "ولا بد من اشتراط الضبط" أي لا فراق ولا محالة كما في القاموس أي لا بد من اشتراط تمام الضبط ولا مطلقه كما ستعرفه من عبارات أئمة هذا الشأن وكأن المصنف أطلقه بناء على أن الضبط التام هو الفرد الكامل المتبادر كما هو الواقع في رسوم الصحيح عند علماء الفن. قال ابن الصلاح: أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه1 وقال الحافظ ابن حجر في "لنخبة"2بنقل عدل تام الضبط ومثله عبارة المصنف في مختصره في هذا الفن. ووجه الاحتياج إلى هذا القيد في الرسم قوله "لأن من كثر خطؤه عند المحدثين" الظاهر تعلقه بقوله "استحق الترك" فلو أخره كان أولى فإن المعنى استحقاق كثير الخطأ الترك عند أئمة الحديث لا أن كثرة أخطائه عند المحدثين كما هو واضح ترشد إليه عبارته الآتية قريبا "وإن كان عدلا" إذا العدالة لا تنافي كثرة الخطأ في الرواية إذ مدرك ذلك عدم تمام الضبط ومدرك العدالة غيره وهذا في كثرة الخطأ وأما خفته فإنه يكون الراوي معه مقبولا ويصير حديثه حسنا كما قال الحافظ فإن حف الضبط فهو الحسن لذاته. وقال المصنف في مختصره فإن خف الضبط وكان له من جنسه تابع أو شاهد فالحسن ويأتي تحقيق ذلك في بحثه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. "وكذلك" أي يستحق الترك "عند الأصوليين" أي أهل أصول الفقه ولكن بشرط غير شرط الأولين وهو "إذا كان خطؤه أكثر من صوابه واختلفوا" أي الأصوليون لا أهل الحديث فإنه يعلم أنهم إذا تركوا من كثر خطؤه فتركهم من تساوي خطؤه وصوابه بالأولى والفرق بين كثيرا وأكثر ظاهر فهذان قسمان والثالث: أشار إليه بقوله "إذا

_ 1 علوم الحديث ص "20". 2 ص "29".

استويا فالأكثر منهم" أي الأصوليين "على رده" لعدم الظن بصدقه "لأنه لا يحصل الظن بصدقه" ولا يقبل إلا ما يظن صدقه وإلا كان تحكما وهذا ثالث الأقسام ورابعها أن يخف ضبطه وهذا لم يذكره المصنف وقد أشرنا إليه وخامسها من صوابه أكثر من أخطائه وهو مفهوم كلام المصنف حيث قال لأن من كثر خطؤه عند المحدثين واستحق الترك كما سلف وهذا يحتمل أنه الخفيف الضبط فهو مقبول عند المحدثين لكن حديثه حسن لا صحيح عندهم ويكون مقبولا عند الأصوليين. "ومنع رده جماعة منهم المنصور بالله" عبد الله بن حمزة "ولكنه قال طريق قبوله الاجتهاد" ولا يخفي أن هذه كلها أخبار آحاد وطريق قبولها الاجتهاد وهو النظر في أدلة التعبد بأخبار الآحاد فما وجه تخصيص هذا القسم بالشرط المذكور ثم لا يخفى أنه إذا استوى ضبط الراوي وعدمه كان قبول روايته قبولا مع الشك فيها والشك لا يعمل به فإن أراد المنصور بالله أنه إذا حفته قرائن تقيد المجتهد ظن صدقه فليس يعلم بالمشكوك فيه من هذه الجهة بل من جهة ما حفه من القرائن. "كما هو قول عيسى بن أبان" بفتح الهمزة "ذكره" المنصور بالله "في" كتابه "الصفوة" وحكاه عنه في الجوهرة للشيخ الحسن الرصاص "وكذلك الفقيه عبد الله بن زيد" العنسي "ذهب إلى قبوله" أي قبول من تساوى ضبطه وعدمه. وأما قوله "وادعى الإجماع على قبوله إن كان صوابه أكثر من خطائه" فيحمل على أن ضمير قبوله في هذه الجملة للراوي المفيد بكثرة صوابه على خطائه لتصح دعوى الإجماع لا فيمن تساويا وإن كانت عبارته تقضي بعود الضمير إليه إذ الكلام فيه ولا يصح أن يجعل قوله "إن كان صوابه أكثر من خطائه" قيدا لقوله "ذهب إلى قبوله" لأنه غير محل النزاع فإن النزاع فيمن تساويا فيه ولا من كان خطؤه مكثورا فإن مفهوم قوله آنفا أنه يرد الأصوليون من كان خطاؤه أكثر من صوابه أن من كان صوابه أكثر من خطائه غير مردود عندهم وكذلك عند المحدثين لأن الأظهر أنه المراد بخفيف الضبط الذي جعلوا حديثه حسنا ولهذا راج للفقيه عبد الله دعوى الإجماع على قبوله "ذكر" الفقيه عبد الله "ذلك كله في الدرر" جمع درة، وهو كتاب للفقيه في أصول الفقه "وفي دعوى" الفقيه عبد الله "الإجماع نظر لمخالفة المحدثين". اعلم أنه يتصور هنا أربع صور: الأولى: تام الضبط.

الثانية: من تساوى ضبطه وعدمه. الثالثة: من كان ضبطه أكثر من عدمه. الرابعة: من عدم ضبطه أكثر من ضبطه. وينضاف إليها صورتان: الأولى: من قل غلطه. والثانية: من كثر غلطه. الأولى من الأربع بشرط الصحيح والخامسة شرط الحسن فإن قلة الضبط هي خفته والسادسة هي التي قال المصنف إنه يستحق صاحبها الترك عند المحدثين وأما من صوابه أكثر من خطائه وهي الصورة الثالثة فمفهوم كلام المصنف أن صاحبها مقبول عند الأصوليين ويحتمل أنها صورة خفة الضبط عند المحدثين فيكون مقبولا عندهم أيضا فأنا لم ترهم عينوا خفة الضبط برتبة يتميز بها عن غيره وعلى هذا فقد قبل المحدثون أهل هذه الصفة في رجال الحسن فلا يتم قول المنصف إن في دعوى الفقيه عبد الله الإجماع نظرا لمخالفة المحدثين فإن الفقيه عبد الله ادعى الإجماع على قبول من صوابه أكثر من خطائه وهو فيما يظهر لنا خفيف الضبط فيتم دعواه الإجماع على قبوله من الفريقين لكنه شرط للحسن والفقيه عبد الله إنما يتكلم على مجرد القبول لا على ما هو شرط الصحيح ويدل لذلك أن المحدثين جعلوا من القوادح في الراوي فحش غلطة أي كثرته وسوء حفظه وهو عبارة عمن يكون غلطة أكثر من إصابته هكذا ذكره الحافظ في النخبة وشرحها. فالذي ذكر المحدثون أربع صور تام الضبط خفيفة كثير الغلط من غلطة أكثر من حفظه فالأوليان مقبول من اتصف بهما والأخريان مردود من اتصف بهما. فعرفت أن قوله "إلا أن يعني إجماع الصحابة وإجماع غيرهم كما أشار إليه" لا حاجة إليه اللهم إلا أن يتبين أن المحدثين يفرقون بين من صوابه أكثر من خطائه وبين خفيف الضبط فيقبلون الثاني: في الحسن ويردون الأول صح ما قاله المصنف رحمه الله تعالى! "وأما السلامة من الشذوذ والعلة" عطف على قوله "ولا بد من اشتراط الضبط" أي وأما اشتراط السلامة من الشذوذ والعلة أي في رسم الصحيح كما صنعه جماعة من أئمة الحديث "فقال الشيخ تقي الدين" هو العلامة التقي محمد ابن علي القشيري

المعروف بابن دقيق العيد1 "في" كتابه المسمى "الاقتراح في هذين الشرطين نظر" أي في ذكرهما في رسم الصحيح "على مقتضى نظر الفقهاء" لا على مقتضى نظر أئمة الحديث وقد صرح بهذا المفهوم بقوله "إن أصحاب الحديث زادوا ذلك في حد الصحيح" "فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء" فليست عندهم شرطا في صحة الحديث. واعلم أن بعض المحدثين يردون الحديث بالعلل سواء كانت قادحة أو غير قادحة كما صرح به الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح حيث قال وأما الفقهاء فلا يردونه إلا بالعلة القادحة كما ذكره الشيخ تقي الدين بقوله فإن كثيرا من العلل إلى قوله لا تجري على أصول الفقهاء2 فإن فيه ما يدل أن قليلا منها تجري على أصولهم وهي العلل القادحة لا غير القادحة. قال الحافظ وأما العلل التي يعلل بها كثير من المحدثين ولا تكون قادحة أي عند الفقهاء فكثيرة منها أن يروي العدل الضابط عن تابعي مثله عن صحابي حديثا فيرويه عدل ضابط مثله مساو له في عدالته وضبطه وغير ذلك من الصفات العلية عن ذلك التابعي بعينه عن صحابي آخر فإن هذا يسمى علة عندهم أي المحدثين لوجود لوجود الاختلاف على ذلك التابعي في شيخه ولكنها غير قادحة لجواز أن يكون التابعي سمعه من الصحابيين معا ومن هذا جملة كثيرة انتهى. قلت: كلام الشيختقي الدين تنظير على شرطي السلامة من الشذوذ من العلة ولم يبين وجه النظر إلا في اشتراط السلامة من العلة دون الشذوذ فالعلة قاصرة عن المدعي ثم لا يخفى أنه قد حصل مما ذكر أن اصطلاح الفقهاء في صحة الحديث غير اصطلاح المحدثين إذ المحدثون يشترطون خلوه من العلة مطلقا والفقهاء يشترطون خلوه من العلة القادحة فهو اصطلاحهم أخص منه باصطلاح الفقهاء وإذا كان كذلك فلا يتم جمع الخاص والعام في رسم واحد فاعتراض الشيخ تقي الدين على رسم المحدثين بأنه غير موافق لاصطلاح الفقهاء غير وارد بل لا بد من مخالفة الرسمين.

_ 1 التقي محمد بن علي القشيري المعروف بابن دقيق العيد الإمام الفقيه الحافظ شيخ الإسلام. كان من أذكياء زمانه، واسع العلم، مديما للسهر، لم تر العيون مثله. مات سنة "702" له ترجمة في: شذرات الذهب "6/317"، والوافي بالوفيات "4/193". 2 انظر "فتح المغيث"، "1/16".

لاختلاف الاصطلاحين. "قال ابن الصلاح": هو كما قال الذهبي في التذكرة الإمام الحافظ المفتي شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان الشهرزوري الشافعي صاحب كتاب علوم الحديث وقال أبو حفص بن الحاجب في معجمه إمام ورع وافر العقل حسن السمت متبحر في الأصول والفروع بارع في الطب وأثنى عليه الذهبي كثيرا ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة قال بان خلكان كان أوحد فضلاء عصره في التفسير والفقه "وزين الدين" هو العلامة الحافظ عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن العراقي البغدادي كان إماما علامة مقرئا فقيها شافعي المذهب أصوليا منقطع القرين في فنون الحديث وصناعته ارتحل فيه إلى البلاد النائية وشهدت له بالتفرد فيه أئمة عصره وعولوا عليه ولى قضاء المدينة نحو ثلاث سنين وسلوك وانتفع به الأجلاء مع الزهد والورع والتحري في الطهارة وغيرها والتقنع باليسير التواضع والكرم والوفاء أفرد ابنه له ترجمة في تأليف مات في شعبان سنة ست وثمانمائة عن إحدى وثمانين سنة ذكره الحافظ السخاوي في "شرح الألفية"1 "فالصحيح ما اتصل سنده بنقل عدل ضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة قادحة" ظاهره أن هذا رسم ابن الصلاح والزين بلفظه والذي رسمه ابن الصلاح، ليس فيه لفظ قادحة بل لفظه كما قدمنا بعضه وتمامه "وأن لا يكون شاذا ولا معللا". وأما الزين فإنه زاد وصف العلة بالقادحة في رسمه فكأن المصنف أراد أن هذا الرسم مجموع رسميهما وإن ذكر أحدهما ما لم يذكره الآخر لكن عرفت أن الرسم على اصطلاح المحدثين إذ هذه الكتب ألف في بيان اصطلاح وعرفت أنهم يشترطون في الصحيح السلامة من العلة مطلقا فزيادة القادحة في وصف العلة زيادة قادحة في صحة الرسم على أصلهم فحذف ابن الصلاح لها هو الصواب وإثبات الشيخ زين الدين لها صير رسمه على اصطلاح الفقهاء وهو بصدد بيان اصطلاح المحدثين نعم قال ابن الصلاح: في بيان فوائد قيود حده إنه احترز عما فيه علة قادحة يريد أنه وقع الاحتراز عن هذا بقوله "معللا". ومراده قادحة على رأي المحدثين وإن لم تكن قادحة عند الفقهاء بدليل أنه مثل في النوع الثامن عشر في بحث

_ 1 "1/2". وله ترجمة أيضا في: إنباه الغمر "2/275"، وشذرات الذهب "7/55"، والضوء اللامع "4/171".

المعلل بأمثلة يقدح بها المحدثون ولا يقدح بها الفقهاء وسيأتي. وبهذا تعرف أن وصفه للعلة بالقادحة عند بيان القيود وإهمالها في الرسم بيان منه لما عليه المحدثون فإن العلة تقدح عندهم في صحة الحديث وإن لم تقدح عند غيرهم فحذف وصفها بالقادحة في الرسم لأن ألفاظه إنما يؤتى بها للاحتراز والجمع والمنع فلو أتى بقيد القادحة في الرسم لحمل رسمه على اصطلاح الفقهاء فإنه يحترز به عن العلة التي ليست بقادحة عندهم وأتى به في بيان فوائد القيود وصفا كاشفا لا تحترز به عن شيء وبه تعرف أن وصف العلة بالقادحة عند الفقهاء احتراز عن علة لا يقدح بها وأن وصفها في لسان المحدثين إنما هو للكشف لا للاحتراز. وقلنا في نظمنا للنخبة في رسم الصحيح: وهو بنقل العدل ذي التمام ... في ضبط ما يروى عن الأعلام منصلا إسناد ما يرويه ... لا علة ولا شذوذ فيه يدعي الصحيح في العلوم عرفا فهذا كما ترى جامع مانع على اصطلاح أئمة الحديث. وبهذا التحقيق تعلم أن اعتراض الشيخ تقي الدين ليس في محله وتعرف أن قول ابن حجر في جوابه عن اعتراضه إن ابن الصلاح لم يخل بذلك القيد بل قوله في الرسم ولم يكن معللا يريد علة خفيه قادحة مستدلا برسمه للحديث المعلل على اصطلاح المحدثين حيث قال: "أنه الحديث الذي اطلع في إسناده على علة خفيه قادحة" غير صحيح لأنه لم يرد بوصف العلة بالقادحة في رسم العلل إلا القادحة عند المحدثين ولا مفهوم لها بل هي وصف كاشف وتعرف إتقان ابن الصلاح في رسمه وجريه على اصطلاح أئمة الحديث من غير ملاحظة لاصطلاح غيرهم. وقد حذف المصنف في مختصره من رسم الصحيح قيد القادحة فهو غير موافق لما قررناه هنا فتأمل وتعرف أنه كان يحسن من المصنف تأخير كلام الشيخ تقي الدين وأن يفرد عبارة ابن الصلاح ثم يورد عقبيها اعتراض الشيخ تقي الدين فإنه اعتراض لرسم ابن الصلاح. "قال الشيخ تقي الدين: لو قيل هذا" أي الرسم الذي ذكره ابن الصلاح وزين الدين رسم "الحديث الصحيح المجمع على صحته لكان" قولا "حسنا لأن من لا يشترط هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف" يريد أنه لو قيل إن رسم ابن الصلاح

الذي سبق اعتراضه له رسم للحديث الصحيح المتفق على صحته لكان حسنا لأن من العلماء من لا يشترط ما ذكر من الشروط فيما يجعله صحيحا فيكون هذا صحيحا عنده لأنه حوى ما شرطه وزيادة "ومن شرط الحد الجمع" لأفراد المحدود "والمنع" لدخول غيرها في، "فقال ابن الصلاح1: هذا صحيح باتفاق أهل الحديث" قلت: ذلك لأنه قد جمع القيود المعتبرة عند أئمة الحديث وهي ثلاثة ثبوتية وهي اتصال السند وعدالة الناقل وضبطه وقيدان عدميان هما عدم الشذوذ والعلة فهذه الخمسة هي المعتبرة في حقيقة الصحيح عند المحدثين لكن تقييده هنا للعلة بالقادحة أخرج منه بعض أفراد الصحيح وهو ما فيه علة غير قادحة فإنه غير صحيح عند المحدثين كما عرفت. فقوله: "صحيح باتفاق المحدثين" مسلم لكنه غير جماع لخروج بعض أفراد الصحيح منه عندهم كما عرفت وقد قال الشيخ تقي الدين "من شرط الحد الجمع والمنع" وهذا الحد قد جمع أفراد المحدود ومنع ما عندها وإن خرج منه بعض أفراد الصحيح أئمة الحديث وتسمية مثل هذه الرسوم حدودا لا يتم على اصطلاح أهل الميزان فهو من باب التسامح في ذلك. ويحتمل أن يراد بقوله: "ومن شرط الحد ... إلى آخره" الاعتراض على الحد بأنه لم يشمل كل أفراد الصحيح على اصطلاح الفقهاء فلم يكن جامعا فإن أراد هذا فجوابه ما سلف أنه بصدد رسمه على اصطلاح المحدثين ومعناه أخص من معناه عند الفقهاء ولا يتم جمع الأخص والأعم في حد. وقد أفصح ابن الصلاح عن مراده من بيان معناه عند الفقهاء بما نقله عنه المصنف من قوله "فقال ابن الصلاح: هذا صحيح باتفاق أهل الحديث" ولفظ ابن الصلاح فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث انتهى فتسامح الزين في عبارته ولم ينقلها بلفظها وتبعه المصنف ثم رأيت بعد ككتب هذا بأيام في "شرح الإلمام" لابن دقيق العيد المتن والشرح له ما لفظه إن لكل من أئمة الفقه والحديث طريقا غير طريق الآخر فإن الذي تقضيه قواعد الأصول والفقه أن العمدة في تصحيح الحديث عدالة الراوي وجزمه بالرواية ونظرهم يميل إلى اعتبار التجويز الذي يمكن

_ 1 علوم الحديث ص "20".

معه صدق الراوي وعدم غلطه فمتى حصل ذلك وجاز أن لا يكون غلطا وأمكن الجمع بين روايته ورواية من خالفه بوجه من الوجوه الجائزة لم يترك حديثه فأما أهل الحديث فإنهم قد يروون الحديث من رواية الثقات العدول ثم تقوم لهم علل تمنعهم عن الحكم بصحته انتهى كلامه بنصه وهو صريح في اختلاف الاصطلاحين في مسمى الصحيح من الحديث كما قررناه والحمد لله. واعلم أن ابن الصلاح قال في كتابه "علوم الحديث": "أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل بإسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا" ثم قال: "فهذا الحديث الذي تحكم له بالصحة بلا خلاف بين المحدثين" انتهى كلامه بلفظه. إذا عرفت هذا عرفت أن تعريف ابن الصلاح جامع مانع على رأي أهل الحديث كما قررناه ولكن المصنف لما أتى بالتعريف الذي نسبه إلى ابن الصلاح والزين وفيه تقييد العلة بالقادحة فخرج بزيادتها عن أن يكون جامعا على رأي المحدثين كما عرفناك. ثم قال ابن الصلاح:: "فهذا هو الحديث ... إلى آخره" مشيرا إلى رسمه فكلامه صحيح وحده جامع مانع على رأي المحدثين فالخلل وقع من نسبة المصنف الحد الذي أتى به إلى الزين وابن الصلاح وزيادة "قادحة" للزين فقط وعرفت أن قول المصنف فقال ابن الصلاح: هذا صحيح نقل لكلام ابن الصلاح بالمعنى على أنه إنما أشار بهذا إلى الحديث حيث قال فهذا الحديث الذي نحكم له بالصحة وعبارة المصنف رحمه الله تعالى قاضية بأن الإشارة إلى الحد الذي ذكره هو. "قال زين الدين: إنما قيد" أي ابن الصلاح "نفى الخلاف بأهل الحديث لأن في المعتزلة من يشترط العدد1" أي زيادة عدد الرواة على الواحدة "حكاه الحازمي" هو الأمام الحافظ البارع النسابة أبو بكر محمد بن موسى بن حازم الهمذاني أثنى على الذهبي وذكر له عدة مؤلفات منها الناسخ والمنسوخ في الحديث وعدله أشياء غير ذلك2 "في شروط الأئمة" لفظ الزين في شرح ألفيته بعد نقل كلام ابن الصلاح إنما قيد نفي

_ 1 فتح المغيث "1/11". 2 قال ابن النجار: كان من اتلأئمة الحفاظ، العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله، ثقة حجة زاهدا ورعا عابدا، أدركه أجله شابا. له ترجمة في: البداية والنهاية "12/332"، والعبر "4/254"، ووفيات الأعيان "1/488".

الخلاف بأهل الحديث لأن بعض متأخري المعتزلة يشترط العدد في الرواية كالشهادة إلى آخره فأفادت عبارته أنه أشار ابن الصلاح إلى من يقول أنه يشترط في الرواية عدد الشهادة وهو الاثنان وهذا العدد ذكره أبو منصور عن الجاحظ1. [وعبارة المصنف بقوله العدد مجملة في قدر العدد فلذا نقلنا لفظ الزين] . وأنه يشترط في الرواية الاثنين عن الاثنين والمصنف قال "قلت: بل مذهب البغدادية من المعتزلة اشتراط التواتر" وهو نقل جماعة عن جماعة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب مع استواء الوسط2 والطرفين3 بشرط أن يسند إلى الحس4 ولا يشترط له عدد معين عند المحققين كما عرف في الأصول. وكأن المصنف أراد بمجرد الإفادة أن من الناس من يشترط التواتر وإلا فأنه لا يصح تفسير عبارة الزين بمذهب البغدادية من المعتزلة لأن من يشترط التواتر لا يشترط عددا معينا وعبارة الزين أن بعض المعتزلة يشترط العدد في الرواية كالشهادة فلا يصح أن يجعل إشارة إلى القائلين منهم بشرطية التواتر. فإن قلت: لعل معتزلة بغداد يجعلون للتواتر عددا معينا فيصح تفسير ما قاله الزين بهم. قلت: لا يصح وإن قالوا بالعدد لاتفاق القائلين إنه لابد وأن يكون أهل التواتر أكثر من أربعةوزين الدين أشار إلى من يقول إن الرواية كالشهادة والشهادة عند

_ 1 الجاحظ هو/ أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، ويعرف بالجاحظ لجحوظ عينيه، واشتهر بقبيح خلقته، وبلغ من الذكاء وجودة القريحة ما جعله من كبار أئمة الأدب. مات سنة "255هـ". له ترجمة في: وفيات الأعيان "1/388"، وطبقات الأدباء "254"، وتاريخ بغداد "12/214". 2 يقصد بالاستواء: الاستواء في الكثرة، وإن تفاوت العدد مثل أن يكون عدد الطبقة الأولى ألفا، وعدد الثانية تسعمائة، وعدد الثالثة ألفا وتسعمائة. 3 الطرفين: المراد بهما الطبقة الأولى من الرواة، وهي التي نقلت الخبر عن مصدره الأصلي، والطبقة الأخيرة وهي التي ألقت الخبر إلى السامع. 4 الحسن: معناه أن يكون ذلك الخبر مما يدرك بالحس، ويكون مستند المخبرين هو الإحساس على وجه اليقين. وذلك مثل أن يقولوا: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا، وسمعناه يقول كذا، فإن كان الخبر مما لا يدرك بالحس لا يسمى متواترا. "توجيه النظر" ص "34" بتصرف يسير.

الإطلاق تتبادر إلى الاثنين على أنا لو حملنا عبارته على أكثر نصاب الشهادة فهو أربعة [كما في الزنا] والتواتر لا يكفي فيه الأربعة. واعلم أنه قال الحافظ ابن حجر إنه رأي في تصانيف الجاحظ أحد المعتزلة أن الخبر لا يصح عندهم إلا إن رواه أربعة وعن أبي علي الجبائي أحد المعتزلة كما حكاه أبو الحسين البصري في المعتمد أن الخبر لا يقبل إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر وعضده موافقة ظاهر الكتاب أو ظاهر خبر آخر أو يكون قد اشتهر بين الصحابة أو عمل بعضهم انتهى. وفي مختصر المنتهى لابن الحاجب أن الجبائي يقول لا يجوز التعبد بخبر الواحد عقلا وأما وجوب العمل به فإنه نسب عدم وجوب العمل به إلى القاشاني وابن داود والرافضة وجعلها مسألتين. "وعندي أنه" أي ابن الصلاح "لو لم يقيد نقي الخلاف بذلك" أي بقوله عند المحدثين "كما فعل الشيخ تقي الدين" ابن دقيق العيد فإنه قال لو قيل هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته فإنه أطلق الإجماع ولم يقيده بالمحدثين ولا غيرهم لكان أي الحد مع عدم التقييد "صحيحا ويحمل على إجماع الصحابة" أي يحمل رسم ابن الصلاح للصحيح بتلك القيود على أنه أراد إجماع الصحابة والمراد إجماعهم على قبول من له تلك الأوصاف لا أنهم رسموا الصحيح فإن هذا التقسيم للحديث عرف حادث بعد عصرهم "ومن بعدهم" من التابعين "حتى حدث هذا الخلاف" أي خلاف المعتزلة. قلت: في كلام المصنف رحمه الله تعالى أبحاث: أحدها: أن الصحابة لم يجمعوا على قبول من له هذه الأوصاف فإنه سيأتي للمصنف رحمه الله تعالى أن عليا كرم الله وجهه يحلف الراوي وقد علم من كتب الحديث أن عمر1 رضي الله عنه رد خبر المغيرة ورد خبر أبي موسى حتى انضم إليهما غيرهما ورد خبر فاطمة بنت قيس ورد على رضي الله عنه خبر معقل بن سنان وقال أعرابي بوال على عقبيه وإن قيل إنه لم يصح عنه ثم كانوا يقبلون

_ 1 عمر هو: ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي المدني أمير المؤمنين، كان من قديمي الإسلام والهجرة، وممن صلى إلى القبلتين، وشهد المشاهد كلها. ومات سنة "23". له ترجمة في: أسد الغابة "4/145"، والإصابة "2/511"، وشذرات الذهب "1/33".

المرسل فإنهم قالوا إن ابن عباس1 رضي الله عنهما لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم: إلا بضعة عشر حديثا وقيل أقل وروي الكثير الطيب عن الصحابة من دون ذكرهم وكذلك غيره. الثاني: أن ابن الصلاح قد صرح بمراده من قيد نقي الخلاف فإنه قال باختلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلاف في اشتراط بعض هذه الأوصاف كما في المرسل انتهى فأفاد أن المحدثين يختلفون في صحته لعدم وجود بعض الأوصاف التي هي الاتصال بنقل العدل الضابط عن مثله وعدم الشذوذ والعلة فإن وجدت فهو عندهم صحيح بلا خلاف بينهم وإن فقد البعض منها جاء فيه الخلاف ومثل بالمرسل لأنه فقد الاتصال وقد ذهب أقوام إلى أنه صحيح ولذا قال المصنف في مختصره في رسم الصحيح إنه نقل عدل تام الضبط متصل السند غير معل ثم قال وعند من يقبل المرسل نقل عدل غير مغفل بصيغة الجزم دون التمريض والبلاغ فجعل المرسل قابليه قسما من الصحيح. وإذا عرفت هذا عرفت أن ابن الصلاح لم يرد بقوله بلا خلاف بين أهل الحديث الإشارة إلى من يشترط العدد من المعتزلة كما قاله زين الدين بل الإشارة إلى خلاف أهل الحديث الذين ألف كتابه في اصطلاحهم ولذا قال قد يختلفون أي أهل الحديث أنفسهم فالحديث إن جمع تلك القيود اتفقوا على صحته وإن فقد بعضها جاء فيه الخلاف بين أهل الحديث إذا منهم من لا يشترط تمام الضبط فيدخل الحسن في الصحيح كما سيأتي. وبه تعرف أنه لا بد من التقييد لنفي الخلاف بالمحدثين إذ التأليف على اصطلاحهم والخلاف بينهم لا أنه إشارة إلى من يشترط العدد وتعرف أنه لا يريد إجماع الصحابة وكيف يحمل كلامه على الإشارة إلى من يشترط العدد كما زعمه زين الدين وهو يقول لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض الأوصاف - أي في شرطيته - كالاتصال فان من يقبل المرسل لا يشترطه ولم يقل

_ 1 ابن عباس هو: عبد الله بن عباس القرشي الهاشمي المكي، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر. مات سنة "70". له ترجمة في: أسد الغابة "3/290"، والإصابة "1/322".

لاختلافهم هل تكفي هذه الأوصاف أو لابد من زيادة عليها حتى يفسرها باشتراط العدد. وبه أيضا تعرف أن قول المصنف قلت: بل مذهب البغدادية من المعتزلة اشتراط التواتر ليس في محله. البحث الثالث: أن من جعل ذلك القيد للإشارة إلى من يشترط العدد مبنى على أنه أريد بالعدل الضابط في الرسم الواحد فلا يدخل فيه الاثنان ولا أكثر منهما ولا تصح إرادته لأنه يخرج حينئذ عن الرسم الحديث العزيز وهو ما يرويه اثنان عن اثنين والمشهور وهو ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين والكل من قسم الآحاد ورسم الصحيح عام لهما فلابد من أن يراد بالعدل والضابط والجنس ليشمل ما ذكر وحينئذ لا يخرج عنه من يشترط العدد باثنين أو أكثر. البحث الرابع: كلام الزين والسيد محمد رحمهما الله تعالى أن شرط العدد إنما هو لجماعة غير أهل الحديث غير صحيح فإن أهل الحديث قاطبة قد اعتبروا العدد في العزيز وهو أحد أقسام الآحاد كما عرفت وإنما اختص الجبائي بأنه حصر المقبول من الآحاد عليه فما فوقه ثم أنه قد نقل ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول أن شرط الشيخين أن يروي الحديث الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المشهور وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري ومسلم متقنا مشهورا بالعدالة في روايته ثم قال وهذا الشرط الذي ذكرناه ذكره الحاكم ثم رد ابن الأثير على من قال إن هذا لا يتم إذ في البخاري أحاديث على غير هذا الشرط كما هو معروف في كتابه وقرر أن هذا شرط الشيخين. وقال الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها1 عند ذكر العزيز وهو أن لا يروي الحديث أقل من اثنين وليس شرطا للصحيح خلافا لمن زعمه وهو أبو على الجبائي من المعتزلة وإليه يومئ كلام الحاكم2 في علوم الحديث قال الصحيح أن يرويه

_ 1 ص "24". 2 الحاكم هو: الحافظ الكبير إمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي الطهماني النيسابوري. كان إمام عصره في الحديث العارف به معرفته، ثقة يميل إلى التشيع. مات سنة "405". له ترجمة في: البداية والنهاية "11/355".، والعبر "3/91"، ووفيات الأعيان "1/484".

الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة بأن يكون له راويان ثم يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة وصرح به القاضي أبو بكر بن العربي1 في شرح البخاري. ثم قال: قال ابن رشيد2: ولقد كان يكفي القاضي في بطلان ما ادعى أول حديث فيه مذكور. انتهى. قلت: وإليه أشرنا في نظم النخبة بقولنا: وليس شرطا للصحيح فاعلم ... وقيل شرط وهو قول الحاكم ومراده ابن رشيد بأول حديث: "إنما الأعمال بالنيات" 3 وهو مروي بالآحاد فإنه لم يروه إلا عمر رضي الله عنه ولم يروه عنه إلا علقمة ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن ابراهيم ثم تفرد به يحيى بن سعيد عن محمد وكذلك آخر حديث مذكور فيه وهو حديث: "كلمتان خفيفتان على اللسان...." إلخ4 لم يروه إلا أبو هريرة وتفرد به عنه أبو زرعة وتفرد به عنه عمارة بن القعقاع وتفرد به محمد بن فضيل وعنه انتشر. وإذا عرفت هذا عرفت أن في اعتبار خلافا لبعض أئمة الحديث وادعي أنه شرط البخاري لكن التحقيق خلاف ذلك. "وسوف يأتي تعريف الحسن والضعيف وغيرهما إن شاء الله تعالى" بعد استيفاء الكلام على ما يتعلق بالصحيح.

_ 1 أبو بكر بن العربي هو: العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي. جمع وصنف وكان متبحرا في العلم، ثاقب الذهن، كريم الشمائل. مات سنة "453". له ترجمة في: البداية والنهاية "12/228"، والعبر "3/340"، ووفيات الأعيان "1/489". 2 ابن رشيد هو: الإمام المحدث ذو الفنون محب الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد الفهري السبتي. قال ابن حجر: طلب الحديث فمهر فيه. وقال لسان الدين بن الخطيب: كان إماما، علي الإسناد، تام العناية بصناعة الحديث. مات سنة "721". له ترجمة في: البدر الطالع "2/234"، والدرر الكامنة "4/229". 3 البخاري "1/2"، ومسلم في: الإمارة: حديث "155"، وأحمد "1/25". 4 البخاري "8/107".، ومسلم في: الذكر والدعاء: حديث "13"، وأحمد "2/232".

مسألة (2) : في بيان مراد أهل الحديث بقولهم: هذا حديث صحيح

مسألة 2 [في بيان مراد أهل الحديث بقولهم: هذا حديث صحيح] "المراد" أي مراد أهل علوم الحديث "بالصحيح والضعيف" ذكره وإن كان تعريفه متأخرا ذكرا لحكم النقيض عند حكم نقيضه "قال زين الدين: وحيث يقول المحدثون هذا حديث صحيح فمرادهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد لا أنه مقطوع بصحته" 1 هو مأخوذ من كلام ابن الصلاح فإنه قال ليس من شرطه يريد الصحيح أن يكون مقطوعا به "في نفس الأمر" 2. وهذا كلام صحيح "لجواز الخطأ والنسيان على الثقة" سواء أريد المصحح له من الرواة إلا أنه لا يخفي أن هذا الإخبار عن مرادهم قليل الإفادة لأنه معلوم أن ما في نفس الأمر لا يطلع عليه إلا الله تعالى وأنه لا يكلف أحدا إلا بالعمل بما خوطب به وظهر له صحته أو غيرها. وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "إنما أقطع له قطعة من نار" 3 لأنه يحكم بما أوجب عليه الحكم به عنده وهو حصول نصاب الشهادة مثلا وإن كانت كذبا في نفس الأمر وقد نقل إليه صلى الله عليه وسلم أن رجلا يأتي أم ولده فأرسل عليا عليه السلام لقتله فوجده محبوبا فتركه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحسنت" 4. ولكنه ذكره المصنف ليتوصل به إلى قوله: "هذا هو الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم خلافا لمن قال: إن خبر الواحد يوجب العلم الظاهر كحسين الكرابيسي" نسبة إلى الكرباس بالكسر الثوب الأبيض من القطن معرب فارسيته بالفتح غيروه لغزة

_ 1 فتح المغيث "1/11". 2 علوم الحديث ص "21". 3 البخاري "9/32، 86". وأبو داود "3583"، والبهقي "10/149". 4 مسلم في: التوبة: حديث "59"، وأحمد "3/281".

فعلال والنسبة كرابيسي كأنه شبه بالأنصاري1 وإلا فالقياس كرباسي قاله في القاموس "وغيره". واعلم أن ظاهر مراده بالعلم العلم بالمعنى الأخص إذ العلم بالمعنى الأعم يشمل الظن لكن لما قال الظاهر قال الحافظ ابن حجر إنما يكون ذلك مخالفا لو قال يفيد العلم وأطلق فأما الظاهر وهو غلبة الظن على صحته فلا خلاف في أنه يفيده والله أعلم بمراد الكرابيسي فإن العبارة المذكورة هنا لا تصرح بالمقصود وقد نقل عن أبي بكر القفال مثلها وأول ذلك بغالب الظن لأن العلم لا يتفاوت. اهـ. قلت: يعني لا يقال فيه ظاهر وغير ظاهر بخلاف الظن. "وحكاه ابن الصباغ" بفتح الصاد المهملة فموحدة مشدده فغين معجمة بعد ألفه هو أبو نصر عبد الله بن محمد بن عبد الواحد فقيه العراقيين في وقته مؤلف كتاب الشامل في فقه الشافعية والعدة في الأصول "في العدة عن قوم من أصحاب الحديث" قد علم أن خبر الواحد يفيد الظن فإذا حفته القرائن أفاد العلم كما قال الحافظ في النخبة وشرحها2 وقد يقع فيها أي في أخبار الآحاد المنقسمة إلى مشهور وعزيز وغريب وهي أقسام الآحاد ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار. اهـ. وقلنا في نظم النخبة: وقد يفيد العلم أعني النظري ... إذا أتت قرائن للخبر واعلم أن الأقوال في خبر الواحد في إفادته العلم ثلاثة كما ذكره ابن الحاجب والعضد وغيرهما: الأول: أنه يفيد العلم بنفسه مطردا أي كلما حصل خبر الواحد حصل العلم وهو قول أحمد بن حنبل3. والثاني: أنه يحصل به العلم ولا يطرد أي ليس كلما حصل حصيل العلم به. الثالث: أنه لا يحصل العلم به إلا بقرينة.

_ 1 تدريب الراوي "1/75". 2 ص "26". 3 أحمد بن خنبل بن هلال الشيباني المروزي، أبو عبد الله أحد الأئمة، حافظ فقيه، حجة زاهد ورع، وهو رأس الطبقة العاشرة. مات سنة "141". له ترجمة في: تاريخ بغداد "4/412"، وشذرات الذهب "2/96"، ووفيات الأعيان "1/47".

والمسألة مستوفاة هنالك والمراد بيان أن المسألة من المسائل المعروفة والخلاف فيها واسع فأحد أقوال أحمد كقول الكرابيسي وكأنه الذي أراده ابن الصباغ بقوله عن قوم من أصحاب الحديث والحق أن فيه ما يفيد العلم كما هو أحج الأقوال. وقد كان صلى الله عليه وسلم يبعث الآحاد إلى الأقطار يدعون إلى الإيمان ولابد فيه من العلم ولا يكفي فيه الدخول بالظن وكان يرتب على خبر الآحاد ما يرتب على ما يفيد العلم كقبوله خبر الوليد بن عقبة في قصة بني المصطلق وإرادته صلى الله عليه وسلم غزوهم استنادا إلى خبره حتى أنزل الله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} [الحجرات: 6] ثم المراد من العلم هنا بخبر الآحاد العلم بالمعنى الخاص وهو الاعتقاد الجازم المطابق الذي لا يبقى معه شك ولا شبهة فقول الزين العلم الظاهر يريد به هذا المعنى إذ العلم بالمعنى الأعم لا خلاف في إفادة خبر الآحاد له على أن قول الكرابيسي العلم الظاهر يحتمل أه لا يريد به ما في نفس الأمر بل أنه يفيد خبر الآحاد العلم المذكور ظاهر لا قطعا. "قال الباقلائي" هو أبو بكر محمد بن الطيب الباقلائي بفتح الموحدة وبعد الألف قاف ثم لام ألف وبعده نون نسبة إلى الباقلا وبيعه وأنكر الحريري هذه النسبة وقال من قصر الباقلا قال باقلي ومن مد قال باقلاوي وباقلائي وفي جامع الأصول قولهم باقلائي على خلاف القياس مثل صنعائي ذكر ابن خلكان أنه سكن بغداد وصنف التصانيف الكثيرة في علم الكلام وسمع الحديث "أنه" أي القول بإفادة خبر الواحد العلم "قول من لا يحصل علم هذا الباب" أي باب ما تفيده أخبار الآحاد ولا يخفى ما تقدم من قول أحمد وغيره في إفادته إياه. والحاصل أنه قبل بإفادته العلم وعدمها مطلقا وإفادته تارة وعدمها أخرى فكيف يقال أنه قول من لا يحصل على هذا الباب على أنه لا يخفي أن من أخبر نفسه بأنه حصل له العلم بأي سبب من الأسباب المحصلة له يصدق في نفسه وأما حكمه بأنه تحصل لغيره ما حصل له من العلم بذلك السبب فهذه دعوى على الغير مستندها القياس على النفس واختلاف الإدراك معلوم فلا يكاد يستوي اثنان في رتبه فالقول بأن هذا السبب الفلاني مثلا يفيد العلم أولا يفيده لكل من حصل له ليس بمقبول. "قال زين الدين: إن أخرجه" أي الحديث الصحيح الأحادي "الشيخان" البخاري

ومسلم أي اتفقا على إخراجه على الصحابي "أو" انفرد "أحدهما" بإخراجه "فاختيار ابن الصلاح القطع بصحته وخالفه المحققون كما سيأتي" 1 للمصنف في ذكر حكم الصحيحين ويأتي الكلام عليه. "وكذا قولهم" أي أئمة الحديث "هذا حديث ضعيف مرادهم فيما لم يظهر لنافيه شروط للصحة" أي ولا الحسن "لا أنه كذب في نفس الأمر" هذا إذا كان تضعيفه لكذب راوية وإلا فإن أسباب التضعيف كثيرة كما يأتي فلو قال لا أنه ضعيف في نفس الأمر لكان أشمل وفي قوله وإصابة من هو كثير الخطأ إشارة إلى ما صوبنا به عبارته إذ كثير الخطأ ليس خبره كذبا بل مردودا "لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ" 2.

_ 1 فتح المغيث "1/12". 2 فتح المغيث "1/28"، وتدريب الراوي "1/76".

مسألة (3) : من علوم الحديث: في معرفة أصح الأسانيد

مسألة 3 [من علوم الحديث: في معرفة أصح الأسانيد] "أصح الأسانيد- واختلفوا" أي أئمة الحديث على ثلاثة أقوال إطلاقين وتفصيل كما ستعرفها "هل يمكن معرفة" المحدث "أصح الأسانيد" وكذا يجري في الحديث نفسه. قال ابن الصلاح1: ولهذا ترى الإمساك عن إسناد أو حديث إلى آخره فليس الكلام مقصورا على الأسانيد كما هنا. قلت: كأنه حذف الزين قوله أو حديث لأنه قال الحافظ ابن حجر لا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال حديث كذا أصح الأحاديث على الإطلاق لأنه لا يلزم من كون الإسناد أصح من غيره أن يكون المتن المروي به أصح من المتن المروي بالإسناد المرجوح لاحتمال انتفاء العلة عن الثاني: ووجودها في الأول أو كثرة المنابعات وتواترها على الثاني: دون الأول فلأجل هذا ما خاض الأئمة إلا في الأول خاصة وكأنه قال هل يمكن أو لا يمكن. "قال زين الدين: والمختار أنه" أي معرفة الأصح ذكر الضمير لإضافته إلى المذكر "لا يصح" الظاهر أن يقال لا يمكن أنه عنوان البحث فكأنه أراد الصحة الإمكان "لأن تفاوت مراتب الصحة" التي يفيدها صحيح وأصح إلا أن ابن الصلاح ذكر هذا البحث بعد بيان مراتب الصحة فإنه قال الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ومختلف فيه ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك ثم قال إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني الصحة عليها وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر2. اهـ.

_ 1 علوم الحديث ص "22". 2 علوم الحديث ص "22".

وهذا التفاوت في المراتب التي علل بها زين الدين لا يتضح إلا بعد معرفة هذه التقاسيم فلو أشار إليها كان أتم في الإفادة لقوله: "مترتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة" ولا سبيل إلى معرفة تمكنه منها إلا بعد معرفة هذه التقاسيم ليعرف الأعلى مرتبة من الأدنى كما قال: "ويعز وجود أعلى درجات القبول في كل فرد فرد" من الرواة: بأن يكون أكمل رواة الأحاديث عدالة وضبطا بالنسبة إلى كل راو في الدنيا للحديث النبوي "في ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة" إذ قد لا يعز في بعض الرواة أو في تراجم معقودة رواة متعددين كما يأتي أنه قد حكم على بعض التراجم بالنسبة إلى راو معين وهذا التعليل يشعر بأنه يمكن وإنما يعز ولو عبر المصنف في أول البحث بقوله يعز معرفة أصح الأسانيد لكان أوفق لما ذكره هنا. نعم عبارة الحافظ بلفظ لا يمكن أن يقطع الحكم في أصح الأسانيد لصحابي واحد وكأنه لذلك قال المصنف "وقريب من هذا" أي من كلام الزين "ما قاله الحاكم" أي أبو عبد الله الإمام الكبير الحافظ الشهير الضبي النيسابوري متفق على إمامته وجلالته ويأتي ذكر كتابه المستدرك وكلام الأئمة فيه وهذا الذي ذكره المصنف ذكره الحاكم في كتابه علوم الحديث "وسيأتي كلامه" قريبا. وهذا الإطلاق الأول في مسألة والإطلاق الثاني: ما أفاده قوله: "قال ابن الصلاح: إن جماعة من المحدثين خاضوا غمرة ذلك" الغمرة بالغين المعجمة فيم ساكنة فراء من غمرة الماء غطاه ففي الكلام استعارة شبه البحث عن أصح الأسانيد بالبحر فأثبت له الخوض والغمرة وهذا دليل على أن هؤلاء الخائضين يرون إمكان معرفة أصح الأسانيد بل وجزموا فيما عينوه. وهذا القسم يقابل قول المصنف يمكن وكأنه قال أولا ثم ذكر القسم الأول وأخذ في ذكر الثاني "فاضطربت أقوالهم" اختلفت في تعيين أصح الأسانيد. "فقال البخاري: أصح الأسانيد" زاد ابن الصلاح لفظ كلها وكذلك الحاكم في الرواية عن البخاري وما كان يحسن حذفها إذا فيها التنصيص على المارد أي كل سند في الدنيا "ما رواه مالك1" الإمام المعروف "عن نافع" مولى عبد الله بن عمر "عن ابن

_ 1 مالك هو: ابن أنس بن مالك الأصبحي الحميري أبو عبد الله المدني. شيخ الأئمة، وإمام دار الهجرة. قال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم. مات سنة "179". له ترجمة في: البداية والنهاية "10/174"، وشذرات الذهب "1/289"، ووفيات الأعيان "1/439".

عمر" هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب أخرج هذا الحاكم عن البخاري بسنده فهذا رأي البخاري ولا يصح أنه يريد أصح أسانيد عبد الله بن عمر عنده في نظره لأنه صرح بقوله كلها فإذا هذا الحكم بالنسبة إليه ليس محلا للخلاف إذ محله بالنسبة إلى كل حديث يروى ثم إذا كان البخاري عين الأصح عنده فلا يقال إنها اضطربت أقوال من عين رتبة الأصح عنده لأنه أخبر عن رأيه وما حصل عنده فكل قائل قوله غير مضطرب في نفسه ولا يلزمه القول بقول غيره إذ هو مخبر عما صح له. "وقال عبد الرزاق" هو الصنعاني الإمام المعروف صحاب المسند "وأبو بكر بن أبي شيبة" هو عبد الله بم محمد بن أبي شيبة صاحب المسند والمصنف "أصحها مطلقا الزهري" هو محمد بن شهاب التابعي المعروف منسوب إلى زهرة بن كلاب بطن من قبيلة من قريش منهم أم النبي صلى الله عليه وسلم: "عن علي بن الحسين" زين العابدين وإمام المتقين شهرة أمره تغني عن ذكره "عن أبيه الحسين بن علي" ريحانة المصطفى وسيد الشهداء وقتيل كربلاء "عن جده" على بن أبي طالب أمير المؤمنين أبي الحسن خامس أهل الكساء وسيد الأتقياء وإمام الشهداء قد بينا بعض ما يجب من بيان فضائله في الروضة الندية شرح التحفة العلوية "سلام الله عليهم أجمعين" وهذه الرواية عن عبد الرزاق وابن أبي شيبة أخرجها الحاكم في علوم الحديث يسنده وفيها أصح الأسانيد كلها. "وقال أحمد" هو إمام الحدثين أبو عبد الله أحمد بن حنبل صاحب المسند "واسحاق" هو أبو يعقوب اسحق بن ابراهيم الحنظلي من أئمة الحديث عرف بابن راهوية "أصحها" مطلقا "الزهري عن سلام ابن عبد الله بن عمر عن أبيه" عبد الله بن عمر بن الخطاب. "وقال عمر بن علي الفلاس" أخرجه الحاكم عنه وفي كتاب ابن الصلاح عمرو بفتح العين وهي نسخة في كتاب المصنف والفلاس بفتح الففاء فتشديد اللام فسين مهملة "وسليمان بن حرب" وفي كتاب علوم الحديث للحاكم ابن داود وفي نكت الحافظ ابن حجر ابن حرب مثل ما هنا "وعلي بن المديني" وهو الحافظ المعروف شيخ البخاري "أصحها محمد بن سيرين" التابعي المعروف بتعبيره الأحلام "عن عبيدة" بفتح المهملة فموحدة فمثناة تحتية فدال مهملة "السلماني" بالسين المهملة وسكون اللام ويقال

بفتحها وهو أحد الرواة "عن علي بن أبي طالب عليه السلام إلا أن علي بن المديني قال: أجود الأسانيد" كأنه عبارة عن أصحها ليوافق ما تقدم [من قوله أصحها] "عبد الله بن عون عن" محمد "ابن سيرين عن عبيدة عن علي" فشرط أن يكون الراوي عن محمد بن سيرين عبد الله بن عون. "وقال سليمان بن حرب: أصحها أيوب" السختياني الثقة المعروف "عن محمد بن سيرين بن عن عبيدة عن علي" فشرط في الراوي عن ابن سيرين أن يكون أيوب فقد اتفق الثالثة: أن أصحها محمد بن سيرين عن عبيدة عن عي وإن اختلفوا في الراوي عن محمد وظاهر هذا أن الفلاس لم يشترط راويا معينا عن محمد. "وقال ابن معين" بفتح الميم فعين مهملة فمثناة تحتية فنون هو يحيى بن معين الإمام الحافظ صاحب الجرح والتعديل "أصحها سليمان ابن مهران" بسكر الميم وسكون الهاء فراء "الأعمش" بعين مهملة فشين معجمة حافظ مشهور ثقة عالم رأي أنس بن مالك ولم يرزق السماع منه فهو تابعي برؤية الصحابي وأما ما يرويه عنه فهو مرسل أرسل عن كبار التابعين "عن ابراهيم بن يريد النخعي" بفتح النون وفتح الخاء المعجمة فعين مهملة فقيه كوفي أحد الأئمة المشهورين تابعي رأي عائشة ولم يسمع منها وهو منسبوب إلى النخع قبيلة كبيرة من مذحج باليمين "عن علقمة" بعين مهملة مفتوحة فلام فقاف فقيه ثبت تابعي عالم "ابن قيس" ابن عبد الله النخعي الكوفي "عن عبد الله بن مسعود" أخرجه الحاكم بسنده عن يحيى زاد فقال له أي ليحيى إنسان الأعمش مثل الزهري فقال برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري كان يرى العرض والإجازة وكان يعمل لبني أمية وكان الأعمش فمدحه فقال فقير صبور مجانب للسلطان. "فهذه الأقوال" وهي خمسة "ذكرها ابن الصلاح1 قال زين الدين" بعد سياقه لكلام ابن الصلاح "وفي المسألة أقوال أخر ذكرتها في الشرح الكبير" الذي شرح به ألفيته. وقد ذكر الحافظ ابن حجر أقوالا أخر نص أئمة من أئمة الحديث بأنها أصح الأسانيد غير ما ذكر. "وفيه" أي في الشرح الكبير "فوائد مهمة لا يستغني عنها طالب الحديث" 2 لنفعها

_ 1 علوم الحديث ص "22- 23". 2 فتح المغيث "1/14".

في ذلك الفن فهذان الإطلاقان إلى هنا والتفصيل ما أفاده قوله "قال" أي زين الدين "ولا يصح تعميم الحكم في أصح الأسانيد" كسند حديث أبي هريرة مثلا "في ترجمة لصحابي واحد بل ينبغي أن تقيد كل ترجمة منها بصاحبيها" على جميع تراجم الصحابة أي لا يحكم بأنها أصح أسانيد الأحاديث كلها وهذا منه رد لما قاله من ساق كلامهم من الأئمة في حكمهم بأن أصح الأسانيد مطلقا رواية الصحابي الذي عينوه وهذا الكلام من كلام الحاكم فإنه قال بعد سياقه لما ذكر من التراجم التي حكم عليها بأنها أصح الأسانيد وهي التي سلف ذكرها قريبا ما لفظه إن هؤلاء الأئمة الحافظ قد ذكر كل واحد منهم ما أدى أليه اجتهاده في أصح الأسانيد ولكل صحابي رواة من التابعين ولهم أتباع وأكثرهم ثقات. ثم ما نقله المصنف بقوله: "قال الحاكم: لا يمكن أن يقطع الحكم في أصح الأسانيد لصحابي واحد" ثم قال الحاكم: "فنقول وبالله التوفيق" في بيان أصح الأسانيد وتقييد كل ترجمة بصحابيها "إن أصح أسانيد أهل البيت عليهم السلام" ما رواه "جعفر" هو جعفر الصادق "ابن محمد" هو محمد الباقر "عن أبيه" محمد "عن جده" علي بن الحسين زين العابدين وهذا الذي نقله المصنف هو لفظ الحاكم كما رأيناه في كتاب الحاكم إلا أنه لا يخفي أن الظاهر أن يراد بأبيه محمد لأن علي بن الحسين جد جعفر لا أبوه مع أنه مشكل فإن ضمير جده على هذا يكون لعلي بن الحسين فأنه جد جعفر ولكن علي بن الحسين لم يسمع من علي بن أبي طالب فيكون منقطعا فيكف يكون من أصح الأسانيد وإذا أعيد ضمير أبيه إلى علي بن الحسين وإن كان جدا لجعفر فإنه يصح إطلاق الأب عليه لغة وحينئذ فلا انقطاع إلا أنه لا يتم إلا بعد ثبوت سماع جعفر من جده علي بن الحسين ولأن هذا خلاف القاعدة لهم فإنهم إذا قالوا عن أبيه عن جده لا يريدون إلا أنه يروي عن أبيه وأبوه يروي عن جده وقد ثبت سماع جعفر عن جده علي بن الحسين لأن مولد جعفر سنة ثمانين ووفاة علي بن الحسين سنة ثلاث وتسعين فقد صحب جعفر جده علي بن الحسين ثلاث عشرة سنة فسماعه منه يقين كما أن سماع زين العابدين من أبيه الحسين السبط يقين فإنه حضر الطف مع أبيه وعمره ثلاث وعشرون سنة "عن جده" الحسين السبط "عن علي" رضي الله عنهم "إذا كان الراوي عن جعفر ثقة" نقل عن المصنف أنه إنما قيد الحاكم بذلك لكثرة رواية الضعفاء عنه.

"قلت: قال أحمد بن حنبل: هذا إسناد لو مسح به على مريض لشفي رواه" عن أحمد "المنصور بالله" عبد الله بن حمزة "في المجموع المنصوري" وذكره السمهودي في جواهر العقدين من طريق المحدثين يريد أنه يشفي لبركة هؤلاء الأئمة وكأنه يريد لو كتب ومسح به أولو قرئ على المريض ومسح بيده القارئ. قال الحاكم: "وأصح أسانيد أبي بكر" رضي الله عنه لفظ الحاكم الصديق عن أبي بكر وكذا نقله عن الزين ما رواه "إسماعيل بن أبي خالد" البجلي ثقة روي عن كبار التابعين "عن قيس ابن أبي حازم" بالحاء المهملة والزاي وقيس هو أبو عبد الله الكوفي البلخي مخضرم من كبار التابعين وهو ثقة "عن أبي بكر وأصح أسانيد عمر رضي الله عنه الزهري عن سالم" بن عبد الله بن عمر "عن أبيه" عبد الله "عن جده" عمر. وقال ابن حزم: أصح طريق يروي في هذه الدنيا عن عمر رواية الزهري عن السائب بن يزيد عنه. "وأصح أسانيد أبي هريرة: الزهري عن سعيد بن المسيب" بفتح المثناة وروي عنه أه كان يقول بكسرها تابعي مشهور فاضل "عن أبي هريرة". "وأصح أسانيد ابن عمر: مالك عن نافع عن ابن عمر" وهي التي قال البخاري إنها أصح الأسانيد مطلقا كما سلف. "وأصح أسانيد عائشة: عبيد الله بن عمر" ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب كان أحد الأعلام "عن القاسم" بن محمد ابن أبي بكر "عن عائشة" عمته أخت أبيه أخرج الحاكم عن يحيى بن معين أنه قال عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة ترجمة مشبكة بالذهب. "وأصح أسانيد عبد الله بن مسعود: سفيان" هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد "الثوري" بالمثلثة مفتوحة وسكون الواو فراء نسبة إلى ثورين عبد مناف وهو رأس في العلم والورع والتقوى "عن منصور" هو ابن المعتمر "عن ابراهيم النخعي عن علقمة" تقدم "عن ابن مسعود". "وأصح أسانيد أنس بن مالك: عن الزهري عن أنس" فهذه أصح الأسانيد بالنظر إلى الصحابي من غير اعتبار محل وأما باعتبار المحلات فقال: "وأصح أسانيد المسكين من الرواة: سفيان" بسين مهملة مثلثة الحركات "ابن عيينة"

بضم العين المهملة وفتح المثناة التحتية وسكون المثناة التحتية وفتح النون هو أبو محمد سفيان ثبت حجة معروف "عن عمرو بن دينار" بالدال بلفظ الدينار المعروف "عن جابر بن عبد الله". "وأصح أسانيد اليمانيين" جمع يماني منسوب ويقال في النسبة أيضا يمني ويمان كقاض كما في القاموس والمراد رواة "معمر" بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الميم الثانية فراء هو أبو عروة بن راشد الأزدي نزيل اليمن ثقة فاضل "عن همام" بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبه هو تابعي وهو أخو وهب بن منبه اليماني صاحب الأخبار "عن أبي هريرة". "وأثبت أسانيد المصريين" أي أصحها "الليث" 1 ابن سعد أحد أعلام عصرة "عن يزيد بن أبي حبيب" المضري أي حازم اسم أبيه سويد ثقة فقيه كان يرسل "عن أبي الخير" بالخاء المعجمة وتحتية اسمه مرثد بن عبد الله ثقة فقيه "عن عقبة" بضم العين المهملة وسكون القاف فموحدة "ابن عامر" وعقبة صحابي معروف. "وأثبت أسانيد الشاميين" جمع شامي منسوب إلى شام ويقال في النسبة إلى الشام أيضا شام وشامي كما في القاموس "الأوزاعي" بفتح الهمزة وسكون الواو فزاي مفتوحة مفهمة وهو أبو عمر عبد الرحمن ابن عمرو ثقة جليل2 "عن حسان" بمهملتين الثانية مشددة "ابن عطية" هو أبو بكر حسان الدمشقي فقيه عابد "عن الصحابة". "وأثبت أحاديث الخراسانيين: الحسين بن واقد" اسم فاعل من الوقود ولي قضا مرو وكان يحمل حاجته من السوق وثقة ابن معين وغيره واستنكر أحمد بعض حديثه "عن عبد الله بن بريده" تصغير برد الحالف التاء "عن أبيه" بريدة بن الحصيب الصحابي المعروف قال الحاكم: بعد سياقه لهذا ولعل قائلا يقول هذا الإسناد لم يخرج منه في الصحيحين إلا حديثان فيقال له أوجدنا للخراسانيين أصح من هذا الإسناد وكلهم ثقات وخراسانيون وبريدة بن الحصيب مدفون "بمرو". انتهى.

_ 1 الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري. قال يحيى بن بكير: ما رأيت أحدا أكمل من الليث بن سعد، كان فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القراءة والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، لم أر مثله. مات سنة "175". له ترجمة في: تاريخ بغداد "13/3"، وشذرات الذهب "1/285"، والعبر "1/266". 2 له ترجمة في: تذكرة الحفاظ "1/178"، والعبر "1/227"، وتهذيب التهذيب "6/238".

وقال الحافظ ابن حجر بعد سياقه لكلام الحاكم هذا ما لفظه قلت: وهذا الذي ذكره فد ينازع في بعضه ولاسيما في أصح أسانيد أنس فإن قتادة وثابتا البناتي أقعد وأسعد بخدمته من الزهري ولهما في الرواة جماعة فأثبت أصحاب ثابت البناني حماد بن زيد وأثبت أصحاب قتادة شعبة وقيل غيره وإنما جزمت بشعبة لأنه كان لا يأخذ ع أحد ممن وصف بالتدليس إلا ما صرح فيه ذلك المدلس بسماعه من شيخه وقوله في أسانيد أهل الشام فيه نظر فان جماعة من أئمتهم رجحوا راوية سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبى إدريس الخولاني عن أبى ذ ر ثم قال تنبيه لم يذكر المصنف - يريد ابن الصلاح - أوهى الأسانيد وقد ذكره الحاكم وأظنه حذفه لقلة جدواه بالنسبة إلى مقابله. انتهى. واعلم أن فائدة معرفة أصح الأسانيد مما ذكر وغيره أنه إذا عارضه حديث مما لم ينص فيه إمام على أصحيته يرجع ما نص على أصحيته عليه وإن كان صحيحا فان عارضه مه نص أيضا على أصحيته يرجع إلى المرجحات فأيهما كان أرجع حكم بقوله وإلا رجع إلى القرائن التي تحف أحد الحديثين فيقدم بها على غيره.

مسألة (4) : في ذكر أول من صنف في جمع الصحيح

مسألة 4 [في ذكر أول من صنف في جمع الصحيح] "أصح كتب الحديث أول من صنف صحيح البخاري" هذا كلام ابن الصلاح1 قال الحافظ ابن حجر إنه اعترض عليه شيخ علاء الدين مغلطاى فيما قرأت بخطه بأن مالكا أول من صنف الصحيح وتلاه أحمد بن حنبل وتلاه الدارمى2 قال وليس لقائل أن يقول لعله أراد الصحيح المجرد فلا يرد كتاب مالك لأن فيه البلاغ3 والموقوف والمتقطع والفقه وغير ذلك لوجود ذلك في كتاب البخاري. اهـ. قال: وقد أجاب شيخنا يريد به زين الدين ثم ذكر جوابه واعتراضه بما هو حق ثم قال لكن الصواب في الجواب ثم ذكر ما حاصله أنه يصدق على مالك أنه أول من صنف الصحيح اعتبار انتقائه للرجال فكتابه أصح من الكتب المصنفة في هذا الفن من أهل عصره وما قاربه كمصنفات سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة الثوري4 وابن اسحق ومعمر وابن جريح وابن المبارك وعبد الرزاق وغيرهم ولهذا قال الشافعي ما بعج كتاب الله اصح من كتاب مالك فكتابه أصح عنده وعند من يتبعه ممن يحتج بالمرسل والموقوف.

_ 1 علوم الحديث ص "25". 2 الدارمي هو: عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي أبو محمد السمرقندي. الحافظ، أحد الأعلام. قال أبو حاتم: إمام أهل زمانه. مات سنة "255". له ترجمة في: تاريخ بغداد "10/29"، وشذرات الذهب "2/130"، والعبر "2/8". 3 البلاغ: هي الأحاديث التي يقول فيها بلغني. 4 الثوري هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي، أحد الأعلام. قال شعبة وغير واحد: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. مات سنة "161هـ". له ترجمة في: تاريخ بغداد "9/151"، والعبر "1/235"، ووفيات الأعيان "1/210".

وأما أول من صنف الصحيح المعتبر عند أئمة الحديث الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف فأول من جمعه البخاري ثم مسلم كما جزم به ابن الصلاح1 وأما قول مغلطاي إن أحمد أفرد الصحيح فقد أجاب عنه الشيخ ابن الصلاح في التنبيه السادس من الكلام على الحديث الحسن انتهى كلام ابن حجر. قلت: يريد حيث قال الشيخ ابن الصلاح2 كتب المسانيد غير ملحقة والكتب الخمسة التي هي الصحيحان وسنن أبي داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما ورد فيها مطلقا كمسند أبي داود الطيالسي ومسند عبيد الله بن موسى ومسند اسحق ومسند عبد بن حميد ومسند الدرامي ومسند أبي يعلي الموصولي ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبي بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متفيدين بأن يكون حديثا محتجا به أولا فلهذا أخرت مرتبتها وإن جلت لجلالة مؤلفيها عن مرتبة الكتب الخمسة انتهى. ثم قال الحافظ: وأما ما يتعلق بالدرامي فتعقبه الشيخ زين الدين بأن فيه الضعيف والمنقطع لكن بقي مطالبة مغلطاي بصحة دعواه أن جماعة أطلقوا على مسند الدرامي كونه صحيحا فأنى لم أر ذلك في كلام أحد ممن يعتمد عليه. ثم قال: كيف ولو أطلق عليه ذلك من يعتمد لكان الواقع بخلافه لما في الكتاب المذكور من الأحاديث الضعيفة والمنقطعة والموضوعة والموطأ في الجملة أنظف أحاديث وأتقن رجالا منه ومع ذلك كله فلستأسلم أن الدارمي صنف كتابه قبل تصنيف البخاري الجامع لتعاصرهما ومن ادعى عليه ذلك فعليه البيان. انتهى. قلت: ومن ادعى تقدم تصنيف البخاري على تصنيف الدارمي فعليه البيان أيضا وكأنه اغتر الحافظ العلائي3 بكلام مغلطاي فإنه قال ينبغي أن يجعل مسند الدارمي سادسا للخمسة بدل ابن ماجة فإنه قليل الرجال الضعفاء، ناذر الأحاديث المنكرة وإن كان فيه أحاديث مرسلة وموقوفة فهو مع ذلك أولى من سنن ابن ماجه،

_ 1 علوم الحديث ص "25". 2 علوم الحديث ص "56". 3 العلائي هو: الشيخ الإمام العلامة صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي الشافعي. قال الذهبي: حافظ يستحضر الرجال والعلل، وتقدم في هذا الشأن. "761", له ترجمة في: شذرات الذهب "6/190"، والنجوم الزاهرة "10/337".

إلى آحر كلامه، ويحتمل أنه إنما أراد تفضيله على ابن ماجه بخصوصه وأن ابن ماجه رجاله الضعفاء أكثر وأحاديثه الشاذة والمنكر غير نادرة. إذا عرفت هذا فعلى تحقيق الحافظ ينبغي أن يقال أول صنف في الصحيح المعتبر عند أئمة الحديث الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف البخاري غير أن جواب الحافظ لم يتضح به رد كلام مغلطاي كل الاتضاح كما لا يخفى. "وكتابه" أي البخاري "أصح من كتاب مسلم عند الجمهور وقال النووي إنه الصواب واختاره زين الدين قالاهما" أي النووي والزين "وغيرهما" من أئمة الحديث "والمراد" بالحكم بأصحية كتابه على مسلم أصحية "ما أسنده دون التعليق" يأتي تعريفه "والتراجم" جمع ترجمة وهي عنوان الباب الذي تساق فيه الأحاديث ولا بد أن تكون مناسبة لما يساق من الأحاديث قالوا وذلك لأن الصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب البخاري أثم منها في كتاب مسلم وشروطه فيها أقوى وأشد. أما رجحانه من حيث الاتصال فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبتت له لقاء من روي عنه ولو مرة واكتفي مسلم بمطلق المعاصرة. وأما رجحانه من حيث العدالة والضبط فلأن الرجال الذي تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عددا من الرجال البخاري فإن الذين انفرد بهم البخاري أربعمائة وخمسة وثالثون رجلا المتكلم منهم فيه بالضعف ثمانون رجلا والذين تفرد بهم مسلم ستمائة وعشرون رجلا المتكلم منهم فيه بالضعف مائة وستون رجلا على الضعف من كتاب البخاري ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه ولأن الذين تفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكثر من تخريج أحاديثهم وليس لواحد منهم نسخة كبيرة أخرجها أو أكثرها كنسخة عكرمة عن ابن عباس بخلاف مسلم فقد أخرج أكثر تلك النسخ التي رواها عمن تكلم فيه كأبي الزبيب عن جابر أتهيل عن أبيه عن أبي هريرة ونحوهم مع أن البخاري لم يكثر من إخراج أحاديث من تكلم فيهم وغالبهم من شيوخه الذين أخذ عنهم ومارس حديثهم ولا شك أن المرء أشد معرفة بحديث شيوخه وبصحيح حديثهم من ضعيف ممن تقدم عن عصرهم بخلاف مسلم في الأمرين فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه

ممن تكلم فيه من المتقدمين وقد أخرج نسخهم كما قدمنا ذكره ثم إن من يخرج لهم البخاري ممن تكلم فيه من المتقدمين يخرج أحاديثهم غالبا في الاستشهادات والمتابعات والتعليقات بخلاف مسلم فإنه يخرج لهم الكثير في الأصول فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم. وأما رجحانه من حرث عدم الشذوذ والإعلال فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عدا مما انتقد على مسلم فإن جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما مائتا بألف التثنية حديث وعشرة اختص البخاري منها بأقل من ثمانين. قلت: هذا كلام الحافظ هنا وسيأتي نقل المصنف عنه أنه ذكر في مقدمة فتح الباري مما اعترض الحفاظ على البخاري مائة حديث وعشرة أحاديث وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى. ثم قال ويشتركان في اثنين وثلاثين وباقيها مختص بمسلم مع أنه قد اتفق العلماء أن البخاري كان أجل من مسلم في العلوم وأعرف بصناعة الحديث منه وأن مسلما تلميذه وخريجه ولم يستفد إلا منه وتتبع آثاره حتى لقد كان يقول الدارقطني1 لولا2 البخاري لما راح مسلم ولا جاء ومن مرجحات البخاري أن مسلما صرح في أول صحيحه أن المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن والمعنعن عنه وإن لم يثبت اجتماعهما. انتهى. قلت: قال الملا على قاري فإن قلت: كيف يكفي ذلك مع أن كتابه صحيح ولا بد فيه الاتصال قلت: لعله جاء هذا الحديث في كتابه، متصلا في آخر أوكان اتصاله بمن روى مشهورا فالمراد بمن روى عنه من أدى عنه ظاهرا ولو كان بالواسطة وفيه أنه لو كان كذلك لكان الاختلاف لفظيا قال والصواب كون الخلاف حقيقيا. انتهى.

_ 1 الدارقطني هو: الإمام شيخ الإسلام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي. قال الخطيب: كان فريد عصره وإمام وقته، وانتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال. مات سنة "385هـ". له ترجمة في: البداية والنهاية "11/317"، وتاريخ بغداد "12/34"، وشذرات الذهب "3/116". 2 لولا البخاري لما راح.... إلخ: قال بعضهم إنه كناية عن كونه عيلة على البخاري. "حاشية الأجهوري" ص "19".

قلت: ولم يدفع الأشكال. ثم قال الحافظ. والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحدة وقد أظهر البخاري هذا المذهب في التاريخ وجرى عليه في الصحيح وهو مما يرجح به كتابه لأنا وإن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال فبهذا تعلم أن شرطه في كتابه أقوى اتصالا وأشد تحريا أفاد هذا الحافظ ابن حجر في مؤلفاته. وأقول لا يخفي أن هذه الوجوه أو أكثرها لا تدل على المدعي وهو أصحية البخري بل غايتها تدل على صحته ثم إنه لا يخفي أيضا أن الشيخين اتفقا في أكثر الرواة وتفرد البخاري بإخراج أحاديث جماعة وانفرد مسلم بجماعة كما أفاده ما سلف من كلام الحافظ فهذه ثلاثة أقسام. الأول: ما اتفقنا على إخراج حديثه فهما في هذا القسم سواء لا فضل لأحدهما على الآخر لاتحاد رجال سند كل واحد منهما فيما رواه والقول بأن هؤلاء أرجح إذا روي عنهم البخاري لا إذا روي عنهم مسلم عين التحكم وهذا بناء على أن المراد بما اتفقا عليه الاتفاق على رجال الإسناد جميعا لا يقال لا تحكم لأنه شرط البخاري اللقاء دون مسلم لأنا نقول الفرض أنهم على شرط البخاري من حصول اللقاء لأنه روي عنهم ولا يروي إلا عمن وافق شرطه ومعلوم أنهم قد صاروا على شرط مسلم بالأولى لأنه ثبت اللقاء فقد ثبتت المعاصرة. وإذا عرفت هذا فلا وجه للحكم بأصحية رواية البخاري فيما اتفق هو ومسلم على إخراجه ورجاله إلا جاء التحكم المحض وهذا القسم هو أكثر أقسامه قطعا وحينئذ فلا يصح الحكم على كتاب البخاري بالأصحية بالنسبة إلى هذه الأحاديث وكيف يتم القول بأن كتاب البخاري أصح على هذا؟. والقسم الثاني: ما انفرد البخاري بإخراج أحاديثهم فهذا القسم ينبغي أن يقال أنه أصح مما انفرد به مسلم لأنه حصل فيه شرائط البخاري منفردة وقد تقرر ببعض ما ذكر من المرجحات أنه أقوى من شرائط مسلم في الصحة وحينئذ فيتعين أن يقال ما في كتاب البخاري من الأحاديث التي انفرد بإخراجها أصح من التي انفرد مسلم بإخراجها وهذا القسم قليل كما عرفت ولا بد من تقييد ذلك بغير من تكلم فيهم وهذا التقسيم هو التحقيق وإن غفل عنه الأئمة السابقون فإن من المعلوم يقينا أن

الصحة والأصحية ليستا بالنظر إلى ذات الشيخين بل بالنظر إلى رجال كتابيهما ثم لا يخفي أيضا أن كون من تكلم فيهم من رجال البخاري أقل ممن تكلم فيهم من رجال مسلم لا يقتضي أصحية أحاديث البخاري مطلقا غاية ما يقتضيه أن الصحيح فيه أكثر وليس محل النزاع على أن في شرطه اللقاء ولو مرة واحدة بحثا وهو أنه قد يكثر الشخص الحديث عمن لاقاه بحيث يعلم يقينا أنه لا يتسع لأخذه عنه تلك الأحاديث في الموقف الذي انحصر فيه اللقاء فلابد من تقييد ذلك بزيادة أن يتسع زمان اللقاء لكن ما عنه روي ثم رأيت بعد أيام مسلما قد ألزم البخاري حيث شرط اللقاء بهذا الإلزام في مقدمة صحيحه ورأيت الحافظ ابن حجر قد التزم هذا وقال يكفي اللقاء ولو مرة واحدة ولو كان بعض ما يرويه عمن لاقاه لا يستحق سماعه منه وسيأتي لنا ولم يقيد كلام البخاري بما قيدناه به من قولنا إن اتسع ... إلى آخره. وإذا عرفت هذا فقد عاد إلى مجرد المعاصرة على أن المعاصرة لا تكفي مطلقا بأن يكون أحدهما في بغداد والآخر في اليمن بل لابد من تقارب المحلات ليمكن اتصال الرواة إلا كان من باب الإجازة والمكاتبة ولعلهم لا يكتفون به هنا. واعلم أنا راجعنا مقدمة مسلم فوجدناه تكلم في الرواية بالعنعنة وأنه شرط فيها البخاري ملاقاه الراوي لمن عنعن عنه وأطال مسلم في رد كلامه والتهجين عليه ولم يصرح أنه البخاري وإنما اتفق الناظرون أنه أراده ورد مقالته ثم قال إن كل حديث فيه فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روي الراوي قد سمعه منه وشافهه به غير أنا لا نعلم له نه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث ثم قال إن هذا هو القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا أكل رجل ثقة روي عن مثله وجائز ممكن لقاءه والسماع منه لكونهما كانا جميعا في عصر واحد ولم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة إلى آخر كلامه وقد نقلنا فيما يأتي في بحث العنعنة. إذا عرفت هذا عرفت أن الخلاف بين الشيخين في رواية العنعنة لا غير وهو الذي أفاده الحافظ في قوله ومن مرجحات البخاري أن مسلما صرح إلى آخره فشرط البخاري فيها اللقاء ومسلم المعاصرة وحينئذ فلا يرجح البخاري برمته على مسلم برمته بهذا الشرط بل يقال عنضة البخاري أصح وأرجح من عنعنة مسلم فالعجب كيف

يعده الحافظ من وجوه ترجيح البخاري مطلقا ثم قد ظهر المراد بالمعاصرة أنها التي يمكن معها السماع ولا يكفي مطلقها. فإن قلت: إنما جعله ترجيحا للبخاري مطلقا لكون كل ما فيه من الأحاديث قد تم فيها شرطية اللقاء معنعنا وغيره. قلت: أما غير المعنعن وهو ما كان بنحو حدثنا فهو ومسلم سواء فيه فإنه لا يكون إلا بالمشافهة إنما الخلاف في رواية متصلة عند مسلم وبه يتضح لك ضعف ما قدمنا عن الملا على قاري سؤالا وجوابا وأنه بناه على عدم تحقيقه لمراد مسلم. ثم جعل الحافظ ابن حجر كون شيوخنا البخاري هم الذي تكلم فيهم وجها مرجحا فيه تأمل لأنه قد يقال هم باب علمه وعنهم أخذ ومنهم استمد رواياته وقد علل الحافظ ذلك بما سمعته فانظر فيه ثم لا يعزب عنك أن قولهم أصح الحديث ما اتفق عليه الشيخان لا يوافق قولهم هنا إن أصح الكتابين كتاب البخاري لأنهم قد جعلوا ما اتفقا عليه أصح أقسام الحديث وقد عرفت أن الذي اتفقا عليه هو أكثر أقسام الكتابين ولم يتفقا عليه إلا بعد حصول شرائط الرواية عندهما في روايته فهما مثلان في هذا كما أسلفنا فلا يتم القول بأن كتاب البخاري أصح إلا باعتبار ما انفرد به وهو القليل الحقير ولا يحسن إطلاق صفة الجزء على الكل في مقام التقعيد والتمهيد على أن استثناءهم التعاليق والتراجم فقط من الحكم بالأصحية فاض بأن الحكم بها حكم على كل حديث لا أنه كما تأولنا من وصف الكل بصفة الجزء وقد ألحقوا بذلك ما تكلم فيه. "ثم صحيح مسلم بعده" أي بعد صحيح البخاري فإن تعارضا قدم ما في البخاري "وذهب بعض المغاربة" أي بعض علماء الغرب وسيأتي أنه ابن حزم1 "والحافظ أبو علي الحسين بن علي النيسابوري شيخ الحاكم" يريد أبا عبد الله صحاب المستدرك "إلى تفضيل صحيح مسلم على البخاري" فقال أبو علي: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث بهذا اللفظ نقله عنه زين الدين والحافظ ابن حجر

_ 1 ابن حزم هو: الإمام العلامة الحافظ الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد القرطبي الظاهري. كان صاحب فنون وورع وزهد، وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ. مات سنة "457". له ترجمة في: شذرات الذهب "3/299"، والعبر "3/239"، ووفيات الأعيان "1/340".

"وحكاه" أي تفضيل كتاب مسلم "القاضي عياض1 عن أبي مروان الطبني" بضم الطاء المهملة وبعدها هاباء موحدة مشددة مضمومة وقبل ياء النسبة نون كذا ضبطه ابن السمعاني وقيل بضم الطاء وسكون الموحدة حكاه ابن الأثير وغيره وهي بلدة بالغرب ينسب إليها جماعة قاله البقاعي واسمه عبد الملك بن زياد "عن بعض شيوخه" قال: كان من شيوخي من يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري وحكاه الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة مسلم عن محمد بن اسحق عن ابن منده قال أيضا مما تحت أديم السماء، أصح من كتاب مسلم في علوم الحديث وإليه ميل كلام القرطبي في خطبة تلخيصه لمسلم ونقله عن جماعة وغزاه في اختصاره للبخاري إلى أكثر المغاربة وعزا ترجيح البخاري إلى أكثر المشارقة ذكره الزركشي. "وقال ابن الصلاح" 2 بعد نقله لكلام أبي علي "فهذا" أي تفضيل صحيح مسلم "إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح أنه لم يمازجه غير الصحيح" قال ابن الصلاح: فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غر ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لا يسندها على الوجه المشروط في الصحيح "فهذا لا بأس به" أي لا بأس في التفضيل لصحيح مسلم من هذه الجهة إلا أنه معلوم أن عبارة أبي على لا تساعد هذا التوجيه كل المساعدة "وإن كان المراد به" أي يقول أبى علي "أنه أصح كما هو المتبادر" من عبارته "فهذا مردود" بما أسلفنا من مرجحات صحيح البخاري كما عرفت. واعلم أن ظاهر كلام ابن الصلاح وزين الدين والمصنف أن بعض المغاربة ومن ذكر معه ذهبوا إلى تفضيل صحيح مسلم من حيث إنه أصح من صحيح البخاري فإن كان بعض المغاربة هو أبو محمد بمحزم وبه جزم الحافظ ابن حجر فإنه قال بعد ذكر ابن الصلاح لبعض المغاربة ما لفظه وقد وجدت التصريح بما ذكره المصنف من الاحتمال عن بعض المغاربة فذكر أبو محمد القاسم بن القاسم التجيبي في فهرسته عن أبي محمد بن حزم أنه كان يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري لأنه ليس فيه بعد

_ 1 القاضي عياض هو: ابن موسى بن عياض بن عمر اليحصبي السبتي، ولى قضاء سبتو ثم غرناطة، وكان إمام أهل الحديث في وقته، وأعلم الناس بعلومه. مات سنة "544". له ترجمة في: البداية والنهاية "12/225"، والعبر "4/122"، ووفيات الأيان "1/392". 2 علوم الحديث ص "26".

خطبته إلا الحديث المنفرد. انتهى. قال الحافظ قلت: ما فضله به بعض المغاربة ليس راجعا إلى الأصحية بل هو لأمور: أحدهما: ما تقدم عن ابن حزم. الثاني: أن البخاري كان يرى جواز الرواية بالمعنى وجواز تقطيع الحديث من غير تنصيص على اختصاره بخلاف مسلم والسبب في ذلك أمران أحدهما أن البخاري صنف كتابه في طول رحلته فقد روينا عنه أنه قال رب حديث سمعته بالشام فكتبته بمصر ورب حديث سمعته بالبصرة فكتبته بخراسان فكان لأجل هذا ربما كتب الحديث من حفظه فلا يسوق ألفاظه برمتها بل يتصرف فيه ويسوقه بمعناه ومسلم صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة شيوخه وكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق. والثالث: أن البخاري استنبط فقه كتابه من أحاديثه فاحتاج أن يقطع المتن الواحد إذا اشتمل على عدة أحكام ليورد كل قطعة منه في الباب الذي يستدل به على ذلك الحكم الذي استنبط منه لأنه لو ساقه في المواضع كلها برمته لطال الكتاب ومسلم لم يعتمد ذلك يسوق أحاديث الباب كلها سردا عطفا بعضها على بعض في موضع واحد. انتهى. وقلت: وبه تعرق أن بعض المغاربة هو أبو محمد بن حزم وتعرف أنه لم يفضل صحيح مسلم من حيث الأصحية وتعرف أنه ما كان ينبغي لابن الصلاح ومن تبعه جعل خلافه وخلاف أبى على النيسابوري واحدا وأنه من جهة واحدة ثم لا يخفي أن ما قاله الزركشي فيما نقلناه عنه آنفا إن دائرة الخلاف أوسع والذاهبون إلى ترجيح مسلم أكثر ممن ذكر. وقال الحافظ: ما قاله أبو علي النيسابوري فلم نجد عنه تصريحا قط بأن كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري وإنما نفى الأصحية عن غير كتاب مسلم عيه ولا يلزم من ذلك أن يكون كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري فيجوز أن يوجد ما يساويه فإذا كان كلام أبى على محتملا لكل من الأمرين فجزم ابن الصلاح أن أبا علي قال صحيح مسلم أصح من صحيح البخاري غير صحيح وقد رأيت هذه العبارة في كلام الشيخ محيي الدين النووي والقاضي بدر الدين ابن جماعة والشيخ تاج الدين

التبريزي وتبعهم جماعة وفي إطلاق ذلك نظر لما بيناه انتهى بمعناه. قلت: ولا يعزب عنك أن هذا التأويل الذي ذكره الحافظ خروج عن محل النزاع فإن الدعوى بأن البخاري أصح الكتابين وهذا التأويل أفاد أنهما مثلان فما أتى التأويل إلا بخلاف المدعي على أن قول القائل "ما تحت أديم السماء أعلم من فلان" يفيد عرفا أنه أعلم الناس مطلقا وأنه لا يساويه أحد في ذلك وأما في اللغة فيحتمل توجه النفي إلى الزيادة أعني زيادة إنسان عليه في العلم لا نفي المساوي له فيه والحقيقة العرفية مقدمة سيما في مقام المدح والمبالغة بقوله "تحت أديم السماء". ثم رأيت بعد هذا أنه قال البقاعي الحق أن الصيغة تارة تستعمل على مقتضى أصل اللغة فتنتفي الزيادة فقط وتارة على مقتضى ما شاع من العرف فتنتفي المساواة فمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ما طلعت شمس ولا غربت على أفضل من أبي بكر" وإن كان ظاهره نفي أفضلية الغير لكنه إنما سيق لإثبات أفضلية المذكور والسر في ذلك أن الغالب في كل اثنين هو التفاضل دون التساوي فإذا نفى أفضلية أحدهما ثبتت أفضلية الآخر. انتهى. "قال زين الدين: وعلى كل حال" سواء قيل البخاري أصح أو مسلم "كتاباهما أصح كتب الحديث" لأن من قال كتاب البخاري أصح قائل بأن بعده في الصحة كتاب مسلم ومن قال إن كتاب مسلم أصح كتاب بعده كتاب البخاري فقد اتفق الكل على انهما أصح كتب الحديث ولماصح أن الشافعي قال إن كتاب الموطأ أصح الكتب الحديثية قال الزين "وأما قول الشافعي ما على وجه الأرض بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك فذاك" قاله الشافعي "قبل وجود الكتابين" فكلامه صحيح نظرا إلى زمان تكلمه وهذه الرواية أخرجها عن الشافعي أبو بكر بن محمد بن ابراهيم الصفار عن طريق هرون بن سعيد الأيلي قال سمعت الشافعي يقول ما بعد كتاب الله أنفع من كتاب مالك ذكره الحافظ ابن حجر. قال الحافظ ابن حجر: أول من صنف في العلم وبوبه ابن جريح1 بمكة ومالك وابن أبي ذئب بالمدينة فإن ابن أبي ذئب موطأ أكبر من موطأ مالك بأضعافه،

_ 1 ابن جريج هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم أبو الوليد المكي، أحد الأعلام. قال أحمد: إذا قال ابن جريج "قال" فاحذروه. مات سنة "150". له ترجمة في: تاريخ بغداد "10/400"، والعبر "1/213"، وشذرات االذهب "1/226".

حتى قبل لمالك: ما الفائدة في تصنيفك فقال ما كان لله بقي والأوزاعي بالشأم والثوري بالكوفي وسعيد بن أبي عروبة والربيع ابن صبيح بالبصرة ومعمر باليمين قال وكان هؤلاء في عصر واحد فلا يدري أيهم سبق.

مسألة (5) : في انحصار الصحيح

مسألة5 [في انحصار الصحيح] "عدم انحصار الصحيح في كتب الحديث قال زين الدين: عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي" كان الأحسن ذكر اسمه ونسبه في أول ما نقل عنه المصنف حيث قال قال ابن الصلاح:1 وزين الدين فالصحيح ما اتصل سنده إلخ "لم يستوعب البخاري ومسلم كل الصحيح في كتابيهما" فعلى هذا كان الأحسن في الترجمة أن يقول المصنف عدم انحصار الصحيح في كتابي البخاري ومسلم ليوافق ما قاله الزين وكما يأتي من الكلام الدال على أن الخوض فيهما لا غير وعبارة زين الدين في نظمه ولم يعماه إلخ أي لم يعم البخاري ومسلم كل الصحيح يريد لم يستوعباه في كتابيهما وعبارة ابن الصلاح2 لم يستوعبا الصحيح في صحيحيها ولا التزما ذلك ثم ذكر كلام البخاري ومسلم الآتي "ولم يلتزما ذلك" أي استيعاب الحديث الصريح "وإلزام الدارقطني" هو أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني إمام كبير وحافظ شهير3 ذكرنا بعضا من أحواله في التنوير شرح الجامع الصغير "وغيره" هو أبو ذر الهروي كما في شرح صحيح مسلم "إياهما" أي الشيخين "بأحاديث" صحيحة لم يخرجاها ولا أحدهما ذكر الدارقطني وغيره أحاديث من طرق صحاح لا مطعن في ناقليها ولم يخرجا من أحاديثهم شيئا فيلزمها إخراجها على مذهبهما "ليس بلازم" لهما "لعدم التزامهما" الاستيعاب. "قال الحاكم" أبو عبد الله "في خطبة المستدرك" 4 بصيغة اسم المفعول هذا الجاري

_ 1 علوم الحديث ص "26". 2 علوم الحديث ص "26". 3 سبقت ترجمته. 4 "3/41".

على الألسنة ويصح على اسم الفاعل من باب عيشة راضية "ولم يحكما" أي الشيخين "ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه انتهى" كلام الحاكم ساقه الزين كالاستدلال على ما ادعاه من عدم استيعابهما ولكن لما كان الحاكم لي بناقل عنهما فهو كالدعوى أيضا يحتاج إلى بينة. قال الزين مستدلا لدعواه ودعوى الحاكم "قال البخاري: ما أدخلت في كتابي الجامع" أي من الأحاديث "إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول" فدلت عبارته أنه لم يستوعب الصحيح وأن أحاديث جامعة صحيحة "وقال مسلم: ليس كل صحيح وضعته هنا" أي في كتابه "إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه" لفظ ابن الصلاح1 قال مسلم ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا يعني في كتابه الصحيح إنما وضعته هاهنا ما أجمعوا عليه إلى هنا عبارة مسلم كما نقلها ابن الصلاح ثم قال ابن الصلاح: مفسرا لقول مسلم ما أجمعوا عليه "يريد ما وجد عنده فيه شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يوجد اجتماعها" أي شرائط الصحيح "في بعض أحاديث كتابه عند بعضهم" أي لم يوجد عند بعض المجمعين من أئمة الحديث ولا يخفي أن كلام مسلم لا يفيد ما قاله ابن الصلاح من قوله وإن لم يوجد اجتماعها إلخ بل كلام مسلم أفاد أن جميع أحاديث كتابه مجمع على اجتماع شرائط الصحيح فيها فالأحسن أن يقال يريد ما وجد عنده فيه شرائط الصحيح المجمع عليه بحسب نظره واطلاعه وإن خالفه البعض في بعضها "قاله" أي هذا التأويل لكلام مسلم "ابن الصلاح" أي لا ما سلف من قول المصنف قال زين الدين: عبد الرحيم إلى هنا فإنه كلام ابن الصلاح. تنبيه: إن قيل ما وجه التعرض لكون الشيخين لم يستوعبا الصحيح في كتابيهما ومن ادعى ذلك حتى يفتقر إلى نفيه. قلت: ادعاه الدارقطني عليهما وغيره كما عرفت وكأنه فهم هو ومن تابعه من التسمية بالصحيح أنه جميع ما صح وما عبداه حسن أو ضعيف فيفيد أنهما قد حصرا الصحيح وهو من باب مفهوم اللقب بعد التسمية به وإن كان قبلها من باب مفهوم الصفة وفهم ذلك الحافظ أبو زرعة فإنه ذكر النووي عنه أنه قال طرق يريد مسلما-

_ 1 علوم الحديث ص "26".

لأهل البدع علينا فيجدون السبيل بأن يقولوا إذا احتج عليهم بحديث ليس هذا في الصحيح قال سعيد بن عمرو راوي ذلك عن أبي زرعة فلما رجعت إلى نيسابور ذكرت لمسلم إنكار أبي زرعة فقال مسلم إنما قلت: هو صحيح قال سعيد وقدم مسلم بعد ذلك الري فبلغني أنه خرج إلى أبي عبد الله محمد بن مسلم بن واره فجاءه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا مما قال أبو زرعة إن هذا يطرق لأهل البدع فاعتذر مسلم فقال إنما قلت: هو صحيح ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث فهو ضعيف ذكر هذا النووي في شرح مقدمة مسلم مفرقا. قلت: قد اتفق ما حدسه أبو زرعة من ذلك التطريق فإنه ذكر الحاكم أبو عبد الله في خطبة المستدرك ما لفظه1: إنه صنف الشيخان في صحيح الأخبار كتابين مهذبين انتشر ذكرهما في الأقطار ولم يحكما ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يسمون برواة الآثار بأن جميع ما صح عندهم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه المسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أكثر كلها سقيمة أو غير صحيحة فهذا هو الذي حدسه أبو زرعة وغيره قد وقع وفي قوله عشرة آلاف إشعار بعدة أحاديث الصحيحين فكأن هذا هو من الحوامل لأهل الحديث على التعرض لذكر أن الشيخين لم يستوعبا الصحيح في كتابيهما أما البخاري فقوله "أحفظ مائة ألف حديث صحيح"2 وكون الذي أخرجه في كتابه لا يبلغ عشر ما ذكره صريح في أنه لم يستوعب الصحيح. إن قلت: قول الحاكم في مواضع من المستدرك في الحديث على شرطهما ولم يخرجاه يشعر بخلاف ما نقله عنه في الخطبة وإلا فلا فائدة لقوله ولم يخرجاه. قلت: لعله لم يسق قوله ولم يخرجاه مساق الاعتراض عليهما بأنهما لم يخرجاه بل ذكر ذلك إخبارا بأنهما لم يخرجا كل ما كان على شرطهما فهو كالاستدلال لما قاله في خطبته من أنهما لم يستوعبا الصحيح ولا التزما ذلك. وقد جرأ على هذا الوهم أعني أنهما حصرا الصحيح السيد على بن محمد بن أبي القاسم في ترسله على المصنف بالرسالة التي رد عليها بالعواصم فإنه قال وقد تعرضوا لحصر الصحيح فما لم يذكره غير صحيح عندهم ولكنه زعم أنهم قالوا إنما

_ 1 "1/41". 2 علوم الحديث ص "16"، وسير أعلام النبلاء "12/415".

الصحيح محصور في الكتب الستة فزاد إلى الوهم الأصلي وهمين طارئين وقد بين المصنف الرد عليه في العواصم بما يفيده ما ذكرناه. "وقال النووي في شرح مسلم ما معناه إنه وقع اختلاف بين الحافظ في بعض أحاديث البخاري ومسلم فهي مستثناة من دعوى الإجماع على صحة حديثهما" كأن المصنف نقل كلام النووي إيضاحا لكلام ابن الصلاح حيث قال وإن لم يوجد اجتماعها في بعض أحاديث كتابه عند بعضهم. ومن هنا تعلم أنه كان ينبغي للزين أن يزيد فيما سلف في آخر المسألة الأولى حيث قال والمراد ما أسنداه دون التعاليق والتراجم قيدا وهو دون الأحاديث التي اختلف فيها وهذا الذي نسبه المصنف إلى النووي نقله النووي عن ابن الصلاح فإنه قال في أثناء كلام نقله عنه فإذا علم هذا فما أخذ البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول وما ذاك إلا في مواضع قليلة سننبه على ما وقع في هذا الكتاب منها إن شاء الله تعالى هذا آخر ما ذكره الشيخ أبو عمرو فالكلام لابن الصلاح نقله النووي. واعلم أن هذا كلام كان يحسن تأخيره إلى مسألة حكم الصحيحين وذكر تلقي الأمة بالقبول لهما فإن هذا الاستثناء إنما هو مما تلقته الأمة بالقبول والإجماع ولم يسبق له هنا ذكر سوى قوله وكتاباهما أصح كتب الحديث وسيأتي مستوفى أن شاء الله تعالى عند ذكر المصنف له. "وقد ذكر" أي النووي "الجواب على من خالف في صحة تلك الأحاديث النادرة" قال النووي وقد أحببت عن كل ذلك أو أكثره وستراه في مواضعه إن شاء الله تعالى ذكره في شرح مسلم بعد ذكره للأحاديث التي انتقدها الدارقطني وأبو مسعود الدمشقي على الشيخين وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى عند كلام المصنف على حكم الصحيحين. "قال زين الدين: وذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم" بالخاء المعجمة والراء المهملة الشيباني المعروف أبوه بابن الكرماني ويقال له أيضا الأخرم إجراء للقب أبيه عليه كان صدر أهل الحديث بنيسابور قال لعبد الغفار الفارسي هو الفاضل في الحفظ والفهم صنف على الكتابين البخاري ومسلم وكان ابن خزيمة يراجعه في مهمة توفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة "شيخ الحاكم كلاما معناه قلما

يفوت البخاري ومسلما ما ثبت من الحديث قال ابن الصلاح" بعد نقله لكلام ابن الأخرم "يعني" ابن الأخرم "في كتابيهما" لكنه قال ابن الصلاح: بعد هذا ولقائل أن يقول ليس ذلك بالقليل فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير يشتمل على شيء كثير وإن يكن في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي من كلامه أعني ابن الأخرم أنه غير مريد للكاتبين وإنما أراد مدح الرجلين بكثرة الاطلاع والمعرفة لكن لما كان غير لائق يوصف أحد من الأمة بأنه جمع الحديث جميعه حفظا وإتقانا حتى ذكر عن الشافعي أنه قال: "من قال إن السنة كلها اجتمعت عند رجل واحد فسق ومن قال إن شيئا منها فات الأمة فسق" فحينئذ عبر عما أراده من المدح بقوله فلما يفوتهما منه أي قل حديث يفوت البخاري ومسلما معرفة أو نقول سلمنا أن المراد الكتابان لكن المراد من قوله مما ثبت من الحديث الثبوت على شرطهما لا مطلقا. "قال النووي في التقريب والتيسير1: والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير أعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي" وقد ألحق بها عوضا عنه سنن ابن ماجة وعلى هذا بني الحافظ المزي2 في تهذيب الكمال ومن تبعه من مختصري كتابه كالحافظ ابن حجر الخزرجي. "قال زين الدين العراقي: وفي كلام النووي ما فيه لقول البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح" تمام حكاية البخاري ومائتي ألف حديث غير صحيح فإنه دال على كثرة ما فات الكتابين من الصحيح كما ستعرفه من عدد أحاديثهما فيما يأتي قريبا فلا يتم لابن الأخرم ما ادعاه وعلى كثرة ما فات غيرهما من الثلاثة أيضا فلا يتم ما ادعاه النووي أيضا.

_ 1 "1/99" مع شرحه "تدريب الراوي". 2 المزّي هو: الإمام العالم الحبر محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الشافعي. رحل وسمع الكثير، وهو حامل لواء معرفة الرجال، لم تر العيون مثله. مات سنة "742". له ترجمة في: تذكرة الحفاظ "4/1498"، وشذرات الذهب "6/136"، والنجوم الزاهرة "10/76".

قال الحافظ ابن حجر: مراده أي النووي من أحاديث الأحكام خاصة أما غير الأحكام فليس بقليل. قلت: فلا يرد ما أورده عليه الزين. "قال النووي: ولعل البخاري أراد" بقوله "مائة ألف حديث صحيح"، "والأحاديث المكررة الأسانيد يعني المختلفة" أي التي اختلفت أسانيدها واتحد متنها كما سنعرف قريبا "والموقوفات على الصحابة" والتابعين فإنه قد يطلق عليه لفظ الحديث كما يدل له قوله "وقال ابن الصلاح بعد حكاية كلام البخاري إلا أن هذه العبارة" يعني قوله مائة ألف حديث صحيح "قد يتدرج تحتها عندهم" أي عند أئمة هذا الشأن "آثار الصحابة والتابعين" قال ابن الصلاح1: "وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين" باعتبار إسناديه.

_ 1 علوم الحديث ص "27".

مسألة (6) : في عدد أحاديث الصحيحين

مسألة 6 [في عدد أحاديث الصحيحين] "عدد أحاديث البخاري ومسلم" كأن الباعث على ذكر عدة أحاديث الكتابين ما سبق ذكره عن الحافظ ابن الأخرم وما نقل عن عدد ما يحفظه البخاري. "قال الشيخ زين الدين بن العراقي1: عدد أحاديث البخاري بإسقاط المكرر" أي من المتون "أربعة آلاف حديث على ما قيل" هكذا نقله ابن الصلاح بصيغة التمريض "وعدد أحاديثه بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا وكذا جزم ابن الصلاح" لكن قد عرفت أنه جعل عادة ما ليس مكرر رواية على غيره بصيغة التمريض فيحمل كلام الزين على جزم ابن الصلاح بالعدد الذي فهي المكرر فإنه جزم به ولم ينسبه لأحد وذكر المصنف في العواصم أن صحيحه يعني البخاري لا يشتمل إلا على قدر أربعة آلاف حديث من غير المكرر وكأنه يريد في عبارة العواصم أن عدة ذلك بالمكرر وإن خالف ما سلف من أن عدده سبعة آلاف وكسور. قال الزين: "وهو" أي ما قاله ابن الصلاح في عدة أحاديث البخاري "مسلم" أي في عدته بالمكرر أو في عدته بغير المكرر يحتمل "في رواية الفريري" 2 فرير كسبحل قرية ببخارى كذا في القاموس وهو محمد بن يوسف أحد رواة صحيح البخاري بل عمدتهم "وأما رواية حماد بن شاكر فهي دونها" أي دون رواية الفريري "بمائتي حديث ودون هذه" أي رواية حماد بن شاكر "بمائة حديث رواية ابراهيم بن معقل" بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف ونقل المصنف هذا الكلام الذي ذكره زين الدين في

_ 1 فتح المغيث "1/18". 2 الفربري: بفتح الفاء والراء وسكون الباء الموحدة وبعدها راء أخرى. وهي بلدة على طرف "جيحون" مما يلي بخارى. "الأنساب"، "4/359".

"الروض الباسم" بلفظه وظاهر عبارته أن رواية ابراهيم بن معقل تنقص عن رواية الفريري ثلثمائة حديث وظاهره أيضا أن هذا نقص في روايتهما ونسخهما. قال الحافظ ابن حجر، بعد نقله لكلام شيخة زين الدين ما لفظه: وظاهر هذا أن النقص في هاتين الروايتين وقع من أصل التصنيف أو مفرقا من أسانيد فإنه اعترض على ابن الصلاح في إطلاقه هذه المدة من غير تمييز قاعدة وليس كذلك بل كتاب البخاري في جميع روايات الثلاثة في العدد سواء وإنما حصل الاشتباه من جهة أن حماة بن شاكر وابراهيم بن معقل لما سمعا الصحيح على البخاري فإنهما من أواخر الكتاب شيء فروياه بالإجازة عنه وقدينه على ذلك أبو نصر ابن طاهر وكذا نبه الحافظ أبو على الجياني في كتاب المهمل على ما يتعلق بابراهيم بن معقل فروي بسند إليه قال وأما من أول كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب فأجازه لي البخاري قال أبو على الخياني وكذا فإنه من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك في باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح: 15] ... إلى آخر الباب وأما حماد بن شاكر ففاته من أثناء كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب. فتبين أن النقص في رواية حماد بن شاكر وابراهيم بن معقل إنما حصل من طريان القوت لا من أصل التصنيف وظهر أن العدة في الروايات كلها سواء وغايته أن الكتاب جميعه عند الفريري بالسماع وعند هذين بعضه بسماع وبعضه بإجازة والعدة عند الجميع في أصل التصنيف سواء فلا اعتراض على ابن الصلاح في شيء مما أطلقه. انتهى بلفظه. ثم قال زين الدين: "ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم" هذا كلام الزين في شرح ألفيته وقال فيما كتبه إلى ابن الصلاح ما لفظه ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث كتاب مسلم بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب البخاري بكثرة طرقه انتهى1. "وقال النووي" قي التقريب والتيسير "إنه نحو أربعة آلاف بإسقاط المكرر" قال الحافظ ابن حجر ذكر الشيخ في شرح الألفية من أحمد بن سلمة أن عدة كتاب مسلم بالمكرر اثنا عشرة ألف حديث وعن الشيخ محي الدين النووي أن عدته بغير المكرر نحو أربعة آلاف2. اهـ.

_ 1 التقييد والإيضاح ص "27". 2 التقييد والإيضاح ص "27"، وتدريب الراوي "1/104".

قلت: لم نجد في شرح الألفية الرواية التي ذكرها الحافظ عن أحمد بن سلمة وليس فيه إلا كلام النووي الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى ولعله في الشرح الكبير. ثم قال الحافظ: وعندي في هذا نظر وإنما لم يتعرض المؤلف يريد ابن الصلاح لذلك أي لعدة ما في صحيح مسلم لأنه لم يقصد ذكر عدة ما في البخاري حتى يستدرك عليه عدة ما في كتاب مسلم بل السبب لذكر المؤلف عدة ما في أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح الذي ليس في الصحيحين غير قليل خلاف لقول ابن الأخرم لأن المؤلف رتب بحثه على مقدمتين إحداهما أن البخاري قال أحفظ مائة ألف حديث صحيح والأخرى أن جملة ما في كتابه بالمكرر سبعة آلاف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثا فينتج أن الذي لم يخرجه البخاري من الصحيح أكثر من الذي خرجه. انتهى. قلت: لا يخفى أن ابن الأخرم جعل دعواه متعلقة بالصحيحين معا وأنه لم يفت مؤلفيهما إلا القليل مما ثبت من الحديث والجواب أن دعواه لا تتم إلا ببيان عدة أحاديث الكتابين ونسبة تلك العدة إلى الأحاديث الصحيحة مطلقا ليتبين أن ما فاتهما أكثر مما جعله فلا يتم دعواه وأما الاقتصار في الجواب عليه بأن عدة البخاري كذا والذي يحفظه البخاري كذا فيتم في البخاري ولكنه يقول الدعوى أنه لم يفت الكتابين إلا القليل واقتصرتم في الجواب على أحدهما دون الآخر فلابد من ذكر عدة أحاديث مسلم ليتم الجواب فنظر الزين وأراد على ابن الصلاح ودفع الحافظ غير واف بالمراد. نعم لك أن تقول إنما لم يذكر عدة مسلم لأنه ليس إلا رد قول ابن الأخرم إن الفائت مما جمعه الشيخان من الصحيح قليل فإنه إذا كان البخاري يحفظه منه مائة ألف حديث صحيح وكتابه حوى سبعة آلاف وكسورا وهب أن مسلما حوى عشرين ألف حديث ولم يحوها قطعا فالفائت من الصحيح على الصحيحين زيادة على سبعين ألف حديث فكيف إذا انضم إلى الصحيح ما يحفظه مسلم مما لم يحوه كتابه وبهذا يتحصل عدم صحة ما قاله ابن الأخرم. "وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة شرحه لصحيح البخاري أنه ترك التقليد في عدة أحاديث البخاري" أي ترك التقليد للقائلين إن عدته ما ذكر ولا يخفي أن قبول رواية

المذكورين لعدة أحاديث البخاري ليس من باب التقليد بل من باب قبول رواية العدل وليس من التقليد كما عرف في الأصول ويأتي للمصنف ذلك فالأولى أن يقول إنه اختبر ما قاله لما دون فوجدهم واهمين فإن الوهم جائز على العدل كما علمت ونقل عنه البقاعي أنه قال يعني ابن حجر أنه لما شرع في مقدمة شرح البخاري قلد الحموي1 يريد في عدة أحاديث البخاري إلى كتاب السلم فوجدته قال إن فيه ثلاثين حديثا أو نحو الشك مني قال فاستكثرتها بالنسبة إلى الباب فعددتها فوجدتها قد نقصت كثيرا فرجعت عن تقليده وعددت محررا بحسب طاقتي فبلغت أحاديث بالمكرر سوى المعلقات سبعة آلاف وثلثمائة وسبعة وتسعين حديثا إلى آخر ما قاله المصنف "وحرز ذلك بنفسه فزاد على ما ذكروه مائة حديث واثنان وعشرون حديثا والجملة عنده بالمكرر من غير المعلقات والمتابعات سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثا". واعلم أن معرفة عدة أحاديث الصحيحين ليست من علوم الحديث وقواعده ولكن دعا إلى ذكرها ما عرفته من كلام ابن الأخرم وزاد الحافظ عدد المعلقات "قال: وجملة ما فيه من التعاليق ألف ثلثمائة وأحج وأربعون حديثا أكثرها مكرر مخرج في صحيح البخاري يعني في مواضع أخر" لفظ ابن حجر في المقدمة مخرج في الكتاب أصول متونه فتسمية ما ذكره تعليقا بالنسبة إلى ذكره له غير مخرج لا بالنسبة إلى ما ذكره له غير مخرج لا بالنسبة إلى ما ذكره له مخرجا فإن المخرج منها وهو الموصول داخل في عدة أحاديثه المخرجة. "قال" ابن حجر "وليس فيه" أي في المعلق أو في البخاري "من المتون" المعلقة "التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق أخرى إلا مائة وستون حديثا" فهذه في الحقيقة هي المعلقات لا غير لعدم تخريج البخاري لها. "قال" ابن حجر "وقد أفردتها في كتاب لطيف" هو المسمى بتغليق التعليق "متصلة الأسانيد إلى من علقت عنه" فعلى هذا لم يبق في البخاري حديث معلق في نفيس الأمر بل كلها متصلة ثم قال ابن حجر وجملة ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات ثلثمائة وأربعة وأربعون حديثا فجميع ما في الكتاب على هذا بالمكرر سبعة آلاف حديث واثنان وثمانون حديثا وهذه العدة خارجة عن الموقوفات على

_ 1 كذا بالأصل "الحموي"، وهو تصحيف، وصوابه "الحمويي".

الصحابة والمقطوعات عن التابعين فمن بعدهم، وقد استوعبت أصل جميع ذلك في كتابي تغليق التعليق. انتهى. "قال" ابن حجر "وهذا تحرير بالغ لم أسبق إليه" فإنه لم يتعرض من تقدم لعد المعلقات ولا لعد ما لم يخرج منها قال: "وأنا مقر بعدم العصمة من السهو والخطأ". وأما عدة طرق الصحيحين فذكر الحافظ ابن حجر عن الحافظ الجوزقي أنه قال في كتابه المسمى بالمتفق أنه استخرج على جميع ما في الصحيحين حديثا حديثا فكان مجموع ذلك خمسة وعشرون ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقا وأما ما اتفق الشيخان على إخراجه من المتون فذكر الجوزقي أن حملة ما اتفق الشيخان على إخراجه من المتون في كتابيهما ألفان وثلثمائة وستة وعشرون حديثا. تنبيه: قال الزركشي إن عدة أحاديث أبي داود أربعة آلاف وثمانمائة حديث قال ابن داسة سمعت أبا داود يقول كتبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: خمسمائة ألف حديث انتخبت منها هذه السنن فيها أربعة آلاف وثمانمائة المراسيل نحو ستمائة حديث قال أبو داود لم أصنف فيه كتب الزهد ولا فضائل الأعمال وهي أحاديث صحاح كثيرة وعنه ما في كتاب السنن حديث إلا وقد عرضته على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. وأما كتاب ابن ماجه فقال أبو الحسن بن القطان صاحبه عدته أربعة آلاف حديث. وأما أحاديث الترمذي والنسائي فلم أر من عدهما. وأما الموطأ فقال أبو بكر الأبهري جملة ما فيه من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم: وعن الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثا المسند منها ستمائة حديث والمرسل مائتان واثنان وعشرون حديثا والموقوف ستمائة وثلاث عشر حديث ومن قول التابعين مائتان وخمسة وثمانون وذكر الكيا الهراسي في تعليقه في الأصول أن موطأ مالك كان اشتمل على تسعة آلاف حديث ثم لم يزال ينتفي حتى رجع إلى سبعمائة. فائدة: ذكرها الحافظ ابن حجر عن أبي جعفر محمد بن الحسين البغدادي أنه قال يف كتاب التمييز له عن النووي وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل أن جملة الأحاديث المسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم: يعني الصحيحة بلا تكرر أربعة

آلاف وأربعمائة حديث وعن اسحق بن راهوية أنه سبعة آلاف ونيف وقال أحمد بن حنبل وسمعت ابن مهدي يقول الحلال والحرام من ذلك ثمانمائة وكذا قال اسحق بن راهويه عن يحيى بن سعيد وذكر القاضي أبو بكر بن العربي أن الذي في الصحيحين من أحاديث الأحكام نحو ألفي حديث وقال أبو بكر السختياني عن ابن المارك تسعمائة وقال الحافظ ومرادهم بهذه العدة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أقواله الصريحة في الحلال والحرام وقال كل منهم بحسب ما وصل أليه ولهذا اختلفوا. والله أعلم.

مسألة (7) : في بيان الصحيح الزائد على ما في البخاري ومسلم

مسألة 7 [في بيان الصحيح الزائد على ما في البخاري ومسلم] "الصحيح الزائد على الصحيحين" أي هذا بحث الحديث الصحيح الذي لم يرو في الصحيحين وهو كالتتمة لكون الشيخين لم يستوعبا الصحيح كأنه قيل من أين يعرف الصحيح الزائد على ما فيهما. "قال زين الدين: مما معناه ما نص على صحته إمام معتمد كأبي داود والنسائي والدار قطن ي والخطابي والبيهقي في مصنفاتهم المعتمدة فهو صحيح كذا قيده ابن الصلاح بمصنفاتهم1" إلا أن ابن الصلاح لم يذكر البيهقي والخطابي وذكر أبا بكر بن خزيمة2 ثم قال وغيرهم "ولم أقيده بها" يريد زين الدين إنه لم يقيد حيث قال ما نص على صحته ولم يقل في كتابه "بل إذا صح الطريق إليهم أنهم صححوا ولو في غير مصنفاتهم" لأن العلة الموجبة لاتصافه بالصحة إخبارهم بأنه صحيح سواء ثبت في تصنيف لهم أو غيره "أو صححه من لم يشتهر له تصنيف من الأئمة كيحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين ونحوهما فالحكم كذلك على الصواب" لأن الصحيح إخبار من العدل الثقة بأنه وجد في الحديث شرائط الصحة وإخباره بهذا مقبول لأنه من باب خير الآحاد وقد برهن في الأصول على قبوله فإذا ثبت له عنه فسواء كان له مؤلف أم لا وإذا ليس ذلك من شرائط أخبار الآحاد قال زين الدين "وإنما قيده" أي ابن الصلاح "بالمصنفات لأنه ذهب إلى أنه ليس لأحد في هذه الأعصار أن يصحح

_ 1 علوم الحديث ص "27- 28". 2 أبو بكر بن خزيمة هو: إمام الأئمة شيخ الإسلام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري. قال ابن حبان: ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها كأن السنن نصب عينيه إلا ابن خزيمة فقط. مات سنة "311". له ترجمة في: البداية والنهاية "11/149"، وشذرات الذهب "2/262"، والعبر "2/149".

الأحاديث" هذا محل تأمل لأنه إذا قال ابن الصلاح: لا يصح لأحد في هذه الأعصار أن يصحح1 وإنما التصحيح مقصور على من تقدم عصره فمن تقدم عصره إذا صحت الطريق إليه بأنه قال هذا الحديث صحيح مثلا فقد حصل ما يريده ابن الصلاح من أنه صححه من تقدم فاشتراط أن يذكر ذلك التصحيح في تأليف له لا يلزم من القول بأنه لا يصحح أهل عصره وهو واضح فما أظنه ذكر المصنفات قيدا للاحتراز بل قيد واقعي مبني على الأغلب بأن من صحح الأحاديث يصححها من مؤلفات له "فلهذا لم يعتمد" يعني ابن الصلاح "على صحة السند إلى من صحح الحديث من غير تصنيف مشهور" هكذا نسخة المصنف من غير ونسخة الزين في شرحه في غير وهي أولى لأن شرط ابن الصلاح أين يصحح في تصنيف لا أنه يصححه ذو تصنيف ولو في غير مصنفه ثم وجدنا في نسخة من التنقيح كعبارة ابن الصلاح "وسيأتي كلامه في ذلك" ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. قلت: وسيأتي أيضا ذكر من خالفه أي ابن الصلاح في زعمه أنه ليس للمتأخرين التصحيح "ورد عليه" دعواه. "قال زين الدين: ويؤخذ الصحيح أيضا" أي كما يؤخذ مما نقض على صحته إمام معتمد يؤخذ "من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط" أي من الصفات التي لم يخلط فيها الصحيح بغيره كسنن أبي داود مثلا ولذا قال ابن الصلاح: ولا يكفي في ذلك أي في صحة الحديث مجرد كونه موجودا في سنن أبي داود والترمذي وكتاب النسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره ويكفي كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه "كصحيح أبي بكر محمد بن خزيمة وصحيح أب حاتم محمد بن حبان البستي المسمى بالتقاسيم والأنواع2" قال ابن النحوي في البدر المنير غالب صحيح ابن حبان منتزع من صحيح شيخه إمام الأئمة محمد بن حزيمة إلا أنه قال ابن الصلاح: صحيح ابن حبان يقارب مستدرك الحاكم في حكمه ونقل ابن حجر الهيتيمي في فهرسته أنه قال الحاكم: إن ابن حبان ربما يخرج عن مجهولين لا سيما ومذهبه إدراج الحسن في الصحيح إلى آخر كلامه ونقل العماد ابن كثير3

_ 1 علوم الحديث ص "29". 2 فتح المغيث "1/19". 3 العماد ابن كثير هو: الإمام المحدث الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير=

أيضا أن ابن الحبان وابن خزيمة التزما الصحة وهما خير من المستدرك بكثير وأنظف إسنادا ومتونا1 وعلى كل حال فلا بد للمتأهل من الاجتهاد والنظر ولا يقلد هؤلاء ومن نحا نحوهم فكم حكم ابن خزيمة بالصحة لما لا يرتقي عن رتبة الحسن بل فيما صححه الترمذي من ذلك حملة مع أنه يرفرق الحسن والصحيح. انتهى. قلت: فلا تأخذ ما قاله المصنف والزين وغيرهما مما ذكروه حكما كليا "وكتاب المستدرك2 على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم على تساهل فيه" أي التصحيح "قال ابن الصلاح: ما انفرد الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه" لفظ ابن الصلاح اعتني الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين وجمع ذلك في كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين مما رواه على شرط قد أخرجا على رواته في كتابيهما أو على شرط البخاري وحده أو على شرط مسلم وحده وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن يتوسط في أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة وإن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن3. انتهى. وقد عرفت أن حكم صحيح ابن حبان حكم المستدرك كما قاله ابن الصلاح إلا أنه قال الزين إنه قال الحازمي4 إن ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم.

_ = ابن ضوء القيس البصرواي. قال الذهبي: الأمام المفتي المحدث، ثقة متفنن، محدث متقن. مات سنة "774". له ترجمة في: شذرات الذهب "6/231"، والنجوم الزاهرة "11/123"، وإنباه الغمر "1/39". 1 اختصار علوم الحديث ص "21- 22". 2 المستدرك: معنى "الاستدراك" هو أن يتتبع إمام من الأئمة إماما آخرا في أحاديث فتته ولم يذكرها في كتابه، وهي على شرطه أخرج عن رواتها في كتابه فيحصى المستدرك- بكسر الراء- هذه الأحاديث المتروكة، ويذكرها في كتاب يسمى "المستدرك- بفتح الراء – غالبا أوما في هذه المعنى. "الوسيط" ص "239". 3 علوم الحديث ص "29". 4 الحازمي هو: الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم الهمداني. قال ابن النجار: كان من الأئمة الحفاظ. العالمين بقفه الحديث ومعانيه، ثقة نبيلا حجة زاهدا. له ترجمة في: البداية والنهاية "12/332"، وشذرات الذهب "4/282"، ووفيات الأعيان "1/488".

"قال" زين الدين "ابن العراقي: الحكم عليه بالحسن تحكم" أي قول بأحد المحتملات بلا دليل "والحق أن ما انفرد بتصحيحه تتبع بالكشف عنه" بالنظر في رجال إسناده "ويحكم عليه بما يليق بحاله" المأخوذ من صفات رواته "من الصحة أو الحسن أو الضعيف ولكن ابن الصلاح رأيه أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه" ويأتي الكلام في ذلك. "قلت: قد كشف عنه" الحافظ أبو عبد الله "الذهبي ويبنه في كتاب تلخيص المستدرك وذكر أن فيه قدر النصف صحيحا على شرط الشيخين كما ادعاه الحاكم وقدر الربع صحيح لا على شرطهما" وهو الذي اجتهد في تصحيحه برأيه "وقدر الربع مما يعترض عليه في تصحيحه". قلت: وفي النبلاء للذهبي ما لفظه في المستدرك شيء كثير على شرطيهما وشيء كثير على شرط أحدهما ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل فإن في ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما في الباطن لها علل ككثيرة مؤثرة وقطعة من الكتاب أسانيدها صالح وحسن وجيد وذلك نحو ربعه وباقي الكتاب مناكير وعجائب وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها. اهـ. وفيه مخالفة لكلام المصنف وفيه إنصاف يخالف ما حكاه الذهبي عن أبي سعيد الماليني أنه قال طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره فم أر فيه حديثا على شرطهما قال الذهبي1: هذا غلو وإسراف منه وإلا ففي المستدرك حملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما وهو قدر النصف وفيه الربع مما صح سنده أو حسن وفيه بعض العلل وباقية مناكير واهيات وفي بعضها موضوعات قد أفردتها في جزء2. اهـ. وللحافظ ابن حجر تفصيل وتقسيم لأحاديث المستدرك يطول ذكره من أخب راجعه في نكته على ابن الصلاح. "قلت: ولعل عذره" أي الحاكم "في تصحيحه" لما ليس بصحيح عند أئمة الحديث

_ 1 الذهبي هو: الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان التركماني ثم الدمشقي. له مصنفات كثيؤة منها "تاريخ الإسلام" و "سير أعلام النبلاء". مات سنة "749". له ترجمة في: طبقات الشافعية الكبرى "9/109- 111". 2 تدريب الراوي "1/106".

"أنه لم يلتزم قواعد أهل الحديث وصحح على قواعد كثير من الفقهاء وأهل الأصول فاتسع في ذلك ونسب لأجله إلى التساهل" هذا عذر حسن إلا أنه لا يطابق قول الحاكم على شرطهما فيما يخرجه فإنه ظاهر أنه أيما يصحح ما يوجد فيه شرائط الصحة عند الشيخين على اصطلاح الأئمة من أهل الحديث بل على اصطلاح الشيخين. ولفظ الحاكم في خطبة المستدرك1 وأنا أستعين بالله على إخراج أحاديث روايتها قد ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة انتهى فإنه علل بأنه الزيادة مقبولة أي زيادة رواة الصحيحين على ما فيهما وهو ظاهر في أنه روي عن رجالهما وقوله قد احتج بمثلها أي يمثل أحاديث رواتها ثقات وهم رواة الصحيحين أو أحدهما كما دل له قوله في أول حديث أخرجه في المستدرك فإنه أخرج حديث أبي هريرة مرفوعا: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" 2 وقال إنه على شرط مسلم وقد استشهد بأحاديث القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة ومحمد بن عثمان وقد احتج لمحمد ابن عجلان فدل على أنهلا يخرج إلا لرجالهما سواء ذكروهما في الاستشهاد، أو في الاحتجاج كما دل له قوله في القعقاع وفي محمد بن عجلان ولكنه قدم هذا في الخطبة ما لفظه أن أجمع كتابا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها3 انتهى فإنه قال يحتج ولم يرد أو يستشهد فلا لد من حمل الاحتجاج على ما يشمل الاستشهاد مجازا. ثم رأيت الحافظ ابن حجر نقل عن الحافظ العلائي أنه قال مراد الحاكم بقوله على شرط فلان أن رجال ذلك السند أي من نسب أليه الشرط أخرج لكل منهم احتجاجا هذا هو الأصل. وقد يتسامح لاحاكم فيغضى عمن يتفق أنه وقع في السند ممن هو في مرتبة من أخرج له وإن لم يكن عينه وذلك قليل بالنسبة إلى المثل وتراه بنوع العبارة فتارة يقول على شرطهما وذلك حيث يخرجان له وتارة على شرط البخاري أو مسلم وذلك حيث يكون في السند من انفرد به أحدهما ومتى كان أكثر السند ممن لم يخرجا

_ 1 "1/42". 2 الحاكم "1/3"، وأبو داود "4682"، وأحمد "2/250". 3 المستدرك "1/42".

له قال صحيح الإسناد ولا ينسبه إلى شرط واحد منهما وربما أورد الخبر ولا يتكلم عليه كأنه أراد تحصيله وأخر التنقيب عليه فعوجل بالموت من قبل أن يتقن ذلك. انتهى. واستحسنه الحافظ ابن حجر وقال إنه لا مزيد عليه في الحسن. وإذا عرفت هذا عرفت عدم تمام كلام المصنف في قوله إنه لم يلتزم قواعد أهل الحديث إلخ وإن أراد المصنف أن هذا العذر فيا صححه باجتهاده وليس على شرطهما فالظاهر أن كل ما في كتابه قد زعم شرطهما وإنما عرف أن فيه ما ليس كذلك بالكشف عنه وحينئذ فتصحيحه مبني على اصطلاح أئمة الحديث لكنهم حين كشفوا عنه وجدوه ليس كما ادعاه وهذا الإشكال يرد على قوله: "وقد ذكر ابن الصلاح ما يؤيد هذا فإنه قد ذكر أن الظاهر من تصرفات الحاكم أنه يجعل الحديث الحسن صحيحا ولا يفرده" أي الحسن "باسم كما سيأتي" فإنه لم يؤلف كتابه إلا لما هو شرط الشيخين، على زعمه وليس عندهما حديث حسن بل كل ما هو على شرطهما صحيح ومن هنا تعرف صحة ما ذكرناه في رسم الصحيح من اختلاف اصطلاح الفقهاء واصطلاح أئمة الحديث في حقيقته وأنه لا يمكن جمعه في رسم واحد. "قال زين الدين: إن الأولين قسموا الحديث إلى صحيح وضعيف ولم يذكروا الحسن" يريد فهو يؤيد ما قيل من أن الحاكم جعل الحسن صحيحا وقد تقدم تفسير الخطابي للحديث إلى صحيح وحسن وسقيم "قال زين الدين: وكذلك يؤخذ الصحيح" هو عطف على قوله سابقا قال زين الدين: ويؤخذ الصحيح أيضا "مما يوجد في المستخرجات على الصحيحين" قال ابن الصلاح: ككتاب أبي عوانة الإسفراييني وكتاب أبي بكر الاسماعيل وكتاب أبي بكر البرقاني وغيرهم "من زيادة" على حديث "أو تتمة لمحذوف" منه زاد ابن الصلاح أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي "فإنه يحكم بصحته" لما يأتي في بحث المستخرج وأن حكمه حكم ما استخرج عليه. "قلت: وهذا كله" من قوله ما نص إمام على صحته إلى هنا "إنما اشترط في حق أهل القصور عن بحث الأسانيد ومعرفة الرجال والعلل عند من يشترط معرفتها" أي العلل وقد عرفت أنه يشترطها أئمة الحديث لا الفقهاء فإنهم إنما يشترطون القادحة "وأما من كان أهلا للبحث" عن الأسانيد والعلل مطلقا إن كان محدثا أو العلل القادحة إن كان فقيها "فله أن يصحح الحديث" ظاهر ما يأتي قريبا أن يقول فعليه "متى وجد فيه

شرائط الصحة المذكورة في كتب الأصول وعلوم الحديث ولا يجب الاقتصار" أي على تصحيح الأولين "إلا على رأي ابن الصلاح" من أنه ليس لأحد ممن المتأخرين أين يصحح الحديث "وهو" أي رأيه "مردود كما سيأتي بل لا يكون" من يتبع الأولين على تصحيحهم "مجتهدا منى قلد على الصحيح كما يأتي الكلام على المرسل" فلذا قلنا إن الأولى أن يقال عليه وسيأتي تحقيق الكلام إن شاء الله تعالى أن من قبل قول الأئمة في تصحيح الأحاديث فليس بمقلد لهم بل عامل برواية العدل وليس العمل بها من التقليد كما سيأتي للمصنف نفسه.

مسألة (8) : في المستخرجات

مسألة 8 [في المستخرجات] "قال زين الدين: موضوع المستخرج" أي الكتاب الذي يستخرجه المحدثون والمراد به حقيقته لا الموضوع المصطلح عيه بل موضوع اصطلاحا الكتاب الذي يستخرج عليه فموضوع مستخرج أبي نعيم على البخاري أسانيده ومتونه لأنه يبحث في المستخرج عن كل منهما "أن يأتي المصنف" أي من يريد تصنيف المستخرج "إلى كتاب البخاري أو مسلم" لأنه لم يخرج أحد إلا عليهما كما هو المشهور ولذا اقتصر المصنف وزين الدين عليهما. وإلا فإنه قد ذكر السيوطي1 في شرح تقريب النووي فائدة لا يختص المستخرج بالصحيحين وقد استخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن على سنن أبي داود وأبو علي الطوسي على الترمذي وأبو نعيم على التوحيد لابن خزيمة وأملي الحافظ العراقي على المستدرك مستخرجا لم يكمل. ثم رأيت البقاعي ذكر هنا ما لفظه بعد قوله المستخرج موضوعه ظاهره أنه لا يسعى مستخرجا إلا إذا كان على الصحيح وليس كذلك ثم ذكر من استخرج على غيرهما كما ذكرنا آنفا عن السيوطي ثم قال وعذر المصنف أن كلامه سابقا ولا حقا في الصحيح وحق العبارة أن يقال موضوعه أن يأتي المصنف إلى كتاب من كتب الحديث إلخ انتهى قال واعلم أنه ليس المراد الموضوع المصطلح عليه وإنما المراد حقيقة المستخرج ومعناه.

_ 1 السيوطي هو: عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الخضيري الأسيوطي. أخذ العلم عن عدد كبير من المشايخ، وله مؤلفات كثيرة. مات سنة "911". له ترجمة في: حسن المحاضرة "1/335"، والتحدث بنعمة الله ص "12".

وأما موضوعه بحسب الاصطلاح فأحاديث الكتاب الذي يستخرج عليه فموضوع مستخرج أبي نعيم على البخاري كتاب البخاري أسانيده ومتون لأنه يبحث في المستخرج عن كل منهما "فيخرج أحاديثه" أي البخاري ومسلم "بأسانيد لنفسه من غير طريق البخاري أو مسلم" فيجتمع إسناد المصنف للمستخرج "مع إسناد البخاري أو مسلم في شيخه" أي شيخ البخاري أو مسلم "ويسمونه" أي هذا النوع "موافقة" لأنه وافق المستخرج اسم فاعل البخاري أو مسلما في شيخه "أو" يجتمع المستخرج مع البخاري أو مسلم في "من فوقه" فوق شيخ أحد الشيخين الأدنى وإلا فمن فوقه شيخ لهما أيضا إلا أن الشيخ في العرف لا يطلق إلا على من أخذ عنه البخاري مثلا "ويسمونه" أي هذا النوع من الموافقة "عاليا" لأنها موافقة فيمن فوق شيخ أي الشيخين "بدرجة" إن كان شيخ شيخ البخاري مثلا "أو أكثر على حسب العلو" ومنه بقوله "فإذا اجتمع المستخرج مع صاحب الصحيح في شيخ شيخه كان عليا بدرجة وفي الثاني: بدرجتين ونحو ذلك وذلك كالمستخرج على البخاري لأبي بكر الاسماعيلي1 ولأبي بكر البرقاني2" بالموحدة مكسورة وسكون الراء وقاف مفتوحة في القاموس برقان بالكسر بلدة بخوارزم وبلدة بجرجان "ولأبي نعيم الأصفهاني" هذه كلها استخرجت على البخاري "والمستخرج على مسلم لأبي عوانة وأبي نعيم أيضا والمستخرجون لم يلتزموا" في متن الحديث "لفظ واحد من الصحيحين بل رووه بالألفاظ التي وقعت لهم من شيوخهم مع المخالفة لألفاظ الصحيحين" أي والاتفاق في المعنى فقوله في بيان موضوع المستخرج فيخرج أحاديثه أي أحاديث ما يخرج عيه أي بقصد ذلك وإن اختلف لفظ ما استخرجه وما استخرج عليه وإنما سماها أحاديثه مسامحة أو باعتبار من ينتهي إليه الإسناد من شيوخه إلى الصحابي الذي ذكر حديثه في الصحيحين.

_ 1 أبو بكر الإسماعيلي هو: الإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن إبراهيم بن أسماعيل بن العباس الجرجاني. قال الحاكم: كان واحد عصره، وشيخ المحدثين والفقهاء، وعلا إسناده وتفرد ببلاد العجم. مات سنة "371". له ترجمة في: شذرات الذهب "3/75"، والعبر "2/358"، والنجوم الزاهرة "4/140". 2 أبو بكر البرقاني هو: الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الشافعي. قال الخطيب: كان ثقة ورعا ثبتا. مات سنة "336". له ترجمة في: البداية والنهاية "12/36"، والعبر "3/156".

"وربما وقعت المخالفة أيضا في المعنى" بخلاف الأول فإنها تكون في اللفظ فقط والمعنى متحد وإذا تخالفا لفظا ومعنى "فلا يجوز أن تعزى" أي تنسب "متون ألفاظ أحاديث المستخرجات إليهما" أي إلى الشيخين إن خرج لهما معا "ولا إلى أحدهما" لأنه يكون كذبا "إلا أن يعرف اتفاقهما" أي اتفاق المستخرج عليه إن تفرد بالخريج له "في اللفظ" جاز أن ينسب متن الحديث المستخرج إلى المستخرج عليه وأن يقال فيه أخرجه البخاري مثلا لأنه يصدق عليه أنه قد أخرجه البخاري وإن كان رجاله غير رجال من ذكرهم في سنده وإنما وافقهم في شيخه أو شيخ شيخه إلى هنا كلام زين الدين. فتحصل من هذا أن مخرج الحديث إذا نسبه إلى تخريج بعض المصنفين فلا يخلو إما أن يصرح بالمرادفة أو بالمساواة أولا يصرح إن صرح فذاك وإن لم يصرح كان على الاحتمال فإذا كان على الاحتمال فليس لأحد أن ينقل الحديث منها أي من المستخرجات ويقول هو على هذا الوجه فيهما ولكن هل له أن ينقل منه ويطلق كما أطلق هذا محل بحث وتأمل. قلت: ومحل الاحتياط والتورع يقضي بأن لا يجزم بالنسبة إليهما وكونه يرد أن أصله فيهما لا دليل عليه إذا هو تعيين لأحد المحتملات بلا دليل ولذا ترى الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وغيره من المصنفين يقولون بعد عزو الحديث إلى من أخرجه وأصله في الصحيحين لأنهم قد عرفوا أن أصله فيهما وبه تعرف ضعف الجواب الأتي للمصنف رحمه الله تعالى. "قلت: شرط المستخرج ألا يروي حديث البخاري ومسلم عنها بل يروي حديثهما عن غيرهما وقد يرويه عن شيوخهم أو أرفع من ذلك" أي من شيوخهما أو شيوخهم كما عرفته ولكنه لا بد أن يكون "بسند صحيح" وقياس ما سلف أنه لا بد أن يكون على شرط من خرج عليه "وفي المستخرجات فوائد" ثلاث: "أحدها: أن ما كان فيها من زيادة لفظ أو تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في حديث" قد قدمنا لك أن هذه الزيادة لك يذكرها زين الدين فيما مضى وذكرها هنا "أو نحو ذلك" هذه اللفظة ليست من كلام ابن الصلاح ولا الزين "حكم بصحته لأنها خارجة من مخرج الصحيح" فلذا قلنا لا بد أن يكون رجال السند فيها على شرط من خرج عليه.

"وثانيها: أنها قد تكون" الرواية المستخرجة "أعلى إسنادا ذكرهما" أي هاتين الفائدتين "ابن الصلاح" فقط لم يزد عليهما ما زاده من قول. "وثالثها: ذكره" الأحسن ذكرها "زين الدين وهي قوة الحديث" المستخرج والمستخرج عليه "بكثرة طرقه" عند المستخرج والمستخرج عليه "للترجيح عند التعارض" فإذا تعارضت الأحاديث رجح أكثرها طرقا. واعلم أن هذه الفائدة التي ذكرها زين الدين قد ذكرها ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم ونقلها عنه الشيخ محي الدين النووي فاستدركها عليه في مختصره في علوم الحديث قاله الحافظ ابن حجر. ثم قال: وللمستخرجات فوائد أخرى لم يتعرض أحد منهم لذكرها: إحداها: عدالة من أخرج له فيه لأن المخرج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يخرج إلا عن ثقة عنده فالرجال الذين في المستخرج ينقسمون أقساما: منهم: من ثبتت عدالته قبل هذا المخرج فلا كلام فيهم. ومنهم: من طعن فيه غير هذا المخرج فينظر في ذلك الطعن إن كان مقبولا قادحا فيقدم وإلا فلا. ومنهم: من لا يعرف لأحد قبل هذا المخرج فيه توثيق ولا تجريح فتخريج من يشترط الصحة لهم ينقلهم عن درجة من هو مستور إلى درجة من هو موثق فيستفاد من ذلك صحة أحاديثهم التي يروونها بهذا الإسناد ولو لم تكن في ذلك المستخرج. الثانية: ما يقع فيها من حديث المدلسين بتصريح السماع وهو في الصحيح بالعنعنة فقد قدمنا أنا نعلم في الجملة أن الشيخين اطلعا على أنه مما سمعه المدلس عن شيخه لكن ليس اليقين كالاحتمال فوجود ذلك في المستخرج بالتصريح ينفي أحد الاحتمالين. الثالثة: ما يعق فيها من حديث المختلطين عمن سمع منهم قبل الاختلاط وهو في الصحيح من حديث من اختلط ولم يبين هل سماع ذلك الحديث منه في هذه الرواية قبل الاختلاط أو بعده. الرابعة: ما يقع فيها من التصريح بالأسماء المبهمة والمهملة في الصحيح في الإسناد أو في المتن. الخامسة: ما يقع فيها من التمييز للمتن المحال به على المتن المحال عليه وذلك في

كتاب مسلم كثير جدا فإنه يخرج الحديث على لفظ بعض الرواة ويحيل باقي ألفاظه والرواة على ذلك اللفظ يورده فتارة يقول مثله فيحمل على أنه نظيره وتارة يقول نحوه أو معناه فيحمل على أن فيهما مخالفة بالزيادة والنقص وفي ذلك من الفوائد ما لا يخفي. السادسة: ما يقع فيها من الفصل للكلام المدرج في الحديث مما ليس من الحديث ويكون في الصحيح غير مفصل. السابعة: ما يقع فيها الأحاديث المصرح برفعها وتكون في أصل الصحيح موقوفة أو كصورة الموقوفة. إلى إن قال: فكملت فوائد المستخرجات بهذه الفوائد التي ذكرناها عشرا. انتهى. وإذا عرفت أنه لا يجوز أن تعزي ألفاظه متون أحاديث المستخرجات إليهما ولا إلى أحدهما إلا أن يعرف اتفاقهما في اللفظ فقد وقع لجماعة خلاف هذا فلهذا قال المصنف "واعلم أنه قد يتساهل بعض المستخرجين فينسبون الحديث إلى البخاري أو مسلم وليس هو بلفظه فيهما" ولا يعزب عنك أنه قد سبق أن المستخرجين قد يأتون بألفاظه ليست من الكتاب الذي استخرجوا عليه بألفاظها، بل قد لا تكون بمعانيها وأنه لا يجوز لمن ينقل من المستخرجات أن يعزو ألفاظها إلى الصحيحين وهنا قال إنه قد يتساهل المستخرج نفسه وينسب الحديث إلى البخاري أو مسلم وليس كلام في المستخرج فإنه لا يتعرض لنسبة حديثه إليهما أو إلى أحدهما وإنما يسوق إسنادا لنفسه يجتمع قيه مع إسناد البخاري أو مسلم ولفظ ابن الصلاح الكتب المخرجة على كتاب البخاري أو كتاب مسلم لم يلتزم مصنفوها موافقتهما موافقتهما في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة ولا نقصان إلى قوله وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة كالسنن الكبرى وشرح السنة لأبي محمد البغوي وغيرهما مما قالوا فيه أخرجه البخاري ومسلم. انتهى. وبه تعرف أن التساهل ليس للمستخرجين بل للمؤلفين في تصانيفهم المستقلة أي التي ليس المراد بها الاستخراج على أحد الكتابين وبه تعرف أن قوله "وكذلك فعل البيهقي في السنن الكبرى والمعرفة وغيرهما" من كتبه "والبغوي في شرح السنة وغير واحد فإنهم يروون الحديث بأسانيدهم ثم يعزونه إلى البخاري أو مسلم مع اختلاف الألفاظ والمعاني" - صحيح في هؤلاء فإنه لم يقع العزو مع الاختلاف إلا لهؤلاء

فقط لا لمن ذكره وأمثالهم ممن لم يرد تأليف مستخرج فلو اقتصر على هؤلاء كما فعله ابن الصلاح لكان صوبا وعبارة الزين كعبارة ابن الصلاح ببعض تغيير ألجأه إليه النظم فإنه قال الزين في ألفيته: والأصل أعني البيهقي ومن عزا ثم قال في شرحها: "وقولي: والأصل أعني البيهقي ومن عزا كأنه قيل: فهذا البيهقي في السنن الكبرى والمعرفة وغيرهما والبعوي في شرح السنة وغير واحد يروون الألفاظ والمعاني انتهى فعرفت أن المستخرجين لا يقع لهم الصنع الذي ذكره المصنف إنما وقع لغيرهم من أهل التأليف التي لم يقصد بها المصنفون ما قصده المستخرجون "والجواب عنهم" عن البيهقي ونحوه، "أنهم إنما يريدون" إذا عزوه إلى واحد من الشيخين "أن أصل الحديث فيهما أو أحدهما لا أن ألفاظه و" كل "معانيه كذلك" هذا الجواب تقدم في شرح قوله إلا أن يعرف اتفاقهما في اللفظ فتذكر ما فيه وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح فإنه قال بعد ذكره لصنع البيهقي ومن معه فلا يستفيد بذلك أي بعزو البيهقي الحديث أو أحدهما أكثر من أن البخاري أو مسلما أخرج أصل ذلك الحديث مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ وربما كان تفاوتا في بعض المعنى. قلت: يريد أي لا في كله إذ لو كان التفاوت في كل الألفاظ وكل المعاني لما كان بينهما اتصال في شيء ولا يصح أي يقال أصله فيهما ولذا قيدنا قول المصنف ومعانيه بقولنا كل فتدبر ثم قال وإذا كان الأمر في ذلك على هذا القياس فليس لك أن تنقل حديثا فيها وتقول هو على هذا الوجه في كتاب البخاري أو كتاب مسلم إلا أن يقابل لفظه أو يكون الذي أخرجه قد قال أخرجه البخاري بهذا اللفظ انتهى كلامه. وهو كلام واضح في المؤلفات المستقلة لا المستخرجة فإن الكتب المستخرجة لا يذكر فيها مؤلفوها أخرجه البخاري أو مسلم كما عرفته من ذكر المصنف لموضوعها اللهم إلا أن يثبت أن أهل المستخرجات ينسبون ما أخرجوه إلى أحد الشيخين فإنا لم نر شيئا من الكتب المستخرجة فإن كان كذلك لم يتم له ما سلف في بيان شروط

المستخرجات. نعم اتفقت المستخرجات والمؤلفات المسندات بأسانيد مؤلفيها في أنه لا يجوز عزو ما فيها إلى لفظ البخاري أو مسلم اغترارا يكون المستخرج استخرج على الكتابين ويكون مؤلف الكتب المسندة بأسانيدها نسب ما ذكره إلى أحد الشيخين لأن الأول لم يقصد إخراج ألفاظه ما أخرج عليه إلا أن يعرف اتفاقهما في اللفظ كما قرره المصنف فيما سلف بالنسبة إلى المستخرجات والثاني: لم يقصد يعزوه إلى أحدهما إلا أن أصل الحديث فيهما. ولذا قال المصنف: "وقد انتقد على الحميدي" هو الحافظ أبو عبد الله محمد بن نصر أبي فتوح حفيد الأزدي الأندلسي الظاهري المذهب من أكبر تلامذة ابن حزم "أنه أورد في الجمع بين الصحيحين ألفاظا وتتمات ليست في واحد منها أخذها من المستخرجات أو استخرجها هو ولم يميزها" ولذا قال الزين في ألفيته1: وليت إذا زاد الحميدي ميزا قال في شرحها: يعني أن أبا عبد الله الحميدي زاد في كتابه الجمع بين الصحيحين ألفاظا ليست في واحد منهما من غير تمييز. "قال ابن الصلاح2: وذلك موجود فيه كثيرا فربما نقل بعض من لا يميز ما يجده فيه عن الصحيح وهو مخطئ انتهى" تمام كلامه لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين. "وأما الجمع بين الصحيحين لعبد الحق" بن عبد الرحمن الحافظ الحجة أبو محمد الأزدي الإشبيلي أثنى عليه الذهبي في التذكرة وذكر له عدة مصنفات منها الجمع بين الصحيحين وغيره وهذا عطف على مجموع ما سلف كأنه قال أما الجمع بين الصحيحين للحميدي فلا ينقل منه وأما الجمع لعبد الحق "وكذلك مختصرات البخاري ومسلم" كمختصر الحافظ المنذري له "فلك أن تنقل منها وتعزو ذلك" المنقول "إلى الصحيح" لأنها ألفاظه ولذا قال "ولو باللفظ" بأن تقول أخرجه البخاري بلفظه "لأنهم أتوا بألفاظ الصحيح قال زين الدين: واعلم أن الزيادات التي تقع في كتبا الحميدي ليس لها حكم الصحيح خلاف ما اقتضاه كلام ابن الصلاح" وإنما قال زين الدين: ليس لها حكم الصحيح لقوله: "لأنه" أي الحميدي "ما رواه بسنده

_ 1 "1/22" رقم "36". 2 علوم الحديث ص "31".

كالمستخرج" لأن المستخرج أسند ما أخرجه بخلاف من يجمع بين الصحيحين فإنه ليس ما سند إلا سند الصحيحين والحال أنهما لم يوجد فيهما "ولا ذكر" أي الحميدي "أنه يزيد ألفاظا واشتراط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك وهذا هو الصواب" أي القول بأنه ليس لها حكم الصحيح ولا يخفى ما في قوله حتى يقلد وقد نبهنا عليه وسيأتي تحقيق ذلك. "قلت: بل الصواب ما ذكره ابن الصلاح فإن الحميدي من أهل الديانة والأمانة والمعرفة التامة وهو من أئمة هذا الشأن بغير منازعة وهو أعقل من أن يجمع بين أحاديث الصحيحين ثم يشوبها بزيادات واهية ولو فعل ذلك كان خيانة في الحديث وجناية على الصحيح" لا يخفي أن هذا هو الذي يقضي به حسن الظن إلا أن يعارضه أن هذه زيادات زادها لم يجدها الأئمة الباحثون في الصحيحين قالوا ولا ذكر أنه يزيدها من كتاب آخر ولا قال إنه ملتزم صحتها بل ظاهر تسمية كتابه جمع الصحيحين أن كل ما وجد فيه فهو منهما ولم توجد تلك الزيادة فانتفى حسن الظن به وأما ابن الصلاح فليس في كلامه ما يفهم صحة كلام الحميدي وإنما تكلم على زيادات المخرجين قال إنها ثبتت صحتها بهذه التخاريج لأنها واردة بالأسانيد الثابتة في الصحيحين أو واحد منهما ولم يتكلم في زيادات الجمع للحميدي فقول المصنف قلت: بل الصواب ما ذكره ابن الصلاح ليس في محله. ثم ذكر المصنف مختار المحققين بقوله "وقد اختار المحققون إلحاق ما جزم به البخاري من التعاليق والتراجم" أي إلحاقه بالصحيح "دون ما مرضه فكذلك ما جزم به الحميدي وألحقه بالصحيح ولم يميزه منه" لعله يقال الفرق بين الأمرين واضح فإن الحميدي يقول هذه أحاديث الصحيحين ووجدنا في كتابه ما ليس فيهما فكيف نقول هو كتعاليق البخاري المجزومة فإن تلك تتبعت ووصلت مقطوعاتها كما عرفته مما نقلناه عن الحافظ ابن حجر بخلاف ما زاده الحميدي فتتبع فلم يوجد فيما قال إنه منه "وهو وإن لم ينص على ذلك" أي على صحة ما ألحقه وزاده "فهو ظاهر من وضع كتابه" يقال وضع كتابه لجمع الصحيحين لا غير فهذه الزيادات ليست فيهما "وقرائن أحواله". استدل المصنف لظاهر وضع كتابه وقرائن أحواله بقوله: "ألا تراه حذف من الجمع بين الصحيح ما علقه البخاري عمن لا يحتج به عنده مثل حديث بهز بن حكيم عن

أبيه عن جده مرفوعا الله أحق أي يستحى منه1" قال ابن الصلاح: إن هذا الحديث ليس من شرط البخاري قال ولهذا لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين وحديث: "الفخذ عورة" 2 فإن قال ابن الصلاح: إن قول البخاري بابا ما يذكره في الفخذ ويروي عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الفخذ عورة" ثم ذكر أنه ليس من شرط البخاري "ونحوهما فلو كان الحميدي متسامحا لذكر ذلك مع الصحيح فكيف يحذف من كتاب البخاري ما هو منه لضعفه ثم يحشو فيه من الواهيات ما ليس فيه هذا ضعيف جدا" يقال نعم هذه قرائن تفيد حسن الظن به لكن عدم وجود ما زاده يقلع هذه القرائن وإن أراد المصنف أن هذه الزيادات لها طرق عند الحميدي صحيحة فقد زعم الزين أنه لم يذكر شرطا ولا قال إنه رواها حتى يعتمد عليه في ذلك "وقوله أيضا إنه لم يزد ألفاظا ويشترط فيها الصحة فيقلد في ذلك غير جيد" يعني قوله "فإن قبول الثقة ليس بتقليد بل واجب معلوم الوجوب بالأدلة الدالة على وجوب قبول الثقات في الأخبار والله أعلم" لا شك أن القائل من الأئمة هذا حديث صحيح مخبر بأنها كملت عدالة رواته وضبطهم وسائر صفات الصحة وخبر العدل يجب قبوله وليس من باب التقليد له خبر بل من باب قبول خبر الآحاد كما عرف في الأصول لكنه تقدم للمصنف قبل مسألة المستخرجات أن من قلد في التصحيح لا يكون مجتهدا وهذا ينافيه والصواب هو هذا ويأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى. وإذا عرفت هذا الكلام في جمع الحميدي فاعلم أن هذا مبني من ابن الصلاح والزين والمصنف على تقليد الآخر للأول وإلا فإنه قد تحقق الحافظ ابن حجر مما قاله الحميدي في الزيادات وما شرطه في كتابه فيما كتبه على كلام شيخه فقال بعد سياقه للكلام ما لفظه وكأن شيخنا رضي الله عنه قلد في هذا غيره وإلا فلو رأى كتاب الجمع بين الصحيحين لرأى في خطبته ما دل على ذكره لاصطلاحه في هذه الزيادات وغيرها ولو تأمل المواضع الزائدة لرآها معزوة إلى من زادها من أصحاب المستخرجات وتبعه في ذلك الشيخ سراج الدين النحوي فألحق في كتابه ما صورته هذه الزيادات ليس لها حكم الصحيح لأنه ما رواها بسنده كالمستخرج ولا ذكر أنه يزيد ألفاظا

_ 1 البخاري "1/78"، والترمذي "2766 و 2794"، وابن ماجه "1920"، وأحمد "5/4". 2 البخاري "1/103"، والترمذي 2797"، وأحمد "3/478"، والبهقي "5/228".

وشرط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك وقال شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني1 في محاسن الاصطلاح في هذا الموضع ما صورته وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي تتمات ولا وجود لها في الصحيحين وهو كما قال ابن أل بصلاح إلا أنه كان ينبغي التنبيه على تلك التتمات لنكمل الفائدة انتهى كلامه. قال الحافظ: والدليل على ما ذهبت إليه من أن الحميدي أظهر اصطلاحه بما يتعلق بهذه الزيادات موجودة في خطبة كتابه إذا قال في أثناء المقدمة ما نصه وربما أضفنا إلى ذلك نبذا مما تنبهنا له من كتب أبي الحسن الدارقطنى وأبى بكر الاسماعيلى وأبي بكر الخوارزمي يعني البرقانى وأبي مسعود الدمشقي وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين من نبيه على غرض أو تتميم لمحذوف أو زيادة من شرح أو بيان لاسم أو نسب أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم فقوله من تتميم لمحذوف أو زيادة هو غرضنا هنا وهو يختص بكتابي الإسماعيلي أو البرقاني لأنهما استخرجا على البخاري واستخرج البرقاني على مسلم وقوله من تنبيه على غرض أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم أو بيان لاسم أو نسب يختص بكتابي الدارقطني وأبي مسعود وذاك في كتاب التتبع وهذا في كتاب الأطراف وقوله مما يتعلق بالكتابين احتراز عن تصانيفهم التي لا تتعلق بالصحيحين فإنه لم ينقل منها شيئا هنا فهذا الحميدي قد أظهر اصطلاحه في خطبة كتابه ثم إنه فيما تتبعته من كتابه إذا ذكر الزيادة في المتن بعزوها لمن رواها من أهل المستخرجات وغيرها فإن عزاها لمن استخرجها أقرها وإن عزاها لمن لم يستخرجها تعقبها غالبا لكنه تارة يسوق الحديث من الكتابين أو من أحدهما ثم يقول فيه مثلا زاد فيه فلان كذا وهذا لا إشكال فيه وتارة يسوق الحديث والزيادة جميعا في نسق واحد ثم يقول في عقبة اقتصر البخاري على كذا وزاد فيه الإسماعيلي كذا وهذا يشكل على الناظر غير المميز لنه الذي حذر ابن الصلاح منه لأنه حينئذ يعزو إلى أحد الصحيحين ما ليس فيه انتهى كلامه. قلت: بل لا إشكال فيه أيضا بعد قوله اقتصر منه البخاري على كذا وزاد فيه الإسماعيلي كذا وأي بيان أوضح من هذا البيان وكأنه لذلك قال يشكل على الناظر

_ 1 شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني هو: عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب الكناني الشافعي. ولى قضاء الشام، وانتهت إليه رياسة المذهب الشافعي والإفتاء. مات سنة "805". له ترجمة في: إنباه الغمر "2/245"، والبدر الطالع "1/506"، وشذرات الذهب "7/51".

غير المميز ولكن هذا لا يخفي على مميز ولا غيره لا يخفي أن قول الحافظ هذا هو الذي حذر منه ابن الصلاح غير صحيح فإن ابن الصلاح قد زعم أن الحميدي لم يميز الزيادات أصلا بل ظاهره أنه سردها في ضمن أحاديث الشيخين من غير بيان ولا ذكر قاعدة وهذا مبني على الوهم الذي وقع له ولغيره من الأئمة ولم يكشف قناعه إلا الحافظ بما حققه عن خطبة الحميدي. ثم ساق الحافظ أمثلة دالة على ما ذكره مقررة لما صدره ثم قال فهذه الأمثلة توضح أن الحميدي يميز الزيادة التي يزيدها هو أو غيره ثم قال وقد قرأت في كتاب الحافظ أبى سعيد العلائي في علوم الحديث له قال لما ذكر المستخرجات ومنها المستخرج على البخاري للإسماعيلي والمستخرج على الصحيحين للبرقاني وهو مشتمل على زيادات كثيرة في تضاعيف متون الأحاديث وهي التي ذكرها الحميدي ي الجمع بين الصحيحين منبها عليها هذا لفظه بحروفه وهو عين المدعي ولله الحمد انتهى. قلت: ولا يخفي أن هذه الفائدة تساوي رحلة فجزاه الله خيرا فقد تم الوهم على شيوخه وعلى المصنف. قلت: ولم نتابع الحافظ في كلامه بل راجعنا كتاب الحميدي فرأيناه ذكر ما ذكره الحافظ وصح الواقع للواهمين وهذا من شؤم متابعة الآخر والأول من غير بحث عما قاله. ثم لنذكر بعض الأمثلة التي ذكرها الحافظ فإنه قال منها ما ذكره أي الحميدي في مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في أفراد البخاري1 عن أبي سعيد بن يحمد قال سمعت ابن عباس يقول يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم أسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولوا قال ابن عباس قال ابن عباس من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر ولا تقولوا الحطيم2 فإن الرجل في الجاهلية يحلف فيلقي نعله أو سوطه وقوسه لم يزد يعني البخاري على هذا وزاد البرقاني في

_ 1 البخاري في: مناقب الأنصار: ب "27". 2 الحطيم: هو ما بين الركن والباب. وقيل هو الحجر المخرج منها، سمي به لأن البيت رفع وترك هو محطوما. وقيل لأن العرب كانت فيه ما طافت به من الثياب، فتبقى حتى تنحطم بطول الزمان، فيكون فعيلا بمعنى فاعل. "النهاية"، "1/403".

الحديث بالإسناد المخرج به وأيما صبي حج به أهله فقد قضت حجته عنه ما دام صغيرا فإذا بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج به أهله فقد قضت عنه ما دام عبدا فإذا بلغ فعليه حجة أخرى انتهى ما ذكره الحافظ نقلا عن كتاب الحميدي وهو صريح فيما ذكره عنه من البيان لما زاده. قلت: وقد راجعت جامع الأصول لابن الأثير وفروعه في كتاب الحج فوجدته قد ساق الرواية التي نسبها الحميدي إلى البخاري مقتصرا عليها ونسبها إلى البخاري ولم يأت بحرف من زيادة البرقاني وكذلك فروع الجامع صنعوا صنيعه من الاقتصار والعزو ثم راجعتها في باب حج الصبي فم أجدهم ذكروا زيادة البرقاني. ولعل من تتبع الجامع لم يجده ينقل من كتاب الحميدي إلا ألفاظ الشيخين لا غير وحذف ما فيه من الزيادات التي زادها من غيرهما ومعلوم أنه حيث قد ميز الحميدي الزيادات وعزاها إلى من رواها أنه لا يأتي ابن الأثير وينقل الأصل، والزيادة وينسبها معا إلى الشيخين فإن هذا ما يفعله عالم ولا تقي بل ولا عاقل. نعم كان على ابن الأثير أن يقول في خطبة الجامع حيث قال واعتمدت في النقل عن البخاري ومسلم على جمعه الإمام أبو عبد الله الحميدي في كتابه إلا أنى اقتصرت على لفظهما وحذفت ما زاده من غيرهما ليندفع الوهم الذي يأتي للمصنف في التنبيه. واعلم أن ابن الأثير حذف ما ذكره الترمذي من جامعه في قوله عقيب الحديث صحيح حسن غريب مجموعة تارة ومفرقة أخرى وهو إخلال بما فيه نفع كثير وغنية عن الكشف عن حال الحديث من تصحيح وغيره وإن كان في كلام الترمذي في هذه الصفات أبحاث تعرفها فيما يأتي وكذلك حذف ما تعقب به أبو داود بعض الأحاديث من بيان أنها واهية كما نقل عنه وسيأتي. إذا عرفت هذا فليس لك أن تستدل بحديث الترمذي وأبي داود بمجرد وجدانهما في جامع الأصول وفروعه بل لا بد من الكشف عن حاله ولعل من هذا قول ابن الأثير في خطبة جامع الأصول ما لفظه وأما الأحاديث التي وجدناها في كتاب رزين رحمه الله تعالى ولم أجدها في الأصول في الأمهات الست فإنني كتبتها نقلا عن كتابه على حالها في موضعها المختصة بها وتركتها بغير علامة وأخليت لاسم من أخرجها موضعا لعلى أتتبع نسخا أخرى لهذه الأصول وأعثر عليها فأثبت اسم من

أخرجها. انتهى. وكأنه وقع له ما وقع لمشايخ الحافظ في عدم مطالعتهم لخطبة الحميدي فإنه وجد نقل بخط بعض العلماء أن في لفظ خطبة رزين في كتابه ما لفظه واعلم أني أدخلت من اختلاف نسخ الموطأ لابن شاهين والدارقطني ومن رواية معن للموطأ، أحاديث تفردت بها بعض النسخ عن بعض وكلها صحيحة وقال أيضا في موضع آخر إنه ظاهر ما اتفق عليه النسائي والترمذي واتفق عليه أحدهما مع بعض نسخ الموطأ بأحاديث يسيرة ثبتت له سماعها وهي مروية من طريق أهل البيت عليهم السلام عن علي وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما. انتهى. هذا صريح في أنه أخرج أحاديث من غير الستة الأصول وعزاها إلى من ذكره وإن ما زاده خاص برواية الموطأ لا غير وإنما قلت: لعله وكأنه لأني لم أجد نسخة من رزين فأخبر عما نقل عنه على اليقين إلا أني أظن قوة ما نقل عنه في الخطبة لاستبعاد أن يريد جمع الأصول الستة ثم يأتي بأحاديث لا توجد في كتاب حديثي منها والعجب من الشيخ محمد بن سلمان أنه ينسب التخريج لرزين في كتابه الذي سماه جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد فإنه قال في خطبته إنه نقل ما بيض له ابن الأثير من روايات رزين التي لم ينسبها على كتاب فنسبها الشيخ لرزين كما ينسب روايات البخاري وغيره فيقول مثلا بعد سياق المتن للبخاري ويقول بعد سياق المتن لرزين فيوهم في نسبته إليه على حد نسبته إليه على حد نسبته إلى البخاري مثلا أنه أخرجه رزين وابن الأثير بيض له ولم ينسبه لرزين لأنه لم يخرجه والحال أن رزينا ليس من المخرجين للأحاديث على ما ذكره في خطبته وأن أحاديث رزين بيض لها بان الأثير فكان عليه أن يبيض لها كابن الأثير ا, يتتبع مواضع ما يخرج منه، فيخرجها فيأتي بفائدة يعتد بها وذكرت هذا لأنه يستبعد ألا يطلع على رزين وقد كان في مكة وجمع من الكتب ما اشتهر عند أهل عصره أنه لم يجتمع عند أحد من أهل عصره مثله ثم إن ابن الديبع اختصر من جاع الأصول كتابه المسمىتيسير الوصول فصنع صنع الشيخ محمد بن سليمان في نسبة ما بيض له ابن الأثير إلى تخريج رزين فيقول أخرجه رزين وهو خلل كبير وكان الأولى أن يبيض له كما بيض له ابن الأثير وقد نبهت على هذا في التحبير شرح التيسير في محلات كثيرة والحمد لله. "تنبيه: حكم ما نقله أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم ابن الأثير في

جامع الأصول عن البخاري ومسلم حكم ما نقله الحميدي لأنه اعتمد كتاب الحميدي في الجمع لأحاديثهما كما ذكره في خطبة الجامع ومقدمته" فإنه قال أي ابن الأثير في خطبة الجامع واعتمدت في النقل من كتاب البخاري ومسلم على ما جمعه الإمام أبو عبد الله الحميدي في كتابه فإنه أحسن في ذكر طرقه واستقصى في إيراد رواياته وإليه المنتهى في جمع هذين الكتابين انتهى. إذا عرفت هذا عرفت أن فيما ينسبه ابن الأثير إلى البخاري ومسلم إشكالا لأنه ينقل لفظهما من كتاب الحميدي والحميدي أنى فيه بزيادات صرح أنها من كتب المستخرجين عليهما وحينئذ فكيف يسوغ النقل عن جامع الأصول أو فروعه من كتاب البازري وتيسير ابن الديبع ومعتمد ابن بهران وجمع الفوائد لأفاظ الصحيحين من تلك الكتب لتصريح ابن الأثير أنه اعتمد في نقلهما على كتاب الحميدي وتصريح الذين اختصروا الجامع أو نقلوا منه من المذكورين وغيرهم بأن جامع الأصول أصلهم ومعتمدهم ثم ينسبون ألفاظ ما ينقلونه منه إلى الشيخين فهذا لا يجوز على كلام المصنف في هذا التنبيه. نعم على ما قررناه آنفا من أنا راجعنا جامع الأصول فوجدناه يقتصر على ما في الصحيحين من دون ذكره لما زاده الحميدي من غيرهما وقدمنا لك مثال ذلك فلا يتم قول المصنف حكم ما نقله ابن الأثير حكم ما نقله الحميدي وقد سبق له ولابن الصلاح ولزين الدين أنه لا يجوز نسبة ما في كتاب الحميدي إلى الشيخين لما عرفت ولذا قال المصنف فيما سلف آنفا وأما الجمع بين الصحيحين لعبد الحق وكذلك مختصرات البخاري ومسلم فلك أن تنقل منها وتعزو ذلك إلى الصحيح ولو باللفظ. إذا عرفت هذا فهو إشكال لزم من كلام المصنف لا ينحل دال على عدم جواز ذلك هذا تقرير مراد المصنف رحمه الله تعالى وكلام من تقدمه وإلا فقد قدمنا لك من التحقيق ما يزيل هذا الإشكال فإن ابن الأثير قال إنه اعتمد في نقل الصحيحين على كتاب الحميدي ولم يقل نقل كتاب الحميدي ولا إشكال بعد تقرر ما نقلناه عن ابن حجر وما نقلناه من المثال واقتصار ابن الأثير فيه على كلام البخاري ومن له همة تتبع ألفاظ ابن الأثير وألفاظ جامع الحميدي فإنه يجد ما يقرر ما ذكرناه أو يقرر ما ذكره المنصف رحمه الله تعالى.

مسألة (9) : في بيان مراتب الصحيح

مسألة:9 [في بيان مراتب الصحيح] "مراتب السند الصحيح عند المحدثين" يحترز من مراتبه عند الفقهاء "اعلم أن مراتب الصحيح متفاوتة" وأن جمعها الاتصاف بالصحة "بحسب تمكن الحديث من شروط الصحة وعدم تمكنه وقد ذكر أهل علوم الحديث" أي جمهورهم "أن الصحيح ينقسم" باعتبار ما ذكر "سبعة أقسام" القسم "الأول أعلاه وهو ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم وهو الذي يعبر عنه أهل الحديث" الناقلون من كتابي الشيخين "بقولهم: متفق عليه" يطلقون ذلك ويعنون به اتفق البخاري ومسلم واتفاق الأئمة أيضا حاصل على ذلك لما تقدم من تلقيهم لها بالقبول كذا قاله البقاعي. واعلم أنك قد عرفت مما أسلفناه في وجوب ترجيح البخاري أن شرطه أخص من شرط مسلم لأنه يشترط اللقاء ومسلم يكتفي بشرط المعاصرة مع إمكان اللقاء وكل من ثبت له اللقاء ثبتت له المعاصرة وليس كل ممن ثبتت له المعاصرة يثبت له اللقاء فرجح البخاري بخصوصية شرطه أي كان ذلك من المرجحات ووجود الأعم في ضمن الأخص ضروري فكل راو للبخاري قد حصل فيه شرط مسلم ضرورة وجود الأعم في الأخص وليس كل راو لمسلم يحصل فيه شرط البخاري الأخص وقد عرفناك أن هذا الشرط إنما هو فيما يروى بالعنعنة لا في غيره. فعلى هذا يحسن أن يقال وإنه تقدم رواية البخاري على مسلم فيما يرويانه بالعنعنة لا مطلقا فقد أسلفنا لك في وجهوه الترجيح التي ذكرها ابن حجر مرجحات للبخاري مطلقا ما لا يتم به مدعاهم فتذكر هذا باعتبار أصل شرطهما لا باعتبار ما اتفقا عليه فانضمام مسلم في روايته إلى البخاري لم يأت بزيادة تقوى رواية البخاري وإنما القوة حصلت من حيث إنه صار للحديث راويان البخاري ومسلم إذ قد اشتركا في رواية الحديث من أول رجاله إلى آخرهم ومن حيث إنه وجد في الرواية الشرط

الأخص إذ الغرض فيمن اتفقا عليه أنهم رواة البخاري الذين قيهم الشرط الأخص هذا إن أريد بالاتفاق ما ذكروا وإن أريد أنهما اتفقا على صحابيه فقط دون رجاله فليحقق المراد من مرادهم ثم المارد بما اتفقا عليه ما اتفقا على إخراج إسناده ومتنه معا وهذا عند جمهور المحدثين إلا عند الجوز في فإنه يعد المتن إذا اتفقا على إخراجه ولو من حديث صحابيين حديثا واحدا كما إذا أخرج البخاري المتن من حديث أبي هريرة وأخرجه مسلم من طريق أنس. واعلم أنه تبع المصنف الزين وهو تبع ابن الصلاح في جعل أعلى أقسام الصحيح ما اتفقا عليه واعترض بأن الأولى أن يكون القسم الأول هو ما بلغ مبلغ التواتر أو قاربه في الشهرة والاستفاضة وأجاب الحافظ ابن حجر بأنا لا نعرف حديثا وصف بكونه متواترا ليس أصله في الصحيحين أو أحدهما. قلت: ولا يخفي ما في جواب الحافظ ابن حجر فإنه لو سلم أن كل متواتر في الصحيحين فلا خفاء في أنه أرفع رتب الصحة وحينئذ فالمتعين أن يقال إلى المراتب في الصحة ما تواتر في الصحيحين من أحاديثهما ولك أن تقول الكلام إنما هو الصحيح من الحديث الأحادي فإن التدوين له وكذا في شرائطه وأما المتواتر فلا مدخل للبحث عنه هنا. ثم قال الحافظ: والحق أن يقال: إن القسم الأول وهو ما اتفقا عليه يتفرع فروعا: أحدها: ما وصف بكونه متواترا. ويليه: ما كان مشهورا كثير الطرق. ويليهما: ما وافقهما عليه الأئمة الذين التزموا الصحة على تخريجه الذين أخرجوا السنن والذين انتقوا المسند. ويليه: ما وافقهما عليه بعض من ذكره. ويليه: ما انفرد بتخريجه. فهذه أنواع للقسم الأول- وهو ما اتفقا عليه- إذ يصدق على كل منها أنهما اتفقا على تخريجه. ثم قال: فائدتان: إحداهما: إن اتفاقهما على التخريج عن راو من الرواة يزيده قوة، فحينئذ ما يأتي،

من رواية ذلك الراوي الذي اتفقا على التخريج عنه أقوى مما يأتي من رواية من انفرد. أحدهما: أي بالرواية عنه. والثانية: أن الإسناد الذي اتفقا على تخريجه يكون متنه أقوى من الإسناد الذي انفرد به أحدهما. ومن هنا يتبين أن فائدة المتفق إنما تظهر فيما إذا أخرجا الحديث من حديث صحابي واحد، وفيه إشارة إلى خلاف الجوزقي كما قدمنا. ثم قال: بعم قد يكون في ذلك الحديث أيضا قوة من جهة أخرى، وهو أن المتن الذي تعددت طرقه أقوى من المتن الذي ليس اه إلا طريق واحدة، والذي يظهر من هذا أنه لا يحكم لأحد الجانبين بحكم كلي، بل قد يكون ما اتفقا عليه من حديث صحابي واحد، إذا لم يكن فردا غريبا، أقوى مما أخرجه أحدهما من حديث صحابي غير الصحابي الذي أخرجه الآخر، وقد يكون العكس إذا كان ما اتفقا عليه من صحابي واحد فردا غريبا، فيكون ذلك أقوى. انتهى كلامه. "والثاني" من الأقسام السبعة "ما أخرجه البخاري" منفردا به. "والثالث" منها "ما أخرجه مسلم" منفردا به، فيقدم ما انفرد به البخاري على ما انفرد به مسلم. قال الحافظ ابن حجر: هذه الأقسام للصحيح التي ذكرها المصنف- يريد ابن صلاح- ماشية على قواعد الأئمة ومحققي النقاد، إلا أنها قد تطرد لأن الحديث الذي انفرد به مسلم مثلا إذا فرض مجيئه من طرق كثيرة حتى يباغ التواتر أو الشهرة القوية أو يوافقه على تخريجه مشترطوا الصحة مثلا ى يقال فيه إن ما انفرد البخاري بتخريجه إذا كان فردا ليس له إلا مخرج واحد أقوى من ذلك، فليحمل إطلاق ما ذكر على الأغلب. قلت: أو يقال مرادهم أن ما انفرد به مسلم أو انفرد به البخاري مقيد بقيد الحيثية أي ما انفرد به مسلم من حيث انفراده دون ما انفرد به البخاري من تلك الحيثية فلا ينافي تقديم ما انفرد به مسلم من حيثية أخرى. "والرابع" من الأقسام "ما هو على شرطهما" أي الشيخين ولم يخرجه واحد منهما وإلا لكان من القسم الثاني. واعلم أنه قد قال ابن الهمام في شرح الهداية من قال أصح الأحاديث ما في

الصحيحين ثم ما اشتمل على شرط أحدهما تحكم لا يجوز التقليد فيه إذا الأصحية ليست إلا لاشتمال رواتهما على الشروط التي اعتبراها فإذا وجدت تلك الشروط في رواة حديث في غير الكتابين أفلا يكون الحكم بأصحية ما في الكتابين عين التحكم. اهـ. قلت: قد يجاب بأن ما أخرجاه ونصا على رواته يعلم أنهما قد ارتضيا رواته وأما ما كان على شرطهما فإنه لم يتم دليل على تعيين شرطهما بل أئمة الحديث تتبعوا شرائط في الرواة وقالوا هي شرط الشيخين ولم يتفقوا على ذلك بل رد بعضهم على بعض كما سنعرفه فالحديث الذي يقال فيه على شرطهما لا يفيد إلا ظنا ضعيفا أنه على شرطهما لعدم تصريحهما بشرطهما بخلاف من رويا عنه في كتابيهما فإنه يحصل الظن بأنهما قد ارتضياه وإن قدح في بعض رجالهما والأغلب عدم ذلك والحكم للأغلب عند الظن نعم إذا روي حديث بنفس رجالهما من غير نقص فله حكم ما فيهما. "والخامس ما هو على شرط البخاري" فيقدم. "والسادس ما هو على شرط مسلم" كما قدم ما انفرد بإخراجه والعلة العلة. "والسابع ما هو صحيح عند غيرهما" أي غير الشيخين "من الأئمة المعتمدين وليس على شرط واحد منهما". هذا التقسيم هو المعروف في كتب علوم الحديث وفائدة هذا التقسيم تظهر عند الترجيح هذا وأما الحاكم أبو عبد الله فإنه قسم الصحيح عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها ذكره ابن الأثير: الأول من المتفق عليه: اختيار الشيخين وهو الدرجة العليا من الحديث وهو الحديث الذي يرويه الصحابي المعروف بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان تثقان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظا متقنا مشهورا بالعدالة في روايته فهذه الدرجة العليا من الصحيح والأحاديث المروية بهذه الشرطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف. الثاني من المتفق عليه: الحديث الذي ينقله العدل عن العدل فيرويه الثقات الحفاظ إلى الصحابي وليس لهذا الصحابي غلا راو واحد مثل حديث عورة ابن مدرس الطائي،

قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المزدلفة فقلت: يا رسول الله أتيتك من جبل طي أكلل فرسي وأتعبت مطيتي والله ما تركت من جبل إلا وقد وقفت عليه ... الحديث1 فهو حديث من أصول الشريعة منقول بين الفقهاء ورواته كلهم ثقات ولم يخرجه البخاري إذ ليس له راو عن عروة بن مدرس إلا الشعبي. الثالث من المتفق عليه: إخبار جماعة من التابعين عن الصحابة ثقات إلا أنه ليس لكل واحد منهم إلا الراوي الواحد. الرابع من المتفق عليه: الأحاديث الأفراد التي يرويها الثقات وليس لها طرق مخرجة في الكتب مثل حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يجيء رمضان"2 وقد أخرج مسلم أحاديث العلاء أكثرها في كتابه وترك هذا وأشباهه مما تفرد به العلاء عن أبيه عن أبي هريرة. الخامس من المتفق عليه: أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم ولم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم إلا عنهم كصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وجده عبد الله بن عمرو ابن العاص ومثل بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وأحاديثهما على كثرتها محتج بها في كتب العلماء وليست في الصحيحين. وأما الخمسة المختلف فيها: فأولها المراسيل: فقد اختلف الأئمة في قبولها والعمل بها ويأتي كلام المصنف فيها. الثاني من المختلف فيه: رواية المدلسين إذا لم يذكروا سماعهم في الرواية فيقولون قال فلان ممن هو معاصرهم رواه أو لم يروه ولا يكون لهم فيه سماع ولا إجازة ولا طريق من طرق الرواية وأنواع التدليس كثيرة وسيأتي ذكرها. الثالث من المختلف فيه: خبر يرويه ثقة من الثقات عن إمام من أئمة المسلمين بسنده ثم يرويه عنه جماعة من الثقات فيرسلون وهذا القسم كثير وهو صحيح على مذهب الفقهاء والقول فيه عندهم قول من زاد في الإسناد أو المتن إذا كان ثقة وأما أهل الحديث فالقول عندهم فيه قول الجمهور الذين وثقوه وأرسلوه لما يخشى من

_ 1 ا [وداةد في: المناسك: ب "28"، والترمذي في: الحج ب "57"، والنسائي في: المناسك: ب "211"، والدارمي في: المناسك: ب "54"، وأحمد "4/261". 2 أبو داود "2337"، والبيهقي "4/209".

الوهم على الواحد. والرابع من المختلف فيه: رواية محدث صحيح السماع صحيح الكتاب معروف بالرواية ظاهر العدالة غير أنه لا يعرف ما يحدث به ولا يحفظه. قال الحاكم: كأكثر محدثي زماننا هذا وهو محتج به عند أكثر أهل الحديث وجماعة من الفقهاء فأما أبو حنيفة ومالك فلا يريان الاحتجاج به. الخامس من المختلف فيه: روايات المبتدعة وأصحاب الأهواء وهي عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين. وكان أبو بكر محمد ابن اسحق بن خزيمة يقول حدثني الصدوق في روايته المتهم في دينه وفي البخاري جماعة من هؤلاء وأما مالك فإنه كان يقول لا يؤخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يتهم أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال الحاكم: هذه وجوه الصحيح المتفقة والمختلفة قد ذكرناها لئلا يتوهم متوهم أنه ليس يصح من الحديث إلا ما أخرجه البخاري ومسلم انتهى منقولا من مقدمات جامع الأصول وصوبه صاحب جامع الأصول وبني على ما قاله من شرط الشيخين وأطال في ذلك بما هو معروف. وخالفه الحافظ ابن حجر فتعقب كلام الحاكم فقال بعد نقل معناه لولا أن جماعة من المصنفين كالمجد ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول تلقوا كلامه أي الحاكم بالقبول لقلة اهتمامهم بمعرفة هذا الشأن واسترواحهم إلى تقليد المتقدم دون البحث والنظر لأعرضت عن تعقب كلامه هذا فإن حكايته خاصة تغني اللبيب الحاذق فأقول أما القسم الأول الذي ادعى أنه شرط الشيخين فمتقوض بأنهما لم يشترطا ذلك ولا يقتضيه تصرفهما وهو ظاهر بين لمن نظر في كتابيهما. وأما ما زعمه بأنه ليس في الصحيحين شيء من رواية صحابي ليس له إلا راو واحد فمردود بأن البخاري أخرج حديث مذكورة في أثناء الكتاب. وأما قوله إنه ليس في الصحيحين من رواية تابعي ليس له إلا راو واحد فمردود أيضا بما أخرج البخاري عن الزهري عن عمر بن محمد بن جبير بن مطعم ولم يروه عنه الزهري في أمثلة قليلة.

وأما قوله: إن الغرائب الأفراد ليس في الصحيحين منها شيء فليس كذلك بل فيهما قدر مائتي حديث قد جمعها الحافظ ضياء الدين المقدسي في جزء مفرد. وأما قوله: ليس فيهما من روايات من روي عن أبيه عن جده، مع تفرد الابن بذلك عن أبيه فمنتقض برواية سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده برواية عبد الله ابن محمد بن علي عن أبيهما عن علي وغير ذلك ومن ذلكما تفرد به بعضهم وهو في الصحيحين أو أحدهما. وأما الأقسام الخمسة التي ذكر أنه مختلف فيها وليس في الصحيحين منها شيء فالأول كما قال نعم قد يخرجان منه في الشواهد وفي الثاني: نظر يعرف من كلامنا في التدليس. وأما ما اختلفا في إرساله ووصله بين الثقات ففي الصحيحين منه جملة وقد تعقب الدارقطني بعضه في التتبع له وأجبنا عن أكثره. وأما روايات الثقات غير الحفاظ ففي الصحيحين منه جملة أيضا لكنه حيث يقع مثل ذلك عندهما يكونان قد أخرجا له أصلا يقويه. وأما روايات المبتدعة إذا كانوا صادقين ففي الصحيحين عن خلق كثير من ذلك لكنهم من غير الدعاة ولا الغلاة وأكثر ما يخرجان من هذا القسم في غير الأحكام نعم قد أخرجا لبعض الدعاة والغلاة كعمران بن حطان وعباد بن يعقوب وغيرهما إلا أنهما لم يخرجا لأحد منهم إلا ما توبع عليه وقد فات الحاكم من الأقسام المختلف فيها قسم نبه عليه القاضي عياض وهو رواية المستورين فإن روايتهم مما اختلف في قبولها وردها ولكن يمكن الجواب عن الحاكم في ذلك تلقي حديثهم اسم الصحة عليه بل الذين قبلوه جعلوه من قسم الحسن بشرطين: أحدهما: أن لا تكون روايتهم شاذة. وثانيهما: أن يوافقهم غيرهم على رواية ما رووه فقبولها حينئذ إنما هو باعتبار المجموعية كما قرر في الحسن. انتهى. "قلت: والوجه في هذا" أي في تقديم ما انفق الشيخان عليه إلى آخر الأقسام السبعة أي دليل على ما ذهبوا إليه من الحكم بالصحة للأقسام السبعة وعلى ترتبيها المذكور "عند أهل الحديث: هو تلقي الأمة للصحيحين بالقبول ولا شك أنه" أي التلقي

من الأمة بالقبول للصحيحين "وجه ترجيح". اعلم أن معنى تلقي الأمة للحديث بالقبول هو أن تكون الأمة بين عامل بالحديث ومتأول له كما في غاية السول وغيرها من كتب الأصول وهذا التلقي لأحاديث الصحيحين يحتاج مدعيه في إثبات هذه الدعوى إلى دليل فتقول هذه الدعوى تحتاج إلى استفسار عن طرفيها هل المراد كل الأمة من خاصة وعامة كما هو ظاهر الإطلاق أو المجتهدون من الأمة وهو معلوم بأن الأول غير مراد فالمراد الثاني: وهو دعوى أن كل فرد فرد من مجتهدي الأمة تلقي الكتابين بالقبول ولا بد مت إقامة البينة على هذه الدعوى ولا يخفي أن إقامته عليها من المتعذرات عادة كإقامة البينة على دعوى الإجماع فإن هذا فرد من أفراده. وقد جزم أحمد ابن حنبل وغيره بأن من ادعى الإجماع فهو كاذب وإذا كان هذا في عصره قبل عصر تأليف الصحيحين فكيف بعده مع أن هذا الإجماع بتلقي الأمة لها لا يتم إلا بعد عصر تأليفهما بزمان حتى ينتشروا يبلغا مشارق الأرض ومعاربها وينزلا حيث نزل كل مجتهد مع أنه يغلب في الظن أن في العلماء المجتهدين من لا يعرف الصحيحين فإن معرفتهما بخصوصهما ليست شرطا في الاجتهاد قطعا ولاحاصل منع هذه الدعوى. ثم إن سلمت هذه الدعوى في هذا الطرق ورد سؤال الاستفسار عن الطرق الثاني: وهو هل المراد من تلقي الأمة لهذين الكتابين الجليلين معرفة الأمة بأنهما تأليف الإمامين الحافظين فهذا لا يفيد إلا صحة الحكم بنسبتهما إلى مؤلفيهما ولا يفيد المطلوب أو المراد تلقيها لك فرد فرد من أفراد أحاديثهما بأنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو المفيد للمطلوب إذا هو الذي رتب عليه الاتفاق على تعديل روايتهما إذا التلقي بالقبول هو ما حكم المعصوم بصحته ضمنا كما رسمه المصنف في كتبه وهو يلاقي معنى ما أسلفناه عن الأصوليين من أنه ما كانت الأمة بين متأول له وعامل به، إذ لا يكون ذلك إلا بما صح لهم ولكن هذه الدعوى لا يخفي عدم تسليمها في كل حديث من أحاديث الصحيحين غيرما استثنى إذ المعصوم هو الأمة جميعا أو مجتهدوها ولا يتم أن كل حديث حكم المعصوم بصحته ضمنا إذا ذلك فرع إطلاع كل فرد من أفراد المجتهدين على كل فرد من أفراد أحاديث الكتابين. على أن التحقيق أن الأمة إنما عصمت عن الضلالة لا عن الخطأ كما قررناه في

الدراية حواشي شرح الغاية فحكم الأمة بصحة حديث من الأحاديث الأحادية وهو غير صحيح في نفس الأمر ليس بضلالة قطعا. ولئن سلمنا أن مجتهدي الأمة كلهم تلقوا أحاديث الصحيحين بالقبول وصاروا بين عامل بكل فرد من أحاديثهما ومتأول فإنه لا يدل ذلك على المدعى وهو الصحة لأن الحسن يعمل ويتأول فلي التلقي بالقبول خاصا بالصحيح فقول المصنف إن التلقي بالقبول حكم من المعصوم بصحته ضمنا لا يتم إلا إذا لم يعمل المعصوم بالحسن ولا يتأوله والمعلوم خلافه ولئن سلم ما ادعاه المصنف ومن سبقه ووجه دعواهم ثم ذلك وجها لأحاديث الصحيحين لا غير لا لما هو على شرطهما إذ لا شرط لهما مقطوع به كم ستعرفه حتى يشمله التلقي بالقبول ولا يشمل ذلك الوجه القسم السابع وهو ما صححه إمام من الأئمة لاختصاص التلقي بالصحيحين ثم إذا كان وجه أرجحتهما هو التلقي المذكور فهما متلقيان على السوية فلا وجه لجعل ما اتفقا عليه مقدما على ما إذا انفرد كل واحد منهما ولا يجعل ما انفرد به البخاري أرجح من حيثية التلقي لاستواء الجميع فيه إذا عرفت ما في هذا الاستدلال على تقدم الصحيحين هو إخبار مؤلفيهما بأن أحاديثهما صحيحة وقد علم أنهما عدلان بلا ريب وخبر العدل واجب القبول فقول البخاري هذه أحاديث صحيحة بمثابة قوله رواة هذه الأحاديث عدول ضابطون ولا شذوذ فيها ولا علة وحينئذ فيجب قبول خبره كما يقبل تعديله للمجهول، وإخباره بضبطه وخلوص الحديث عن العلة والشذوذ لأن لفظ صحيح متكفل بهذه المعاني كما قررناه في رسالتنا إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد تقريرا بليغا وقال المصنف في العواصم إن الثقة العارف إذا قال إن الحديث صحيح عنده وجزم بذلك وجب قبوله بالأدلة العقلية والسمعية الدالة على قبول خبر الواحد ولم يكن ذلك تقليدا له ولعله يأتي. وأما أنهما أصح من غيرهما فقد يستأنس له بما علم من تحريهما في الرجال وعدم التساهل في ذلك بحال إلا أنه ليس حكما على كل حديث حديث بل حكم على الأغلب وقد بحثنا في استدلالهم بتلقي الأمة للصحيحين بالقبول بقريب مما هنا في رسالتنا ثمرات النظر في علم الأثر. "وقد اختلف هل يفيد" أي تلقي الأمة للصحيحين بالقبول "القطع بالصحة" لما

فيهما "كما سيأتي" في مسألة حكم الصحيحين "فأما قوة الظن فلا شك فيها" أي في إفادته لها "وإن لم يسلم لهم" أي للمحدثين "إجماع الأمة" لأن دعواهم تلقي الأمة بالقبول يتضمن إجماعها "فلا شك في إجماع جماهير النقاد من حفاظ الأثر وأئمة الحديث على ذلك والترجيح يقع بأقل من ذلك على ما يعرفه من له أنس بعلم الأصول" هو كما قال إلا أنه خروج عن دعوى تلقي الأمة المتضمن للصحة كما قرره ورجوع إلى أن حديث الصحيحين أرجح من غيره من الصحيح. وكأنه يقول المصنف إذا لم يتم التلقي بالقبول ثم الترجيح وعلى التقديرين فأحاديث الصحيحين أرجح من غيرها من جهة الصحة. "واعلم أن هذا الفصل يشتمل على أمرين أحدهما أن ما في البخاري ومسلم من الحديث المسند صحيح متلقي بالقبول من الأئمة" لا يخفي أنه كان يكفي هذا عن قوله صحيح لن التلقي يتضمن الصحة بل هو دليلها "وذلك هو الظاهر فقد ذكر صحتهما المنصور بالله" عبد الله بن حمزة "في كتابه العقد الثمين وفي غيره وذكر الأمير الحسين" أي ابن محمد مؤلف كتاب شفاء الأوام "صحيح البخاري في كتابه الشفاء بلفظ الصحيح" وكذلك الزمخشري في الكشاف ذكره بلفظ الصحيح في العواصم للمصنف أن الزمخشري ذكر صحيح مسلم بلفظ الصحيح فينظر هل ذكر فيه البخاري أيضا كما هنا إلا أنه قد يقال إن ذكر من ذكرهما بلفظ الصحيح لا يدل على أنه قائل بصحتهما بالمعنى المراد هنا وذلك لأن لفظ الصحيح قد صار لقبالهما في العرف فإنه لا اسم لها إلا الصحيح البخاري وصحيح مسلم ثم إنه استدل بأنه ذكرهما من ذكر بلفظ الصحيح وليس من ذكر كل الأمة وكأنه يريد الاستدلال على قول الزيدية بصحتهما لا على قول الأمة إذ قد علم أن من عدا الزيدية قائل بصحتهما وإنما الحاجة إلى بيان أنهم قائلون أيضا بصحتهما فذكر منهم المنصور بالله والأمير الحسين إلا أنه لا يناسبه ذكر الزمخشري إذ ليس من الزيدية وإن وافقهم في بعض قواعد المعتزلة ثم ذكر جماعة من الزيدية بقوله "ونقل عنهما وعن غيرهما" أي عن غير الصحيحين ولا حاجة إلى ذكره إذ الكلام في الصحيحين "المصنفون" من الزيدية "كالمتوكل على الله" هو الإمام أحمد بن سليمان في كتابه أصول الأحكام "والأمير الحسين في شفاء الأوام ولم يزل العلماء" من الزيدية "يحتجون بما فيهما قال المنصور بالله" عبد الله بن حمزة "في المهذب ولم يزل أهل التحصيل" يريد من

الزيدية لقوله "يحتجون بأحاديث المخالفين لهم في الاعتقاد" في المسائل الأصولية كخلق الأفعال والإمامة والرؤية ونحوها "بغير مناكرة" لعل هذا آخر كلامه. ثم استأنف المصنف فقال: "وهذه" يعني أحاديث الصحيحين إذ الكلام فيها "أصح أحاديث المخالفين بغير مناكرة وقد استمر ذلك" أي استدلال أهل التحصيل بأحاديث المخالفين في الاعتقاد "وشاع وذاع ولم ينقل عن أحد فيه نكير وهذه" أي صورة الاستدلال الشائع الذائع الذي لم ينكره أحد "طريق من طرق الإجماع السكوتي" إذ حقيقته عند أئمة الأصول أن يقول المجتهد قولا أو يفعل وينتشر ويعلم به الباقون من المجتهدين ولا ينكرونه ويعلم أن سكوتهم رضا بقوله أوفعله وهذه صورة ثم هذا مبني على أن الإجماع السكوتي هنا حجة شرعية وقد بحثنا في ذلك في الدراية على الغاية والهداية وحققنا ما في القول بحجيته. "بل هذه أكثر طرق الإجماع المحتج به بين العلماء" فإن غاية ما يقوله الباحثون والمدعون للإجماع إنه قيل هذا القول أو فعل هذا الفعل ولم ينكره أحد فكان إجماعا وأما الإجماع المحقق وهو اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على قول في عصر بعده فقد قال أحمد بن حنبل من ادعاه فهو كاذب وذهب إلى إحالته جماعة من أئمة الأصول فلذا قال المصنف إن الإجماع السكوتي أكثر طرق الإجماع "وهذا" أي ما ذكر من استدلال أهل التحصيل إلى آخره "في ديار الزيدية" إلا أنه لا يخفي أنه قد يقال إنه لا يتم دعوى الإجماع المذكور لأن قبول أخبار المخالفين في الاعتقاد هي مسألة قبول كفار التأويل وفساقه وسيأتي أنها مسألة خلافية. وقد تكرر أنه لا نكير في الخلافيات وحينئذ فالسكوت على ذلك وعدم النكير لكون المسألة خلافية لا أنه للرضا من الساكت حتى يكون هذا من الإجماع السكوتي فالحق أن هذا الاستدلال المذكور بأحاديث المخالفين فرع عن قبول كفار التأويل وفساقه فاستدلال من ذكر بأحاديثهم دليل على قبولهم وسيأتي دعوى الإجماع على ذلك وتحقيق المسألة إن شاء الله تعالى. "فأما بلاد الشافعية وغيرهم من الفقهاء" أتباع مالك وأبي حنيفة وأحمد "فلا شك في ذلك وقد أشرت إلى ذلك في العواصم وبينت أكثر من هذا فليطالع هنا لك" قال فيها والظاهر بن إجماع أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم القول بما قاله الفقهاء من صحة هذه الكتب إلا ما ظهر القدح فيه وإنما قلنا إن الظاهر إجماعهم على ذلك لأن

الاحتجاج بصحيح ما في هذه الكتب ظاهر في مصنفاتهم شائع في بلادهم ثم ذكر نقل الإمام أحمد بن سليمان والأمير الحسين وعبد الله بن حمزة وأنه إجماع سكوتي ثم قال وأقصى ما في الباب أن ينقل إنكار ذلك عن بعض العلماء في بعض الأعصار فذلك النقل في نفسه ظني نادر واعتبار القدح بالظني النادر في عصر مخصوص لا يقدح في إجماع أهل عصر آخر وذكر مثل ما هنا. وأيما أطال هنا لك في قول أبي نصر الوائلي السجزي حيث قال أجمع أهل العلم والقدماء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في البخاري مما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صح عنه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا شك فيه أنه لا يحنث ولامرأة بحالها في حبالته فقال المصنف في العواصم بعد نقله الظاهر إجماعهم على ذاك وإجماع غيرهم لأن المعروف في كتب الفقه أن من حلف بالطلاق على صحة أمر وهو يظن صحته ولم ينكشف بطلانه لم يحنث لأن الأصل بقاء الزوجية ولا تطلق بمجرد الاحتمال المرجوح كما لو ظن في طائر أنه غراب فحلف بالطلاق أنه غراب ثم غاب عن يصره ولم يتمكن من أخذ اليقين في ذلك فإن زوجته لا تطلق انتهى. ثم ذكر في هذا المحل أربعة عشر بحثا إلا أنه لا تعلق لها بما نحن فيه. "وأما الأمر الثاني: وهو أن البخاري ومسلما أصح كتب الحديث فهذا مما لا يوجد للزيدية فيه نص والظاهر من مذهبنا أن رواية أئمتنا" في العلم "إذا تسلسل إسنادها بهم" يأتي تفسير المسلسل "ولم يكن بينهم من هو دونهم أنها أصح الأسانيد مطلقا" لم يستدل المصنف لهذا الظاهر وقد قال الإمام عبد الله ابن حمزة مشيرا إلى هذا: كم بين قولي عن أبي عن جده ... وأبي أبي فهو الإمام الهادي وفتى يقول روي لنا أشياخنا ... ما ذلك الإسناد من إسناد "ولكنه يقل وجودها على هذه الصفة" حتى إنه ذكر المصنف في إيثار الحق وغيره أنه ليس في كتاب الأحكام للإمام الهادي إمام مذهب الزيدية حديث مسلسل بآبائه إلا حديثا واحدا وهو قوله حدثني أبي وعماي محمد والحسن عن أيها القسم بن إبراهيم عن أبيه عن جده إبراهيم بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "يا علي يكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يعرفون به يقال لهم الرافضة إن أدركتهم فاقتلهم قتلهم الله إنهم

مشركون1. انتهى بلفظه من الأحكام فلذا قال المصنف إنه يقل وجود الأحاديث بهذه الصفة لأهل مذهبه. واعلم أن قول المصنف مذهبنا وأصحابنا جريا على المألوف وإلا فإنه لا يعنزي إلى فريق في مذهبه كما أشار إليه في أبياته الدالية ومنها: والكل إخوان ودين واحد ... كل مصيب في الفروع ومهتدي هذي الفروع وفي العقدية مذهبي ... ما لا يخاف فيه كل موحد "وأما كتب الحديث في أنفسها فلعل أصحابنا لا يخالفون في أن أصحها البخاري ومسلم لغزة شرطهما وما فيه" أي شرطهما "من التحري والاحتياط" ولما تكرر من المصنف ذكر شرطهما في تقسيم الصحيح وهنا توجه عليه ذكر شرطهما فقال: "وقد اختلف المحدثون في تفسير شرط البخاري ومسلم" اعلم أنه لم ينقل عن الشيخين شرط شرطاه وعيناه إنما تتبع العلماء الباحثون عن أساليبهما وطريقتهما حتى تحصل لهم ما ظنوه شروطا لها ولذا اختلفوا فيه لاختلاف أفهامهم فيها فإنهم اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال: الأول: ما أفاده قوله: "فقال محمد بن طاهر2" المقدسي "في كتابه في شروط الأئمة: شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة نقلته" أي عدالة وضبطا "إلى الصحابي المشهور" فيه دليل على أنه يرى أن شرط الشيخين متحد وأنه شيء واحد قلت: ولا يخفي أنه لا يوافق ما سلف من تقسيم الصحيح ومن قولهم ثم ما على شرط البخاري ثم ما على شرط مسلم. "قال زين الدين: وليس مما قاله ابن طاهر بجيد" حيث قال: المجمع على ثقة نقلته فإنه غير صحيح "لأن النسائي ضعف جماعة أخرج لهم الشيخان أو أحدهما" فلم تتم دعوى ابن طاهر أن رواتهما مجمع على ثقتهم. "قلت: ما هذا" أي تضعيف جماعة من رواة الشيخين "مما اختص به النسائي بل شاركه في ذلك غير واحد من أئمة الجرح والتعديل كما هو معروف في كتب هذا

_ 1 الحلية 4/95 والعلل 1/160, وابن أبي عاصم 2/475. 2 محمد بن طاهر المقدسي الحافظ العالم الجوال قال ابن منده: كان أحد الحفاظ حسن الاعتقاد جميل الطريقة كثير التصانيف لازما للأثر مات سنة 507. له ترجمة في: العبر 4/14. وتذكرة الحفاظ 4/1242.

الشأن" كأنه لم يرد الزين إلا التمثيل وإلا فإنه لا يخفى على مثله أن غير النسائي قدح في جماعة من رواتهما "ولكنه" أي ما ضعف به من قدح فيه من رواتهما "تضعيف مطلق" فسر المطلق بقوله "غير مبين السبب" فهو وصف كاشف "وهو غير مقبول على الصحيح كما سيأتي بيان ذلك في موضعه من هذا المختصر" سيأتي للمصنف رحمه الله تعالى في مراتب الجرح في الفائدة السادسة أن الجرح الذي لم يبين سببه غير مفيد للجرح ولكن يوجب الريبة والوقف في غير المشاهير بالعدالة والأمانة فلا يؤثر فيهم ولا مفتر بأن الجرح مقدم على التعديل فذاك الجرح المبين للسبب انتهى. قلت: إلا أنه لا يخفى أنه ليس كل من جرح من رجال الصحيحين جرحه مطلق مطلقا بل فيهم جماعة جرحوا جرحا مبين السبب منهم من جرح بالإرجاء كأيوب بن عائد بن مفلح أخرج له الشيخان قال النسائي وأبو داود كان مرجئا وقال غيرهما كان يرى الإرجاء إلا أنه صدوق وبالنصب فإنه أخرج البخاري لثور بن يزيد الحمصي وكان يرمي بالنصب قال ابن معين كان يجالس قوما ينالون من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لكنه كان لا يسب وأخرج البخاري لجرير بن عثمان الحمصي قال الفلاس كان يبغض عليا قال الحافظ بن حجر جاء عنه ذلك من غير وجه وجاء عنه خلاف ذلك روي عنه أنه تاب. وبالتشيع أخرج البخاري عن خالد القطواني قال ابن سعد كان متشيعا مفرطا وبالقدر أخرج لهشام بن عبد الله الدستوائي كان حجة ثقة إلا أنه كان يرمي بالقدر قاله محمد بن سعيد وفيهم عوالم ممن رمي ببدعة وقد سقنا في ثمرات النظر جماعة من ذلك. وقد أخذوا السلامة من البدعة في رسم العدالة فالبدعة قادحة عندهم فيها وفيهم من هو داعية إلى بدعته حتى بالغ ابن القطان وقال في رجالهما من لا يعرف إسلامه نقله عن العلامة المقبلي وإن كنا لا نرى هذا إلا من العلو فأنه من المعلوم أنه لا يروى أئمة الحديث عن غير مسلم على أنه لو سلم للمصنف أنه ليس في رجالهما إلا من جرح جرحا مطلقا فإنه قال إنه يوجب الريبة والتوقف وهذا كاف يما تعقب به زين الدين ابن طاهر حيث قال إن شرطهما أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة نقلت: هـ إذ الثقة لا يتوقف في قبول روايته لسلامته عن الجرح مطلقا مفسرا فقول المصنف وهو أي التضعيف المطلق غير مقبول على الصحيح خلاف يأتي

له من أنه يقتضي الريبة والتوقف لا أنه يجزم بعدم القبول له كما هنا. القول الثاني: مما قيل إنه شرط الشيخين ما أفاده قوله "قال الحازمي" كما نقله عنه زين الدين "في شروط الأئمة ما حاصله إن شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخفوا عنه ملازمة طويلة" هذا لا يوافق ما نقل عن البخاري من أنه يشترط اللقاء ولو مرة بل هذا يدل على أنه إنما يكتفي بالمرة في حق أهل الطبقة الثانية الذين أشار إليهم بقوله: "وأنه قد يخرج أحيانا عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن رووا عنه فلم يلازموه إلا ملازمة يسيرة وأن شرط مسلم" عطف على قوله أن شرط البخاري "أن يخرج أحاديث هذه الطبقة الثانية" لا يخفي أن مسلما لا يشترط اللقاء أصلا كما صرح به في مقدمة صحيحة كما يأتي لفظه. وأهل هذه الطبقة يشترط فيهم اللقاء ولو يسيرا كما عرفت فإن أريد أن مسلما قد يخرج لأهل هذه الطبقة فنعم ويخرج لأهل الأولى وهم على شرطه وزيادة وليسوا شرطه إلا أن يريد هنا تخريجه بغير العنعنة إذ هي التي لا يشترط فيها اللقاء فلا بأس لكن كان عليه أن يصرح بذلك هنا. "وقد يخرج مسلم أحاديث من لم يسلم عن غوائل الجرح إذا كان طويل الملازمة لمن أخذ عنه كحماد بن سلمة في ثابت اللبناني وأيوب" قال الذهبي في الميزان احتج مسلم بحماد بن سلمة في أحاديث عدة في الأصول وتحايده البخاري قال الحاكم: في المدخل ما خرج مسلم لحماد بن سلمة في الأصول إلا في حديثه عن ثابت قال الذهبي وحماد إمام جليل مفتي أهل البصرة مع اسحق ابن أبي عروبة انتهى ولم يذكر فيه جرحا إلا أنه ساق عنه أحاديث فيها نكارة. "قال زين الدين: هذا حاصل كلام الحازمي" ونقل النووي في شرح مسلم عن ابن الصلاح أن شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما عن الشذوذ والعلة. وقال النووي أيضا ذكر مسلم في أول مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما رواه الحفاظ المتقنون. والثاني: ما رواه المستورون المتوسطون في الإتقان والحفظ. والثالث: ما رواه الضعفاء والمتروكون.

وأنه إذا فرغ من هذا القسم الأول أتبعه الثاني: وأما الثالث: فلا يعرج عليه فاختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم فقال الإمامان الحافظان أبو عبد الله الحاكم وصاحبه أبو بكر البيهقي1 إن المنية اخترمت مسلما قبل إخراج القسم الثاني: وإنما ذكر القسم الأول. قال القاضي عياض وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم أبي عبد الله وتابعوه عليه قال القاضي وليس الأمر على ذلك لمن حقق نظره ولم يتقيد بالتقليد فإنك إذا نظرت في تقسيم مسلم في كتابه الحديث على ثلاث طبقات من الناس كما قال فذكر أن القسم الأول حيث الحفاظ وإنه إذ انقضى أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع العلماء أو اتفق الأكثر منهم على تهمته وبقي من ذكره بعضهم وصححه بعضهم فلم يذكره هنا ووجدته ذكر في كتابه حديث الطبقتين الأوليين بالأسانيد الثابتة عنهما بطريق الاتباع للأولى والاستشهاد وحيث لم يجد في الباب من الأولى شيئا ذكر أقواما تكلم فيهم قوم وزكاهم آخرون وخرج حديثهم ممن ضعف أوانهم ببدعة وكذا فعل البخاري فتبين أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر ورتبه في كتابه وبينه في تقسيمه وطرح الرابعة كما نص عليه. قلت: وهي التي تأتي في عبارته بقوله وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط أمسكنا أيضا عن حديثه. والحاكم لم يذكر إلا ثلاث طبقات كما عرفت فالحاكم تأول أنه إنما أراد أن يفرد لكل طبقة كتابا ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة وليس ذلك مراده بل إنما أراد ما ظهر في تأليفه وبأن من غرضه أن يجمع ذلك على الأبواب ويأتي بأحاديث الطبقتين فيبتدئ بالأولى ثم يأتي ب الثانية على طريق الاستشهاد والإتباع حتى يستوفي جميع الأقسام الثلاثة. ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاث الحفاظ ثم الذين يلونهم والثالثة هي التي

_ 1 أبو بكر البيبهقي هو: الإمام الحافظ شيخ خراسان أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسر وجردى لزم الحاكم وتخرج به وأكثر عنه جدا وانفرد بالإتقان والضبط مات سنة 458. له ترجمة في: البداية والنهاية 12/94. والعبر 3/242. ووفيات الأعيان 1/20.

طرحها وكذلك علل الأحاديث التي ذكرها ووعد أنه يأتي بها وقد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والزيادة والنقص وذكر تصاحيف المصحفين وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه وإدخاله في كتابه كل ماوعد به. قال القاضي وقد فاوضت في تأويلي هذا ورأيي من يفهم هذا الباب فما رأيت منصفا إلا صوبه وبان له ما ذكرت وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وطالع الأبواب انتهى. قلت: قد اضطرب1 العلماء في فهم مراد مسلم فلننقل لفظه ولنبين ما يفهمه. قال مسلم في مقدمة صحيحه2 إنه يقسم الرواة على ثلاث طبقات من الناس: أما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوه ولم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش ثم قال فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم فبلهم على أنهم وإن كانوا ممن وصفنا فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم ثم قال وأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم فأنا لا نتشاغل بتخريج أحاديثهم ثم قال وكذلك من كان الغالب على حديثه المنكر أو الغلط أمسكنا أيضا عن حديثه ثم قال أيضا فلسنا نصرح بتخريج حديثهم ولا نتشاغل به لأن حكم هؤلاء عند أهل العلم والذي يعرف من مذهبهم في قبول ما انفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل الحفظ في بعض ما رووا وأتقن في ذلك على الموافقة لهم انتهى جملة ما قاله بلفظه إلا حذف ما أتى به من تعداد رجال من أهل كل صنف. إذا عرفت هذا فالذي عبارته أنه يخرج أحاديث أهل القسم الأول وهم أهل الاستقامة في الحديث والإتقان لما نقلوه وهؤلاء المعروفون بتمام الضبط المأخوذ قيدا في رسم الصحيح ثم يخرج أحاديث الصنف الثاني: وهم الذين خف

_ 1 اضطرب: اختلف. 2 1/4- 5.

ضبطهم وهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم وهؤلاء هم شرط الحسن فإنهم الذي خف ضبطهم مع عدالته ثم ذكر أنه يترك الصنفين الآخرين بالكلية وهما قسمان: الأول: المتهمون عند أهل الحديث أو عند الأكثر والثاني: من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط فإنه صرح بأنه لا يتشاغل بأهل هذين القسمين ولا يخرج أحاديثهم فعرفت أنه ذكر أنه قسم الرواة ثلاث طبقات وتحصل من كلامه أربع طبقات فكأنه جعل من لا يتشاغل بحديثه قسما واحدا وبعد تحقيقك لما ذكرناه تعرف أن قول القاضي إنه أتى مسلم بالطبقات الثلاث خلاف صريح قول مسلم بأنه لا يتشاغل بحديث المتهمين عند أهل الحديث أو عند الأكثر فإن هؤلاء هم أهل الطبقة الثالثة في كلامه وقول القاضي إنه طرح الرابعة صحيح لكنه أيضا طرح الثالثة فإنه حكم على أهل الثالثة والرابعة أنه لا يتشاغل بحديثهم وقول القاضي ويحتمل أنه أراد بالطبقات الثلاث من الناس الحفاظ ثم الذي يلونهم والثالثة التي طرح يقال هذا هو الاحتمال الذي يتبادر إليه كلام مسلم لكنه طرح الثالثة والرابعة أيضا. وبعد هذا تعرف أن تأويل الحاكم بأنه إنما أتى بأهل الطبقة الأولى غير صحيح لأنه صرح مسلم أنه بعد تقضي أخبار أهل الطبقة الأولى يأتي بأهل الطبقة الثانية والظاهر أنه يأتي بهم في كتابه هذا لا في غيره فتبين أنه أتى بأهل طبقتين وترك أهل طبقتين هذا ما يفيده كلامه في المقدمة من دون نظر إلى ما في أبواب الكتاب ولا بد لنا من عودة إلى هذا ونذكر ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله فيما يأتي. وقد اتضح لك أن صحيح مسلم في الصحيح والحسن بصريح ما قاله واتضح لك أن الأمر أوسع دائرة مما قاله الحازمي. "قلت: ومراده" أي الحازمي "بإخراج مسلم لحديث من لم يسلم من غوائل الجرح إذا كان طويل الملازمة هو" أي من لم يسلم من غوائل الجرح "أن يكون متكلما عليه بضعف في حفظه لا في دينه" فهو خفيف الضبط "فإن ضعف الحفظ ينجبر بطول الملازمة" فتلحقه طول الملازمة بالحفاظ المتقنين "وهذا معروف من عرف المحدثين ولذا نجدهم يقولون في كثير من الرواة إنه قوي إذا روي عن فلان ضعيف إذا روي عن فلان" فهذا كلام حسن جدا وفائدة جليلة فإنه قد يقول الناظر إذا رأي أئمة الحديث يقولون مثلا في إسماعيل بن عباس إنه مقبول إذا روى عن أهل الشام ضعيف في روايته عن غيرهم إنه كيف يقبل في قوم ويضعف في آخرين فإنه إذا كان فيه شروط الرواية كاملة قبل في الفريقين وإلا رد فيها ولذا وصى المصنف رحمه الله بمعرفة

هذا بقوله "فاعرف ذلك" لنفاثته. الثالثة: مما قيل إنه شرط الشيخين ما أفاده قوله: "وقال النووي إن المراد بقولهم" أي أئمة الحديث "على شرطهما أن يكون رجال إسناده في كتابيهما لأنه ليس لهما شرط في كتابيهما ولا في غيرهما قال زين الدين: وقد أخذ" أي النووي "هذا من ابن الصلاح فإنه لما ذكر كتاب المستدرك للحاكم قال إنه أودعه ما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما إلى آخر كلامه" وهو قوله أو على شرط البخاري وحده أو على مسلم وحده "وعلى هذا" الذي ذكره ابن الصلاح "عمل الشيخ تقي الدين" ابن دقيق العيد "فإنه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديث على شرط البخاري مثلا" أي يقول بعد إخراجه في المستدرك على شطر البخاري "ثم يعترض" الشيخ تقي الدين "عليه" على الحاكم "بأن فيه" أي الحديث الذي صححه الحاكم على شرط البخاري مثلا "فلانا ولم يخرج له البخاري وكذلك فعل الذهبي في مختصر المستدرك" فدل هذا منه ومن الشيخ تقي الدين أنهما جعلا شرط البخاري ومسلم وجود رجال الإسناد في كتابيهما وأن شرطهما هو روايتهما عن الراوي في كتابيهما كما قاله النووي وتبعهم الحافظ ابن حجر فقال في النخبة وشرحها والمراد به أي شرطهما رواتهما مع باقي شروط الصحيح "وليس ذلك منهم" أي من ابن الصلاح والنووي وابن دقيق العيد والذهبي "بجيد" أي جعلهم شرط الشيخين ما ذكر غير جيد "فإن الحاكم صرح في خطبة كتابه المستدرك بخلاف ما فهموه عنه فقال وأنا أستعين بالله تعالى على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما" فقوله بمثلها أي بمثل رواتها لا أنهم أنفسهم وحينئذ فلا يصح جعل شرطهما ما ذكره ابن الصلاح ومن تبعه إذا كان مستندهم هو صنيع الحاكم في المستدرك فإن كلامه في الخطبة لا يوافق ما قالوه. قلت: ولكنه يبقى الإشكال في قول الحاكم على شرطهما ولم يخرجاه فإنه قد أثبت لهما شرطا في الرواة فلينظر ما أراد بقوله على شرطهما فإنه غير مبين ولا معلوم ووجود من ليس من رواتها في حديث يقول فيه على شرطهما دليل على أنه لا يقول بأن شرطهما رواتهما وكيف يجهل رجالهما مع شدة عنايته بكتابيهما ويجهل شرطهما مع أنه قد ذكر ابن الأثير في مقدمة كتابه جامع الأصول ما نقلناه عنه في البحث الرابع في الكلام على رسم الصحيح فإنه قال نقلا عن الحاكم شرط

الشيخين أن يرويا حديث الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وله راويان ثقتان إلى آخر ما قدمناه رجحه ابن الأثير وذهب إليه ابن العربي المالكي وهذا قول رابع في شرط الشيخين وحينئذ فإذا يقال الحاكم: على شرطهما فالمراد ما ذكره هو وقد نقله عنه الحافظ ابن حجر في شرح النخبة ولكنه رده كما قدمناه. وإذا عرفت هذه الأربعة في شرطهما وعرفت أنها مدخولة كلها بما ذكر فاعلم أنه يرد على ما ذكروه من جعلهم لشرط الشيخين متحدا كما هو الذي دل له كلام محمد بن طاهر وكلام ابن الصلاح ومن تبعه من الثلاثة المحققين إشكال من جهتين. الأولى: أنهم قسموا الصحيح أقساما أحدهما ما كان على شرطهما ثم ما كان على شرط البخاري ثم ما كان شرط مسلم وقد قرروا أن شرطهما شيء واحد متحد فكيف يتصور انفراد شرط أحدهما عن الأخر وحينئذ فيسقط قسمان من السبعة الأقسام من أقسام الصحيح وتبقى خمسة. والثانية: أنهم جعلوا ما هو على شرطهما قسما ولم يتعين لهما شرط فهو إحالة على مجهول. نعم يتم انفصال شرط أحدهما على شرط الآخر على كلام الحازمي وهو الذي أفاده كلام الحافظ ابن حجر فيما نقلناه سابقا في مرجحات البخاري على مسلم وأن شرط البخاري اللقاء ولو مرة وشرط مسلم مجرد المعاصرة ولو يسيرة إلا أن الخلاف بين الشيخين في اللقاء وعدمه إنما هو في روايته العنعنة لا مطلقا. قلت: ولا يخفي أن هذا خلاف ما صرح به مسلم في مقدمة صحيحه بعدم شرطية اللقاء بل هجن على من اشترطه غاية التهجين كما سيأتي لفظه. وقال الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها إن الصفات التي تدور عليها شروط الصحة من العدالة وتمام الضبط في كتاب البخاري وأتم منها في كتاب مسلم وأشد وشرطه أي البخاري أقوى وأسد إلى آخر كلامه الصريح في اختلاف شرط الشيخين. وأنا شديد التعجب حيث لم أجد من نبه على هذا مع وضوحه والتحقيق عندي أن العمدة في الصحة وجود شرط البخاري لأنه أخص من شرط مسلم كما قررناه ووجود الأخص لازم لوجود الأعم فإذا وجد الأخص فهو الأقوى وحينئذ فشرطهما

وشرط البخاري قسم واحد وأقرب الأقوال إلى شرطهما كلام الحازمي لأنه فرق بين الشرطين إلا أنه يرد عليه أنه قال شرط مسلم أن يخرج عمن هم في أعلى درجات الإتقان ولازموا من أخذوا عنه ملازمة طويلة أو عمن ليسوا في أعلى درجات الإتقان ولا لازموا من رووا عنه ملازمة طويلة فأفاد أن مسلما يشترط اللقاء إذ هو لازم الملازمة طويلة كانت أو غير طويلة وقد عرفت أن مسلما صرح بخلاف هذا بل هو مهجن على من اشترطه إلا أن يخص كلام الحازمي بغير ما رواه مسلم بالعنعنة وفيه بعد هذا الحمل تأمل. وأما الحافظ ابن حجر فإنه يتناقض كلامه في النخبة وشرحها فذكر ما سمعته قريبا من أن شرط بالبخاري غير شرط مسلم وذكر ما سمعنه قريبا من أن شرطهما وراتهما مع باقي شروط الصحة إلا أن يقال مراده شرطهما رواتهما وكل واحد منهما له في رواته شروط يمتاز بها عن رواة الآخر اتجه كلامه وسلم لكن قوله مع باقي شروط الصحة وهي السلامة عن الشذوذ والعلة يفت في عضد هذا لأن من كملت عدالته وأتقن ضبطه قد لا تسلم روايته عن العلة والشذوذ. ثم من الأدلة على عدم اتحاد شرطهما ما ذكره النووي في شرح مسلم أن أبا الزبيير المكي وسهيل بن أبي صالح وحماد بن سلمة أحاديثهم صحيحة لأنهم على شرط مسلم اجتمعت فيهم الشروط المعتبرة ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم وكذا فيما أخرجه البخاري من حديث عكرمة عن ابن عباس واسحق بن محمد القروي وغيرهما مما احتج به البخاري ولم يحتج به مسلم انتهى بمعناه وهو مبني على أن شرطهما رواتهما كما سلف. ولكنه لا يخفي بعد هذا كله أن جعل شرطهما ما ذكر من أحد الأربعة الأقوال إنما هو تظنن وتخمين من العلماء أنه شرط لهما إذ لم يأت عنهما تصريح ما شرطاه نعم مسلم قد أبان في مقدمة صحيحه من يخرج عنه حديثه كما عرفت. ثم بقي بحث في تعقب الشيخ تقي الدين على الحاكم حيث يقول على شرطهما فيقول فيه فلان لم يخرج له البخاري وذلك أن ترك البخاري التخريج عن شخص ليس دليلا على أنه ليس على شرطه عند الحكم فإن الحاكم قائل بأن شرطهما على ما قدمناه عنه بلفظه وأشرنا غليه قريبا فتصريحه بشرطهما عنده يدل على أنه لا يقول بأن شرطها رواتهما وبما صرح به من شرطهما ينبغي أن يتعقب كلام ابن دقيق العيد في

تعقبه للحاكم بأن فلانا لم يخرج له البخاري مثلا وذلك لأن عدم إخراج البخاري عن فلان ليس دليلا أنه ليس على شرطه عند الحاكم بل كل من وجدت فيه الصفات التي ذكرها الحاكم وجعلها شرط رواة الشيخين فهو على شرطهما وإن لم يخرجا عنه فإذا أريد الانتقاد على الحاكم إذا قال على شرطهما ثم وجدنا فيه رجلا لم يخرجا عنه نظرنا في صفات ذلك الرجل هل هو جامع لما ذكره الحاكم من الصفات في شرط رواتهما فلا اعتراض عليه بأنه لم يخرج له الشيخان مثلا فالمعتبر وجود الشرط في الراوي لا وجوده عندهما أو عند أحدهما. وبعد هذا تعرف أن قوله في خطبة المستدرك قد احتج بمثلها أي مثل رواتها في صفاتهم التي ذكرها وقد يكونون هم أنفسهم أو من اتصف بصفاتهم إذ ذلك هو المعتبر عنده لا أن شرطهما عنده وجود الراوي في كتابيهما كما عرفته من كلامه الذي قاله عنه ابن الأثير والحافظ ابن حجر وإن كان كلاما غير مقبول لكن المراد تطبيق كلامه على ما صرح هو به لا على كلام غيره كما فعله زين الدين ويلزم زين الدين أن الحاكم لم يخرج عمن خرجا عنه في كتابه المستدرك أصلا ولذا قال الزين لا أنهم أنفسهم وهذا خلاف الواقع فلم يرد الحاكم في خطبته إلا مثل من كان على صفة رواتهما التي هي شرطهما عنده أعم من أن يكون نفس رواتهما أو غيرهما ممن له تلك الصفات "ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث" فيكون ضمير يمثلها للأحاديث لا لرواتهما "وإنما تكون مثلها إذا كانت بنفس رواتها" وبهذا الاحتمال يتم ما ادعاه ابن الصلاح ومن تبعه. قلت: ولا يخفى ما قصدناه قريبا من أن الحاكم قد بين في كتابه المدخل شرط الشيخين وتصريحه مقدم على شيء تحتمله عبارة خطبته بل تصريحه يعين أحد المحتملين وقد أوضحناه قريبا. إما العجب كيف يؤخذ من كلامة المحتمل شرط الشيخين ويترك ما صرح به من أنه شرطهما؟ وإذا عرفت ما أسلفناه في شروطهما عرفت أنه يتعين الإمساك عن الجزم بوصف حديث لم يخرجا في كتابيهما بأنه على شرطهما لأن شرطهما غير معلوم جزءا فكيف تجزم بوصف حديث لم يخرجاه ونصححه مع الشك فيما يوجبه ويتفرع عنه تصحيحه والشك لا يتفرع عنه يقين ولا يهاب إطباق المحققين على قولهم في حديث

لم يخرجاه إنه على شرط الشيخين فإن الحجة في الدليل لا في مجرد الأقاويل. "قال زين الدين: وقد بينت المثلية في الشرح الكبير" إلا أنه قال الزين قبل هذا وفيه نظر أي في احتمال أن يراد بمثل تلك الأحاديث نفس رواتها فأفاد أنه لم يرتض الاحتمال الذي به يتم مراد ابن الصلاح ومن تبعه ثم قال وقد بينت المثلية إلى آخره. "قلت: المثلية تقتضي الغيرية" أي حقيقة وإلا فإنه يأتي في الكتابة أنه قد يراد بالمثل غير المغاير نحو مثلك لا يبخل أي أنت لا تبخل ومنه قوله: ولم أقل مثلك أعنى به ... سواك يا فراد بلا مشبه إلا أن قول المصنف "وقد تبين أن مراد الحاكم ما ذكره زين الدين بإخراجه" أي الحاكم "لحديث من لم يخرج حديثه البخاري ومسلم" يقتضي أنه لم يرد الحاكم بالمثل إلا الغير أو الأعم منه "وكلامه" أي الحاكم "يقتضي ذلك من غير هذه القرينة" التي هي إخراجه لحديث من لم يخرج له الشيخان "فكيف معها؟ والله أعلم". واعلم أنه لا ريب أفي كتاب الحاكم جماعة من رجال الشيخين قطعا وجماعة من غير رجالها قطعا فلا يتم حمل المثلية في خطبة المستدرك على غير رواتهما وحصل فيه شرطهما الذي قرره الحاكم نفسه في المدخل كما قررناه قريبا فقول المصنف إنه قد تبين أن مراد الحاكم بالمثل ما ذكره الزين غير صحيح إذا ظاهر أنه ليس في كتاب الحاكم أحد رجال الصحيحين وهذا باطل وقول المصنف إنه قد أخرج حديث من لم يخرج له الشيخان مسلم لكن من أين له أنه لم يخرج لمن أخرج له الشيخان كيف وقد قدم المصنف كلام الذهبي بأن في المستدرك قدر النصف صحيحا على شرط الشيخين والمراد به أنه رواه برجالهما لأن ذلك شرطهما عند الذهبي كما قاله الزين آنفا ثم قال وقدر الربع على غير شرطهما أي ليس رجاله رجال الصحيحين فلذا قلنا قطعا في الطرفين وبه يتبين لك أن الحق في كلام الحاكم في المثلية ما ألهمنا الله إليه لا ما قاله زين الدين والمصنف.

مسألة (10) : في إمكان التصحيح في كل عصر, ومن كل إمام

مسألة 10 [في إمكان التصحيح في كل عصر ومن كل إمام] "إمكان التصحيح مطلقا" أي: عصر من الأعصار ومن أي إمام من الأئمة "اعلم أن التصحيح على ضربين: أحدهما: أن ينص على صحة الحديث أحد الحفاظ المرضيين المأمونين فيقبل ذلك منه" وهذا القسم قد تقدم فإنه أحد الأقسام السبعة الماضية لكنه ذكره هنا استيفاء للأقسام ولأجل الاستدلال عليه بقوله: "للإجماع وغيره من الأدلة الدالة على وجوب قبول خير الآحاد كما ذلك مبين في موضعه" من أصول الفقه وقد استدل ابن الحاجب بالإجماع بعد ذكره لخلاف القاشاني والرافضة وأبي داود واستدل أحمد والقفال وابن سريج وأبو الحسن على وجوب العلم بخير الآحاد بالعقل وبيانه بالدليل العقلي مذكور في مختصر ابن الحاجب واستدل الجمهور بإجماع الصحابة والتابعين قالوا بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى وقد تكرر ذلك مرة بعد أخرى وشاع وذاع بينهم ولم ينكر عليهم أحد غلا لنقل وذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم كالقول الصريح وإن كان احتمال غيره قائما في كل واحد واحد هكذا قرر الاستدلال عضد الدين في شرح المختصر وتأتي الأدلة على ذلك في قبول رواية كفار التأويل وفساقه وهو من باب الاستدلال بالإجماع السكوتي. "ولا يجوز ترك ذلك" أي العمل بخبر الواحد بصحة الحديث الذي نحن بصدده "متى تعلق الحديث بحكم شرعي" وذلك لأنا قد تعبدنا بالأحكام الشرعية قطعا وقد قام الدليل على وجوب قبول خبر الآحاد وأكثر تفاصيل الشرعيات أحادية فيجب قبوله وسره أن قول العدل هذا حديث صحيح في قوة هذا حديث عدلت نقلت: هـ وثبت إتقانهم في الضبط وسلم الحديث من الشذوذ والعلة والعدل إذا عدل غيره

وجب قبول خبره وإذا شهد له بالإتقان في حفظه وجب قبول خبره أيضا وقد بسطنا هذا في رسالتنا المسماة إرشاد النقاد بسطا شافيا وبينا أن قول العدل فلان عمل عبارة إجمالية معناها أنه آت بالواجبات مجتنب للمقبحات ولما فيه خسة من الصغائر محافظ على المروءة وكما وقع الإجماع على قبول تلك العبارة الإجمالية يجب قبول قول القائل من الأئمة هذا حديث صحيح فإنه إخبار عما تضمنه الإجمال من التفصيل وهذا الذي ذكره المصنف هنا هو الحق لا ما تقدم له من قوله إن من قلد في ذلك لا يكون مجتهدا وسيأتي زيادة في بحث المرسل إن شاء الله تعالى. "إلا أن تظهر علة قادحة في صحة الحديث من فسق في الراوي حفي على من صحح حديثه أو تغفيل كثير أو غير ذلك من قبول الثقات" حاصلة أن قبول خبر العدل بأن الحديث صحيح مقتض للعمل به ما لم يعارضه المانع. واعلم أنه قد سبق أنه إذا صحح الحديث إمام من المتقدمين كابن خزيمة وابن حبان قبل تصحيحه وجوبا على ما ذكره المصنف إذا تضمن حكما شرعيا وهذان الإمامان اللذان نص على التمثيل بهما قد قدمناه ما قيل في كتابيهما ومثلهما تصحيح الترمذي فإنه قال ابن حجر الهيتمي في فهرسته فإن قلت: قد صرحوا بأن عنده أي الترمذي نوع تساهل في التصحيح فقد حكم بالحسن مع وجود الانقطاع في أحاديث في سننه وحسن فيها بعض ما انفرد به رواته كما صرح هو بذلك فإنه يورد الحديث ثم يقول عقيبه إنه حسن غريب وحسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من الوجه قلت: هذا كله لا يضره لأن ذلك اصطلاح جديد له ومن بلغ النهاية في الإمامة والحفظ لا ينكر عليه ابتداع اصطلاح يختص به وحينئذ فلا مشاححة في الاصطلاح وبهذا يجاب عما استشكلوه من جمعه بين الصحة والحسن على متن واحد مع ما هو معلوم من تغايرهما انتهى. قلت: إذا كان اصطلاح الترمذي أن الحسن والصحيح شيء واحد فإنه لا يصح حمل قوله صحيح على المعنى الذي نحن بصدده بل يحمل على أنه قسم من الحسن وسيأتي كلام آخر في وجه جمعه بين الوصفين على أنه لا يتم ما قاله ابن حجر إلا إذا أريد بالحسن الذي يرادف الصحيح في اصطلاح الترمذي الحسن لذاته لا الحسن لغيره فإنه قال ابن حجر أيضا إن أبا داود قال في خطبة كتابه ذكرت الصحيح وما يشابهه وما يقاربه ثم قال والذي يتجه أن المراد بما يشبه الصحيح الحسن لذاته

وبمقاربة الحسن لغيره وقد تقرر أن كلام من هذين معتمد قال وإنما حملتهما على ذلك لأن الحسن لذاته في الاحتجاج به مثله أي مثل الصحيح اتفاقا بخلاف الحسن لغيره فإنه بعيد عن الصحيح لأنه باعتبار ذاته وحده ضعيف لكنه لما انجبر بغيره صارت له قوة عرضية وصار بسبب ما عرض له من تلك القوة حجة أيضا انتهى. وقد وقع للبغوي في المصابيح اصطلاح آخر في الصحيح والحسن فجعل الصحيح ما رواه الشيخان أو أحدهما في كتابيهما والحسن ما رواه غيرهما واعترضه ابن الصلاح والنووي وغيرهما أن تخصيصه الصحاح بما رواه الشيخان أو أحدهما في كتابيهما والحسان بما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدرامي اصطلاح لا يعرف بل هو خلاف الصواب إذا الحسن عند أهل الحديث ليس عبارة عن هذا الذي ذكره لما أنه وقع في كتب السنن الصحيح وهو كثير والضعيف وهو كثير. وقد أجاب التاج التبريزي بأن هذا الاعتراض عجيب إذ من المشهور المقرر عند أرباب العلوم العقلية والنقلية أن لا مشاححة في الاصطلاح وحينئذ فتخطئه المرء في اصطلاحه بعيد عن الصواب وقد اخترع غيره له اصطلاحا آخر كالحاكم والخطيب فإنهما اصطلحا على إطلاق الصحة علىجميع ما يف سنن أبي داود والنسائي ورافقهما في النسائي جماعة منهم أبو على النيسابوري وأبو أحمد بن عدي والدارقطني انتهى ملتقطا من فهرسة ابن حجر الهيتمي. وإنما نقلته لئلا يقف الناظر على تصحيح الترمذي أو تحسين البغوي فيظن أنه من قسم ما صححه إمام من الأئمة أو تحسين بالمعنى الذي ذكره المصنف وغيره للصحيح بل لا بد من معرفة اصطلاح الإمام الذي قال صحيح أو حسن قبل ذلك. على أنه قد تعقب الحافظ ابن حجر كلام التبريزي في اعتراضه على ابن الصلاح فقال وعندي أن ابن الصلاح لم يسق كلامه اعتراضا على البغوي وإنما أراد أن يعرف أن البغوي اصطلح لنفسه أن يسمي السنن الأربعة الحسان ليستغني بذلك عن أن يقول عقب كل حديث يخرجه منها خرجه أصحاب السنن أو بعضهم. وكلامه يكاد يكون صرحا في ذلك حيث قال هذا اصطلاح لا يعرف فبين أنه اصطلاح وأنه حادث ثم قال وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك حتى لا يظن أنه ليس فيها إلا الحسن الذي تقدم تعريفه ثم قال الحافظ ابن حجر والحاصل أنا لا نسلم أن البغوي أراد الحسن المتقدم تعريفه ولا نسلم أن ابن الصلاح

اعترض عليه انتهى. "الضرب الثاني من ضربي التصحيح: أن لا ينص على صحة الحديث أحد من المتقدمين ولكن تبين لنا رجال إسناده" أي الحديث "وعرفناهم" بصفاتهم "من كتب الجرح والتعديل الصحيحة بنقل الثقات سماعا أو غيره من طرق النقل كالإجازة والوجادة" يأتي بينهما "فهذا" الذي لم يصححه أحد من المتقدمين "وقع فيه" أي في تصحيحه "خلاف لابن الصلاح فإنه ذكر أنا لا نجزم بصحة ذلك" أي التصحيح بل ولا التحسين كما سنعرفه من لفظه "لعدم خلو الإسناد في هذه الأعصار ممن يعتمد على كتابه من غير تمييز لما فيه" لفظه إذا وجدنا فيما يروي من كتب الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فأنا لا تتجاسر على سوم الحكم بصحته فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد في رجاله من يعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان فآل الأمر إذن في معرفة الصحيح إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة انتهى. قال عليه الحافظ ابن حجر فيه أمور: الأول: قوله فيما يشترط في الصحيح من الحفظ فيه نظر لأن الحفظ لم يعده أحد من أئمة الحديث شرطا للصحيح وإن كان حكى عن بعض المتقدمين من الفقهاء ولكن العمل في الحديث والقديم على خلافه لا سيما عند رواية الكتب وقد ذكر المؤلف يريد به ابن الصلاح في النوع السادس والعشرين أن ذلك من مذاهب أهل التشديد هذا إن أراد المصنف بالحفظ حفظ مما يحدث به الراوي بعينه وإن أراد الراوي شرطه أن يعد حافظا فللحافظ في عرف المحدثين شروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا وهو المشهور بالطلب والأخذ من أقواه الرجال لا من الصحف والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم والمعرفة بالتجريح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون مما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره مع استحضار الكثير من المتون فهذه الشروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا ولم يجعله أحد من أئمة الحديث شرطا للحديث الصحيح نهم المصنف لما ذكر حد الصحيح لم يتعرض للحفظ أصلا فما قاله يشعر هنا بمشروطيته ومما يدل أنه أراد حفظه ما يحدث بعينه

أنه قائل به من اعتمد عل ما في كتابه فدل على أنه يعيب من حدث من كتابه ويصوب من حدث عن ظهر قلبه والمعروف عن أئمة الحديث خلاف ذلك كالإمام أحمد وغيره. الأمر الثاني: أن من اعتمد في روايته على ما في كتابه لا بعاب بل هو وصف أكثر رواة الصحيح من بعد الصحابة وكبار التابعين ثم قال: الأمر الثالث: قوله فآل الأمر إلخ فيه نظر لأنه يشعر بالاقتصار على ما يوجد منصوصا على صحته ورد ما جمع شروط الصحة إذا لم يوجد النص على صحته من الأئمة المتقدمين فيلزم على الأول تصحيح ما ليس بصحيح لأن كثيرا من الأحاديث التي صححها المتقدمون اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل تحطها عن رتبة الصحة ولا سيما من لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن فكم في كتاب ابن خزيمة من حديث محكوم بصحته وهو لا يرتقى عن رتبة الحسن وكذا في صحيح ابن حبان وفيما صححه الترمذي من ذلك جملة مع أن الترمذي ممن يفرق بين الصحيح والحسن لكنه قد يخفي على الحافظ بعض العلل في حديث فيكم عليه بالصحة بمقتضى ما ظهر له ويطلع عليه غيره فيرد به الخبر وللحاذق الناقد بعدهما الترجيح بين كلاميهما بميزان العدل والعمل بما يقتضيه الإنصاف. الأمر الرابع: كلامه يقتضي الحكم بصحة ما تقل عن الأئمة المتقدمين مما حكوا بصحته في كتبهم المتقدمة المسرودة والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا بها أحاديثهم فإن أفاد الإسناد صحة لمقالة عنهم فليقد الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو في الرجال الذين فوقهم وأكثرهم رجال الصحيح كما سنقرره. الأمر الخامس: ما استدل به على تعذر التصحيح في هذه الأعصار المتأخرة بما ذكره من كون الأسانيد ما فيها سند إلا وفيه من لا يبلغ درجة الضبط والحفظ والإتقان ليس بدليل ينهض لصحة ما ادعاه من التعذر لأن الكتاب المشهور المغني بشهرته عن اعتبار الأسانيد إلى مصنفه كسنن النسائي مثلا لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي اعتبار حال رجال الإسناد منا إلى مصنفه فإذا روي حديثا ولم يعلله وجمع إسناده شروط الصحة ولم يطلع المحدث المطلع فيه على علة ما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص على صحته أحد من الأئمة المتقدمين لا سيما وأكثر ما يوجد من هذا النقل ما رواته

رواة الصحيح. هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن ولذا قال المنصف "وخالفه" أي ابن الصلاح "في دعواه النووي فقال: الأظهر عندي جوازه" أي التصحيح "لمن تمكن وقويت معرفته قال زين الدين: وهذا" أي التصحيح لما لم يسبق تصحيحه عن أحد من المتقدمين "هو الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صحح غير واحد من المعاصرين لابن الصلاح ومن بعده أحاديث لم يجر لمن تقدم فيها تصحيح كأبي الحسن ابن القطان والضياء المقدسي والزكي عبد العظيم" المنذري "ومن بعدهم" انتهى كلام الزين من شرح ألفيته قال الحافظ ابن حجر أما استدلال شيخنا بأن من عاصر ابن الصلاح قد خالفه فيما ذهب إليه وحكم بالصحة لأحاديث لم يوجد لأحد من المتقدمين الحكم بتصحيحها فليس بدليل ناهض على رد ما اختار ابن الصلاح لأنه مجتهد وهم مجتهدون فكيف ينقض الاجتهاد بالاجتهاد وما أوردناه في نقض دعواه أوضح فيما يظهر انتهى. "واختار ذلك" أي تصحيح المتأخرين لما لم يصححه المتقدمين "ابن كثير في علوم الحديث له وذكر" انتصارا لما اختاره "أنه قد جمع في ذلك الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي كتابا سماه المختار ولم يتم كان بعض مشائخنا يرجحه على مستدرك الحاكم" قلت: لا يخفى أن ذكر المصنف لاختيار ابن كثير وذكر ابن كثير لجمع الضياء كاستدلال الزين بعمل أهل عصر ابن الصلاح وغيرهم ويأتي فيه من النظر ما أتى في ذلك إلا أن يقال إن كلام الجميع إشارة إلى كون المسألة خلافية في عصر ابن الصلاح وبعده وإن لم يخرج ذلك مخرج الاستدلال بل مجرد حكاية الأقوال "وسوف يأتي بيان كيفية التصحيح في هذه الأعصار في" مسألة "معرفة من تقبل روايته ومن ترد في آخر الفصل قبل مراتب التعديل" ويأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

مسألة (11) : في بيان حكم ما أسنده الشيخان أو علقاه

مسألة:11 [في بيان حكم ما أسنده الشيخان أو علقاه] "حكم الصحيحين" أي ذكر حكم ما أسنده في الصحيحين كما يرشد إلى تقدير ذلك قوله والتعاليق فإنه من مسمى الصحيحين وإن لم تشمله الصحة. "اختلف الحفاظ من المحدثين والنقاد من الأصوليين فيما أسنده البخاري ومسلم أو علقاه" وهو الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري وهو في كتاب مسلم قليل جدا قال ابن الصلاح: في جزء له ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فهو مقطوع بصدق مخبره ثابت لتلقي الأمة ذلك بالقبول وذلك يقيد العلم النظري وهو في إفادة العلم كالمتواتر إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقي الأمة يفيد العلم النظري وقد اتفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق انتهى. "فأما ما أسنداه" أي الشيخان "أو أحدهما فذكر ابن الصلاح أن العلم اليقيني النظري واقع به" أي بما أسنداه أو أحدهما "خلافا لقول من نفى ذلك" أي إفادة اليقين وفي شرح مسلم ما يفيد أن هذا الخلاف لبعض محققي الأصوليين "محتجا بأنه" أي الحديث الصحيح "لا يفيد في أصله" أي في حق كل واحد من الأمة "إلا الظن" وأما قول ابن الصلاح في الاستدلال على إفادتهما اليقين يتلقى الأمة لها بالقبول فجوابه قوله "وإنما تلقته" أي حديث الكتابين "الأمة بالقبول" لأنه يفيد الظن "ولأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ" ولا يتم به اليقين. "قال" ابن الصلاح: "وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا" وهو كونه يفيد العلم اليقيني النظري "هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم عن الخطأ" وهم الأمة "لا يخطئ إلى آخر كلامه" وهو قوله ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد مقطوعا بها وأكثر إجماعات العلماء كذلك وهذه

نكتة نفيسة نافعة ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري ومسلم يتدرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما انتهى. وقال إمام الحرمين لو حلف إنسان بطلاق امرأته بأن ما في كتاب البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم: لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع المسلمين على صحتهما قال النووي لقائل أن يقول إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلون على صحتهما للشك في الحنث فإنه لو حلف على ذلك في حديث ليس هذه صفته لم يخنث وإن كان رواية فاسقا فعدم الحنث حاصل قبل الإجماع فلا يضاف إلى الإجماع قال والجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدك الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند الشك فعدم الحنث حاصل محكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام إمام الحرمين فهو اللائق بتحقيقه. انتهى. وأقول: في هذا الكلام بحثان: الأول: أنه مبني على دعوى تلقي كل الأمة للكتابين بالقبول وقد قدمنا أن هذه دعوى على الأمة كلها وهي غير صحيحة كما أوضحناه في ثمرات النظر وغيرها وقد أقر ابن الصلاح بعدم تمامها فإنه قال إن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه ولا يخفى أن مسمى الأمة ودليل العصمة شامل لكل مجتهد والقول بأنه لا يعتد بمجتهد وإخراجه عن مسمى الأمة لا يقبله ذو تحقيق وإلا لادعى من شاء ما شاء بغير دليل وقد قدمنا سؤال الاستفسار عن هذا التلقي هل هو لأصل الكتابين من حيث الجملة أو لكل فرد فرد من أحاديثهما الأول مراد لا يفيد المطلوب الثاني: هو المراد ولا يتم فيه الدعوى كما أشرنا إليه سابقا وقررناه في ثمرات النظر وفي غيرها. البحث الثاني: بعد تسليم الدعوى الأولى أن التحقيق أن الأمة معصومة عن الضلالة وعليها دلت الأدلة كما حققناه في حواشينا على شرح الغاية المسماة بالدراية وقد أشرنا إليه سابقا والخطأ ليس بضلالة وتأتي زيادة في هذا. "وقد سبقه" أي ابن الصلاح "إلى نحو ذلك محمد بن طاهر المقدسي وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف واختاره ابن كثير وحكى في علوم الحديث1

_ 1 ص 29.

له أن ابن تيمية1 حكى ذلك عن أهل الحديث وعن السلف وعن جماعات كثيرة من الشافعية والحنابلة والأشاعرة والحنفية وغيرهم والله أعلم". رأيت في بعض رسائل ابن تيمية ما لفظه ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم: قاله تارة بتواتره عندهم وتارة لتلقي الأمة له بالقبول وخير الواحد المتلقي بالقبول يفيد العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالأسفرائيني وابن فوزك فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن لكنه لما اقترن به إجماع علماء أهل الحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالصحة على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي انتهى. وفيه أنه حكم على أكثر متون الصحيحين وأن ذلك إجماع أئمة الحديث وهذا حسن ولكنه ليس بالإجماع الذي ادعاه ابن الصلاح فإن أراد ابن كثير هذا الكلام الذي لابن تيمية فلا يخفى أنه لا يحسن ضمه إلى ابن الصلاح ومن سبقه لأن أولئك ادعوا الإجماع من الأمة على التلقي وابن تيمية يقول إنه تلقاه علماء الحديث أي تلقوا أكثر متونهما بالقبول وإنه بمنزلة الإجماع وإن علماء الحديث هم يعلمون علما قطعيا أنه صلى الله عليه وسلم قال ما في الصحيحين مما نسب إليه وهذا قول عدل إلا أن الدليل عليه كونه بمنزلة الإجماع ولا يخفى أن الدليل إنما هو الإجماع لا ما هو بمنزلة لأنه ليس إجماعا ضرورة واتفاقا إذ الدليل هو الإجماع كما في علم الأصول لا ما هو بمنزلتة. ثم رأيت الحافظ ابن حجر ابن تيمية إلا أنه بأبسط من هذه العبارة وضمه إلى من ضمه ابن كثير وقوله غير قول من ضموه إليهم ولا بد من حمل كلامهم على كلامه لأن من يعتبر تلقيه بالقبول إنما هو من يعرف الفن ويميز بين صحيحه وسقيمه ويعرف رجاله وذلك خاص بأهل الحديث وأئمة هذا الشأن وهم الذين تروج دعوى

_ 1 ابن تيمية هو شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني عني بالحديث وخرج وانتقى وبرع في الرجال وعلل الحديث وفقهه مات سنة 728. له ترجمة في شذرات الذهب 6/80. وانجوم الزاهرة 9/271. والبداية والنهاية 14/163.

ذلك عليهم لا الأئمة كلها فلو قال ابن الصلاح: وغيره مثل هذا لقبل منه وأما دعوى القطعية بعد تسليمه هذا القدر من التلقي ففيها خفاه وإنما قلنا إنه لا بد من رد كلامهم إلى كلامه لأنه الواقع وهو يفيد أرجحية ما فيها كما أشار إليه المصنف فيما سلف لا القطعية المدعاة. "قال النووي" في شرح مسلم "وخالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر ونحو ذلك حكى زين الدين عن المحققين واختاره" قال النووي: فإنهم أي المحققين قالوا إن أحاديث الصحيحين التي ليست متواترة إنما تفيد الظن لأنها آحاد والآحاد إنما تفيد الظن كما تقرر ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيها وهذا متفق عليه فإن أخبار الآحاد في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها ولا تفيد الظن وكذا الصحيحان وإنما يفترق الصحيحان وغرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل به مطلقا وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر فيه وتوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم: انتهى. واعلم أنه قال الحافظ ابن حجر إن شيخه يريد زين الدين أفر كلام النووي هذا وفيه نظر وذلك أن ابن الصلاح لم يقل إن الأمة أجمعت على العمل بما فيهما وكيف يسوغ له ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما فيهما لا من حيث الجملة ولا من حيث التفصيل لأن فيهما أحاديث ترك العمل بما دلت عليه لوجود معارض أو ناسخ انتهى. قلت: ولا يخفي أنه وهم فإن القائل إن الأمة أجمعت على العمل بما فيهما هو النووي نفسه لا أنه نقله عن ابن الصلاح ثم إن قوله أجمعت على العمل إنما مراده مما تعبدنا بالعمل به فالمنسوخ والمخصص قد خرجا من ذلك. ثم إنه نقل عن الأستاذ أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك تفصيلا في المتلقي بالقبول فقال الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته ثم فصل ذلك فقال إن اتفقوا على العمل به لم يقطعوا بصدقه وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العلم بخبر الواحد وإن تلقوه بالقبول قولا وفعلا حكم بصدقه قطعا ثم قال إنما اختلفوا فيما إذا أجمعت الأمة على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أم لا؟ على

قولين فذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صحيحا بذلك وذهب عيسى ابن أبان إلى أنه يدل على صحته قال وقد تعقب شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح يريد به البلقيني قول النووي إن ابن الصلاح خالفه المحققون والأكثرون فقال هذا ممنوع فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والحنابلة والمالكية أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول. قلت: وكأنه عنى بهذا البعض الشيخ تقي الدين ابن تيمية ثم ذكر ما أسلفناه من كلام ابن تيمية. قلت: إلا أن هاهنا بحثا فإنه لا يخفي اختلاف أحوال العلماء وغيرهم فيما يستفيدونه اعتقادا فمنهم من يفيده خبر الآحاد العلم وقد قدمنا في شرح رسم الصحيح شيئا من ذلك ومنهم من يفيده الظن ومنهم من لا يفيده علما ولا ظنا ولذا اختلف فيما يفيده خبر الآحاد الاختلاف الذي سبق ذكره هنالك أيضا فالتلقي بالقبول لا يجزم بإفادته القطع لكل أحد محقق لاختلاف الناس في الاعتقاد فدعوى إفادته القطع لكل أحد غير صحيحة وأيضا إنما يستوي الناس في البديهيات ككون الكل أعظم من الجزء ونحوه وأما في الأمور النقلية فلا فإنه يتواتر الأمر لشخص دون شخص فيكون حجة على الأول دون الثاني. إذا عرفت هذا فالرد على ابن الصلاح بأن جماعة قالوا لا يفيد إلا الظن والرد على من رد عليه بأن جماعة قالوا يفيد القطع غير صحيح في الطرفين لأن هذه أمور وجدانية يختلف فيها الناس فلا يحكم أحد على غيره بما عند نفسه ولو كان المتلقي بالقبول يفيد القطع لكل أحد أو الظن لما وقع اختلاف في المسألة. ثم اعلم أن هذا التلقي المدعى مراد به تلقي العلماء هو من بعد تأليف الصحيحين وهي الطبقة الأولى من بعد ذلك وأما من بعدهم من أهل الأزمنة المتأخرة فالدليل عيه نقل تلك الطبقة التلقي بالقبول ولعله قد يكون آحادا فلا يفيده أو متواترا فتقوم الحجة بنقل تلقي الأمة لهما بالصحة. ولما قال ابن الصلاح: إن ظن من هو معصوم لا يخطئ قال المصنف "قلت: والمسألة دقيقة وقد بسطت القول عليها في العواصم وهي في أصول الفقه مذكورة وحاصل الجواب" على ابن الصلاح في قوله إن ظن من هو معصوم ع الخطأ لا يخطئ "أن المعصوم معصوم في ظنه عن الخطأ الذي هو خلاف الصواب" قال المصنف في مختصره

في علوم الحديث والحق أنه أي الخطأ لا يناقضها أي العصمة حيث خطؤه فيما طلب لا فيما وجب ولا يوصف خطؤه حينئذ بقبح "لا عن الخطأ الذي هو خلاف الإصابة كالخطأ في رمي" المؤمن "الكافر حيث رماه" فأصاب مؤمنا فإنه غير آثم قطعا. "وفي الحكم بشهادة العدلين في الظاهر" وهما في الباطن غير عدلين "ومن ذلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيادة" كما في صلاته الأربع خمسا "أو نقصان" كم في صلاته الأربع اثنتين أخرجه الستة من حديث ابن بحينة وسماها الظهر "حيث سها وظن أنه ماسها" فإنه قال له صلى الله عليه وسلم ذو اليدين أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت قال لم تقصر ولم أنس وسيأتي. "فمن جوز هذا على المعصوم" كالرسول صلى الله عليه وسلم "لأنه خطأ لغوي" وهو الخطأ المرفوع عن الأمة في حديث رفع عن أمتي الخطأ "وهو في الحقيقة صواب لأنه مأمور به مثاب عليه" وقد استدل المصنف لجوازه بالعقل والنقل في مختصره حيث قال لنا لو وجب القطع بانتقائه لبطل كونه ظنا والفرض أنه ظن فهذا خلف ولوجوب الترجيح عند تعارض المتلقي بالقبول ولا ترجيح مع القطع ومن السمع قول يعقوب في قصة أخي يوسف: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} [يوسف: 18] وقوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] وقوله في حديث إنما أقطع له قطعة من نار1 أخرجه الشيخان مرفوعا من حديث أم سلمة وأوله إنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه شيئا الحديث وأحاديث سهوه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ولا يمتنع أن يدخل الظن في استدلال الأمة ثم يجب القطع باتباعهم كخبر الواحد وطرق الفقه ولذلك يسمى الفقه علما فبطل القطع بأن حديث البخاري ومسلم معلوم كما ظنه ابن الصلاح وابن طاهر وأبو نصر. "قال" جواب من جوز "إن تلق الأمة لخبر الواحد لا يفيد العلم القاطع ومن لم يجوزه" أي الخطأ الذي هو خلاف الصواب "على المعصوم قال إنه يفيد العلم القاطع والله أعلم" ثم لا يخفي أن ابن الصلاح قال في دعواه إن المتلقي بالقبول يفيد العلم اليقيني النظري قال الحافظ ابن حجر لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق

_ 1 سبق تخريجه.

بهذا المقام أما العلم اليقيني فمعناه القطعي فلذلك أنكر عليه من أنكر لأن المقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده وإنما يقع الترجيح بين مفهوماته ونحن نجد علماء هذا الشأن قديما وحديثا يرجحون بعض أحاديث الكتاب على بعض بوجوه من الترجيحات النقلية فلو كان الجميع مقطوعا به ما بقي للترجيح مسلك انتهى وهذا مناد على أن مرادهم أنه تلقي بالقبول كل فرد فرد من أفراد أحاديث الصحيحين إلا ما استثنوه مما يأتي. "قال زين الدين: ولما ذكر ابن الصلاح أن ما أسنداه مقطوع بصحته قال سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد كالدارقطني وغيره" كأبي مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني الجياني "وهي" أي الأحرف اليسيرة "معروفة عند أهل هذا الشأن" قال البقاعي في النكت الوفية قال شيخنا إن الدارقطني ضعف من أحاديثهما مائتين وعشرة يختص البخاري بثمانين واشتركا في ثلاثين وانفرد مسلم بمائة قال وقد ضعف غيره أيضا غير هذه الأحاديث انتهى وقدمنا كلام الحافظ ابن حجر في عدة ذلك. "قال زين الدين: روينا عن محمد بن طاهر المقدسي ومن خطة نقلت: قال سمعت أبا عبد الله بن أبي نصر الحميدي" صاحب الجمع بين الصحيحين "يقول: قال لنا أبو محمد بن حزم" هو الظاهري المعروف صاحب المؤلفات البديعية "ما وجدنا للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين لكل واحد منهما حديث تم عليه في تخريجه مع إتقانهما وحفظهما وصحة معرفتهما فذكر" أبو محمد "من البخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء وأنه قبل أن يوحى إليه وفيه شق صدره قال ابن حزم والآفة فيه من شريك" وهو شريك بن عبد الله بن أبي نمير المدني تابعي صدوق قال ابن معين والنسائي ليس بالقوي وقال ابن معين في موضع آخر لا بأس به ذكر هذا الذهبي في المغني. "والحديث الثاني: حديث عكرمة بن عمار" بفتح العين المهملة وتشديد الميم "عن أبي زميل" بضم الزاي وفتح الميم وسكون المثناة التحتية فلام هو سماك ابن الوليد تابعي "عن ابن عباس: كان الناس لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث أعطيكهن قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم الحديث قال ابن حزم هذا موضوع لا

شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة بن عمار" قال النووي في شرح مسلم واعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال لأن أبا سفيان إنما أسلم عام الفتح وكان النبي صلى الله عليه وسلم: إنما تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل وجزم ابن حزم أنه موضوع ويف رواية عنه أنه وهم والآفة فيه من عكرمة بن عمار الراوي عن أبي زميل وأنكر الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح هذا على ابن حزم وبالغ في الشناعة عليه قال وهذا القول من جسارته وكان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار وإطلاق اللسان فيهم ولا نعلم أحدا نسب إلى عكرمة وضع الحديث وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما وكان مستجاب الدعوة. وأما ما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها فغلط منه وغفلة وجهل لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح تطبيبا لقلبه لأنه ربما رأى عليه غضاضة في رياسته ونسبه أن تزوج منه بغير رضاه وأنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد انتهى. وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: جدد العقد ولا قال لأبي سفيان إنه يحتاج إلى تجديده فلعله قال له نعم وأراد أن مقصودك يحصل وإن لم يكن بحقيقة العقد وكأن المصنف لم يرتض هذا الجواب فقال: "قلت: قد رد الحفاظ على ابن حزم ما ذكره وجمع ابن كثير الحافظ جزءا مفردا في بيان ضعف كلامه وفي الحديث غلط ووهم في اسم المخطوب لها النبي صلى الله عليه وسلم: وهي عزة" بفتح العين المهملة وتشديد الزاي "أخت أم حبيبة خطب أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وخطبته لها أختها أم حبيبة كما ثبت في الصحيحين فأخبرها بتحريم الجمع بين الأختين وقد ذكر له تأويلات كثيرة هذا أقربها" ووجه قربه أن التأويل في لفظة واحدة أسهل "والموجب للتأويل ما علم من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان". قلت: ولم يتعرض المصنف لتأويل حديث شريك الذي أورده ابن حزم على صحيح البخاري وقد ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري في الحديث العاشر والمائة مما اعترض على البخاري تخريجه في صحيحه حديث شريك عن أنس في الإسراء بطوله وقد خالف فيه شريك أصحاب أنس في سنده ومتنه ووجه إشكال حديث شريك ما فيه من قوله إن الإسراء كان قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم فإنه

أخرجه الشيخان عن شريك ابن عبد الله بن أبي نمير بلفظ أنه سمع أنس ابن مالك يقول ليلة الإسراء أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه. وقد قال مسلم إنه قدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص يعني شريكا قال النووي في شرح مسلم في رواية شريك في هذا الحديث أوهام أنكرها عليه بعض العلماء وقد نبه مسلم على ذلك بقوله قدم شيئا وأخر وزاد ونقص وذلك قوله قبل أن يوحى إليه فإنه غلط لم يوافق عليه فإن الإسراء أقل ما فيه إنه كان بعد بعثته صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر شهرا وهو قول الزهري وقال الحربي كان ليلة سبعة وعشرين من ربيع قبل الهجرة بستة وقال الزهري كان ذلك بعد مبعثه بخمس سنين قلت: ولعل للزهري فيه قولين وقال ابن اسحق أسري به وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل قال النووي وأشبه الأقوال قول الزهري وابن اسحق. قلت: ومثله قال القاضي عياض واستدل بقوله إذ لم يختلفوا أن خديجة صلت معه صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلاة عليه ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل بثلاث سنين وقيل بخمس كما أن العلماء مجمعون أنه كان فرض الصلاة قبل الإسراء فكيف يكون هذا كله قبل أن يوحى إليه؟. قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين بعد ذكر رواية شريك إنه قد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة فقد روي حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتثنين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقنادة يعني عن أنس ولم يأت أحد منهم بما أتى به شريك وشريك ليس بالحفاظ عند أهل الحديث وكذلك أنكر من حديث شريك قوله إن شق صدره وغسله في تلك الليلة لأن المصحح أنه شق صدره وهو في بني سعد عند حليمة قال القاضي عياض وقد جود الحديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وأتقنه وفصله حديثين وجعل شق الصدر في صغره والإسراء بعد ذلك بمكة وهو المشهور الصحيح. إذا عرفت هذه الأقاويل عرفت أنه لا اعتراض على مسلم في إيراده لحديث شريك بعد بيانه ما فيه من الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير. "وذكر الذهبي شرط مسلم في ترجمته من النبلاء وطول القول في ذلك وأجاد وأفاد فينبغي مراجعته ونقله من النبلاء" قلت: إلا أنه لا يخفي أنه شرط تخميني

لتصريحهم بأنه لم ينقل عن الشيخين ولا عن أحدهما ذلك نعم مسلم قد ذكر في مقدمة صحيحه ما قدمنا لفظه فهو شرطه. "قال زين الدين: وقد ذكرت في الشرح الكبير أحاديث غير هذين" مما انتقده الحفاظ على الشيخين ويأتي غيرهما في كلام المصنف "وقد أفردت كتابا لما ضعف من أحاديث الصحيحين مع الجواب عنها فمن أراد الزيادة في ذلك فليقف عليه" أي على الكتاب الذي أفرده "ففيه فوائد ومهمات" قال الحافظ ابن حجر بعد نقل كلام شيخه ما لفظه كأن مسودة هذا التصنيف ضاعت وقد طال بحثي عنها وسؤالي من الشيخ أن يخرجها فلم أظفر بها ثم حكى ولده أنه ضاع منها كراسان أو لا فكان ذلك سبب إهمالها وعدم انتشارها. واعلم أنه قد سبق عن ابن الصلاح أن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول قال سوى أحرف يسيرة قد تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ قال زين الدين إن الذي استثناه من المواضع قد أجاب العلماء عنها ومع ذلك أنها ليست بيسيرة قال الحافظ ابن حجر تعقبا له اعترض الشيخ أولا على ابن الصلاح استثناء المواضع اليسيرة بأنها ليست يسيرة بل كثيرة وبكونه قد جمعها وأجاب عنها وهذه لا يمنع استثناءها أما بكونها يسيرة فهو أمر نسبي نعم هي بالنسبة إلى ما لا طعن فيه في الكتابين يسيرة جدا وأما كونها يمكن الجواب عنها فلا يمنع ذلك استثناءها لأن من تعقبها من جملة من ينسب إليه الإجماع بالتلقي فالمواضع المذكورة متخلفة عنده عن التلقي فيتعين استثناءها انتهى. "قلت: وقد ذكر النووي في مقدمة شرحه لكتاب مسلم قطعة حسنة في ذلك وذكر من صنف في ذلك كأبي مسعود الدمشقي وأبي على الغساني والدارقطني وذكر أنه يبين جميع ذلك أو أكثره ويجيب عنه في شرح مسلم" وذكر فصلا مستقلا فيما عيب به مسلم فقال فيه عاب عائبون مسلم بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذي ليسوا من شروط الصحيح ولا عيب عليه في ذلك بل جوابه من أوجه ذكرها الإمام أبو عمرو بن الصلاح: أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده بل نقل عن الخطيب وغيره أنه قال ما احتج به البخاري ومسلم وأبو داود من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت المؤثر مفسرا قلت: وهذا هو الذي أشار إليه

المصنف آنفا. الثاني: أن يكون واقعا في المتابعات والشواهد لا في الأصول. الثالث: أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه باختلاطه وذلك غير قادح فيما رواه من قبل في زمن الاستقامة. الرابع: أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفيا بمعرفة أهل هذا الشأن ذلك وهذا العذر قد رويناه تنصيصا انتهى وذكر أمثلة لما ذكره يطول ذكرها قلت: ولا يخفي على الناقد ما في هذه الوجوه. "قال النووي وينبغي أن يكون هذا مخرجا عن حكم المجمع على صحته المتلقي بالقبول مستثنى من الخلاف المقدم في القطع بصحة المجمع عليه" وهذا هو الذي قد أشار إليه ابن الصلاح واستثناه بقوله سوى أحرف يسيرة "وهذا الكلام فيما أسنداه وقد قصر هؤلاء في هذا الموضع وجوده الحافظ ابن حجر في مقدمة شرح البخاري فذكر مما اعترضه حفاظ الحديث على البخاري مائة حديث وعشرة أحاديث" وقال في نكته على ابن الصلاح إنه تتبع الدارقطني ما فيهما من الأحاديث المعلة فزادت على المائتين " ولكنها اعتراضات لطيفة في مشكلات اصطلحوا عيها أكثرها من علم العلل التي لا يقدح بها الفقهاء وأهل الأصول ثم أشار إلى الخلاف في كل حديث في البخاري مروي عن مدلس بالعنعنة" سيأتي بيان التدليس وأقسامه والعنعنة إن شاء الله تعالى "وهذا غير ما ذكر في كل حديث روي من طريق راو مختلف فيه وهم" أي الرواة المختلف فيهم "خلق كثير ثم مسألة الخلاف فيما عدا ذلك كله فاعرف ذلك والله أعلم". قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر جملة الانتقادات من قبل التفصيل من وجوه منها ما هو مندفع بالكلية ومنها ما قد يندفع فمنها الزيادة التي قد تقع في بعض الأحاديث إذا انفرد بها ثقة ولم يذكرها من هو مثله أو أحفظ منه فاحتمال كون هذا الثقة غلط ظن مجرد وغايتها أنها زيادة ثقة فليس فيها منافاة لما رواه الأحفظ والأكثر فهي مقبولة. ومنها المروي من حديث تابعي مشهور عن صحابي سمع منه فيعلل بكونه روي عنه بواسطة كالذي يروي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ويروي عن سعيد عن أبيه

عن أبي هريرة فإن مثل هذا لا مانع أن يكون التابعي سمعه بواسطة ثم سمعه بدون تلك الواسطة ويلتحق بهذا ما يرويه التابعي عن صحابي فيروي من روايته عن صحابي آخر فإن هذا يمكن أن يكون سمعه منهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وهذا إنما يطرد حيث يستوي الضبط والإتقان. ومنها ما يشير صاحب الصحيح إلى علته كحديث يرويه مسندا ثم يشير إلى أنه روي مرسلا فذلك مصير منه إلى ترجيح رواية من أسنده على من أرسله. ومنها ما تكون علته مرجوحة بالنسبة إلى صحته كالحديث الذي يرويه ثقات متصلا ويخالفهم ثقة فيرويه منقطعا أو يرويه ثقة متصلا ويرويه ضعيف منقطعا ومسألة التعليل بالانقطاع وعدم اللقاء قل أن تقع في البخاري بخصوصه لأنه معلوم أن مذهبه عدم الاكتفاء في الإسناد المعنعن بمجرد إمكان اللقاء. وإذا اعتبرت هذه الأمور من جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما لم يبق بعد ذلك مما انتقد عليهما سوى مواضع يسيرة جدا ومن أراد حقيقة ذلك فليطالع المقدمة التي كتبتها لشرح صحيح البخاري فقد بينت فيها ذلك بينا شافيا بحمد الله بحذف يسير. "وأما ما وقع فيهما" وهو عطف على قوله فأما ما أسنداه "غير مسند وهو المعبر عنه بالتعليق" أي المسمى به عندهم "و" حقيقته "هو أن يسقط البخاري أو غيره" عبارة النخبة من تصرف مصنف "من أول إسناده" أي بالنظر إليه ومنهم من يعبر عنه بمبدأ السند "راويا فأكثر" ولا يشترط التوالي بين الساقطين وإن صرح به ملا على قاري في حواشيه على النخبة وشرحها "ويعزو الحديث إلى من فوق المحذوف بصيغة الجزم كقول البخاري في الصوم1 قال يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي هريرة قال فإذا قآء فلا يفطر قال ابن الصلاح: ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط منه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره" فلذا قال في حقيقته من أول إسناده "ولا" مستعملا "فيما ليس فيه جزم كيروي" بصيغة المجهول ولذا قال المصنف في حقيقته أيضا بصيغة الجزم. "قال زين الدين: استعمل غير واحد من المتأخرين التعليق في غير المجزوم به منهم

_ 1 ب 32.

الحافظ المزي" بكسر الميم وبتشديد الزاي نسبة إلى بلد بالشام وهو الحافظ الكبير أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحيم بن يوسف القضاعي الكلبي "في الأطراف" كتابه له سيأتي ذكره وذكر حقيقتها قال زين الدين: كقول البخاري في باب مس الحرير من غير لبس ويروي فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: وذكره في الأطراف وعلم عليه علامة تعليق البخاري. "قلت: أما ما سقط فيه رجل من وسط الإسناد يسمى المقطوع والمنقطع" ولذا قيل في رسم التعليق من أول إسناده "وما سقط من آخره فهو المرسل كما يأتي جميع ذلك" أي كل ما ذكر "وأما إذا سقط الإسناد كله وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو ذكر الصحابي فقط من رجال الإسناد فقال ابن الصلاح: تعليق" قال ابن الصلاح: إن لفظ التعليق وجدته مستعملا فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر حتى إن بعضهم استعمله في حذف كل الإسناد مثال ذلك قوله قال صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما كذا وكذا قال سعيد بن المسيب كذا وكذا عن أبي هريرة كذا وكذا. قلت: وبه تعرف أن ابن الصلاح نقله عن غيره لا أنه له ولذا قال الزين حكاه ابن الصلاح عن بعضهم وتعرف أيضا أنه إذا ذكر الصحابي أو التابعي يكون على هذا القول تعليقا أيضا واقتصر المصنف على الصحابي فقط "ولم يذكره" أي هذا القسم "المزي تعليقا في الأطراف" لفظ الزين ولم يذكر هذا المزي في الأطراف في التعليق بل ولا ما اقتصر فيه على ذكر الصحابي غالبا وإن كان مرفوعا. "وأما إذا روي" أي البخاري "عن شيخه بصيغة الجزم ولم يقل حدثنا ولا أخبرنا" قال الزين كقوله قال فلان وزاد فلان "فمتصل حكمه كحكم العنعنة كما يأتي" قال الزين أي حكمه أي المعنعن الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس واللقاء في شيوخه أي البخاري معروف والبخاري سالم من التدليس فله حكم الاتصال انتهى. قلت: فهذا يختص بالبخاري ومن هو مثله في شرط اللقاء لا أنها قاعدة من قواعد علوم الحديث "كذا عند ابن الصلاح واختاره الزين" فإنه قال بعد نقله لكلام ابن الصلاح أنه الصواب قال ابن الصلاح: ولا الثقات إلى أبي محمد ابن حزم الحافظ الظاهري في رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبو مالك الأشعري عن

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليكونن في أمتي ... ", الحديث1 وسيأتي في كلام المصنف قريبا "خلاف لبعض المغاربة والمزي وابن منده" وهذا البعض من المغاربة غير ابن حزم لأنه ساق كلامه بعد رده على ابن حزم فإنه قال أي زين الدين بعد ذلك وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا وأضاف إليه قول البخاري في غير موضع من كتابه وقال لي فلان وزدنا فلان فوسم كل ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى وقال متى رأيت البخاري يقول وقال لي فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به وإنما ذكره للاستشهاد به وكثيرا ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ لما جرى بينهم في المذكرات والمناظرات وأحاديث المذاكرة قل ما يحجون بها. قلت: ما ادعاه على البخاري مخالف لما قاله من هو أقدم منه وأعرف بالبخاري وهو العبد الصالح أبو جعفر بن حمدان النيسابوري فقد روينا عنه أنه قال كل ما في البخاري قال لي فلان فإنه عرض ومناولة2 وانتهى. قلت: ولا يخفي أنه لا يقوم كلام غيره حجة غيره حجة عليه بمجرد قوله. "وقال" أي ابن الصلاح "وذلك" أي مثال ما يسقط من أوله واحد "مثل قول البخاري عفان" لفظ الزين قال عفان "وقال القعنبي" بالقاف مفتوحة فعين مهملة ساكنة فنون فموحدة نسبة إلى قعنب "وأخطأ ابن الصلاح في تمثيل التعليق بذلك مع اختياره أنه ليس بتعليق" عبارة الزين فقوله قال عفان قال القعنبي كذا في أمثلة ما سقط من أول إسناده واحد مخالف لكلامه الذي قدمناه عنه لأن عفان والقعنبي كلاهما شيخ البخاري حدث عنهما في مواضع من صحيحه متصلا بالتصريح فيكون قوله قال عفان قال القعنبي محمولا على الاتصال كالحديث المعنعن وهذا المثال ذكره ابن الصلاح في الفائدة السادسة من النوع الأول وهذا إيضاح لكلام المصنف. "قال ابن الصلاح3: وكأنه مأخوذ من تعليق الجدار" فال ملا على في شرح شرح النخبة انتقد المصنف يريد ابن حجر أخذه من تعليق الجدار ولعل وجهه أن الطرفين أو أحدهما في تعليق الجدار باق على حاله غير ساقط بخلاف تعليق الحديث

_ 1 البخاري 7/138. وأبو داود 4039. 2 علوم الحديث ص 93. 3 علوم الحديث ص 93.

"وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك فيه الجميع من قطع الاتصال وقد ذكر ابن الصلاح أن التعليق وقع فيهما" أي في الصحيحين. "قال وأغلب ما وقع ذلك في البخاري وهو في مسلم قليل جدا قال زين الدين" في شرح ألفيته بعد نقل كلام ابن الصلاح "في كتاب مسلم من ذلك" أي من التعليق "موضع واحد في التيمم وهو حديث أبي الجهيم بن الحارث" بضم الجيم وفتح الهاء فمثناة تحتية وهو عبد الله بن الحارث ابن الصمة وقع في صحيح مسلم أبو الجهم بفتح الجيم من دون مثناة قال النووي في شرح مسلم هكذا في مسلم وهو غلط وصوابه ما وقع في صحيح البخاري أبو الجهيم وضبطه بما ضبطناه فهذا المشهور في كتب الأسماء وكذا ذكره مسلم في كتابه في أسماء الرجال "ابن الصمة" بسكر الصاد المهملة وتشديد الميم "أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل" بفتح الجيم والميم وفي رواية النسائي الجمل "قال فيه مسلم وروي الليث بن سعد ولم يوصل مسلم إسناده إلى الليث1" قال النووي هكذا وقع في صحيح مسلم من جميع الروايات منقطعا بين مسلم والليث قال وهذا النوع يسمى معلقا "وقد أسنده البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث ولا أعلم في مسلم بعد مقدمة الكتاب حديثا لم يذكره إلا تعليقا غير هذا الحديث وفيه مواضع أخر يسيرة رواها بإسناده المتصل ثم قال ورواه فلان وهذا ليس من باب التعليق إنما أراد ذكر من تابع رواية الذي أسنده من طريقه عليه أو أراد بيان اختلاف في السند كما يفعل أهل الحديث وبدل على أنه ليس مقصودة بهذا إدخاله في كتابه أنه يقع في بعض أسانيد ذلك من ليس هو من شرط مسلم كعبد الرحمن بن خالد بن مسافر" وهذا بناء على أن شرطهما رواتهما وقد تقدم الكلام فيه "وقد بينت بقية المواضع" التي علقها مسلم "في الشرح الكبير" انتهى كلام الزين. "فإذا عرفت هذا" هو جواب قول المصنف وأما ما وقع فيهما وفيه نبوة والمعنى على أن قوله "فاعلم" هو الجواب إذا لا جواب أما "أن المحققين قسموه" أي التعليق "ثلاثة أقسام" ولكنهم ذكروا المعلق من حيث هو منقسم المردود مع أن بعض أقسامه مقبول يعمل به وإنما ردوه للجهل يحال من حذف من إسناده.

_ 1 والحديث رواه أحمد 4/169.

"أحدهما ما يورده البخاري بصيغة الجزم ويكون رجاله" غير من حذف فإنه مجهول "رجال الصحيح فيحكم" أي يوقع الحكم من الناظر فيه "بصحته لأنه" أي البخاري "لا يستجيز أن يجزم بذلك" أي بنسبته جزما "إلا وقد صح عنده" وقى قسم مثل هذا القسم في الصحة أشار إليه الحافظ أين حجر في شرح النخبة حيث قال وقد يحكم بصحته إن عرف المحذوف بالعدالة والضبط بأن يجيء مسمى أي موصوفا باسمه أو كنيته أو لقبه من وجه آخر أي من طريق أخرى. انتهى. ولا يخفى أن وجه هذا الثاني: من التصحيح واضح وأما الأول فمرجع الحكم بصحته حسن الظن بالبخاري في أنه لا يجزم إلا بما صح إلا أن قوله: "وثانيها ما يورده بصيغة الجزم أيضا ولكن يجزم يه عمن لا يحتج به" أي البخاري يفت في عضد حسن الظن في الطرف الأول إذ العلة هي جزمه وقد حصل في القسمين "فليس فيه" أي هذا الثاني: "إلا الحكم بصحته عمن أسنده إليه وجزم به عنه كقول البخاري" في أول باب من آداب الغسل كذا قال بن الصلاح. قلت: ورجعت البخاري فرأيت كره في الثامن عشر من أبواب الغسل "وقال بهز" بفتح الموحدة وسكون الهاء فزاى وهو مقول البخاري "عن أبيه" هو حكيم "عن جده" هو معاوية بن حيدة صحابي معروف "عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أحق أن يستحى منه" هذا مقول قول بهز. "قال ابن الصلاح": بعد سياقه لهذا الكلام "فهذا" أي بهز عن أبيه عن جده "ليس من شرط البخاري قطعا ولذلك" أي لكونه ليس من شرط البخاري "لم يورده الحميدي في الجمع بين الصحيحين" قال الحافظ في الفتح إن يهزا وأباه ليسا من شرطه قال ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث جد بهز لم يجزم به بل قال ويذكر عن معاوية بن حيدة انتهى. قلت: وهذا مبني أيضا على أن شرط رواته كما سلف وفيه ما سلف. "وثالثها: أن يورده" أي البخاري "ممرضا وصيغة التمريض عندهم" وهي خالف صيغة الجزم "أن يقول ويذكر أو يروي" مبني للمجهول مضارع "أو نقل وذكر" ماضيا "ونحوها فهذا لا يحكم بصحته" واعلم أن هذا أمر عرفي وأن إتيان الراوي بصيغة المجهول دليل على ضعف ما يرويه وإلا فإن الإتيان بصيغة المجهول في علم البيان نكتا معروفة "كقوله" أي البخاري في بابا ما يذكر في الفخذ "ويروي عن ابن العباس

وجرهد" بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء فدال مهملة هو ابن خويلد صحابي "ومحمد بن جحش" بالجيم المفتوحة فمهملة ساكنة فشين معجمة وهو محمد بن عبد الله بن جحش نسبة إلى جده ولأبيه عبد الله صحبة وكان محمد صغيرا في عصره صلى الله عليه وسلم "عن النبي صلى الله عليه وسلم: الفخذ عورة لأن هذه الألفاظ" أي صيغ التمريض "استعمالها في الضعيف أكثر وإن استعملت" نادرا "في الصحيح" والحمل على الأغلب أولى. واعلم أن ابن الصلاح جعل القسمين واحدا أي ما جزم به عمن يحتج به وما أورده بصيغة التمريض وقال إنهما ليسا على شرطه قطعا ولفظه قول البخاري باب ما يذكر في الفخذ ويروى عن ابن عباس إلى آخر ما ذكره المصنف ثم قال وقوله في أول باب من أبواب الغسل وقال بهز إلى آخره ثم قال فهذا قطعا ليس من شرطه انتهى. وإنما كان حديث ابن عباس ليس من شرطه لأن فيه يحيى القنات بقاف ومثناتين من فوق وهو ضعيف وحديث جرهد ضعفه البخاري للاضطراب في إسناده وحديث محمد بن جحش فيه أبو كثير قال الحافظ ابن حجر لم أجد فيه تصريحا "وكذا قوله" أي البخاري "وفي الباب يستعمل في الأمرين معا" في الصحيح والضعيف إلا أنه لا أغلبية له في أحدهما على الآخر حتى يحمل عليه الفرد المجهول بل يتوقف الأمر على البحث. "قال ابن الصلاح: ومع ذلك" أي مع كونه أورده بصيغة التمريض "فإيراده له" أي البخاري للحديث عن الممرض "في أثناء الصحيح" أي كتابه المسمى بذلك "مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه" هذا كلام ابن الصلاح. واعلم أن هذا يفيد أن التعليقات المجزومة ممن التزم صحة كتابه وإن لم يصرح بأن ما علقه صحيح يحكم بصحتها إذا لم يجزم بمن لا يحتج به وذلك بأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا وقد صح عنده وكذا أيضا بعض ما روي بغير بصيغة الجزم وهذا لا يوافق ما قاله الجمهور من أنه إذا قال راوي المعلق مثلا جميع من أحذفه ثقات فإن لا يقبل حتى يسمى قالوا لاحتمال أن يكون ثقة عنده دون غيره فإذا ذكر يعلم حاله وكذا قول من قال حدثني الثقة فإذا لم يقبل هذا فكيف يقبل قول من قال قد التزمت في كتابي أن لا أذكر إلا الصحيح فيجعل التزامه أبلغ من قوله حدثني

الثقة بل غاية التزامه هذا يفيد ما يفيده قول الراوي برفعه وأما ما قيل من المناقشة لكلام الجمهور بأنه تقديم للجرح المتوهم على التعديل الصريح فليس بشيء لأن التعديل الصريح للمبهم المجهول ليس بشيء. "وشذ ابن حزم فلم يقبل شيئا من تعليقات الصحيح وتراجمه" سواء أوردها بصيغة الجزم أو غيرها ولعل وجه ما ذهب إليه هو ما قدمناه قريبا من عدم قبول الجمهور لمسألة التعديل على الإبهام فالأولى عدم قبول تعليق من التزم الصحة. ولما كان في صحيح البخاري ما ليس بصحيح قطعا احتاج المصنف أن يذكر ما قاله ابن الصلاح في التلفيق بين ما قاله البخاري وبين ما وجد في كتابه فقال "وحمل ابن الصلاح قول البخاري ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وقول الأئمة في الحكم بصحته" أي صحة كتابه "على مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها" وقد تقدم هذا. "وأما الحافظ ابن حجر فصرح في مقدمة شرح البخاري" المسماة هداية الساري "بأن جميع تعاليقه" بجزم أو تمريض "غير صحيحة عنده" أي عند البخاري "يعني على شرطه وإن كان يمكن تصحيح بعضها على شرط غيره إلا أن يسند" أي البخاري "المعلق" أي الحديث الذي علقه "مرة ويعلقه أخرى ويكون تعليقه المرة الأخرى اختصارا". قلت: اعمل أن المصنف رحمه الله تعالى أجمل ما نقله عن مقدمة الفتح وبيانه أنه قسم في المقدمة تعليقات البخاري إلى قسمين: الأول: المعلق بصيغة الجزم ثم قسمة إلى صحيح على شرطه وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله إلا أن يسند المعلق وهذا في الحقيقة معلق صورة عنده لا حقيقة وإلى حسن تقوم به الحجة وإلى ضعيف بسبب انقطاع يسير. الثاني: ما علقه بصيغة التمريض فإنه قسمه إلى خمسة أقسام صحيح على شرطه صحيح على شرط غيره جزما لا إمكانا كما قاله المصنف حسن ضعيف غير منجبر ضعيف منجبر فهذه خمسة أقسام. إذا عرفت هذا عرفت أن تعاليق البخاري لا يتم الحكم على المروي منها بشيء من الصحة ولا الحسن ولا الضعيف إلا بعد الكشف والفحص عن حال ما علقه وعرفت أن هذا الذي ذكره الحافظ في المقدمة مجمل لا بيان فيه وقد بسطت الكلام على كلامه

في هامش مقدمة الفتح. نعم قد بين الحافظ هذا الإجمال في نكته على ابن الصلاح وأتى بأمثلته فقال: أقول: الأحاديث المرفوعة التي لم يوصل البخاري إسنادها في صحيحه: منها: ما يوجد في محل آخر من كتابه موصولا. ومنها: ما لا يوجد إلا معلقا. فإما الأول: فالسبب في تعليقه أن البخاري من عادته في صحيحه أن لا يكرر شيئا إلا لفائدة وإذا كان المتن يشتمل على أحكام كرره في الأبواب بحسبها أو قطعه في الأبواب إذا كانت الجملة يمكن انفصالها من الجملة الأخرى ومع ذلك لا يكرر الإسناد بل يغاير بين رجاله إما بشيوخه أو بشيوخ شيوخه أو نحو ذلك فإذا ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها فإنه والحال هذه إما أن يختصر المتن أو يختصر الإسناد وهذا أحد الأسباب في تعليق الحديث الذي وصله في موضع آخر. وأما الثاني: وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقا فهو على صورتين: إما بصيغة الجزم وإما بصيغة التمريض: فأما الأول: فهو صحيح إلى من علقه عنه وبقي النظر فيما أبرز من رجاله فبعضه يلتحق بشرطه والسبب في تعليقه له إما لكون لم يحصل له مسموعا وإنما أخذه على طريق المذاكرة أو الإجازة أو كان قد خرج ما يقوم مقامه فاستغنى بذلك من إيراد هذا المعلق مستوفي السياق أو لمعنى غير ذلك ولتقاعده عن شرطه وإن صححه غيره أو حسنه وبعضه يكون ضعيفا من جهة الانقطاع خاصة. وأما الثاني: وهو المعلق بصيغة التمريض مما لم يورده في مواضع أخر فلا يوجد ما يعلق بغير شرطه إلا مواضع يسرة قد أوردها بهذه الصيغة لكونه ذكرها بالمعنى. نعم فيه ما هو صحيح وإن تقاعد عن شرطه إما لكونه لم يخرج لرجاله أو لوجود علة فيه عنده ومنها ما هو حسن ومنها ما هو ضعيف وهو على قسمين: أحدهما: ما يجبر بأمر آخر. وثانيهما: ما لا يرتقي عن مرتبة الضعيف وحيث يكون بهذه المثابة فإنه يبين ضعفه ويصرح به حيث يورده في كتابه. ثم سرد أمثلة لما ذكره انتزعها عن عدة أبواب من صحيح بخاري لا نطول بنقلها

ثم قال فقد لاح بهذه الأمثلة واتضح أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من العليق الجازم جملة كثيرة وأن الذي علقه بصيغة التمريض حين أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن أو ضعيف ينجبر وإن أورده في موضع الرد فهو ضعيف عنده وقد بينا كونه يبين كونه ضعيفا والله الموفق. وجميع ما ذكرناه يتعلق بالأحاديث المرفوعة وأما الموقوفات فإنه يجزم بما صح عنده منها ولو لم يبلغ شرطه ويمرض ما كان من ضعف وانقطاع وإذا علق عن شخصين وكان لهما إسنادان مختلفان مما يصح أحدهما أو يضعف الأخر فإنه يعبر فيما هذا سبيله بصيغة التمريض والله أعلم. وهذا كلام فيما صرح بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وإلى أصحابه أما ما لم يصرح بإضافته إلى قائل وهي الأحاديث التي يوردها في تراجم الأبواب من غير أن يصرح بكونها أحاديث فمنها ما يكون صحيحا وهو الأكثر ومنها ما يكون ضعيفا كقوله اثنان فما فوقهما جماعة لكن ليس شيء من ذلك ملتحقا بأقسام التعليق التي قدمناها إذا لم يسقها مساق الأحاديث وهي قسم مستقل ينبغي الاعتناء بجمعه والتكلم عليه وبه بالتعاليق يظهر كثرة ما اشتمل عليه البخاري من الأحاديث ويوضح سعة اطلاعه ومعرفته بأحاديث الأحكام جملة وتفصيلا انتهى. إنما أطلنا بنقله لإفادته ولأن المصنف رحمه الله تعالى اختصر اختصارا مخلا مع الإشارة إلى كلام الحافظ وقد عرفت معنى قوله "قال" أي الحافظ ابن حجر "وقد عرفت ذلك من مقصد البخاري فإن الحديث لو كان على شرطه في الصحة ما ترك وصل إسناده وهذا الذي ذكره هو الصواب ومن أمثلة التعليق المختلف فيها" بين ابن الصلاح ومن تبعه وابن حزم "قول البخاري قال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد قال ثنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر ثنا عطية ابن قيس قال ثنى عبد الرحمن بن غنم قال ثنى أبو عامر أو أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز" بالخاء المعجمة والزاي ويروى بالحاء المهملة والراء "والحرير والخمر والمعازف" بالعين المهملة والزاي بعد الألف ثم فاء قال في القاموس المعازف الملاهي كالعود والطنبور والعازف اللاعب بها والمعنى "الحديث" تمامه "ولينزلن قوم إلى جنب علم تروح عليهم سارحتهم يأتيهم سائل لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم وتمسخ أخرى قردة وخنازير إلى

يوم القيامة1 "فنعد ابن الصلاح وزين الدين ومحيي الدين النووي أن حكمه حكم المتصل بالعنعنة" مصدر مأخوذ من عن فلان عن فلان كالسبحلة والحولقة ويأتي تحقيقها "وهي صحيحة ممن لا يدلس" يأتي بيان التدليس وأقسامه "والبخاري ممن لا يدلس وذلك" أي وجه كونها كالعنعنة من غير المدلس "لأن هشام بن عمار من شيوخ البخارى حدث عنه بأحاديث" متصلة بلفظ حدثنا "وقد مثل المزي والشيخ تقي الدين" ابن دقيق العيد "التعليق بهذا الحديث" وهذا على رأيهما لا على رأي ابن الصلاح فإنه ليس عنده بتعليق كما تقدم أنه إذا روي البخاري عن شيخه بصيغة الجزم فإنه متصل وتقدم تخطئه المصنف له حيث مثل المعلق بهذا الحديث. "وقال أبو عبد الله بن منده" في جزء له في اختلاف الأئمة في القراءة والسماع والمناولة والإجازة ما لفظه "أخرجه البخاري في كتابه الصحيح قال لنا فلان وهي إجازة وقال فلان وهو تدليس قال وكذلك مسلم أخرجه على هذا قلا الشيخ زين الدين انتهى كلام ابن منده ولم يوافق عليه وقال" أبو محمد "ابن حزم في المحلى" بضم الميم فحاء مهملة ولام مشدده من النحلية "هذا حديث من قطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد ولا يصح في هذا الباب" أي باب النهي عن المعازف "شيء أبدا وكل ما فيه" من حديث "فموضوع". قلت: قال ابن القيم في إغاثة اللهفان بعد ذكره لهذا الحديث وتصحيحه له ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي وزعم أنه منقطع لأن البخاري لم يصل سنده وجواب هذا الوهم من وجوه: أحدها: أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه فإذا قال قال هشام فهو بمنزلة قوله عن هشام. الثاني: أنه لو لم يسمعه منه لم يستجز الجزم به إلا وقد صح عنه أنه حدث به وهذا كثير ما يكون لكثرة من رواه عن ذلك الشيخ وشهرته والبخاري أبعد خلق الله عن التدليس. الثالث: أنه أدخله في كتابه المسمى بالصحيح محتجا به فلولا صحته عنه ما فعل ذلك.

_ 1 سبق تخريجه.

الرابع: أنه علقه بصيغة الجزم دون صبغة التمريض فإنه إذا توقف في هذا الحديث أو لم يكون على شرطه قال ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ويذكر عنه ونحو ذلك فإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد جزم وقطع بإضافته إليه. الخامس: أنا لو أضربنا عن هذا صفحا فالحديث صحيح متصل عند غيره ثم ساقه بإسناده عن أبي داود انتهى. وأما قول ابن حزم إن كل حديث في الملاهي موضوع فليس كما قال بل هي أحاديث منها حسن ومنها ما فيه لين وبمجموعها يثبت الحكم وقد أطلنا الكلام في ذلك في حواشينا على ضوء النهار. "وقال ابن الصلاح: ولا التفات إلى ابن حزم في رده ذلك وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح" وكأنه قيل فإذا كان كذلك فلم صنع البخاري فيه هذا الصنيع فقال "والبخاري قد يفعل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات" عن الشخص الذي علقه عنه "أو لكونه ذكره في موضع آخر من كتابه متصلا". قلت: هذا العذر يوهم أن قول البخاري وقال هشام غير متصل وأنه أخرج البخاري حديث هشام بن عمار متصلا في كتابه في موضع آخر وهو خلاف ما هو بصدد تقريره "ولغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع قال الحافظ زين الدين" مقررا لكلام ابن الصلاح "والحديث" أي حديث هشام بن عمار "متصل من طرق طريق هشان وغيره" فهو يرد قول من قال إنه غير متصل إلا أنه لا يخفي أن ابن حزم قال هو غير متصل عند البخاري ولم يتعرض طريقه نعم قوله توكل ما فيه فموضوع يشمل حديث هشام إلا أن يقال تقد كلامه عليه بخصوصه يخصصه عن العموم اللاحق "قال" أبو بكر "الإسماعيلي في المستخرج" على البخاري "حدثنا الحسن وهو ابن سفيان النسوي الإمام قال ثنا هشام بن عمار فذكره" فهذا اتصال بالاتفاق برجال البخاري "وقال" أبو أيوب "الطبراني في مسند الشاميين حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد ثنا هشام بن عمار" انتهى كلام الزين. قال المصنف "والصحيح صحة الحديث" أي حديث هشام بن عمار "بلا ريب" لما عرفت من ثبوت اتصاله "ولكن دلالته على التحريم" أي تحريم الملاهي "ظنية معارضة:

أما كونها ظنية فلأنه ذمهم باستحلال مجموع أشياء بعضها" أي استحلال بعضها "كفر وهو استحلال الخمر" أي عده حلالا لأنه رد لما علم من ضرورة الدين فالكفر من هذه الجهة "والذم بمجموع أمور لا يستلزم القطع على تحريم كل واحد منها لجواز أن يذم الكافر الفاسق بأفعال بعضها مكروه مثاله قوله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} إلى قوله: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} " يريدوا الحض على طعام المسكين ليس بواجب ولك أن تقول إنه يجب ويراد به إطعامه لسد رمقه ويؤيده قوله ذلك وهم في دركات جهنم وقد قيل لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} ويحتمل أن قوله تعالى: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} لا يحض نفسه إلى إطعامه فيكون مثل: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} . "ويقوي هذا أنه جعل استحلال الخز" بالخاء المعجمة والزاي وهذه اللفظة قد اختلف في ضبطها ففي تيسير الوصول أنها بالحاء المهملة والراء وهو الأوفق لعطف الحرير لما يأتي "من جملة صفات أولئك المذمومين مع أن جماعة من جملة الصحابة والتابعين قد لبسوه واستحلوه" فإن لبس الجملة من فريقي السلف للخز يدل على أنه لا نهي عنه ولا يتعلق به الذم الأولى بجلالة شأنهم وبعدهم عن المكروهات فلبسهم إياه دليل على لفظ الحديث عندهم الحر بالحاء المهملة والراء والمراد به استحلال الزنا وهذا أولى مما يفهمه كلام المصنف من أنه بالخاء المعجمة والزاي لأنه لا ريب في كراهة لبسه لهذا النهي وإن لك يكن محرما "فيحتمل أن يكون وصفه" أي النبي صلى الله عليه وآله وصل "لهم" أي القوم المذكورين في حديث هشام بن عمار "بذلك" أي بلبسهم الخز واستحلالهم المعازف "تمييزا لهم عن غيرهم" لا لأجل أن لوصفهم بذلك دخلا لهم في الخسف بهم والعقوبة لهم "كما وصف" صلى الله عليه وسلم "الخوارج حين ذمهم بحلق الرؤوس وصغر الأسنان وخفة الأحلام" ولفظ الحديث عند الشيخين1 من حديث علي رضي الله عنهم: "سيخرج أقوام في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون 2 من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم

_ 1 البخاري 9/21. ومسلم في: الزكاة حديث 154. 2 "يمرقون من الدين" الخ أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يخرق السهم الشيء المرمي به ويخرج منه. النهاية 4/320.

فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة", وكون ذو الثدية بضم المثلثة فدال مصغر ثدي "منهم ونحو ذلك والله أعلم". وقد بين كيفية الثدية في حديث بلفظ: "آيتهم رجل أسود في إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر" 1 وفي رواية: "إن فيهم رجلا له عضد ليس ذراع على عضديه مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض" 2. إذا عرفت هذا فمراد المصنف أن خفة الأحلام وحداثة الأسنان وحلق الرؤوس ليست من موجبات الأمر بقتلهم فما ذكرت تمييزا لهم عن غيرهم وليس فيه دلالة عن تحريم تلك الأمور فكذلك استحلال المعازف والخز ليس من أسباب المسخ بأولئك القوم فلا يدل الحديث على تحريم المعازف. وأقول لا يخفي أنه أولا ليس في صفات الخوارج المذكورة هنا ضم شيء محرم من صفاتهم إلى مكروه أو مباح بل جميع ما ذكر من صفاتهم مباحة بضم بعضها إلى بعض للتمييز وثانيا أنه احتج في حديث الخوارج إلى ذكر ما يميزهم من الصفات لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتالهم فاحتيج إلى ذكر ما يميزهم من الصفات ليقدم على قتالهم على بصيرة لأنهم مسلمون محقونة دماؤهم في الظاهر بخلاف الذين يمسخون قردة فإنه لا حاجة إلى وصف لهم مميز إذ لسنا مأمورين فيهم بشيء والأصل فيما ذكر من الأوصاف ورتب عليه الحكم وهو المسخ هنا كل صفة لها دخل في إثبات الحكم إما بالاستقلال أو بالجزئية ولا يخرج عن هذا ويصير للتمييز إلا بقرينة كما ذكرناه في الخوارج. واعلم إن المصنف جزم بأن الرواية بالخاء المعجمة والزاي لا غير وفي النهاية في حديث أشراط الساعة يستحل الحر والحرير هكذا ذكره أبو موسى بالحاء والراء وقال الحر بتخفيف الراء الفرج ثم قال بان الأثير والمشهور في هذا الحديث على اختلاف طرقه يستحلون الخز بالخاء المعجمة والزاي وهو ضرب ثياب الإبريسم معروف وكذا جاء في كتاب البخاري وأبي داود ولعله حديث آخر كما ذكره أبو موسى فهو الحافظ عارف بما روي وشرح ولا يتهم.

_ 1 البخاري في: المناقب: ب 25. ومسلم في: الزكاة حديث 148. واحمد 3/56, 65. 2 مسلم في: الزكاة: حديث 156, وأحمد 1/92.

قلت: ولا يخفى أن عطف الحرير عليه يناسب أن يكون المهملة والراء لأن الحرير قد دخل فيه الخز بأحد معنييه وبالمعنى الآخر ليس منهيا عنه. "قال ابن الأثير في النهاية الخز المعروف أولا ثياب ينسج من صوف وإبريسم وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهي عنها لأجل التشبيه بالعجم وزي المترفين وغن أريد بالخز النوع الآخر المعروف الآن فهو حرام لأن جميعه معمول من الإبريسم وعليه يحمل الحديث قلت: في هذا الحمل إشكال فإن الحديث إنما يحمل على ما كان يسمى خزا في زمانه صلى الله عليه وسلم في عرف المخاطبين وأما الذي ذكره فهو داخل في تحريم الحرير وقد فرق في هذا الحديث بين الخز والحرير وعطف أحدهما على الآخر فدل على التغاير" هذا الكلام صحيح لو تعين في الرواية بالخاء المعجمة لكن الرواية من حيث الدراية قد ترددت بين اللفظين فإن كان ابن الأثير رجح رواية المعجمة من حيث الرواية فهو معارض بترجيح رواية المهملة من حيث الدراية إذ ضم المحرمات في قرن وجمعها في حكم هو الأوفق ببلاغته صلى الله عليه وسلم ولأن الخز المخلوط بالإبريسم غير محرم ولأن الأصل فيما ترتب عليه حكم هو ما عرفناك من أنه السبب أو جزؤه. "فهذا مما يدل على أن دلالة الحديث" على تحريم الملاهي "ظنية" والظني للمجتهد فيه نظرة هذا من حيث الدلالة "وأما أنها معارضة فلأنه صلى الله عليه وسلم سمع زمارة الراعي" بكسر الزاي وتخفيف الميم ككتابة اسم لفعل من الزامر يقال زمر يزمر بضم الميم وكسرها زمرا وزمر بتشديد الميم ترميزا غنى في القصب وفعلها زمارة ككتابة أفادة في القاموس "ولم يكسرها ولا بين له تحريمها" بل سد أذنيه عن سماعها "وحديثهما صحيح على الأصح" قد قال إن هذه واقعة عين قرر عليها الراعي فلا يدري على أي وجه وقع فلا تعارض ما ورد من أدلة كثيرة يفيد مجموعها التحريم. وأما قوله: "وأباح الضرب بالدف في العرس والعيد وعند قدوم الغائب ولم يأمر بكسره" فقد يقال هذه رخصة رخص فيها الأحوال لا غير فيقتصر عليها "ولا شك في كراهة ذلك في غير العرس ونحوه" مما ذكره "وإنما الكلام في صريح التحريم" الأحسن في قطعية التحريم إذ هو محل نزاعه فيما سلف "والكف عن النكير

عمن استحل ذلك من أهل العلم لأنه محرم ظني" لا نكير فيه والمصنف استطرد هذا البحث في حكم الملاهي وليس هذا محله إذ كتابه مؤلف في اصطلاح أئمة الحديث وكون الغناء محرما أو غير محرم من علوم الحديث كما لا يخفي وقد يوجد محذوفا في بعض نسخ كتابه هذا. * * *

مسألة (12) : في أخذ الحديث من الكتب

مسألة 12 [في أخذ الحديث من الكتب] من علوم الحديث يجوز "نقل الحديث من الكتب الصحيحة المعتمدة" في الصحة والضبط "لمن يسوغ له عمل بالحديث" زاد ابن الصلاح والاحتجاج به لذي مذهب1 ثم بين المصنف من الذي يسوغ له العمل بقوله "وهو العالم بشروط العمل بالحديث وكيفية الاستدلال به وجعل ابن الصلاح شرطه أن يكون ذلك الكتاب مقابلا بمقابلة ثقة على أصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة" عبارة ابن الصلاح قد قابله هو أو ثقة غيره ثم قال ليحصل بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول "قال" الشيخ محي "الدين النووي فأن قابلها بأصل معتمد محقق أجزاه2" قال الزين وفي كلام ابن الصلاح في موضوع آخر ما يدل على عدم اعتبار ذلك3. قلت: المعتبر حصول الظن فإن كان الأصل صحيحا عليه خط إمام من الأئمة أو جماعة أجزأه وإن كان ليس كذلك فلا بد من ضم أصول غليه ليحصل الظن بالصحة. "قال زين الدين: وقال بان الصلاح في قسم الحسن حين ذكر أن نسخ الترمذي تختلف في قوله حسن أو حسن صحيح أو نحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه فقوله فينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك" أي تعدد النسخ "وإنما هو مشعب وهو كذلك". قال الحافظ ابن حجر تعقبا لشيخه ما لفظه ليس بين كلامه أي ابن الصلاح هنا مناقضة بل كلامه هنا مبني على ما ذهب إليه من عدم الاستدلال بإدراك الصحيح بمجرد

_ 1 علوم الحديث ص 43. 2 التقريب والتيسير 1/150. 3 التقييد والإيضاح ص 43.

الأسانيد لأنه علل صحة ذلك بأنه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللا فقصية ذلك إلا يعتمد على أحدها بل يعتمد على مجموع ما تنفق عليه الأصول المتعددة ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد وغما قوله في الموضع الآخر ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول فلا ينافي كلامه المتقدم لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضا انتهى. قلت: ومراده بالعبارة ينبغي وقد وقعت في اللازم في حديث: "إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد" 1 مع ورودها في لفظ آخر بلفظ لا تحل ولكن الزين قد مرض ما قاله بقوله قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك فلم يجزم بإشارته إنما لا حط مجرد الاحتمال ثم استدل الزين لمختاره بما نقله بقوله "قال الحافظ أبو بكر محمد بن خير2" بالمعجمة فمثناة تحتية ابن عمر الأموي بفتح الهمزة الأشبيلي وهو خال أبي القاسم السهيلي قال: "وقد اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 3 رواه الجم الغفير من الصحابة قبل أربعون وقيل اثنان وستون ومنهم العشرة المبشرة بالجنة ولم يزل العدد على التوالي في ازدياد "وفي بعض الروايات علي مطلقا من غير تقييد" بالتعمد. "قلت: ومن روى بالوجادة الصحيحة فقد صار الحديث له مرويا بأوسط وجوه الروايات كما سيأتي في باب الوجادة" وهي أن يجد بخطه أو بخط شيخه أو خط من أدركه من الثقات فيأخذ حظا من الاتصال وإن كانت منقطعة في الحقيقة ويقول إذا روي وجدت بخط فلان ويأتي كلام المصنف تاما في ذلك فهذا بعضه "فلا معنى لاعتراض زين الدين بذلك على ابن الصلاح والنووي" لا يعزب عنك أن الزين نقل عن الأموري الأشبيلي الاتفاق على أنه لا يصح لمسلم أن يقول: قال رسول الله صلى الله

_ 1 مسلم في: الزكاة حديث 167, 168. وأبو داود في: الإمارة ب 20. والنسائي في: الزكاة ب 95. وأحمد 3/402. 2 أبو بكر محمد بن خير الأشبيلي كان محدثا متقنا أديبا نحويا لغويا ولم يكن له نظير في هذا الشأن مات سنة 575هـ. له ترجمة في: العبر4/225. وتذكرة الحفاظ 4/1366. 3 البخاري 1/38. وأبو داود 3651. وأحمد 1/78, 167.

عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القوم مرويا ولو على أقل وجوه الروايات فلعله يقول من روي بالوجاده فقد روي على وجه من وجوه الرواية ولعله المراد بأقلها فهو حينئذ داخل تحت شرط الاتفاق فليس كلام الزين اعتراضا على ابن الصلاح ومن تبعه لأن ابن الصلاح شرط في النقل مقابلة المنقول منه على أصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة وهذا نقل بوجادة صحيحة ثم نقل الزين تقرير ذلك عن الأموي وأنه اتفاق فأين الاعتراض إلا أنه لا يخفي أن كلام الأموي في الرواية عنه صلى الله عليه وسلم جزما ونسبة الحديث إليه وكلام ابن الصلاح في النقل والنقل أعم من الرواية إذ قد يكون للعمل لا للرواية ولهم في العمل شرائط غير شرائط الرواية كن يأتي وقد يقال أنه إذا امتنع في الوجادة أن يقال حدثنا امتنع فيما أن يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وحينئذ فلا تكون الوجادة طريقا للرواية بلفظ قال فلا يفسر بها أقل وجوه الرواية في كلام الأموي فتأمل. "وأما قوله في بعض الروايات من كذب علي مطلقا من غير تقييد فالمطلق يحمل على المقيد" فيكون الحكم للمقيد "وشواهد هذا التقييد كثيرة في القرآن" {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . ونحوها وكثيرة في السنة: "رفع عن أمتي الخطأ" 1 ونحوه "ولم يسلم من الوهم في الروايات أحد من الثقات غالبا والله أعلم" قد عرفت أن الكذب عند الجمهور ما لم يطابق الواقع فمن أخبر به متعمدا كان كاذبا آثما ومن أخبر به غير متعمد كان كاذبا غير آثما فالواهم غير آثم قطعا. إذا عرفت هذا فالراوي بالسماع عن الشيوخ مثلا حاك عنهم أنهم قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فهو غير كاذب قطعا ولو فرض أن الحديث كذب في نفس الأمر وكذا من رواه بأي الطرق الآتية فإنه راو لما كاتبه به فلان أو وجد بخطه أو أجاز له أن يروى عنه. نعم لا بد أن يعرف من حدثه أو وجد بخطه صادق فيا رواه وإلا كان راويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجوز أنه كذب وراوي الكذب أحد الكذابين.

_ 1 ابن ماجة في: الطلاق: ب 16.

مسألة (13) : في بيان القسم الثاني: وهو الحديث الحسن

مسألة 13 [في بيان القسم الثاني: وهو الحديث الحسن] ولما فرع المصنف من التكلم على الصحيح أخذ في التكلم على الحسن فقال "القسم الثاني الحسن" تقدم له أنه قسم الخطأ بي الحديث إلى ثلاثة أقسام ثانيهما الحسن. قال الشيخ تقي الدين بن تيمية إثبات الحسن اصطلاح للترمذي وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح ثم قد يكون متروكا هو أن يكون رواية متهما أو كثير الغلط وقد يكون حسنا بأن لا يتهم بالكذب قال وهذا معنى قول أحمد العمل بالضعيف أولى من صحاب القياس "وفيه" أي وفي هذا البحث المذكور فيه الحسن "ذكر شروط أهل السنن الأربعة" وشروط "أهل المسانيد وغيرهم" كأنه يريد أهل الأطراف. "اختلفت أقوال الأئمة" من أهل الحديث "في حد الحديث الحسن فقال" في تعريفه "أبو سليمان الخطابي الحسن ما عرف مخرجه" بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء قال الحافظ ابن حجر إنه فسر القاضي أبو بكر بن العربي مخرج الحديث بأن يكون الحديث من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلد كقتاة في البصريين وأبي اسحق السبيعي في الكوفيين وعطاء في المكيين وأمثالهم فإن حديث البصريين إذا جاء عن قتادة مثلا كان مخرجه معروفا وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذا "واشتهر رجاله" أي كان رجال سنده مشهورين غير مستورين وعرفه الحافظ في النخبة بتعريف الصحيح وإنما فرق بينهما بخفة الضبط في رجال الحسن ومثله صنع المصنف في مختصره في علوم الحديث "وعليه مدار أكثر أهل الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء انتهى كلام الخطابي قال زين الدين: ورأيت في كلام بعض المتأخرين أن قوله ما عرف مخرجه احتراز عن المنقطع وعن حديث المدلس قبل أن يبين تدليسه" لا يخفي أن كلام ابن العربي الذي نقلناه آنفا دال على أنه خرج بذلك

القيد الشاذ. "قال الشيخ تقي الدين" ابن دقيق العيد "ليس في عبارة الخطابي كثير تلخيص وأيضا فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر رجاله فيدخل الصحيح في حد الحسن" على تعريف الخطابي قال الشيخ تقي الدين متأولا للخطابي "وكأنه" أي الخطابي "يريد ما لم يبلغ درجة الصحيح" قد أجاب عن هذا الشيخ أبو سعيد العلائي فقال إنما يتوجه الاعتراض على الخطابي أن لو كان عرف الحسن فقط أما وقد عرف الصحيح أولا ثم عرف الحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله عرف مخرجه واشتهر رجاله ما لم يبلغ درجة الصحيح ويعرف هذا من مجموع كلامه انتهى. قلت: هذا هو الجواب الذي أشار إليه الشيخ تقي الدين آخرا لكنه أورد عليه الحافظ ابن حجر أنه على تسليم هذا الجواب فهذا القدر غير منضبط انتهى. قلت: ويقال للحافظ وكذلك تعريفك الحسن في النخبة وشرحها بقولك فإن خف الضبط أي قل مع بقية الشروط المتقدمة في حد الصحيح فحسن لذاته غير منضبط أيضا فإن خفة الضبط أمر مجهول ومثله تعريف المصنف له في مختصره والجواب بأنه مبني على العرف أو على المشهور غير نافع إذ لا عرف في مقدار خفة الضبط. "قال الشيخ تاج الدين التبريزي في كلام الشيخ تقي الدين نظر لأنه ذكر من بعد أن الصحيح أخص من الحسن ودخول الخاص" وهو الصحيح هنا في "حد العام" وهو الحسن هنا "أمر ضروري" لوجود العام في ضمن قيود الخاص ضرورة أن الخاص هو العام وزيادة "والتقييد بما يخرجه" أي الخاص "عنه" أي عن حد العام "مخل للحد" فإنه ليس ذلك حقيقة العام والخاص. "قال زين الدين: وهو اعتراض متجه" قال الحافظ بن حجر بين الحسن والصحيح عموم وخصوص من توجه وذلك بين واضح لمن تدبره فلا يرد اعتراض التبريزي إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في الحسن انتهى. "قلت: بل هو" أي تنظير التبريزي "اعتراض غير متجه" على ابن دقيق العيد "لأن العموم والخصوص إنما يقع على الحقيقة في الحدود الحقيقية المعرفة للذوات المركبة المشتملة على الأجناس والفصول وليس في الحديث الصحيح والحسن شيء من ذلك" قد عرفت مما سلف أن رسم الصحيح ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله ...

إلخ ورسم الحسن بأنه ما اتصل سنده برواية من خف ضبطه إلى آخره فقيد الضبط قد أخذ في الرسمين إنما اختلفت صفة خفته وخلافها فقد تغايرا تغاير الخاص والعام فكل صحيح حسن وزيادة كما أن كل إنسان حيوان وزيادة والعموم والخصوص يجري بين المفاهيم عرضية كانت أو ذاتية نعم رسم الترمذي للحسن على ما سنحققه مغاير لرسم الصحيح مغايرة ظاهرة فإنه لا يشترط فيه الاتصال الذي لا بد منه في الصحيح لعدم اشتراطه في رجال ما يشترط في رجال الصحيح فأما قول الحفاظ إن بينهما عموما وخصوصا من وجه فلا يتم على تقدير إرادة الحسن لذاته أو الحسن لغيره بل على الأول بينهما عموم وخصوص مطلق وعلى الثاني: بينهما تباين كما ستعرفه وقول المصنف "لأن لكل واحد منهما" أي من الصحيح والحسن "أمارة يجب العمل عندها وبعضها أقوى في الظن من الأخرى" صحيح لكنه لا ينافي كون أحدهما أخص من الآخر بل فيه الإقرار بأنه قد جمعهما وجوب العمل كما يجمع العام والخاص أمر يعمهما ثم يفترقان بأمر يختص به أحدهما "لا أن القوية" أي الإمارة القوية هي أمارة الصحيح "متركبة من الضعيفة" وهي أمارة الحسن "ومن أمر آخر" أي كما هو شأن الذاتيات مثل الإنسان والحيوان فإن الخاص مركب من الأعم بزيادة قيد الناطقية مثلا ويجاب بأنه قد حصل في مفهوم الرسمين من التغاير ما يحصل بين العام والخاص وأما كونه ذاتيا أو غير ذاتي فليس التغاير يختص بالذاتيات بل يقع بين المفاهيم وهو المراد هنا وقوله "فإن الحديث الصحيح المروي عن ابن سيرين لم يتركب من الحديث الحسن المروي عن ابن اسحق ومن الحديث الصحيح المروي عن ابن سيرين وأمثال ذلك" خارج عم محل النزاع إذ الكلام في رسم الصحيح والحسن ومفهومها لا في معروضها فهو انتقال من المعارض وهو الصحيح والحسن إلى المعروض وهو أفراد الأسانيد. "وبالجملة فالحد الحقيقي" أي التام وهو الذي يجمع الجنس والفصل القريبين والناقص من الحد ما كان بالجنس البعيد والفصل القريب والرسم التام ما كان بالجنس القريب والخاصة والرسم الناقص ما كان بالخاصة وحدها أو بها وبالجنس البعيد "متعذر هنا" بل قد قيل إنه غير مقطوع به في مثل الحيوان الناطق الذي جزم به المناطقة بأنه حد حقيقي لجواز أنهما ليسا ذاتيين وعلى تجويز ذلك فيجوز أنهما غير قريبين "وإنما تفيد تمييز الاعتبارات المصطلح عليها بعضها من بعض" قد قدمنا لك هذا بعينه

في أو ل بحث الصحيح فتذكر "وذكر الحدود المحققة أمر أجنبي عن هذا الفن فال حاجة إلى التطويل فيه" قد عرفت قريبا أقسام التعريف الأربعة للحد والرسم إلا أن هاهنا بحثا وهو أن الرسوم يقال لها تعاريف كما يقال للحدود إذ تعريف الشيء هو الذي يلزم من تصوره تصور ذلك الشيء أو امتيازه عن كل ما عداه كما هو معروف في كتب الميزان الرسالة الشمسية وغيرها فالرسوم لا بد فيها من جنس قريب وخاصة وهو التام أو خاصة فقط أو مع الجنس البعيد وهو الناقص فإذا عرفت هذا عرفت أن العموم والخصوص يجري في الرسوم كما يجري في الحدود. "وقال أبو عيسى الترمذي" وهو محمد بن سورة "في العلل التي في أواخر الجامع ما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده وحقيقته" عنده "هو كل حديث يروى ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروي من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حسن" قلت: قد أورد على كلام الترمذي أنه لا حاجة إلى قوله ولا يكون شاذا إذ قوله ويروى من غير وجه يغني عنه وقال الحافظ ابن حجر ليس في كلامه تكرار والشاذ عنده ما خالف فيه الراوي من هو أحفظ منه أو أكثر سواء تفرد به أو لم يتفرد كما سرح به الشافعي وقوله ويروي من غير وجه شرط زائد على ذلك وإنما يتمشى ذلك على رأي من يزعم أن الشاذ ما تفرد به الراوي مطلقا وحمل كلام الترمذي على الأول أولى لأن الحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد سيما في التعاريف انتهى. "قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المواق" عبارة الزين ابن المواق معترضا على الترمذي "لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح" فإن شرائط الحسن هذه لا بد منها في الصحيح "فلا يكون" الحديث "صحيحا إلا وهو غير شاذ" كما عرفت في رسم الصحيح "ويكون رواته غير متهمين" لأنا قلنا في رسمه بنقل العدل الضابط والمتهم غير عدل "بل ثقات فظهر من هذا" الرسم الذي ذكره الترمذي للحسن "أن الحسن عند أبي عيسى صفى لا تخص هذا القسم بل قد يشركه فيه الصحيح قال" أبو عبد الله "فكل الصحيح عنده حسن وليس كل حسن عنده صحيحا" ظاهر كلامه أن الترمذي أتى بقيود الصحيح في رسم الحسن ولم يميزه بقيد يخصه به وإذا كان كذلك فقياسه أن يقول فكل صحيح حسن وكل حسن صحيح. "قلت: هذا" أي القول بالأعمية والأخصية المطلقة "مثل كلام تاج الدين" التبريزي

"المقدم" وقد رده المصنف بما رددناه "وليس ما قاله" ابن الموإق "بلازم للترمذي" من اتحاد الصحيح والحسن "لأنه يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة". قلت: كلامهم كلهم ومنهم المصنف في مختصره وقد نقلنا عبارته قاض بأنه لا يخالف الحسن الصحيح إلا بخفة ضبط رواته لا بضعف العدالة على أن في تحقق ضعف العدالة تأملا لا يخفي "وقوة الحفظ والإتقان" هذا صحيح وبهذا تعرف أن الحسن يتميز عن الصحيح بزيادة شروط في القيود ولا يخفي أن الحافظ ابن حجر والمصنف لم يفرقا بين الصحيح والحسن إلا بخفة ضبط الراوي فقط وزاد المصنف هنا الإتقان في شرائط رواة الصحيح ولم يذكره فيما مضى إلا أن يقال إن قولهم في حد الصحيح الضبط التام عبارة تفيد شرطية الإتقان "ما لا يشترط في رجال الحسن" حينئذ فالحسن يتميز عن الصحيح بزيادة قيود في شروط الصحيح وقد عرفت غير مرة أنه لم يفرق المصنف والحافظ ابن حجر بين الحسن والصحيح إلا بخفة ضبط الراوي لا غير. "ولكن يعترض عليه" أي على الترمذي "كونه لم يورد ذلك" أي لم يورد ما يدل على اشتراطه بقوة رجال الصحيح عدالة وحفظا وإتقانا وقد يقال إذا لم يورد ذلك فبأي شيء عرف أنه يشترطه فأجاب بأنه "يمكن أن يجاب عنه بأنه مفهوم من عبارته حيث شرط في رجال الحسن أن يكونوا غير متهمين بالكذب لأن الثقة الحافظ لا يوصف في عرف المحدثين بأنه غير متهم بالكذب فقط لأن عدم التهمة بذلك قد يوصف بها الضعفاء" الذين ضعفوا بسوء الحفظ أو الغفلة أو نحو ذلك "وقد بين مراده بقوله بعد ذلك ويروي من غير وجه نحو ذلك يعني حتى ينجبر ما فيه من الضعف" فإنه لما خص رسم الحسن بهذا الاشتراط كان قرينة قوية على مراده في صفات رجاله وإلا لو حملنا صفة رجال الصحيح للزم من زيادة هذا القيد أن يكون الحسن أقوى من الصحيح والمعلوم خلافه على أنه لا يتم هذا إلا في القسم الثاني: من الحسن كما ستعرفه من كالم المصنف "وغرض الترمذي إفهام مراده لا التحديد المنطقي فلا اعتراض عليه بمناقشات أهل الحدود" من دعوى العموم والخصوص وقد عرفت ما فيه. "وأورد الشيخ زين الدين على كلام الترمذي هذا سؤلا متجها" وذلك أنه شرط في الحديث أن يروي من غير وجه "وهو أنه قد حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد

كحديث إسرائيل" بن يونس بن أبي اسحق السبيعي "عن يوسف بن أبي بردة" بن أبي موسى الأشعري "عن أبيه" أبي بردة "عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك قال" الترمذي "فيه" بعد روايته له "حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف عن أبي برده ولا يعرف في هذا إلا حديث عائشة" فوصفه بالحسن مع تصريحه بأنه لا يعرف هذا الباب غيره فدل على أنه لم يأتي من وجه آخر فكان نقضا لما رسم به الحسن. "وأجاب الشيخ أو الفتح اليعمري عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير ما كان روايته في درجة المستور" ويأتي تعريفه "ومن لم تثبت عدالته" ولا يخفي أن هذا زيادة قيد لم صرح به الترمذي "وأكثر ما في الباب من أن الترمذي عرف الحسن بنوع منه لا بكل أنواعه" والنوع الذي قد عرفه وهو ما كان في رواته مستور ومن لم تثبت عدالته وحديث عائشة هذا ليس فيه مستور ولا من لم تثبت عدالته. "قلت: أظن أن أبا الفتح يريد أن الغرابة في الحديث إنما هي في رواية يوسف له عن أبيه عن عائشة ولم يتابع يوسف على هذا أحج ويوسف ثقة بغير خلاف" وإذا كان كذلك فلا يشترط أن يأتي من وجه آخر "وأما إسرائيل فمختلف فيه" فلا بد بالنظر إليه من إتيان الحديث من وجه آخر وهذا مبني على أن مراده أي أبي الفتح اليعمري بقوله ومن لم تثبت عدالته لم يتفق على عدالته ليقابله المصنف بقوله مختلف فيه "لكنه لم ينفرد" إسرائيل "بالحديث عن يوسف" حتى يلزم أنه حديث فيه من لم تثبت عدالته ولم يرو من وجه آخر بل قد رواه عن يوسف غير إسرائيل إذا عرفت هذا "فالحديث حسن" أي من هذا النوع من الحسن "بالنظر إلى رواية إسرائيل ويغره من الضعفاء" لأنه قد وجد في رواته من لم تثبت عدالته وقد روي من وجه آخر عن جماعة من الضعفاء "عن يوسف" فهو من هذا النوع أعني الحسن الذي عرفه المصنف لاجتماع الشرائط فيه "وغريب بالنظر إلى تفرد يوسف بروايته عن أبيه عن عائشة" فيتم وصفه بالحسن والغرابة لوجودهما فيه. واعلم أن إسرائيل اعتمده الشيخان في الأصول وقال الذهبي في الميزان1 هو في الثبت كالأسطوانة فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعفه وقال أحمد بن حنبل ثقة

_ 1 1/20/- 209//820.

وكان يتعجب من حفظه وقال الحافظ ابن حجر في التقريب1ثقة تكلم فيه بلا حجة وأما يوسف بن أبي برده فقال مقبول ولم يذكر فيه قدحا ولا ذكره الذهبي في الميزان لأنه ليس على شرطه. "وقال ابن الجوزي2 في العلل المتناهية وفي الموضوعات" كتاب ابن الجوزي "الحديث الذي فيه ضعف قريب3 محتمل4 هو الحديث الحسن بشرط الترمذي" الذي عرفته في التحسين. "وقال ابن الصلاح: وقد أمعنت النظر" في القاموس أمعن في الأمر أبعد وعبارته قد أمعنت النظر في ذلك والبحث "جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي" كأنه من تنقيح الشعر تهذيبه "واتضح أن الحديث الحسن" في اصطلاحهم في كلامهم "قسمان أحدهما الذي لا تخلو رجال إسناده من مستور" فسر الحافظ ابن حجر في التقريب المستور بقوله بأنه من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق قال وإليه الإشارة بلفظ مستور أو مجهول الحال وفي شرح ملاقاري للنخبة وشرحها لابن حجر أن المستور الذي لم يتحقق عدالته ولا جرحه وقال السخاوي المستور الذي لم ينقل فيه جرح ولا تعديل وكذا إذا نقلا ولم يترجح أحدهما وفي حاشية تلميذه أن الراوي إذا لم يسم كرجل سمي مبهما وإن ذكر مع عدم تمييز فهو المهمل وإن لم يتميز ولم يرو عنه إلا واحد فمجهول وإلا فمستور انتهى ويأتي

_ 1 1/64/460. 2 ابن الجوزي هو: الإمام العلامة الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن الصديقي الحنبلي الواعظ حصل له من الخطوة في الوعظ ملم يحصل لأحد قط. قال الذهبي: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه مات سنة 597. له ترجمة في: البداية والنهاية 13/28, والعبر 4/297. 3 ضعف قريب: أي ذاتي أو نسبي فهو شامل للحسن لذاته والحسن لغيره أما الحسن لذاته فهو ضعيف بالنسبة للصحيح وأما الحسن لغيره فهو ضعيف أصالة وإنما جاء الحسن مما عضده فاحتمل الضعف لوجود العاضد. ومعنى قربه: أنه غير شديد الضعف ومعنى شدة ضعفه عدم تأثيره في الاحتجاج به. حاشية الأجهوري ص 24. 4 محتمل: بضم الميم الأولى وفتح الثانية أي مغتفر أي لم يؤثر في الاحتجاج وذكره بعد قريب توكيد له. حاشية الأجهوري ص 24.

للمصنف كلام ف المستور غير هذا "لم تتحقق أهليته غير أنه لي مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث أي لم يظهر من هـ الكذب في الحديث ولا" متهم "بسبب آخر مفسق" هذا في الراوي "و" في المروي "يكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن يروي مثله أو نحوه من وجه آخر" والمثل ما يساويه في لفظه أو معناه والنحو ما يقاربه في معناه "أو أكثر حتى" يكون قد "اعتضد بمتابعة من تابع راوية على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر مثله فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا أو منكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل" قال الحافظ ابن حجر إن المعرف عند الترمذي هو حديث مستور. قلت: وهذا كما فهمه المصنف ولا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن وليس هو نفي التحقيق عند الترمذي مقصورا على رواية المستور بل يشترك فيه الضعيف بسبب سوء الحفظ والموصوف بالخطأ والغلط وحديث المختلط بعد اختلاطه والمدلس إذا عنعن وما في إسناده انقطاع خفيف فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهو أن لا يكون فيهم من يتهم بالكذب ولا يكون الإسناد شاذا وأن يروي مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدا وليس كلها في المرتبة على حد سواء بل بعضهم أقوى من بعض ومما قوي هذا ويعضده أنه لم يتعرض لمشروطية اتصال الإسناد أصلا بل أطلق ذلك ولهذا وصف كثيرا من الأحاديث المتقطعة بكونها حسانا. ثم قال فمن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية الضعيف السيئ الحفظ ما رواه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: إن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين", قالت: نعم, الحديث قال الترمذي هذا حديث حسن1 وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأبي حدرد وذكر جماعة غيرهم وعاصم بن عبيد الله قد ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وعاب ابن عيينة على شعبة الرواية عنه وقد حسن الترمذي حديثه هذا لمجيئه من غير وجه كما شرط والله أعلم.

_ 1 الترمذي 1113, وأحمد 3/445, والبيهقي 7/138, وابن عساكر 7/127.

ومثال ما حسنه وهو من رواية الضعيف الموصوف بالخطأ والغلط ما أخرجه من طريق عيسى بن يونس عن مجالد بن أبي الوداك عن أبي سعيد قال كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت آية المائدة سألت رسول لله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنه ليتيم, فقال صلى الله عليه وسلم: "أهر يقوه ... ", الحديث فقال هذا حديث حسن1. قلت: ومجالد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من حديث أنس وغيره. ثم قال ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية من سمع من مختلط بعد اختلاطه ما رواه من طريق يزيد بن هارون عن المسعودي عن زياد بن علاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام فلم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا حديث حسن2. قلت: والمسعودي اسمه عبد الرحمن وهو ممن وصف بالاختلاط وكان سماع يزيد بعد أن اختلط وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من أوجه أخر بعضهما عند المصنف أيضا ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية مدلس قد عنعن ما رواه من طريق يحيى بن سعيد عن المثني بن سعيد عن قتادة عن عبد الله بن بربده عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "المؤمن يموت بعرق الجبين", قال هذا حديث حسن3 وقد قال بعض أهل العلم لم يسمع قتادة من عبد الله بن بريدة. قلت: وهو عصريه وبلديه كلاهما من أهل البصرة ولو صح أنه سمع منه فقتادة مدلس معروف بالتدليس وقد روي هذا بصيغة العنعنة وإنما وصفه بالحسن لأن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود وغيره. ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو منقطع الإسناد ما رواه من طريق عمرو ابن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال

_ 1 البخاري 5/167, ومسلم في: الصيد: حديث 33, وابن ماجة 3195. وأبو داود في: الأشربة: ب 7. 2الترمذي في: الصلاة: ب 152. حديث: 364. وأحمد 4/253. 3 الترمذي 982. والنسائي 4/6. وابن ماجة 1452. وأحمد 5/357, 360.

لعمر في العباس رضي الله عنه: "إن عم الرجل صنو أبيه" وكان عمر تكلم في صدقته وقال هذا حديث حسن1. قلت: أبو البختري اسمه سعيد بن فيروز ولم يسمع من علي رضي الله عنه فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن لأن له شواهد مشهورة من حديث بريدة وغيره. وأمثلة ذلك عنده كثيرة ثم ساق الحافظ منها شطرا صالحا وذكر تصريح الترمذي بوصفه لأحاديث بالحسن مع تصريحه بانقطاعها فإنه قال في محلات هذا حديث حسن وليس إسناده بمتصل ثم قال الحافظ وذلك مصير منه إلى أن الصورة الاجتماعية لها تأثير في التقوية وإذا تقرر ذلك كان من رأيه أي الترمذي أن جميع ذلك إذا اعتضد بمجيئه من أوده أخر نزل منزلة الحسن احتمل أن لا يوافقه غيره على هذا الرأي أو يبادر للإنكار عليه ما إذا وصف حديث الراوي الضعيف أو ما إسناده منقطع بكون حسنا فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصح عن مقصده فيه. انتهى. قلت: وبه تعرف عدم ورود ما أورده بدر الدين ابن جماعة على ابن الصلاح أنه يلزم حيث نزل كلام الترمذي على هذا القسم دخول المرسل والمنقطع في رسم الحسن عند الترمذي إذا كان في رجالهما مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر لما عرفت من التزامه دخول ذلك في رسم الحسن إذا روي من وجه آخر حسن لأنه لا يشترط الاتصال في الحسن وهو شرط في الصحيح اتفاقا وتعرف أيضا أن الحسن على اصطلاحه غير الحسن على اصطلاح الحافظ ابن حجر والمصنف كما أشرنا إلى ذلك. "القسم الثاني": من الحسن "أن يكون رواية من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لا يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به منكرا قال" أي ابن الصلاح "ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا أو منكرا سلامته" نائب يعتبر "من أن يكون معللا وعلى القسم الثاني: ينزل كلام الخطابي" حيث قال الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله كما نقله عنه المصنف آنفا "قال" أي ابن الصلاح "فهذا كلام جامع لما تفرق في كلام من

_ 1 الترمذي في: المناقب ب 28. ومسلم في: الزكاة حديث 11. وأحمد 1/94.

بلغنا كلامه في ذلك قال وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن" بتعريفه الماضي "وذكر الخطابي" فيما مضى من كلامه "النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه مشكل أو أنه غفل عن البعض" أي غفل كل واحد من الترمذي والخطابي عما تركه "وذهل انتهى كلام ابن الصلاح في تعريف الحسن". قال الحافظ ابن حجر بين الترمذي والخطابي في ذلك فرق وذلك أن الخطابي قصد تعريف الأنواع الثالثة عند أهل الحديث فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف وأما الذي سكت عنه وهو حديث المستور إذا أتى من غير وجه فإنما سكت عنه لأنه عنده ليس من قبيل الحسن فقد صرح بأن رواية المجهول م قسم الضعيف وأطلق ذلك ولم يفصل والمستور قسم من المجهول وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة عند أهل الحديث بدليل أنه لم يعرف بالصحيح ولا بالضعيف بل ولا بالحسن المتفق على كونه حسنا بل المعروف عنده هو حديث المستور على ما فهمه المصنف ولا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن. "قال" أي ابن الصلاح "ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به قال وهو الظاهر من تصرفات الحاكم وهو لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم فهو إذا اختلاف في العبارة انتهى". واعلم أنه تحصل من الأبحاث السابقة أن الحسن قسمان: حسن لذاته وهو الذي قصد الخطابي تعريفه والذي عرفه الحافظ ابن حجر في النخبة والمصنف في مختصره فإنهما رسما الصحيح برسمه المعروف ثم قال فإن خف الضبط فهو حسن لذاته وظاهر كلامهما أنه لا يفارق الصحيح إلا بخفة الضبط لا غير ولذا قال ابن الصلاح: إن رجاله رجال الصحيح لكنهم يقصرون عنهم في الحفظ والإتقان وهذا هو الذي يقال إنه أعم من الصحيح مطلقا والصحيح أخص منه وهذا القسم يشترط فيه الاتصال ولذا نقل المصنف عن البعض أن قول الخطابي ما عرف مخرجه احتراز عن المنقطع وهذا هو القسم الثاني: الذي ذكره ابن الصلاح فيما نقله عنه المصنف ونزل عليه كلام الخطابي وهذا القسم لم يتعرض له الترمذي إذ ليس من اصطلاحه وهو الذي أدرجه بعض المحدثين في الصحيح والقسم الثاني: هو ما وقع عليه اصطلاح الترمذي وهو الذي لم يشترط فيه الاتصال ولا عدم تدليس راوية ولا وصفة بالغلط والخطأ ولا عدم ضعفه ولا عدم سماع الراوي من شيخه بعد

الاختلاط كم قررناه كله بأمثلته عن كلامه وإنما اشترط أن يروي من غير وجه نحو ذلك فهذا يوصف بالحسن عند الترمذي وهو بهذا الرسم مباين للصحيح لا يلاقيه بعموم ولا خصوص مباين للحسن أيضا المعنى الأول. قلت: ومن هنا تعرف أن كلام ابن المواق غير صحيح حيث زعم أن كل صحيح عند الترمذي حسن وليس كل حسن صحيحا بل هما عنده متباينان إن كان رأي ابن المواق في الصحيح رأي الجمهور وإنما هذا العموم والخصوص يجري في الحسن لذاته الذي رسمه الخطابي وغيره وتعرف أن قول المصنف فيما سلف إن الترمذي يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن غير صحيح فإن الترمذي لم يشترط في رجال الحسن إلا عدم التهمة بالكذب ولم يشترط عدالة ولا إتقانا لا قويا ولا ضعيفا وكيف يشترطهما وقد جعل من أقسام الحسن رواية الضعيف الموصوف بالغلط والخطأ ورواية من روي عمن سمع عن المختلط ما سمعه منه اختلاطه وكيف وهو لا يخلو رجال إسناده عن مستور والمستور من لم يوثق وإنما هذه القيود التي ذكرها المصنف قيود الحسن لذاته فسافر ذهنه الشريف من أحد الحسنين إلى الآخر فوصف ما هو حسن بالغير بصفة ما هو حسن بالذات. تنبيه عرف المصنف الحسن في مختصره بقوله فإن خف وكان له من جنسه تابع أو شاهد فالحسن وعرفه الحافظ ابن حجر في النخبة1 بقوله فإن خف الضبط فهو الحسن لذاته وقد عرفت مما قدمناه أن الحسن لذاته لا يحتاج إلى شاهد وتابع وهذا هو الحسن لذاته الذي عرفه الخطابي. والثاني: وهو الذي يحتاج إلى شاهد وتابع هو الحسن لغيره وهذا هو الذي أراده الترمذي وحملوا عليه عبارة الترمذي فإذا عرفت هذا عرفت أن المصنف رحمه الله خلط التعريفين فأخذ خفة الضبط من رسم الحسن لذاته وأخذ اعتبار الشاهد والتابع من رسم الحسن لغيره فإن الحسن للغير لا يلاحظ فيه خفة ضبط رواته بل يقبل مع حصول ضعف الراوي أو غلطه كما لا يلاحظ الشاهد أو التابع في رسم الحسن لذاته فرسم المصنف غير صحيح على التقديرين ولا يقال هذا اصطلاح له لأنه بصدد بيان اصطلاح أئمة الحديث.

_ 1 ص 33.

"فإن قيل هل يجوز العمل بما حكم الترمذي بتحسينه وتصحيحه" لإخفاء أن الكلام في تحسين الترمذي فذكر تصحيحه استطراد لأجل العلة المذكورة "فإن ابن حزم قد زعم أنه" أي الترمذي "مجهول" والمجهول لا يعتبر تحسينه ولا تصحيحه "وأن الحفاظ قد يعترضونه في بعض ما يحسنه أو يصححه" ويثبتون أنه يصحح حديث من لم يجتمع فيه صفات رواة الصحيح ويحسن حديث من ليس حديثه بحسن "مثل حديث الصلح جائز بين السملين فإنه رواه" الترمذي1 "من طريق كثير" بالمثلثة "ابن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني المدني ثم صححه وهذا الرجل" يعني كثيرا "متروك بالمرة ولم ينقل له توثيق عن أحد من أهل الحديث بل قال الشافعي وأبو داود إنه ركن من أركان الكذب وقال ابن حبان له رواية عن أبيه عن جده نسخة موضوعة" قال الذهبي في ترجمته في الميزان2 قال ابن معين ليس بشيء وضرب أحمد على حديثه وقال الدارقطني وغيره متروك وقال أبو حاتم ليس بالمتين وقال النسائي ليس بثقة. "وقال الذهبي" في الميزان "وأما الترمذي فروى له حديث: "الصلح جائز يبن المسلين" وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي انتهى كلامه في الميزان في ترجمة كثير بين عبد الله المذكور قلنا قد قال الذهبي" في الميزان "في ترجمة الترمذي إنه حافظ علم ثقة مجمع عليه ولا الثقات إلى قول أبي بكر محمد بن حزم فيه إنه مجهول فإنه ما عرفه ولا درى بوجود الجامع ولا" كتاب "العلل التي له انتهى كلامه". وقال الذهبي في التذكرة قال ابن حبان3 في كتاب الثقات كان الترمذي ممن جمع وصنف وحفظ وقال أبو سعيد الإدريسي كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ وقال الحاكم: سمعت عمر بن علك يقول مات البخاري ولم يخلف بخرسان مثل أبي سعيد في العلم والحفظ والورع والزهد بكى حتى عمي وصار ضريرا سنين.

_ 1 رقم 1352. وأبو داود 3594. وابن ماجة 2352. وأحمد 2/366. 2 3/407/6943. 3 ابن حبان هو: الحافظ العلامة أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي صاحب التصانيف ولي قضاء سمرقند وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار عالما بالنجوم والطب وفنون العلم مات سنة 354. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/295. وشذرات الذهب 3/16. والنجوم الزاهرة 3/342.

وقال فيها أيضا قال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفي الجامع يريد كتاب الترمذي على أربعة أقسام قسم مقطوع بصحته وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا وقسم أخرجه الصدر وأبان عن علته وقسم رابع أبان عنه فقال ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء وقال فيها قال الترمذي صنفت كتابي هذا وعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به ومن كان في بيته هذا الكتاب يعني الجماع فكأنما في بيته نبي يتكلم. انتهى. "وفيه" أي في كلام الذهبي "ما يدل على جواز الاعتماد على تصحيح الترمذي وتحسينه لانعقاد الإجماع" الذي حكاه الذهبي "على ثقته وحفظه في الجملة ولكنه لما ندر منه الغلط الفاحش استحسنوا اجتناب ما صحح أو حسن" ولما كان ظاهر كلام الذهبي التدافع وأنه لا يقبل تصحيح الترمذي ولا تحسينه ودفعه المصنف بقوله "وأما قول الذهبي أن العلماء لا يعتمدون على تصحيحه فلعله يريد لا يعتمدون على تصحيحه فيما روي عن كثير بن عبد الله كما ذلك موجود في بعض النسخ" أي من الميزان "وقد قال ابن كثير الحافظ في إرشاده وقد نوقش الترمذي في تصحيح هذا الحديث" ففي عبارته إرشاد إلي أن المناقشة في تصحيح هذا الحديث بخصوصه لا في كل ما صححه. "قلت: هذا خطأ نادر والعصمة مرتفعة من الأئمة الحفاظ والعلماء وقد نص مسلم أنه ربما أخرج الحديث في صحيحه من طريق ضعيف لعلوه والحديث معروف عند أئمة هذا الشأن من ريق العدول ولكن بإسناد نازل روي هذا النووي في شرح مسلم عن مسلم تنصيصا" عن أسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى المصري فقال مسلم إنما أدخلت من حديث أسباط وقطن وأحمد ما قد روي الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلى عنهم بارتفاع ويكون عندي رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك وأصل الحديث معروف من رواية الثقات انتهى "وكذا الترمذي يحتمل أنه صحح هذا الحديث لثبوته من غير طريق كثير بن عبد الله المزني هذا فالحديث روي من غير طريق" أي من طرق كثيرة "وقد رواه الحاكم أبو عبد الله في مستدركه من طريق كثير بن زيد المدني عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعا" في الميزان كثير بن زيد الأسامي المدني قال أبو زرعة صدوق فيه ليس وقال النسائي ضعيف والوليد بن

رباح بالراء والموحدة آخره مهملة قال في التقريب صدوق ولم يذكره الذهبي في الميزان. "وقال الحاكم: صحيح على شرطهما" ولكن كثير بن زيد لم يخرجا له "وهو مقرون بعبد الله بن الحسين المصيصي" نسبة إلى مصيصة بمهملتين بينهما مثناة تحتية بزنة سفينة ولا تشدد بلد الشام كما في القاموس قال في الميزان في ترجمة عبد الله بن الحسين المصيصي قال ابن حبان يسرق الأخبار ويقلبها ولا يحتج بما انفرد به فقول المصنف "وهو ثقة" عجيب فلم يوثقه أحد في الميزان ولا ذكره الحافظ في التقريب "وأخرج الحاكم له شاهدين عن أنس وعائشة رواهما من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن الجزري" في الميزان عبد العزيز بن عبد الرحمن النابلسي عن خصيف اتهمه أحمد وقال النسائي ليس بثقة وضرب أحمد على حديثه عن خصيف بالمعجمة فصاد مهملة مصغر في التقريب أنه صدوق سيئ الحفظ خلط بأخرى رمي بالإرجاء وفي الميزان إنه ضعفه أحمد وقال مرة ليس بقوي وقال ابن معين صالح وقال مرة ثقة. إذا عرفت هذا فقد وقع للمصنف سبق قلم يجعله عبد العزيز جزريا وهو نابلسي وإنما الجزري خصوف ثم قد عرفت أن المصنف أراد حمل تصحيح الترمذي لحديث كثير على ما قاله مسلم إذا روى الحديث عن ضعيف فهو لعلوه هو ثابت عن العدول بنزول وهذه الطرق الثلاث التي ساقها المصنف كلها لا تخلو عن مقال فلم يثبت حديث كثير عن العدول حتى يكون صحيحا على نحو ما قاله المصنف بل غابة ما تفيده هذه الطرق أن تصيره حسنا لغيره على رأي الترمذي على أنه لا يصح ذلك هنا على رأيه لأنه إما جعل حديث المستور أو الضعيف أو أحد الخمسة التي ذكرناها حسنا لغيره إذا روي من طرق وأما حديث من قال فيه الأئمة إنه ركن من أركان الكذب فلا ينطبق عليه ما قاله الترمذي من أنه حسن لغيره وحينئذ فلا يتم أن حديث كثير صحيح ولا حسن على القولين. إذا عرف هذا فلم يبق عذر للترمذي في تصحيحه لحديث كثير بن عبد الله إلا قول المصنف إن هذا خطأ نادر وإن العصمة مرتفعة عن الحفاظ والعلماء وأما هذه التكلفات التي أراد بها المصنف ترويج ما وقع من تصحيح الترمذي لحديث كثير فإنها لم تفد ما دندن حوله وقد نسبه إلى غيره بقوله "ذكر ذلك الإمام الحافظ تقي الدين في

كتابه الإلمام" لا شك في إمامة الشيخ تقي الدين فإن كان ما ذكره المصنف كله عنه ففيه ما سمعته من نصوص أئمة الحديثة في رجال ما ساقه من الأحاديث وأنه لا يتم معها صحة تصحيح حديث كثير ولا تحسينه. "وذكر الحافظ ابن كثير الشافعي في إرشاده أن أبا داود روى الحديث عن أبي هريرة بإسناد حسن هذا كله مع شهادة القرآن بذلك في قوله "والصلح خير" وفي قوله "أو إصلاح بين الناس" لكن عرفت أن الشواهد على تنفع في حديث من جزم بكذبه إنما تنفع فيما ذكرناه من أنواع الحسن لغيره وكأنه استشعر المصنف أنه يقال فإذا أثبت الحديث من طريق حفاظ لا مغمز فيهم فلم اختار الترمذي إيراده من طريق كثير فقال "وأما اختيار الترمذي لإسناد الحديث من طريق كثير بن عبد الله فيحتمل وجهين أحدهما أنه لم يرد بالسماع من غير طريقه وقد عرفت قوته وصحته" من طرق "بالوجادة والإجازة ومذاكرة الشيوخ" لا يخفى أن المصنف قد اجتهد في البحث عن طرقه فذكر تلك الطرق التي لم تنهض على صحته ولا حسنه "وثانيهما أن يكون قد رواه من طرق كثيرة في كل منها فقال فاكتفى بإيراد أحدهما كما قد صح عن مسلم أنه كان يفعله" يريد ما تقدم من نصه لكنه قال إنه لا يفعل ذلك إلا والحديث معروف عند أئمة هذا الشأن من رواية العدول ولم يتم هذا في حديث كثير كما عرفت "وكما صح عن أبي داود أيضا أنه كان يفعله بل قد صح عن البخاري مثل ذلك ولكنه قليل فأنه قد روى نادرا في الصحيح عمن ضعفه في تاريخه" فيه ما سلف. "ومما يدل على ذلك" أي على أن حديث كثير ثابت من غير طريقه "أن الترمذي قد روى حديث التكبير في صلاة العيدين من طريق كثير بن عبد الله هذا وحسنه" لفظ الترمذي1 ثنا مسلم بن عمرو وأبو عمر المدني ثنا عبد الله بن نافع الصائغ عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الأخرى خمسا قبل القراءة وفي الباب عن عائشة وابن عمر وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى يعني الترمذي حديث جد كثير حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم: واسمه عمرو بن عوف المزني والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب

_ 1 في: الجمعة ب 34. حديث 536.

النبي صلى الله عليه وسلم: وغيرهم وهكذا روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى في المدينة نحو هذه الصلاة وهو قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد واسحق انتهى "ولم يصححه فلو كان تصحيحه لحديث الصلح اعتمادا على كثير بن عبد الله لصحح حديثه في صلاة العيدين ولكنه حسن حديثه في صلاة العيد لقصور شواهده عن مرتبة الصحة" لا يخفى أنه ذكر الترمذي لحديث كثير شواهد عن ثلاثة من الصحابة وأنه عمل أهل المدينة وأنه ذهب غليه أربعة من أئمة المذاهب فهذه الشواهد حسنة وإن كنا عرفناك أنه لا يتم تحسين حديث من قيل إنه كذاب "وصحح حديثه" أي كثير "في الصلح لارتفاع شواهده إلى مرتبة الصحة". اعلم أنه تطابق الأئمة الثلاثة الذهبي وابن كثير والمصنف على أن الترمذي صحح حديث كثير في الصلح وراجعت الترمذي فرأيت فيه ما لفظه بابا ما جاء في الصلح حدثنا الحسن بن علي الخلال ثنا أبو عامر العقدي ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلين إلا صلحا حرما حلالا أو أحل حراما والمسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما" انتهى. بلفظه ولم يتبعه بحرف واحد من تصحيح ولا تحسين بل قال عقبه باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه ولا نسخة التي راجعناها ظاهرة الصحة فلينظر غيرها من أراد ذلك. ثم أنه لم يذكر الترمذي لحديث الصلح هذا شاهدا واحدا وذكر لحديث في تكبير العيد ما عرفت من الشواهد التي حسنه لأجلها وتحسينه له مع كثرة شواهده مما يدلك ذلك أنه لم يصحح حديثه في الصلح أصلا لأنه لم يأت له بشاهد وأما قول المصنف لارتفاع شواهده إلى مرتبة الصحة فقد عرفت أنه نقل المصنف ثلاثة شواهد لا يخلو واحد منها عن القدح فأيمرتبة صحة ترقي حديث الصلح يرتفع بها بل حديثه في تكبير العيد له شواهد أكثر مما سقناها من كلامه فلو صحح للشواهد لصححه لأجلها على أنه لم يمجعل حديث كثير في التكبير حسنا مطلقا بل قال إنه أحسن شيء روي في الباب على أن كلام المصنف هاهنا يناقض ما سلف له تقريبا من التصريح بأنه ضعيف بالمرة أي شديد الضعف مردود وذلك كأن يكون راويه متهما بالكذب فإن حديثه لا يعتد به ولا ترفعه الشواهد إلى درجة المقبول وسبق كلامه في كثير وأنه من أركان الكذب فتدبر.

"والعجب أن ابن النحوي ذكر في خلاصته" أي خلافة البدر المنير "عن البيهقي أن الترمذي قال سألت البخاري عنه يعني حديث كثير بن عبد الله في صلاة العيد فقال ليس في الباب شيء أصح منه". قلت: بل العجب أن الحافظ ابن حجر قال في تلخيص الجبير بعد ذكره لحديث عمرو بن عوف في تكبير صلاة العيد إنه قال البخاري والترمذي إنه أصح شيء في هذا الباب انتهى وقد قدمنا لك لفظ الترمذي وأنه قال أحسن شيء في هذا الباب لا أصح ولم ينقل عن البخاري تصحيحه. "وقال ابن دقيق العيد في الإلمام في هذا الحديث في صلاة العيد إن البيهقي روى عن الترمذي عن البخاري أنه صحيح لكن ابن دقيق العيد رواه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم عزاه إلى الترمذي وعقبه برواية البيهقي" التي قال فيها إنه قال البخاري إنه صحيح ومحل التعجب أن المنقول عن البخاري إنما هو تصحيح رواية كثير ابن عبد الله ونقل البيهقي عن الترمذي إنما هي في رواية كثير وهي التي أخرجها الترمذي فاتفق الشيخ تقي الدين وهما أحدهما نقل كلام البيهقي عن الترمذي عن البخاري أنه صحح رواية عمرو بن شعيب الثانية عزوه حديث عمرو بن شعيب إلى الترمذي ولم يرو الترمذي في تكبير العيد إلا حديث كثير ابن عبد الله "ورواية عمرو بن شعيب منسوبة إلى أبي داود وأحمد وابن ماجه في كثير من كتب الأحكام المستخرجة من الكتب الستة ولم يضفها أحد إلى الترمذي وكذلك هي غير موجودة في جامع الترمذي من طريق عمرو ابن شعيب والله أعلم" إنما هي عنده من طريق كثير بن عبد الله كما عرفت. واعلم أني راجعت سنن الحافظ أبي بكر البيهقي فرأيت فيه ما لفظه بعد سياقه لحديث كثير بن عبد الله قال أبو عيسى الترمذي سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال ليس في الباب شيء أصح من هذا وبه أقول وقال حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضا انتهى بلفظه فعرفت أن البخاري صحح الحديثين حديث عمرو بن شعيب وحديث كثير بن عبد الله لأن قوله وقال يريد به البخاري لأن السياق فيه إلا أنه قال في حديث كثير أنه أصح شيء في الباب وقال في حديث عمرو بن شعيب إنه صحيح.

وبعد هذا فلا عجب في نقل ابن دقيق العيد عن البيهقي عن الترمذي عن البخاري أنه قال في حديث عمرو بن شعيب إنه صحيح فإنه نقل صحيح لا عجب فيه ولا وهم وإنما العجب من المصنف حيث ظن أن كلام الترمذي في نقله عن البخاري ليس في روايته بتصحيح رواية كثير بن عبد الله بل لرواية عمرو بن شعيب ولو تأمل لفظ ابن دقيق العيد الذي نقله لعلم أنه غير اللفظ الذي قاله البخاري في رواية كثير يعين وقد نقله المصنف قريبا فإن لفظها في رواية كثير إنها أصح شيء في الباب ولفظه في تصحيح رواية عمرو ابن شعيب أنه صحيح وهذا هو اللفظ نقله ابن دقيق العيد فلو تأمل العبارتين لعلم اختلاف اللفظين. نعم عزو ابن دقيق العيد لرواية عمرو بن شعيب إلى الترمذي وهم بلا شك إن صح أنه عزاه إليه فإنا راجعنا سنن الترمذي في باب التكبير من صلاة العيد فلم نجد فيه إلا رواية كثير بن عبد الله. نعم كلامه الذي نقله عن البخاري ونقله عنه البيهقي لم نجده في جامع الترمذي وكأنه ثبت عنه في غير جامعه فإنه ليس في جامعه على ما رأيناه إلا قوله بعد سياقه لرواية كثير وهو أحسن شيء في هذا الباب ويف النسخة الأخرى أنه قال حسن صحيح ولم ينقل عن البخاري فيه شيئا وقد ذكر أن نسخ الترمذي كثيرة الاختلاف فتراجع نسخه. ثم أنه قال الحاكم: في رواية عمرو بن شعيب وكذلك ما روي عن عائشة وابن عمر وعبد العزيز وأبي هريرة أن طرقها كلها فاسدة وتقال ابن رشد في نهاية المجتهد إنما صاروا يريد في تكبير العيدين إلى الأخذ بأقاويل الصاحبة لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: فيها شيء انتهى. قلت: والمصنف قد ذكر رواية أبي هريرة وأنه قال الحاكم: إنها صحيحه على شرطهما ثم ذكر الرواية عن أنس وعائشة وقد عرفت أن الحاكم ذكر أن طرق تلك الأحاديث فاسدة وساق منها حديث أبي هريرة فعارض ما نقله عنه المصنف وإنما قال الحاكم: إن طرقها كلها فاسدة لأن في حديث عائشة ابن لهيعة قال الطحاوي في معاني الآثار ثنا ابن الجارود قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أبي واقد الليثي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: صلى بالناس يوم الفطر والأضحى وكبر في الأولى سبعا وقرأ سورة ق والقرآن

المجيد وفي الثانية خمسا وقرأ اقتربت وله طرق أخرى ساقها الطحاوي كلها تدور على ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف ولأنه اضطرب فيه فتارة يرويه عن عقيل وتارة عن خالد بن يزيد عن شهاب ومرة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة وأبي واقد. وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الطحاوي أيضا قال حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا عبدوس العطار عن الفرح بن فضالة عن عامر الأسلمي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: في تكبير العيد في الركعة الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ثم قال الطحاوي إنما تدور على عبد الله بن عامر وهو عندهم ضعيف وإنما أصل الحديث عن عمر نفسه. وأما حديث عمرو بن شعيب فإنه يدور على عبد الله بن عبد الرحمن وليس هو عندهم بالذي يحتج به هذا كلام الطحاوي. قلت: عرفت ما نقله البيهقي عن البخاري من أن حديث عمرو بن شعيب صحيح ونقله ابن دقيق العيد ونقله المصنف أيضا ويفه هذا الراوي الذي قال الطحاوي إنه لا يحتج به عندهم ورأيت في ترجمته في الميزان فقال عبد الله بن عبد الرحمن أبو يعلي الطائفي الثقفي ذكره ابن حبان في الثقات وقال لابن معين صويلح وقال مرة ضعيف وقال النسائي وغيره ليس بالقوي وكذا قال أبو حاتم قال ابن عدي أما سائر أحاديثه يعني عمرو بن شعيب فهي مستقيمة فهو ممن يكتب حديثه قال ثم خلط من بعده انتهى كلام الذهبي ثم قال الطحاوي ثم هذا أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وذلك عندهم ليس بسماع. وأما حديث أبي هريرة فقال الطحاوي ثنا أبو بكرة ثنا روح ثنا مالك وصخر بن جويرة ونافع فأما مالك فالإمام المعروف ونافع مثله وصخر بن جويرة وثقة أحمد وجماعة وقال أبن معين صالح وقال أبو داود تكلم فيه وأما روح فهو ابن عبادة القيسي فقيه حافظ مشهور من علماء أهل البصرة تكلم فيه القواريري بلا حجة حدث عن مالك سماعا وأخرج له الستة أفاد هذا الحافظ الذهبي في الميزان وأما أبو بكرة فشيخ الطحاوي لا أعرف له ترجمة إلا أنه يعتمده الطحاوي كثيرا. إذا عرفت هذا فأحسن الأحاديث في تكبير العيدين حديث أبي هريرة لما عرفت من رجال إسناده وتكون الأحاديث الأخر شواهد له فيقوي القول بهذه الصفة في

التكبير ولعل بهذه الشواهد ينهض الدليل على ذلك ولو نقل المصنف رحمه الله هذه الشواهد لحديث كثير لقللت من التهجين على الترمذي في تصحيحه حديثه إن صح أنه صححه "فهذا الكلام انسحب من ذكر شروط الترمذي في التحسين والعمل بما حسنه". اعمل أنه يظهر من كلام المصنف أنه يعمل بما حسنه الترمذي وقد عرفت مما سقناه عن الحافظ ابن حجر أنه حسن الترمذي أحاديث فيها ضعفاء وفيها من رواية المدلسين ومن كثر غلطة وغير ذلك فكيف يعمل بتحسينه وهو بهذه الصفة وقد نقل الحافظ عن الخطيب أنه قال أجمع أهل العلم على أن الخبر لا يجب قوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به قال الحافظ أيضا وقد صرح أبو الحسن بن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل الغرب في كتابه بيان الوهم والإيهام أن هذا القسم لا يحتج به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو طاهر القرآن وهذا حسن قوي رائق ما أظن منصفا يأباه ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم أن يحتج به لأنه أخرج حديث خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك وقال في كتاب العلم بعد أن أخرج حديثا في فضل العلم هذا حديث حسن وإنما لم يقل لهذا الحديث صحيح لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه فرواه بعضهم عنه فقال حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة انتهى فحكم له بالحسن للتردد الواقع فيه وامتنع عن الحكم عليه بالصحة لذلك لكن في كل من المثالين نظر لاحتمال أن يكون سبب تحسينه لهما أنهما جاءا من وجه آخر كما تقدم تقريره لكن محل بحثنا هنا هل يلزم من الوصف بالحسن الحكم له بالحاجة أم لا بل يتوقف فيه والقلب إلى ما حرره ابن القطان أميل انتهى كلامه. "وقد اختلف الناس في العمل بالحسن مطلقا" أي على رأي الجمهور وعلى رأي الترمذي "بعد تسليم حسنه فذهب البخاري إلى أن الحديث الحسن لا يعمل به في التحريم والتحليل واختاره القاضي أبو بكر بن العربي في عارضته" أي في كتابه المسمى بعارضة الأحوذي شرح الترمذي "والجمهور على خلافها والحجة مع الجمهور فإن راوي الحسن ممن تشمله أدلة وجوب قبول الآحاد" لأنه من أخبار الآحاد فيقبل خبره وإذا قيل عمل به "فإنه لا بد أن يكون راويه مظنون العدالة مظنون الصدق" ومن

ظن عدالته وصدقه وجب قبول خبره ولما ذكر أنه لا بد وأن يكون راوي الحسن مظنون العدالة والصدق أشكل عليه اصطلاح الترمذي فأورده ودفعه بقوله. "فإن قلت: إنما شرط الترمذي أن يكون الراوي غير متهم بالكذب ولا منفرد بالحديث" فإنه معنى قول الترمذي في حقيقة الحسن ولا يكون الحديث شاذا "وغير المتهم أعم من أن يكون ثقة مخبورا أو مستورا أو مجهولا فإن كان مجهولا وتابعه مجهول مثله لم يكن في الحديث حجة" فيلزم قبول المستور والمجهول وأن يكون حديثهما حسنا إذا توبعا ولو بمثلهما. قلت: ولا يخفى عليك أن المصنف قد قدم أن الترمذي يشترط في رواة الحسن قوة الحفظ والإتقان وإنما يجعلها في رجال الصحيح أقوى وحينئذ فلا يرد السؤال بعد ذلك التقرير وإن كان ما قدمه عنه غير صحيح. "قلت: الجواب أنه قد عرف من المحدثين أن مذهبهم رد المجهول وليس في كلام الترمذي هذا ما يناقض ذلك" لا يقال قد قررت أنه أفاد كلامه عموم قبول المجهول فقال "فهو من عموم المفهوم وفيه خلاف" فكيف يعمل به مع ما علم من مذهب المحدثين "فلو كان" كلام الترمذي "لفظا عاما" عموم المنطوق "وجب المصير إلى الخاص" وهو ما عرف من عرفهم "فيكف بالمفهوم" وحينئذ فلا يفيد كلام الترمذي قبول المجهول ولكنه يبقى عليه أنه يفيد قبول المستور فقال المصنف "فأما المستور فإنه مظنون العدالة ولو لم يكن كذلك لم يتميز منه المجهول". قدمنا لك تفسير المستور من كلام ملا علي قاري في شرح شرح النخبة وقال الحافظ ابن حجر في مراتب الرواة في خطبة التقريب السابعة من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بمستور أو مجهول الحال انتهى فظاهره أن المستور هو المجهول حاله والمصنف قال هو مظنون العدالة "لكنه غير مخبور خبرة توجب سكون النفس الذي يسميه كثير من المحدثين علما" وهو الظن القوي "وقد ورد تسميته بالعلم كثيرا في مثل قوله تعالى" حكاية عن أخوة يوسف حيث حكوا لأبيهم أن أخاهم سرق {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] فإنهم لم يعلموا سرقته لصواع الملك قطعا بل ظنوه لما وجد في متاعه فسموه علما وهذا كلام صحيح لكنه لا يناسبه قول الحافظ ابن حجر إن المستور من لم يوثق فمن أين حصل لنا ظن عدالته حتى نطلقها عليه وتحصل له م يطلق عليه لفظ العلم في كتاب ابن الصلاح قسمة المجهول إلى

مجهول العدالة ظاهرا وباطنا وروايته غير مقبولة عند الجماهير ثم قال الثاني: المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور وقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنة فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول يريد بالأول المجهول العدالة ظاهرا وباطنا وهو قول بعض الشافعية وبه قطع الإمام سليمان بن أيوب الرازي قال لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي إلى آخر كلامه وكلام المصنف قاض بأن المستور عدل يحصل بخبره ظن ضعيف بخلاف الظن الحاصل عن العدل المحققة عدالته فإنه يحصل على خبرة ظن قوي يطلق عليه العلم وكلام الحافظ ابن حجر أنه لم يوثق وكلام ابن الصلاح أنه العدل في الظاهر. قلت: ولا يخفي أن العدالة إنما تعرف ظاهرا بالمحافظة على خصالها وأما الباطن فلا يعلمه إلا الله تعالى فهذا اضطراب في تفسير المستور ينبغي تحقيقه. واعلم أن الذي في كتب الأصول رسم العدالة باجتناب كبائر المقبحات وما فيه خسة والإتيان بالواجبات ولم يذكروا باطنه ولا ظاهره قالوا واختلف في رواية المجهول ويطلق عندهم على مجهول العدالة أو الضبط أو النسب أو الاسم ونقلوا عن الحنفية وآخرين قبوله واستدلوا على أن الأصل في دار الإسلام هو الإسلام والأصل في المسلم هو القيام بالوظائف وهو معنى العدالة وهو قياس من الشكل الأول ينتج أن الأصل هو القيام بالوظائف وهو معنى العدالة وحينئذ فال مجهول بل كل مسلم عدل ورد يمنع الكبرى مسندا بأن الأصل هو الغالب والفسق في المسلمين أغلب من الإيمان لقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24] {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] وغير ذلك ولأنه الشاهد في كل عصر والفرد المجهول يجب حمله على الأعم الأغلب ولهذا يرد من غلب سهوه على حفظه اتفاقا ورجحوا المجاز على الاشتراك لغلبته فغلبه الفسق مظنة للفسق وحكم المظنة حكم المثنة بل ضبط الشارع الأحكام بالمظنة ويأتي بقية الكالم على المسألة في محلها وإنما هذا تنبيه على أن الذي ذكره المصنف من أن المستور هو العدل عدالة تفيد ظنا قويا وأن خبره احسن وأن العدل في رواة الصحيح يشترط قوة عدالته بحيث يفيد ظنا قويا يسمى علما شيء تفرد به لم يذكره أئمة الأصول كما انفرد ابن الصلاح بقوله إن عدالة المستور ظاهرة وعدالة غيره ظاهرة وباطنة وذكر الرافعي

في الصوم أن العدالة الباطنة هي التي يرجح فيها إلى أقوال المزكين. 1هـ. فعلى هذا كان يلزم أن يقال في رسم الصحيح ما رواه العدل ظاهرا أو باطنا أو ما رواه قوي العدالة كما ألزمناهما أنه كان يتعين أن يقال في رسم الصحيح بالنسبة إلى قيد الضبط تام الضبط كما أتى به الحافظ في النخبة وتابعه المصنف في مختصره واحترزوا به عمن خف ضبطه وهو راوي الحسن كما عرفناك وأما العدالة فإنهم جعلوا عدالة راوي الحسن لذاته والصحيح شيئا واحدا وهنا خالفوا ذلك فجعل المصنف المستور العدل الذي يفيد خبره ظنا غير قوي وابن الصلاح جعله العدل ظاهرا لا باطنا نعم لأهل الحديث كلام في المجهول كثير يأتي تحقيقه. "وقد ورد" إطلاق "المستور في عبارات أصحابنا والمراد به العدل كما استعمل ذلك أهل الحديث قال شيخ أحمد بن محمد الرصاص في الجوهرة في شروط الراوي إنها أربعة أحدها أن يكون الراوي عدلا مستورا هذا لفظه ولم أعلم أحدا اعترضه من أهل الشروح على الجوهرة" لا يخفى أنه إذا كان مستورا بمعنى عدل عندهم يكون قوله مستورا بعد قوله عدلا تكريرا ولا يخفى أيضا أن أهل الأصول من قبل الشيخ أحمد ومن بعده لا يجعلون كون العدل مستورا شرطا في الرواية بل الكتب الأصولية متطابقة على شرطية العدالة في الراوي ورسموا العدالة بما عرفت وجعل المستور شرطا يلزم منه أن كامل العدالة ليس من شروط الرواية ولعله يقول إنه يدخل بالأولى "فالمستور في عرف المحدثين من قصر عن المتواترة عدالتهم أو المشهور شهرة تقري من التواتر". اعلم لفظ ابن الصلاح في المستور أنه المجهول الذي جهات عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور هذا لفظه ثم قال وقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالته باطنا وقرر الزين كلام ابن الصلاح وقال مراد ابن الصلاح ببعض أئمتنا هو البغوي فهذا لفظه بحروفه في التهذيب وتبعه عليه الرافعي انتهى كلام زين الدين. والمصنف قال إن المستور في عرف المحدثين من قصر عن المتواترة عدا التهم أو المشهور شهرة تقرب من التواتر فعلى كلامه لا بد أن تكون عدالته أمرا بين الأمرين وهذا غير كلام ابن الصلاح ومن تبعه ومن تقدمه في تفسير المستور وتقدم أن الحافظ ابن حجر قال إن المستور من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق فلا أدري من أين

جاء هذا التفسير الذي آتى به المصنف للمستور وزعم أنه اصطلاح المحدثين ثم هذه الرتبة التي ذكرها رتبة مجهولة فهذا كلامه في عدالة المستور أي من حيث العدالة وأما من حيث حفظه فقال "أو من قصر عن الحفاظ في مرتبة الإتقان والضبط العظيم" يريد أن المستور إما مستور العدالة فهو الذي فسره قريبا أو مستور الحفظ وهو الذي لا يبلغ ربة الإتقان والضبط وهو الذي خف ضبطه المذكور في تعريف الحسن لذاته. قلت: ولا خفاء أن هذا خلط لشرائط الحسن لذاته والحسن لغيره فإن الحسن لذاته هو من خف ضبط رواته كما سلف والسحن ليغره قد يكون راويه ضعيفا موضوعا لسوء الحفظ كرواية الترمذي عن عاصم بن عبيد الله وقد ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وحسن الترمذي حديثه وروى عن مجالد وحسن حديثه وقد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وروى عن عبيد بن معقب وهو ضعيف جدا اتفق أئمة النقل على تضعيفه وقد قدمنا هذا وزيادة عليه فيما حققناه لك من أن الحسن عند الترمذي شرطه أن لا يتهم راويه بالكذب ولا ينفرد بالحديث. "ونحن" أيها الزيدية "نوافقهم" أي المحدثين "في الطرفين معا" في قبول المستور وقبول لم يبلغ درجة المتقنين في الضبط "أما الطرف الأول" وهو الموافقة من الزيديدة في قبول المستور "فقد ثبت نص الجوهرة" حيث جعل من شروط قبول الراوي كونه عدلا مستورا قل إلا أنه لا يعزب عنك أن صاحب الجوهرة جعل ذلك شرطا للراوي مطلقا سواء كان من رواة الصحيح أو الحسن وأهل الحديث على رأي المصنف جعلوه شرطا للحسن غلا أنه لا يضر هذا فقد حصلت الموافقة في شرط الأعم "التي هي مدرس الزيدية" في عصر المصنف "على ذلك" يتعلق بنص "مع أنه مما لا يختلف فيه الأصحاب" من الزيدية "فإن كتبنا الأصولية مشحونة بقبول كل من رجح حفظه على سهوه" وهذا هو المراد لمن لمي يبلغ مرتبة أهل الأنفان في الحفظ والضبط إلا أن كلامه في عدالة المستور هذا من القسم الثاني: وهو عدم بلوغ رتبة المتقنين في الضبط. "واختلف أصحابنا إذا استويا فذهب المنصور بالله إلى أنه لا يجوز طرح حديثه وأن طريق قبوله الاجتهاد ذكره" أي المنصور بالله "في الصفوة وحكاه عنه في الجوهرة" تقدم الكلام على هذا أول الكتاب كما تقدم على قوله "وذهب عبد الله بن زيد إلى قبوله وهذا كله يدل على قبول من حديثه حسن والله أعلم" عند الفريقين الزيدية والمحدثين قد عرفت ما كررناه وقررناه أن الحسن قسمان: حسن لذاته وحسن لغيره

وأن الحسن عند الترمذي الذي يصف به أحاديث كتابه أو غالبها من القسم الثاني. وقال الحافظ ابن حجر إنه نقل ابن الصلاح وغر واحد الاتفاق على أن الحديث الحسن يحتج به كما يحتج بالصحيح وإن كان دونه في المرتبة وهو القسم الذي ذكره الخطابي وقد علمت أن القسم الذي ذكره هو الحسن لذاته قال وأما الحسن الذي ذكره الترمذي بجميع أنواعه فإنه يظهر له أن دعوى الاتفاق إنما تصح على الأول دون الثاني: قال فإن الترمذي يطلق الحسن على الضعيف والمنقطع إذا اعتضده قال فلا يتجه إطلاق الاحتجاج به جميعه ويؤيد هذا قول الخطيب أجمع أهل العلم على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به وقد صرح أبو الحسن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه بيان الوهم والإيهام بأن هذا القسم لا يعمل به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو ظاهر القرآن إلى آخر ما قدمناه من كلامه قريبا هذا من كلام الحافظ على نكته على كتاب ابن الصلاح ثم قال ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم أن يحتج به أنه أخرج حديثا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن الحصين وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذلك وقد قدمنا ذلك. "وقد نص أهل الحديث في مراتب التعديل على أن صالح الحديث يكتب حديثه للاعتبار به ونصوا أيضا في مراتب التجريح على أن الضعيف بمرة والمردود والمتروك وغير ذلك من العبارات فبان لك أن الضعيف يكتب حديثه للاعتبار به بخلاف الضعيف عندهم هو صالح الحديث" أخذ المصنف من قول الأئمة إن صالح الحديث وضعيفه يكتب حديثه أن صالح الحديث هو ضعيف الحديث لاشتراكهما بالحكم بكتب حديثهما وفي كتاب ابن الصلاح الرابعة أي من مراتب التعديل إذ قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار فجعل هذه المرتبة الرابعة للتعديل وقال مراتب التجريح أولهما إذ قالوا لين الحديث قال ابن أبي حاتم إذا جاءوا بان لين الحديث فإنه يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا الثانية قال ابن أبي حاتم إذا قولوا ضعيف ليس بالقوي فهو بمنزلة الأولى في كتب حديثه إلا أنه دون الثانية وإذا قالوا ضعيف الحدي فهو دون لاثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به انتهى فعرفت من كلامه أن صالح الحديث من هو في المرتبة الرابعة من مراتب التعديل وأن قولهم ضعيف ليس بقوي

هو ثاني مراتب التضعيف وقولهم ضعيف الحديث هو ثالثها تكتب أحاديثهم للاعتبار وإن لم يصرح بكتب حديث من هو في هذه المرتبة لكنه صرح بأنه لا يطرح حديثه وأنه يعتبر به اعتبار بكتابته وبالجملة فقد جمع بين أهل المرتبة الرابعة من مراتب التعديل وبين أهل المراتب الثلاث من مراتب التجريح للاعتبار بأحاديثهم وعدم الإطراح لها لكنها وإن جمعها ما ذكر فهي متفاوتة كما ذكره فقول المصنف إن الضعيف عندهم هو صالح الحديث غير صحيح لأن صالح الحديث من المعدلين ومن أهل مراتب التعديل بخلاف الضعيف على أقسامه الثلاثة إن جعلنا اللين منه وأنه مجروح للتضعيف وكونه جمع بينه وبين صالح الحديث كتب حديث كل منهما لا يلزم منه اتحادهما فقد قالوا في أهل المراتب الثلاث من مراتب التجريح إنه يكتب حديثهم فإن كان الضعيف هو صالح الحديث لكونه يكتب حديثه فالضعيف من أهل مراتب التعديل كما قال المصنف "وأنه" أي الضعيف "في المرتبة الرابعة من مراتب العدول كما سيأتي" فيلزم أنه ليس للتجريح إلا مرتبة واحدة وهي مرتبة المتروك والكذاب ونحوهما وهو خلاف صريح كلامهم فيما يأتي ثم المراتب مختلفة كما عرفت "فكيف برجال الحسن؟! " قد عرفت أن رجال الحسن لذاته ليسوا بضعفاء بل هم خفيفوا الضبط فهم الذي ينبغي أن يقال فيهم عند ذكر ضعفاء الرواة فكيف لا يقبل رجال الحسن وأما رجال الحسن لغيره ففيهم الضعفاء وأهل سوء الحفظ فلا يقال عند قبول ضعفاء الرواة فكيف برجال الحسن إذ هم من ضعفاء الرواة ليسوا قسما من غيرهم. قلت: ثم لا يخفى بعد هذا كله أن كتب الحديث للاعتبار ليس دليلا على قبول رواته والعمل بروايتهم في السياق من العمل بالحسن. وقال ابن حجر الهيثمي في كتابه الفهرسة في ترجمة الترمذي ما لفظه اتفق الفقهاء كلهم على الاحتجاج بالحسن وعليه جمهور المحدثين والاصوليين بل قال البغوي أكثر الأحكام إنما ثبتت بالحسن ووافقه الخطابي وهو قسمان أحدهما حسن لذاته وهو أن يشتهر رواته بالصدق لكنهم لم يصلوا في الحفظ والإتقان إلى رتبة رواة الصحيح وثانيهما حسن لغيره وهو أن يكون في الإسناد مستور لم تتحقق أهليته غير مغفل ولا كثير الخطأ في روايته ولا متهم بتعمد الكذب ولا ينسب إلى مفسق آخر واعتضد بمنابع أو شاهد وقد قال النووي إمام زمانه في هذه الصناعة في بعض

أحاديث ذكرها وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعض بعضا ويصير الحديث حسنا ويحتج به وسبقه إلى ذلك البيهقي وغيره ويحمل ذلك على ما ضعفه ناشي عن سوء الحفظ أو اختلاط أو تدليس مع كون رواته من أهل الصدق والديانة أما الضعف بنحو كذبه أو شذوذه فلا يجبره شيء والحاصل أن ما حسنه لذاته يحتج به مطلقا وما حسنه لغيره إن كثرت طرقه احتج به وإلا فلا وقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعف حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا1 مع كثرة طرقه نعم كثرة طرقه القاصرة عن جبر بعضها لبعض ترقيه عن درجة المنكر الذي لا يعمل به في الفضائل ولا غيرها إلى رتبة الضعف الذي يجوز العمل به في الفضائل إجماعا انتهى وهو كلام حسن. واعلم أن ابن الصلاح رسم الضعيف من الحديث بقوله كل حديث لم تجتمع في صفات الصحيح ولا صفات الحديث الحسن المذكورات فيما تقدم فهو حديث ضعيف. "وقد يرتقون" أي الضعفاء "إلى أرفع من مرتبة الضعف ولذا قالوا في ترجمة سفيان الثوير المجمع على ثقته وأمانته ونصحه لله ورسوله وللمسلمين إنه كان يدلس عن الضعفاء" في الميزان سيفان بن سعيد الثوري الحجة الثبت متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء ولكن له نقد وذوق ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين انتهى. "فهؤلاء هم الضعفاء في عرف المحدثين الذي حديثهم منجبر بالشواهد ونحوها ويجب العمل به" قد عرفت أنهم جعلوا مراتب الجرح أربعا فقالوا في ثلاث منها أنه يكتب حديث أهلها للاعتبار وقالوا في الرابعة وهو من أطلقوا عليه متروك إنه لا يكتب حديثه فعلى كلام المصنف أنه لا يترك إلا من قالوا فيه كذاب ونحوه على أنه يأتي له في إطلاقهم كذاب ونحوه بحث فعلى تقريره الضعفاء ليسوا بمجاريح ولذا قال "ولو كان سفيان يدلس عن المجروحين لكان مجروحا ولما أصفق" بالصاد المهملة ففاء فقاف أي اجمع "الثقات على الاحتجاج بحديثه" وقد قال الذهبي الحجة الثبت بالاتفاق "وهم يعرفون ذلك" أي أنه لا يدلس عن المجروحين بل إنما يدلس عن الضعفاء والضعفاء ليسوا بمجاريح هذا تقرير مراد المصنف.

_ 1 العلل المتناهية 1/114. وجامع بيان العلم 1/43. وابن عساكر 2/394. وشرف أصحاب الحديث 29.

قلت: ولا يعزب عنك أنه سيأتي لهم وقد أشرنا إليه أن ألفاظ التجريح أربع ثانيها ضعيف ليس بقوي ثالثها ضعيف الحديث فهاتان صيغتان في التجريح فكيف يقول هذا ضعيف وليس بمجروح هل هذا إلا تناقض نعم هؤلاء مجاريح غير كذا بين كما قال الذهبي إن سفيان كان يدلس عن الضعفاء ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين فالقياس على ما تفيده هذه العبارات أن يقال إن الضعفاء غير الكذابين يقلون ويقبل من يدلس عنهم وإن كانوا مجاريح فهو جرح لا يخرجون به عن الاعتبار وحاصله أنا نناقش المصنف في قوله إن سفيان لا يدلس عن المجروحين مع تصريحهم أنه يدلس عن الضعفاء والضعفاء مجاريح ولذا أثبت الذهبي تدليسه عن الضعفاء ونفي تدليسه عن الكذابين فهو يدلس عن ضعفاء مجاريح غير كذابين. "ولكن قليل المعرفة باصطلاحهم في عباراتهم لا يعرف ذلك" أي لا يعرف أنهم يقبلون بعض الضعفاء بل يظن أن كل ضعيف فإن حديثه مردود "ولهذا يتجه" بتوجه "على الراغب في علم الحديث أن يبدأ بقراءة علوم الحديث ويمعن النظر فيها" لئلا يغلط عليهم إذا جهل اصطلاحاتهم فإن علوم الحديث تعرفه بذلك "فتأمل ذلك فإنه مفيد جدا" أي محقق مبالغ فيه كما في القاموس ووجه نفعه أنه إذا لم يعرف علوم الحديث واصطلاحهم أئمته غلط عليهم فبمعرفته لاصطلاحهم الذي أودعوه علوم الحديث لا يحصل له الغلط. "وقد ذكر الشافعي مثل هذا في المراسيل فقال إذا جاء المرسل من طريقين مختلفين فأكثر قبل" لتقويه "وإلا لم يقبل" لضعفه بالانفراد "وأما المجهول فليس يقوي حديثه بمتابعة مثله" أي بمتابعة مجهول مثله قال ابن الصلاح: إن المجهول عند أصحاب الحديث كل من لم يعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من راو واحد ثم مثل بجماعة. "وقد ذكر ابن الصلاح نحو هذا الكلام فقال ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك" أي مجيئه من وجوه. قلت: قد مثل ذلك بحديث ابن عمر في سد الأبواب إلا باب علي كرم الله وجهه وهو في مسند أحمد من رواية أحمد عن وكيع عن هشام بن سعد عن عمرو ابن راشد عن ابن عمر وفيه ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة أحب

إلي من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر ورواته ثقات إلا أن هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه وأخرج له مسلم فحديثه في رتبة الحسن لا يما مع ما له من الشواهد وله شاهد من حديث ابن عمر أيضا أورده النسائي في الخصائص بسند صحصح عن ابن اسحق عن العلاء ابن عرار فذكره والعلاء وثقة ابن معين ورواه ابن أبي عاصم من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي اسحق سألت ابن عمر فذكره وأخرجه أحمد من حديث سعد بن مالك. قال الحافظ ابن حجر بإسناد حسن قال وأما ادعاه ابن الجوزي أنهما من وضع الرافضة فدعوى عرية عن البرهان وقد أخرج النسائي في الخصائص حديث سعد وفيه أيضا حديث زيد بن أرقم بإسناد صحيح وأخرج أيضا حديث ابن عباس وقال وسد الأبواب غير باب علي رضي الله عنه قال فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره في حديث طويل وأخرج أحمد في مسنده أيضا هذين الحديثين وأخرجهما الترمذي لكنه قال في حديث ابن عباس بعد أن أخرجه عن محمد بن حميد عن ابراهيم بن المختار عن شعبة عن أبى بلخ عن عمرو بن ميمون عنه غريب لا نعرفه عن شعبة إلا من هذا الوجه. وتعقبه الحافظ الضياء في المختارة بأن الحاكم والطبراني روياه من طريق مسكن بن بكير عن شعبة وهي أصح من طريق الترمذي وأبو بلخ وثقة يحيى بن معين وأبو حاتم وقال البخاري فيه نظر انتهى ويشهد له حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك", رواه الترمذي1 وقد ادعى أن هذا الحديث يعارض حديث أبي سعيد المخرج في الصحيحين2 "لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت وإلا خوخة أبي بكر" ولكنها دعوى غير صحيحه لأن الجمع ممكن بأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب وقد ورد بيان سببه في حديث مرسل أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسنده عن المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأذن لأحد أن يمر من المسجد أو يجلس فيه وهو جنب إلا علي رضي الله عنه لأن بيته كان في المسجد أي مع بيوت

_ 1 في: المناقب: ب 20. 2 البخاري 1/126. ومسلم في: فضائل الصحابة حديث 2. وأحمد 1/270.

النبي صلى الله عليه وسلم: فكان يحتاج إلى استطراق المسجد وحديث أي بكر فيما يتعلق بالخوخ فلا تعارض ولا وضع أفاد هذا الحافظ ابن حجر في نكته. فهذا الحديث قد كان في رواته ضعف بسوء الحفظ فجاء من طرق كثيرة أزال ذلك الضعف وبه تعرف ما في قول ابن حجر الهيثمي إنه استقر الأمر على ضعف حديث يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك1 فإنه قال إنه أستقر الأمر على أنه حديث ضعيف. وقد يكون ضعف الرواة بما قاله ابن الصلاح ونقبله عفه المصنف بقوله "بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ واريه مع كونه من أهل الصدف والديانة فإذا رأينا ما رواه" أي الحديث الذي رواه "قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظ ولم يختل فيه ضبطه له" وقد حققناه بالمثال وهذا كلام حسن "وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر قال" أي ابن الصلاح. "ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك" أن بمجيئه من طرق لقوة الضعف في الراوي وتقاعد هذا الجابر عن جبره أي عن جبر ضعفه فتسميته جابرا مجاز وإلا فإنه لم يجبر هذا الضعف "كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب" فإن الجابر لا يقوى على زوال تلك التهمة ومثلوا ذلك بحديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء وفي لفظ بعثه فقيها عالما2 قال النووي إنه اتفق الحفاظ على ضعفه وإن كثرت طرقه بعد أن قال إنه روى عن علي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم بطرق كثيرات بروايات متنوعات قاله النووي في صدر الأربعينية التي جمعها وسماها دعائم الإسلام. "أو كون الحديث شاذا" أي أن الجابر يتقاعد هن زلل الضعف عن حديث نشأ ضعفه من اتهام رواته بالكذب أو من كونه حديثا شاذا ويأتي بيان الشاذ "انتهى كلامه" أي ابن الصلاح "وسيأتي أنه ليس يشترط في الشاذ الذي أشار إليه إلا أن لا يكون راويه في مرتبة الثقات الإثبات من رجال الصحيح ولا في مرتبة من دونهم من رجال الحسن كما

_ 1 سبق تخريجه. 2 سبق تخريجه.

سيأتي واضحا" ذكر ابن الصلاح كلام الأئمة في الشاذ وتعقبه ثم قال فيقول إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردوعا وإن كان لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هذا أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه انتهى فمراده هنا بالشاذ الذي لا ينجبر هو الأول من القسمين "فهذا بذلك على أن رجال الحسن مرتفعون عن مرتبة المجاهيل والضعفاء بمرة انتهى" فكلام ابن الصلاح في الشاذ دل على أن رتبة رجال الحسن ليسوا من المجاهيل ولا الضعفاء. قلت: قد قدمنا لك أن الحسن لذاته ليس رجاله ضعفاء ولا مجاهيل والحسن لغيره في رجاله الضعفاء وغيرهم كما حققناه لك بالأمثلة والتنصيص على ذلك فالمصنف رحمه الله خلط اعتبارهم لصفات الحسن لذاته بصفات الحسن لغيره كما نبهناك عليه مرارا "وقد نصوا على ذلك في علوم الحديث فجعلوا الضعيف غير المجهول" قد قدمنا لك كلام ابن الصلاح في المجهول وأنه قسمان قال والمجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد ذكر هذا عن الخطيب البغدادي إلا أنه قال ابن الصلاح: إن في رجال البخاري أحاديث عن قوم ليس لهم إلا راو واحد. "وممن ذكره وين الدين في قسم الضعيف من التبصرة ولكن يلزم هذا من قبول المنفرد من رجال الحسن" لأنهم إذا قالوا بأن الشاذ هو من ينفرد وليس في مرتبة رجال الصحيح ولا الحسن وأنه يرد لزم أنه إذا انفرد من هو من رجال الحسن أن يقبل "ولا يجب مراعاة متابعة غيره" قلت: هذا ملتزم عندهم في الحسن لذاته فإنهم لم يعتبروا في رسمه إلا خفة ضبط رواته كما عرفت فإنهم قالوا فإن خف الضبط فالحسن لذاته وبكثرة طرق يصح فلم يجعلوا متابعة غيره له إلا شرطا لصحته لا لحسنه وأما الحسن لغيره فقد عرفناك مرارا أنه لا يصير حسنا إلا بمتابعة غيره "وهذا لازم على قواعد الفقهاء والأصوليين ودفع هذا من المحدثين غير جيد والله أعلم". قلت: قد عرفناك غير مرة أن المحدثين لا يدفعون هذا ولا أدري كيف التبس على المصنف مع إمامته في كل فن. "قال ابن الصلاح: وهذه الجملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه

من النفائس العزيزة واعلم أن رجال الحسن متى كانوا مشهورين بالصدق والعدالة وأتت له طرق أخرى فلك أن تحكم بصحته" هذا ذكروه في الحسن لذاته هذا عندهم هو الصحيح لغيره وقد حققه في النخبة وشرحها ولفظ ابن الصلاح1 إذا كان الراوي متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر وروى مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحة انتهى. واعلم أنه لا بد من تقييد عبارة المصنف وابن الصلاح بخفة ضبط من اشتهر بالصدق ليكون من قسم الحسن وإلا كان من الصحيح لذاته فإن رجال الصحيح لذاته هم المشهورون بالصدق والعدالة "كحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة2 قال ابن الصلاح" بعد سياقه لما ساقه المصنف "محمد بن عمرو ابن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم بسوء حفظه" في الميزان أن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص المدني الليثي شيخ مشهور حسن الحديث مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قد أخرج له الشيخان متابعة قال يحيى القطان أما محمد بن عمرو فرجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث "ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته" قال أبن عدي روى عنه مالك في الموطأ وغيره وأرجو أنه لا بأس به وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال النسائي ليس به بأس ذكر ذلك كله الذهبي في الميزان "فحديثه من هذه الجهة حسن" لأنه لم يتفق على إتقانه في الحفظ فهو ممن خف ضبطه "فلما انضم ذلك كونه" أي حديث السواك "مرويا من طرق أخرى" لفظ ابن الصلاح من أوجه أخر مثلها عبارة الزين نقلا عنه "زال ذلك ما كنا نخشاه من جهة سوء حفظ وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحقق بدرجة الصحيح" قلت: كأنه مجرد مثال وإلا فهذا الحديث أخرجه الشيخان بلفظه من حديث أبي هريرة رواه البخاري من حديث مالك ومسلم من حديث ابن عيينة وهذا لفظ عندهما من المتفق عليه وسينبه المصنف على ذلك.

_ 1 علوم الحديث ص 47. 2 البخاري 2/5. ومسلم في: الطهارة ب 15. حديث 42. وأبو داود 46, 47. وأحمد1/221.

"قال زين الدين: وقد أخذ ابن الصلاح كلامه هذا" الذي سلف قريبا "من الترمذي فإنه قال بعد إخراجه" من هذا الوجه "حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عندي صحيح قال" الترمذي "وحديث أبي سلمة إنما صح لأنه قد روى من غير وجه" لفظ الزين وحديث أبي هريرة عوض أبي سلمة "قلت: قول إن الصلاح فصح هذا الإسناد ولم يقل فصح هذا الحديث مشكل لأن متن الحديث صحيح متفق عليه من طريق الأعرج عن أبي هريرة" كما قدمنا لك قريبا. واعلم أن كلام المصنف هذا إشارة إلى فائدة مهمة ذكرها ابن حجر في فهرسته فقال فائدة مهمة عزيزة النقل كثيرة الجدوى والنفع وهي من المقرر عندهم أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن الاجتماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن لشذوذ أو علة وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق أخرى فلا تنافي بين قولهم هذا حديث صحيح لأن مرادهم به اتصال سنده مع سائر الأوصاف في الظاهر لا قطعا لعدم استلزام الصحة لكل فرد فرد من أسانيد ذلك الحديث فعلم أن التقييد بصحة السند ليس صريحا في صحة المتن ولا ضعفه بل هو على الاحتمال فهو دون الحكم بالصحة أو الحسن للمتن إذ لا احتمال حينئذ وبهذا تعرف قول المصنف رحمه الله "وإنما انفرد محمد بن عمرو برواية الحديث من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فلم يتابع على الإسناد فلم يصح الإسناد وإنما توبع على الحديث فصح ولذا قال زين الدين: وليس المراد بالمتابعة كونه رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة غير محمد بن عمرو ولكن متابعة شيخه أبي سلمة عليه عن أبي هريرة فقد تابع أبا سلمة عليه عن أبى هريرة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد المقبري وأبوه أو سعيد وعطاء مولى أم حبيبة وحميد بن عبد الرحمن وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وهو متفق عليه من طريق الأعرج" ولما كانت المتابعة نوعين أشار إليهما بقوله "والمتابعة قد يراد بها متابعة الشيخ وقد يراد بها متابعة شيخ الشيخ كما سيأتي لكلام عليه في فصل المتابعات والشواهد" إن شاء الله تعالى. * * *

مسألة (14) : في بيان شرط أبي داود

مسألة 14 [في بيان شرط أبي داود] "شرط أبي داود قال ابن الصالح من مظان الحسن سنن أبي داود" المظان جمع مظنة بكسر الطاء وهو مفعلة من الظن وقال المطرزي المظنة العلم من ظن بمعنى علم قال في المصباح وقد يستعمل الظن بمعنى اليقين ومنه المظنة بكسر الظاء للعلم وهو حيث يعلم الشيء قال النابغة: فإن مظنة الجهل الشباب "قال ابن الصلاح وروينا" في المصباح ما لفظه روى البعير الماء يرويه من باب رمى حمله فهو راوية والهاء للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يستقي عليها ومنه قيل رويت الحديث إذا حملته ونقلت: هـ وتعدى بالتضعيف فيقال رويت زيدا الحديث انتهى. "عن أبي داود أنه قال ما كان في كتابي هذا من حديث فيه وهن شديد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح" قال الزين أي للاحتجاج ويأتي عن الحافظ ابن حجر احتمال أنه صالح للأعم من ذلك "وبعضها" أي بعض أحاديثه الدال عليه من حديث أصح من بعض قال أي ابن الصلاح "ورينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه وروينا عنه أنه يذكر ما عرفه في ذلك الباب قلت: أجاز ابن الصلاح والنووي وغيرهما من الحفاظ العمل بما سكت عنه أبو داود لأجل هذا الكلام المروي عنه وأمثاله مما روى عنه". قال الحافظ ابن حجر قول أبي داود وما فيه وهن شديد بينته يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد أنه لا يبينه ومن هنا أن جميع ما سكت عنه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن إذا اعتضد وهذان القسمان كثير في كتابه جدا ومنه ما هو ضعيف لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا وكل من هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها كما نقل ابن مندة عنه أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب

غيره وأنه أقوى من رأي الرجال وكذلك قال ابن عبد البر كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد فيما نقله ابن المنذر عنه أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره وأصرح من هذا ما روينا عنه فيما حكاه أبو العز بن كادس أنه قال لابنه لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث إني أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه هذا ما روي من طريق عبد الله بن أحمد بالإسناد الصحيح إليه قال سمعت أبي يقول لا تكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه ذغل والحديث الضعيف أحب إلى من الرأي فهذا نحو ما حكى عن أبي داود ولا عجب فإنه كان من تلامذة الإمام أحمد فغير مستنكر أن يقول قوله بل حكة النجم الطوقى عن العلامة تقي الدين بن تيمية أنه قال اعتبرت مسند أحمد فوجدته موافقا لشرط أبي داود. ومن هنا تظهر لك طريقة من يحتج بكل ما سكت عنه أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنه مثل ابن لهيمة وصالح مولى التوأمة وعبد الله بن محمد بن عقيل وموسى بن وردان وسلمة بن الفضل ودلهم بن صالح وغيرهم فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم بل طريقه أن ينظر هل ذلك الحديث متابع يعتضد به أو هو غريب فيتوقف فيه لا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه فإنه ينحط إلى قبيل المنكر وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن دحية وصدقة الدقيقي وعمرو بن واقد العمري ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني وأبي حيان الكلبي وسليمان بن أرقم وأسحق بن عبد الله بن أبي قروة وأمثالهم في المتروكين وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين بالعنعنة والأسانيد التي فيها ما أبهمت أسماؤهم فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه وتارة يكون لذهول منه وتارة يكون لظهور شدة ضعفه ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهما وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من كلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس

في رواية اللؤلؤي وإن كانت روايته عنه أشهر ثم عد أمثلة من أحاديث السنن فيها ما يؤيد ما قاله. ثم قال والصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته لما وصفنا من أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه والمعتمد على مجرد سكوته لا يروى ذلك فكيف يقلده فيه هذا جميعه إن حملنا قوله وما لم أقل فيه بشيء فهو صالح على أن مراده صالح للحجة وهو الظاهر وإن حملناه على ما هو اعم من ذلك وهو الصلاحية للحجية وللاستشهاد أو المتابعة فلا يلزم منه أن يحتج بالضعيف ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي سكت عليها وهي ضعيفة هل منها أفراد أولا عن وجد فيها أفراد تعين الحمل على الأول إلا حمل على الثاني: وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عنه للاحتجاج مطلقا انتهى. "قال النووي إلا أن يظهر في تعضها أمر يقدح في الصحة والحسن وجب ترك ذلك أو كما قال" لفظ الحافظ ابن حجر نقلا عن النووي أنه قال في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها فلا بد من تأويل كلامه قال والحق أن ما وجدناه في سننه مما لم ينبه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأي العارف في مسنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له حكم يضعفه ولا يلتفت إلى سكوت أبي داود قلت: وهذا هو التحقيق ولكنه خالف ذلك في مواضع كثيرة في شرح المهذب وفي غيره من تصانيف فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها فلا تعثر بذلك انتهى. "قال ابن الصلاح: ما معناه وعلى هذا ما وجدنا في كتابه مذكورا مطلقا ولم نعلم صحته عرفناه أنه من الحسن عند أبي داود وقد يكون فيه ما ليس بحسن عند غيره" ثم ذكر بعيد هذا مثل ما ذكره الحافظ من أنه قد يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال. "وقد اعترض ابن رشيد" هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد الفهري "الأندلسي علي ابن الصلاح لأن ما سكت عنه يحتمل عند أبي داود الصحة والحسن" لفظ الزين أنه قال ابن رشيد ليس يلزم من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود يضعف ولا نص عليه غيره بصحة أن الحديث عند أبي داود حسن إذ قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن عند غيره كذلك.

"وقال أبو الفتح" اليعمري "هذا تعقب حسن" قلت: لا يعزب عنك بعد تحقيق ما سلف عن الحافظ ابن حجر ما في كلام ابن الصلاح وفيما تعقب به. "قال زين الدين" في شرح ألفيته "وقد يجاب عنه" أي عن تعقب ابن رشيد "بأنه" أي ابن الصلاح "إنما ذكر ما لنا أن تعرف الحديث به" الذي سكت أبو داود عنه "عنده" أي عند أبي داود "والقدر المتحقق الحسن دون الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبي داود" لفظ زين الدين إنما ذكر ابن الصلاح ما لنا أن نعرف به الحديث عنده والاحتياط أن لا يرتفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبي داود قال "لأن عبارته" أي أبي داود "فهو" أي ما سكت عنه "صالح وهي تحتمل فإن كان يرى الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف فالاحتياط ما قاله ابن الصلاح" لأن الذي سكت عنه لم يحكم له بالصحة ولا بالضعف فيكون حسنا وهو مراده حينئذ بقوله صالح "وإن كان رأيه" أي أبي داود "كالمتقدمين أنه" أي الحديث من حيث هو "ينقسم إلى صحيح وضعيف" وأنه لا يقول بالحسن "فما سكت عنه فهو صحيح عنده" وإن لم تجتمع فيه شرائط الصحة التي سلفت في رسم الصحيح وذلك هو الصحيح الأخص. قلت: ولا يخفى أن قول أبي داود صالح حمله ابن الصلاح على حسن فألزمه بان رشيد أنه يحتمل الأمرين الصحة والحسن والمراد الصحة بالمعنى الأخص لأنه قابل بها الحسن فالإلزام مبني على رأي من يجعل الحديث ثلاثة أقسام لا على رأي من يجعل الصحة شاملة للحسن كما لا يخفي فلا بم ما قاله الزين نعم إن صح أن رأى أبي داود عدم الحسن كان ما سكت عنه صحيحا بالمعنى الأعم فيكون فيه الصحيح بالمعنى الأخص والحسن لكن ابن الصلاح وابن رشيد مبني على أنه يرى الأقسام ثلاثة: قال زين الدين: "والاحتياط أن يقال صالح" لا صحيح ولا حسن "كما عبر هو" أي أبو داود "عن نفسه" لكن لا يخفى أن قوله صالح يحتمل أنه للاحتجاج به كما قال الزين ويحتمل أنه صالح لأعم من ذلك من الاحتجاج والمتابعة والاستشهاد كما قاله الحافظ ابن حجر وقد قدمنا كلامه فإن أريد الأول فالصلاحية للاحتجاج لازمة للصحيح والحسن وإن أريد الثاني: فالصلاحية للمتابعة ليست لازمة للاحتجاج فترددت عبارته بين كون ما سكت عنه صحيحا أو حسنا أو ضعيفا فالتعبير بصالح لم يفد تعين الاحتجاج حتى يكون صحيحا على رأي القدماء أو حسنا على رأي المتأخرين نعم كلامه قد أقاد أن ما سكت عنه فليس فيه وهن شديد فخرج به قسم

من الضعيف لا يشمله صالح وتحقيق عبارته أن الذي سكت عنه ليس فيه وهن شديد وهو يحتمل أن لا وهن فيه أصلا فيكون صحيحا أو حسنا ويحتمل أن فيه وهنا لكنه غير شديد وحينئذ فالصواب أنه يحتمل الثلاثة بالحسن والصحة والوهن غير الشديد لا كما قاله ابن الصلاح ولا كما قاله ابن رشيد. "وجود الذهبي الكلام في شرط أبي داود في ترجمته من النبلاء" ويأتي كلامه في آخر هذا البحث "وقال الإمام أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري في شرح الترمذي لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله في ذلك شبه عمل مسلم" زاد الزين الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره "فإنه اجتنب الضعيف الواهي" كما قال أبو داود إنه يبينه وأما مسلم فلم يأت به "وأتى" أي مسلم "بالقسمين: الأول" وهو الصحيح "والثاني" وهو الحسن "وحديث من مثل" أي مسلم "به" سيأتي من مثل بهم قريبا "من القسمين الأول والثاني موجود في كتابه" كتاب مسلم "دون القسم الثالث" وهو الواهي بخلاف أبي داود فالثالث موجود في كتابه لكنه بينه. "قال" أبو الفتح "فهلا ألزم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح مسلما من ذلك ما ألزم أبا داود فمعنى كلامهما واحد" وبين معنى كون كلامهما واحد بقوله "وقول أبي داود إنه يخرج في كتابه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه يعنى يشبهه في الصحة أو يقاربا فيها قال" أبو الفتح "وهو نحو قول مسلم ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان فاحتاج إلى أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أي سليم وعطاء بن السائب وزياد بن أبي زياد لما شمل الكل من اسم العدالة والصدق" ولفظ مسلم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم "وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان" أي وإن تفاوت مالك وصاحباه وليث وصاحباه فإن الثلاثة الأولين أكمل في الحال والمرتبة من الثلاثة الآخرين "ولا فرق بين الطريقين" طريق مسلم وأبي داود "غير أن مسلما شرطه الصحيح فتحرج من حديث الطبقة الثالثة" وهو من اشتد وهنه فإنهم خرجوا من كتابه ومراده أنه بقي في مسلم طبقتان والرواة أهل الصحاح وأهل الحسان "وأن أبا داود لم يشترطه" أي شرط الصحيح "فذكر ما يشتد وهنه عنده والتزم البيان عنه قال" أبو الفتح "وفي قول أبي داود إن بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر المشترك بينهما في الصحة لما تقتضيه صيغة أفعل في الأكثر" إذ قد يخرج عن ذلك نادرا كما عرف في

النحو وحينئذ فقد شرط أبو داود الصحة في كتابه لأن قوله صالح بمعنى صحيح كما أرشد إليه وقوله بعضها أي بعض الأحاديث التي سكت عنها وسماها صالحة أصح من بعض فدل أنه أراد بصالح صحيح وأراد بالصحة المعنى الأعم الشامل للحسن كما أن مسلما أراده في تسمية كتابه بالصحيح هذا تقرير مراد أبي الفتح والتحقيق في البحث قدمناه قريبا وأبو الفتح سوى في هذا الكلام بين مسلم وسنن أبي داود. "قال: زين الدين" في شرح ألفيته بعد نقله لكلام أبي الفتح "والجواب" أي عن أبي الفتح في إلزامه لابن الصلاح "أن مسلما التزم الصحة في كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه أنه حسن عنده" أي عند مسلم قلت: لا يخفى أنه إنما ألزم ابن الصلاح أن يسمي ما سكت عنه أبو داود صحيحا لا أن يسمى ما أخرجه مسلم صحيحا فتأمل "لما تقدم من قصور الحسن عن الصحيح" فكيف يحكم على حديث في كتابه بالحسن بعد تصريحه باشتراطه صحة ما يخرجه نعم قول مسلم ليس كل الصحيح نجده عند مالك وقوله فاحتاج إلى أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبي سليم بعد التزامه الصحة يدل على أن في كتابه الصحيح والأصح وإن كان قوله كل الصحيح يفهم أن بعض الصحيح عند ليث مثلا وأن كلا من الفريقين من مالك ومن ذكر معه وليث ومن ذكر معه أحاديثهم مستوية في الصحة لكن سياق كلامه يأبى هذا المفهوم "وأبو داود قال إنما سكت عنه فهو صالح والصالح قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا" قلت: يعني إذا حمل كلامه على أن مراده صالح للاحتجاج كما هو حمل زين الدين لا إذا حمل على الأعم من ذلك كما عرفت "عند من يرى الحسن رتبة دون الصحيح" قيد لقوله وقد يكون حسنا ولم ينقل لنا عن أبي داود هل يقول بذلك أو يرى ما ليس بضعيف صحيحا ولا يثبت الحسن "فكان الاحتياط أن لا يرتفع ما سكت عنه إلى الصحة حتى يعلم أن رأيه هو الثاني ويحتاج إلى نقل" وهو أنه يرى ما ليس بضعيف صحيحا. قال الحافظ ابن حجر بعد نقل جواب شيخه على أبي الفتح وقد أجاب الحافظ صلاح الدين العلائي عن كلام أبي الفتح بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه هذا الذي قال ضعيف وقول ابن الصلاح أقوى لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت فلا نعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها والدرجة الدنيا لم يخرج مسلم منها شيئا في الأصول إنما يخرجها في المتابعات والشواهد انتهى.

قلت: ابن الصلاح لم يقل في مسلم شيئا إنما ألزمه أبو الفتح أن يجعل مسلما كأبي داود ولا وجه عندي لإلزام أبي الفتح له أصلا وذلك أن مسلما شرط أن لا يخرج إلا الصحيح وسمى كتابه به وقال ما أدخلت فيه إلا ما صح وأبو داود يقول ما سكت عنه فهو صالح وهي عبارة ليست نصا في شرطيه الصحة في المسكوت عنه بخلاف مسلم فعبارته صريحة غير محتملة فلأي شيء يقول إن في حديثه ما يتحمل الحسن كما في حديث أبي داود وأما قول العلائي إن درجات الصحيح متفاوتة وإنه لا يعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها وليس في مسلم منها شيء فهو مؤذن بأنه إذا أطلق الصحيح فلا يشمل إلا درجاته التي ليس فيها درجة دنيا ومسلم قد شرط الصحة في كتابه وسماه صحيحا وحينئذ فلا يدخل الحسن في كتابه أصلا. قال الحافظ ابن حجر ما معناه كلام العلائي صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه وهو قول مسلم ما معناه إن الرواة ثلاثة أقسام فالأول كمالك وشعبة ونظرائهما والثاني: مثل عطاء بن السائب ويزيد بن أبي يزيد وأمثالهما وكل من القسمين مقبول لما يشمل الكل من اسم الصدق والطبقة الثالثة أحاديث المتروكين فقال القاضي عياض وتبعه النووي وغيره إن مسلما أخرج أحاديث القسمين الأولين ولم يخرج شيئا من أحاديث القسم الثالث: وقال الحاكم: والبيهقي وغيرهما لم يخرج مسلم إلا أحاديث القسم الأول فقط فلما حدث واخترمته المنية قبل إخراج القسمين الآخرين ويؤيد هذا ما رواه البيهقي بسند صحيح عن محمد بن ابراهيم بن محمد بن سفيان صاحب مسلم قال صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها هذا الذي قرأه على الناس يعني الصحيح والثاني: يدخل فيه عكرمة وابن اسحق وأمثالهما والثالث: يدخل فيه الضعفاء. قلت: وإنما اشتبه الأمر على القاضي عياض ومن تبعه بأن الرواية عن أهل القسم الثاني: مروية في صحيحه لكن حرف المسألة هل احتج بهم كما احتج بأهل القسم الأول أم لا والحق أنه لم يخرج شيئا مما تفرد به الواحد منهم وإنما يحتج بأهل القسم الأول سواء انفردوا أم لا ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني: ما يرفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول وكذلك إذا كان لحديث أهل القسم الثاني: طرق كثيرة يعضد بعضها بعضا فإنه قد يخرج ذلك وهذا ظاهر بين في كتابه ولو كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني: في الأصول بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو

عليه إلا تراه يخرج لعطاء بن السائب في المتابعات وهو من المكثرين ومع ذلك فما له عنده سوى مواضع يسيرة وكذا محمد بن اسحق وهو من يحور الحديث وليس له عنده في المتابعات إلا سنة أو سبعة ولم يخرج لليث بن أبي سليم ولا ليزيد بن أبي زياد ولا لمجالد بن سعيد إلا مقرونا وهذا بخلاف أبي داود فإنه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجا بها ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة وفي قول أبي داود ما كان فيه وهن شديد بينته فأفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد أنه لا يبينه ومن هنا تبين أن ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي بل هو على أقسام منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة إلى آخر ما قدمناه في هذا البحث عن الحافظ ابن حجر. وبهذا التحقيق يتضح لك ما في قول المصنف "قلت: الذي تلخص من عبارة أبي الفتح اليعمري وزين الدين بن العراقي أن ما سكت عنه أبو داود فهو في المعنى والصحة مثل حديث مسلم" لا أدري لم زاد لفظ المعنى فإن المعاني في الحديثين قد تختلف وإن جمعهما وصف الصحة "ولكن مسلم يسمي الحسن صحيحا كالحاكم والمتقدمين" هذا مبني على وجود القسم الثالث: في كتابه وقد عرفت ما فيه "فيحكم" أي مسلم "بأن كل ما في كتابه صحيح عنده على معنى أنه يجب العمل به وعلى معنى أنه ليس فيه ضعيف وإن كان فيه ما هو حسن عند من يجعل الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف" لا يخفى أن هذا لا يتم على تحقيق الحافظ الذي قدمناه وجزمه بأن مسلما لم يخرج إلا لأهل القسم الأول وهم أعلى مراتب الصحيح وأخرج لأهل القسم الثاني: ما يكون صحيحا لغيره فليس في كتابه إلا الصحيح لذاته وهم أهل القسم الأول والصحيح لغيره وهم أهل القسم الثاني: المتعاضدة أحاديثهم فليس في كتابه ما هو من قسم الحسن. ولما كان مقتضى كلام المصنف أن يوصف أحاديث سنن أبي داود بالصحة كما وصف أحاديث مسلم بها مع قوله بأنهما مستويان أجاب عن هذا بقوله "وإنما لم يجعل" أحاديث "سنن أبي داود صحاحا عنده" كما جعلنا أحاديث مسلم صحاحا عنده "لأنه" أي الشأن "لم يعرف هل ذهب" أبو داود "مذهب الحاكم والمتقدمين في تسمية الحسان صحاحا أم لا" أي بخلاف مسلم فقد عرفنا ما عنده من تسمية الحسان صحاحا "هذا" تقرير الكلام "عند زين الدين أما أبو الفتح" اليعمري "فجعل ما سكت عنه" أبو

داود "صحيحا كمسلم". لا يعزب عنك أن أصل كلام أبي الفتح لابن الصلاح بأنه يلزمه أن أحاديث أبي داود التي سكت عنها صحيحه كالقسم الثاني: من أحاديث مسلم لكنه ساق من عبارته ما دل على أن ما ألزم به ابن الصلاح يراه قويا فلذا قال المصنف إنه يسمى ما سكت عنه أبو داود صحيحا "وساعده" أي أبا الفتح "الزين" في مساواة أحاديث أبي داود لأحاديث مسلم "وإنما اعتذر" الزين "من إطلاق التسمية" على ما سكت عنه أبو داود بأنه صحيح "مضافة" التسمية "إلى اعتقاد أبي داود وهذا الاختلاف الذي وقع بينهما" أي بين الزين وأبي الفتح "قليل الجدوى لم يقع إلا في تسمية ما سكت عنه عنده" عند أبي داود "هل كان عنده يسمى صحيحا أم كان عنده" أي أبي داود "منقسما في التسمية إلى حسن وصحيح كاصطلاح المتأخرين والأكثرين فإنهم قصروا اسم الصحيح على أحد قسمي المقبول وخصوا ما دونه باسم الحسن وهذا يقتضي المساواة بين حديث مسلم وبين ما سكت عنه أبو داود من حديث السنن" كل هذا مبني على أن مسلما قد سمى الحسن صحيحا وأنه لم يرد بتسمية كتابه الصحيح إلا بمعنى المقبول وأنه لم يرد الصحة الاصطلاحية الخاصة أو أرادها وغلب الحسن في التسمية ومبني على أن إطلاق صحيح على ما سكت عليه أبو داود كإطلاق حسن عليه لا فرق بينهما في المعنى وإنما الخلاف لفظي بين الشيخين أبي الفتح والزين ونعم بتم أنه لا فرق بينهما حيث يراد بالصحيح في هذا الإطلاق معنى الحسن. قلت: إلا أنه لا خفاء في أن ظاهر قول الزين في العذر عن عدم إطلاق الصحيح على ما سكت عليه أبو داود لتحقق الحسن دون الصحة وقوله فكان الاحتياط أن لا يرفع ما سكت عنه أبو داود إلى الصحيح أن المراد بالصحيح هو الأخص وأن إطلاقه على ما سكت عليه رفع له إلى رتبة هو منحط عنها وغير متحققة له وأبو الفتح قال يطلق الصحيح على ما سكت عليه أبو داود بالمعنى الأعم فيشمل الصحيح الأخص والحسن لأن قول أبي داود إن ما سكت عنه صالح يحتمل الأمرين كما أن مسلما أطلق الصحيح على الأمرين معا وشملهما كتابه فابن رشيد لا يريد بالصحيح في إلزامه ابن الصلاح إلا معناه الأخص إذ معناه المرادف للحسن قد صرح ابن الصلاح بأنه الذي يحتمله ما كست عنه أبو داود

والتحقيق أن إلزام ابن رشيد لابن الصلاح مبني على أن قول أبي داود إن ما سكت عليه صالح يحتمل صلاحيته للصحة بالمعنى الأخص وبالمعنى الأعم الشامل للحسن فلما قال ابن الصلاح: إنه يحمل ما سكت عليه على الحسن قال أبو الفتح ابن رشيد بل ويحتمل الصحة بالمعنى الأخص فحمله على أحد محتمليه تحكم ثم قال بعد ذلك إنه يلزم ابن الصلاح حيث جعل الصالح بمعنى السحن وحمل عليه أن يلزم مسلما بأن في حديثه الحسن لأنه أتى بعبارة كعبارة أبي داود فإن لفظ الصحيح الذي سمى به كتابه يحتمل على أنه أراد به الصحيح بمعناه الأخص ويحتمل أنه المراد الأعم كاحتمال لفظ صالح عند أبي داود ثم إنه لما صرح في كتابه أنه ينقسم بانقسام الرواة إلى صحيح وأنزل منه وأنه أتى بهما فيه دل على أنه أراد به المعنى الأعم كما أن أبا داود قال إن الصالح المسكوت عنه بعضه أصح من بعض دل كلام كل واحد منهما على أنهما أتيا في كتابيهما بأحاديث تفاوت رتبها إلى صحيح وأصح والأصح هو الصحيح بالمعنى الأخص والصحيح هو الحسن فقد أراد مسلم بصحيح وصالح الصحيح بالمعنى الأعم الشامل للقسمين كما أراد أبو داود بصالح. وبعد هذا تعرف أن قول الزين إن صالح يحتمل الصحيح والحسن مراده الصحيح بالمعنى الأخص ومارد اليعمري أنه لا احتمال فيه بل هو ظاهر في المعنى الأعم كما دل له قول أبو داود إنه أتى في كتابه بالصحيح وما يشابهه وما يقاربه أي يشابهه ويقاربه في الصحة وقوله بعضها أصح من بعض وقد وجد في كتابه الحسن قطعا فمراده بصالح صحيح بالمعنى الأعم كما أراد مسلم وأن قوله مسلما التزم الصحة في كتابه يقول اليعمري نعم لكنه إلتزمها بمعناها الأعم لما قرره من كلام مسلم واشترطها أبو داود بذلك المعنى لقوله صالح وبعضها أصح من بعض. إذا عرفت هذا عرفت أن جواب الزين عن اليعمري لم يوافق بحثه ومراده أن اليعمري يقول إن الصالح بمعنى الصحيح بالمعنى الأعم وإن أبا داود كغيره يقول بانقسام الحديث إلى الثلاثة الأقسام لكنه عبر بلفظة صالح عن قسمين وبين الثالث: بقوله وما كان فيه وهن شديد وقوله فكان الاحتياط أن لا يرتفع ما سكت عنه إلى الصحيح يقال عليه قد عرفت أن مراد أبي داود بما سكت عنه أي عن بيان وهنه الشديد لأنه لم يسكت على غيره إذ قد حكم بأن الذي لم يبين وهنه صالح فالذي سكت عنه قد جعله صالحا وليس بمسكوت عنه بل موصوف بالصالح وهو محتمل

الأمرين كما عرفت ومنه تعرف أن أبا داود قائل برأي المتأخرين والأكثرين ويحتمل أن يريد زين الدين إن حملنا صالحا في عبارة أبي داود على الصحيح بالمعنى الأعم رفع له إلى فوق رتبة الحسن لأنه يشمل الصحيح بالمعنى الأخص الأحوط وصفه بالتحقق وهو الحسن لكنه قال أبو الفتح إن أبا داود لم يرسم شيئا بالحسن فكيف يثبت له شيئا لم يقله سيما وقد قال إنه صالح وبعضه أصح من بعض. وبهذا علم أن رأي أبي داود هو الثاني: أعني إدراج الحسن في الصحيح هذا وقول المصنف إن الشيخين جعلا أحاديث مسلم وأبي داود مستوية لا يخلو عن تأمل لأن الزين قال إن مسلما شرط الصحة فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه أنه حسن لما تقدم من قصور رتبة الحسن ووصف أحاديث أبي داود المسكوت عنها بالحسن الذي رتبته أنقص من رتبة الصحيح فهذا يشعر بأنه لم يسو بينهما وأما أبو الفتح فظاهر عبارته التسوية "فإما أن يريدوا" أي أبو الفتح والزين ومن تبعهما "المساواة بينهما" أي بين أحاديثهما "في أن كل واحد منهما واجب القبول عند مخرجه فذلك قريب ولا يقتضي المساواة المطلقة أو يريدوا أنهما سواء على الإطلاق فذلك غير صحيح" لما ذكره من قوله "فإن من أنس بعلم الأثر وطالع كتب الرجال" أي تراجم العلماء في كتب الرجال التي وضعت لبيان أحوال الرواة وغيرهم "لم يشك أن مسلما كان أكثر احتياطا من أبي داود" في الرواة "كما لا يشك أن البخاري كان اكثر احتياطا من مسلم وإن كان مقصد الكل" من الثلاثة "حسنا فإن من تساهل منهم لم يحمله على التساهل هوى وإنما حمله أنه رأى أن قبول ما رواه واجب ورده حرام فاحتاط كل منهم للمسلمين فجزاهم الله أفضل الجزاء". ومن الأدلة أن مسلما وإن روى عن بعض الضعفاء فإنه يعتمده قوله "وقد روى النووي في شرح مسلم أن مسلما ذكر أنه ربما أخرج الحديث في الصحيح" أي في كتابه المسمى بالصحيح "بالإسناد الضعيف لعلوه وله إسناد صحيح معروف عند أهل هذا الشأن فقد تركه نزولا استغناء بشهرته وهذا يدل بالنص على أن مسلما وإن روى عن بعض الضعفاء لم يدل على أنه اعتمدهم ولذا ضعف المحققون قول من يقول صحيح على شرط مسلم لمجرد إسناده إلى رواة مسلم" فإنه ليس كل من في صحيحه من الرواة غير ضعيف إذ قد صرح بأن فيهم الضعيف لكن ليس فيه حديث ضعيف "وهذا جواب واضح على اليعمري وزين الدين" عما زعماه من مساواة حديث مسلم

لحديث أبي داود. "واعلم أن المقصود بهذا الكلام هو التعريف بأن حديث مسلم عند التعارض أرجح من حديث أبي داود لمن لم يتمكن من البحث عن إسنادهما والكشف عما قيل في رجالهما وجميع ما يتعلق بهما من علوم الحديث وذلك" أي وجه ترجيح حديث مسلم عند التعارض "لما تقدم من أن جماعة من الثقات قد ادعوا الإجماع على صحة كتاب مسلم" يقال: كيف تتم هذه الدعوى مع أنه قد صرح أنه قد ينزل عن الثقات وأهل الإتقان إلى من هو دونهم فلا بد من حمل الصحة المتفق عليها على ما يشمل مراتب الصحة التي يدخل فيها الحسن لكن ظاهر ما سلف للمصنف أن الإتقان على الصحة بالمعنى الأخص وقد تقدم عن الحافظ ابن حجر ما نقلناه من تحقيق حال أحاديث مسلم بما يرفع درجته عن أحاديث أبي داود. "ولم يختلف في الترجيح لما تلقته الأمة بالقبول على غيره من الصحيح المقبول" فإن ما تلقته الأمة بالقبول أرجح من غيره من الصحيح الغير المتلقي والتلقي من الأمة وقع للصحيحين كما سلف ولم يقع التلقي لسنن أبي داود فأحاديث مسلم أرجح إذا عارضها صحيح غير البخاري فكيف إذا عارضها ما فيه الحسن ونحوه وتقدم البحث عن دعوى التلقي. "وإنما وقع الخلاف" بين الأمة "في أن المتلقي بالقبول هل يفيد العلم الاستدلالي أم لا وقد مر ذلك" ومر ما فيه "فمن قال إنه يفيد العلم قدم مسلما على الإطلاق" سواء كان من أهل البحث أو من غيرهم "ومن قال إنه يفيد الظن فإن لم يكن من أهل الكشف" أي البحث عن أسانيد "قدمه أيضا" لأنه يجب العمل بالظن عند عدم أقوى منه "وإن كان من أهل الكشف بحث" عن أسانيد المتعارضين من حديث مسلم وحديث أبي داود "فإن حصل له من البحث ظن أرجح" إما بترجيح حديث مسلم أو ترجيح حديث أبي داود "من الظن الحاصل من تلقي الأمة بالقبول صار إليه" إلى ما رجح له لأنه لا يعمل بظن مرجوح عند وجود ظن راجح "وإن كان تلقي الأمة بالقبول أرجح في ظنه عمل به وأهل الكشف هم المتمكنون من النظر في الأسانيد والكشف عن أحوال الرواة". "فإن قيل: قد نقل الحافظ ابن النحوي في البدر المنير والحافظ زين الدين في التبصرة عن الحافظ أبي عبد الله بن منده أنه قال عن أبي داود إنه يخرج الإسناد

الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه عنده أقوى من رأي الرجال" وقدمنا هذا قريبا "وهذا يقتضي أن في ما سكت عنه ضعيفا عنده لا يجوز العمل به" لأنه لا يعمل إلا بصحيح أو حسن وهذا خارج عنهما لأنه ضعيف لم يعضده خبر آخر بل لم نجد غيره "وذلك الضعيف" الذي صرح أبو داود بإخراجه في كتابه "غير متميز عن غيره فوجب ترك الجميع" أي جميع ما سكت عنه لأنه وإن كان فيه ما يصح به العمل لكنه لم يتميز عما لا يصح. "ولم يحل الاحتجاج بشيء منها إلا بعد الكشف عن أحوال رجالها في كتب الجرح والتعديل وهذا خلاف ما عليه العمل" من العلماء فإنهم يحتجون بما سكت عنه أبو داود كما تقدم "وخلاف ما نص عليه الحفاظ كابن الصلاح والنووي وزين الدين بن العراقي وسراج الدين بن النحوي وغيرهم" فإنهم قالوا نحتج بما سكت عنه أبو داود إلا أن يظهر في بعضها أمر يقدح في الصحة والحسن وجب ترك ذلك كما نقله المصنف عن النووي قريبا وتقدم الكلام في أن ما سكت عنه أنه يحتمل الصحة والحسن. "قلت: الجواب أن ذلك لا يشكل إلا على من كان لا يعرف ما اصطلح عليه القوم في باب مراتب الجرح والتعديل وغيره من أبواب علوم الحديث وأنت إذا بلغت هذا الباب" من الجرح والتعديل "عرفت أنهم يطلقون الضعيف على العدل في دينه المتوسط في مراتب الحفظ والإتقان" لا يخفى أنهم إن أرادوا هذه فهذه صفة رواة الحسن الذي خف ضبطهم "وقد نص زين الدين في مراتب التجريح الخمس على أن الضعيف وهو في المرتبة الرابعة منها" أي من مراتب التجريح "يكتب حديثه وحديث من في مرتبته" لا فائدة لزيادته "ومن في المرتبة الخامسة للاعتبار بهم" وقد تقدم للمصنف هذا وتقدم ما عليه "دون أهل المراتب المتقدمة من المجروحين" فإنه لا يكتب حديثهم لذلك. "وروى عن أبي حاتم في" أهل "مراتب التعديل الخمس أن أهل المرتبة الرابعة منهم يكتب حديثهم للاعتبار بهم وهم" أي أهل المرتبة من مراتب التعديل "من قيل فيه إنه صالح الحديث" قد عرفت أنه قال أبو داود إن ما سكت عنه من الحديث فإنه صالح وجعلوا هذه العبارة تحتمل الصحة والحسن "أو محله الصدق أو شيخ أو وسط أو شيخ وسط أو مقارب الحديث أو نحو ذلك" بفتح الراء وكسرها كما قال الزين واعلم أن ابن معين قال من قيل فيه إنه ضعيف فليس بثقة ولا يكتب حديثه نقله عن زين الدين وذكر في ذلك خلافا سيأتي بيانه "كما سيأتي إن شاء الله في موضعه".

"فعرفت بهذا أن الضعيف في رابعة مراتب الجرح هو صالح الحديث في رابعة مراتب التعديل ولكنه يوصف بالضعف بالنظر إلى من فوقه من الثقات الإثبات المتقنين ويوصف بصلاح الحديث بالنظر إلى صدقه وترفعه عن مرتبة المغفلين المكثرين من الخطأ وترفعه عن مرتبة المجروحين والمتهمين ويدل على ما ذكرته ما ذكروه في أقسام الضعيف كما يأتي من أن الحديث قد يسمى ضعيفا عندهم إذا كان من طريق رجال الحسن المستورين غير أنه لم يرد له شاهد ولا متابع ويدل على ما ذكرته ما تقدم من قول أبي الفتح بن سيد الناس إن شرط أبي داود كشرط مسلم" لكنه لا يخفي أنه لم يرفضه المصنف فيما سلف ثم هذا كله يتم إن كان مراد أبي داود بقوله إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره الإسناد الذي ليس فيه وهن شديد الذي التزم أنه يبينه وهذا محل تتبع لما في سنن أبي داود "و" يدل له "ما رواه" أبو الفتح "عن مسلم قوله لي كل الصحيح تجده عند مثل مالك وشعبة وسفيان واحتاج أينزل إلى مثل ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان فدل هذا على أن رواة أبي هريرة الذي سكت عنهم من أهل الصدق والعدالة عنده وأن تفاوتهم إنما هو في الحفظ والإتقان" هذا مبني على أنه لا فرق بين رجال مسلم وأبي داود فإن المصنف جعل عبارة مسلم في رواته دليلا على أن رواة أبي داود يتصفون بصفة رواة مسلم وهذا ينقض ما سلف له قريبا ولا يتم على كل تقدير لما علم بالخبرة أن في رجال أبي داود ممن يعتمدهم في الأصول رجالا لا يرتضيهم مسلم إلا في التوابع والشواهد كما قد سبقت أمثلة من ذلك فيما قدمناه ولا يتم قوله أيضا "والضعيف منهم" أي من رواة أبي داود "إنما هو ضعيف الحفظ ضعفا متوسطا لا يحطه إلى مرتبة من لا يكتب للاعتبار" لكنه لا يكون حجة يعمل بحديثه. "ولهذا جعلوا من قيل فيه أنه ضعيف بمرة في ثالثة مراتب الحرج وجعلوه ممن لا يكتب حديثه للاعتبار ومعنى الاعتبار عندهم الطلب التوابع والشواهد التي يعرف بها أن للحديث أصلا ويترقى حديث الضعفاء إلى مرتبة الحسن وسوف يأتي تعريف معنى الشواهد والتوابع والفرق بينهما في بابه إن شاء الله" ويأتي تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله تعالى إلا أنك قد عرفت أن أبا داود قال إنه يذكر الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره فيبني عليه حكم ولذا قال إنه أولى من الرأي والرأي إنما يحتاج

إليه عند رواة الحكم فهو لا يذكره للاعتبار بل ليبني عليه أحكاما ثم إنه مبني على أنه لم يجد في الباب غيره وأي شيء يعتبر هو به وإن أريد أن غير أبي داود من الأئمة يعتبر به فلا يكون عذرا لأبي داود لأنه لم يأت به إلا للحكم به. "فالإسناد الضعيف على هذا واجب القبول عند كثير من الأصوليين والفقهاء وإن لم يتابع راويه على روايته" ولا يكون حسنا لذاته ولا لغيره "وأما المحدثون فيذهبون إلى قبوله متى جمع شرائط الحديث الحسن" لذاته أو لغيره "إلا البخاري فلم يقبله كما تقدم وبوضح ما ذكرته أن الإسناد الضعيف الذي ذكره ابن منده في السنن مقبول عندهم هو ما قدمناه عن أبي داود من قوله إن ما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض" لا يعزب عنك أن نقل ابن منده عن أبي داود أنه قال يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وهذا نص منه أنه يخرج الضعيف وقال فيما سكت عنه إنه صالح ثم قال وبعضها أي بعض الأحاديث التي سكت عنها أصح من بعض فعبارته تشعر بأن الذي سكت عنه صحيح أو أصح والذي أخرجه عند عدم وجود غير ورآه أولى من الرأي ضعيف فكيف يقول المصنف إن الذي ذكره ابن منده هو الذي قدمه عن أبي داود فليتأمل "ولهذا قال ابن منده" الأولى قال أبو داود لأن ابن منده راو للفظه ومراده قال راويا "إنه" أي أبا داود "يورد الإسناد الضعيف ولم يقل الحديث الضعيف لأن الحديث في نفسه قد يقوي متنه لاجتماع الأسانيد الضعيفة إذا كان رواتها في مرتبة رجال الحسن ولم يكونوا ضعفاء بمرة" لكنه غير خاف عليك أنه قال أبو داود إنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد غره فأين اجتماع الأسانيد الضعيفة التي ترقيه إلى الحسن إذ لو كان شيء يرقيه إلى مرتبة الحسن لما قال إذا لم يجد غيره وإن أراد أن غير أبي داود وجد له أسانيد عاضدة لحديثه الذي لم يجد غيره فلا ينفع ذلك بالنظر إلى أبي داود إذ قد أتى بضعيف لم يعضده شيء عنده ورتب عليه حكما ومنه تعرف ما في قوله. "ومن نفائس هذا الفصل أن لا تظن" أيها المخاطب كما يرشد إليه قوله واهما "الانفراد في أحاديث السنن إذا لم يورده" أي الحديث الدال عليه الأحاديث "أبو داود إلا بإسناد من الأسانيد الضعيفة واهما" من ظن الانفراد في أحاديث السنن "أنه" أي أبا داود "إنما ترك الشواهد والمتابعات لعدمها" عند أبي داود فيظن الانفراد "و" يظن الواهم "أن شرط الحديث الحسن وجودها" أي الشواهد والمتابعات "فليس كذلك" أي ليس كما ظنه

من أن وجودها شرط "فنصه" أي أبي داود "على أن ما سكت عنه فهو صالح يقتضي معرفته لمتابعات" وشواهد تقويه فيه بحثان: الأول: إن هذا الذي سكت عنه هو الذي أخبر عنه بأنه صالح والصالح صحيح أو أصح عنده كما عرفت. والثاني: أنه لم يسكت عما لم يجد في الباب غيره بل قال إنه ضعيف. نعم يشكل وجود حديث في السنن مسكوت عنه فإنه يحتمل أن سكوته عنه لكونه صالحا أو أنه ضعيف فلا يعرف الفرق بينهما إلا بأن نجد حديثا ليس في الباب غيره فيحكم بضعفه ثم إنه مبني على أنه لا يأتي في باب من أبواب كتابه بما وهنه شديد وإن لم تجد إلا هو وهذا كله يفتقر إلى تتبع كتاب أبي داود لأن ما سكت عنه قد احتمل الضعف واحتمل أنه صالح "من باب معرفة اصطلاحهم ومن باب الحمل على السلامة" هذا كلام حسن لكنه يقال عليه إنه قد صرح أبو داود أنه يأتي بالضعيف إذا لم يجد في الباب غيره من تابع أو شاهد فحمله على السلامة إنما هو بقبول خبره عن نفسه "فإن مثل أبي داود مع جلالته ومعرفته وأمانته" يجب قبول خبره عن نفسه كما يجب قبول ما أخبر به عن غيره وقد أخبر عن نفسه بما عرفت. وأما قوله: "لا يطلق ذلك" أي لفظ صالح فيها سكت عنه "على ما لا يستحق اسم الصحيح أو الحسن في عرفهم الشائع" فقد عرفت أنه لم يطلقه إلا على صحيح أو حسن "فكيف وقد روى الحافظ سراج الدين بن النحوي في مقدمات كتابه البدر المنير عن أبي داود أنه يخرج في الباب أصح الأسانيد ويترك بقيتها تخفيفا على طلبة هذا العلم الشريف" هذا محمول على ما يخرجه في باب أحاديث الأحكام التي يذكر فيها كثيرة وأما ما يخرجه في باب أو في حكم لا يجد فيه إلا حديثا واحدا فإنه قد صرح بأنه ضعيف "وهذا يدل على أنه إنما نص على صلاحية ما سكت عنه مما إسناده ضعيف لم عرف من شواهده" قد عرفت أنه نص على صلاحية ما سكت عنه ونص على أنه يخرج الضعيف الذي لا يجد غيره في الباب ونص على أنه يخرج ما اشتد وهنه مع بيانه وإذا كان هذا نصه فليس لنا التحكم بأن ما سكت عنه فهو صحيح أو حسن حتى يعلم أن في الباب غيره إذ هو الذي صرح بأنه يخرجه مع ضعفه نعم الذي لا يجد في الباب غيره قليل بالنسبة إلى مقابله فقد يقال الحكم للأعم الأغلب وهو الصلاحية للمسكوت عنه إلا أن هذا لا يكفي في إثبات الأحكام.

"وأما الذهبي" كأنه قسيم إماما تقدم من الأقاويل أي هذا ما قال أئمة هذا الشأن غير الحافظ الذهبي "فقال في ترجمة أبي داود من كتابه النبلاء قال أبو داود ذكرت في السنن الصحيح وما يقاربه فإن كان فيه وهن شديد بينته قال الذهبي وقد وفى بذلك رحمه الله بحسب اجتهاده وبين ما ضعفه شديد غير محتمل وكاسر" بالسين المهملة في القاموس كسر من طرفه غض أي غض أبو داود "عما ضعفه خفيف محتمل" غير شديد. "فلا يلزم من سكوته والحال" عنده "هذه عن الحديث أن يكون حسنا عنده" لأنه قد سكت عما فيه ضعف محتمل وليس هذا بداخل في باب الحسن "ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح" وهو الحسن لذاته فإنه إنما يعتبر فيه خفة الضبط كما عرفت فإنه "الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء أو الذي يرغب عنه البخاري" كان الأولى الإتيان بكلمة الواو عوضا عن أو لأن الذي يرغب عنه البخاري هو الحسن لذاته "ويمشيه مسلم وبالعكس" لا أدري ما يراد به فينظر إذ المعروف أن البخاري لا يعمل بالحسن لذاته كما تقدم ومسلم يدخله في قسم الصحيح وعكس هذا ما أدرى ما أراد به الذهبي "فهو" أي المذكور بالحسن لذاته "داخل في أدنى مراتب الصحيح" كما قد عرفته من كلام العلائي وغيره "فإنه" أي الحسن لذاته "لو انحط عن ذلك" أي عن شرائطه بالاصطلاح المولد "لخرج الاحتجاج". "وكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان وذلك نحو من شطر الكتاب" وهذا كله تقرير لكون ما كاسر أبو داود عن ضعفه المحتمل وسكت عنه لا يدخل تحت الحسن ولا يحتج به لأنه قد انحط عن رتبته وهذا خلاف ما قاله المصنف في تقريره "ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين" كأن المراد به مسلم "ورغب عنه الآخر" البخاري "ثم يليه ما رغبا عنه وكان إسناده جيدا سالما من علة وشذوذ ثم يليه ما كان إسناده صالحا وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا يعضد كل منهما الآخر ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص في حفظ راويه فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالبا ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه فهذا لا يسكت عنه بل يوهنه غالبا وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته والله أعلم انتهى بلفظه". واعلم أنه قد تحصل من كلام الذهبي هذا أن أحاديث أبي داود على ستة أقسام:

على شرط الشيخين على شرط أحدهما ما كان إسناده جيدا سالما عن شذوذ وعلة ما كان إسناده صالحا وعضده غيره ما كان إسناده ضعيفا لضعف حفظ راويه ما كان بين الضعف. وأنت إذا قابلت بين هذا وبين كلام المصنف وجدت بين الكلامين اختلافا وكذا إذا قابلت بينه وبين ما نقل عن أبي داود وإنما هذا إخبار من الذهبي عن حقيقة أحاديث السنن باعتبار ممارسته لها لا باعتبار كلام مؤلفها وكأنه لهذا قال المصنف وأما الذهبي "كما هو معروف من عوائد الحفاظ ولقد قال بعض حفاظ الحديث إن الحديث إذا لم يكن عندي من مائة طريق فأنا فيه يتيم" اليتيم: الفرد كما في القاموس وكأن هذا من قوله كما هو معروف إلى هنا معلق بقوله وأما الذهبي وفيه نوع خفاء وتعلقه بقوله لما عرف من شواهده أظهر وإن كان قد بعد بتوسيطه بنقل كلام الذهبي. "فهذا الكلام الذي أوردته يعرف شرط أبي داود ومن أحب الكشف عما سكت عنه فهو أولى وأقرب إلى التحقيق التام وهو طريقة أهل الإتقان من طلبة هذا الشأن وأعون كتاب على ذلك" أي على الكشف عن أحاديث أبي داود التي سكت عليها "كتاب الأطراف للحافظ الكبير حمال الدين أبي الحجاج المزي" بضم الميم وكسرها كما في القاموس وآخر زاي بلدة بدمشق "لمعرفة طرق الحديث وكتاب الميزان للذهبي للكشف عن أحوال الرجال وأقرب منها مختصر الحافظ عبد العظيم" أي المنذري "لسنن أبي داود فإنه تكلم على جميع ما فيها مما يحتمل الكلام وبين ما فيها مما في الصحيحين وغيرهما وصححه أو حسنه أبو عيسى الترمذي وجود الكلام على حديثهما غاية التجويد وجاء كتابه مع كثرة فوائده صغير الحجم لم يزد على مجلد". ذكر الحافظ المذكور في خطبة مختصريه المذكور عن ابن داسه أنه قال سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ويكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنيات" 1 والثاني: قوله: "من

_ 1 سبق تخريجه.

حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" 1والثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضي لأخيه ما يرضي لنفسه" 2 والرابع: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ... ", الحديث3. ثم ذكر فيها أيضا أنه حكى أبو عبد الله محمد بن اسحق بن منده الحافظ أن شرط أبي داود والنسائي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال السند من غير قطع ولا إرسال وحكى عن أبي داود أنه قال ما ذكرت في كتابي حديثا اجتمع الناس على تركه انتهى. وأعلم أنه قد أطال المصنف رحمه الله الكلام على شرط أبي داود ولم يسفر وجه إطالته عن شيء يعتمد عليه. * * *

_ 1 الترمذي قي: الزهد: ب 11, وابن ماجة في: الفتن: ب 12, ومالك في: حسن الخلق: حديث 3, وأحمد 1/201. 2 البخاري 1/10. ومسلم في: الإيمان ب 17. حديث 71. وأحمد 3/176. 3 البخاري 7/30. ومسلم في: المساقاة: حديث 108. وابن ماجة 3984.

مسألة (15) : في بيان شرط النسائي

مسألة: 15 [في بيان شرط النسائي] "شرط النسائي" هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي1 في القاموس أن نسا بلدة وبلدة بسرخس ذكره في المعتل ولم يذكره في المهموز "واعلم أن من الناس من يفضل كتاب النسائي في القوة والصحة على سنن أبي داود" وقد أطلق الصحة عليه أو على النيسابوري وأبو أحمد بن عدي والدارقطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد قال ابن الصلاح: وقد أطلق الخطيب السلفى الصحة على كتاب النسائي انتهى. قال الحافظ ابن حجر: أطلق الحاكم الصحة عليه وعلى كتاب أبي داود والترمذي وقال أبو عبد الله بن منده الذي خرجوا الصحيح أربعة البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأشار إلى ذلك أبو على بن السكن "وقد روى أن له شرطا أعز من شرط البخاري" قال الحافظ الذهبي في التذكرة إنه قال ابن طاهر سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه فقل قد ضعفه النسائي فقال يا بني إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم "ولكنه لم يصح عنه دعوى ذلك ولا ذكر ذلك الحافظ ابن الصلاح في علوم الحديث ولا الحافظ زين الدين بن العراقي في التبصرة بل نقل زين الدين في التذكرة عن ابن منده أن شرط النسائي أن يخرج حديث من لم يجمع على تركه" قد قدمنا أن هذا قاله الحافظ المنذري نقلا عن أبي داود في خطبة مختصر السنن ولكنه قال الحافظ ابن حجر إنما أراد بذلك إجماعا خاصا وذلك أن كل طبقة من طبقات الرجال لا تخلوا عن متشددة ومتوسطة فمن

_ 1 أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي القاضي الإمام الحافظ. قال الذهبي: هو أحفظ من مسلم بن الحجاج وقال الحاكم: كان أفقه مشايخ مصر في عصره مات سنة 303. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/123.وشذرات الذهب 2/239. والعبر 2/123.

الأولى شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد منه من الثانية يحيى بن القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى أشد من عبد الرحمن ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى أشد من أحمد ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من البخاري فقال النسائي لا يترك الرجل عندي حتى يجمع الجميع على تركه. ثم قال ابن حجر فإذا تقرر ذلك ظهر أن ما يبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي يجتنب النسائي إخراج حديثه. انتهى. "قال زين الدين: هذا مذهب متسع" قد عرفت مما نقلناه عن ابن حجر ما لا يتم معه هذا "ذكر ذلك الذهبي في تذكرته" أي تذكرة الحفاظ "في ترجمة النسائي عن ابن طاهر عن سعد بن علي الزجاني قوله والله أعلم" قد عرفته مما نقلناه من التذكرة عن ابن طاهر عن الزنجاني وأن دعواه أن شرط النسائي أشد من شرط البخاري ومسلم وظاهر كلام المصنف أن الذي في ترجمة النسائي. من التذكرة هو هذا المنقول عن ابن منده ولم أجده في التذكرة في ترجمة النسائي. "وقال" الذهبي "في النبلاء في ترجمة النسائي إن ذلك صحيح" أي ما قاله سعد الزنجاني "وقال في النسائي هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم والترمذي وأبي داود وهو جار في مضمار البخاري وأبي زرعة" هذا كلام الذهبي وهو ينافي ما تقدم من أنه لم يصح عن النسائي دعوى ذلك إلا أن يقال أن النسائي لم يدع ذلك لكن الأئمة الحفاظ تتبعوا كتابه فوجدوه بهذه المثابة فحكموا له بهذا الحكم كما قلناه في شرط الشيخين. "وقد تكلم الحافظ سراج الدين" أي ابن النحوي "في أول البدر المنير على شرطه واستقصى كلام الحفاظ فيه وروى أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة جامعه" يعني جامع الأصول "أن النسائي سئل قال" ابن الأثير إنه سأله عنه بعض الأمراء أي "عن حديث سننه الكبرى أصحيح هو فقال لا فقيل له اختصر لنا الصحيح منه وحده فصنف كتاب المجتبي واقتصر فيه على ذكر الصحيح مما في السنن انتهى". قال ابن الأثير: إن ترك كل حديث مما تكلم في إسناده بالتعليل انتهى. "قلت: والمجتبي هو السنن الصغرى ولهذا يقول المحدثون رواه النسائي في سننه الكبرى وهذا يقوي أنه لا يجوز العمل بحديث السنن الكبرى من غير بحث" لا يخفى

أنه قال أئمة هذا الشأن في سنن النسائي الكبرى بقولين الأول أن شرطه فيها أشد من شرط الشيخين الثاني: أن شرطه فيها شرط سنن أبي داود وهو إخراج حديث من لم يجمع على تركه. والمصنف قد أجاز العمل بما سكت عليه أبو داود بما طول فيه الكلام فليجعل سنن النسائي مثله "وأما السنن الصغرى المسماة بكتاب المجتبي فيجوز" أي العمل بما فيها من غير بحث "ولعلها هي التي فصلت" أي التي قيل إن رجالها شرط النسائي فيهم أشد من شرط البخاري. "لكن قال الذهبي في ترجمة النسائي في النبلاء إن هذه الرواية لم تصح" أي التي ذكرها ابن الأثير "بل المجتبي اختصار ابن السني تلميذ النسائي" وقال في ترجمة ابن السني في تذكرة الحفاظ إ ابن السني صاحب كتاب عمل يوم وليلة وراوي سنن النسائي كان دينا خيرا صدوقا إلى أن قال واختصر السنن وسماه المجتبي انتهى بلفظه ولم يذكر في ترجمة النسائي أنه اختصر السنن. "قال" أي الذهبي "وهذا هو الذي وقع لنا من سننه سمعته ملفقا من جماعة سمعوه من ابن باقا" ضبط بالقلم بالموحدة فألف فقاف "برواية عن أبي زرعة المقدسي سماعا لمعظمه إجازة لفوت له محدد" أي معروف حده "في الأصل" متعلق بمحدد "قال أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حميد الدروي ثنا القاضي أحمد بن الحسين الكسار أنا ابن السني عنه قال" الذهبي "وكتاب خصائص علي" ابن أبي طالب رضي الله عنه الذي ألفه النسائي بسبب دخوله دمشق فإنه قال دخلت دمشق والمنحرف بها عن على كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله ذكره الذهبي في ترجمته في التذكرة "داخل في سننه الكبرى وكتاب عمل يوم وليلة من جملته في بعض النسخ" أي نسخ سنن النسائي الكبرى وكأنه منه أخذ ابن السني كتابه عمل يوم وليلة زاد فيه ما ليس من السنن "فمن أحب البحث عن حديثه والكشف عن رجاله استعان بمطالعة أطراف المزي وميزان الذهبي كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في سنن أبي داود" وتقدم تحقيقه.

مسألة (16) : في بيان شرط ابن ماجه

مسألة: 16 [في بيان شرط ابن ماجه] "شرط ابن ماجه" قال الحافظ الذهبي في التذكرة في ترجمته الحافظ الكبير المفسر هو أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني1 هو صاحب السنن والتفسير والتاريخ لقزوين "وأما سنن ابن ماجه فإنه دون هذين الجامعين" يعني كتاب أبي داود وكتاب النسائي " والبحث عن أحاديثها لازم وفيها حديث موضوع في أحاديث الفضائل وقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن ابن ماجه ثقة كبير متفق عليه محتج به له معرفة وحفظ" هذا الكلام نقله الذهبي في التذكرة عن أبي يعلي الخليلي لا من كلامه نفسه "إلى أن قال وسنن أبي عبد الله كتاب حسن لولا ما كدره بأحاديث واهية ليست بالكثيرة انتهى كلام الحافظ الذهبي" ونقل الذهبي عن ابن ماجه أنه قال عرضت هذه السنن على أبى زرعة فنظر فيه وقال أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها ثم قال لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف. وأقر هذا الكلام في التذكرة "و" لكنه "قال" الذهبي "في ترجمته في النبلاء وقول أبي زرعة لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في سنده ضعف أو نحو ذلك إن صح كأنما عنى بثلاثين حديثا الأحاديث المطرحة الساقطة وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة لعلها نحو الألف وقال فيه" في النبلاء "كان حافظا ناقدا صادقا واسع العلم وإنما غض" بالغين والضاد المعجمتين يقال غض منه نقص ووضع من قدره كما في القاموس "من رتبة سننه ما فيها من المناكير وقليل من الموضوعات وإنما أراد الذهبي" بقوله قليل "تقليل الأحاديث الباطلة" ولذا قال من الموضوعات "وأما الأحاديث

_ 1 أبو عبد الله بن محمد بن يزيد القز ويني سمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام وغيرها. قال الخليلي: ثقة كبير متفق عليه مجمع به مات سنة 283. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/52. وشذرات الذهب 2/164. ووفيات الأعيان 1/484.

الضعيفة في عرف أهل الحديث ففيه قدر ألف حديث منها كما ذكر في النبلاء في ترجمة ابن ماجه وقدر" بتشديد المهملة أي الذهبي "الباطلة بعشرين حديثا فيحرر من النبلاء". قال الذهبي في التذكرة وعدد كتب سننه اثنان وثلاثون كتابا قال أبو الحسن بن القطان صاحب ابن ماجه في السنن ألف وخمسمائة باب وجملة ما فيها أربعة آلاف حديث. انتهى. وقال ابن حجر في الفهرسة إنه قال الحافظ المزي إن الغالب فيما انفرد به ابن ماجه الضعف ولذا جرى كثير من القدماء على إضافة الموطأ أو غيره إلى الخمسة قال الحافظ أول من أضاف ابن ماجه إلى الخمسة أبو الفضل بن طاهر حيث أدرجه معها في الأطراف وكذا في شروط الأئمة الستة ثم الحافظ عبد الغني في كتابه في أسماء الرجال الذي هذا به الحافظ المزي وسبب تقديم هؤلاء له على الموطأ كثرة زوائده على الخمسة بخلاف الموطأ وممن اعتنى بأطرافها الحافظ ابن عساكر ثم المزي مع رجالها. * * *

مسألة (17) : في الكلام على جامع الترمذي

مسألة: 17 [في الكلام على جامع الترمذي] "وأما جامع الترمذي فلم يتعرض" كأنه يريد الذهبي "لذكر شرطه لأنه" أي الترمذي "قد أبان عن نفسه وذكر الصحيح والحسن والغريب" أي ذكره في كل حديث يسوقه. فإن قلت: قد يجمع بين الصفات الثلاث ومع تنافيها عرفا لا يعرف الناظر في كتابه مراده فيها. قلت: سيأتي الجواب عن هذا في كلام المنصف. "وما لم يصححه ولا يحسنه فالظاهر أنه عنده ليس بحجة" على أنه لا يعزب عنك ما أسلفناه فيما صححه أو حسنه من البحث فتذكر "فمن أحب أن يعتمد على ما لم ينص الترمذي على صحته أو حسنه لزمه البحث" عن رجال إسناده. "وقد صنف في الحديث غير واحد من الحفاظ" كما هو معروف في مثل تذكرة الحفاظ وغيرها وإيراده لهذه الجملة لدفع ما يتوهم أنه لم يصنف في الأحاديث كتب معتبرة إلا ما ذكر "وكتب التفاسير" للقرآن "والرقائق" كالكتب الوعظية من نحو الأحياء للغزالي وإن كان يشمله أيضا قوله "والفقه" فإنه جامع لذلك مع غيره "والأصول وغيرها تشتمل على كثير من الحديث" إذ علم الحديث هو الأدلة للأحكام والأصول والوعظ ولبيان معاني القرآن. "وحكم جميع ذلك موقوف" أي العمل به "على البحث" عن صحة الحديث وحسنه وضعفه وكأن مراده بجميع ذلك ما عدا ما في الصحيحين نحوهما مما حكم الأئمة بصحته فإن هذه الكتب فيها من أحاديث الصحيحين "والنظر في الرجال عند من لا يقبل المرسل" مراده بالمرسل ما هو أعم مما هو معروف عند أئمة الحديث "وللمرسل شروط تأتي في بابه إن شاء الله تعالى" في أواخر الكتاب. "وبالجملة فمن روى حديثا من أئمة الحديث أو غيرهم من الفقهاء وسائر أهل العلم

فإنه لا يجوز القوم بصحة الحديث بمجرد رواية من رواه وإن كان الراوي في أرفع مراتب الثقة" إذ مجرد روايته ليس تصحيحا "إلا بنص" منه أو من غيره "على صحته وحده أو على صحة كتاب هو فيه أو يرسله بصيغة الجزم عند الزيدية والمالكية والحنفية كما سيأتي في المرسل فأما مجرد الرواية فليست طريقا إلى تصحيح الحديث لعدم إشعارها بذلك ولأن أكثر الثقات ما زالوا يروون الحديث الضعيفة وسوف يأتي ذكر هذه المسألة" في بحث هل رواية العدل تعديل. "وإنما ذكرت شروط أهل السنن كلهم" كأنه جواب عما يقال إن أهل علوم الحديث لم يذكروا إلا شرط الشيخين "وإن لم يكن من جملة علوم الحديث" كأنه يريد مما لم يذكره من ألف في هذا الفن وإلا فإنها من علوم الحديث "لأن ابن الصلاح وزين الدين ذكرا شروط البخاري ومسلم وأبي داود" وبه تعرف أن مراد المصنف بقوله شروط أهل السنن ليس إلا النسائي وابن ماجه وأبو داود قد ذكروا شرطه والترمذي لا شرط له كما ذكره المصنف "والمستدركين على البخاري ومسلم المستخرجين لأحاديثهما" الظاهر في عبارته أن المستخرجين صفة للمستدركين ولكن قد عرفت مما سبق أن المستدركين هم الذي تتبعوا أحاديث كتابي الشيخين وانتقدوا رجالا من رواتهما كما صنعه الدارقطني وغيره وأما المستخرجون فليسوا بمستدركين كما عرف من ذكرهم وذكر شروطهم فيما تقدم على أن المستدركين لم يذكر لهم شرطا فيما سبق ولا ذكره الزين ولا ابن الصلاح. "وذكر زين الدين شرط النسائي باختصار كثير فرأيت ذكر شروطهم الجميع أكثر مناسبة" وأكمل إفادة "والله أعلم". * * *

مسألة (18) : في ذكر شرط المسانيد

مسألة: 18 [في ذكر شرط المسانيد] "شرط المسانيد" جمع مسند والمعروف في التصريف جمع مفعل على مفاعل ولكن جمعه مع الياء شائع قال زين الدين: في ألفيته في هذا البحث: ودونها في رتبة ما جعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلى بفتح الجيم والفاء معا مقصور وهي الدعوى العامة للطعام فإن الدعوة له عند العرب قسمين الجفلى وهي العامة التقوى وهي الخاصة "واعلم أن المسانيد دون السنن في القوة وأبعد منها عن رتبة الصحة" ولذا قال الزين ودونها أي دون السنن في الرتبة وفسر الزين الرتبة بالصحة كما قاله المصنف ووجهه أن من شأن المسند أن يذكر فيه ما ورد عن ذلك الصحابي جميعه فيجمع الضعيف وغيره بخلاف المرتب على الأبواب فإن مؤلفه لا يورده لإثبات دعواه في الترجمة إلا الحديث المقبول وسيشير المصنف إلى هذا ولا خفاء أن عبارتهما تفيد أن السنن كلها بعيدة عن رتبة الصحة والذي قرره قريبا خلاف هذا وكأنه من باب التغليب. قلت: إلا أنه لإخفاء أن في المسانيد حسانا بل فيها صحيح وحسن بعضه قد يكون أرجح من أحاديث السنن فالتحقيق أنه لا يتم ترجيح مجموع من السنن على مجموع من المسانيد كمسند أحمد مثلا على مجموع من السنن كسنن أبي داود وإنما يتم ترجيح أفراد على أفراد كحديث معين من السنن على حديث من أحاديث المسند أو عشرة على عشرة أو نحو ذلك. وإذا عرفت هذا فينبغي أن يحمل كلامهم على أن أغلب أحاديث السنن أرفع رتبة من أغلب أحاديث المسانيد إلا أن فيه بعد هذا بحثا وهو أنها تقل الفائدة في هذا الترجيح عند العمل فإنه إذا تعارض مثلا حديث من مسند أحمد وحديث من سنن ابن ماجه وقد علم أن فيه ضعيفا كثيرا وعلم أن في مسند أحمد حسنا فلا ترجيح

لحديث ابن ماجه لجواز أنه من الأحاديث الضعيفة وجواز أن حديث المسند من الحسان فيتوقف العمل على البحث فعرفت أنه لم يأت الترجيح الجملي بفائدة. ولا يقال فائدته أن يحمل الفرد المتنازع فيه على الأعم الأغلب كما عرف في الأصول والأغلب في أحاديث ابن ماجه الحسن وفي أحاديث مسند أحمد الضعيف لأنا نقول مثل هذا لا يكفي في إثبات الأحكام الشرعية إنما يجري ذلك في الأبحاث اللفظية كقولهم إذا تعارض الاشتراك والمجاز حمل اللفظ على المجاز لأنه الأغلب ولا يقال الأحكام اللفظية ترتب عليها أيضا أحكام شرعية فإذا كفى ذلك هنالك فليكف هنا فيكون هذا فائدة الترجيح الجملي لأنا نقول هذا لا يطرد. واعلم أني قلت: هذا بحثا مني وبعد أعوام رأيت البقاعي قد نبه على هذا فقال بعد بيان كلام الزين والتفرقة بين السنن والمسانيد ما لفظه وليس ذلك من مسلم طردا ولا عكسا فإنه قد ينتقي صاحب المسند فلا يذكر إلا مقبولا كما صنع الإمام أحمد فإنه قال انتقيته من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث فما كان ينبغي أن يمثل به لما دون السنن وانه قال أي الزين إن في مسند أحمد الموضوع وقد هي شيخنا ذلك وصنف كتابا في المسند وكذا البزار انتقى مسنده وإذا ذكر ضعيفا بين حاله في بعض الأحايين وربما اعتذر عن إيراده بأنه ما وجد في الباب غيره أو بغير ذلك وكذا اسحق بن راهويه يخرج أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي إذا عرفت هذا عرفت أنه يتعين تأويل كلامهم بما قررناه. "وشرط أهلها" أي أهل المسانيد "أن يفردوا حديث كل صحابي على حدة" بكسر المهملة الأولى يقال هذا على حدته وعلى وحده أي توحده أي يأتون بحديث كل صحابي على انفراد "من غير نظر إلى الأبواب" التي تلائم الحديث كما يصنعه غيرهم من المؤلفين على الكتب والأبواب "ويستقصون جميع حديث ذلك الصحابي كله" القاعدة: تقديم كل على أجمع: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} لأن كلا وجميعا هنا تأكيد لحديث وأن لم يساقا مساقه في اللفظ وكأنه لذلك اغتفر الترتيب ولا فرق بين جميع وأجمع "سواء رواه من يحتج به أو لا فقصدهم حصر جميع ما روى عنه" ومن هنا ضعفت رتبته عن رتبة السنن. "كمسند أبي داود الطيالسي" هو الحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الفارسي الأصل البصري سمع ابن عون وشعبة بطبقتهم وعنه أحمد بن حنبل وغيره من أهل

طبقته قال الفلاس ما رأيت أحفظ منه وقال ابن مهدي كان هو أصدق الناس قال الذهبي قلت: كان يتكل على حفظه فغلط في أحاديث مات سنة أربع ومائتين وكان من أبناء الثمانين "ويقال إنه أول مسند صنف" قال البقاعي الذي حمل قائل هذا القول عليه تقدم عصر أبي داود على أعصار من يصنف المسانيد وظن أنه الذي صنفه وليس كذلك فإنه ليس من تصنيف أبي داود وإنما جمعه بعض الحفاظ الخراسانيين جمع فيه ما رواه يونس ابن حبيب خاصة عن أبي داود قال ويشبه هذا مسند الشافعي فإنه ليس من تصنيفه وإنما لقطه بعض الحفاظ النيسابوريين من مسموع الأصم من الأم وسمعه عليه. انتهى. "ومثل مسند أحمد بن حنبل" فإنه من أجمع المسانيد للحديث وهو إمام الحفاظ وعلم الزهاد أفردت ترجمته في مصنفات. "و" مسند "أبي بكر بن أبي شيبة" قال في حقه الذهبي الحافظ الكبير العديم النظير الثبت التحرير عبد الله بن محمد بن أبي شيبة صاحب المسند والمصنف وغير ذلك سمع من ابن المبارك وابن عيينه وطبقتهم وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وعوالم قال الخطيب كان أبو بكر متقنا حافظا صنف المسند والأحكام والتفسير مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. "و" مسند "أبي بكر البزار" بفتح الموحدة فزاي مشددة هذا هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير المعلل. "و" مسند "أبي القاسم البغوي" قال الذهبي هو الحافظ الكبير مسند العالم أبو القاسم عبد الله بن عبد العزيز مولده في رمضان سنة أربع عشر ومائتين سمع علي بن المديني وأحمد بن حنبل وخلقا كبيرا أزيد من ثلاثمائة شيخ وجمع وصنف معجم الصحابة والجعديات وطال عمره وتفرد في الدنيا. "وغيرهم ومن أوسعها مسند بقي" بالموحدة فمثناة تحتية بزنة تقي ابن مخلد بالخاء المعجمة آخره مهملة بزنة مقتل قال فيه الذهبي الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرطبي صاحب المسند الكبير والتفسير الجليل الذي قال فيه ابن حزم ما صنف تيسير مثله أصلا مولده في رمضان سنة إحدى ومائتين قال وكان إماما علامة مجتهدا لا يقلد أحدا قدوة ثقة حجة صالحا عابدا مجتهدا أواها منيبا عديم النظير في زمانه قال أبو الوليد القرطبي ملأ بقاع الأندلس حديثا وعن بقي قال:

لقد غرست للمسلمين غرسا بالأندلس لا يقلع إلا بخروج الدجال وكان مجاب الدعوة وقيل إنه كان يختم القرآن كل ليلة في ثلاثة عشرة ركعة وسرد الصوم وحضر سبعين غزوة مات في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومائتين. "ومسند الحافظ البارع أبي الحسين بن محمد الماسرخسي" قال الذهبي هو الحافظ البارع أبو علي كذا في التذكرة وفي نسخ التنقيح أبو الحسين ولعله غلط الحسين بن محمد بن أحمد الماسرخسي النيسابوري صنف المسند الكبير مهذبا معللا في ألف جزء وثلثمائة جزء وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد وكان يحفظه مثل الماء وصنف الأبواب والشيوخ والمغازي والقبائل وخرج على صحيح البخاري كتابا وعلى صحيح مسلم وأدركته المنية ودفن علم كثير بدفنه مولده سنة ثمان وتسعين ومائتين ومات في تاسع رجب سنة خمس وستين وثلثمائة "قال الذهبي فرغ مهذبا معللا في ثلاثة آلاف جزء" قد سمعت قول الذهبي إنه ألف جزء وثلثمائة جزء. "وهذه المسانيد الكبار هي التي يذكر فيها طرق الأحاديث وما لها من المتابعات والشواهد التي اختصرها أهل الصحاح" والسنن "تسهيلا على الطالبين" ثم اختصرت الصحاح بحذف أسانيدها وجمع متونها ثم ضمت إليها السنن كل ذلك تسهيلا للطالبين ثم مراده بالصحاح ما يشمل السنن. "قال زين الدين: وقد وعد ابن الصلاح مسند الدارمي في جملة المسانيد فوهم في ذلك لأنه مرتب على الأبواب لا على المسانيد" قال الذهبي في حق الدرامي هو الإمام الحافظ شمس الإسلام بسمرقند أبو عبد الله بن عبد الرحمن صاحب المسند العالي ثم قال وله المسند وكتاب الجامع وأثنى عليه وسمي كتابه مسندا كما سماه ابن الصلاح وكأنه سماه مؤلفه بالمسند وإن لم يكن على ترتيب المسانيد قال الحافظ ابن حجر اشتهر تسميته بالمسند كما سمي البخاري كتابه بالمسند الصحيح وإن كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسندة إلا أن مسند الدارمي كثير الأحاديث المرسلة والمعطلة والمنقطعة والمقطوعة قال هو ليس دون السنن في المرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير انتهى.

مسألة (19) : في الكلام على الأطراف

مسألة: 19 [في الكلام على الأطراف] "قد مر الكلام في ذكر الأطراف وهي من جملة ما اصطلح على تسميته أهل الحديث" وجعله نوعا من التأليف له صفة يمتاز بها عن غيره "فيحسن ذكرها" إذ قد صارت من جملة علوم الحديث "وإن لم يتعرض لها ابن الصلاح وزين الدين" في كتابيهما. "وشرط أهل كتب الأطراف أن يذكروا حديث الصحابي مفردا كأهل المسانيد إلا أنهم لا يذكرون من الحديث إلا طرفا" لا كأهل المسانيد يذكرون الحديث كله "يعرف به ثم يذكرون جميع طرق الشيخين وأهل السنن الأربع وما اشتركوا فيه من الطرق وما اختص به كل واحد منهم" أي ما اختص به أحد مؤلفي الكتب الستة من طرق ذلك الحديث. "وإذا اشترك أهل الكتب الستة في رواية حديث أو بعضهم أو انفرد بعضهم ذكروا" أي أهل الأطراف "أين ذكر كل واحد منهم ذلك الحديث في كتابه" فيعرف موضعه ليقرب البحث عنه "وإن ذكره" أي الواحد من أهل الكتب الستة "مفرقا في موضوعين أو أكثر ذكروا" أي أهل الأطراف "كل واحد من الموضوعين فيسهل بذلك معرفة طرق الحديث والبحث عن أسانيده" وهذا أعظم فوائد تأليف الأطراف فإنه "يكتفي الباحث بمطالعة كتاب منها" أي من الأطراف "عن مطالعة جميع هذه الكتب الستة" إذا كان مقصوده معرفة طرق الحديث لأنها قد جمعت الأطراف لا إذا كان مقصوده معرفة ألفاظ المتون فإنها لا تكفي فيها لعدم اشتمالها على جميع ألفاظها "ويتمكن بالنظر فيها من معرفة موضوع الحديث منها" بنص صاحب الأطراف على محلها. "وقد صنف فيها غير واحد من الحفاظ وأجل ما صنف فيه" أي في هذا الفن "كتاب

الحافظ أبي الحجاج المزي" تقد ضبطه وهو إمام كبير ختم الحافظ الذهبي تذكرة الحفاظ بترجمته فقال شيخنا العالم الحبر الحافظ الأوحد محدث الشام ثم ذكر قراءته ورحلته إلى أن قال وكان ثقة حجة كثير العلم حسن الأخلاق كثير السكوت قليل الكلام جدا صادق اللهجة لم تعرف له صبوة كان متواضع حليما صبورا مقتصدا في ملبسه ومأكله كثير المشي في مصالحه ترافق هو وابن تيمية كثيرا في سماع الحديث وفي النظر وكان ذا سماحة ومروءة باذلا لكتبه وفوائده ونفسه كثير المجلس توفي في صفر سنة اثنين وأربعين وسبعمائة. "قال الشيخ مجد الدين الشيرازي" هو مؤلف قاموس أبو الطاهر الفيروز باذي كان يدعي أنه من ولد الشيخ أبي اسحق صاحب المهذب ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة وأقبل على الطلب في فنون العلم وأقبل على اللغة وعظم شأنه وألف كتبا نفيسة منها القاموس وشرح البخاري ولم يتم خرج في آخر أمره إلى اليمن وتزوج الملك الأشرف ببنته وولاه قضاء اليمن وتوفي بها في مدينة زبيد وقبره معروف ووفاته في شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة "وأما تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف للحافظ الكبير الشيخ جمال الدين فإنه كتاب معدوم النظير مفعم الغدير" بضم الميم فيعن مهملة بزنه مكرم أي مملوء من أفعم الإناء إذا ملأه "يشهد لمؤلفه على إطلاع كثير وحفظ بتير" بموحدة فمثناة فوقية فمثناة تحتية فراء في القاموس البتير القليل والكثير. "والعلماء يقولون محدث ما له أطراف كإنسان ما له أطراف وقد قصد" أي أبو الحجاج المزي "بوضعه" أي وضع كتاب الأطراف "تحصيل الكتب المعتبرة التي هي دواوين الإسلام المشتهرة" وهي الأمهات الست "بأسانيدها في مختصر وليس قصده ذكر تمام متون الأحاديث وسردها وإنما يذكر الراوي أولا وطرفا من الحديث إلى أن يتميز عن غيره من الأحاديث ثم يقول رواه فلان بسند كذا وفلان بسند كذا إلى أن يفرغ من ذكر من رواه من آهل الكتب فإذا نظره المحدث عرف من أول نظرة بدا بدا" كذا في النسخ ولعله تصحيف بادئ بدء أو بادي بدا ومعناه أول شيء كما في القاموس وفيه لغات أخر "علوه" مفعول عرف والمارد علو سنده "ونزوله بالنسبة إلى كل مصنف" من الأئمة الستة. "وقد سبقه إلى ذلك الحافظ أبو مسعود الدمشقي وأطرافه أيضا كتاب نفيس مفيد

وله فضل التقدم وكتاب الشيخ جمال الدين المزي اجمع وانفع واجل قدرا وارفع وسئلت عنهما" أي عن أطراف أبي مسعود وأطراف المزي "في وقت فقلت: بينهما بون" بفتح الموحدة وتضم مسافة ما بين الشيئين "كثير بلا مراء" بلا ممارة ولا جدال "وأشبه شرج" بالشين المعجمة مفتوحة فراء ساكنة فجيم "شرجا لو أن أسيمرا" بالسين المهملة قال الزمخشري في مستقصى الأمثال شرج اسم موضع والأسمير تصغير الأسمر جمع سمرة قاله لقيم بن لقمان المادي حين أوقد له أبوه هذا الشجر في أخدود حفره على طريقه أراد سقوطه فيه وهلاكه حسدا له ففطن له لما لم ير السمر في مكانه يضرب في تشابه الشيئين وبينها أدى تخالف "وتكافأت" المكافأة المساواة "الغواني" بالغين المعجمة جمع غانية في القاموس الغنية المرأة التي تطلب ولا تطلب والغنية بحسنها عن الزينة أو التي غنيت ببيت أبوها ولم يقع عليها سباء أو الشابة العفيفة ذات زوج أو لا "لو أصبى" وفيه أصبته وتصبته شاقته إلى الصبا فحن إليها "غيره عزه" بفتح المهملة وتشديد الزاي وهي لغة بنت الظبية والمراد هنا المرأة التي أصبت "كثيرا" وشبب بها في أشعاره وقصته معروفة وهو بصيغة تصغير كثير. * * *

مسألة (20) : في بيان المراد بصحة الإسناد وحسنه

مسألة: 20 [في بيان المراد بصحة الإسناد وحسنه] "المراد بصحة الإسناد وحسنه" وضعفه اعلم أن "من أساليب أهل الحديث أن يحكوا بالصحة والحسن والضعف على الإسناد دون متن الحديث فيقولون إسناد صحيح دون حديث صحيح ونحو ذلك" أي حسن أو ضعيف "لأنه قد يصح الإسناد لثقة رجاله ولا يصح الحديث لشذوذ أو علة كما سيأتي في الشاذ والمعلل وهذا كثير ما يقع في كلام الدارقطني والحاكم" والحاصل أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شرائطهما ولا يصح المتن لشذوذ أو علة وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق أخرى. "قال ابن الصلاح: غير أن المصنف المعتمد" أي الذي هو عمدة وقدوة "منهم" أي من أهل الحديث "إذا اقتصر على قوله إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم له بأنه" أي متن الحديث "صحيح في نفسه لأن عدم العلة هو الأصل والظاهر" قال عليه الحافظ ابن حجر قلت: لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصحيح ماذا كان قولهم صحيح الإسناد يحتمل آن يكون مع وجود علة لم يتحقق عدم العلة فكيف تحكم له بالصحة وقوله عن المصنف المعتمد إذا اقتصر إلى آخره يوهم أن التفرقة التي فرقها أولا تختص بغير المعتمد وهو كلام ينبو عن السمع لان المعتمد هو قول المعتمد وغير المعتمد لا يعتمد. والذي يظهر لي أن الصواب هو التفرقة بين من يفرق في وصف الحديث بالصحة بين التقييد والإطلاق وبين من لا يفرق فمن عرف من حاله بالاستقراء التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ويحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا وقييده على الإسناد فقط ومن عرف من حاله انه لا يصف الحديث دائما أو غالبا إلا بالتقييد فيحتمل أن يقال في

حقه ما قاله المصنف آخرا والله أعلم ومراده بالإطلاق عدم ذكر السلامة بعد وصفه بالصحة وبالتقييد ذكرها وهو كلام متجه. "قال زين الدين: وكذلك إذا اقتصر على قوله انه حسن الإسناد ولم يتعقبه بضعف قلت: هذا الكلام" من الشيخين "متجه لأن الحفاظ قد يذكرون ذلك لعدم العلم ببراءة الحديث من العلة لا لعلمهم بوجود علة" غذ لو علموا بوجودها ما جاز السكوت عن الإعلال "ويصرحون لهذا كثيرا فيقول أحدهم هذا حديث صحيح الإسناد ولا أعلم له" أي للمتن الدال عليه ذكر الإسناد ولا يصح جعل الضمير للإسناد "علة على أن الأصوليين والفقهاء وكثيرا منهم" أي من المحدثين "يقبلون الحديث المعل كما سيأتي" قد عرفت مما سبق أنه لا بد في الصحيح من عدم العلة أو الشذوذ كما ذكر في رسمه عند المحدثين وأنه لا يشترط فقد العلة عند الفقهاء إلا إذا كانت قادحة فراجع ما قدمناه ثم القبول له لا يلزم منه أنه صحيح فإنهم يقبلون الحسن كما قال زين الدين: في ألفيته: والفقهاء كلهم تستعمله ... والعلماء الجل منهم يقبله أي: الحسن. * *

مسألة (21) : في بيان المراد من الجمع في وصف الحديث بين الصحة والحسن

مسألة:21 [في بيان المراد من الجمع في وصف الحديث بين الصحة والحسن] "جمع الحديث بين الصحة والحسن" أي جمع بعض الأئمة لوصف الحديث بالأمرين "استشكل الجمع بين الحسن والصحة في حديث واحد كقول الترمذي" في جامعه "حديث حسن صحيح" وقد يزيد غريب ولم يذكره المصنف لأن الغرابة لا تنافي الصحة والحسن ومثله وقع للبخاري على ما ذكره السخاوي ويعقوب بن شيبة فإنه جمع بين الصحة والحسن والغرابة في مواضع من كتابه وكأبي على الطوسي فإنه جمع بين الصحة والحسن في مواضع من كتابه المسمى بـ الأحكام وكذا في شرح النخبة لملا علي قاري وإنما استشكل "لأن الحسن قاصر على الصحيح" بخفة ضبط رواته "كما سبق" في تعريفه "فكيف يجمع إثبات القصور" بوصفه الحسن "ونفيه" أي القصور بوصفه بالصحيح "في حديث واحد" وهل هذا إلا تناقض؟!. "قال زين الدين: وقد أجاب ابن الصلاح بجوابين ثم جوز جوابا آخر" لفظ زين الدين: وقد أجاب ابن الصلاح بجواب ثم جوز جوابا آخر. انتهى. ولفظ ابن الصلاح وجوابه أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روى الحديث الواحد بإسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أي أنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من أراد ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده انتهى بلفظه فعرفت أنه جواب بجواب واحد وجوز جوابا آخر جعله علاوة للأول فكأن ما في نسخ التنقيح من قوله جوابين وجوز جوابا آخر سبق فلم أو غلط من النساخ. "وضعف الجوابين الشيخ تقي الدين فمزجت" بالزاي والجيم من المزج وهو الخلط "الجوابين" أي جوابي ابن الصلاح "بردهما" للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وقد أفاد

ذلك قوله "قال ابن الصلاح: غير مستنكر أن يراد بالحسن معناه اللغوي دون الاصطلاحي" قد قدمناه تفسير ابن الصلاح اللغوي. "قال الشيخ تقي الدين" ردا عليه "يلزم عليه الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن" إذ قد تميل إليه النفس ولا يأباه القلب مع انه لا يطلق عليه الحسن عندهم فلو أرادوا المعنى اللغوي لأطلقوا الحسن على الموضوع قال الحافظ ابن حجر هذا الإلزام عجيب لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح فحكمه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا. "قال ابن الصلاح: وهو جوابه الأول" كما عرفته مما سقناه من كلامه أو يريد أي الترمذي ونحوه بالحسن "لما اختلف سنده فهو صحيح بالنظر إلى إسناد حسن بالنظر إلى إسناد آخر قال الشيخ تقي الدين" رادا عليه "ويرد عليه الأحاديث التي قيل فيها حسن صحيح وليس لها إلا مخرج واحد" أي سند واحد فلا يتم الجواب قال الشيخ تقي الدين "وفي كلام الترمذي في مواضع يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه" فهو تصريح بأنه لا يعرف له إلا طريق واحد فكيف يتم الاتصاف بالأمرين لإسناد واحد؟ وذلك "كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا قال فيه الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ" وحينئذ فلا يتم ما أجاب به ابن الصلاح. "قلت: يمكن الجواب على الشيخ تقي الدين في هذا الاعتراض" أي على مجرد ما مثل به وغيره بأجوبة: الأول: "بأن الترمذي أراد انه لا يعرف الحديث بذلك اللفظ كما قيد به في هذا المثال, و" أراد أنه "قد ورد معناه بإسناد آخر" أخذا من مفهوم قوله على هذا اللفظ. والثاني: قوله: "أو يريد" أي الترمذي بقوله لا نعرفه إلا من هذا الوجه "من ذلك الوجه كما يصرح به في غير حديث" أي لا نعرفه حسنا صحيحا إلا من هذا الوجه ونعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا الأمن هذا الوجه وتعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة "مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا من حديث أبي هريرة أو من حديث تابعي أو من دونه" فيقول لا نعرفه أي صحيحا غريبا إلا من هذا الوجه "ويكون صحيحا" أي حديث التابعي أو غيره "مشهورا من غير تلك الطريق" ولا تنافي بين الصحة والغرابة بهذا الاعتبار. والثالث: قوله: "أو يردوا انه لا يعرف الحديث عن ذلك الصحابي الذي رواه عنه

إلا بذلك الإسناد" فقوله لا يعرف إلا من هذا الوجه أي عن ذلك الصاحبي "وله إسناد آخر عن صحابي آخر" يصح به وصفه بالصحة والحسن "وهذا" أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر يصحبه وصفه الصحة والحسن وهذا أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر "هو المسمى بالشاهد" فإنه شاهد لهذا الحديث الذي تفرد بروايته صحابي بإسناد له "وإنما عدم التابع وهو روايته" أي ذلك الحديث بعينه "عن ذلك الصحابي" من طريق أخرى فالفرق بين الشاهد والتابع انه في الأول يختلف الصحابي والطريق والثاني تختلف الطريق ويتحد الصحابي وسيأتي تحقيقهما. "وقد عرف من طريقة المحدثين تسمية الحديث المروي عن صحابيين بحديثين وان كان لفظه أو معناه واحدا فلما اصطلحوا على ذلك رأي الترمذي أن ذلك الشاهد حديث آخر ليس هو هذا الحديث" وان اتحد لفظا أو معنى "إذ لا دليل على أن الصحابيين" اللذين روياه "سمعاه مرة واحدة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم" بل يجوز انه صلى الله عليه وسلم كرره في مجالس فسمع كل في مجلس غير مجلس الآخر فعدوه حديثين باعتبار تكرره منه صلى الله عليه وسلم ولا يخفي انه لا دليل على انهما سمعاه كل واحد في مجلس بل هو محتمل لاتحاد المجلس ولتعدده فالحكم له بأحدهما تحكم. "ثم أجاب الشيخ تقي الدين في الاقتراح بعد رد الجوابين" اللذين أجاب بهما ابن الصلاح "المذكورين" فيما تقدم تقريبا "بجواب" على الإشكال في جمع الترمذي مثلا بين الوصفين "حاصله أن الحسن لا يشترط فيه القصور من الصحة" وهذا دفع لعلة الإشكال لأنه قال المصنف والزين ويغرهما أن وجه إشكال وصف الحديث بالحسن والصحة معا هو قصور الحسن عن الصحيح فمنع الشيخ تقي الدين كون العلة القصور لا مطلقا ولذا قال "إلا حيث انفرد الحسن فإن بالحسن حينئذ" أي حين إذ يفرد الحسن عن الصحة في صفة الحديث "المعنى الاصطلاحي" في الحسن وهو الذي يلزمه القصور عن رتبة الصحيح "وأما أن ارتفع" أي الحديث "إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة" لوجود صفاته في ضمن صفاتها "لأن وجود الدرجة العليا" وهي الصحة التي هي عبارة عما ذكره بقوله "وهي الحفظ والإتقان لا تنافي وجود الدرجة الدنيا" التي هي صفة الحسن التي هي "كالصدق" وخفة الضبط وإذا لم تنافه "فيلزم أن يقال" في صفة الحديث "حسن باعتبار الصفة الدنيا" ويقال فيه "صحيح باعتبار الصفة العليا" ولا يخفي أن معنى كونه حسنا اصطلاحا أن رواته ممن خف ضبطهم وكونه

صحيحا أيضا أن رجاله مناهل الضبط التام ومعلوم انه لا يقال صحيح إلا وهم من آهل الضبط التام فكيف تلاحظ خفة الضبط؟. وحاصله أن لازم الحسن خفة ضبط رواته ولازم الصحيح تمام ضبط رواته أي عجم خفته فما معنى وجود لازم الحسن فيمن تم ضبطه وإتقانه فإن أريد هذا اللازم للحسن غير مراد هنا كما يفيده قوله أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة فهو عائد إلى أن المراد بالحسن الصحيح وان قوله حسن صحيح بمثابة قوله صحيح ولكنه لا يناسبه قول الشيخ تقي الدين لان وجود الدرجة العليا لا تنافي وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ما عديمه إلا الدرجة العليا لتنافى وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ماعدتمة إلا الدرجة العليا ويؤيد كون هذا الأخير مراده قوله "قال ويلزم على هذا" أي على عدم اشتراط قصور الحسن عن الصحة "أن يكون كل صحيح عنده" أي عند الترمذي "حسنا" فعلى هذا الحسن عندهم ثلاثة أطلا قات تارة يطلق على ما يطلق عليه الصحيح ويشترط فيه شرائط وتارة ما خف ضبط رواته وهو الحسن لذاته وتارة على ما حسنه بالقياس إلى غيره. قلت: وهذا خلاف ما تقرر فيما سلف أن الترمذي ربما أتى في كتابه بالحسن لغيره كما صرح به كلامه المنقول عنه فيما سلف. "ويؤيده" أي يقوي إطلاق الحسن على الصحيح "قولهم حسن في الأحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام المتقدمين انتهى" كلام ابن دقيق العيد الذي نقله عنه الزين في شرح ألفيته. "وقد وافقه" أي الشيخ تقي الدين "على هذا" الذي زعمه من أن كل صحيح عند الترمذي حسن الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر "ابن المواق" بتشديد الواو وآخره قاف "فإنه قال: وكل صحيح عند الترمذي حسن وليس كل حسن صحيحا قلت: تلخيص هذا أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول النوع تحت الجنس كالإنسان تحت الحيوان" قلت: لا يذهب عنك أنه قد تقدم في كلام الشيخ تقي الدين أن الصحيح أخص من الحسن قال الشيخ تاج الدين التبريزي ودخول الخاص في حد العام أمر ضروري. وقال زين الدين: أنه اعتراض متجه ونظره المصنف بما تقدم له ورددناه وهنا قال المصنف أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول الإنسان تحت الحيوان فجعل الحسن

خاصا والصحيح عاما والذي تقدم خلاف هذا هو أن الصحيح أخص لأنه الحسن وزيادة كالإنسان فإنه الحيوان وزيادة وعبارتهم هنا قاضية بأخصية الصحيح فإنه قال أن كل صحيح حسن كما تقول كل إنسان حيوان فكان المتعين أن يقول المصنف أن الحسن يدخل تحته الصحيح بالضمير في تحته فيستقيم الكلام ويدل له قوله "وقد تقدم فيه نظر" يشير إلى ما تقدم له من قوله ردا على الزين لما قال أن اعتراض تاج الدين متجه. قلت: بل هو اعتراض غير متجه لأن العموم والخصوص إنما نقع على الحقيقة في الحدود إلى آخر كلامه وتقدم ما تعقبناه به "وهو غير وارد هنا لأنه" أي الذي مضى "إشكال على صحة هذا" أي هذا القوم بالعموم والخصوص في رسوم هذه الأقسام "لا على صحة التسمية" التي هي المراد هنا "ممن اعتقد صحة هذا" أي العموم والخصوص في هذه الرسوم كأنه يريد أن هذه التسمية تفرعت عن اعتقاد العموم والخصوص في رسوم هذه الأشياء فلا يرد الإشكال على الفرع على من اعتقد صحة الأصل "وهذا لطيف" جدا "فتأمله وأورد" أبو الفتح اليعمري هو "ابن سيد الناس" على ابن المواق كما صرح به زين الدين والمصنف قال "على هذا" وهو ما سلف عن ابن دقيق العيد وابن المواق "أن الترمذي شرط في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك في الصحيح فانتفى أن يكون كل صحيح حسنا انتهى". قال الحافظ ابن حجر وهو تعقب وارد ورد واضح على من زعم التداخل بين النوعين. قلت: تقدم للمصنف الرد على ابن المواق بأن الترمذي يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن إلى آخر كلامه فأفاد أنه لا يقول الترمذي كل صحيح حسن. "قال زين الدين: فعلى هذا" أي على كون كل صحيح حسن "الأفراد الصحيحة" أي التي لم ترو إلا من وجه واحد "ليست حسنة عند الترمذي" لأنها لم ترو من وجه آخر وهو شرط الحسن عند الترمذي وذلك "كحديث الأعمال بالنيات" فإنه فرد بالنسبة إلى أول رتبة منه وما بعدها من رتبة فإنه تفرد به عنه صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ثم تفرد به عم عمر علقمة واستمر التفرد إلى يحيى بن سعيد "و" حديث "السفر قطعة من العذاب" فإنه تفرد به مالك "و" حديث "نهى عن بيع الولاء وعن هبته" فإنه تفرد به

عبد الله بن دينار. "قال" أي زين الدين "وجواب ما اعترض به" أي ابن سيد الناس "أن الترمذي إنما يشترط ذلك في الحسن" أي مجيء الحسن من وجه آخر "إذا لم يبلغ مرتبة الصحيح فإن بلغها لم يشترط ذلك" فليس شرطه ذلك في الحسن مطلقا "بدليل قوله" أي الترمذي "في مواضع" من جامعه "هذا حديث حسن صحيح غريب فلما ارتفع إلى" رتبة "الصحة اثبت" له "الغرابة باعتبار فرديته" انتهى كلام الزين فهذا صريح في أنه يصف الحديث بأنه حسن إذا بلغ رتبة الصحيح وأن لم يأت إلا من وجه واحد قال المصنف "وعندي جواب آخر" يوجه به جمع الترمذي بين الحسن والصحة في صفة حديث واحد "وهو أن يريد الترمذي أن الحديث صحيح في إسناده ومتنه" مبتدأ خبره "حسن في الاحتجاج به على ما قصد الاحتجاج به فيه ويكون هذا الحسن هو الحسن اللغوي دون الاصطلاحي". تقدم تفسير الحسن اللغوي بأنه ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب وهو صفة اللفظ وليس مدلولها الاحتجاج به ولا يرد على هذا ما أورده الشيخ تقي الدين على ابن الصلاح حيث حمل الحسن على اللغوي وهو "من لزوم تحسين الموضوع لأن الموضوع" وأن كان قد يكون حسنا لغة لكنه "لا يحسن الاحتجاج به لأن ابن الصلاح أطلق الحسن اللغوي" وقد قيده المصنف به لإخراج الموضوع "ولم يقيده" ابن الصلاح "بحسن الاحتجاج فورد على إطلاقه والله أعلم". قلت: إلا أنه لا يخفى أن زيادة قيد حسن الاحتجاج ليس من مدلول الحسن اللغوي كما أشرنا إليه فهذا معنى للحسن آخر ليس لغويا ولا هو الاصطلاحي المعروف وقال الحافظ ابن حجر نقلا عن غيره وقيل يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم فيريد حسن باعتبار إسناده صحيح باعتبار كونه من قبيل المقبول وكل مقبول يجوز أن يطلق عليه اسم الصحة. انتهى. "وهذا الجواب عندي أرجحها لأنه لا يرد عليه شيء من الإشكالات" إلا ما عرفته من أنه ليس مدلوله ذلك لغة وكذلك يرد عليه أنه كان الحديث صحيح الإسناد ولامتن فالاحتجاج به معلوم لا يفتقر إلى ذكره ولأنه لم يأتي في اصطلاحهم وصف الحديث بالحسن مرادا به حسن الاحتجاج به ولا يحمل كلامهم إلا على اصطلاحهم,

ولأنه قد يكون الحديث صحيح الإسناد والمتن ويخلو عن الحسن اللغوي بأن يكون لفظه غريبا فإن الغريب لا تميل إليه النفس ثم أنه كان الأولى على تقدير إرادة ما ذكره المصنف أن يقال صحيح حسن لا حسن صحيح لأن الاحتجاج فرع عن صحته. "فإن قيل: يرد عليه" أي على هذا الجواب "أنه يلزم منه أن يقول" أي الترمذي "في الحديث الحسن هذا حديث حسن حسن مرتين أحدهما يعني بها الحسن الاصطلاحي والأخرى يعني بها الحسن اللغوي" قد عرفت مما سلف أن الإشكال وارد على جمع الوصف للحديث بين صفتي الحسن والصحة وأنه أجاب المصنف بأن المراد بالحسن الاحتجاج به وبالصحة صحة إسناده لو متنه حسن للاحتجاج به وهذا السؤال وارد على انفراد بصفة الحسن أو ليس فيه إشكال ومعلوم أنه لا يريد أن السؤال هذا وارد على محل الإشكال وأنه يريد أنه يلزم أن يقال حديث حسن صحيح واحتمال إرادته هذا تكلف. "فالجواب أنه يجوز أن يريدهما" أي الحسن اللغوي والاصطلاحي "بلفظ واحد كما لو صرح بذلك فقال هذا حديث إسناده والاحتجاج به" قد عرفت أن الاحتجاج به ليس معناه اللغوي "لأن الحسن الاصطلاحي بعض أنواع الحسن اللغوي" قد ينازع في هذا ويقال بينهما عموم وخصوص من وجه لوجود الحسن اللغوي في الموضوع ووجود الحسن الاصطلاحي فيما كان في لفظه غرابة واجتماعها فيما حسن إسناده وفيما تميل النفس إليه ولا يأباه القلب "وليس الحسن مشتركا بينهما مع أن كثيرا من العلماء أجازوا في المشترك" لو فرضناه مشتركا بينهما "أن يعبر به عن كلا معنييه وهو اختيار الأصحاب" يريد الزيدية وعبر ذلك هنا وفيما سلف وقدمنا رأيه في هذا "في لفظة مولي في حديث من كنت مولاه فعلى مولاه" أخرجه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم من حديث ابن عباس وابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس عن بريدة وأحمد وابن ماجه عن البراء والطبراني وابن جرير وأبو نعيم عن جندع الأنصاري وابن قانع عن حبشي بن جنادة وأخرجه أئمة لا يأتي علهم العد عن جماعة من الصحابة وقد عده أئمة من المتواتر "وهذا بحث أصولي" أي كون المشترك يطلق على معنييه أولا فإنه من مسائل الخلاف في الأصول الفقهية لكن لا يخفى أن هذا يتوقف على معرفة رأي الترمذي في اللفظ المشترك.

واعلم أنه قد أجاب الحافظ ابن حجر جوابا حسنا عن جمع الترمذي بين صفتي الحسن والصحيح للحديث فقال في النخبة وشرحها فإن جمعا فالمتردد في الناقل هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها وهذا حيث التفرد بتلك الرواية وألا يحصل التفرد فباعتبار إسنادين أحدهما حسن والآخر صحيح قال وعلى هذا فما قيل حسن صحيح فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا لأن كثرة الطرق تقوي أي تقوي الحديث من رتبة الصحيح إلى رتبة الأصح. "ثم أني بعد" أي بعد ما ذكرت ما سلف فحذف المضاف إليه وبنيت بعد على الضم "وقفت على كلام جيد يتعين المصير إليه" إلا أنه كلام في وصف الترمذي للحديث بالحسن وليس له إلا طريق واحد مع قول الترمذي في الحسن إنه الذي يروي من غير وجه مع سائر ما ذكر من شروطه مع أنه يقول في بعض الأحاديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه لا أنه كلام في إشكال جمعه بين الحسن والصحيح الذي هو الإشكال الأصلي وقد أجاب عنه ابن حجر بأجوبة آخر وما تعقبها ثم قال وفي الجملة أقوى الأجوبة جواب ابن دقيق العيد "ذكره" أي الكلام الجيد "حافظ العصر" أي عصره وعصر المصنف فإنهما كانا في عصر واحد وتوفي المصنف قبله فإنه توفي في اليوم الرابع والعشرين من شهر محرم غرة سنة أربعين وثمانمائة وتوفي الحافظ في اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وخمسين وثمانمائة "العلامة الشهير بابن حجر في شرح مختصره" يريد شرج النخبة "في علم الحديث فقال ما لفظه فإن قيل قد صرح الترمذي بأن شرط الحسن أن يروي من غير وجه فكيف يقول في بعض الأحاديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" فإن هذا ينقضي بأن هذا الحسن لم يرد إلا من طريق واحد كما هو شرط الغريب. "فالجواب أن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا" بما نقله عنه المصنف قريبا ناسبا له إلى ابن حجر "وإنما عرف بنوع خاص منه وقع في كتابه وهو ما يقول فيه حسن من غير صفة أخرى" مضمومة إليه من صحيح وغريب فلا يرد ما أورده ابن سيد الناس اليعمري من إيراده الذي سلف قريبا "وذلك فإنه يقول في بعض الأحاديث حسن وفي بعضها صحيح وفي بعضها غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب إلى آخر الأقسام" اختصر المصنف عبارة ابن حجر وعبارته هكذا وفي بعضها حسن غريب وفي بعضها صحيح غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب "وتعريفه" أي الترمذي "إنما

وقع على الأول" وهو حيث يفرد الحسن هذا كلامه ثم قال "وعبارته" أي الترمذي "ترشد إلى ذلك حيث قال في آخر كتابه وما قلنا في كتابنا حديث حسن فإنما أرادنا بأن حسن إسناده عندنا وكل" استئناف وهو هكذا في الترمذي وفي شرح النخبة نفلا عن الترمذي لأن كل إلى آخره "حديث" يروى "ولا يكون راويه متهما بكذب" لفظ الترمذي ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروي إلى آخره فوقع تقديم وتأخير وإبدال فيما نقل من عبارته كأنه نقل بالمعنى "ويروى من غير وجه" أي بل من اوجه كثيرة والمراد فوق الواحد "نحو ذلك ولا يكون شاذا" تمامه فهو عندنا حديث حسن وما كان يحسن حذف المصنف له لأنه خبر قوله كل حديث. ثم قال الحافظ بعد هذا فعرف بهذا أنه إنما عرف الذي يقول فيه حسن فقط أما ما يقول فيه حسن صحيح أو حسن غريب أو حسن صحيح غريب فلم يعرج على تعريفه كما لم يعرج على تعريف ما يقول فيه صحيح فقط أو غريب فقط وكأنه ترك ذلك استغناء به لشهرته عند أهل هذا الفن واقتصر على تعريف ما يقول في كتابه حسن فقط لغموضه وأما لأنه اصطلاح جديد ولذلك قيده بقوله عندنا ولم ينسبه إلى أهل الحديث كما فعل الخطابي. وبهذا التقرير يندفع كثير من الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يسفر وجه توجيهها انتهى كلام الحافظ وهو حسن إلا أنه مبني على أنه لم يقل الترمذي حسن فقط إلا في حديث يرويه من وجوه فليطالع الترمذي وقد تتبعت مواضع فوجدت كلام الحافظ في إفراده الحسن صحيحا ولم استوف ذلك. * * *

مسألة (22) : في بيان القسم الثالث: وهو الحديث الضعيف

مسألة: 22 [في بيان القسم الثالث: وهو الحديث الضعيف] "القسم الثالث" من الثلاثة الأقسام وقد تقدم الصحيح والحسن وهذا القسم "في الضعيف قال ابن الصلاح: ما لم يجمع صفات الصحيح ولا صفات الحسن فهو ضعيف قال زين الدين" تعقبا له "ذكر الصحيح غير محتاج إليه في بيان الضعيف لأن ما قصر عن الحسن فهو عن الصحيح أقصر" وأجاب عن ذلك بعض من عاصر الحافظ ابن حجر فقال مقام التعريف يقتضي ذلك إذا لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وجود وصف الصحيح إذ الصحيح بشرطه السابق لا يسمى حسنا فالترديد متعين قال ونظيره قول النحويين إذا عرف الحرف بعد تعريف الاسم والفعل فالحرف ما لا يقبل شيئا من علامات الاسم ولا من علامات الفعل انتهى. وأقول: النظير غير مطابق لأنه ليس بين الاسم والفعل والحرف عموم ولا خصوص بخلاف الصحيح والحسن فقد قررنا فيما مضى أن بينهما عموما وخصوما وأنه يمكن اجتماعهما وانفراد كل منهما بخلاف الاسم والفعل والحرف. والحق أن كلام المصنف يعني ابن الصلاح معترض وذلك أن كلامه يقتضي أن الحديث حيث تنعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا وليس كذلك لأن تمام الضبط مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع ويسمى الحديث الذي اجتمعت في الصفات سواء حسنا ولا ضعيفا وما من صفة من صفات الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا ولو عبر بقوله حديث لم تجتمع فيه صفات القبول لكان اسلم من الاعتراض وأخصر انتهى. "وإن كان بعضهم يقول أن الفرد الصحيح لا يسمى حسنا على رأي الترمذي فقد تقدم رده" هذا من كلام زين الدين دفعا لما يقال لو اقتصر ابن الصلاح على قوله ما لم يبلغ صفات الحسن للزم أن يدخل الفرد الصحيح في رسم الضعيف لأنه لم يبلغ

صفات الحسن فلذا لم يسم حسنا فأجاب زين الدين بأنه قد تقدم رد هذا وأنه يسمى الفرد الصحيح حسنا. "قلت: لا اعتراض على ابن الصلاح فإنه لا يلزمه أن يحد الضعيف على رأي غيره وإنما كان يرى أن كل صحيح حسن أو كان الدليل على أن كل صحيح حسن قاطعا ملتزما لكل مكلف أن يسميه بذلك" قد عرفت أن زين الدين قال في اعتراضه أن ذكر دعم بلوغ الحديث رتبة الحسن يفيد أنه لم يبلغ درجة الصحيح لأن الصحيح أخص من الحسن وإذا انتفي الأعم انتفى الأخص ضرورة انتفاء الأخص عند انتفاء الأعم والمصنف اعترضه بأنه لا يرد على ابن الصلاح ما أورده إلا بأحد الأمرين الأول أن يكون رأي ابن الصلاح أن كل صحيح حسن أو بأن يقوم على ذلك دليل قاطع ولم يوجد الأمرين كما أفاده قوله "وليس كذلك" أي ليس واحد من الأمرين موجودا "وإنما هذا الكلام في اصطلاح أهل الأثر ولم يصطلحوا كلهم على أن كل صحيح حسن" هذا كلام جيد إلا أن الذي تفيده عبارة ابن الصلاح أنه يقول بأن الصحيح أخص من الحسن فإنه قد تقدم عنه انه قسم الحسن إلى قسمين وأفاد فيما ذكره أخصية الصحيح ثم قال في آخر كلامه ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهذا مع ما فصله هنالك يقضي بأن ابن الصلاح رأيه رأي من يقول بأن كل صحيح حسن فيتم الاعتراض عليه على أنه وان سلم أنه يقول أن الصحيح والحسن متحدان فالاعتراض وارد عليه لا غناء ذكر أحدهما عن الآخر. "فهذا كلام جملي في تعريف الضعيف وأما التفضيلي فتقول شروط الصحيح والحسن ستة" وهي الضبط والعدالة والاتصال وفقد الشذوذ وفقد العلة وعدم العاضد عند الاحتياج كذا عدها البقاعي وهي شروط القبول وشروطه شروط الحسن والصحيح "فإذا اختل شرط منها فأكثر ضعف الحديث". فلت يشكل هذا بما إذا قدم تمام الضبط فإنه من شروط الصحيح وإذا فقد بأن خف صار الحديث حسنا وعبارة الزين أقسام الضعيف ما فقد فيه شط من شروط القبول قسم وشروط القبول هي شروط الصحيح والحسن انتهى فلا إشكال في عبارته ولا يرد عليه ما ذكرنا لأنه إذا خف الضبط فالحديث مقبول لأنه حسن فلا يكون الحديث ضعيفا على هذا الكلام إلا إذا فقد فيه شروط الصحيح وشروط

الحسن ولا يشكل. "فالضعيف باعتبار اختلال شرط من شروطهما ستة أسباب: أحدها: عدم الاتصال" الذي هو أول شروط الصحيح زاد الزين حيث لم يتميز المرسل بما يؤكده وكأن المصنف اكتفى عن هذا الشرط بقوله "على الخلاف كما سيأتي" في بحث المرسل. "وثانيها: عدم عدالة الرجال" وهو ثاني شروط الصحيح قلت: وهذه عبارة الزين وكان الأحسن أن يقال الرواة ليشمل النساء تغليبا ولا يتأنى ذلك في لفظ الرجال. "وثالثها: عدم سلامتهم من كثرة الخطأ وكثرة الغفلة" وهذه عبارة الزين وقال الحافظ ابن حجر بل التعبير هنا باشتراط الضبط أولى انتهى قلت: وجهه أنه يوافق ما سلف في رسم الصحيح من قولهم نقل عدل ضابط. "ورابعها: عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تعرف أهليته وليس متهما بالكذب" عبارة الزين وليس متهما بالغلط. قال الحافظ ابن حجر وكذا إذا كان فيه ضعف بسبب سوء الحفظ أو كان في الإسناد انقطاع خفيف أو خفي أو كان مرسلا كما قررنا ذلك في الكلام الحسن المجبور. "وخامسها: الشذوذ". "وسادسها: العلة" وسيأتي بيان معنى الشذوذ والعلة. "والضعيف باعتبار هذه الأسباب أقسام كثيرة" قال الحافظ ابن حجر تلخيص التقسيم المطلوب أن قيد الأوصاف راجع إلى ما في راويه طعن أو في سنده سقط فالسقط إما أن يكون في أوله أو في آخره أو في أثنائه وبيانه في كلام المصنف "لأن عدم الاتصال" أي اتصال الحديث بالراوي "يدخل تحت قسمان: المرسل" زاد زين الدين الذي لم يجبر "والمنقطع على الخلاف فيهما كما سيأتي" بل ويدخل فيه المدلس والمعلق والمعلل "وما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم" وهو عدم الاتصال "قسم آخر" باعتبار ما انضم إلى الأول "ويدخل تحته" تحت هذا القسم "اثنا عشر قسما لأن فقد العدالة" الذي هو السبب الثاني: من الستة الأسباب إذا انضم إلى السبب الأول "يدخل فيه الضعيف" إذ الضعيف مفقود العدالة "والمجهول" فإنه مفقودها أيضا "وهذه أقسامه" أي أقسام القسم الذي انضم إليه سبب آخر من الأسباب الستة بعد عدم الاتصال وهي

اثنا عشر: "الأول: المنقطع" ويقال له المقطوع كما يأتي وهو قول التابعي وفعله. "الثاني: المرسل" يأتي أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عند أكثر المحدثين ويأتي فيه خلاف فهذان قسمان فقد فيهما الاتصال. "الثالث: مرسل في إسناده ضعيف" هذا مما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم ومثله. "الرابع: منقطع فيه" راو "ضعيف" يأتي بيانه. "الخامس: مرسل فيه" راو "مجهول" يأتي تقسيمه إلى مجهول عين وعدالة. "السادس منقطع فيه" راو "مجهول" إلى هنا أقسام فقد السبب الأول مع فقد الثاني. وهذه أقسام فقد السبب الأول أيضا مع فقد الثالث: الأول منها قوله: "السابع مرسل فيه" راو "مغفل" يأتي بيانه "كثير الخطأ وإن كان عدلا" إذا لا ملازمة بين العدالة وعدم التغفيل. "الثامن" وهو الثاني مما فقد فيه الأول والثالث "منقطع فيه مغفل كذلك" أي كثير الخطأ وإن كان عدلا. "التاسع" وهو الأول مما فقد فيه الأول الرابع "مرسل فيه مستور" يأتي بيانه "ولم ينجبر بمجيئه" أي الخبر "من وجه آخر". "العاشر" وهو الثاني مما فقد فيه الأول والرابع "منقطع فيه مستور ولم يجيء من وجه آخر". "الحادي عشر" وهو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس "مرسل شاذ". "الثاني عشر" وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد في الخامس "منقطع شاذ". "الثالث عشر" هو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس "مرسل معل" من العلة يأتي بيانها. "الرابع عشر" وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس "منقطع معل". "فهذا ما اجتمع فيه سببان مضعفان" هما عدم الاتصال وما انضم إليه. واعلم أنها أربعة عشر قسما لأنك تضم عدم الاتصال إلى كل واحد من الخمسة الأسباب تحصل خمس صور ثم تضم المنقطع إلى كل واحد من الخمسة تحصل خمس

أخرى كانت عشرا ثم قد عرفت أن الضعيف والمجهول قد دخلا تحت فقد العدالة فتضم عدم الاتصال إليهما يحيصل قسمان ثم تضم المنقطع إليهما يحصل قسمان كانت أربعة عشر وهي التي سردها المصنف. إذا عرفت هذا نظرت ما المراد من قول المصنف إنه يدخل تحت هذا القسم اثنا عشر فإن الحاصل أربعة عشر وعبارة المنصف والأعداد هي بعينها عبارة الزين وأعداده. "وما اجتمع فيه ثلاثة" مضعفات "يدخل تحته عشرة أقسام وهي هذه" ما عدا أربعة منها "مضمومة" في التعداد "إلى ما تقدم" من الصور الأربعة عشر أولها: "الخامس عشر" مرسل شاذ وفيه عدل مغفل كثير الخطأ" فقد فقد فيه الأول من الستة الأسباب والثالث: ووجد فيه الخامس من ذي الثلاثة. "السادس عشر: منقطع شاذ فيه مغفل كذلك" أي كثير الخطأ فقد فقد فيه الأول والثالث: ووجد فيه ما وجد في المثال الأول- الخامس عشر. "السابع عشر مرسل معل فيه ضعيف" فقد فقد فيه الأول والثاني: ووجد فيه السادس. "الثامن عشر منقطع معل ضعيف" هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما خالفه بأنه منقطع. "التاسع عشر: مرسل معل فيه مجهول" فقد فقد الأول والثاني: ووجد فيه السادس. "العشرون: منقطع معل فيه مجهول" هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما تفاوتا انقطاعا وإرسالا. "الحادي والعشرون: مرسل معل فيه مغفل كذلك." أي كثير الخطأ فقد فيه الأول ووجد فيه الثالث: والسادس. "الثاني والعشرون: منقطع معل فيه مغفل كذلك" هو كالذي قبله فقدا ووجودا. "الثالث والعشرون: مرسل معل فيه مستور ولم ينجبر" فقد فيه الأول ووجد السادس والرابع مع شرطه. "الرابع والعشرون: منقطع معل فيه مستور كذلك" أي لم ينجبر بمجيئه من وجه آخر وهو كالذي قبله فقدا ووجودا. لا يخفى أنه قد سبق للمصنف أن في اجتماع الثلاثة عشر صور والرابع والعشرون العاشر منها لكن الخامس والعشرون السادس والعشرون منها كما ترى قوله:

"الخامس والعشرون: مرسل شاذ معل" فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس والسادس. "السادس والعشرون منقطع شاذ" معل هو كالأول فيما ذكر. ولا يخفى أنها صار أقسام ما اجتمع فيه ثلاثة اثني عشر قسما وأما زين الدين فعد العشر الصور إلى الرابع والعشرون ثم قال وهكذا فافعل إلى آخر الشروط فخذ ما فقد فيه شرط الأول وهو الاتصال مع شرطين آخرين غير ما تقدم وهما السلامة من الشذوذ والعلة ثم خذ ما فقد فيه شرط آخر مضموما إلى فقد هذه الشروط الثلاثة وهي هذه ثم ذكر الخامس والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين. "السابع والعشرون: مرسل شاذ معل فيه مغفل كثير الخطأ" فهذا اجتمعت فيه أربعة كما اجتمعت في قوله. "الثامن والعشرون: منقطع شاذ معل فيه مغفل كذلك" أي كثير الخطأ فهذان مثالان لما اجتمعت فيه أربعة وقدمنا كلام الزين في هذا وأما المصنف فسرد ما تراه من غير تنبيه. ثم قال زين الدين: بعد هذا ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط واحد غير ما بدأت به أولا وهو ثقة الراوي وتحته أقسام وهما: "التاسع والعشرون: ما في إسناده ضعيف". "الثلاثون: ما فيه مجهول" فهذان القسمان فقد فيها عدالة الراوي. ثم قال زين الدين: ثم زد على فقد عدالة الرازي فقد شرط آخر غير ما بدأت به وتحته قسمان وهما: "الحادي والثلاثون: ما فيه ضعيف وعلته". "الثاني والثلاثون: ما فيه مجهول وعلته". ثم قال زين الدين: ثم كمل هذا العمل الثاني: الذي بدأت فيه بفقد الشرط المثنى به كما كملت الأول أي تضم إلى فقد هذين الشرطين فقد شرط ثالث ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط آخر غير المبدوء به والمثنى به وهو سلامة الرازي من الغفلة ثم زد عليه وجود الشذوذ أو العلة أو هما معا ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الرابع وهو عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في إسناده مستور ثم زد عليه وجود العلة ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الخامس وهو السلامة من الشذوذ ثم رد عليه وجود العلة بعد ثم

اختم بفقد الشرط السادس ويدخل تحت ذلك عشرة أقسام وهي: "الثالث: والثلاثون: شاذ معل فيه عدل مغفل كثير الخطأ". "الرابع والثلاثون: ما فيه مغفل كثير الخطأ" زاد الدين معل كثير التساهل. "الخامس والثلاثون: شاذ في مغفل كذلك" أي كثير الخطأ. "السادس والثلاثون: معل فيه مغفل كذلك" كثير الخطأ. "السابع والثلاثون: شاذ معل فيه مغفل كذلك" كثير الخطأ. "والثامن والثلاثون: ما في إسناده مستور لم تعرف أهليته ولم يرو من وجه آخر". "التاسع والثلاثون: معل فيه مستور كذلك" أي لم تعرف أهليته ولم يرو من وجه آخر. "الأربعون: الشاذ". "الحادي والأربعون: الشاذ المعل". "الثاني والأربعون: المعل". "فهذه أقسام الضعيف باعتبار الانفراد والاجتماع ذكرها الحافظ زين الدين قال: وقد تركت من الأقسام التي يظن أنه ينقسم إليها بحسب اجتماع الأوصاف عدة أقسام هي اجتماع الشذوذ ووجود ضعيف أو مجهول أو مستور في سنده لأنه لا يمكن اجتماع ذلك على الصحيح لأن الشذوذ تفرد الثقة ولا يمكن وصف ما فيه راو ضعيف أو مجهول أو مستور بأنه شاذ والله أعلم" انتهى كلام زين الدين. "قلت: ومن أقسام الضعيف ما له لقب خاص كالمضطرب والمقلوب والموضوع والمنكر وهو بمعنى الشاذ كما سيأتي" قلت: هذا بلفظ كلام الزين فلا وجه لفصل قوله. "قال زين الدين: وعد أبو حاتم محمد بن حبان البستي أنواع" الحديث "الضعيف تسعة وأربعون نوعا" هذا نقله زين الدين من كلام ابن الصلاح ولفظه وأطنب أبو حاتم البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا قال عليه الحافظ ابن حجر لم أقف على كلام ابن حبان في ذلك وتجاسر بعض من عاصرناه فقال هو في أول كتابه في الضعفاء ولم يصب ذلك فإن الذي قسمه ابن حبان في أول كتاب الضعفاء له تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة لا تقسيم الحديث الضعيف ثم إنه بلغ الأقسام المذكورة عشرين قسما لا تسعة وأربعين والحاصل أن الموضع الذي ذكر

فيه ابن حبان ذلك لم نعرف موضعه انتهى. "قلت: لعله" أي ابن حبان "عد ما ترك الزين مما تحتمله القسمة العقلية ويمنع عرفهم من اجتماعه والله أعلم" حتى أبلغها تسعة وأربعين. فائدة: قال الحافظ ابن حجر: تنبيهات: الأول: قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف على حد ما تقدم من قولهم صحيح الإسناد وصحيح ولا فرق. الثاني: من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا يريد زين الدين في منظومته وشرحها أن يتفق العلماء على العمل بمدلول الحديث فإنه يقبل حتى يجب العمل به وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول. ومن أمثلته قول الشافعي رحمه الله وما قلت: من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله ولكنه قول العامة لا أعلم منهم فيه خلافا وقال في حديث لا وصية لوارث. لا يثبته أهل العلم بالحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملت به حتى جعلته ناسخا لآية الوصية للوارث. ثم ذكر الثالث: من التبيهات وعد فيه ما قيل فيه إنه أو هي الأسانيد كما عدوا فيها سلف ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد وطول به فلم يذكره وقد ذكره الحاكم في كتابه علوم الحديث. * * *

مسألة (23) : في بيان الحديث المرفوع

مسألة: 23 [في بيان الحديث المرفوع] "المرفوع" قدم على ما بعده لشرفه بالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم وهو من أنواع علوم الحديث جعله ابن الصلاح النوع السادس. "اختلف في حد المرفوع فالمشهور أنه ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قولا له أو فعلا" قلت: أو تقريرا أو هما كما قررناه في حواشي شرح غاية السول "سواء أصافه إليه صحابي أو تابعي أو من بعدهما سواء اتصل إسناده أم لا فعلى هذا" التفسير "يدخل فيه المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل" والمعلق أيضا لعدم اشتراط الاتصال. "وقال" أبو بكر "الخطيب" البغدادي: المرفوع "هو ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله فعلى هذا" حيث خصص الصحابي "لا يدخل فيه مراسيل التابعين ومن بعدهم". قال الحافظ ابن حجر مقتضاه يعني كلام الخطيب أن يكون في السياق إدراجها وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطيب بلفظها وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي صلى الله عليه وسلم: ثم قال والحاصل أن المسند عند الخطيب ينظر فيه إلى ما يتعلق بالسند فيشترط فيه الاتصال وإلى ما يتعلق بالمتن فلا يشترط فيه الرفع إلا من حيث الأغلب في الاستعمال فمن لازم ذلك إن الموقوف إذا اتصل سنده قد يسمى مسندا ففيالحقيقة لا فرق عند الخطيب بين المسند المتصل إلا في غلبة الاستعمال ثم نقل كلام ابن عبد البر والحاكم ثم قال بعد ذلك والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم إن المسند عندهم من سمع النبي

صلى الله عليه وسلم: بسند ظاهره الاتصال فمن سمع أعم من أن يكون صحابيا مسلما أو في حال كفره وأعلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم: ومن لم يسمع يخرج المرسل وبسند يخرج ما كان بلا سند كقول القائل من المصنفين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا من قبيل المعلق وظهور الاتصال يخرج المنقطع لكن يدخل فيه ما كان فيه انقطاع فهو كعنعنة المدلس والنوع المسمى بالمرسل الخفي فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يسمى مسندا. ومن رأي مصنفات الأئمة في المسانيد لم يرها تخرج عن اعتبار هذه الأمور وقد راجعت كلام الحاكم بعد هذا فوجدت عبارته والمسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه فلم يشترط حقيقة الاتصال بل اكتفى بظهور ذلك كما قلت: هـ تفقها ولله الحمد وبهذا يتبين الفرق بين الأنواع وتحصل السالمة من تداخلها واتحادها إذ الأصل عدم الترادف والاشتراك والله أعلم انتهى. "قال ابن الصلاح1: ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل" انتهى كلام ابن الصلاح في هذا النوع وقد ذكر في النوع الرابع من تفريعات النوع الثامن قوله "ومن المرفوع قولهم عن الصحابي: يرفع الحديث أو يبلغ به" كحديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به الناس تبع لقريش2 "أو ينميه" بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم كحديث مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة3 قال أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمى ذلك وهذا هو معنى نميت الحديث إلى فلان إذا أسندته إليه "أو رواية رفع" أي مرفوع بلا خلاف كما صرح به النووي وهو تفسير لرفع الحديث. "قال ابن الصلاح: حكم ذلك" أي قولهم عن الصحابي يرفع الحديث "عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا" إلا أنه ليس في كلام ابن الصلاح لفظ رفع بل لفظ أو رواية بالتنوين ليس بعدها لفظ. قال الحافظ ابن حجر وكذا قوله يرويه أو رفعه أو مرفوعا وكذا قوله:

_ 1 علوم الحديث ص 66. 2 مسلم 1451, وأحمد 2/243. 3 المشكاة 898, وفتح الباري 2/224.

رواه وعبارة الزين في نظمه: وقولهم يرفعه يبلغ به ... رواية ينميه رفع فانتبه وقد ذكر ابن الصلاح أمثلة ذلك "قال زين الدين1: وإن قيلت هذه الألفاظ عن التابعي فمرسل بخلاف قول التابعي من السنة ففيه خلاف كما يأتي" هذا كلام ابن الصلاح فإنه قال بعد قوله صريحا قلت: وإذا قال الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل والله أعلم. تنبيه: ذكر الحافظ ابن حجر إن من أغرب المرفوع سقوط الصيغة مع الحكم بالرفع مع القرينة كالحديث الذي رويناه من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس أيما عبد حج به أهله ثم عتق فعليه حجة أخرى الحديث رواه ابن أبي شيبة2 من هذا الوجه فزعم أبو الحسن ابن القطان إن ظاهره الرفع آخذه من نهي ابن عباس عن إضافة القول إليه فكأنه قال لا تضيفوه إلي أضيفوه إلى الشارع لكن يعكر عليه أمثلة البخاري رواه3 من طريق السفر سعيد بن محمد قال سمعت ابن عباس يقول يا أيها الناس اسمعوا عني ما أقول لكم واسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولون قال ابن عباس قال ابن عباس وظاهر هذا أنه إنما طلب منهم أمثلة يعرضوا عليه قوله ليصححه لهم خشية أمثلة يزيدوا فيه أهله ينقصوه انتهى. قلت: بل الظاهر مع أمثلة ابن القطان إذ ليس من طريقة ابن عباس المألوفة أمثلة يطلب عرض ما حديث به مع كثرة تحديثه ويزيد كلام ابن القطان قوة أمثلة هذا الحكم الذي ذكره ابن عباس ليس للاجتهاد فيه مسرح فهو من قرائن الرفع والله أعلم ثم قال تنبيهات قد يقال ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوها إلى يرفعه وما يذكر معها قال الحافظ المنذري يشبه أمثلة يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم: يشك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ يدل على رفع الحديث.

_ 1 فتح المغيث 1/64. 2 البيهقي 4/325, والخطيب 8/209. 3 في: مناقب الأنصار: ب 27.

قلت: وإنما ذكر الصحابي كالمثال وإلا فهو جار حق من بعده ولا فرق ويحتمل أمثلة يكون من صنع ذلك لطلب التخفيف وإيثار الاختصار ويحتمل أمثلة يكون شك في ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يجزم بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا بل كنى عنه تحرزا بأيتهما ذكر المصنف ما إذا قال التابعي عن الصحابي يرفعه ولم يذكر ما إذا قال الصحابي عن النبي يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عز وجل ومثاله الحديث الذي رواه الدار وردي عن عمر بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعه: "إن المؤمن عندي له كل خير يحمدني وأنا انزع نفسه من بين جنبيه" حديث حسن رواه أهل الصدق أخرجه الدارمي في مسنده1 وهو من الأحاديث الإلهية وقد افردها جمع بالجمع انتهى. * * *

_ 1 النسائي في: الجنائز: ب 13. وأحمد 1/297.

مسألة (24) : في بيان المسند من أنواع الحديث

مسألة: 24 [في بيان المسند من أنواع الحديث] "المسند- اختلف فيه" أي في حقيقته "على ثلاثة أقوال". الأول: ما أفاد قوله "فقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد1 هو ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: خاصة قال وقد يكون متصلا مثل مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون منقطعا مثل مالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فهذا مسند لأنه قد أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه انتهى قال زين الدين: فعلى هذا يستوي المسند والمرفوع". قال الحافظ ابن حجر: وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المسند والمرسل يقولون أسنده فلان وأرسله فلان. والثاني: ما أفاده قوله "وقال" أبو بكر2 "الخطيب" البغدادي "هو عند أهل الحديث الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه قال أبو الصلاح واكثر ما يستعمل ذلك فيا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم" قد قدمنا لفظ الخطيب في نوع المرفوع وما حققه الحافظ ابن حجر في المسند فقول ابن الصلاح هذا هو كما قال الحافظ ابن حجر معنى قول الخطيب إلا أمثلة اكثر استعمالهم هذه العبارة فيما اسند عن النبي صلى الله عليه وسلم: خاصة وتقدم تحقيقه فالمسند

_ 1 1/21, 23. 2 أبو بكر الخطيب البغدادي هو: الحافظ الكبير أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي. قال أبو إسحاق الشيرازي: يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه. مات سنة 463. له ترجمة في: البداية والنهاية 12/101, وشذرات الذهب 3/311, ووفيات الأعيان 1/27.

والمتصل سواء لإطلاقهما على كل من المرفوع والموقوف ولكن الأكثر استعمال المسند في الأول كما قاله الخطيب. والثالث: وما أفاده قوله "وقال ابن الصباغ: في العدة المسند ما اتصل إسناده فعلى هذا يدخل فيه المرفوع والموقوف ومقتضى كلام الخطيب أنه ما اتصل إسناده إلى قائله من كان فيدخل فيه المقطوع" لأنه يصدق عليه أنه اتصل إسناده من رواته إلى منتهاه "وهو قول التابعي ومن بعده" إذا اتصل إلى أحدهما. "قال زين الدين1: وكلام أهل الحديث يأباه وقيل" هذا قول رابع "وهو" أي المسند "ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بإسناد متصل وبه" أي بهذا القول الرابع "قطع الحاكم أبو عبد الله" في كتابه علوم الحديث2 فلم يحك فيه غيره "وحكاه ابن عبد البر قولا لبعض أهل الحديث" هكذا قاله الزين. وقال الحافظ ابن حجر أمثلة الحاكم وغيره فرقوا بين المسند والمتصل والمرفوع بأن المرفوع بنظر فيه إلى حال المتن مع قطع النظر عن الإسناد فحيث يصح إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم: كان مرفوعا سواء اتصل إسناده أم لا ومقابله المتصل فإنه ينظر فيه إلى حال الإسناد مع قطع النظر عن المتن سواء كان مرفوعا أهله موقوفا وأما المسند فينظر فيه إلى الحالين معا فيجمع شرطي الاتصال والرفع فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق فكل مسند مرفوع ولك مسند متصل ولا عكس فيهما هذا على رأي الحاكم وبه جزم أبو عمرو الداني والشيخ تقي الدين في الاقتراح انتهى وقد قدمنا ما قاله الحافظ ابن حجر مما ظهر في حقيقة المسند بالاستقراء. * * *

_ 1 فتح المغيث 1/57. 2 ص 40.

مسألة (25) : في بيان المتصل والموصول من أنواع الحديث

مسألة: 25 [في بيان المتصل والموصول من أنواع الحديث] "المتصل والموصول" قال الحافظ ابن حجر ويقال له المؤتصل بالفك والهمز وهي عبارة الشافعي في الأم في مواضع قال ابن الحاجب في التصريف له هي لغة الشافعي1 انتهى "هما" الأولى إفراد الضمير لأنه معنى واحد وإنما تعدد لفظه واتحد معناه وهو واحد إذ عبارة الزين2 المتصل والموصول هو "ما اتصل إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أو إلى واحد من الصحابة" احتراز عما لم يتصل سنده صلى الله عليه وسلم ولا بصحابي كما قال. "وأما أقوال التابعين إذا اتصلت الأسانيد بهم فلا يسمونها متصلة بل يسمونها مقطوعة قال زين الدين: وإنما يمتنع هذا" أي إطلاق المتصل على أقوال الصحابة المتصلة الأسانيد "مع الإطلاق فأما مع التقييد فجائز شائع في كلامهم كقولهم هذا متصل إلى سعيد بن المسيب" بالتقييد يذكر من اتصل إليه. "قال ابن الصلاح3: وحيث يطلق المتصل يقع على المرفوع والموقوف" إذ قد اخذ في مفهومه أهله إلى أحد من الصحابة وهو الموقوف. * * *

_ 1 لسان العرب 11/727, والنكت 1/303. 2 فتح المغيث 1/58. 3 علوم الحديث ص 40.

مسألة (26) : في بيان الموقوف

مسألة:26 [في بيان الموقوف] "الموقوف: هو ما قصرته" بلفظ الخطاب وهي عبارة زين الدين في نظمه فإنه قال: وسم بالموقوف ما قصرته1 "على واحد من الصحابة قولا له أو فعلا" والمراد من القول هنا هـ ما خلا عن قرينة تدل على أن له حكم الرفع كما يأتي والفعل المجرد فهل يكون له حكم عند من يحتج بقول الصحابي أمثلة لا قال الحافظ ابن حجر فيه نظر "أو نحوهما" كه يريد ما يعمل أهله يقال في حضرتهم ولا ينكرونه والحكم فيه أنه إذا نقل في مثل ذلك حضور أهل الإجماع فيكون تقلا للإجماع وإن لم يكن فإن خلا عن سبب مانع من السكوت والإنكار فحكمه حكم الموقوف ويكون من باب الإجماع السكوتي "ولم يرفع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم" ولا قامت قرينة على رفعه "سواء اتصل إسناده إلى أو لم يتصل" قال الحافظ واشترط الحاكم في الموقوف أمثلة يكون إسناده غير منقطع إلى الصحابي وهو شرط لم يوافقه عليه أحد. "وقال أبو القاسم" في شرح الألفية أمثلة القاسم الفورابي يضم الفاء نسبة إلى قرية بهمذان كما في القاموس "من الخراسانيين الفقهاء" وأطلق فإنه قال الفقهاء "يقولون" الخبر ما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم و "الأثر ما روى عن الصحابة" انتهى. قال الحافظ ابن حجر: هذا قد وجد في عبارة الشافعي في مواضع والأثر في الأصل العلامة زاد غيره وما ظهر على الأرض من مشي الرجل قال زهير2: والمرء ما عاش ممدود له أثر

_ 1 1/58/101. 2 لسان العرب 4/6, والنهاية 1/23, وفتح المغيث 1/125.

ونقل النووي عن أهل الحديث انهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا ويؤيده تسمية أبي جعفر الطبري كتابه تهذيب الآثار وهو مقصور على المرفوعات وإنما يورد فيه الموقوفات تبعا وأما كتاب شرح معاين الآثار للطحاوي فيشتمل على المرفوع والموقوف أيضا. "قال زين الدين: هذا مع الإطلاق وأما مع التقييد فيجوز في حق التابعين فيقولون هذا موقوف على ابن المسيب ونحوه وفي كلام ابن الصلاح ما يقتضي أنه يجوز مع التقييد في" حق "غير التابعين أيضا فيقال هذا موقوف على الشافعي ونحوه" فإنه قال وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي فيقال حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاووس أو نحو هذا. "ثم إن الآثار نوعان" هذا زيادة من كلام المصنف لم يذكره ابن الصلاح ولا زين الدين فكان يحسن أمثلة يعنونه المصنف بلفظه قلت: على قاعدته. "أحدهما: ما لا يقال من قبيل الرأي فذكر الإمامان أبو طالب والمنصور بالله عليهم السلام أنه إذا كان للاجتهاد فيه وجه صحيح أهله فاسد فموقوف وإلا فمرفوع وهو قول الشيخ أبي الحسين البصري والشيخ الحسن الرصاص وحكة ذلك المنصور بالله" أي عن الشيخين المذكورين "وصاحب الجوهرة" يعني حكاه عنهما "وزاد المنصور بالله حكايته عن قاضي القضاة واحتج المنصور بالله على ذلك بأنه مقتضى وجوب تحسين الظن بالصحابة" وأنهم لا يأتون في الأحكام إلا بما هو من طريق الأحاديث المرفوعة أهله من طريق الاجتهاد. "وذكر جماعة من العلماء منهم ابن عبد البر أنه" أي ما ليس للاجتهاد فيه وجه صحيح ولا فاسد "في حكم المرفوع قالوا مثل قول ابن مسعود من أتي ساحرا أهله عرافا" عراف كشداد الكاهن كما في القاموس وفي النهاية1 أراد بالعراف المنجم والحازي الذي يدعى علم الغيب وقد استأثر الله به "فقد كفر بما أنزل على محمد2 ترجم عليه الحاكم في كتاب علوم الحديث" بقوله: "باب معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها قلت: وهذا المثال مما يظن أنه لا مدخل للرأي فيه وليس مما يقطع به" أي بأنه عنه صلى الله عليه وسلم "وقد يوجد عن الصحابة ما يقطع به" أي بأنه

_ 1 البيهقي 8/135. والحاكم 1/8. 2 3/218.

ليس إلا عنه صلى الله عليه وسلم "مثل ما رواه الأمير الحسين" بن محمد "في الشفاء عن علي عليه السلام أن الحيض ينقطع عن الحبلى لأنه جعل رزقا للجنين وإنما جعل هذا كالمرفوع حملا للصحابة على السلامة ولأن الظن يقضي برجحان رفعه" لأنه لا يعرف إلا من طريق الوحي. "وخالف ابن حزم وشنع في ذلك وقال يحتمل أنه عن أهل الكتاب فقد صح: "حدثوا عن أهل الكتاب ولا حرج" 1 ولا يخفى أمثلة الحديث عنهم نادر والواقع من الموقوفات التي ليس للرأي فيها مسرح كثير وحسن الظن بالصحابي يقضي بأنه لا يطلق في مقام الأخبار عن الحكم في أمر بطريق اجتهادي أو نص إلا عن طريق شرعي من رواية معروفة أهله اجتهاد فإذا تعذر الثاني: تعين الأول نعم يحتمل هذا في القصص والأخبار التي لا يعرفها الصحابي ولا هي مما يجتهد فيه أنها من أحاديث الكتابين فهذا التفصيل هو الذي ينبغي عليه التعويل. "النوع الثاني": من نوعي الآثار "ما يحتمل أنه قيل عن الرأي والاجتهاد" وهو ما كان للاجتهاد في مسرح ووفقه الصحابي "ففيه قولان للشافعي الجديد منهما أنه ليس بحجة" لأنه قول صحابي مجتهد "ذكره في الإرشاد والذي تقتضيه الأدلة أنه ليس بحجة" إذا لم تقم الأدلة إلا على حجية الكتاب والسنة والقياس على خلاف فيه والإجماع على بعد في وقوعه وأما قوله "وليس في ذلك" أي في حجية قول الصحابي "سنة صحيحة" فهو من نفى المخاص بعد نفي العام إذ قد قدم أن الأدلة لم تقم على حجيته وأما أتى به ليتذرع به إلى قوله "فأما ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأبيهم اقتديتهم اهتديتم" 2 فهو حديث ضعيف قاله ابن كثير الشافعي وقال رواه عبد الرحمي بن زيد العمى" بفتح المهملة وتشديد الميم "عن أبيه قال ابن معين هو كذاب وقال السعدي هو ليس بثقة وقال البخاري تركوه وقال أبو حاتم حديثه متروك وقال أبو زرعة واه وقال أبو داود ضعيف أبوه ضعيف أو وقد روي هذا الحديث من غير طريق" أي من طرق كثيرة "ولا يصح شيء منها ذكر ذلك كله ابن كثير الشافعي في كلامه على أحاديث المنتهى". وذكر الحافظ ابن حجر له طرقا كثيرة في تخريجه لأحاديث مختصر ابن الحاجب.

_ 1 أبو داود 3662. والترمذي 2669. وأحمد 2/159. وابن أبي شيبة 9/62. 2 الميزان 1511, واللسان 2/488. والإتحاف 2/223.

وأخرجه عن ابن عمر وجابر وابن عباس وعمر وأنس بألفاظ مختلفة وسردها برواتهما وضعفها وذكر طريق عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب وساقه بلفظه أنه صلى الله عليه وسلم قال سألت ربي عما يختلف فيه أصحابي من بعدي فقال يا محمد أمثلة أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء مما اختلفوا فيه فهو عندي على هدى ثم قال هذا حديث غريب أخرجه ابن عدي1 ثم قال وزيد العمى وأبوه ضعيفان وأبوه اضعف منه وقد سئل البزار عن هذا الحديث فقال لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم. "وأما ابن عبد البر فاحتج به في التمهيد وسكت عليه فلعله رأي مجموع تلك الطرق في تقوى متن الحديث أهله عرف له شواهد ما يقوى معناه والله أعلم". قلت: وذكر الحافظ في تخرج أحاديث المختصر انه ذكره ابن عبد البر في كتاب بيان العلم عن ابن شهاب بسنده وقال هذا إسناد ضعيف الراوي له عن نافع لا يحتج به قال الحافظ قلت: هو متفق على تركه بل قال ابن عدي انه يضع الحديث قلت: ويريد بالراوي له ن نافع سمرة الجزري. * * *

_ 1 ابن عساكر 6/5/285.

مسألة (27) : في بيان المقطوع

مسألة: 27 [في بيان المقطوع] "المقطوع هو قول التابعي وفعله قال ابن الصلاح1: ويقال في جمعه مقاطيع ومقاطع" يعني كالمسانيد والمساند والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعند الكوفيين والجرمي من البصريين تجويز إسقاطها واختاره ابن مالك "قال وجدت التعبير بالمقطوع عن المتقطع في كلام الشافعي وأبي القسام الطبراني قال زين الدين: ووجدته أو في كلام أبي بكر الحميدي وأبي الحسن الدارقطني2 قال ابن الصلاح: وقد حكى عن بعض أهل العلم أنه جعل المنقطع ما وقف على التابعي واستبعده ابن الصلاح قال زين الدين: القائل بذلك هو الحافظ أبو بكر احمد بن هرون البردعي" بموحدة مفتوحة فراء ساكنة وإهمال الدال والعين نسبة إلى بردعة بلدة في أقصى بلاد أذربيجان بينهما وبين بردعة اثنا عشر ميلا "حكاه في جزء لطيف له" انتهى. * *

_ 1 علوم الحديث ص 42. 2 لكن قد يعتذر للشافعي أنه قال ذلك قبل استقرار الاصطلاح وأما الطبراني فإطلاقه ذلك يعتبر تجوزا عن الاصطلاح. تيسير مصطلح الحديث ص 99.

"فروع" سبعة حسن إيرادهما بعد كل من المرفوع والموقوف. "مسألة من السنة" هذا الفرع الأول وهو "قول صحابي من السنة كذا محمول على أنه مسند مرفوع" وادعى البيهقي انه لا خلاف بين أهل النقل في ذلك وسبقه إلى دعواه شيخه الحاكم في المستدرك وذلك "لأن الظاهر انه لا يريد إلا سنة صلى الله عليه وسلم وهو مذهب الزيدية ذكره المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة كقول علي ابن أبي طالب عليه السلام من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة رواه أبو داود في رواية ابن داسة" بالمهملتين أحد رواة سنن أبي داود "وابن الأعرابي" أحد رواتها أو إمام حافظ أثنى عليه الذهبي. وقال القاضي أبو الطيب هو ظاهر مذهب الشافعي لأنه احتج على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بصلاة ابن عباس على جنازة وقراءته بها وجوه وقال إنما فعلت ليعلموا أنها سنة وجزم ابن السمعاني أنه مذهب الشافعي وقال ابن عبد البر إذا أطلق الصحابي السنة فالمراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ما لم يضفها إلى صاحبها كقولهم سنة الخمرين وأعلم انهم وان قالوا بأنه لا يريد بها الصحابي إلا سنته صلى الله عليه وسلم لكنهم قال لا يضاف اللفظ إلى فإنه نهى أحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وقالوا لا يضاف حديث أبي هريرة الذي أخرجه أبو داود والترمذي بلفظه حذف السلام سنة1 فلا يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حذف السلام سنة قال الزين في تخرج الأحياء لا يعزو اللفظ إلى صلى الله عليه وسلم وإلا فقول الصحابي السنة كذا له حكم المرفوع على الصحيح. "وخالف بعضهم في ذلك منهم أبو بكر الصيرفي" من الشافعية "وأبو الحسن الكرخي" من الحنفية "وغيرهما" كابن حزم الظاهري بل حكاه إمام الحرمين عن المحققين ذكره في البرهان وجزم جماعة من أئمة الشافعية بأنه الجديد من مذهب الشافعية ذكر ابن القشيري وابن فورك وغيرهما وجزموا بأنه كان يقول في القديم إنه مرفوع وحكوا تردده في الجديد لكنه نص في الأم وهو من الكتب الجديدة على أنه

_ 1 أبو داود 1004, والترمذي في: الصلاة ب 107. وأحمد 2/532.

مرفوع فإنه قال في بابا عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضاحك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولا ن من السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في كتبا الأم في قول سعيد بن المسيب لأبي الزناد سنة وقد سئل سعيد عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما فقال له أبو الزناد سنة قال سنة قال الشافعي والذي يشبه قول سعيد سنة إن يكون أراد سنة النبي صلى الله عليه وسلم: قال الحفاظ ابن حجر وحينئذ فله قولا ن في الجديد قلت: ويحتمل أنه إنما جزم في الأول لما كان القائل صحابيا قال في الثاني: يشبه لما كان القائل تابعيا. هذا ودليل المخالفين إن لفظ السنة متردد بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم: وسنة غيره كما قال صلى الله عليه وسلم: "سنتي وسنة الخلفاء الراشدين" 1 وفي الحديث: "من سن سنة حسنة كان له أجرها" 2 جوابه أن الأظهر انهم لا يريدون إلا سنته صلى الله عليه وسلم وذلك لأمرين الأول أنه المتبادر إلى الفهم فالحمل عليه أولى الثاني: إن سنته صلى الله عليه وسلم أصل وسنة الخلفاء تبع لسنته والأظهر من مراد الصحابي إنما هو بيان الشريعة ونقلها فإسناد ما قصد نقله إلى الأصل أولى من إسناده إلى الفرع بالحمل عليه سيما إن كان قائل ذلك أحد الخلفاء الأربعة إذ يبعد إن يرد من طريقتي كذا وقد كانوا يصرحون بما يقولونه رأيا أو اجتهادا كقول أبى بكر أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله الحديث واستدل أيضا لهذا القول بما في البخاري3 أن الحجاج سأل سالما: كيف نصنع في الموقف يوم عرفة؟ قال سالم: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة قال أبو عمر: صدق قال الزهري: فقلت: لسالم: أفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: وهل يتبعون في ذلك إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. وأما استدلال ابن حزم على ما ذهب إليه بما في البخاري4 من حديث أبى عمر أنه قال: بحسبكم سنة نبيكم إن حُبِسَ أحدكم عن الحج فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم

_ 1 أبو داود 4607, والترمذي 2676, والدارمي 1/44, وأحمد 4/126. 2 الترمذي 2675, وابن ماجة 207. والدارمي 1/131, وأحمد 4/362. 3 البخاري في: الحج: ب 89. 4 في: المختصر: ب 2, 4.

حل من كل شيء حيث يحج قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا قال ابن حزم لا خلاف بين أحد من الأئمة أنه صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت لم يطف به ولا بالصفا ولا بالمروة بل حيث كان بالحديبية وان هذا الذي ذكره ابن عمر لم يقع منه صلى الله عليه وسلم قط فلا يخفى أنه لم يرد من السنة الفعل منه صلى الله عليه ةآله وسلم بل لفظ سنة نبيكم تعم الفعل والقول والتقرير فكونه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ما ذكره ابن عمر لم يبطل كونه لم يقله أو لم يقرره والحاصل أن ما أثبته ابن عمر أعم مما نفاه ابن حزم. إذا عرفت هذا فقول الصحابي سنة النبي صلى الله عليه وسلم: مضيفا لها إليه مرفوع عند الجماهير قطعا إلا عند ابن حزم. وقال البلقيني1 في محاسن الاصطلاح أنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا قال: فأبعدها مثل قول ابن عباس: الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم2 ودونها قول عمرو بن العاص: لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد كذا3 ودونها قول عمر لعقبة بن عامر: أصبت السنة4 إذ الأول ابعد احتمال والثاني: اقرب احتمالا والثالث: لا إضافة فيه قلت: وينظر فإنه لا فرق بين الأول والثاني: إلا زيادة التكبير من ابن عباس. تنبيه: لم يذكر المصنف إن حكم ما ينسب الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان الرفع وذلك مثل قول ابن مسعود من أتى ساحرا الحديث5 ومثله قول أبى هريرة ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله6 وقوله في الخارج من المسجد بعد الأذان أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم7 وقول عمار رضي

_ 1 البلقيني هو: الإمام العلامة شيخ الإسلام أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير الكناني الشافعي انتهت إليه رياسة المذهب الشافعي والإفتاء وولي قضاء الشام. مات سنة 805. له ترجمة في: إنباه الغمر 2/245. والضوء اللامع 6/85, وشذرات الذهب 7/51. 2 مسلم 1242. 3 أبو داود 2219, وابن ماجة 2063. والدارقطني 2/419- 420. 4 أبو داود 338, والنسائي في: الغسل: ب 27. والدارمي 1/190. والبيهقي 1/231. 5 سبق تخريجه. 6 مسلم في: النكاح: حديث 110, وأحمد 2/61. والبيهقي 7/262. 7 مسلم 2/125. وأحمد 2/410.

الله عنه من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم1 فهذا كله له حكم الرفع ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز التأثيم على ما ظهر من القواعد والأول اظهر وبه جزم ابن عبد البر وادعى الإجماع عليه وجزم به الحاكم في علوم الحديث وفخر الدين الرازي في المحصول وهذا كله فما ينسبه الصحابي إلى سقته صلى الله عليه وسلم. "وأما التابعي إذا قال ذلك" أي من السنة كذا "فقيل موقوف متصل لأنهم قد يعنون بذلك سنة الخلفاء" فلا يجزم بأنهم أرادوا منته صلى الله عليه وسلم لأنه جزم مع الاحتمال "وربما كثر ذلك فيهم حتى لا يكون غيره راجحا وهذا جديد قول الشافعي وصححه النووي" واعلم انه على قول من يقول بأن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع فهو محتمل لأقسام السنة الثلاثة القول والفعل والتقرير كما أشرنا إليه في الجواب عن دليل ابن حزم وإذا كان محتملا فإذا عارضه قول أو فعل أو تقرير غير محتمل فهو مقدم على قوله من السنة لعدم احتماله بخلافها. "مسألة أمرنا ونهينا" مغير الصيغة "إذا قال الصحابي امرنا أو نهينا" أو قال أوجب أو حرم أو أبيح وبالجملة يأتي بشيء من الأحكام بصيغة ما لم يسم فاعله "من نوع المرفوع والمسند عند المنصور بالله وقاضي القضاة والشيخ أبى عبد الله والشيخ الحسن" الرصاص "وحفيده أحمد" بن محمد بن الحسن "وكذلك عند أصحاب الحديث" إلا أن المنصور بالله قال فرق بين أمرنا وأوجب قال إن الأول حجة وشرط للثاني إن لا يكون للاجتهاد فيه مسرح لجواز إن يرى الوجوب بطريق الاجتهاد والجمهور على أنه حجة مطلقا "قال الزين عن ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل العلم لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من له الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذكر البيهقي إجماع أهل النقل على أنه مرفوع. "وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي" وأبو الحسن الكرخي من الحنفية وعلل ذلك بكونه مترددا بين كونه مضافا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أو إلى القرآن أو الأمة بعض الأمة أو القياس أو الاستنباط قال وهذه الاحتمالات تمنع من الجزم بكونه مرفوعا وأجيب بأنها احتمالات بعيدة وعلى التنزل فما من القرآن مرفوع

_ 1 الترمذي 686, والنسائي 4/153. وابن ماجة 1645.

لأن الصحابة إنما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأمر الأمة لا يمكن الحمل عليه لأنهم يأمرون أنفسهم وبضع الأمة إن أراد من الصحابة فبعيد لأن قوله ليس حجة على غيره وإن أراد الخلفاء بخصوصهم فكذلك لأن الصحابي مأمور بتبليغ الشريعة فيحمل على من صدر عنه الشرع وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وأما حمله على القياس فبعيد كحمله على الاستنباط فإنه لا يتبادر ذلك لسامع. واعلم أنه قال ابن الأثير في مقدمات جامع الأصول إن الخلاف فيما إذا كان قائل ذلك من الصحابة غير أبى بكر أما إذا قاله أبو بكر فيكون مرفوعا قطعا لأن غير النبي لا يأمر ولا ينهاه لأنه تأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم: ووجب على الأمة امتثال أمره. "قال الزين وجزم به أبو بكر الصيرفي في الدلائل" يحتمل أنه جزم بمثل قول الإسماعيلي أو بمثل قول الجمهور وقر به من الأول أنه به حزم "وذلك مثل" حديث "أمر بلال إن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" أخرجه البخاري وغيره1 وكذلك قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم2 "قال ابن الصلاح: ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده" إذ المتبادر منه أن الآمر الرسول مطلقا. تنبيه: قول الصحابي أني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم3 وما أسبه لأبين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المرفوع وقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت" هو كقوله: أمرني الله تعالى وكقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت بقرية بأكل القرا يقولون يثرب", الحديث4 لأنه لا آمر له صلى الله عليه وسلم إلا الله سبحانه وتعالى. "وأما إذا قال ذلك التابعي ففيه وجهان وهو كقوله من السنة سواء" وقد تقدم تحقيقه.

_ 1 البخاري في: الأذان ب 1-3, ومسلم في: الصلاة حديث: 2-3-5-وأحمد 3/101. 2 مسلم في: الحيض: حديث 67, وأحمد 6/187. 3 البخاري في: الأذان ب 115. ومسلم في: الصلاة حديث 27-30. وأحمد 2/236. 4 البخاري في: المدينة ب 2, ومسلم في: الحج: حديث 488, وأحمد 2/237.

"مسألة امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زين الدين: وأما إذا صرح" أي الصحابي "بالآمر فقال امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم فيه" أي في كونه مرفوعا "خلافا إلا ما حكاه ابن الصباغ في العدة" وحكاه أيضا شيخه أبو الطيب الطبري "عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لنا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم" قال إذ يحتمل إن يكون سمع صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليست كذلك في نفس الأمر. قلت: إن عملنا يمثل هذا الاحتمال لم تقبل إلا الرواية باللفظ النبوي وبطلت الرواية بالمعنى وهي أكثر الروايات بل قيل لم تتواتر رواية باللفظ إلا في حديثين ولا شك إن الظاهر من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته الأوضاع اللغوية أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي وان لم يكن كذلك في نفس الأمر ثم هذا الاحتمال الذي استدل به لداود يجري في الخبر إذ يحتمل أنه ظن ما ليس بخير خيرا فلا وجه لتخصيص الأمر "وهو ضعيف مردود" بما عرفته "قال زين الدين: إلا أن يريدوا" أي داود من وافقه "أنه ليس بحجة الوجوب ويدل تعليله" أي ابن الصباغ "للقائلين بذلك بان من الناس من يقول المندوب مأمور به ومنهم من يقول المباح مأمور به أيضا" وهذه المسألة مبسوطة في أصل الفقه. "قال زين الدين: فإذا كان ذلك مرادهم كان له وجه" قلت: قول الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبار بأنه صلى الله عليه وسلم قال لهم بصيغة إنشاء وهي افعلوا كذا فهو كما لو قال الصحابي قال صلى الله عليه وسلم افعلوا ولفظ افعلوا الأصل فيه الإيجاب عند الجمهور كما عرف فلا وجه لتأويل كلام داود إلا أن يكون مذهبه في الأصول أن الأمر ليس للإيجاب فبحث آخر على أن افعلوا ونحوه ليس بحجة في الإيجاب هذا كله فيما كان ذلك من الصحابي. "فإذا قال التابعي أمرنا هل يكون مرسلا ففيه احتمالان للغزالي وجزم ابن السباغ في الشامل أنه مرسل وحكى فيما إذا قال ذلك ابن المسيب وجهين" كأنه خص سعيدا من التابعين لأنه قد عرف منه أنه لا يقول ذلك إلا مرفوعا "وأما إذا قال الصحابي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي بحذف المفعول "فلم يذكرها أهل الحديث" ولا كثير من أهل الأصول وذكرها في الفصول وجعلها مرتبة ثالثة بعد مرتبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترض عليه بأنها ليست مرتبة غير مرتبة غير مرتبة قال فإن الأمر

والنهي قول فإذا أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بصيغة الفاعل فهو إسناد للقول قطعا. "واختلف أصحابنا فيها فذهب قاضي القضاة إلى حمل ذلك على الاتصال وسماع الصحابي منه عليه السلام وقال المنصور بالله لا نحكم له بذلك ونجوز أنه ثبت له ذلك بسماع" فيتم الاتصال "أو بواسطة ثقة" فيكون مرسلا وإذا عرفت ان قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قال صلى الله عليه وسلم كما سلف فهو محتمل كما قاله المنصور بخلاف أمرنا. "وقال الشيخ أحمد" الرصاص "يحمل على ثبوته" أي ثبوت رفعه "عنده" عند التابعي "بطرق قاطع من سماع أو تواتر" إذ حسن الظن يقضي بذلك إلا أنه لا يحتاج إلى القطع لأن المرسل متفق على جوازه وإن لم يتفق على حجيته ولا يشترط فيه الجزم بل الذي يحصل بالظن. إذا عرفت هذا فقوله أمرنا كقوله قال لنا افعلوا وهو قول فإذا عارضه أرجح منه قدم عليه وإلا فهر قول مقدم على الفعل والتقرير وأما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو دونه لاحتماله الارسال احتمالا قويا فإذا عارضه أمرنا فهو أرجح. تنبيه: أما إذا قال الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي كتب الأصول أن الظاهر عند الأئمة من أهل البيت والمعتزلة بعض الأشعرية سماعه منه صلى الله عليه وسلم أي فيكون مرفوعا لأنه سمعه بغير واسطة ذكر ذلك في الفصول إلا أنه لم يستدل له على قاعدته في عدم ذكر أدلة الأقوال ولا يخفى أن معنى ظهور اللفظ في المعنى الذي دل عليه أنه الموضوع له أو الذي قامت عليه واضحة فلا بد من تقديم مقدمة لمدعي ظهور لفظ قال في المشافهة والسماع هي أنه موضوع للسماع ولا يستعمل في غيره إلا مجازا والمعلوم لغة أن قال موضوع لنسبة القول إلى فاعلة أعم من إن يكون السماع منه بلا واسطة أو معها فانه لا خلاف انه يصح إن يقول القائل قال زيد كذا وان لم يسمعه منه وإنما كان معرفته انه قاله بالواسطة كما يقال قال الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالظاهر احتماله للأمرين لا ظهوره في أحدهما ولذا أريد المشافهة والسماع قال قال لنا وقال لي.

"مسألة كنا نفعل ونحوه إذا قال الصحابي كنا نفعل كذا فإما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كقول جابر كنا نعزل على عهد رسول صلى الله عليه وسلم متفق عليه1 فالذي اختاره المنصور بالله في الصفوة به الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع وصححه الأصوليون مثل الشيخ أحمد في الجوهرة والفقيه علي بن عبد الله" أي ابن أبي الخير شارح المختصر لابن الحاجب "وغيرهما والرازي والآمدي وأتباعهما قال ابن الصلاح: وهو الذي عليه الاعتماد" ووجه ذلك قوله "لأن ذلك يشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقرهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها" أي وجوه السنن "أقواله وأفعاله وتقريراته وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه" هكذا في شرح زين الدين نقلا عن ابن الصلاح وعبارته في كتابه فإنها أنواع منها أقواله صلى الله عليه وسلم ومنها أفعله ومنها تقريراته وسكوته عن الإنكار بعد إطلاعه فقوله وسكوته عطف على تقريره بتقدير وهي سكوته بيان الحقيقة التقرير وأنه عدم إنكار لم علمه من قول أو فعل أو تقرير صدرت من غيره وقرف صلى الله عليه وسلم بها ولا بد من زيادة فيه أنه لم يكن قد سبق عنه إنكارها وعلم منه ذلك لئلا يدخل فيه سكوته عن مرور ذمي إلى كنيسة كما عرف في الأصول. "قال" أي ابن الصلاح "وبلغني عن البرقاني" تقدم أنه بفتح الموحدة وكسرها نسبة إلى برقانة قري بخوارزم وقرية بجرجان وهو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي الشافعي شيخ بغداد سمع من خلائق منهم أبو بكر الإسماعيلي أخذ عنه بجرجان ومن جماعة بهراة ونيسابور ودمشق ومصر وصنف التصانيف وخرج على الصحيحين وأخذ عنه البيهقي والخطيب وجماعة "أنه سأل الإسماعيلي" هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد ابن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني كبير الشافعية بناحيته ولد سنة سبع وسبعين ومائتين سمع من أئمة ومنه أئمة منهم الحاكم والترمذي وغيرهما وله معجم مروي وصنف الصحيح وأشياء كثيرة وله مستخرج على البخاري بديع قال الحاكم: كان الإسماعيلي واحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء

_ 1 البخاري في: النكاح: ب96, ومسلم في: الطلاق: حديث 26- 28" وأحمد 3/309.

وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء بلا خلاف بين علماء الفريقين مات غرة رجب سنة إحدى وسبعين وثلثمائة عن أربع وتسعين سنة "عن ذلك" عن مثل قول الصحابي كنا نفعل "فأنكر كونه من المرفوع" قال البقاعي أي أنكر هذا الإطلاق فإن لفظ مرفوع إذا أطلق انصرف إلى كونه مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحا ولو سأله ما حكم هذا قال حكمه الرفع قال فيحمل عليه ابن الصلاح كلام الخطيب من أنه يريد ليس مرفوعا لفظا وهو مثل ما تقدم من قولهم من السنة كذا فكأنه حينئذ موافق ليسس بمخالف. "قال زين الدين: أما إذا كان في القصة اطلاعه" أي النبي صلى الله عليه وسلم: "فحكمه الرفع إجماعا" لأنه يعلم منه تقريره له وبه تعرف أنه أراد بقوله في أول المسألة فأما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلع عليه "وأما إذا لم يكن ذلك مقيدا بوقت النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر المنصور بالله أن ذلك ليس بمرفوع" لعدم العلم بتقريره صلى الله عليه وسلم له "ولكنه يفيد الإجماع فيكون حجة وكذا قال صحاب الجوهرة" لكن لا بد أن يعلم أن هذا الفعل الذي ذكره الصحابي وقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إذ لا إجماع في عصره صلى الله عليه وسلم كما علم في الأصول وكما يأتي في قوله والإجماع من بعده ثم غايته أن يكون إجماعا سكوتيا لأنه معلوم عادة عدم إجماع الأمة على فعل معين فالمراد كان أكثرهم أو بعضهم يفعل والآخرون مقرون لهم فيكون إجماعا سكوتيا وفي كونه حجة نزاع في الأصول. "وقال" المنصور بالله "أيضا إن قولهم كانوا يفعلون مثال هذا في إفادة الرفع في زمانه والإجماع من بعده وقال أهل الحديث ليس في حكم المرفوع قاله زين الدين" حكاية عن أهل الحديث أيضا "وجزم به" أي بعدم رفعه "الخطيب وابن الصلاح وجعلاه" إذا لم يقيد بعصره صلى الله عليه وسلم "موقوفا وهو مقتضى كلام البيضاوي1" فإنه جعله موقوفا "وخالف كثير من الأصوليين" بل من أهل الحديث كما في منظومة زين الدين وشرحها "منهم الرازي والجويني والسيف الآمدي" فجعلوا منهم

_ 1 البيضاوي هو: عبد الله بن عمر بن محمد أبو الخير قاضي القضاة ناصر الدين البيضاوي كان إماما علامة عارفا بالفقه والتفسير صالحا متعبدا زاهدا مات سنة 685. له ترجمة في: البداية والنهاية 13/309, وشذرات الذهب 5/392, ومرآة الجنان 4/220.

ذلك من قبيل المرفوع وإن لم يقيده بعصره صلى الله عليه وسلم. "وقال به أيضا كثير من الفقهاء كما قاله النووي في شرح المهذب قال وهو قوي من حيث المعنى وقال ابن الصباغ في العدة إنه الظاهر ومثله بقول عائشة كانت اليد لا تقطع في السرقة في الشيء التافه1" في القاموس تفه كفرح تفها وتفوها قل وحقر والحديث أخرجه اسحق بن راهويه كما في فتح الباري. واعلم أن حاصل ما قيل في المسألة أنه موقوف جزما والثاني: التفصيل إن أضافه إلى زمن الوحي فمرفوع عند الجمهور وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف. قال الحافظ ابن حجر وبقي مذاهب الأول أنه مرفوع مطلقا قلت: وهو رأي الحاكم والجويني ومن ذكر قال وهو الذي اعتمده الشيخان في كتابيهما وأكثر منه البخاري ومذهب ثالث وهو التفصيل بين أن يكون الفعل مما لا يخفى غالبا فيكون مرفوعا أو يخفى فيكون موقوفا. وبه قطع الشيخ أبو اسحق الشيرازي وزاد ابن السمعاني في كتاب القواطع فقال إذا قال الصحابي كانوا يفعلون كذا أو أضافه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم: وكان مما لا يخفي مثله فيحمل على تقرير النبي صلى الله عليه وسلم: ويكون شرعا وإن كان مثله يخفي فإن تكرر حمل أيضا على تقريره لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى ومذهب آخر هو إن أورده الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فهو موقوف حكاه القرطبي. وفي شرح المهذب للنووي وظاهر استعمال كثير من المحدثين وأصحابنا في كتب الفقه أنه مرفوع مطلقا سواء أضافه أو لم يضفه وهذا قوي لأن الظاهر من قوله كنا نفعل أو كانوا يفعلون الاحتجاج به على وجه يحتج به ولا يكون ذلك إلا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغه انتهى. قال الحافظ ابن حجر ولم يتعرض الشيخ ولا ابن الصلاح لقوله ما كنا نرى بالأمر والفلاني بأسا وكذلك جميع العبارات المصدرة بالنفي وذلك موجود في عباراتهم وحكمه حكم ما تقدم انتهى. "واختلفوا في قول المغيرة ابن شعبة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله

_ 1 البخاري في: الشهادات: ب 13.

وسلم يقرعون بابه بالأظافير" أخرجه الحاكم في علوم الحديث1 "فقال الحاكم: هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف وذكر الخطيب في" كتابه "الجامع بين آداب الراوي والسامع مثل ذلك" أي مثل كلام الحاكم إلا أنه أي الخطيب رواه من حديث أنس والظاهر أنهم كانوا يقرعونه بالأظافير تأدبا وقيل لأن بابه لم يكن له حلق يقرع بها. "قال ابن الصلاح: بل هو مرفوع وهو بذلك أحرى" أي هو أحق بأن يكون مرفوعا من قولهم كنا نفعل "لكونه جرى بإطلاعه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يخفى عليه" قرع بابه "قال الحاكم: معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع" لأنه قد عد قوله كنا نفعل مرفوعا فهذا أحرى منه. "قلت: الصواب ما ذكره الحاكم والخطيب" من الحكم يوقفه "وقد وهم ابن الصلاح في إلزام الحاكم" حيث قال والحاكم معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع "فإنه" أي الحاكم "إنما جعل قول الصحابي كنا نفعل مرفوعا" وهو الذي وقع بسببه إلزام ابن الصلاح "لأنه" أي قولهم كنا نفعل "ظاهر في قصد الصحابة إلى الاحتجاج بذلك" وإلا لم يكن لذكره فائدة في مقام الاحتجاج به "والظن بالصحابي أنه لا يعتقد أن ذلك حجة إلا أن يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم" لعلمه ب مجرد فعلهم من حيث هو فعلهم ليس بحجة "والظن به" أي الصحابي "أيضا أنه لا يوهم الغير ذلك" أنه حجة "وليس بصحيح" الظاهر أن يقول وليس بحجة فإنه إن فعل ذلك "فيكون قد غر من سمعه من المسلمين في أمور الدين" والظن في الصحابة خلاف هذا. قلت: ولا يخفى أن هذا يشمل ما قيده الصحابي بعصره صلى الله عليه وسلم وما لم يفيده. "وأما قرع الصحابة لباب النبي صلى الله عليه وسلم: بالأظافير فليس فيه تعليق لذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم" كأنه يريد ليس فيه تعليق حكم ولكنه لما استشعر أن فيه حكما هو جواز قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فدفعه بقوله "وأما الظن لاطلاع النبي صلى الله عليه وسلم: على ذلك وتقريره عليه فيدل على جواز

_ 1 ص 19. ذكر النوع الخامس.

قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فلا يؤخذ" جواز ذلك "من مجرد هذا الحديث" فلذا قال لا تعليق له بالنبي صلى الله عليه وسلم: لأنه لا دلالة على علمه بالقرع وتقريره "لأن القرع بالأظافير خفي الصوت فإذا اتفق مرات يسيره فيحتمل أن لا يسمعه لا فباله على مهم من أمور الدين أو نومه أو غير ذلك". قلت: لا يخفى بعد هذا أن العبارة تفيد أنه كان ذلك عادة لهم فيبعد أن لا يطلع على ذلك مع تكرره وقد كان فيه بيته يفلي ثوبه ويعلف داجنه ويقم منزله ثم أنهم لا يقرعونه إلا ليشعروه بأنهم في الباب "بل ليس في الحديث أنهم كانوا يفعلون ذلك وهو في البيت فلعلهم كانوا يخفون القرع أدبا مع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم" ولا يخفى بعد هذا التأويل "وإن كان حاضرا" في بيته "استأذنوا فقد كان أنس يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذن لمن أراد أن يدخل عليه" يقال عليه إنه كان يقع هذا تارة وهذا تارة فإنه قد يغيب الخادم أحيانا ويكون تارة داخل المنزل فيقرعون الباب ليخرج فيستأذن لهم "بل يحتمل أن ذلك فعل في غيبة النبي صلى الله عليه وسلم: عن المدينة". الظاهر من حديث المغيرة الإخبار عن توقيرهم النبي صلى الله عليه وسلم: أو تأديبهم معه ولا يكون ذلك إلا وهو في منزله "وإنما يظن اطلاعه وتقريره لو كان ذلك مستمرا وكان الدق قويا بحيث أن العادة تقضي برجحان سماعه" لا خفاء أن قرب منزله من الباب يقصي بسماعه القرع بالأظافير ولو كان القرع لا يسمع لما فعلوه ولا لنسائه كما تأوله وقد كان منزله صلى الله عليه وسلم لاصقا بالأرض فيسمع منه خفق نعال من مرفضلا عن قرعه بابه بأدنى قارع لبعد أن يستمر اتفاق ذلك أي الذي دل عليه كان يقرع كما قدمناه "وهو غائب" إذ الوارد إلى منزله وهو غائب قليل وحينئذ فلا يتم التأويل بأنه كان يفعل ذلك وهو غائب بل وهو حاضر فيتم الاستدلال فدفعه بقوله "وبعد أن يتفق ذلك كثيرا وهو في البيت وهو لا يسمع" يقال عليه ومن أين أنه كان لا يسمع ليس في حديث المغيرة ذلك بل إنما قرعوا ليسمع ويدل لسماعه قوله "فقد كان بيته صلى الله عليه وسلم صغيرا في نفسه وإن كان كبيرا في قدره" لكبر قدر ساكنه صلى الله عليه وسلم. ولما كان ظاهر كانوا يفعلون الاستمرار كما علم في الأصول وقد نفاه بقوله ولو كان مستمرا دفع ذلك بقوله "ولفظه كان لا تقتضي ذلك" وكأنه يريد لفظه كان يفعل

وإلا فلفظ كان لا يفيد الاستمرار إلا إذا كان خبرها مضارعا لا مطلق كان "فقد يطلق على التكرار اليسير الذي لا يحصل معه الظن" أي ظن اطلاعه صلى الله عليه وسلم وتقريره ولا يخفى أن الأصل في كان يفعل الدلالة على الاستمرار وقد يخرج عنه للقرينة كما تفيده عبارة المصنف حيث قال فقد تطلق وأتى بقد ظاهر كلامه أن المراد استمرار القرع والحديث إنما سيق لبيان أنها كانت عادتهم قرعه بالأظافير في إتيانهم إليه صلى الله عليه وسلم ولا تعرض فيه لكثرة القرع نفسه أو قلت: هـ بل إنما يكون بحسب الحاجة حتى يسمع بقرعة أو أكثر "مع أن الحديث صحيح المعنى لمن أراد أن يحتج به على مثل ذلك" أي على جواز قرع أبواب المسلمين من غير إذن منهم لكن لا يخفى أنه لا يتم الاحتجاج إلا مع علمه صلى الله عليه وسلم وتقريره ولا حجة في مجرد فعلهم وأما قوله "لموافقته" أي الحديث المذكور "لإجماع المسلمين المعلوم والله أعلم" فهو خروج إلى الاستدلال بالإجماع في عصره ولا إجماع فيه وكأه يريد أنه معلوم أن أهل المدينة كانوا يقرعون الأبواب بعضهم على بعض وعلمه صلى الله عليه وسلم بذلك معلوم وتقريره معلوم فهو رجوع إلى الاستدلال بتقريره صلى الله عليه وسلم بالإجماع. "قلت: وقد ذكر بعض أصحابنا" تقدم عن المنصور وصاحب الجوهرة أنهما يقولان "إن قول الصحابي كنا نفعل ظاهر في دعوى الإجماع أيضا" أي كما هو الظاهر في الرفع "وذكره في الجوهرة وغيرها لأنه يقتضى بمفهومه أنهم فعلوا ذلك كلهم أو فعله بعضهم على وجه يعلمه الباقون ولم ينكروا" فكان إجماعا سكوتيا "وليس" ما قالاه "بجيد لأن هذه العبارة قد تطلق كثيرا إذا فعل ذلك كثير منهم" أو فعله بعضهم على وجه يظهر "وسكت الباقون وغن سكتوا عن غير علم بذلك" ولا يكون إجماعا سكوتيا إلا إذا علموا ومن أين يعلم أن كل واحد علم ذلك وقد قدمنا قريبا من هذا وبحثنا في حجية الإجماع السكوتي في الدراية حاشية الغاية بما يضمحل به القول بأنه حجة. "وأما إذا قال الصحابي أوجب علينا أو حضر" بالبناء المجهول "أو نحوها" كأبيح لنا "فلم يذكرها أهل الحديث" وقد قدمنا ذكرها "وذكرها أصحابنا في خواص الصحابة وقالوا إنها تحمل على الرفع إلا أن المنصور بالله شرط في ذلك أن يكون مما لا مساغ للاجتهاد فيها حكاه عنه في الجوهرة" وإن كان الظاهر أنه مرفوع والاجتهاد احتمال مرجوح.

وهاهنا فوائد يحسن ذكرها: الأولى: قول الصحابي كنا نرى كذا ينقدح فيها من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قولنا كنا نقول أو نفعل لأنها من الرأي ومستنده قد يكون تنصيصا أو استنباطا. الثانية: قول الصحابي كان يقال كذا قال الحافظ المنذري اختلفوا هل يحلق بالمرفوع أو بالموقوف قال والجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم: قال الحافظ ابن حجر ومما يؤكد كونه مرفوعا مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف قال كان يقال: "صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر", ورواه ابن ماجه من الوجه الذي أخرجه عنه النسائي بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم1 فدل على أنها عندهم من صبغ الرفع والله أعلم. الثالثة: أنه لا يختص جميع ما تقدم بالإثبات بل يلحق به النفي كقولهم كانوا لا يفعلون كذا ومنه قول عائشة كانوا لا يقطعون في الشيء التافه وتقدم2. "مسألة" هذا الفرع الثالث "تفسير الصحابي" أي للقرآن "اختلف أهل العلم في تفسير الصحابي فذكر زني الدين وابن الصلاح أنه إن كان" أي تفسير الصحابي "في ذكر أسباب النزول فحكمه حكم المرفوع وإلا فهو موقوف وجعل" أي كل واحد منهما "هذا هو القول المعتمد" وإليه ذهب الخطيب وأبو منصور البغدادي وتبعهما ابن الصلاح والزين. "وأشار ابن الصلاح إلى الخلاف ولم يعين القائل بأن مطلق تفسير الصحابي مرفوع قال الزين وهو" أي القائل يرفع تفسير الصحابي مطلقا "الحاكم وعزاه إلى الشيخين" فإنه قال في المستدرك ليعلم طالب العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند "قال ابن الصلاح: تعقبا للحاكم إنما ذلك في تفسير متعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي إلى أو نحو ذلك" قال كقول جابر كانت اليهود تقول من أتى امرأته من ديرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية3

_ 1 ابن ماجة 1666. والنسائي 1/316. والبيهقي 4/244. 2 سبق تخريجه. 3 علوم الحديث ص 20: ذكر النوع الخامس.

قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر الخلاف والحق أن ضابط ما يعتبره الصحابي إن كان مما لا مجال فيه للاجتهاد ولا منقول عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص فهذه أشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع وأما إذا فسر الآية بحكم شرعي فيحتمل أن يكون مستفادا من النبي صلى الله عليه وسلم: أو عن القواعد فلا تجزم برفعه وكذا إذا قسر مفردا فقد يكون نفلا عن اللسان فلا تجزم برفعه وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصحابي الصحيح والإمام الشافعي وأبي جعفر وأبي جعفر الطبري وأبي جعفر الطحاوي1 وابن مردويه في تفسيره المسند والبيهقي وابن عبد البر في آخرين إلا أنه يستثنى من ذلك إذا كان المفسر له من الصحابة ممن عرف بالنظر في الإسرائيليات كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وكعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من كتب أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان ربما قال له بعض أصحابه حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تحدثنا عن الصحيفة. "مسألة: قال" هذا هو الفرع الرابع وهو بحث ذكره زين الدين في بيتين من ألفيته2 وهما قوله: وما رواه عن أبي هريرة ... محمد وعنه أهل البصرة كرر قال بعد فالخطيب ... روى به الرفع وذا عجيب "ما رواه أهل البصرة عن أبي هريرة قال قال ثم ساق كلاما بعد هذا" بعد القول المكرر "ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم: وإنما كرر لفظ قال بعد ذكر أبي هريرة" لفظ زين الدين بعد البيتين أي وما رواه أهل البصرة عن محمد بن سيرين3

_ 1 أبو جعفر الطحاوي هو: أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك أبو جعفر الأزدي المصري الطحاوي الحنفي قال ابن يونس كان ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف بعده مثله مات سنة 321. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/174, ووفيات الأعيان 1/53. وشذرات الذهب 2/288. 2 1/99/118-119. 3 محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر البصري. قال ابن سعد: ثقة مأمون عال رفيع فقيه إمام كثير العلم والورع مات سنة 110. له ترجمة في: تاريخ بغداد 5/331. وشذرات الذهب 1/128. ووفيات الأعيان 1/453.

عن أبي هريرة قال قال فذكر حديثا ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كرر لفظ قال بعد أبي هريرة فإن الخطيب روى من طريق موسى بن هرون الحمال بسنده عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي هريرة قال: قال: "الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه" 1 وهذا يبين قول المصنف "فإن الخطيب روى في الكفاية عن موسى بن هرون أنه قال إذا قال حماد بن زيد والبصريون قال قال فهو مرفوع قال الخطيب قلت: للبرقاني أحسب أن موسى عني بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة قال كذا نحسب قال الخطيب ويحقق قول موسى ما قال محمد بن سيرين كل شيء حدثت عن أبي هريرة فهو مرفوع" فتبين بهذا إن فاعل قال الثانية هو النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن هذا من حذف الفاعل ولا يجيزه النحاة وإن علم أنه معين كما هنا. "قال زين الدين: ووقع في الصحيح من ذلك ما رواه البخاري في المناقب حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد" بن زيد "عن أيوب" السختياني "عن محمد" بن سييرين "عن أبي هريرة قال: "أسلم وغفار...." الحديث2" تمامه: "وشيء من مزينة وجهينة خير عند الله من تميم وهوازن وغطفان" "وهو عند مسلم من رواية ابن علبة عن أيوب" أي عن محمد بن أبي هريرة "مصرح فيه بالرفع ووقع من ذلك في سنن النسائي الكبرى من رواية ابن علية عن أيوب عن ابن أبي هريرة قال: قال: "الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه" ورواه الخطيب في الكفاية3 من طريق موسى بن هرون الحمال بسنده إلى حماد بن زيد عن أيوب" أي هن محمد بن أبي هريرة وقد قدمناه قريبا. * * *

_ 1 البخاري 1/121. وأبو داود في الصلاة ب 20 وأحمد 2/312, 468. 2 مسلم في: فضائل الصحابة حديث 190, 194. والترمذي 3952. وأحمد 2/468. 3 ص 418.

مسألة (28) : في بيان المرسل

مسألة: 28 [في بيان المرسل] "المرسل" هو من أقسام علوم الحديث وهو الذي خرج من رسم الصحيح يفصل ما اتصل إسناده وحقيقته ما أفاده قوله "هو عند الأكثرين من المحدثين قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قطع الحاكم وغيره من أهل الحديث1" وتخصيص القول لأنه الأكثر وإلا فلو ذكر التابعي فعلا أو تقريرا نبويا كان دخلا فيه. واعلم أنه يرد على هذا الرسم ما سمعه بعض الناس حال كفره من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وحدث عنه بما سمعه منه فإن هذا والحال هذه تابعي قطعا وسماعه منه صلى الله عليه وسلم متصل وقد دخل في حد المرسل وحينئذ فلا بد من زيادة قيد في الحد بأن يقال وما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم: مما سمعه من غيره. واختلف في ما حد الإرسال لغة فقيل من الإطلاق وعدم المنع ومنه قوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} [مريم: 83] وذلك لأن المرسل أطلق الحديث وقيل مأخوذ من قولهم جاء القوم إرسالا أي متفرقين لأن البعض الإسناد منقطع عن بعضه وقيل من قولهم ناقة سل أي سريعة السير كأن المرسل للحديث أسرع فحذف بعض إسناده. وهذا الرسم الذي ذكره المصنف هو القول الأول في رسمه. والثاني: قوله: "وقيل إنه يختص بما أرسله كبار كبار التابعين الذين أكثر حديثهم عن الصحابة كابن المسيب" هو سعيد بن المسيب بفتح المثناة المشددة وروى عنه أنه كان يقول إنه بكسرها فإنه لقي جماعة كثيرة من الصاحبة "وقيس بن أبي حازم" مثله

_ 1 علوم الحديث ص 71.

"وعبيد الله بن عدي بن الخيار" بالخاء المعجمة فمثناة تحتية آخره راء وهذا مثل به ابن عبد البر وتبعه ابن الصلاح وتبعه زين الدين. وقال الحافظ ابن حجر إن التمثيل به معترض لأنه كان يمكنه أن يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم: وذلك أن عبيد الله كان بمكة حين دخلها صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في منقولات كثيرة أن الصحابة من الرجال والنساء كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم: يتبركون بذلك وهذا منهم لكن هل يحصل من ثبوت الرؤية له الموجبة لبلوغه شريف الرتبة بدخوله في حد الصحبة أن يكون ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يكون مرسلا هذا محمل تأمل ونظر. والحق الذي جزم به أبو حازم الرازي وغيره من الأئمة أن مرسله كمرسل غيره وأن قولهم مراسيل الصحابة مقبولة بالاتفاق إلا عند بعض من شذ إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع أما من لم يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم: ولو مثل بمحمد بن أبي بكر الصديق الذي لم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم: إلا ثلاثة أشهر لكان أولى "دون صغارهم الذين لم يلقوا إلا الواحد والاثنين من الصحابة فأكثر حديثهم عن التابعين فأحاديث هؤلاء" أي صغار التابعين "منقطعة حكاه ابن عبد البر عن قوم من أهل الحديث ومثلهم ابن الصلاح بالزهري" وهو محمد بن شهاب نسب إلى جده الأعلى وإلا فهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب "وأبي حازم" وهو سلمة دينار غير أبي حازم الأشجعي مولى عزة فاسمه سلمان وهو من مشايخ الزهري وقد هم من اعترض على ابن الصلاح بأنه ليس من صغار التابعين ظنا من المعترض بأنه أراد ابن الصلاح الأشجعي وليس كذلك فإنه إنما أراد سلمة بن دينار وهو ليسمع من الصحابة إلا من سهل بن سعد وأبي أمامة بن سهل بخلاف الأشجعي فإنه سمع من الحسن بن على عليهما السلام. نعم حصل الاشتباه لما لم يقيد ابن الصلاح أبا حازم بشيء يميزه به ولكن قرينة الحال دالة على أنه المراد ولو لم يكن من القرائن إلا تقديمه الزهري عليه في الذكر لأن أبا حازم الأشجع يفي منزلة شيوخ الزهري أفاده الحافظ ابن حجر "ويحيى بن سعيد الأنصاري".

"قال زين الدين" تعقبا لابن الصلاح "التمثيل بالزهري مع التعليل بقلة من لقي من الصحابة معترض فقد لفي الزهري من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر" وقال ابن خلكان إنه رأي عشرة من الصحابة انتهى. ثم عدد الزين أولئك بقوله "وهم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وسهل بن سعد وربيعة بن عباد وعبد الله بن جعفر ولم يسمع منه السائب بن يزيد وسفيان أبو جميلة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وأبو الطفيل ومحمود بن الربيع والمسور ابن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر وقيل إنه سمع من جابر وقد سمع من محمود بن لبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل وثعلبة بن أبي مالك القرظي وهو مختلف في صحبتهم وأنكر أحمد" بن حنبل "ويحيى بن معين سماعه من ابن عمر وأثبته على بن المدني والمثبت أولى من النافي". قال الحافظ ابن حجر تعقبا لسيخه الزين تمثيله أي ابن الصلاح صحيح فإنه لا يلزم من كونه لقي كثيرا من الصحابة أن يكون من لقيهم من كبار الصحابة حتى يكون من هو كبار التابعين فإن جميع من سموه مشايخ الزهري من الصحابة كلهم من صغار الصحابة أو ممن لم يلقهم الزهري وإن كان روى عنهم أو ممن لم تثبت له صحبة وإن ذكر في الصحابة أو ممن ذكر فيهم بمقتضى مجرد الرؤية ولم يثبت له سماع فهذا حكم جميع من ذكر من الصحابة في مشايخ الزهري إلا أنس ابن مالك وإن كان من المكثرين فإنما لقيه لأنه تأخر عمره وتأخرت وفاته ومع ذلك فليس الزهري من المكثرين عنه ولا أكثر أيضا عن سهل ابن سعد الساعدي فتبين أن الزهري ليس من كبار التابعين وكيف يكون منهم وإنما جل روايته عن بعض كبار التابعين لا كلهم لأن أكثرهم مات قبل أن يطلب هذا العلم وهذا بين لمن نظر في أحوال الرجال انتهى. قلت: ولا يخفى أن ابن الصلاح جعل الزهري مثالا لمن وصفهم بأنهم لم يلقوا إلا الواحد والاثنين وهذا المثال غير صحيح لملاقاة الزهري لمن ذكر فاعترض الزين صحيح نظرا إلى عبارة ابن الصلاح وأما كونهم من صغار الصحابة أو كبارهم فلم يذكره ابن الصلاح بل جعل كبار التابعين من كان أكثر حديثهم عن الصحابة صفارا كانوا أو كبارا وجعل صغار التابعين من لاقوا الواحد والاثنين من الصحابة فتدبر. "القول الثالث" في حقيقة المرسل "أنه ما سقط من إسناده راو فأكثر من أي موضع فعلى هذا المرسل والمنقطع والمعضل واحد وهو مذهب الزيدية قال ابن الصلاح: وهو

المعروف في الفقه وأصوله وبه قطع" من المحدثين "الخطيب" إلا أنه قال أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبقي في رسمه قول رابع وهو قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا التعريف قال ابن الحاجب وقبله الآمدي والشيخ الموفق وغيرهم فيدخل في عمومه كل من لم تصح له صحبة وإن تأخر عصره. قال الحافظ العلائي إطلاق ابن الحاجب وغيره يظهر عند التأمل في أثناء استدلالهم أنهم يريدون ما سقط منه التابعي مع الصحابي وأما ما سقط منه اثنان بعد الصحابي ونحو ذلك ولم أر من صرح بحمله على الإطلاق إلا بعض غلاة الحنفيه وهو اتساع غير مرضي لأنه يلزم منه بطلان اعتبار الإسناد الذي هو من خصائص هذه الأمة وترك النظر في أحوال الرواة والإجماع في كل عصر على خلاف ذلك ويؤيده أنه قال الأستاذ أبو اسحق الأسفراييني المرسل رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أو تابع التابعي عن الصحابي فأما إذا قال تابع التابعي أو واحد منا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعد شيئا انتهى. "وقريب منه قول ابن القطان" قال زين الدين: إنه قال ابن القطان إن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه. * * *

مسألة (29) : في بيان اختلاف العلماء في قبول المرسل

مسألة: 29 [في بيان اختلاف العلماء في قبول المرسل] في قبول المرسل ورده أقوال ذكر المصنف منها ثلاثة فقال: "وقد اختلف الناس في المرسل" أطلق المصنف المرسل هنا وقيده في مختصره حيث قال واختلفوا في قبول المرسل وأنواعه مع الجزم من الثقة ومع عدم القدح فيه من ثقة آخر ثم عد هنا أقوالا للمقبول: الأول: قوله "فقيل تقبل مراسيل أئمة الحديث الموثوق بهم المعروف تحريهم" ويأتي الدليل على هذا. والثاني: قوله "وقال الشافعي يقبل المرسل ممن عرف أنه لا يرسل إلا عن ثقة كابن المسيب" فإنه لا يرسل إلا عن ثقة وقد لقي جماعة من الصحابة وأخذ عنهم ودخل على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عنهن وأكثر روايته عن أبي هريرة. ثم عد للمرسل المقبول صورا: الأولى: قوله: "أو جاء" المرسل "عن ثقتين لكل واحد منهما شيخ غير شيخ الآخر" عبارة الشافعي فيما نقله عنه الزين يؤدي هذا إلا أنه قدم الرتبة التي أخرها المصنف وهي: الثانية من الصور التي يفيدها "أو جاء مسندا" أي مرفوعا متصلا "من طريق الثقاة بمعناه" ثم قال كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه وجعل هذه الرتبة أقوى من التي قبلها فإنه قال في الأولى كانت هذه دلالة تقوى له رسله وهي أضعف من الأولى فأفاد أن المرسل الذي جاء بمعناه مسندا مرفوعا أقوى من المرسل عن ثقتين إلى آخره فإذا تعارضا قدم الأقوى. والثالثة منها: قوله: "أو صح عن بعض الصحابة موقوفا" قال الشافعي: كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى.

الرابعة من الصور: قوله: "أو قال بمقتضاه عوام من أهل العلم" أي الكثير منهم "وذلك" أي قبول المرسل على جميع هذه التقادير كما دل قوله "كله" وكأه عام لرواية كبار التابعين أيضا مشروط "بشرطين: أحدهما أن يكون المرسل" اسم فاعل "من التابعين الذي رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" كأن المراد الذين رأوا أكثر أصحابه لا كلهم ولا الأقل لبعد الأول وكون الثاني: يدخل فيه صغار التابعين لأنهم قد رأوا الأقل من الصحابة ولو واحدا وإلا لما كان تابعيا "وثانيهما" أي الشرطين "أن يعتبر صحة حديث هذا المرسل" اسم فاعل "بأشياء تفيد ظن صحته" عد "منها" شيئين. الأول: "موافقته للحفاظ في سائر حديثه" فيعرف أنه حافظ قال الشافعي إذا شارك أحدا من الحفاظ في حديثه ولم يخالفه فإن خالف ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه انتهى فأفاد أن نقص حديث من أرسل عن حديث من وافقه لا يضر ولم يفده كلام المصنف إلا أنه قد يمكن تطبيقه عليه وأشار الزين إلى هذا بقوله: ومن إذا شارك أهل الحفظ ... وافقهم إلا بنقص اللفظ وإن كانت عبارته تفيد اشتراط نقص اللفظ إلا أنه معلوم أنه غير مراد وإنما ألجأه إليه النظم. "و" الثاني: "منها أن يكون إذا سمي من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرفوعا عن روايته" قال الشافعي فيستدل بذلك على صحة ما روى عنه ثم قال أما إذا وجدت الدلائل بصحة حديثه كما وصفنا أحببنا أن نقبل مرسله "روى ذلك" أي كلام الشافعي "الخطيب في الكفاية وأبو بكر البيهقي في المدخل بإسناديهما الصحيحين عن الشافعي ذكره زين الدين فيما زاده على ابن الصلاح" قال زين الدين: إن ابن الصلاح أطلق القول عن الشافعي بأنه يقبل مطلق المراسيل إذا تأكدت بما ذكره والشافعي إنما يقبل مراسيل كبار التابعين إذا تأكدت مع وجود الشرطين المذكورين في كتابي انتهى وقد حصل زبدة كلامه المصنف بما ساقه. "وفائدة قبول المرسل إذا أسند عن ثقات انكشاف صحته" كأنه جواب ما يقال إنه إذا اشترط وجود المرسل مسندا فأي فائدة في مع وجود المسند ولا يخفى أن هذه فائدة الصور الثانية مما سقناه "فيكونان حديثين" حديث مسند مرفوع وحديث مرسل "فإذا

عارضهما مسند آخر كانا أرجح منه" لاعتضاد المرسل بالمسند المرفوع. القول الثالث: قوله: "وذهب الزيدية والمالكية والحنفية إلى قبول المرسل". قلت: ينبغي أن يستثنى من الزيدية المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني فإنه صرح بأنه لا يقبل المراسيل ولفظه في خطبة كتابه شرح التجريد وشرطنا فيه أي في الحديث الذي يرويه السماع والعدالة ثم قال ولقد أدركت أقواما ممن لا يتهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحفظون السند ويرسلون الحديث فما قبلت أخبارهم ولا نقلت: ها عنهم وعندنا لا يحل لأحد أن يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما سمعه من فم المحدث العدل فحفظه ثم يحدث به كما سمعه ثم قال إن المراسيل عندنا وعند عامة الفقهاء لا تقبل انتهى كلامه ولم أنقله على ترتيبه لكن هذه ألفاظه. "وخالف في ذلك أكثر المحدثين" فقالوا لا يقبل المرسل والقائلون بقولهم وهم من ذكرهم يقولون بقبوله مطلقا من غير شرط من الشروط الماضية إلا أنه لا بد من الاستفسار عن تعريف المرسل الذي قبلوه فقد مضت ثلاثة تعاريف للمصنف فلا ندري أيها المراد هنا والظاهر أنه الثالث: وهو الذي في كتب أصول الزيدية وغيرهم لأن المرسل هو ما سقط فيه راو أو أكثر وهو الثالث: من التعريفات التي ذكرها المصنف وذكر أنه مذهب الزيدية وحينئذ ففي انطباق الدليل الأول على مذهبهم نظر وهو قوله "فاحتج أصحابنا في ذلك بوجوه: الأول: الإجماع وهو إجماع الصحابة وإجماع التابعين" فأنه إن سلم إجماع الصحابة فإنما أجمعوا على مرسل خاص وهو مرسل الصحابي كما يدل له قوله: "أما إجماع الصحابة فلأنه اشتهر فيهم وظهر وشاع ولم ينكر من ذلك أن البراء" بفتح الموحدة فراء ممدود "ابن عازب" بعين مهملة فزاي بعد الألف فموحدة صحابي معروف "قال في حضرة الجماعة" أي من الصحابة "ليس كل ما أحدثكم به سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنا لا نكذب" أي لا نقول عليه صلى الله عليه وسلم ما لم يقله بل نحدث عمن حدثنا عنه إلا أنك قد عرفت من تعريف المرسل أنه قول التابعي أو كبار التابعين وليس هذا منه وكأنه يريد أنه قد حصل المعنى الذي في المرسل. نعم على تعريف الأصوليين يقال لهذا مرسل إلا أنه لا يعلم حديث رواه

الصحابي أنه سقط منه راو إلا بإخبار الصحابي بذلك لأن الأصول فيما يرويه أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم سيما إذا عرف بالأخذ عنه والملازمة مثل أبي هريرة ونحوه "وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ربا إلا في النسيئة" 1 ثم قال أخبرني بذلك أسامة بن زيد ذكر ذلك كله المنصور بالله رضي الله عنه في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة" ولا يخفى أن هذا فيما أرسل عن صحابي وهو أخص من مدعي الزيدية كما أن قوله "قلت: ومن ذلك حديث أبي هريرة في فطر من أصبح جنبا وقوله حدثني الفضل بن العباس" ولفظ الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح جنبا أفطر" 2 وفي لفظ له "من أصبح في رمضان جنبا فلا صوم له" وله ألفاظ أخر فقال: ما أنا قلتها ورب الكمية لكن محمدا قالها ولما عارضته أخبار نسائه صلى الله عليه وسلم بأنه كان يصبح جنبا ويصوم ولا يقضي3 سئل عما حدث به فقال أخبرني الفضل ابن العباس وفي رواية أسامة بن زيد وكذلك ابن عباس أسند حديثه المذكور لما عورض فسئل. وإذا عرفت هذا فلا يتم إطلاق من قال إن الصحابة كانوا يباحثون من أرسل ويطلبون منه الإسناد مستدلين بهذين الخبرين فإن الظاهر أنهم إنما كانوا يبحثون عند ظهور المعارض ومع عدم المعارض لا يبحثون ولا يسألون وحينئذ فيتم الاستدلال على قبول المرسل ما لم يعارض. قلت: ولا يخفى وقد أشرنا أن الأصل فيما يرويه الصحابي الرفع فيعمل عليه ما رواه ما لم يصرح بخلافه. "وقد قيل إن أكثر رواية ابن عباس كذلك" أي مرسلة "لصغر سنه وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم" فإنه توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسن ابن عباس في ثلاث عشرة سنة على أصح ما قيل. "وأما إجماع التابعين" على قبول المراسيل "فرواه العلامة محمد بن جرير الطبري" الإمام المعروف صاحب التفسير والتاريخ الكبير وغيرهما "حكاه عنه ابن عبد البر في

_ 1 البخاري 3/98. والنسائي 7/281. وأحمد 5/202. 2 بنحوه: البخاري في: الصوم: ب 22, 35. ومسلم في: الصيام: حديث 75-78. وأحمد 1/211. 3 أحمد 6/34.

مقدمة كتابه التمهيد وقال البلقيني" بالموحدة مضمومة وكسر القاف نسبة إلى قرية بمصر وهو إمام كبير الشأن وهو شيخ الحافظ ابن حجر وغيره من الأئمة "في علوم الحديث وذكر محمد بن جرير الطبري1 أن التابعين أجمعوا بأسرهم على قبول المراسيل ولم يأت عنهم إنكاره ول عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين قال ابن عبد البر كأن ابن جرير يعني أن الشافعي أول من أبى قبول المراسيل انتهى" لما قاله إلى رأس المائتين ولا يخفى أن التابعين قبلوا مراسيل التابعين إذ هي الموجودة في عصرهم ومراسيل الصحابة لكن لا خفاء أن هذا لا ينطبق على ما هو المراد بالمرسل عند الزيدية. على أن هذا النقل الذي نقله ابن جرير وقوله إنه لم يأت عن أحد إنكاره إلى رأس المائتين ونقله ابن الحاجب أيضا فيه أمران الأول قد نقل عن سعيد ابن المسيب وهو من كبار التابعين كما عرفت أن المرسل ليس بحجة ومثله نقله الحافظ ابن حجر عن ابن سيرين وبه يعرف بطلان الإجماع وأن دعوى أنه لم يأت فيه خلاف إلا من بعد المائتين غير صحيح ويؤيد بطلان دعوى الإجماع أنه حكى عن أبي اسحق الإسفراييني أنه لا يقبل المرسل مطلقا حتى مرسل الصحابة قال لا لأجل الشك في عدالتهم بل لأجل أنهم قد يروون عن التابعين قال إلا أن يخبر الصحابي عن نفسه أنه لا يروى إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أو عن صحابي فحينئذ يجب العمل بما يرويه وذكر ابن بطال عن الشافعي أن المرسل عنده ليس بحجة حتى مرسل الصحابة. وبهذا تعرف أن المسألة غير إجماعية فلا يتم لهم ولمن تبعهم دليلا على ذلك. "وروى البلقيني قبول المراسيل عند أحمد بن حنبل في رواية وعدها" أي روايته عنه "من زوائد فوائده" لأنه يروها أهل علوم الحديث عن أحمد. قلت: قد رواها أيضا تلميذ البقيني الحافظ ابن حجر ولكنها في مراسيل التابعين وإنما الاشتراط أن يكون المرسل من كبار التابعين بل ولو من صغارهم ولكن قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة ما لفظه وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حق جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه

_ 1 محمد بن جرير الطبري الإمام صاحب التصانيف المشهورة ورحل في طلب الحديث وسمع بالعراق والشام ومصر وحدث بأكثر مصنفاته. مات سنة 310. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/145. وتاريخ بغداد 2/162. ووفيات الأعيان 3/332.

على ذلك أحمد بن حنبل وغيره انتهى فينظر في نقل البلقيني وابن حجر عن أحمد. "الوجه الثاني" من وجوه أدلة قبول المرسل عند الزيدية "أن الأدلة الدالة على التعبد بخبر الواحد" وهي معروفة في الأصول وعمدتها إجماع الصحابة والتابعين على العمل بها فهو عائد إلى الاستدلال الأول وهي "لم تفصل بين كونه مسندا أو مرسلا" لأن الكل يصدق عليه أنه خبر أحادي. "الوجه الثالث" من الأدلة "أن الثقة إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جازما بذلك" هذا هو الذي قيد به المسألة في مختصره كما ذكرناه هو احتراز عن أن يرويه بصيغة التمريض "وهو يعلم أن من رواه مجروح العدالة كان الثقة قد أغرى السامع بالعمل بالحديث والرواية له" وهي من العمل أيضا إلا أنها لما تعورفت فيما عداها عطفها عليه "وذلك خيانة للمسلمين لا تصدر عن العدل" والفرض أنه عدل "ولهذا قبل المحدثون ما جزم به البخاري من التعاليق على أصح الأقوال" مع أنها مراسيل. وأجيب عنه بأنه اختص البخاري بقبول تعاليقه لأنه التزم الصحة في كتابه بخلاف غيره من أئمة التابعين فإنهم لم يلتزموا ذلك وإن كان المشهور أن تعاليقه التي يحكم لها بالصحة هي ما علقه بصيغة الجزم لأنه يدل على صحة الإسناد بينه وبين من علق عنه. وقال الحافظ ابن حجر إن كل ما أورده البخاري في كتابه مقبول إلا أن درجاته متفاوتة في الصحة ولتفاوتها تخالف بين العبارتين في الجزم والتمريض إلا في مواضع يسيرة جدا أوردها وتعقبها بالتضعيف أو التوقف في صحتها انتهى. قلت: هذا كلام الحافظ هنا والذي أفاد كلامه في مقدمة الفتح أن المعلق في الصحيح بصيغة الجزم يحتمل ثلاثة أقسام: الأول: معلق قد وصله في محل آخر فهذا موصول في الحقيقة وتعليقه عارض بسبب الاختصار. والثاني: قسمان: معلق لا يلتحق بشرطه لكنه حسن وصلاح للحجية. وثانيهما: ضعيف بالانقطاع هذا كلامه وإذا عرفته عرفت أن ما أورده بصيغة الجزم متردد بين ما ذكر فلا يتم الحكم لما أورده بها شيء حتى يكشف عن حاله فمن قال ما أورده البخاري معلقا بصيغة الحزم صحيح فقوله غير صحيح لما عرفته من الاحتمال.

ثم ذكر الحافظ في المقدمة فيما يورده البخاري بصيغة التمريض أنه متردد بين خمسة أشياء صحيح على شرطه صحيح على شرط غيره حسن ضعيف فرد انجبر بالعمل على موافقته ضعيف فرد لا جابر له هذا خلاصة ما أفاده كلامه في المقدمة. وإذا عرفت تردد الصيغة بين هذه الخمسة فهي مبهمة لا يتم معرفة المراد منها إلا بعد الكشف عن حقيقتها وعرفت أن في تسميتها صيغة تمريض بحثا فإن الثلاثة الأول مما يجزم به وكأن المراد أنها صيغة تمريض نظرا إلى شرط البخاري في غير القسم الأول فإنه على شرطه. ومن هنا تعلم أن صيغة التمريض لا تدل على الضعف في اصطلاح البخاري ومن استدل بها على ضعف ما يرويه بها فقد جهل مراده ثم لا يعزب عنك أنه كان الأولى أن يجعل ما هو على شرط غيره من أقسام ما عبر عنه بصيغة الجزم كما أنه كان المتعين في القسم الأول من هذه الأقسام أن يعبر عنه بها وذلك لأنه قد جعل الحسن من أقسام ما يعبر عنه بصيغة الجزم وهو أنزل منه رتبة كما أنه كان يتعين جعل الضعيف بالانقطاع من هذا القسم أي من قسم ما يعبر عنه بصيغة التمريض لا مما يعبر عنه بصيغة الجزم وقد جعله من أقسام ما عبر عنه بصيغة الجزم وبعد هذا تعرف تقارب الصيغتين وتعرف أن تقرير الحافظ في النكت يخالف تقريره في المقدمة فتأمل ومنه تعرف أن قول المصنف ولهذا قبل المحدثون ما جزم به البخاري من التعاليق ليس على إطلاقه بل فيه التفصيل الذي سمعته. "واعتذر المحدثون عن هذه الحجيج" التي استدل بها قابلوا المراسيل "أما إجماع الصحابة فلم يسلموا علمهم الجميع" لتفرقهم في الآفاق "و" لا يسلموا "أن سكوتهم عن رضا" وقد عرفت أنهما ركنا الإجماع السكوتي "وإن سلموا فلا حجة في ذلك لوجهين: أحدهما: أن قبول مراسيل الصحابة مجمع على جوازه ممن روى الإجماع عليه ابن عبد البر في تمهيده ذكره في حديث ابن عمر في المواقيت" قد قدمنا الخلاف في مراسيل الصحابة عن أبي اسحق الإسفراييني وكذلك صرح أبو بكر الباقلاني في التقريب أن المرسل لا يقبل مطلقا حتى مراسيل الصحابة وذلك للعلة التي ذكرناها ونقل عدم قبول مراسيلهم عن الشافعي ابن بطال في أوائل شرح البخاري ذكر هذا كله الحافظ ابن حجر.

فالتابعون لم يتم إجماعهم وإن أريد إجماع الصحابة على قبول مراسيلهم فلا يسمى ما جاء عنهم مرسلا كما عرفت من تعريف المرسل إلا على التعريف بأنه ما سقط منه راو وإذا عرفت تعريف المرسل بكل تعريف عرفت أن لا يصح أن يقال مرسل الصحابة إذ لا مرسل لهم ففي قولهم مرسل الصحابة تسامح. "وثانيهما" أي وجهي عدم حجية ما ذكر على تقدير التسليم "أن المرسل" اسم فاعل "في ذلك الزمان لم يكن يرسل إلا عن عدل" لأن العدالة غالبة في أهل ذلك العصر "ألا ترى أن ابن عباس وأبا هريرة لما أخبرا عمن أرسلا كيف أسندا الحديث إلى عدلين" أسامة بن زيد والفضل ابن العباس "فإن جوزنا إسناد الرواية إلى غير عدل في ذلك الزمان فذلك نادر ولا نادر غير معتبر ولا يجب الاحتراز منه لأنه مرجوح" والعمل على الراجح "بل قال ابن سيرين إنهم" أي الصحابة "لم يكونوا يبحثون عن الإسناد حتى ظهرت البدع وحافظوا على الإسناد ليعرفوا حديث أهل السنة" فيأخذوا به "من حديث أهل البدعة" فيتركونه ويأتي ما في هذا. "فإذا ثبت إجماع الصحابة على قبول مراسيل أهل ذلك العصر لم يكن حجة عامة على قبول كل مرسل" لأن الدليل الخاص لا ينطبق على المدعي العام "وبيانه أنه احتجاج بفعل" وهو القبول من البعض والسكوت من الآخرين "والفعل لا عموم له" إذ العموم والخصوص من خواص الأقوال. "وهذا سؤال وارد فلعل الصحابة لو رأوا ما حدث في الناس من التساهل في رواية الحديث لبحثوا أشد البحث فقد روى مسلم عن ابن عباس أنه سمع رجلا" هو بشير مصغر بشر بالمعجمة بعد الموحدة آخره راء بن كعب "يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينظر إليه فقيل له في ذلك" القائل هو بشير فإنه قال لابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع "فقال" ابن عباس "إنا كنا إذا سمعنا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصغينا إليه فلما ركب الناس الصعب والذلول" قال النووي في شرح مسلم أصل الصعب والذلول في الإبل والصعب العسر المرغوب عنه ولا ذلول السهل الطيب المرغوب فيه والمعنى سلكوا كل مسلك مما يحمد ويذم "لم نأخذ من الناس" أي من أحاديثهم "إلا ما نعرف رواه مسلم في مقدمة كتابه" الصحيح فقال ثنا أبو أيوب سليمان ابن عبد الله الغيلاني ثنا أبو عامر يعني العقدي أنبأنا رباح عن قيس ابن سعد عن مجاهد قال جاء بشير العدوي

إلى ابن عباس الحديث. "فإذا كان هذا في زمن ابن عباس فكيف بعده" إلا أنه لا يخفى أن في هذا دليلا على وجود من لا يوثق بروايته في زمن الصحابة وليس فيه دليل على قبول المرسل ولا على عدم قبوله على أنه قال الحافظ في التقريب في ترجمة بشير ما لفظه بشير مصغر ابن كعب بن أبي الحميري العدوى أبو أيوب البصري ثقة مخضرم والمخضرم بفتح الراء من التابعين من أدرك الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست لهم صحبة ولم يشترط بعض أهل العلم نفي الصحبة قال الزين والمخضرم متردد بين الصحابة المعاصرة بين التابعين لعدم الرؤية وظاهر كلامه أنه في الاصطلاح خاص بما ذكر والذي في القاموس أن المخضرم الذي مضى نصف عمره في الإسلام ونصفه في الجاهلية أو من أدركهما أو شاعر أدركهما كلبيد انتهى فالمذكور أحد معانيه اللغوية وبه يعرف أن بشيرا من كبار التابعين. "وأما الوجه الثاني" من أدلة قابلي المراسيل "وهو أن أدلة قبول الآحاد عامة للمراسيل والمسانيد فغير مسلم بل هي متناولة لقبول الصدر الأول ومن كان على مثل صفتهم" على أنه لا يتحقق المرسل في عصر النبوة إلا نادرا "أما الإجماع فهو على قبولهم" هذا تكرار زاده ليعطف عليه قوله "وكذا قبول رسل النبي صلى الله عليه وسلم: المبعوثين إلى الآفاق" فإنه من أدلة وجوب العمل بالآحاد وهو عطف على جملة أما الإجماع فهو على قبولهم وكلامنا في المراسيل عن غير أهل الصدر الأول "وكذا قبوله صلى الله عليه وسلم الآحاد وقبول الصحابة لهم" فإنه خاص بأهل ذلك العصر وهذه من أدلة قبول الآحاد وهي لا تشمل المرسل كما قاله من استدل بها على قبوله على أن رسله صلى الله عليه وسلم يبلغون عنه ما سمعوه منه أو يبلغون كتبه وهي كذلك غالبا وكذا قبوله الآحاد ليس دليلا أنهم يأتونه بمراسيل بل يخبرونه عمن شافهم فكيف يجعل دليل المسند دليلا للمرسل ويدعى شموله له؟. "وكذا الدليل العقلي" الذي استدل القائلون بحجية الآحاد وأنها أدلة شاملة للمراسيل مقصور أي الدليل العقلي "على ما يثمر الظن" هذه إشارة من المصنف أن القائلين بأن الأمة متعهدة بقبول الآحاد عقلا وهذا قول أبي الحسين البصري والفقال وابن سريج واستدل أبو الحسين بأن العمل بالظن في تفاصيل الجمل المعلوم وجوبها عقلا واجب عقلا بدليل أن العقل يقضي بقبول خبر العدل في مضرة طعام معين وفي

إنكسار جدار يريد أن ينقض فيحكم العقل بأن الطعام لا يؤكل وأن الجدار لا يقام تحته وذلك تفصيل لما علم بالعقل إجمالا وهو وجوب اجتناب المضار وما نحن فيه كذلك للقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم: بعث لتحصيل المصالح ودفع المضار وخبر الواحد تفصيل له فإذا أفاد الظن وجب العمل به مطلقا انتهى ولكن شارك أبا الحسين في مدعاه أدلة أخرى معروفة وقد أجاب من لم يقل بالدليل العقلي على خبر الآحاد وادعى بأنه ليس عليه دليل إلا من السمع عن هذا الدليل بما هو معروف في الأصول. "والمراسيل عند المخالف" وهو القائل بأنها لا تقوم بها حجة "لا تثمر الظن الراجح على الإطلاق وإن أثمر بعضها" الظن الراجح "فهو مقبول بالاتفاق كما سيأتي وإنما وقع الخلاف" بين الفريقين "فيما لا يثمر" ظنا راجحا "وما لا يرتقي إلى مرتبة أخبار الآحاد التي قبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه" أي في إفادة الظن وكأنه يريد فيما يثمر ظنا راجحا كما قلناه لا أنه يثمر ظنا ويقولون إنه يعمل به ولا يقول هذا أحد فإن العمل لا يكون إلا بعلم أو ظن ولا يجوز العمل تخمينا إلا أن ينص الشارع إلى وجوب العمل به وجب وإن لم يحصل ظنا كالحكم بالعدلين إذا شهدا فإنه يجب عليه الحكم حصل له ظن أول ولعل قابل الآحاد يقول إنه يجب العمل بها وإن لم تثمر ظنا فيتم ما قاله. واعلم أن حقيقة الظن الاعتقاد الراجح بأحد المجوزين فالراجحية لازمة لحصول الظن فإن استواء الظرفين شك كما عرف في الأصول وبها يختلف قوة وضعفا فإذا عرفت هذا فالخبر المرسل إن أفاد الظن عمل به عند الفريقين وإن لم يثمره عمل به عند أحدهما فعرفت أن تقسيم المصنف للمرسل إلى ما يثمر ظنا راجحا وإلى ما يثمر ظنا غير راجح أو إلى مالا يثمر ظنا أصلا غير صحيح إلا أن يحمل راحجا على أن المراد قويا وغيره على ظن غير قوي أو يحمل قول راجح على أنه وصف كاشف ويراد بالآخر أنه لا يثمر ظنا أصلا وفي قوله وما يرتقي إلى آخره تأمل إلا أن يكون من عطف الخاص على العام. "وأما الوجه الثالث" من وجوه قابل المرسل "وهي" الأولى وهو كأنه أنته لكونه في معنى الحجة "حمل الراوي" الأحسن المرسل "وعلى السلامة والقول بأن عدم القبول" لما أرسله "تهمة له بقبيح" هو الكذب ونحوه "فهذا" الوجه "مبني على أصلين" لا يتم إلا بصحتها وسيعلم أنه لا صحة لهما فإن "أحدهما قد انكشف خلافه وثانيهما متنازع

فيه فأما الأول فهو أن المحدثين قالوا إن الحمل على السلامة يزول متى انكشف خلافه" إذ الحمل على السلامة مجرد إحسان ظن فإذا ما يطل الظن دل على عدم صحة أمارته "قالوا ونحن قد جربنا وساء لنا الثقات" على ثلاثة أوجه: الأول: قوله: "فمنهم من أسند الرواية" التي أرسلها "إلى ما لا يرضاه المرسل هو بنفسه ولا غيره" من ذلك قول أبي حنيفة ما رأيت أكذب من جابر الجعفي وحديثه عنه موجود وقول الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذابا وحديثه عنه موجود. والثاني: قوله: "ومنهم من أسند الرواية إلى من يقبله" هو "وغيره لا يقبله فقد وقع الاختلاف في الجرح والتعديل كثيرا" فقد أسند الشافعي عن ابن أبي يحيى وأسند مالك عن عبد الملك بن أبي المخارق وأحمد بن حنبل عن عامر بن صالح والكل متكلم فيه كما يأتي آخر هذا البحث. والثالث: قوله: "ومنهم من أسند الرواية إلى ثقة مقبول" كما تقدم في حديث البراء وأبي هريرة. إن قيل: ما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة إلى الإرسال قلت: قال الحافظ ابن حجر إن له أسبابا منها أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده فيرسل اعتمادا على صحته عن شيوخه كما صح عن ابراهيم النخعي أنه قال ما حدثتكم عن ابن مسعود فقد سمعته عن غير واحد وما حدثتكم به وسميت فهو عمن سميت ومنها أن يكون نسى من حدثه وعرف المتن فذكره مرسلا لأن أصل طريقته أن لا يحمل إلا عن ثقة ومنها أن لا يقصد التحديث بل يذكره على وجه المذاكرة أو على جهة الفتوى فيذكر المتن لأنه المقصود في تلك الحالة دون السند ولا سيما إذا كان السامع عارفا بمن روى فتركه لشهرته وغير ذلك من الأسباب. "قالوا" أي أئمة الحديث "فلأجل اختلاف أحوال الثقات" ممن يطوون ذكره عند الإرسال "لم نأمن أن يكون المرسل ممن يرسل عن الضعفاء بمرة فاحترزنا وتركنا الجميع" سيما وقد حصل لهم من التتبع أن المرسل عن الثقات المتفق عليهم قسما واحدا فصار معلوم بين القسمين الآخرين ومجهولا أيضا. "وأما الأصل الثاني" من الأصلين الذين بنى عليهما الأصل الثالث "وهو قول أصحابنا إن عدم القبول تهمة للمرسل بقبيح" وهو الكذب ونحوه والتهمة لا يجوز العمل عليها "فهو أيضا يشتمل على نقض لجواب المحدثين المقدم" وهو قولهم ونحن

قد جربنا وساء لنا الثقات إلى آخره "فلنقدم تحريره" أي تحرير كلام الأصحاب "ثم نورد عذر المحدثين فيه أما النقض الوارد عليهم" أي المحدثين "فلأصحابنا أن يقولوا قولكم إن في العدول" أي الثقات كما هي عبارتهم آنفا "من بحث" مبنى للمجهول أي عن سند ما أرسله وتفصيل ما أجمله وكشف ما ستره وأهمله "فأسند إلى من لا يقبل" عنده وعند غيره وهو القسم الأول من الثلاثة "غير مسلم" عدالة من فعل ذلك "فإنا ننازع في عدالة من فعل هذا" لأنه خيانة للمسلمين وحمل على العمل والرواية عمن لا يجوز العمل بروايته ولا الرواية بما رواه. قلت: لا يعزب عنك أن هذا النقض لا يتم إلا بعد تقرر أن من نقض قائل إنه لا يقبل إلا مرسل من أرسل عن ثقة عنده أو ثقة مجمع عليه والذي تقدم أن الزيدية يقولون بقبول المرسل مطلقا كالحنفية وفي شرح الغاية وغيرها أن قبول المرسل مطلقا رأي أئمتنا أي أئمة الزيدية وقال المصنف في الروض الباسم في بحث كفار التأويل ما لفظه فالزيدية إن لم يقبلوا كفار التأويل وفساقه قبلوا مرسل من يقبلهم وإن لم يقبلوا المجهول قبلوا مرسل من يقبله ولا يفرق بينهم من يحترز عن هذا البتة وهذا يدل على أن حديثهم أي الزيدية في مرتبة لا يقبلها إلا من يجمع بين قبول المراسيل بل المقاطيع وقبول المجاهيل وقبول كفار التأويل والفساق من أهل التأويل انتهى بلفظه فكيف يتم لهم هنا هذا الجواب القاضي بأن مراسيلهم لا تكون إلا عمن يرسل عن الثقات وقال أيضا قد بينا أن الزيدية أحوج الناس إلى قبول المبتدعة وأن مدار حديثهم على من يخالفهم وأن كثيرا من أئمتهم نصوا على قبول كفار التأويل وادعوا الإجماع على ذلك وأن أئمة الزيدية يقبلون مراسيل أولئك كالمنصور والمؤيد والإمام يحيى والقاضي زيد القاضي عبد الله بن زيد وغيرهم انتهى بلفظه. قلت: ومراده بالمؤيد أحمد بن الحسين الهاروني ولكن الذي رأيته في خطبة التجريد له ما لفظه وعندنا لا يحل لأحد أن يروي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا سمعه من فم المحدث العدل فحفظه ثم يحدث كما سمعه فإن كان إماما تلقاه بالقبول وإن كان غير إمام فكذلك ثم رواه غير مرسل وصح عنده فإن المراسيل عندنا وعند عامة الفقهاء لا تقبل ولقد أدركت أقواما ممن لا يتهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحفظون السند فما قبلت أخبارهم ول نقبلها عنهم لعدم حفظهم للأسانيد انتهى بلفظه.

"وجواب المحدثين على هذا" النقض أنهم "لا يسلمون إطلاق اسم القبيح على مثل هذا" فلا يتم قولهم إن عدم القبول تهمة للمرسل بقبيح "لأن هذه المسألة" أي الإرسال عمن ليس بعدل "ظنية مختلف فيها فالمرسل أن يعتقد أن المرسل" غير مقبول فيرسل عنه "و" يعتقد "أن على من سمعه البحث" لكن لا يخفى أن هذا الصنيع توعير لمسلك الشريعة السمحة السهلة. "فإن جاء" المرسل "بلفظ التمريض" كروى ونحوه "والبلوغ" بلغنا كذا "فظاهر" أنه لم يجزم وعدم الجزم باعث على البحث عن الراوي "فإنه يصدق فيه" أنه بلغه سواء كان صحيحا أو ضعيفا. "وإن كان الراوي له مجروحا" بل لا ينبغي أن يأتي بتلك الألفاظ إلا مع القدح في الراوي "والعنعنة" يأتي تحقيقها اشتقاقا وحكما قريبا "قريب من ذلك في الاحتمال" فإن لها احتمالات "على أني لم أجد لأحد من أهل المذهب نصا أن هذا يسمى مرسلا" قال المصنف في العواصم لا أعلم أحدا ذكر البلوغ أو الرواية بلفظ ما لم يسم فاعله في المراسيل ولا فيما يجب قبوله من أخباره الثقات. "وإن جاء بلفظ الجزم" عطف على قوله فإن جاء بلفظ البلوغ إلى آخره "فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا" أي الذي أتى فيه الراوي بصيغة الجزم "هو الذي نص الأصحاب على تسميته مرسلا فالمحدثون اعتذروا عنه بأمرين أحدهما ما ذكره قاضي القضاة وهو أنا لا نسلم أن هذه الصيغة الجازمة تدل على ثقة المرسل بصحة ما أرسله" وأنه لم يجزم بإرساله إلا لثقة من أرسل عنه "فأن يجوز لمن ظن صحة الحديث" ولو كان عن مجروح "أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ذكره عنه" أي عن قاضي القضاة والقياس عنهم لأنه للمحدثين "أبو الحسين في المعتمد عند الكلام على الترجيح وعلى هذا لو ظن ذلك من خبر مجروح العدالة جاز له أن يقول ذلك وإن لم يجز له العمل" لأنه لا يجوز العمل إلا بخير العدل لأنه الذي تعبدنا بالعمل بخيره وهذا مبني على أن الرواية ليست بعمل وإلا فالأقوال داخلة تحت الأعمال كما قررناه في حواشي شرح العمدة في الكلام على حديث: "إنما الأعمال بالنيات". "كما قد يجوز العمل حيث لا تجوز الرواية عند بعض العلماء كما يأتي في باب الوجادة وهي العمل بالخط وذلك أن للعمل شرطا وللرواية شرطا فشرط العمل الظن الصادر عن أمارة لم يرد الشرع بالمنع من العمل بها ولا عارضها أرجح منها ولا مثلها

على خلاف في" الأمارة "المماثلة لها" دليله أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر الصحابة أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وخشوا خروج الوقت قبل دخولها أي بني قريظة صلى جماعة عملا بظنهم أن الأمر مقيد بعدم خروج الوقت وعمل آخرون بخلافه ظنا أنه أمر مطلق فهذا عمل عن أمارة لم يرد المنع من الشرع بالعمل بها وقد تعارضت الأمارتان الإطلاق والتقييد إذ الكل قد ورد في الشرع فعملت كل طائفة بأمارة وأقرهم صلى الله عليه وسلم على ذلك وإنما اختلف في الأمارة المماثلة لما عارضها لأنه يكون العمل بإحداهما دون الأخرى تحكما ومن خالف قال هو مخير بين الأمارتين لتماثلهما. "وشرط الرواية عدم تعمد الكذب" فهذا شرط في الراوي أن لا يتعمد كذبا "لا سوى" لا غير ذلك من الشروط إلا أنه لا يخفى أن شرط الراوي العدالة وهي أخص من هذا الذي ذكر ولا يصح أن يريد تعمد الكذب مع العدالة فإن عدم تعمده داخل في مفهومها "وإليه الإشارة بحديث "من كذب علي متعمدا" 1" أو إلى أن شرط الرواية عنه صلى الله عليه وسلم عدم تعمد الكذب وهذا مشكل إذ يلزم منه قبول رواية من ليس بمسلم إلا أن يريد مع كونه مسلما ثم رأيت المصنف قد أورد هذا السؤال على نفسه في مسألة قبول كفار التأويل وأجاب عنه بما يأتي. واعلم أن بين الرواية والعمل عموما وخصوصا من وجه فقد يعمل بالقياس وقد يروى المنسوخ فما كل عمل برواية ولا كل رواية يعمل بها ويجتمعان في رواية يعمل بها وحينئذ يتحد شرط الرواية وشرط العمل فالتفرقة بين شرط الرواية وشرط العمل ليس له كثير فائدة على تقدير ثبوته وكأنه يريد أن هذا شرط لرواية لا يعمل بها كالإسرائيلات ونحوها لكنه لا يساعد عليه قوله هل جاز العمل أو لم يجز ويريد سواء عمل بها أو لم يعمل واستعمال هل في هذا المعنى لا أعرفه في العربية ويحتمل أن النسخة غلطا إلا أنى قد قابلتها على نسخ من التنقيح. "فقد يروي الثقة" التعبير بالثقة عود إلى شرط رواية العمل وكان الأولى فقد يروى من لم يتعمد الكذب "المنسوخ والمرجوح وعن الثقة والضعيف والمجروح" مما لا يعمل به "بل قد صح: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة2 أي لا إثم عليكم ولا تضييق في الحديث عنهم والمراد التحديث عن أحوالهم

_ 1 سبق تخريجه. 2 أبو داود 3662. والترمذي 2669. وأحمد 2/159, 202.

وتصاريفها وتقلبهم في البلاد لا عما يخبرون به عن الله وعن كتبه مما ل يصدقه كتابنا ولا كلام رسولنا صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه تعالى قد حكى أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه وأن منهم أميون لا يعملون الكتاب إلا أماني ويحتمل أن المراد حدثوا عن المؤمنين من بني إسرائيل ما يحدثونكم به من أخبار كتبهم وأحكامها وذلك كقوله تعالى: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] إلا أنه تعبد ول يتم به مراد المصنف وقد ورد في حديث آخر: "إذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" 1 ومراد المصنف الاستدلال بأنه يؤاذن الشارع بالتحدث عن قوم ليسوا بمسلمين فضلا عن المجاريح. "وقد يروى عن المجروح متقويا به وهو متعمد" في العمل "على عموم أو قياس أو" معتمد "على الأصل وهو" أحد الأمرين "الإباحة أو الحظر على حسب رأيه في ذلك" إذ العلماء مختلفون هل الأصل في الأشياء هو الإباحة أو الخطر كما هو معروف في الأصول "ولو لم يكن معه إلا الحديث الذي رواه لم يستجز العمل" وإن جاز أن يرويه فعمل الراوي بالحديث الضعيف لا يدل على أنه مستند إليه إلا أنه يشكل على هذا قولهم العمل على وفق الحديث الضعيف يدل على قوته أو على أن له أصلا. "أقصى ما في الباب أن يجويز هذا ضعف عند الناظر فيه" إذ التجويزات تحمل جزم الثقات في الروايات على أنهم جزموا بالرواية عن الضعفاء والمجاريح تجويز مستبعد ضعيف "لكنا قد رأينا العلماء والثقات يذهبون إلى مذاهب ضعيفة ولأجل تجويز ذلك عليهم" على العلماء والثقات "امتنع جواز تقليد المجتهد لهم بعد اجتهاده" فيه أبحاث: الأول: أن امتناع تقليد المجتهد ليس لأجل أن المجتهد والرواة قد يذهبون إلى مذاهب ضعيفة بل علة امتناع تقليده لغيره هو الإجماع كما نقله ابن الحاجب واستدل به وأقره العضد وغيره وتبعه الآخذون من كتابه كالفصول ومؤلف الغاية وشرحها وإنما الخلاف هل يجوز له أن يقلد قبل اجتهاده في الحادثة فالجمهور على أنه أيضا يحرم عليه التقليد لغيره لأنه مأمور باتباع ظن نفسه الحاصل عن الأدلة لا باتباع ظنون المجتهدين واستدلوا أيضا على تحريمه بأن جواز تقليده لغيره حكم شرعي لا بد من الدليل عليه ولا دليل وبأن التقاليد بدل عن الاجتهاد جوز ضرورة لمن لا يمكنه

_ 1 أحمد 4/136, والحاكم 3/358.

الاجتهاد ولا يجوز الأخذ بالبدل مع التمكن من المبدل منه كالضوء واليتيم ولأن عمله يخالف ظنه جرأة منه محرم. الثاني: قوله إنه جعل قبول خبر الثقات تقليد وقد تقدم له أن قبول خبر الثقات ليس بتقليد اعترض بذلك عبارة الحافظ ابن حجر في عدد أحاديث البخاري. الثالث: قوله "وامتنع الاحتجاج بأقوالهم" إن أراد احتجاج المجتهد فهو الأول إذ الاحتجاج بها تقليد لهم وإن أراد احتجاج المقلد لهم فمشكل لأن أقوال المجتهدين حجة في حقه سواء كانت لهم مذاهب ضعيفة أولا فإنهم لم يشترطوا في الأصول أنه لا يقلد إلا مجتهدا ليس له قول ضعيف وإن أراد الاحتجاج بروايات المرسلين فمع عدم وضوح عبارته في هذا المراد فهو غير صحيح إذ هو محل للنزاع. "ولذلك" أي ولأجل أن التجويز والاحتمال يمنع من الجزم بنسبة القول المحتمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان المختار الذي صححه المنصور بالله وأبو طالب والجمهور أن الصحابي إذا قال قولا في أمر الشريعة" من تلقاء نفسه ولم ينسبه إليه صلى الله عليه وسلم "لم يكن حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: متى كان يحتمل وجها في الاجتهاد صحيحا أو فاسدا فجعلوا احتمال الوجه الفاسد مانعا من الجزم بنسبة القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم" فكذلك إذا احتمل قول التابعي أو غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عن ضعيف أو مجروح كان مانعا عن كون الصيغة الجازمة تدل على ثقة المرسل بصحة ما أرسله. "فمتى قدرنا أن قول الثقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه يستجيزه الثقة إذا سمعه من مجروح يظن صدقه فيستحل بروايته" التي رواها عن المجروح "الراوية دون العمل امتنع الجزم بصحته سواء كان هذا الاحتمال صحيحا في نظرنا نحن أو ضعيفا" كما أن قول الصحابي الذي احتمل وجها في الاجتهاد فاسدا ولا يحل معه نسبة ما قاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فمجرد الاحتمال مانع إلا أنه لا يخفى الفرق بين المسألتين فإن الصحابي لم ينسب قوله إليه صلى الله عليه وسلم بخلاف المرسل فإنه نسبه إليه صلى الله عليه وسلم ثم الاحتمال في كلام الصحابي واضح بل الأصل أنه حيث لم ينسبه ليس إلا قولا له بخلاف الثقة المرسل فقد نسب ما رواه إليه صلى الله عليه وسلم فالعلة هي ما يفيده مما يأتي قريبا ثم إن من في كلام المصنف ما يشعر بأنه إذا لم يحتمل كلام الصحابي وجها في الاجتهاد جاز

نسبة كلامه صلى الله عليه وسلم إليه وفيه بحث ظاهر وكن يغني عن قوله ولذلك كان المختار إلى آخره. قوله: "قالوا وكيف لا يجوز هذا" أي يجعله جائزا عن الثقات "وقد جربناه في حق كثير من الثقات" قد قدمنا شطرا من أمثلة ذلك "والتجويز بعد التجوبة ضروري لا يمكن الإنفكاك عنه" وصف كاشف للضروري وهذا هو الدليل الناهض على رد المرسل ولما استشعر من هذا أنه يقال وكيف يجوز للثقة أن يروي عن المجروح ويجزم بنسبة ما يحدث به إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أجاب عنه بقوله "وإذا جاز هذا عليهم" أي الثقات "على جهة التأويل" منهم للإرسال عن المجاريح "لم يكن جرحا فيهم" في الثقات المرسلين لأنه بالتأويل ينتفي الجرح والتأويل هو ما تقدم وبيان أنه ليس بجرح بعد التأويل "لأن المسألة إن كانت ظنية فلا إثم عليهم وهي كذلك" أي ظنية "ولو كان خطؤهم قطعيا" من باب الفرض "فلا دليل على أنه فسق وذنب المتأول إذا لم يبلغ الفسق لم يقدح به إجماعا" فكذلك لم يكن إرسال الثقات عن المجاريح قادحا في الثقات فإذا بلغ ذنب المتأول الفسق كانت مسألة فساق التأويل وسنأتي. "هكذا ذكره أصحابنا" كأنه يريد من قوله وذنب المتأول بدليل قوله "وذلك كخطأ المعتزلة عندنا في الإمامة" فإنهم يقولون الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترتيب الواقع بعد وفاته ويقولون بجوازها في غير أولاد علي رضي الله عنهم وفاطمة عليهم السلام والزيدية يقولون إن مسألة الإمامة قطعية ومخالفة القطعي عندهم فسق فليس التمثيل به كالممثل له "فثبت أنه يجوز على الثقة انه يستجيز إرسال الحديث عن المجروح وإنا لو عرفنا أنه" أي الإرسال عن المجروح "فعله مستحلا لم نقدح في عدالته" الذي سلف قريبا أنه لا يقدح في عدالته بذلك إن فعله متأولا وهذا ينافي ما سلف والذي تقدم هو الحق إذ من يستحل الرواية عن المجاريح والوضاعين والكذابين فقد استحل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحلاله كبيرة وقيل كفر. "الأمر الثاني" من اعتذار المحدثين عن قبول مرسل الثقة الذي جزم بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم أنه قال المحدثون "سلمنا أن الثقة لا يصح على كل تقدير أن يستجيز الرواية" أي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم "إلا حيث يجوز العمل وأن ذلك" أي استحلاله الرواية دون العمل "لو فرض صدوره عنه كان قدحا في عدالته"

لإغرائه غيره على العمل بما لا يحل عنده العمل به "لكن ما المانع من أن يثق بمن لا نستجيز" معشر المحدثين "الرواية عنه لو صرح" المرسل "به" بمن روى عنه "مثل تجويز أن يروى عن مجهول وحديثه عنده مقبول أو عن سيئ الحفظ مختلف فيه أو عن مجروح جهل هو جرحه وقد عرفنا نحن جرحه أو عن مغفل قد استوى حفظه وسهوه ومذهبه قبوله مطلقا أو قبوله مع الترجيح أو نحو ذلك مما اختلف فيه". أما جهل المرسل لجرح من أرسل عنه فليس من مسائل الخلاف فإن إرساله عنه جاهلا لجرحه غير قادح في إرساله وإن كان قدحا في المرسل فما كان يحسن عده مما اختلف فيه كما لا يخفى "فيؤدي" أي قبول مرسل الثقة المجزوم به "إلى تقليد المجتهد" القابل للمرسل "لغيره" وهو المرسل "في مسائل الاجتهاد" كقبول المغفل ونحوه "وبنائه" أي المجتهد "لاجتهاده على تقليد" المرسل والمجتهد لا يجوز له التقليد فإن قلت: قد تقدم للمصنف غير مرة أن قبول خبر العدل ليس تقليدا له قلت: ذلك فيما إذا أخبر العدل عن غير إرسال إذ هو الذي قام الدليل على قبول خبره كما عرفته. إن قلت: هذا بعينه يجري في القدح المطلق والتعديل المطلق لاختلاف العلماء فيما يقدح به وفيما يشترط في العدالة فقابل القدح المطلق والتعديل المطلق ينبغي أن يكون مقلدا لا مجتهدا لأنه يبني اجتهاده على رأي غيره تجريحا وتعديلا. قلت: لا محيص عن هذا ويأتي بسطه في محله. "وهذا العذر الثاني" الذي ذكره المحدثون "أقرب من الأول والجواب عليه" من طرف قابل المرسل "أصعب وتلخيصه" أي هذا الجواب "أن تصحيح" العالم "الحديث أمر ظني نظري اجتهادي" زيادة في البيان وإلا فقد أغنى عنه نظري "ولا يجوز للمجتهد أن يقلد غيره في نحو ذلك" لا يخفى أن التقليد لا يجوز للمجتهد في شيء فليس للظرف مفهوم ويأتي توفيه الكلام فيما ذكره قريبا. "ويرد على المحدثين هنا سؤالان: أحدهما أن يقول من عرف بالإرسال عن المجاريح" أي متأولا "كانت هذه علة مانعة من قبول حديثه" إن أريد حديثه الذي أرسله فهم قائلون بذلك فلذا لا يقبلون مرسله ولا مرسل غيره وإن أريد حديثه الذي أسنده فلا مانع عن جعله علة فيه أيضا "وإن لم يكن" إرساله عن المجاريح "قدحا مؤثرا في دينه" لما سلف من تأوله وأن ذنب المتأول لا يقدح به إجماعا ما لم يبلغ الفسق وذلك أنه يكون بإرساله عن المجاريح "كالصدوق المغفل بمرة" فإنه غير مقبول.

"لكن الظاهر من الثقات أنهم لا يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير طريق صحيح" لا يخفى أن هذا الاستدراك هو محل السؤال ولكنه قد تقدم م يغني عنه مرارا أقربها قوله إنهم جربوا فوجدوا الثقات أرسلوا عن غير العدول وهو معني أرسلوا عن غير طريق صحيح فهذه التجربة عارضت الظاهر "ولهم" أي للمحدثين "أن يقولوا هنا ما تريدون بأن الظاهر أنهم لا يقولون ذلك من غير طريق صحيح هل صحيحة عندهم? فمسلم" على أحد التقادير وإلا فمن التقادير أنه قد يروى الثقة عن المجاريح اتكالا على بحث السامع عن سند الحديث كما تقدم في قوله فللمرسل أن يعتقد أن المرسل غير مقبول وأن على من سمعه البحث إلى آخره "ولا يضر تسليمه" على غير ذلك التقدير "أو" يريدون "صحيحة مجمع على صحتها" حتى يلزم قبول المرسل "فغير مسلم" لما عرفت أن إرسالهم من لا يرتضيه الأكثر "وهو جواب متجه". وقد عرفت من سياق السؤال والجواب أن المراد إذا كانت هذه علة مانعة من قبول حديثه أي المرسل وهو أحد شقي الترديد الذي قدمناه وعلمت أنه مراد المحدثين فليس محلا للسؤال ولا الجواب. "السؤال الثاني" مما يرد على المحدثين على تقريرهم رد المرسل "أن يقال" لأهل الحديث "أنتم قد أجزتم العمل بالحديث متى قال الحافظ الثقة إنه حديث صحيح وعلى هذا عمل المتأخرين وقد تقدم نصهم على جوازه" حيث قسموا الصحيح إلى سبعة أقسام منها ما حكم إمام بصحة الحديث بل تقدم عن ابن الصلاح أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأزمنة بل عليه أن يرجع إلى ما صححه القدماء "مع أن يحتمل أن يصحح الثقة الحافظ حديث المجهول والصدوق المغفل إذا لم يتحقق أن خطأه أكثر من صوابه أو نحو ذلك مما اختلف فيه أهل العلم وجاز على الثقة الحافظ أن يذهب إليه فإذا جاز العمل به مع هذه الاحتمالات جاز العمل بحديث المرسل مع تلك الاحتمالات" من غير فرق. "ولهم" أي المحدثين "أن يجيبوا" عن هذا السؤال "فيقولوا: أما قدماء الحفاظ فلم يعرف عنهم بالنص أنهم كانوا يجيزون ذلك" أي تصحيح أحاديث من ذكرتم "والصحيح أنه لا يكون العالم مجتهدا مع تقليده في تصحيح الحديث" لجواز أن من قلده في تصحيح الحديث بنى ذلك التصحيح على قواعد مخالفة فيها فيكون قد بنى

اجتهاده على تقليد غيره "وإنما يكون" من قلد غيره في تصحيح الحديث "مرجحا لا سوى". اعلم أنه تقدم للمصنف كلامان متناقضان في هذه المسألة ولنوف البحث حقه فيها فإنه لا غناء للناظر من تحقيقها وقد كنت كتبت فيها رسالة جواب سؤال سميتها إرشاد النقاد إلى تيسر الاجتهاد اشتملت على فصول تتعلق بأطراف سؤال ورد في غير ذلك فنذكر هنا ما يتعلق بالبحث هذا كما وعدنا به فيما سلف فنقول: قد عرفنا أنهم رسموا الصحيح بأنه الذي اتصل إسناده بنقل العدل التام الضبط عن مثله مع السلامة من الشذوذ والعلة فإذا قال العالم الحافظ كالبخاري مثلا هذا حديث صحيح فمعناه أنه متصل الإسناد وأن رواته كلهم عدول تام ضبطهم لم يخالف فيه الثقة ما رواه الناس وليس فيه أسباب خفية طرأت عليه تقدح في صحته فقوله صحيح يتضمن الإخبار بالجمل الخمس وقد تقرر بالبرهان الصحيح قبول خبر العدل وتقرر به أيضا أن قبوله ليس من باب التقليد كما عرف ذلك في أصول الفقه وقدم المؤلف ذلك فأخبار العدل بأنه حديث صحيح إخبار بعدالة رواته وتمام حفظهم وعدم شذوذ ما رووه وعدم إعلاله ولا يخفى أن قبول خبره قد يفيد بأنه سواء دل على تعديله بالتضمن أو التزام أو المطابقة وقد جعل أئمة الأصول والحديث من طرق التعديل حكم مشترط العدالة بالشهادة وعمل العالم بروايته ورواية من لا يروي إلا عن عدل ومعلوم أن دلالة هذه الطرق على عدالة الشاهد والراوي إلزامية فقول الثقة حديث صحيح يتضمن إخباره بالأمور الخمسة التي ذكرناها بالتضمن بل قول المعدل فلان عدل عبارة عن أنه آت بالواجبات مجتنب للمقبحات فلفظ عدل دل بالتضمن على الأخبار بالعدالة فكما أنا حكمنا بأن قوله عدل أو ثقة خبر يجب قبوله وليس قبوله تقليدا كذلك قوله صحيح. فإن قلت: إخباره بأن الحديث صحيح إخبار بما ظهر له ويحتمل أنه في نفس الأمر باطل. قلت: وكذلك إخباره بأن زيدا عدل إخبار عن ظنه بأن آت بالوجبات مجتنب للمقبحات بحسب ما رآه أو أخبر به مع جواز أنه في نفس الأمر غير مسلم وقد أمرنا بقبول خبر المعدل بأن فلانا عدل مثلا فهذه التجويزات لا نكلف بها على أن البخاري مثلا ليس معه في كون الرواة الذين لم يلقهم وهم شيوخ شيوخه عدولا إلا

إخبار العدول بأنهم ثقات حفاظ فقبولنا لخبره بأن الحديث قد عدلت نقلت: هـ كقبوله لأخبار الثقات بأن الرواة الذين رووا عنهم حفاظ ثقات فكما أنهم لا يجعلون البخاري مقلدا في التصحيح مع أن عدالة من صحح أحاديثهم متلقاة عن إخبار من قبله فكذلك نحن في قبولنا لأخباره بعدالة رواة الحديث الذي صححه. وأنت إذا نظرت إلى أئمة النقاد كالحاكم أبي عبد الله وأبي الحسن الدارقطني وابن خزيمة ونحوهم كالحافظ المنذري وجدت تصحيحهم لأحاديث قوم وتضعيفهم لأحاديث آخرين دائرا على الاستناد إلى كلام الحفاظ فبلهم كيحيى بن معين وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم من أئمة هذا الشأن وأنه ثبت لهم عنهم أو عن أحدهم الأخبار بأن فلانا حجة أو عدل أو ثبت أو نحوها من عبارات التعديل وكذلك التضعيف يدور على إخبار أولئك وأمثالهم بأن فلانا كذاب أو نحوه ثم حكموا بصحة الحديث أو ضعفه مستندين في الأمرين على إخبار من قبلهم ألا ترى أنه تجنب الرواية عن ابن اسحق جماعة من أئمة الصحيح لكلام مالك وقدحه فيه وتجنب الرواية عن الحارث الأعور من تجنبها لقدح الشعبي فيه مع أنهم لم يلاقوا الحارث ولا ابن اسحق وإنما قبلوا أخبار من لاقاهم فعرفت أن البخاري ومسلما مثلا لم يلقيا إلا شيوخهما وبين شيوخها إلى الصحابة وسائط كثيرون اعتمدوا في توثيقهم وعدمه على الرواية عن الأئمة من قبلهم. فإذا كان الواقع من مثل البخاري من تصحيحه الأحاديث تقليدا لأنه بناه على إخبار غيره عن أحوال الرواة الذين صحح حديثهم كان كل قابل لخبر من أخبار الثقات مقلدا وإن كان الواقع من التصحيح من البخاري مثلا اجتهادا مع بنائه على قبوله لأخبار من قبله عن صفات الرواة فيكون أيضا قبولنا الخبر البخاري عن صحة الحديث المتفرع عن إخبار الثقات اجتهادا فإنه لا فرق بين الأخبار بأن هؤلاء الرواة ثقات حفاظ وبين الأخبار بأن الحديث صحيح وإلا بالإجمال والتفصيل وكأهم عدلوا عن التفصيل إلى الإجمال اختصارا أو تقريبا لأنهم عقبوا كل حديث بقولهم رواته عدول تاموا الضبط ورووه متصلا ولا شذوذ فيهولا علة لطالت مسافة الكلام وضاق نطاق الكتاب الذي يؤلفونه من الاستيفاء لأحاديث الأحكام فضلا عما سواها من الأحاديث على أن هذا التفصيل لو جاءوا به لا يخلو عن الإجمال إذ لم يذكر فيه كل راو على انفراده بصفاته بل التحقيق أن قولهم عدل مراد به آت بالواجبات مجتنب للمقبحات

محافظ عل المروءات فهو أيضا غير مفصل للمراد كما ذكرناه. فإن قلت: من شرائط الصحة السلامة عن الشذوذ والعلة وليس مدار هذين الأمرين الأخبار بل التتبع لطرق الأسانيد والمتون. قلت: أما أولا فالشذوذ والإعلال نادران والحكم للغالب لا للنادر ألا ترى أن الراجح العمل بالنص وإن جوز أنه منسوخ عملا بالأغلب وهو عدم النسخ وقد تقدم للمصنف أن ظاهر الحديث المعل السلامة عن العلة حتى تثبت العلة بطريق مقبولة. وأما ثانيا فإن قول الثقة هذا حديث صحيح أي غير شاذ ولا معل إخبار منه أيضا بأنه لم يقع في رواته راو ثقة خالف الناس فيهولا وجدت فيه علة قادحة وهذا في الحقيقة خبر عن الراوي بصفة زائدة على مجرد عدالته وضبطه أو إخبار عن حال المتن بأن ألفاظه مصونة عن ذلك وليس هذا خبرا عن اجتهاد بل عن صفات الرواة والمتون وفي التحقيق هي أخبار عائدة إلى تمام ضبط الرواة وتتبع مروياتهم حتى أحافظ بألفاظها فالكل عائد إلى الأخبار عن الغير لا عن الاجتهاد الحاصل من دليل ينقدح للمجتهد به رأي وإذا كان خبرا فوجوب قبوله اجتهاد لا تقليد. فإن قلت: قد أشار المصنف إلى وجه كون قبول تصحيح الغير تقليدا له في التصحيح بأنه قد اختلف العلماء في شرائط القبول للتصحيح وقد يبني تصحيحه على شرط يراه من تابعه على تصحيحه ليس شرطا أو العكس. قلت: التحقيق أنه قد وقع الإجماع على أنه يشترط في الرواة الصدق والضبط لروايته وفي ديانته يشترط أن يغلب خيره على شره هذا أمر مجمع عليه ومنهم من زاد شروطا وهي السلامة من البدعة والمحافظة على المروءة وجعل العدالة اسما لما لا يكاد يتحقق إلا في معصوم وقد بينا في رسالة ثمرات النظر في علم الأثر الأدلة على ما قررناه هنا من أن الشرط هو الأمران وأنه محل وفاق وأنه من شرط تلك الشروط لم يتم له الوفاء بها بل قبل خبر المبتدع بقدرو إرجاء ونصب ورفض إذا كان صدوقا وقد بسطنا هنالك ما يجزم الناظر فيه بأنه الحق فمن قال إن فلانا عدل أفادنا خبره أنه صدوق وأن خيره غالب على شره وهو الذي يقبل عندنا والذي قام عليه الاتفاق وإن رمى ببدعة قدر ونحوها فإنها لا تقدح في رواية الصدوق. وإذا عرفت هذا تحصل لك أن من قبل خبر الثقة في التصحيح فهو مجتهد في قبول خبره كما يقبل سائر الأخبار عن الثقات ولا يكون بقبولها مقلدا والحمد لله ولم

نعلم أنا سبقنا إلى هذا التقرير. "وأما المتأخرون" عطف على قوله أما قدماء الحفاظ وهم الذي تقدم نصهم على جواز العمل بتصحيح الثقة "فلهم" في الاعتذار عن العمل بتصحيح الغير "أن يقولوا إنا لا نجوز العمل بتصحيح الثقة الحافظ إلا حيث قد عرفنا مذهبه في شرائط قبول الأخبار فعرفنا أنه لا يقبل المجهول ولا الصدوق السيئ الحفظ ولا غير ذلك من المواضع المختلف في قبولها" الظاهر أن هذا لا بد منه كما أنا لا بد أن نعرف مذهب من يخبر بعدالة المجهول. "ولهذا" أي لأجل شرط معرفة مذهب الثقة الحافظ "فإنهم لا يكتفون بتصحيح الحاكم أبي عبد الله في المستدرك" لما عرف من تساهله ورأيه في جعل الحسن صحيحا "إلا من يذهب مذهبه في تصحيح الحسان بل في تصحيح بعض الأحاديث التي يجوز بل يجب قبولها على قواعد كثير من الفقهاء والأصوليين وهذا جواب صحيح لكنه يتضمن الإقرار بقبول بعض المراسيل فإن الثقة الحافظ على كلامهم متى قال هذا إسناد صحيح ولا علة له وجب قبوله وإن لم يرولنا ذلك الإسناد الذي حكم بصحته وأي فائدة لنا في مجرد سماع أسماء الرواة" التي سردها الثقة "إذا كان يجوز لنا العمل بالحديث والرواية له من غير بحث عن رجاله" لعدم الفائدة إذ البحث عنهم. لي إلا لنعرف صحة الحديث أو عدمها وإذ قد أخبر الثقة أنه صحيح فقد تضمن خبره أنهم ثقات فهو كما لو أخبرنا عن كل واحد أنه ثقة لم يبق لنا حاجة إلى البحث عنهم. "فثبت بهذا أن المتأخرين من المحدثين قد وافقوا على قبول بعض المراسيل" قلت: بل المتقدمون قد قبلوا تزكية من تقدسهم من الرواة وبنوا على ذلك تصحيح الحديث وتضعيفه فقبول المتأخرين للثقة في قوله إن المرسل صحيح كقبول المتقدمين للثقة في تزكية الرواة وغاية الفرق أنه في المرسل تزكية ضمنية وفي المسند تزكية مطابقية كما قررناه فلا عذر عن قبول المرسل الذي صححه "وهو ما نص على صحته ثقة عارف بهذا الشأن" يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة إلا أن هذا شرط عزيز وإنما قال قد وافقوا على قبوله "لارتفاع العلل الموهنة للمراسيل عن هذا النوع منها كما وافقوا على قبول مراسيل الصحابة لمثل ذلك" ومراده بمراسيل الصحابة هو ما إذا صرح الصحابي بأنه لم يسمع الحديث منه صلى الله صلى الله عليه وسلم وإلا فقد عرفت من تعريف المرسل أنه لا

يدخل تحته رواية الصحابة إلا عن رأي غير المحدثين. "وبهذا تعرف أن القصد حصول الثقة بصحة الحديث لا مجرد الإسناد" فإن الإسناد إنما يحتاج إليه لينظر في رجاله فيصحح الحديث أو يضعف "و" يعرف "أن المرسل حيث يكون كذلك" أي مصححا "مقبول مثل ما ذهب إليه الشافعي في المراسيل كما تقدم أو مثل ما اتفق عليه جماهير العلماء والمحدثين فيما علقه البخاري تعليقا مجزوما به" فإنهم قبلوه لاشتراطه الصحة كما سلف وقد حصل الشرط في المرسل الموصوف وفي العلق بل المعلق مرسل على رأي بعض أئمة الأصول وتقدم تحقيق الكلام في تعاليق البخاري فتذكر. "ومثل ما ذكرنا من الاكتفاء بتصحيح أئمة الحديث فهذا" أي قبول مراسيل من صحح المرسل "إذن محل اجتهاد وكل واحد يعمل بظنه ولا حرج" هذا عود إلى أن العامل بتصحيح الأئمة للحديث مجتهد كما قررناه "ولله الحمد والمنة". "وقد استحب المحدثون على الإسناد في هذه الأعصار وإن أمكن الاستغناء عنه" بما صححه الأئمة وإنما استحبوه "لوجوه" ثلاثة: "أحدها: تمكين من لم يستجز الاكتفاء بتصحيح الثقة من النظر في الإسناد" بذكر رجاله "على رأي من ذهب إلى أن هذا ممكن" وهو غير ابن الصلاح ومن تبعه "كما تقدم" وتقدم ما فيه. الوجه "الثاني: تمكين من استجاز ذلك" أي الاكتفاء بتصحيح الثقة "من مرتبة النظر في الأسانيد المقوية للظن وإن لم تكن واجبة" لأنه مع الاكتفاء بما ذكر حصل له ما يجب عليه العمل به "فهي مرتبة شريفة مستحبة بغير شك" إذ العلم التفصيلي وإن أغنى عنه العلم بالجملى فإنه مستحب قطعا. الوجه "الثالث: بقاء سلسلة الإسناد المخصوص بهذه الأمة المكرمة" فإنها قد رويت آثار باختصاصها به. "ويلحق بها" أي بمسألة المراسيل "فائدتان: إحداهما: أن الإسناد إذا كان فيه عن رجل أو شيخ فهو منقطع لا مرسل في عرف المحدثين" هكذا ذكره ابن الصلاح "قاله الحاكم" ونقله زين الدين وزاد قوله: "وابن القطان في بيان الوهم والإيهام". وقال الحافظ ابن حجر: فيه أمران:

أحدهما: أنه لم ينقل كلام الحاكم على وجهه وذلك أن كلام الحاكم يشير إلى تفصيل فيه وهو أنه إن كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو منقطعا وإن روي من طريق مبهمة وطريق مفسرة فلا يسمى منقطعا لمكان الطريق المفسرة وذلك أنه قال في نوع المنقطع وقد يروى الحديث وفي إسناده رجل ليس يسمى ولا يدخل في المنقطع مثاله رواية سفيان الثوري عن داود بن أبي هند قال حدثنا شيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يخير الرجل فيه بين الفجور والعجز فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز" 1 قال ورواه وهب بن خالد وعلي بن عاصم عن داود بن أبي هند قال حدثني رجل من جديلة يقال له أبو عمر عن أبي هريرة رضي الله عنه به قال الحاكم2: فهذا النوع الوقوف عليه متعذر إلا على الحفاظ المتبحرين. قلت: فتبين بهذه الرواية المفسرة أنه لا انقطاع في رواية سفيان وأما إذا جاءت رواية واحدة مبهمة فلم يتردد الحاكم تسمية منقطعا وهي قضية صنيع أبي داود في المرسل وغيره. الثاني: أنه لا يخفى أن صورة المسألة أن يقع ذلك من غير التابعي أما لو قال التابعي عن رجل فلا يخلو إما أن يصفه بالصحبة أولا إن لم يصفه بها فلا يكون ذلك متصلا لاحتمال أن يكون تابعيا آخر بل هو مرسل على بابه وإن وصفه بها فإن كان التابعي سالما عن التدليس حملت عنعنته على السماع انتهى. "وأما الجويني فقال وقول الراوي أخبرني رجل أو عدل موثوق من المرسل أيضا قال" الجويني "وكذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يسم حاملها ذكره في البرهان" قال فيه وإنما ألحق هذا القسم بالمرسلات من جهة الجهل بناقل الكتب ولو ذكر من يعزو الخبر إلى الكتاب ناقل الكتاب وحامله التحق الحديث بالمسندات. انتهى. "قال زين الدين: وفي كلام غير واحد من أهل الحديث أنه متصل" إلا أنه يقال "في إسناده مجهول وحكاه الرشيد المطار في الغرر المجموعة عن الأكثر واختاره شيخنا الحافظ أبو سعيد" يريد العلائي "في كتاب جامع التحصيل انتهى" كلام زين الدين.

_ 1 رواه الحاكم في: معرفة علوم الحديث ص 28. 2 معرفة علوم الحديث ص 28.

"قلت: وهو الصحيح لأن من قال عن شيخ أو رجل فقد أحال السامع إلى رواية مجهولة فلا يحل له العمل بالحديث بخلاف المرسل" اسم فاعل "الذي جزم برفع الحديث" وكان لا يرسل إلا عن عدل. "الفائدة الثانية مراسيل الصحابة مقبولة عندنا وعند المحدثين وعند الأكثرين من طوائف العلماء" وهذا كما عرفت على اصطلاح غير المحدثين أو الأكثر منهم فإنهم ليس المرسل عندهم إلا ما سلف رسمه أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وقد تقدم دعوى ابن عبد البر الإجماع على ذلك" تقدم للمصنف الاستدلال بإجماع الصحابة على قبول مرسل الصحابي وعن ابن جرير الطبري نقل إجماع التابعين. "قال زين الدين: وقد ادعى بعض الحنفية الإجماع عليه وهو غير جيد" قال: "فقد خالف فيه الإسناد أبو اسحق الإسفراييني" فلت لم ينفرد به الأستاذ بل قال القاضي أبو بكر الباقلاني وصرح في التقريب بعدم قبول المرسل مطلقا وتقدم التعليل بأنه ليس لأجل الشك في عدالة الصحابة بل لأنهم قد يروون عن التابعي مغلوبة كما يأتي. "قال: وتعليل ابن الصلاح لذلك بأن روايتهم عن الصحابة" مقبولة لأن الصحابة لا يرسلون إلا عن صحابة مثلهم وقد تقرر عدالة فتقبل مراسيلهم تعليل "غير جيد" لما يفيده قوله "والصواب أن يقال: إن غالب روايتهم عن الصحابة" لا كلها "إذ قد سمع جماعة من الصحابة عن بعض التابعين وسيأتي في كلام ابن الصلاح في رواية الأكابر عن الأصاغر أن ابن عباس وبقية العبادلة" وهم ابن عمر وابن عمرو بن العاص وابن الزبير وليس منهم ابن مسعود وغلط الجوهري قاله في القاموس "رووا عن كعب الأحبار وهو من التابعين" بالحاء المهملة والموحدة في القاموس كعب الحبر ويكسر ولا يقال الأحبار وفي نسيم الرياض يقال كعب الأحبار وكعب حبر بكسر الحاء وفتحها وقوله في القاموس ولا يقال كعب الأحبار غير صحيح انتهى. "وروي أيضا كعب عن التابعين" فقد تأخذ عنه العبادلة ما رواه عن التابعين. "وقد ذكر ابن حجر أن بعض الصحابة روى حديث بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم: ستة رواة وأن ذلك أكثر ما وجد من هذا القبيل" قد قدمنا لك أن هذا وإن وقع فإنه نادر مغلوب والحكم للغالب على أنه لا يتم إلا في روايات صغار الصحابة أما كبارهم فأخذهم عن التابعين مستبعد جدا.

مسألة (30) : في فوائد تتعلق بالمرسل

مسألة: 30 [في فوائد تتعلق بالمرسل] "ويلحق بهذا فوائد" ثلاث: "الأولى: أن هذا الكلام كله في ما لم تتعارض" أي المراسيل "وعند التعارض يجب البحث عن الأسانيد لوجوب الترجيح حينئذ بالإجماع وتوقف الترجيح حينئذ على النظر في الأسانيد" يقال قد تقدم أن ما صححه الشيخان أرجح مما صححه غيرهما فقد يكون المرسل حكم بصحته الشيخان فيرجح على ما عارضه من مرسل حكم بصحته أحد الأئمة غيرهما وكذا تقدم ما حكم البخاري بصحته كتعاليقه المجزومة على ما قالوه على مرسل صححه مسلم ونحوه ذلك فهذا ترجيح من غير احتجاج إلى النظر في الأسانيد وكأنه يريد المصنف ذكر الأغلب. "و" الفائدة "الثانية: من اختصر بعض المسندات فحذف أسانيدها لم يكن له حكم المراسيل" وذلك كما صنعه ابن الأثير في الجامع الكبير ثم من تبعه في حذف أسانيد الأمهات وكذلك صنيع الحافظ السيوطي في جامعه الكبير والصغير ومن تبعه "لأن العهدة عند المختصر على الراوي الأول والراوي الأول قد أسند ومن أسند ولم يصحح لم يتحمل عهدة" لأنه قد أحال الناظر على النظر في رجال كتابه وأما من صحح من الشيخين فالعهدة عليهما. والفائدة "الثالثة من اعتقد أن العلماء لا يروون إلا عن عدول كان مرسله أضعف المراسيل أو كان غير مقبول وأمثلهم" أي المرسلين "من يشترط تصريح العالم أنه لا يروى إلا عن ثقة من غير أن يعرف مذهبه" أي مذهب المشترط في إرساله عن الثقة "في التوثيق" أما إذا عرف مذهبه فيه فإنه قد أبان عمن يرسل. "ثم" أمثلهم بعد ذلك "من يشترط أن تكون عادته الرواية عن العدل من غير تصريح" كأنه يريد من غير أن يصرح في روايته بتعديله بأن يقول أخبرني العدل.

"ثم" أمثلهم "من لا يشترط العادة" وهو آخر رتب الأمثلية في الإرسال. "ومن طالع تراجم العلماء علم ما في هذا المذهب" وهو اعتقاده أنه لا يروى العلماء إلا عن عدل "من المفسدة" وهي وجود روايات عن العلماء من غير طريق العدول "فقد روى مالك" في الموطأ "عن" عبد الملك بن "أبي المخارق" بالخاء المعجمة آخره قاف "وهو متكلم عليه" قال المصنف في العواصم قال ابن عبد البر المالكي المجتهد في تمهيده كان مجمعا على تجريحه ولم يرو عنه مالك إلا حديثا واحدا في وضع الأكف وقد رواه من طريق صحيحة فرواه في الموطأ عن أبي حازم التابعي الجليل عن سهل بن سعد الصحابي انتهى ولم أجده في الميزان. "و" روى "الشافعي عن ابن أبي يحيى" هو إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي فال ابن عبد البر في التمهيد أجمعوا على تجريح ابن أبي يحيى قال المصنف في العواصم قلت: أما الإجماع على تجريحه فلا فقد وافق الشافعي على توثيقه أربعة من الحفاظ وهم ابن جريج وحمدان بن محمد الأصبهاني وابن عدي وابن عقدة الحافظ الكبير لكن تضعيفه قول الجمهور بلامرية انتهى. "والزنجي" بالزاي والجيم وهو مسلم بن خالد المخزومي المعروف بالزنجي وقال ابن حجر في تقريب التهذيب صدوق كثير الأوهام "وقد تكلم عليهما" وقد سمعته. "و" روى "أحمد بن حنبل عن عامر بن صالح" ابن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام وانفرد بتوثيقه حتى قال أبو داود سمعت يحيى بن معي يقول جن أحمد يحدث عن عامر بن صالح قال الذهبي لعل أحمد ما روى عن أو هي منه وإنما روى عنه أحمد لأنه لم يكن عنده يكذب وكان عالما بالفقه والعلم والحديث والنسب وأيام العرب وقال أبو حاتم ما أرى بحديثه بأسا "وغيره" ممن ضعف وهؤلاء الثلاثة الأئمة هم الذين يعرفون باشتراط العدالة وقد رووا عن المجاريح فلا يوثق بإرسال من يشترط العدالة. واعلم أنه قد عيب على الشافعي ذلك وأجيب عنه بأنه قد يعتري الحافظ الشك في التعيين أي تعيين اسم من روى عنه مع عدم شكه في عدالته فيتورع عن التعيين احتياطا وقال ابن الصباغ في العدة إن الشافعي إنما يطلق ذلك في ذكره لأصحابه أن الحجة عنده في هذا الحكم لا في مقام الاحتجاج به على غيره وكذا قال القاضي أبو الطيب قال وقد قيل إنه كان قد أعلم أصحابه بذلك قال ابن حبان إنه إذا قال

الشافعي أخبرني الثقة عن ابن أبي ذئب فهو ابن أبي فديك أو عن الليث فهو يحيى بن حسان أو عن الوليد بن كثير فهو عمرو بن أبي سلمة أو عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد الزنجي أو عن صالح مولى التوأمة فهو إبراهيم بن أبي يحيى ذكر هذا البرماوي في شرح ألفيته في أصول الفقه ثم نقل أقوالا غير هذه فيما يريده الشافعي بالثقة قلت: وكلها تخمين وتظنن. "و" روى "أبو حنيفة عن غير واحد من الضعفاء والمجاهيل" أي عن جماعة كثيرة. "و" روى "الإمامان الهادي" يحيى بن الحسين بن القاسم "والقاسم" بن إبراهيم المعروف بالرسي "عن حسين بن عبد الله" أي "ابن ضميره" عن أبيه عن جده كذا في نسخ التنقيح وفي الميزان الحسين بن عبد الله بن أبي ضميره سعيد الحميري المدني روى عن أبيه وعنه يزيد بن الخيار وغيره كذبه مالك وقال أبو حاتم متروك الحديث كذاب وقال أحمد لا يساوي شيئا وقال ابن معي ليس بثقة ولا مأمون وقال البخاري منكر الحديث ضعيف وقال أبو زرعة ليس بشيء قاله في الميزان. "و" روى الإمامان أيضا عن "أبي هرون عمارة خوين" الخاء المعجمه آخر نون بزنه التصغير "العبدي" قال في الميزان تابعي لين بمره كذبه حماده بن زيد وقال شعبه لان أقدم فتضرب عنق أحب ألي من أن أحدث عن أبى هرون وقال أحمد ليس بشيء وقال ابن معين ضعيف لا يصدق في حديثه قال النسائي متروك الحديث "وقد تكلم عليهما" على الحسن بن أبي ضميرة وعلى أبي هرون كما عرفت "والرواية عنهما في الأحكام" للإمام الهادي "وهي عن أبي ضميره" كثيرة "بل لا يسندان" الفتح وحفيده الهادي "عن غيره غالبا وكذا روى الهادي في المنتخب عن كادح" بالمهملتين "ابن جعفر" في المميزان رجلان كل واحد منهما اسمه كادح بن جعفر الأول يروي عن ابن لهيعه قال أبو حاتم صدوق وقال الأزدى ضعيف وقال أحمد بن حنبل رجل صالح خير فاضل والآخر كادح بن جعفر أبو أحمد عن سفيان الثوري قال الأزدي وغيره كذاب انتهى ولا أدري أيهما أراد المصنف ولعله الآخر. "و" كذا روى الهادي أيضا "عن حسين بن عبد الله بن عباس" قال في الميزان إنه روى عن ربيعة بن عباد وكريب وعكرمة وعنه ابن جريج وابن المبارك وسليمان بن بلال وجماعة قال ابن معين ضعيف وقال أحمد له أشياء منكرة وقال البخاري:

قال علي تركت حديثه وقال أبو زرعة وغيره ليس بقوي وقال النسائي متروك وقال ابن معين مرة ليس بأس يكتب حديثه وقال الجوزجاني لا يشتغل به. "و" روى الهادي أيضا "عن عمرو بن شعيب" عن أبيه عن جده وهو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص كان عمرو أحد علماء زمانه أخذ عن أبيه وطاووس وسليمان بن يسار وآخرين وروى عنه أمم ووثقه ابن معين وصالح حزرة وابن راهوية وقال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كأيوب عن نافع عن ابن عمر وقال أبو عبيد الآجري قيل لأبي داود عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة قال لا ولا نصف حجة وقال أحمد بن حنبل له أشياء مناكير وإنما يكتب حديثه ليعتبر به وأما أن يكون حجة فلا وقال أبو زرعة وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده وقال إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها وقد أطال الذهبي في الميزان في شأنه وذكر كلام الناس فيه ثم قال إنه ثبت سماع عمرو بن شعيب من جده وهو الذي وباه وروايته عن أبيه عن جده ليست مرسلة ولا منقطعة أما كونها وجادة أو بعضها سماعا وبعضها وجادة فهذا محل نظر ولسنا نقول إن حديثه من أعلى أقسام الصحيح بل هو من قبيل الحسن انتهى كلامه وعرفت معنى قوله "وفي كل منهم كلام" وسمعته. "وروى السيد أبو طالب عن محمد بن الأشعث المتأخر" لم أجده في الميزان فينظر وروى أيضا أبو طالب "عن داود بن سليمان الغازي" في الميزان داود بن سليمان الجرجاني الغازي عن علي بن موسى الرضي وغيره كذبه يحيى بن معين ولم يعفه أبو حاتم وبكل حال فهو شيخ كذاب. "وروى السيد المؤيد بالله عن نعيم" هو ابن سالم بن قنبر كذبوه ومن طريقه روى المؤيد بالله صلاة الفرقان. "ورويا" أبو طالب والمؤيد "وأحمد بن عيسى وغير واحد من أئمتنا عن حسين بن علوان الكلبي" قال الذهبي روى عن الأعمش وهشام بن عروة وقال يحيى بن معين كذاب وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني متروك الحديث وقال ابن حبان يضع الحديث على هشام وغيره ولا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب وساق أحاديث عن منا كيره. "و" روى أئمتنا أيضا "عن أبي خالد الو اسطي" قال الذهبي يقال اسمه عمرو

حدث عن زيد بن علي كذبه أبو حاتم وقال وكيع كان في جوارنا يضع الحديث فلما فطن له تحول إلى واسط وروى عياش عن يحيى قال كذاب ومثله عن أحمد بن حنبل ومثله عن الدارقطني. "وروى السيد أبو عبد الله" الحسني "عن" الشيخ "الأشبح بن أبي الدنيا" في الميزان أبو الدنيا الأشبح المعري كذاب طرفي كان بعد الثلاثمائة ادعى السماع من علي بن أبي طالب اسمه عمران ابن خطاب. انتهى. "وكل هؤلاء" الخمسة "متكلم عليه" بما عرفناك "منسوب إلى تعمد الكذب مجمع على ذلك في أكثرهم بين أئمة الحديث" وقد سمعته "من الشيعة والسنية" فلا يتوهم أن القدح فيهم خاص بالسنية "بل لم تسلم رواة البخاري ومسلم مع شدة العناية" من الشيخين "في تنقيتهم" وقد عرفت ما قيل في رجال الشيخين مما قدمناه في أوائل الشرح. وإذا عرفت ما ساقه المصنف إلى هنا علمت اختلال القول بأن رواية العدل تعديل وتبين لك أنها قاعدة غير صحيحة ولا ينبغي الاعتماد عليها والتعويل وإن قال ابن الحاجب في مختصر المنتهى إن المختار إذا كان لا يروي إلا عن عدل فإن هذا الشرط لا يتم الوفاء به لأحد من أئمة الحديث وغيرهم. * * *

مسألة (31) : في بيان المنقطع والمعضل

مسألة: 31 [في بيان المنقطع والمعضل] "المنقطع والمعضل" جمعهما المصنف لتقاربهما وإلا فهما نوعان مستقلان جعلهما ابن الصلاح كل نوع على حدة والمعضل بالضاد المعجمة مفتوحة اسم مفعول مأخوذ من أعضله بمعنى أعياه "اختلفوا في صورتيهما" على أقوال في المنقطع. الأول: "قال زين الدين: وابن الصلاح" لو قدمه لكان أولى "فالمشهور أن المنقطع ماسقط من رواته راو واحد غير الصحابي انتهى" إذ لو كان الساقط الصحابي لكان مرسلا واعلم أنهم يعلون الحديث بالانقطاع وتارة يضعفون به الإسناد ذكره زين الدين ولم يذكره ابن الصلاح نعم في: كلامه ما يفيد في الجملة. والثاني: قوله: "وحكى الحاكم وغيره من أهل الحديث أنه" أي المنقطع "ما سقط منه قبل الوصول إلى التابعي شخص واحد وإن كان" الساقط "أكثر من واحد" اثنان فصاعدا وهي عبارة الزين "في موضع واحد سمي معضلا وإلا يكن" أكثر من واحد "فمنقطع في موضعين" هذا ظاهر العبارة وليس هذا المفاد هو المراد بل المراد وإلا يكن الساقط هو المتصف بأنه أكثر من واحد في موضع واحد بل كان في موضعين مختلفين مفترقين فهو منقطع في موضعين كما تدل له عبارة الزين فإنه قال: أما إذا سقط واحد من بين رجلين ثم سقط من موضع آخر من الإسناد واحد آخر فهو منقطع في موضعين ثم قال: ولم أجد في كلامهم إطلاق المعضل عليه وإذا كان الانقطاع بأكثر من اثنين قيل منقطع بثلاثة أو أربعة أو نحوهما. "ويسمى المعضل أيضا منقطعا فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا" إذ قد شرط فيه سقوط راو غير صحابي والمعضل شرط فيه سقوط أكثر من واحد في موضع واحد فقد صدق على ما سقط فيه أكثر من واحد أنه سقط فيه الواحد, فكل ما سقط أكثر من واحد فهو منقطع ومعضل وأما ما لم يسقط فيه غير واحد فهو منقطع

لا غير فعلى هذا كان ينبغي أن يرسم المنقطع بأنه: ما سقط من رواته راو أو أكثر سواء كان على جهة التوالي أو لا. "قال الزين" بعد كلام الحاكم "فقول الحاكم قبل الوصول إلى التابعي ليس بجيد فإنه لو سقط التابعي لكان منقطعا" اعلم أن الحاكم ذكر في النوع التاسع من أنواع علوم الحديث أن المنقطع ثلاثة أنواع ثم قال: مثال نوع منها ثم ساق حديثا فيه عن أبي العلاء وهو ابن الشخير عن رجلين من بني حنظلة عن شداد بن أوس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث1 ثم قال هذا الإسناد مثل نوع من المنقطع للجهالة بالرجلين بين أبي العلاء بن الشخير وشداد بن أوس ثم قال وشواهده في الحديث كثيرة. ثم قال وقد يروي الحديث وفي إسناده رجل غير مسمى وليس بمنقطع ثم ساق حديثا فيه حدثنا شيخ عن أبي هريرة وذكر حديث: "يأتي على الناس زمان بخير الرجل ... ", الحديث قد قدمناه2 ثم قال وقد يسمى ذلك الرجل في رواية فإذا هو أبو عمرو والجدلي قال فهذا النوع من المنقطع الذي لا يقف عليه إلا الحافظ المتبحر الفهم. والنوع الثالث: من المستفيض المنقطع الذي يكون في الإسناد رواية راو لم يسمع من الذي يروى عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي ثم ذكر مثاله فهذا كلام الحاكم في جعل الأنواع الثلاثة من المنقطع وابن الصلاح نقل كلام الحاكم وجعل نوعين من المنقطع وهما ما سقط منه راو وهو ثالث أنواع الحاكم والثاني: الإسناد الذي يذكر بعض رواته بلفظ منهم نحو رجل أو شيخ أو نحوهما وذكر مثاله وأدرج الأول في الثاني3. إذا عرفت هذا فالمصنف لم يذكر إلا نوعا واحدا مما ذكره الحاكم وابن الصلاح ذكر نوعين وأدخل الأول في الثاني: وقد تقدم للمصنف أن الإسناد الذي فيه عن رجل أو شيخ من المنقطع عند الحاكم ومن المتصل الذي في إسناده مجهول عند غيره واختاره فلهذا حذفه هنا وبني على دخول الأول في الثاني: فأسقطهما وإنما ذكرت هذا لئلا

_ 1 معرفة علوم الحديث ص 27. 2 سبق تخريجه. 3 معرفة علوم الحديث ص 76, 81.

يهم الناظر أن المصنف فاته ما ذكره ابن الصلاح وأن ابن الصلاح فاته ما ذكره الحاكم وقد نقلا عنه بعض كلامه. الثالث: من صور المنقطع ما أفاده قوله "وقال ابن عبد البر1 المنقطع ما لم يتصل إسناده والمرسل مخصوص بالتابعي" أي أنه ما قال التابعي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سلف "فالمنقطع أعم" لأنه يصدق على المرسل أنه لم يتصل إسناده "والمرسل بعض صور المنقطع" لما عرفت. الرابع قوله "قال ابن الصلاح2: عن بعضهم إن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شاملان". هذا لفظ ابن الصلاح وتثنية خبر كلاهما جائز والأولى إفراده كما في قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف: 33] وقول الشاعر: كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا "لكل مالم يتصل إسناده قال وهذا المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وهو الذي حكاه الخطيب في كفايته3" فهذه أربعة رسوم للمنقطع. قال الحافظ ابن الحجر وفات المصنف يعني ابن الصلاح من حكاية الخلاف في المنقطع ما قاله الإمام أبو الحسن الكيا الهراسي في تعليقه فإنه ذكر فيه أن اصطلاح المحدثين أن المنقطع ما يقول فيه الشخص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ذكر إسناد أصلا والمرسل ما يقول فيه حدثني فلان عن رجل قال ابن الصلاح: هذا لا يعرف عن أحد من المحدثين ولا عن غيرهم وإنما هو كبسه انتهى. قلت: وكأه لما كان من كيسه ترك ذكره هنا. "قال ابن الصلاح4: ومن المعضل قسم ثان وهو أن يروى تابع التابعي عن التابعي حديثا مرقوفا على التابعي وهو معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم: بسند متصل".

_ 1 التمهيد 1/21. 2 علوم الحديث ص80. 3 ص21. 4 علوم الحديث ص 83.

اعلم أن هذا ليس لفظ ابن الصلاح وإنما هو لفظ زين الدين فإنه قال في ألفيته1: والمعضل الساقط منه اثنان ... فصاعدا ومنه قسم ثاني ثم قال في شرحه ومن المعضل قسم ثاني إلى آخره وأما ابن الصلاح فإنه نقله عن الحاكم ولفظه وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثا موقوفا عليه وهو حديث مسند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل ثم ذكر مثاله ثم قال قلت: هذا جيد حسن انتهى. فكان يحسن من المصنف أن يقول قال زين الدين: ومن المعضل قسم ثان لأنه عبارته ثم يحسن تطبيق قوله ابن الصلاح هذا جيد حسن عليه تطبيقا حسنا وأما تطبيقه على قوله قال ابن الصلاح: ومن المعضل ثم يقول "قال ابن الصلاح: وهذا جيد حسن" فإن تطبيقه عليه غير جيد وما كان يحسن من الزين والمصنف عدم التنبيه بأن ذلك من كلام الحاكم وإنما استحسنه ابن الصلاح واستجاده "لأن هذا الانقطاع بواحد" هو الذي بين تابع التابعي والتابعي "مضموما إلى القف على التابعي يشتمل على" تفسير "الانقطاع باثنين" هما "الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى" لأنه قد سقط فيه اثنان على الولاء ثم ورد مسندا متصلا ولا أدري ما وجه الأولوية2 فإن هذا قد ذهب إعضاله بإتيانه من طريق مسندا متصلا والقسم الأول لم يأت إلا معضلا فهو أولى بالإعضال من هذا الذي زال إعضاله في رواته. "قال" ابن الصلاح: "والمحدثون يقولون معضل بفتح الضاد وهو من حيث الاشتقاق مشكل وقد بحثت عنه فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد" قلت: تعقبه السخاوي بأن أعضل بمعنى مستغلق لازم وإنما المتعدي أعضل بمعنى أعيا فإشكال المأخذ باق غير مندفع قال فالأولى أنه من أعضله بمعنى أعياه ففي القاموس عضل عليه ضيق وبه الأمر اشتد كأعضل وأعضله وتعضلا لداء الأطباء وأعضلهم فكأن

_ 1 فتح المغيث 1/75/134. 2 وجه الأولوية أن الذي سقط منه اثنان غير الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم يقال له معضل فالذي سقط منه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصل لأنه منشأ الأحكام والصحابي الملتقى عنه تلك الأحكام قد أدرك من الإعياء مالم يدركه الآخر فكان باستحقاق اسم الإعضال أولى. أنظر حاشية الأجهوري ص 59.

المحدث أعضله وأعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه "ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى" كأنه يريد أنه لم يأت إلا بفتح الضاد فلا التفات إلى غيره قال الشيخ زكرياء واعلم أن معضل يقال للمشكل أيضا هو بكسر الضاد أو بفتحها على أنه مشترك انتهى. وقال الحافظ ابن حجر إنه اعترض على ابن الصلاح مغلطاي بناء على ما فهمه من كلامه أن مراده نفي جواز استعمال معضل بكسر الضاد فقال كأنه يريد أن كسر الضاد من معضل ليس غريبا وليس كذلك لأن صاحب المغرب حكاه في الأفعال عضل الشيء عضلا أعوج يعني فهو معضل. قلت: لم يرد ابن الصلاح نفي ذلك مطلقا وإنما أراد أنه لم يوجد منه معضل بفتح الضاد لأن معضل بكسر الضاد من رباعي قاصر والكلام إنما هو في رباعي متعد وعضل يدل عليه لأن فعيلا بمعنى مفعل إنما يستعمل في المتعدي وقد فسر أعضل بمستغلق بفتح اللام فتبين أنه رباعي متعد وذلك يقتضي صحة قولنا معضل بفتح الضاد وهو المقصود هكذا قرره شيخنا شيخ الإسلام انتهى. فائدة قال الحافظ ابن حجر قد وجدت التعبير بالمعضل في كلام جماعة من الأئمة فيما لم يسقط منه شيء البته فمن ذلك ما قاله محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات صالح الهرابى حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن إبن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيمر بالمربض في البيت فيسلم عليه ولا يقف قال الذهلي هذا حديث معضل لا وجه له إنما هو فعل عائشة رضي الله عنها ليس للنبي صلى الله عليه وسلم فيه ذكر والوهم فيما ترى من ابن لهيعة ثم ساق أمثلة من كلام الأئمة في ذلك ثم قال فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين أو يكون المعضل الذي عرف به المصنف يريد إبن الصلاح وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد وهذا الذي نقلناه من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد يعنون به المستغلق الشديد وبالجملة فالتنبيه على ذلك كان متعينا. واعلم أنه الحافظ ابن حجر أن إبن الصلاح لم يذكر حكم المنقطع كما ذكر حكم المرسل قلت: وكذلك المصنف قال وقد قال إبن السمعاني من منع من قبول المراسيل فهو أشد منعا لقبول النقطعات ومن قبل المراسيل اختلفوا.

قلت: وعلى هذا مذهب من يفرق بين المرسل والمنقطع أما يسمى الجميع مرسلا على ما سبق تحريره فلأنه نقل عن الجوز جاني أنه قال في مقدمة كتابه في المطبوعات المعضل أسوأ حالا من المنقطع والمنقطع أسوأ حالا من المرسل والمرسل لا تقوم به حجة قلت: إنما يكون المعضل أسوأ حالا من المنقطع إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد فأما إذا كان في موضعين أو أكثر فإنه يساوي المعضل في سوء الحال انتهى. * * *

مسألة (32) : في بيان العنعنة وحكمها

مسألة: 32 [في بيان العنعنة وحكمها] "العنعنة هي مصدر عنعن الحديث" أي مصدر جعلى مأخوذ من لفظ عن فلان كأخذهم حولق وحوقل من قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وسبحل من قول سبحان الله. "إذا رواه بلفظة عن من غير بيان" من الراوي "للتحديث والسماع1" إذ لو صرح بهما كان العمدة ما صرح به. "واختلفوا في حكمها" أي العنعنة على قولين: الأول: الاتصال كما قال "فالذي عليه العمل وهو الصحيح الذي ذهب إليه الجماهير من أئمة العلم أنه" أي الحديث المروى بعن "من قبيل الإسناد المتصل بشرط سلامة الراوي من التدليس وشرط ثبوت ملاقاة الراوي لمن روى عنه بالعنعنة" زاد ابن عبد البر شرطا ثالثا لقبوله كما يأتي. "قال ابن الصلاح2: وكاد ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك قال الزين" في شرح ألفيته3 "لا حاجة إلى قوله كاد فقد ادعاه" قلت: لفظه أي ابن عبد البر في مقدمة التمهيد4 اعلم وفقك الله تعالى أنى تأملت أقاويل أئمة الحديث ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة وهي عدالة المخبرين ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا برآء التدليس.

_ 1 أنظر فتح المغيث للسخاوي 1/189. 2 علوم الحديث ص 83. 3 1/78. 4 1/12-14.

ثم قال وهو قول مالك وعامة أهل العلم انتهى ذكره البرماوي في شرح ألفيته في الأصول فعرفت منه أنه إنما ذكر الإجماع على قبوله قال الحافظ ابن حجر ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل قال ولذلك قال ابن الصلاح: كاد انتهى قلت: إذا كان لا يلزم من القبول الاتصال فلا وجه لكاد بل لا وجه للتأيد بكلام ابن عبد البر على الاتصال على أن في النفس شيئا من قول الحافظ لا تلازم فإن غير المتصل لا يقبل لجواز الانقطاع ونحوه فليتأمل ثم بعد كتب هذا رأيت في حاشية البقاعي فقال إنه يلزم من ذلك أي من قبوله أن يكون متصلا كما ذكرناه ولله الحمد. "وادعى أبو عمر الداني" القارئ المشهور الحافظ وهو بالدال المهملة نسبة إلى دانية مدنية من مدن الأندلس "إجماع أهل النقل على ذلك لكنه اشترط أن يكون معروفا بالرواية عنه" نقل هذا عن الداني ابن الصلاح قال الحافظ ابن حجر إنما أخذه الداني من كلام الحاكم ولا شك أن نقله عنه أولى لأنه من أئمة الحديث وقد صنف في علومه وابن الصلاح كثير النقل من كتابه فالعجب كيف نزل عن النقل إلى الداني. انتهى. قلت: ولو نقل كلام الحاكم لكان صريحا فيما ادعاه من الإجماع على الاتصال قلت: عبارة الحاكم بلفظها العنعنة التي ليس فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل وكذا قال الخطيب إلا أن عبارته بلفظ أهل العلم مجمعون على أن قول المحدث غير المدلس عن فلان صحيح معمول به إذا كان لقيه وسمع منه انتهى وكلامه مثل كلام ابن عبد البر لا مثل كلام الحاكم وقال الزين بعد نقل كلام الداني "لكن قد يظهر عدم اتصاله بوجه آخر كما في الإرسال الخفي كما سيأتي" فهذا استدراك لكونه قد لا يطرد اتصال الحديث المعنعن وإن جمع الشروط إلا أنه نادر والحمل على الاتصال هو الأصل. "وما ذكرناه من اشتراط ثبوت اللقاء" يبين الراوي ومن عنعن عنه "هو مذهب علي بن المديني والبخاري وغيرهما من أئمة أهل العلم وأنكر مسلم في خطبة صحيحه اشتراط ذلك وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن الشايع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك كونهما في عصر واحد". قلت: ولننقل لفظ مسلم في ذلك قال في مقدمة صحيحه وقد ادعى بعض

منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأحاديث وتسقيمها بقول لو اضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لا ماتته ولا إخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه إلى أن قال وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام عن الحكاية عن قوله والأخبار عن سوء رويته أن كل إسناد بحديث فيه عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به غير أنا لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث أن الحجة عنده لا تقوم بحديث جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم أنهما اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا أو تشافها بالحديث بينهما أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما أو تلاقيهما مرة في دهرهما فما فوقها ثم قال وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم والأخبار والروايات قديما وحديثا أن كل رجل ثقة راو عن مثله وجائز ممكن لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد وإن لم يأت خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية به ثابتة والحجة بها لازمة إلا أن تكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه ولم يسمع منه شيئا وأما والأمر مبهم على ما فسرنا فالرواية على السماع أبدا انتهى وقد طال في التهجين على من شرط اللقاء. قال النووي في شرحه وقد أنكر المحققون ما ذهب إليه مسلم وقالوا إنه ضعيف والذي رده هو الصحيح المختار الذي عليه أئمة هذا الفن علي بن المديني والبخاري وغيرهما. قلت: ومن هنا تعرف أن الخلاف بين البخاري ومسلم في شرطية اللقاء وعدمه إنما هو في الحديث المعنعن فاكتفي مسلم بإمكان اللقاء وإنه لا يقول الثقة عن فلان إلا وقد لاقاه وإن لم نعلم ملاقاته إياه والبخاري يقول إنه لا بد من تحقق اللقاء ولو مرة وقد أورد عليه مسلم إيرادات وأطال الكلام ثم لا يعزب عنك أنه قد سبق ترجيح البخاري على مسلم بأنه يشترط اللقاء ومسلم يكتفي بإمكانه ومشترط التحقيق أولى من مشترط الإمكان ولا يخفى أن هذا شرط في مسألة من مسائل طرق الرواية هي رواية العنعنة والرواية في الصحيحين بها قليلة فلا يتم ترجيح جميع ما في

الكتاب ببعض مسائل رواياته وغاية هذا أن تكون رواية البخاري بالعنعنة أصح من رواية مسلم بها فتذكر ما سلف فأنا لم نورد هذا هنالك. "قال ابن الصلاح: وفيما قال مسلم نظر" هو ما سمعته من كلام النووي. واعلم أنهم هنا لم يستدلوا لما ذهب إليه البخاري وغيره من شرطية اللقاء ولا لما ذهب إليه مسلم من عدمه وما كان يحسن إهمال الدليل مع نقل الأقاويل وإلا كان تقليدا محضا وقد استدل ابن حجر لكلام البخاري فقال والحامل للبخاري على اشتراط ذلك تجويز أهل ذلك العصر للإرسال فلو لم يكن مدلسا وحدث عن بعض عاصره لم يدل ذلك على أنه سمع منه لأنه وإن كان غير مدلس فقد يحتمل أن يكون أرسل عنه لشيوع الإرسال بينهم فاشترط أن يثبت أنه لقيه وسمع منه ليحمل ما يرويه منه على السماع لأنه لو لم يحمل على السماع لكان مدلسا والفرض السلامة من التدليس فتبين رجحان مذهبه. وقال الحافظ أيضا وإذا ثبت اللقاء ولو مرة حملت عنعنة غير المدلس على السماع مع احتمال أن لا يكون سمع بعض ذلك قال وأما احتجاج مسلم على فساد ذلك بأن لنا أحاديث اتفق الأئمة على صحتها ومع ذلك ما رويت إلا معنعنة ولم يأت في خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه فلا يلزم من ذلك عنده نفيه في نفس الأمر. انتهى. قلت: هذا الاستدلال ذكره مسلم في مقدمة صحيحه وكذلك ألزم البخاري أنه إذا ثبت اللقاء ولو مرة وروى أحاديث يعلم أنه لا يتسع لها زمن اللقاء أن يحملها على السماع فالتزم الحافظ ابن حجر ذلك. قلت: وفي كلامه أبحاث. الأول: أن الدلالة العقلية دلت على أنه لا يتسع زمن اللقاء لما رواه عنه ويقول يحمل على السماع فإنه لا يخفى أن افتقار الفعل والقول إلى زمن يتسع لوقوعهما فيه أمر ضروري مخالفته دالة على كذب مدعيه. البحث الثاني: أن قول الحافظ فلا يلزم من ذلك عنده أي عند البخاري نفيه في نفس الأمر غير دافع لما قاله مسلم لأن ما في نفس الأمر لا تكليف به وإلا فكل ظاهر يجوز خلافه في نفس الأمر والخطاب متعلق بالظاهر في التكاليف لا بما في نفس الأمر ألا ترى أن من عدل ثقة يجوز أنه غير عدل في نفس الأمر بل يجوز أنه

غير مسلم مع أنا مكلفون بقبول تعديل الثقة وكذلك ما صححه الثقة يجوز أنه موضوع في نفس الأمر وبالجملة ما في نفس الأمر لا تكليف به. البحث الثالث: استدلال الحافظ ابن حجر للبخاري على شرطية اللقاء بتجويز أهل عصره للإرسال غير ناهض على الشرطية للقاء لأن هذا التجويز لا يرفع الأصل في إخبار الثقة وأنه محمول على اتصال السماع مع معاصرته لمن يروى عنه وإمكان اللقاء وإذ قد قبل البخاري عنعنة من ثبت له اللقاء ولو مرة مع احتمال أن بعض ما رواه لم يسمعه فقد حمله على السماع مع الاحتمال فليجزه مع احتمال الإرسال مع أنه احتمال بعيد واحتمال عجم السماع أقرب فيما يرويه السامع ويكثر في روايته مع حقارة زمن اللقاء. وإذا عرفت هذا فمذهب مسلم لا يخلو عن القوة لمن أنصف وقد قال أبو محمد بن حزم في كتاب الأحكام اعمل أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول فهو على اللقاء والسماع سواء قال أخبرنا أو حدثنا أو عن فلان أو قال فلان فكل ذلك محمول على السماع منه انتهى. قلت: ولا يخفى أن قد قدمنا عنه خلاف هذا في حديث المعازف فتذكره. الثاني من الأقوال في العنعنة: ما أفاده قوله "قال الزين وذهب بعضهم إلى أن الإسناد المعنعن من قبيل المرسل والمنقطع" أي فلا يحتج به ونقل عن النووي أنه قال هذا المذهب مردود بإجماع السلف. "قلت: وهذا هو اختيار أبي طالب في عنعنة الصحابي وكذلك قال الشيخ الحسن الرصاص قال المنصور بالله هو يحتمل الاتصال والإرسال وكلامهم" أي الثلاثة "كله إنما رسموه في حق الصحابي فإن قلت: وما الفرق بين الصحابي وغيره قلت: الفرق أنه لم يثبت عن الصحابي أن ذلك يفيد السماع" قلت: لا يخفى ركة هذا الجواب فإن الصحابي ليس له عرف في روايته بل تارة يقول سمعت وتارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البقاعي الفرق احتمال كون غير الصحابي ليس بثقة بخلاف الصحابة فكلهم عدول فهو مقبول بأي عبارة أتى لأنه دائر بين كونه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم: أو من صحابيي وكونه سمعه من بعض التابعين بعيد جدا فلا يؤثر فيه هذا الاحتمال بخلاف غير الصحابي كالتابعي فإنه يحتمل احتمالا قريبا قويا أن يكون سمع معنعنة أو

متونه من غير صحابي وأن يكون من سمعه من غير ثقة انتهى بمعناه فهذا هو الفرق وقد عبر البقاعي بالقبول بناء على أنه لازم للاتصال. قلت: والأحسن التفصيل فمن علم ملازمته له صلى الله عليه وسلم فروايته محمولة على السماع بأي عبارة أديت وإن كان من غير الملازمين فيحتمل الأمرين فقد كان عمر وهو من خواص الصحابة يتناوب النزول إلى مقامة صلى الله عليه وسلم هو وجار له فينزل عمر يوما ويأتي جاره بما استفاده ذلك اليوم وينزل جاره يوما فيأتي عمر بما استفاده ذلك اليوم كما هو مصرح به في صحيح البخاري وغيره في قصة اعتزاله صلى الله عليه وسلم لنسائه وقد قال أبو هريرة إنه كان يشغل أصحابه الصفق في الأسواق والأعمال في مزارعهم أي يشغلهم عن ملازمته صلى الله عليه وسلم وكان أبو هريرة لا يشغله شيء عن ذلك فالاحتمال الذي قاله المنصور بالله بالنظر إلى الطرق الأخير مما ذكرناه أقرب قال البرماوي إنه جرى البيضاوي والهندي على تصحيح الاتصال فيما إذا كانت العنعنة بين الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم. "وأما من ثبت عنه أنه" أي المعنعن "يفيد السماع" كلمة من بيانية الضمير عنه "من جماهير المحدثين فإنه يكون مفيدا لذلك في حقه مثلما أن المتأخرين لما استعملوا العنعنة في الأجازة وصار ذلك عرفا لهم لم نحكم فيها بالسماع في حقهم" إذا عرفت أنه قد صار عرفا لهم "فالحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية" كما برهن على هذا في الأصول الفقيه "ولا ينبغي أن يكون في هذا اختلاف" بعد ثبوت العرف فيه "وإنما الخلاف في حق من لم يثبت عنه نقل" أي عرف "في ذلك من الصحابة والتابعين والفقهاء والأصوليين والقليل من المحدثين" قال الحافظ ابن حجر على كلام ابن الصلاح ما لفظه حاصل كلام المصنف أن للفظ عن ثلاثة أحوال: أحدها: أنها بمنزلة حدثنا أو خبرنا بالشرط السابق. الثاني: أنها ليست بتلك المنزلة إذا صدرت من مدلس وهاتان الحالتان مختصة بالمتقدمين. وأما المتأخرون وهم من بعد الخمسمائة وهلم جرا فاصطلحوا عليها للإجازة فهي بمنزلة أخبرنا لكنه إخبار جملى كما سيأتي تقريره في الكلام على الإجازة وهذه هي الحالة الثالثة.

إلا أن الفرق بينها وبين الحالة الأولى مبني على الفرق فيما بين السماع والأجازة لكون السماع أرجح وبقي حالة أخرى لهذه اللفظة وهي خفية جدا لم ينبه أحد عليها في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها وهي أنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سباق قصة سواء أدركها الناقل أن لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف فيقدر مثال ذلك ما أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبيه قال حدثنا أبو بكر بن عياش ثنا أبو اسحق عن أبيه عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه لم يرد أبو اسحق بقوله عن أبي الأحوص أنه أخبره به وإنما فيه شيء محذوف تقديره عن قصة أبي الأحوص أو عن شأن أبي الأحوص وما أشبه ذلك لأنه لا يكون أبو الأحوص حدثه بعد قتله ثم ذكر أمثلة لذلك ثم قال وأمثلة هذا كثيرة ومن تتبعها وجد سبيلا إلى التعقب على أصحاب المسانيد ومصنفي الأطراف في عدة مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفنا من المراد بهذه العنعنة انتهى. * * *

مسألة (33) : في بيان اختلاف العلماء في قول الراوي: "أن فلانا قال"

مسألة:33 [في بيان اختلاف العلماء في قول الراوي أن فلانا قال] "ومما اختلف فيه إذا قال الراوي أن فلانا قال فقيل هو كالعنعنة" يأتي فيه ما أتى فيها "وهو قول مالك" فإنه سئل عن قول الراوي عن فلان أنه قال كذا أو أن فلانا قال كذا فقال هما سواء قال البرماوي إن كون محل النزاع مثل ما ذكره من التصريح بعد أن بلفظ قال فيه نظر فإن ذلك لا ينحط عن درجة قال المجردة عن أن إذا لم يرد فيه إلا ما يدل على التأكد قال والذي يظهر أن محل النزاع أن يقول مثلا فلان أن فلانا فعل كذا وأن لفلان كذا أو نحوه من غير أن يذكر لفظا يدل على أنه حدثه بذلك أو سمعه منه انتهى. "وحكى ابن عبد البر في التمهيد عن الجمهور أنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة" هذا القيد في غير الأعمى "قال الزين يعني مع السلامة من التدليس" وحكة أيضا أن أن وعن سواء حكاه عن الجمهور أهل العلم "وحكى ابن عبد البر عن بعضهم أن حرف أن محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع من جهة أخرى" وهذا البعض هو أبو بكر البردنجي قال ابن عبد البر بعد نقله عنهه وعندي لا معنى لهذا وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله "وضعفه ابن عبد البر محتجا" على ضعفه "بالإجماع على أن مثل ذلك يفيد الاتصال في حق الصحابة" قلت: لفظ ابن عبد البر لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. "قلت: الإجماع غير مسلم في حق الصحابة خاصة وقال أحمد بن حنبل ليس أن وعن سواء" وذلك أنه قيل له إن رجلا قال عروة عن عائشة وعن عروة أن عائشة هل هما سواء قال كيف يكونان سواء ليسا بسواء "قال الزين" معللا لكلام

أحمد ابن حنبل لأن قول التابعي عن عائشة يفيد الإسناد إليها وقوله أن عائشة قالت لا يفيد ذلك فلعله أي التابعي استفاد من غيرها أي غير عائشة أنها قالت ذلك أو فعلت إلا أنه اعتبر الزين إدراك الراوي للقصة حيث قال: قلت: الصواب أن من أدرك ما ... رواه بالشرط الذي تقدما نحكم له بالوصل كيفما روى ... يقال أو عن أو بأن فسوى وأطال في شرحه بذكر الأمثلة والمصنف اختصر المقال "قال ابن الصلاح: والزين أما في الأعصار الأخيرة" قد عرفت حدها مما قدمناه عن الحافظ ابن حجر "فقد صارت العنعنة مستعملة في الأجازة دون السماع فافهم ذلك ولكنه لا يخرج الحديث عن الاتصال بنوع من الوصل لأن حكم الإجازة الوصل لا القطع". قال ابن الصلاح: كثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن أنه رواه بالإجازة قال ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على ما لا يخفى انتهى قلت: ويأتي تحقيقه في بحث الأجازة. * * *

مسألة (34) : في حكم تعارض الوصل والإرسال

مسألة:34 [في حكم تعارض الوصل والإرسال] "تعارض الوصل والإرسال" لعارض "والرفع والوقف" وهما مسألتان في الحقيقة الأولى تعارض الوصل والإرسال إذا كان ذلك في رواية راويين "اختلف أهل العلم إذا وصل الحديث بعض الرواة وأرسله آخر" اختراز عما إذا كان لا مرسل والواصل واحدا فإنه يأتي حكمه "هل الحكم لمن وصل أو لمن أرسل أو للأكثر أو للأخفظ على أربعة أقوال" أما إذا كان الذي أرسل واسند واحد مرة كذا ومرة كذا فقال البرماوي الظاهر المقبول وبه جزم الإمام وأتباعه ويأتي في كلام المصنف وقد استدل للمانع في هذه الصورة بأن المتحقق الإرسال والوصل زيادة وحذفها قد شكك في ثبوتها وإن لم يشكك في العدالة لجواز الغلط والنسيان والغفلة ونحو ذلك مما ليس بربية في الراوي وهو موجب للريبة في المروى فذلك علة كالاضطراب في الإسناد بل أشر لأنه ناقض نفسه فيه انتهى. "الأول" من الأربعة "أن الحكم لمن وصل" معناه أنا نحكم لتلك الطريق المرسلة المرسلة أنها موصولة نظرا إلى ما بان بتلك الطريق الأخرى "هذا هو المذهب المشهور في كتب الزيدية لا يكاد يعرف غيره عن أحد من أئمتهم وهو قول أكثر علماء الأصول" وذلك لأن الوصل زيادة عدل وهي مقبولة فكما قبلنا إرساله لعدالته فلنقبل وصله له. "قال زين الدين: وهو الصحيح كما صحح الخطيب قال ابن الصلاح: وهو الصحيح في الفقه وأصوله" هكذا قاله ابن الصلاح قال البقاعي إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظرا لم يحكه وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه وذلك أنهم لا يحكمون فيها يحكم مطرد وإنما يديرون ذلك على القرائن انتهى. ويأتي ما يفيد هذا في كلام الحافظ ابن حجر وعنه أخذه البقاعي فإنه شيخه إلا

أن عبارته دلت أن هذا لبعض حذاق المحدثين لا لكلهم كما أفاد أول كلامه قال الحافظ الذي صححه الخطيب شرطه أن يكون الراوي عدلا ضابطا وأما الفقهاء والأصوليون فيقبلون ذلك مطلقا وبين الأمرين فرق كثير. قال وههنا شيء يتعين التنبيه عليه وهو أنهم شرطوا في الصحيح ألا يكون شاذا وفسروا الشاذ بأنه ما رواه الثقة مخالفا فيه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا ثم قالوا تقبل الزيادة مطلقا فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عددا أو أضبط حفظا أو كتابا على من وصل أيقبلونه أم لا وهل يسمونه شاذا أم لا أو لا بد من الإتيان بالفرق أو الاعتراف بالتناقض والحق في هذا أن زيادة لا ثقة لا تقبل دائما ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين لم يصب وإنما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف ولم يتعرض بقيتهم لنفيها لفظا ولا معنى وممن صرح بذلك الإمام فخر الدين وابن الأنباري شارح البرهان وغيرهما. قال ابن السمعاني إذا كان راوي الناقصة لا يغفل وكانت الدواعي متوفرة على نقلها أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الدواعي متوفرة على نقلها أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الزيادة وكان المجلس واحدا فالحق أن لا تقبل رواية الزيادة هذا الذي ينبغي انتهى. واعلم أن المصنف لم يستدل لهذا القول الأول بدليل بل ساق كلام الناس كما يسوق المقلد وكان عليه أن يستدل لهذا وفي مختصر ابن الحاجب وشرحه للعضد استدلال للفريقين بما محصله لنا أي دليل على القبول أنه أي راوي الزيادة عدل جازم بروايته في حكم ظني فوجب قبول قوله وعدم رواية غيره لا يصلح مانعا إذا الفرض جواز الغفلة قال من خالف الجمهور الظاهر نسبة الوهم إليه لوحدته وتعددهم فوجب رده وأجيب بأن سهو الإنسان فيما لم يسمع حتى جزم بأنه سمع بعيد جدا بخلاف سهوه عما يسمع فإن ذهول الإنسان عما يجري بحضوره لاشتغاله عنه كثير الوقوع هذا إذا اتحد المجلس أما إذا تعدد فتقبل باتفاق انتهى فشرط للقبول شرطين اتحاد المجلس وأن يكون المروى مما لا يغفل مثلهم عن نقل لا زيادة فإن جهل كونه واحدا أو متعددا فأولى بالقبول مما اتحد لاحتمال التعدد. "وسئل البخاري عن حديث لا نكاح إلا بولي" أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي موسى وأخرجه ابن ماجه عن ابن عباس وأخرجه الطبراني في الكبير أيضا

عن أبي أمامة وأخرجه الحاكم عن أبي هريرة1 "وقد أرسله شعبة وسفيان" الثوري "وهما في الحفظ جبلان وأسنده إسرائيل بن يونس" أي ابن أبي اسحق السبيعي الكوفي أحد الأعلام قال أحمد بن حنبل ثقة وجعل يتعجب من حفظه قال الذهبي2 بعد الثناء عليه نعم شعبة أثبت منه إلا في ابن أبي اسحق. انتهى. والحديث المذكور رواه شعبة وسفيان عن أبي اسحق السبيعي عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ورواه إسرائيل عن جده أبي اسحق عن أبي برد ة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم "في آخرين" فلا يقال الزيادة شذوذ في الحديث وتعيين بعض الآخرين يأتي قريبا "فقال البخاري الزيادة من الثقة مقبولة وحكم لمن وصله" فدل أنه يرى قبول الزيادة من الثقة مطلقا. واعلم أنه لا يتم ما ذكرنا مثالا لما ذكر مما نحن فيه حتى يتحقق اتحاد المجلس أو يلتبس لما عرفت من أنه قال الحافظ ابن حجر رحمها لله إن الاستدلال الحكم للواصل دائما على العموم ليس من صنيع البخاري ولكنه في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة إنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى رجحت عنده حكم الموصول منها أن يونس بن أبي اسحق وابنه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي اسحق موصولا ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم ووافقهم على ذلك أبو عوانة وشريك النخعي وزهير بن أمية وتمام العشرة من أصحاب أبي اسحق مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه وسماعهم إياه من لفظه وأما رواية من أرسله وهما شعبة وسفيان فإنما أخذاه عن أي اسحق في مجلس واحد فقد رواه الترمذي قال حدثنا محمود بن غيلان قال ثنا أبو داود الطيالسي في مسنده قال ثنا شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل أبا اسحق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" 3 فقال أبو اسحق نعم فشعبة وسفيان إنما أخذاه معا في مجلس واحد عرضا كما ترى ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجالس متعددة على مما أخذ عنه عرضا في محل واحد هذا إذا قلنا

_ 1 ابن أبي شيبة 4/130, وأحمد 4/394. وأبو داود 2085. والترمذي 1101, وابن ماجة 1880. وابن حبان 1243. والطبراني 8/351. والحاكم 2/169. 2 الميزان 1/209/820. 3 سبق تخريجه.

حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين مع أن الشافعي يقول العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد فتبين أن ترجيح البخاري وصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ليست مع المرسل بل بما ظهر من قرائن الترجيح ويزيد ذلك ظهورا تقديمه للإرسال في مواضع أخرى. مثاله: ما رواه الثوري عن محمد بن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن ابن أبي بكر هو ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أم سلمة قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لها: "إن شئت سبعت لك" 1 ورواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لأم سلمة قال البخاري في تاريخه2 الصواب قول مالك مع إرساله فصوب الإرسال هنا لقرينة ظهرت له وصوب الوصل هناك لقرينة ظهرت له فتبين أنه ليس له عمل مطرد في ذلك. "القول الثاني" من الأربعة "أن الحكم لمن أرسل حكاه الخطيب3 عن أكثر أصحاب الحديث" لم يذكر دليله أيضا وقد عرفت دليله من كلام ابن الحاجب والعضد وجوابه. "القول الثالث" من الأربعة "أن الحكم للأكثر" فإن كان من أرسله أكثر ممن وصله فالحكم للإرسال والعكس ولم يذكر الدليل أيضا وكأنه يقول إن الظن يدور مع الكثرة. "القول الرابع: أن الحكم للأحفظ" قيل وليسا بشيء لأن مرجع ذلك إلى الترجيح ولا يدفع الريبة لأن الشك في أحد المتقابلين شك في الآخر والشك لا يعمل به وفاقا. "والذين قالوا إن الحكم للأكثر أو للأحفظ اختلفوا هل تكون مخالفة الأكثر والتحفظ قدحا في عدالته" أي عدالة راوي الزيادة "كما أنها قدح في روايته" عند من ردها "فيه قولان: أصحها: أنها لا تقدح في عدالته" لأن الفرض أنه ثقة فروايته مقبولة وإن لم يروها غيره فهذه الأولى من مسألتي التعارض. والثانية قوله "وإذا اختلفا" أي الراويان أو الخبران "في الوقف والرفع فهي مثل هذه

_ 1 مالك في: النكاح: حديث 14. ومسلم في: الرضاع: حديث 41, 42, وأحمد 6/292. 2 1/47. 3 الكفاية ص 411.

سواء" إذ الرفع زيادة ثقة وتقدم قبولها أو عدمه هذا إذا اختلف الرافع والواقف وأما إذا كان واحدا فقد أشار إليها بقوله "قالوا: ومثل ذلك" أي مثال تعدد الواقف والرافع "أيضا أن يكون الرافع والواقف أو المسند والمرسل واحدا فإن الحكم للرفع" على الوقف "والوصل" على الإرسال "على الأصح" لما عرفت من أنها زيادة ثقة "فيما قاله زين الدين" وقال هكذا صححه ابن الصلاح "وقيل: للأكثر من أحواله" هذا القول نسبة الزين إلى الأصوليين "فإن كان أكثر أحوال الراوي الرفع والوقف منه نادر فالحكم لرفع وكذلك العكس" هو أن يكون الوقف أكثر أحوال الراوي والرفع منه نادر فيكون الحكم للوقف. قال المصنف: "قلت: وعندي أن الحكم في هذا لا يستمر بل يختلف باختلاف قرائن الأحوال وهو موضع اجتهاده". قلت: وقد سبق ابن دقيق العيد إلى هذا وجعله للمحدثين فانه قال من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مسند ومرسل أو رافع وواقف أو ناقص زائد أن الحكم للزائد لم يصب في هذا الإطلاق فإن ذلك ليس قانونا مطردا ومراجعة أحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول وبهذا جزم الحافظ العلائي فقال كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنه لا يحكم في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر على الترجيح بالنسبة إلى ما يقوي عند أحدهم في حديث حديث قال الحافظ ابن حجر وهذا العمل الذي حكاه عنهم إنما هو فيما يظهر لهم فيه الترجيح وأما ما لا يظهر فيه الترجيح فالظاهر أنه المفروض في أصل المسألة. "فإن غلب على الظن وهم الثقة في الرفع والوصل" بقرائن تثمر الظن "بمخالفة الأكثرين من الحافظ الذين سمعوا الحديث معه من شيخه في موقف واحد" هذا رجوع إلى القول الثالث: أن الحكم للأكثر إلا أن قوله "ونحو ذلك من القرائن" دال على أن الملاحظة ليست للكثرة لا غير كالقول الثالث: بل الملاحظ القرائن والكثرة أحد القرائن فإن القرائن إذا حصلت في غير جانب الزيادة. "فإن الرفع والوصل حينئذ مرجوحان والحكم بهما حكم بالرجوح وهو خلاف المعقول والمنقول أما المعقول فظاهر" فإن العقل يقضي بالعمل الراجح حيث كان "وأما المنقول فلأن جماعة من الصحابة وقفوا عن قبول خبر الواحد عند الريبة وشاع ذلك

ولم ينكر كما فعله عمر في حديث فاطمة بنت قيس في بأنه لا نفقة ولا سكنى للمطلقة المبتوتة" أخرجه أحمد1 عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم: نفقة ولا سكنى قال سلمة بن كهيل فذكرت ذلك لإبراهيم يعني النخعي فقال قال عمر لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة لها النفقة والسكنى وأخرجه مسلم2 وأبو عوانة وابن حبان زاد مسلم في رواية في طريق أخرى لا ندري أحفظت أم نسيت وحققنا أن حديث فاطمة لا يرد بما قاله عمر بل هو معمول به كما أوضحناه في سبل السلام وحواشي ضوء النهار. "و" كما فعله عمر "في حديث أبي موسى في الأمر بالاستئذان" أخرج مسلم3 أن أبا موسى استأذن على عمر بن الخطاب ثلاثا فلم يأذن له فرجع ففرغ عمر فقال ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له فقالوا رجع فدعاه فقال ما هذا قال كنا نؤمر بذلك فقال لتأتيني على هذا ببينة فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم فقالوا لا يشهد لك على ذلك إلا أصفرنا فانطلق أبو سعيد الخدري فشهد له فقال عمر لمن حوله خفى هذا على من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق في الأسواق وله ألفاظ أخر وطرق. "و" كما فعله "أبو بكر في حديث المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه4 من طرق من حديث قبيصة بن ذؤيب وغيره أن الجده جاءت إلى أبي بكر الصديق فسألته ميراثها فقالها مالك في كتاب الله شيء ولا علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال هل معك على هذا أحد فقال محمد بن مسلمة مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر. "بل كما فعله علي رضي الله عنه في استحلاف من اتهمه وتوقفه عن قبوله حتى

_ 1 أحمد 6/411, 412. 2 في: الطلاق: حديث 46. 3 في: الأدب: حديث 34: 37. 4 الترمذي في: الفرائض: ب 10, وابن ماجة في: الفرائض: ب 4.

يحلف" رواه الحافظ الذهبي في التذكرة وقال هو حديث حسن ورواه المنصور بالله وأبو طالب عن علي عليه السلام قال كنت إذا سمعت حديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعي الله به ما شاء فإذا سمعته من يغره استحلفته فإذا حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له1 ذكره المصنف في العواصم إلا أنه قد روى عن البخاري أن هذا غير صحيح عن علي رضي الله عنه. "بل كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أن أخبره ذو اليدين أنه قصر صلاته فإنه أنكر ذلك لأجل سكوت الجماعة واختصاص ذي اليدين بالخبر ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "أحق ما يقول ذو اليدين" أخرج أحمد والشيخان2 وغيرهم بألفاظ من طرق عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى عليه وآله وسلم إحدى صلاتي المشي فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم انطلق إلى خشية معروضة في مقدم المسجد فقال بيديه عليها هكذا كأنه عضبان وخرج سرعان3 الناس من باب المسجد فقالوا: قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يسألاه وفي القوم رجل في يديه طول كان يسمى ذا اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت أم نسيت؟ فقال: "لم أنس ولم تقصر الصلاة", فقال: صليت ركعتين, فقال: "أكما يقول ذو اليدين", فقالوا: نعم, الحديث هذا إذا كان أحد الرواة أكثر. "وأما إذا رواه ثقتان على سواء أو قريب من السواء فالحكم لمن زاد" لأن لأنها زيادة ثقة لم يعارضها أرجح منها "وكذلك إذا كان أحدهما مثبتا والآخر نافيا مع تساويهما أو تقاربهما فالحكم للمثبت" لأنه عمل بالروايتين "وبين ذلك مراتب في القوة والضعف لا يمكن حصرها بل ينظر الناظر في كل ما وقع فيه هذا التعارض ويعمل بحسب قوة ظنه" بتتبعه للمرجحات المعروفة في الأصول. * * *

_ 1 ابن عدي 1/421. والإتحاف 8/603, والعقيلي 1/106. وابن السني 353. 2 البخاري 1/86, وأحمد 2/235. 3 سرعان الناس: بفتح السين والراء أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة النهاية 2/361.

مسألة (35) : في بيان التدليس

مسألة:35 [في بيان التدليس] "التدليس" قال الحافظ ابن حجر إنه مشتق من الدلس وهو الظلام قاله ابن السيد وكأنه أظلم أمره على الناظر لتغطيته وجه الصواب وقال البقاعي إنه مأخوذ من الدلس بالتحريك وهو اختلاط الظلام الذي هو سبب لتغطية الأشياء عن البصر ومنه التدليس في البيع يقال دلس فلان على فلان أي ستر عنه العيب الذيي في متاعه كأنه أظلم عليه الأمر. "قال في الجوهرة قد تعورف عنه العييب معناه الأصلي وهو أن يروى" الراوي "عن شيخ شيخه موهما أنه سمعه منه". زاد النصف في العواصم من غير أن يكذب فيقول حديثي فلان "والذي عليه علماء الزيدية أن المدلس مقبول لأن التدليس ضرب من الإرسال وقد تقدم دليل قبول المراسل ولا كلام أنه ينطبق دليل قبول المراسيل" على قبول المدلس وقل من سلم من التدليس وقد روى أن ابن عباس رضي الله عنهما ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم: إلا أحاديث يسيرة قال بعضهم أربعة أحاديث وبقية أحاديثه سمعها عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: وهو لا يكاد يذكر من بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم: وإنما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره المصنف في العواصم "هكذا ذكره الإمام المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة وهو قول عامة الزيدية والمعتزلة فيما أعلم قلت: وهو" أي الحديث المدلس "أولى بالقبول من المرسل لأنه إذا كان في الإسناد من لا يقبل فالحديث مردود" لوجود من لا يقبل في روايته "وإن كان عن ثقات عنده" عند المدلس لا عند غيره "فقد أوهم المدلس أنه صحيح" لطيه ذكر شيخه مثلا "وقصد إبهام ذلك" إذ لولا القصد لما دلس.

"بخلاف المرسل فهو وإن أوهم الصحة فلم تظهر منه قرينة تدل على أنه قصد الإيهام لكنه يحتمل صحته عنده فإن كان يعرف شرطه في الصحة" أي شرط المدلس للصحة "قبل أيضا" أي حديث المدلس كما يقبل المرسل "على مقتضى قواعد المحدثين المتأخرين كما مر في المرسل وإن لم يعرف" شرطه في الصحة "كان" الحديث المدلس "كالمرسل وإن جاء بعن لأنه" قد "قصد إيهام الصحة". وحاصله أن المدلس أوهم الصحة وأتى بقرينة دالة على قصدها بخلاف المرسل فإنه أوهم الصحة ولم يقم قرينة تدل على قصدها فكان قبول المدلس أولى من قبيل المرسل وفي كلامه نظر. "ولا يكفي في جرح المدلس" أي في جرحنا بالتدليس لمن عرف به "أنه دلس حديث" راو "ضعيف" بغير الكذب بإسقاطه "أو" راو "كذاب حتى يعرف أن الكذاب" الذي أسقطه من السند "متعمد" للكذب "لا مخطئ" بأن يكون واهما "و" حتى يعرف "أن المدلس قد عرف عتمده الكذب في الحديث و" حتى "يكون ما دلسه" من الحديث "في الحلال والحرام" قلت: أو المندوب أو المكروه إذ الكل أحكام شرعية وإنما اشتهر عن المحدثين أه يقبل الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب فكأنه لذلك قيده المصنف "و" حتى "لا يكون يرويه من غير تلك الطريق هذه أربعة شروط" ثلاثة وجودية وشرط عدمي "يعز وجود واحد منها ولا يغرنك قول المحدثين فلان كذاب فقد يطلقون ذلك على من يكذب مخطئا لا متعمدا لأن الحقيقة اللغوية" لمسمي الكذب تقتضي أنه كذاب إذ الكذب لغة الأخبار بخلاف الواقع ولا يشترط فيه العمدية نعم العمدية شرط في الإثم على أنه لا يخفى أن الأصل في إطلاق المحدثين للكذب فيمن يصفونه به هو الكذب حقيقة الصادر عن عمد يعرف ذلك من تصرفاتهم وإذا كان هو الأصل فلا بد من قرينة على أنهم أرادوا به الوهم كما أفاده قوله "ولهذا وصفوا بذلك خلفا من أهل الصدق إذا وهموا" فأن القرينة كونهم وصفوا بذلك من يعرف بالصدق. "والصواب أنه لا يسمى من وهم كذابا لأن العرف في الكذاب أنه المتعمد كما قاله الجاحظ" فإنه يقول الكذب عدم المطابقة مع الاعتماد كما عرف في الأصول وعلم البيان من حقيقة مذهبه وقد رد أئمة الأصول والبيان ما ذهب إليه وأن التعمد أمر قلبي لا يطلع عليه فالأصل هو العمد.

"ولهذا" أي لأجل أن الكذب في عرف اللغة إنما هو للمتعمد "قالت عائشة في ابن عمر ما كذب ولكنه وهم وهو" أي اللفظ الذي قالته عائشة "ثابت في الصحيح وهي من أهل اللسان" فإنه أخرج مسلم بألفاظ كثيرة من طرق عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول أن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها قلت: ولا يخفى أن عائشة رضي الله عنها لم تطلق الكذب على الوهم ولا الكذاب على الواهم الذي بحث المصنف فيه فما في كلامها حجة له فإنها نفت الكذب عن ابن عمر رضي الله عنهما وأثبتت له الوهم مع أنه قال المصنف إن الحقيقة اللغوية إطلاق الكذب على المخطيء غير المتعمد وابن عمر هنا عند عائشة مخط ونفت عنه الكذب وهي كما قال من أهل اللسان أي اللغة قبل هذا العرف الذي خصصه بالمتعمد فتأمل. "فلمثل هذا لم يجرح أئمتنا من دلس على الإطلاق ولم يستثنوا من دلس عمن تكلم فيه لأنه لا يكون مجروحا إلا بتلك الشروط". قلت: لا خفاء أن من قال فيه الأئمة إنه كذاب فالأصل في الإطلاق الحقيقة العرفية وقدم المصنف أنها الكذب عن عمد فأقل أحوال من قيل فيه ذلك الوقوف عن قبول روايته ورواية من دلس عنه وإلا كان قبولا مع الريبة وعملا مع الشك. "وقد نهى" مبني للمعلوم سفيان "الثوري عن الرواية عن محمد بن السائب الكلبي" هو أبو نصر الكوفي المفسر الأخباري روى عن الشعبي وجماعة قال الذهبي في الميزان قال الكلبي حفظت ما لم يحفظه أحد حفظت القرآن في ستة أو سبعة أيام ونسيت ما لم ينسه أحد فبضت على لحيتي لأخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة وذكر له أحاديث وذكر من يرتضي روايته ثم ذكر عن ابن معين أن الكلبي ليس ثقة وعن الجوزجاني وغيره وقال الدارقطني متروك وقال ابن حبان مذهبه في الدين ووضوح الكذب أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه "فقيل له" لسفيان الثوري بعد نهيه عن الرواية عنه "فلم تروى عنه قال لأني أعرف صجقه من كذبه قلت" في بيان معرفته لصدقه من كذبه "مثل أن يتذكر بروايته أو بما في كتابه ما كان حافظا له أو يرى معه خط ثقة يعرفه مع قرائن ضرورية".

"وقال زين الدين: التدليس على ثلاثة أقسام" قال عليه البقاعي إن أراد أصل التدليس فليس إلا ما ذكر ابن الصلاح من كونهما اثنين باعتبار إسقاط الراوي أو ذكره وتعمية وصفه وإن أراد الأنواع فهي أكثر من ثلاثة بما يأتي من تدليس القطع وتدليس الضعف قال زين الدين: مشيرا إليه "ذكر ابن الصلاح منها قسمين: القسم الأول: تدليس الإسناد وهو أن يسقط" الراوي المدلس "شيخه ويروي عن شيخ شيخه" يعني بالنسبة إلى هذا الحديث المدلس بعينه وإلا فشرط هذا الذي سماه شيخ شيخه أن يكون شيخه نفسه حتى تحصل الإيهام فالأحسن في العبارة أن يقال تدليس الإسناد أن يسند عمن لقيه ما لم يسمع منه بلفظ موهم أفاده البقاعي قلت: وهو رسم قد اشتمل على الشرطين اللذين ذكرهما المصنف لولا أنه أتى بالقاء عوضا عن المعاصرة وذلك يجري على رأي من يشترطه ولا يكتفي بها وقد أفاد كونه شيخا للمدلس قول المصنف إيهام أنه سمع فإنه إذا كان شيخا له وقع الإيهام وإلا فلا. "وله" أي لتدليس الإسناد "شرطان أحدهما أن يأتي بلفظ محتمل غير كذب مثل عن فلان ونحوه وثانيهما أن يكون عاصره لأن شرط التدليس إيهام أنه سمع منه" ولا يتم إلا بالمعاصرة واللقاء عند شرطه "وإذا لم يعاصره زال التدليس" وصار كذابا أو مرسلا محضا "هذا هو الصحيح المشهور وروى ابن عبد البر" في التمهيد "عن بعضهم أنهلا يشترط ذلك" قال فجعل التدليس أن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع وإلا لكان كذبا. "قال ابن عبد البر فعلى هذا ما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره ومثله" أي مثل التدليس في حكمه وذكره الشيخ وحذف الآلة أيضا من التدليس في الرواية "أن يسقط" أي الراوي "أداة الرواية" من حدثنا ونحوه "ويسمى الشيخ فقط فيقول فلان" فيكون فاعلا لفعل محذوف لا قرينة على تعيينه أو مبتدأ لا قرينة على تعيين خبره وهل هو قال أو حدث أو نحوه. "وهذا يفعله أهل الحديث كثيرا قال علي بن خشرم" بمعجمتين بزنة جعفر ثقة "كنا عند ابن عيينة فقال الزهري فقيل له حدثكم الزهري فسكت ثم قال الزهري فقيل له سمعته من الزهري فقال لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عم معمر عن الزهري" فيقدر في مثل هذا قال الزهري "وقد مثل ابن الصلاح القسم الأول بهذا المثال" فدل على أنه أراد بقوله شيخه مثلا فيشمل

شيخ شيخه كما في المثال. "ثم حكى" ابن الصلاح "الخلاف فيمن عرف بهذا هل يرد حديثه مطلقا أو ما لم يصرح فيه بالاتصال وفيه أقوال" ثلاثة: "أحدها: أنه يرد مطلقا وإن صرح بالسماع لأنه مجروح حكاه ابن الصلاح عن فريق من أهل الحديث والفقهاء" وحكاه عبد الوهاب في الملخص فقال التدليس جرح ومن ثبت أنه يدلس لا يقبل حديثه مطلقا قال وهو الظاهر على أصول مالك. "و" ثانيها: "قيل: إن صرح بالسماع قبل" كقوله سمعت وحدثنا وأنبأنا قيل "وهو الصحيح وإن لم يصرح به فعن النووي لا يقبل اتفاقا قال الزين" وقد حكاه البيهقي في المدخل عن الشافعي وسائر أهل العلم بالحديث وحكاية الاتفاق هنا غلط "وهو محمول على اتفاق من لا يقبل المرسل" انتهى. فقول المصنف قال زين الدين: وهو محمول على اتفاق لا يقبل المرسل هو أحد الاحتمالين في كلام الزين ثم "قال الزين واعلم أن ابن عبد البر قد حكى عن أئمة الحديث" كأن المراد بهم غير الفريق الذين ردوه مطلقا "أنهم قالوا يقبل تدليس ابن عيينة لأنه إذا وقف أحال على ابن جريح ومعمر ونظرائهما وهذا ما رجحه ابن حبان وقال هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن" ولذا قيل أما الإمام ابن عيينة فقد اغتفروا تدليسه من غير رد "ولا يكاد يوجد لابن عيينة خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل بقية" بالموحدة والقاف وتحتية وهكذا في شرح الزين على الألفية وهو بقية بن الوليد ولست أدري ما مراد ابن حبان إن كان هذا لفظه هل هو مثال للثقة المدلس عنه كما هو ظاهر السياق بل لا يحتمل سواه فإن كان كذلك فبقية هو بن الوليد أبو محمد الحميري الحافظ أحد الأعلام قال ابن المبارك صدوق لكن يكتب عمن أقبل وأدبر وقال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة وقال بعضهم كان مدلسا فإذا قال عن فليس بحجة وقال ابن حبان سمع عن مالك وشعبة أحاديث مستقيمة ثم سمع عن أقوام كاذبين عن شعبة ومالك فروى عن الثقات بالتدليس ما أخذ عن الضعفاء وقال أبو حاتم لا يحتج به قلت: هذا كلام أبي حاتم وأبن حبان فيه فكيف يتم هاهنا مثالا للثقة والحجة وقال أبو مسهر أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية وأطال الذهبي في ترجمته بمثل هذا فكيف يجعل مثالا للثقة والعجب من الزين نقل كلام ابن حبان

ولم يبين مراده وتبعه المصنف وظني والله أعلم أن في كلام ابن حبان سقطا وأن أصل عبارته وليسس مثل بقية أي ليس سفيان مثل بقية يدلس عن الكذابين والله أعلم. "ثم مثل ذلك" أي شبه ابن حبان تدليس ابن عيينة "بمراسيل كبار الصحابة فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي" كما قد عرفت أن هذا هو الأغلب في مراسيلهم "ونص أبو بكر البزار والحافظ أبو الفتح الأزدي وأبو بكر الصيرفي من الشافعية على قبول من عرف بالتدليس عن الثقات قال زين الدين: بعد حكاية قول من رد المدلس مطلقا" دلس عن ثقة أو عن غير ثقة. "والصحيح كما قال ابن الصلاح: التفصيل فإن صرح بالسماع قبل" يريد لو أنه قال مثلا في مجلس حدثني زيد وقد قال عمرو وفي مجلس آخر قال في ذلك بعينه عن عمرو فقد دلسه في هذا المجلس لكن تصريحه بسماعه عن شيخه وروايته عنه بالسماع دلت على أنه إنما رواه باختصار فدلسه ولا يضره تدليسه "وإن لم يصرح بالسماع فحكمه حكم المرسل قال الزين وإلى هذا ذهب الأكثرون وممن رواه عن جمهور أئمة الحديث والفقه والأصول شيخنا أبو سعيد العلائي في كتاب المراسيل وهو قول عن الشافعي وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم قال الخطيب جمهور من يحتج بالمرسل يقبل التدليس" لما تقدم من استدلال المصنف من أنه أولى بالقبول. "قال الزين ومنهم من لا يقبل المدلس إذا روى بالعنعنة" لأن شرط المرسل أن يروي بصيغة الجزم والعنعنة ليست بصيغة جزم وإنما نحكم لها بالاتصال إذا صدرت عن غير المدلس. "قلت: وهو قياس قول أئمتنا وعلمائنا لأنهم مثلوا المرسل بقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أجد فيهم" أي في أئمة الزيدية وعلمائهم "من ذكر العنعنة من المرسل ويحتمل أن يقبلوا المدلس بعن وإن لم يقبلوا ذلك من المرسل لأن المدلس قد ظهر منه قصد إيهام الصحة" من جهتين كما قاله المصنف قريبا "بخلاف المرسل فإنه إن أوهم لم يظهر منه قصد الإيهام كما تقدم وظاهر إطلاقهم" أي الأئمة من علماء المذهب "في قبوله يعم العنعنة والله أعلم". "إذا عرفت هذا القسم الأول" وهو تدليس الإسناد "فاعلم أن في رواة الصحيحين

جماعة من المشاهير بالتدليس كالأعمش" وهو سليمان بن مهران الكوفي أحد الأعلام معدود في صغار التابعين ما نقموا منه إلا التدليس كما في الميزان فالأعمش عدل صادق ثبت صاحب سنة ولكنه يحسن الظن بمن حدثه ويروى عنه ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذيي يدلسه فإن هذا حرام قال الذهبي ربما دلس عن ضعيف فلا يدري فمتى قال حدثنا فلا كلام ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فروايته عنهم تحمل على الاتصال. "وهشيم بن بشير" السلمي أبو معاوية الواسطي الحافظ أحد الأعلام سمع الزهري وعمرو بن دينار أيام الحج وكان مدلسا وهو لين في الزهري وقال الجوزجاني هشيم ما شئت من رجل غير أنه كان يروى عن قوم لم يلقهم عبد الرزاق عن ابن المبارك قلت: لهشيم لم تدلس وأنت كثير الحديث قال إن كثيرين قد دلسوا منهم الأعمش وسفيان. "وقتادة" هو ابن دعامة الدوسي حافظ ثقة ثبت لكنه مدلس ورمى بالقدر قاله يحيى بن معين ومع هذا احتج به أرباب الصحاح ولا سيما إذا قال حدثنا. "والثوري" هو سفيان بن سعيد الثوري في الميزان الحجة الثبت متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء لكن له نقدا وذوقا ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين. "وابن عيينة" هو سفيان بن عيينة الهلالي في الميزان أحد الثقات الأعلام أجمعت الأمة على الاحتجاج به وكان يدلس لكن المعهود منه أن لا يدلس إلا عن ثقة. "والحسن البصري" في الميزان ثقة لكنه يدلس عن أبي هريرة فإذا قال حدثنا فهو حجة بلا نزاع. "وعبد الرزاق" بن همام الصنعني في الميزان أحد الأعلام الثقات وساق من كلام الناس فيه ولم يذكره بالتدليس إلا أنه ساق من رواياته ما يدل على تدليسه. "والوليد بن مسلم" هو أبو العباس الدمشقي مولى بني أمية في الميزان أحد الأعلام وعالم أهل الشام ثم قال أبو مسهر الوليد مدلس وربما دلس عن الكذابين ثم قال قلت: إذا قال الوليد عن ابن جريج أو عن الأوزاعي فليس يعتمد

لأنه يدلس عن الكذابين وإذا قال حدثنا فهو حجة. قلت: يقال عليه إن كان يعلم أن من دلس عنه كذاب أي من أسقطه وانتقل إلى شيخه الصدوق فهذا خيانة منه فلا يقبل إذا قال حدثني فضلا عن أن يكون حجة وإن كان لا يعلم أن من أسقطه كذاب وإنما علمه غيره فلا تحل بروايته تدليسه. "وغيرهم ولكن قال النووي إن ما فيهما" أي في الصحيحين "وفي غيرهما من الكتب الصحيحة" التي التزم مصنفوها الصحة "من المدلسين بعن محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى". قلت: قال الإمام صدر الدين بن المرجل في كتاب الإنصاف في النفس من هذا الاستثناء غصة لأنها دعوى لا دليل عليها لا سيما أنا قد وجدنا كثيرا من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس رواتها وكذلك استشكل ذلك قبله المحقق ابن دقيق العيد فقال لا بد من الثبوت على طريقة واحدة إما القبول مطلقا في كل كتاب أو الرد مطلقا في كل كتاب وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه فغاية ما توجه به أحد أمرين إما أن يدعى أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها قال وهذا إحلة على جعاله وإثبات أمر مجرد الاحتمال وإما أن يدعى أن الإجماع على صحة ما في الصحيحين دليل على وقوع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على هذا الخطأ وهو ممتنع قال لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه قال وهذا فيه عسر قال ويلزم على هذا ألا يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصحيح ولا نقول هذا على شرط مسلم مثلا لأن الإجماع المدعي ليس موجودا في الخارج انتهى. قلت: على أنا قد قدمنا لك ما في الجماع من نظر هذا وفي الأسئلة الإمام تقي الدين السبكى للحافظ أبى الحجاج المزى وسألت عما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعنا هل نقول إنهما اطلعا على اتصالها قال كذا يقولون وما فيه إلا تحسين الظن بهما وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما يوجد من غير تلك الطريق التي في الصحيح. قال الحافظ ابن حجر وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط وأما ما

كان في المتابعات فيحتمل التسامح في تخريجها كغيرها. ويأتي للمصنف وجه حمل روايات الشيخين على ما ذكر ثم إذا عرفت ما نقلناه عرفت ما في كلام الزين الماضي وما في كلام المصنف الآى من قوله "وقال الحافظ أبو محمد عبد الكريم الحلبي في كتاب القدح المعلى قال أكثر العلماء إن المعنعنات التي هي في الصحيحين منزلة منزلة السماع" يقال هذه دعوى فأين دليلها "قلت: ويحتمل أنهما" أي الشيخين "لم يعرفا سماع ذلك المدلس الذي رويا عنه" كما ادعاه لهما النووي "لكن عرفا لحديثه من التوابع ما يدل على صحته مما لو ذكراه لطال" قلت: وعلى هذا يكون الصحيح الذي فيهما من هذا النوع صحيحا لغيره "فاختارا" أي الشيخان "إسناد الحديث إلى المدلس لجلالته وأمانته وانتفاء تهمة الضعف عن حديثه ولم يكن في التابعين الثقات الذي تابعوا المدلس من يماثله ولا يقاربه فضلا وشهرة مثل أن يكون مدلس الحديث سفيان الثوري والحسن البصري أو نحوهما ويتابعه على روايته عن شيخه أو عن شيخ شيخه" بالسماع "من هو دونه من أهل الصدق ممن" هو ليس بمدلس. حاصل هذا الوجه أن الشيخين رويا عن المدلس ما هو ثابت عندهما من طريق غيره بالسماع إلا أنهما آثرا الإتيان برواية المدلس لجلالته وأمانته وإن كان الأتيان منهما بالأدنى دون الأعلى في الرواية ثم هذه دعوى لهما كدعوى النووي وصاحب القدح المعلي وفيهما ما سلف من الإشكال. والمصنف قد أراد الجواب عنه بقوله "فأن قلت: فلم حملوا" أي أئمة الحديث "صاحبي الصحيح ونحوهما من أئمة الحديث على ذلك" أي مع أنه لا دليل عليه "قلت: لأنه إذا ثبت عن الثقة البصير بالفن الفارس فيه" كالشيخين "أنه لا يقبل المدلس بعن وأن التدليس عنده مذموم ثم رأيناه يروى أحاديث على هذه الصفة" أي مدلسة بعن "ويحكم صحتها كان نصه على عدم قبولها" الذي فرضناه "يدل على أنه قد عرف اتصالها من غير تلك الطريق" فهذا حكم لأئمة الصحيح بأن مارووه عن المدلسين فانه صحيح ومستند هذا الحكم إحسان الظن بهم لما عرف من قاعدتهم. قلت: إلا أنه قد يقال يلزم من هذا أن ما وجدناه ضعيفا من الرواة في كتاب الشيخين ونحوهما أن نحكم له بالصحة لما علم من أنهما قد التزما الصحة وقد عرفت أنه انتقد عليهما جماعة رويا عنهم وأقر الحافظ ذلك الانتقاد "بخلاف من لم

يعرف مذهبه في المدلسين" فإنا لا نحكم له بهذا الحكم فيما دلسه "وهذا الكلام ينزل منزلتين: إحداهما: أن يكون البخاري ومسلم ونحوهما ممن صحح حديث المدلسين قد نص على أن عنعنة المدلس غير صحيحة وأن يكون قد نص على أن ذلك المدلس مدلس عنده إذ من الجائز أنه لم يعرف أنه مدلس وقبل عنعنته بناء على عدالته". فقد عرفت من مجموع ما سلف من كلام المصنف وكلامنا أن بين الشيخين في الحديث المعنعن خلافا فالبخاري يشترط اللقاء بين الراوي ومن عنعن عنه ومسلم يكتفي بإمكانه وكل من الشيخين يرى المعنعن الذي على شرطه متصلا وحينئذ فما رواه كل واحد منهما بالعنعنة في كتابه فهو متصل على أصله وحجة يجب العمل بها عنده وأما عنعنة المدلس فهي نوع من مطلقها وليس لهما كلام خاص فيها وكأنه لذلك تردد المصنف في ذلك وفي قوله بناء على عدالته تأمل لأنهم لم يجعلوا التدليس قادحا في الراوي كما عرفت. "وفي هذه المنزلة يقوى حمل أئمة الحديث على ذلك" أي على أنهم قد عرفوا اتصال ما رووه عن المدلسين من غير تلك الطريق "قوة" مصدر تأكيدي بعد وصفه بقوله تطمئن إلخ صار نوعيا "تطمئن بها النفس" إلا أنه من البعيد أن يجهل الشيخان مثلا المدلسين من الرواة غاية البعد. "المنزلة الثانية أن لا يثبت نصهم على شيء من ذلك" أي لا على أن عنعنة المدلس غير صحيحة ولا على أن ذلك المدلس مدلس "أو يثبت" نصهم "على بعض ذلك" كعدم صحة حديث المدلس "دون بعض ولكن يغلب على الظن" أي ظن الناظر المجهتد "مع شهرة أولئك بالتدليس ومع معرفة أئمة الحديث لأحوال الرجال" يغلب في الظن "أنهم يعرفون تدليسهم ويغلب أيضا على الظن أنهم لا يقبلون عنعنة المدلسين" والأمارة التي تثير هذا الظن هي قوله "لأن حفاظ الحديث" ونقلة مذاهب أئمته في الرواة "ما نقلوا ذلك" أي قبول عنعنة المدلسين "عنهم" عن رأي أئمتهم "والعادة" المعزوفة لنقلة الحديث ومذاهب أئمته تقضي "بنقل مثله عن مثلهم فهذه المنزلة دون تلك في القوة بكثير" أي في الدلالة على أن أئمة الصحيح قد عرفوا اتصال ما رووه بالعنعنة عن المدلسين من غير تلك الطريق. "ومن ظن صحتها وترجحت له" بظن اتصالها "كان له أن يعمل بها" أي وجوبا كما

يأتي "ومن لم يحصل له ظن فله أن لا يعمل بها" إذ مدار العمل على العلم أو الظن والأول قد تعذر فلم يبق إلا الظن إلا أن كلامه ظاهر في عدم وجوب العمل بها عند حصول الظن والظاهر أنه يجب إذا لم يجد غيرها وقوله فله أن لا يعمل بها بل الظاهر أنه يحرم عليه العمل لأنه لا يكون إلا عن علم أو ظن والفرض عدمهما فكان الأولى أن يقول فعليه أن لا يعمل بها. "ويختلف الناس فيها" أي في المنزلة الثانية "على حسب اطلاعهم على أحوال هؤلاء في كتب تواريخ الرجال" ويحصل بذلك ظن الصحة أو عدمه. "لكن ليس لنا أن نحكم بتعذر المنزلة الأولى" ولا بثبوتها "إلا بعد البحث التام من أهل المعرفة التامة" عن النصين اللذين ذكرهما المصنف "والله أعلم" وذلك لأن الحكم على الأمور والنقلية إثباتا ونفيا لا يتم إلا بعد كمال الإستقراء لكتب تاريخ الرجال وكذلك المنزلة الثانية ليس لنا أن نحكم بتعذرها أو عدمه إلا بعد البحث التام أيضا فإنهما من الأمور النقلية أيضا. "فهذا الوجه" الذي "ذكروه" أي أئمة هذا الشأن في العذر عن رواية الشيخين عن المدلسين وهو ما نقله عن النووي وعن صاحب القدح المعلي وقد ذكر أيضا المصنف وجها من العذر لنفسه حيث قال قلت: ويحتمل إلى آخره ثم قال: "وعندي وجه آخر" أي في العذر عنهم في ذلك وسماه آخر إما بالنسبة إلى الوجه الذي تقدم له وهو غير هذا الوجه فإن الذي تقدم له هو احتمال أن الشيخين عرفا لما روياه عنه من الحديث المدلس توابع إلى آخر كلامه أو بالنسبة إلى ما اعتذر به غير أو بالنسبة إلى عذره السابق وعذر غيره "وهو أن التدليس الصادر عن الثقات الرفعا مثل تدليس سفيان الثوري والحسن البصري ونحوهما نوع من الضعف" في الرواية "والقريب المختلف في قبوله فهو مما ينجبر بالمتابعات" والشواهد حتى يصبر بهما صحيحا لغيره "وقد عرفنا من طريق مشيخة الحديث أن الضعف القريب إذا انجبر بكثرة المتابعات ارتقى من الضعف إلى القوة" حتى يصير صحيحا لغيره. "قال النووي وهذا" أي انجبار الضعيف بكثرة المتابعات "مشهور عنهم وروى النووي عن مسلم تنصيصا" أي نص عليه مسلم "أنه يروى الحديث بالإسناد الضعيف لعلوه ويترك الإسناد الصحيح النازل" لذلك الحديث الذي رواه بالإسناد الضعيف "لشهرته عند أهل هذا الشأن فيحصل للإسناد الضعيف بشهرة الإسناد الصحيح جابر

متابع وشاهد للإسناد الضعيف الذي رواه به" وهذا نص من مسلم أن في صحيحه رواية عن الضعفاء. "قلت: وليس بالإسناد الضعيف بمعنى المردود وإنما هو المشتمل على رجال من أهل العدالة والصدق لكن من حفظهم ضعف لم يبلغ إلى مرتبة الرد كما بينته فيما تقدم" وقد لا يكون قلت: فلا وجه للحصر بأنما في قوله وإنما هو إلى آخره "فافهم عرف القوم وهذا الوجه يزداد قوة إذا ثبت معرفة المصحح لأولئك المدلسين كما تقدم" فإنه لا يصحح عن حديثهم إلا ما ثبت عنده اتصاله من طريق آخري. إذا عرفت هذا فقد استفيد من مجموع ما تقدم أن في الصحيحين أحاديث هي في نفسها ضعيفة لكنها منجبرات بمتابعات وشواهد ونحوها وإذا تذكرت ما تقدم لهم من صحة ما في الصحيحين إلا ما انتقد عليهما علمت أنها صحة للذات أو للغير. واعلم أن في قول المصنف الرفعاء إشارة إلى أن في المدلسين في رواة الصحيحين أقواما ليسوا من الرفعاء. وقد قال الحافظ ابن حجر المدلسون الذين خرج حديثهم في الصحيحين ليسوا في مرتبة واحدة في ذلك بل هم على مراتب: الأولى: من لم يوصف بذلك إلا نادرا وغالب رواياتهم مصرحة بالسماع والغالب أن إطلاق من أطلق ذلك عليهم فيه تجوز من الإرسال إلى التدليس ومنهم من يطلق ذلك بناء على الظن ويكون التحقيق بخلافه ثم عد جماعة وجعلهم ثلاث طبقات وسرد أسماءهم من دون بيان أحوالهم فاتبعنا كل اسم بيان حاله تكميلا للإفادة كما ستمر بك. ثم قال فمن هذا أيوب السختياني قلت: قال النووي في تهذيبهم الثقات هو إمام التابعين أبو بكر بن أبي تميم السختياني بكسر التاء قال ابن عبد البر وغيره كان يبيع السختياني بالبصرة وأي أنس بن مالك رضي الله عنه اتفقوا على جلالته وأمانته وحفظه وتوثيقه ووفور علمه وفقهه وسيادته وأطال الثناء عليه ولم يذكره بتدليس. قال وجرير بن حازم قلت: بالحاء المهملة وبعد الألف زاي هو الأزدي البصري أحد الأئمة الكبار الثقات. قال الذهبي قال يحيى القطان كان جرير يقول في حديث الضبع عن جابر عن عمر ثم جعل بعد عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن

الضبع فقال هي من الصيد انتهى1 فأفاد أنه دلس هذا ولم يصفه بالتدليس لأنه في روايته الأخرى صرح عن جابر عن عمر فلا تدليس. قال والحسين بن واقد قلت: أخرج له مسلم والأربعة وثقة ابن معين ويغره واستنكر له أحمد بعض حديثه وحرك رأسه كأنه لم يره. قال وحفص بن غياث قلت: أخرج له الستة قال الذهبي أحد الأئمة الثقات وثقة ابن معين والعجلي وقال أبو زرعة ساء حفظه بعد ما استقضى فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح. قال وسليمان التيمي قلت: هو ابن طرخان أبو المعتمر البصري نزل في التيمم فنسب إليهم ثقة عالم أخرج له الستة. قال وطاووس قلت: ابن كيسان اليماني يقال اسمه ذكوان وطاووس لقبه ثقة فقيه أخرج له الستة. قال وأبو قلابة قلت: بكسر القاف آخر موحدة وبعدها تاء تأنيث هو عبد الله بن زيد الجرمي ثقة فاضل الإرسال أخرج له الستة. قال وعبد ربه بن نافع قلت: هو ابن شهاب الكناني الحناط الحاء المهملة فنون صدوق يهم أخرجوا له ما عدا الترمذي. قال والفضل بن ذكين قلت: بالمهملة مضمومة بزنة التصغير أبو نعيم وهو الكوفي ثقة أخرج له الستة. قال وموسى بن عقبة بن أبي عياش قلت: بمثناة تحتية فمعجمة آخره هو الأسدي مولى آل الزبير فقيه ثقة إمام في المغازي لم يصح أن ابن معين لمينه أخرج له الستة. قال وعبد الله بن وهب قلت: هو ابن مسلم القرشي فقيه ثقة حافظ عابد أخرج له الستة. قال وهشام بن عروة قلت: أي ابن الزبير بن العوام ثقة فقيه ربما دلس أخرج له الستة. قال ويحيى بن سعيد قلت: هو الأنصاري المدني القاضي ثقة ثبت.

_ 1 أبو داود 3801. والترمذي 1792, والنسائي 7/200, والدارمي 1941.

فهؤلاء الرفعاء من المدلسين في الصحيحين ممن لم يوصف بالتدليس إلا نادرا وغالب رواياتهم على السماع. الثانية: من أكثر الأئمة من أخراج حديثه إما لأمانته أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى من الحديث الكثير أو أنه كان لا يدلس إلا عن ثقة. فمن هذا الضرب إبراهيم بن زيد النخعي قلت: هو الفقيه الثقة يرسل كثيرا أخرج له الستة. قال وإسماعيل بن أبي خالد هو الأحمسي مولاهم البجلي ثقة ثبت أخرج له الستة. قال: وبشير بن المهاجر هو الغنوي بالغين المعجمة والنون صدوق لين الحديث رمى بالأرجاء أخرج له الستة إلا البخاري. قال: والحسن بن ذكران قلت: بالمعجمة هو أبو سلمة البصري صدوق يخطئ ورمة بالقدر كان يدلس. قال: والحسن البصري قدمنا بيان حاله. قال: والحكم بن عتيبة قلت: بالعين المهملة فمثناه فوقيه فمثناه تحتية فموحدة مصغر أبو محمد الكندي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس أخرج له الستة. قال: وحماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي أبو أسامة مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس أخرجوا له. قال وزكرياء بن أبي زائدة قلت: هو أبو يحيى الكوفي ثقة كان يدلس أخرجوا له. قال: وسالم بن أبي الجعد قلت: هو الغطفاني الأشجعي مولاهم كوفي ثقة كان يرسل كثيرا. قال: وسعيد بن أبي عروبة قلت: أي ابن مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة. قال: وسفيان الثوري قلت: قدمنا بيان حاله وسفيان بن عيينة كذلك أيضا. وشريك القاضي هو ابن عبد الله النخعي القاضي بواسطة أبو عبد الله صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه بعد ولي القضاء بالكوفة وكان عالما فاضلا عابدا.

وعبد الله بن عطاء المكي صدوق ويخطئ ويدلس. قال: وعكرمة بن خالد المخزومي ثقة. قال: ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير خازم بالخاء والزاي المعجمتين ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره. قال: ومخرمة بن بكير قلت: ابن أبي عبد الله بن الأشج المدني صدوق وروايته عن أبيه وجادة من كتابه. ويونس بن عبيد بن أبي دينار العبدي أبو عبيد البصري ثقة ثبت فاضل ورع. انتهى. وصف من ذكره ابن حجر في النكت مسرودا وأوصافهم نقلناها من كتابه التقريب. ثم قال في النكت. الثالثة من أكثروا التدليس وعرفوا به وهم بقية ابن الوليد قد قدمنا بيان حاله. وحبيب بن أبي ثابت قلت: هو الأسدي مولاهم أبو يحيى ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس أخرج له الستة. قال: وحجاج بن أرطاة قلت: هو بفتح الهمزة أبو أرطاة النخعي الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس أخرج له مسلم والأربعة والبخاري في التأريخ. قال: وحميد الطويل قلت: هو ابن أبي حمد الطويل أبو عبيد البصري ثقة مدلس أخرج له الستة. قال: وسليمان الأعمش قلت: تقدم بيان حاله. قال: وسويد بن سعيد قلت: هو أبو محمد صدوق في نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول أخرج له مسلم والترمذي. قال: وأبو سفيان المكي وعبد الله بن أبي تحبيح قلت: وهو يسار المكي ثقة رمى بالقدر وربما دلس. قال: وعباد بن منصور قلت: هو الناجي بالنون والجيم أبو سلمة البصري القاضي رمى بالقدر صدوق وكان يدلس وتغير بآخرة أخرج له الأربعة. وعبد الرحمن المحاربي هو أبو محمد الكوفي لا بأس به وكان يدلس.

وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو أخرج له الستة صدوق يخطئ وكان مرجيا أفرط ابن حبان فقال متروك أخرج له مسلم الأربعة وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج هو الأموي مولاهم المكي فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل أخرج له الستة. وعبد الملك بن عمير ثقة فقيه عالم تغير حفظه ربما يدلس أخرج له الستة. وعبد الوهاب بن عطاء الحفاف هو البصري العجلي مولاهم يرسل صدوق ربما أخطأ أنكورا عليه حديثا في العباس فقال دلسه عن تعمد. وعكرمة بن عمار العجلي أبو عمار الناجي أصله من البصرة صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن كثير اضطراب. وعمرو بن عبيد الطنافسي بفتح الطاء والنون بعد ألفه فاء مكسورة ثم مهملة هو الكوفي صدوق أخرج له الستة. وعمرو بن عبيد الله أبو اسحق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة مكثر ثقة عابد اختلط بأخرة أخرج له الستة. وعيسى بن موسى عنجار بضم المعجمة وسكون النون بعدها جيم وهو أبو أحمد صدوق ربما أخطأ وربما يدلس يكثر من التحديث عن المتروكين. وقتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري ثقة ثبت أخرج له الستة. ومبارك بن فضالة يفتح الفاء وتخفيف المعجمة أبو فضالة البصري صدوق مدلس ويسوي لم يخرج له الشيخان وأخرج له ابن حبان والترمذي وأبو داود. ومحمد بن اسحق بن يسار المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي صدوق يدلس أخرج له مسلم والأربعة. ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي هو أبو المنذر البصري صدوق بهم أخرج له البخاري والأربعة غير ابن ماجه. ومحمد بن عجلان هو المدني صدوق إلا أنها اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة أخرج له مسلم والأربعة. ومحمد بن عيسى هو بن تحبيح البغدادي أبو جعفر ثقة فقيه لم يخرج له الشيخان إنما أخرج له الأربعة وابن حبان. ومحمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير بفتح المثناة الفوقية وسكون الدال المهملة

وضم الراء الأسدي مولاهم صدوق إلا أنه يدلس أخرج له الستة. ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري فقه حافظ متفق على جلالته وإتقانه. قلت: لم يذكره الذهبي في الميزان مع أنه ألفه لمن تكلم فيه فما كان يحسن أن يعده الحافظ ابن حجر في هذه الطبقة بعد قوله إنه اتفق على جلالته وإتقانه. ومروان بن معاوية الفراري هو من شيوخ أحمد ثقة مشهور تكلم فيه بعضهم لكثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين كان ثبتا حافظا أخرج له الستة. والمغيرة بن مقسم بكسر الميم هو الضبي مولاهم أبو هاشم الكوفي الأعمى ثقة متقن إلا أنه كان يدلس لا سيما عن إبراهيم أخرج له الستة. ومكحول الشامي هو ثقة فقيه لكنه يكثر الإرسال أخرج له مسلم والأربعة. وهشام بن حسان هو الأزدي أبو عبد الله البصري ثقة وأثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قال كان يرسل عنهما أخرج له الستة. قال: وهشيم بن بشير قلت: بموحدة ومعجمة يزنة عظيم ثقة ثبت كثير التدليس أخرج له الستة. قال: والوليد بن مسلم الدمشقي قلت: هو القرشي مولاهم ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية أخرج له الستة. قال: ويحيى بن أبي كثير قلت: هو الطائي مولاهم أبو نصر اليماني ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل. قال: وأبو حمزة قلت: بالحاء المهملة والزاي المشددة هو خليفة الرقاشي بفتح الراء وبالقاف مشهور بكنيته قيل اسمه حكم ثقة. فهذه أسماء من ذكر التدليس من رجال الصحيحين ممن أخرجا حديثه أو أحدهما أصلا أو استشهادا أو تعليقا على مراتبهم في ذلك وهم بضعة وستون نفسا ساقهم الحافظ ابن حجر في نكته وبينا أحوالهم من التقريب كثيرا ومن الميزان وهو الأقل وقوله ممن أخرجا حديثه أو أحدهما فيه نظرية ففي من عده من لم يخرجا له ولا أحدهما شيئا. "قال الزين في التدليس ذمة أكثر العلماء وهو مكروه جدا وروى الشافعي عن

شعبة أنه قال لأن أزني أحب إلى من أن أدلس" ضبطه بعضهم بالمهملة ثم موحدة مضموم الهمزة قال فإن الربا أخف من الزنا قال وفيه أيضا مناسبة فإن الربا أصله التكثر والزيادة ومتى دلس فقد كثر مروياته بذلك الشيخ الذي ارتقى إليه وأوهم كثرة مشايخه عند ما عمى أوصافهم قال شيخنا وقوله إن الربا بالموحدة أخف ليس كذلك ففي بعض الأحاديث لأن يأكل الرجل درهما من ربا أشد من كذا وكذا زنية قاله البقاعي. "قال ابن الصلاح: وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير" وذمه أيضا جماعة من أقران شعبة وأتباعه فروينا عن عبد الصمد ابن عبد العزيز عن أبيه أنه قال التدليس ذل وحكى عبدان عن ابن المبارك أنه ذكر بعض من يدلس فذمه ذما شديدا وقال دلس للناس أحاديثه والله لا يقبل تدليسا وقال وكيع لا يحل تدليس القوت فكيف تدليس الحديث وعن أبي عاصم النبيل قال أقل حالات المدلس عندي أن يدخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ذكر ذلك الحافظ. فائدة: قال الحاكم: أكثر أهل الكوفة يدلسون والتدليس في أهل الحجارة قليل جدا وفي أهل بغداد نادر والله أعلم. "القسم الثاني: من التدليس تدليس الشيوخ قال ابن الصلاح: وهو أخف من الأول" لو قال الأول أشد من سدا لكان أولى لأنه ليس في واحد منهما خفة لكن قد يطلقون أفعل ولا يريدون حقيقة معناه والمراد هنا هذا أقل شدة من الأول وإن كانت العبارة لا تفي به. "وهو أن يصف المدلس شيخه الذي سمع منه بوصف لا يعرف به من اسم أو كنية أو قبيلة أو بلد أو صنعة أو نحو ذلك" لكي "يوعر" يعسر "الطريق على معرفة السامع له". قال الحافظ ابن حجر ليس قوله مما لا يعرف به قيدا بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا كقول الخطيب أخبرنا علي ابن أبي على البصري ومراده بذلك أبو القاسم علي بن أبي علي الحسن بن علي التنوخي وأصله من البصرة فقد ذكره بما يعرف به لكنه لم يشتهر بذلك وإنما اشتهر بكنيته واشتهر أبوه باسمه واشتهرا بنسبتهما إلى القبيلة لا إلى البلد ولهذا نظائر كصنيع البخاري في الذهلى فإنه

تارة يسميه فقط فيقول حدثنا محمد ابن عبد الله فينسبه إلى جده وتارة يقول محمد بن خالد فينسبه إلى والد جده وكل ذلك صحيح إلا أن شهرته بمحمد بن يحيى الذهلي والله الموفق "كقول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله" والحال أنه "يريد عبد الله بن أبي داود السجستاني أو نحو ذلك" من الأمثلة. "قال ابن الصلاح: وفيه" أي في هذا القسم من التدليس "تضييع للمروى عنه" بعدم معرفة عينه ولا حاله. "قال زين الدين: و" فيه تضييع "للحديث المروي أيضا بأن لا يتنبه له فيصير بعض رواته مجهولا" فهذه مفسدة عظيمة في هذا القسم منه. "قلت: وإنما كان أخف من" القسم "الأول" من التدليس وهو تدليس الإسناد "لأنه قال زال الغرر فإن شيخه الذي دلس اسمه" لا يخلو "إما أن يعرف فيزول الغرر أولا يعرف فيكون في الإسناد مجهول كما قاله زين الدين قال زين الدين: ويختلف الحال في كراهية هذا القسم باختلاف المقصد" للمدلس "الحامل له على ذلك" التدليس "فشر ذلك أن يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه ضعيفا فيدلسه حتى لا تظهر روايته عن الضعفاء" وهذا غش للمسلمين. "قلت: إذا كان يعتقد أن ضعف من دلسه ضعف يسير يحتمل وعرفه بالصدق والأمانة واعتقد وجوب العلم بخبره لما له من التوابع والشواهد وخاف من إظهار الرواية عنه وقوع فتنة من غال مقبول" عند الناس "ينهى عن حديث هذا المدلس ويترتب على ذلك سقوط جملة من السنن النبوية فله أن يفعل مثل هذا ولا حرج عليه" لأنه إنما قصد بتدليسه نصح المسلمين في الحقيقة وإيثار المصلحة على المفسدة. "وقد دلس عن الضعفاء إمام أهل الرواية والدراية ومن لا يتهم في نصحه للأئمة سفيان بن سعيد الثوري" سبق بيان حال إمامته في الدين "فمن مثل سفيان في منقبة واحدة من مناقبه أو من يبلغ من الرواة إلى أدنى" مرتبة من "مراتبه ولولا هذا المذر ونحوه من" الأعذار "الضروريات ما دلس الحديث أكابر الثقات من أهل الديانة والأمانة والنصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولجميع أهل الإسلام وقد روى أن رواة الحديث وأهل العلم في بعض أيام بني أمية" وهي أيام عبد الملك وولاته كالحجاج "وبعض بلدانهم كانوا لا يقدرون على إظهار الرواية عن علي عليه السلام" لشدة عدوانهم له ولمن ذكره.

"قال زين الدين: وقد يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه صغيرا في السن أو تأخرت وفاته وشاركه فيه من هو دونه وقد يكون الحامل إيهام كثرة الشيوخ قلت: وهذا مقصد يلوح على صاحبه بمحبته الثناء وشوب الإخلاص" إذا إيهام كثرة الشيوخ دال على محبته لمدحه بكثرة ملاقاة من أخذ عنه وهمته ورغبته "مع أن له محملا صالحا إذا تؤمل وهو أن يكون كثير الشيوخ أجل قدرا مع من لا يميزوهم الأكثرون فيكون ذلك داعيا لهم إلى الأخذ عن الراوي وذلك" أي الإيهام لكثرة الشيوخ ليأخذ عنه الناس "يشتمل على قربة عظيمة وهي إشاعة الأخبار النبوية". "قال زين الدين: وممن اشتهر بالقسم الثاني: من التدليس" وهو تدليس الشيوخ "أبو بكر الخطيب" فقد "كان لهجابه في تصانيفه" قال الحافظ ابن حجر ينبغي أن يكون الخطيب قدوة في ذلك وأن يستدل بفعله على جوازه فإنه إنما يعمى على غير أهل الفن وأما أهله فلا يخفى ذلك عليهم لمعرفتهم بالتراجم ولم يكن الخطيب يفعل ذلك إيهاما الكثرة فإنه مكثر من الشيوخ والمرويات والناس بعده عيال عليه وإنما يفعل ذلك تفننا في العبارة. "قال زين الدين: ولم يذكر ابن الصلاح حكم من عرف بهذا النوع من التدليس" مع ذكره لحكم من دلس تدليس الإسناد كما عرفته قال زين الدين: "وقد جزم ابن الصباغ في العدة بأن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس" أي إذا كان الحامل له على تدليسه ذلك "وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب" خبر من فقل ذلك "أن لا يقبل خبره وإن كان هو" أي المدلس "يعتقد فيه" أي فيمن دلسه "الثقة فقط غلط في ذلك لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه قلت: وفي هذا" الذي جزم به ابن الصباغ "نظرا لأنه إما أن يغير اسمه إلى اسم ثقة آخر محتج به مع أن الذي دلسه ثقة" عنده "محتج به فليس فيه إلا أن يتضمن تعديلا غير مبين السبب لرجل مبهم غير معين وهو ذلك المدلس" أي الذي طوى ذكره ووضع اسم الثقة موضع اسمه فكأنه قال حدثني الثقة وهذا تعديل إجمالي. "فأما الإجمالي في التعديل فالصحيح في الأصول وعلوم الحديث أنه يكفي لتعسر ذكر أسباب العدالة كما يأتي" من أنه يقبل التعديل الإجمالي. "وأما توثيق الرجل المبهم فالصحيح الذي عليه العمل جوازه" وذلك "لأن المتأخرين قد اتفقوا على العمل بما حكم بصحته الأئمة من غير بحث عن الإسناد" كما قدمنا تحقيقه.

"وأما قوله" أي ابن الصباغ في تعليل عدم قبول المدلس تدليس الشيوخ "إنه يجوز أن يعرف غيره من جرحه" أي من جرح من طوى اسمه "ما لا يعرفه" الطاوي لاسمه المعتقد ثقته "فذلك لا يمنع من توثيقه" له أي من اعتقاد أنه ثقة "ولا" يمنع أيضا "من قبول توثيقه من لأن الأصل عدم ذلك الجائز" فإن من أخبر العدل أنه ثقة قبل خبره وارتفع تجويز عدم عدالته تجويزا يمنع من قبوله. "ومتى وقع ذلك الجائز وهو اطلاع الغير على حرج في ذلك الموثق فمن علم بذلك الجرح متعبد بعد علمه باجتهاده في قبول لا حرج إن كان مطلقا أو رده أو ترجيح الجرح على التوثيق أو العكس أو العمل بالمتأخر منهما" كما هو معروف من الوجوه عند تعارض الجرح ولا تعديل "ولو كان التجويز" في الثقة أنه غير ثقة "يمنع من العمل في الحال لم يحل لنا قبول ثقة قط تجويز أن نطلع نحن" بعدحين "على ما يجرحه والله أعلم". خلاصته أنا نحن متعبدون بقبول من هو عدل ثقة في الحال الراهنة من غير نظر إلى تجويزخلاف ما عرفناه وهذا إذا دلسه المدلس وغير اسمه إلى اسم ثقة "وأما إن غيره إلى اسم مجروح فالحديث مردود ولا تدليس" لأن ذكر المجروح رفع التدليس "وأما إن لم يغيره إلى اسم غيره" بل أتى به باسمه غير المشهور بلفظه "فقد غيره إلى مجهول الذات والإسلام". في هذا الكلام تأمل فينظر في نسخ التنقيح ويحتمل أنه يريد المصنف أن كونه لم يغيره بل أسقطه فيكون قد أحال على مجهول الذات والإسلام إلا أنه لو أراد هذا لكان الصواب أن يقول فإن أسقطه فقد أحال على مجهول الذات والإسلام ويكون فقد خرج عن العهدة أي عهدة التدليس والنقل إلى رواية منقطعة إلا أن قوله فإن حكم إلخ يشعر أنه تفريع عن التدليس لا عن من أسقط الراوي بقوله فلا ذنب وقوله لأن المدلس قد حكم بها والذي ظهر لي أن كلام المصنف لا يخلو عن الاضطراب "فقد خرج من العهدة فإن حكم أحد بصحة الحديث من غير معرفة فلا ذنب للمدلس وإن حكم بالصحة لأن المدلس قد حكم بها قد تبعه" أي يتبع المدلس "في القول بصحة الحديث واكتفى بمجرد تصحيحه من غير كشف ولا ذنب له في ذلك أيضا البتة". واعلم أن المصنف قد ذكر عن الزين في الحامل على التدليس أنه قد يكون لصغر

سن المروي عنه ولم يذكر حكم هذا القسم مع ذكره لحكم بعض الأقسام وقد ذكره الزين عن ابن الصباغ فقال وإن كان لصغر سنه فذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف من روى عنه. وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال فيه نظر لأنه يصير بذلك مجهولا عند من لا خبرة له بالرجال وأحوالهم وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا فمن أحاط علما بذلك لا يكون الرجل المدلس عنده مجهولا وتلك أنزل مراتبه وقد بلغنا أن كثيرا من الأئمة الحفاظ امنحنوا طلبتهم المهرة بمثل ذلك فشهد لهم بالحفظ لما تسارعوا إلى الجواب عن ذلك وأقرب ما وقع من ذلك أن بعض أصحابنا كان ينظر في كتاب العلم لأبي بكر بن أبي عاصم فوقع في أثنائه حدثنا الشاعي حدثنا ابن عيينة فذكر حديثا فقال لعله سقط منه شيء فالتفت إلي فقال ما تقول فقلت: الإسناد متصل وليس الشافعي هذا محمد ابن إدريس الإمام بل هذا ابن عمه إبراهيم بن محمد بن العباس ثم استدللت على ذلك بأن ابن أبي عاصم معروف بالرواية عنه وأخرجت من الكتاب المذكور روايته عنه وقد سماه ولقد كان ظن الشيخ في السقوط قويا لأن مولد ابن أبي عاصم بعد وفاة الشافعي الإمام بمدة وما أحسن ما قال ابن دقيق العيد إن تدليس الثقة مصلحة وهي امتحان الأذهان في استحراج ذلك وإلقاؤه إلى من يراد اختيار حفظه ومعرفته بالرجال وفيه مفسدة من حيث إنه قد يخفى فيصير الراوي المدلس مجهولا لا يعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلا في نفس الأمر قال الحافظ وقد نازعته في كونه يصير مجهولا عند الجميع لكن من مفسدته أن يوافق ما يدلس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفا وهو في نفس الأمر صحيح وعكس هذا في حق من يدلس الضعيف ليخفي أمره فينتقل من رتبة من يرد خبره مطلقا إلى رتبة من يتوقف فيه فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن أخذ ذلك الراوي عنه فمفسدته أشد كما وقع لعيطة العوفي في تكنيته محمد ابن السائب الكلبي أبا سعيد فكان إذا حدث عنه يقول حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري لأن عطية كان قد لقيه وروى عنه وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ انتهى. قال الحافظ ابن حجر تنبيه: ويلحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلاد كما إذا قال

المصري حدثني فلان بالأندلس فأراد موضعا بالقرافة أو قال بزقاق حلب وأراد موضعا بالقاهرة أو قال البغدادي حدثني فلان بما وراء النهر وأراد نهر دجلة أو قال بالرقة وأراد بستانا على شاطئ دجلة أو قال الدمشقي حدثني بالكرك وأراد كرك نوح وهو بالقرب من دمشق ولذلك أمثلة كثيرة وحكمه الكراهة لأنه يدخل في باب التشيع وإيهام الرحلة في طلب الحديث إلا أن تكون هنالك قرينة تدل على عدم إرادة التكثر فلا كراهة. انتهى. "القسم الثالث" من التدليس "وهو شر أقسام التدليس وهو تدليس التسوية وصورته أن يروي حديثا عن شيخ ثقة وذلك الثقة يرويه عن ضعيف غير ثقة عن ثقة فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأولى فيسقط الضعيف من السند ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني: بلفظ محتمل فيسوي الإسناد كله ثقات ولهذا سمي تدليس التسوية" قال زين الدين: إنه لم يذكر ابن الصلاح هذا القسم. قال الحافظ ابن حجر وفيه مشاححة فإن التسوية على تسميتها تدليسا هي من قبيل القسم الأول وهو تدليس الإسناد فلم يترك قسما ثالثا وإنما ترك تفريع القسم الأول أو أخل بتعريفه ثم قال والتسوية هي أعم من أن تكون بتدليس أو لم تكن قال ومثال التسوية التي لا تدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أن مالكا سمع عن ثور ين زيد أحاديث عن عكرمة عن ابن عباس ثم حدث بها عن ثور عن ابن عباس وحذف عكرمة لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه فهذا قد سوى الإسناد بإبقاء من هو عنده ثقة وحذف من ليس بثقة فالتسوية قد تكون بلا تدليس وتكون بالإرسال فهذا تحرير القول فيها وقد وقع هذا لمالك في مواضع أخرى وعد الحافظ روايات وقعت لمالك كذلك ثم قال فلو كانت التسوية تدليسا لعد مالك في المدلسين وقد أنكروا على من عده منهم ثم قال فعلى هذا فقول شيخنا وصورة هذا القسم ثم سرد ما سرده المصنف إلى آخر كلامه تعريف غير جامع بل حق العبارة أن يقول أن يجيء الراوي ليشمل المدلس وغيره إلى حديث قد سمعه من الشيخ وسمعه ذلك الشيخ من آخر عن آخر فيسقط الواسطة بصيغة محتملة فيصير الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل ثم ذكر أن من التسوية في اصطلاحهم أن يسقط من السند الواحد وإن كان ثقة فيكون السند غالبا مثلا فلا تختص التسوية بإسقاط الضعيف. "وهذا شر أنواع التدليس لأن شيخه وهو الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس.

فلا يتحترز الواقف على السند عن عنعنته وأمثالها من الألفاظ المحتملة التي لا يقبل مثلها من المدلسين ويكون هذا المدلس الذي يتحرز من تدليسه" أي المدلس بالتسوية "قد أتى بلفظ السماع الصريح عن شيخه فأمن بذلك من تدليس" قال زين الدين: وفي هذا غرور شديد. "وممن نقل عنه أنه كان يفعل ذلك بقية بن الوليد" وقد قدمنا ما قيل فيه بل وذكرنا جماعة ممن سوى فيما سردناه من ذكر الدليسين في الصحيحين أو أحدهما "والوليد بن مسلم" قال الذهبي أنكر ما أتى به الوليد بن مسلم حديث حفظ القرآن ورواه الترمذي "والأعمش والنووي" كما قدمنا في بيان حالهما. "وبقية والوليد بن مسلم ممن ينبغي الاحتراز من تدليسهما لا سيما تدليس الوليد ابن مسلم إذا أتى بعن عن الأوزاعي وابن جريج" قال زين الدين: قال أبو مسهرة كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وقال صالح جزرة سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت: للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعي قال كيف قلت: تروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري أبا الهيثم بنمرة وفروة قال أمثل الأوزاعي يروي عن هؤلاء قلت: فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث ومناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من حديث الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي. "قال الذهبي: وإذا قال" يعني الوليد بن مسلم "حدثنا فهو حجة قلت: ما تغني" من الأغنياء بالغين المعجمة والنون "عنك حدثنا الأوزاعي إذا جاء بلفظ محتمل بعد الأوزاعي فلهذا قال الحافظ العلائي إن هذا الجنس أفحش أنواع التدليس وشرها قلت: ولعل من جرح بالتدليس يحتج بأنه لا شك أن قصد المدلس الإيهام في موضع الخلاف فلا يؤمن تدليس التسوية من كل مدلس وإن لم يشعر به أحد وذلك يقتضي رد ما قال فيه سمعت وحدثنا وفي الإيهام في موضع الخلاف نوع من الجرح في الرواية وإن لم يجرح في الديانة ولذلك قال شعبة لأن أزني أحب إلى من أن أدلس والله أعلم". قال البقاعي: سألت شيخنا يريد به الحافظ ابن حجر هل تدليس التسوية جرح قال لا شك أنه جرح فإنه خيانة لمن ينقل إليهم وغرور فقلت: كيف يوصف به

الثوري والأعمش مع جلالتهما فقال أحسن ما يعتذر به في هذا الباب أن مثلهما لا يفعل ذلك إلا في حق من يكون ثقة عنده ضعيفا عند غيره. "قلت: وفي أقسام التدليس قسم رابع لم يذكره ابن الصلاح ولا زين الدين وهو أن يقول المدلس حدثنا فلان وفلان وينسب السماع إلى شيخين فأكثر ويصرح بالسماع ويقصد قصر اتصال السماع على أول من ذكره ويوهم بعطف الشيخ الثاني: عليه أنه سمع منه وإنما سمع من الأول يجعل الثاني" في قصده "مبتدأ خبره ما بعده مما يصح فيه ذلك أو نحوه من التأويلات المخرجة له عن تعمد الكذب وحكى هذا النوع الحاكم عن هشيم وحكم فاعله حكم الذي قبله". قلت: قد ذكر هذا القسم من التدليس الحافظ ابن حجر حيث قال وقد فاتهم من تدليس الإسناد نوع آخر وهو تدليس العطف وهو أن يروى عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع من أحدهما دون الآخر فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني: عليه فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضا وإنما حدث بالسماع عن الأول ونوى القطع فقال وفلان أي حدث فلان مثاله ما رويناه في علوم الحديث للحاكم قال اجتمع أصحاب هشيم فقالوا لا نكتب عنه اليوم مما يدلسه ففطن لذلك فلما جلس قال حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم فحدث بعدة أحاديث فلما فرغ قال هل دلست لكم سيئا قالوا لا قال بلى كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئا انتهى فهذا تهو الذي ذكره المصنف وقد سماه ابن حجر تدليس العطف. ثم قال الحافظ: وفاتهم فرع آخر أيضا وهو تدليس القطع مثاله ما رويناه في الكامل لأبي أحمد بن عدي وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول حدثنا ثم يسكت وينوى القطع ثم يقول هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. انتهى. قال البقاعي والتحقيق أنه ليس إلا قسمان تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ ويتفرع على الأول تدليس العطف وتدليس الحذف وأما تدليس التسوية فيدخل في القسمين فتارة يصف شيوخ السند بما لا يعرفون من غير إسقاط فتكون تسوية الشيوخ وتارة يسقط الضعفاء فتكون تسوية السند وهذا يسميه القدماء تجويدا فيقولون جوده فلان يريدون ذكر من فيه من الأجواد وحذف الأدنياء. انتهى. * * *

مسألة (36) : في بيان الشاذ

مسألة:36 [في بيان الشاذ] "الشاذ" في لغة الانفراد قال الجوهري شذ يشذ ويشذ بضم الشين وكسرها أي انفرد عن الجمهور. "اختلفوا فيه فقال الشافعي ليس الشاذ أن يروى الثقة مالا يرويه غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس" أخرجه الحاكم عن الشافعي من طريق ابن خزيمة عن يونس ابن عبد الأعلى قال قال لي الشافعي إلى آخره "وذكر أبو يعلي الخليلي عن جماعة من أهل الحجاز نحو هذا وقال الحاكم: هو الذي يتفرد به ثقة وليس له أصل يتابع ذلك الثقة فلم يشترط مخالفة الناس". قال البقاعي: قال شيخنا أسقط يريد الدين من قول الحاكم قيدا لا بد منه وهو أنه قال وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ويشير إلى هذا قوله ويغاير المعلل. قال الحافظ ابن حجر الحاصل من كلامهم أن الخليلي سوى بين الشاذ والفرد المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح وغير الصحيح فكلامه أعم وأخص منه كلام الحاكم لأنه يقول إنه تفرد الثقة فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ وأخص منه كلام الشافعي لأنه يقول إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه ويلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم لكن الشافعي صرح بأنه أي الشاذ مرجوح وأن الرواية الراجحة أولى وهي ما لا شذوذ فيها لكن هل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة محل توقف انتهى فإن قلت: قد تقدم لهم في رسم الصحيح قيد أن لا يكون شاذا وهو يفيد أن الشاذ لا يكون صحيحا لعدم شمول رسمه له. قلت: لا يعذر لمن اشترط نفي الشذوذ عن الصحيح أن يقول بأن الشاذ ليس بصحيح

بذلك المعنى. إن قلت: من كان رأيه أنه إذا تعارض الوصل والإرسال وفسر الشاذ بأنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه أنه يقدم الوصل مطلقا سواء كان رواة الإرسال أقل أو أكثر أحفظ أم لا فإذا كان راوي الإرسال أرجح ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف نحكم له بالصحة مع شرطهم في الصحيح أن لا يكون شاذا هذا في غاية الإشكال. قلت: قال الحافظ ابن حجر إنه يمكن بأن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في رسم الصحيح إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال والفقهاء وأهل الأصول لا يقولون بذلك فأهل الحديث يشترطون أن لا يكون الحديث شاذا ويقولون إن من أرسل عن الثقات فإن كان أرجح ممن وصل م الثقات قدم والعكس ويأتي فيه الاحتمال عن القاضي وهو أن الشذوذ إنما يقدح في الاحتجاج لا في التسمية. "وذكر" أي الحاكم "أنه" أي الشاذ "يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك" فافترقا. قال الحافظ ابن حجر وهو على هذا أدق من المعلل بكثير فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة ورزقه الله نهاية الملكة. انتهى. "وقال أبو يعلي الخليلي" في تعريف الشاذ عن أهل الحديث "الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غيره ثقة" وملخص الأقوال أن الشافعي فيد الشاذ بقيدين الثقة والمخالفة والحاكم قيد بالثقة فقط على ما قاله المصنف والخليلي على نقله عن حفاظ الحديث لم يقيده بشيء ثم قال الخليلي "فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل" فإنه لا يقبل ولو كان حديثه غير شاذ فكيف معه "وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به" فإن قلت: هذه زيادة ثقة لتفرده بما روى عن غيره كما ينفرد راوي الزيادة وقد قبل فما الفرق قلت: يأتي لهم الفرق إن شاء الله تعالى. "ففي رواية الخليلي هذه عن حفاظ الحديث أنهم لم يشترطوا في الشاذ مخالفة الناس" كما لم يشرطها الحاكم ولا تفرد الضعيف الأولى ولا تفرد الثقة لأنه الذي

شرطه الأولون "بل مجرد التفرد ورد ابن الصلاح ما قاله الخليلي والحاكم" فقال ابن الصلاح: بعد حكايته لما سلف ما لفظه أما ما حكم عليه الشافعي بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول وأما ما حكيناه عن غيره يريد به الحاكم والخليلي فيشكل بما تفرد به العدل الحافظ الضابط ثم ساق أحاديث يأتي للمصنف بعضها "بأفراد الثقات الصحيحة" فإنه يصدق على أفراد الثقات الصحيحة عليه بأنه تفرد به الثقة ولكنه صحيح مقبول "و" رد ما قالاه أيضا "بقول مسلم الآتي ذكره" في ذكر ما تفرد به الزهري. "فقال" أي ابن الصلاح "أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا شك أنه غير مقبول" تقدم لفظ ابن الصلاح وإنما كان غير مقبول لأنه خالف الناس "وأما ما حكيناه عن غيره فيتكل بما يتفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث: "إنما الأعمال بالنيات" 1" قال فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح فقول المصنف "ثم ذكر مواضع التفرد منه" هو ما ذكرناه آنفا من تفرد علقمة 000 الخ. قال الحافظ ابن حجر قد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من الفرق والثاني: أن حديث النية لم يتفرد به عمر بل قد رواه أبو سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقد سرد الجواب عن الاعتراضين هنا لك. "ثم قال" ابن الصلاح: "وأضح منه حديث عبد الله ابن دينار عن ابن عمر مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن بيع الولاء وهبته2 تفرد به عبد الله بن دينار". في الميزان عبد الله بن دينار مولى أبي بكر أحد الأعلام الإثبات انفرد بحديث الولاء فلذلك ذكره العقيلى في الضعفاء وقال في رواية المشايخ عنه إضراب ثم ساق له حديثين مضطربي الإسناد وإنما الاضطراب من غيره ولا يلتفت إلى نقل العقيلي فإن عبد الله حجة بالإجماع وثقه يحي وأحمد وأبو حاتم. انتهى.

_ 1 سبق تخريجه. 2 النسائي 7/306. وابن ماجة 2747, 2848, واحمد 2/9, 79, والبيهقي 10/292.

ووجه أرجحيته في الوضوح أن حديث الأعمال بالنيات وردت له متابعات فهو ليس بفرد وإن كانت تلك التابعات كلها واهية جدا بخلاف حديث بيع الولاء فلم يأت له متابع وحديث عبد الله بن دينار هو الذي مثلوا به للفرد المطلق أيضا "و" أوضح منه "حديث مالك" عن الزهري عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة" أي عام الفتح "وعلى رأسه المغفر1 تفرد2 به مالك عن الزهري وكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إسناد واحد تفرد به ثقة" أي ومع هذا فهي صحيحة مقبولة فلم يتم قول الخليلي إنه يتوقف فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به فهذا رد على الخليلي وأما الحاكم فإنه ليس في كلامه أنه يقبل أو لا يقبل بل ذكر معناه ولم يذكر حكمه فما أدري ما وجه إيراد ابن الصلاح لذلك عليه وتلقي الزين ثم المصنف لما أورده عليه بالقبول فليتأمل. ثم العجب قول الخليلي إن أهل الحديث يقولون إنه يتوقف فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به وقد اتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد ابن حنبل أن حديث إنما الأعمال ثلت الإسلام ومنهم من قال ربعه وقد أسند هذه الحكاية عنهم الحافظ في الفتح وأبان وجه كونه ثلثا أو ربعا للإسلام. واعلم أنه قد تعقب زين الدين كلام ابن الصلاح في أنه تفرد بحديث المغفر مالك عن الزهري فقال قد روى من غير طريق مالك فرواه البزار من رواية ابن أخي الزهري وابن سعد في الطبقات وابن عدي في الكامل جميعا من رواية أبي أويس وذكر ابن عدي في الكامل أن معمرا رواه وذكر المزي في الأطراف أن الأوزاعي رواه وقال ابن العربي إنه رواه من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك وأنه وعد أصحابه بتخريجها فلم يخرج منها شيئا. قال الحافظ ابن حجر وقد تتبعت طرق هذا الحديث فوجدته كما قال ابن العربي من ثلاثة عشر طريقا عن الزهري غير طريق مالك ثم سردها في نكته وأطال الكلام ثم قال وقد أطلت الكلام في هذا الحديث وكان الغرض منه الذب عن أعراض هؤلاء الحفاظ والإرشاد إلى عدم الظن والرد بغير اطلاع.

_ 1 على رأسه المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. المعجم ص 452. 2 البخاري في: الجهاد: ب 169. ومسلم في: الحج: حديث 450. وأحمد 3/109.

قلت: وهو إشارة إلى رد طعن من طعن على ابن العربي دعواه أنه رواه من ثلاثة عشر طريقا وقد طعن على ابن العربي بعض أهل بلدته لما لم يبرز لهم بيان ما ادعاه من الطرق فقال: يا أهل حمص ومن بها أوصيكم ... بالبر والتقوى وصية مشفق فخذوا عن العربي أسماء الدجى ... وخذوا الرواية عن إمام متقي إن الفتى ذرب اللسان مهذب ... إن لم يجد خبرا صحيحا يخلق وأراد بحمص اشبيلية لأنه يقال لها ذلك. قال ابن حجر: إنه بلغ ابن العربي ذلك أي هذه الأبيات فعلم تعنتهم فحمله الحمق على كتمان ذلك أو لم يحمله وعاق عنه عائق ثم قال ابن حجر: وآفة هذا كله الإطلاق في موضع التقييد فمن قال من الأئمة إن هذا الحديث تفرد به مالك عن الزهري فليس على إطلاقه وإنما المراد بشرط الصحة ومن قال كابن العربي إنه رواه من طرق غير طريق مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح فلا اعتراض ولا تعارض وقال ابن حبان: لا يصح إلا من رواية مالك عن الزهري فهذا التقييد أولى من ذلك الإطلاق وهذا بعينه حاصل في حديث: "إنما الأعمال بالنيات". انتهى. "قال" ابن الصلاح "وفي غرائب الصحيح أشباه لذالك كثيرة قال" أي ابن الصلاح "وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري قدر تسعين حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشركه فيها أحد بأسانيد جياد" قال الحافظ ابن حجر: هو في صحيح مسلم في كتاب الأيمان والنذور منه- أي في باب من حلف باللات والعزى من باب الأيمان والنذور وقوله: بأسانيد جياد يتبادر منه قبول نفس المتون ولا يقال يحتمل أنه أراد جودة الأسانيد من الزهري إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل الظاهر إرادة الجودة في جميع السند من مسلم إلى آخره واختلف النسخ في العدد والأكثر بتقديم السين على التاء. "قال" ابن الصلاح "فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم بل الأمر فيه على تفصيل نبينه" ليس في هذا التفصيل من الشاذ إلا ما قاله أولا وهو الذي عرفه به الشافعي وأما الثاني: فهو صحيح غريب وأما الثالث: فهو حسن لذاته غريب وأما الرابع: فإنه ضعيف إذا أتى ما يجبره صار حسنا لغيره.

"فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان مخالفا لما رواه من هو أحفظ منه لذلك وأضبط كان ما تفرد به شاذا مردودا". والثاني: "إن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره" فإنه ينقسم إلى قسمين: الأول: قوله "فينظر في هذا المتفرد" الذي لم يخالف في روايته غيره وفيه قسمان: الأول: ما أفاده قوله "فإن كان عدلا ضابطا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه" قال ابن الصلاح: كما سبق من الأمثلة. الثاني: ما أفاده قوله "وإن لم يكن" أي المنفرد بالرواية "ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له" بالخاء المعجمة والراء "مزحزحا" بالزاي والحاء المهملة مكررات أي مبعدا "عن مرتبة الصحيح" لفقد شرط رواته فيه. "ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة" من كونه حديثا حسنا أو ضعيفا أو نحوهما "بحسب الحال فيه" وقد بينها بأنها قسمان: الأول: قوله: "فإن كن المتفرد به غير بعيد من درجة الحافظ المتقن" وهو خفيف الضبط "المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك" أي جعلناه حسنا "ولم نحطه إلى قبيل الضعيف". والثاني: قوله "وإن كان بعيدا من ذلك" أي من درجة من ذكر "رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر". قال ابن الصلاح: "فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما: الفرد المخالف. والثاني: الفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجب التفرد والشذوذ". قال القاضي ابن جماعة هذا التفضيل حسن ولكن أخل في القسمة الحاصرة بأحد الأقسام وهو حكم الثقة الذي خالفه ثقة مثله فإنه ما بين ما حكمه انتهى. قلت: قوله أحفظ منه وأضبط على صيغة التفضيل يدل على أن المخالف إن كان مثله لا يكون مردودا. "قلت: أما من تفرد" من الرواة "عن العالم الحريص على نشر ما عنده م الحديث وتدوينه ولذلك العالم كتب معروفة وقد قيد حديثه فيها وتلاميذه" الآخذون عنه "حفاظ حراص على ضبط حديثه وكتبه حفظا وكتابة فكلام المحدثين" الذي نقله الخليلي من

التوقف في رواية الثقة "معقول" يقبله العقل "لأن في شذوذه ريبة قد توجب زوال الظن" بحفظه "على حسب القرائن وهو موضع اجتهاد" ردا وقبولا. "وأما من شذ بحديث عمن ليس" من مشايخه "كذلك فلا يلزم رده" إذ ليس محل ريبة وإلا فالأول لم يقل بأنه يرد بل جعله موضع اجتهاد "وإن كان دون الحديث المشهور" الذي خالفه "في القوة وإلا" يقبله "لزم قول أبي علي الجبائي أنه لا يقبل إلا اثنين وكان يلزم أيضا في الصحابي إذا انفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم" إذ العلة هي الانفراد وقد حصلت ولا قائل من الجمهور وإن كان عمر رضي الله عنه قد كان يقبل ما انفرد الراوي كما عرفت فيما مضى. "وقول ابن الصلاح إن التفصيل الذي أورده هو الأولى" لم يقل إنه الأولى بل قال بل الأمر على تفصيل إلى آخره نعم يفيد كلامه أنه الأولى "فيه سؤال" الاستفسار "وهو أن يقال تريد أن مذهبك هو الأولى فذلك صحيح وهو مذهب حسن أو تريد أن ذلك مذهب أئمة الحديث فيحتاج إلى نقل والظاهر أنه أراد الأول إذ لم ينسبه إلى أحد" فهو له وإن كان قوله مذاهب أئمة الحديث يشعر بأن تفصيله هو رأي أئمة الحديث فهو لهم "ثم تضيعفه لما قاله الخليلي والحاكم" حيث قال إنهما أطلقا ما فلصله هو "غير لازم بما ذكره لأن الحاكم حكى ذلك ولم ينسبه إلى أحد فلم يرد عليه أن غيره من المحدثين خالفه في ذلك" قد يقال إن الحاكم بصدد تدوين علوم الحديث التي تعارفها أئمة الحديث لا بصدد تدوين يخصه فورد عليه أفراد الصحيح وهب أنه أراد أنه مذهبه فإنه يرد عليه ما أورده ابن الصلاح لأن الحاكم متابع للناس في الحكم بصحة ما في الصحيحين وقبول ما اشتملا عليه من الحديث. "وأما الخليلي فلم يحك ذلك عن جميع أهل الحديث" حتى يقال إن إطلاقه يوافق مذاهب أئمة الحديث كما قاله ابن الصلاح "بل قد نقل أهل الحجاز قريبا من مذهب ابن الصلاح فابن الصلاح إن نقل عمن نقل عنه الخليلي خلاف نقل الخليلي كانا روايتين" عن مروى عنه واحد. "ولا نكارة في هذا فقد يكون للعالم قولان في المسألة وقد يصدق الناقلان وإن اختلف ما نقلاه فلم يكن إبن الصلاح أولى بصحة النقل إلا أن يكون ما نقله هو آخر قولي الحافظ المختلف عنه النقل" هذا إن كان النقل عن معينين "وأما إن لم ينقل إبن الصلاح عمن نقل عنه الخليلي فلا يرد كلامه على الخليلى البتة" لأن كل واحد ناقل عن

غير من نقل عنه الآخر فلا اعترض على واحد منهما. "والظاهر أن إبن الصلاح لا يخالف في صدور ذلك" أي ما نقله الخليلي "عن كثير" من المحدثين "ولهذا قال" ابن الصلاح "في نوع المنكر ما لفظه وإطلاق الحكم على التفرد بالرد والنكارة والشذوذ موجود في الكلام كثير من أهل الحديث" فهذا نص منه على أن كثيرا من أهل الحديث يطرح الشاذ مطلقا وهو زائد على ما نقله الخليلي فإنه نقل الرد في الضعيف والتقف في الثقة. "والصواب أن فيه التفصيل الذي بيناه" يريد المصنف قوله آنفا قلت: أما من تفرد عن العالم إلى آخر كلامه إلا أنه يرد عليه ما أورده هو على إبن الصلاح من السؤال ويجاب عنه بأنه يريد ما اختاره لنفسه ولذا قال الصواب أي بالنظر إلى الدليل الذي أبداه عن غيره "يعني في هذا الباب" الذي تقدم قريبا "وهو الكلام على الشاذ" وإذا عرفت أن الصواب ما ذكره الصنف رحمة الله من التفصيل عرفت صحة ما فرعه عليه من قوله "فثبت بهذا أن قدح الحدثين في الحديث بالشذوذ والنكارة مشكل وأكثره ضعيف إلا ما تبين فيه سبب النكارة والشذوذ" فإنه يعلم منه وجه الرد أو غيره. "وقد يقع منهم" أي من أئمة الحديث الرد بالشذوذ والنكارة "في موضعين: أحدهما: القدح في الحديث نفسه" بأن يقولوا إنه منكر أو شاذ "والثاني: القدح في راوي الشواذ والمناكير" فيقدحون فيه بأنه يروى الشواذ والمناكير "فإذا ثبت بنقل الثقة عن الحفاظ أنهم يعيبون" من العيب "تفرد الثقة بالحديث وإن لم يخالف غيره فقد زادوا على" أبى على "الجبائى فإنه اشترط أن يكون الحديث مرويا ثقتين ولم يقدح في الثقة الواحد إذا روى بل وقف في قبول حديثه يرويه معه آخر" والمحدثون قدحوا في المنفرد ولذا زادوا على أبي علي الجبائي "وهذا غلو منكر وقد جرحوا كثيرا من أهل العلم بذلك وما على الحفاظ أن حفظوا وينسي غيرهم" إذا لم يحفظ الحديث ولا عرفه بل من المشهور أن من حفظ حجة على من لم يحفظ كما قال أبو هريرة لابن عمر رضي الله عنهم في قصة معروفة وبهذا عرفت أن تفرد الثقة لا يكون قدحا فيما رواه ولا يعد شاذا يرد به حديثه. "وقول ابن الصلاح إن حديث إنما الأعمال بالنيات من الأفراد الصحاح معترض" بأنه ليس من الأفراد "وقد تبع غيره في ذلك فقد قال بذلك جماعة" أي بأنه من الأفراد "وقد اعترضوا في ذلك" وقدمنا شيئا من ذلك "وقد رواه ابن حجر في كتاب

شيخه شيخ الإسلام البلقيني عن عدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم لكن من طرق ضعيفة" وحينئذ فلا اعتراض ولا معارضة فتذكر. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري إن حديث إنما الأعمال بالنيات متفق على صحته أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ قال أبو جعفر الطبري قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه من الأفراد لأنه لا يروي ذلك عن عمر إلا من رواية علقمة ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد قال الحافظ وهو كما قال فإنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد وأطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد وهو كما قال لكن بقيدين أحدهما الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما ثانيهما السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية ثم ساقها في الفتح وقد عرفت مما قدمناه عن ابن حجر أيضا أنه لا اعتراض ولا معارضة إذ المراد أنه فرد باعتبار طريقة الصحيحة غير فرد باعتبار مطلق الطرق كما قال المصنف لكن من طرق ضعيفة والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم

المجلد الثاني

المجلد الثاني مسألة (37) : في بيان حقيقة المنكر وأقسامه ... بسم الله الرحمن الرحيم مسألة: 37 [في بيان حقيقة المنكر وأقسامه] "المنكر" اسم مفعول "قال الحافظ أبو بكر أحمد بن هرون البرديجي" بموحدة مفتوحة وتكسر فراء ساكنة فدال مهملة مكسورة فمثناة تحتية فميم فجيم نسبة إلى برديج بزنة فعليل بلدة بينها وبين برذعة نحو أربعة وعشرين فرسخا ينسب إليها هذا الحافظ وبرذعة بموحدة فراء ساكنة فذال معجمة فعين مهملة وهي مدينة بأران إن حقيقة المنكر "هو الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر" هكذا رواه ابن الصلاح عن الحافظ أبي بكر بلاغا فقال بلغنا عن أبي بكر1. "ثم اعترضه ابن الصلاح وقال هو ينقسم إلى ما ينقسم إليه الشاذ وهو بمعنى الشاذ قلت: وكان يليق إلا يجعل نوعا وحده" ضقال الحافظ ابن حجر: على قول ابن الصلاح إنه ينقسم إلى ما ينقسم إليه الشاذ ما لفظه هما مشتركان في كون كل واحد منهما على قسمين وإنما اختلافهما في مراتب الرواة فالضعيف إذا انفرد بشيء لا متابع له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن فهذا أحد قسمي الشاذ فغن خولف فيما هذه صفته مع ذلك كان أشد شذوذا وربما سماه بعضهم منكرا وإن بلغ تلك المرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط فهذا القسم الثاني من الشاذ وهو المعتمد في تسميته وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ في بعض دون بعض أو الضعيف في بعض مشايخه بشيء لا متابع له ولا شاهد عليه فهذا أحد قسمي المنكر وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث فإن خولف في ذلك فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين.

_ 1 علوم الحديث ص 105.

فبان بهذا فصل المنكر من الشاذ وأن كلا منهما قسمان يجمعهما مطلق التفرد أو مع قيد المخالف انتهى. وقال في النخبة وشرحها1 وشرح شرحها بعد ذكر نحو ما ذكره الحافظ هنا ما لفظه وعرف بهذا أي بما ذكرناه من التقرير الدال على الفرق بين الشاذ والمنكر أن بينهما عموما وخصوصا من وجه وهو أنه يعتبر في كل منهما شيء لا يعتبر في الآخر ويعتبر في كليهما شيء آخر حيث اعتبر في كليهما مخالفة الأرجح وفي الشاذ مقبولية الراوي وفي المنكر ضعفه لأن بينهما اجتماعا في اشتراط المخالفة وافتراقا في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق والمنكر راويه ضعيف أي لسوء حفظه أو جهالته أو نحو ذلك. قال: وقد غفل أي عن الاصطلاح أو عن هذا التحقيق من سوى بينهما أراد به ابن الصلاح فإنه سوى بينهما. انتهى. "وقال الحافظ ابن حجر: في مقدمة شرح البخاري" المعروف بفتح الباري "في ترجمة بريد بضم بضم الموحدة هو ابن عبد الله بن أبي برده ابن أبي موسى إن أحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة". قال ابن الصلاح: وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث. قال ابن حجر: قلت: وهو ما ينبغي التيقظ له فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد المنكر على مجرد التفرد لكن حيث لا يكون المنفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده انتهى. قلت: وفي مقدمة صحيح مسلم وعلامة المنكر في حديث المحدث ما إذا عوضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم ولم يكذبوا فيها فإذا كان الأغلب من حديثه ذلك كان مهجور للحديث غير مقبولة ولا مستعملة فعلى هذا رواية المتروك عند مسلم يسمى منكر قال الحافظ وهذا هو المختار * * *

_ 1 ص 36.

مسألة (38) : في بيان حقيقة الأفراد

مسألة: 38 [في بيان حقيقة الأفراد] من أنواع علوم الحديث "الأفراد" لم يفردها بتعريف لأنه يعرف إذ لا يخلو "إما أن يكون الحديث فردا مطلقا" أي غير مقيد بشيء كما يعرف من مقابله "فحكمه حكم الشاذ والمنكر كما تقدم". قال الحافظ ابن حجر: إنه ينقسم المطلق إلى نوعين: أحدهما: تفرد شخص من الرواة بالحديث دون غيره. والثاني: قد ينقسم أيضا دون غيره قسمين أحدهما بقيد كون الفرد ثقة والثاني لا بقيد. فأما أمثلة الأول فكثيرة جدا وقد ذكر شيخنا في منظومته له حديث ضمرة بن سعيد بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي واقد في القراءة في الأضحى قال شيخنا لم يروه أحد من الثقات غير ضمرة بن سعيد وله طريق أخرى من طريق عائشة سندها ضعيف انتهى. قلت: الحديث المشار إليه لفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأضحى والفطر بقاف "واقتربت الساعة" رواه مسلم وأصحاب السنن1. قال وأما أمثلة الثاني فكثيرة جدا منها في الصحيحين حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي العباس عن عبد الله بن عمر في حصار الطائف تفرد به ابن عيينة عن عمرو وعمرو عن أبي العباس أبو العباس عن عبد الله بن عمر كذلك. ومثال النوع الثاني حديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهل بن بيضاء له طريقان رواتهما كلهم مدنيون قال الحاكم تفرد أهل المدينة

_ 1 مسلم في: العيدين: حديث 14, وأبو داود في: الصلاة ب 246. وما لك في العيدين: حديث 8.

بهذه السنة1. أو يكون مقيدا وهو نوعان: الأول: قوله: "أو مقيدا بالنسبة إلى الثقات كقولهم لم يروه من الثقات إلا فلان فلا يحتج به إلا أن من رواه من غير الثقات قد بلغ مرتبة الاعتبار" ويأتي تحقيقها قريبا "كذا نص عليه الزين ولفظه إذا كان القيد بالنسبة لرواية الثقة كقولهم لم يروه ثقة إلا فلان فإن حكمه قريب من حكم الفرد المطلق لأن رواية غير الثقة كلا رواية إلا أن يكون قد بلغ رتبة من يعتبر بحديثه انتهى والصحيح أنه يأتي فيه ما يأتي في الشاذ من التفصيل" وقد مضى ذلك. والثاني: قوله: "أو مقيدا بالنسبة إلى بلد كأفراد الكوفيين والبصريين فلا ضعف فيه" لأنه ليس مفردا ما تفرد به جماعة من أهل الكوفة أو البصرة نعم إن تفرد به واحد منهم فهو الذي أشارة إليه بالاستثناء بقوله "إلا أن ينسب إليه مجازا والمنفرد به واحد منهم" كأن يقال تفرد به الكوفيين مثلا والمنفرد به واحد من أهل الكوفة فنسب التفرد إليهم مجازا من باب عقروا الناقة "فيكون حكمه حكم ما انفرد به واحد كما تقدم" لأنه هو إنما قال فيه بالنسبة. قلت: قد جعل الحافظ ابن حجر النسبي أربعة أنواع: الأول: تفرد شخص عن شخص كحديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر في قصة الكدية التي عرضت لهم يوم الخندق أخرجه البخاري2 وقد تفرد به عبد الواحد بن أيمن عن أبيه وقد روى من غير حديث جابر وأمثلة ذلك في كتاب الترميذي كثيرة جدا بل قد ادعى بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من الغرائب من هذا القبيل وليس كما قال لتصريحه في كثير منه بالتفرد المطلق. الثاني: تفرد أهل بلد عن شخص كحديث القضاة ثلاثة3 تفرد به أهل مرو عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وقد جمعت طرقه في جزء. الثالث: تفرد شخص عن أهل بلد أخرى مثاله ما رواه أبو داود4 من

_ 1 علوم الحديث ص 97: ذكر النوع الخامس والعشرين. 2 البخاري في: المغازي ب 29, والدارمي في: المقدمة: ب 7. 3 الترمذي 1322. والبيهقي 10/116- 117. وشرح السنة10/94. 4 في: الطهارة ب 126. والبيهقي 1/227, 228, والبغوي 1/532.

حديث جابر في قصة الشجوج إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقه قال أبي داود فيما حكاه الدارقطني في السنن هذه سنة تفرد بها أهل مكة وحلها عنهم أهل الجزيرة انتهى. قلت: ظاهر هذا الكلام أن التفرد شامل لتفرد الصحابي وأنه يجرى فيه ما ذكر من الأحكام وهو مشكل فإنه كم من حديث تفرد به صحابي فإن خصوا هذا التفرد بمن عدا الصحابة فهو تخصيص لبعض الثقات عن بعض فلينظر وهذا يجرى فيما سلف من بعض أقسام الشاذ. "وهذا القسم" وهو الأفراد "آخره إبن الصلاح وزين الدين إلى ما بعد الاعتبار والمتابعات ورأيت تقديمه أكثر مناسبة" لما بينه وبين ما سبقه من المناسبة "والله أعلم".

مسألة (39) : في بيان حقيقة الاعتبار والمتابعات والشواهد

مسألة: 39 [في بيان حقيقة الاعتبار والمتابعات والشواهد] من أنواع علوم الحديث "الاعتبار والمتابعات والشواهد" هكذا عبارة ابن الصلاح ضقال الحافظ ابن حجر: عليها قلت: هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعات والشواهد وليس كذلك بل الاعتبار هي الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد وعلى هذا كان حق العبارة أن يقول معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد وما أحسن قول شيخنا في منظومته1: الاعتبار سبرك الحديث هل ... تابع راو غيره فيما حمل فهذا سالم من الاعتراض. انتهى. وذلك لأن الاعتبار هو نقس معرفة القسمين أو علة معرفتهما وليس قسيما لهما لعدم اندراج الثلاثة تحت أمر واحد فإن التقسيم هو ضم القيود المتباينة أو المتخالفة إلى القسم وليس هذا كذلك بل الاعتبار هيئة للتوصل إلى المتابع أو الشاهد فكيف يكون قسما لهما2؟. "هذه ألفاظ يتداولها أهل الحديث بينهم فالاعتبار" حقيقته أن يأتي المحدث إلى حديث لبعض الرواة فتعتبره بروايات غيره من الرواة واعتباره يكون بسيره أي المحدث أي بتتبعه طرق الحديث ليعرف المحدث هل يشاركه أي يشارك الراوي في رواية ذلك الحديث الذي سبر طرقه راو غيره أي غير ذلك البعض فرواه أي ذلك الغير عن شيخه عن شيخ البعض فيكون شيخا لهما فإذا لم يجد من يشاركه في شيخه تتبع الطرق فإذا لم يجد فيها من رواه عن شيخه فعن شيخ شيخه إلى الصحابي أي يكون السبر والتتبع إلى أن ينتهي إلى الصحابي "فإن وجد من رواه عن أحد منهم" من

_ 1 1/94/171. 2 أنظر فتح المغيث للسخاوي 1/241.

شيوخه "فهو تابع" أي المروى من طريق أخرى غير طريق البعض فإنه يسمى تابعا فالاعتبار طريق لمعرفة التابع فإن كان عن شيخه فهذه هي المتابعة التامة وظاهر كلامهم أنه لا يطلق عليها اسم الشاهد كما يطلق على ما يأتي في قوله "وقد يسمى ما وجد من التوابع عن شيخ شيخه فمن فوقه شاهدا كما يسمى تابعا" وهو ظاهر في أنه لا يسمى القسم الأول شاهدا "وإن لم يجد" بعد تتبع الطرق عن شيخه ولا عن الشيخ شيخه "نظرت: هل رواه أو معناه أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق ذلك الصحابي فإن وجدت فهو شاهد" ولا يسمى تابعا. "وسيأتي في مراتب الجرح والتعديل بيان من يعتبر به في التوابع والشواهد إن شاء الله تعالى" فالمعتبر إما أن يجد من رواه عن شيخ ذلك الراوي الذي هو بصدد اعتبار روايته فهي المتابعة التامة أو لا يجده لكنه وجده عن شيخ شيخه فهي متابعة ويقال لها شاهدا أولا يجد إلا عن صحابي آخر فهو شاهد لا غير لكنه قسمان إما أن يجده بلفظه أو بمعناه فكانت الأقسام أربعة متابعة تامة متابعة غير تامة شاهد باللفظ شاهد بالمعنى. مثال المتابعة التامة ما رواه الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون ولا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فإن الحديث المذكور في جميع الموطآت عن مالك بهذا الإسناد فأشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ فنظرنا فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه فقال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي1 فهذه متابعة تامة في غاية الصحة لرواية الشافعي والعجب من البيهقي كيف خفيت عليه ودل أن مالكا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معا قاله الحافظ ابن حجر. قلت: لا عجب من البيهقي لأنه إنما ذكر أن الشافعي تفرد بذلك اللفظ عن رواية الموطات وهذا صحيح وليس في كلامه أنه لا متابع له بل القول بأن رواية البخاري متابعة تامة دليل تقرير كلام البيهقي في تفرد الشافعي.

_ 1 البخاري في: الصوم: ب 11, ومسلم في: الصيام: حديث 5, 6, واحمد 1/218.

ثم قال الحافظ وقد توبع عليه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر رضي الله عنهما أحدهما أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فذكر الحديث وفي آخره فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين الثاني أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر بلفظ فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين فهذه متابعة أيضا لكنها ناقصة. وأما شاهده فله شاهدان أحدهما من حديث أبي هريرة رواه البخاري عن آدم عن سعيد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة ولفظه فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وثانيهما من حديثابن عباس أخرجه النسائي من رواية عمر وبن دينار عن محمد بن حنين بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر فهذا مثال صحيح بطريق صحيحة للمتابعة التامة والمتابعة الناقصة والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى انتهى. "وإن لم يجد شيئا من التوابع والشواهد فالحديث فرد من الأفراد ولم يمثله ابن الصلاح ولا زين الدين بمثال مرضي" بل ولا غير مرضي فإنهما لم يذكرا له مثالا أصلا. فائدة قال ابن الصلاح: واعلم أن هذا التتبع يكون من الجوامع وهي الكتب التي جمعت فيها الأحاديث على ترتيب أبواب كتب الفقه كالأمهات الست أو ترتيب الحروف الهجائية كما فعله ابن الأثير في جامع الأصول أو ترتيبه عليها نظرا إلى أول حرف في كل حديث ومن المسانيد وهي من الكتب التي جمع فيها مسند كل صحابي على حدة على اختلاف في مراتب الصحابة وطبقاتهم والتزام نقل ما ورد عنهم صحيحا كان أو ضعيفا ومن الأجزاء وهي ما دون فيه حديث شخص واحد أو أحاديث جماعة من مادة واحدة. * * *

مسألة (40) : في زيادة الثقات

مسألة: 40 [في زيادة الثقات] من أنواع علوم الحديث "زيادة الثقات هي فن لطيف تستحسن العناية قه وقد كان الفقيه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري مشهور بمعرفة ذلك وكذلك أبو الوليد حسان بن محمد القرشي تلميذ ابن سريج وغير واحد من أئمة الحديث" هذا كلام ابن الصلاح وزين الدين وزاد وأبو نعيم الجرجاني ولكنه قال بزيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث. قال عليه الحافظ ابن حجر مراده بذلك الألفاظ التي يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما رواه الفقهاء دون المحدثين في الأحاديث فإن تلك تدخل في المدرج لا في هذا وإنما نبهت على هذا وإن كان ظاهرا لأن العلامة مغلطاوي استشكل ذلك على المصنف ودل أنه ما فهم مغزاه قال ابن حبان في مقدمة الضعفاء لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صنعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة زادها في الخبر حتى كأن السنن نصب عينيه إلا محمد بن اسحق بم خزيمة فقط. "واختلف العلماء فيها" أي في حكم الزيادة من الثقات "فالذي عليه أئمة أهل البيت قبولها وهو الذي حكاه الخطيب عن الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث وادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا عند أهل الحديث" فقال في مسألة الانتصار لا خلاف نجده بين أهل الصنعة أن الزيادة من الثقة مقبولة. "وشرط أبو بكر الصيرفي الشافعي والخطيب أن يكون راويها حافظا" الظاهر أن هذا الشرط لا خلاف فيه للعمل بها. "و" شرط "ابن الصباغ" في العدة "أن لا يكون" راوي الزيادة "واحدا ومن روى الحديث ناقصا" عن تلك الزيادة "جماعة" فاعل روى منصفين بأن "لا يجوز عليهم الوهم ومجلس الحديث" الذي سمع فيه راوي الزيادة وراوي النقص "واحد" فهذه

ثلاثة شروط زادها ابن الصباغ وكأن دليله عليها أنه يبعد أن يحفظ واحد ولا يحفظ جماعة ومجلس السماع والشيخ واحد فإن الوهم يتطرق إلى الواحد دون الجماعة. ولهذا تنتقض القاعدة المشهورة بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ بالتخصيص بمثل هذه الصورة ولم يستدل المصنف لهذا القول كما لم يستدل لغيره ولعله يقول دليل قبولها مطلقا ما علم من دليل وجوب قبول خبر الآحاد وبهذا احتج من قبل الزيادة مطلقا وهم الأولون فقالوا إن الراوي إذا كان ثقة وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولا فكذلك انفراده بالزيادة ورد هذا الاحتجاج من لم يقبله بأنه ليس كل حديث تفرد به أي ثقة كان مقبولا كما سبق بيانه في نوع الشاذ وبالفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة فإن تفرده بالحديث لا يتطرق نسبة السهو والغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة في روايته لهم بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظا وأكثر عددا فإن الظن غالب بترجيح روايتهم على روايته ومبني هذا الأمر على غلبة الظن واحتج بعض الأصوليين أنه من الجائز أن يقول الشارع كلاما في وقت فيسمعه شخص ويزيده في وقت آخر فيحضره غير الأول ويؤدي كل ما سمع وبتقدير اتحاد المجلس فقد يحضر أحدهما في أثناء الكلام فيسمع ناقصا وبضبطه الآخر تاما أو ينصرف أحدهما قبل تمام الكلام ويتأخر الآخر وبتقدير حضورهما فقد يذهل أحدهما أو يعرض له ألم أو جوع أو فكر شاغل أو نحو ذلك من العوارض ولا يعرض لمن حفظ الزيادة. وأجيب عن هذا بأن الذي يبحث فيه المحدثون في هذه إنما هو في زيادة أحد روايتي التابعين فمن بعدهم أما الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين في قصة آخر من يخرج من النار وأنه تعالى يقول له بعد ما يتمنى "لك ذلك ومثله معه" وقال أبو سعيد الخدري أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لك ذلك وعشرة أمثاله معه" 1 ونحوه من الأمثلة كثير وأنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غير الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه كمالك عن نافع عن ابن عمر إذا روى الحديث جماعة من الحفاظ الإثبات العارفين بحديث ذلك

_ 1 البخاري في: الرقاق: ب 51, وابن ماجة في: الزهد: ب 39, وأحمد 1/460.

الشيخ وانفرد دونهم بعص رواته بزيادة فيه فإنها لو كانت محفوظة ما غفل الجمهور من رواته عنها وينفرد واحد بحفظها دونهم مع توفر دواعيهم إلى الأخذ عنه وجمع حديثه فإن ذلك يقتضي ريبة توجب التوقف عنها. قلت: وبمعرفتك محل النزاع تعرف عدم نهوض الاحتجاج بقبوله صلى الله عليه وسلم خبر الأعرابي برؤية الهلال وقبول خبر ذي اليدين وأبي بكر وعمر كما استدل به البرماوي. "والقول الثاني" هذا مقابل لقوله فالذي عليه أئمة أهل البيت فإنه القول الأول "أنها لا تقبل الزيادة مطلقا" ممن رواه ناقصا ومن غيره "حكاه" أبو بكر "الخطيب" البغدادي "في الكفاية وابن الصباغ في العدة عن قوم من أصحاب الحديث" وروايته للقبول ع جمهور المحدثين وروايته لعدم قبوله عن قوم منهم. قال الحافظ ابن حجر: والذي اختاره يعني الخطيب لنفسه أن الزيادة مقبولة إذا كان راويها عدل حافظا متقنا ضابطا قال قلت: وهذا متوسط بين المذهبين فلا ترد الزيادة من الثقة مطلقا ولا تقبل مطلقا. "والثالث" من الأقوال التفصيل وهو "أنها لا تقبل ممن رواه ناقصا وتقبل من غيره من الثقات حكاه الخطيب عن فرقة من الشافعية وفي المسألة أقوال غير هذه". قلت: ذكر البرماوي في شرح ألفيته في أصول الفقه عشرة أقوال. "وقد قسمه" أي ما يرى بالزيادة "ابن الصلاح إلى ثلاثة أقسام": "أحدهما: ما يقع منافيا لما قد رواه الحافظ فهو مردود كما مر في الشاذ". "الثاني ما تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما روى الغير لمخالفة أصلا فهذا مقبول وقد ادعى فيه اتفاق العلماء وقد تقدم أيضا في الشاذ" قال ابن الصلاح: قد سبق مثاله في نوع الشاذ. "الثالث ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظ في حديث لم يذكرها" تلك الزيادة "سائر من روى ذلك الحديث" المجرد عن الزيادة قال ابن حجر: هذا التفصيل قد سبق المؤلف إليه يريد ابن الصلاح إمام الحرمين في البرهان فقال بعض أن حكى عن الشافعي وأبي حنيفة قبول زيادة الثقة هذا عندي فيما إذا سكت الباقون فإن صرحوا بنفي ما نقله هذا الراوي مع إمكان اطلاعهم فهذا يوهن قول قابل الزيادة. وفضل أبو نصر ابن الصباغ في العدة تفصيلا آخرين أن يتعدد المجلس فيعمل بهما

لأنهما كالخبرين أو يتحد فإن كان الذي نقل الزيادة واحدا والباقون جماعة لا يجوز عليهم الوهم سقطت الزيادة وإن كان بالعكس أو كان كل من الفريقين جماعة فالقبول وكذا إن كان كل منهما واحد حيث يستويان وإلا فرواية الضابط منهما أولى بالقبول. وقال الإمام فخر الدين: إن كان الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها فلا يقبل ذلك إن صرح بنفيها وإلا قبلت. وقال الآمدي وجرى عليه ابن الحاجب إن اتحد المجلس فإن كان من لم يروها قد انتهوا إلى حد لا تقضي العادة بغفلة مثلهم عن سماعها والذي رواها واحد فهي مردودة وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد فاتفق جماعة الفقهاء والمتكلمين على قبول الزيادة خلافا للجماعة ثم قال فائدة حكى ابن الصلاح عن الخطيب فيما إذا تعارض الوصل والإرسال أن الأكثر من أهل الحديث يرون أن الحكم للمرسل وحكى هنا عنه أن الجمهور من أئمة الفقه والحديث يرون أن الحكم لمن أتى بالزيادة إن كان منه وهو ظاهر التعارض ومن أبدى فرقا بين المسألتين فلا يخلو عن تكلف وتعسف وقد جزم ابن الحاجب أن الكل بمعنى واحد فقال إذا أسند الحديث وأرسلوه أو رفعه ووقفوه أو وصله وقطعوه فحكمه حكم الزيادة في التفصيل السابق ثم ذكر جوابا لا يخلو عن تكلف وتعسف. "ومثله ابن الصلاح1 بما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر في رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين2" قال ابن الصلاح: فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة من المسلمين "وروى عبيد الله" مصعر "ابن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير واحد من الأئمة منهم الشافعي وأحمد قال الزين وهذا المثال غير صحيح فقد تابع مالكا على ذلك" أي على زيادة من المسلمين "عمر بن نافع" أي العدوي مولى ابن عمر ثقة "والضحاك بن عثمان" بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي بكسر أوله وبالزاي أبو عثمان النهدي

_ 1 علوم الحديث ص 113. 2 البخاري في: الزكاة: ب 70, 71, ومسلم في: الزكاة: حديث 12, 13, 16. وأحمد 2/102.

"ويونس بن يزيد وعبد الله بن عمر" البصري وأبو المظفر السري بالتشديد العطار "والمعلي بن إسماعيل" لم أجده في الميزان ولا في التقريب ثم رأيت في نكت البقاعي أنه قال فيه أبو حاتم الرازي ليس بحديثه بأس صالح الحديث لم يرو عنه غير أرطاة وذكره ابن حبان في الثقات وحديثه هذا أخرجه ابن حبان في صحيحه والدارقطني في سننه عن أرطاة بن منذر عن المعلي بن إسماعيل عن نافع بالزيادة المذكورة وكثير بن فرقد نزيل مصر ثقة وثقة ابن معين وأبو حاتم وأخرج له البخاري قاله البقاعي في نكته وروايته أخرجها الحاكم في المستدرك من رواية الليث بن سعد عن "كثير بن فرقد" عن نافع وقال فيها من المسلمين وأخرجها الدارقطني في السنن وقال الحاكم هذا الحديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه "واختلف في زيادتها على عبيد الله بن عمر وأيوب". واعلم أن أصل التمثيل للزيادة وقع للترمذي لأنه قال ما لفظه حديث ابن عمر رواه مالك عن نافع عن ابن عمر نحو حديث أيوب وزاد فيه من المسلمين ورواه غير واحد عن نافع ولم يذكر فيه من المسلمين انتهى فتبعه ابن الصلاح واعترضه النووي بقوله لا يصح التمثيل بهذا الحديث لأنه لم ينفرد به بل وافقه في الزيادة عمر بن نافع بن عمر والضحاك بن عثمان والأول في صحيح البخاري والثاني في صحيح مسلم وقد تعقب النووي الشيخ تاج الدين التبريزي بقوله إنما مثل به حكاية عن الترمذي فلا يرد عليه شيء وتعقب بأن ابن الصلاح أقره ورضيه فورد عليه ما ورد على الترمذي. فعرفت أن القول بأنها زيادة تفرد بها مالك كلام الترمذي وأنه قد سبق بالاعتراض على ابن الصلاح النووي. وقال ابن حبان أورده بالزيادة الحاكم والدارقطني والطحاوي وبدونها مسلم وللزيادة شاهد وهو حديث ابن عباس عند أبي داود1 فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وأخرجه الحاكم2 والدارقطني ووجه الدلالة فيه أن الكافر لا طهرة له. انتهى. "قال" أي الزين "والصحيح في المثال" ما ذكره ابن الصلاح أيضا وهو "حديث

_ 1 في: الزكاة: ب 18. وابن ماجة في: الزكاة: ب 61. 2 علوم الحديث ص 131.

"جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" زاد فيه "وتربتها طهورا" 1 أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي وانفرد بذلك من دون سائر الرواة" قال الزين بعد هذا والحديث رواه مسلم والنسائي2 من رواية الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال عليه الحافظ ابن حجر وهذا التمثيل ليس بمستقيم أيضا لأن أبا مالك قد تفرد برواية جملة الحديث عن ربعي بن خراش كما تفرد بروايته ربعي عن حذيفه فإن أراد أن لفظة تربتها زائدة في هذا الحديث على باقي الأحاديث في الجملة فإنه يرد عليه أنها في حديث علي رضي الله عنه كما نبه عليه شيخنا وإن أراد أن أبا مالك تفرد بها وأن رفقته عن ربعي لم يذكروها كما هو ظاهر كلامه فليس صحيح. قلت: وحديث علي أخرجه أحمد في مسنده بإسناد حسن بلفظ وجعل التراب لي طهورا وأخرجه البيهقي أيضا. "قال ابن الصلاح: وفي هذا القسم شبه من القسم الأول المردود" وهو أول الأقسام الثلاثة من تقسيم ابن الصلاح "من حيث أن ما رواه الجماعة عام" لأجزاء الأرض "وهذا مخصوص" بالتربة "وفي ذلك نوع مخالفة ومغايرة" وهي مغايرة الخاص والعام "ويشبه القسم الثاني" من الثلاثة وهو "المقبول من حيث إنه لا منافاة بينهما" إذ لا منافاة بين عام وخاص في الحقيقة ولذا قال في العبارة الأولى نوع مخالفة. "قلت: وهو موضع ترجيح واجتهاد" في القبول وعدمه وحيث لا يحصل موجب الرد فالأصل وجوب قبول الثقات وقد يقع الغلط في الحكم بالانفراد أي في حكم العالم بأن هذا الحديث أو الزيادة تفرد بها الراوي لأن الأصل عدمه فلا يحكم به إلا بدليل كذا عللوه والانفراد وعدمه ليس أحدهما أصلا بل يتوقف الحكم بهما على البحث والاستقراء "فهذا ابن الصلاح غلط على مالك في ذلك" كما عرفت آنفا "وهو" أي ابن الصلاح "من أئمة هذا العلم فكيف بغيره قال ابن الصلاح: وبين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه" إذ الوصل زيادة ثقة "وقد قدمنا الكلام عليه" أي في القسم الثالث. "قال" أي ابن الصلاح "ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث وترجيحه"

_ 1 البخاري 1/91, ومسلم في: المساجد: حديث 3. وأبو داود 489. والترمذي 317, وأحمد 1/250. 2 2/56.

أي الأرسال "من قبيل تقديم الجرح على التعديل" لأنه بإطراح من وصل كان كالجرح له "قال ويمكن أن يجاب عنه بأن الجرح إنما قدم لما فيه من زيادة الثقة والزيادة هنا مع من وصل" وليس في عبارة ابن الصلاح لفظ يمكن. * * *

مسألة (41) : في بيان المعل وأقسامه وحكمه

مسألة: 41 [في بيان المعل, وأقسامه, وحكمه] من أنواع علوم الحديث "المعل هو الذي يسمى عندهم المعلل والمعلول" وهذا على خلاف قياس اللغة كما يأتي. "قال زين الدين: ويسمى الحديث الذي شملته علة معللا ولا يسمى معلولا" فإنه قال1: وسم ما بعلة مشمول ... معللا ولا تقل معلول "وقد وقع في عبارة كثير من أهل الحديث تسميته بالمعلول وذلك موجود في كلام الترمذي وابن عدي2 والدارقطني وأبي يعلي الخليلي والحاكم وغيرهم قال ابن الصلاح: وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة3 وقال النووي أنه لحن قال زين الدين والأجود في تسميته المعل" قال وكذلك هو في عبارة بعضهم "وأكثر عباراتهم في الفعل أنهم يقولون أعله فلان بكذا وقياسه معل وهو المعروف في اللغة قال الجوهري لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة" وفي القاموس العلة المرض عل واعتل وأعله الله فهو معل وعليل ولا يقال معلول والمتكلمون يستعملونها. "وقال صاحب المحكم" وهو علي بن أحمد بن سيده اللغوي النحوي الأندلسي أبو

_ 1 فتح المغيث 1/104/193. 2 ابن عدي هو: الإمام الحافظ الكبير أبة أحمد عبد الله بن عدي بن محمد بن مبارك الجرجاني صاحب الكامل في الجرح والتعديل قال الخليلي: كان عديم النظير حفظا وجلالة. مات سنة 365. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/283, وشذرات الذهب 3/51, والعبر 2/337. 3 علوم الحديث ص 115.

الحسن الضرير كان من أئمة اللغة عارفا بالأشعار واللغة وأيام العرب وفاته سنة ثمان وخمسين وأربعمائة "واستعمل أبو اسحق" لعله الزجاج "لفظة المعلول في المتقارب من العروض قال والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في مثل هذا كثيرا" هذا هو مقول صاحب المحكم ثم "قال وفي الجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج" بالمثلثة واللام مفتوحتين وبالجيم وقال في القاموس ثلجت نفسي كنصر وفرح ثلوجا وثلجا اطمأنت انتهى "لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جنته ورسللته ولم يستعملا في الكلام واستفنى عنهما بأفعلت قال" أي صاحب المحكم أو سيبويه "وإذا قالوا" أي العرب "جن وسل" بالبناء للمفعول "فإنما يقولون" إذا أرادوا الأخبار عما وقع فيه "جعل فيه الجنون والسل كما قالوا حزن" بالحاء المهملة والزاي من الحزن هكذا رأيناه في التنقيح مضبوطا والذي في نكت البقاعي ما يفيد أنه بالقاف آخره قال إنه قال ابن الصلاح: حرق الرجل كعنى زال حق وركه وفي مختصر العين للزبيددي والحارقة عصبة متصلة بين وابلة الفخذ والعضلة وإذا انقطعت الحارقة ولم تلتئم قيل رجل محروق وقد حرق انتهى والوابلة بالموحدة طرف رأس العضلة والفخذ أو طرف الكتف أو عظم في مفصل الركبة أو ما التف من عظم الفخذ قاله في القاموس وفسل بالفاء المهملة من الفسالة يقال فسل ككرم وعلم فسالة وفسولة والفسل الرذل الذي لا مروة له كالمفسول قاله في القاموس. إذا عرفت هذا عرفت أن هذا البناء إنما يكون من المتعدي ولا تعدية هنا فجاء على خلاف القاعدة "انتهى". وهذا من اضبط تخميني إذ اللفظ في نسخ التنقيح غير واضح ولا متجه المعنى وهو منقول من شرح الأنفيه والزين نقله من المحكم فينظر وفي القاموس جن بالضم جنا وجنونا واستجن بنيا للمفعول وتجنن وتجانن وأجنه الله فهو مجنون انتهى. وأما علله فيستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه عن الشيء وشغله من تعليل الصبي بالطعام يعني فلا يقال علل الحديث بمعنى أعله فليس بينهما مناسبة في اللغة وهو ظاهر إذ لا تلاقي بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي وهو المراد بالمناسبة. "قال" أي زين الدين في تعريف العلة التي بحثنا فيها "والعلة" في اصطلاح أئمة

الحديث "عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت" بالهمزة "على الحديث فأثرت فيه أي قدحت في صحته" ولذا أخذوا في رسم الصحيح أن لا يكون شاذا ولا معللا. قلت: وكان هذا تعريف أغلبي للعلة وإلا فإنه سيأتي أنهم قد يعلون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة ويعلون بما لا يؤثر في صحة الحديث ويأتي في آخر البحث تحقيق ذلك. واعلم أن الرسم للعلة ذكره ابن الصلاح وتبعه الزين ونقله المصنف وضقال الحافظ ابن حجر: على كلام ابن الصلاح. قلت: هذا تحرير كلام الحاكم في علوم الحديث1 فإنه قال وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل فإن حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فتخفى عليهم عملته والحجة فيه عندنا العلم والفهم والمعرفة فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع معلولا ولا الحديث الذي في رواته مجهول أو مضعف معلولا وإنما يسمى معلولا إذا آل أمره إلى شيء من ذلك وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود انتهى. "وتدرك العلة بتفرد الراوي ومن التنبيه" بالمثناة من فوق من نبه "على ذلك" على الإعلال بالتفرد والإشارة إليه "قوله تعالى: {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68] بعد قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68] في الكشاف القول القرآن أفلم يدبروه ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروه واستدعوه كقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 6] أو ليخافوا عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وآباؤهم إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان انتهى. فالتنبيه بالآية على ما قاله المصنف يتم على أحد الاحتمالين "ففيه" أي في قوله تعالي: {أَمْ جَاءَهُمْ} الآية- دليل "أن الفطر مجبولة" مخلوقة "على الشك في الشاذ في المنكر وأن العذر" لمن رده "بذلك شائع" وهذا في نكارة القول وشذوذه وغرابته وفي الحديث حدثوا الناس بما تسعه عقولهم أتحبون أن يكذب الله ورسوله2 وهو أيضا

_ 1 ص 112-113. 2 الكنز 8/293.

دليل على نفرة العقول عن الشاذ من الأقوال المستغربة. قلت: ولو أتى المصنف بالآية الثانية وهي قوله: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: 69] بكان آتيا بما فيه الإشارة إلى نكارة المخبر والراوي وأن عدم معرفته عذرا أيضا في عدم قبوله والتشكك في قوله وسيأتي أنه يعل بفسق الراوي وضعفه ويصدق عليه أنه لم يعرف بالعدالة التي هي مدار المقبول. "ومن ذلك" أي من التنبيه والإشارة "حديث ذي اليدين" تقدم اسمه وقصته "فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ما قاله لتفرده به حتى وافقه عليه الحاضرون" حين سألهم صلى الله عليه وسلم عن حقيقة ما قاله ذو اليدين. "ومخالفة غيره" غير الراوي "له" وهو عطف على قوله تفرد الراوي وهو الثاني مما تدرك به العلة "مع قرائن تنضم إلى ذلك يهتدي الناقد بها إلى اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك" مما ذكر "بحيث غلب على ظنه ذلك فأمضاه" برده الحديث "وحكم به أو تردد في ذلك" فلم يرده ولم يعلم به "فوقف وأحجم عن الحكم بصحة الحديث فإن لم يغلب ظنه صحة الإعلال" أحسن المصنف بهذه العبارة وعدوله عن عبارة غيره بالتعليل "بذلك فظاهر الحديث المعل السلامة من العلة" أي من وجودها فيه "حيث تثبت من طريق مقبولة" تنتهض على صحة الإعلال. "قال الخطيب1 السبيل إلى معرفة علة الحديث أن تجمع بين طرقه وتنظر في اختلاف رواته وتعتبر" أي الخطأ والصواب "بمكانهم من الحفظ" وقد مثله ابن الصلاح والزين بحديث أنس ابن مالك في البسملة وهو مثال العلة في المتن وبحديث كفارة المجلس في علة الإسناد2 وقد أطال الكلام في ذلك الحافظ ابن حجر وأتى ببيان طرق الحديثين بما فيه طول فمن أراد التوسع طالع ذلك. "وقال ابن المديني الباب إذا لم تجتمع طرقه لم يتبين خطاؤه" ضقال الحافظ ابن حجر: وهذا الفن يعني التعليل أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما عاليا واطلاعا حاويا وإدراك المراتب الرواة ومعرفة شافية ولم يتكلم فيه إلا إفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله عز وجل

_ 1 علوم الحديث ص 117. 2 المصدر السابق.

فيهم من معرفة ذلك والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك. انتهى. ثم أخذ في تقسيم محلات العلة فقال "والعلة تكون في الإسناد" كالوصل في المرسل والرفع في الموقوف "وهو الأغلب و" قد تكون "في المتن" باختلاف ألفاظه "ثم العلة في الإسناد" تنقسم باعتبار القدح فإنها "قد تقدح في المتن كالإعلال بالإرسال وقد لا تقدح" فيه "كالإعلال بوهم الراوي في اسم أحد رجال الإسناد مع ثبوت الإسناد عن الثقات على الصواب من غير رواية ذلك" الراوي "الذي وهم" قال البقاعي الكلام الضابط أن يقال الحديث لا يخلو إما أن يكون فردا أوله أكثر من إسناد فالأول يلزم من القدح في سنده القدح في متنه وبالعكس والثاني لا يلزم من القدح في أحدهما القدح في الآخر. وقال الحافظ ابن حجر: قلت: إذا وقعت العلة في الإسناد فقد تقدح وقد لا تقدح وإذا قدحت فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن وكذا القول في المتن سواء فالأقسام على هذا ستة. فمثال ما وقعت العلة في الإسناد ولم تقدح مطلقا ما يوجد مثلا مدلسا بالعنعنة فإن ذلك يوجب التوقف عن قبوله فإذا وجد من طريق أخرى قد صرح فيها بالسماع تبين أن العلة غير قادحة وكذا إذا اختلف في الإسناد على بعض رواته فإن ظاهر ذلك يوجب التوقف عنه فإن أمكن الجمع بينهما على طرائق أهل الحديث بالقرائن التي تحف الإسناد أن تلك غير قادحة. ومثال ما وقعت العلة فيه في الإسناد ويقدح فيه دون المتن ما مثل به المصنف يريد ابن الصلاح من إبدال روايته وهو بقسم مقلوب المتن أليق فإن أبدل راو ضعيف براو ثقة وتبين الوهم فيه استلزم القدح في المتن أيضا إن لم يكن له طريق أخرى صحيحة ومن أغمض ذلك أن يكون الضعيف موافقا للثقة في اسمه ومثال ذلك ما وقع لأبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي أحد الثقات عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وهو من ثقات الشاميين قدم الكوفة فكتب عنه أهلها ولم يسمع منه أبو أسامة ثم قدم بعد ذلك الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تيميم وهم من ضعفاء الشاميين فسمع منه أبو أسامه وسأله عن اسمه فقال عبد الرحمن بن يزيد فظن أبو أسامة أنه ابن جابر فصار يحدث عنه وينسبه من قبل نفسه فيقول حدثنا عبد الرحمن

بن يزيد بن جابر فوقعت المناكير في رواية أبي أسامة عن ابن جابر وهما ثقتان فلم يفظن لذلك إلا أهل النقد فميزوا ذلك ونصوا عليه كالبخاري وأبي حاتم وغير واحد ومثال ما وقعت فيه العلة في المتن دون الإسناد ولا يقدح فيهما ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث الصحيحين إذا أمكن الجمع رد الجميع إلى معنى واحد فإن القدح ينتفي عنهما وسنزيد ذلك أيضاحا في النوع الرابع إن شاء الله تعالى. ومثال ما وقعت فيه العلة في المتن واستلزمت القدح في الإسناد ما يرويه راو بالمعنى الذي ظنه يكون خطأ والمراد بلفظ الحديث غير ذلك فإن ذلك يستلزم القدح في الراوي فيعلل الإسناد. ومثال ما وقعت العلة في المتن دون الإسناد ما ذكره المصنف من أحد الألفاظ الواردة في حديث أنس وهي قوله لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها فإن أصل الحديث في الصحيحين بلفظ البخاري وكانوا يفتتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولفظ مسلم في رواية نفي الجهر وفي رواية أخرى نفي القراءة ثم تكلم على تلك الروايات بما يطول ذكره1.اهـ. ولما ذكر زين الدين في منظومته ما أفاده قوله2: وكثر التعليل بالأرسال ... للوصل لا يقوي على اتصال وقد يعلون بنوع قدح ... فسق وغفلة ونوع جرح قال مشيرا إلى ذلك "وقد يعلون" أي: أئمة الحديث "الحديث بأشياء لست غامضة كالإرسال وفسق الراوي وضعفه وذلك موجود في كتب العلل" وقد قدمنا لك أن التعريف للعلة أغلبي "ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه" ليعرف الرواة الإرسال والوصل والوقف والرفع. "وبعضهم" أي بعض أئمة الحديث هكذا أجمله ابن الصلاح وبينه الزين بأنه أبو يعلي الخليلي كما ذكره المصنف "يعل الحديث بما لا يقدح في صحته كإسناد منقطع أقوى من إسناد موصول" قال الزين كالحديث الذي وصله الثقةالضابط فأرسله غيره "حتى عد" ذلك البعض "من أنواع المعل ما هو صحيح معل" فلا منافاة عنده بين الصحة

_ 1 البخاري في: الأذان: ب 89. وأبو داود في: الصلاة ب 122. والترمذي في: المواقيت: ب 68, واحمد 3/101. 2 فتح المغيث 1/112- 205.

والإعلال فعلى هذا فإنه يحذف قيد ولا ولا علة من رسم الصحيح "كما أن من الحديث ما هو صحيح شاذ" كأن المراد عند ذلك البعض فيحذف أيضا قيد ولا شاذ من الرسم "وهو مذهب أبي يعلي الخليلي في الأمرين" وعبارة الزين وقائل ذلك هو أبو يعلي الخليلي قال في كتاب الإرشاد إن الأحاديث على أقسام كثيرة صحيح متفق عليه وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه ثم ذكر ما مثل به الخليلي الصحيح المعل وأغرب ما ذكر من الإعلال جعل النسخ علة كما فعله الترمذي وأشار إليه زين الدين بقوله1: والنسخ سمى الترمذي علة ... فإن يرد في عمل فاجنح له وقال غنه من زوائده على ابن الصلاح وقول الزين فإن يرد بضم حرف المضارعة من الإرادة أي إن يرد الترمذي أن النسخ علة في العمل فهو صحيح ولهذا قال فاجنح من الجنوح أي من إليه وإن أراد علة في صحة نقله فلا لأن في الصحيح أحاديث منسوخة كثيرة انتهى. * * *

_ 1 فتح المغيث 1/113/208.

مسألة (42) : في حقيقة المضطرب وأنواعه وحكمه

مسألة: 42 [في حقيقة المضطرب وأنواعه وحكمه] من أنواع علوم الحديث المضطرب يحتمل أنه مأخوذ من اضطرب بمعنى اختل أو من اضطرب القوم إذا اختلفت كلمتهم وحقيقته "هو ما اختلف كلام راويه فيه" المراد جنس الراوي الواحد فلا يشمل اختلاف الأكثر لأنه سيذكره المصنف وقال زين الدين1: مضطرب الحديث ما قد رودا ... مختلفا من واحد فأزيدا "فرواه مرة على وجه ومرة على وجه مخالف له وهكذا إذا اضطرب فيه راويان فأكثر فرواه كل واحد على وجه مخالف للآخر". قال الحافظ العلائي: ذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما غامضا واطلاعا حاويا وإدراك كالمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة. انتهى. قلت: هو كما قاله الحافظ في بحث الإعلال والبحثان متقاربان جدا والاضطراب نوع من الإعلال. ثم أشار إلى تقسيمه إلى قسمين فقال: "وقد يكون" الاضطراب "في المتن" في ألفاظه "وفي السند" كذا قاله ابن الصلاح إلا أنه زاد بعد هذا وقد يكون من راو واحد وقد يكون من رواة. انتهى. ونقل الحافظ ابن حجر عن الحافظ العلائي أنه قال: الاختلاف تارة يكون في المتن وتارة في السند فالذي في السند يتنوع أنواعا: أحدها: تعارض الوصل والإرسال.

_ 1 فتح المغيث 1/113/209.

ثانيها: تعارض الوقف والرفع. ثالثها: تعارض الاتصال والانقطاع. رابعها: أن يروي الحديث قوم مثلا عن رجل عن تابعي عن صحابي ويرويه ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه. خامسها: زيادة رجل في أحد الإسنادين. سادسها: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان مترددا بين ثقة وضعيف. فأما الثلاثة الأول: فقد تقدم القوم فيها وأن المختلفين إما أن يكونا متماثلين في الحفظ والإتقان أم لا فالمتماثلون إما أن يكون عددهم من الجانبين سواء أم لا فإن استوى مع استواء أوصافهم وجب التوقف حتى يترجح أحد الفريقين بقرينة من القرائن فمتى اعتضدت أحدى الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكم بها ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث بل كل حديث يقوم به مرجح خاص لا يخفي على الممارس الفظن الذي أكثر من جمع الطرق ولهذا كان مجال النظر في هذا أكثر من غيره وإن كان أحد المتماثلين أكثر عددا فالحكم لهم على قول الأكثر وقد ذهب قوم إلى تعليله وإن كان من وصل أو رفع أكثر والصحيح خلاف ذلك وأما غير المتماثلين فإما أن يتساووا في الثقة أولا فإنتساووا في الثقة فإن كان من وصل أو رفع أحفظ فالحكم له ولا يلتفت إلى تعليل من علله بذلك أيضا وإن كان العكس فالحكم للمرسل والواقف وإن لم يتساووا في الثقة فالحكم للثقة ولا يلتفت إلى تعليل م علله برواية غير الثقة إذا خالف. هذا جملة تقسيم الاختلاف وبقي إذا كان رجال أحد الإسنادين أحفظ والآخر أكثر فقد اختلف المتقدمون فيه فمنهم من يرى قول الأحفظ أولى لإتقانه وضبطه ومنهم من يرى قول الأكثر أولى لبعدهم من الوهم ولا شك أن الاحتمال من الجهتين منقدح قوي لكن ذلك إذا لم ينته عدد الأكثر إلى درجة قوية جدا بحيث يبعد اجتماعهم على الغلط أو يتعذر أو يمتنع عادة فإن نسبة الغلط إلى الواحد وإن كان أرجح من أؤلئك في الحفظ والإتقان أقرب من نسبته إلى الجمع الكثير. ثم ذكر أمثلة من ذلك وقال: وأما النوع الرابع: وهو الاختلاف في السند- فلا يخلو إما أن يكون الرجلان ثقتين أم لا فإن كانا ثقتين فلا يضر الاختلاف عند الأكثر لقيام الحجة بكل منهما فكيفما

دار الإسناد كان عن ثقة وربما احتمل أن يكون الراوي سمعه منها جميعا وقد وجد ذلك في كثير من الحديث لكن ذلك يقوى حيث يكون الراوي ممن له اعتناء بالطلب وتكثير الطرق وأما ما ذهب إليه كثير من أهل الحديث من أن الاختلاف دليل على عدم ضبطه في الجملة فيضر ذلك لو كانت رواته ثقات إلا أن يقوم دليل أنه عند الراوي المختلف عليه عنهما جميعا أو بالطريقين جميعا فهو رأي فيه ضعف لأنه كيفما دار عن ثقة وفي الصحيحين من ذلك جملة أحاديث لكن لا بد في الحكم بصحة ذلك من سلامته من أن يكون غلطا أو شاذا. وأما إذا كان في أحد الروايتين المختلف فيهما ضعيفا لا يحتج به فههنا مجال للنظر وتكون تلك الطريق التي سمى الضعيف فيها وحصل الحديث عنه لا لوقف أو إرسال بالنسبة إلى الطريق الأخرى فكل ما ذكرنا هناك من الترجيحات يجيء هنا. ويمكن أن يقال في مثل هذا يحتمل أن يكون الراوي إذا كان مكثرا قد سمعه منهما أيضا كما تقدم. فإن قيل: إذا كان الحديث عنده عن الثقة فلم يرويه عن الضعيف. فالجواب أنه يحتمل أنه لم يطلع على ضعف شيخه أو اطلع عليه لكن ذكره اعتمادا علىصحة الحديث عنده من الجهة الأخرى. وأما النوع الخامس وهو زيادة الرجل بين الرجلين في السند فسيأتي تفصيله في النوع السابع والثلاثين إن شاء الله تعالى. وأما النوع السادس وهو الاختلاف في اسم الراوي ونسبه فهو على أقسام أربعة: الأول: أن يبهم من طريق ويسمى من أخرى فالظاهر أن هذا لا تعارض فيه لأنه يكون المبهم في إحدى الروايتين هو المعين في الأخرى وعلى تقدير أن يكون غيره فلا تضر رواية من سماه وعرفه إذا كان ثقة رواية من أبهمه. القسم الثاني: أن يكون الاختلاف في العبارة فقط والمعنى بها في الكل واحج فإن مثل هذه لا يعد اختلافا أيضا ولا يضر إذا كان الراوي ثقة. القسم الثالث: أنيقع التصريح باسم الراوي ونسبه لكن مع الاختلاف في سياق ذلك ثم ذكر مثاله. القسم الرابع: أن يقع التصريح به من غير اختلاف لكن يكون ذلك من متفقين أحدهما ثقة والآخر ضعيف أو أحدهما يستلزم الاتصال والآخر الإرسال كما قدمنا

ذلك ثم سرد المثال وأطال فيه المقال. ثم قال فهذه الأنواع الستة التي يقع بها التعليل وقدمين كيفية التصرف فيها وما عداها إن وجد لم يخف إلحاقه بها. وأما الاختلاف الذي يقع في المتن فقد أعل به المحدثون والفقهاء كثيرا من الأحاديث وأمثلة ذلك كثيرة وللتحقيق في ذلك مجال طويل يستدعي تقسيما وبيان أمثلة لتصير ذلك قاعدة يرجع إليها. فنقول: إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه أو كان سياق الحديث في واقعة يظهر تعددها فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلين. مثال الأول: حديث أبي هريرة في السهو يوم ذي اليدين وأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وسلم من ركعتين ثم قام إلى خشية في المسجد فاتكا عليها فذكره ذو اليدين بسهوه صلى الله عليه وآله وسلم فسأل صلى الله عليه وسلم الصحابة فقالوا له نعم فصلى الركعتين اللتين سها عنهما1 وحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وآله سلم صلى العصر فسلم على ثلاث ثم دخل صلى الله عليه وسلم منزله فجاء الخرباق وكان في يديه طول فناداه صلى الله عليه وسلم فأخبره بصنعه فخرج صلى الله عليه وسلم وهو غضبان فسأل الناس فأخبروه فأتم صلاته وحديث معاوية بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم المغرب فسلم من ركعتين ثم انصرف فأدركه طلحة بن عبيد الله فأخبره بصنعه فرجع صلى الله عليه وسلم فأتم صلاته فإن هذه الأحاديث الثلاثة ليس الواقعة فيها واحدة بل سياقها يشعر بتعددها. وقد غلط بعضهم فجعل حديث أبي هريرة وعمران ابن حصين قصة واحدة ورام الجمع بينهما على نوع من التعسف الذي نستنكره وسببه الاعتماد على قول من قال إن ذا اليدين اسمه الخرباق وعلى تقدير ثبوت أنه هو فلا مانع أن يقع ذلك له في واقعتين ولا سيما أن في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم سلم من ركعتين وفي حديث عمران سلم من ثلاث إلى غير ذلك من الاختلاف المشعر بكونهما واقعتين وكذا حديث معاوية بن خديج ظاهر أنها قصة ثالثة لأنه ذكر أنها المغرب وأن المنبه على

_ 1 البخاري في: الصلاة: ب 88, والسهو: ب 5. وأبو داود: ب 189, والنسائي في: السهو: ب 22, وأحمد 2/234.

السهو طلحة بن عبيد الله. ومثال الثاني حديث علي بن رباح قال سمعت فضالة بن عبيد يقول أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة وفيها خرز وذهب وهي من المغنم تباع فأمر صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن" 1 وحديث حنش الصنعاني عن فضالة قال اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب باثني عشر دينارا فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تباع حتى تفصل وفي لفظه له كنا نبايع يوم خيبر اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب إلا وزنا بوزن" 2 وفي رواية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم غام خيبر بقلادة فيها خرز وذهب ابتاعها رجل بسبعة دنانير أو تسعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حتى يميز بينه وبينها" الحديث وفي رواية لحنش كنا مع فضالة في غزوة فصارت لي ولأصحابي قلادة بها ذهب وجوهر فأردت أن أشتريها فقال لي فضالة انزع ذهبها واجعله في كفة واجعل ذهبك في كفة فأنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل" 3 وهذه الروايات كلها في صحيح مسلم فقال البيهقي وغيره إن هذه محمولة على أنها كانت بيوعا شهدها فضالة فأداها كلها وحنش أداها متفرقة. قلت: بل هما حديثان لا أكثر رواهما جميعا حنش بألفاظ مختلفة وروى علي بن رباح أحدهما وبيان ذلك أن حديث علي بن رباح شبيه برواية حنش الثالثة وليست بينهما مخالفة إلا في تعيين وزنها في رواية حنش دون رواية الآخر فهذا حديث واحد اتفقا فيه على ذكر القلادة وأنها مشتملة على خرز وذهب وأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من بيعها حتى يميز الذهب من غيره وأما رواية حنش الأولى فليس فيها إلا ذكر المفاضلة في كون القلادة كان فيها أكثر من اثني عشر والمتن كان فيها اثني عشر فنهاهم عن ذلك وروايته الثانية شبيهة بذلك إلا أنها عامة في النهي عن بيع الذهب متفاضلا وتلك فيها بيان القصة فقط والآخرة شبيهة بالثانية والقصة التي وقعت فيها

_ 1 مسلم في: المساقاة: ب 17. حديث 89. وأحمد 2/262, 6/19. 2 مسلم في: المساقاة: ب 17 حديث 91. وأبو داود 3353. والبيهقي 5/293. 3 مسلم في: المساقاة: ب 17 حديث 92.

إنما هي للتابعي لا للصحابي فوضح أنهما حديثان لا أكثر والله أعلم. ثم إن هذا كله لا ينافي المقصود من الحديث فإن الروايات كلها متفقة على المنع من بيع الذهب بالذهب ومعه شيء غيره فلو لم يمكن الجمع لما ضره الاختلاف والله أعلم. فهذان مثالان واضحان فيما يمكن تعدد الواقعة فيه وفيما يبعد الجمع فأما إذا تعذر الجمع بين الروايات بأن لا يكون المخرج واحدا فلا ينبغي سلوك تلك الطريق والمالمتعسفة مثاله حديث أبي هريرة أيضا في قصة ذي اليدين فإن في بعض طريقه أن ذلك كان في صلاة الظهر وفي أخرى في صلاة العصر وفي أكثر الرويات قال في إحدى صلاتي العشي إما الظهر أو العصر فمن زعم أن رواية أبي هريرة لقصة ذي اليدين كانت متعددة وقعت مرة في الظهر ومرة في العصر لأجل هذا الاختلاف ارتكب طريقا وعرا بل هي قصة واحدة وأدل دليل على ذلك الرواية التي فيها التردد هل هي الظهر أوالعصر فإنها مشعرة بأن الراوي كان يشك في أيهما ففي بعض الأحيان كان يغلب على ظنه أحدهما فيجزم به فلذا وقع في بعض طرقه ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس ما يقول ذو اليدين قالو صدق وفي أخرى أكما يقول ذو اليدين قالوا نعم وفي أخرى فأوموا أن نعم فالغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير عن صورة الجواب ولا يلزم ن ذلك تعدد الواقعة قال العلائي وهذه الطريقة التي سلكها الشيخ محي الدين توصلا إلى تصحيح كل من الروايات صونا للرواة الثقات أن يتوجه الغلط إلى بعضهم. ثم ذكر أمثلة من الأحاديث حملها الشيخ على تعدد الواقعة والأقرب خلافه ثم قال ومما يمكن فيه احتمال تعدد الواقعة ويمكن أيضا الجمع بين الروايات ولو اختلفت المخارج ما يكون الحمل فيه على طريق من المجاز كما في حديث أن عمر نذر باعتكاف ليله في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره وفي رواية اعتكاف يوم وكلاهما في الصحيح والتحقيق أنه نذر يوما بليلته وأمره صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره فعبر بعض الرواية عنه بيوم وأراد بليلته وبعضهم بليلة وأراد بيومها والتعبير بكل واحد من هذين عن المجموع من المجاز الشائع الكثير الاستعمال أو بتقييد في الأطلاق كما في حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه في النهي عن مس الذكر باليمين فإن بعض الرواة عن يحيى أطلق وبعضهم قيد بحالة البول

أو بتخصيص العام كما في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر في زكاة الفطر وقوله فيه من المسلمين1 أو بتفسير المبهم وتبين المجمل كما في حديث وائل بن حجر في قصة صاحب النسعة2 فإن في رواية أبي هريرة عند الترمذي إبهام كيفية القتل وفي حديث وائل عند مسلم بيانها3. وأما ما يتعذر فيه احتمال التعدد ويبعد فيه أيضا الجمع بين الروايات فهو على قسمين أحدهما ولا تتضمن المخالفة بين الروايات اختلاف حكم شرعي فلا يقدح ذلك في الحديث وتحمل تلك المخالفات على خلل وقع لبعض الرواة إذا رووه بالمعنى متصرفين بما يخرجه عن أصله. مثاله: حديث جابر في وفاء دين أبيه فإنه مخرج في الصحيح عن عدة طرق وفي سياقه تباين لا يتأنى الجمع فيهه إلا بتكلف شديد لأن جميع الروايات عبارة عن دين كان على أبيه ليهودي فأوفاهم ممن نخلة ذلك العام ففي رواية وهب بن كيسان أنه كان ثلاثين وسقا وأن النبي صلى الله عليه وسلم كلمه في الصبر فابى فدخل النبي صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها ثم قال جابر حد له فحدله بعد ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم. وفي حديث عبد الله بن كعب عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم أن يقبلوا تمر الحائط ويحللوه فأبوا وفي رواية الشعبي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اذهب فبيدر كل تمر على ناحية" وأنه صلى الله عليه وسلم طاف في أعظمها بيدرا ثم جلس صلى الله عليه وسلم فقال: "ادع أصحابك", فما زال يكبل لهم حق أدى الله أمانة والدي وفي آخره: "فسلم الله البيادر كلها" 4 ففي هذه الروايات اختلاف شديد كما ترى وفي حملها على التعدد بعد وتكلف والأقرب ما أشرنا إليه وأن المقصود في جميعها البركة في التمر بسبب النبي صلى الله عليه وسلم وأن الاختلاف في ألفاظها وقع من بعض الرواة. وكذا حديث جابر في قصة الجمل فإن الروايات اختلفت في قدو الثمن وفي الاشتراط وعدمه وقد ذكره البخاري مبينا في موضوعين من صحيحه وقال إن قول

_ 1 سبق تخريجه. 2 النسعة: بالكسر سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره وقد تنسج عريضة تجعل على صدر البعير النهاية 5/48. 3 مسلم فب: القسامة: ب 10. حديث 32. 4 البخاري 4/17, 5/123. والنسائي 8/18. وشرح السنة 13/303.

الشعبي بوقية أرجح وأن الاشتراط أصح وهو ذهاب منه إلى ترجيح بعض الروايات وأما دعوى التعدد فغير ممكن. ومن ذلك حديث عائشة في ضياع العقد ونزول آية التيمم ففي رواية القاسم أن المكان كان البيداء أو ذات الجيش وفيها انقطع عقد لي وفيها أنهم باتوا على غير ماء وفيها فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته وفي رواية عروة أنها سقطت في الأبواء وفي رواية في مكان يقال له الصلصل وفيه إن القلادة استعارتها عائشة من أسماء وفيها انسلت القلادة من عنقها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رجلين يلتمسانها فوجداها فحضرت الصلاة فلم يدريا كيف يصنعان وفي رواية أرسل ناسا وعين منهم أسيد بن حضير وفيها أن الذين أرسلوا حضرتهم الصلاة فصلوا على غير وضوء1. قال ابن عبد البر ليس اختلاف النقلة في العقد ولا في القلادة ولا في الموضع الذي سقط فيه ذلك لعائشة ولا كونه لعائشة أو لأسماء مما يقدح في الحديث ول يوهنه لأن المعنى المراد من الحديث والمقصود هو نزول آية التيمم ولم يختلفوا في ذلك. قلت: وكلامه يشعر بتعذر الجمع بين الروايتين وليس كذلك بل الجمع بينهما ممكن بالتعبير بالقلادة عن العقد وبأن إضافتها إلى أسماء إضافة ملك وإلى عائشة إضافة يد وبأن انسلالها كان بسبب انقطاعها وبأن الإرسال في طلبها كان في ابتداء الحال ووجدانها كان في آخره حين بعثوا البعير وأما قوله إن الذين ذهبوا في طلبها هم الذين وجدوها فلا بعد فيه أيضا لاحتمال أن يكون وجدانهم إياها بعد رجوعهم. وإذا تقرر ذلك كانت القصة واحدة وليس فيها مخالفة إلا أن في رواية عروة زيادة على ما في رواية القاسم من ذكر صلاة المبعوثين في طلبها بغير وضوء ولا اختلاف ولا تعارض فيها. ومن الأحاديث التي رواها بعض الرواة بالمعنى الذي وقع له وحصل من ذلك الغلط لبعض الفقهاء بسببه ما رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي

_ 1 البخاري في: التيمم: ب 1. ومسلم في: التوبة: حديث 56. وأحمد 4/264.

صلى الله عليه وسلم قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" 1 الحديث2 ورواه عنه سفيان بن عيينه وإسماعيل بن جعفر وروح ابن القاسم وعبد العزيز الدراوردي وطائفة من أصحابه وهكذا رواه عنه شعبة في رواة حفاظ أصحابه وانفرد وهب بن جرير عن شعبة بلفظ: "لا تجزى صلاة لا يقرأ فيه بفاتحة الكتاب" 3 حتى زعم بعضهم أن هذه الرواية مفسرة للخداع الذي في الحديث وأنه عدم الأجزاء وهذا لا يتأتى له إلا لو كان مخرج الحديث مختلفا فأما والسند متحد فلا ريب أنه حديث واحد اختلف لفظه فتكون رواية وهب بن جرير شاذة بالنسبة إلى ألفاظها بقية الرواة لا تفاقهم دونه على اللفظ الأول لأنه يبعد كل البعد أن يكون أبو هريرة سمعه باللفظين ثم نقل عنه ذلك. ومن ذلك حديث الواهبة نفسها فإن مدارهه علىأبي حازم عن سهل بن سعد واختلف الرواة على ابي حازم فقال مالك وجماعة معه "فقد زوجتكما" وقال ابن عيينة "أنكحتكما" وقال ابن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن "ملكتكها" وقال الثوري "أملكتكها" وقال أبو غسان أمكنا كها أو أكثر هذه الروايات في الصحيحين فمن البعيد جدا أن يكون سهل بن سعد شهد هذه القصة من أولها إلى آخرها مرارا عديدة في كل مرة لفظ غير الذي سمعه في الأخرى بل ربما يعلم ذلك بطريق القطع وأيضا فالمقطوع به أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه الألفاظ كلها في مرة واحدة تلك الساعة فلم يبق إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفظا منها وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى والله أعلم. ثم إن الاختلاف في الإسناد إذا كان بين ثقات متساوين وتعذر الترجيح فهو في الحقيقة لا يضر في قبول الحديث والحكم بصحته لأنه عن ثقة في الجملة ولكن يضر ذلك في الأصحية عند التعارض مثلا فحديث لم يختلف فيه عن راويه أصلا أصح من حديث اختلف فيه في الجملة وإن كان ذلك الاختلاف في نفسه يرجع إلى من لا يلتزم القدح انتهى ما نقله الحافظ ابن حجر عن الحافظ العلائي مع اختصار لبعض الأمثلة وهو وإن طال نافع جدا سما مع اختصار المصنف للمقال وهو مفتقر إلى الإطالة.

_ 1 فهي خداج: الخداج النقصان يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه وإن كان تام الخلق. وأخدجته إذا ولدته ناقص الخلق وإن كان لتمام الحمل. والخداج: مصدر على حذف المضااف: أي ذات خداج النهاية 2/12. 2 ابن ماجة 840, 841. وأحمد 2/457. 3 ابن خزيمة 490, وابن عدي 3/991.

وذكرنا ما سردنا من الأمثلة فتكون طريقا تسلك أمثالها في أمثاله. ولما ذكر المصنف أنه ما اختلف فيه كلام راويه أو رواته أبان أنه مقيد بقيد التساوي فقال "وإنما يسمي مضطربا إذا تساوت الروايتان المختلفان في الصحة" ولا يخفى أنه كان ينبغي ذكر هذا القيد في رسم المضطرب "وإن ترجحت إحداهما لم يطلق عليه اسم الاضطراب على الراجح" إذ الذي عارضه كالعدم لمرجوحيته "والحكم حينئذ له" أي للراجح وأما حكم الاضطراب فأشار إليه بقوله "والاضطراب يوجب ضعف الحديث لإشعاره بعد ضبط رواته" فإن كان واحدا فظاهر وإن كان أكثر من واحد فقد اشترك الكل في عدم الضبط وإنما يزول عن البعض بالترجيح. "ومن أمثلة مضطرب المتن حديث فاطمة بنت قيس المرفوع" قالت سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: "إن في المال لحقا سوى الزكاة" رواه الترمذي 1 هكذا" بإثبات حق في المال غير الزكاة "ورواه ابن ماجه2 عنها" عن فاطمة بن قيس بلفظ "ليس في المال حتى سوى الزكاة وإسناده واحد عن شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عنها" قال الزين فهذا الاضطراب لا يحتمل التأويل وقول البيهقي إنه لا يحفظ لهذا اللفظ الثاني إسناد معارض بما رواه ابن ماجه. انتهى. وقال البقاعي هذا لا يصح أن يكون مثالا لمضطرب المتن أما أولا فلان أبا حمزة شيخ شريك ضيعف فهو مردود من قبل ضعف راويه لا من قبل اضطرابه وأما ثانيا فإنه يمكن تأويله بأنها روت كلا اللفظين عنه صلى الله عليه وسلم ويكون الحق المثبت في اللفظ الأول المراد به الحق المستحب الذي لم يجب كصدقة النفل وإكرام الضعيف ونحو ذلك كما يقال حقك واجب علي والحق المنفي في اللفظ الثاني هو الفرض وقوله مردود من قبل الضعف وذلك أن الشرط في المضطرب أن يكون علة رده هو الاضطراب لا غير ولولاه لكان صحيحا. "ومثال الاضطراب في الإسناد ما وقع في إسناده حديث أبي هريرة مرفوعا في السترة" للمصلى "فإن لم يجد عصا فليحفظ حظا" فإنهم اضطربوا في اسم بعض رواته اضطرابا كثيرا" وذلك أن الحديث رواه أبو داود وابن ماجه3 من رواية إسماعيل بن أمية

_ 1 رقم 659, 660. والدارقطني 2/125, وابن عدي 4/1328. 2 رقم 1789, والإتحاف 4/105. 3 أبو داود 689. وابن ماجة 943. وأحمد 249.

عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده حريث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليجعل شيئا تلقاء وجهه الحديث وفيه فإن لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا وقد اختلفوا فيه على إسماعيل اختلافا كثيرا فرواه بشر بن المفضل وروح ابن القاسم عنه هكذا ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة ورواه حميد بن الأسود عنه عن أبي عمرو بن محمد عن عمرو بن حريث ابن سليم عن أبي هريرة ورواه وهيب بن خالد وعبد الوارث عنه عن أبي عمرو ابن حريث عن جده حريث ورواه ابن جريج عنه عن حريث بن عمار عن أبي هريرة ورواه داود عليه الحارثي عنه عن أبي عمرو بن محمد عن جده حريث ابن سليمان قال أبو زرعة الدمشقي لا نعلم أحدا أثبته ونسبه غير داود ورواه سفيان بن عيينه عنه فاختلفت فيه على ابن عيينة. قال ابن المديني: عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبي محمد عمرو بن حريث عن أبيه عن جده حريث رجل من بني عذرة قال سفيان لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه قال ابن المديني قلت: له إنهم يختلفون فيه فتفكر ساعة ثم قال ما أحفظه إلا أبا محمد بن عمرو ورواه محمد بن سلام البيكندي عن ابن عيينة مثل رواية شريك بن المفضل وروح ورواه مسدد عن ابن عيينة عن إسماعيل عن عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة ورواه عمار بن خالد الواسطي عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبي عمرو محمد بن عمرو بن حريث بن سليم وفيه من الاضطراب غير ما ذكرت انتهى من شرح ألفية الزين. وقال تلميذه الحافظ ابن حجر بقي أمر يجب التيقظ له وذلك أن جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية عن هذا الرجل إنما وقع بينهم الاختلاف في اسمه أو كنيته وهل روايته عن أبيه أو جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة وإذا تحقق الأمر فيه لم يكن فيه حقيقة الاضطراب لأن الاضطراب هو الاختلاف الذي يؤثر قدحا واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك لأنه إن كان ذلك الرجل ثقة فلا ضير وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك ومع هذا كله فالطريق التي ذكرها ابن الصلاحثم شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض والراجحة منها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلا ورأسا.

ثم قال الحافظ: تنبيه: قول ابن عيينة لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه فيه نظر فقد رواه الطبراني من طريق أبي موسى الأشعري وفي إسناده أبو هرون العقدي وهو ضعيف ولكنه وارد على إطلاق ابن عيينة للنفي. قلت: يحتمل أنه يريد لم نجد شيئا صحيحا ولكنه لا يناسبه قوله ولم يجيء إلا من هذا الوجه فإنه ظاهر في نفي مجيئه من غيره مطلقا. قال: ثم وجدت له شاهدا آخر وإن كان موقوفا أخرجه مسدد في مسنده الكبير فقال حدثنا هشيم حدثنا خالد الحذاء عن أياس بن معاوية عن سعيد بن جبير قال إذا كان الرجل يصلى في فضاء فليركز بين يديه شيئا قإن لم يستطع أن يركزه فليعرضه فإن لم يكن معه شيء فليخط خطا في الأرض رجاله ثقات وقول البيهقي إن الشافعي ضعفه فيه نظر فإنه احتج به فيما وقفت عليه في المختصر الكبير للمزني والله أعلم. ولهذا صحح الحديث أبو حاتم بن حبان والحاكم وغيرهما وذلك مقتضى ثبوت عدالته عند من صححه فما يضره بعد ذلك أن لا ينضبط اسمه إذا عرفت ذاته انتهى. * * *

مسألة (43) : في بيان حقيقة المدرج وأنواعه وحكمه

مسألة: 43 [في بيان حقيقة المدرج وأنواعه وحكمه] من علوم الحديث "المدرج" اسم مفعول من أدرجه بمهملتين وجيم "أقسام" أربعة كما يعدها المصنف قسم في المتن وثلاثة في الإسناد هكذا قسمه ابن الصلاح وتبعه الزين ضقال الحافظ ابن حجر: قد قسمه الخطيب الذي صنف فيه إلى سبعة أقسام وسيأتي ما ذكره الحافظ في تلخيصه لكلام الخطيب إن شاء الله تعالى. "الأول: ما أدرج في آخر الحديث من قول بعض بعض رواته إما الصاحبي أو من بعده موصولا بالحديث من غير فصل" تأكيد لم قبله "فيلتبس على من لا يعلم الحال" أي الكلام النبوي من غيره "فيحسب الجميع موصولا". وذلك "كحديث ابن مسعود وقوله بعد التشهد فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك" تمامه إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد أخرجه أبو داود1 هذا من قوله فإذا فعلت إلى آخره "موقوف على الصحيح" من كلام ابن مسعود "وقد أدرجه بعضهم في الحديث" وهو زهير بن معاوية أبوخيثمة فأنه وصله بالمرفوع في رواية أبي داود هذه قال الحاكم2 قوله إذا فعلت هذا مدرج في الحديث من كلام عبد الله بن مسعود وكذا قال البيهقي في المعرفة وكذا قال الخطيب في كتابه الذي جمعه في المدرج إنها مدرجة وقال النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مدرجة3. انتهى. ويدل لادراجها رواية شبابة بن سوار عنه ففصله وبين أنه من قول ابن مسعود.

_ 1 البخاري في: الاستئذان ب 27, 28. ومسلم في: الصلاة حديث 59: 61. وأحمد 1/292. 2 علوم الحديث ص 40: ذكر النوع الثالث عشر. 3 تدريب الراوي 1/268.

قال: قال عبد الله: فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد رواه الدارقطني وقال شبابه ثقة وقد فصل آخر الحديث جعله من قول ابن مسعود وهو أصح من رواية من أدرج آخره ورواه غير شبابه وفصله وبين أنه من قول ابن مسعود. "فاحتجت به الحنفية على أن السلام لا يجب" بناء منهم على عدم إدراج هذه الزيادة وهو خلاف ما قاله الأئمة الحفاظ كما عرفت. قلت: واستدل لهم الطحاوي على ماذهبوا إليه من عدم وجوب السلام في كتابه معاني الآثار بما أخرجه بسنده إلى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رفع المصلى رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته" وبحديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فلما سلم أخبر بصنيعه فثنى رجله وسجد سجدتين أخرجه الطحاوي أيضا بسنده من حديث ابن مسعود قال ففي هذا الحديث أنه أدخل في الصلاة ركعة من غيرها قبل السلام ولم ير ذلك مفسدا الصلاة ولو رآه مفسدا لما إذا لأعادها فلما لم يعدها وقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم دل ذلك أن التسليم ليس من صلبها ألا ترى أنه لو كان جاء بالخامسة وقد بقي عليه مما قبلها جدة كان ذلك مفسدا للأربع لأنه خلطهن بما لييس منهن فلو كان السلام واجبا كوجوب سجود الصلاة لكان حكمه أيضا كذلك ولكنه بخلافه فهو سنة. ثم قال وقد روى أيضا في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أو أربعا فليبن على اليقين ويدع الشك فإن كانت صلاته نقصت فقد أتمها وكانت السجدتان يرغمان الشيطان وإن كانت صلاته تامة كل ما زاد والسجدتان له نافلة" 1 فقد جعل صلى الله عليه وسلم الخامسة الزائدة والسجدتين اللتين للسهو تطوعا ولم يجعل ما تقدم من الصلاة بذلك فاسدا وإن كان المصلى قد خرج منها فثبت بذلك أن الصلاة تتم بغير تسليم وأن التسليم من سنتها لا من صلبها انتهى كلامه وإنما سقناه لتعلم أن الحنفية لهم أدلة غير هذه الزيادة المدرجة وإن كانت هذه الأدلة التي أتى بها الطحاوي مما يدخله التأويل على تكلف وهذا المثال في الأدراج في آخر الحديث.

_ 1 أبو داود 1029. والترمذي 396. وابن ماجة 1204. والدارقطنيي 1/374-375.

"و" قد "يكون الكلام المدرج في أوله" أي الحديث ضقال الحافظ ابن حجر: وهو نادر جدا "مثل أن يتكلم الصحابي بأمر يذهب إليه ثم يحتج عليه بلفظ حديث ثم يقول هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعنى ما احتج به لا ما احتج عليه فيتوهم السامع أن الجميع مرفوع وقد يقع ذلك" الأدراج في الأول مع فصل الصحابي لكلامه على جهة الوهم من السامع. مثل حديث أبي هريرة أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار رواه الخطيب1 من رواية أبي قطن وشبابة فرقهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار فقوله أسبغوا الوضوء من قول أبي هريرة وصل الحديث في أوله "فإن البخاري رواه عنه" أي عن أبي هريرة في صحيحه2 عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال ويل للأعقاب من النار قال الخطيب وهم أبو القطن عمرو بن الهثيم وشبابة بن سوار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه وذلك أن قوله أسبغوا الوضوء كلام أبي هريرة وقوله ويل للأعقاب من النار كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جماعة من الحفاظ رووه عن شعبة وجعلوا الكلام الأول كلام أبي هريرة ولاكلام الثاني مرفوعا وقد عرفت مراده بقوله "والراوي لهما جميعا عنه محمد بن زياد" فإنه روى المدرجة الموصولة ولكن ليس الوهم من محمد بن زياد بل من أبي قطن وشبابة كما عرفت علىأن قوله أسبغوا الوضوء قد ثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح قال الحافظ وفتشت ما جمعه الخطيب في المدرج ومقدار ما زدت عليه فلم أجد له مثالا آخر إلا ما جاء في بعض طرق حديث بسرة الآتي من رواية محمد بن دينار عن هشام بن حسان. "وقد يقع ذلك" أي الأدراج "في وسط الكلام مثل أن يروي حديث ومذهب فيسمعهما سامع فيحسبها حديثين فيرويهما على هذه الصورة وهي" أي صورة الإدراج "متقاربة وأكثرها وقوعا هو الأول" وهو الإدراج في آخره. "ومثال هذا الأخير" وهو وقوع الأدراج في الوسط "ما رواه الدارقطني في سننه3 من

_ 1 6/4. 2 1/23, 35, 52, 53. 3 1/147, 148.

رواية عبد الحميد بن جعفر" أي ابن عبد الله بن الحكم الأنصاري المدني قال النسائي يس به بأس وكذا قال أحمد وقال ابن معين ثقة "عن هشام بن عروة" بن الزبير وهشام إمام معروف كبير القدر ثقة "عن أبيه" عروة "عن بسرة" بضم الموحدة وسكون السين المهملة "بنت صفوان" وهي صحابية جليلة "مرفوعا من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه" تثنية رفض بضم الراء وتفتح وسكن الفاء فغين معجمة وهو واحد الأرفاغ وهو أصول المغابن كالأبط والحوالب وغيرهما من مطاوي الأعضاء وما يجتمع فيه الوسخ والعرق قاله في النهاية1 "فليتوضأ". "قال الدارقطني كذا رواه عبد الحميد عن هشام ووهم في ذكر الأنثيين والرفغ فجعلهما من المرفوع والمحفوظ أن ذلك من قول عروة وكذلك" أي كونه من قول عروة "رواه الثقات عن هشام منهم أيوب السختياني وحماد بن زيد وغيرهما ثم رواه" أي الدارقطني "من طريق أيوب" السختياني "بلفظ من مس ذكره فليتوضأ قال" أي أيوب "وكان عروة يقول إذا مس رفغية أو أنثيية أو ذكره فليتوضأ" فبين أن ذلك من قول عروة لا أنه من المرفوع وقد ثبت أن أيوب أثبت من عبد الحميد وقد وافقه غيره فكان روايتهم دليلا على إدراج عبد الحميد لتلك الزيادة "وكذا قال الخطيب إن عبد الحميد تفرد بذلك" فحكم بأدراج ما تفرد به تقديما لرواية غيره عليه ممن هو أثبت منه. "وأما زين الدين فخالف" كلام الدارقطني والخطيب "وقال إنه" أي عبد الحميد "لم ينفرد بذلك فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية أبي كامل الجحدري عن يزيد بن زريع" تصغير زرع قال في الميزان شيخ رملي لا يكاد يعرف يروي عن عطاء الخرساني ضعفه ابن معين ضقال الحافظ ابن حجر: على كلام شيخ الزين هو كما قال إلا أنه مدرج أيضا والذي أدرجه أبو كامل الجحدري رواية عن يزيد وقد خالفه عبيد الله بن عمر القواريري وأبو الأشعث أحمد بن المقدام وأحمد بن المقدام وأحمد بن عبيد الله العنبري وغير واحد فرووه عن يزيد بن زريع موصولا انتهى "عن أيوب عن هشام عن أبيه عن بسرة مرفوعا بلفظ الحديث المعروف أولا سوى" أي الذي فيه رفع الزيادة لكنه قال الحافظ أنه بين الدارقطني أنه مدرج "قال زين الدين واختلف فيه على يزيد بن زريع" عبارته وعلى هذا فقد اختلف فيه.

_ 1 2/244.

"ورواه الدارقطني 1 أيضا من رواية ابن جريج عن هشام عن أبيه عن مروان" بن الحمم بن أبي العاص يأتي بيان حاله "عن بسرة بلفظ: "إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه" ولم يذكر الرفع وزاد في السند مروان بن الحكم قلت: أما طريق ابن زريع فلا تنهض دليلا على صحة الحديث" وأنه لا إدراج فيها "لما وقع فيها من الاختلاف على يريد" ولأنه أي يزيد كما قال الذهبي لا يكاد أن يعرف "ولما له من العلة بمخالفة أيوب وحماد وغيرهما من الثقات من سائر من روى حديث بسرة". قال الحافظ ابن حجر: إنه رواه عشرون من الحفاظ مقتصين على المرفوع منه فقط "بل سائر من روى حديث من مس الذكر من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم" فإنه رواه منهم جابر وأبو هريرة وعبد الله ابن عمر وزيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وأم حبيبة وعائشة وأم سلمة وابن عمرو علي بن طلق والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بنت أنس سردهم الحافظ ابن حجر في التلخيص ثم خرج رواياتهم. "وأما طريق ابن جريج فهي مردودة بمروان بن الحكم فهو مجروح عند أهل البيت وعند غيرهم بل لا يعلم في ذلك خلاف" فإنه نقل المصنف في العواصم أنه قال ابن حبان في مقدمة صحيحه عائذا بالله أن نحتج بمروان وذويه في شيء من كتبنا وقال ابن قدامة الحنبلي في كتابه الكافي على مذهب الإمام أحمد بن حنبل في باب صفة الأئمة في إمامة الفاسق بالأفعال روايتين إحداهما تصح لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "كيف بك إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة" الحديث2 إلى قوله في الاحتجاج وكان الحسن والحسين عليهما السلام يصليان وراء مروان انتهى فيه بيان مقدار معرفتهم بمقدار أهل البيت وبموضع أعدائهم من الفسق انتهى "وإنما روى عنه المحدثون أحاديث يسيرة لما رواها معه غيره من الثقات كما بينت ذلك في العواصم" قال فيه فإن قلت: فما الوجه في روايته عنهم؟. فالجواب من وجهين: الأول: أن الرواية لا تدل على التعديل كما ذكره الإمام يحيى وابن الصلاح وقد روى زين العابدين وعروة بن الزبير عن مروان ولم يدل ذلك على عدالته عندهما.

_ 1 1/146, 147, 148, والنسائي 1/100, وابن ماجة 479. وأحمد 6/407. 2 مسلم في: الصلاة: ب 41. حديث 238. والبيهقي 3/124.

فكذلك رواية المحدثين عنهم ثم ذكر ما قدمنااه من قول النووي في شرح مسلم إنه قد روى سلم في الصحيح عن جماعة من الضعفاء إلى آخر ما قدمناه. قال المصنف فدل على أنهم قد يروون عمن ليس بثقة عندهم فإن قلت: فما عذرهم في ذلك قلت: لهم عذران فيه. أحدهما: الرغبة في علو الإسناد لما فيه من التسهيل على طلبة هذا الشأن مع كون الحديث معروفا عندهم بإسناد نازل من طريق الثقات. وثانيهما: وهو كثير الوقوع أن يكون الحديث مرويا من طرق كثيرة في كل منها ضعف لكن بعضها يجبر بعضا ويقويه ويشهد له مع كون بعض الرواة عدلا في دينه صدوقا في قوله كثير الوهم فلم يعتمد عليه وحده في التصحيح لولا ما جبر ضعفه في الشواهد والمتابعات التي يحصل من مجموعها قوة كبيرة توجب الحكم بصحة الحديث أو حسنه فيذكرون بعض طرقه الضعيفة ويتركون بعض الطرق للإختصار والتقريب على طلبة العلم. ثم إنه سرد الأحاديث المروية عن مروان وهي لا تبلغ عشرة أحاديث وذكر من رواها غيره من الثقات ثم قال وبالجملة فلم يرو مروان إلا عن علي عليه السلام وعثمان وزيد بن ثابت وأبي هريرة وبسرة وعبد الرحمن بن الأسود وقد ذكرت جميع ما روى عنهم. الوجه الثاني: أن رواية المحدثين عنه مع تصريحهم بماله من الأفعال القبيحة تدل على ما ذكره الحافظ ابن حجر في مقدمة شرح البخاري أن روايتهم عنه كانت قبل أحداثه أيام كان عندهم في المدينة واليا من جهة الخلفاء قبل أن يتولى الخلافة انتهى. قلت: أما هذا العذر الذي ذكره المصنف عن الحافظ ابن حجر عذر باطل وإن أقره المصنف فإن أعظم ما قدحوا به على مروان قتله لطلحة أحد العشرة وقتله له كان يوم الجمل اتفاقا قال الذهبي وحضر الوقعة يوم الجمل وقتل طلحة ونجا فليته ما نجا وكذلك ذكره في النبلاء ومعلوم أنه لم يتول المدينة في عصر أحد من الخلفاء إنما ولاه إياها معاوية فلم يلها إلا بعد قتله لطلحة قال الذهبي في النبلاء إن مروان قتل طلحة ثم قال قاتل طلحة في الوزر بمنزلة قاتل علي. انتهى. وإذا عرفت هذا فالعذر للمحدثين في الرواية من مروان هو الأول. "وقد تكلم عليه ابن عبد البر في الاستيعاب" قال المصنف في العواصم وممن

ذكر مروان أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب ولم يذكره بتقوى ولا وصفه بديانة بل روى عن علي عليه السلام أنه نظر إليه يوما فقال ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك إذا شابت ذراعاك وكان يقال له خيط باطل وفيه يقول أخوه عبد الرحمن بن الحكم لما بويع له بالخلافة: لحا الله قوما ملكوا خيط باطل ... على الناس يعطي من يشاء ويمنع "والذهبي في النبلاء وقال" أي ابن عبد البر أو الذهبي لكن اللفظ المذكور رأيناه لابن عبد البر "في ترجمة طلحة" من الاستيعاب "إنه الذي قتله رماه بسهم على جهة للغدر وهو من جملة أصحابه" فإن مروان خرج من أهل الجمل في حرب علي عليه السلام "وقال" أي الذهبي "في الميزان في ذكر مروان قتل طلحة ونجا فليته ما نجا" قال المصنف في العواصم فلو كان عنده من أهل الصحاح ما تمنى له الهلاك وكره له النجاة وقد نص في الميزان على أن له أعمالا موبقة قال المصنف وهذا تصريح بفسقه. "وذكر" أبو محمد "ابن حزم أنه كان فاسقا غير متأول أو كما قال" ولفظه عنه في العواصم وقال ابن حزم في أسماء الخلفاء والأئمة وقد ذكر بعض مساوي مروان وهو أول من شق عصا المسلمين بلا شبيه ولا تأويل وقتل النعمان بن بشير أول مولود في الإسلام في الأنصار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أنه خرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة. "وذكر البخاري والذهبي أنه" أي مروان "ليس بصحابي قلت: بل كان عدوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرف ذلك من عرف أخباره وأكثر ما قيل فيه" أي في تنزيهه "أنه لم يكن منهما في الحديث وهذا لا ينفع إلا مع التأويل والتدين وهو منهما براء" كما تقدم عن ابن حزم. "مع أن الحديث" أي حديث مس الذكر "مروي عنه من غير هذه الطريق بغير هذه الزيادة" تقدم تعداد رواته من الصحابة من طرق عديدة. "قال الشيخ تقي الدين في الإقتراح إذا تقدم ذكر الأنثيين على الذكر ضعف الإدراج" لفظه في شرح ألفية الزين1 وقد ضعف ابن دقيق العيد الطريق إلى الحكم

_ 1 فتح المغيث 1/120.

بالإدراج في مثل هذا فقال في الاقتراح ومما يضعف فيه أن يكون مدرجا في أثناء لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما إن كان مقدما على اللفظ المروي أو معطوفا عليه بواو العطف كما لو قال من مس أنثيية وذكره فليتوضأ بتقديم الأنثيين على الذكر فها هنا يضعف الإدراج لما فيه من اتصال هذه اللفظة بالعامل الذي هو من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى ثم "قال زين الدين لم يرد مقدما" في شيء من طرق الحديث قال البقاعي ليس كذلك فقد وقع في كتاب الثواب لابن شاهين من رواية محمد بن دينار عن هشام عن عروة من مس أنثييه وذكره فقد الأنثيين "وإنما ذكره الشيخ مثالا فليعلم ذلك". واعلم أن أمثلة الأدراج في وسط الحديث كثيرة. منها حديث عروة عن عائشة في حديث بدء الوحي في قولها: "وكان يخلو بغار حراء يتحدث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد"1 فقوله وهو التعبد مدرج من كلام الزهري في وسط الحديث كما بينه في فتح الباري. ومنها حديث مالك2 عن الزهري عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه المغفر وهو غير محرم فقيل له إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: "اقتلوه" 3 فإن قوله: وهو غير محرم من كلام الزهري أدرجه الراوي عنه وقد رواه أصحاب الموطأ بدون هذه الزيادة وبين بعضهم أنها من كلام الزهري. ومنها حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطيرة 4 شرك وما منا إلا ولكن الله تعالى يذهبه بالتوكل" رواه الترمذي5 وقال هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة يريد ابن كهيل قال وسمعت محمدا يقول في هذا وما منا إلا عندي من قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ضقال الحافظ ابن حجر: قد رواه

_ 1 البخاري في: بدء الوحي ب 3, ومسلم في: الإيمان: حديث 252. وأحمد 6/233. 2 سبق تخريجه. 3 البخاري في: الجهاد ب 169. ومسلم في: الحج: حديث 450. وأحمد 3/164. 4 الطيرة: بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن هي: التشاؤم بالشيء وهي مصدر تطير يقال: تطير طيرة. وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضرا إذا عملوا بموجبه فكأنهم أشركوه مع الله في ذلك. النهاية 3/152. 5 1614, وأبو داود 3910. وابن ماجة 3538. وأحمد 1/389, 440.

علي بن الجعد وغندر وحجاج بن محمد ووهب بن جرير والنضرين إسماعيل وجماعة عن شعبة فلم يذكروا فيه وما منا إلا وهكذا رواه اسحق بن راهويه عن أبي نعيم عن سفيان الثوري. ومنها قوله في حديث عكرمة عن أبي هريرة في صفة نزول الوحي: "تنزل الملائكة من العنان - والعنان السحاب" الحديث1 قال قوله: "والعنان السحاب" مدرج. واعلم أن الطريق إلى معرفة المدرج من وجوه: الأول: أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مثل حديث ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للمملوك أجران" - والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرأمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك", رواه البخاري2 فهذا الفصل الذي في آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ يمتنع أن يتمنى أن يصير مملوكا وأيضا فلم يكن له أم يبرها بل هذا من قول أبي هريرة أدرجه في المتن وقد بينه حبان بن موسى عن ابن المبارك فساق الحديث إلى قوله: "أجران" ثم قال: والذي نفس أبي هريرة بيده إلى آخره وكذا هو في رواية بن وهب عن يونس عند مسلم وهذا من فوائد المستخرجات كما تقدم. وكذلك ما في حديث ابن مسعود من قوله: "الطيرة شرك" - "وما منا إلا" فإنه مدرج فإنه لا يصح أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاستحالة أن يضاف إليه شيء من الشرك. الثاني من الوجوه أن يصرح الصحابي بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي صلى الله عليه وسلم. كحديث ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار" 3 هكذا رواه أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن أبي بكر بن عياش بإسناده ورواه غيره عن أبي بكر بن عياش بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلمة: "من جعل الله ندا دخل النار" 4 وأخرى أقولها ولم أسمع منه صلى الله عليه وسلم: من مات لا يجعل لله ندا دخل الجنة والحديث في صحيح مسلم عن ابن مسعود بلفظ قال

_ 1 البخاري في: بدء الخلق: ب 6. 2 البخاري في: العتق: ب 16. ومسلم في: الأيمان: حديث 44. وأحمد 2/330. 3 مسلم في: الإيمان: حديث 151. وأحمد 1/382. 4 أحمد 1/402, 407.

رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت: أخرى فذكره فهذا يجزم بكونه مدرجا لكن لا يجزم بتعيين الجملة المدرجة هل هي دخول الجنة لمن لم يجعل لله ندا أو دخول النار فيمن جعل لله ندا لاختلاف الرواية. الثالث: أن يصرح بعض الرواة بتفصيل المدرج فيه عن المتن المرفوع بإضافته إلى قائله. ومثاله حديث ابن مسعود فإذا قلت: هذا فقد قضيت صلاتك تقدم وله أمثلة كثيرة. قال الحافظ ابن حجر: والحكم على هذا القسم الثالث بالأدراج يكون بحسب غلبة ظن المحدث الحافظ الناقد ول يوجب القطع بذلك بخلاف القسمين الأولين وأكثر هذا القسم الثالث يقع تفسيرا لبعض الألفاظ الواقعة في الحديث كما في أحاديث الشغار1 والمحاقلة2 والمزاينة3 ونحوها والأمر في ذلك سهل لأنه إن أثبت رفعه فذاك وإلا فالراوي أعرف بتفسير ما روى من غيره. وفي الجملة إذا قام الدليل على إدراج جملة معينة بحيث يغلب على الظن ذلك فسواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر فإن سبب ذلك الاختصار من بعض الرواة بحذف أداة التفسير أو التفصيل فيجيء من بعده فيرويه مدمجا من غير تفصيل فيقع ذلك. ثم ذكر بسنده إلى أبي حاتم بن حبان أنه قال أحمد بن حنبل كان وكيع يقول في الحديث يعني كذا وكذلك كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرا وربما أسقط أداة التفسير وكان بعض أقرانه يقول له أفصل كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الحافظ ابن حجر ثم قال وقد ذكرت كثيرا من هذه الحكايات وكثيرا من أمثلة ذلك في كتاب

_ 1 الشغار: نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل: شاغرني أي زوجني أختك أو ابنتك أو من تلي امرها حتى أزوجك أختي أو بنتي أو من ألي أمرها ولا يكون بينهما مهر ويكون بضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الاخرى. النهاية 2/482. 2 المحاقلة: مختلف فيها قيل هي اكتراء الأرض بالحنطة وهو الذي يسميه المزارعون: المحارثة. وقيل: هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما وقيل غير ذلك. أنظر النهاية 1/416. 3 المزابنة: هي بيع الرطب في رؤس النخل بالتمر واصله من الزبن وهو الدفع كأن كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه بما يزداد منه. النهاية 2/294.

اسمه تقريب المنهج لترتيب المدرج أعان الله على تكميله وتبييضه إنه على كل شيء قدير. "القسم الثاني" من أقسام المدرج "أن يكون الحديث عند راويه بإسناد إلا طرقا منه فإنه عنده إسناد آخر فيجمع الراوي عنه" أي عن الراوي المذكور "طرفي الحديث بإسناد الطرف الأول" تاركا لإسناده للطرف الآخر. "مثاله حديث رواه أو داود من رواية زائدة" اسم فاعل من الزيادة وهو ابن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة مقبولة "وشريك فرقهما" في الرواية ورواه النسائي م حديث "سفيان بن عيينة كلهم" أي زائدة وشريك وسفيان رووه "عن عاصم" بن كليب كما في شرح الألفية "عن أبيه عن وائل بن حجر" بضم الحاء المهملة وسكون الجيم صحابي جليل كان من ملوك اليمن "في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيه ثم جئتهم بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب1" وفي لفظ لأبي داود عن شريط عن عاصم ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة وعليهم أكسية وبرانس2 "تحرك أيديهم تحت الثياب" أي لأجل رفعها عند التكبيرة الأولى. "قال موسى بن هرون" الحمال "وذلك عندنا وهم فقوله ثم جئت ليس هو بهذا الإسناد وإنما أدرج عليه وهو من رواية عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل وهكذا راه مبينا وهير بن معاوية وأبو بدر شجاع ابن الوليد" فيما أثبت له ممن روى رفع الأيدي من تحت الثياب عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل "فهذه رواية مضبوطة اتفق عليها زهير وشجاع وقال ابن الصلاح: إنه الصواب". "القسم الثالث" من أقسام المدرج "أن يدرج بعض حديث في حديث آخر مخالف له في السند". "مثاله حديث سعيد بن أبي مريم" هو سعيد بن الحكم ابن محمد ابن سالم أبي مريم الجمحي بالولاء أبو محمد البصري ثقة ثبت فقيه "عن مالك عن الزهري عن

_ 1 أبو داود في: الصلاة: ب 115, والدارمي في: الصلاة: ب 92. 2 برانس: جمع برنس وهو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة أو ممطر أو غير ذلك. وقال الجوهري: هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام وهو من البرنس بكسر الباء القطن والنون زائدة وقيل إنه غير عربي النهاية 1/122.

أنس مرفوعا: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا" 1 في النهاية2 "لا يعطي كل منكم أخاه دبره وفقاه فيعرض عنه ويهجره" انتهى "ولا تنافسوا" هو من الشيء النفيس وهو ما يرغب فيه ويبخل به لعزته وهو مضارع فلان وفلان مثل تقاتلا وهكذا بقية ألفاظ الحديث كلها أفعال مضارعة حذف منها حرف المضارعة تخفيفا ومعنى تنافسوا تقاسموا النفاسة بأن يعد كل منهمالشيء نفيسا فيتجاذبونه فيؤدي ذلك إلى فساد عريض. "فقوله ولا تنافسوا مدرجه في هذا الحديث أدرجها ابن أبي مريم فيه من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا" 3 بالجيم التفحص من الجاسوس صاحب سر الشر قال في القاموس أي خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله ولا تفحصوا عن بواطن الأمور ولا تبحثوا عن العورات والتحسس بالحاء قال فيه إنه الاستماع لحديث القوم وطلب خبرهم في الخبر "ولا تنافسوا ولا تحاسدوا وكلا الحديثين مخرج في الصحيحين متفق عليه من طريق مالك وليس فيه ولا تنافسوا وهي في الثاني هكذا الحديثان عند رواة الموطأ". "القسم الرابع" من أقسام المدرج "أن يروى بعض الرواة حديثا عن جماعة وبينهم في إسناده أو متنه اختلاف فيجمع الكل على إسناد واحد مما اختلفوا فيه" ويدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق ومثاله حديث رواه الترمذي وساقه الزين في شرح الألفية فمن أراده فليراجعه فلم أجد نسخة منه أثق بالنقل منها. "قال زين الدين ولهذا لا ينبغي لمن يروي حديثا بسند في جماعة في طبقة واحدة مجتمعين في الرواية عن شيخ واحد أن يحذف بعضهم لاحتمال أن يكون اللفظ في السند والمتن لأحدهم وحمل رواية الباقين عليه قربما كان من حذفه هو صاحب ذلك اللفظ". "قال ابن الصلاح: واعلم أنه لا يجوز تعمد شيء من الإدراج" فيه بحث وهو أنه

_ 1 البخاري 8/23, 25. ومسلم في: البر والصلة: ب 7. حديث 23. وأحمد 1/5. 2 2/97. 3 البخاري 4/5. ومسلم في: البر والصلة: حديث 28. والترمذي 1988. ومالك 908, وأحمد 312.

قد ثبت إدراج أئمة كبار تفاسير ألفاظ الحديث كما تقدم في التحنث ونحوه وتقدم أن الأمر في ذلك سهل لأنه إن ثبت مرفوعا فذاك وإلا فالراوي أعرف بتفسير ما روى فالقياس أن يقال إدراج ما هو من تفاسير الألفاظ لا يحرم وإدراج ما هو من غيرها مما فيه حكم شرعي وإيهام أنه مرفوع هو الذي لا يجوز. "قلت: فقول زين الدين لا ينبغي لمن يروى حديثا بسند فيه جماعة إلى آخره محمول على الاستحباب كما تشعر به لفظة لا ينبغي" ولأنه إنما علله بالاحتمال "لأن الظاهر عدم الإدراج" فلا يحكم به إلا بدليل وقد قدمنا الوجوه التي يستدل بها عليه "و" لأن "عادة الحفاظ في ذلك إذا سكتوا فذلك منهم إشعار بأن الإسناد والمتن للجميع وإن لم يكن كذلك" أي لم يكن الإسناد والمتن للجميع "قالوا واللفظ لفلان" "قال الزين وهذا النوع" يريد نوع الأدراج بأقسامه "قد صنف فيه" أبو بكر الخطيب البغدادي وقسمه إلى سبعة أقسام "فشفى وكفى" تقدم أنه ضقال الحافظ ابن حجر: وقد لخصته أي كتاب الخطيب ورتبته على الأبواب والمسانيد وزدت على ما ذكره الخطيب أكثر من القدر الذي ذكره وهذا هو الكتاب الذي سماه الحافظ تقريب المنهج بترتيب المدرج وذكر أنه سأل الله تعالى الإعانة على تمامه وتبييضه1. واعلم أنه زاد الحافظ في مدرج الإسناد قسمين على هذه الثلاثة: الأول: منهما وهو الرابع أن يكون المتن عند الراوي إلا طرفا منه فإنه لم يسمعه من شيخه فيه وإنما سمعه من واسطة بينه وبين شيخه فيدرجه بعض الرواة عنه بلا تفصيل وهذا مما يشترك فيه الإدراج والتدليس مثال ذلك حديث إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس في قصة العرنيين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها" 2 ولفظه: "وأبولها" إنما سمعه حميد من قتادة عن أنس بينه يزيد بن هرون ومحمد بن أبي عدي ومروان بن معاوية وآخرون كلهم يقول فيه: "فشربتم من ألبانها" قال حميد قال قتادة عن أنس: "وأبوالها" فرواية إسماعيل فيها إدراج وتسوية. وثانيهما: وهو الخامس أن لا يذكر المحدث متن الحديث بل يسوق إسناده فقط ثم

_ 1 تدريب الراوي 1/274. 2 البخاري في: الجهاد: ب 152, ومسلم في: القسامة: حديث 9-11, وأحمد 3/107.

يقطعه قاطع فيذكر كلاما فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد مثاله في قصة ثابت بن موسى الزاهد مع شريك القاضي كما مثل به ابن الصلاح لشبه الوضع1 وجزم ابن حبان أنه من المدرج فهذه أقسام مدرج الإسناد. قال الحافظ والطريق إلى معرفة كونه مدرجا أن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة وتتقوى الرواية المفصلة بأن يرويه بعض الرواة مقتصرا على إحدى الجملتين. * * *

_ 1 علوم الحديث ص 132.

مسألة (44) : في الموضوع وحكمه

مسألة (44) : في الموضوع وحكمه ... مسأل:44 [في الموضوع وحكمه] من أنواع علوم الحديث "الموضوع" قال ابن دحية إنه في اللغة الملصق يقال وضع فلان على فلان كذا أي ألصق به وهو أيضا الحط والإسقاط قال الحافظ والأول اليق بهذه الحيثية "هو شر الأحاديث الضعيفة" هذه العبارة لابن الصلاح1 وسبقه إليها الخطابي واستنكرت لأن الموضوع ليس من الحديث النبوي إذ أفعل لاتفضيل إنما يضاف إلى بعضه وقد يجاب بأنه لم يرد بالأحاديث الأحاديث النبوية بل أعم وهو ما يتحدث به. "وهو المكذوب ويقال له المختلق2" إذ الاختلاف الكذب ومنه قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ} [ص: 7] "و" يقاله له أيضا "المصنوع" بصاد مهملة من الصنعة "أي واضعه اختلقه وصنعه قال زين الدين ومطلق وجود كذاب في السند لا يلزم منه أن يكون الحديث مكذوبا لجواز أنه ثابت منغيرر طريقه إلا أن يعترف بأنه وضع ذلك الحديث بعينه أو ما يقوم مقام اعترافه على ما ستقف عليه" ويأتي ما فيه من الإشكال وجوابه. "وحكم الموضوع أنه لا يجوز لمن عرفه" أي عرف أنه موضوع "أن يرويه من غير بيان لوضعه سواء كان في الحلال أو الحرام أو الترغيب أوالترهيب أو غير ذلك" يدل لذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه3 من حديث سمرة بن جندب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين" انتهى ضبط يرى

_ 1 علوم الحديث ص 130. 2 المختلق: بفتح اللام بعدها قاف أي المبتكر الذي لاينسب إليه صلى الله عليه وسلم أصلا حاشية الأجهوري ص 81. 3 في: المقدمة: ب 1. والترمذي 2662. وابن ماجة 39, 41.

بضم الياء أي يظن وفي الكذابين روايتان بصيغة التثنية وبصيغة الجمع وكفى بهذا الوعيد في حق من روى حديث يظن أنه كذب فضلا عن أن يروى ما يعلم كذبه ولا ييينه لأنه صلى الله عليه وسلم جعل المحدث بذلك مشاركا للكاذب في وصفه. قال زين الدين بعد هذا الذي ذكره المصنف من حكم الموضوع ما لفظه بخلاف غيره من الضعيف المحتمل للصدق حيث جوز روايته في الترغيب والترهيب انتهى لكن بقي هل يشترط في هذا الاحتمال أن يكون قربا بحيث يفوق احتمال كذبه أو يساويه أولا يشترط هذا محل نظر ولاذي يظهر من كلام مسلم وربما دل عليه الحديث المتقدم بأنه إذا كان احتمال الصدق احتمالا ضعيفا أنه لا يعتد به. وقال الترمذي سألت أبا محمد يعني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن هذا الحديث يعني حديث سمرة المذكور فقلت: له من روى حديثا وهو يعلم أن إسناده خطأ أيخاف أن يكون دخل في هذا الحديث أو إذا روى الناس حديثا مرسلا فأسنده بعضهم أو قلب إسناده فقال لا إنما معنى هذا الحديث إذا روى الرجل حديثا ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الحديث أصلا فأخاف أن يكون دخل في هذا الحديث. "قال ابن الصلاح1: ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه وإنما حقه أن يذكر في الأحاديث الضعيفة قال زين الدين وأراد ابن الصلاح أبا الفرج بن الجوزي". قال زين الدين في شرح ألفيته قال العلائي دخلت على ابن الجوزي الآفة من التوسع في الحكم بالوضع لأن مستنده في غالب ذلك ضعف رواته. قال الحافظ ابن حجر: وقد يعتمد على غيره من الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث بتفرد بعض الرواة الساقطين بها ويكون كلامهم محمولا على قيد أن تفرده إنما هو من ذلك الوجه ويكون المتن قد روى من أوجه أخر لم يطلع هو عليها أو لم يستحضره حال التضعيف فدخل عليه الدخيل من هذه الجهة وغيرها فذكر في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي يحتمل في باب الترغيب والترهيب قليل من الأحاديث الحسان كحديث صلاة التسبيح وحديث قراءة آية الكرسي عقيب الصلاة فإنه رواه النسائي وصححه ابن حبان وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب

_ 1 علوم الحديث ص 131.

سوى أحاديث قليلة جدا فأما مطلق الضعيف ففيه كثير من الأحاديث نعم أكثر الكتاب موضوع وقد أفردت لذلك تصنيفا أشير على مقاصده انتهى. "والواضعون للحديث على أصناف بحسب الأمر الحامل لهم على ذلك فضرب من الزنادقة" في القاموس الزنديق من الثنوية أو القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان أو هو معرب زن دين أي دين المرأة "يفعلون ذلك ليضلوا به الناس كعبد الكريم ابن أبي العوجاء خال معن" بفتح الميم وسكون العين المهملة "ابن زائدة" أي الشيباني الأمير المعروف "الذي أمر بضرب عنقه محمد بن سليمان بن علي أمير مكة" قال الذهبي في الميزان أمير البصرة وقال في ترجمة عبد الكريم زنديق مبين قال أحمد بن عدي لما أخذ ليضرب عنقه قال لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحل فيها الحرام. "ومثل بيان" بفتح الموحدة فمثناة تحتية فألف فنون قال الذهبي هو ابن سمعان النهدي من بني تميم ظهر بالعراق بعد المائة وقال بالهيية علي رضي الله عنه وأن فيه جزءا إلهيا متحدا بناسوتيته ثم بعده في ابنه محمد بن الحنفية ثم في ابنه أبي هاشم ثم في بيان هذا وكتب إلى أبي جعفر الباقر يدعوه إلى نفسه وأنه نبي انتهى "الذي قتله خالد القسري" بالقاف وسين مهملة فراء فياء نسبه "وحرقه بالنار" وقال ابن نمير: قتله خالد بن عبد الله القسري وحرقه بالنار. "وقد روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد قال وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث" قلت: ومعرفة قدر عددها دليل على تتبع الحفاظ من الأئمة لها ومعرفتهم إياها. "وضرب يفعلونه انتصارا لمذاهبهم كالخطابية" بالخاء المعجمة وهم قوم من الرافضة ينسبون إلى أبي الخطاب كان يأمرهم بشهادة الزور على مخاليفهم كما في القاموس فقوله "وبعض الروافض" من عطف العام على الخاص وهم فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي عليه السلام ثم قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى وقال أنا مع وزيري جدي فتركوه ورفضوه وأرفضوا عنه قاله في القاموس "وبعض السالمية قلت: ورواه" أي وضع الأحاديث لنصرة المذهب "المنصور بالله عبد الله بن حمزة عن المطرفية" نسبة إلى مطرف بن شهاب وهم فرقة من الزيدية لهم أقوال ردية ومذاهب غير مرضية قاتلهم المنصور بالله وخرب ديارهم ومساجدهم وأخبارهم معروفة وله أشعار فيهم وفي

حربهم في ديوانه وقد ألف عبد الله بن زيد العنسي العلامة كتابا في أخبارهم وبين فيه حقائق أحوال المطرفية "وذكر" أي المنصور "أنهم صرحوا له بذلك في مناظراتهم نقلته من بعض رسائله" وجادة "من غير سماع" عنه "والظاهر بل المقطوع أن المصرح له بذلك بعضهم" إذ من المعلوم يقينا أنهم لا يجمعون كلهم عند المناظرة "فلا ينسب إلى الجميع منهم والله أعلم". "قال زين الدين 1 وضرب يتقربون به إلى الأمراء والخلفاء بوضع ما يوافق فعلهم كما فعله غياث" بكسر الغين المعجمة فمثناة تحتية آخره مثلثة "ابن ابراهيم" النخعي "حيث وضع للمهدي" وهو محمد بن عبد الله المنصور العباسي والدهرون الرشيد وقد دخل عليه فوجده يلعب بالحمام فساق في الحال إسنادا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "في حديث: "لا سبق" بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر سبقت أسبق وبفتح الموحدة ما يجعل من المال رهنا على المسابقة والمعنى لا يحل أخذ المال على المسابقة "إلا في نصل" بفتح النون وسكون الصاد المهملة حديدة السهم " أو خف" وهو الأبل "أو حافر" وهو للخيل رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة2 مقتصرين على هذا اللفظ "فزاد فيه" غياث ابن ابراهيم "أو جناح" بفتح الجيم وهو للطائر "وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام فتركها وأمر بذبحها وقال" المهدي "أنا حملته على ذلك" أي على الزيادة المكذوبة وقال السخاوي فأمر له ببدرة يعني عشرة آلاف فلما فقى قال أشهد علي قفاك أنه قفا كذاب. "وضرب" من الوضاعين "كانوا يتكسبون بذلك ويرتزقون به في قصصهم كأبي سعيد المدايني" وكما ذكر الطيبي في خلاصته قال جعفر بن محمد الطيالسي صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين أيديهما قاص فقال حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله يخلق من كل كلمة منها طائر منقاره من ذهب وريشه من مرجان وأخذ في قصة من نحو عشرين ورقة فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إلى أحمد فقال أنت حدثته بهذا؟

_ 1 فتح المغيث 1/128. 2 أحمد 2/256, 358, وأبو داود 2574. والترمذي 22. والنسائي 6/227, وابن ماجة 44, 2878.

فقال: لا والله ما سمعت به إلا هذه الساعة قال: فسكتا جميعا حتى فرغ فقال: أي أشار يحيى بيده إليه أن تعال فجاءهما متوهما لنوال الخير فقال يحيى: من حدثك بهذا؟ قال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين, فقال: أنا ابن معين وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن كان ولا بد من الكذب فعلى غيرنا فقال: أنت ابن معين؟ قال: نعم, قال: لم أزل أسمع أن ابن معين أحمق وما علمته إلا هذه الساعة, قال يحيى: وكيف علمت أني أحمق؟ فقال: كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما, كتبت عن سبعة عشرة أحمد بن حنبل غير هذا, قال: فوضع أحمد بن حنبل كفه على وجهه وقال: دعه فقام كالمستهزئ بهما1 انتهى من شرح شرح النخبة لعلى قاري. "وضرب امتحنوا بأولادهم أو وراقين" كتاب "لهم فوضعوا" لهم "أحاديث ودسوها عليهم فحدثوا بها من غير أن يشعروا كعبد الله بن محمد بن ربيعة بن قدامة القدامي" هكذا في شرح ألفية زين الدين وفي الميزان عبد الله بن محمد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي أحد الضعفاء له عن مالك مصائب وساق منها ويذكر أنه ابتلى بأولاد وورافين وضعوا عليه وليس في الميزان من يقال له القدامى سوى هذا. "وضرب يلجؤون إلى إقامة دليل على ما أفتوا به بأرائهم فيضعون كما نقل عن أبي الخطاب ابن دحية إن ثبت عنه" كذا في شرح الزين وابن دحية هو عمر بن الحسن بن علي المديني الأندلسي قال في لسان الميزان متهم في نقله مع أنه كان من أوعية العلم دخل فيما لا يعنيه قال الحافظ الضياء لم يعجبني حاله كان كثير الوقيعة في الأئمة قال ابن نقطه كان موصوفا بالمعرفة والفصل إلا أنه كان يدعى أشياء لا حقيقة لها وقال ابن النجار رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه وادعائه بسماع مالم يسمعه ولقاء من لم يلقه. "وضرب يقلبون سند الحديث ليستغرب" أي من يسمع منهم "ويرغب في سماعه منهم وسيأتي هذا في المقلوب". "وضرب يتدينون بذلك الترغيبب الناس في الخير يزعمهم وهم منسوبون إلى الزهد يحتسبون بذلك" أي الأجر والمثوبة "ويرونه قربة وهم أعظم الناس" ممن يضع الحديث.

_ 1 تذكرة الموضوعات 54.

"ضررا لثقة الناس بهم لزهدهم وقبوله منهم ولذا قال يحيى بن سعيد القطان ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث" ويحيى إمام شهير متفق على إمامته ومراده أنه لم يرأ كذب من الصالحين وإن رأى غيرهم كذابين ولما كان الكذب في الحديث النبوي ينافي الصلاح فضلا على الأكذبية قال زين الدين "يريد" يحيى بن سعيد "بذلك والله أعلم" أي بقوله الصالحين "المنسوبين إلى الصلاح بغير علم يفرقون به بين ما يجوز لهم من الرواية وما لا يجوز". وعبارة زين الدين يفرقون به بين ما يجوز لهم ويمتنع عليهم فهو صلاح بغير علم وفي الحقيقة إنه ليس بصلاح فإنه لا صلاح إلا عن علم وإنما مراده أنه يعدهم الناس صالحين لما يرونه من تقشفهم وزهدهم مع أنهم من أهل الغباوة والجهل وهكذا العامة يعدون أهل الصلاح أهل هذا القسم ولذا قيل: من عذيري من معشر هجروا العقـ ... ـل وحادوا عن الطريق القويمة لا يرون الإنسان قد نال حظا ... من صلاح حتى يكون بهيمه "ويدل على ذلك" أي على تأويل كلام يحيى بن سعيد "ما رواه ابن عدي والعقيلي بسندهما الصحيح إليه أنه قال" أي يحيى بن سعيد "ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير قلت: فهذا صرح بإضافة ذلك" أي الأكثر منه "إلى من ينسب إلى الخير يعني وليس من أهله" فعليه تحمل العبارة المطلقة. "قال زين الدين" بيانا منه لاحتمال آخر تحتمله عبارة يحيى بن سعيد "أو يريد أن الصالحين" حقيقة لا من لهم مجرد النسبة إلى الصلاح "عندهم حسن ظن وسلامة صدر فيحملون ما سمعوه على الصدق" فيكون نسبة الكذب أو الأكذبية إليهم مجازا أنهم يروون ما هو كذب في نفس الأمر وإن لم يكونوا كاذبين قلت: ولكن هذا التأويل يخرجهم عن أهل الضرب الذي هو بصدده إذ ليسوا بوضاعين. "قال" أي زين الدين "ولكن الوضاعين ممن ينسب إلى الصلاح" بناء على عدم صحة التأويل الآخر وتقييد العبارة الأولى "وإن خفى حالهم على كثير من الناس" فقبلوا عنهم ما رووه "فإنه لم يخف على جهابذة الحديث" جمع جهبذ بكسر الجيم وهو النقاد الخبير كما في القاموس فعطف "ونقاده" من عطف التفسير "فقاموا بأعباء" جمع عبء بالكسر الحمل الثقيل من أي شيء "ما حملوا فتحملوه" من الكشف عن صحيح الأحاديث "فكشفوا عوارها" بتثليث العين المهملة العيب "ومحوا عارها" هو

أيضا العيب. "حتى لقد روينا عن سفيان أنه قال ما ستر الله أحدا ليكذب في الحديث وروينا عن القاسم بن محمد أنه قال إن الله أعاننا على الكذابين بالنسيان" وبنسيانهم يعرف كذبهم وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال لو أن رجلاهم أن يكذب في الحديث لأسقطه الله أي أظهر سقوط روايته. "وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قيل له هذه الأحاديث المصنوعة قال يعيش لها الجهابذة: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] فجعل الأحاديث النبوية داخلة تحت لفظ الذكر وأيده المصنف بقوله. "قلت: قد احتج بعض أهل الحديث النبوي بأن الحديث النبوي داخل فيما ضمن عز وجل يحفظه من الذكر" الدال عليه {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وفي شرح شرح النخبة لعلي قاري أراد أن من جملة حفظ لفظ القرآن حفظ معناه ومن جملة معانيه الأحاديث النبوية الدالة على توضيح معانيه كما قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فقي الحقيقة تكفل الله تعالى بحفظ الكتاب والسنة بأن يوجد من عباده من يجدد لهم أمر دينهم في كل أوان انتهى "بقوله تعالى في وصف رسوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وإن كان قد يناقش في الاستدلال بأن الآية في وحي خاص هو القرآن كما يشعر به: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} إلى قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} . "وقد أحسن القاسم بن محمد في قوله أن شاء الله تعلى أعاننا على الكذابين بالنسيان فإنهم يخلطون ويناقضون ويظهر عليهم بسبب النسيان ما يحمل على تأمل أحوالهم حتى يتبين أمرهم" فهذا معنى إعانة الله عليهم بالنسيان. "قلت: و" أعاننا الله عليهم "بسبب النسيان أيضا من تصريح" الكذاب "بالسماع في حتق راويين لا يمكن أنهما اجتمعا" فينسب إليهما السماع فيعلم بإتيانه بما لا يمكن أنه كاذب "أو نسبة حديث إلى وقت يعلم أنه لم يكن فيه أو طرح كذب معلوم على ثقة لا يحتمله أو سبق لسان" الكذاب "إلى إقرار بما يدل على التهمة". وأما حكم الرواة والتعبد في العمل بروايتهم فقد أبانه المصنف بقوله "على أنا غير متعبدين" بالباطن أي مما في نفس الأمر مما لا نفعله من أحوال بواطن العباد "ومتى صلح الظاهر حكمنا به ولا جرح ولله الحمد" قلت: إلا أن هذا ينبني على أن إالأصل

العدالة أو على أن المراد أن العدل بعد ثبوت عدالته لا يبحث عن حاله "ولنا صفوه" أى الحديث "وثوابه وعلى الكاذب كيده" للإسلام بالكذب في أشرف علومه "وعقابه". ثم إستدل على التعبد بما في الباطن بقوله "وقد فعل نحو هذا سيد المرسلين وقال: "إن أحدكم يكون ألحن بججته" 1 في النهاية2 المراد أن أحدكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره "وإنما أقضى بنحو ما أسمع فمن حكمت له بشىء من مال أخيه فانما أقطع له قطعة من نار" فإنه صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مكلفا إلا بالظاهر وأدلته كثير كحديث: "إننى لم أومر أن أفتش على قلوب الناس" 3 وحديث: "حتى يقولون لا إله إلا الله" 4 "فهذا والوحى ينزل عليه وجبريل يهبط إليه وكذلك فعل أمير المؤمنين على عليه السلام من بعده وقد أمر بقطعيد السارق ثم بأن له لم يسرق" فدل أنه حكم يخلاف ما في نفس الأمر وهذا مبني على أن فعل على عليه السلام حجة "وقد كان يحلف من أتهمه في الرواية ثم يقبله والله أعلم" مع أنه يحلفه لا ترتفع إلا التهمه ولا يعلم به ما في نفس الأمر. "قال زين الدين فمن أولئك الذين كانوا يكذون حسبة وتقربا إلى الله أبو عصمة نوح بن أبي مريم المروزى قاضي مرو" وعالمها قال الذهبي يقال له الجامع لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وإبن أبي ليلى والحديث عن ولى قضاء مرو في خلافة النصور وامتدت حياته سءل عنه 'بن المبارك فقال هو يفول لا إله إلا الله وقال أحمد يكن بذلك في الحديث وقال مسلم وغيره متروك الحديث. "وروى الحاكم بسنده إلى أبي عمار المروزى أنه قيل لأبي عصمة من أين لك عن عكرمة عنإبن عباس في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا فقال إني رأيت الناس قد أغرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازى ابن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة" فيه أن أنفراد الراوى مظنة تهمة فلذا سألوه وهذا مثال تصريح الواضح بالوضع.

_ 1 البخاري 9/32, 86. وأبو داود 3583. والموطأ 719, والبيهقي 10/149. 2 4/241. 3 البخاري في: المغازي: ب 61, ومسلم في: الزكاة: حديث 144, وأحمد 3/4. 4 البخاري 1/13, ومسلم في: الإيمان: حديث 34. وأحمد 2/345.

"وكان يقال لأبي عصمة هذا نوح الجامع" لجمعه الكمالات كما عرفت مما سقناه "فقال أبو حاتم جمع كل شيء إلا الصدق" قال البخاري منكر الحديث وقال إبن عدى عامة ماروى عنه لايتابع عليه قال الذهبى ومع ضعفه فهو ممن يكتب حديه ذكر ذلك في الميزان. "وقال الحاكم وضع حديث فضائل القرآن وروى إبن حبان في مقدمة كتاب تاريخ الضعفاء عن إبن مهدى قال قلت: لمسيرة من عبد ربه" ومسيرة بفتح الميم ومثناة تحتيه ساكنهة هو الفارسي وهو ميسرة بن عبد ربه البصرى الأ كال كان يأكل كثيرا روى عن ليث إبن أبي سليم وإبن جريح وموسى بن عبيده والأرزاعى وعنه جماعة "من أين جئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا فله كذا قال وضعتها أرغب الناس بها" وفي الميزان أنه قال لميسرة محمد بن عيسى بن الطباع بهذا الكلام في السؤال والجواب بلفظه إلا أنه قال وضعته لا يبعد أن كل واحد من ابن مهدي ومحمد بن عيسى سأله قال وكان ميسرة ممن يروي الموضوعات من الأثبات وقال أبو داود أقر بوضع الحديث وقال الدارقطني متروك وقال أبو حاتم كان يفتعل الحديث روى من فضائل قزوين أربعين حديثا وكان يقول إني أحتسب في ذلك قال البخاري ميسرة بن عبد ربه رمى بالكذب. "وهكذا حديث أبي" ابن كعب "الطويل في فضائل القرآن سورة سورة" أي موضع "فروينا عن المؤمل" بزنة اسم المفعول أو الفاعل وهو أبو عبد الرحمن البصري مولى آل عمر بن الخطاب حافظ عالم يخطيء وثقة ابن معين وقال أبو حاتم صدوق شديد في السنة كثير الخطأ وقال البخاري منكر الحديث قاله في الميزان "ابن إسماعيل أنه قال حدثني به شيخ فقلت: للشيخ من حدثك فقال حدثني ردل بالمدائن وهو حي فصرت إليه فقلت: من حدثك فقال حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه فقال حدثني شيخ بعبادان" هي جزيرة أحاط بها شعبنا دجلة ساكبتين في بحر فارس "فصرت أليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوة من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثني فقلت: ياشيخ من حدثك قال لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن" هكذا ساق الققصة زين الدين في شرحه وساقها الحافظ ابن حجر في نكته بزيادة فزاد بعد قوله حدثني رجل بالمدائن وهو حي فصرت إليه فقلت: من حدثك فقال حدثني

شيخ بواسط فصرت أليه إلى أن قال حدثني شيخ بالبصرة1. "قال" أي زين الدين "وكل من أودع حديث أبي المذكور في تفسيره كالواحدي2 والثعلبي والزمخشري" قلت: والبيضاوي وأبي سعيد "مخطئ في ذلك" لأنه روى ما هو كذب بإقرار واضعه "لكن من أبرز إسناده منهم فهو أبسط لعذره إذ قد أحال ناظره على الكشف عن سنده" تمام كلام زين الدين وأما من لم يذكر سنده فأورده بصيغة الجزم فخطاؤه أشد كالزمخشري. قال الحافظ ابن حجر: والإكتفاء عن الحوالة على الإكتفاء بالنظر في السند طريقة معروفة لكثير من المحدثين وعليها يحمل ما صدر عن كثير منهم من إيراد الأحاديث الساقطة معرضين عن بيانها تصريحا وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة وكان ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان انتهى. قلت: ولا يتوهم الناظر أنه لم يثبت حديث في فضائل سور من القرآن فقد ثبتت أحاديث في سور معينة كالصمد وغيرها منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن وقد أودعها الجلال السيوطي في كتابه الدر المنشور. "قلت: بل من لم يعتقد وضعه أعذر عن ذلك إذ كل ناظر إلى الإسناد لا يعرف أنه أسنده لهذه العلة بل ولايتهم ذلك ويقل في أهل المعارف من يتمكن من البحث في الإسناد فكيف بغيرهم" لا يخفى قوة كلام المصنف هذا على منصف. "قال زين الدين وذكر الإمام أبو بكر محمد بن منصور السمعاني أن بعض الكرامية" بتشديد الراء نسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرام السجستاني وكان عابدا زاهدا إلا أنه خذل كما قال ابن حبان فالتقط من المذاهب أردأها من الأحاديث أوهاها وأطال الذهبي في الميزان وفي ترجمته وبيان فساد أحواله وقيل كرام بالتخفيف وأنشد عليه ابن الوكيل قول الشاعر: الفقه فقه أبي حنيفة وحده ... والدين دين محمد بن كرام

_ 1 فتح المغيث 1/131, والنكت 2/637. والكفاية ص 401. والموضوعات 1/41, 2/242. 2 الواحدي هو: علي بن أحمد بن محمد أبو الحسن النيسابوري كان أوحد عصره في التفسير لازم الثعلبي صنف التفاسير الثلاثة البسيط والوسيط والوجيز مات سنة 468. له ترجمة في: البداية والنهاية 12/114. وشذرات الذهب 3/330, والعبر 3/267.

وقبله: إن الذين لجهلهم لم يقتدوا ... في الدين بابن كرام غير كرام وهما لأبي الفتح البستي. "ذهب إلى جواز وضع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يتعلق به حكم من الثواب والعقاب ترغيبا للناس في الطاعة وزجرا لهو عن المعصية" يقال: هذا أيضا يتعلق به ثواب وعقاب. "واستدلوا" لما أجاروه بأدلة: أحدهما: قوله: "بما روى في بعض طريق الحديث: "من كذب علي متعمدا ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه الطبراني عن عمرو بن حريث وأبو نعيم في الحلية1 عن ابن مسعود قالوا فتحل الروايات المطلقة على الروايات المقيدة كما بتعين حمل الروايات المطلقة عن التعمد على المقيدة به. وأجيب بأن قوله ليضل به الناس مما اتفق الحفاظ على أنها زيادة ضعيفة وأقوى طرقها ما رواه الحاكم وضعفه من طريقق يونس بن بكر عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال الحاكم وهم يونس في موضعين أحدهما أنه أسقط بين طلحة وعمرو رجلا وهو أبو عمار. الثاني: أنه وصله بذكر ابن مسعود وإنما هو مرسل وعلى تقدير قبول هذه الزيادة فلا تعلق لهم بها لأن لها وجهين صحيحين: أحدهما: أن اللام في قوله ليضل لام العاقبة من باب: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} [القصص: 8] قلت: فيه تأمل لأن معنى لام العاقبة هنا ليكون عاقبة كذبه إضلال الناس وهم لا يضلون بكذبه لأن كذب الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم إما أن يعلمه الناس أو يجهلونه إن علموا أنه كذب فضلا لهم من حيث إنهم عملوا بالحديث الكاذب ولو كان من غير تعمد لإضلالهم وإن عملوا به مع جهلهم كونه كذبا فلا ضلال بل هم مأجورون لما عرفت قريبا من أنهم غير مخاطبين بما في نفس الأمر على أن حمل اللام على ذلك لا يجدي نفعا لأن مراد المستدل بمفهوم ليضل الناس أنه إن وضع ما لا إضلال فيه للناس فإنه غير داخل في الوعيد فكيف يصح عليه بأنها تحمل اللام

_ 1 الموضوعات 1/97, وابن عدي 1/20. والمجمع 1/144, 146.

للعاقبة وكأنه يقول من حملها على ذلك إنه لا مفهوم لها ولا نسلم فإنه باطل بالوجه الأول فتأمل. وثانيهما: أنها للتأكيد ولا مفهوم لها من باب: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ} الآية لأن الافتراء على الله محرم سواء قصد به إضلال الناس أولا. "وحمل بعضهم حديث: "من كذب علي متعمدا" على من قال أنه ساحر أو مجنون" واستدلوا لذلك بحديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم" قالوا: يا رسول الله تحدث عنك بالحديث فتزيد وتنقص؟ قال: "ليس ذلك أعنيكم إنما أعنى الذي كذب علي متحدثا بطلب به شين الإسلام" الحديث أخرجه الطبراني في الكبير وابن مردويه1 وجوابه ما قاله الحاكم إنه حديث باطل فيه محمد بن الفضل بن عطية العوفي اتفقوا على تكذيبه وقال صالح جزره كان يضع الحديث. "وقال بعض المخذولين" ممن أجاز الكذب عليه صلى الله عليه وسلم ترغيبا وترهيبا "إنما قال من كذب علي ونحن نكذب له ونقوي شرعه" وجوابه أن هذا جهل منهم باللغة لأنه كذب عليه في وضع الأحكام فإن المندوب قسم منها ولأنه يتضمن الأخبار عن الله في الوعد على ذلك العمل بالاثابة والاخبار بالعقوبة المعينة ولأنه تعالى قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] الآية فلا يحتاج إلى زيادة لنقويته كما قالوه "نسأل الله السلامة من الخذلان وروى العقيلي باسناده إلى محمد بن سعيد كأنه المصلوب" كذا في شرح الزين لألفيته بالأتيان بكلمهة الشك وفي الميزان في ترجمة محمد بن سعيد المصلوب قال أبو زرعة الدمشقي حديثا محمود بن خالد عن أبيه سمعت محمد بن سعيد يقول "لا بأس إذا كان كلاما حسنا أن يضع له إسنادا" قال الذهبي إتهم بالزندقة فصلب وفي نكت البقاعي قال عن عبد الله إبن أحمد أبيه أنه قتله أبو جعفر على الزندقة حديثه حديث موضوع. "قلت: مثل هذا لايخفي جوابه فإن الكذب على الله وعلى رسوله بالجملة معلوم تحريمه من الدين ضرورة" فإن القرآن مملوء بذلك ففي حقه تعالى والسنة في حق رسوله

_ 1 الموضوعات 1/95, وابن كثير 1/211. والقرطبي 13/7. والدر 5/64.

صلى الله عليه وسلم ولأن الافتراء على الرسل إفتراء على الله هذا بالنسبة إلى الجملة. "وبالنسبة إغلى الترغيب والترهيب معلوم تحريمه بالاستدلال بمجموع الكتاب والسنة والاجماع المعلوم قبل حدوث هؤلاء" الزاعمين جوازه "فإن تكرر تلك العمومات" القرآنية مثل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} [الأنعام: 21] ونحو من كذب على متعمدا "والظواهر" عطف عام على خاص أو تفسيرى "من غير التفات" من أحد من العلماء "إلى تخصيص على طول الأزمان يؤثر في نفس المتأمل القطع على عدم هذا التخصيص ومستند القطع بعد النظر التام والتأمل ضرورى حاصل من مجموع تلك الأمور مع القرائن وقد ذكر" الامام فخر الدين "الرازى1" المعروف بابن الخطيب صاحب مفاتيح الغيب وغيره "في المحصول" كتابه الذي ألفه في أصول الفقه "أن العلم بمقصود المتكلم" من ألفاظه "إنما يحصل بالقرائن" التي تحفه "وذلك لأن أصرح الألفاظ النص وهو محتمل" إن ورد "في أمور التحريم للنسخ" وإن كان إحتمالا مرجوجا "وفيها" أى ألفاظ النص محتمل "وفي غيرها لأمور كثيرة من التجوز والأشتراك والإضمار والتخصيص وغير ذلك" حتى إن الأسم العلم الذي هو أبلغ نص في مسماه يحتمل التجوز فإنك إذا قلت: جاء زيد إحتمل أنك تريد غلام. زيد. "وغاية ما يقول المستدل" بالنصوص "أن هذه الأمور" المذكورة بالإحتمال "منتفية عن النص لكن دليله على ذلك" الإنتقاء "عدم الوجدان وهو ظنى" وحينئذ فلا يحصل علم ضرورى عن النصوص "فأجاب عن هذا" الإيراد بالتزامه وأن النص من حيث هو نص لا يفيد إلا الظن ولكن قد يحصل العلم منه "بأنا قد نعلم بعض المقاصد" من الألفا ظ "بالضروة الصادرة عن القرائن التى لا ترفع بالشك" فيتم حينئذ ما ادعاه الصنف من أنه قد يحصل القطع من تلك الأمور مع القرائن. "قلت: وما نزل عن مرتبة العلم" من المطالب "فليس علينا تكليف في رفعه إليها" إلى مرتبة العلم "بل نقف حيث وقف الدليل" من إفادة علم أو ظن "ومثال ذلك" أي مثال ما يحتمل غير المراد وتبين المراد فيه القرائن وتصيره قطعيا "قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} فإنا نعلم" مع احتماله للإباحة "بالقرآئن أن هذا تمهيد لا إباحة وإن كان لفظه يحتمل الإباحة".

_ 1 الإمام فخر الدين الرازي توفي سنة 606. له ترجمة في: شذرات الذهب 5/21.

"ثم" أخذ في الرد على بعض الكرامية ورد دليلهم بقله "نقول للكرامية لو جاز لنا أن نكذب في الترغيب والترهيب نصرة للدين" كما قلتم "لجاز للنبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وتجويز مثل ذلك عليه كفر بالإجماع القطعي" قلت: لعله يقال أما على رأي من يجيز التفويض إليه صلى الله عليه وسلم فلا يتصور الكذب في حقه فلا يتم الإيراد "فما أدى فهو كفر باطل قطعا وقد أدى إليه مذهبهم وذلك يؤدي إلى الشك في الجنة والنار أيضا" لجواز الكذب في الأخبار بهما وإنما ذكرهما ترغيبا وترهيبا إلا أنه قد يقال فد ثبت الأخبار بهما بالنصوص القرآنية والكلام في الأخبار النبوية إذ لا نزاع أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى إلا أنه يقال تجويز الكذب عليه صلى الله عليه وسلم يلزم منه جواز أن القرآن من كلامه وهذا خروج عن الإسلام "وليس هذا موضع بسط للرد عليهم لكن هذه فائدة على قدر هذا المختصر". "قال زين الدين وحكى القرطبي" بضم القاف نسبة إلى قرطبة مدينة بالأندلس في المفهم بزنة اسم الفاعل شرح على مسلم "عن بعض أهل الرأي" هم عند الإطلاق مراد بهم الحنفية "إن ما وافق القياس الجلي جاز أن يعزي" ينسب "إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن حبان في مقدمة تاريخ الضعفاء بإسناده إلى عبد الله بن يزيد المقري أن رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته وتاب عنها فجعل يقول انظروا إلى هذا الحديث عمن تأخذونه فإناكنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا قلت: لعل من جملة بدعة هذا الرجل يقول بجواز الكذب في نصرة ما اعتقده حقا إذ ليس كل صاحب بدعة كذلك" أي يقول بجواز الكذب لنصرة مذهبه. "وأما الكذب فيشترك في ارتكابه المبتدع ولامحق وكذلك الصدق" مشترك في وقوعه منهما "فكم من صحيح العقيدة فاسق كذاب" إذ لا ملازمة بين صحة العقيدة وعدم الفسق والكذب "ومن مبتدع ناسك أواب" لعدم التلازم أيضا بين الأمرين "نسأل الله التوفيق للسلامة من كلاهاتين المعصيتين". فائدة: في حكم تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم "والجمهور على أن تعمد الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كبيرة" لأنه قد صدق عليها رسم الكبيرة بأنه ما توعد عليه بالعقاب "وقال الجويني إنها" أي هذه الكبيرة "كفر ويدل على قوله قول الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [الأنعام: 21] فسوى" في الآية "بين الكذب على الله وتكذيبه" ولا شك أتكذيبه كفر وأن الكذب على الرسول

صلى الله عليه وسلم كالكذب على الله تعالى "واستنكر" الرب تعالى حيث أتى بالاستفهام الأنكاري "أن يكون ذنب" أي ظلم "أعظم من ذلك قال" الجويني "ولأنه قد يكذب" من يكذب على الله أو رسوله "ما يرفع" الحكم "الضروري" وذلك "على الصحيح" من القولين "في نسخ المتواتر" الذي أفاد الضرورة "بالآحاد" الذي فرض وضع الراوي له "ورفع الضروري كفر" لأنه تكذيب للشارع وهو كفر و "لأن الكذب في الشريعة يدل على الإستهانة بها" ضرورة "والله أعلم" وهذا من المصنف تقوية لكلام الجويني. "قال زين الدين ومن أقسام الموضوع ما لم يقصده وضعه وإنما وهم فيه بعض الرواة" فسماه موضوعا "قال ابن الصلاح: إنه شبه الوضع" من حيث إنه ليس بحديث في إرادة قائله ولا واضعه. "مثل حديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار رواه ابن ماجه1 من حديث" إسماعيل بن محمد الطلحي كما في شرح الزين عن "ثابت بن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا قال الحاكم" أبو عبد الله محمد بن عبد الله "دخل ثابت على شريك والمستملي بين يديه" بين يدي شريك "وشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر" شريك "المتن" أي متن السنذ الذي ساقه "فلما نظر" شريك "إلى ثابت بن موسى" عند دخوله عليه وفراغه من إملاء السند "قال" شريك يخاطب ثابتا "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وإنما أراد" شريك بقوله من كثرت صلاته ألخ "ثابتا لزهده وورعه" فأعرض عن ذكر متن ما ساق سنده إلى وصف ثابت بكثرة صلاته بالليل وحسن وجهه بالنهار "فظن ثابت أنه" أي شريكا "روى هذا الحديث" إلى آخر الكلام "مرفوعا بهذا الإسناد" ولا عجب من ظن ثابت لأن شبهته في ظنه قوية فإن شريك عقب قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله من كثرت صلاته إلخ "فكان ثابت يحدث عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر" قال ابن حبان وهذا قول شريك قاله عقب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم فأدرجه ثابت في الخبر ثم سرقه منه جماعة ضعفاء فحدثوا به عن شريك فعلى هذا هو من أقسام المدرج قاله زين الدين.

_ 1 رقم 1333, والخطيب 1/341. وتنزيه الشريعة 2/106.

"ونحو هذه القصة ما قاله محمد بن عبد الله بن نمير" لفظ الزين قال أبو حاتم الرازي كتبته عن ثابت فذكرته لابن نمير فقال الشيخ يعنى ثابتا لا بأس به والحديث منكر قال ابن عدي بلغنا عن محمد ابن عبد الله بن نمير أنه ذكر له هذا الحديث عن ثابت فقال باطل شبه على ثابت وذكر أن شريكا كان مزاحا وكان ثابت رجلا صالحا فيشبه أن يكون ثابت دخل على شريك وكان شريك يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فالتفت فرأي ثابتا فقال يمازحه من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار فظن ثابت لغفلته أن هذا الكلام حديث ذكر هذا الذهبي في الميزان. "وقال ابن عدي إنه" أي من كثرت صلاته إلخ "حديث منكر لا يعرف إلا بثابت وسرقه منه من الضعفاء عبد الحميد بن بحر" في الميزان أنه بصري روى عن مالك قال ابن حبان كان يسرق الحديث وكذا قال ابن عدي. "وعبد الله بن شبرمة الشريكي" وليس هوابن شبرمة الفقيه فقد غلط من اعترض وقال ابن شبرمة ثقة فقيه وقال البقاعي لم أر له ذكرا أي لعبد الله بن شبرمة مع الفحص عنه وأظنه عبد الله بن شبيب الربعي تصحف على النقلة وكنيته أبو سعيد وهو أخباري علامة قال شيخنا في لسان الميزان يروى عن أصحاب مالك وآخر من حدث عنه المحاملي وأبو روق الهزاهزي لكنه واه بمرة. "واسحق بن بشر الكاهلي" في الميزان إنه كذبه على بن المديني وقال ابن حبان لا يحل كتب حديثه إلا للتعجب. "وموسى بن محمد أبو الطاهر المقدسي" في لسان الميزان إنه ابن عطاء الدمياطي البلقاوي الرملي المقدسي أبو طاهر روى عن مالك وشريك قال ابن حبان لا تحل الرواية عنه كان يضع الحديث. "قال" أي ابن عدي: "وحدثنا به بعض الضعفاء عن رحمويه" بالراء والحاء المهملتين في نسخ التنقيح وفي شرح الزين حمويه بدون راء ولم أجده في الميزان وإنما وجدنا فيه حمويه بن حسين وفي نكت البقاعي أن رحمويه اسمه زكرياء بن صبيح بالفتح الواسطي أحد الثقات ورحمويه لقب "وكذب" أي بعض الضعفاء "فإن رحمويه ثقة" لا يحدث بمثل ذلك. "وقال العقيلي إنه حديث باطل ليس له أصل ولا يتابعه" أي ثابتا "عليه ثقة وقال

عبد الغني بن سعيد كل من حدث به عن شريك فهو غير ثقة وقال ابن معين في ثابت إنه كذاب" وقال أبو حاتم وغيره ضعيف وقال أبو حاتم لا يجوز الاحتجاج بأخباره. "قلت: وبمثل هذا حذرتك فيما مضى من اعتقاد تعمد الكذب فيمن أطلق عليه بعض المحدثين أنه كذاب فهذا يحيى بن معين على جلالته يطلق ذلك على ثابت الورع الزاهد ولم يتعمد ثابت شيئا من ذلك" أي من الكذب "بل ولم يظهر منه كثرة الخطأ". قلت: أخرج له النسائي لا غيره قال في الميزان عن ابن عدي إنه تفرد ثابت عن شريك بخبرين منكرين ثم ذكرهما أحدهما هذا الحديث الذي نحن بصدده ثم ذكر الثاني ثم قال ولثابت ثلاثة أحاديث معروفة وساقها في الميزان فهذا مراد المصنف من عدم كثرة الخطأة "ولذلك وثقة مطين" بضم الميم فطاء مهملة فمثناة تحتية فنون هو الحافظ الكبير أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الخضرمي الكوفي قال الذهبي في التذكرة كان من أوعية العلم وذكر له مؤلفات وقال الدارقطني ثقة جبل انتهى قلت: لكن إذا تعارض كلامه وكلام يحيى بن معين فيرجح كلام يحيى لأنه أفقه بمعرفة الرجال باتفاق الحافظ ولمرجح آخر هو تقديم الجرح. "والصورة التي حكاها الحاكم محمد بن عبد الله بن نمير مما يوضح أن ثابتا رحمه الله معذور في الوهم فإنه سمع شريكا يسند حتى انتهى إلى جابر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم الحديث" تمامه: "إذا نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشطا طيب النفس إلا أصبح خبيث النفس كسلان" رواه مالك والشيخان وأبو داود وابن ماجه1 وقوله قافية رأس أحدكم المراد مؤخره ومنه سمي آخر بيت الشعر قافية. واعلم أن الحاكم جزم بأنه دخل ثابت على شريك فسمعه يذكر السند إلى آخر ما تقدم وأما ابن نمير فلم يجزم بذلك بل قال كما نقله الذهبي في الميزان فيشبه أن يكون ثابت دخل على شريك إلى آخر ما قدمناه عنه. "قال ابن حبان فمن أين لثابت أن أوله من قول شريك لا سيما وقوله: "بعده يقعد

_ 1 مالك 176, والبخاري 2/65, ومسلم في: صلاة المسافرين: حديث 209, وأبو داود 1306. وابن ماجة 1329.

الشيطان على قافية رأس أحدكم" ملائم لأول الحديث" أي الكلام الذي ظنه ثابت حديثا "فإنه يتعلق بتخذيل الشيطان للإنسان عن قيام الليل الذي ذكر ما فيه من الفضيلة في أول الحديث" وهي حسن وجه من كثرت صلاته بالليل. "فعلى هذا" أي يتفرع على إطلاق يحيى على ثابت أنه كذاب مع ما عرف من حال ثابت "قول المحدثين فلان كذاب من قبيل الجرح المطلق الذي لم يفسر سببه" هو وصف كاشف للمطلق "فيتوقف" عند أطلاقه من إمام من أئمة الحديث "فيمن هذه حاله" أي حكال ثابت وزهده وورعه "حتى يعرف السبب" في إطلاق ذلك اللفظ عليه "إن كان" من أطلق عليه "ضعيفا" عمل بإطلاق ذلك اللفظ "ويوثق" من أطلق عليه الكذب "إن كان" من أطلق عليه "شهيرا بالعدالة" فإطلاق الكذب عليه لا يضره بل يوجب البحث عنه حتى يتبيل حاله. "كعمرو بن عبيد" هو أبو عثمان المعتزلي البصري كان زاهدا ورعا متألها قال ابن معين لا يكتبت حديثه وقال النسائي متروك وقال أيوب ويونس يكذب وقال ابن حبان كان من أهل الورع والعبادة إلى أن أحدث ما أحدث فاعتزل مجلس الحسن هو وجماعة معه قسموا المعتزلة قال وكان يشئم الصحابة ويكذب في الحديث وهما لا تعمدا قاله الذهبي في الميزان وأطال في ترجمته. "إن لم يصح أنه كان سيء الحفظ" استثناء منقطع فإن سوء الحفظ لا ينافي عدالته ولذا قال "وإن صح ذلك ضعف ولم يكذب" فإن الكذب ينافي العدالة ولا ينافيها الضعف "حتى لا يترك المعلوم من عدالته إلا بجرح مثلها في الصحة والظهور" حاصله أنها إذا ثبتت فلا يرفعها إلا جرح ثابت لا محتمل ووصفهم بالكذب للمشاهير بالعدالة لا يريدون به حقيقة بل مطلق التضعيف مجازا ولذا قال ابن حبان في عمرو يكذب في الحديث وهما لا تعمدا فإن الحقيقة في الكذب الذي يقدح ما كان عن عمد "أو" يخرج عن العدالة "أمر بين السبب متعذر التأويل وإن كان أخفى منها" من العدالة شهرة وظهورا. "وإنما ذكرت هذا هنا" وإن كان محله ما سيأتي "حرصا على إظهار هذه الفائدة الجليلة" وهي أن رمي الرجل الشهير بالعدالة بالكذب لا يوجب القدح فيه بل يوجب توقفا في قبوله حتى يبين سبب ضعفه وإن كان القدح بالكذب فيمن لم تعرف عدالته كان جرحا مبين السبب بأنه الكذب كما يدل له قوله "فقد جرح بمثل هذا كثير من

الثقات وما على الجارح إثم لأنه عمل بالظاهر ولم يعلم الباطن" ولا على الغافل أيضا إثم لأنه قبل قول الثقة ولا يخفى أن هذا تخصيص للقاعدة المعروفة بأن الجارح أولى وقد صرحوا بتخصيصها ويأتي الكلام في هذا كله. "وقد اعترض على صاحبي الصحيحين" البخاري ومسلم "بروايتهما عن جماعة الثقات الرفعاء لشيء خفيف صدر عنهم من هذا القبيل فتجاسر من لا يلتفت إلى كلامه فتكلم عليهم" على الرفعاء وعلى الشيخين في الإخراج عنهم وقد تقدم كلام أبي محمد بن حزم وغيره "والعدالة غير العصمة ولله الحمد" فلا ينافيها صدور شيء من المعاصي وفيه تأمل. * * *

مسألة (45) : فيما يعرف به أن الحديث موضوع

مسألة (45) : فيما يعرف به أن الحديث موضوع ... مسألة: 45 [فيم يعرف به أن الحديث موضوع] ولما كان الوضع دعوى تحتاج إلى معرفة لها ودال عليها قال المصنف "قال زين الدين وابن الصلاح" كان الأولى تقديمه إذ القول له وهو السابق "ويعرف الوضع بالإقرار من واضعه وما يتنزل منزلة إقراره" مثل ذلك الزين بما إذا حدث محدث عن شيخ ثم ذكر أن مولده في تاريخ يعلم تأخره عن وفاة ذلك الشيخ واعترض هذا بعين ما يأتي قريبا أنه يجوز أن يكذب في تاريخ مولده بل يجوز أن يغلط في التاريخ ويكون في نفس الأمر صادقا. قال الحافظ ابن حجر: الأولى أن يمثل لذلك بما رواه البيهقي في المدخل بسنده الصحيح أنهم اختلفوا بحضور أحمد بن عبيد الله الجوبياري في سماع الحسن بن أبي هريرة فروى لهم حديثا بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سمع الحسن عن أبي هريرة. "قال ابن الصلاح" وزين الدين أيضا "وقد يفهمون" أئمة الحديث "الوضع" للحديث "من قرينة حال الراوي أو المروي". قال الحافظ ابن حجر: هذا الثاني هو الغالب وأما الأول فنادر قال ابن دقيق العيد وكثيرا ما يحكمون بذلك باعتبار يرجع إلى المروي وألفاظ الحديث وحاصله أنها حصلت لهم بكثرة محاولة ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم هيئة نفسانية وملكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظه وما لا يجوز ثم مثل لقرينة حال الراوي بقصة عثمان بن ابراهيم مع المهدي وهذا أولى من التسوية بينهما فإن معرفة الوضع من قرينة حال المروي أكثر من قرينة حال الراوي. ومن جملة القرائن الدالة على الوضع الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير وهذا كثير موجود في حديث القصاص والصوفية.

"فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها" اعترض على هذا بأن ركاكة اللفظ لا تدل على الوضع حيث جوزت الرواية بالمعنى نعم أن صرح الراوي بأن هذه صيغة لفظ الحديث وكانت تخل بالفصاحة أولا وجه لها في الإعراب دل على ذلك وقد روى الخطيب وغيره عن الربيع بن خثيم التابعي الجليل بأن الحديث ضوء اكضوء النهار يعرف وظلمة كظلمة الليل ينكر. قلت: ومما رد بوضعه لركاكة ألفاظه ونحوها وجزم العلماء بوصعه الكتاب الذي أبرزه يهود خيبر وزعموا أنه كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسقاط الجزية وقد ساقه بلفظه الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي وذكر أن من يعرف فصاحة ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرالتها يعرف أنه موضوع وإن كان لوضعه ادلة واضحة ذكر منها إثنى عشر وجها أحدها ما ذكر وقد استوفيت ذلك في رسالة جواب سؤال يحمد الله. "وقد استشكل إبن دقيق العيد الاعتماد على إقرار الراوي بالوضع" لأن فبه عملا بقوله بعد إعترافه بالوضع "فقال هذا كاف في رده" أي الحديث "ولكن ليس بقاطع في كونه موضوعا لجواز أن يكذب في هذا الاقرار بعينه" فهم إبن الجزرى من كلام إبن دقيق العيد أنه لا يعمل بذلك الاقرار أصلا لاقطعا ولا ظناورد هذا الفهم الحافظ إبن حجر فقال كلام إبن دقيق العيد ظاهر في أنه لايستشكل الحكم بالوضع لأن الأحكام لايشترط فيها القطعيات ولم يقل أحد إنه يقطع بكون الحديث موضوعا بمجرد الإقرار لأن إقرار الواضع بأنه وضع يقتضي موجب الحكم العمل بقوله وإنما نفى إبن دقيق العيد القطع يكون الحديث موضوعا بمجرد إقرار الراوي بأنه وضعه فقط ولم يتعرض لتعليل ذلك ولم يقل إنه لا يلزم العمل بقوله بعد إعترافه لأنه لا مانع من يعمل بذلك لأن إعترافه بذلك يوجب ثبوت فسقه وثبوت فسقه لا يمنع العمل باقراره كالقاتل مثلا إذا إعترف بالقتل عمدا من غير تأويل فإن ذلك يوجب فسقه ومع ذلك نقتله عملا بموجب إقراره مع إحتمال كونه في باطن الأمر كاذبا في ذلك الأقرار بعينه ولذلك حكم الفقهاء علىمن أقر أنه شهد الزور بمقتضى إقراره مع إعترافه وهذا كله مع إعترافه المجرد أما إذا إانضم إلى ذلك قرائن تقتضى صدقه في ذلك الاقرار كمن روى عن مالك عن نافع عنإبن عمر حديث الأعمال بالنيات فلا نقطع أنه ليس من رواية مالك ولا نافع ولا إبن عمر مع ترددنا في كون الراوي له على هذه

الصفة كذب أو غلط فإذا أقر غلط لم نرتب في ذلك. قال الحافظ ابن حجر: في نكته علىابن الصلاح بعد سرده لما ذكر ما لفظه: تنييه: أخل المصنف بذكر أشياء ذكرها غيره مما تدل على الوضع من غير إقرارالواضع. منها: جعل الأصوليين من دلائل الوضع أن يخالف العقل ولا يقبل تأويلا بحال لأنه لا يجوز أن يرد الشرع بما ينافي مقتضى العقل وقد حكى الخطيب هذا في أول كتابه الكفاية تبعا للقاضي أبي بكر الباقلاني وأقره فإنه قسم الأخبار إلى ثلاثة أقسام ما تعرف صحته وما يعلم فساده وما يتردد بينهما ومثل الثاني بما يدفع العقل صحته بموضوعها والأدلة المنصوصة فيها نحو الأخبار عن قدم الأجسام وما أشبه ذلك ويلحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة كالخبر بالجمع بين الضدين كقول الإنسان أنا الآن طائر في الهواء ومكة لا وجود لها. ومنها: أن يكون خبرا عن أمر جسيم كحصر العدو للحاج عن البيت ثم لا ينقله منهم إلا واحد لأن العادة جارية بتظاهر الأخبار في مثل ذلك. قلت: ويمثله الأصوليون بقتل الخطيب على المنبر ولا ينقله إلا واحد من الحاضرين. ومنها: ما يصرح بتكذيب روايته جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب وتقليد بعضهم بعضا. ومنها: أن يكون مناقضا لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي. ومنها: أن يكون فيما يلزم المكلفين علمه وقطع العذر فيه فينفرد به واحد. وفي تقييدنا السنة بالمتواترة احتراز عن غر المتواترة فقد أخطأ من حكم بالوضع بمجرد مخالفة مطلقا وأكثر من ذلك الجوزقاني في كتاب الأباطيل وهذا إنما يأتي حيث لا يمكن الجمع بوجه من الوجوه أما مع إمكان الجمع فلا كما زعم بعضهم أن الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة لايؤمن عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم1 موضوع لأنه قدصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب" 2 وغير ذلك لأنا نقول يمكن حمله على مالم يشرع

_ 1 في: الصلاة: ب 148. وأحمد 5/260. 2 البخاري 1/189. ومسلم في: المساجد: حديث 147. وأبو داود في: الافتتاح: ب 8, وأحمد 2/231.

للمصلي من الأدعية لأن الإمام والمأموم يشتركان فيه بخلاف مالم يؤثر وكما زعم ابن حبان في صحيحه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لست كأحدكم أطعم وأسقى"1 جال على أن الأخبار التي فيها أنه كان صلى الله عليه وسلم يضع الحجر على بطنه من الجوع باطلة وقد رد عليه ذلك الحافظ ضياء الدين فشفى وكفى. ومنها: ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي أن الخبر إذا روى في زمن قد استقرت فيه الأخبار فإذا فتش عنه لم يوجد في بطون الأسفار ولا في صدور الرجال علم بطلانه فأما في عصر الصحابة حين لم تكن الأخبار قد استقرت فإنه يجوز أنه يروى أحدهم مالم يوجد عند غيره قال العلائي وهذا إنما تقوم به الحجة بتفتيش الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحديث أو بمعظمه كالإمام أحمد وابن المديني ويحيى بن معين ومن بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة ومن دونهم كالنسائي ثم الدارقطني لأن المأخذ الذي يحكم به غالبا على الحديث أنه موضوع إنما هي الملكة النفسانية الناشئة عن جمع الطرق والإطلاع على غالب المروي في البلدان المتباينة بحيث يعرف بذلك ما هو من حديث الرواة مما ليس من حديثهم وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فكيف يقضي لعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع هذا مما يأباه تصرفهم انتهى. * * *

_ 1 مسلم 774, وأبو داود 2360. وأحمد 2/102, 143.

مسألة (46) : في المقلوب وأنواعه وحكمه

مسألة: 46 [في المقلوب وأنواعه وحكمه] من علوم الحديث معرفة "المقلوب هو من أقسام الضعيف وهو قسمان" هكذا قاله زين الدين ولكن المصنف سيأتي له قسم ثالث سنذكر وجهه. "أحدهما أن يكون الحديث مشهورا براو فيجعل في مكانه راو آخر في طبقته ليصير بذلك غريبا مرغوبا فيه كحديث مشهور" روايته "بسالم" بن عبد الله "يجعل مكانه نافع" مولى عبد الله "ونحو ذلك وممن كان يفعل ذلك" من الوضاعين. "حماد بن عمرو النصيبي" نسبة إلى نصيبين بالمهملة تثنية نصيب في القاموس أنها بلدة قاعدة ديار ربيعة النسبة إليها نصيبيني قال في الميزان إنه قال الجوزقاني كان يكذب وقال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك وقال ابن حبان كان يضع الحديث وضعا انتهى. قال الزين: مثاله حديث رواه عمرو ابن خالد الحراني عن حماد بن عمرو النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا "إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤهم بالسلام " 1 الحديث فهذا حديث مقلوب قلبه حماد بن عمرو أحد المتروكين فجعله عن الأعمش وإنما هو معروف بسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة هكذا رواه مسلم في صحيحه2 من رواية شعبة والثوري وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز بن محمد الدراوردي كلهم عن سهيل قال أبو جعفر العقيلي لا نعرف هذا من حديث الأعمش إنما هو من حديث سهيل بن أبي صالح. "وإسماعيل ابن أبي حية" بالحاء المهملة ومثناة تحتية "اليسع" لم يذكره الذهبي في

_ 1 أحمد 1/252. والبيهقي 9/203. وابن السني 238. والتاريخ 2/1/18. 2 في: السلام: ب 4: حديث 13, وابو داود في: الأدب: ب 27: حديث 137. واحمد 2/266.

الميزان ولا الحافظ في التقريب وفي نكت البقاعي قال البخاري منكر الحديث وقال ابن المديني ليس بشيء وقال ابن حبان روى عن جعفر وهشام مناكيره يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها قاله في لسان الميزان. "وبهلول بن عبيد الكندي" في الميزان1 قال أبو حاتم ضعيف الحديث ذاهب وقال أبو زرعة ليس بشيء وقال ابن حبان يسرق الحديث وساق له أحاديث منها حدثنا المنجنيقي ثنا الحسن ابن قزعة حدثنا بهلول قال سمعت سلمة بن كهيل عن ابن عمر مرفوعا "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم " 2 الحديث وقد ساق له ابن حسان هذا المتن فقال عن سلمة عن نافع عن ابن عمر ثم قال ولا يعرف هذا إلا من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر. "القسم الثاني" من قسمي المقلوب "أن يؤخذ" بالخاء المعجمة والذال كذلك "إسناد متن فيجعل على متن آخر و" يؤخذ "متن هذا فيجعل بأسناد آخر وهذا" القسم من المقلوب "قد يقصد به الأغراب أيضا" كما يقصد بالقسم الأول "فيكون ذلك" باعتبار القصد "كالوضع وقد يفعل ذلك" في الإسناد والمتن "اختبارا" من فاعله "للحفظ" من سامعه "وهذا" الاختبار "يفعله أهل الحديث كثيرا وفي جوازه نظر" لما يترتب عليه من تغليط السامع ويشمله حديث النهي عن الأغلوطات "إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لم يستقر حديثا وقد يقصدون بذلك اختبار المحدث هل يقبل التلقين" وممن فعل ذلك يحيى بن معين مع أبي نعيم الفضل بن دكين بحضرة أحمد بن حنبل. روى الخطيب من طريق أحمد بن منصور الروباذي قال خرجت مع أحمد ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق فلما عدنا إلى الكوفة قال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل أريد أن أمتحن أبا نعيم فنهاه أحمد فلم ينته فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم وجعل على كل عشرة أحاديث حديثا ليس من حديثه ثم أتينا أبا نعيم فخرج إلينا فجلس على دكان حذاء بابه وأقعد أحمد عن يمينه ويحيى عن يساره وجلست أسفل فقرأ عليه يحيى عشرة أحاديث وهو ساكت ثم الحادي عشر فقال أبو نعيم ليس هذا من حديثي فاضرب ثم قرأ العشرة الثانية وقرأ الحديث الثاني فقال وهذا أيضا ليس من حديثي فاضرب عليه ثم قرأ العشرة الثالثة وقرأ

_ 1 1/355/1329. 2 رواه الخطيب 1/266, وابن عدي 4/1582.

الحديث الثالث فتغير أبو نعيم ثم قبض على ذراع أحمد ثم قال أما هذا فورعه يمنعه عن هذا وأما هذا وأمأ إلى فأصغر من أن يعمل هذا ولكن هذا من عملك يا فاعل ثم أخرج رجله فرفس يحيى بن معين حتى قلبه عن الدكان ثم قام فدخل داره فقال له أحمد ألم أنهك عن هذا وأقل لك إنه ثبت فقال يحيى هذه الرفسة أحب إلي من سفري. انتهى. "وممن فعل ذلك شعبة وحماد بن سلمة" إمامان من أئمة هذا الشأن ذكرهما في التذكرة "وأنكر حرمي" بمهملتين فمثناة تحتية بعد الميم هو أبو عمارة بن أبي حفص أخذ عنه ابن المديني وبندار وغيرهما قال ابن معين صدوق ولكن فيه غفلة "على شعبة لما حدثه" أي حدث حرمي "بهز" بموحدة فهاء ساكنة فزاي ابن أسد إمام حافظ "أن شعبة قلب أحاديث علي أبان بن أبي عياش" هذا هو المحدث به "فقال حرمي: يابئس ما صنع" أي شعبة. "وهذا" أي قلب الأحاديث متنا وإسنادا "يخل" بفهم السامع وحمل له على الغلط وهذا هو سبب الإنكار منه على شعبة وكان حرمي يرى تحريم ذلك. "ومما فعله أهل الحديث" من التقليب "للإختبار قصتهم مع البخاري" لإختباره "ببغداد وهي مشهورة" أخرجها ابن عدي في مشايخ البخاري وأخرجها أبو بكر الخطيب في التاريخ في غير موضع وساقها الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح بإسناده إلى أن قال سمعت أحمد بن عدي يقول سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ثم دفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث وأمر وهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري وأخذوا الموعد للمجلس فحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خرسان وغيرهم من البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله ابتدر إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فما زال يلقي إليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه فكان الفقهاء في المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل ومن فيهم من غير أولئك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ ثم انتدب إليه رجل آخر من

العشرة فسألة عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري لا أعرفه ثم سأله عن آخر فقال لا أعرفه فلم يزل يلقي إليه واحدا بعد واحد فلما فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه فلما علم البخاري أنه قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فهو كذا وأما حديثك الثاني فهو كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أنى على العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك رد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقر الناس له بالحفظ وأدعنوا له بالفضل1. قال الحافظ ابن حجر: سمعت شيخنا يريد به الحافظ العراقي غير مرة يقول ما العجب من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لا تساع معرفته وإنما نتعجب منه في هذا لكونه حفظ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرة واحدة. قال الحافظ ابن حجر: وممن امتحنه تلاميذه بذلك محمد بن عجلان روينا في المحدث الفاضل2 لأبي محمد الزامهرمزي ثنا عبد الله بن القاسم بن نصر ثنا خلف بن سالم ثنا يحيى بن سعيد القطان قدمت الكوفة وفيها محمد بن عجلان وفيها ممن يطلب الحديث مليح بن الجراح وفيها وكيع وحفص بن غياث ويوسف بن خالد السمتي فكنا نأتي محمد بن عجلان فقال يوسف السمتي هل نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه قال ففعلوا فما كان عن سعيد جعلوه عن أبيه وما كان عن أبيه جعلوه عن سعيد قال يحيى فقلت: لهم لا أستحل هذا فدخلوا عليه فأعطوه الجزء فمر فيه فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ فقال أعد فعرض عليه فقال ماكان عن أبي فهو عن سعيد وما كان عن سعيد فهو عن أبي ثم أقبل على يوسف فقال أن كنت أردت سبتي وعيبي فسلبك الله الإسلام وقال لحفص ابتلاك الله في يديك وقال لمليح لا ينفعك الله بعلمك قال يحيى فمات مليح قبل أن ينتفع بعلمه وابتلى حفص في يديه بالفالج وفي دينه بالقضاء ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة.

_ 1 أنظر: سيرة أعلام النبلاء 12/408- 409, وفتح المغيث للعراقي1/139- 140. والنكت 2/641- 644. 2 ص 398- 399. وانظر النكت 2/645- 647.

"القسم الثالث" من أقسام المقلوب إلا أنه غير خاف عليك أن المصنف قسم المقلوب إلى قسمين في أول بحثه وتبع في هذا زين الدين فإنه قال في نظمه: وقسموا المقلوب قسمين إلى ... ما كان مشهورا براو أبدلا ثم ذكر ما ذكره المصنف من القسمين ثم قال زين الدين ومن أقسام المقلوب "ما انقلب على راويه ولم يقصد قلبه". وذكر زين الدين مثاله فقال مثاله ما رواه جرير بن حازم عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني1" فهذا انقلب إسناده على جرير بن حازم وهذا الحديث مشهور ليحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذارواه الأئمة الخمسة من طرق عن يحيى وهو عند مسلم والنسائي من رواية حجاج بن أبي عثمان الصواف عن يحييى وجرير إنما سمعه من حجاج بن أبي عثمان الصواف فانقلب عليه وقد بين ذلك حماد بن زيد فيما رواه أبو داود في المراسيل عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عن حماد بن زيد قال كنت أنا وجرير بن حازم عند ثابت البناني فحدث حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلىالله عليه وسلم فذكره فظن جرير أنه إنما حدث به ثابت عن أنس وهكذا قال اسحق ابن عيسى الطباع حدثنا جرير بن حازم بهذا فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث فقال وهم أبو نصر يعني جرير بن حازم إنما كنا جميعا في مجلس ثابت البناني فذكر ما تقدم انتهى. "نوع آخر من المقلوب" أي هذا "وهو: ما انقلب متنه على بعض الرواة كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة في السبعة الذي يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله قال فيهم: "ورجل تصدق بصدقة فأخذها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله" وإنما هو: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" كما أخرجه البخاري ومسلم معا 2 " في إحدى روايتيه "في هذا الحديث ولأن المعروف" عادة "أن اليمين هي المنفقة" وهذان هما الدليل على القلب إلا أنه قال الحافظ ابن حجر: إن بعضهم حمل هذا على ما إذا كان

_ 1 البخاري 637, ومسلم 604, وأحمد 5/305, 307, 310. 2 1/168, 2/138, ومسلم في: الزكاة: 3: حديث 91, وأحمد 2/439.

الإنفاق باليمين يستلزم إظهار الصدقة فإن الإنفاق بالشمال والحال هذا يكون أفضل من الإنفاق باليمين. 1هـ. قلت: ليس الكلام في الأفضلية بل في كون الحديث مقلوبا مخالفا للمعروف من الرواية المنفق عليها ومن العادة في الإنفاق. "ومثل ما أخرج البخاري" عطفا على قوله كما أخرج "من حديث أبي هريرة في محاجة الجنة والنار في تفسير قوله تعالى: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] وأما النار فينشي الله لها من يشاء وأما الجنة فلا يظلم ربك أحدا " 1 والإنشاء إنما هو للجنة لا للنار "انقلب هذا على بعض الرواة وإنما هو وأما الجنة فينشيء الله لها من يشاء وأما النار فلا يظلم ربك أحدا وكذلك" أي بهذا اللفظ الذي لا انقلاب فيه "خرجاه" الشيخان "جميعا من حديث أبي هريرة هذا من غير طريق" أي من طرق كثيرة "وخرجاه كذلك" غير مقلوب "من حديث أنس من غير اختلاف" كما وقع في الأول "وكذلك قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} " ومن ينشئه للنار يعذبه من غير بعثة رسول إليه ولا تكليف ولا يجوز عليه لقوله: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} فهو من أدلة الأنقلاب "وهي سنة الله: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} ". ولما ذكر ابن الصلاح بعد فراغه من أقسام الضعيف أمورا مهمة وقد نظمها الزين في ألفيته فأشار المصنف إليها بقوله: "تنبيهات": "الأول: إذا وقف أحد على إسناد ضعيف لم يكن له أن يحكم بضعف الحديث بل يحكم بضعف الإسناد" يعني إذا وجدت حديثا بإسناد ضعيف فليس لك أن تقول الحديث أي متنه ضعيف بل تحكم بضعف الإسناد وعبارة زين الدين: وإن تجد متنا ضعيف السند ... فقل ضعيف أي بهذا فاقصد وعبارة المصنف توهم اه لا يحكم به بضعف المتن أصلا وليس كذلك بل تحكم به مقيدا بذلك الإسناد وإنما لا نحكم مطلقا لجواز أنه قد رواه إمام بإسناد صحيح ثبت بمثله الحديث. ولكنه قال الحافظ ابن حجر: إذا بلغ الحافظ للتأهل الجهد وبذل الوسع في التفتيش

_ 1 البخاري في: تفسير سورة 50, ومسلم في: الجنة: حديث 36, وأحمد 2/276.

عن ذلك المتن من مظظانه فلم يجده إلا من تلك الطريق الضعيفة فما المانع من الحكم بالضعف بناء على غلبة الظن؟. انتهى. ولا يتم قول المصنف "ويقف في تضعيف الحديث على نص إمام على أنه ضعيف لا يصح له إسناد" ولك أن تقول مراده بقوله إذا وقف أحد أي ممن ليس له أهلية البحث والتفتيش لا غيره فيوافق كلام ابن حجر ويدله ما يأتي من قوله ومن وقف000 إلخ. "ويبين" أي الإمام الذي ضعف الحديث "سبب التضعيف فإن لم يبين ففيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى" هكذا قاله ابن الصلاح وأراد بالذي يأتي ما ذكره في النوع الثالث والعشرين في آخر فائدة ذكرها فيه والمصنف أراد بالذي يأتي له في أثناء مسألة من تقبل روايته وهو أن الجرح لا يقبل إلا مبين السبب. "ومن وقف على كتب الحفاظ الذي يحصرون فيها طرق الحديث كلها وتمكن مما تمكن منه أهل الفن فله أن يحكم بمالهم أن يحكموا به" وكذا إذا وجد كلام إمام من إئمة الحديث وقد جزم بأن فلانا انفرد به وعرف المتأخر أن فلانا المذكور قد ضعف بتضعيف قادح فما الذي يمنعه من الحكم بأن الحديث ضعيف. "الثاني" من التنبيهات "إذا أراد أحد أن يكتب حديث ضعيفا لم يكتبه بصيغة الجزم وليكتبه بصيغة التمريض" من نحو روي "أو البلوغ أو نحو ذلك" مثل ورد وجاء ونقل بعضهم. "الثالث" منها: "لا يجوز ذكر الموضوع إلا مع البيان في أي نوع كان" وقد مر ذلك هذا في الموضوع "وأما غير الموضوع" كالأحاديث الواهية "فجوزوا" أى أئمة الحديث "التساهل فيه وروايته من غير بيان لضعفه إذا كان" واردا "في غير الأحكام" وذلك كافضائل والقصص والوعظ وسائر فنون الترغيب والترهيب قلت: وكأنهم يعنون باالأحكام الحلال والحرام وإلا الندب من الأحكام والترهيب وفضائل الأعمال ترد بما يفيده "والعقائد كصفات الله تعالى وما يجوز وما يستحيل عليه ونحو ذلك فلم يروا التساهل فيه". "وممن نص على ذلك من الحفاظ عبد الرحمن بن مهدي وأحمدبن حنبل وعبد الله ابن المبلرك وغيرهم" وكأنهم يقولون: الأصل براءة الذمة منأحكام الحلال والحرام فلا تثبت إلا بدليل صحيح فلا يتساهل في طرقه وكذلك صفات الله فانه جناب

رفيع لا يثبت إلا بدليل صحيح لما فيه من الخطر بخلاف الترغيب والترهيب وفضائل الأعمل فالأمر فيها أخف. "وقد عقد ابن عدى في مقدمة كتابه الكامل و" أبو بكر "الخطيب في الكفاية بابا في ذلك" إلا إنه لا يخفي أن المصنف رحمه الله أهمل الأدلة في هذه التنبيهات كلهاكما أهملها ابن الصلاح والزين رحمهم الله أجمعين. * * *

مسألة (47) : في بيان من تقبل روايته ومن ترد روايته

مسألة: 47 [في بيان من تقبل روايته ومن ترد روايته] من علوم الحديث "معرفة" المحدث "من تقبل روايته من ترد" روايته وذلك بمعرفة شرائط الرواة. "الذي في كتب أئمة الزيدية" في الأصول "أنه يشترط في" قبول رواية "الراوى أربعة شروط": "الأول: أن يكون بالغا1" وكل على أصله فيما يحصل به البلوغ وهذا شرط للأداء للتحمل إجماعا. "الثاني: أن يكون عاقلا" فلا تقبل رواية المجنون وهذا لا بد منه في حال الأداء والتحمل. "الثالث أن يكون مسلما2" فلا تقبل رواية الكافر وهذا شرط للأداء ويجوز أن

_ 1 أن يكون بالغا: البلوغ مدار التكليف فلا تقبل رواية من دون سن التكليف عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث 000 وعن الصبي حتى يحتلم". والبلوغ مظنة الإدراك وفهم أحكام الشريعة لذلك ينط التكليف به. وقد احترز العلماء في قبول الرواية من الصغير خشية الكذب فقد يكذب لأنه لايقدر أثر الكذب ولا عقوبته ولأنه لارادع له عنه فكان البلوغ مظنة العقل ومدار التكليف الذي يزجر المكلف عن الكذب وينهاه عن الوقوع فيه ثم إن الشرع لم يجعل الصبي وليا في أمر دنياه ففي أمر الدين أولى لما في قبول خبره من تنفيذ أو ولاية على جميع المسلمين. أصول الحديث ص 230- 231. 2 فلا تقبل رواية الكافر: وذلك بالإجماع سواء أعلم من دينه الاحتراز عن الكذب أم لم يعلم ولا يعقل أن تقبل روايته لأن في قبولها تنفيذا لقوله على المسلمين وكيف تقبل رواية من يكيد للإسلام؟. ثم إن الله عز وجل أمرنا بأن نتوقف في خبر الفاسق في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} .فإذا كان هذا موقفنا من رواية الفاسق فمن الأولى أن نرد رواية الكافر. أصول الحديث ص 230.

يكون تحمل ما رواه وهو كافر. "الرابع: أن يكون عدلا مستورا" وسيأتي تفسير العدالة والتحقيق أنها تغني عن الشرائط لتضمنها إياها "فلا يقبل المجهول في أحد احتمال أبي طالب" من غير ترجيح لأحدهما "في المجزئ" كتابه في أصول الفقه "ومرجوح احتمالية في أصول الفقه له" كأن له كتابا في أصول الفقه غير المجزئ وإلا فالمجزئ فيها أيضا "وأحد قولي المنصور بالله وهو المنصوص له في الصفوة" أي صفوة الإختيار كتاب له في أصول الفقه "وأما الفقيه عبد الله بن زيد" العنسي "فقال في الدرر" كتابه في أصول الفقه "المذهب" أي للزيدية "قبوله" أي المستور في الرواية "وهو ظاهر كلام المنصور بالله عليه السلام في" كتابه "هداية المسترشدين" فكان مرجوحا في أحد احتمالية في الصفوة وظاهرا في كتابه الآخر "وهو مذهب" الحنفية "وهو" أي قبول المستور "يلزم من يقبل مراسيلهم" أي الحنفية لأن فيها المستور إذ مذهبهم قبوله. "والخامس" من الشرط في قبول الرواية "أن يكون" الراوي "ضابطا لما يرويه" إلا أنه تقدم له أن الذي في كتب الزيدية أربعة شروط فهذا الخامس على رأي غيرهم إلا أنه لا يخفى أنه لا بد منه وقد مر جوابه "وقد تقدم تفصيل كلام أصحابنا في ذلك أول الكتاب" عبارة مشهورة تقدمت للمصنف وهو يناسب من يتمذهب بمذهب معين وينتسب إليه لا من طريقة الإنصاف وعدم التعبد برأي الأسلاف كالمصنف القائل في أبياته الدالية: والكل إخوان ودين واحد ... كل مصيب في الفروع ومهتدي أول الكتاب حيث قال ولا بد من اشتراط الضبط وقال إنه إذا استوى خطاؤه وصوابه فهو مردود عند الأصوليين وقال المنصور بالله وعبد الله ابن زيد إنه يقبل وطريق قبوله الاجتهاد وتقدم ما فيه كأنه لمخالفته الزيدية لهذا لم يثبت لهم هنا شرطية الضبط. "وقال ابن الصلاح: أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه ثم فصل شروط العدالة والضبط وفسر العدالة بخمسة أشياء البلوغ والعقل والسلامة من الفسق بارتكاب كبيرة أو إصرار على

صغيرة والسلامة أيضا مما يخرم المروة" وكأنه وقع سقط في نسخة المصنف فإنه فاته الخامس وهو الإسلام. وعبارة ابن الصلاح وتفصيله أن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن حدث من كتابه فإن كان محدثا بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني انتهى. ولا أدري لماذا حذف المصنف بقية شروط العدالة فإنه لم يأت بعبارة ابن الصلاح بلفظها ولم تلم عبارته بمعناها وقد سبقه الزين في الألفية وشرحها ويرد عليه ما ورد على المصنف. ثم اعلم أنه أجمل ابن الصلاح أسباب الفسق فبينها المصنف بقوله بارتكاب الكبيرة والإصرار على الصغيرة وهاهنا عد أئمة الأصول الكبائر وبينوا الخلاف في حقيقتها. فائدة: فسر الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها العدالة بقوله والمراد بالعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة انتهى. وفسر المروة وضبطها ملا على قارئ في حاشيته بقوله والمروءة بضم الميم والراء بعدها واو ساكنة ثم همزة وقد تبدل وتدغم وهو كمال الإنسان من صدق الإنسان واحتمال عثرات الإخوان وبذل الإحسان إلى أهل الزمان وكف الأذى عن الجيران وقيل المروءة التخلق بأخلاق أمثاله وأرانه ولداته في لبسه ومشيه وحركاته وسكناته وسائر صفاته وفي المفاتيح خوارم المروة كالدباغة والحياكة والحجامة ممن لا يليق به من غير ضرورة وكالبول في الطريقة وصحية الأرذال واللعب بالحمام ونحو ومجملها الاحتراز عما يذم به عرفا انتهى. واعلم أقد بحثنا في هذا الرسم في رسالتنا ثمرات النظر في علم الأثر وبينا فساده وحققنا الحق في حقيقتها وكذلك في حاشيتنا منحة الغفار على ضوء النهار وبينا أن هذا الرسم لا دليل عليه وأنه لا يتم الرسم إلا في حق المعصومين وفي قوله وصدق اللسان قد دخل هذا الشرط في قيد اجتناب الكبائر وقوله وكف الأذى عن الجيران لا وجه لتقييده بذلك وإنما قاده إليه السجع ولو قال وكف الأذى عن أهل الإيمان لعم ذلك مع وفاء العبارة بالمراد على أنه قد دخل كف

الأذى في اجتناب الكبائر لورود الوعيد عليه بقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب: 58] . "وفسر" أي ابن الصلاح "الحفظ" المأخوذ في رسم العدل "بما يرجع إلى موافقة الحفاظ أهل الإتقان إلا النادر الذي لا يخلو عنه أحد" فإنه وقع النسيان لسيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم "وعلى حسب موافقته لهم يعرف حفظه" لفظ ابن الصلاح يعرف كون الراوي ضابطا بأن تعتبر روايته برواية الثقات المعروفين بالضبط والإتقان فإن وجدنا روايته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتههم وفي الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه حافظا ثبا1 وفي النخبة وشرحها إنما الضبط ضبطان ضبط صدر أي إتقان قلب وحفظه وهو أي ضبط الصدر أن يثبت الراوي في صدره ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء وضبط كتاب وهو صيانته لديه منذ سمعه فيه وصححه إلى أن يؤدي منه انتهى وبه تعرف أن تفسير ابن الصلاح إنما هو لأحد قسمي الضبط. واعلم أن قدمنا لك أنهم اختاروا في رسم الصحيح أن يكون راويه تام الضبط كما قال في النخبة عدل تام الضبط وتبعه المصنف في مختصره كما قدمنا لفظه وفي شرح فلنخبة وقيد بالتمام إشارة إلى الرتبة العليا في ذلك قال ملا على والمعنى أنه لا يكفي في الصحيح لذاته بمسمى الضبط على ما هو المعتبر في الحسن لذاته وكذا في الصحيح لغيره يكتفي بمجرد الضبط انتهى. ولا يخفي أن هذا في ضبط الصدر قال ملا على وأما ضبط الكتاب فالظاهر أن كله تام لا يتصور فيه النقصان ولهذا لا يقسم الحديث باعتباره وإن كان يختلف ضبط الكتاب بإختلاف الكتاب.1هـ. قلت: وغير خاف عليك أن كلامهم هنا في شروط من تقبل روايته أعم من أن يكون حديثه صحيحا لذاته أو لغيره أو حسنا فلذا تركوا التقييد هنا بالتمام ليعم. ولما كانت العدالة صفة للراوي لا تعرف بمجرد إيمانه افترقت إلى معرف لها فقال المصنف "قال" أي اين الصلاح "والصحيح أن التعديل يثبت بواحد ولو امرأة على الصحيح" واستدل ابن الصلاح لما جزم به بقوله لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر

_ 1 علوم الحديث ص 138.

فلم يشترط في جرح راويه ولا تعديله بخلاف الشهادات. انتهى. قلت: وفي المسألة ثلاثة أقوال: الأول: أنه لا يقبل في التزكية إلا رجلان في رواية وشهادة حكاه القاضي أبو بكر والباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم. الثاني: أنه يكفي واحد فيهما وهو اختيار القاضي أبي بكر فإنه قال والذي يوجب القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضى ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا لشاهد ومخبر. الثالث: التفصيل فيكفي في الرواية تزكية العدل ولا بد م اثنين في الشهادة ورجحه الإمام فخر الدين والسيف الآمدي. وأقربها به أوسطها لأن التزكية من باب الأخبار ولا يشترط العدد في قبول رواية العدل. وقوله على الصحيح يتعلق بقوله ولو امرأة لأنه قد اختلف في تعديل المرأة فحكى القاضي أبو بكر عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنها لا تقبل النساء في التزكية لا في رواية ولا في شهادة وقيل تقبل مطلقا فيهما قاله صاحب المحصول واختار القاضي ذلك إلا أنه قال لا تقبل تزكيتها في الحكم الذي لا تقبل شهادتها فيه. "قال الخطيب والأصل في ذلك" أي في التزكية وقبول الواحد أو الإشارة إلى قبول الواحد فقط "سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لبربرة عن حال عائشة في حديث الأفك وجوابها عليه إشارة إلى ما وقع في حديث الأفك وجوابها عليه" إشارة إلى ما وقع في حديث الإفك وهو أن عليا رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لما استشاره سل الجارية تصدقك فسألها فقالت ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على التبر أو كما قالت. إلا أن في هذا إشكالان: الأول: في قول الخطيب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم بربرة وبربرة إنما كانت عند عائشة رضي الله عنها بعد المكاتبة ولم تكاتب إلا بعد قصة الإفك بمدة طويلة وكان العباس حين كاتبها بالمدينة ولم يقدم العباس إلا بعد فتح مكة وأين قصة الإفك من ذلك وأجب عنه أن عليا رضي الله عنه إنما قال سل الجارية فوهم الراوي وسماها بربرة بنه على هذا ابن القيم.

والثاني: أن عائشة رضي الله عنها كانت عدالتها معلومة عنده صلى الله عليه وسلم فلا تحتاج إلى تعديل وتزكية وإنما سؤاله صلى الله عليه وسلم الجارية من باب الاستثبات في باب الأخبار وقرائن الأحوال لا ليستفيد تزكية مجهول الحال التي هي مسألة الباب ولكنه أخذ منه الخطيب أنه يلزم من هذا شرعية السؤال عن تزكية من جهل حاله. "قال" مقتضى السباق أن القائل الخطيب ولم أره عنه بل في شرح الألفية لم ينسبه إلى قائل "وفي" رواية "الصغير المميز الموثوق به" الذي لم يجرب عليه كذب "وجهان" أحدهما قبوله ومن يقبله لا يشترط في قبول الرواية بلوغ الراوي "حكاهما البغوي" نسبة إلى بغشور بلدة بين هراة وسرخس والنسبة بغوي على غير قياس معرب كوشر أي الحفرة المالحة قاله في القاموس وفي طبقات الأسنوي أن محيى السنة وهوالحسين بن مسعود منسوب إلى بغي بفتح الباء وهي قرية بخراسان بين هراة ومرو "والجويني منسوب" إلى جوين كزبير كورة بخراسان وبلدة بسرخس كما فيه أيضا "والرافعي والنووي" نسبة إلى نوى وتخفض بلدة بالشام وقرية بسمر قند والنووي من الأولى كما قاله فيه أيضا "وقيد الرافعي والنووي الخلاف بالمراهق وصححا عدم القبول". هذا النقل من شرح منظومه الزين ولفظه بعد ذكر البغوي والجويني وتابعهما الرافعي إلا أنه قيد الوجهين في التيمم بالمراهق وصحح في شرح المهذب عن الجمهور عدم القبول وتبعه عليه النووي وقيده في استقبال القبلة بالمميز وحكى عن الأكثرين عدم القبول وحكى النووي في شرح المهذب عن الجمهور قبول أخبار الصبي المميز فيما طريقه المشاهدة بخلاف ما طريقه النقل كالإفتاء ورواية الأخبار انتهى. "قال" أي ابن الصلاح ومقتضى ما سبق أن القائل الخطيب وليس كذلك كما ستعرفه "ومما تثبت به العدالة الإستفاضة والشهرة فلا يحتاج" من اشتهر بها "إلى توثيق وهو الصحيح من مذهب الشافعي" قال ابن الصلاح: وعليه الإعتماد في أصول الفقه ثم قال: "وممن ذكره من أهل الحديث الخطيب" ومثل لذلك بمالك وشعبة والسفيانين والأوزاعي والليث وابن المبارك ووكيع وأحمد بن حنبل ويحيى بن معني وعلي بن المديني ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم وإنما يسأل عن عدالة من خفى أمره عن الطالبين. ولم يذكر المصنف دليل هذه الدعوى وهكذا يصنع كثيرا ولا يليق به وقد استدل

القاضي أبو بكر على ذلك أن العلم بظهور سيرتهما وظهور عدالتهما يريد الراوي والشاهد أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة في تعديله وأغراض داعية إلى وصفه بغير صفته وقد سئل أحمد عن اسحق بن راهويه فقال مثل اسحق يسأل عنه وسئل ابن معين عن أبي عبيد فقال مثلي يسأل عن أبي عبيد أبو عبيد يسأل عن الناس. "وذكر الخطيب قول ابن عبد البر إن كل حامل علم معروف بالعناية فيه فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه لقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين". التحريف التغيير والغالي من غلافي الأمر غلوا جاوز حده "وانتحال المبطلين1" من قولهم انتحله أي ادعاه لنفسه وهو لغيره والمبطل من أبطل إذا أتى بغير الحق ومعنى الحديث يبعدون عنه تغيير من يفسره بما يتجاوز فيه الحد فيخرج به عن قوانين الشرع ودعاء من يدعي فيه شيئا يكون باطلا لا يوافقه الواقع وكأنه يشير بالجملة الأولى إلى من يغير تفسير الأحاديث النبوية تعمدا أو تلبيسا وبالثانية إلى من يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بادعائه لحديث لم يحدث به ولا سمعه ينتحل باطلا. وهذا الحديث الذي ذكره المصنف "هو حديث مختلف فيه فقيل إنه مرسل أرسله ابراهيم بن عبد الرحمن العذري روى عنه معان" بضم أوله وتخفيف المهملة "ابن رفاعة" السلامي بتخفيف اللام قال في التقريب لين الحديث كثير الإرسال ويأتي كلام العلماء فيه "ورواه عن معان غير واحج ذكره الذهبي في الميزان وقد توبع معان فذكر الجلال في علله أن أحمد" يريد ابن حنبل "سئل عنه وقيل له كأنه كلام موضوع قال لا هو صحيح فقيل له ممن سمعه قال من غير واحد" فقيل له من هم "ثم رواه عن مسكين" فقال حدثني مسكين "قال لكنه قال عن القاسم بن عبد الرحمن" لفظ الزين إلا أنه يقول عن معان عن القاسم بن عبد الرحمن "قال يعني فغلط في اسم ابراهيم" فقال القاسم مكان ابراهيم "ابن عبد الرحمن" ولعله ابن عوف الزهري "قال أحمد ومعان لا بأس به ووثقه ابن المديني". قلت: قال ابن القطان خفى على أحمد من أمره ما علمه غيره ثم ذكر تضعيفه

_ 1 شرف أصحاب الحديث 53, والعقيلي 4/256, وابن عدي 1/152- 153, والموضوعات 1/31.

عن ابن معين وأبي حاتم وابن عدي وابن حبان.1هـ. "قلت: وأما ابراهيم فقال الذهبي تابعي مقل" أي قليل الرواية "ما علمته واهيا قلت: وذكر في مختصرر أسد الغابة أنه كان صحابيا والله أعلم" قلت: إن كان هوابن عبد الرحمن بن عوف فقد قال الحافظ بن حجر في التقريب قد قيل إن له رؤية. "قال زين الدين وقد روى هذا الحديث مرفوعا مسندا من حديث علي بن أبي طالب وابن عمر بن الخطاب وابن عمرو وأبي هريرة وأبي أمامة وجابر ابن سمرة رضي الله عنهم وكلها ضعيفة" تتمة كلامه لا يثبت منها شيء يقوي المرسل المذكور. قال البقاعي: وقد بقي عليه أسامة بن زيد فقد قرأت بخط بعض الفضلاء من أصحابنا أنه أورد الحافظ صلاح الدين العلائي هذا الحديث عن أسامة بن زيد مرفوعا وقال فيه حديث صحيح غريب وصححه ابن حبان قال "قال ابن عدي ورواه الثقات عن الوليد بن مسلم عن ابراهيم بن عبد الرحمن قال حدثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله قال وساق الحديث قلت: فهذه" يعني ما روى مرفوعا مسندا عن الصحابة رضي الله عنهم "شواهد تقويه وقد اختلف الحفاظ هل الصحيح وفقه أو وصله" على ثلاثة أقوال "فقال العقيلي الإسناد" أي الوصل "أولى" من الإرسال "ونازعه ابن القطان" قائلا إن الإرسال أولى من الوصل وهو ثاني الأقوال وثالثها قوله "وتوقف في ذلك ابن النحوي" المعورف بابن الملقن. "قال الزين وممن وافق ابن عبد البر على هذا من المتأخرين الحافظ ابن المواق" فإنه قال في كتابه بغية النقاد أهل العلم محمولين على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك. "وضعفه" أي استدلال ابن عبد البر بالحديث "زين الدين بوجهين" فقد أبدى البقاعي ثالثا وهو أنه لو كان خبرا لم يسمع جرح أصلا فيبقى قوله حتى يتبين جرحه مناقضا لاستدلاله "أحدهما" من حيث الرواية وهو "إرساله وضعفه" كما عرفت "وثانيهما" من حيث الدراية وهو "أنه لو كان بمعنى الخبر" عن الشارع بأن كل حامل علم عدل فخبره واجب الصدق فلو كان كذلك "لم يوجد حامل علم غير عدل" والواقع خلافه "فثبت أنه بمعنى الأمر" ولفظ الزين فلم يبق له محمل إلا على الأمر ومعناه أنه أمر الثقات بحمل العلم لأن العلم إنما يقبل عن الثقات انتهى فالمراد ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله "ويقوي ذلك" أي أنه أريد به الأمر "أنه قد ورد

في بعض طرق أبي حاتم ليحمل هذا العلم بلام الأمر" تحمل عليها رواية الخبر ولا يقال هلا عكستم لأنا نقول هنا مرجح لحمل الخبر على الأمر هو مخالفته الواقع لو حمل على الأخبار. "قلت: ويمكن الجواب على الزين" في هذا التضعيف الذي أبداه لاستدلال ابن عبد البر عن الوجهين معا. "أما الأول" وهو الإعتراض من حيث الرواية "فلا معنى للرد بالإرسال والضعف المحتمل المختلف فيه لأنها مسائل اجتهاد إلا أن يريد" أي زين الدين "أن هذا" أي إرسال الحديث وضعفه "هو المانع له إذا كان مذهبه يقتضي ذلك فصحيح وأما إن أراد منع غيره من الذهاب إلى ذلك فلا يصح له" إلا أن يثبت أن ابن عبد البر لا يعمل بالمراسيل ولا بالتضعيف المحتمل. "وأما الثاني" وهو إعتراضه لاستدلال من حيث الدراية وهو حمل الخبر على الأمر "فنقول" في جوابه "الأصل في الخبر والأكثرمن أن يقر على ظاهره" من غير صرف له عنه إلى غيره "والتأويل من غير ضرورة لا يجوز" والقول بأن الضرورة الموجبة للتأويل عدم صدق الحديث إن حمل على الأخبار مدفوع بقوله "ووجود التخصيص في مدلولات الأخبار لا يوجب صرفها من باب الأخبار إلى باب الأوامر" فيحمل الخبر على التخصيص بوجود من ليس بعدل في حملة العلم "و" لا يقال فقد تأولم الخبر أيضا كما تأوله زين الدين واتفقتم الجميع على إخراج الخبر عن ظاهره لأنا نقول "ورود التخصيص" في الأخبار العامة "أكثر من ورود الأخبار بمعنى الأمر" والتأويل بالحمل على الأكثر أو لي من التأويل بالحمل على الأقل كما ذهب إليه الزين. فإن قلت: فعلى كلام المصنف قد آل معنى الحديث إلى الأخبار بأن بعض حملة العلم عدول ولزم من مفهومه أن بعضهم غير عدول وبهذا لا يتم دليلا لابن عبد البر على مدعاه بأن كل حامل علم معروف بالعناية فيه فهو عدل. قلت: بل يتم به استدلاله وذلك لأن العام يعمل به على عمومه حتى يقوم دليل على تخصيصه فمن كان حامل علم معروفا بالعناية به فهو عدل حتى يظهر قادح في عدالته. إن قلت: الزين لم يحمله على الأمر بمجرد ما ذكر لأنه ورد بصيغة الأمر في رواية.

قلت: أجاب عنه بقوله "وأما رواية أبي حاتم فقد قدمت" خطاب للزين "أنها عندك ضعيفة" وذلك لأنه قال الزين ورواه أي حديث: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله" 1 ابن أبي حاتم في مقدمة كتاب الجرح والتعديل وابن عدي في مقدمة الكامل وهو مرسل أو معضل ضعيف انتهى. ولم يتقدم للمنصف نقل الزين تضعيفه عن أبي حاتم "ونزيدك على ذلك أنها معلولة بمخالفة جميع الرواة إذ كلهم رواه بلفظ الخبر فالوهم أبعد عن الجماعة والله أعلم" فيكون الواهم من رواه بلفظ الأمر وحينئذ فيتم الإستدلال بالحديث لابن عبد البر. "ثم إن ما ذهب إليه ابن عبد البر وابن المواق هو الذي عليه عمل الموافق والمخالف في أخذ اللغة عن اللغويين وأخذ الفتيا عن المفتين وأخذ الفقه ومذاهب العلماء عن شيوخ العلم وقد بينت ذلك في العواصم بينا شافيا فليطالع فيه" في الجزء الأول من العواصم فإنه قال بعد إيراده للحديث الأول واستيفاء الكلام عليه بما ذكره هنا ما لفظه: الأثر الثاني: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين" رواه ابن عباس وأبو هريرة ومعاوية كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عباس أخرجه الترمذي2 وقال حديث صحيح وحديث أبي هريرة ذكره الترمذي تعليقا وحديث معاوية أخرجه البخاري وإنما ذكرته هنا لئلا يظن من وقف عليه في صحيح البخاري أنه لم يرو الحديث أحد سواه وزاد الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه أنه رواه عمر وابنه عبد الله وابن مسعود وأنس. فهذا الحديث دل على أن الله أراد بالفقهاء في الدين الخير والظاهر فيمن أراد الله به الخير أنه من أهله وهو مقو للدليل لا معتمد عليه على انفراده وفيه بحث بتشعب تركناه اختصارا. الأثر الثالث: قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا وسأل عن أعبد أهل الأرض فدل عليه فسأله فأفتاه أنه لا توبة له فقتله ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل عليه فسأله فأفتاه بأن توبته مقبولة إلى آخر الحديث وفيه أنه من

_ 1 سبق تخريجه. 2 البخاري 1/27. ومسلم في: الزكاة: حديث 98, 100. والإمارة: حديث 175. وأحمد 1/306.

أهل الخير وفي قصته بعد المعرفة بالعلم أنه لم يسأل عن العدالة والحديث متفق عليه1. الأثر الرابع: أنه لما قال الله لموسى عليه السلام: "إن لنا عبدا هو أعلم منك" يعني الخضر عليه السلام فسأل موسى من الله لقاءه ليتعلم منه وسافر للقائه2 ولم يرو أنه سأل عن عدالته بعد أن أعلمه الله بعلمه مع أن من الجائز أن يكون العلام غير عامل كبلعم بن باعورا وغيره ولكنه تجويز بعيد قليل الإتفاق نادر الوقوع فلم يجب الإحتراز منه. وفي بعض هذه الآثار أثر ضعف ولكنه ينجبر باجتماعها وشهادة القرآن لها وهي الحجة الثانية وهي قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] فأمر الله سبحانه وتعالى بسؤالهم وهو لا يأمر بقبيح فدل إطلاقه على جواز سؤال العلماء على العموم إلا من عرف بقلة الدين ثم ذكر أدلة من جهة النظر وسرد خمسة أنظار دالة على ما ذكره وأتى فيها بنفائس وأطال فيها المقال والجواب والسؤال بما يقوى ما جنح إليه ابن عبد البر. واعلم أن هذا البحث جميعه مبني على المشهور في رواية يحمل إلخ أنها بفتح حرف المضارعة ونصب العلم ورفع عدوله لا على ما قاله الشيخ في النكت أن ابن الصلاح حكى في قواعد الرحلة أنه وجد حكاية مسندة إلى أبي عمرو محمد بن أحمد التميمي أنه يروي هذا الحديث بضم الياء من يحمل على أنه لما لم يسم فاعله ورفع الميم من العلم وفتح العين واللام من عدوله ومعناها أن الخلف هو العدول بمعنى عادل كما يقال شكور بمعنى شاكر والتاء للمبالغة كمما يقال رجل صرورة انتهى ومعناه على هذا يحمل عن الناس العلم من كل خلف عادل فلا يفيد ما استدل به ابن عبد البر بل هو إخبار بأنه لا يؤخذ العلم إلا ممن اتصف بالعدالة وتحقق قيامها به. "قال" أي الزين "والصحيح عندهم أن الجرح لا يقبل إلا مبين السبب" أي الصحيح من الأقوال الأربعة المعروفة: الأول: هذا.

_ 1 مسلم في: التوبة: حديث 46, 47. وأحمد 3/72. 2 البخاري في: العلم: ب 44. ومسلم في: الفضائل: حديث 170, وأحمد 5/ 118, 119.

الثاني: أنه يجب بيان سبب العدالة ولا يجب بيان سبب الجرح لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها فيبني المعدلون على الظاهر حكاه صاحب المحصول وغيره. والثالث: أنه لابد من ذكر أسباب الجرح والعدالة جميعا حكاه الأصوليون قالوا وكما أنه قد يجرح الجارح بما لا يقدح كذلك قد يوثق العدل بما لا يقتضي العدالة. والرابع: عكسه وهوأنه لا يجب ذكر سبب واحد منهما إذا كان الجارح والمعدل عالما بصيرا وهو اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن الجمهور. "وحكى الخطيب أنه ذهب إلى ذلك الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده كالبخاري ومسلم وغيرهما" قال ابن الصلاح: وهو الذي نص عليه الشافعي وقال الخطيب هو الصواب عندنا "قال ابن الصلاح: وهو ظاهر مقرر في الفقه وأصوله" ودليله ما أفاده قوله "لكثرة اختلاف الناس فيه فربما جرح بعضهم لاعتقاده أن ما جرح به مؤثر في سقوط العدالة وربما استفسر الجارح وذكر ما ليس بجرح فقد روى الخطيب عن محمد بن جعفر المدائني أنه قيل لشعببة لم تركت حديث فلان قال رأيته يركض1 على برذون فتركت حديثه2" قال الزين فماذا يلزم من ركضه على برذون قد قيل ربما يلزم منه خرم مروءته وذلك إذا كان في موضع أو حال لا يليق بذلك وعليه تحمل رؤية شعبة تحسينا للظن به لما ثبت من جلالته واتساع معرفته حتى قال الإمام أحمد إنه أمة وحدة في هذا الشأن. "وروى أبو حاتم عن يحيى بن سعيد قال أتى شعبة المنهال بن عمرو فسمع صوتا فتركه" والمنهال وثقة ابن معين والنسائي واحتج به البخاري في صحيحه "قال ابن أبي حاتم" في بيان الصوت الذي سمعه شعبة "سمعت أبي يقول إنه سمع قراءة بألحان فكره السماع منه من أجل ذلك وقد روى الخطيب بإسناده" إلى وهب بن جرير "أنه قال" قال شعبة أتيت منزل المنهال بن عمرو "فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت فقيل له" أي لشعبة "ألا سألت عنه؟ ألا تعلم ما هو" لعله كان المنهال غير عالم بذلك في منزله ويحتمل أن لا نعلم أنت ما هو فلعله غير طنبور قيل الورع ما فعله شعبة.

_ 1 يركض على برذون: الركض هو استحثاث الدابة بالرجل لتعدوا. وبرذون: بكسر الموحدة وذال معجمة الجافي الخلقة والجلد على السير في الشعاب والوعر من الخيل غير العربية وأكثر مايجلب من الروم. فتح المغيث 2/21. 2 الكفاية ص 111, وتدريب الراوي 1/306.

لأن الطنبور لا يضرب في بيت أحد لا يعلمه وذلك مما يخرم المروءة إن لم يكن فسقا. "قال" الخطيب "وروينا عن شعبة أنه قال قلت: للحكم بن عتيبة لم ترو عن زاذان قال كان كثير الكلام" يحمل ذلك على أنه فيما لا يعنيه فيكون خرما للمروءة وزاذان قال ابن حبان في الثقات كان يخطيء كثيرا. انتهى. وقال أحمد بن حميد الداري حدثنا جرير فقال المصنف "وعن جرير أنه قال رأيت سماك بن الحارث" في شرح الزين بن حرب "يبول قائما فلم أكتب عنه" يحمل على أنه في مكان يخرم المروءة البول فيه فهذه أمثلة لما استفسر الجارح عن جرحه ففسره بما ليس بجرح. واعلم أنه لا تصريح من المفسرين المذكورين بأنهم جرحوا من ذكر إذ شعبة لم يجرح من رآه يركض على برذون بل قال تركت حديثه ولم يجرحه وكأه رأي ذلك من خوارم المروءة وأنه يفسرها بسيرة أمثاله وأن مثل ذلك الرجل لا يركض على برذون وكذلك من سمع في بيته صوت الطنبور لم يجرحه بل قال كره السماع منه وكذلك من رآه كثير الكلام ولا شك أن هذا تعمق ومبالغة. "وقد عقد الخطيب لهذا بابا في الكفاية" كما حكاه الزين في شرح ألفيته. "قلت: أكثر من هذا الإختلاف في العقائد" فإنها فرقت كلمة العباد وأورثت بينهم التعادي إلى يوم المعاد في مسائل أكثرها أو كلها ابتداع لم يقع لها ذكر في سلف الأمة التي يجب لها الإتباع كمسألة خلق القرآن أو قدمه والقول يخلق الأفعال أو عدمه. "ثم إن العداوة أمر زائد على مجرد اعتقاد الخطأ واعتقاده التكفير فإن العداوة إذا وقعت بين مؤمنين متفقي العقيدة لم يقبل كلام أحدهما في الآخر كيف أمر العقائد؟! " فإن التعادي عليها عظيم بل سفكت بسببها الدماء وهتكت المحارم وارتكبت القبائح بسببها والعظائم كما يعرف ذلك من له إلمام بكتب التاريخ والرجال وتطلع إلى معرفة الحقائق والأحوال "لا سيما في حق المتعاصرين ولا سيما في حق المتجاورين فقد جرح بذلك" أي بأمر العقائد "خلق كثير" بل أكثر ما تجد الجرح في كتب الرجال يكون بالرفض والنصب والغلو في التشيع والقول يخلق القرآن وكل ذلك من مسائل الاعتقاد "ووقع في الجرح به عصبية في الجانبين لا سيما من كان داعية إلى مذهبه فإنه يبغض ويحمل على الوقيعة فيه".

اعلم أن في المقام بحثين: الأول: أن أصل الكلام هنا في أنه لا يقبل الجرح إلا مبين السبب وهذا الذي ذكره المصنف من اختلاف العقائد بحث آخر فإنه لا يقبل الجرح من المتعاديين مجملا ولا مفسرا لمانع العداوة. والبحث الثاني: في قوله سيما في حق المتعاصرين فإنه لا يعرف حال الشخص بجرح أو عدالة إلا من عاصره ولا طريق إلى العلم بأحواله لمن في عصره ممن غاب عنه ولمن يأتي بعده إلا من المعاصرين له إذ من قبلهم لا يعلمون وجوده ومن بعدهم لا يعرفونه إلا بنقل الأخبار عمن عاصره وشاهده وجالسه وأخذ عنه. وقد سبق المصنف إلى مثل كلامه الحافظ الذهبي فإنه قال في الميزان في ترجمة أحمد بن عبد الله بن أبي نعيم ما لفظه كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ولا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجومنه إلا من عصم الله وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهل من ذلك سوى النبيين والصديقين فلو شئت سردت من ذلك كراريس انتهى قال ابن السبكي قد عقد ابن عبد البر في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدأ فيه بحديث الزبير "دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء" انتهى1. وفيه البحث الذي عرفته فالأولى أن يناط رد كلام المتعاصرين بعضهم في بعض بمن يعلم بينهما مانع من عداوة أو تحاسد أو منافسة أو نحوها ممايقع بين الأقران وقد أطلنا في ذلك في ثمرات النظر في علم الأثر فليطالع. قلت: ومن أمثلة القدح بالمخالفة في الأعتقادات قول بعضهم في البخاري إنه تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ قال ابن السبكي فيالله ويالمسلمين أيجوز لأحد أن يقول البخاري متروك وهو حامل لواء الصناعة ومقدم أهل السنة والجماعة مع أن الحق في مسألة اللفظ معه إذ لا يتسريب عاقل أن تلفظه من أفعاله الحادثة اليت هي مخلوقة لله وإنما أنكرها الإمامأحمد لبشاعة لفظها انتهى. "والسبب الثاني" لم يتقدم له ذكر الأول إلا أن ما قدمه من ذكر العقائد هو مقابل لما ذكره ثانيا فكأنه ذهب وهمه إلى أنه ذكر سببين الأول اختلاف العقائد والثاني:

_ 1 أحمد 1/165, 167. والبيهقي 10/232. وجامع بيان العلم 2/150.

"التضعيف بالوهم والخطأ" أي بكون الراوي واهما أو مخطئا فإنه قد أطلق عليه بسبب ذلك الضعف. "فبسبب هذين الأمرين أطلق كثير من المحدثين اسم الكذاب على من هو كاذب في اعتقاده أو غالط في بعض روايته لأن اسم الكذب يتناوله" أي الواهم في روايته والغالط فيها "في اللغة وإن كان العرف يأبى ذلك" فإن الكذب فيه ما كان عن عمد "حتى قوي عندي أن قولهم" أي المحدثين "فلان كذاب من جملة الجرح المطلق الذي لم يبين سببه والله أعلم" قد تقدم للمصنف مثل هذا إلا أنه قيده هنالك بقوله إن قول المحدثين فلان كذاب من قبيل الجرح المطلق الذي لم يفسر سببه فيتوقف فيمن هذه حاله حتى يعرف السبب فقيده بمن حاله كحال ثابت البناني إذ كلامه هنالك في سياق ذكره فإنه قال فهذا يحيى بن معين يطلق ذلك أي الكذب على ثابت الورع الزاهد ولم يتعمد شيئا من ذلك بل لم يظهر منه كثرة الخطأ انتهى إذا عرفت هذا فكلامه هنا مطلق يقيده ما مضى. هذا هو الصحيح في الجرح وأنه لا بد من ذكر سببه بخلاف العدالة كما قال وأما العدالة فلا يجب علىمن يعدل غيره "ذكر سببها لأنه يؤدي إلى ذكر اجتناب جميع المحرمات وفعل جميع الواجبات كما أشار إليه الزين" حيث قال إن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول ليس يفعل كذا ولا كذا ويعد ما يجب عليه تركه ويفعل كذا وكذا فيعد ما يجب عليه فعله فيشق ذلك ويطول تفصيله "وكما بينته في العواصم" فإنه قال فيها بعد سرده لوجوه أربعة في الاستدلال على ذلك خامسها وهو الوجه المعتمد أنما هذه الوجوه المتقدمة شواهد له ومقويات وهو أن اشترط التفصيل في التعديل إلى ذكرا اجتناب المعدل المحرمات وتأديته لجميع الواجبات على مذهب المعدل في تفسير العداله فإن كان ممن يشدد ذكر ذلك كله وإن كان ممن يترخص ذكر اجتنابه لجميع الكبائر معددا لها ولجمبع معاصي الأدنياء الدالة على الخسة وقلة الحياء وقلة المبالاة بالدين فيقول المعدلل مثلا إن فلانا ثقه عندي لأني شاهدته يقيم الصلوات الخمس ويحافظ عليها ويصوم رمضان ويؤدي الزكاة يودي فريضة الحج إن كان ممن تلزمه هاتان الفريضتان ويذكر أنه يشهد أن لا إله إلا الله وإن محمدا رسول الله وأن الله عالم قادر ويعدد سائر الصفات الذاتيه والمقتضاة وإنه يسحقها لذاته لا لمعنى ويذكر جميع ما يتعلق باعتقاده من مسائل الوعد والوعيد

والإمامة والبر والولاء ثم ساق في تعداد ذلك ثم قال وغير ذلك مما لايكاد الانسان يحصيه مع التأمل الكثير وما زال المسلمون يعدلون الشهود ويعدلون حملة العلم والرواة من أول الاسلام إلى يوم الناس هذا ما نعلم أن أحدا منهم عدل على هذه الصفة ولاما يقار بها ولاما يدانيها ولا نعلم أن أحدا طلب هذا من المعدلين ولاثلثه ولاربعه وعمل القضاة مستر إلى يوم الناس على الإكتفاء بالتعديل الجملى انتهى. قلت: وسره أن العداله وصف ملتم من أمور كثيرة وضع لفظ عدل بازائها فكان القائل فلان عدل قال فلان آت بكل ما يجب مجتنب لما يحرم ولذا يشترط في المعدل أن يكون عالما بأسباب العدالة بخلاف القدح فإنه شيءواحد لأنه عبارة عن شيء خرم العدالة فلا يعسر ذكره ولايتعين ما هو حتى يعرب عنه قائله ولايشترط في قائله المعرفة بأسباب القدح فإنه لو قال من يجهل أن السرقة حرام إن فلانا رأيته يسرق كان قدحا وقد عرفت معنى قوله "وهذا شيء لم ينقله أحد من الأمة أبدا ولأنها" أي العدالة "الأصل في أهل الإسلام". اعلم أن هذه مسأله خلاف بين الأمة منهم من ذهب إلى أن الأصل الفسق مهر لذي ذهب إليه العضد وصرح به شرح مختصر ابن الحاجب وتبعه عليه الآخذون من كتابه مسدلين بأن العدالة طارئة وبأن الفسق أغلب وقد حققنا في ثمرات النظر أن الأصل أن كل مكلف يبلغ سن التكليف على الفطرة كما دل حديث "كل مولود يولد على الفطرة" 1 وفي معناه عدة أحاديث وفسر به قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] فإن بقى عليها من غير مخالطه بمفسق وأني بما يجب فهو عدل إلى فطرته مقبول الرواية وإن لابس مفسقا فله حكم مالا بسه. وقد أشار سعد الدين في شرحه على شرح العضد إلى هذا وتعقبه صاحب الجواهر بما ليس بجيد وقد ذكرناه هنالك وقد استدل لهم بأن الأصل الفسق بأنهالغالب ولكنه قيده بعضهم بأن هذه الأغلبية إنما هيي في زمن تبع التابعين لافي رمن الصحابة والتابعين وتابعيهم لحديث: "خير القرون قرنى ثم الذين يلوبهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب" 2 وعلى هذا التقييد يتم القول بأن الأاصل أي الأغلب الفسق

_ 1 البخاري 2/125, وأبو داود 4714, 4716. وأحمد 2/233. 2 الترمذي 2302, 2303. والخطيب 2/53.

في القرون المتأخرة فلا يؤخذ الحكم كليا بأن الأصل الإيمان ولابأن الأصل الفسق بأن يقال في الأول إنه الأصل في القرون الثلاثه وفي الثاني إنه الأصل فيما بعدها. وقد استدل الجلال في نظام الفصول على أن الأصل هو الفسق بقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] . قلت: ولا يخفى أنه غير صحيح إذ المراد من الآيات أن المؤمنين قليل بالنسبة إلى المسلمين الذين ليسوا بعدول وكذلك تفريعه عليه بأنه يحمل الفرد المجهول على الأعم الأغلب وهو أنه يحمل المسلم المجهول العدالة على الفسق غير صحيح لأنه ليس لنا أن تفسق مسلما مجهول العدالة لأجل أن الإغلب الفسق لأن هذا تفسيق بغير دليل من نص أو قياس مع قولهم لا تفسيق إلا بقاطع بل نقول يبقى المسلم المجهول العدالة على الإحتمال لا ترد خبره حكما بفسقه ولا نقبله حكما بعدالتته بل يبقى على الاحتمال حتى يبحث عنه ويتبين أي الأمرين يتصف به وينبغي أن يكون هذا مراد من يقول بأن الأصل الفسق وقول المصنف إن الأصل العدالة يقتضي أنه لا يحتاج على تعديل لأنه لا حاجة إليه إذ كون ذلك هو الأصل كاف. وفي قوله "فتقوت" أي العدالة "وترجحت بأدنى سبب" وهو التعديل المطلق مايؤيد ذلك التأصل لأنه لا حاجة إلى التعديل إلا لتقوية الأصل كما يؤيده قوله "ولهذا قال جماعة بقبول المجهول ونقل إجماع الصحابة على قبول مجاهيل الأعراب وقبل علي عليه السلام من اتهمه بعد يمينه وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابيين في شهادتهما على الهلال وقد استوفيت هذا المعنى في العواصم". وذلك أنه لما قدح السيد علي بن محمد بن أبي القاسم على المحدثين بقبولهم المجهول حاله من الصحابة أجاب عنه المصنف رحمهما الله بأجوبة أحدها أن قبول مجهول الصحابة ليس مذهبا يختص به المحدثون بل هو مذهب مشهور منسوب إلى أكثر طوائف الإسلام إلى الزيدية والحنفية والشافعية والمعتزلة وغيرهم من أكابر العلماء. أما الزيدية فنسبه إليهم علامتهم بغير منازعة الفقيه عبد الله ابن زيد في كتاب الدرر في أصول الفقه ولفظة فيها إن مذهبنا قبول المجهول قال المصنف هكذا على

الإطلاق صحابيا كان أو غير صحابي وهو أكثر تسامحا من كلام المحدثين واحتج بقبوله صلى الله عليه وسلم للأعرابين في رؤية الهلال وبغير ذلك. وأما الحنفية فمشهور عنهم. وأما الشافعية فنسبه إليهم المنصور بالله في كتاب الصفوة وغيره. وأما المعتزلة فذكره الحاكم أبو الحسين ولفظه في المعتمد ولا شبهة أن في بعض الأزمان كزمن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت العدالة منوطة بالإسلام وكان الظاهر من المسلم كونه عدلا ولهذا اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في قبول خبر الأعرابي عن رؤية الهلال عىل ظاهر إسلامه واقتصرت على إسلام من كان يروي الأخبار من الأعراب انتهى. ففي كلام إجماع الصحابة على قبول المجهول من الصحابة بل من الأعراب وحديث الأعرابيين معروف أخرجه أهل السنن الأربعة وابن حبان والحاكم وأما قوله وقبل علي عليه السلام فهو إشارة إلى ما أخرجه المنصور بالله وأبو طالب أنه عليه السلام كان يستحلف بعض الرواة فإن حلف صدقة وقال الحافظ الذهبي هو حديث حسن قال المصنف والتحليف ليس يكون للمخبورين المأمونين وإنما يكون لمن يجهل حاله ويجب قبوله فيتقوى عليه السلام بيمينه طيبة لنفسه وزيادة في قوة ظنه ولو كان المستحلف ممن يحرم قبوله لم يحل قبوله بعد يمينه وهذا أعظم دليل أنه عليه السلام إنما اعتبر الظن في الأخبار انتهى. قوله وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابيين يشير إلى حديث ابن عباس رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال, يعني رمضان فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله؟ ", قال: نعم, فقال: "يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا", تقدم من أخرجه إلا أن هذا الأعرابي واحد وهذا هو الذي ذكره المصنف ونسبه إلى من ذكرناه إلا أنه قال ابن حجر: في التلخيص قال الترمذي إنه مرسل قال النسائي وهوأولى بالصواب وسماك إذا تفرد بأصل لم يكن حجة انتهى. وأما قصة الأعرابيين فأخرجها أبو داود عن رجل من الصحابة وفيها أنه قدم أعرابيان فشهدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله لأهلا الهلال ورأياه أمس عشية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا. 1هـ. "إذا عرفت هذا" أي أنه لا يقبل الجرح إلا مبين السبب "فاعلم أن ابن الصلاح أورد

سؤالا حسنا فقال ما معناه إنا إن لم نقبل الجرح المطلق أسند باب الجرح لأن عبارات الأئمة في كتب الجرح والتعديل" لا حاجة إلى ذكر التعديل كما لا يخفي مطلقة في الغالب إذ مبين السبب قليل جدا. "وأجاب" ابن الصلاح "عن ذلك بما معناه إنا لم نقل إن من جرح من غير تفسير للسبب فهو يحتج به" حتى يلزم أنا لم تقبل جرحا إلا مبين السبب "بل نقول إما أن نبحث عن حاله" أي حال من حرح جرحا مطلقا عن السبب "ونبين ثقته وإتقانه" بعد البحث عنه "بحيث تضمحل تلك الريبة التي حصلت من إطلاق الجرح حكمنا بثقته" لفظ ابن الصلاح وجوابه أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به فقد اعتمدناه في أنا توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك بناء على أن مثل ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف ثم إن من زاحت عنه تلك الريبة منه بالبحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثهه ولم نتوقف ثم قال ما معناه "مثل بعض رجال الصحيحين الذي مسهم مثل هذا الجرح" الذي لم يبين سببه "فافهم ذلك فإنه مخلص حسن وإلا" يحصل لنا بالبحث ثقته وإتقانه "توقفنا في حاله" فلا نحكم له ولا عليه أما الأول فلأنه وإن كان الأصل العدالة فقد أوجب الجرح الجملى التوقف في حاله فقت في عضد ذلك الأصل وأما إذا قلنا الأصل الفسق فأوضح "ويترك حديثه لأجل الريبة القوية" الحاصلة من القدح الجملى "لا لأجل ثبوت الجرح". واعلم أن هذا يشعر بأن البخاري لم يكن في رواته من قدح فيه إلا بقدح مطلق وقد تقدم للمصنف ذلك وأن الذي خرج لهم البخاري ممن قدح فيهم ليس إلا قدحا مطلقا عن بيان السبب وقرره هنا وليس بصحيح وقد بينا في ثمرات النظر خلافه ونقلنا كلام أئمة الجرح والتعديل في جماعة من رواة الشيخين قدحا مبين السبب وعرفه بما في عكرمة. "قلت: وترك ابن الصلاح القسم الثالث وهو أن يبحث فتظهر صحة الجرح وإنما تركه لظهور الحال فيه" وهو أنا قد تركنا قبول حديثه قبل البحث فبعد ظهور صحة القدح تركه بالأولى فرجال الحديث كالحلال البين والأمور المشتبهات وكلام ابن الصلاح في رجال الحديث ويجري مثله في الحديث وأن تضعيفه المطلق يوجب ريبة فيه وترك العمل به حتى يظهر سبب ضعفه ون هنا نعلم أن معنى قولهم لا يقبل الجرح إلا مفسرا أي لا يعمل به في الرد إلا مفسرا لا أنه لا يقبل مطلقا وأنه لا

حكم له بل له حكم هو ثبوت الريبة وتركه. قال الزين "ولما نقل الخطيب عن أئمة الحديث أنه لا يقبل الجرح إلامفسرا قال فإن البخاري احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم والجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس في التابعين" هذا مثال لمن خرج البخاري حديثه ممن قدح فيه قدحا مطلقا ولكنه غير صحيح. ففي الميزان بسنده عن جرير بن يزيد قال دخلت على علي ابن عبد الله بن عباس فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش فقلت: له ألا تتقي الله قال أن هذا الخبيث يكذب على أبي قال وروى عن ابن المسيب انه كذب عكرمة ثم أخرج بسنده عن أيوب عن عكرمة قال أنزل متشابه القرآن ليضل به قال الذهبي قلت: ما أسوأها عبارة وأخبثها بل أنزله ليهدي به ويضل به الفاسقين وأخرج عن محمد بن سيرين أنه قال في عكرمة ما يسوءني أن يكون من أهل الجنة ولكنه كذاب وساق كلمات العلماء في جرحه مفسرا شيئا كثيرا. فلا يتم هنا ما قدمه المصنف أن الكذب من الجرح المطلق فإنه لم يرد على بن عبد الله بن عباس وابن سيرين إلا الكذب حقيقة كما تفيده عبارتهما وقد وثق عكرمة أمة من الناس قال ابن منده أما حال عكرمة في نفسه فقد عدله أمة من التابعين زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم وهذه منزلة لا تكاد توجد لكبير أحد من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه قال ابن عبد البر عكرمة من جملة العلماء ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري كلام الناس فيه قدحا وتوثيقا ثم قال أنه لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه بعد ما ثبت له من الرتب السنية. "وإسماعيل بن أبي أويس في المتأخرين" قال الحافظ ابن حجر: لم يخرج عنه البخاري في الصحيح سوى حديثين مقرونا بغيره في كلمنهما قال ابن معين في إسماعيل هو وأبوه يسرقان الحديث قال الدولابي الضعفاء سمعت النصر بن سلمة الموزى يقول كذاب كان يحدث عن مالك بمسائل وهب قال ابن معين إسماعيل بن أبى أويس يسوى فليس ثم فليس اهـ زاد الزين نقلا عن الخطيب وأما قثم بن على وعمرو بن مرزوق في المتأخر ين عن التابعين. "قلت: إسماعيل هذا قد أكثر القاسم عليه السلام" أي ابن إبراهيم المعروف بالرسى

"من الراوية عنه كما ذلك ظاهر في كتاب الأحكام" الذي ألفه حفيده يحيى بن الحسين الهادي لأنه يرويه عن جده عن إسماعيل قال المصنف في العواصم وغالب رواية القاسم في كتابه الأحكام تدور على الأخوين إسماعيل وعبد الحميد أبي ابنى عبد الله بن أبي ويس عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده. "قال الخطيب وهكذا فعل مسلم" وتمام كلامه كما في شرح الزين فإنه أى مسلم إحنج بسويد بن سعيد وجماعة غيره إشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم قال وسلك أبو داود هذه الطريقة وغير واحد ممن بعده. "ثم روى" ظاهر أن الراوي الخطيب لقوله: "عن الجويني والرازي والخطيب وغيرهم" ولايصح وكأنه سقط من النسخة التى عندي ثم روى الزين فإن هذه الرواية رواها الزين فإنه قال: قلت: وقد قال أبو المعالي ... واختاره تلميذه الغزالي وابن الخطيب الحق أن نحكم بما ... أطلقه العالم بأسبابهما قال في شرحه: هذا من الزوائد على ابن الصلاح وذلك أن إمام الحرمين أبا المعالى الجوينى قال في كتاب البرهان الحق أن المزكى إن كان عالما بأسباب الجرح والتعديل إكتفينا بإطلاقه وإلا فلا الذي وهو الذي إختاره أبو حامد الغزالى والأمام فخر الدين بن الخطيب إلا أنه لا يخفى أن الذيفي كلام المصنف الخطيب والذي في كلام الزين بن الخطيب فينظر "أنهم صححوا الإكتفاء بالجرح المطلق من الثقه البصير بموقع الجرح العارف بإختلاف الفقهاء قبله قلت: هذا يقوى إذا عرف مذهبه على النفصيل في جميع ما يمكن وقوع الخلاف فيه من مسائل الباب فلمن وافقه في مذهبه قبوله دون من خالفه". قال الزين وممن إختاره من المحدثين أيضا الخطيب فقال بعد أن فرق بين الجرح والتعديل في بيان السبب على أنا نقول إن كان الذي يرجع إليه في الجرح عدلا مرضيا في إعتقاده وأفعاله عارفا بصفة العدلة والجرح وأسبابهما عارفا بإختلاف الفقهاء في أحكام ذلك قبل قوله فيمن جرحه مجملا ولا يسأل عن سببه انتهى وفي نقل المصنف بعض إيهام لمن تأمله. قال ابن السبكى في الطبقات: ولنختم هذه القاعده وهي قاعدة الجرح والتعديل بفائدتين عظيمتين لايراهما الناظر في غير كتابنا هذا:

إحداهما: أن قولهم إنه لايقبل الجرح إلامفسرا إنما هو في جرح من ثبتت عدالته واستقرت فإذا أراد رافع رفعها بالجرح قيل له ائت ببرهان على هذا وفي حق من يعرف حاله لكن ابتدرةجلرحان ومز كيان فيقال إذ ذاك للجارحين فسرا مارميتماه به أما من ثبت أنه مجروح فيقبل قول من أطلق جرحه لجريانه على الأصل المقرر عندنا ولا نطالبه بالتفسير إذ لافائدة في طلبه. قلت: بل الظاهر أنه لايجوز لنا طلب تفسيره لانه تفكه بعرضه بنير غرض ديني ثم قد أحسن بالتعبير بقوله أراد رافع رفعها فلا بد من التفسير فإنه إذا أطلق لم يرفعها لكنه يوجب توقفاوريبة. قال والفائدة الثانية: أنا لا نطلب التفسير من كل أحد بل إنما نطلبه حيت يحنمل الحال شكا إما في إمالاختلاف في الإعتماد أولتهمة يسيرة في الجارح أو نحو ذلك مما يوجب سقوط قول الجارح ولاينتهى إلى الإعتبار به على الإطلاق بل يكون بين أما إذا إنتفت الظنون وإندفعت التهم وكان الجارح خيرا من أاخيار الأمة مبرأ عن مظان التهمة وكان المجروح مشهورا بالضعف متروكا بين النقادفلا يتعلعم عند جرحه ولا يحوج الجارح إلى تفسير بل طلب التفسير منه والحال هذه طلب لغيبه لا حاجة إليها. فنحن نقبل ابن معين في إبراهيم بن ثعيب شيخ روى عنه ابن وهب أنه ليس بشيء وفي إبراهيم بن الميني أنه ضعيف وفي الحسين بن الفرج الخياط أنه كذاب يسرق الحديث وعلى هذا وإن لم يتبين الجرح لأنه مقدم في هذه الصناعه جرح جماعه غير ثابتي العدالة. قلت: كأنه يريد بقبوله أنه يوجب توقفا وعدم قبول لحديث من اطلقجرحه لا أنه يحكم على من جرحه ك1لك أنه ليس بعدل وأنه مجروح. قال ولا يقبل في الشافعي ولو فسر وأتى بألف إيضاح لقيام القاطع بانه غير محق بالنسبة إليه انتهى. واالمصنف قد ألم بشيء من هذا قوله "ثم ذكر مسألة تعارض الجرح والتعديل وذكر الخلاف" فيها وأن فيها ثلاثة أقوال: الأول: أن مقدم مطلقا وأن كثير المعدلون نقله الخطيب عن جمهور العلماء وقال ابن الصلاح: إنه الصحيح وصححه الأصوليون كالإمام فخر الدين والآمدى.

واستدلوا بأن مع الجارح زيادة علم يطلع عليها المعدل ولأن الجارح مصدق للمعدل فيما أخبرربه عن ظاهر حاله إلا أنه يختبر عن أمر خفى على المعدل. الثاني إن كان عدد المعدلين أكثر قدم المعدلون ووجهه أن كثرة المعدلين تقوى حالهم وتوجب العمل بخبرهم وقلة الجارحين تضعف خبرهم وتعقب بأنه خطأ لأن المعدلين وإن كثروا ليسوا يختبرون عن عدم ما أخبربه الجارحون ولو أخبروا بذلك لكانت شهادة باطلة على نفى. الثالث ما أشار إليه المصنف بقوله "والصحيح الختار الترجيح وذلك لأن الجرح إما أن ينسب إلى من لايحتمله أو لا" أى لاينسب إلى من لايحتمله "إن نسب إلى من لايحتمله من كبار الأئمة والعلماء والصالحين لم يقبل" ووجه عدم قبول خبره وهو ثقه قوله "لأن الخبر إنما يقبل من الثقة لرجحان الصدق" فيما أخبر به "على الكذب" ولنا كان ترجيح صدقه إلى كذبه دعوى و'لا فإن خبره يحتمل الأمرين على السواء "وإنما يرجح صدق الثقه لما ظهر عليه من أمارات الخير" وهي ما شر طناه فيه من وجود صفات العدالة "فإنا نستبعد صدور الكذب من الثقة" فلذا رجحنا صدق خبره. "فاذا جاء هذا الثقة ونسب إلى من هو أوئق منه ما هو حق الأوثق أبعد من تجويز الكذب على ذلك الثقه" الرامي للأوثق "بمراتب عظيمة فانا حينئذ إن قبلنا الثقه الجارح حملا له على السلامة فقد تركنا حمل المجروح الذي هو أوثق منه على السلامة" فان قد قبلتموه من حيث إنه أرجح فكيف تردونه والأرجحية باقية فقال "وإن قبلناه" في جرحه لمن يحتمل ذلك "من أجل أنه أرجح فقد صاؤ في هذه الصورة" حيث جرح من لايحتمل ذلك "مرجوحا" لرميه من هو أوثق منه "ولو سلمنا أنه أرجح ام تكن هذه صورة المسأله المفروضة" إذ هي مفروضة في من هو أوثق منه. "ومثال ذلك أن يقول من ثبتت عدالته بتعديل عدل أو عدلين لاسوى إن زين العابدين على الحسين رضوان الله عليهم كان يتعمد وضع الحديث أو يأي إحدى الكبائر المعلوم كبرها أويطرح مثل ذلك على غيره من التابعين أوالزهاد العلماء مثل سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وإبراهيم بن أدهم ومن فوق هؤلاء أو قريب منهم بحيث يغلب على الظن أن الكذب إلى المتكلم عليهم أقرب في الظن من صحةما ادعى عليهم ومن ذلك كلام النواصب" كالخواح وغيرهم "في على عليه السلام وكلام الروافض في أبي بكر ةعمر وعثمان رضى الله عنه وكلام" عمرو بن بحر "الجاحظ"

المعتزلى "والنظام" من كبار المعتزله "في حماعة من كبار الصحابة رضى الله عنهم". قلت: وكذلك عمرو بن عبيد فإنه قال الذهبي في ترجمته في الميزان إنه قال لو شهد عندي علي وطلحة والزبير وعثمان رضي الله عنهم على شراك نعل ما قبلت شهادتهم. ولما كانت القاعدة المعروفة عند أئمة الحديث والأصول أن الجارح أولى وإن كثر المعدل ينافي هذا الكلام. قال المصنف "وأما قولهم" في الاستدلال على هذه القاعدة "إن الجارح أثبت ما لم يعلم به المعدل" والمثبت أولى هنا لأنه علم ما لم يعلمه غيرره "فلا يرد هنا" إذ الدليل المذكور تعارض الجرح والتعديل وليس الأمر هنا كذلك "لأنا هنا لم نعارض بين من جرح ومن عدل بل بين من جرح ومن هو معلوم العدالة الظاهرة مظنون العدالة الباطنة ظنا مقاربا أو معلوما" في العبارة تسامح "بالإمارات كجوع الجائع" فإنه أمر باطني قد نعلمه بالأمارات "بل لم نأخذ عدالة هذا الجنس من معدل حتى تعارض بينه وبين الجارح بل اضطررنا إلى العلم بها بالتواتر". ومن هنا تعلم أن القاعدة المعروفة إنما هي فيمن عرفت عدالته بأقوال المعدلين وجرحه بجرحهم قال ابن السبكي إن الجارح لا يقبل جرحه ولو فسره فيمن غلبت طاعته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه من تعصب مذهبي ومنافسة دنيويو كما يكون من النظراء أوغير ذلك فتقول مثلا لا يلتفت إلى كلام ابن أبي ذؤيب في مالك وابن معين في الشافعي والنسائي في أحمد بن صالح فإن هؤلاء أئمة صالحون صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صح لتوفرت لدواعي على نقله وكان القاطع قائما على كذبه فيما قاله. "وقد أحسن ابن الحاجب حيث قال في كتابه في الفروع في هذا المعنى ويسمع التجريح في المتوسط العدالة باتفاق فقيد سماعه بالمتوسط دون أهل المرتبة الرفيعة" والمراد بالسماع العمل بما يسمع وأما في مختصره في أصول الفقه فإنه اختار تقديم الجارح من غير تقييد فهذا الذي ذكره المصنف عنه فيمن لا يحتمل ما نسب إليه من الجرح. وأما من يحتمله فإنه قد أشار إليه بقوله "وأما إن تعارض الجرح والتعديل في من

دون هذه الطبقة الشريفة بحيث يكون صدق الجارح أرجح وأقرب من كذبه ويكون صدور الجرح من المجروح أرجح من كذب الجارح وأقرب" فهذان قسمان: الأول: "فأما أن يكون الجرح مطلقا" عن بيان السبب "أو" يكون "مبين السبب إن كان مطلقا لم نحكم بصحته" وإن أورث ريبة وتوقفا "وبحثنا عن حال المجروح فإن تبين" بالبحث "وترجح أحد الأمرين حكمنا به وإلا وقفنا في حاله كما تقدم" من كلام ابن الصلاح "لأن الجارح" هنا "وإن كان صدقه" أي الجارح "أرجح" فإنه لا ينافي توفقنا "فلم ندر ما الذي ادعى" من جرحه "حتى نصدقه فيه" لأنه أتى بجرح مجمل يحتمل توفقنا فيه تصديقا وتكذيبا. والقسم الثاني: ما أفاده قوله "وأما إن بين" الجارح "السبب" الذي جرح به "نظرنا في ذلك السبب وفي العدل الذي ادعى عليه ونظرنا أي الجوائز" الأمور الجائز وقوعها في حقه "أقرب" للحكم به "فإن افتضت القرائن والأمارات والعادة والحالة من العداوة ونحوها أن الجارح واهم في جرحه" بجعله ما ليس بجارح جارحا "أو كاذب" في جرحه "أو غاضب" على من جرحه "رجح له التغضب عند سورته" بفتح المهملة وسكون الواو شدته "قرينة ضعيفة فقال بمقتضاها ونحو ذلك قدمنا التعديل" لعدم نهوض القادح على رفعه. "وإلا" يحصل ما ذكر "قدمنا الجرح والمنازعون هنا إما أن يكونوا من الأصوليين أو من المحدثين إن كانوا من الأصوليين فالحجة عليهم أن نقول أنتم إنما قدمتم الجرح المبين السبب لأنه أرجح فقط إذ كان القريب في المعقول أن الجارح يطلع على ما لم يطلع عليه المعدل" قطعا إذ لو اطلع المعدل على الأمر القادح وعدل مع علمه به عد غير عدل فلا يقبل تعديله والفرض خلافه "وفي قبوله" أي الجارح "حمل الجارح والمعدل على السلامة معا" وتصديقهما معا لأن المعدل يقول مثلا أنا لا أعلم فسقا ولم أظنه والجارح يقول أنا علمت فسقا لو حكمنا بعدم فسقه كان الجارح كاذبا وإذا حكمنا بصدقه كانا معا صادقين "ولم يقدموا" الأئمة "الجرح لمناسبة طبيعية بين اسم الجرح الذي حروفه الجيم الراو الحاويين صدق من ادعاه" الجارح "وحينئذ" أي حين إذ عرفت هذا "يظهر أن العبرة" يعني في تقديم هذا النوع من الجرح "بالترجيح فإن هذا الذي أوجب عندكم تقديم الجرح نوع من الترجيح" وهو رجحان الجمع بين صدق الجارح والمعدل. "فإذا انقلب الحال في بعض الصور وقامت القرائن على أن التعديل أقوى في ظن

الناظر في التعارض هل كان منكم أو من غيركم فيما يقتضي النظر هل يعمل بالراجح عنده فذاك الذي قلنا أو بالمرجوح عنده فترجيح المرجوح على الراجح خلاف المعقول ولا منقول هنا يوجب طرح المعقول" هذا إذا كانت المناظرة في المسألة مع أهل الكلام والأصول. "وإن كان المخالف من المحدثين قلنا له" في المناظرة "أليس قد ثبت عندكم أن خبر الثقة بحديث معين مبين إذا أعل بعلل كثيرة أو علة واحدة يحصل معها" مع العلة واحدة كانت أو متعددة "للنقاد ظن قوي بوهم ذلك الثقة" فيما أخبر به فليس كل ثقة يقبل خبره "فإن ذلك يقدح في خبره بأمر معين فكذلك خبره بالجرح المبين" السبب "إنما هو خبر بأمر معين فإذا أعل بما يقتضي وقوع الوهم فيه أوالعصبية أو القول عن الأمارات الضعيفة فإن ذلك يقدح فيه" أي في خبره بالجرح المبين السبب. "ومن أمثلة ذلك على كثرتها قول مالك" الإمام المعروف "في محمد بن اسحق" صاحب السيرة "إنه دجال من الدجاجلة" هو مقول قول مالك "أي كذاب" قال يحيى بن آدم ثنا ابن إدريس قال كنت عند مالك فقيل له إن ابن اسحق قال اعرضوا على حديث مالك فأنا بيطاره فقال مالك انظروا إلى دجال الدجاجلة ذكره الذهبي في الميزان "فإن من هو في مرتبة مالك في الثقة" من الأئمة "قد أثنوا على محمد بن اسحق" قال الذهبي في الميزان وثقة غير واحد ووهاه آخرون كالدارقطني وهو صالح الحديث ماله عندي ذنب إلا ما قد حشا في السيرة من الأشياء المنقطعة المنكرة والأشعار المكذوبة قال ابن معين ثقة وليس بحجة وقال علي بن المديني حديثه عندي صحيح وقال يحيى بن كثير سمعت شعبة يقول ابن اسحق أمير المؤمنين في الحديث. "ومن تكلم" في ابن اسحق "فما تكلم عليه بشيء من هذا" أي من نسبة الكذب إليه قال محمد بن عبد الله بن نمير رمي بالكذب وكان أبعد الناس منه وقال أبو داود قدري وقال سليمان التميمي كذاب وقال وهيب سمعت هشام ابن عروة يقول كذاب وقال يحيى القطان أشهد أن محمد بن اسحق كذاب قال له ابن أبي داود وما يدريك أنه كذاب قال قال هشام بن عروة حدث عن أمرأتي فاطمة بنت المنذر وأدخلت علي وهو بنت تسع سنين وما رآها رجل حتى لقيت الله قال الذهبي وما يدري هشام بن عروة فلعله سمع منها في المسجد أو سمع منها وهو صبي أو

أدخل عليها فحدثته من وراء حجاب وأي شيء هذا وقد كانت كبرت وأسنت "إنما تكلم عليه بالتدليس وشيء من سوء الحفظ" قد عرفت مما نقلناه عدم صحة هذا الحصر. "لكنه كان بينه وبين مالك وحشة" قال وهيب سألت مالكا عن محمد بن اسحق فاتهمه وقال يحيى بن سعيد الأنصاري أبان ومالك يجرحان ابن اسحق "ولعل ذلك بسبب الاختلاف في الاعتقاد فقد كان محمد بن اسحق يرى رأي المعتزلة في بعض المسائل" تقدم كلام ابن نمير إنه رمى بالقدر وكان أبعد الناس منه وقال أبو داود قدري معتزلي "وكان مالك يشدد في ذلك ثم إنه بلغ مالكا أن ابن اسحق قال اعرضوا على علم مالك فأنا بيطاره" تقدم من رواها "فحين بلغه ذلك أغضبه فقال إنه دجال أي كذاب" فقد قاله حال الغضب فلا اعتباره به "ومن الجائزات" على بعد "أن يريد مالك" كذاب "في اعتقاده أو في حديثه الذي يهم فيه على بعد هذه العبارة من إطلاقها على من يهم في عرفهم" فالحمل على ذلك بعيد جدا. "ولكن حال الغضب مع العداوة في الدين يقع فيها مثل هذا إما لمجرد غلبة الطبع أو لمجرد أدنى تأويل" وعلى كل تقدير فلا يقبل ولا يعمل به لأن الجرح إخبار عن حكم شرعي وقد نهى رسول الله صلى الله لعيه وسلم أن يحكم الحاكم وهو غضبان والأصح عدم صحة حكمه في حال غضبه كما قررناه في سبل السلام. "واعلم أن التعارض بين التعديل والتجريح إنما يكون" تعارضا "عند الوقوع في حقيقة التعارض" إذ الكلام في ذلك وهو ما يتعذر فيه الجمع بين القولين "أما إذا أمكن معرفة ما يرفع ذلك فلا تعارض البتة مثال ذلك أن يجرح هذا بفسق قد علم وقوعه منه ولكن علمت توبته أيضا والجارح جرح قبلها" قبل التوبة فإنه لا تعارض بين الجرح والتعديل على هذا "أو يجرح بسوء حفظ مختص بشيخ أو بطائفة والتوثيق يختص بغيرهم أو سوء حفظ مختص بآخر عمره لقلة حفظ أو زوال عقل وقد تختلف أحوال الناس فكم من عدل في بعض عمره دون بعض ولهذا كان السعيد من كان خير عمله خواتمه فإذا اطلع على التاريخ" أي تاريخ روايته وتاريخ اختلاطه "فهو مخلص حسن وقد اطلع عليه في كثير من رجال الصحيح جرحوا بسوء الحفظ بعد الكبير والصحيح" من أحاديثهم "روى عنهم قبل ذلك" فلا تعارض.

"ثم ذكروا" أي أئمة الحديث "مسألة وهي توثيق من لم يعرف عينه ولم يسم مثل قول العالم الثقة حدثني الثقة" فإنه توثيق لمبهم غير معروف العين "أو" يقول "جميع من رويت عنه ثقة" قال الخطيب إذا قال العالم كل من رويت عنه فهو ثقة وإن لم يسمعه ثم روى عمن لم يسم فإنه يكون مزكيا غر أنا لا نعمل على تزكيتة. "واختاروا أنه لا يقبل" كما ذكره الخطيب وأبو بكر الصير وابن الصباغ من الشافعية وغيرهم وحكى ابن الصباغ عن أبي حنيفة أنه يقبل واستدلوا على عدم القبول بقوله "لجواز أن يعرف فيه جرح لو بينه" قالوا بل إضرابه عن تسمية ريبة توقع ترددا في قلت: السامع نعم قال الخطيب إذا قال العالم كل من أروى لكم عنه وأسميه فهو عدل تقي مقبول الحديث كان هذا القول تعديلا لكل من روى عنه وسماه هكذا حزم به الخطيب قال وكان ممن سلك هذه الطريقة عبد الرحمن بن مهدي زاد البيهقي مالك ابن أنس ويحيى ابن سعيد القطان. "وهذا" الذي ذهب إليه أئمة الحديث "ضعيف فإن توثيق العدل لغيره" مبهما كان أو معينا "يقتضي رجحان صدقه" ولأنه يلزم على هذا بتقديم الجرح المتوهم على التعديل الثابت وهو خلاف النظر "وتجويز وجود الجارح لو عرف هذا المعدل" أي لو تعين اسمه "لا يعارض هذا الظن الراجح حتى يصدر" أي الجرح "عن ثقة" والفرض أنه لا جرح محقق بل مجوز "ولو كان التجويز" للقادح "يقدح لقدح مع تسميته لأن التسمية لا تمنع من وجود جرح عند غير المعدل" قد يقال إنه مع التسمية قد فتح لنا بابا إلى معرفته والبحث عنه ومع عدمها قد أغلق باب البحث إلا أنه قد يجاب بأن لا حاجة إلى البحث عنه بعد التزكية. "فإن قالوا لما لم يعلم" أي فيمن سمى والمراد لم يعلم جرحا "حكمنا بالظاهر حتى نعلم" خلافه "فكذلك هنا" أي فيمن أبهم "لا فرق بينهما إلا أن طريق البحث غير ممكنة عند الإبهام وقد يمكن عند التسمية فيكون الظن بعد البحث عن المعارض" وهو وجود جارح فيمن سماه الثقة وعدله "وعدم وجدانه" أي المعارض وهو القادح "أقوى" فلذا قلنا يقبل فيمن سمى لافيمن لم يسم "وهذا الفرق ركيك" وإن حصلت قوة الظن كما ذكر "لأنا لم نتعبد بأقوى الظنون في غير حال التعارض" فإن الظن الحاصل عن توثيق العدل كلف لنا في العمل عند عدم التعارض "ولأن طلب المعارض في هذه الصورة لا يجب" كمما سلف من قبول خبر العدل وكفاية الواحد في ذلك "ولأن التمكن

من البحث قد يتعذر مع التسمية" كما قد أشار إليه بقوله وقد يمكن عند التسمية "فيلزم طرح توثيق من الفرض أن قبوله واجب" وهو الراوي الذي زكاه وسماه الثقة. "ويمكن نصرة القول الأول" وهو عدم قبول تزكية المبهم "بأن الخبر عن التوثيق كالخبر عن التصحيح والتحليل والتحرير يمكن اختلاف أهل الديانة والأنصاف فيه" فلا بد من تعيين الراوي الموثق ولا يقبل توثيقه مبهما "بخلاف الأخبار المحضة" التي لا يتطرق إليها اختلاف باعتبار الديانة كأخبار زيد عن قيام عمرو وإذا كان التوثيق ليس من باب الأخبار المحضة "فلا يجوز للمجتهد التقليد في التوثيق المبهم على هذا وهو محل نظر والله أعلم". واعلم أن في المسألة قولا ثالثا حكاه البرماوي قال وهو الصحيح المختار الذي قطع به إمام الحرمين وجريت عليه في النظم وحكاه ابن الصلاح عن اختيار بعض المحققين أنه إن كان القائل بذلك من أئمة هذا الشأن العارف بما يشترط هو وخصومه في العدل وقد ذكر في مقام الاحتجاج فيقبل. وقول رابع وهو التفصيل فإن عرف من عادته إذا أطلق أه يعني به معينا وهو معروف بأنه ثقة فيقبل وإلا فلا حكاه البرماوي أيضا عن حكاية شارح اللمع عن صاحب الإرشاد والثالث قد أشار إليه الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها. فائدة: قول الراوي وأخبرني من لا أنهم كما يقع في كلام الشافعي رحمه الله كثيرا يكون دون أخبرني الثقة قال الذهبي لأنه نفى التهمة ولم يتعرض لإتقانه ولا يكون حجة ورجح غير الذهبي أنه مثل قوله أخبرني الثقة.

مسألة (48) : في المجهول وأنواع الجهالة وأحكامها

مسألة: 48 [في المجهول وأنواع الجهالة وأحكامها] من علوم الحديث "الكلام في المجهول" أي الراوي الذي جهل عينا أو حالا والآخر قسمان "قال تعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} ". قال في الكشاف أو لم يعرفوا محمدا وصحة نسبه وحلوله في سطة هاشم وأمانته وصدقه وشهادته عقله واتسامه بأنه خير فتيان قريش والخطبة التي خطبها أبو طالب في نكاحه خديجة بنت خويلد كفى برغائها مناديا انتهى. "وفي هذا أشارة إلى ما في فطر العقول من الشك في خبر ما لا يعرف بما لا يوجب رجحان خبره" إذ الآية سيقت مساق الإنكار عليهم لا نكارهم له عليه والسلام لعدم معرفته ومعناه تقرير معرفتهم إياه وأنه لا وجه لا نكاره وليس المراد إنكار ذاته بل إنكارهم وسالته وإخباره عن الله سبحانه كما يرشد إليه العنوان بقوله رسولهم. "وقد تكرر في كتاب الله تعالى ذم العمل بالظن" كما قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ} [الأنعام: 116] {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً} [يونس: 36] {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [يونس: 36] {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت: 23] . "والظن في اللغة: الشك المستوي الطرفين" في القاموس الظن خلاف اليقين وهي عبارة قاضية أنه يطلق على المستوى الطريفين وعلى الظن الراجح إذ الكل خلاف اليقين "ويجب حمل الآيات" الدالة على ذم الظن "عليه" أي على مستوى الطرفين "جمعا بينها وبين الآيات التي تدل على حسن العمل بالظن الراجح". قلت: إلا أنه لا يخفى أنه لا يتم حمملها عليه إلا بعد ثبوت أن الظن الراجح أحد ما يطلق عليه الظن لغة كما نقلناه عن القاموس وأما عبارة المصنف فهي قاضية أن الظن لغة منحصر في مستوى الطرفين فلا بد من تقدير يطلق على الشك أيضا إذ الآيات الدالة على حسن العمل بالظن كقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]

فإنه لا يعلم الغائب عنه أنه شطره إلا بالظن ومثل قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] إذ ليس معهم إلا الظن أيمانهن وغيرها من الآيات "ويوضح ذلك" أي أن المذموم هو الظن بمعنى الشك "أنه وصف الذين ذمهم باتباع الظن بالأفك والخرص الذي هو تعمد الكذب" قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] فالوصف بالخرص دال على أنه ليس عندهم ظن راجح قلت: ويدل على استعماله لغة في الراجح قوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} فنفيهم اليقين دالى على أن عندهم ظنا راجحا ويحتمل الشك كما قدمناه عن القاموس. "وأيضا فمن الظاهر الواضح" الراجح "أن اتباع الظن الراجح من أمارات الأنصاف" لأنه أخذ بالأرجح والأحوط "ومن اتبعه كان باتباع العلم أولى وأحرى ثم أن عبادة الحجارة ليست مظنونة ظنا رجحا فتأمل ذلك". قلت: أما عند عبادها فالظاهر أنهم لم يعبدوها إلا وعندهم ظن راجح باستحقاقها العبادة وكأنه وجه أمره بالتأمل. "وحكى الله عز وجل عن سليمان قوله في الهدهد: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} " [النمل: 27] فإنه عليه الصلاة والسلام توقف في خبر الهدهد ولم يجزم بصدقه ولا كذبه لكونه مجهول الحال عند سليمان ولا يقال هذا من أحكام خطاب الطير فلا يستدل به هنا لأنا نقول فأشار المصنف إلى جوابه بقوله "هذا مع قوله تعالى: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} " [الأنعام: 38] بعد قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} الآية فدلت على أن الأحكام واحدة للمماثلة فإنه ظاهر في أن المماثلة في التكليف لا في مجرد الحيوانية مثلا إذ هو معلوم ولأنه يشعر به قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38] ولا يقال سلمنا أنهم أمثالنا في التكليف فإنه يشتطر إيمان المخبر ومن أين لنا أن الهدهد مؤمن لأنا نقول من قوله "وفي قصة الهدهد ما يدل على إيمانه حيث أنكر عليهم عبادة الشمس من دون الله" وأثبت الإلهية له تعلى بقوله في صفته: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النمل: 25] وأثثبت له العلم بكل شيء حيث قال: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] ووحدة وأثبت له العرش في قوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] فإن السياق قاض أنه من كلامه وهذه معاقد الإيمان وأمهات قواعد التوحيد.

"وفي الآية أيضا دليل على إعلال الحديث بالريبة" وذلك لتوقفه عليه الصلاة والسلام حتى يبحث فيعلم صدقه أو كذبه. "وقد تقدم في أول المسألة إشارة إلى مذهب أئمة الزيدية في هذه المسألة وهي معروفة في كتبهم الأصولية وإنما تذكر هنا كلام المحدثين لعدم وجوده في غير هذا الفن ولمعرفة عرفهم إذا قالوا في بعض الرواة أنه مجهول" ولهم فيه تقاسيم لا تعرف إلا في هذا الفن وقد ألم بها المصنف رحمه الله "فنقول" أي إذا عرفت ما سقنا فنقول: "قال المحدثون في قبول رواية المجهول خلاف وهو" أي المجهول "على ثلاثة أقسام مجهول العين ومجهول الحال ظاهرا وباطنا ومجهول الحال باطنا" فهذه ثلاثة أقسام: الأول: وهو "مجهول العين و" حقيقته "هو من لم يرو عنه إلا راو واحد وفيه" أي في الحكم فيه خمسة "أقوال": الأول: أن "الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم أنه لايقبل" ويأتي تحقيق الدليل عليه واختيار خلافه. "والثاني: أنه يقبل مطلقا وهو قول من لم يشترط في الراوي غير الإسلام" زاد الزين واكتفى في التعديل بواحد ويأتي نصرة هذا القول. "والثالث" التفصيل وهو "إن كان" الراوي "المنفرد بالرواية عنه لا يروى إلا عن عدول قبل مثل ابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان ومالك ومن ذكر بذلك" أي بأنه لا يروى إلا عن عدل "معهم وإلا لم يقبل". "والرابع" تفصيل أيضا إلا أنه على غير الطريقة الأولى وهو أن الراوي "إن كان مشهورا في غير العلم بالزهد" ومثلوه بمالك بن دينار "أو النجدة" أي الغلبة ومثلوه بعمرو بن معدي كرب "قبل وإلا" يشتهر بشيء من ذلك "فلا" يقبل "وهو" أي هذا التفصيل الآخر "قول ابن عبد البر كما سيأتي". "والخامس" تفصيل على غير الطريقين الأولين وهو أنه "إن زكاه" أي الذي لم يرو عنه إلا راو واحد "أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبل وإلا" يزيكه أحد "فلا" وإن روى عنه عدل "وهو اختيار أبي الحسن بن القطان في" كاتبه المسمى "بيان الوهم والإيهام قلت: و" القول: "السادس: إن كان" مجهول العين "صحابيا قبل" لما يأتي من القول بأن الصحابة

كلهم عدول "وهو مذهب الفقهاء" أي الأربعة "وبعض المحدثين وشيوخ الاعتزال" كأنه عطف على المحدثين ال على بعض لما تقدم له من أن الجاحظ والنظام قدحا في جماعة من الصحابة وكذلك عمرو ابن عبيد كما ذكرناه "رواه عن المعتزلة ابن الحاجب في" مختصر "المنتهى واختاره الشيخ أبو الحسين" البصري المعتزلي "في" كتابه المسمى "المعتمد" في أصول الفقه بل يأتي أنه قائل بعدالة أهل ذلك العصر جميعا وإن لم يكن صحابيا "والحاكم" المعتزلي وهو المحسن بن كرامة "في" كتابه "شرح العيون وسوف يأتي بيان هذه المسألة على التفصيل عند ذكر الصحابة" سيأتي تحقيقها في أواخر هذا الكتاب وسيصرح المصنف أن عدالة المجهول من الصحابة إجماع أهل السنة والمعتزلة والزيدية. "وقد عرفت أن حكاية المحدثين لهذا الخلاف" في قبول مجهول العين "يدل على أن مذهب جمهوهم أن من روى عنه عدل وعدله آخر غير الراوي فهو عندهم مجهول" فإن حقيقة المجهول حاصلة فيه وهي تفرد الراوي عنه بل ظاهر كلامهم في مجهول العين أنه لو زكاه جماعة وتفرد عنه راو لم يخرج عن جهالة العين لأنه جعل حقيقته من لم يرد عنه إلا راو واحد ولا حاجة إلى قوله "بل هو عندهم مجهول العين" إذا البحث في ذلك وإنما دل حكاية الخلاف على ذلك "لأنهم في علوم الحديث حكوا قبول من هذه صفته" وهي تفرد الراوي عنه والمزكي "اختيارا لأبي الحسن بن القطان فقط" كما سلف في القول الخامس. "وهذا" أي الذي دل عليه كلام الجمهور "قول ضعيف فمن عرفه ثقة وعدله ثقة وروى عنه ثقة آخر" لا يخفى أن الكلام فيمن تفرد عنه ثقة ووثقه ثقة فزيادة المصنف وعرفه ثقة لم يتقدم شرطيته ولفظ المصنف في مختصره فإن سمى المجهول أو انفرد واحد عنه فمجهول العين والحق عند الأوصوليين أنه إلا وثقة ثقة الراوي أو غيره قبل خلافا لأكثر المحدثين والقول أي الصحيح قول الأصوليين انتهى "لا معنى لتسميته مجهولا" الذي في مختصره أيضا ووجه قول المحدثين أنهيتنزل أي المجهول العين الموثق منزلة التوثيق المبهم إذا كان اسم الرجل وعينه لم تثبت إلا من جهة من وثقة فكأنه قال حدثني الثقة وذلك غير مقبول عند أهل الحديث كما تقدم والمصنف قد جعل قبوله محل تردد هذا كلامه في توجيه ما ذهب إليه أئمة الحديث فكيف يقول هنا لا معنى لتسميته مجهولا.

وقوله "لأنهم" أي أئمة الحديث "لم يشترطوا العلم بعينه" أي الراوي "وبعدالته" قد طوى مقدمة الدليل وهي قوله لأنه أي التعديل من الثقة والرواية منه أو من غيره تفيد أن الظن بل التوثيق وحده يفيده وهو يجب العمل بالظن هنا لأنهم لم يشترطوا إلخ "ويوجبوا" عطف على لم يوجبوا "أن يبلغ المخبرون بها" أي العدالة "عدد التواتر" ليفيد العلم "ولو اشترطوا ذلك لم تساعدهم الأدلة عليه" فيكون شرطا بغير دليل فلا يلتفت إليه "فإن أخبار الآحاد ظنية" يحتمل أنه بريد أن أدلة العمل بها ظني أو أنها في دلالتها على الحكم الذي وردت فيه لا تفيد إلا ظن الحكم. وقوله "واشتراط مقدمات علمية" وهي تواتر عدالة الراوي "في أمور ظنية" وهي أخبار الآحاد تفيد أنه يريد الوجه الأخير "غير مفيد" فلا يتم الاشتراط لأنها لا تحصل إلا الظن فأي فائدة لشرطية علمية المقدمات في ظني النتائج. "بل الذي تقتضيه الأدلة أنه لو وثقه واحد ولم يرو عنه أحد أو روى عنه واحد ووثقه هو بنفسه لخرج عن حد الجهلة" وصار مظنون العدالة والعمل بالظن واجب "فقد نص أهل الحديث أن التعديل يثبت بخبر الواحد" كما تقدم إلا أنه يقال إن ذلك فيمن قد عرف اسمه وإسلامه من غير جهة المعدل والمفروض هنا أنهما لم يعرفا إلا من جهته في أحد التقادير وكلامهم هنا على تقدير انفراد الراوي عنه وأن يكون هو المعدل "هذا مع ما يعرض في التعديل من المصانعة والمحاباة" وقد قبلتموه مع هذا المعارض "فكيف" لا تقولون يرد إلى الجهالة العينية "بالأخبار" من العدل "بالوجود" لمن عدله أو روى عنه أو عدله وروى عنه فإن قول الثقة مثلا أخبرني زيد بن عمرو مثلا أو قال وهو ثقة أو وثقه غيره ولم تعلم رواية عن زيد هذا ولا عرف اسمه لوا توثيقه إلا من كلام الراوي هذا مثلا عنه فقد تضمن إخبارا بوجوده لكنه غير مراد للراوي وإنما هو لازم خبره وإخبارا بأنه ثقة فلم لا يقبل خبره بوجود ويقبل خبره بأنه ثقة فكيف هذا الصنيع هذا تقرير مراد المصنف. ولعلهم يقولون إنا نقبل خبره بأنه ثقة إن عرفنا وجوده من غير طريق غيره لا أنا عرفناهما معا من طريقه فإنه بمثابة قوله أخبرني الثقة يكون تعديلا مبهما ولذا قال المصنف في مختصره عن الجماهير إذ لو اشتهر أي الذي تفرد بالرواية عنه والتوثيق واحد لأمكن القدح فيه انتهى فأن هذا مشعر بأن المانع عن قبول ما ذكر هو الإبهام المانع عن تنحقيق حاله لا إنكار وجوده وعدم قبول خبر العدل فيه فإنهم يقولون نحن

نقبل خبر العدل بانه موجود ونقبل خبره بأنه عدل عنده لكنا نريد معرفة عينه من طريق غيره وشهرته لتجويز وجود جارح فيه والحاصل أن هذه المسألة بعينها ملاقية لمسألة توثيق المبهم وبه تعرف ما في قوله "فلم يعهد من عدل أنه يحتاج إلى اختراص وجود معدوم" أي يكذب في خبره بأن المعدوم موجود "فإذا قبل واحد في توثيق الراوي وإسلامه فهو" أي الواحد "في القبول في وجوده أولى وأحرى" أي في قبولنا خبره بوجوده قد عرفت أنهم قابلون لخبره بوجوده كقبولهم لوجود الثقة إذا قال العدل أخبرني الثقة لكنهم يطالبون في غير ذلك كما عرفت. واعلم أن المصنف أجاب عن الجمهور في مختصره بقوله والجواب أن الضرورة إذا ألجأت إلى التقليد جاز بناء الاجتهاد عليه كالتقليد في توثيق المعين وجرحه فإفاد كلامه أن جعل تفرد الراوي والموثق مزيلا للجهالة العينية ليس إلا من باب التقليد للضرورة وأن تعديل من ليس بمجهول العين وجرحه أيضا من باب التقليد والذي تقدم له أن قبول خبر العدل ليس من باب التقليد بل من باب الاجتهاد لقيام الدليل على وجوب قبول خبره والتزكية والجرح من باب الأخبار إذ مفاد قوله المزكي فلان عدل أي آت بالواجبات تارك للمقبحات محافظ المروءة وقوله جرحا هو فاسق لشربه الخمر مثلا الكل إخبار عدل يجب قبوله لقيام الأدلة على العمل بخبر العدل وليس تقليدا لو كما سلف للمصنف رحمه الله نظيره في قول العدل هذا الحديث صحيح فإنه قال إنه خبر عدل وإن قبوله ليس من التقليد وإن كان ناقض نفسه في محل آخر وقد قررنا الصحيح من كلاميه. والحاصل أن الدليل قد قام على قبول خبر العدل إما عن فسه بأن يخبر بأنه ابن فلان أو أن هذه داره أو جاريته فهذا لا كلام في قبول خبره عنه بالضرورة الشرعية بل يقبل خبر الفاسق بذلك بل أبلغ من هذا أنه يجب قبول قول الكافر لا إله إلا الله ويحقن دمه وماله ونعامله معاملة أهل الإيمان لأخباره بالتوحيد وإن كان معتقدا لخلافه في نفس الأمر كالمنافق وإن كان خبره عن غيره كروايته للأخبار قبل أيضا وإن كان عن صفة غيره بأنه عدل أو فاسق قبل أيضا إذ الكل خبر عدل وقبول خبره ليس تقليدا له بل لما قام عليه من الدليل في قبول خبره هذا تقرير كلام أهل الأصول وغيرهم ولنا فيه بحث أشرنا إليه في أوائل حاشية ضوء النهار. والمراد هنا معرفة ما في كلام المصنف من قوله إن الضرورة إذا ألجأت إلى التقليد

جاز بناء الاجتهاد عليه كالتقليد في توثيق المعين وجرحه فإنه قاض بأن كل من عمل بكلام العدول تزكية وجرحا فإنه مقلد ومعظم الاجتهاد على ذلك فهذا من المصنف كالرجوع إلى القول بانه قد انسد باب الاجتهاد في الأخبار لا نبنانه التقليد وهو خلاف ما ألف لأجله العواصم وغيرها من كتبه. "وقد أشار ابن الصلاح إلى مثل ما ذكرته في أن ارتفاع الجهالة في التوثيق بالواحد تقتضي أن ترتفع جهالة العين بالواحد" قد عرفت ما فيه فإنهم يقولون مجهول العين من لم يعرفه العلماء ولم يعرف حديثه إلا من جهة واحدة وقبولهم توثيق الواحد إنما هو فيمن عرفت عينه وجهلت عدالته. "ولم يردوا عليه ذلك بحجة وإنما ردوا عليه بكون ذلك عرف المحدثين وقد نص جماعة من كبار المحدثين على هذا العرف منهم" أبو بكر "الخطيب" سيأتي لفظه قريبا "ومحمد ابن يحيى الذهلي" كان لأحسن تقديمه على الخطيب كما فعله الزين لأنه السابق بهذه فإنه قال إذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم الجهالة. "وحكاه الحاكم عن البخاري ومسلم" لكن رد ابن الصلاح ذلك فقال قد خرج البخاري في صحيحه عن مرداس الأسلمي ولم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم ومسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنه غير أبي سلمة وذلك مصير منهما إلى خروجه عن هذه الجهالة برواية واحد انتهى فدل على خلاف ما حكاه الحاكم عن الشيخين. وقد تعقب الشيخ محي الدين النووي كلام ابن الصلاح فقال الصواب ما ذكره الخطيب فهو لم يقله عن اجتهاده بل نقله عن أهل الحديث ورد الشيخ عليه بما ذكره عجب لأنه شرط في المجهول أن لا يعرفه العلماء وهذان معروفان عند أهل العلم بل مشهوران فمردس من أهل بيعة الرضوان وربيعة من أهل الصفة والصحابة كلهم عدول فلا تضر الجهالة بأعيانهم لو ثبت وأجيب عنه بأن هذا مسلم في حق الصاحبة والكلام أعم. "وذكر الذهبي ما يقتضي ذلك" من عدم ارتفاع الجهالة في رواية الواحد "فقال زينب بنت كعب بن عجرة مجهولة لم يرو عنها غير واحد" وصف كاشف لقوله مجهولة إذا عرفت هذا "فعلى هذا لا يكون قولهم في الراوي إنه مجهول جرحا صحيحا" الأحسن صريحا "عند مخالفيهم" أن نقول بأن رواية لواحد تزيل الجهالة "بل

نقف حتى نبحث" فعلى هذا يكون من الجرح المطلق ولذا قلنا الأحسن أن يقول صريحا إلا أنه غير خاف عليك أن القدح بجهالة العين معناها أنه لم برو عن إلا واحد ممن يكتفي به في إزالة جهالة العين لتوقفه بل نقبله إذ قد ثبتت عدالته من جهة هذا الواحد الراوي عنه أو غيره وكأنه يرد أنه يقف حتى يعرف عدالته إذا لم يكن قد عرفها. "ويكون هذا من جملة عبارات الجرح التي توجب الوقف وإن لم يكن جرحا في الرجل فهو قدح في قبول روايته" أي موجب للتوقف فيها. "وقال" أبو بكر "الخطيب" في الكفاية في تعريف "المجهول عند أصحاب الحديث كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد وقال الخطيب أقل ما ترفع به الجهالة أن يروي عنه اثنان فصاعدا من المشهورين بالعلم إلا أنه يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه" وإن انتفت عنه الجهالة "قلت: فزاد الخطيب في التعريف لعرفهم أمرين لا دليل عليهما أحدهما اشتهار المجهول بطلب العلم ومعرفة العلماء لذلك منه وثانيهما أن يكون الراويان عنه من المشهورين بالعلم" في قوله "في أقل ما ترتفع به الجهالة فهذا" أي ما زاده الخطيب "يزيدك بصيرة في عدم قبول حكمهم بجهالة الراوي" فلا يقبل قولهم هذا مجهول العين لأنهم تعنتوا في حقيقته وأتوا بشرائط غير صحيحة لعدم الدليل عليها. "لأن العلم على الصحيح ليس من شروط الراوي" لأنه من قبل العلماء رواية من ليس من العلماء كأعراب الصحابة رضي الله عنهم "ولو كان" العلم "شرطا فيه لم يقبل كثير من الصحابة والأعراب" لا يقال الصحبة كافية في القبول لأنا نقول قد شرطتم العلم في الراوي "فلم تكن الصحبة لمجردها تفيد العلم وقد ثبت أن ذلك" أي العلم "لا يشترط في الشهادة وهي آكد من الرواية فإذا لم تشترط في الراوي فأولى أن لا تشترط فيمن روى عنه" أو من روى عنه راو أيضا. "القسم الثاني" من أقسام المجهول "مجهول الحال في العدالة في الظاهر والباطن مع كونه معروف العين" برواية عدلين عنه "وفيه" أي في قبوله ثلاثة: "أقوال": "الأول: أنه لا يقبل حكاه ابن الصلاح وزين الدين" ناسبا له إلى ابن الصلاح "عن الجماهير" وذلك لأن تحقق العدالة في الراوي شرط ومن جهلت عدالته لا تقبل روايته.

"والثاني: يقبل" مجهول عدالة الباطن والظاهر "مطلقا" من غير تفصيل "وإن لم تقبل رواية مجهول العين" لأن معرفة عينه هنا أغنت عن معرفة عدالته. "والثالث" التفصيل وهو أنه "إن كان الراويان عنه" اللذان بهما عرفت عينه "لا يرويان إلا عن عدل قبل وإلا فلا" هكذا سرد هذه الأقوال ابن الصلاح ونقلها عنه زين الدين ولم يذكرا دليلا عنهم كما فعله المصنف. "القسم الثالث" من أقسام المجهول "مجهول العدالة الباطنة" والعدالة الباطنة عندهم هي ما يرجع إلى تزكية المزكين كما يأتي "هو عدل في الظاهر فهذا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين وبه قطع الإمام سليم بن أيوب الرازي قال" في دليل القطع به "لأن الأخبار مبنية على حسن الظن بالراوي ولأن رواية الأخبار قد تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن وتفارق" الرواية "الشهادة فإنهما تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك" أي معرفة العدالة الباطنة لأنهم يطلبون التزكية فإن وجدت عملوا "فاعتبرت فيها العدالة في الظاهر والباطن قال ابن الصلاح: يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة عن غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم". اعلم أنهم شرطوا في الراوي كونه عدلا ثم رسموا العدالة بالتقوى وهي الإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات مع عدم ملابسة بدعة ثم قالوا يكتفي تعديل الثقة لغيره بقوله عدل أو ثقة مثلا ومعناه إخباره أنه علم منه إتيانه بالواجبات واجتنابه المقبحات وعدم ملابسته لبدعة وهذا الخبر مستند إلى مشاهدته لفعله وتركه وهذه المشاهدة أمر ظاهر وأما معرفة باطنة فلا يعلمها إلا الله فالمزكي غايته كالمعدل بلا زيادة فشرط العدالة الباطنة شرط لا دليل عليه وإن أريد أن الخبرة تدل عليها فالخبرة لا بدمنها في المعدل أيضا ثم رأيت المصنف قد ثتبه لهذا آخرا ولله الحمد ولعلهم لما سموا العدالة عن غير تزكية عدالة ظاهرة سموا ما كان عن تزكية عدالة باطنة تسامحا وللتفرقة بين الأمرين والله أعلم. "وأطلق الشافعي كلامه في اختلاف الحديث أنه لا يحتج بالمجهول وحكاه البيهقي عنه في المدخل" قلت ولفظ الشافعي في كتاب اختلاف الحديث والظاهر في المجهول هو من لا تعرف عدالته عن خبرة أو عينه كما يدل له قوله ونقل الروياني عن نص الشافعي في اليأم أنه لو حضر العقد رجلان مسلمان ولا يعرف حالهما من

الفسق والعدالة انعقد النكاح بهما أي بشهادتهما "في الظاهر" وليس الخطاب إلا في انعقاده فيه "لأن ظاهر المسلمين العدالة" فالمسلمون عدول وهي عدالة يشهد بها إسلامهم وهذا يوافق من يقول الأصل في المسلمين العدالة وقوله الأول يخالفه وكثيرا ما يأتي له في المسألة قولان وهذا منها. "ذكره" الروياتي "في البحر نقل ذلك" عن الروياتي "زين الدين ولما ذكر اين الصلاح هذا القسم الأخير" وهو من عرفت عدالته ظاهرا لا باطنا "قال وهو المستور فقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالته باطنا انتهى" كلام ابن الصلاح "قال الزين" بعد نقله لكلام ابن الصلاح "وهذا الذي نقل كلامه آخرا هو البغوي وتبعه عليه الرافعي وحكى الرافعي في الصوم وجهين في قبول رواية المستور من غير ترجيح وقال النووي في شرح المهذب إن الأصح قبول روايته قال الزين كلام الرافعي في الصوم أن العدالة الباطنة هي التي يرجع فيها إلى أقوال المزكين" قد قدمنا لك أن التعديل والتزكية إنما مدارهما على الخبرة الظاهرة. "قلت: ظاهر المذهب" أي مذهب الزيدية "قبول هذا المسمى عندهم بالمستور بل قد نص على قبوله وسماه بهذه التسمية الشيخ أحمد في الجوهرة" كما تقدم "ولم أعلم أن أحدا من الشارحين اعترضه والأدلة" في قبول خبر الآحاد "تناوله سواء رجعنا إلى" دليل "العقل وهوالحكم بالراجح لأن صدقه راجح" من حيث عدالته الظاهرة "أو" رجعنا "إلى" دليل "السمع وهو قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمن هو كذلك" أي معروف العدالة الظاهرة مجهول الباطنة "كالأعرابيين في الشهادة بالفطر من رمضان" يأتي تخريج حديثهما في آخر الكتاب وقد وسع المصنف الاستدلال للمسألة في الروض الباسم وساق ثمانية أخبار وتأتي المسألة آخر الكتاب "والأعرابي بالشهادة بالصوم في أوله وسيأتي طرق هذين الحديثين" في آخر الكتاب عند ذكر عدالة الصحابة وهذا أوسع دائرة مما اختاره سليم الراوي فإنه إنما اختار ذلك في الأخبار دون الشهادة كما عرفت. "ومما يدل على ذلك إرساله صلى الله عليه وسلم رسله كمعاذ وأبي موسى إلى اليمن وهما عند أهل الين مستوران وإن كانا عند من يخصهما في أرضهما مخبورين" لا يخفى أنه يريد الاستدلال بقبول أهل اليمن لأخبارهما مستوران عندهم وبأنه قد عرف صلى الله عليه وسلم ذلك فكان تقريرا منه ولكنه يقال أهل اليمن الذين يقبلون أخبارهما أحد رجلين إما كافر فلا يعتبر قبوله ولا عدمه وإما مؤمن وهو يقبل أخبارهما عن الشرائع.

والمؤمن يعلم أنه لا يرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبعث بالشرائع من يبلغها عنه إلا وهو ثقة عدل فأحسن من هذا في الاستدلال قوله "أو رجعنا إلى إجماع الصحابة فقد حكى الشيخ أو الحسين وغيره قبولهم لأحاديث الأعراب" من المسلمينن "أو رجعت إلى أهل البيت عليهم السلام فقد روى المنصور بالله رضى الله عنه والسيد أبو طالب وأهل الحديث عن علي عليه السلام أنه كان إذا اتهم الراوي استحلفه فإذا حلف له قبله" وهذا يدل على أنه لم يعرف عدالته الباطنة قلت: ولا الظاهرة إذا لو علمها لما اتهمه كما يدل له قوله أنه حكى أبو الحسين إجماع الصحابة على قبول من عرفت عدالته الظاهرة وعلي عليه السلام رأس الصحابة. "وهذا هو الغالب من مذاهب العترة والمعتزلة أهل الأصول" إلا أنه يقال إذا كان كذلك فلا وجه لاشتراط التزكية والتعديل للراوي عندهم "وذكر محمد بن منصور" المرادي "صاحب كتاب علوم آل محمد أنه يرى قبول المجاهيل ذكر ذلك في كتابه المسمى بالعلوم" قلت: هذا مذهب له ولا ينازع في مذهبه. "وقول المحدثين إنه لا بد من معرفة العدالة الباطنة مشكل إما لفظا فقط أو لفظا ومعنى فإن أرادوا ما نص عليه الرافعي من أنهم عنوا بذلك من رجع في عدالته إلى أقوال المزكين أشكل عليهم ذلك لفظ لأن هذا المعنى صحيح ونحن نقول به ولكن هذه العبارة" أي قبولهم عدالته الباطنة "ركيكة موهمة أنه لا بد من معرفة باطن الراوي وتعديل المزكين لا يوصل إلى ذلك لأن المزكي إنما عرف الظاهر" كما قررناه آنفا "ثم أخبرنا به فقلدناه فيه فيه" ما تقدم "فكيف لا تحكم بالعدالة الباطنة إذا عرفنا ما عرف المزكي من غير واسطة خبره وتقليده" كما زعم القائل بذلك "وإذا عرف ذلك وجهلناه ثم أخبرنا به وقلدناه حصلت العدالة الباطنة" كما قالوه. "فإن قالوا المراد بالعدالة الباطنة ما كان عن خبرة" وهي التي تحصل للعدل والمزكي "وبالظاهرة ما كان بمجرد الإسلام قلن من لم يعرف بغير مجرد الأسلام فقد تقدم في القسمين الأولين من أقسام المجاهيل وهذا قسم ثالث قد ارتفع عنهما ولا يرتفع عنهما إلا بخبرة" لا يتم أن المراد بالعدالة الظاهرة ما كان بمجرد الإسلام. "فإن قالوا" ليست "العدالة الظاهرة" مما عرفت بمجرد الإسلام بل "ما تعرف بخبرة يسيرة توصل إلى مطلق الظن والباطنة ما عرف بخبرة كثيرة توصل إلى الظن المقارب" للعلم "وسموا الظن المقارب للعلم علما" لا أدري أي حاجة إلى زيادة هذا فإنهم لم

يشترطوا العلم بالعدالة الباطنة بل قالوا لا بد من معرفة العدالة الباطنة ومعرفتها أعم من أن تكون بعلم أو ظن "دون مطلق الظن تخصيصا له بما هو أولى به" فإن الظن المقارب هو الفرد الكامل من الظنون ويسمى علما "فإن مطلق الظن قد يسمى علما فكيف بأقواه قلنا الظن في القرة لا ينقسم إلى قسمين فقط" كما أفادة كلامكم بل ينتهي إلى شيء معين "ولا يقف على مقدار ولا يمكن التعبير عن جميع مراد به بالعبارة" وأيضا فإنهم يختلفون في الظنون اختلافا كثيرا. "ومعرفة المزكي لكون ظنه مقاربا أو مطلقا أو وسطا بين المطلق والمقارب دقيقة عويصة" فإنها أمور وجدانيه "وأكثر المزكين لم يعرف معاني هذه العبارات بل ولا سمعها" فكيف يكلف بها "وهي مولدة اصطلاحية" لم تأت عن الشارع ولا عن أهل اللغة "ولو كلف كل مزك أن يزكي على هذا الوجه" أي تزكية صادرة عن الظن المقارب "لم يفعل أو لم يعرف ولم تزل التزكية مقبولة من قبل حدوث هذه الاصطلاحات" فكيف تناط أمور شرعية بهذه الاصطلاحات الحادثة العرفية "والعدالة حكم منضبط يضطر إليها العامة" أي عامة الناس "في الشهادة في الحقوق والنكاح ورواية الأخبار وقبول الفتوى من المفتي وصحة قصاء القاضي" ومعنى اضطرارهم إليها أنهم يحتاجون إلى العدول في هذه الأمور التي تعم بها البلوي ولا بد أهم عارفون بمعناها باعتبار ما يظهر لهم. "قتعليقها بأمر خفي غير منضبط" وهوالظن المقارب "بغير نص يدل على ذلك" التعليق "ولا عقل يحكم به غير مرضى" فإنه لا يعلق حكم بأمر إلا بدليل يدل عليه وإلا كان تحكما "بل" نقول "مطلق الخبرة المفيدة للظن" مطلقا "كافية وتزكية المزكي لا تفيد غير ذلك" أي الظن المطلق "إلا أن يكون المزكي من أهل هذا العرف" فلا يزكي إلا عن ظن مقارب "فإن قلنا مثل ذلك شرطنا في المزكي أن يقول بمثل مقالتهم هذه وهذا" شرط "بعيد" غير معروف عند الأصليين وغيرهم هذا تقرير إشكال عباراتهم لفظا. "وأما الوجه الثاني وهو اختلال عباراتهم لفظا ومعنى فذلك" أي بيان إشكالها "إن أرادوا أنها على ظاهرها ولم يتأولوها بالتجوز وذلك" أي حمل كلامهم على الحقيقة "أن يقولوا" في اسم "العدالة الظاهرة هي ماعرف بالخبرة الموجبة للظن و" أن يقولوا في اسم العدالة الباطنة "العدالة في الباطن والظاهر" زاده استطرادا "هي العدالة المعلومة بالقرائن الضرورية مثل عدلة المشاهير المتواترة عدالتهم مثل العشرة من الصحابة" الذين

جمعهم المصنف في قوله شعرا: للمصطفى خبر صحب نص أنهم ... في جنة الخلد نصا زادهم شرفا هم طلحة وابن عوف والزبير مع ... أبي عبيدة والسعدان والخلفا "وعمار بن ياسر" الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه مليء إيمانا "وسلمان الفارسي" الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم "سلمان منا" 1 "وأبي ذر" الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه أصدق من بينهما "وأمثالهم من أهل ذلك الصدر" أي عصر الصحابة ولا يخفى أن المحدثين قائلون أن الصحابة مطلقا ليس فيهم مستور وقد تقدم الرد على ابن الصلاح من النووي حيث زعم أن مرداسا وربيعة بن كعب الأسلمي مجهولان ما عرفته قريبا نعم يتجه التمثيل بقوله "ومثل زين العابدين" وهو علي ابن الحسين "وسعيد بن المسيب من التابعين والحسن البصري وأمثالهم ومثل إبراهيم بن أدهم من المتعبدين ومثل القاسم" بن ابراهيم الرسي "و" يحيى بن الحسين "الهادي" حفيده "من الأئمه الهادين فلهم" أى شارطى العدالة الباطنة "أن يقولوا عدالة هؤلاء معلومة ظاهرا وباطنا وليس ذلك" أي معرفة الغدالة الباطنه "من قبيل علم الغيب بل من قبيل العلم الصادر عن القرائن فانا نعلم أن القاسم رضي الله عنه لم يكن في الباطن منافقا بل" نجد "اعتقادنا جازما بصحة إسلامه" الأولى إيمانه "وفضله" ولما كان الجزم بعلم ما في الاعنقاد باطنا مستعبدا إذ لا يحصل إلا بأخبار من الله تعالى كما قال تعالى في عمار {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} أشار المصنف بأنه "قد قال أهل العلم بمثل هذا في خبر الواحد إذا انضمت إليه القرائن مثل الخبر" الآحادي "بموت ولد رجل كبير مع بكاء ذلك الرجل بين الناس واستقامته لمن يعزيه وبكاء النسوان في بيته واجتماع الناس للتعزية إليه وظهور الجنازة ونحو ذلك" فإن هذا خبر آحادي وقد أفاد العلم بموت ولد الرجل للقرائن المحتفة به "وكبار الأئمة والعلماء قد أخبروا عن أنفسهم بالعدالة" كقول بعضهم إنه ما عصى الله منذ عرف يمينه من شماله "وظهر عليهم من القرائن" بصحة إخبارهم "ما يوجب علم ذلك" أي علمنا به هذا تقرير مراده إن أرادوه "فالجواب عليهم أن هذا يحتل عليهم من وجهين": "أحدهما: أن الناس مختلفون في صحة هذا" فليست المسألة اتفاقية كما يعرف من

_ 1 الطبراني 6/261, والحاكم 3/598, ودلائل النبوة 3/418.

أصول الفقه "وإن صح فهو علم ضروري غير مستمر لكل أحد" بل قد يحصل لناس دون ناس "ولذا وقع فيه الخلاف والتعبد بخبر الواحد يشمل الجميع" أي جميع المكلفين ممن يحصل له هذا العلم الضروري وهم الأقل وغيرهم وهم الأكثر "وهذا" القول "يؤدي إلى اشتراط أن يخلق الله العلم الضروري بعدالة الراوي في الباطنة وهذا خلاف الإجماع. "وثانيهما" أي وجهي الجواب "أن العدالة في الراوي تشتمل على أمرين": "أحدهما في الديانة التي تفيد مجرد صدقه وأنه لا يتعمد الكذب" أما هذا فمحل النزاع كما لا يخفى. "وثانيهما في الحفظ ولئن سلم لهم ذلك في الديانة فلا يصح العلم الضروري أن الراوي لم يخط في روايته من غير عمد ولا قائل بذلك" يتأمل في هذا "على أن البالغين إلى هذه المرتبة الشريفة هم الأقلون عددا ولو اشترط ذلك أهل الحديث لم تتفق لهم سلامة إسناد غالبا" إذ ليس كل حديث يكون رجاله من ذلك الطبقة العالية. "وقد نص مسلم" في أول صحيحه "على أنا لا تجد الحديث الصحيح عند مثل مالك وشعبة والنوري" الذي لا خلاف في إمامتهم ديانة وحفظا وإذا لم نجد مثلهم "فلا بد من النزول إلى مثل ليث ابن أبي سليم وعطاء بن السائب" وهم من طبقة غير تلك الطبقة في الأمرين إذا عرفت هذا "فكن على حذر من تضعيف من يرى رد أهل العدالة الظاهرة لكثير من الرواة وتفظن لذلك في كتب الجرح والتعديل" فإنهم يردون كثيرا بجهالة باطنة ويسمونه مستوارا "والله أعلم". * * *

مسألة (49) : في قبول رواية الفساق المتأولين

مسألة: 49 [في قبول رواية الفساق المتأولين] من علوم الحديث "الكلام في قبول أهل التأويل" من كفاره وفساقه وغيرهم وردهم "الظاهر من مذهب أئمة الزيدية قبول المتأولين على خلاف يسير وقع في ذلك" ولفظه في الروض الباسم الظاهر من مذهب الزيدية قبول أهل التأويل مطلقا كفارهم وفساقهم وادعوا على ذلك إجماع الصحابة وذلك في كتب الزيدية طاهر لا يدفع ومكشوف لا يتقنع. "قال الأمير علي بن الحسين في كتاب اللمع حكاية عن المؤيد بالله في كفار أهل التأويل ما لفظه فعلى هذا شهادتهم جائزة عند أصحابنا انتهى وهذا اللفظ" يعني لفظ أصحابنا "يقتضي العموم" لأنه من صيغ العموم "ذكره غير واحد من أهل العلم" أي من أن النكرة إذا أضيفت اقتضت العموم. "وقد خالف في ذلك" أي في قبول كفارة التأويل "السيد الإمام أبو طالب وروى الخلاف فيه عن الناصر رضى الله عنه على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى وقد ذكرت هذه المسألة في كتاب العواصم" في الجزء الأول منه "واستوفيت الأدلة وما يرد عليها". وعقد أيضا فصلا لقبول فساق التأويل وذكر خمسا وثلاثين حجة على قبولهم منها آيات قرآنية نحو قوله: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] الآية وأطلق أهل الذكر فدل على قبول خبر من كان من أهله ولو كان فاسق تأويل وهي الحجة الخامسة عشرة فيما عده والسادسة عشرة قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] وقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} [البقرة: 38] وهذا عام لكل ما جاء عن الله سواء كان في القرآن أو على لسان رسوله وحديث المتأولين مما جاء عن الله وعن رسوله الحجة السابعة عشرة قوله: {وَقَالُوا لَوْ

كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] ذمهم الله تعالى بعدم الإستماع وهو مطلق في كل ما جاء عن الله من معلوم ومظنون فخرج المجمع على رده وبقي المختلف فيه إلا ما خصه دليل ثم ساق في العواصم من الآيات الدالة بعمومها على قبول أخبار المتأولين ومن الأحاديث مافيه مقنع للناظر وسكون القلب لقبول أخبارهم للمناظر فلا نطيل فقد أطال وأطاب وخرج من الإيجاز إلى الإطناب ووشحه بفوائد لا توجد إلا فيه ولم تخرج إلا من فيه جزاه الله خيرا. "ونقلت: ألفاظ أهل المذهب بنصها من كتب كثيرة" قال في العواصم إن السيد يريد شيخه علي بن محمد بن أبي القاسم الذي جعل العواصم جوابا على رسالته لم يذكر عن أحد من العشرة أنه يقبل خبر المتأولين إلا عن المؤيد بالله كأنه لا يعرف هذا القول منسوبا إلى غيره وما هذا علم المتصف ثم ذكر ما أشار إليه قريبا عن اللمع الذي لا يزال السيد بالتدريس فيه مشتغلا وفيه ما لفظه والأظهر عند أصحابنا أن شهادته جائزة ثم نقل كلام القاضي حسن النحوى والفقيه على الوشلي وغيرهما مما يلاقي ما نقله عن اللمع وأطال في ذلك. "وأنا أشير هنا إلى نكت كافية إن شاء الله تعالى فأقول المتأولون أقسام": "الأول: من لا يكفر ولا يفسق ببدعته". أي المتأول الذي لا يكفر ولا يفسق ببدعته "كالمعتزلة عند الزيدية" لأنهم عندهم مبتدعون متأولون. "قال القاضي شرف الدين حسن بن محمد النحوي رحمه الله في تذكرته" في فقه الزيدية "إن المخالف في الإرجاء" أي القائل به وهو القائل بأنها لا تضر مع الإيمان معصية "كذلك لا يكفر ولا يفسق وكذلك القاضي فخر الدين عبد الله ابن حسن الداوري ذكر أنه لا يكفر ولا يفسق وكذلك الحاكم" المحسن اب كرامة الجشمي "في شرح العيون وذكر الفقيه حميد" المعروف بالشهيد "في عمدة المسترشدين معنى ذلك وذكر الحاكم في شرح العيون والفقيه حميد في العمدة والقاضي" عبد الله الدواري "في تعليق الخلاصة أن المرجئة صنفان عدلية وغير عدلية وقال الحاكم في الشرح في فصل عقده فيما أجمع عليه أهل التوحيد والعدل إن اسم الاعتزال صار في العرف لمن يقول بنفي التشبيه والجبر وافق في الوعيد أو خالف وافق مسائل الأمامة أو خالف وكذا في فروع الكلام ولذا تجد الخلاف بين الشيخين" أبي علي وأبي هاشم "والبصرية والبغدادية" من المعتزلة "يؤيد الخلاف بينهم وبين سائر المخالفين.

انتهى بلفظه وإنما لم يفسق من خالف في الأمامة" كالمعتزلة فإنهم فساق تأويل عند الهدوية بمخالفتهم في الإمامة والأرجاء وقدمنا لك أنه القول بأنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. قال المصنف إن الإرجاء ليس بكفر ولا فسق عند أهل المذهب نص عليه القاضي شرف الدين في تذكرته والحاكم في شرح العيون وقال الشيخ مختار في المجتبئ ما لفظه لم يكفر شيوخنا المرجئة لأنهم يوافقونهم في جميع قواعد الإسلام لكنهم قالوا عنى الله بآيات الوعيد الكفرة دون بعض الفسقة أو التخويف دون التحقيق وأنه ليس بكفر انتهى "والأعواض وتفضيل الملائكة" على الأنبياء "وسائر فروع الكلام لأن الأدلة السمعية القاطعة لم ترد بذلك" ولا دليل إلا السمع على ذلكظ. "وقد بينت ذلك في العواصم" وأنه لا تفسيق إلا بقاطع والعقل لا مدخل له هنا والسمع لم يرد فيه دليل على تفسيق من ذكر. "القسم الثاني" من أقسام المتأولين "من فسق بتأويله ولم يكفر وقد روى الإجماع على قبوله من طرق كثيرة ثابتة عن جلة من الأئمة والعلماء تذكر منها" أي من طرق رواية الإجماع على ذلك "عشر طرق" وزاد في العواصم الحاية عشرة والثانية عشرة إلا أنه قد دخلها فيما سرده هنا. "أحدها" وهو الأولى "طريق الإمام المنصور بالله" عبد الله بن حمزة "فإنه ادعى الإجماع على ذلك" أي على قبول رواية فساق التأويل "في كتابيه" الأول الذي ألفه في أصول الفقه وسماه "صفوة الإختيار و" الثاني كتابه في الفقه الذي سماه "المهذب ولكن في الصفوة بالنص الصريح الاحتجاج الصحيح" فإنه قال فيه بعد ذكر خبر الفاسق حكى شيخنا الحسن بن محمد عن الفقهاء بأسرهم والقاضي وأبي رشيد أنه يقبل إلى أن قال وهوالذي تختاره والذي يدل على صحته إجماع الصحابة على قبوله وإجماعهم حجة على ما يأتي بيانه "وفي المهذب ما يقتضي مثل ذلك" فإنه قال فيه ما لفظه وقد ذكر أهل التحصيل من العلماء جواز قبول أخبار المخالفين في الاعتقادات وروى عنهم المحققون بغير منا كرة ذكره في كتاب الشهادات محتجا به على قبول شهادتهم قال في العواصم: والدليل على أنه ادعى الإجماع في المقام من وجه أولها وهو أقواها أنه احتج

على جواز الشهادة بالقياس على الأخبار ولم يحتج على قبولهم الأخبار قال لأن الأخبار نوع من الشهادة ويجرى مجرها في بعض الأحكام فاحتج بأن المحصلين ذهبوا إلى ذلك بغير منا كرة وأراد بالمحصلين العلماء وأنه لم يناكر الآخرن ولفظه صالح لإفادة دعوى الإجماع في اللغة من غير تعسف الطريق. "الثانية طريق الإمام يحيى بن حمزة ذكره في الانتصار في كتاب الأذان مرة" فإنه قال وأما كفار التأويل وهم المجبرة والمشبهة والروافض والخوارج فقد اختلف أهل القبلة في كفرهم والمختار أنهم ليسوا بكفار لأن الأدلة في كفرهم تحتمل احتمالات كثيرة وعلى الجملة من حكم بكفرهم أو إسلامهم قضى بصحة أذانهم وقبول أخبارهم وشهادتهم وقال في كتاب المعيار ما لفظه إن الإجماع منعقد على قبول رواية الخوارج مع ظهور فسقهم وتأويلهم قلت: ما خلا الخطابية هكذا كلامه في كتاب المعيار "وفي كتاب الشهادات مرة ثانية" فإنه قال ومن كفر المجبرة المشبهة قبل أخبارهم وأجاز شهادتهم على المسلمين وعلى بعضهم وناكحوهم وقبروهم في مقابر المسلمين وتوارثوا هم والمسلمين. "الطريق الثالثة طريق القاضي زيد ذكرها في كتاب الشهادات من شرحه المعروف ورواها عنه الأمير الحسين في التقرير" فإنه قال فيه ما لفظه وفي الوافي لا بأس بشهادات أهل الأهواء إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقة بتصديقه وقبول يمينه تخريجا قال القاضس زيد وذلك لأن الإجماع قد حصل على قبول خبرهم فجاز أن تقبل شهادتهم هكذا كلام القاضي زيد قال في العواصم بعد نقله وكلام زيد يعم الكفار والفساق. "الرابع" من طرق رواية الإجماع "طريق الفقيه عبد الله بن زيد ذكرها في الدرر المنظومة" فإنه قال عند ذكره كافر التأويل وفاسقه والمختار أنه يقبل خبرهما متى كانا عدلين في مذهبهما إلى أن قال والذي يدل على صحة مذهبنا أن الصحابة أجمعت على ذلك وإجماعهم حجة. "الخامس طريق الأمير الحسين بن محمد ذكرها في كتاب شفاء الأوام" في كتاب الوصايا في باب ما يجوز من الوصية ومالا يجوز فإنه قال فأما الفاسق من جهة التأويل فلسنا نبطل شهادته في النكاح ونقبل خبره الذي نجعله أصلا للأحكام الشرعية بإجماع الصحابة على قبول أخبار البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام

وبإجماعهم حجة. "السادس: طريق الشيخ أبي الحسين محمد بن علي البصري ذكرها في كتاب المعتمد" فإن قال وعند جل الفقهاء أن الفسق في الاعتقادات لا يمنع من قبول الحديث لأن من تقدم في قبل بعضهم حديث بعض بعد الفرقة وقبل التابعون رواية الفريقين من السلف. "السابع" من طريق رواية الإجماع "طريق الحاكم أبي سعيد المحسن بن محمد ابن كرامة ذكرها في شرح العيون" فإنه قال فيه ما لفظه الفاسق من جهة التأويل يقبل خبره عند جماعة الفقهاء وهو قول أبي القاسم البلحي وقاضي القضاة ابن رشيد ووجهه ما قاله الفقهاء إجماع الصحابة والتابعين لأن الفتنة وقعت وهم متوافرون وبعضهم يحدث عن بعض مع كونهم فرقا أو أحزابا من غير نكير. الطريق "الثامنة والتاسعة طريق الشيخ أبي محمد الحسن بن محمد بن الحسن الرصاص وحفيده والشيخ أحمد بن محمد بن الحسن ذكرها حفيده في الجوهرة لنفسه" فإنه قال فيها ما لفظه واختلف في قبول الفاسق من جهة التأويل فذهب الفقهاء بأسرهم إلى أنه يقبل خبرهه إلى أن قال ووجه ما قاله الفقهاء إجماع الصحابة على قبول خبر فاسق التأويل فإن الفتنة لما وقعت في الصحابة ودارت رحااها وشبت لظاها كان بعضهم يحدث عن بعض ويسند الرجل إلى من يخالفه كما يسند إلى من يوافقه من غير نكير من بعضهم على بعض في ذلك فكان إجماعا انتهى "و" ذكرها "في" كتاب "غرر الحقائق" عن مسائل الفائق "وعن جده" الحسن بن محمد بن الحسن فإنه قال حكى رضي الله عنه قبوله عن الفقهاء إلى قوله ووجه القول الأول أي القول بالقبول إجماع الصحابة وساق في ذلك نحو ما ذكره قريبا. الطريق "العاشر طريق ابن الحاجب ذكرها في المنتهى" فإنه قال في الاستدلال للقابل خبر الفاسق المتأول ما لفظه قالوا أجمعوا على قبول خبر قاله عثمان رضي الله عنه. "فهذه الطرق تقوي صحة الإجماع" عن الصحابة "لصدورها" أي الطريق "عن عدد كثير مختلفي المذاهب والأغراض متباعدي البلدان والأزمان وأكثرهم" أي رواة الإجماع "من أهل الورع الشحيح" فلا يجوز أن أحدهم ينقل ما لا يعلم "وجميعهم من أهل المعرفة التامة" فلا يجوز أنه يجهل الخلاف عن الصحابة ولو كان موجودا في المسألة

"وليس يظن بواحد منهم أنه يقول ما يعلم لا سيما وقد ادعواهم وأكثرهم العلم بذلك" أي بوقوع إجماع الصحابة "كما ثبتت ألفاظهم في كتاب العواصم" فإنه صرح الشيخ الحسن الرصاص بقوله أما أنهم أجمعوا فمعلوم من أحوالهم وقال أبو طالب في المجزي إن القائلين بقبول أخبار المتأولين قالوا لأن المعلوم من أحوالهم أي الصحابة أنهم كانوا يراعون في قبول الشهادة والأخبار الإسلام إلى قوله وإنهم كانوا مجمعين على التسوية بين الكل إلى آخر كلامه قال المصنف بعد نقله وهذه حكاية عن أبي طالب عن جميع الفقهاء أنهم ادعوا العلم الإجماع. "على أن السيد أبا طالب ذكر عنه في اللمع أن كل من قبلهم ادعى الإجماع" من الصحابة على قبولهم "وقال رضي الله عنه في المجزي" كتابه في الأصول "إن الفقهاء كلهم ادعوا العلم بثبوت هذا الإجماع" قد قدمنا نصفه تقريبا "وتوقف عليهم في ثبوت الإجماع ولم يجزم برده بل قال أن حجة من قبلهم الأجماع وحجة من ردهم القياس على الفاسق المصرح" أي غير المتأول فإن روايته ورد بها النص في قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} الآية "قال فإن صح الإجماع فلا معنى للقياس" أي لا يقدم على الإجماع لقوة الإجماع "وتوقف في ثبوت الإجماع" ولذا قال فإن وأتى بكلمة إن دون إذا زيادة في ثبوت التوقف. واعلم أن ابن الحاجب وتبعه من أخذ من كتابه كصاحب الغاية احتجوا لرد رواية فاسق التأويل بالآية المذكورة وليس استدلالا صحيحا ولذا قال أبو طالب ابن دليل الرد القياس على المصرح وذلك لأن الآية وردت في فاسق التصريح لأنها نزلت في الوليد بن عقبة في قصة بني المصطلق وكذبه عليه بأنهم أرادوا قاله والقصة معروفة فسقه إما بكذبه أو بشربه الخمر ولا يقال العام لا يقصر على سببه ووقوعه لأنا نقول هو عام في فساق التصريح دون فساق التأويل إذ لا وجود لهم عند نزول الآية ولأنه لا يطلق اللفظ إلا على ما كان في عرف اللغة وعرف اللغة لم يكن فيه أطلاق الفاسق على المتأول وقد أورد المصنف على استدلال ابن الحاجب بالآية على رد رواية فاسق التأويل سبعة عشر إشكالا سردها في العواصم لأن علي بن محمد بن أبي القاسم الذي رد عليه المصنف بالعواصم نقل دليل ابن الحاجب مستدلا به. "وهاهنا فائدة وهي أن أحدا من الأئمة لم يدع الإجماع على رد الفساق المتأولين وإنما ادعى الإجماع على قبولهم" كما عرف "فقطع بثبوته طائفة من العلماء" وقد عرفت

أنهم الأكثر "وشك في ثبوت الإجماع" على قبولهم "آخرون" وهم الأقل "فهذا الكلام في فساق التأويل" قبولا وردا. * * * مسألة: "وأما كفار التأويل" أي وأما الحكم في قبول رواية كفار التأويل وردها "فالمدعون للإجماع على قبولهم أقل من أولئك" أي الذين ادعوه في فساق التأويل "في معرفتي فالذي عرفت من طرق دعوى الإجماع على قبولهم أربع طرق عن أربعة من ثقات العلماء وكبرائهم وهم الإمام يحيى بن حمزة في" كتاب "الانتصار" في باب الأذان نصا صريحا قال المصنف في العواصم إنه قال وأما كفار التأويل وهم المجبرة والمشبهة والروافض والخوارج فهولاء اختلف أهل القبلة في كفرهمة والمختار أنهم ليسوا بكفار لأن الأدلة بكفرهم تحتمل احتمالات كثيرة وعلى الجملة فمن حكم بإسلامهم أو كفرهم قضى بصحة أذانهم وقبول أخبارهم وشهادتهم وقد تقدم هذا. "و" الثاني "المنصور بالله" عبد الله بن حمزة "في" كتاب "المهذب عموما ظاهرا" وقد قدمنا لفظه وبيان عمومه. "و"الثالث "الفقيه عبد الله بن زيد في الدور نصا صريحا" تقدم أيضا نصه بلفظه. "و" الرابع "القاضي زيد في الشرح والتقرير نصا صريحا" تقدم أيضا لفظه لأن التقرير ليس القاضي زيد بل للأمير الحسين وإنما نقل عنه الأمير في التقرير ذلك كما تقدم للمصنف قريبا فالمراد أنه نص عليه في الشرح نصا صريحا ونقله عنه في التقرير. "وقد تقدم قول المؤيد بالله رضي الله عنه أن ذلك مذهب أصحابنا هكذا على العموم من غير استثناء" الكلام في الناقلين من طرق الإجماع على قبول كفار التأويل لا في القائلين لذلك فهو الذي تقدم وكأنه يريد أنه لا يقول مذهب أصحابنا إلا استنادا إلى إجماع أصحابه "ولكن قاضي القضاة" عبد الجبار بن أحمد "ذكر أن كفار التأويل لا يقبلون بالإجماع" فهذا خلاف ما رواه غيره. "وقال الشيخ أحمد" بن محمد الرصاص "إنه روى عن أبي طالب قريب من الإجماع يعني على ردهم والجواب" عن التعارض في النقلين "أن تلك الدعوى" أي

دعوى الإجماع على قبولهم "أرجح بالكثرة" فإن رواتها خمسة قال في العواصم والترجيح يحصل بزيادة واحد فكيف أربعة وهذا الترجيح بكثرة العدد "و" تترجح أيضا "الزيادة" في رواتها "في الفضل والعلم وعدم الإبتداع عند من يوافقهم في المذهب" فإنهم غير مبتدعين عنده للقول بعدم قبول المتأول. قلت: وقد يعارض بأنهم مبتدعون عنه من يخالفهم وليس اعتبار مذهب من يوافقهم بأولى من اعتبار مذهب من يخالفهم. واعلم أن هذا إشارة إلى كلام السيد علي بن محمد بن أبي القاسم صاحب الرسالة المردود عليها بالعواصم فإنه قال إن رواية العدل المنزه عن البدع مقدمة على رواية المبتدع بالإجماع وقاضي القضاة مبتدع عند الجميع لمخالفته لأهل البيت في مسائل قطعية توجب ترجيحهم عليه. "وهذه" أي رواية الإجماع على عدم قبولهم "تفرد بها القاضي" عبد الجبار كما تقدم "وقد رد ذلك عليه الشيخ أبو الحسين في المعتمد" فإنه قال وأما الكفر بتأويل فإنه ذكر قاضي القضاة أيده الله أنه يمنع من قبول الحديث قال لاتفاق الأمة على المنع من قبول خبر الكافر قال والفقهاء قبلوا أخبار من هو كافر عندنا لأنهم لم يعتقدوا فيه أنه كافر قال أبو الحسين والأولى أن يقبل خبر من هو كافر أو فاسق بتأويل إذا لم يخرج من أهل القبلة وكان متحرجاا لأن الظن بصدقه غير زائل وادعى الإجماع على نفي قبول خبر الكافر على الإطلاق ولا يصح لأن كثيرا من أصحاب الحديث يقبلون خبر سلفنا كالحسن وقتادة وعمرو مع علمهم بمذهبهم وإكفارهم من يقول بقولهم وقد نصوا على ذلك انتهى. قال المصنف بعد نقله له وقول أبي الحسين على الإطلاق يعني أنه لم يقيد بالكفر المجمع على رد صاحبه بالكفر المخرج عن الملة وهذا الرد لقول قاضي القضاة "وعلمنا من المخالفين الذي ادعى عليهم الموافقة أنهم يخالفون في ذلك" فلم يتم دعواه. "وأما السيد أبو طالب فإنما حكى الشيخ أحمد عنه ما هو قريب من الإجماع والقريب من الشيء غير الشيء" والحجة إنما هو الإجماع لا القريب منه على أنه رواه عنه بصيغة التمريض. قلت: وما أحسن قول المصنف في العواصم على هذه العبارة حيث قال وليت شعري ما حد مقاربة الإجماع فقال مالفظه وكذلك السيد أبو طالب حكى الإجماع

في كفار التأويل انتهى وأنكر المصنف وجود هذا عن أبي طالب وقال إنما المروي عنه ما ذكره الشيخ أحمد الرصاص. "وكذا ابن الحاجب لم يدع" في مسألة كفار التاويل وردهم "إجماعا قط كما بينه في العواصم" وذلك أن السيد علي بن أبي القاسم ادعى أن ابن الحاجب حكى الاجماع في رد روايه كفار التأويل فقال المنصف ما لفظه والمبتدع بما يتضمن التفكير كالسافر عند المكفر قال المنصف المكفر بعض الأمة فلم يلزم أن تجمع الأمة على رده فان قلت: كلامه يقضي بأن الذين لم يكفره لردوا روايته قلت: ليس كلامه يقتضي هذا لوجهين: أحدهما: أن الذي لم يكفر لا يسمى مكفر إلا حقيقةولا مجازا وابن الحاجب إنما روى عمن يكفر وإذا ثبت أن الأمة غير مجمعة على التفكير فقد تعذر الإجماع وهو مأخوذ من نص ابن الحاجب ثم قال: الوجه الثاني: أن زبدة الكلام أن السيد توهم من ابن الحاجب أنه قال إن الذين لم يكفروا لو كفروا لما قبلوا من كفروه وهذا ليس بدعوى الإجماع البتة بل هذا دعوى على أهل الإجماع وفرق بين دعوى إجماع الأمة ودعوى الإجماع على الأمة قال ابن الحاجب لو نص على هذا لماصدق ولا صدق لأن هذا من قبيل علم الغيب فمن أين له أن الذين لم يكفروا لو كفروا لردوا روايتهم وما أمنه أنهم يكفرونهم من أنهم يقبلونهم كما قال بذلك الشيخ أبو الحسين وغيره انتهى باختصار. "ويرجح هذا" يعنى دعوى إجماع الأمة على قبول كفار التأويل "بأشياء أحدها أن دعوى هؤلاء" وهم المنصور بالله والإمام يحيى ومن ذكر معها "إجماع الأمة يشمل دعوى إجماع العترة" قال المصنف في العواصم ولا شك أن هؤلاء الذي ادعوا الإجماع نم المشاهير بتعظيم العترة ومن أهل الورع والإطلاع وذلك يقضي أنهم ما ادعوا إجماع الأمة حتى عرفوا إجماع أهل البيت أولا خاصة في ذلك العصر فإن أهل البيت عليهم السلام في زمان حدوث الفسق في المذاهب لم يكونوا إلا ثلاثة على وولداه وإجماعهم حجة ومعرفته متيسرة سهلة لانحاصرهم واشتهارهم فأقل أحوال الإمام المنصور بالله رضي الله عنه والإمام يحيى بن حمزة أنهما لا يدعيان إجماع الصحابة إلا وهما يعرفان ما مذهب علي عليه السلام وولديه فإنهما لو لم يعرفا مذهبهم لكانا مجازفين بدعوى الإجماع وهما منزهان عن ذلك بإتفاق الجميع على

إمامتهما وسعة اطلاعهما. "وعلى" دعوى أنه "مذهب علي عليه السلام لا سيما والمدعون لذلك من أئمة أولاده" وهما الإمامان المذكوران قال في العواصم فإن ذلك يقتضي أنهما عرفا أن قبول المتأولين مذهب علي عليه السلام لأن أقل أحوالهما حين ادعيا العلم بمذهب جميع الصحابة المشهور والمغمور أن يكونا قد عرفا أن ذلك مذهب إمام الأئمة وأفضل الأمة وكفي به عليه السلام حجة لمن أراد الهدى وعصمة لمن خاف الردى "وكبار شيعتهم" من الفقيه عبد الله بن زيد والقاضي زيد "وكذلك ذلك" أي دعوى إجماع الأمة على قبولهم "يقوي أنه مذهب الهادي والقاسم عليهما السلام" لأنها من أعيان الأمة ويبعد أن يخالفا إجماع الصحابة "كما هو تخريج المؤيد بالله وأحد تخريجي أن طالب وظاهر رواية أبي مضر وذلك أرجح من أحد تخريجي أبي طالب والله أعلم". في العواصم أنه خرج السيد المؤيد بالله للهادي أنه يقبلهم ورواه عنهم الفقيه علي بن يحيى الوشلي في تعليقه بلفظ التخريج ورواه عنه القاضي شرف الدين الحسن بن محمد النحوري في تذكرته بلفظ التحصيل ولم يختلف في ذلك عن المؤيد بالله وكذلك السيد أبو طالب نسب ذلك إلى الهادي في أحد تخريجه رواه الفقيه علي بن يحيى الوشلي في تعليقه ونص في اللمع على ذلك فقال قال السيد أبو طالب وأما شهادة أهل الأهواء من البغاة والخوارج فإن جواز شهادتهم لا يمتنع أن يخرج على اعتباره لكون الملة واحدة لأن الواحدة لأن هؤلاء كلهم من أهل ملة الإسلام وهذا لفظه في اللمع وظاهر رواية أبي مضر قال فيها أيضا إن القاضي أبا مضر من أئمة مذهب الزيدية والجلة وقد روى عن الهادي والقاسم عليهما السلام قبول المتأولين رواية غير تخريج وذلك أرجح من أحد تخريجي أبي طالب قال فيها أيضا لأن السيدين الأخوين إماما مذهب الهادي وقد تطابقا على تخريج قبوله رواية المتأولين ولم يتطابق على تخريج رده لهم بل انفرد بهذا أبو طالب قثبت بهذا ترجيح تخريج رواية قبولهما وإنما ذكر المصنف هذا لأن السبب علي بن أبي القاسم رجح تخريج أنهم لا يقبلون عند الهادي والقاسم على رواية تخريج قبولهم فرده المصنف بإيراد ستة إشكالات على كلامه وأتى هنا بزبدة ما في تلك الإشكالات. "فإن قيل: كيف يصغي إلى قبول دعوى الإجماع وقد علم وقوع الخلاف" هذا السؤال وارد على رواية الإجماع على قبول رواية فساق التأويل وعلى رواية قبول كفار

التاويل فلا يتوهم أن إتيانه به هنا أنه يختص برواية إجماع كفار التأويل. "قلت" إنما أصغي إلى دعوى الإجماع "لأن دعوى الإجماع لم يتحد بمتعلق الخلاف" قد أورد المصنف السؤال في العواصم على كلام المعيار للإمام يحيى فقال فإن قيل فقد روى الإمام الخلاف في المعيار فناقض قلنا شرط التناقض عزيز إذا لا يصح مع إمكان الجمع والجمع ممكن في ذلك بأن يكون الخلاف الذي في المعيار منسوبا إلى أهل عصر والإجماع الذي رواه في الإنتصاد منسوبا إلى أهل عصر آخر ووذلك كثير في مسائل الإجماع. انتهى. وقد عين أهل الإجماع في قوله "بل الإجماع المدعى إجماع الصدر الأول ولم ينقل عن أحد منهم نص على رد المتأولين أبدا" فلم يكن في عصرهم خلاف "والخلاف إنما وقع بين أهل عصر آخر" فلا تناقض إذا من شرطه اتحاد الزمان قال المصنف في العواصم واعلم أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه لا يقبلهم البتة وكذلك لم يدع أحد من الخلف ولا السلف أن الأمة أحمعت على رد فساق التأويل فتأمل هاتين الفائدتين انتهى. "فإن قيل: لعل الصحابة" المدعى إجماعهم "إنما قبل بعضم بعضا أيام الفتنة" وهي من حين حصار عثمان "وبعدها" تحقق حصول فساق التأويل "من غير تمييز منهم لما وقع من ذلك" المروي "قبلها" حيث لا فاسق تأويل "أو بعدها" وهو بعد حصوله "وكذلك التابعون" إنما قبلوا مع ذلك وإما لم يمزوا بين الواقع بعدها وقبلها "لأمور" ثلاثة أي لأحدها: الأول: "إما لأنهم لم يعلموا بوقوع المعصية من أولئك الذين رووا عنهم" بخصوصهم وإذا لم تعلم لم يتحقق أنهم قبلوا فاسق التأويل. الثاني: "أو علموا بوقوع ذلك منهم ولكنهم اعتقدوا إصابتهم توقفوا فيها" في المعصية فلم يجزموا بأنهم عصاة. الثالث: "أو علموا ذلك وأنه معصية ولكن ما علموا أنه فسق" حتى يتم القول أنهم أجمعوا على قبول رواية فساق التأويل. "قلت: هذا السؤال أورده ابن الحاجب ولكن لم يحرره هذا التحرير" إنما أورده ابن الحاجب جوابا على القائلين حيث قال ورد بالمنع أو بأنه مذهب بعض الصحابة قال عضد الدين في شرحه وتفسير كلامه الجواب لا نسلم القبول إجماعا على كون ذلك

بدعة واضحة حتى يلزم الإجماع على قبول ذي البدعة الواضحة بل كان ذلك مذهبا لبعضهم فإن أهل القبلة لا يرون ذلك وكذلك كثير من الآخرين ويجعلونه اجتهاديا انتهى وسماه المصنف سؤالا وإن كان منعا لأن المنع سؤال إذ هو طلب الدليل على المدعى. "وهذا سؤال ركيك لأن مضمونة أن هؤلاء الذين ادعوا العلم بثبوت الإجماع وقطعوا بصحته قالوا بغير علم وقطعوا في موضع الشك ولو قبل مثل هذا السؤال لورد مثله أيضا على من روى خبرا نبويا أو غير ذلك فيقال لعل هذا الخبر النبوي موقوف على بعض الصحابة أو نحو ذلك" وعبارته في العواصم وأما رده لرواية الثقات من الأئمة والعلماء بقوله لعل بعض الصحابة لم يقبل المتأولين فمثل هذا الكلام لا يصدر عن المحصل فإن هذا مجرد ترج صدر من صاحبه فقد نقل أهل العدالة والأمانة والإطلاع على العلوم والتواريخ أقوال السلف والخلف والإجماع وحرصهم على أنهم قد علموا انعاده وإخبارهم لنا وأنهم أخبروا بذلك عن علم يقين لا عن مجازفة وتبخيت. وحاصل هذا الاعتراض أن صاحبه قال لعل راوي الإجماع غير صادق فيما رواه ولا متحقق لما ادعاه ولو كان مثل هذا يقدح في رواية الثقات لبطلت الروايات فما من رواية تصدر عن ثقة في الإجماع أو في الحديث أو في الشهادة إلا ويمكن أن يقال لعل راويها وهم فيها وقالها بغير علم يقين وأصدرها إما لمجرد اعتقاد الصحة أو ظنها أو نحو ذلك مما لا يلتفت إليه من تطريق الشك إلى فهم الثقات بمجرد كونه تجوزا على البشر ولو كانت روايات الثقات العلماء تعارض بمجرد ترحبي كذبهم أو تمني صدور الدعوى منهم على سبيل التبخيت من غير تحقيق لبطلت طرق النقل وتعطلت فوائد الرواية انتهى. "وقد ذكرت في العواصم أشياء" من الأدلة "مما يقوي القول بقبولهم" أي بقبول رواية كافر التأويل وفاسقه. "منها" وهي الحجة الرايعة في العواصم "أنا لو لم نقبلهم" أي كفار التأويل وفساقة "لم نقبل الصحابة" زاد في العواصم أجمعين ولا أهل البيت المطهرين إذ لم يصرحوا بالسماع من النبى صلى الله عليه وسلم "لأن هؤلاء العدول لذين ادعوا الإجماع" من الأئمة وغيرهم "قد أخبروا بأنهم قد علموا ذلك من الصحابة وعدالتهم"

أي الرواة للإجماع "تقتضى هذا حتى يعلموا قول الصحابة كلهم" فيكون إجماعا قوليا "أو قول أكثرهم وسكت عنه الباقون سكوت رضى" فيكون إجماعا سكوتيا. قال في العواصم فلا بد أن يفيد العلم أو الظن بأنهم كانو كذلك أقصى ما في الباب أن ذلك يفيد الشك في قبولهم للفساق التأولين فلو كانو مردودين بالقطع وحصل الشك أن رواية بعض العدول مستندة إليهم لم يجز قبوله إلا إذا حصلت قرينة صحيحة يحصل معها الظن الراجح أن روايته غير مستندة إلى من لا يقبل قطعا. "ومنها: إن ردهم يؤدي إلى أنا لانقبل من يقبلهم إو روى عنه إنه يقبلهم" هذا هو الوجه الثاني في العواصم من الأوجه التي جعلها أدلة على قبولهم قال فيه إن الزيدية يروون عن المخالفين ويدروسن كتب المخلفين في مدارسهم إلى أن قال وأما كتب الأوصول فالزيدية يعتمدون على كتاب أبى الحسين مع أنه يقبل فساق التأويل وكفارهم ومعتمدهم في هذه الأزمنة الأخيرة كتاب الشيخ أحمد الجوهرة مع شهرة بغيه على الإمام الشهيد أحمد بن الحسين وكتاب منتهى السول لابن الحاجب فإنه معتمد عليه هذه الأعصار في بلاد الزيدية وكتب الأوصول وإن كانت نظرية فإن فيه آثارا كثيرة ولا بد فيها من عدالة الرواة. وأما كتب القراءات فلا زال الناس يعتمدون على كتاب الشاطبية آخذين ما وجد فيها مماليس بمتواتر وأما كتب العربية فلم يزل الناس من الزيدية يقرؤون مقدمة طاهر وشرحه وكذلك كتب ابن الحاجب في النحو التصريف مع ما اشتملت عليه من رواية اللغة والإعراب. وأما المعاني والبيان فالمعتمد عليه في هذه الأزمنة الأخيرة كتاب التلخيص في ديار الزيدية وغيرها وهو من رواية الأشعرية. "وهذا يؤدي إلى رد حديث كثير من الأئمة كالمنصور والمؤيد بالله ويحيى بن حمزة والقاضي زيد بل يؤدي إلى التوقف في قبول حديث القاسم والهادي لرواية أبي مضر عنهما ذلك" أي قبول رواية فساق التأويل كمت قدمناه "وتخريج المؤيد بالله" لها "وأحد تخريجي أبي طالب" كما تقدم ذلك كله "بل يؤدي إلى عدم الانتفاع بتصانيف المتأخرين في الحديث من زمن المؤيد بالله مثل أصول الأحكام" للإمام أحمد بن سليمان والشفاء للأمير الحسين "والكشاف لأنهم صرحوا بالرواية عنهم ومن لم يستجز الرواية عنهم روى عمن عنهم فإن من لم يقبل كفار التأويل من الزيدية لم يرد

حديث المؤيد بالله رضي الله عنه وأمثاله من أئمة العترة لكونهم بقبلون فإن مذهب الزيدية قبول مراسيل العدول من غير استثناء وكتبهم معروفة" ولا يخفى أن هذا إلزام لا محيص عنه. والحامل للمصنف رحمه الله على الإطالة في المسألة أن السيد علي بن محمد بن أبي القاسم كثر في رسالته وبالغ في عدم قبول رواية أهل التأويل ثم استدل على ردهم بالكتاب ولاسنة والإجماع فسرد المصنف ذلك كله في العواصم وأشار هنا إلى زبدة ما أتى به هنالك ومن جملة أدلة السييد على القياس المتأول على المصرح فأشار المصنف إليه وإلى رده بقوله: "فإن قيل: قد وقع الإجماع على رد الفاسق المصرح والعلة في رده الفسق وهو حاصل في المتأول" هذا هو دليل السيد علي وقد أورد عليه المصنف في العواصم أحد عشر إشكالا تضمن كلامه هنا بعضها. "فالجواب من وجوه" متنشرة متداخلة: "الأول: أن هذا قياس مصادم للنص فلا يسمع وفاقا" إذ قد اتفق أئمة الأصول أن القياس إذا تصادم النص فهو قياس فاسد الاعتبار فلا حكم له والنص هنا آيات أوردها أيضا في العواصم وهي تسع آيات دالة بعمومها على قبول فساق التأويل وكفاره أحدها قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وهو شامل للسؤال عن الأدلة وعام لكل مسلم من أهل الذكر فيشمل الفساق ولاكفار تأويلا وثانيها: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] وهو عام في كل مما جاء عن الله وعن رسوله. ولما كان لقائل أن يقول هذه عمومات خصصت بالقياس أشار إلى رد القياس بوجه آخر فقال: "الثاني أنه قياس مخصص لكثير من القرآن والسنة فلا يقبل مطلقا" في كل ما ورد فيه "ويبقى للناظر فيه نظرة وقد بينت تلك الآيات" وهي تسع كما عرفناك "والآثار في العواصم وقد ذكرت منها قدر ثلاثين حجة" هو كما قال وقد عد هنالك ثمانية وعشرين حجة سنذكر هنا بعضها. "الثالث: أنه قياس ظني يتوقف في كونه حجة على الخصم على موافقة الخصم على صحته" ويأتي قدحه فيها "ثم" يتوقف "على موافقته على عدم معارضته بقياس أقوى

منه والأقوى بالعمل به أولى "والمعارضة ممكنة" له "فيهما" في الصحة والمعارضة بيانه في قوله "وأما المنازعة في صحته" فذلك يتم ببيان أن علة القايس ليست الفسق كما قاله المعترض بل ما أفاده قوله "فلأن الظاهر أن العلة" أي في قبول خبر الفاسق تأويلا حصول "الظن" بخبرة "لوجوه": "الأول" قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] فأمر الله تعالى باشهاد رجلين من المؤمنين وهو يدل على أن العلة في ذلك ليست هي العدالة "فلو كانت العلة مجرد العدالة وكون الراوي والشاهد منصبا لها" إشارة إلى قول السيد علي أن قبول الشهادة والرواية منصب رفيع يلزم الخلق أحكاما شديدة فيلتزمونها فأي رفعة أعظم منها فالعلة هي هذه وهي موجودة في فاسق التأويل مثلها في المصرح انتهى "لكفى الواحد" قد يقال فد كفى في الرواية عند الجماهير لذلك وأما الشهادة فورد النص باعتبار العدد "فإن قيل لو كان العلة الظن" كما قلتم "لكفى الواحد" لحصوله. "قلنا القصد الظن الأقوى" تقدم للمصنف إن الظن لا ينقسم إلى قسمين ولا يقف على مقدار ولا يمكن التعبير عن جميع مراتبه بالعبارة فتذكر "وأيضا فالظن يحصل بالإثنين غالبا" ويحصل أيضا بخبر الواحد بل قد يحصل به العلم كما قدمناه أول شرحا هذا فقبوله "ولا عبرة بالنادر" غير ظاهر "بخلاف الواحد فوقوع الشك في شهادتته كثير" يتحقق هذا من أصل صحيح. "الثاني" من الأدلة على أن العلة حصول الظن قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا} فإنه دال على أن المراج الصدق والتحير فيه لا رفع المناصب. "الثالث" من الأدلة على ذلك قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} . فجعل العلة خوف الخطأ والرغبة في تحرى الإصابة ولو كانت العلة المنصب لقال قتبيوا أن تعظموا فاسقا بجهالة. "والعمل بالظن لا يسمى جهالة كما في خبر العدل والمفتي والمؤذن" على أن الآية لم تدل على عدم قبول رواية الفاسق فإنه قال تعالى {فَتَبَيَّنُوا} ولم يقل تقبلوه والتبين هوالنظر فيما يدل على صدق خبره أو كذبه إذ ليس القطع برده وتكذيب خبره يسمى تبينا في اللغة ولا في الشرع ولا في العرف فإن التبين تفعل من البيان وهو

تطلب البيان وذلك لا يكون مع بيان رده ولا مع بيان قبوله ويوضح هذا أنه جاء التبين في القرآن الكريم غير مراد به الرد والتكذيب كقوله تعالى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} فإنه ورد في سبب نزولها أن جماعة من الصحابة لقوا رجلا في عنيمة له فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت الأية. إذا عرفت هذا فليس في الآية دليل على رد فاسق التصريح الذي جعله الرادون دليلا على الرد فصلا عما قاسوه في الرد عليه وهو فاسق التأويل إنما فيها الأمر لما أخبره به هل هو صادق أو كاذب فهو نظير قول سليمان عليه السلام في خبر الهدهد: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27] وانظر لما أرد تعالى رد شهادة القاذف قال: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [ألنور: 4] وقال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] وقوله في القذفة: {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] . "الرابع" قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106] فأجازة شهادة كافر التصريح عند الضرورة فدلعلى أن القصد الظن الأقوى هو حاصل بالعدلين من المسلمين "فحين لم يحصل اكتفى بالظن الضعيف" الحاصل من شهادة الكفار تصريحا. وفي العواصم وفي هذه وجهان: أحدهما أن الله تعالى شرع قبول الكفار عند الحاجة إليهم وهم لا يستحقون التعظيم ومنصب التكرمة والتبجيل. وثانيهما: ما أفاده قاوله "وفي هذه الآية جواز تخصيص العلة سواء كانت العدالة أو الظن" الأقوى فإنه قبل الظن الضعيف وهذا إشارة إلى منع السيد ابن أبي القاسم لتخصيص العلة كما في العواصم. "الخامس" قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] في العواصم فقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى} تنبيه ظاهرعلى أن المقصود قوة الظن وما هو أقرب إلى الصدق. "السادس" قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] قال فيها وأصل الآية وإن كانت في الكتابة فقد دخلت معها الشهادة بقوله: {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} .

"السابع ورود الشرع بشاهد ويمين" قال فيها أيضا واليمين فيها تهمة للحالف ولا رفع فيها للتهمة البتة فقامت مقام إشهاد آخر في قوة الظن لا في التعظيم وهذا شاهد قوي على أن العلة قوة الظن. "الثامن: رد حديث العدل المغفل الذي لا يتقن حديثه" وفي العواصم زيادة على هذا فإنه قال ولنذكر مسائل مما نص العلماء فيها على التعديل بالظن الأقوى قالوا إن من سمع الحديث من غير حجاب فروايته أولى ممن سمعه من وراء حجاب ولا شك أن العلة في هذا قوة الظن لا أن من سمع من غير حجاب أفضل. الثانية: أن يكون أحد الراويين مثبتا والآخر نافيا مع أالمثبت ليس بأفضل من النافي. الثالثة: أن يكون أحدهما عالما بالعربية والآخر غير عالم بها وإن كان عالما بما هو أفضل منها مما لا يتعلق بالرواية. الرابعة: أن يكون أحد الراويين لا يجيز الرواية بالمعنى فإن روايته أرجح. الخامسة: أن يكون أحد الراويين أكثر ذكاء وفطنة فإنه أرجح ممن ليس كذلك فإن الظن بصدقه أقوى. وأمثال هذه المسائل مما لا تحصى كثرة وهي مذكورة في كتب الأصول. "التاسع: أن علماء الأصول عملوا في باب الترجيح بتقديم خبر من قوى الظن بإصابته لا من كثر ثوابه ومنزلته عند الله تعالى" ومن ذلك قال العلماء لا يشهد العدل لنفسه ولا يحكم الحاكم لنفسه وإن كان عدلا تقيا وعللوه بقلة الظن المستفاد من العدالة لقوة الداعي الطبيعي إلى ذلك عند الحاجة والخصوصة ومحبة القلب وغيط الحاسد ومسرة الصديق من الدواعي الطبيعية المضعفة لعلة الصدق ولا يبقى فيها إلا ظن ضعيف لا يصح الاعتماد عليه في الحقوق ولما كانت الداعية الطبيعية قوية في شهادة الإنسان لنفسه وحكمه لنفسه أجمع أهل العلم على المنع من ذلك وقد عد المصنف في العواصم مسائل كثيرة من هذا. "العاشر أن الإجماع انعقد على قبول من عصى تأويلا ولم يفسق ولم يكفر وإن كثر ذلك منه كخطأ كثير من المعتزلة في الإمامة وكثير من فروع الكلام ولا شك أن من كثرت معاصيه من غير تأويل أنه مجروح بل من عصى عمدا وإن لم يكثر إذا أصر أو كانت المعصية مما تدل على الخسة فدار الرد" للراوة والقبول لهم "مع الجراءة

والقبول مع التأويل في هذا الموضع" وهو حيث كان عصيانه متأولا متكررا ولم يوجب كفرا ولا فسقا فقلت: م أنه يقبل "فقسنا عليه" من عصى متأولا بما لا يوجب فسقا ولا كفرا قلت: ولا يخفى أنه قد يقال المعصية التي اقتضت فسقاأو كفر أشد مما لا يقتضيه وأغلط ولا يقاس الأخف على الأغلط كما علم في الأصول وفيما سبق من الأدلة غنية عن هذا القياس. "فإن قيل" إذا كانت علة القبول هي ظن الصدق "يلزم قبول من ظن صدقه من المصرحين ورهان النصاري والبراهمة" أقول هذا أورده السيد علي بن محمدبن أبي القاسم صاحب الرسالة التي رد عليها المصنف بالعواصم فإنه قال وأما أن عللنا بتهمته بالكذب وترى أنه يعاقب عليه ويكون عند نفسه مطيعا لله تعالى فيلزم من أرباب الملل الخارجة عن الإسلام أن تقبل روايته مثل رهبان النصارى وعباد اليهود ومثل البراهمة فإنهم يتحرزون عن الكذب أشد تحرز ويتنزهون عنه أعظم تنزه. انتهى. فأورد المصنف سؤالا وأجاب عنه بقوله "قلنا هذا مخصوص وتخصيص العلة جائز ولا بد للمخالف منه" أي من تخصيص علته التي علل بها فإنه علل بالعدالة وهي مخصصة كما أفاده قوله "فإن من علل العدالة خص من العدول المغفل" فإنها لا تقبل روايته مع عدالته لمانع تغفيله "والآية المقدمة في الوجه الرابع" وهي قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} "حجة على تخصيص العلة فتأملها" بل خصصت شرطية إسلام الشاهد فضلا عن عدالته وهووأن كان الضرورة فقد صدق عليه أنه تخصيص علة. "وقد بسطت القول في هذه المسألة" أي مسألة قبول المتأولين "في العواصم احتجاجا وسؤالا وانفصالا وجمعت فيها مالم يجمع في كتاب فيما أعلم ولعل الذي جمعت فيها يأتي جزءا وسطا" هو كما قال وذلك لأن السيد علي صاحب الرسالة أطال في القول بعدم قبول رواية فساق التأويل وكفاره واستدل بالكتاب والسنة والإجماع فأورد عليه المصنف من الإشكالات مائة وزيادة على سبعين إشكالا وشحها بعلوم وفوائد لم يشتمل عليها سوى كتابه كتاب "وذلك لكثرة الحاجة إليها وأنبناء كثير من الأحكام الشرعية عليها فمن أراد الإستقصاء فليطالعها في هذا الكتاب المشار إليه" في كتاب العواصم في الجزء الأول منه وقد نقلنا في غضون هذه الأبحاث زبدا منه

مما يتعلق بذلك وهذا غير ما ذكره أئمة الحديث في المسألة. "وأما ما ذكره الحدثون في هذه المسألة فقد ذكروا في فساق التأويل أقوالا" ثلاثة فيما يتعلق بفساق التأويل فقط. "الأول: أهم لا يقبلون كالمصرحين" أي كما لا نقبل الفاسق فسقا صريحا "روى" هذا القول "عن مالك وقال ابن الصلاح: إنه بعيد متباعد الشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة كما سيأتي" ومن المبتدعة فساق التأويل. وقال السخاوي في شرح ألفية الزين قال الخطيب في الكفاية إن هذا القول يروى عن طائفة من السلف منهم مالك وكذا نقله الحاكم عنه ونصه في المدونة في غير موضع يشهد له وتبعه أصحابه وكذا جاء عن القاضي أبي بكر الباقلاني وأتباعه بل نقله الآمدي عن الأكثر وجزم به ابن الحاجب انتهى وقال السخاوي أيضا بعد نقله كلام ابن الصلاح ما لفظه وكذ اقال شيخنا يريد به الحافظ ابن حجر إنه يفيده قال وأكثر ما علل به أن في الرواية ترويجا لأمره وتنويها بذكره وعلى هذا لا ينتفي أن يروى عن مبتدع شيئا يشاركه فيه غير مبتدع. قلت: وإلى هذا التفصيل مال ابن دقيق العيد حيث قال إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه إخمادا لبدعته وإطفاء لناره يعنى أنه كما يقال من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه وإن لم يوافقه ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفناه من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته. القول "الثاني: إن كان يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل وإلا قبل وإن كان داعية إلى مذهبه عزاه الخطيب إلى الشافعي" كما نقله عنه الخطيب في الكفاية لأنه قال أقبل من غير الخطابية ما نقلوا قال لأنهم يرون شهادة أحدهم لصاحبه فمن لم يستحل الكذب كان مقبولا لأن اعتقاد حرمة الكذب تمنع من الإقدام عليه فيحصل صدقه قال الخطيب ويحي أيضا أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري ونحوه عن أبي حنيفة بل حكاه الحاكم في المدخل عن أكثر أئمة الحديث وقال الفخر الرازي في المحصول إنه الحق ورجحه ابن دقيق العيد. "الثالث" من الأقوال في المسألة "إن كان" فاسق التأويل أو كافره "داعية إلى مذهبه لميقبل وإلا قبل وهو مذهب أحمد" بن محمد بن حنبل "كما قاله الخطيب قال ابن

الصلاح: وهذا مذهب الكثير أو الأكثر وهو أعد لها وأولاها قال ابن حبان هو قول أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا" عبارة الزين ونقل ابن حبان فيه الإتفاق فغيرها المصنف إلى أنه قال لا نعلم فيها خلافا. وقد نقل السخاوي في شرح الألفية الخلاف في ذلك فكأنه لذلك غير المصنف العبارة وعبارة ابن حبان في ترجمة أحمد بن جعفر بن سليمان الضبعي في ثقاته بلفظ ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعوا إليها إن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره انتهى. قال السخاوي بعد نقله وليس صيرحا في الإتفاق لا مطلقا ولا بخصوص الشافعية ثم قال وقد قال شيخنا إن ابن حبان أعرب في حكاية الأتفاق قلت: هذا تقرير من شيخه وهو الحافظ ابن حجر أن عبارة ابن حبان تفيد الإتفاق على قبول ذي البدعة غير الداعية إذا كان صدوقا وهي تفيده في إتقاف أئمة الشافعية وإن قال السخاوي ما قال ولكن يشترط مع هذين أعني كونه صيدوقا غير داعية أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشدها ويزينها فأنا لا نأمن حينئذ عليه غلبة الهوى أفاده شيخنا وإليه يومي كلام ابن دقيق العيد الماضي بل قال شيخنا نص على هذا القيد في المسألة الحافظ أبو إسحق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ النسائي "وكذا حكى بعض أصحاب الشافعي عن أصحاب السافعي أنهم لا يتختلفون في ذلك" هذا كله في فساق التأويل. "وأما كفار التأويل فلم يذكرهم كثير منهم" أي من أئمة الحديث "لأنهم لا يقولون بتكفير أحد من أهل القبلة إلا من علم كفره بالضرورة من الذين كالباطية ومنهم من ذكرهم فحكى الخلاف فيهم ممن ذكرهم زين الدين بن العراقي فحكى عن إمام المحدثين بلا مدافعة الحافظ الثبت الخطيب البغدادي الشافعي أنه حكى عن جماعة من أهل النقل ولامتكلمين أنهم يقبلون أهل التأويل وإن كانوا كفارا أو فساقا قال زين الدين واختاره يصاحب المحصول قلت: الجمهور منهم على رد الكافر قال زين الدين ونقله السيف الآمدي عن الأكثرين وبه جزم أبو عمرو بن الحاجب" فإنه قال في مختصر المنتهى ولامبتدع بما يتضمن التكفير كالكافر عند المكفر وأما غير المكفر فكالبدع الواضحة ثم اختار رد أهل البدع الواضحة.

قال السخاوي: وحكى الخطيب في الكفاية عن جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة وإن كانوا كفارا أو فساق التأويل. "وقال: صاحب المحصول: الحق أنه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته وإلا فلا لأن اعتقاد حرمة الكذب يمنعه منه". قال السخاوي قال شيخنا والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة لأن كل طائفة تدعى أن مخاليفها مبتدعة وقد تبالغ فتكفرها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا معلوما من الدين بالضرورة أي إثباتا ونفيا فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله أصلا وقال أيضا ولاذي يظهر أن نحكم بالكفر على من كان الكفر صريح قوله وكذا من كان لازم قوله وعرض عليه فالتزمه أمامن لم يلتزمه وناضل عنه فإنه لا يكون كافرا ولو كان اللازم كفرا قال وينبغي حمله على غير القطعي ليوافق كلامه الأول. وسبقه ابن دقيق العيد فقال الذي تقرر عندنا أن لا تعتبر المذاهب في الرواية إذ لا نكفر أحدا من أهل القبلة إلا بإنكار قطعي من الشريعة فإذا اعتبرنا ذلك وانضم إليه التقوى والورع فقد حصل معتمدالرواية وهذا مذهب الشافعي حيث قال تقبل رواية أهل الأهواء قال وأعراض الناس حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام قال الشافعي في الأم ذهب الناس في تأويل القرآن الأحاديث إلى أمور تباينوا فيها ثباينا ششديدا واستحل بعضهم من بعض بما تطول حكايته وكان ذلك متقادما منه ما كان في عهد السلف وإلى اليوم فلم نعلم من سلف الأمة ممن يقتدي به ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله عليه ولا يرد أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمل وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال انتهى نقله السخاوي في شرحه. * * *

قال المصنف "ونلحق بهذه مسائل" خمس: "المسألة الأولى": "من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولو مرة واحدة وكان متعمدا ويظهر تعمده بإقراره أو نحوه بحيث ينتفي أن يكون أخطأ أو نسى "ثم تاب وحسنت توبته فإنه لا تقبل روايته أبدا" في شيء مطلقا سواء كان المكذوب فيه أو غيره ولا يكتب عنه شيء ونحتم جرحه أبدا نعلم قال الإمام تقبل توبته بينه وبين الله وعدم قبوله مطلقا هو "كما قال غير واحد من أهل العلم منهم الإمام أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي" وهو يصاحب الشافعي وشيخ البخاري واسمه عبد الله بن الزبير ونقله الخطيب في الكفاية والحازمي في شروط الستة عن جماعة والذهبي عن رواية ابن معين وغيره. واعلم أنه يلتحق بتعمد الكذب في هذا الحكم من أخطأ ثم أصر على خطئه وصمم بعد بيان ذلك له مما يوثق بعلمه مجرد عناد. قال السخاوي وأما من كذب عليه في فضائل الأعمال معتقدا أن هذا لا يضر ثم عرف ضرره وتاب فالظاهر كما قال بعض المتأخرين قبول روايته وكذا من كذب دفعا لضرر يلحقه من عدو. قال اللصيرفي وليس بطعن على المحدث إلا أن يقول تعمدت الكذب فهو كاذب في الأول أي الخبر الذي رواه واعترف بالكذب فيه ولا يقبل خبره بعد ذلك أي مؤاخذة له بإقراره. قال النووي ولم أر للقول بعدم قبوله دليلا ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا وزجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لعظم مفستدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة ثم قال وهذا الذي ذكره الأئمة ضيعف مخالفللقواعد الشرعية والمختار القطع بصحة توبته في هذا أي في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة قال فهذا هو الجاري على قواعد الشرع وقد أجمع على صحة رواية من كان كافرا فأسلم قال وأجمعوا على قبول شهادته والرواية في هذا وكذا قال في الإرشاد هذا مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيره انتهى. وقال الذهبي إن من عرف بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا

يحصل لنا ثقة بقوله إني تبت يعني كما قيل في مسألة المعترف بالوضع قلت: وما كان يحسن من المصنف ذكر المسألة من دون ذكر دليلها ويأتي له تفصيل فيها. "وأما الكذب في حديبث الناس وغيره من أسباب الفسق فنقبل رواية التائب منه وممن ذكر هذه المسألة أبو بكر الصيرفي الشافعي" فإنه ذكر في كتبه في الأصول أنه لا يعمل بذلك الخبر ولا بغيره من روايته "وزاد أيضا أن من ضفنا خيره لم نجعله قويا وذكر أبو المظفر السمعاني أن من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه" لأنه صار محل ريبة. "قلت: كلامهم في رد الكذب في الحديث ولو بعد إظهار التوبة فوى فيما يتعلق" من الأحاديث "بالمصالح لئلا يتوصل الكذابون بإظهار التوبة إلى قبول أباطيلهم" هذا في التضعيف بالكذب "وأما من ضعف من أجل حفظه" وهو الذي زاده الصيرفي "ثم قوى حفظه وهو من أهل الديانة والصدق فلا وجه لقول الصيرفي إنا لا تجعله قويا والله أعلم" قلت: كما لا وجه لرد رواية الكذاب في الحديث بعد صحة توبته إذ بعدصحتها قد اجتمعت فيه شروط الرواية فالقياس قبوله. * * * "المسألة الثانية" "من روى عن ثقة فكذبه الثقة والمسألة مشهورة في الأصول" وذلك أنه قد تعارض كلام الراوي والمروي عنه فذلك صرح بالراية وهو ثقة وشيخه صرح بكذبه عليه. فلذا قال المصنف: "والصحيح فيها أنها موضع اجتهاد" إذ لكل جهة ترجيح أما الراوي فلكونه مثبتا أما الشيخ فلكونه نفى ما يتعلق به مع احتمال نسيانه "فينظر في أيهما أصدق وأحفظ وأكثر جزما وأقل ترددا وكذلك أيهما أكثر" من الكثرة بالثلثة "الفرع" وهو الراوي "أو الأصل" وهو شيخه. "فقد يدعي الواحد على الجماعة فيكذبونه والجماعة على الواحد فيكذبهم فإذا استوفيت طرق الترجيح" المعروفة في الأصول وغيرها مما يقود إليه المقام "حكم بالراجح" وقال التاج السبكي عدالة كل واحد منهما متيقنة وكذبه مشكوك فيه ولايقين لا يرفع بالشك فتساقطا يعني فيقبل الخبر وهو اختيار أبي المفظر السمعاني وبه قال أبو الحسن القطان وقد عرفت ما حققه النووي والمصنف جنح إلى الترجيح مستدلا

بقوله "فإنهما خبران متعارضان فيجب استعمال طرق الترجيح" المعروفة "بينهما كسائر الأخبار المتعارضة" وإلى الترجيح مال الفخر الرازي وقال إن الرد إنما هو عند التساوي فلو رجح أحدهما عمل به "ولا يلزم جرح واحد منهما" بكذيبه الآخر وأما تكذيب الشيخ فواضح وأما تكذيب الفرع له فلأن جزمه بكونه حدثه يستلزم تكذيبه في دعواه أنه كذب "لاحتمال النسيان" من الأصل "والقطع بالتأويل فقد يقول" الأصل "لو كان لذكرت ونجعل هذا دليلا قاطعا" على كذب الفرع "وهو موضع النزاع" لأن الفرع يقول أنه نسي والأصل يزعم أنه لم ينس. "والغالب في هذه المسألة سقوط الحديث بالتعارض" بين الأصل وفرعه "ولكن هذا الغالب لا يوجب إسقاط الحكم النادر إذا قويت القرائن بنسيانه وغلب في الظن صدق الراوي عنه" فإن النظر إلى القرائن والترجيح بها لا بد منه. "وهذا كله" من الحكم المذكور "إذا كذبه" أي كذب الأصل فرعه "أما إذا قال أنسيت" بالبناء للمجهول "ولم يقطع بتكذيبه صدق" أي الفرع في روايته قال السخاوي فإن جزم بالرد بدون تصيرح كقوله ما رويت هذا أو ما حدثت به قط أو أنا عالمأنني ما حدثتك أو لم أحدثك فقد سوى ابن الصلاح تبعا للخطيب وغيره بينهما أيضا وهو الذي مشى عليه شيخنا في توضيح النخبة لكن قال في الفتح الراجح عندهم أي المحدثين القبول وتمسك بصنع مسلم حيث أخرج حديث عمرو بن دينار عن أبي معيد عن ابن عباس ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير مع قول أبي معبد لعمرو لم أحدثك به فإنه دال على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا وكذا صحح الحديث البخاري وغيره وكأنهم حملوا الشيخ في ذلك على النسيان ويؤيده قول الشافعي في هذا الحديث بعينه كأنه نسى. "وقيل هذا" أي تصديقه إذا لم يصرح بتكذيبه "مذهب جمهور الفقهاء والمحدثين وأهل الأصول". قال السخاوي وصححه غير واحد منهم الخطيب وابن الصلاح وشيخنا بل حكى فيه إتفاق المحدثين لأن الفرض أن الراوي ثقة جزما فلا يطعن فيه بالاحتمال إذ المروى عنه غير جازم بالنفي بل جزم الراوي فيه وشكه قرينة لنسيانه "خلافا لبعض أصحاب أبي حنيفة" فقالوا برده "وحكاه ابن الصباغ في العدة عن أصحاب أبي

حنيفة" كلهم لكن قال السخاوي في التعميم نظر إلا أن يريد المتأخرين منهم. قلت: ونسبه في شرح مسلم للكرخي ولكنه قال الكيا الطبري إنه لا يعرف لهم في مسألتنا بخصوصها كلام إلا أن أخذ لهم ذلك في ردهم حديث: "إذا نكحت المرأة بدون إذن وليها فنكاحها باطل" 1 لأنه جعل ابن الصلاح من أمثلة من حدث فنسى. قلت: قال ابن الصلاح: إن الحنفية ردوا حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نكحت المرأة الحديث من أجل أن ابن جريج قال لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه. انتهى. "وأما إذا روى الشيخ ذلك الخبر لغير هذا الذي كذبه الشيخ أو روى عنه ثقة آخر قبل كذا ذكره الزين قلت: إذا كان إنما أنكر رواية ذلك الفرع عنه ولم ينكر أنه يروى الحديث أو أنه رواه لغيره قبل ذلك منه" لعدم الريبة في الشيخ "وإلا" أي وغلا ينكر الشيخ رواية الفرع فقط بل أنكر الحديث نفسه "لم تقبل من الشيخ روايته إذا وقعت قبل الأنكار ولا رواية غيره عنه قبله أيضا لأن اضطراب يقدح في الحديث كما تقدم وهذا أشد من الاضطراب" إذ هو قبول للحديث مع الريبة في الرواة "إلا أن يحكم بقبول الجميع ويجعلها" أي روايات الشيخ وفرعه "توابع يقوي بعضها بعضا فقبولها قوي إما إذا استفاد" الشيخ الحديث الذي أنكر التحديث به "بعد" أي بعد إنكاره "فرواه وروى عنه" عن فرعه "فلا إشكال" لأنه حدث به بعد يقين لحمله له من الثقة. وكأنه يشير إلى مثال معروف للمسألة وهو ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من رواية ربيعة بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد2 زاد أبو داود في رواية أن عبد العزيز الدراوردي قال ذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه قال عبد العزيز وقد كانت أصابت سهيلا على أذهبت بعض عقله ونسى بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدث عن ربيعة عن أبيه وزاد أبو داود

_ 1 أحمد 6/66, 166, والدارمي 2/137, والحاكم 2/168, والإرواء 6/243, وقال: صحيح. 2 مسلم في: الأقضية: حديث 3/, وأبو داود في: الأقضية: ب 21, وابن ماجة في: الأحكام: ب 31, وأحمد 1/248.

أيضا من رواية سليمان بن بلال عن ربيعة قال فلقيت سهيلا فسألته عن قصة الحديث فقال ما أعرفه قلت: أن ربيعة أخبرني به عنك قال إن كان ربيعة أخبرك عني فحدث به عن ربيعة عني. "وقد كره جماعة من العلماء التحديث عن الأحياء من العلماء لأن النسيان غير مأمون على الإنسان فيبادر إلى جحود ما روى عنه" قال السخاوي1 لكن قد قيد هذه الكراهة بعض المتأخرين بما إذا كان له طريق أخر غير طريق آخر غير طريق الحي أما إذا لم يكن له سواها وحدث فلا معنى للكراهة لما في الإمساك من كتم العلم وقد يموت الراوي قبل المروى عنه فيضيع العلم وهذا حسن إذا المصلحة محققة والمفسدة مظنونة وكذا يحسن تقييد ذلك بما إذا كانا في بلد واحد أما إذا كانا في بلدتين فلا لاحتمال أن يكون الحامل له على الإنكار النفاسة. وقد حدث عمرو بن دينار عن الزهري2 بأشياء وسئل الزهري عنه فأنكره فاجتمع بالزهري فقال أليس يا أبا بكر قد حدثتني بكذا فقال ما حدثتك به ثم قال والله ما حدثت به وأنا حي إلا أنكرته حتى توضع أنت في السجن انتهى قلت: إذا صحت هذه عن الزهري فهي قادحة فيه. "روى عن الشعبي أنه قال لابن عون لا تحدثني عن الأحياء" رواه عن الشعبي الخطيب في الكفاية3 بأسناده إليه "وعن معمر أنه قال لعبد الرزاق أن قدرت أن لا تحدث عن رجل حي فافعل" رواه عنه أيضا الخطيب في الكفاية4. "وعن الشافعي أنه قال لابن عبد الحكم" واسمه محمد بن عبد الله "إياك والرواية عن الأحياء وفي رواية البيهقي" في المدخل "قال" الشافعي لابن الحكم "لا تحدث عن الحي فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان قاله" الشافعي لابن عبد الحكم "حين حكى عنه حكاية فأنكرها ثم ذكرها".

_ 1 فتح المغيث 2/85. 2 الزهري هو: أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب المدني. قال ابن منجويه: رأى عشرة من الصحابة وكان من أحفظ أهل زمانه فقيها فاضلا. مات سنة 124. له ترجمة في: العبر 1/158, ووفيات الأعيان 1/451, وشذرات الذهب 1/162. 3 ص 139. 4 ص 140.

قال السخاوي وذلك فيما روينا في مناقبه والمدخل كلاهما للبيهقي من طيرق أبي سعيد الخصاص عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت من الشافعي حكاية فكيتها عنه فنميت إليه فأنكرها قال فاغتم أبي لذلك غما شديدا وكنا نجله فقلت: له أنا أذكره لعله يتذكر فمضيت إليه فقلت: يا أبا عبد الله أليس تذكر يوم كذا وكذا في الإسلام فوقفته عن الكلمة فذكرها ثم قال يا محمد لا تحدث عن الحي فإن الحي لا يؤمن عليه أن ينسى1. انتهى. "المسألة الثالثة": "من أخذ أجرة على الرواية اختلفوا" أي أئمة الحديث "فيه" أي في قبول من أخذ أجرة على التحديث2 "منهم من لم يقبله وهو مذهب أحمد" ابن حنبل "وإسحق" بن راهويه "وأبي حاتم الرازي3" قالوا "لأنه يخرم من مروءة الإنسان وإن استحله" الأخذ أي رآه حلالا لأنه قد تقدم في رسم العدالة أنه لا بد من السلامة عما يخرم المروءة فمن خرمها فليس بعدل "بخلاف أخذ الأجرة على القرآن" أي على تعليمه قالوا لأن هناك العادة جارية بأخذ الأجرة فلا يخرم مروءة الآخذ قالوا "و" لأن "الظن يساء بفاعل ذلك" أي فاعل قبض الأجرة على الرواية. قال الخطيب وإنما منعوا ذلك تنزيها للراوي عن سوء الظن به فإن بعض من كان يأخذ الأجرة على الرواية. عثر على تزيده وادعائه مالم يسمع لأجل ما كان يعطي ولذا بالغ شعبة فيما يروي عنه وقال لا تكتبوا عن الفقراء شيئا فإنهم يكذبون4.

_ 1 التقييد والإيضاح ص 131- 132. وفتح المغيث للعراقي 2/31. وتدريب الراوي 1/337. 2 في التعليقة السابقة خلاف هؤلاء العلماء حاصل في أخذ المحدث العوض عن التحديث من تلاميذه الذين ينقطع هو لهم. فإما أن يأخذ المحدث من بيت مال المسلمين ما يقوم بحاجاته وحاجات من تجب عليه نفقتهم جزاء احتباسه لذلك فليس بموضوع خلاف بينهم والله اعلم. 3 أنظر علوم الحديث ص 107. وفتح المغيث للعراقي 2/31, وتدريب الراوي 1/337. 4 أنظر الكفاية ص 154, 155.

"قال الزين إلا أن يقترن بذلك عذر ينفي ذلك عنه" أي سوء الظن وخرم المروءة "كما روى عن أبي الحسين بن النقور1" ضبط بالنون والقاف آخره راء "أنه فعل ذلك" أي أخذ الأجرة على الرواية "لأن أصحاب الحديث منعوه عن النكب لعياله فأفتاه بجوازذلك في هذه الحال الشيخ أبو اسحق الشيرازي2" فهذا مع العذر وأما مع عدمه فتقدم من منع ذلك. "ومنهم من رخص فيه" أي في أخذ الأجرة "منهم أبو نعيم الفضل بن دكين" بالدال المهملة مضمومة "شيخ البخاري" روى عنه فأكثر وروى عنه الإمام أحمد وإسحق بن راهوية وابن المبارك وخلق وكان أبو نعيم من أحفظ الناس وأشدهم إتقانا وثقة الأئمة وكان يأخذ العوض على التحديث بحيث أنه كان إذا لم يكن معهم دراهم صحاح بل مكسورة أخذ صرفها ذكره البخاري3. ومنهم عفان أحد الشيوخ الحفاظ الأثبات شيخ البخاري أيضا قال حنبل سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يقول شيخان كان الناس يتكلمون فيهم ويذكرونهما وكنا نلقي من الناس في أمرهما ما الله به عليم قاما الله بأمر لم يقم به أحد أو كثير أحد يقل ما قاما به عفان ونعيم يعني بقيامهما عدم الإجابة في المحنة وتكلم الناس فيهمامن أجل أنهما كانا يأخذان على التحديث4. وقد عد السخاوي جماعة أخذوا على التحديث قال ابن حزم سمعت أبا نعيم يقول يلومونني على الأخذ ويف بيتي ثلاثة عشر وما في بيتي رغيف. * * * "المسألة الرابعة": "رد أهل الحديث من عرف بالتساهل في السماع كالنوم" أي كمن ينام هو أو شيخه "في حال السماع" ولا يبالي بذلك ولذا قال "سواء صدر من الشيخ أو من التلميذ فإنه قدح فيمن صدر عنه ثم اعتد بذلك السماع من غير تمييز لما سمعه مما نام عند سماعه"

_ 1 له ترجمة في: تاريخ بغداد 4/381- 382, والعبر 3/272. 2 فتح المغيث للعراقي 2/33, والعبر 3/272- 273. 3 الكفاية ص 156. وسير أعلام النبلاء 10/125. 4 تاريخ بغداد 12/348- 349.

وذلك لأنه يثبت ماسمع ولا بضبطه رد أهل الحديث روايته "ومثل من روى الحديث من غير أصل مقابل على أصله أو أصل شيخه" مع كونه هو أو القارئ أو بعض السامعين غير حافظ كما يأتي في بابه ومن ذلك من كان يحدث بعد ذهاب أصوله واختلاج حفظه كابن لهيعة حكاه هشام بن حسان. قال جاء قوم ومعهم جزء قالوا سمعناه من ابن لهيعة فنظرت فلم أجد فيه حديثا واحدا من حديثه فأتيته فأعلمته بذلك فقال ما أفعل يجيئوني بكتاب فيقولون هذا من حديثك فأحدثهم به1 قال السخاوي2 ولاظاهر أن الرد بذلك ليس على الإطلاق وإلا فقد عرف به أئمة من الجماعة المقبولين وكأنه لما انضم إليهم من الثقة وعدم الإتيان بمالا ينكر. "وكذا" رد "من عرف بقبول التلقين" الباطل مما يتقنه إياه والتلقين في اللغة التفيهم وفي العرف إلقاء كلام إلى الغير "في الحديث" أي إسنادا أو متنا وبادر إلى التحديث بذلك ولو مرة. "وهو أن يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه" فلا يقبل لدلالته على مجازفته وعدم تثبته وسقوط الوثوق بالمتصف به. "كموسى بن دينار" في الميزان قال علي سمعت يحيى القطان قال دخلت على موسى بن دينار أنا وحفص فجعلت لا أريده على شيء إلا لقنته وقال أبو حاتم مجهول وقال الدارقطني ضعيف "ونحوه وكذلك" ردوا "حديث من كثرت المناكير والشواذ في" الروايات من "حديثه" قال ابن الصلاح: في وجه رده وذلك لأنه يخرم الثقة بالراوي وضبطه "كما قال شعبة لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ3" أي النادر وجوده في الرواة. "وكذلك قيل له" أي لشعبة "من الذي يترك الرواية عنه قال إذا أكثر من الرواية عن المعروف بما لا يعرف أو أكثر غلطه" وقال القاضي أبو بكر الباقلاني فيما حكاه الخطيب عنه4 من عرف بكثرة الغفلة والسهو وقلةالضبط رد حديثه.

_ 1 الكفاية ص 152. وسير اعلام النبلاء 8/24. والمجروحين 1/69. 2 فتح المغيث 2/101. 3 الكفاية ص 141. والمحدث الفاضل ص 410. وعلوم الحديث ص 108. 4 الكفاية ص 152.

قال السخاوي1 وأما من لم تكثر شواذه ولا مناكيره أو كثر ذلك مع تمييزه له وبيانه فلا يرد. "وكذلك ردوا حديث من عرف بكثرة السهو إذا لم يحدث عن أصل صحيح وأما من أصر على غلطه بعد البيان فورد عن ابن المبارك وأحمد ابن حنبل والحميدي وغيرهم أنها تسقط روايته ولا يكتب عنه2" لأن إصراره على الغلط يبطل الثقة بقوله "قال ابن الصلاح: وفي هذا نظر" قال السخاوي وكأنه لقوله قد لا يثبت عنه ما قيل إما لعدم اعتقاده علم المبين له وعدم أهليته أو لغير ذلك. "وهو غير مستنكر إلا إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك وقال ابن مهدي لشعبة من الذي تترك الرواية عنه فقال إذا تمادى على غلط مجمع عليه ولا يتهم نفسه عند الإجتماع" أي إجتماع الحفاظ "على خلافه" أي خلاف مارواه "أو رجل يتهم بالكذب وقال ابن حبان إن من تبين له خطأه وعلم" بخطئه "فلم يرجع عنه وتمادى" في ذلك "كان كذابا بعلم صحيح" قال التاج التبريزي لأن المعاند كالمستخف بالحديث بترويج قوله بالباطل وأما إذا كان عن جهل فأولى بالسقوط لأنه ضم إلى جهله إنكاره الحق وكان هذا يفمن يكون يف نفسه جاهلا مع اعتقاده علم من أخبر. * * * "المسألة الخامسة": "قال زين الدين ما معناه أعرض الناس في هذه المصور المتأخرة عن اعتبار مجموع هذه الشروط" التي شرحت فيما مضى في الراوي وضبطه فلم يتقيد وابها في علمهم "لعسرها وتعذر الوفاء بها" بل استقر عندهم العمل على اعتبار بعضها كما أشار إليه بقوله "فيكتفي في أهلية الشيخ كونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق وما يخرم المروءة" زاد لزين ظاهرا والمراد بكونه مستور الحال فهذا في العدالة. "ويكتفي في اشتراط ضبط الراوي بوجود سماعه مثبتا بخط ثقة غير متهم وبروايته من أصل موافق الأصل شيخه وقد سبق إلى نحو ذلك" أي ماقاله الزين الحافظ الكبير أبو بكر "البيهقي لما ذكر توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذي لا

_ 1 فتح المغيث 2/105. 2 أنظر الكفاية ص 117- 118, وفتح المغيث للعراقي 2/34.

يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم وذلك" أي وجه الأكتفاء بما ذكر وكأنه نقل كلام البيهقي بمعناه وعبارة ابن الصلاح بلفظ ووجه ذلك يعني البيهقي بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت في الجواع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها "لتدوين الحديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث". "قال" البيهقي "فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم" أي الأئمة الجامعين للأحاديث التي عرفت عندهم "لم نقبل منه" لأنه يبعد أن لا يأتي أحد من الأئمة في كتبهم "ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه" حال كونه "لا ينفرد بروايته" بل رواه غيره "فالحجة قائمة بحديثه من رواية غيره" فأن قيل فما فائدة السماع منه فجوابه قوله "والقصد بروايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة" وهي سلسلة الإسناد بلفظ التحديث والأخبار "التي خصت بها هذه الأمة" فإنه لم يكن ذلك في الأمم الماضية "شرفا" خبر ليبقى على أنه فعل ناقض على قول أو مفعول له أو حال من الكرامة "لنبينا صلى الله عليه وسلم" تبقى أخباره على هذه الطريقة التي لا انقطاع فيها1. قلت: ولا يعزب عن ذهنك أن المصنف قد سرد في آخر بحث المرسل هذه الفائدة وزاد عليها فائدتين فتذكر "وكذا الاعتماد في روايتهم على الثقة المفيد لهم لا عليهم" والحاصل أنه لما كان الغرض أولا معرفة التعديل والتجريح وتفاوت المقامات في الحفظ والإتقان ليتوصل بذلك إلى التصحيح والتحسين والتضعيف حصل التشديد بمجموع تلك الصفات ولما كان الغرض آخرا هو الاقتصار في التحصيل على مجرد وجود السلسلة السندية اكتفوا بمامر ذكره وتقريره "وهذا كله توصل من الحفاظ إلى حفظ الأسانيد إذ ليسوا من شرط الصحيح إلا على وجه المتابعة فولا رخصة العلماء لما جارت الكتابة عنهم" لأنهم ليسوا على شرط من كتب حديثه "ولا" جازت "الرواية إلا عن قوم منهم" انتهى كلام الحافظ البيهقي. "قال زين الدين وهذا هو الذي استقر عليه العمل قال الذهبي في مقدمة كتابه

_ 1 علوم الحديث 109. وفتح المغيث للعراقي 2/35, وفتح الباقي 1/347- 348.

الميزان العمدة في زماننا يلس على الرواة بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين قال ثم من المعلوم أنه لا بد من صون المروى وستره" أي صائنا لعرضة ساترا لنفسه عن الأدناس وما يعيببه عليه الأكياس من الناس كذا فسره البقاعي ويظهر لي أنه أراد صوته لكتاب سماعه بدليل قوله المروي وستره له عمن بغيره ويفسده والله أعلم. واعلم أنه ذكر هذا في الميزان علة لقوله وكذلك من قد تكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من قد تبين ضعفه أو على التوقف منه واتضح أمره من الرواة والعمدة إلى آخره. ثم قال والحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس ثلثمائة ولو فتحت على نفسي تلبين هذا الباب لما سلم مني إلا القليل إذا الأكثر لا يدرون ما يرو ولا يعرفون هذا الشأن إنما سمعوا في الصغر واحتيج إلى علو سندهم في الكبر فالعمدة على من قرألهم وعلى من أثبت صفات السماع لهم انتهى. "قلت: هذا الذي يرجع إليه أهل الحديث هو بعينه الذي بدأ به أهل البيت عليهم السلام" أي الزيديه منهم فإنه قد عد المنصف في العواصم عدة من علماء أهل البيت ليسوا على مذهب الزيدية بل في كل فرقة من فرق الأئمة الأربعة علماء من أهل البيت مذاهبهم على طربقة من هم بين اظهرهم "وهو قبول المراسيل من العدول الثقات الأمناء" وذلك لأن هؤلاء الرواة من المتأخر ين صرح أئمة الحديث بأنه ليس الإعتماد عليهم بل على المحدثين المفيدين وإذا كان الأعتماد عليهم لم يكونوا الإعتماد عليهم بل على المحدثين المفيدين وإذا كان الإعتماد عليهم لم يكونوا رواة فالذي يروي من طريقهم مرسل وإن كان موصولا صورة "ولكن لابد من تقييد المراسيل بما تقدم في بابها والله أعلم" حيث قال فأن المتأخرين من المحدثين وافقوا على قبول المراسيل وهو ملنص على صحته ثقه عارف بهذا الشأن لارتفاع العلل الموهية للمراسيل عن هذا النوع إلى آخر كلامه هنالك. * * *

مسألة (50) : في ذكر مراتب التعديل

مسألة: 50 [في ذكر مراتب التعديل] من علوم الحديث ذكر "مراتب التعديل" مصدر عدله نسبه إلى العدالة مثل فسقه "قال زين الدين هذه الترجمة معقود لبيان ألفاظهم في التعديل التي يدل تغابرها على تباين أحوال الرواة في القوة وقد رتب ابن أبي حاتم" هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن الإمام أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي1 "في مقدمة كتاب الجرح والتعديل2 طبقات ألفاظهم فيها فأجاد وأحسن" كما قاله ابن الصلاح3 "وقد أوردها ابن الصلاح وزاد فيها ألفاظا أحذها من كلام غيره" أي غير ابن أبي حاتم "قال زين الدين وقد زدت عليها ألفاظا من كلام أهل هذا الشأن غير متميزة بقلت" أي لا يميزها عن غيرها بقوله قلت: "ولكنني أوضح ما زدته عليها هنا إن شاء الله تعالى" انتهى كلام الزين. "ثم قال مراتب التعديل أربع أوخمس" وقال السخاوى4 ست وسأوضح مازاده. "فالمرتبة الأولى العليا من ألفاظ التعديل ولم يذكرها ابن أبى حاتم ولاابن الصلاح فيما زاده عليه وهو أن يكرر لفظ التوثيق الذكور في هذه الرتبة الأولى إما مع تباين اللفظين" مع تقارب المعنى. "كقولهم ثبت" بسكون الموحدة الثابت القلب واللسان والكتاب وأما ثبت بالفتح ففما يثبت فيه للمحدث مسموعه مع أسماء الشاركين له فيه لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره "حجة أو ثبت حافظ أو ثقه ثبت أوثقه متقن" هو

_ 1 له ترجمة في: البداية والنهاية 11/191. والعبر 2/208. والنجوم الزاهرة 3/256. 2 1/1/37. 3 علوم الحديث ص 110. 4 فتح المغيث 2/109.

الضابط الجيد الضبط فلا بد حينئذ مما يدل على العدالة فاذا قال ثبت أفاد ذلك وزيادة فان معناه ما تطمئن به النفي وتقنع به فيثبت عندها أي لاتطلب عليه مزيدا إذ ذلك لايكون إلا لمن جمع مع الضبط العدالة قال في القاموس ثبته عرفه حق المعرفة والإثبات الثقات انتهى وفي النهايه الثبت بالتحريك الحجة والبينة وحينئذ يكون من الرتبة التى قبلها أو نحو ذلك كقولهم كأنه مصحف هذا مع اختلاف اللفظين. "أومع إعادة الفظ الأول" بعينه "كقولهم ثقة ثقة" تأكيد لفظي لزيادة التقرير "أو نحوها" وذلك لأن التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زيادة على الكلام الحاكي عنه. قال السخاوي وعلى هذا فما زاد على مرتين مثلا يكون أعلى منهما كقول ابن مهدي ثقه ثقة مأمون ثبت حجة صاحب حديث قال وأكثر ماوقفنا عليه من ذلك قول ابن عيينة حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقة سبع مرات وكأنه سكت لانقطاع نفسه. "فهذه المرتبة أعلى العبارات في الرواة المقبولين كما قاله الحافظ أبو عبد الله الذهبي في مقدمة كتابه ميزان الإعتدال" 1 فأنه قال فأعلى العبارات في المقبولين ثبت حجة إلى آخر ما هنا وقال السخاوي2 إن أعلاها كما قاله شيخه الحافظ ابن حجر الإتيان بصيغة أفعل كأن يقال أوثق الناس أوأثبت الناس أو نحوهما كقول حسان لبن هشام حدثنى أصدق من أدركت من البشر محمد بن سيرين لما تدل عليه هذه الصيغة من الزيادة وألحق بها شيختا المنتهى في الثبت ثم يليه ما هو المرتبه الأولى عند بعضهم كقولهم فلان لايسأل عن مثله ثم يليه ما هو المرتبه الأولى عند الذهبي والزين3. انتهى. قلت: الذي في مقدمه التقريب4للحافظ أنه جعل أفعل وتكرير الصيغة مرتبة واحدة هي أول المراتب. واعلم أنه جعل الحافظ ابن حجر أول المراتب كونه صحابيا فإنه قال وبإعتبار ما

_ 1 1/4. 2 فتح المغيث 2/110. 3 نزهة النظر ص 134. 4 1/4.

ذكرته انحصر لى الكلام على أحوالهم في ثنتى عشرة فأولها الصحابة والثانية من أكد مدحه إما بأفعل كأوثق الناس إلى آخر كلامه فأول المراتب توثيقا كون الراوى صحابيا وظاهر هذا أن كونه صحابيا قد تضمن أنه ثقه حافظ فصفة الصحبة قد تكفلت بالعدالة والضبط وهذا لا إشكال فيه بالنظر إلى العدالة على أصل أئمة الحديث ولكن بالنظر إلى الضبط والحفظ لا يخلو عن الإشكال إذ الحفظ وعدمه من لوازم البشرية لا ينافي الصحبة بل لا ينافي النبوة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه نسى في صلاته وغيرها فكيف يجعل كون الراوي صحابيا أبلغ من الموصوف بأوثق الناس ونحوه والصحبة لا تنافي النسيان وعدم الحفظ بل قد ثبت في صحيح البخاري نسيان عمر لقصة التيمم وتذكيرر عمار له بها ولم يذكر بل قد ثبت أنه قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله فلانا لقد ذكرني البارحةآية كنت أنسيتها1" وقد ورد علينا سؤال في هذا الشأن وكتبنا فيه رسالة وأطلنا فيها البحث ولم أعلم من تنبه لذلك. "المرتبة الثانية: وهي التي جعلها ابن أبي حاتم الأولى وتبعه على ذلك ابن الصلاح قال ابن أبي حاتم وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى" جمع شتيت كمرضى ومريض "فإذا قيل للواحد" من الرواة "إنه ثقة أو متقن فهو محتج بحديث قال ابن الصلاح2 وكذا إذا قال ثبت أو حجة" فكل هذه الألفاظ من المرتبة الاولى وهذه الصفات قد تضمنت العدالة والحفظ فأما إذا أفرد الحفظ والضبط فلا تتضمن العداة كما يشير إليه قوله "وكذا إذا قيل في العدل إنه حافظ أو ضابط" إذ مجرد الوصف بكل منهما غير كاف في التوثيق بل بين المعدل وبنهما عموم وخصوص من وجه لأنه لايوجد بدونهما ويوجدان بدونه ويوجد الثلاثة. ويدل لذلك ان ابن أبي حاتم سأل أبا زرعة عن رجل فقال له: هو صدوق وكان أبو سليمان بن داود الشاذ كوني من الحفاظ الكبار إلا انه كان يتهم بشرب النبيذ وبالوضع حتى قال البخاري: إنه أضعف عندي من كل ضعيف ورؤي بعد موته في النوم فقيل له: مافعل الله بك؟ فقال غفر لي قيل له: بماذا؟ قال: كنت في طريق أصفهان فأخذني مطر وكان معي كتب ولم أكن تحت سقف ولا شيء فانكببت على كتبي حتى أصبحت وهذا المطر فغفر الله لي بذلك في آخرين. انتهى. قال السخاوي: ومجرد

_ 1 الشفا 2/345, والإتحاف 4/493, والكنز 2793. 2 علوم الحديث ص 110.

الوصف بالإتقان كذلك قياسا على الضبط سوى إشعاره بمزيد الضبط. "قال الخطيب: أرفع العبارات أن يقال: حجة أو ثقة" فالحجة والثقة مستويان عنده وفي كلام ابن أبي داود حسين سأله الآجري عن سليمان بن بنت شرحبيل فقال: ثقة يخطى كما يخطى الناس فقال الآجري فقلت: هو حجة قال: الحجة مثل أحمد بن حنبل وكذا قال ابن أبي شيبة في أحمد بن عبد الله بن يونس: ثقة وليس بحجة وقال في محمد بن إسحاق: ثقة وليس بحجة وفي ابن أويس صدوق وليس بحجة. "المرتبة الثالثة قولهم ليس به بأس أولا بأس به" فإن قيل إنه ينبغي أن يكون لا بأس به أبلغ من ليس به بأس لعراقه لا في النفي أجيب بأن في العبارة الأخرى قوة من حيث وقوع النكرة في سياق النفي فسارت الأولى في الحملة "أو صدوق" على صيغة المبالغة لا محله للصدق فيأتي أنها دونها "أو مأمون أو خيار" من الخير ضد الشر ومن ذلك الوصف لسيف بن عبيد الله أنه من خيار الخلق كما في أصل حديثه من سنن النسائي. "وجعل ابن أبي حاتم وأبن الصلاح هذه المرتبة الثانية لا الثالثة واقتصرا فيها على قولهم صدوق أو لا بأس به وأدخلا فيها قولهم محله الصدق وقال ابن أبي حاتم من قيل فيه ذلك فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه" قال ابن الصلاح: لأن هذه اللفظة لا تشعر بشريطة الضبط فينظر حديثه الخبير حتى يعرف ضبطه. "وأخرت هذه اللفظة" وهي محله الصدق "إلى المرتبة التي تلي هذه تبعا لصاحب الميزان" فإنه هكذا صنع وهذه اللفظة دالة على أصاحبها محله ومرتبته مطلق الصدق فهي ون يصدوق لأنه وصف بالصدق على طريقة المبالغة ولذا جعل صدوق من المرتبة الثانية ومحله الصدق من المرتبة الرابعة. "والمرتبة الرابعة قولهم محله الصدق أورووا عنه أو على الصدق ما هو" يعني ليس ببعيد عن الصدق وقال البقاعي معناه عند أهل الفن أنه غير مدفوع عن اليصدق وتحقيق معناها في اللغة أن حرف الجر يتعلق بما يصلح التعليق به وهو هنا قريب فالمعنى فلان قريب إلى الصدق ويحتمل أن تكون ما نافية وحينئذ يجوز أن يكون المعنى ما هو ثريب منه فيكون نفيا لما أثبتته الجملة الأولى فتفيد مجموع العبارة التردد فيه. قلت: بل المعنى على هذا فلان قريب إلى الصدق وهي الجملة الاولى ما هو

قريب وهي الثانية فتفيد تناقض الجملتين لا التردد فلا ينبغي حمل كلامهم على هذا الأحتمال. قال: ويحتمل ماهو بعيد فيكون تأكيدا للجملة الأولى. قلت: هذا متعين. قال ويحتمل أن تكون استفهامية فكأنه قيل هو قريب إلى الصدق ثم سألت عن مقدار القرب فقال ماهو قليل أو كثير. قلت: هذا يبعده السسباق لأن القائل إلى الصدق ما هو هو الذي عدل من وصف فكيف يسأل غيره عنه فأولى التوجيهات هو الأول ومعنى ماهو اتكون ما نافية وهو اسمها وخبهرا محذوف أي ماهو بعيد عن الصدق والجملة تأكيد لما قبلها. "أو شيخ وسط أو سط أو شيخ أو صالح لحديث أو مقارب الحديث بفتح الراء" ومعناه حديثه يقارب حديث غيره "وكسرها" ومعناه أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات وبالكسر صبطت في الأصول الصحيحة من كتب ابن الصلاح المقروءة عليه وكذا ضطها النووي في مختصر يه وابن الجوزي "كما حكاه القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي" وبهما ضبطه ابن دحية والبطليوسي وابن رشد في رحلته قال ومعناه يقارب الناس في حديثه ويقاربونه أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر "أو" يقال فيه "جيد الحديث" من الجودة "أو حسن الحديث أو صويلح أو صدوق إن شاء الله تعالى" بخلافه إذا لم يقيد بالشيئة فإنه من الثالثة كما عرفت "أو أرجو أنه ليس به بأس واقتصر ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من كلامه على قولهم شيخ وقال هو بالمنزلة التي قبلها يكتب حديثه وينظر فيه إلا إنه دونها واقتصر" ابن أبي حاتم في المرتبة الرابعة على قولهم صالح الحديث وقال إن من قيل فيه ذلك يكتب حديثه للاعتبار قال ابن الصلاح: وإن لم يستوف النظر المعرف بكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا إلى حديث من حديثه ونظرنا هل له أصل من رواية غيره كما تقدم من بيان طريقة الاعتبار في محله. "ثم ذكر ابن الصلاح من ألفاظهم" أي أئمة الحديث "في التعديل على غير ترتيب قولهم فلان روى عنه الناس فلان وسط فلان مقارب الحديث فلان ما أعلم به بأسا قال وهو دون قولهم لا بأس به" فإنه جزم فيها بنفي البأس وهنا ينفي علمه والفرق بين الأمرين واضح.

"وأما تمييز الألفاظ التي زدتها" الأولى أن يقدم قبل هذا قال الزين لأن هذا كلامه وليس في عبارة المصنف إشعار به "على كتاب ابن الصلاح فهي المرتبة الأولى بكاملها وفي الثالثة مأمون وخيرا وفي الرابعة إلى الصدق ماهو وشيخ وسط ووسط وجيد الحديث وحسن الحديث وصويلح وصدوق إن شاء الله تعالى وأرجوا أنه لا بأس به وهو نظير ما أعلم به بأسا إذ الأولى" وهي وأرجو "أرفع لأنه لا يلزم من عدم العلم حصول الرجاء لذلك وقد روى عن" الإمام يحيى "بن معين أنه إذا قال لرجل ليس به بأس فهو ثقة وإذا قال هو ضعيف فليس بثقة ولا يكتب حديثه". ولما كان هذا خلاف ما سلف عن ابن أبي حاتم جمع ابن الصلاح بينهما كما نقله عنه المصنف بقوله "وقال ابن الصلاح: إنه" أي ابن معين "حكى هذا عن نفسه لا عن غيره بخلاف ما ذكره ابن أبي حاتم يعني فإنه نسبه إلى أهل الحديث" وأجاب الزين بغير هذا كما أفاده قوله "وقال زين الدين ولم يقل ابن معين إن قولي ليس به بأس مثل قولي ثقة حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين إنما قال إن من قال فيه هذا فهو ثقة". وليس لفظ الثقة يطلق على مرتبة معينة بل كما قال "وللثقة مراتب فالتعبير عنه بأنه ثقة أرفع من التعبير عنه بأنه لابأس به وإن اشتركا في مطلق الثقة وعن عبد الله بن إبراهيم" في شرح البخاري عبد الرحمن ابن إبراهيم دحيم وهو الذي كان في أهل الشام مثل ابن أبي حاتم قال أهل الشرق "مثل كلام يحيى بن معين" قال أبو زرعة قلت: لعبد الرحمن ما تقول في علي بن حوشب الفزاري قال لا بأس به قال قلت: ولم لا تقول ثقة ولا نعلم إلا خيرا قال قلت: لك إنه ثقة. "و" روى "عن عبد الرحمن بن مهدي مثل ما تقدم في الفرق بين العبارتين" وذلك أنه سأله عمر بن علي الفلاس حين روى عن أبي جلدة بالجيم وسكون اللام وهو خالد بن دينار التميمي "فإنه قيل" أي قال له الفلاس "في رجل" هو أبو جلدة "أكان ثقة قال كان صدوقا وكان مأمونا وكان خبرا وفي رواية وكان خيارا" ثم قال "الثقة شعبة وسفيان" الثوري وفي بعض الروايات عن ابن مهدي بدل سفيان مسعر يصرح بأن حجيته ثقة على كل من صدوق وخيرا ومأمون التي كل منها من مرتبة ليس به بأس ولا يخدش فيه قول ابن عبد البر كلام ابن مهدي لا معنى له في اختيار الألفاظ إذ أبو جلده ثقة عند جميعهم كما صرح به الترمذي حيث قال هو ثقة عند أهل الحديث فإن هذا لا يمنع الاستدلال المشار إليه قاله السخاوي.

"وعن أحمد بن حنبل أنه سئل عن عبد الوهاب بن عطاء هل هو ثقة فقال للسائل أتدري ما الثقة إنما للثقة يحيى بن سعيد القطان وكان ابن مهدي فيما ذكر أحمد ابن سنان ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف وهو رجل صدوق فيقول رجل صالح الحديث" فيجعله منحطا عن رتبة ليس به بأس. ولما فرغ من مراتب التعديل أخذ في بيان مراتب التجريح فقال: * * *

مسألة (51) : في مراتب الجرح

مسألة: 51 [في مراتب الجرح] "مراتب التجريح هي خمس مراتب وجعلها إن أبى حاتم أربعاوتبعمه ابن الصلاح" وسوقها المنصف كالزين في التدلي إلى الأدنى معأن العكس كما فعله ابن أبي حاتم وابن الصلاح كان أنسب لتكون مراتب القسمين منخرطة في سلك واحد بحيث يكون أولها الأعلى من التعديل وآخرها الأعلى من التجريح. "الأولى" من المراتب الأربع "وهي أسوؤها أن يقال فلان كذاب أو يكذب أو يضع الحديث أو وضاع الحديث أو وضع حديثا أو دجال" وذكر السخاوي1 عن شيخه الحافظ ابن حجر أنه جعل المرتبة الأولى مادل على المبالغة كأكذب الناس وإليه المنتهى في الوضع وهو ركن الكذب قال فهذه المرتبة الأولى ثم يليها كذاب إلى آخر ما سرده المصنف. قلت: والذي في مقدمة التقريب أنه جعل المرتبة الثانية عشر من أطلق عليه اسم الكذب ولاوضع هذا لفظه وهي أول المراتب هنا وفي النخبة وشرحها2 الطعن يكون بعشرة أشياء إلى أن قال وهذا ترتيبها على الأشد فالأشد في موجب الرد لأن الطعن إما يكذب الراوي ثم قال وهو الموضع فجعل الوصف بالكذب أول المراتب بأي عبارة كان. "وأدخل ابن أبي حاتم والخطيب بعض ألفاظ المرتية الثانية وفي هذه المرتبة قال ابن أبي حاتم إذا قالوا متروك أو ذاهب الحديث أو كذب فهو ساقط لا يكتب حديثه وقال الخطيب أدون العبارات أن يقال كذاب ساقط الحديث قال الزين" بعد نقله لهذا الكلام "وقد فرقت بين هذه الألفاظ تبعا لصاحب الميزان يعني الحافظ الذهبي فإنه جعلها

_ 1 فتح المغيث 2/120. 2 ص 43.

من الثانية". "المرتبة الثانية" وألفاظها "فلان متهم بالكذب أو الوضع فلان ساقط وفلان هالك وفلان ذاهب أو ذاهب الحديث أو متروك أو متروك الحديث أو تركوه أول يعتبر به أو بحديثه أوليس بالثقة أو غير ثقة ولا مأمون أو نحو ذلك وفيه نظر وسكتوا عنه" قال الزين1 وهاتان العبارتان للبخاري فيمن تركوا حديثه. "المرتبة الثالثة فلان رد حديثه أو ردوا حديثه أو مردود الحديث أو ضعيف جدا أو واه بمرة" قال الحافظ ابن حجر: أي قولا واحدا لا تردد فيه "أو طرحوا حديثه أو مطروح الحديث وارم به وفلان ليس بشيء أو لا شيء أو لا يساوي شيئا أو نحو ذلك" قال زين الدين بعد سرده لهذه الألفاظ "وكل من قيل فيه ذلك من" أهل "هذه المراتب الثلاث لا يحتج به ولا يعتبر ولا يستشهد به" انتهى. قال المصنف "ونلحق بذلك فائدة و" هي أن الحافظ ابن حجر ذكر في مقدمة شرح البخاري في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري "أنه ذكر ابن القطان" الفاسي بالفاء نسبة إلى فاس "أن مراد ابن معين بقوله في بعض الرواة ليس بشيء يعني أن أحاديثه قليلة جدا" فلا يكون إطلاق ذلك اللفظ جرحا. "المرتبة الرابعة فلان ضعيف أو منكر الحديث أوواه أو ضعفوه أو لا يحتج به وضقال الحافظ ابن حجر: في ترجمة يزيد بن عبد الله بن خصيفة" ضبطه الحافظ في التقريب بمعجمة ثم مهملة وقال إنه ثقة "الكندي إن أحمد بن حنبل يطلق على من يغرب" أي يأتي بالغرائب "على أقرانه في الحديث أنه منكر الحديث قال عرف ذلك بالإستقراء من حاله قال وابن خصيفة احتج به مالك والأئمة كلهم مع قول أحمد ذلك فيه" فاصطلاح أحمد غير اصطلاح غيره فينبغي أنه يتنبه له. "وكذا قال" الحافظ "إن مذهب البرذنجي" تقدم لنا ضبطه "أن المنكر هو الفرد وإن تفرد به ثقة فلا يكون قوله في الراوي إنه منكر الحديث جرحا ذكره في ترجمة يونس بن القاسم الحنفي اليماني". "المرتبة الخامسة فلان يقال فيه أو ضعف أو فيه ضعف أو في حديثه ضعف أو فلان تعرف وتنكر أو ليس بذلك أو ليس بذاك القوى أو ليس بالقوي أو ليس بالمتين

_ 1 فتح المغيث 2/39.

أو ليس بحجة أو ليس بعمدة أو بالمرضي أو للضعف ما هو" هي مثل قوله إلى الصدق ما هو واللام بمعنى إلى "أو فيه خلاف أو طعنوا فيه أو مطعون فيه أو سيء الحفظ أو لين أو لين الحديث أو فيه لين أو تكلموا فيه ونحو ذلك" قال ابن المديني بعد سرده لما ذكر. "وكل" مبتدأ مضاف إلى "من ذكر في المرتبة الرابعة أو الخامسة فإنه" خبر كل وأدخلت الفاء كما عرف في النحو "يخرج حديثه للاعتبار" وتقدم بيانه. "قال ابن أبي حاتم إذا أجابوا في رجل أنه لين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينتظر في اعتبارا" وهو من أهل المرتبة الخامسة كما عرفت "وإذا قالوا ليس بقوي" فهو من أهل المرتبة الرابعة "فهو بمنزلته" لين الحديث في كتابه حديثه إلا أنه دونه "وإذا قالوا ضعيف فهو دون الثاني" أي دون قولهم ليس بقوي لا يطرح حديثه بل يعتبر فيه. "قال" زين الدين "وقد تقدم في كلام ابن معين ما قد يخالف هذا من أن من قال فيه ضعف فليس بثقة لا يكتب حديثه وتقدم أن ابن الصلاح أجاب عنه بأنه لم يحكه عن غيره من أهل الحديث" كما سلف "وسأل حمزه السهمي الدرا قطني أيش تريد" أصله أي شيء فخفف ووصل "إذا قلت: فلان لين قال لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة". قال الزين "وأما تمييز ما زدته من ألفاظ الجرح على ابن الصلاح فهي فلان يضع ووضاع ودجال ومتهم بالكذب وهالك وفيه نظر وسكتوا عنه ولا يعتبر به وليس بالثقة ورد حديثه وضعيف جدا رواه بمرة وطرحوا حديه وارمبه ومطرح ولا يساوي شيئا ومنكر الحديث رواه وضعفوه وفيه مقال أو ضعف ويعرف وينكر أي يأتي مرة بالمناكير ومرة بالمشاهير فينبغي أن ينظر حديثه ولا يؤخذ ما رواه مسلما وهو قريب من قولهم في التوثيق محلقه الصدق وما معها من ألفاظ المرتبة الرابعة وليس بالمتين وليس بحجة وليس بعمدة وليس بالمرضي وللضعف ما هو وفيه خلاف وطعنوا فيه وسيئ الحفظ وتكلموا فيه فهذه لم يذكرها ابن أبي حاتم ولا ابن الصلاح وهي موجودة في كلام أئمة هذا الشأن" انتهى كلام زين الدين. ثم ذكر المصنف فوائد لم يذكرها الزين وهي خلاصة ما ساقه فقال "ويلحق به فوائد": "الأولى: أن أهل المرتبتين الرابعة والخامسة من أهل الديانة والصدق والعدالة وإنما

تكلم عليهم لشيء في حفظهم" فعلى هذا كل تلك العبارات مراد بها خفة الضبط لا غير "ولهذا لا يكذبون كأهل المرتبة الأولى ولا يتهمون بذلك ولا يترك حديثهم ولا يقال في واحد منهم ليس بثقة" فكل هؤلاء هم أهل المرتبة الثانية من مراتب التعديل لكن لا يخفى أن أهل المرتبة الثانية من قيل فيه متقن ثبت حافظ ضابط حجة ثقة وهذه الألفاظ تنافي عبارات أهل الرابعة والخامسة إذ هي ضعيف منكر الحديث ضعفوه ونحوها وكأنه أشار بقوله "فتأمل" إلى هذا فإن أهل المرتبة الرابعة والخامسة أرفع من أن يقال في أحدهم ليس بثقة كمن ذكرنا من أهل المرتبة الثانية من مراتب التجريح. "الفائدة الثانية: أن أهل المرتبة الثالثة من مراتب التجريح أرفع من أن يقال لأحدهم ليس بثقة ولا يتهمون بالكذب مع أن حديثهم مردود ومطروح لقولهم فيها فلان ردوا حديثه أو مردود الحديث أو ضعيف جدا فبهذا تعرف أن أهل المرتبة الثالثة أيضا ممن لا يكذب ولايتهم بذلك" الكذب ولا ينزل إلى من يوصف بأنه غير ثقة لترفعه عن تعمد ذلك ولكنهم أهل وهم كثير حكم برد حديثهم لأجل ذلك فقط فعلى هذا قولهم فلان ليس بشيء أو لاشيء أو لا يساوي شيئا يعني كثير الوهم وإنما قلت: ذلك لأن التهمة والحكم بقي الثقة هو حكم أهل المرتبة الثانية حيث قالوا فيهم فلان منهم فلان ليس بثقة وكل ما حكم به على أهل مرتبة لم يحكم به على من هو أرفع منها وإلا لتداخلت المراتب وضاع التقسيم. "الفائدة الثالثة: أنك لا تصف أهل مرتبة بصفة من فوقهم ولا" تصفهم بصفة "من دونهم" وذلك لأن لأهل كل مرتبة أحكاما وأوصافا تختص بها "ولا تقول في الكذاب" أي فيمن وصفوه بذلك "أنه متهم بالكذب لأن الأولى تفيد أنه معروف به والثانية تيفد نفي ذلك" وإنما عنده مجرد تهمة "ولا تقول في الكذاب متروك الحديث وإلا أن تشك في أنه كذاب وتحقق أنه متروك" لأنه من أهل المرتبة الثالثة على غير قول ابن أبي حاتم وكذاب من أهل الأولى على قوله. "فإن قلت: أليس الكذاب متروك الحديث قلنا بلى" أي متروك الحديث "ولكن قد صار ترك الحديث عبارة عمن لم يعرف بأنه كذاب" فقد فرق العرف بينهما وإن تصادفا في الحكم وهو ترك حديث كل منهما "كما أن الكذاب ضعيف غير قوي ولا يقال فيه ذلك" أي أنه متهم بالكذب "لأنه يفيد أنه عدل صدوق ولكنه يهم في حديثه" كما يفيده إطلاق متهم عليه "فإن أحببت أن تقول كذا ب متروك الحديث فلا بأس لأن الإيهام قد

ارتفع" بالجمع بين الوصفين. "فإن قلت: أي فرق بين متروك الحديث ومردود الحديث حتى توصف أهل المرتبة الثانية بالمتروك وأهل الثالثة بالمردود قلت: لا فرق بينهما في اللغة ولكن أهل العرف من المحدثين جعلوا بينهما فرقا" فالفرق عرفي لا لغوي "فالمتروك يطلق على من ترك لجرح دينه أو تهمة بالكذب والمردود يطلق على من لم يعتمد ذلك ولا يتهم به ولكن كثر خطؤه حتى لم يقبل ولا يكتب حديثه ولا يعتبر به" كما في حقيقته فمرتبة المردود أجنى من مرتبة المتروك. "الفائدة الرابعة أن أهل المرتبة الرابعة والخامسة من المجروحين" ممن قيل فيه ضعيف أو منكر الحديث أو واه أو فيه مقال أو ضعف "هم أهل المرتبةالرابعة من المعدلين" وهو من قيل فيه محلح الصدق أو رووا عنه أو نحوه "لما تقدم في كل واحد منهم أنه يكتب حديثه للاعتبار" كما تقدم عن ابن أبي حاتم أنه قال كل من كان من أهل المرتبة الرابعة والخامسة فإنه يكتب حديثه للاعتبار. "ولكنهم حين يقصدون رفعهم عمن لا يعتبر به ولا يكتب حديثه يوردون الأدنى من ألفاظ التعديل" نحو محله الصدق "وحين يريدون حطهم عمن يحتج به في الصحيح يوردون الأعلى من عبارات التجريح" فيقولون ضيعف أو منكر الحديث "فهم أهل صدق وديانة ولكنهم ضعفاء بالنظر إلى من فوقهم في الإتقان من الحفاظ وهم لأجل صدقهم وتوسط حطتهم بين الكثرة المردودة والندرة التي لا حكم لها صالحون لا بأس بهم إذا وجد لهم متابع أو شاهد بالنظر إلى من دونهم من الكذابين والمتروكين و" بالنسبة إلى "من كثر خطؤه فرد حديثه" هذا على قواعد المحدثين وقد تقدم هذا للمصنف في بحث الحسن وتقدم ما فيه فتذكر "وأما على قواعد كثير من الفقهاء وأهل الأصول فيجب قبولهم من غير اعتبار متابع ولا شاهد" لما تقدم من قبولهم من كثر صوابه على خطئه. "الفائدة الخامسة لم يذكر زين الدين المجهول في مراتب التجريح وإن كان قد ذكره فيمن يرد حديثه ولا بد من ذكره فيها" أي في مراتب التجريح إذ قد رد حديثه وحيث لا بد من ذكره "فإما أن يجعل مرتبة منفردة أو يلحق بأهل الثالثة لأنه عند أهل الحديث ممن لا يقبل حديثه وإن كان بعض من سماه مجهولا يوجب قبوله كما تقدم" تحقيق ذلك في بحث الحسن.

"الفائدة السادسة إن أكثر هذه العبارات في التجريح غير مبينة السبب" فهي من باب الجرح المطلق "فتكون غير مفيدة للجرح" الموجب لإطراح الرواية "ولكن" تكون "موجبة للريبة والوقف" في قبول من قيلت فيه ورده "في غير المشاهير بالعدالة والأمانة فلا تؤثر فيهم". ولما ورد على هذا ما تقرر في الأصول من أن الجرح مقدم على التعديل قال في جوابها "ولا يغتر مغتر بأن الجرح مقدم على التعديل" فإنهم وإن أطلقوا العبارة في ذلك "فذاك الجرح المبين السبب" لأن مالم يبين سببه فلا يتحقق أنه خرج يوجب الرد. "على أن المختار فيه" أي في مبين السبب "هو مامر من التفصيل" يرد قوله وأما أن بين السبب نظرنا في ذلك السبب وفي العدل الذي ادعى عليه ونظرنا أي الجوائز أقرب إلى آخر كلامه "فإذا لم يكن" الجرح "مبين السبب فهو مقبول" فيمن اشتهر بالعدالة أصلا أو غير مقبول في الرد جزما بل يوجب توقفنا "على الصحيح فضلا عن أن يقدم على التوثيق المقبول وأقل الأحوال أن يكون موضع ترجيح لأنه يحتمل" مع إطلاقه "أن الجارح جرح الراوي بما لو ظهر لنا لم نجرح به كما يحتمل أن الراوي جرح بما لم يعلم به من عدل" وهذا الاحتمال هو الذي أوجب الوقف لا الرد مطلقا ولا القبول. "فإن قلت: فأي هذه الألفاظ جرح مبين السبب قلت: ليس فيها صريح في ذلك ولكن أقربها إلى ذلك قولهم وضاع ويضع الحديث فإنها مستعملة فيمن عرف بتعمد الكذب إما بإقراره أو ما يقوم مقامه ويليهما في الدلالة على التعمد منهم بالوضع" وتقدم أنه من الرتبة الثانية من رتب الجرح وكذاب من الأولى. ولما كان كذلك قال "وأما كذاب فقد اختلف عرفهم فيها اختلافا لا يحصل معه طمأنينة أن من قبلت فيه متعمد الكذب لأن كثيرا منهم يقولون ذلك في حق صالحين كثر خطؤهم في الحديث" ليسوا ممن يتعمد الكذب "وهذا موضع صعب فإن خطأ الموجب لعدم القبول مختلف فيه صعب المأخذ كما تقدم" تحقيق مراد المصنف. "وقواعد الأصوليين تقتضي أنه يجب قبوله لأنه مسلم عدل حتى يظهر ما يوجب جرحه والذي يوجب جرحه عند جماهير النظار هو استواء حفظه ووهمه أو ترجيح وهمه على حفظه وتحقيق ذلك أو ظنه مدرك حفى والله أعلم" بل لا يكذا يقف عليه إلا علام الغيوب.

"الفائدة السابعة أن هذه الألفاظ الجارحة" إسناد مجازي أي الجارح قائلها "إذا صدرت مع اختلاف الاعتقاد" بين الجارح والمجروح كفر يقي الأشعرية "و" المعتزلة أو صدرت "من الأقران" جمع قرن بكسر القاف وهو المثل "المتنافسين" المتحاسدين "أو" صدرت "عند الغضب" من الجارح على من يجرحه "أو نحو ذلك من الأسباب" فإن كان ذلك الجرح صاجرا عمن ذكر "فينبغي أن تكون دلالتها" أي الألفاظ الجارحة "على الجرح أضعف" من دلالتها عليه عند صدورها من غير من ذكر "فإن ذلك" أي الأختلاف ونحوه "من أسباب الجرح المجرد عند كثير منهم" أي من الجارحين "فإذا انضم إليه" أي إلى ما ذكر "أقل شيء مما ينجبر" به فلا يوجب قدحا "لولا مخالفة العقيدة انتهض" أي أقل شيء مما ينجبر لو اتفقت العقيدة "سببا للذم" من الجارحين "ومثيرا للوصم" بالصاد المهملة العيب. "وقد يستحل بعضهم ذم الرجل لأجل بدعته" أي يجعل ذمه حلالا كأنه ليحذر الناس عن اتباعه على بدعته "غير قاصد بذمه لتضعيف حديثه" إلا أنه لا يعزب عنك أنه قد أخذ في رسم العدلة أن لايكون معها بدعة فالمبتدع حديثه مردود فكيف يقال لا يقصد تضعيف حديثه بذكر بدعته "فتؤخذ ألفاظ التجريح في ذلك الذم فيرد حديثه لأجلها" لأجل ألفاظ التجريح. واستدل لما ذكر بقوله "ولقد تركوا حديث داود بن علي الأصيهاني الظاهري" قال الخطيب في تاريخه كان ورعا ناسكا زاهدا وفي كتبه حديث كثير لكن الرواية عنه عزيزة جدا وقال أبو إسحاق مولده سنة إثنين ومائتين وأخذ العلم عن إسحاق وأبي ثور وكان زاهدا متقللا وكتب ثمانبة عشر ألف ورقة وقال أبو إسحاق كان في مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر وإنما تركوا الرواية عنه "لأجل قوله بأن القرآن محدث" قال الذهبي أراد داود الدخول على الإمام أحمد فمنعه وقال كتب إلى محمد بن يحيى الذهلي في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربنى فقيل يا أبا عبد الله إنه ينتقي من هذا وينكره فقال محمد ابن يحيى أصدق منه "وتطابقوا على تركه حتى عزت الرواية عنه مع ما في كتبه من الحديث الكثير وعبروا عنه بأنه متروك" لم أجد هذا التعبير عنه في الميزان وكأنه في غيره. قلت: وإذ قد عرفت أنهم شرطوا في العدالة عدم البدعة وقد عرفت أن الحق أن القول بأن القرآن قديم أو محدث بدعة فردهم حديث داود جار على ما قعدوه في

العدالة لكن يلزمهم رد من قال قديم كما قررناه في محل آخر. "وهذا" أى قولهم في داودإنه متروك "يفيد أنه من أهل المرتبة الثانية" من مراتب التجريح "أو هو أرفع من ذلك" لاأعرف لزيادتها وجها إلا عند من يرد المأول المستحق للرد والمختار للمصنف وغيره من المحققين عدم رده كما عرفت "والظاهر أنه" أي داود "لم يذهب إلى التحسيم ولا غيره من الكبائر" أي المعدودة كبيرة في الإعتقاد وغن لن تكن من كبائر الذنوب "لأنهم لم ينقموا عليه إلا كلامه في القرآن أما شنع" جمع شيعة "مسائله الفرعية فليست مما يجرح به" وإن كان الصحيح أنه أخطأفي بعضها قطعا فذلك الخطأ لاينهض فسقا لأنها مسائل ظنية ولاتقسيق إلا بقاطع فقد علم أنهم لم يتركوه إلالقوله القرآن محدث. "وأكبر" بالباء الموحدة "من هذا قول بعضهم في عمرو بن عبيد عابد شيوخ الاعتزال الذي ليس في زهده وورعه مقال والذي تضرب بعبادته الأمثال إنه كذاب" هو مقول قول البعض قال الذهبي في الميزان1 في ترجمة عمرو بن عبيد قال أيوب ويونس يكذب وقال حميد كان يكذب على الحسن وقال ابن حبان كان من أهل الورع والعبادة إلا أن أحدث ما أحدث فاعتزل مجلس الحسن هو وجماعة قسموا المعتزلة قال وكان يشتم الصحابة ويكذب في الحديث وهما لا تعمدا قال الفلاس عمرو متروك صاحب بدعة وحدت عنه الثوري أحاديث قال سمعت عبد الله بن سلمة الحضرمي يثول سمعت عمرو بن عبيد يقول لو شهد عندي علي عليه السلام وطلحة والزبير وعثمان رضي الله عنهم على شراك نعل ما أجزت شهادتهم انتهى. "وما كان عمرو ممن يطرح عليه مثل هذا وإن كان يهم في الحديث كثيرا أو قليلا" فقد وهم والوهم لا يوجب الرمي بالكذب إلا أن ابن حبان قد قيد ذلك بقوله وهما لا تعمدا "فقد وهم فيه" أي الحديث "أبو حنيفة وضعفه كثيرون" لم يترجم لأبي حنيقة في الميزان وترجم له النووي في التهذيب وأطال في ترجمته ولم يذكره بتضعيف "وحملوا ألفاظ تضعيفه" أي أبي حنيفة كأنهم لم يأتوا بعبارات خاصة كما أتوابها في عمرو بن عبيد "وما أظن عمرو" بن عبيد "كان في دون مرتبة أبي حنيفة في الحفظ والأتقان والله أعلم" وإذا كان كذلك فما الحامل على القدح في عمرو إلا

_ 1 3/274/6404.

المخالفة في العقيدة. "قال الذهبي1 في ترجمة أحمد بن عبد الله بن أبي نعيم الأصبهاني ما لفظة كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به" في القاموس ما أعبأ فلان ما أبالي به "ولا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصم الله وما علمت أن عصرا من الأعصار يسلم أهله من ذلك إلا الأنبياء عليهم السلام والصديقين فلو شئت لسردت من ذلك كراريس انتهى وأنت إذا رمت النظر في كتب الرجال وتأملت ما ذكرت لك عرفت أنه الحق إن شاء الله تعالى". قلت: قد عيب علي الذهبي ما عابه في غيره قال ابن السبكي في الطبقات نقلا عن الحافظ صلاح الدين العلائي2 ما لفظه الشيخ شمس الدين الذهبي لا أشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقول ولكنه غلب عليه منافرة التأويل والغفلة عن التنزيه حتى أثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن أهل التنزيه وميلا قويا إلى أهل الإثبات فإذا ترجم أحدا منهم أطنب في محاسنه وتغافل عن غلطاته وإذا ذكر أحدا من الطرف الىخر كالغزالي وإمامه الجويني لا يبالغ في وصفه ويكثر من قول من طعن فيه وإذا ظفر لأحد منهم بلغطة ذكرها وكذا يفعل في أهل عصرنا وإذا لم يقدر على التصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ونحو ذلك وسببه المخالفة في العقيدة انتهى. قال ابن السبكي وقد وصل يريد الذهبي من التعصب وهو شيخنا إلى حد يسخر منه وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين والذي أفتى به أنه لا يجوز الاعتماد على شيخنا الذهبي في ذم أشعري ولا مدح حنبلي. قلت: لا يخفى أن الصلاح العلائي وابن السبكي شافعيان حادان أشعريان وأن الذهبي إمام كبير الشأن حنبلي الاعتقاد شافعي الفروع وبين هاتين الطائفتين الحنابلة والأشعرية في العقائد في الصفات وغيرها تنافر كلي فلا يقبلان عليه بعين ما قالاه فيه.

_ 1 الميزان 1/111/438. 2صلاح الدين العلائي هو: أبو سعيد صلاح الدين بن كيكلدي الشافعي قال الحسيني: كان إماما في الفقه والأصول والنحو علامة في المتون والأسانيد مات سنة761. له ترجمة في: شذرات الذهب 6/190, والنجوم الزهراء 10/337. وطبقات الشافعية للسبكي 6/104.

وقال ابن السبكي قد عقد ابن عبد البر بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض1 بدأ فيه بحديث الزبير "دب فيكم داء الأمم فبلكم الحسد والبغضاء" 2 وقال ابن السبكي وقدعيب على ابن معين تكلمه في الشافعي وتكلمه في مالك وابن أبي ذؤيب وغيره وأقول إذا كان الأمر كما سمعت فيكف حال الناظر في كتب الجرح والتعديل وقد غلب التمذهب والمخالفة في العقائد على كل طائفة حتى إن طائفة تصف رجلا بأنه حجة وطائفة أخرى تصفه بأنه دجال باعتبار اختلاف الاعتقادات والأهواء. فمن هنا كان أصعب شيء في علوم الحديث الجرح والتعديل فلم يبق للبحاث طمأنينة إلى قول أحد بعد قول ابن السبكي إنه لا يقبل الذهبي في مدح حنبلي ولا ذم أشعري وقدصار الناس عالة على الذهبي وكتبه ولكن الحق أنه لا يقبل على الذهبي ابن السبكي لما ذكره هو ولما ذكره الذهبي من أنه لا يقبل الأقران بعضهم على بعض واعلم أن مرادهم بالأقران المتعاصرين في قرن واحد والمتساوون في العلوم وعلى التقديرين فإنه مشكل لأنه لا يعرف حال الرجل إلا ممن عاصره ولا يعرف حاله من بعده إلا من أخبار من قارته إن أريد الأول وإن أريد الثاني فأهل العلم هم الذين يعرفون أمثالهم ولا يعرف ذا الفصل إلا أولو الفضل. فإذا عرفت هذا فالأولى إناطة ذلك بمن علم أن بينهما منافسية وتحاسدا فيكون ذلك سببا لعدم قبلو بعضهم في بعض لا لكونه من الأقران فإنه لا يعرف عدالته ولا جرحه إلا من أقرانه وأعلم ما فرق بين الناس هذه العقائد والاختلاف فيها فقول المصنف فيما نقله عن الذهبي ولا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد هو الذي ينبغي أن يناط به القبول والرد وقوله وأنت إذا رمت النظر في كتب الرجال الأحسن إذا نظرت وتأملت ما ذكرت لك عرفت أنه الحق إن شاء الله تعالى وقد حققنا هذا البحث تحقيقا شافيا في رسالتنا ثمرات النظر في علم الأثر والحمد لله. "الفائدة الثامنة قد تقرر فيمن برد حديثه أن جمهور أهل الحديث على رد المبتدع

_ 1 جامع بيان العلم 2/150. 2سبق تخريجه.

الداعي إلى بدعته" قال في النخبة وشرحها1 إن البدعة إما أن تكون بكفر2 أو بفسق فالأولى لا يقبل صاحبها الجمهور والثاني يقبل مالم يكن داعية إلى بدعته لأن تزيين مذهبه قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه في الأصح والأكثر على قبول غير الداعية إلا أن يروي ما يقوي بدعته فيرد. "فعلى هذا يجوز أن يجعلوه من أهل المرتبة الثانية ويقولوا فيه متروك وهالك أو نحو ذلك فلا يخفى عليك موضع ذلك من كتب الجرح والتعديل فإنهم قد يطلقون ذلككعلى من يعتقدونه مبتدعا وليس كذلك" أي ليس في نفس الأمر مبتدعا بل في اعتقادهم. "وقد يطلقونه على من يوافقهم على بدعتهم ولكن لا يوافقهم على أنها كبيرة وقد يطلقونه على من يوافقهم على تكفيره" إن كانت بدعته تقتضي تكفيره "أو تفسيقه" إن كانت تقتضيه "ولكن" هذا وإن وافقهم على تكفير من ذكر أو تفسيقه "لا يوافقهم على الفرق الذي اصطلحوا عليه وهو رد الداعية من المبتدعة دون غيره" من المبتدعة "مع اشتراكهم" أي الداعية وغيره "في القول بالبدعة" وإنما افترقا في الدعاء إليها وعدمه "و" اشتركهما "في التدين والتورع عن المحرمات وفي اعتقاد تحريم الكذب ولعلهم إنما تركوا داود الظاهري لقوله بحدوث القرآن ودعايته إلى مذهبه ومناظرته عليه والله أعلم" قد قدمنا رواية الذهبي في الميزان عن داود أنه أنكر قبله بحدوث القرآن ولم يذكر مناظرته عليه. "فإن قلت: ما الفرق بين الداعية وغيره" من المبتدعة "عندهم" فإنهم فرقوا بينهما قبولا وردا "قلت: ما أعلم أنهم ذكروا فيه شيئا" فقد قدمنا عن ابن حجر ذكر تعليل رده قريبا "ولكني نظرت فلم أجد غير وجهين: أحدهما: أن الداعية شديد الرغبة في استمالة قلوب الناس إلى ما يدعوهم إليه فربما حمله عظيم الرغبة في ذلك على تدليس أو تأويل كما زعموا أن عمرو بن عبيد أفتى بمسألة فقال هذه من رأي الحسن" في الميزان في ترجمة عمرو قال الشافعي عن سفيان أن عمرو ابن عبيد سئل عن مسألة فأجاب عنها وقال هذه من رأي الحسن يريد

_ 1 ص 51. 2 بكفر: هو كما المهذب المجسم ومنكر علم الجزئيات قيل: وقائل خلق القرآن فقد نص عليه الشافعي واختاره البلقيني. تدريب الراوي 1/324.

نفسه وليس هذه ما يفيده قوله "فسئل الحسن عنها فانكرها فقيل لعمرو في ذلك فقال إنما قلت: من رأيي الحسن يعني من رأي نفسه" وهذا مثال تدليس الداعية إلا أنه لا يعرف أن فيها تقوية لمذهبه إلا لو ذكر المسألة "وأما" المبتدع "غير الداعية فليس له من الحرص" على الرواية بتلك الصفة "ما يلجئه إلى هذا" إذ لا حامل عليه. "والوجه الثاني" من الوجهين اللذين وجدهما المصنف فرقا بين الداعية وغيره "أن الرواية عن الداعية تشتمل على مفسدة وهي إظهار أهليته للرواية وأنه من أهل الصدق والأمانة وذلك يغري" بالغين المعجمة والراء "بمخالطته وفي مخالطة العامة لمن هو كذلك مفسدة كبيرة" قلت: هذا الوجه ذكره أبو الفتح القشري فقال إن ترك الرواية عنه إهانة وإطفاء لبدعته نقله عنه الحافظ ابن حجر في مقدمة شرح البخاري. "والجواب عن الاول أنها تهمه ضيفه لا تساوي الوازع الشرعي الذي يمنع ذلك المبتدع المتدين من الفسوق في الدين وارتكاب دناءة الكذب الذي تنزه عنه كثير من الفسقه المرتدين كيف الكاذب دناءة الكذب الذي تنزه عنه كثير من الفسقة لا يخفى تزويره وعما قليل ينكشف تبذيله وتغريره" من الغرر "ويتهمه النقاد وتتناوله ألسن أهل الأحقاد وكفى بشر سماعه" إشارة إلى المثل يكفيك من شر سماعه والمراد كفى الكاذب من الشر أن يسمع عنه "وأهل المناصب الرفيعه يأنفون من ذلك" أى من الكذب "من غير ديانه فكيف إذا كانوا من اهل الجمع بين الصيانه لأعراضهم والأمانه" لا يعزب عنك أن أصل الدعوى في الوجه الثاني أنه قد تحمله الرغبه في الدعاء إلى بدعته واستمالة القلوب إليه على التدليس أو التأويل لا على تعمده لا رتكاب صريح الكذب والجواب إنما يوافق ذلك. "وقد احتج أهل الحديث بمن هو على أصوالهم دعيه إلى البدعه لما قويت عندهم عدالته وأمانته كقتادة" ابن دعامه الدوسى فانه كان يدلس ورمى القدر قاله يحيى بن معين ومع هذا احتج به أهل الصحاح ولا سيما إذا قال حدثنا انتهى بلفضه الميزان وأثنى عليه في التذكرة "وغيره فإن قتادة كان يرى المعتزله ويدعو إليه قال الذهبي في التذكرة كان يرى القدر ولم يكن يقنع حتى يصيح به صياحا" قالت افضه في التذكرة وكان يرى القدر قال ضمرة بن شوذب ما كان قتادة يرضى حتى يصيح به صياحا يعني القدر قال الذهبي نقله عن غيره ثم قال قال ابن أبي عروبة والدستوائى قال قتادة ل شيئ بقدر إلا المعاصي قلت: ومع هذا الاعنقاد الردئ ما تأخر أحد عن الاحتجاج بحديثه انتهى من التذكرة.

"قلت: دعاة المبتدعة من الخوارج والجبرية وغيرهم هم أبعدهم عن القائح وأصدقهم لهجة وتهمتهم مرجوحة إلا الخطابية من الخوارج". قلت: الخطابية من غلاة فرق الشيعة ينسبون إلى أبي الخطاب الأسدي كان يقول بالحلول في جماعة من أهل البيت على التعاقب ثم ادعى الألهية قاله السخاوي في شرح ألفيته العراقي وقال المناوي في التعريفات أنهم يقولون الأئمة أنبياء وأبو الخطاب نبي وهم يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم وقالوا الجنة نعيم الدنيا. "والكرامية من الجبرية" هم نسبة إلى محمد بن كرام وفي ضبط كرام ثلاثة أقوال الأول بالفتح وتخفيف الراء ولاثاني بتثقيل الراء قيده به السمعاني وابن ماكولا قال إبراهيم وهو الجاري على الألسنة الثالث بكسر الكاف على لفظ جمع كريم قال الذهبي قال ابن حبان إن ابن كرام خذل حتى إلتقط من المذاهب أرداها ومن الأحاديث أوهاها قال الذهبي قد سقت أخبار ابن كرام في تاريخي الكبير وله أتباع ومريدون وقد سجن بنيسابور لأجل بدعته ثماينة أعوام ثم أخرج وسار إلى بيت المقدس ومات بالشام قال ابن حزم قال ابن كرام الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه هو مؤمن قال الذهبي قلت: هذا منافق محض في الدرك الأسفل من النار فأيش ينفع ابن كرام أن نسميه مؤمنا انتهى ولم يذكر الذهبي تجويزه الكذب. "وذلك" الوجه في أبعدينهم عما ذكر "لأن الداعي إلى المذهب من أشد الناس رغبة إلى إشادته والعمل به ومن جملة ما ذهبوا إليه" أي أي الخوارج والجبرية "تحريم الكذب إلا هاتين الفرقتين" وهم الخطابية والكرامية فمن جملة بدعتهم تجويز الكذب. "فدعاتهم" وكان الأظهر دعاتهما "أكذبهم وأسرعوا إلى ذلك بخلاف غيرهم" فيتعين ردهم مطلقا دعاة كانوا أولا "ولو سلمنا تهمتهم" أي دعاة المبتدعة "لما كانت إلا فيما يخصهم من المذاهب دون سائر الأحكام" هذا هو رأي المحدثين في المبتدع غير الداهية أنه يرد من حديثه ما يقوى بدعته كما صرح به الحافظ في النخبة وشرحها "لأنها تهمة بتدليس أو نحوه من أمره يستجيزونه أما لو اتهمناهم بتعمد الكذب بقرائن راجحة على قرينة صدقهم لأجل الوازع الشرعي لم يكن في ردهم إشكال" لأجل التهمة بالكذب.

"وأما الوجه الثاني" وهم التعليل بعدم قبول الداعية بالمفسدة في قبوله "فالجواب عليه أن نقول إما أن يقوم الدليل الشرعي على قبولهم أو لا" يقوم "إن لم يدل" الدليل الشرعي "على وجوب قبولهم لم نقبلهم" لعدم الدليل على القبول "هل كانوا دعاة أو غير دعاة" أي سواء كانوا وإتيان هل لهذا المعنى لا أعرفه "وإن دل" الدليل الشرعي "على وجوب القبول" كما هو المفروض "لم يصلح ما أورده ما نعا من امتثال الأمر" بقبولهم "ولا مسقطا بمعلوم الفرض" من قبولهم. قلت: وهاهنا بحثان في قبول مطلق المبتدع داعية كان أو غيره وذلك لأن أهل الأصول أخذوا عدم البدعة في رسم العدالة فالمبتدع ليس بعدل فكيف يقبل حديثه فإنه قبله أهل الحديث كما سمعت ولم يردوا إلا الداعية لا لأجل بدعته بل لأنه داعية إليها. وفسر الحافظ ابن حجر العدالة بأنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروة وفسر بالتقوى بأنها اجتناب الأعمال السيئة من شرك وفسق أو بدعة فأفادة أن ترك البدعة من ماهية العدالة فطابق كلام الأصوليين فالمبتدع لا يكون عدلا على رأي الفريقين ثم إنه قسم البدعة إلى قسمين ما يكون ردا لأمر معلوم من الدين ضرورة أو إثباتا لأمر معلوم بالضرورة أنه ليس منه انتهى. قلت: ولا يخفى أن من كان بهذه الصفة فإنه كافر لرده ما علم ثبوته أو إثباته لما علم نفيه وكلا الأمرين كفر لأنه تكذيب للشارع وهذا ليس من محل النزاع إذ الكلام في المسلم المبتدع وأما ما يكون ابتداعه بفسق فقد اختار لنفسه ونقل عن الجمهور أنه يقبل ما لم يكن داعية وحينئذ فلا يرد إلا الداعية ورده لا لأجل بدعته بل لكونه داعية وهذه مسألة قبول أهل التأويل. والمصنف قد نقل في كتبه الأربعة العواصم ومختصره الروض الباسم وهذا الكتاب ومختصره في أصول علم الحديث إجماع الصحابة على قبول فساق التأويل ولا يخفى أن هذا ينافي القول بشرطية عدم البدعة في الراوي ورسم العدالة منافاة ظاهرة وقد تقرر كون البدعة من الكبائر عند أئمة العلم ودلت عليه عدة أحاديث قد أودعناها رسالة حسن الإتباع وقبح الإبتداع وسقنا شطرا منها صاحلحا في رسالتنا ثمرات النظر وأطلنا القول في هذا البحث فيها. وإذا عرفت هذا فلا يخلو قابل المبتدع إما أن يقول إنه عدل وإن ابتداعه لا يخل

بعدالته فهذا رجوع عن رسم العدالة أو يقول إنه لا يشترط عدم البدعة في العدل وإنه لا يطابق أحاديث الزجر عن البدعة. البحث الثاني أن تفسير العدالة بما ذكره الحافظ ابن حجر تطابقت عليه كتب أئمة الأصول والحديث وإن حذف البعض قيد الأبتداع فإنهم قد اتفقوا على أنها ملكة ولا يخفى أنه ليس هذا معناها لغة ففي القاموس العدل ضدالجور وإن كان كلامه في هذه الألفاظ قليل الإفادة لأنه يقول والجور نقيض العدل فيدور وفي النهاية لابن الأثير العدل الذي لا يميل به الهوى وهو وإن كان تفسيرا للعادل فقد أفاد المراد به وفي غيرهما العدل الإستقامة. ولأئمة التفسير أقوال في تفسيرها قال الفخر الرازي في مفاتح الغيب بعد سرده الأقوال إنه عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط ولاتفريط قلت: وهو قريب من تفسيره بالإستقامة فإنه فسرها الصحابة وهم أهل اللسان العربي بعدم الرجوع إلى عبادة الأوثان وأنكر أبو بكر الصديق على من فسرها بعد الإتيان بذنب وقال حملتم الأمر على أشده وفسرها أمير المؤمنين علي عليه السلام بالإتيان بالفرائض. والحاصل أن تفسيرهم العدالة بالملكة ليس هو معناها لغة ولا أتى عن الشارع في ذلك حرف واحد وتفسيرها بالملكة تشديد لا يتم وجوده إلا في المعصومين وأفراد من خلص المؤمنين بل في الحديث "إن كل بني آدم حطاؤون وخير الخطائين التوابون" 1 وفيه أنه "من من نبي إلا عصى أوهم إلا يحيى بن زكريا" 2. ولا يخفى أن حصول هذه الملكة لكل رواه من رواة الحديث معلوم أنه لا يكاد يقع ومن طالع تراجم الرواة علم ذلك يقينا فالتحقيق أن العدل هو من قارب وسدد وغلب خيره على شره وفي الحديث "المؤمن واه راقع" 3 أي واه ما أذنب راقع بالتوبة وتمامه "والسعيد من مات على رقعه" أخرجه البزار وإن كان فيه ضعف فإنه يشهد له حديث "لو لو تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم" 4 وهو حديث صحيح وقد أطلنا البحث في هذا في ثمرات النظر وفي هذا هنا كفاية.

_ 1 الترمذي 2499, وابن ماجة 4251, والدارمي 2/303. والحاكم 4/244. 2 أحمد 1/254, 292, 295. 3 المعجم الصغير 1/66, والمجمع 10/201. 4مسلم في التوبة ب 2: حديث 11, وأحمد 2/309.

ولما قرر المصنف في كلامه ما يفيد قبول رواية المبتدع الداعية استشعر أنه قد يقال قد ثبت رد شهادة من له غرض في الشهادة أو من يتهم بمحاباة أو عداوة أو نحو ذلك أجاب عنه بقوله "وعلى العامة" أي العلماء "أن يفرقوا بين قبول الرواية والشهادة" فإن لكل منهما شروطا معروفة "و" أن يفرقوا "بين اعتقاد ماليس عليه دليل من البدعة" أي وبين ما قام دليل عليه وقبول الداعية قد قام الدليل عليه كما قرره فابتداعه في أمر لا يمنع عن قبوله في غيره "ومتى تعدوا" العامة "في ذلك" أي بقبولهم له في بدعته "أتوا من قبل أنفسهم" في اتباعهم للداعية في بدعته فإن الدليل لم يقم على ذلك. "مثال ذلك أنا لو خشينا مثل ذلك من العامة إن سرنا في البغاة" أي في معاملتهم "بغير السيرة في المشركني لم يلزمن أن نسير فيهم مثل سيرتنا في المشركين" كما أن السيرة فيهم بغير السيرة في المشركين متعين فيإنه لا يغنم من أموالهم شيئا إلا الكراع والسلاح عند البعض ولا يسترقون ولا يذفف على جريحهم ولا يتبع مدبرهم "لئلا يتوهم بذلك العوام أن البغاة محقون أو محترمون" لم يلزمنا دفع وهم العامة بأن نسير في البغاة مثل سيرتنا في المشركين لئلا يتوهم العامة أن البغاة محقون أو محترمون "احتراما يوجب ترك قتالهم أو يشكك في جوازه" كذلك لا تترك رواية المبتدع الداعية لئلا تغري العامة بقبول روايته على مخالظته. "على أن هذه المفسدة" وهي مخالظة العامة للمبتدع الداعية "مأمونة الوقوع بالرواية لحديث منقد مات من دعاة المبتدعة وتقادم عهده فتأمل ذلك والله أعلم" كأنه يريد أنه قد يقال إن المفسدة في قبوله في حياته فإن بقبوله فيها يحصل التدليس بما يقوي بدعته فيحصل قبول مادلسه بعد مماته. * * *

مسألة (52) : في بيان السن التي يصلح تحمل الحديث فيها

مسألة: 52 [في بيان السن التي يصلح تحمل الحديث فيها] "متى يصلح تحمل الحديث" أي في أي سن يصلح تحمل الراوي عن غيره الرواية "العبرة" في ذلك أي في سن التحمل أو زمنه "بالعقل" أي بتعقل الراوي والتمييز لما يرويه لا بحين معين ووقت متحد بين الرواة. "وقد يخلف الناس في ذلك وتختلف الأمور التي تحفظ فالأمور العظيمة" التي يعظم وقعها ويندر حصولها "ربما حفظت في حال الصغر بخلاف الألفاظ" ولم أجد هذا في شرح الزين ولا في كلام ابن الصلاح. "وبالجملة متى ثبت العقل والبلوغ والعدالة" ذكر العقل والبلوغ مع العدالة زيادة إيضاح وإلا فإن ذكرها يكفي لأنها لا يكون منصفا بها إلا عاقل بالغ. "وجزم" فعل ماض عطف على قوله ثبت "الثقة بأنه يحفظ من صغره شيئا لم يكن لأحد تكذيبه". قال زين الدين ومنع من ذلك قوم وهو خطأ مردود عليهم وقد مثل من تحمل في صباه برواية الحسنين وعبد الله بن الزبير1 والنعمان بن بشير2 وابن عباس والسائب بن يزيد والمسور ابن مخرمة ونحوهم وقبل الناس روايتهم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده.

_ 1 عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أمير المؤمنين وهو أول مولود من المهاجرين بايعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين. مات سنة 73. له ترجمة في الرياض المستطابة ص 201- 202. 2 النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي كان أول مولود من الأنصار بعد الهجرة سكن الشام ثم ولي الكوفة وحمص لمعاوية وكان كريما جوادا شاعرا مات سنة 64. لله ترجمة في: الرياض المستطابة ص 262.

وأما سن السماع فاختلفوا فيها على أقوال: الأول: أن أقله خمس سنين حكاه القاضي عياض في الألماع1 عن أهل الصنعة وقال ابن الصلاح: هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين. وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه ولانسائي وابن ماجه2 من حديث محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين, بوب عليه البخاري متى يصح سماع الصغير قال زين الدين3 وليس في حديث محمود سنة متبعة إذ لا يلزم منه أن يميز الصغير تمييز محمود بل قد ينقص عنه وقد يزيد ولا يلزم منه أن لا يعقل مثل ذلك سنه أقل من ذلك ولا يلزم من عقل المجة أن يعقل غير ذلك مما سمعه انتهى. قلت: على أنه أخبر عن نفسه ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم قول ولا تقرير ولا رواه في حياته صلى الله عليه وسلم وإنما فيه دليل على جواز المجة في وجه الصبي مداعية له وتبريكا عليه وكأنه يقول الدليل أنه رواه محمود وعين وقت تحمله وقبله العلماء ولم يردوه فيكون إجماعا على ذلك ولئن سلم ففيه ما قاله الزين. ثم مما يدل على عدم اعتبار حد معين لسن التحمل أنه روى الخطيب4 بإسناده إلى القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الملبان الأصهاني قال سمعته يقول حفظت القرآن ولي خمس سنين وأحضرت عند أبي بكر بن المقري ولي أربع سنين فأرادوا أن يسمعوا لي ما حضرت قراءته فقال بعضهم إنه يصغر عن السماع فقال ابن المقري اقرأ سورة الكافرون فقرأتها فقال أقرأ سوة التكوير فقرأتها فقال لي غيره اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم أغلط فيها فقال ابن المقري اسمعوا له والعهدة على. وفي شرح السخاوي5 أنه روى الخطيب من طريق أحمدبن نصر الهلالي قال:

_ 1 ص 62. 2 البخاري في: العلم ب 18, وابن ماجة في: الطهارة: ب 136. وأحمد 5/427. 3 فتح المغيث 2/45. 4 ص 64- 65. 5 2/146.

سمعت أبي يقول كنت في مجلس ابن عيينة فنظر إلى صبي دخل المسجد فكأن أهل المجلس تهاونوا به فقال سفيان كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ثم قال لو رأيتني ولي عشر سنين طولي خمسة أشبار ووجهي كالدينار وأنا كشعلة نار ثيابي صغار وأكمامي قصار وذيلي بمقدار ونعلي كآذان فار أختلف إلى علماء الأمصار مثل الحسن وعمرو بن دينار أجلس بينهم كالمسمار محبرتي كالجوزة ومقلت: ي كالموزة وقلمي كاللوزة إذا دخلت المسجد قالوا أوسعوا للشيخ الصغير قال النووي في ترجمة ابن عيينة في التهذيب قال سفيان قرأت القرآن وأنا ابن أربع سنين وكتبت وأنا ابن سبع سنين. القول الثاني من الثلاثة أنه متى فهم الخطاب ورد الجواب كان سماعه صحيحا وإن كان ابن أقل من خمس وإن لم يكن كذلك لم يصح وإن زاد على الخمس قال زين الدين وهذا هو الصواب ولعل أهل القول الأولى يشترطون فهمه الخطاب ورده الجواب. القول الثالث: إنه إذا عقل وضبط وهو قول أحمد بن حنبل قلت: وهو قريب من الثاني. الرابع: قول موسى بن هرون الحمال يجوز سماع الصغير إذا فرق بين البقرة والدابة وفي رواية بين البقرة والحمار1 قال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر أنه على سبيل المثال. "إلا أن يكون" الخبر الذي تحمله الراوي حال صغره ورواه بعد كبره "أمرا يعلم بطلانه بالضرورة أو الدلالة فإنه لا يقبل" قلت: لإخفاء في أنه ما كان كذلك فإنه لا يقبل ممن تحمل بعد تكليفه "ومثل هذا لم يقع فلا نطول بذكره وكذا تقبل رواية من سمع وهو كافر وروى" ذلك "بعد الإسلام فالعبرة بحال الأداء" أي حال تأديته ما سمعه. قال زين الدين مثاله حديث جبير بن مطعم المتفق على صحته أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وكان قدم في فداء أسارى بدر قبل أن يسلم وفي رواية للبخاري وذلك أول ما وقر الأسلام في قلبي2.

_ 1 علوم الحديث ص116. 2 البخاري في: المغازي: ب 12.

خاتمة: قال ابن الصلاح1: وينبغي بعد أن صار الملحوظ بقاء سلسلة الإسناد أن يبكر بإسماع الصغار في أول زمان يصح فيه سماعه وأما الإشتغال بكتب الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في سن مخصوص انتهى. ونقل زين الدين2 عن الزبير بن أحمد من الشافعية أنه قال يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجمع العقل قال وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض ضقال الحافظ ابن حجر: المراد ما يجب على الشخص وجوب عين لا علم المواريث وقال موسى بن إسحاق كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة3 وقال موسى بن هرون الحمال أهل البصة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين4 * * *

_ 1 علوم الحديث ص 115- 116. 2 فتح المغيث 2/44, وعلوم الحديث ص 115. 3 علوم الحديث ص 115. 4 المصدر السابق.

مسألة (53) : في بيان أقسام التحمل

مسألة: 53 [في بيان أقسام التحمل] "أقسام التحمل" قال زين الدين1: الأخذ للحديث وتحمله عن الشيوخ ثمانية أقسام: الأول: "لفظ الشيخ" أي سماع لفظه قال الزين2 سواء أحدث من كتابه أو من حفظه بإملاء أو بغير إملاء وهو أرفع الأقسام وأعلاها "عند الجمهور وأرفع ألفاظه" في حال الأجاء "فيما سمعه من الشيخ" قال الخطيب3 أرفع العبارات "سمعت" فإنها أرفع العبارات وأما سمعنا بطريق الجمع فيطرقه احتمال سماع أهل بلد هم فيهم "ثم حدثنا وحدثني ثم أخبرنا وأخبرني" وهو كثير في الإستعمال هذا لفظه وهو أرفع من سمعت من جهة أخرى وهو أنه ليس في سمعت دلالة على أنه خاطبه به وفيها دلالة على أنه خاطبه به ورواه له "ثم أنبأنا وأنبأني وهو قليل في الإستعمال وإنما يستعمل" الأنباء "في الرواية بالإجازة لا بالسماع" من لفظ الشيخ "ثم إستعمل أنبأنا في" عرف أهل "الأزمان الأخيرة لما قرئ على الشيخ وأما قال لنا أو" قال "لي أو ذكر لنا أولى أو نحوه فهو مثل ماتقدم في الاتصال" فهو مثل حدثنا "غير أنه في العرف لما ثيل في حال المذاكرة". قال ابن الصلاح4: إنه لا ثقة به وهو أشبه من حدثنا وخالف أبو عبد الله بن منده في ذلك فقا لفيما رويناه له أن البخاري حيث قال قال لي فلان هو إجازة وحيث قال قال فلان فهو تدليس ولم يقبل العلماء كلامه هذا وقال ابن

_ 1 فتح المغيث 2/47. 2 المصدر السابق. 3 الكفاية 283- 284. 4 علوم الحديث ص 121.

القطان إن رواية ذلك عن البخاري لم تصح. قال الحفاظ ابن حجر قالوا إن ما قال فيه البخاري قال لنا فهو ما حمله إجازة قال واستقرينا ذلك فوجدناه في بعض ما قال فيه ذلك يصرح فيه بالتحديث في موضع آخر. "فأما قال وذكر من غير حرف جر وضمير" من لنا أولى "فهو دونها" قال ابن الصلاح1: إنها أوضع العبارات ومع ذلك فهي محمولة على السماع بالشرط المذكور في المعنعن وهو حيث حصل الشرط الديني ولذا قال المصنف "وهي كالمعنعنة متصلة إذا علم اللقاء وسلم القائل لذلك من التدليس لا سيما من عرف منه أنه لا يروي إلا ما سمعه". "كحجاج بن محمد" هو المصيصي "الأعور" أحد الثقات روى عن ابن جريج وشعبة وعنه أحمد وابن معين ولاذهلي روى الأترم عن أحمد أنه قال ما كان أحفظه وأصح حديثه وأشد تعاهده للحروف ورفع أمره جدا "فروى كتب ابن جريج" هو عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج أبو خالد المكي أحد الأعلام الثقات يدلس وهو في نفسه مجمع على ثقته مع أنه قد تزوج نحوا من سبعين امرأة نكاح المتعة كان يرى الرخصة في ذلككان فقيه أهل مكة في زمانه "بلفظ قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا بها" لأنه قد وجد فيها شرط المعنعن المتصل من علم اللقاء والسلامة من التدليس وزيادة أن راويها لا يروي إلا ما سمعه. "الثاني" من أقسام الأخذ والتحمل "القراءة على الشيخ" وهو يسمع "ويسميها أكثر المحدثين عرضا" قال زين الدين2 بمعنى أن القاري يعرض على الشيخ ذلك سواء قرأت ذلك على الشيخ من كتابه أو سمعته بقراءة غيرك من كتاب أو من حفظه أيضا وسواء كان الشيخ حافظا لما عرضت أو غرض غيرك عليه أو غير حافظ له. "وسواء أمساك الشيخ أصله بنفسه أوثقة غيره خلافا لبعض الأصوليين" فيما إذا لم يمسك أصله بنصه وهو القاضي أبو بكر الباقلاني فإنه حكى القاضي عياض عنه أنه تردد فيه وأكثر سيله إلى المنع وإليه نحا الجويني يعنى إمام الحرمين قال القاضي وأجازه بعضهم وصححه وبهذا عمل كافة الشيوخ وأهل الحديث وقال ابن الصلاح:

_ 1 المصدر السابق. 2 فتح المغيث 2/50.

إنه المختار وقوله ثقة احتراز عما إذا كان الممسك للأصل لا يعتمد عليه ولا يوثق به فذلك السماع مردود غير معتد به. "وأجمعوا على صحة الرواية بالعرض" قال ابن الصلاح1: كما يعرض القرآن على المقري وقال هنا أجمعوا وإن خالف في صحته من يأتي ذكره فإنهم كما قال المصنف "وردوا في ذلك الخلاف عن أبي عاصم النبيل" وذلك أنه كان لا يرى يعني أبا عاصم الرواية بالعرض2 وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني البصري أحد الأثبات قال الذهبي أجمعوا على توثيق أبي عاصم وقد قال عمر بن سعد والله ما رأيت مثله. "و" ردوا مارووا عن أبي "عبد الرحمن بن سلام الجمحي" فإنه لم يكتف بذلك فإنه حكى أبو خليفة عنه أنه سمعه يقول دخلت على مالك وعلى بابه من يحجبه وبين يديه ابن أبي أويس يقول له حدثك نافع حدثك الزهري حدثك فلان ومالك يقول نعم فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله عوضني مما حدثت بثلاثة أحاديث تقرؤها علي فقال أعراقي أنت؟ أخرجوه عني3 انتهى. واعلم أن قول المصنف إنهم ردوا قوليهما لم يردوه إلا بقولهم إنه لا يعتد بخلافهما ولا يخفى ضعف هذا الرد إذ المسألة تحتمل النظر والخلاف. "ورجحه مالك وأبو حنيفة وغيرهما على السماع من لفظ الشيخ" الذي أعلى رتب الأخذ والتحمل. قلت: والذي في شرح الألفية4 أن مالكا يقول بالتسوية كأهل القول الثاني قال السخاوي والتسوية هي المعروفة عن مالك قال وذكر ابن فارس عن مالك والخطيب في الكفاية كقول أبي حنيفة فإنه روى السليماني من حديث الحسن بن زياد قال كان أبو حنيفة يقول قراءتك على المحدث أثبت وأوكذ من قراءته عليك إنه إذا قرأ عليك فإنما يقرأ ما في الصحيفة وإذا قرأت عليه فقال حدث عني ما قرأت فهو تأكيد وهذا القول الأول في المسألة.

_ 1 علوم الحديث ص 122. 2 المحدث الفاضل ص 420. 3 الكفاية ص 272. 4 فتح المغيث 2/51.

والثاني قوله "والجمهور على أنهما سواء" قال الزين1 ذهب مالك وأصحابه ومعظم أهل الحجاز والكوفة والبخاري إلى التسوية بينهما. قلت: قد قدم المصنف أن أرفعهما السماع من لفظ الشيخ وأسنده إلى الجمهور ثم عد العرض رتبة ثانية وهنا قال عن الجمهور إنهما سوءا ومثله قال الزين في ألفيته إن السماع من لفظ الشيخ إلى وجوه الأخذ عنه الأكثرين ولكنه لم يقل في القول بالتسوية إنه قول الجهور فلم يناقض عبارته وفي شرح السخاوي2 أن مالكا كان يأبى أشد الأباء على المخالف ويقول كيف لا يجزئك هذا في الحديث ويجزئك في القرآن والقرآن أعظم ولذا قال بعض أصحابه وصحبته سبع عشرة سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرؤه عليه وقال إبراهيم بن سعد يا أهل العراق لا تدعون تنطعكم العرض مثل السماع3. والثالث قوله "وذهب جمهور أهل الشرق إلى ترجيح السماع منه" من لفظ الشيخ على القراءة عليه المسماة بالعرض قال السخاوي لكن محله ما لم يعرض عارض يصير العرض أولى وذلك بأن يكون الطالب أعلم وأضبط ونحو ذلك كأن يكون الشيخ في حال القراءة عليه أوعى وأضبط وأيقظ منه في حال قراءته هو وحينئذ فالحق أن ما كان فيه الأمن من الخطأ والغلط أكثر كان أعلى رتبة وأعلاها فيما يظهر أن يقرأ الشيخ بأصله وأحد السامعين مقابل بأصل آخر ليجتمع فيه للفظ والعرض انتهى. قلت: وأخذوا في العرض القراءة على الشيخ وهي بأن يأخذ التلميذ لفظ ما يروى فلا يسمى مجرد المقابلة لما يمليه الشيخ عرضا إلا أن يريدوا أو يقرأ السامع أيضاما قرأه الشيخ. وإذا روى من تحمل بالعرض ما يحمله فله في ذلك عبارات: "وأجود العبارات في العرض أن تقول قرأت على فلان أن كان هو الذي قرأ عليه وإلا قوى عليه وأنا أسمع" عبارة ابن الصلاح4: أجودها أن تقول قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به فهذا شائع من غير إشكال.

_ 1 فتح المغيث 2/51. 2 2/169- 170. 3 البيهقي في: المعرفة 1/32. 4 علوم الحديث ص 122-123.

"ودون هذه العبارة" أن يقول "حدثنا أو أنبأنا فلان بقراءتي عليه إن كان القارئ وإلا قال قراءة عليه وأما أسمع" وإنما كانت دون الأولى لإيهامها أو لا قبل التقييد أنه شافهه الشيخ وأسمعه ما رواه عنه "أو" يقول "قال فلان قراءة عليه أو نحو ذلك" مما يفيد أنه رواه بالعرض "حتى استعملوه" أي هذا التركيب "في الإنشاد" قالو أنشدنا فلان قراءة عليه أو بقراءتي عليه. "ولم يستثنوا مما يجوز في القسم الأول إلا سمعت" فقالوا لا يقال في الرواية في هذا القسم سمعت بل يختص بالقسم الأول "وجوزه بعضهم" كالسفيانين ومالك حكاه عنهم القاضي عياض وهو كما قال ابن دقيق العيد تسامح خراج عن الوضع ليس له وجه قال وربما قرنه بعضهم بأن قال سمعت فلانا قراءة عليه "والصحيح الأول" وصححه الباقلاني واستبعد ابن أبي الدم الخلاف وقال ينبغي الجزم بعدم الجواز لأن سمعت صريح في السماع لفظا. "وأما إطلاق" الأخذ بالعرض عند روايته لما أخذه بإطلاقه "حدثنا وأخبرنا من غير تقييد بالقراءة فاختلفوا فيه على" ثلاثة "أقوال": الأول: المنع وهو مذهب أحمد بن حنبل والنسائي وخلق من أهل الحديث وقال الباقلاني1 إنه الصحيح. والثاني: الجواز وهو مذهب الزهري والثوري وأبي حنيفة ومعظم أهل الكوفة والحجاز. وثالثها: الفصيل وهو "منع" إطلاق "حدثنا جواز أخبرنا" وهو مذهب ابن وهب والشافعي ومسلم وأكثر أهل الشرق "وهو الشائع الغلب على أهل الحديث" عبارة ابن الصلاح2 الفرق بينهم اصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف وخير ما يقال فيه إنه اصطلاح كما قال المصنف "وكأنه اصطلاح للتمييز بين النوعين" قراءة الشيخ والعرض عليه. وقال ابن دقيق العيد حدثنا في العرض بعيد من الوضع اللغوي بخلاف أخبرنا فهو صالح لما حدث به الشيخ ولما قرى عليه فأخبر به فلفظ الأخبار أعم من التحديث فكل حديث إخبار ولا ينعكس وهنا تفريعات ثمانية ذكرها الزين

_ 1 الكفاية ص 296. 2 علوم الحديث ص 124.

بلفظ تفريعات. "وإذا قرأ القاري وسكت الشيخ" بعد قول الطالب أخبرك فلان كما قاله في شرح الألفية وكان يحسن من المصنف تقييده به كون الشيخ "غير منكر مع إصغائه وفيهمه ولم يقر باللفظ" وذلك بأن يقول الشيخ عند تمام السماع عليه بعد أن يقول له القاري هو كما قرأت عليك فيقول نعم "كفى ذلك" في العرض من غير إقرار الشيخ لفظا "عند جمهور الفقهاء والمحدثين والنظار" قال ابن الصلاح: وسكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ أي اكتفاء بالقرائن الظاهرة قال السخاوي قلت: وأيضا فسكوته خصوصا بعد قوله هل سمعت فيما ليس بصحيح موهم للصحة وذلك بعيد عن العدل لما يتضمن من الغش وعدم النصح وهذه المسألة مما استثنى من قول الشافعي لا ينسب إلى ساكت قول. "وشرطه" أي الأقرار باللفظ "بعض الظاهرية" وحكاه الخطيب عن بعض أصحاب الحديث "وبه" أي بقول بعض الظاهرية "عمل جماعة من مشايخ أهل الشرق وقطع به" بالمنع من الرواية حتى يصرح بالأقرار باللفظ "جماعة من الشافعية" أبو الفتح سليم الرازي وأبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ إلا أنه "قال ابن الصباغ له أن يعمل بما قرأ عليه" ولم يقر به "وإذا روى عنه فليس له أن يقول حدثني ولا أخبرني بل يقول" في الرواية "قرأت عليه أو قرئ علهي وهو يسمع وصححه" أي قول ابن الصباغ "الغزالي" قال الزين وما قاله ابن الصباغ من أنه لا يطلق فيه حدثنا ولا أخبرنا هذا الذي صححه الغزالي. "وحكاه الآمدي عن المتكلمين وصححه وحكى الآمدي تجويزه" أي إطلاق الرواية "عن الفقهاء والمحدثين وصححه ابن الحاجب وحكى عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة" هذه عبارة زين الدين بلفظها في شرح الألفية وفي مختصر ابن الحاجب ما لفظه وقراءته عليه من غير نكير ولا ما يوجب سكوتا مطلقا على الأصح ونقله الحاكم عن الأئمة الأربعة. قال عضد الدين فتقول وأما قراءتتته على الشيخ منغير أن ينكر الشيخ عليه ولا وجد أمر يوجب السكوت عنه من إكراه أو غفلة أو غيرهما من المقدرات المانعة عن الأنكار فقد اختلف في انه هل يعمل به أولا فمنعه بعض الظاهرية والصحيح أنه معمول به إلى أن قال فنقول عند الرواية حدثنا أو أخبرنا قراءة عليه.

وهل يقول حدثنا وأخبرنا مطلقا منغير ذكر القراءة؟ قال الحاكم القراءة إخبار عهدة على ذلك مشايخنا ونقل ذلك عن الأئمة الأربعة. "وإن أشار الشيخ" زادالزين برأسه أو بأصبعه "بالإقرار ولم يتلفظ فجزم صاحب المحصول بأنه لا يقول" الراوي عنه "حدثني وأخبرني ولا سمعت قال الزين وفيه نظر" كأن وجهه أنه إذا جاز أن يقول ذلك مع سكوته كما سلف فمع إشارته بالأولى. "واستحبوا الإجازة من الشيخ لتلميذه" عقب السماع خوفا من الغفلة اليسيرة عن الكلمة والكلمتين فإن تحقق السهو ولم تحصل إجازة بطل السماع في القدر المشكوك فيه لأنه لا رواية إلا مع علم بالتحديث أو الظن لا مع الشك. "وقال زين الدين" نقلا منه عن ظاهر صنيع المحدثين إنه "يعفي عن القدر اليسير كالكلمة والكلميتن" إلحاقا منهم للأقل بالأكثر وللمغلوب بالغالب. قال السخاوي بل تسعوا أكثر من ذلك حتى صار الملاحظ إبقاء سلسلة الأسناد بحيث كان يكتب السماع عن المزي وبحضرته لمن يكون بعيدا عن القاري والصبيان الذين لا يضبط أحدهم بل يلعبون غالبا ولا يشتملون بمجرد السماع حكاه ابن كثير. "وإذا لم يسمع" التلميذ "كلام الشيخ واستفهم" التلميذ عن كلام شيخه "من عنده" من السامعين "فأخبره لم يروه" أي ما استفهم عنه "عن الشيخ إلا بواسطة من حدثه" فإن الذي أخبر به قد صار شيخا له فيما أخبره ونزل به درجة عن السماع "وجوزه بعضهم" كأنه نظر إلى اتحاد المجلس "والصحيح خلافه" كما عرفت. "وأما المستملي فهو بمنزلة القاري على الشيخ فإذا سمع المستملي ما يقول المملي فلمن سمع السمتملي أن يروي عن المملي ويقيد ذلك بذكر الإملاء كالقراءة" قال السخاوي هذا هو الذي عليه العلم عند أكابر المحدثين ال1ي كان يعظم الجمع في مجالسهم جدا ويجتمع فيه الفئام من الناس بحيث يبلغ عددهم ألوفا مؤلفة ويصعد المستمي على الأماكن المرتفعة ويتلقون عن المشايخ ما يملون. هذا فيما يكون فيه السماع لا من وراء حجاب إذ هو الأصل. "ويجوز السماع" إذا كان يحدث من لفظه بصوت وهو يعرف الصوت "من وراء حجاب مع معرفة الصوت أو تعريف ثقة به" أي بصوته فيما إذا حدث بلفظه أو بحضوره فيماإذا قرى عليه صح السماع "لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين

ابن أم مكتوم" 1 قال السخاوي2 وقد يناقش فيه بأذن الأذان لا قدرة لسماع الشيطان لألفاظه فيكف بقوله وذلك مع الحجة لنا أيضا ثم ذكر ما أفاده قوله "ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يحدثن من وراء حجاب وينقل عنهن من يسمع ذلك" من غير نكير إجماعا. * * * مسألة: "الثالث" من أقسام التحمل "الإجازة" هي مصدر وأصلها إجواز تحركت الواو وانفتح ما قبلت ألفا وحذفت إحدى الألفين إما الزائدة وإما الأصليه على الخلاف بين سيبويه والأخفش. وفي مأخذها أقوال قيل التجوز وهو التعدي كانه عدى روايته حتى أدخلها إلى المروى عنه وقيل من المجاز كأنه القراءة والسماع هي الحقيقة وما عداها مجاز وقيل من الجواز يمعنى الإباحه فإنه أباح المجيز من أجازه أن يروى عنه وأذن له في ذلك. واعلم أنهم اختلفوا في مرتبة الأجازة والمصنف بني على كلام الزين أنها رتبة ثالثة وأن العرض أقوى منها وقيل أقوى منه لأنها أبعد من الكذب وأنفى عن التهمة وسوء الظن والتخللص عن الرياء والعجب قاله أبو القاسم عبد الرحمن بن منده وقال بقي بن مخلد ومن تبعه إنهما سواء وبه قال ابن خزيمة فقال المناولة والإجازة عندي كالسماع الصحيح. "وهي أنواع كثيرة" عدها زين الدين تسعة أنواع "أصحها أن يجيز العالم كتابا معينا لرجل معين" فيعين المجاز له والمجاز به "فيقول أجزت لك أن تروى عني كتاب فلان" قال زين الدين إنه حكى القاضي عياض الإتفاق على جواز هذا النوع. "ودون هذا أن يجيز" الشيخ "لرجل معين جميع مسموعاته من غير تعيين" للمجاز به وهذه الثانية. والثالثة قوله: "ودون هذا أن يجيز جميع مسموعاته لجميع الموجودين من المسلمين"

_ 1 البخاري 1/160. ومسلم في: الصيام: حديث 36: 38. وأحمد 2/9. 2 فتح المغيث 2/210- 211.

لعدم تعيين الأمرين معا ولا أحدهما: والرابعة قوله "ودون هذه أن يجيز ذلك" أي جميع مسموعاته "لجميع المسلمين الموجودين والمعدومين" ووجه تأخرها عما قبلها ظاهر واختار الخطيب صحتها قال إذا أجاز لجميع المسلمين صحت الأجازة وكذلك الحافظ ابن منده فإنه أجاز لمن قال لا إله إلا الله وإليه ذهب الحافظ السلفى فإنه كتب من الاسكندريه في بعض مكاتباته إحازة لأهل بلدان عدة منهابغداد وواسط وهمدان وإصبهان وزنجان. قال القاضي عياض إن الا جازة العامه للمسلمين من وجد منهم ومن لم يوجه ذهب إ ليها جماعة من مشايخ الحديث قال زين الدين وأنا أتوقف عن الرواية بها "ولها صور غير هذه" قد قدمنا لك عن الزين أن صورها تسع فهذه منها أربع. "وفي كل منها" أى من هذه المذكورة أو من المحذوفة "خلاف" والقائلون بكل صورة أكثر من القائلين نما دونها] وادعى الباجي أنه لاخلاف في جواز الرواية بالأجازة من سلف هذه الأمه وخلفها قال زين الدين إن حكايته الأجماع غلط وقال ابن الصلاح: إنه باطل. قلت: تقدم عن القاضي عياض أنه الأولى من الصور. "والذي إعتمد عليه من أجازها إختلفوا" في معناها إختلافا تفرع عنه إختلاف آخر "فمنهم من قال هي خبر جملى وكل ما جاز في الأخبار الجملية جاز فيها فمن هنا" أى من حيث كونها خبرا جمليا "قال بعضهم" أى بعض من أجاز الأجازة "لا تجوز لغير معين ولا لمعدوم لأن الأخبار لايكون إى لمعين موجود مشافهة أومكاتبة" فلم يجبيروا إلا القسم الأول منها وهو حيث تعين المجاز له. "ومن اجاز ذلكفي حق المجهول" كأجزت لأهل مصر مثلا "والمعدوم" وحده كأجزت لمن سيوجد أو مع الموجودين "إحتج" من يقول بجواز ذلك "بأنه يجوز أن يقول أخبرنا الله في كتابه بكذا كما يقول أمرنا بكذا وإن كنا وقت الأخبار والأمر غير موجودين ولا معينين". قال المنصف "وهذا" الدليل "ضعيف لوجهين": "الأول: أنه لو جاز لنا القياس على هذا" أي على قولنا أخبرنا الله بكذا "لجاز لنا أن نرى عمن لم يجز لنا من المحدثي فإن جواز قولنا أخبرنا الله لايتوقف على أن الله أجاز لنا الرواية عنه".

قلت: لم لا يقال إنه قد ثبت أنه قال صلى الله عليه وسلم "لبيلغ الشاهد الغائب" 1 وقال "بلغوا عنى ولو آية" 2 وهو خطاب للأمه الموجودين أو لمن شافهه بأن يبلغوا عنه ما أني به من عند الله من كتاب وسنة فهذه إجازة منه صلى الله عليه وسلم في الأبلاغ عنه ما جاء به فهو يروي القرىن عن جبريل عن الله تعالى ثم أمرنا بابلاغه فإذا عرفت فقولنا أخبرنا الله بكذا ممستندا إلى هذا الأمر الذي هو إجازة وزيادة وغايته أن يكون قولنا أخبرنا الله بكذا خبرا مرسلا لأسقاطنا الواسطة. ولا يلزم أيضا أن يكون إخباره صلى الله عليه وسلم لنا عن الله بالقرآن وبالأحاديث القدسية التى بلغها إليه النلك خبرا مرسلا لأنه من الأخبار المعلوم صدقها فلذا وجب قبول خبره صلى الله عليه وسلم لأجل المعجزة فليس كالأخبار المرسلة في الروايات لأن المختبر هنا معصوم عن الكذب رواية عن غيره وقولا عن نفسه وصل خبره بذلك الواسطة وهو جبريل أو غيره من الملائكة أولا وقد صرح صلى الله عليه وسلم في بعض رواياته عن الله تعالى بذكر جبريل والأكثر حذفه. وإذا تقرر هذا فلم يتم قول المنصف إنه لايتوقف قولناأخبرنا الله تعالى أنه أجازلنا الرواية عنه بل قد أجاز لنا تعالى الرواية عنه على لسان رسوله حيث قال {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ, وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 2] فإنه معطوف على الأمين أو على ضمير مفعول يعلمهم فالصحابة معلمون له صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة فالصحابة معلمون له صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة والكل إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن الله كما تقرر أن الحق أن السنةوحى وهى المراد بالحكمة في الآيه ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يعلموامن يأتي بعدهم ويبلغوهم الكتاب والحكمة ثم هلم جرا إلى إنقضاء دار التكليف. وكل ذلك إخبار عن الله بالأخازة منه صلى الله عليه وسلم وهي أمره لهم بالابلاغ فإخباره صلى الله عليه وسلم عن ربه كله بالإجازة عنه تعالى فإن أمره تعلى له صلى الله عليه وسلم بإخباره لنا عنه أمره ونواهيه وكلامه هو عين الإجازة له بالابلاغ غايته أنه تعلى أوجب عليه ذلك الابلاغ كما أوجب صلى الله عليه وسلم على

_ 1 البخاري 1/26, 37, ومسلم في: الحج: ب 82: حديث 446, وأحمد 5/45. 2 البخاري 4/207, والترمذي 2669, والدارمي 1/136, وأحمد 2/159.

الأمة الأبلاغ عنه وعن الله فقولنا أخبرنا الله بكذا مرسل بل المراد أخبرنا من علمنا كلام الله عن رسول الله عن جبريل عن الله ومن علمنا بينهم وبين من علمهم وسائط لاينحصرون. لكن الأخبار المتواترة كالقرآن والواجبات الخمسة ونحوها لا ينظر فيها إلى الرواة ولا إلى صفاتهم وإلا فالكل رواية فليتأمل فإنه قد يقال إن إنقسام الرواية إلى مرسل وغيره إنما هو في الأحاديث لا في المتواترات لأنه قد يقال أول رتبه آحاد إلا أن يقال التصديق بالمعجزة صير قبول الخبر ضروريا من صاحبها وهو الرسول صلى الله عليه وسلم والضرورة هي العلة في قبول الأخبار المتواترة فهي كالتواتر وأقوى منه في أول رتبة فلينظر فلم تجد هذا البحث لأحد وإنما هو من فتح الله وله الحمد كله. "ولو جاز ذلك" عن الله "لجاز لنا أيضا أن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة" يقال عليه سؤال الاستفسار وهو ما معنى بغير واسطة هل يختلف عليه فهذا ليس بإخبار عنه لغة قطعا وإن أريد بغير واسطة أي بغير راو لنا عنه فنحن إنما طريق ما يبلغنا عنه التعليم أما القرآن فمن أفواه حفاظه أو من خطوط الثقات من حفاظه والكل وساطة وتعليمهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو السنة ولا تبلغنا إلا من أفواه الرواة أو من خطوط ثقاتهم النقلة والكل إبلاغ لنا ورواية فإذا نقلنا عن الله تعالى أمرا وعن رسوله صلى الله عليه وسلم سنة فهي لا تكون إلا بواسطة قطعا ولا يشترط أن يقال لنا المبلغ أرووا عني لأنه قدأمرنا الشارع بالرواية عنه والإبلاغ بحيث لوقال لنا من علمنا قد حجرتكم عن الرواية عني لكان كلاما لاغيا وكان به آثما وإذا عرفت وجوب الرواية عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما صح لك من كتاب وسنة وأنك لا تحتاج فيه إلى إجازة أصلا. نعم إذا أردت سلسلة الإسناد بأنه أخبرك فلان عن فلان فلا بد لك من طريق يصح لك بها الأخبار وباه أخبرك فمن أجاز للمعدومين فمعناه الإبلاغ إليه بأنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقوله صلى الله عليه وسلم "بلغوا عني" عام للموجودين ولو كانوا غائبين وللمعدومين على خلاف في الأصول والإبلاغ عنه صلى الله عليه وسلم رواية فقد أجاز صلى الله عليه وسلم الرواية للمعدومين بل أمر بها. وإذا تحققت هذا علمت بطلان السؤال والجواب الذي تضمنهما قوله. "فإن قلت: إنما أجاز في حقه تعلى من غير أجازة لنا بخلاف غيره" قد عرفت أن

أمره تعالى لنا بالأبلاغ عنه وعن ورسوله صلى الله عليه وسلم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إجازة لنا وزيادة "لأنه تعالى أراد خطاب جميع المكلفين بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما خاطب من سمعه" نعم الخطاب الشفاهي هو لمن سمعه كما عرف في الأصول لكنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالبلاغ عنه وهو إجازة منه لمن بلغه أن يبلغ عنه ثم ظاهر كلامه أن المراد من قوله فإما من خاطب من سمعه أنه أراد الخطاب الشفاهي لأنه المسموع لمن يخاطب به. ولا يخفى أنه تعالى لم يشافه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء فإنه كان بغير وساطة وأما القرآن ويغره فإنه جاءه صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك فلا يتم قوله أراد خطاب جميع المكلفين لأنه تعالى لم يخاطب الخطاب الشفاهي الذي جعله وجه الشبه لا الموجودين ولا المعدومين بل خاطب جبريل عليه السلام على كيفية ال يعلمها إلا هو "وكذا شيوخ المحدثين إنما خاطبوا من أخذ عنهم" الكلام في أعم من الخطاب وهو البلاغ فأجازته للمعدومين إبلاغ لهم بأن يرووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا كأمره صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه. "قلت: كون الله قصد خطاب المعدومين" كما أفاده إيراد السؤال "من المكلفين" ينبغي أن المراد أي قصد أن يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم عنه تعالى كما قصد أن يخاطب جبريل محمدا صلى الله عليه وسلم إلا أنه تعالى خاطب الموجودين الخطاب الشفاهي الذي علق به النزاع وكما دل له قوله "مختلف في صحته" لكنه لا يخفي أنه إذا حمل على ما ذكرنا خرج عما نحن بصدده. واعلم أن مسألة الخطاب الشفاهي هي محل الخلاف في الأصول بين الحنابلة والجماهير ولا يخفي أنه لا يصح أن تراد هنا فإن المحدث الذي أجاز للمعدومين غير مخاطب لهم مشفاهمة ضرورة عقلية لكنه يبلغ بأجازته كأمره صلى الله عليه وسلم بقوله "بلغوا عني" فإنه أجازة لمن في عصره ولمن جاء بعده ووجد بعد فقده وقوله المعدومين يدل على أن الموجودين لا خلاف في قصد خطابهم وفيه الخلاف بل الحق أن الخطاب الشفاهي لا يكون إلا للحاضرين لا غير وذلك مثل يا أيها الناس وأما الغئبون ومن سيوجد فإنما يدخلون في الحكم لأدلة عموم التشريع كما عرفت في الأصول الفقية. "وعلى تقدير صحته فليس ينزل منزلة الأخبار كما لا ينزل منزلة التكليم" يقال عليه

مسلم ولذا لا يقال في الرواية بالإجازة كلمني فلان ولا شافهي ولا سمعته وإنما يقال أجاز لي ونحوه "ألا ترى أن موسى عليه السلام كلم الله تعالى من دون سائر من آمن به وإن كان الله قد أمرهم ونهاهم وأخبرهم" يقال فرق بين الأمرين فإنه تعالى كلم موسى عليه الصلاة والسلام بغير واسطة والذين أمرهم وأخبرهم ونهاهم كانوا بواسطة الرسل وكان فيمن أمرهم تعالى من هو معدوم قطعا فأمر الرسل بإبلاغهم والرواية عنه تعالى لهم وأمرت الرسل أصحابهم بإبلاغهم فهم مأمورون بأمر الله بالواسطة الأحياء في عصر الرسل الذي لم يشافههم الرسول كالمعدومين في ذلك إنما تعددت الوسائط. "فظهر من هذا أن قول القائل أخبرنا الله مجاز" يقال فما حقيقة هذا المجاز هل المراد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مجاز بل قوله صلى الله عليه وسلم أخبرني الله تعالى إذا اعتبرت الأخبار الشفاهي مجاز ويكون من المجاز الذي لا حقيقة له بل الأظهر أن قولنا نحن مثلا أخبرنا الله مثل قوله صلى الله عليه وسلم "أخبرني الله" الكل حقيقة في العبارتين أو مجاز فيهما إذا الكل إخبار عنه تعالى بواسطة غايته كثرة الوسائط في حقتا وقلت: ها في حقه صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإبلاغنا وأمرنا صلى الله عليه وسلم بالإبلاغ عنه أو يقال لا يشترط في الأخبار عن الغير المشافهة بل تحقق أنه قاله وأمرنا بإبلاغه فيكون الكل حقيقة. "والذي حسنه" أي هذا المجاز ولا يخفى أن الأولى أن يقول صححه "وضوح القرينة الدالة على المقصود وعدم أيهام حقيقة التكليم الخاص" وذلك أن وضوح القرينة في المعنى الجازي مصححه لا محسنه إذ لو خفيت لما صح "ودليله" أي أنه مجاز "أنه يقبح من أحدنا أن يقول أخبرني زيد بكذا ولم يخبره بذلك مشافهة لما كان الظاهر" وهو الحقيقة هنا "ممكنا ولا مانع منه" أي من مشافهة زيد له بالخبر وقد يقال لا نسلم القبح بعد ثبوت قوله صلى الله عليه وسلم أخبرني الله تعالى ولعل هذا القبح عرفي لا لغوي. "الوجه الثاني" من وجهي الضعف "أن ذلك غير مفيد للمقصود من الأجازة وإن قدرنا صحته في مجاز اللغة أو حقيقتها بمعنى أن قائله" أي قائل أخبرني الله "لا يوصف بالكذب وذلك لأن المقصود بالإجازة اتصال الإسناد وعدم انقطاعه فلو جاز مثل ذلك" وهو الإجازة للمعدومين "لجاز لنا أن نروي عمن بيننا وبينه قرون عديدة ممن

قد أجاز لجميع المسلمين الموجودين والمعدومين كالحافظ ابن منده" قدمنا قريبا أنه أجاز لمن قال لا إله إلا الله وقدمنا غير ابن منده. "وقد اتفق علماء الإسناء على القدح في الإسناد يكون الراوي لم يدرك زمان من روى عنه" يقال أين الإتفاق وهذا ابن منده من أئمة الإسناد قد أجاز ذلك وأجازه غيره من الأئمة كما قدمنا جماعة منهم ثم القد المذكور إنما يكون إذا أفهم سماعه منه بال وساطة ولا كذا هنا. "ولا فرق بين قبول من هذه صفته وبين قبول المراسيل والمقاطيع في المعنى قال ابن الصلاح: ولم يرو ولم يسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه إستعمل هذهالإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة" الماموس الشرذمة بالكسر القليل من الناس "المتاخرة الذين سوغوها انتهى" قال السخاوى وقد انصف ابن في قصر النفي على روايته وسماعه. قلت: عبلرة ابن الصلاح في نفي الرواية والسمع مسندة إلى المجهول كأنه يريد لم يرو أحد بدليل أنه أبى الواو وفي شرذمة قال السخاوى لأنه إستعملها جماعات ممن تقدمه من الأئمة المقتدى بهم كالحافظ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي والحافظ السلفي حدث بها عن ابن جيرون فيما قاله ابن دحية وغيره وحدث بها أيضا الحافظ أبو بكر بن حسين الأشبيلي المالكي وإن أبي العمرني كتلب علوم الحديث عن السلقى وجدث بها أبو الخطاب ابن دحية في تصانيفه عن أبي الوقت والسلفى وإستعمالها خلق كثير بعد ابن الصلاح وعمل بها النووى فإنه قال كما قرأته بخطه في آخر بعض تصانيفه وأجزت روايته لجميع المسلمين حتى إنه لكثيرة من جوزها أقردهم الحافظ أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أبي البدر البغدادي الكاتب في مصنف رتبهم فيه على حروف المعجم وكذا جمعهم أبو رشيد بن الغزالى الحافظ في كتاب سماه الجمع المبارك وقال النووى مشيرا إلى التعقب على ابن الصلاح إنه لم ير من إستعملها حتى ولا من سوغها إن الظاهر من كلام من صححها جواز الرواية بها وهذا يقتضى صحها وأى فائدة لها غير الرواية بها. وإعلم أنهم يشترطون فيمن يجيزون له الأهلة وكأن المراد أنهم يجيزون للمعدومين عند كما لهم وما أحسن قول أبي شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي جوابا على الحافظ السلفى وقد طلب منه الإجازة فقال:

إني أجزت لكم عني روايتكم ... بما سمعت من أشياخي وأقراني من بعد أن تحفظوا لجواز لها ... مستجمعين لها أسباب إتقان أرجوا بذلك أن الله يذكرني ... يوم النشور وإياكم بغفران ومثله ماكتبه أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي كما أورده الخطيب في الكفاية والقاضي في الإلماع: كتابي إليكم فافهموه فإنه ... رسولي إليكم والكتاب رسول فهذا سماعي من رجال لقيتهم ... لهم ورع مع فهمهم وعقول فإن شئتموا فارووهعني فإنما ... تقولون ماقد قلته وأقول ألا واحذروا التصحيف فيه فربما ... يغير عن تصحيفه فيحول وقال غيره: وأكره فيما قد سألتم غروركم ... ولست بما عندي من العلم أبخل فمن يروه فليروه بصوابه ... كما قاله القراء فالصدق أجمل وكتبت إجازة لبعض العلماء واشتملت هذه الأبيات على إجازة ونصيحة وكثيرا ماأكتبها في غالب الإجازات وهي: أجزتكمو ياأهل ودى روايتي ... لما أنا في علم الأحاديث أرويه على ذلك الشرط الذي بين أهله ... وفي شرحنا التوضيح تنقيح مافيه فأسند إلينا بالإجازة راويا ... لغير الذي عني سمعت سترويه وإن ترو عني ماسمعت فأروه ... بحدثنا الشيخ المشافه من فيه كذلك أجزنا مالنا من مؤلف ... إذا كنت تقريه وعني ترويه ألا واعلموا والعلم أشرف مكسب ... وقد صرتمو فيه شموسا الأهليه بأن أساس العلم تصحيح نية ... وإخلاص ماتبديه منه وتخفيه وبذلكمو منه لما قد عرفتمو ... وحققتمو من لفطه ومعانيه مع الصبر في تفهيم من ليس فاهما ... فكم طالب عد الجلي كخافيه وأن تلزموا في الإعتقاد طريقة ... لأسلافنا من غير جبر وتشبيه وأوصيكمو بالصبر والبر والتقى ... فهذا الذي بين الأنام تواصيه

به أمرتنا سورة العصر فاشكروا ... لمولاكمو ماجاءكم من أياديه فعضوا عليها بالنواجذ واصبورا ... فقد فرق الناس الكلام بما فيه ففيه الدواهي القاتلات لأهلها ... وكم فيه من داء يعز مداويه فكم مقصد نحو المقاصد مظلم ... وكم موقف نحو المواقف يخزيه كذلكم الغايات غاية بحثها ... شكوك بلا شك ومن غير تمويه فيا حبذا القرآن كم من أدلة ... حواها لتوحيد وعدل وتنزيه فماكان في عصر الرسول وصحبه ... سواه دليلا قاهرا لأعاديه فلا تأخذوا إلا مقالته التي ... تنادي إلى دار النعيم دواعيه عسانا نلبي من دعانا إلى الهدى ... ننال غدا من ربنا ما ترجيه وما خلتموه مشكلا متشابها ... فقولوا وكلناه إلى علم باريه وقف عند لفظ الله والراسخون قل ... هو المبتدا ما بعده خير فيه وفيه لدينا فوق عشرين حجة ... ولا يستطيع النظم شرح معانيه فقد ضل بالتأويل قوم جهالة ... ويعرف ذا النقاد من غير تنبيه فعطل أقوام وجسم فرقة ... وفاز امرؤ ما حام حول مبانيه أتى كل ما فيه من الأمر تاركا ... ومجتنبا إتيانه لنواهيه وقدصبر الكشاف جل كلامه ... تعالى مجازا فاحذروا من دواهيه وفيه يالله در كلامه ... مباحث تفي كل داء وتشفيه خذوا واتركوا منه وكل مؤلف ... كذلك فيه ما يروج وما فيه وليس سوى الرحمن يجذب عبده ... إلى كل ما يرضيه منه ويهديه أقيموا على باب الكريم وداوموا ... على قرعه فهو المجيب لداعيه ودونكم نصحا أتى في إجازة ... ودأبي نشر العلم مع نصح أهليه ولا تتركوني من دعائكمو عسى ... عسى دعوة تشفي الفؤاد وتحييه وتهدي إلى حسن الختام فإنه ... مناي الذي أدعو به وأرجيه وأحمد ربي كل حمد مصليا ... على أحمد والآل أقمار ناديه ورض على أصحاب أحمد متبعا ... لتابعهم أهل الحديث وراويه

"وقالت طافة ممن سوغ الأنوع في الأجازة إنها إذن لاخير جملى" إلا أنه لم يتقدم ذكرما جعلوه إذنا للمجازله في كلام المصنف وذلك أنهم ذكروا من أنواعها أن يأذن المجيز للمجازله أن يروى عنه ما يتحمله من الروايات بعد الأجازة له فيرويه عنه المجازلة بعد أن يتحمله قال الزين هذا النوع من الاجازة باطل "وشبهوها بالوكالة". قال ابن الصلاح: إنها على القول بأنها إذن تنبنى على الخلاف في تصحيح الإذن في الوكالة فيما ام يملكه الآذن بعد كأن يوكله في بيع العبد الذى يريد أن يشت يه وعلى جواز هذا النوع قال بعضهم وإذا جاز التوكل فيما لايملكه بعد فالإجارة أولى بدليل صحه إجاز الطفل دون توكيله وعلى المعتمد فيتعين كما قال ابن الصلاح: تبعا لغيره على من يريد أن يروى عن شيخ بالإجازه أن يعلم أن يعلم ما يرويه عنه مما تحمله شيخه قبل إجازته انتهى قال السخاوى يلحق بذلك ما يتجدد للمجيز بعد صدور الإجازه من نظم أو تأليف. "وهذا" أى تشبيه الأجازة بالوكالة "قول ساقط لأن باب الرواية غير باب الوكالة" يقال هم مسلمون بكونه غيره إنما قاسوه عليه فكان الأحسن أن يقول وقياسها على الوكالة باطل "فإن الرواية خبر عما مضى يدخله الصدق والكذب والوكالة إنشاء يتعلق بتصحيح أحكام مستبقلة ولهذا" لكونها تتعلق بالأحكام المستقبلة "يصح عزل الموكل للوكيل ويدخل فيها الشروط والاستثناء بخلاف الرواية" أما الشروط والاستثناء فالظاهر دخولهما في الأجازة فإنهم يشترطون أهليةمن يجيزون له ويستثنون بعض ما لم يسمعوه ولا يخفى أن الأجازة معناها إنشاء مثل أجزت لك فإنه من باب بعث ونحوه فهي مثل وكلتك في معناها ثم أن المجاز له والموكل هما المخبران وخبرهما هو الذي يحتمل الصدق والكذب فإنه يقول المجاز له أخبرني فلان ويقول وكلني زيد في مطالبة عمرو بحق عنده له فكلاهما مخبران ومستندهما جمل إنشائية فقول المصنف هذا خبر وهذا إنشاء كأنه من إلتباس العارض بالمعروض. وأما منع الشيخ من أجاز له أو سمع منه روايته عنه فقد قال الزين ولا يضر سامعا أن يمنعه الشيخ أن يروي ما قد سمعه كأن يقول له لا ترو عني أو ما أذنت لك أن تروي عني ما ما سمعته لا لعلة أو ريبة في المسموع فإنه قال ابن خلاد في المحدث الفاضل إن له الرواية عنه ولا يضره منعه وتبعه القاضي عياض وصرح به غير واحد من أئمة هذا الشأن وهذا هو الصحيح وقد حدثه وهو شيء لا يرجع فيه فلا

يؤثر منعه انتهى. قلت: وهذا يقوي ما قدمناه لك من أنه إبلاغ فلا أثر لمنعه عنه. وقال السخاوي عن بعض علماء غفريقة أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض من أخذ عنه لأمر نقمه عليه وكذلك عن بعض علماء الأندلس وقال لعله صدر عنهم تأدينا وتضعيفا لهم عند العامة لا لأنهم اعتقدوا صحة تأثيرة انتهى. "وأقول إن النوعين الأولين قويان والأول أقوى" الأجازة بمعين لمعين وكأن قوته من حيث تعيين المسموع من أول الأمر وإلا فإن الصورة الثانية لا بد فيها من تعين المسموع ضرورة وإلا كانت إجازة بمجهول. "وباقي أنواعها" أي الأجازة "ضعيف وفائدتهما" أي الأولين "اتصال الإسناد لا جواز العمل فإنه لا بد فيه من معرفة صحة النسخة المروي منها أما بمناولة أو بوجادة صحيحة كما سيأتي" الأمران معا "إلا أن تكون الأجازة لنسخة صحيحة معينة عند المجيز فتكون الإجازة لها مفيدة لاتصال الإسناد" لا حاجة إليه فقد علم "وجواز العمل وقد قصر مصنفوا علوم الحديث في بيان الحجج في الإجازة وطولوا الكلام بذكر أنواها وذكر "تعداد أسماء المختلين في كل نوع منها" وما كان يليق ترك الأدلة عليها. * * * مسألة: "الرابع" من طرق الرواية "المناولة و" هي لغة العطية ومنه حديث الخضر: "فحملوهما بغير نول" 1 أي عطاء واصطلاحا إعطاء الطالب شيئا من مروياته مع إجازته له به صريحا أو كناية وأخرت عن الإجازة مع أنها أعلى منها على المعتمد لأنها جزء لأول نوعيه. والأصل فيها ما علقه البخاري حيث ترجم له في العلم من صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابا وقال له: "لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا" فلما بلغ المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وعزا البخاري الاحتجاج لبعض علماء الحجاز وقد وصله الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في المدخل

_ 1 البخاري في: العلم: ب 44, ومسلم في: الفضائل: حديث 170, وأحمد 118.

من طريق أبي سوار عن جنب بن عبد الله يرفعه. ثم المناولة "أعلاها أن يناول الشيخ الطالب العلم كتابا من سماعه أو مما قوبل على كتابه ويقول هذا من سماعي أو روايتي عن فلان فأروه عني ونحو ذلك" وإنما كانت أعلاها لما فيها من التعيين والتشخيص بلا خلاف بين المحدثين فيه ثم قال زين الدين1 أعلى هذه الرتبة أن يملكه الشيخ الكتاب هبة أو بالقيمة ويليها عاريته كتابه يقابل عليه أو ينقل منه "فيجوز لطالب العلم أن ينقل عن هذا الكتاب ويعمل بما فيه". "و" الثانية "دون هذه الصورة" وهي "أن يأتي الطالب بكتاب الشيخ أو بما قابل عليه فيعرضه على الشيخ فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يناوله الطالب ويقول هو روايتي عن فلان أو عمن ذكر فيه أو نحو ذلك فأروه عني ونحو ذلكوهذه الصورة الآخرة سماها غير واحج من الأئمة عرضا فيكون عرض المناولة" وتقدم عرض السماع. "وهذه المناولة" أي في الصورتين معا كما تفيده عبارة الزين2 فإنه قال بعد ذكر الصورتين وهذه المناولة المعروفة "إن اقترنت بها إجازة فهي حالة محل السماع عند بعضهم كما حكاه الحاكم عن ابن شهاب" الزهري "وربيعة الرأي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك" عبارة ابن الصلاح3 ومالك بن أنس الإمام في آخرين من المدنيين ومجاهد وأبو الزبير وابن عيينة في جماعة من المكيين وعلقمة وإبراهيم النخعي والشعبي في جماعة من الكوفيين وقتادة وأبو العالية وأبو المتوكل الناحي في طائفة من البصريين وابن وهب وابن القاسم في طائفة من المصريين وآخرون من الشاميين والخراسانيين ورأي الحاكم طائفة من مشايخه على ذلك انتهى. "وغيرهم من أهل المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام ومصر وخراسان" وروى الخطيب في الكفاية4 أنه قال إسماعيل بن أبي أويس السماع على ثلاثة أوجه: القراءة على المحدث وهو أصحها وقراءة المحدث والمناولة. "وقال الحاكم في هذا العرض أما فقهاء الإسلام الذي أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه" أي عرض المناولة "سماعا منهم الشافعي والأوزاعي والبويطي والمزني

_ 1 فتح المغيث 3/3. 2 فتح المغيث 3/4. 3 علوم الحديث ص 147. 4 ص 327.

وأبو حنيفة والثوري وابن حنبل وابن المبارك وابن راهوية ويحيى بن يحيى قال" الحاكم "وعليه عهدنا أئمتنا إليه ذهبوا وإليه نذهب" واحتج الحاكم بقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من لم يسمعها" 1 وبقوله صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم" 2 فإنه لم يذكرفيهما غير السماع فدل على أفضليته لكن قال البلقيني إن ذلك لا يقتضي امتناع تنزيل المناولة على ما تقدم منزلة السماع في القوة على أني لم أجد من صريح كلامهم يقتضيه قال السخاوي وفيه نظر ولم يبين وجهه. "قال ابن الصلاح: إنه هو الصحيح وإنه منحط عن التحديث" تمام كلامه لفظا والإجازة قراءة "والأخبار ونقل زين الدين الاتفاق على صحتها" وإن اختلفوا في صحة الإجازة المجردة قال "وإنما اختلفوا في موازاتها" بالزاي: مساواتها "للسماع قال وقد حكى الاتفاق على صحتها القاضي عياض في الإلماع" وعبارته فيه: وهي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين وسمى جماعة وهو قول كافة أهل النقل والأداء والتحقيق من أهل النظر. انتهى. "وأما إن لم تقترن بها إجازة ولا قال المناول للطالب ارو عني مافي هذا الكتاب ولا نحو ذلك فإن أهل العلم اختلفوا في جواز الرواية بها" قال زين الدين: الأصح أنها باطلة وحكى النووي البطلان عن الفقهاء واصحاب الأصول ذكره في تقريبه والأحسن قول ابن الصلاح إنه عاب غير واحد من الفقهاء الأصوليين على المحدثين تجويزها وإساغة الرواية. "واختلافهم مبني على أن: هل الرواية من شرطها الإذن" من الشيخ للطالب "أو لا والصحيح ان الإذن غير مشترط في الإخبار" إذ الأصل جواز إخبار الإنسان عن غيره وإن لم يأذن في الإخبار عنه إلا أن يكون أمرا خاصا به لايجب اطلاع أحد عليه. "فكذلك" تجوز "هاهنا" أي في باب الرواية إذ هي قسم من الإخبار فإنه "إذاأخبر" الشيخ "أن الكتاب سماعه وأن النسخة صحيحة وناولها الطالب لينتسخها أو ينقل منها فإن ذلك يكفي" عن الإذن "والوجه في ذلك أنه خبر جملى فينزل منزلة كتب النبي صلى الله عليه وسلم التي كان ينفذ بها" إلى الآفاق "مع الرسل ولم تكن الرسل تحفظها

_ 1 الترمذي 2658. وابن ماجة 230. 2 أبو داود 3659. وأحمد 1/321. والصحيحة 1784.

وتسمعها على النبي صلى الله عليه وسلم "هذا هو الذي قدمناه لك أن الرواية من الإبلاغ المأمور به " "وإنما يخبرون" الرسل من أرسلوا إليه "خبرا جمليا أنها كتب النبي صلى الله عليه وسلم وأن مافيها منسوب إليه". قلت: ويستأنس لذلك بما وقع من المناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه بحضرة أحمد بن حنبل في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافعي: دباغها طهورها قال إسحاق: فما الدليل؟ قال: حديث ابن عباس عن ميمونه: "هلا انتفعتم يجلدها" 1 يعنى الشاة فقال إسحاق حديث ابن عكيم كتب إلينا النبى صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر "لاتنتفعوا من الميته بإهاب ولاعصب" 2 يشبه أن يكون ناسخا له لأنه قبل موته بتسير فقال الشافعي هذا كتاب وذلك سماع فقال إسحاق إن النبى صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وكأن حجة عليهم فسكت الشافعي مع بقاء حجته كما قاله ابن المفضل الماكي فإن كلامه في ترجيح السماع في إبطال الإستدلال بالكناب وكأن إسحاق لم يقصد الرد لأنه ممن يرى أن أنقص من السماع. * * * مسأله: "كيف يقول من روى بالمناولة والأجازة" كان الأولى تقديم الأجازة ليوافق ما سلف من الأجازة لكنها وقعت في عبارة الزين مؤخرة فتبع المنصف طريقه. "الذي عليه الجمهور واختاره أهل الترى والورع النع من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما في النولة والأجازة" مطلقا من غير تقييد "و" يجوز "مع تقييد ذلك بعبارة يتبين مهعا الواقع في كيفيه التحمل ويشعر به فيقول أخبرنا أو حدثنا إجازة أو مناولة أو إذنا أو نحو ذلك ومنهم" وهم غير الجمهور "من أجاز إطلاق حدثنا وأخبرنا" من غير تقييد بما ذكر "في الرواية بالمناولة" قال زين الدين إنه أجازه ابن شهاب الزهرى ومالك بن أنس "وهو" أى الإطلاق "يليق بمذهب من قال: المناولة المقرونة بالإجازة

_ 1 البخاري 2/158. ومسلم في: الحيض حديث 101, والنسائي 7/172. والبيهقي 1/23. 2 أبو داود في اللباس: ب 41, والترمذي 1729, وابن ماجة 3613, والنسائي 7/175, وأحمد 4/310.

منزلة منزلة السماع وتقدم من قال ذلك. "ومنهم من أجاز حدثنا وأخبرنا الإجازة مطلقا وكل عن ابن جريح ومالك وأهل المدينه والجوينى وجماعة من المتقدمين" قال الزين قال القاضي عياض1 إنه حكى ذلك أى جواز الرواية بحدثنا مطلقا في الأجازة ابن جريح وجماعه من المتقدمين وحكى الوليد بن بكر أنه مذهب مالك وأهل المدينة وذهب إلى جوازه إمام الحرمين وخالفه غيره من أهل الأصول. "واستعمل بعض أهل العلم" هم جماعة أهل الأصول في الروايه "في الأجازة ألفاظ غير مشعرة بالأجازة منها شافهنى فلان وأخبرني مشافهة" قال زين الدين إذا كان قد شافهه باالأجازة لفظا وما كان يحسن أن يحذفه المنصف "واستعمل بعضهم في الأجازة بالكتابه كتب إلى أو كتب لى أو أخبرنا كتابة" قال الزين2 وهذه الألفاظ وإن استعملها طائفة من المتأخرين فلا يسلم من استعملها من الإبهام وطرف من التدليس أما المشافهة فيؤهم مشافهته بالتحديث وأما المكاتبه فتوم أنه كتب إليه ذلك الحديث بعينه كما يفعله المتقدمون "ومنها لفظ أن فيقول" أخبرنا فلان "أن فلانا حدثه" أو أخبره "ومنها أنبأنا وهى عند المتقدمين بمنزلة أخبرنا". واعلم أنه استدل من أجاز إطلاق التحديث بالإجازة بأن مدلول التحديث لغه إلقاء المعاني إليك سواء ألقلها لفظاأو كتابة أو إجازة وقد سمى الله تعالى القرآن حديثا حدث به عباده وخاطبهم به فكل محدث أحدث إليك شفاها أو بكتابة أو بإجازة فقد حدثك به وأنت صاجق في قولك حدثني. "قال الحاكم3 الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجاز له روايته شفاها أبنبأني فلان وكان البيهقي يقول أبنأنا فلان إجازة ومنها لفظ عن وكثيرا ما يأتي بها المتأخرون في موضع الإجازة" قال ابن الصلاح: وذلك قريب إذا كان قد سمع منه بأجازة من نسخة إن لم يكن سماعا "ومنها خبرنا بتشديد الباء روى عن الأوزاعي أنه خصص الإجازة بذلك" زاد زين الدين ومنها قال لي فلان وكثيرا ما يعبر بها البخاري.

_ 1 الإلماع ص 128. 2 فتح المغيث 3/8. 3 علوم الحديث ص260.

وقال أبو عمر محمد ابن أبي جعفر أحمد بن حمدان الحيري كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة1 وقد تقدم أنها محمولة على السماع وأنها كأخبرنا وأنهم كثيرا ما يستعملونها في المذاكرة. * * * مسألة: "الخامس" من طرق الرواية "المكاتبة" وهي أن يكتب الشيخ شيئا من حديثه يخظه أو يأمر غيره فليكت عنه بإذنه سواء كان غائبا عنه أو حاضر في بلده "والرواية بها متصلة صحيحة عند كثير من المحققين من المتقدمين المتأخرين" وتقدم في مناظرة الشافعي وإسحاق دليلها. "وهي" أي الكتابة "أرفع" ورتبة "من الإجازة" المجردة وإلى هذا ذهب قوم من الأصليين منهم إمام الحرمين وكأنه لما فيها من التشخيص والمشاهدة للمروي من أول الأمر. "ومنع الرواية بها قوم" منهم الإمام أبو الحسن الماوردي ولكن قال القاضي عياض إنه غلط بل العمدة صحة الرواية بها واستدل له البخاري في صحيحه بنسخ عثمان رضي الله عنه المصاحف والاستدلال بذلك واضح لأصل المكاتبة لا خصوص المجردة عن الإجازة فإن عثمان أمرهم بالاعتماد على مافي تلك المصاحف ومخالفة ما عداها والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا ثبوت أصل القرآن فإنه متواتر كذا قيل وفيه تأمل. "وقال بعضهم" هو سيف الدين الآمدي "لا يجوز أن يروى عن الكاتب إلا أن يسلطه على ذلك فيقول ارو عني ما كتبت إليك أو يكتب ذلك إليه وحجة من أجازها أنها من أقسام الأعلام الحاصل بالأخبار فهي ميثله في الفائدة المعقولة وهي حصول الظن بخبر الواحد ولهذا استعمل العقلاء الكتاب إلى الغائب ونزلوه منزلة المشافهة في جميع ما يقصدون فيه طلب المنافع ودفع المضار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك" فقد بعث بكتبه إلى الملوك كسرى وقيصر وغيرهما وكتابه

_ 1 علوم الحديث ص 152.

المعروف بكتاب عمرو بن حزم فيه عدة من الأحكام وعليه اعتمد علماء الأسلام وخلفاء الأنام "وكذلك الخلفاء من بعده" فإنه كتب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما في أمور عظائم ومهمة وبها كانت تقوم الحجة وفي الصحيحين عدة أحاديث بعضها اتفقا عليه وبعضها انفرد به أحدهما وهي معروفة فلا نطول بها. "ويكفي في ذلك معرفة خط الكتاب على الأصح" وإن لم تقم بينة على الكتاب برؤيته وهو يكتب ذلك أو بالشهادة عليه أو أنه خطه. "وفيه خلاف" فقال قوم لا يعتمد على الخطوط واشترطوا البينة بالرؤية أو الإقرار قالوا للإشتباه في الخطوط بحيث لا يتميز أحد الكتابين عن الآخر ورده ابن الصلاح وقال1 إنه غير مرضى لندرة ذلك اللبس فإن الظاهر أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه إلتباس والحكم للأغلب وحاصله أنه إن حصل الظن بأنه خط فلان جاز العمل وإن شك فلا يعمل مع الشك. "والحجة على ذلك من النظر أنه يحصل به الظن" والظن يجب العمل به "و" الحجة عليه "من الأثر الحديث الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته مكتوبة تحت رأسه" أو كما قال" وهو حديث متفق عليه2 وله ألفاظ هذا أحدها ففيه دليل على العمل بالخط وإلا فأي فائدة في كتابته والقول بأنه أراد مكتوبة عنده بالشهادة عليها خلاف الظاهر وتقييد للحديث بالمذهب ثم علم الناس شرفا وغربا وشاما وعدنا على الإعتماد على الكتب في كل أمر من الأمور. "وأجاز بعضهم" هو الليث بن سعد ومنصور بن المعتمر "أنبأ ونبأ في" الرواية بـ "الكتابة قال الزين" تبعا لابن الصلاح وقاله ابن الصلاح3 تبعا للخطيب "والمختار الصحيح اللائق بمذهب أهل التحري والنزاهة أن يقيد" عند الرواية "ذلك فيقول أخبرنا كتابة أو كتب إلى أو نحو ذلك" تحرزا عن اللبس والإيهام. * * *

_ 1 علوم الحديث ص 154. 2 البخاري 4/2, ومسلم في: الوصية: حديث 1,4. وأحمد 2/80. 3 علوم الحديث ص 154, 155.

مسألة: "السادس" من أقسام أخذ الحديث وتحمله "إعلام الشيخ" الطالب لفظا بشيء من مرويه من غير إذن له في روايته عنه "وذلك نحو أن يقول الشيخ هذا سماعي على فلان ولا يأمره بروايته عنه ولا بالنقل عنه ولا يناوله ولا بخبره إلا بمجرد الأعلام وفيه خلاف بين طائفتين عظيمتين" من أهل العلم فمنعه أبو حامد الطوسي واختاره ابن الصلاح ويغره وأجازه ابن جريج وطوائف من المحدثين وصاحب الشامل وهو أبو نصر بن الصباغ والحجة للجواز القياس على الشهادة فيما إذا سمع المقر يقر بشيء وإن لم يأذن له كما تقدم في المناولة المجردة وقال القاضي عياض إن اعترافه له به وتصحيحه أنه من روايته كتحديثه له بلفظه وقراءته عليه وإن لم يجز له. "ومبناه" أي الخلاف "على أن السماع قد يكون فيه خلل يمتنع السامع من أجله من الاعتماد على ذلك السماع فمن نظر إلى هذا التجويز منع ذلك" لأنه يكون عملا مع الشك "ومن نظر إلى أن الأصل السلامة منه حتى يظهر أجاز الرواية عنه بمجرد الأعلام" ولا يخفى أن هذا التجويز يجري في الإجازة والمناولة بل والسماع ولكن البناء على أن المخبر ثقة عدل. ولذا قال المصنف "والأظهر أن الأصل عدم الخلل في السماع فإن ظهرت قرينة تدل على وجود الخلل فيه أو على عدمه قوي العمل بها وإن لم تظهر عمل به" أي بالإعلام "وفيه نوع ضعف لأجل الإحتمال" وقد عرفت ما في الإحتمال "فيجب أن يبين الراوي كيفية التحمل بهذا النوع" وأنه أخذه بالإعلام "وحكى القاضي عن محققي أصحاب الأصول أنهم لا يختلفون في وجوب العمل بهذا النوع وإنما يختلفون في الرواية بأعلام الشيخ والله أعلم". * * * مسألة: "السابع" من طرق أخذ الحديث وتحمله "الوجادة بكسر الواو وهي مصدر مولد" محدث "لـ وجد يجد قال المعافى بن زكريا النهراوني1 إن المولدين" في القاموس:

_ 1 علوم الحديث ص157.

المولدة المحدث من كل شئ ومن الشعراء لحدوثهم إنتهى فعلى هذا مولدين بفتح اللام "فرعوا قولهم وجادة فيما أخد من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولامناولة" أي ولا كتابة ولا إعلام "من تفريق العرب" متعلق بفرعوا "بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلة للفظ وجد وبيان المعاني المختلفة" لتلك الألفاظ أفادة قوله "بمعنى أنهم يقولون وجد ضالته وجدانا وأجدانا" الأول بكسر الواو بضم الهمزة "و" يقولون وجد "مطلوبه وجودا" بضم الواو ووجدانا بضمها أيضا "و" يقولون "في الغضب" وجد "موجدة" بفتح الميم وسكون الواو "وجدة" بكسر الجيم "ووجدا" بافتح للواو "ووجدانا و" يقولون في الغنى وجد "وجدا مثلث الواو وجدة" بكسر الواو "حكاها الجوهري وغيره" هو ابن سيدة. وهذا الكلام أخذه المصنف مما ذكره ابن الصلاح1 وزاد فيه زين الدين وزاد المصنف في العواصم وفي الحب وجدا وهو في شرح الزين قال زين الدين "وقرئ بالثلاثة في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} فتجرى الحركات الثلاث في الوا وكلها من الوجد بمعنى الغنى وقال البقاعي لم أرفيها قراءة بالفتح وإنما قرأنوح عن يعقوب بالكسر وقرأ الباقون بالضم وكأن المنصنف واكتفى عن بيان حقيقها بما ذكره عن المعافي بن زكريا. وقال زين الدين الوجادة أن تجد بخط من علصرته لقيته أو لم تلقة او لم تعاصره بل كان عندك أحاديث ترويها أو غير ذلك مما تسمعه منه ولم يجزه لك. "وقد تكون الوجادة بخط نفسه وخط شيخه وخط من أدركه من الثقات فيأخذ حطا من الإتصال وإن كانت منطقعة في الحقيقة" قال الزين وكله أى المروى بالوجادة المجرد سواء وقعت بخطه أو لامنقطع إلا أن الأول وهو أنه إذا وثق أنه خطه قد أخذ شوبا من الإتصال قال ابن كثير فيما نقل عنه الوجادة ليست من باب الرواية وإنما هي حكاية عما وجده. "وقد يتساهل فيما بعض الناس فيروى بـ عن" أونحوها مثل قال فلان مما يوهم أخذه إجازة أو سماعا "في موضع الوجادة" وذلك مثل رواية بهزين حكيم عن أبيه عن فإنها صحيفة على ما قيل وكذا قال صالح جزره في رواية عمرو بن

_ 1 علوم الحديث ص 157.

شعيب عن أبيه عن جده وقال مثله ابن المينى في رواية وائل عن ولده بكر "وهو تدليس قبيح لايهامه السماع وإنما يقال فيها وجدت يخط فلان أو وجدت بخط ظننته خط فلان أو قال لى الثقة إنه خط فلان ونحو ذلك" مثل بخط ذكر كلنبه أنه خط فلان بن فلان. "وقد جازف بعضهم فأطلق في الوجادة حدثنا وأخبرنا فإنتقد ذلك على فاعله" قال ابن المدينى حدثنا أبو داود الطيالسى حدثنا صاحب لنا من أهل الرأى يقال له أشرس قال قدم علينا محمد بن إسحاق فكان يحدثنا عن إسحاق بن راشد فقدم علينا إسحاق فجعل يقول حدثنا الزهرى قال فقلت: له أبن لقيته قال لم ألقه مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له حكاه القاضى عياض ايضا "قال القاضي عياض لا أعلم من يقتدى به أنه أجاز ذلك ولا من يعده معد المسند" عبارة الزين قال القاضي عياض لا أعلم من يقتدى به أجاز النقل عنه بحدثنا وأخبرنا ولا من يعده معد المسند. قال الزين هذا الحكم في الرواية بالوجادة "وأما العمل بها فقال القاضى عياض إختلفت أئمة الحديث والفقه والأصول فمعظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم لا يرون العمل بها قال ابن الصلاح لو عرض جملة المحدثين لأبوه" الأباء وهو الإمتناع وذلك لما تقدم من أن معظمهم لايرون العمل به قيل ويحتمل أنه بالمثناة الفوقية من الإتيان يعنى يعملون به لوضوح دليله وهو أن مدار وجواب العمل بالحديث الموسوق بنسبته إلى الشارع صلى الله عليه وسلم لاتصاله بالرواية بأى طرقها. "وحكى عن الشافعي جواز العمل به وقالت به طائفة من نظار أصحابه وهو الذي نصره الجوني وإختاره فيره من أرباب التحقيق قال ابن الصلاح: قطع بعض المحققين من أصحابه" أى الشافعى "في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة" والمراد به الجوني فإنه نصره وإختاره غيره من أرباب التحقيق "قال وهو الذي لايتجه غيره الأعصار المتأخرة" وذلك أنها قصرت الهمم فيها جدا وحصل التوسع فيها فلو توقف العمل فيها إلى الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية في هذا الزمان يعنى فلم يبق إلا مجرد وجدان. "قال النووى: هذا هو الصحيح" وقد إستدل العماد بن كثير للعمل بها بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "أى الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ ", قالوا الملائكة قال: "وكيف لا

يؤمنون وهم عند ربهم؟ ", وذكروا الأنبياء فقال: " كيف لايؤمنون والوحى ينزل عليهم؟ ", قالوا: فنحن, قال: " وكيف يؤمنون وأنا بين أظهركم", قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: " قوم يأتون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بها " 1 قال فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة2 قال البلقيني: وهو إستنباط حسن قال السخاوي3: قلت: وفي الإطلاق نظر فالوجود بمجرده لا يسوغ العمل فقلت: مقيد بما علم من وجود يوثق به كما دلت له قواعد العلم. "قلت: وهو الذي اختاره أئمة أهل البيت عليهم السلام منهم الإمام" عبد الله بن حمزة "المنصور بالله وادعى إحماع الصحابة على ذلك ذكره في صفوة الأختيار في أصول الفقه ومنهم الإمام" المؤيد بالله "يحيى بن حمزة ذكره في كتابه المعيار" في أصول الفقه "ولكنه اختار جواز العمل دون الرواية" فإنه قال والمختار عندنا جواز العمل على ذلك دون الرواية لأن العمل إنما مستنده عليه الظن وهو حاصل هاهنا فأما الرواية فلا بد فيها من أمر وراء ذلك القطع بمستند تجوز معه الرواية قال المنصور بالله وإجماع الصحابة وكتاب عمرو بن حزم لا يتهضان إلا إلى ما ذهب إليه الإمام يحيى ذكره المصنف في العواصم "ومنهم الإمام" المتوكل على الله "أحمد بن سليمان حكاه عنه الإمام" المهدي "محمد بن المطهر في عقود العقيان واختاره في محمد بن المظهر لنفسه وحكاه عن أبيه المطهر بن يحيى ذكر ذلك كله في عقود العقيان في شرح قوله: روينا سماعا عن إمام محقق ... أبي القاسم الحبر المفسر بالفضل وذكر الخلاف في ذلك الحاكم أبو سعيد في شرح العيون واحتج له بما يقتضي أنه إجماع لاصحابة ولاتابعين وكذلك الشيخ أبو الحسين البصري ذكرمثل ذلكفي المعتمد واختاره الفقيه عبد الله بن زيد" العنسي "في كتابه الدرر والمنظومة واحتج له بمثل ذلك وقال وهو قول طائفة من العلماء". "قلت: وقد احتجوا على ذلك بحجج ثلاث": الأولى: "منها أن ذلك يفيد الظن وهو العلة الموجبة لقبول أخبار الآحاد".

_ 1 شرف أصحاب الحديث 61. والمشكاة 6279. والضعيفة 647. 2 اختصار علوم الحديث ص 108. 3 فتح المغيث 3/28.

"و" الثانية: "منها" الإجماع وهو "إجماع الصحابة رواه الإمام المنصور بالله والإمام المهدي محمد وعبد بن زيد والحاكم وأبو الحسين والرازي والحافظان يعقوب بن سفيان وإسماعيل بن كثير الشافعي". "و" الثالثة: "منها حديث بن حزم لذى أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب له أنصبة لزكوات ومقادير الديات ورجع إليه الصحابه وتركو اله آراء هم وقد صح عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه رجع إليه في دية الأصابع حكاه ابن كثير" في الإرشاد ونقلنا لفظه في شرح بلوغ المرام المسمى سبل السلام. "وقال" ابن كثير "وروى هذا الحديث" يعنى حديث عمرو بن حزم "مسندا ومرسلا أما المسند فروااه جماعة من الحفاظ وائمة الأثر النسائى في سننه والإمام أحمد في مسنده وأبو داود في كتاب المراسيل وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى" بالمهملة مفتوحه وكسر الراء نسبة إلى دارم حى من تميم "وأبو يعلى الموصلى ويعقوب بن سفيان في مسانيدهم ورواه الحسن بن سفيان العسوى وعثمان بن سعيد الدرامى وعبد الله بن عبد العزيزالبغوى" بالموحدة وغين معجمة نسبة إلى بغشور بلدة بين هراة وسرخس والنسبة بغوى على غير القياس قاله في القاموس وقد تقدم "وأبو زرعة الدمشقى وأحمد بن الحسن ابن عبد الجبار الصوفي الكبير وحامد بن محمد بن شعيب البلخى والحافظ الطبرانى" نسبة إلى طبران بلدة بتخوم قومس كما في القاموس سقنا ترجمته في التنزير شرح الجامع الصغير كما سقنا ترجمة غيره ممن ذكر "وأبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه" وظاهر طريق سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق وقال ثقة مأمون وقال الحافظ ابن أبو بكر البيهقي أنني عليه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وعثمان بن سعيد الدارمي "وقال البيهقي هو حديث موصول الإسناد حسن" فهذه الطرق المسندة. "وأما المرسل فقد روى من وجوه رواها ابن كثير وذكر اختلافا في صحة إسناده وطول الكلام فيه ثم قال وعلى كل تقدير فهذا الكتاب متداول بين أئمة الإسلام قديما وحديثا يعتمدون عليه ويفرعون في مهمات هذا الباب إليه كما قال يعقوب بن سفيان لاأعلم في جميع الكتب كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم" وتقدم من الأدلة حديث ابن عمر مرفوعا في الوصية وهو متفق عليه وقد سرده المصنف في

العواصم من أدلة الوجادة. قلت: ول غناء عن القول بها كما قاله النووي وغيره ولما ألقى الله وله الحمد الولوع بهذا الشأن وكان علماء الحديث لا وجود لهم بهذه الأوطان وكان مشايخنا رحمهم الله وأنزلهم غرف الجنان الذين عنهم أخذنا علوم الآلات من نحو وتصريف وميزان وأصول فقه ومعان وبيان ليس لهم إلى هذا الشأن نزوع وإنما يدرسون فيما تجرد عن الأدلة من الفروع ووفقت على قول بعض أئمة الحديث شعرا: إن علم الحديث علم رجال ... تركوا الإبتداع للإتباع فإذا جن ليلهم كتبوه ... وإذا أصبحوا غدوا للسماع قلت: مجيزا لها: قد أردنا السماع لكن فقدنا ... من يفيد الأسماع بالإسماع فرجعنا إلى الوجادة لما ... لم تجد عارفا به في البقاع فلسان الأسفار تملي ومنها ... نتلقى سرا سماع البراع ثم من الله وله الحمد بالبقاء في مكة والإجتماع بأئمة من علماء الحرمين ومصر وإملاء كثير من الصحيحين وغيرهما وأخذ الإجازة من عدة علماء والحمد لله. * * *

مسألة (54) : في كتابة الحديث وضبطه

مسألة: 54 [في كتابة الحديث وضبطه] "كتابة الحديث وضبطه اختلف الصحابة والتابعون في كتابة الحديث" أي اختلف في ذلك كل فريق في عصره. "فكرهه" كراهة تحريم كما صرح به جماعة "ابن عمر1 وابن مسعود وزيد بن ثابت2 وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وآخرون من الصحابة" بل قالوا تحفظ عنهم حفظ قلب كما أخذه عنهم حفظا "والتابعين" منهم الشعبي والنخعي "لقوله صلى الله عيله وآله وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد3" وفي رواية أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث فلم يأذن له4. "وجوزه" أي كتب الحديث "وفعله جماعة من الصحابة منهم علي وابنه الحسن وعمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك وابن عباس وابن عمر في رواية والحسن" وقال البلقيني في محاسن الإصطلاح أعلى من روى عنه ذلك من الصحابة عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان روى عن عمر أنه قال قيدوا العلم بالكتابة ونحوه عن عثمان "وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وحكاه

_ 1 ابن عمر هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أسلم قديما بمكة مع إسلام أبيه وهاجر وهوابن عشر وكان من سادات الصحابة وفضلائهم لازما للسنة فارا من البدعة مات سنة 73. له ترجمة في: أسد الغابة 3/340.والإصابة 1/338. 2 زيد بن ثابت بن الضحاك أبو خارجة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده وشهد احدا وما بعدها مات سنة 45. له ترجمة في: اسد الغابة 2/278. والإصابة 1/543. والعبر 1/53. 3 مسلم في: الزهد: حديث 72. وأحمد 3/12, 21. 4 الترمذي 2665. والدارمي 457.

القاضي عياض1 عن أكثر الصحابة والتابعين". "قال" القاضي "ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف" بناء على وقوع الإجماع بعد الخلاف والإعتداء به وهي مسألة خلاف في الأصول. "ومما يدل على الجواز" أي في عصره صلى الله عليه وسلم فضلا عما بعده ما ذكره زين الدين من "قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "اكتبوا لأبي شاه" 2" بالشين المعجمة وهاء منونة في الوقوف والدرج على المعتمد وهو أمر منه صلى الله عليه وسلم بكتب خطابته التي سمعها أبو شاه يوم الفتح من رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب أن تكتب له فأمر صلى الله عليه وسلم بكتابتها له قال ابن عبد البر في الإستيعاب إن أبا شاه رجل من أهل اليمن حضر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة فقال أبو شاه أكتب لي يا رسول الله الخطبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه" قال ابن عبد البر وهو من ثابت الحديث وأما قول البلقيني يجوز أن يدعي أنها واقعة عين فقد نظره السخاوي وكأن وجهه أن الأصل التشريع العام. ومن الأدلة على الجواز ما ي صحيح البخاري3 من حديث: "إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا ... ", الحديث. "و" من الأدلة على جوازها "ما روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو" ابن العاص "قال كنت أكتب كل شيء سمعته عن رسول الله وذكر الحديث وفيه أنه ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له اكتب" وفي لفظ قلت: يا رسول الله أكتب ما أسمعه منك في الغضب والرضا قال: "نعم, فإني لا أقول إلا حقا" 4 وكانت تسمى صحيفته تلك الصادقة رواه ابن سعد وغيره. "وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن عبد الله بن عمرو كان يكتب" فإنه قال أبو هريرة ما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب5.

_ 1 الإلماع ص 147- 148. 2 البخاري 1/39. ومسلم في: الحج 447. وأحمد 2/238. 3 البخاري 3138. ومسلم 1637, وأحمد 1/293. 4 أحمد 2/207, والحاكم 1/105. 5 البخاري 113. والترمذي 2688. وأحمد 2/248.

"قلت: وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقات لأبي بكر الصديق وهو في صحيح البخاري" قلت: وكتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وملك مصر وعمان وغيرهم "وكتب لعمرو بن حزم الديات والزكوات كما قدمنا في الوجادة وكتب علي عليه السلام صحيفة كانت معلقة في سيفه فيها أسنان الإبل ومقادير الديات وهو صحيح أظنه في صحيح البخاري" هو كما ظنه رحمه الله وأوله فيه: "ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة"1. "وبالجملة فلو تركت الكتابة في الأعصار الأخيرة لكان ذلك سبيلا إلى الجهل بالشريعة وموت كثير من السنن" بل قد كتب عمر بن عبد العزيز في عصره إلى أهل المدينة: "انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فانى خشيت دروس العلم وذهاب العلماء"2 وعن الشافعي إن هذا العلم يند كما تند الإبل ولكن الكتب له حماة والأعلام عليه رعاة وبالجملة فقد استقر الأمر جواز الكتابة. قال ابن حجر: لايبعد وجوبها على من خشى النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم ونحوه قول الذهبى إنه يتعين من المائة الثالثة وهلم جرا وأول من دون الحديث الزهرى بأمر عمر بن عبد العزيز وبعث به إلى كل أرض له عيله سلطان. "وقد إختلف في الجواب عن حديث أبي سعيد" الدال على النهي عن الكتابه "والجمع بينه وبين أحاديث الإذن" في الكتابه كحديث أبي شاه فأجيب بجوابات ثلاثة: الأول: [ما أفاده قوله] "فقيل إن النهى منسوخ بها وكان النهي في أول الأمر لخوف إختلاطه" أى الحديث "بالقرآن" أي بسبب أنه لم يكن قد إشتد إلف الناس بالقرآن ولم يكثر حفاظه والتقنون له فلما ألفه الناس وعرفوا أساليبه وكمال بلاغته وحسن تناسب فواصله وغايته صارت لهم ملكة يميزونه بها من غيره فلم يخش اختلاطه بعد ذلك فلذا قال: "فلما أمن ذلك أذن فيه" وهذا الجواب جنح إليه ابن شاهين فإن الإذن لأبي شاه كان في فتح مكة قال الحافظ وهو أي هذا الجمع أقربها. "و" الثاني: "قيل إن النهي في الحق من وثق بحفظه" وهذا كما قال ثعلب: إذا أردت أن يكون عالما فالكسر القلم "والإذن لمن لم يثق".

_ 1 البخاري 111, والدارمي 2361, وأحمد 1/79. 2 البخاري 1/194, وسنن الدارمي 1/104, وشرح السنة 1/296.

"و" الثالث "قيل النهي عن كتابه الحديث مع القرآن في صحيفةواحدة لانهم كانوا يسمعون تأويل الآيه فريما كتبوه معه" قال الحافظ ابن حجر: ولعل ما قرىء في الشاذ في قوله "ما لبثوا حولا في العذاب المهين" قلت: هذه قراءة ذكرها ابن خلكل لابن شنبوذ وذكر غيرها في شواذه وذكر لها قصة فلا يصح تمثيل به إذ الكلام فيما كان يكتبه الصحابة "فنهوا عن ذلك" عن خلط كتابه القرآن بتأويل في صحيفة "لخوف الإشتباه والله أعلم1". * * * مسألة: "وينغي" إستحبابا مؤكدا بل عبارة بن خلاد وعياض2 تقتضى الوجب وعبارة ابن الصلاح3 ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبطه إلى آخر فأدت عبارته الوجوب "لطالب الحديث العناية في تجويد كتابه بإعجام" أى بالنقط "ما يلتبس منه" لو ترك إعجابه والإجام إزلة العجمة وذلك بالنقط نحوه فيميز الخاء المعجمة من الحاء المهملة والذال المعجمة من الدال المهملة كما في مثل "عليكم بمثل حصى الخذف" 4 فيعجم كلا من الخاء والذال بانقط وروى عن الثورى أنه قال الخطوط المعجمة كالبرود المعلمة قال وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع إشكاله "لاسيما إعجام أسماء الرواة" كخباب بالعجمة وأبي الجوزاء باجيم والزاى وأبي الحوراء بالحاء المهملة والراء. "ويعرف" عطف على العناية أي وينبغي له أن يعرف "ما اصطلح عليه أهل الحديث فلهم اصطلاحات في تخريج الساقط" قال زين الدين إنهم يسمون ما سقط من أصل الكتاب فألحق في الحاشية أو بين السطور اللحق بفتح اللام والحاء معا قال وأما كيفية ما يسقط من الكتاب فلا ينبغي أن يكتب بين السطور لأنه يضايقها ويعكس ما يقرأ خصوصا إن كانت السطور ضيفة متلاصقة والأولى أن يكتب في الحاشية فإن

_ 1 جامع بيان العلم 1/68, وتقييد العلم ص 286. 2 المحدث الفاضل ص 608, والإلماع ص 150. 3 علوم الحديث ص 162. 4 مسلم 1282. وأحمد 1/210.

كان السقط من وسط السطر فينبغي أن يخرج له إلى جهلة اليمين لاحتمال أن يبقى في بقية السطر سقط فيخرج له إلى جهلة الشمال ثم أطال في هذا البحث بآداب قد أعرض عنها الكتاب في هذه الأزمنة. "والتخريج" أي صفة التخريج قال الزين أما صفة التخريج للساقط فقال القاضي عياض وأحسن وجوهها ما استمر عليه العمل عندنا من كتابة خط بموضع النقص صاعدا إلى تحت السطر الذي فوقه ثم ينعطف إلى جهة التخريج في الحاشية انعطافا يشير إليه. "والتمريض والتضبيب" قال الزين التمريض هو كتابة صورة ض هكذا في الحرف الذي يشار إليه تمريضه وقال القاضي عياض في الإلماع شيوخنا من أهل المغرب يتعاملون أن الحرف إذا كتب عليه صح أن ذلك علامة لصحة الحرف فوضع حرف كامل على حرف صحيح وإذا كان عليه صاد ممدودة دون حاء كان علامة أن الحرف غير مستقيم وأما التضبيب فهو مثناة فوقية مقتوحة فضاد معجمة فموحدة بعدها مثناة تحتية فموحدة وهو عطف تفسيري للتمريض فإنه عبارة عن الصورة التي قالها القاضي عياض فإنه قال إن ذلك علامة على أن الحرف لا يستقيم إذا وضع عليه حرف غير تام ليدل نقص الحرف على أختلال الحرف قال ويسممى أيضا ذلك الحرف ضبة أي أن الحرف مقفل لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها. "والكشط والمحو والضرب" قال الزين لما تقدم إلحاق الساقط تعقيبة بإبطال الزائد فإذا وقع في الكتاب شيء زائد يلس منه فإنه ينبه عليه إما بالكشط وهوالحك وإما بالمحو بأن يكون الكتاب في لوح أورق صقيل جدا في حال طراوة المكتوب وقد أطال زين الدين في هذه الثلاثة في شرحه. "والعمل في اختلاف الروايات والإسناد بالرمز" أي إذا كان الكتاب مرويا بروايتين فأكثر في نسخة واحدة فالعمل أن يبني الكتاب أولا على رواية واحدة ثم ما كان من رواية أخرى ألحقها في الحاشية أو غيرها مع كتابة اسم راويها معها أو الإشارة إليه أي بالرمز إن كان زيادة وإن كان الاختلاف بالنقص أعلم على الزائد أنه ليس في رواية فلان باسمه أو الرمز إليه وأما الرمز في الإسناد فهو ماجرت عادة أهل الحديث باختصار بعض ألفاظ الأداء في الخط دون النطق فإنهم يقتصرون من حدثنا على ثنا وربما اقتصروا على الضمير فقط فقالوا نا وربما اقتصروا على حذف الحاء فقط

فكتبوا دثنا قال ابن الصلاح: إنه رآه في خط الحاكم وأبي عبد الرحمن السلمي والبيهقي ومن ذلك أخبرنا اقتصر وافيها على الألف والضمير أعنى أنا وربما لم يحذف بعضهم الراء فيكتب أرنا وبعضهم بحذف الخاء والراء ويكتب أبنا وقد فعله البيهقي وطائفة من المحدثين قال ابن الصلاح: وليس بجيد ومما جرت عادة أهل الحديث حذف قال في أثناء الإسناد في الخط والإشارة إليه بالرمز فرأيت في بعض الكتب المعتمدة الإشارة إليها بقاف فبعضهم بجمعها مع أداة التحديث فيكتب قثنا يرد قال حدثنا وبعضهم يفردها فيكتب في ثنا وهذا اصطلاح متروك قال ابن الصلاح: جرت العادة بحذفها خطا قال ولا بد من ذكرها حال القراءة لفظا ومما جرت به عادتهم عند الإنتقال من سند إلى سند وذلك أنه إذا كان للحديث إسنادان فأكثر وجمعوا بين الأسانيد في متن واحد أنهم إذا انتقلوا من إسناد إلى إسناد آخر كتبوا بينهما حاء مفردة مهملة صورة ح والذي عليه عمل أهل الحديث أن ينطق القاريء بها كذلك مفردة واختاره ابن الصلاح ونقل كلاما كثيرا في ذلك. "وكتابة التسميع" قال الخطيب في كتاب الجامع يكتب الطالب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه قال وصورة ما ينبغي أن يكتب حدثننا أبو فلان فلان بن فلان بن فلان الفلاني قال حدثنا فلان ويسوق ما سمعه من الشيخ على لفظه قال وإذا كتب الطالب الكتاب المسموع فإنه ينبغي أن يكتب فوق صدر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ وقت السماع قال وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلاهما قد فعله شيوخنا قال إن كان سماعه للكتاب في مجالس عديدة كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ ويكتب في الذي يليه التسميع والتاريخ والتقطيع كما يكتب في أول الكتاب فعلى هذا شاهدت أصول جماعة من شيوخنا مرسومة. "وقد ذكروا في هذا النوع آدابا كثيرة وفوائد حسنة أو دعوها هذا النوع من كتب علم الحديث وإنما اختصرتها لطول الكلام فيها واعتمادي على ما يتعلق به التحليل والتحريم غالبا" وقد ذكرنا مما ذكروه محل الحاجة. * * *

مسألة (55) : في بيان صفات راوي الحديث وآدابه

مسألة: 55 [في بيان صفات راوي الحديث وآدابه] "صفة رواية الحديث وآدابه" قال زين الدين "اختلفوا في الإحتجاج من لا يحفظ حديثه وإنما يحدث من كتابه معتمدا عليه" على أقوال الأول قوله "فذهب الجمهور إلى جواز ذلك إذا كان الراوي قد ضبط سماعه أو قابل كتابه هو أوثقة على نسخة شيخه أو نسخة مقابلة بنسخة شيخه على الوجه الصحيح" وإلى هذا ذهب الشافعي وأكثر أصحابه أن كان كتابه محفوظا مصونا لديه وروى عن أبي حنيفة ومالك أن لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه. "فإن غاب عنه كتابه بضياع أو عارة أو نحو ذلك" بأن سرق عليه "فاختلفوا أيضا" فذهب أهل التشديد إلى أنها لا تجوز الرواية منه لغيبته عنه وجواز التغيير فيه "والأصح" عند الجمهور "جواز الرواية إذا كان الغالب عليه السلامة من التبديد" لا سيما إذا كان مما لا يخفى عليه في الغالب إذا غير ذلك أو شيء منه لأن باب الرواية مبني على غلبة الظن. "قال الخطيب: والسماع" من كتاب "البصير الأمي والضرير" الأعمي "اللذين لم يحفظا لكن كتب لها ما سمعا" أي كتبه لهما ثقة "قد منع منه غير واحد" من العلماء وهي عبارة الخطيب. "ورخص فيه بعضهم قال ابن الصلاح: في الضرير" الذي لا يحفظ حديثه من فهم من حدثه "إذا استعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه واحتاط في ذلك بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايته" قال ابن الصلاح: غير أنه أولى بالخلاف من البصير. "وهذا" أي ما ذكر من أول المسألة "كله في رواية الراوي من أصله الذي سمع منه أو مما قوبل على أصله فأما" روايته عن "أصل شيخه وما قوبل عليه فالأكثر والأصح المنع

منه قلت: إلا أن قراءته في أصله كان بمنزلة المقابلة على أصل شيخه" أي جاز "وهذا كثير خاصة إذا كان شيخه معتمدا في التسميع على الكتاب دون الحفظ" فإنه يوثق بكتابه "والله أعلم" وهذا إذا لم يختلف حفظه وكتابه. "فإذا اختلف حفظه وكتابه" فإن وجد الحافظ للحديث في كتابه خلاف ما يحفظه "فإن كان حفظه" مأخوذا "من كتابه رجع إليه وأن كان من شيخه قدم الحفظ" قال زي الدين "والأحسن" أي يجمع بينهما أي "أن يقول حفظي كذا وفي كتابي كذا" فهكذا فعل شعبة وغير واحد من الحفاظ ومثله ما إذا حفظ شيئا وخالفه فيه بعض الحفاظ المتقنين فإنه يحسن فيه أيضا بيان الأمرين فيقول حفظي كذا وكذا وقال فيه فلان كذا وكذا ونحو ذلك وقد فعله سفيان الثوري. مسألة: [في آراء العلماء في رواية الحديث بالمعنى] "والرواية" للحديث "بالمعنى" أي روايته بمعناه بعبارة من عند الراوي "محرمة على من لا يعلم مدلول الألفاظ ومقاصدها وما يحيل معانيها" فإن هذا لا يمكنه أن يروى المعنى لأنه لا يعرفه فتحرم عليه الرواية بلا خلاف. "واختلفوا في من يعلم ذلك" مدلول الألفاظ وما ذكر معها "هل تجوز له الرواية بالمعنى والأكثر على الجواز لجواز رواية الحديث بالمعجمة للعجم" فإنه جائز بالإتفاق وهو رواية بالمعنى "ولأن الصحابة رووا أحاديث بألفاظ تختلفة في وقائع متحدة". قال زين الدين وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن منده في معرفة الصحابة من حديث عبد الله بن سليمان بن أكتمة الليثي قال قلت: يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع من ك يزيد منك حرفا أو ينقص حرفا قال إذا لم تحلوا حراما ولا تحرموا حلالا وأصبتم بالمعنى فلا بأس فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا هكذا نقله زين الدين وقال السخاوي1 بعد ذكره:

_ 1 فتح المغيث 3/145.

وهو حديث مضطرب لا يصح بل رواه الجوزجاني في الموضوعات. واعلم أنه أسقط المصنف رحمه الله مسألة الإقتصار على بعض الحديث وذكرها زين الدين بعد مسألة الرواية بالمعنى فقال اختلف العلماء في جواز الإقتصار على بعض الحديث وحذف بعضه على أقوال: أحدها: المنع مطلقا. ثانيها: الجواز مطلقا قال: وينبغي تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعليقا بخل بالمعنى حذفه كالإستثناء والحال ونحو ذلك. الثالث: إن لم يكن رواه على التمام مرة أخرى هو أوغيره لم يجز وإن كان رواه على التمام هو أو غيره جاز. الرابع: وهو الصحيح كما قال ابن الصلاح1: أنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما تركه غير متعلق به بحيث لا يخل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بتكر ما تركه قال فهذا ينبغي أن يجوز لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين. مسألة [في التسميع بقراءة اللحان وذي التصحيف] "التسميع بقراءة اللحان" صيغة مبالغة ولعله يغتفر إذا كان لحنه قليلا كما يدل له مفهوم المبالغة "والمصحف" اسم فاعل "وليحذر الشيخ أن يروى حديثه بقراءة لحان أو مصحف فقد روينا عن الأصمعي قال إن أخوف ما أخاف على طالب العلم" أي علم الحديث أو ما مزج به من الأدلة "إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 2 زاد زين الدين لأنه لم يكن يلحن3 فمهما رويت عنه ولحنت فقد كذبت عليه صلى الله عليه وسلم".

_ 1 علوم الحديث ص 191. 2 سبق تخريجه. 3 الإلماع ص 184.

قال زين الدين "وروينا نحو هذا عن حماد بن سلمة" فإنه قال لإنسان إن لحنت في حديثي فقد كذبت علي فإتي لا ألحن وكان حماد إماما في ذلك وروى أنه شكاه بعضهم إلى الخليل بن أحمد فقال سألته عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في جل رعف فانتهرني وقال أخطأت إنما هو مرعف بفتح العين فقال الخليل صدق أتلقي بهذا الكلام أبا أسامة1 هو مما ذكر أنه سبب تعلم سيبويه العربية. قلت: وإنما قال الأصمعي أخاف ولم يجزم لأن من لم يعلم بالعربية وإن لحن يكن متعمدا الكذب. "وروى الخطيب2 عن شعبه قال من طلب الحديث ولم يتعلم العربية كمثل رجل عليه برنس وليس عليه رأس" في القاموس البرنس بالضم قلنسوة أو كل ثوب رأسه منه دراعة كان أوجبة أو قمطرا "وروى" الخطيب3 "أيضا عن حماد بن سلمة قال مثل الذي يطلب الحديث ولا يطلب النحو مثل حمار عليه مخلاة ولا شعير فيها" نظمه من قال4: مثلوا طالب الحديث ولا يحسن ... نحوا ولا له آلات كحمار قد علقت ليس فيها ... من شعير برأسه مخلاة "فسبب السلامة من المحن يكون بتعلم النحو" أي تعلم قد يعرف بالأعراب "وأما السلامة من التصحيف فسببها الأخذ من أفواه أهل العلم لا من الكتب فقلما سلم من التصحيف من أخذ العلم من الصحف من غير تدريب المشايخ" كأنه مأخوذ من المدرب من الإبل وهو المخرج المؤدب قد ألف الركوب وتعود المشي في الدروب كما في القاموس. ويقال: لا تأخذ القرآن من مصحف ولا العلم من مصحفي5وإلى من روايته من الكتب أشار من قال: ومن بطون كراريس روايتهم ... لو ناظروا باقلا يوما لما غلبوا

_ 1 الجامع 2/27, وفتح المغيث للعراقي 3/53. 2 الجامع 2/26, 27. 3 سبق تخريجه. 4 هما لجعفر السراج شيخ السلفي فتح المغيث للسخاوي 3/394. 5 المحدث الفاضل ص 211 والكفاية ص 162.

والعلم إن فاته إسناد مسنده ... كالبيت ليس له سقف ولا طنب1 واعلم أنه ذكر هاهنا نوعا أهمله المصنف وهو إصلاح اللحن والخطأ قال الزين: وإن أتى في الأصل لحن وخطا ... فقيل يرويه كما جاء غلطا فإن كان في الأصل رواه كما تلقاه من غير إصلاح وهذا قول جماعة وذهب جماعة من المحدثين أنه يصلح ذلك اللفظ وهو قول الأكثر فإن كان اللحن يختلف به المعنى فاتفقوا على أنه يعربه وإن كان لا يختلف فالأرجح أنه يعر به واختار ابن عبد السلام أنه لا يروى اللفظ الملحون والمصحف إذا كان سماعه به لأنه إذا أعربه فالذي سمعه غير معرب وإن لحن فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقله إلا معروفا فإن كان في كتاب شيخه أو سماعه ملحونا قالوا فالصواب بقاؤه كذلك وكتب في الحاشية كذا والصواب كذا انتهى وقد أطال هنا زين الدين. مسألة: "السماع على نوع من الدهش" بمهملة مفتوحة وهاء مفتوحة وشين معجمة في القاموس دهش كفرح فهو دهش تحير وذهب عقله من ذهل أو وله "إذا سمع" الراوي الحديث "من الشيخ من حفظه في حال المذاكرة فعليه" أي الراوي "بيان ذلك بقوله حدثنا مذاكرة ونحو ذلك لأنهم يتساهلون في المذاكرة والحفظ خوان ولهذا كان أحمد" بن حنبل "يمنع من رواية ما يحفظه إلا من كتابه وقد منع عبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك وأبو زرعة الرازي أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء".

_ 1 فتح المغيث للسخاوي 3/165.

مسألة (56) : في بيان العالي والنازل وأنواعهما

مسألة (56) : في بيان العالي والنازل وأنواعهما ... مسألة: [في بيان العالي والنازل وأنواهما] "العالي" أي الإسناد العالي وهو الذي قلت: الوسائط في سنده أو قدم سماع روايته وزمانه "والنازل" وهو يقابله. واعلم أنه طوى المنصف من كلام الزين آداب المحدث وآداب طالب الحديث وهو نحو من كراس في القطع الكنعان متنا وشرحا. ثم اعلم أن أصل الإسناد من حيث هو خصيصة خاصة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكذة وروى السخاوي1 عن محمد بن حاتم بن المظفر أنه يقول إن الله أكرم هذه الأمة وفضلها وشرفها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد وإنما هو صحف في أيديهم وخلطوا بكتبهم أخبارهم فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ما أخفوه بكتبهم من الأخبار عن غير الثقات وهذه الأمة إنما ينص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة والضبط عن مثله حتى تنتهي أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ والأضبط والأطول مجالسة يميزونه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من أكثر من عشرين وجها حتى يهذبوه من الغلط والخلل ويحفظون حروفه ويعدونها عدا فهذا من أغظم نعم الله على هذه الأمة فنستوزع الله شكر هذه النعمة. قال المصنف "استحب أكثر أهل الحديث الإسناد العالي" قال أحمد بن حنبل طلب الإسناد العالي سنة ممن سلف2 وقال محمد بن أسلم الطوسي قرب الإسناد قرب أوقربة إلى الله تعالى وقال الحاكم3 طلب الإسناد العالي سنة صحيحة وحكى

_ 1 3/331. 2 الجامع 1/123, والرحلة ص 89. 3 معرفة علوم الحديث ص 5,6.

حديث أنس في مجيء الأعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد أنانا وسولك فزعم كذا الحديث قالوا فلو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب أنكر عليه سؤاله عما أخبره رسوله عنه ولأمره بالاقتصار على ما أخبره به الرسول وفيه احتمالات أخر لا يتهم معها به الاستدلال لما ذكر. "ولم يحك الحاكم اختلافا في تفضيل العلو" لما ذكر "و" لكنه "حكى الخطيب في ذلك اختلافا" وحكاه قبله ابن خلاد1 عن بعض أهل النظر أنه قال الأسناد النازل أفضل "مبناه على أن الإسناد أكثر مشقة لكثرة رجاله والعناية بمعرفة عدالتهم" لأنه يجب على الراوي معرفة عدالة من يروي عنه وتعديله والإجتهاد في أحوال رواة النازل أكثر قطعا. "قال ابن الصلاح2: وهو مذهب ضغيف الحجة قال ابن دقيق العيد لأن كثرة المشقة" التي عللوا بها أفضلية النازل "ليست مطلوبة لنفسها ومراعاة المعنى المقصود من الرواية وهي الصحة أولى. انتهى". قال ابن دقيق العيد3 ولا أعلم وجها لترجيح العو إلا أنه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ فإن الطالبين يتفاوتون في الإتفاق والغالب عدم الإتقان فإذا كثرت الوسائط ووقع من كل واسطة تساهل كثر الخطأ والزلل وإذا قلت: الوسائط قل. انتهى. "وهذا" أي تفضيل العالي "كله مع الثقات أما إذا كان العالي ضعيفا فالنازل خير منه بغير شك" قال ابن دقيق العيد4 وحينئذ فمحل الخلاف عند التساوي في جميع الأوصاف ما عدا العلو. واعلم أنهم قسموا العلو إلى خمسة أقسام ذكرها الزين في نظمه وشرحه5.

_ 1 المحدث الفاضل ص 216. 2 علوم الحديث ص 238. 3 الاقتراح ص 302. 4 الاقتراح ص 302. 5 فتح المغيث 3/99- 105.

مسألة (57) : في بيان الغريب والعزيز والمشهور

مسألة: 57 [في بيان الغريب والعزيز والمشهور] "الغريب والعزيز والمشهور" قسم الحافظ ابن حجر في النخبة1 الحديث أربعة أقسام الأول المتواتر فقال الأول أن يكون للخبر طرق بلا عدد معين أو مع حصر بما فوق الإثنين أو بهما أو بواحد فالأول المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه وهو المستفيض على رأي والثاني المشهور والثالث العزيز والرابع الغريب وكلها آحاد ما عدا الأول. "قال ابن الصلاح2: الغريب هو الذي ينفرد به بعض الرواة وسواء انفرد بالحديث كله أو بشيء منه أو في سنده وقال ابن منده ما معناه الغريب من الحديث انفراد الراوي بالحديث عن إمام قد جمع حديثه وحفظ" وذلك الإمام "مثل قتادة" ابن دعامة "و" محمد بن شهاب "الزهري" ممن حفظت أحاديثهم وجمعت "فإذا انفرد الراوي عن أحدهم" من بين من أخذ عنهم "بحديث سمي غريبا فإذا روى عنهم رجلان أو ثلاثة واشتركوا سمي عزيزا". واعلم أن العزيز على تفسير ابن منده يكون بينه وبين المشهور عموم وخصوص من وجه وخص بعضهم المشهور بالثلاثة ولاعزيز بالإثنين واختاره الحافظ ابن حجر كما عرفت من كلامه السابق وسمي عزيزا إما لعزة وجوده من قولهم عز الشيء يعز عزا وعزازة إذا قل بحيث لا يكاد يوجد وإما من قولهم عز يعز بفتح المهملة فيه عزا وعزازة إذا اشتد وقوى ومنه قوله تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} لمجيئه من طريق أخرى كما أفاده في النخبة وشرحها3.

_ 1 ص 18, 23: 25. 2 علوم الحديث ص 243. 3 ص 24.

"فإذا روى الجماعة" ثلاثة أو أكثر "عنهم سمي مشهورا عند المحدثين" احترازا عن المشهور على ألسنة العامة سمي بذلك لوضوحه أي شهرته لكونه رواية أكثر من أثنين. قال الحافظ ابن حجر: وهو المستفيض على رأي جماعة من أئمة الفقهاء سمي بذلك لانتشاره من فاض الماء يفيض قبضا أي زاد حتى خرج من جوانب الأناء كما في شمس العلوم وقد ذكر الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها1 الخلاف في هذا وبيان إطلاقه على غيره. "قال الزين وهكذا ذكر محمد بن طاهر المقدسي وكأنه أخذه من كلام ابن منده قال زين الدين وليست الغرابة والعزة والشهرة تنافي صحة الحديث ولا تنافي ضعفه" إذ قد علم من رسمها أنه لا منافاة بينها وبينهما. "قال" زين الدين "ومثل ابن الصلاح المشهور الذي ليس بصحيح بحديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" 2 وتبع" ابن الصلاح الحاكم في ذلك فإنه مثل به له قال زين الدين "وقد صحح بعض الأئمة طرق الحديث هذا كما بينه في كتاب تخريج أحاديث الأحياء" يعني فلم يتم التمثيل به لما ذكر: قلت: بحثت في تخريج أحاديث الأحياء للحافظ الزين رحمه الله من نسخة فيها يخطه الكثير وقد ذكر الحديث الغزالي في الجزء الأول من باب العلم فلم أجد فيه له عليه كلاما أصلا فراجعت الجامع الكبير للسيوطي فرأيته نسب تخريجه إلى ابن عدي3 والحاكم في الكني وابن عبد البر في العلم والطبراني في الكبير الخطيب وابن عساكر4 وابن النجار من طرق متعددة عن أنس والبيهقي وتمام عن ابن مسعود والطبراني في الأوسط وتمام عن ابن عباس وتمام وابن عساكر والخليلي والرافعي عن ابن عمر قال ابن عساكر غريب جدا والخطيب وابن عساكر عن علي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وتمام والخطيب وابن عساكر عن أبي سعيد والخطيب وابن السمان عن الحسن بن علي انتهى كلامه.

_ 1 ص 23. 2 الطبراني 10/240, وبنحوه: ابن ماجة 224, والخطيب 10/375. 3 6/2091. 4 6/278.

"قال وذكر ابن الصلاح1 في أمثلته ما بلغه عن أحمد بن حنبل" ما أخرجه عنه ابن الجوزي في آخر باب الجهاد من موضوعاته أنه "قال أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق لا أصل لها". الأول: "من بشرني بخروج أذار بشرته بالجنة2" وأذار بفتح الهمزة فذال معجمة فألف فراء قال في القاموس هو السادس من الشهور الرومية. "و" الثاني: "من آذى ذميا فأنا خصمة يوم القيامة3". "و" الثالث: "نحركم يوم صومكم4". "و" الرابع: "للسائل حق ولو" أي جاء "على فرس5 قال زين الدين" في شرح الألفية "لا يصح هذا عن أحمد بن حنبل فقد أخرج هذا الحديث الرابع في مسنده بإسناد جيد من حديث الحسين بن علي وأخرجه أبو داود" أي من حديث الحسين بن علي عليهما السلام "وسكت عنه وأخرجه أبو داوداي من حديث علي عليه السلام وفي إسناده من لم يسم ورويناه من حديث ابن عباس والهرماس بن زياد". "وأما حديث من آذى ذميا" وهو الثاني "فقد رواه بنحوه أبو داود وكست عنه وأسناده جيد" ولفظه: "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة". "وإن كان فيه من لم يسم فأنهم عنده من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة فقد روينا عن البيهقي" لفظ الزين فقد رويناه في سنن البيهقي "وفيه عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم". "وأما الحديثان الآخران" وهما الثالث والرابع "فلا أصل لهما كما ذكر" أي عن أحمد فالمراد من قوله ولا يصح هذا عن أحمد أي لا يصح كله لا بعضه ويحتمل أن يقرأ كما ذكر مغير الصيغة أي ذكره من نقله عن أحمد وأما مثال المشهور الصحيح فلم يذكره لكثرته.

_ 1 ص 239. 2 التذكرة 116, واللآلئ 2/78. 3 الموضوعات 2/236, واللآلئ 2/78, وتنزيه الشريعة 2/181. 4 الموضوعات 2/236. والتذكرة 221, والأسرار397. 5 أبو داود 1665, 1666. وأحمد 1/201. والبيهقي 7/23.

"وأما أمثال الغريب الصحيح" وهو القسم الأول "فأفراد الصحيح كثيرة منها حديث مالك عن يحيى بن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: "السفر قطعة من العذاب" تمامه: "يدع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحدكم نهمته من وجه فليعجل الرجوع إلى أهله" أخرجه مالك وأحمد والبخاري وابن ماجه1 عن أبي هريرة عن عائشة. "وأما" مثال "الغريب الذي ليس بصحيح" وهوالقسم الثاني "فهو الغالب على الغرائب قال أحمد لا تكتبوا هذه الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء2 وقال مالك شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس3 وروينا عن عبد الرزاق أنه قال كنا نرى غريب الحديث خير فإذا هو شر4". قال زين الدين وقسم الحاكم الغريب إلى ثلاثة أنواع غرائب الصحيح وغرائب الشيوخ وغرائب المتون5 وقسمه ابن طاهر إلى خمسة أنواع ونقل عن ابن الصلاح تقسيما للغريب باعتبار سنده ومتنه وأطال في ذلك. "قلت: روى الذهبي في النبلاء في ترجمة الزهري عن الزهري أنه قال حدثت علي بن الحسين" أي ابن علي "حديثا فلما فرغت قال أحسنت بارك الله فيك هكذا حدثناه" بالنباء المجهول ويصح للمعلوم "قال الزهري أراني حدثتك بحديث أنت أعلم به مني قال لا تقل ذلك فليس من العلم ما لا يعرف وإنما العلم ما عرفت وتواطأت عليه الألسن" فأفاد ما أفاده كلام من تقدم قبله. "فهذا" التقسيم "في الغريب والمشهور يقابله وهو" أي المشهور "ينقسم" أيضا كما انقسم إلى صحيح وضعيف فهو ينقسم "إلى" مشهور "متواتر و" مشهور "غير متواتر فالمتواتر ما تعلم صحته بالضرورة لكثرة رواته في الطرفين والوسط ذكره الأصوليون" ولهم فيما فيده خلاف هل ضروري أم لا "و" ذكره "من المحدثين جماعة منهم الحاكم وابن حزم وابن عبد البر". "ومن أمثلته" ما يأتي قال ابن الصلاح: ومن سئل عن إبراز مثال ذلك أعياه

_ 1 مالك 980, وأحمد 2/236, والبخاري 3/10, 4/ 71. وابن ماجة 2882. 2 فتح المغيث للسخاوي 4/10. 3 المصدر السابق. 4 الكفاية ص 142, والمحدث الفاصل ص 562. 5 علوم الحديث ص 244- 245.

تطلبه ثم قال نعم "حديث "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 1 فإنه رواه بعض المحدثين" وهو أبو بكر البزار في مسنده كما قاله زين الدين "عن نيف" في القاموس النيف الفضل والإحسان ومن واحد إلى ثلاثة "وأربعين من الصحابة فيهم العشرة رضي الله عنهم" المبشرة بالجنة الذين يجمعهم قول المصنف: للمصطفى خير صحب نص أنهمو ... في جنة الخلد نصا زادهم شرفا هم طلحة وابن عوف والزبير مع ... أبو عبيدة والسعدان والخلفا ثم قال وليس في الدنيا حديث اجتمعت على روايته العشرة غير هذا ذكره زين الدين. قلت: بل حديث رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام رواه خمسون صحابيا منهم العشرة. "ورواه بعضهم عن نيف وستين" المراد به ابن الجوزي فإنه أخرجه كذلك ثم قال لا يعرف حديث في الدنيا عن ستين من الصحابة غير هذا الحديث الواحد ذكره زين الدين. "وصنف" الحافظ أبو الحجاج يوسف ابن خليل "المزي" تقدم ضبطه "في طرقه جزءين فرواه عن مائة صحابي واثنين وروى عن بعض الحفاظ" وكما قاله الزين ابن الجوزي "أنه رواه ما ئتان من الصحابة واستبعده زين الدين" هكذا ذكره في شرح ألفيته2 وذكر هذه الرواية الحافظ ابن حجر في شرح النخبة3. واعلم أن النزاع في عزة المتواتر كما قاله ابن الصلاح والمراد المتواتر لفظا لا التواتر المعنوي فهو كثير وقد جمع الحافظ السيوطي كتابا في ذلك وفي الأبحاث المسددة للعلامة المقبلى شيء من ذلك كثير وقد تعقب الحافظ ابن حجر في شرح النخبة كلام ابن الصلاح في العزة وأتى في تعقبه بغير المراد لابن الصلاح فراجعه. "ومن أمثلة ذلك حديث رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام بالصلاة فإنه روي عن طرق كثيرة قال ابن عبد البر رواه ثلاثة عشر من الصاحبة وقال السلفي أربعة عشر وقال ابن كثير عشرون أو نيف وعشرون وجمع زين الدين رواته فبلغوا خمسين" عبارة

_ 1 سبق تخريجه. 2 فتح المغيث 4/8. 3 ص 22.

زين الدين قلت: وقد جمعت رواته فبلغوا نحو الخمسين ولله الحمد انتهى كلامه. وأما قوله "فيهم العشرة" المبشرة "رضي الله عنهم" فليس من كلام الزين بل قاله عن ابن منده وغيره "وكذلك قال الحاكم ابن البيع أن العشرة" المبشرة "اجتمعوا على روايته وجعل ذلك من خصائص هذه السنة الشريفة" قال البيهقي سمعته أي شيخه الحاكم يقول لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلافء الأربعة ثم العشرة الذي شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة قال البيهقي هو كما قال أستاذنا أبو عبد الله رضي الله عنه فقد رويت هذه السنة عن العشرة وغيرهم انتهى. واعلم أنه لايكفي كثرة رواية أول رتبة في التواتر حتىيستمر ذلك في الطرق كلها فكان الأحسن أن يزيد المنصف في هذه الأمثلة ولم تزل طرقها متكاثرة الطرقة تكاثرا تواتريا إلى الآن وكأن تركه للعلم به. "ومن أمثلة ذلك حديث المسح على الخفين قال صاحب الإمام عن ابن المنذر روينا عن الحسن البصري أنه قال حدثنا سبعون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين وذكر ابن عبد البر أنها من السنن المتواترة قال زين الدين رواه اثر من ستين من الصحابة منهم العشرة رضي الله عنهم ذرك ذلك أبو القسام عبد الرحمن بن محمد بن أسحاق بن منده في كتباب له سماه المستخرج من كتب الناس". "ومنها" أي ومن أمثلة المتواتر لفظا "حديث تقتلك يا عمار الفئة الباغية" قال الذهبي في النبلاء إنه متواتر. "وغير ذلك مما يكثر تعداده" هذا لا يتم إلا في المتواتر المعنوي كما عرفت "وتعرف صحته" صحة دعوى التواتر فيما ذكر "من البحث عن طرق هذه الأحاديث والله أعلم" وقد يحصل التواتر لبحاث دون باحث لأن المدار على كثرة الإطلاع وليس الناس فيه سواء.

مسألة (58) : في بيان غريب الحديث

مسألة: 58 [في بيان غريب الحديث] "غريب ألفاظ الحديث" هذا خلاف الغريب الماضي ذكره قريبا فذاك يرجع إلى الإنفراد من جهة الرواية وأما هنا فهو ما يخفى من ألفاظ المتون ولو كانت متواترة ولذا أضافه المصنف إلى الألفاظ ووجه غرابته قلة استعماله بحيث يبعد فهمه ويحتاج إلى التفتيش عنه من كتب اللغة ولعله في عصره صلى الله عليه وسلم وحين تكلمه به ولم يكن غريبا إنما لما تطاولت الأزمنة واختلطت الألسنة صار غريبا "ومن علوم الحديث معرفة غريب ألفاظه" إذ لا يتم فهم معناه حتى يعرف ويبحث عنه وقد صنف فيه جماعة من الأئمة ذكرهم ابن الأثير في خطبة النهاية1. "ومن أحسن ما صنف فيه كتاب النهاية لأبي السعاداتالمبارك بن محمد بن الأثير الجزري". واختلفوا في أول من صنف فيه فقال الحاكم في علوم الحديث2 أول من صنف الغريب في الأسلام النضر بن شميل ثم صنف فيه أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه الكبير وقيل غير ذلك. وعد زين الدين أئمة ألفوا في ذلك ثم "قال زين الدين3 وبلغني أن الإمام صفي لادين محمود بن محمد الأرموي ذيل ذيلا لم أره وبلغني أنه كتبه حواشي على أصل النهاية فقط وأن الناس أفردوه قال زينالدين وكنت كتبت على نسخة كانت عندي من النهاية حواشي كثيرة وأرجو أن أجمعها وأذيل عليه بذيل كبير أن شاء الله تعالى".

_ 1 1/5: 10. 2 علوم الحديث ص 88, 89. 3 فتح المغيث 4/9.

قلت: وقد اختصر السيوطي النهاية في كتاب سماه الدر النثير مختصر نهاية ابن الأثير وقال إنه زاد على ما فيها زيادات كثيرة وقد وصى زين الدين في العناية بالغريب ومعرفته وذكر ما وقع من التصحيف بسبب عدم العناية به أو تقليد من لا يقلد فيه.

مسألة (59) : في بيان المسلسل

مسألة: 59 [في بيان المسلسل] "المسلسل" هو لغة إيصال الشيء بالشيء ومنه سلسلة الحديد وهو من صفات "الإسناد المسلسل الذي توارد رجاله" أي الإسناد "على صفة واحدة" سواء كانت الصفة للرواة أو للإسناد "أو حال واحد سواء كان ذلك يرجع إلى صفة الإسناد مثل أن تكون صفة أدائه" ومتعلقاته من الرواية أو من المكان وسواء كانت أحوال الرواة أو صفاتهم أقوالا أو أفعالا "متسلسلة بحدثنا أو أخبرنا أو سمعت". وقد كثرت الأمثال في ذلك1وعد زين الدين أمثلة كثيرة للأنواع المذكورة وقد ألفت فيها كتب وهي شيء ليس له دخل في صحة الحديث ولا ضعفه ولا حكم من أحكامه فلا نطيل بذكرها. "وعند الحاكم2" أن المسلسل إنما هو "بما يدل على اتصال السماع وإن اختلفت الصيغ مثل سمعت وحدثنا ونحو ذلك" وتكون فائدته معرفة كون الحديث متصلا "وكذا إذا تسلسل بصفة تعلق بالرواة مثل أن يكونوا مدنيين" أي من المدينة النبوية "كلهم أو فقهاء كلهم أو نحو ذلك" وأمثلته كثيرة.

_ 1 صنف الشيخ محمد يس الفاداني كتابا فراجعه. 2 علوم الحديث ص 29.

مسألة (60) : في بيان الناسخ والمنسوخ

مسألة: 60 [في بيان الناسخ والمنسوخ] "الناسخ والمنسوخ" النسخ عبارة عن رفع الشارع حكما من أحكامه سابق بحكم من أحكامه لا حق "ومن أجل علوم الحديث معرفة الناسخ والمنسوخ". "وقد صنف فيه غير واحد من الحفاظ من أحسن كتبه كتاب الإعتبار للحازمي" بالحاء المهملة فزاي بعد الألف نسبة على جده حازم الهمذاني فإنه محمد بن يونس بن عثمان بن حازم ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة سمع من الأئمة الكبار وكان حجة ثقة نبيلا زاهذا عابد ورعا لازم الخلوة والتصنيف وبث العلم وله كتاب الناسخ والمنسوخ وله عجالة المبتدي في الأسباب والمختلف والمؤتلف في أسماء البلدان ذكره الذهبي وأثنى عليه1. واعلم أنه يعرف الننسخ بأمور: الأول: نص الشارع عيه كقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيادة القبول فزوروها" وقوله: "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدالكم2". والثاني: أن ينص عليه صحابي كقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار3 وهكذا قول الصحابي هذا متأخر لا إذا قال هذا ناسخ قالوا الجواب أنه قاله اجتهادا وقال أهل الحديث يثبت به النسخ قال زين الدين والذي قالوه أوضح وأشهر والنسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي وإنما يصار إليه عند معرفة التاريخ والصحابة أورع من أن يحكم أحد منهم على حكم شرعي بنسخ من غير معرفة تاريخ تأخر الناسخ عنه.

_ 1 سبقت ترجمته. 2 النسلئي 8/311, وابن ماجة 1571. والبيهقي 4/76. وابن أبي شيبة 3/344. 3 أبو داود 4864. والنسائي 1/108. والبيهقي 1/106.

الثالث: معرفةالتاريخ الواقعتين كحديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" 1 له في بعض طرقه أنه قال ذلك زمن الفتح وذلك سنة ثمان. والرابع أن يجمع على العمل به كحديث: "من شرب خمرا فاجلدوه" ثم قال في الرابعة: "فاقتلوه" 2 قال النووي إنه حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه قاله في شرح مسلم وتعقب بأنه لا إجماع إذ قال ابن عمر بالعمل به وقال به ابن حزم3.

_ 1 ابو داود 2367, والترمذي 774, وابن ماجة 1679. وأحمد 2/364. 2 أبو داود 4485, والترمذي 1444, وأحمد 2/136. 3 ابن حزم هو: الإمام العلامة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري. مات سنة 457. له ترجمة في: وفيات الأعيان 1/340, وشذرات الذهب 3/299.

مسألة (61) : في بيان التصحيف

مسألة: 61 [في بيان التصحيف] التصحيف هو: تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها "معرفة التصحيف أمر مهم وقد صنف فيه غير واحد من الحفاظ منهم أبو الحسن الدارقطني وصنف" فيه "أبو محمد العسكري" بفتح العين والسين الساكنة المهملتين وفتح الكاف وبعدها راء هذه النسبة إلى عدة مواضع وأشهرها عسكر مكرم وهي مدينة من كور الأهواز وأبو أحمد المذكور من هذه المدينة واسمه الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري أحد الأئمة في الأدب والحفظ وهو صاحب أخبار ونوادر ورواية متسعة وله التصانيف المفيدة منها كتاب التصحيف الذي جمع فيه فأوعى وغير ذلك وكانت ولادته يوم الخميس لست عشرة خلت من شوال سنة ثلاث وتسعين ومائتين وتوفي يوم الجمعة لسبع خلون من ذي الحجة سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة رحمه الله تعالى وأخذ عن أبي بكر بن دريد انتهى من تاريخ ابن خلكان باختصار كثير "كتابه المشهور في ذلك وهو" أي التصحيف "ينقسم إلى تصحيف البصر وهو الأكثر وإلى تصحيف السمع وإلى تصحيف المتن". مثاله ما ذكره الدارقطني أن أبا بكر الصولي أملى في الجماع حديث أبي أيوب مرفوعا: "من صام رمضان وأتبعه شيئا من شوال" 1 بالشين المعجمة والياء المثناة من تحت وكقول وكيع في حديث معاوية: "لعن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم الذين يشفقون الحطب"2 بالحاء المهملة وإنما هو بضم المعجمة وروى أن ابن شاهين صحفة كذلك وهو بجامع المنصور فقال بعض الفلاحين كيف نعمل والحاجة ماسة يشير

_ 1 أبو داود في: الصيام: ب 57. والترمذي 759. وابن ماجة 1716. وأحمد 5/417, 419. 2 أحمد 4/98.

إلى أن ذلك من حرفته وصحف بعضهم حديث: "يا أبا عمير ما فعل النغير" 1 إلى ما فعل البعير فروى عمير بفتح المهملة وهو بضمها مصغر وبموحدة فمهملة ووإنما هو بالنون فمعجمة وهذا النوع واسع جدا. "و" يقع التصحيف أيضا "في الإسناد" مثاله ما روى عن محمد بن جرير أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من بني سليم وفيه عتبة بن البدر بالموحودة والذال المعجمة وإنما هو بالنون مضمومة والدال المهملة "وإلى تصحيف اللفظ" كما مثلناه "وهو الأكثر وإلى تصحيف المعنى" كما رواه الدارقطني أن أبا موسى العنزي قال يوما نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلينا يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم وإنما العنزة هنا الحربة تنصب بين يديه. وأعجب مارواه الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال ما حلقت رأسي قبل أربعين سنة فهم منه تحليق الرأس وإنما المراد تحليق الناس حلقا كما ذلك مبين في موضعه.

_ 1 البخاري 8/37. وأبو داود في: الأدب: ب 76. وأحمد 3/115.

مسألة (62) : في مختلف الحديث

مسألة: 62 [في مختلف الحديث] "مختلف الحديث" أي اختلاف مدلوله ظاهرا وهو من أهم الأنواع يضطر إليه جميع الطوائف من العلماء قال السخاوي1 "هذا فن تكلم فيه الإئمة الجامعون بين الفقه والحديث وقواعده مقرره في أصول الفقه" وأول من تكلم فيه الشافعية وكان إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة2 من أحسن الناس كلاما فيه. "ومن أبوابه في أصول الفقهاء باب الترجيح وكثير منه يدور على معرفة العموم والخصوص". "مثل قوله صلى الله عليه وسلم في العموم: "فيما سقت السماء العشر" 3 أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وفيه زيادة فهذا عام لكل كثير وقليل سقى بماء السماء "مع قوله" صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة" أخرجه أحمد والشيخان وأهل السنن4 فالحديثان ظاهران في الأختلاف والجمع بينهما تقديم الخاص في العمل على العام. "ونحو ذلك وأمثلته مذكورة في شروح الحديث" وفي غيرها وقد ألف فيه أبو جعفر الطحاوي مشكل الآثار وهو من أنفس كتبه قلت: وألف معاني الآثار وفيها من هذا شيء كثير.

_ 1 فتح المغيث 4/65. 2 أبو بكر بن خزيمة هو: إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي النيسابوري. صنف وجود واشتهر اسمه وانتهت إليه الإمامة والحفظ في عصره. مات سنة 311. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/149. وشذرات الذهب 2/262. والعبر 2/149. 3 أبو داود 1596. والترمذي 639. وابن ماجة 1816. وأحمد 1/145. 4 احمد 2/402. ومسلم في: الزكاة: حديث 4. وأبو داود 1559. والنسائي 5/17.

مسألة (63) : في معرفة الصحابة

مسألة: 63 [في معرفة الصحابة] من علوم الحديث "معرفة الصحابة ومن أنواع علوم الحديث معرفة الصحابة رضي الله عنهم" بأسمائهم وأحوالهم قال أبو عمر بن عبن البر في الاستيعاب ولا خلاف علمته بين العلماء أن الوقوف على معرفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أوكذ علم الخاصة وأرفع علم الخير وبه ساد أهل السير وما أهل دين من الأديان إلا وعلماؤهم يعتنون بمعرفة أصحاب أنبيائهم لأنهم الواسطة بينهم وبين نبيهم انتهى. ومعرفة الصحابة فن جليل وفائدته التمييز للرسل والحكم لهم بالعدالة ونحو ذلك "و" معرفة "طبقاتهم" وهي اثنتا عشرة طبقة: الأولى: من تقدم إسلامه بمكة. الثانية: أصحاب دار الندوة. الثالثة: المهاجرة على الحبشة. الرابعة: بيعة العقبة الأولى. الخامسة: بيعة العقبة الثانية. السادسة: المهاجرين الذين وصلوا إليه صلى الله عليه وسلم بقباء قبل دخوله المدينة. السابعة: أهل بدر. الثامنة: المهاجرون بين البدر والحديبية. التاسعة: أهل بيعة الرضوان. العاشرة: المهاجرون بين الحديبية وفتح مكة. الحادية عشرة: مسلمة الفتح. الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح

وفي حجة الواداع وغيرهما. "وقد صنف في ذلك" أي معرفة لاصحابة "غير واحد من الحفاظ" ضقال الحافظ ابن حجر: إن البخاري أول من صنف في ذلك فيما علم1 وصنف شيخه علي بن المديني في ذلك. "كابن حبان وابن مندة وابن عبد البر" ألف الإستعاب قال النووي2 إنه من أحسنها وأكثرها فوائد لولا ما شابه بما شجر بين الصحابة وحكايته عن الإخباريين قال السخاوي3 واختصر محمد بن يعقوب الخليلي الإستيعاب وسماه إعلام الإصابة بأعلام الصحابة وألف أبو الحسن علي بن محمد الجزري ابن الأثير أخو أبي السعادات صاحب النهاية في الغريب كتابا حافلا سماه أسد الغابة جمع فيه عدة من الكتب السابقة في هذا الفن وعليه المعول لمن جاء بعده حتى اختصره كل من النووي والكاشغري. "و" جاء الحافظ "الذهبي" فاقتصر على تجريده وزاد زين الدين عليه عدة أسماء "وغيرهم" وقد عد السخاوي أنه ممن ألف في الصحابة4 ثم قال إنه يعسر حصرهم ثم قال وقد انتدب شيخنا يريد الحافظ ابن حجر لجمع ما تفرق من ذلك واتنصب لفتح المغلق منه على السالك مع تحقيق لغوامض وتوفيق بين ما هو بحسب الظاهر كالمتناقض وزيادات جمة وفوائد مهمة في كتاب سماه الإصابة جعل كل حرف منه غالبا على أربعة أقسام ثم سرد بقية الأقسام وقال أنه مات ولم يأت بالمهمات. "ومن مهمات هذا الباب" أي باب معرفة الصحابة "القول بعدالة الصحابة كلهم في الظاهر" واعلم أنه استدل الحافظ ابن حجر في أول كتابه الإصابة على عدالة جملة الصحابة فقال الفصل الثالث في بيان معرفة حال الصاحبة من العدالة اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. وقد ذكر الخطيب في الكفاية5فصلا نفيسا في ذلك فقال عدالة الصحابة ثابتة

_ 1 فتح المغيث للسخاوي 4/75. 2 التقريب والتيسير وبذيله التدريب 2/207. 3 فتح المغيث 4/75. 4 المصدر السابق 4/76. 5 ص 93.

معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم فمن ذلك قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143] وقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: 18] وقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] إلى آخر الآية وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} إلى قوله: {إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 8] إلى آيات كثيرة وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها. وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق على أنه لو لم يرد من الله ورسوله شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الأسلام وبذل المهج والأوموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان اليقين لقطع بتعديلهم والإعتقاد لنزاهتهم وأنهم أعدل من جميع المخالفون بعدهم الذين يجيثون من بعدهم هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله. والأحاديث الوارده في تفصيل الصحابة كثيرة فمن ذلك ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه1 من حديث عبد الله ابن المفضل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله الله في أصحابي ولا نتحذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فيبغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذاني الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه". وقال أبو محمد بن حزم الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا قال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} إلى قوله: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] فثبت أن الجميع من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية السابقة.1هـ. قال المازري متعقبا فإن قيل التقييد بالإنفاق والقتال يخرج من لم يتصف بذلك وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة يخرج من لم يتصف بذلك وهي أصرح آية

_ 1 الترمذي 3862, وابن حبان 2284, وأحمد 5/54, 57.

في المقصود ولهذا قال المازري لسنا نعنى بقولنا الصحابة عدول كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه لأمر ما اجتمع به لغرض وانصرف وإنما نعني بهم الذي لا زموه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون انتهى. والجواب عن ذلك أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة كلام الحافظ في أوائل كتابه الإصابة. قلت: ولا يخفى ضعف الجواب على كلام المازري وأن كلامه هو الأوضح الجاري على الحقيقة وابن حجر حمل الآية على المجاز وهو زحلقة لها عما سيقت له من بيان التفرقة بين من أنفق وقاتل بالفعل وبين من لم ينفق ولم يقاتل وابن حجر جعل الأمرين على سواء ثم حديث خلوا أصحابي ونحوه يرد هذا التأويل ردا صريحا ويأتي للمصنف الاستدلال على عدالة مجهول الصحابة. "إلا من قام الدليل على أنه فاسق تصريحا" ولما كان هذا الإستثناء منكرا لأن أهل الحديث يطلقون القول بعدالتهم من غير استثناء قال المصنف "ولا بد من هذا الإستثناء على جميع المذاهب وأهل الحديث وإن أطلقوا القول بعدالة الصحابة كلهم" عند الإجمال "فإنهم يستثنون من هذه صفته" عند تفاصيلهم لإفراد الصحابة "وإنما لم يذكروه" في مقام الإجمال "لندوره" فنزلوا النادر منزلة العدم "فإنهم قد بينوا ذلك" الإستثناء "في كتب معرفة الصحابة" ولما كان قد يستبعد أهم فعلوا ذلك قال "وقد فعلوا مثل هذا" أي الإطلاق مع إرادة خلافة "في قولهم إن المراسيل لا تقبل على الإطلاق من غير استثناء مع أنهم يقبلون مراسيل الصحابة وبعضهم يقبل ما علقه البخاري بصيغة الجزم" وهو مرسل "و" يقبل البعض منهم "ما حكم بعض الحفاظ بصحة إسناده وإن لم يبين إسناده ونحو ذلك من المسائل". وقد زاد المصنف هذه الدعوى بيانا بقوله "وأنا أنقل" أي من كتبهم "نصوصهم على ذلك لتعرف صحة ما ذكرته من الإجماع على صحة هذا الإستثناء فممن ذكروه بالفسق الصريح الوليد بن عقبة" ابن أبي معيط من بني عبد شمس بن عبد مناف كان الوليد أخا لعثمان بن عفان من قبل أمه أسلم عام الفتح قال ابن عبد البر وأظنه يومئذ قد ناهز الإحتلام قال ابن عبد البر وولاه عثمان بن عفان الكوفة وعزل عنها سعد ابن أبي وقاص فلما قدم الوليد على سعد قال سعد والله ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك قال لا تجز عن أبا إسحاق إنما هو الملك يتغداه قوم ويتعاشه آخرون.

قال سعد أراكم والله ستجعلونها ملكا انتهى "فإنه ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه شرب الخمر وقامت عليه البينة وأمر عثمان بحده وحده على شربها". قال ابن عبد البر في الإستيعاب أخباره في شرحه الخمر كثيرة مشهورة ونذكر منها طرفا ذكر عمر ابن شبة حدثنا هرون بن معروف حدثنا ضمرة بن ربيعةعن ابن شوذب قال صلى الوليد بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات ثم إلتفت فقال أزيدكم فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مازلنا معك في زيادة منذ اليوم ثم ساق بسنده أنه قال الخطيئة في القصة: شهد الحطيئة يوم يلقي ربه ... أن الوليد أحق بالعذر نادي وقد تمت صلاتهم ... أأزيدكم سكرا ولم يدر فأبوا أبا وهب ولو أذنوا ... لجمعت بين الشفع والوتر كفوا عنانك إذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجري وذكروا له شعرا غير هذا في ذلك. قال ابن عبد البر وقوله أزيدكم بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من نقله الحديث والأخبار قال وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه أنه شرب الخمر وأنه صلى بهم الفجر أربعا فقال عثمان لعلي عليه السلام أقم الحد عليه فقال علي عليه السلام لابن أخيه عبد الله بن جعفر أقم عليه الحد فأخذ السوط فجلده وعثمان يعد حتى بلغ أربعين. "وذكره بشرب الخمر الذهبي وابن عبد البر وغيرها قال ابن عبد البر في الإستيعاب له أخبار فيها نكارة وشناعة نقطع على سوء حاله وقبح فعاله وحكى" ابن عبد البر في الإستيعاب "عن أبي عبيدة الأصمعي وابن الكلبي وغيرههم أنهم كانوا يقولون إنه كان فاسقا يشرب الخمر قال ابو عمر وأخباره في شره الخبر ومنادته أهلها مشورة يسمج بنا ذكرها" كأنه يريد استيعابها وإلا فقد سمعت ما ذكره منها. "وقال أحمد ابن حنبل في الحديث الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسه ولم يدع له إن الوليد متع بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسابق علمه فيه هذا كلام إمام أهل الحديث والسنة". قلت: يشير المصنف إلى ما قاله ابن عبد البر فيما رواه من طريق جعفر بن برقان عن ثابت عن أبي موسى الهمذاني ويقال الهمذاني كذلك ذكره البخاري على الشك عن

الوليد بن عقبة أنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤسهم ويدعو لهم بالبركة فأتى بي إليه وأنا متضمخ بالخلوق فلم يمسح على رأسي من أجل الخلوق لكنه قال ابن عبد البر قالوا وأبو موسى هذا مجهول والحديث منكر مضطرب لا يصح ولا يمكن أن يكون من يبعث مصدقا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا يوم الفتح انتهى. قلت: يعني أنه ثبت بلا بردد أنه صلى الله عليه وسلم بعث الوليد لأخذ صدقات بني المصطلق وعاد يزعم أنهم ارتدوا وأنزل الله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} الآية فيكف يكون صبيا سنة ثمان وهو عام الفتح وذكر ابن عبد البر غير هذا مما يدل على فساد الخبر وما كان يحسن من المصنف عدم الإشارة على ذلك وإيهام صحته. "وذكر الذهبي في النبلاء وابن عبد البر في الإستيعاب وغيرهما أنه سكر صلى بأصحابه الفجر أربعا ثم التفت إليهم وقال أزيدكم" تقدمت القصة قريبا. "وذكر الذهبي أنه" أي الوليد "قال لعلي عليه السلام أنا أحد منك ستانا وأذرب" بالذال المعجمة فراء فموحدة حدة اللسان "لسانا وأشجع جنانا فقال" علي عليه السلام "اسكت فإنما أنت فاسق فنزلت: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} قال الذهبي إسناده قوي وقال ابن عبد البر في كتابه الإستيعاب لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن هذه الآية نزلت في الوليد" ظاهره أن المراد بالآية: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] . ولكن لفظ ابن عبد البر في الإستيعاب لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} نزلت في الوليد بن عقبة انتهى ثم ذكر من حديث الحكم عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام والوليد ابن عقبة في قصة ذكرها: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} . انتهى. فقوله: لا خلاف بين أهل العلم في الآية الأولى نعم ليس في الدر المنثور في سبب نزول الآيتين رواية أنهما يف غير الوليد فهما فيه إتفاقا فإنها لو وردت رواية أنهما أو إحداهما نزلت في غيره لرواها فإنه متوسع في النقل لا أظن أحدا بلغ مبلغه في ذلك وذكر المصنف في العواصم كلام ابن عبد البر على الصواب فأصاب. "قلت: ممن ذكر ذلك الواحدي في أسباب النزول والوسيط والقرطبي وصاحب

عين المعاني وعبد الصمد الحنفي والرازي في تفاسيرهم لم يذكر أحد منهم سواه مع توسعهم في النقل فهذا أوضح دليل على ظهور الأمر عند أهل السنة في جرح الوليد وفسقه". "وقد اعترضهم بعض الشيعة" كأنه يريد شيخه السيد علي بن محمد ابن أبي القاسم "بتعديله" أي بتعديلهم إياه "وزعم أنهم رووا حديثه في الصحاح ووهم على القوم في ذلك" أي في الأمرين وهو تعديلهم إياه فإنه تقدم ذكرهم له بالفسق فأين التعديل وكونهم رووا حديثه في الصحاح فإنها إذا اطلقت أريد بها صحيح البخاري وصحيح مسلم ولم يخرجا له ولا رويا عنه. "وإنما روى له أبو داود" وليس كتابه من الصحاح عندهم بل من السنن الأربع "حديثا واحدا في كراهية الخلوق للرجال" تقدم الحديث وما قيل فيه آنفا "ولم يرو له إلا متابعة" وقد عرفت أنهم يتساهلون في المتابعات "بعد أن روى هذا المعنى" وهو كراهية الخلوق "من طرق كثيرة" وقد استوفاها المصنف في العواصم وحققها قدر الست بل هي ست كما في العواصم "فيها طريق صحيحة عن أنس" فإنه أخرجها مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي1 كما قاله المصنف في العواصم "وبقيتها" أي الطرق وهي خمس "شواهد" وقال ابن عبد البر في ترجمة الوليد في الإستيعاب إنه لم يرو الوليد بن عقبة سنة يحتاج إليه فيها. "وممن ذكروه" أئمة الحديث "بالفسق بسر" بضم الموحدة فسين مهملة "ابن أبي أرطاة" بفتح الهمزة فراء القرشي قال ابن عبد البر2 يقال أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فبض وهو صغير هذا قول الواقدي وأحمد وابن معين وغيرهم قال في الإصابة عن الواقدي إنه ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. "حكى ابن عبد البر عن الدارقطني أنه قال كان له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم" لم أجد هذا اللفظ عن الدارقطني في الإستيعاب إلا أن النسخة التي عندي منه لا تخلو عن الخطأ والغلط نعم لم أجد هذا في الإصابة للحافظ ابن حجر مع توسعه في النقل وإنما قال عن الدارقطني أنه لبسر صحبة

_ 1 مسلم في: الحج: حديث 7. والنسائي في: الحج: ب 44. 2 الاستيعاب بحاشية الإصابة 1/154.

فقط ولكني أظن أنه حذف قوله ولم تكن له استقامة لكونه يرى أنه لا يخاض فيما شجر بين الصحابة فإنه قال في ترجمته والفتن لا ينبغي التشاغل بها وله غلو في الصحبة حتى قال في مروان يقال له رؤية فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه هذا لفظه في مقدمة فتح الباري وجزم في التقريب بأنها لم تثبت له صحبة وفي كلام الحافظ ما يدل على أنه إذا ثبت أن مروان وأن صحابي ولو بالرؤية فإنه لا يقدح فيه أي جرح وهو ينافي ما قاله المصنف من الإستثناء. "وهو" أي بسر "الذي قتل طفلين لعبيد الله بن عباس" وهما قتم وعبد الرحمن أن أباهما عبيد الله كان واليا لعلي عليه السلام على صنعاء فولى معاوية بسر بن أبي أرطأة اليمن وبعته إليها فهرب عبيد الله فدخل بسر صنعاء ووجد ابني عبيد الله فقتلهما قال ابن عبد البر فنال أمهما عائشة بنت عبد الله بن المدان من ذلك أمر عظيم فأنشأت تقول شعرا: هامن أحس يا بني اللذين هما ... كالدرتين تصدي عنهما الصدف هامن أحس يا بني اللذين هما ... عقلي وسمعي فعقلي اليوم مختطف حدثت عشرا وما صدقت ما زعموا ... من قتلهم ومن الإثم الذي اقترفوا قال ثم وسومت وكانت تفق في المواسم تنشد هذا الشعر وتهيم على وجهها انتهى كلام ابن عبد البر في الإستيعاب. "قال أبو عمر" ابن عبد البر "كان" يحيى "ابن معين يقول إنه" أي بسرا رجل سوء قال أبو عمر ذكر ذلك لعائظم ارتكبها في الإسلام ثم حكى أنه أي بسرا "أول من سبى المسلمات" قال ابن عبد البر وفي هذه الخرجة يرد خرجة بسر إلى اليمن أغار على همذان فقتل وسبى نساءهم فكن أول مسلمات سبين في الإسلام "ذكر ذلك كله في الإستيعاب". قال فيه أن معاوية بعد التحكيم أرسل بن أبي أرطاة في جيش الشام حتى قدم المدينة وكان عامل عليه السلام فيها أبو أيوب الأنصاري ففر منه أبو أيوب ولحق بعلي عليه السلام ودخل بسر المدينة ثم صعد منبرها فقال أين شيخي الذي عهدته هنا بالأمس يعني عثمان ثم قال يا أهل المدينة لولا ما عهد إلى معاوية ما تركت فيها مختلما إلا قتلته وهدم دورا بالمدينة وساق من أخباره شيئا كثيرا. "وليس لبسر في الصحيحين حديث وله في السنن" أي سنن أبي دواد "حديثان:

أحدهما في غير الأحكام" بل هو في الدعاء وهو اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وفي الإصابة أنه أخرجه ابن حبان عن بسر ولم ينسبه لأبي داود "والثاني في الأحكام" وهو حديث "لا تقطع الأيدي في المغازي" هذا لفظ ابن عبد البر1 وفي الإصابة ما لفظه وفي سنن أبي داود2 بإسناد مصري قوي عن جنادة بن أبي أمية قال كنا مع بسر بن أيب أرطأة في البحر فأتى بسارق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تقطع الأيدي في السفر" انتهى. "وله" أي لما روى عن بسر "شواهد ذكرها التركماني وغيره فأعرف ذلك ولما ذكرهذا أبو عمر عرف أنه تحصيص عموم القول بعدالة الصحابة" مع أنه في أول كتابه ذكر يفيد القول بعدالتهم أجمعين "فأورد الحجة على جواز هذا التخصيص وروى في هذا الموضع" وهو ترجمة بسر على فرض أنه صحابي "حديث فأقول أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا لمن بدل بعدي". لفظه في هذا في الإستيعاب3 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن حدثنا محمد بن يوسف حدثنا البخاري حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثني محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل ابن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وليذادن عني أقوام أعرفهم ويقرفونني ثم يحال بيني وبينهم", قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ قلت: نعم, قال: فأني أشهد على أبي سعيد الخدري أني سمعته وهو يزيد فيها "فأقول هؤلاء مني فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي" انتهى. "وذكر" ابن عبد البر "أن في هذا أحاديث كثيرة وأنه تقصاها في كتاب التمهيد" فإنه قال والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا قد نقصيتها في ذكر الحوض من كتاب التمهيد. "وقد ذكر شراح الحديث من أهل السنة في تأويل هذا الحديث أن جماعة ممن تطلق عليهم الصحبة ارتدوا عن الإسلام والردة أكبر المعاصي ومن جازت عليه الردة جازت

_ 1 الاستيعاب 1/155. 2 رقم 4408, ةالنسائي في: قطع السارق: ب 16. والبيهقي 9/104. 3 1/159- 160.

عليه سائر الكبائر وإنما ذكرت هذا لأن بعض المتعصمين على أهل الحديث زعموا أنهم يقولون بعصمة الصحابة كلهم ويعدون كبائرهم صغائر" هذا إشارة إلى ما قاله شيخه لاسيد علي بن محمد بن أبي القاسم فإنه قال في رسالته التي رد عليها المصنف بالعواصم ما لفظه إن المحدثين يذهبون إلى أن الصحابة لا تجوز عليهم الكبائر وأنهم إذا فعلوا المعصية الكبيرة عدوها صغيرة وقد أطال المصنف في الرد على ما قاله في الجزء الأول من العواصم. "وليس كذلك ولكن القوم ال يولعون بالسب لأحد من الصحابة وإن صح فسقه ولا يلهجون بذكر ذلك" تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وامثتالا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" 1 "وعملا بما ورد من النهي عن اللعن" ففيه أحاديث جمة منها ما أخرجه أبو داود2 من حديث أبي الدرداء بلفظ "إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط على الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان كذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها" وفيه عدة أحاديث. "وهم" أي أئمة الحديث "يعرفون فسق الفاسق وجرحه والنهي عن قبوله وهم يسوون في ذلك" أي في الجرح "بين المنحرفين عن علي عليه السلام وعن عمر وعن أبي بكر" رضي الله عنهم فليس لهم عصبية تحملهم على خلاف هذا فإنهم كما يقدحون بالغوا في الرفض يقدحون بالنصب والرفض محبة علي وتقديمه على الصحابة وسب الشيخين والنصب بغض علي عليه السلام وتقديم غيره عليه كما صرح بهذا الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح الباري فالمنحرف عن علي عليه السلام هو الناصبي والمنحرف عن الشيخين هو الغالي في الرفض وقد سووا في الجرح بكل واحدة من الصفتين وقد حققناه في رسالتنا ثمرات النظر في علم الأثر وذلك مما يدل على إنصاف أئمة الحديث وعدم تعصبهم. "ولذلك" أي لتسويتهم بين المنحرفين "لم يقدحوا في سعد بن عبادة" أحد النقباء من الأنصار مع أنه تخلف عن بيعة أبي بكر وخرج على الشام.

_ 1 البخاري 2/129, 8/134, والنسائي 4/53, وأحمد 6/180. 2 رقم 4905, والمشكاة 4850.

قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب تخلف سعد بن عبادة عن بيعة أبي بكر وخرج عن المدينة ولم ينصرف إليها إلى أن مات بأرض الشام لسنتين ونصف من خلافة عمر. انتهى. "ولا" يقدحون "فيمن حارب عثمان" وهم جماعة من الصحابة. "وللشيعة مثل ذلك" في اعتقادهم لمساوى جماعة "في حق قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأولاد علي" كاغتفار أئمة الحديث لمساوى جماعة من الصحابة "فإنهم" أي الشيعة "لا يولعون بذكر مساوى أحد منهم" من القرابة "ولا" يولعون "بسبب مبتدع منهم ولا فاسق تصريحا" كل ذلك تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم. "مثل تركهم" أي الشيعة "ماروى عن الجاحظ" عمرو بن بحر فإنها رويت عنه قوادح لكنه لما كان معتزليا لم تولع الشيعة بذكر مساويه لأنه يجمع بينهم وبينه الإعتزال "وابن الزيات" بفتح الزاي وتشديد المثناة التحتية فمثناة بعد الألف نسبة إلى الزيت وهو أبو جعفر محمد بن عبد الملك وزير المعتصم له ما للوزراء من الظلم والإعانة عليه وهو صاحب تنور الحديد الذي صنه لتعذيب العمال وغيرهم "والصاحب الكافي" وهو إسماعيل بن أبي الحسن عباد وزير مؤيد الدولة ابن بويه وله قوادح لاتخلو عنها الوزراء وأتباع الملوك وتراجم هؤلاء الثلاثة مبسوطة في كتب التاريخ والمعروف من هؤلاء الثلاثة بشدة التشيع الصاحب وقد جعلهم مثالا لفساق التصريح. "و" للشيعة مثل ذلك "في المبتدعة" أيضا "لبعض أقوال واصل بن عطاء" وهو أبو حذيفة واصل بن عطاء المعتزلي وهو أول من أثبت المنزلة بين المنزلتين "وعمرو بن عبيد" وهو أبو عثمان مشهور بالزهد من أئمة المعتزلة وله في الميزان ترجمة مطولة. "ولهم" أي للخمسة المذكورين "في ذلك أشياء" من البدع والأمور المستنكرة "ليس هذا موضع شرحها بذكر هذا بيان أن قصد الجميع" من أهل السنة والشيعة "في ترك المبالغه" الأولى حذفها "في ذكر المساوى والسب راجع إلى إحترام رسول الله صلى الله عليه وسلم" بالتغاضي عن مساوى من فضل بصحبة أو قرابة "لا" أنه راجع "إلى محبة أحد من أولئك العصاة أو المبتدعة لمعصيتهم فمحبة العاصي لخصلة خير فيه من عقيدة أوجهاد أو غير ذلك" من خصال الخير

قلت: ولايخفي أنه يتم هذا العذر فيمن عدا الخمسة المذكورين آنفا فمحبة العاص لخصلة خير فيه "جائزة عند الزيدية والإسلام أعظم خصال الخير" فلا يقال إنهم أحبوا أولئك الخمسة مثلا لخصلة خير فيهم لإنه يلزم أن يحب كل مسلم لا سلامه وتخصيص خصلة الخير لا دليل عليه فما ذاك إلا أنهم أحبوهم احتراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له ولا يعزب عنك أن الكلام في ذكر مساوى من له مساوى وسنة لا إلى محبته فهو غير محل النزاع. "وعند أهل السنة تجب كراهة معصية المسلم ولاتجب كراهيته" واستدل لكون ذلك كلامهم بقوله "وقال الذهبى في الميزان 1 في ترجمة عباد بن يعقوب أحد غلاة الشيعة" قال في صدر ترجمته عباد بن يعقوب الأسدى الرواحى من غلاة الشيعة ورؤوس البدع ثم قال وكان يشتم عثمان رضى الله عنه ويقول الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة قاتلا عليا بعد أن بايعاه وساق في ذلك عجائب. ثم قال: "روى الخطيب عن أبي المظفر الحافظ" في الميزان الخطيب عن أبي نعيم عن أبي المظفر "عن محمد بن جرير سمعت عباد يقول من لم يبرأ 2 في صلاته كل يوم من أعداء آل محمد حشر معهم قال الذهبي" بعد نقله لها "فقد عادى آل على آل العباس والطبقتان آل محمد قطعا فممن نبرأ؟! " هذا على ما يراه أهل السنة "بل نستعفر للطائفتين ونبرأ من عدوان المعتدين كما تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم مما صنع خالدلما أسرع في قتل نبى جذيمة" كما هو معروف في السيرة النبوية فغنه قال صلى الله عليه وسلم لما بلغه فعل خالد: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" 3 ولم يتبرأ من خالد "ومع ذلك فقال فيه: "خالد سيف سله الله على المشركين" 4 فالتبرؤ من ذنب سيغفر" بمشيئة اله تعالى "لا يلزم منه البراءة من الشخص انتهى كلام الذهبي وإنما أوردته ليعرف مذهبهم منه البراءة من الشخص اتنهى كلام الذهبى وإنما أوردته ليعرف مذهبهم ومرادهم فيه والله أعلم". "وقال الإمام أحمد بن عيسى عليه السلام" في العواصم وقال محمد بن منصور الكوفي في كتابه المعروف بكتاب أحمد بن عيسى "ما لفظه فإن جهل لولاية رجل فلم

_ 1 2/379/4149. 2 عبارة الميزان 1/379: يتبرأ. 3 البخاري 4/122, والنسائي 8/237, وأحمد 2/151, والبيهقي 9/115. 4 ابن أبي شيبة 12/124, والصحيحة 3/241.

بتوله أى أمير المؤمنين "لم تقطع بذلك عصمته وإن تبرأ" من أمير الؤمنين "وقد علم" أى علم أحوال امير المؤمنين وفضائله ومزاياه "انقطعت منا" ولايته أى موالاته منا "وكان منا في حد براءة نقول براءة مما دان به وأنكر من فرض الولاية" الواجبة لعلى عليه السلام. وبين البراءة بانها براءة "لا أن يخرج بها من حد الناكحة والموارثة وغير ذلك مما تجرى به أحكام المسلمين بينهم بعضهم في بعض" على مثل من وافقنا في الولاية "وإيجابها في الناكحة والموارثة غير أن هذا الموافق" لنا في الولاية "معتصم بما إعتصمنا به من الولاية ونحن من الآخر في حدو براءة من فعله وقوله على مثل هذه الجهة لاعلى مثل البراءة منا من أهل الشرك" زاد في العواصم واليهود والنصارى والمجوس "هذا وجه البراءة عندنا فيمن خالفناه وفيه" أى كلام أحمد بن عيسى "شبه من كلام الذهبى" حيث تبرأ من فعله وقوله لامنه "والله أعلم ذكره صاحب الجامع الكافي في مذهب الزيدية آخر المجلد السادس" منه. قال الصنف بعد نقله في العواصم وبمعناه لايزيد على ما علم بالتواتر عن على عليه السلام أنه لم يسرفي أهل صفين والجمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشركين ولا حكم بسبي النساء والذدارى ولو كانو جحدوا ما يعلم من الدين ضرورة كان الواجب تكفييرهم عند جميع المسلمين فدل على أن فعلهم مما يدخله التأويل. "ونحوه" نحو كلام أحمد بن غيسى "ما ذكره القاضي حسن بن محمد" النحوى "في تذكرته" رواية "عن زيد بن على عليه السلام في جواز الصلاة" للجنازة "على الفاسق" هذا فيمن لم يحارب عليا عليه السلام من من الصحابة "وأما المحاربون لأمير المؤمنين" عليه السلام "من أهل الجمل وصفين" فإنهم أى أهل السنة "لا يخالفون في قبح فعلهم ولافي أنهم بغاة" فإنه نقل العامرى الإجماع من أهل السنة على بغي من حارب عليا عليه السلام. يقال: فما الفرق بينهم وبين الشيعة فإنهم لا يزيدون على اعتقاد بغي أولئك فأشار إلى الفرق بقوله "ولكنهم" أي أهل السنة "يخالفون الشيعة" بعد الإتفاق في الحكم بالبغي "في ثلاثة أصول": "أحدها: في أنهم" أي محاربي علي عليه السلام "متأولون" في حربه "غير مصرحين" بالبغي.

"والثاني أن مسألة الإمامة" أي إمامة علي عليه السلام "ظنية" والشيعة يقولون إنها قطعية. "والثالث" على تقدير أن إمامته عليه السلام فإنهم يقولون في ذلك "إن المخالف في القطيعات غير آثم ولم تكن القطيعات" التي حكموا بأن مخالفها غير آثم "معلومة بالضرورة من الدين" كوجوب الصلوات ونحوها فإن مخالفها آثم عندهم. "فهذه" الثلاثة "أصول الخلاف بينهم وبين الشيعة" لكنه قدم المصنف الإجماع على قبول المتأولين من عشر طرق "وأضعف أصولهم الثلاثة هذه الأصل الأول" وهو أن البغاة عليه عليه السلام متأولون "لاعترافهم" أي أهل السنة "بتواتر حديث عمار وأمثال ذلك" وهو قوله صلى الله عليه وسلم "إنها تقتله الفئبة الباغية" خرجه أهل الصحاح والسنن والمسانيد والتواريخ1 وجميع أهل البيت عليهم السلام وأهل الحديث والشيعة وحكم علماء الحديث بتواتره منهم الذهبي ذكره في النبلاء في ترجمة عمار وهو مذهب أئمة الفقهاء ومذهب أهل الحديث كما نقله عنهم العلامة القرطبي في آخر كتاب التذكرة في التعريف بأحوال الآخرة انتهى. قال الحافظ ابن حجر: في تخريج أحاديث الرافعي إنه قد أخرج حديث عمار مسلم من حديث أبي قتادة وأم سلمة وأبي سعيد الخدري وأصل حديث أبي سعيد عند البخاري إلا أنه لم يذكر مقصود الترجمة كمانبه على ذلك الحميدي ووهم من زعم أنه ذكره. انتهى. قلت: أي حديث: "تقتلك الفئة الباغية" 2 وإنما أخرج البخاري3 حديث ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ثم قال وقد أخرجه الإسماعيلي والبرقاني من الوجه الذي أخرجه منه البخاري فذكرها. قلت: أي ذكر كل واحد من الإسماعيلي والبرقاني رواية تقتلك يا عمار وهما مستخرجان على البخاري ثم قال: وأخرجه الترمذي من حديث خزيمة بن ثابت وهو عند أحمد الطبراني من حديث عمر وعثمان وعمارة وحذيفة وأبي أيوب وزياد بن الفرد وعمرو بن حزم ومعاوية وعبد الله بن عمرو وأبي رافع ومولاة

_ 1 سبق تخريجه. 2 سبق تخريجه. 3 1/122, 4/25, وأحمد 3/91, ودلائل النبوة 2/546.

لعمار بن ياسر وغيرهم. وقال ابن عبد البر تواترت الأخبار بذلك وهو من أصح الحديث وقال ابن دحية لا مطعن في صحته ولو كان غير صحيح لرده معاوية ونقل ابن الجوزي عن خلاد في العلل أنه حكى عن أحمد. قلت: وفي تخريج الزركشي على أحاديث الرافعي ذكر ألفاظ هؤلاء المخرجين للحديث وقيل عن أبي دحية أنه قال كيف يكون فيها اختلاف وقد رأينا معاوية نفسه حين لم يقدر علىإنكاره قال إنما قتله من أخرجه ولو كان حديثا فيه شك لرده وأنكره وقد أجاب علي رضي الله عنه عن قول معاوية بأن قال فرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل حمزة حين أخرجه وهذا من على إلزام لا جواب عنه انتهى بلفظه. قال الزركشي وقد صنف الحافظ بن عبد البر جزءا سماه الإستظهار في طريق حديث عمار وقال هذا الحديث من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالغيب وأعلام نبوته وهو من أصح الأحاديث ثم قال الزركشي وهذا الحديث احتج به الرافعي لإطلاق العلماء بأن معاوية ومن معه كانوا باغين ولا خلاف أن عمار كان مع علي رضي الله عنه وقتله أصحاب معاوية. وقال إمام الحرمين في الإرشاد وعلي كرم الله وجهه كان إماما حقا في ولايته ومقاتلوه كانوا بغاة ومقتضي حسن الظن بهم يقتضي أن نظن بهم قصد الخير وإن خطؤوه. وقال الإستاذ عبد القاهر البغدادي أجمع فقهاء الحجاز والعراق ممن تكلم في الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من التكلمين أن عليا عليه السلام مصيب في قتاله لأهل صفين كما أصاب في قتاله أهل الجمل وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمين له لحديث عمار واجمعوا على ذلك. ونقل العبادي في طبقاته قال محمد ابن إسحاق كل من نازع على بن طالب فهو باع على هذا عهدت مشايخنا وهو قول ابن إدريس يعني الشافعي انتهى بلفظه من تخريج الزركشي. نعم أما ما نقله ابن حجر في تخريج الرافعى تلخيص الحبير من قوله ونقل ابن الجوزى عن خلاد في العلل أنه حكى عن أحمد أنه قال قد روى هذا الحديث يريد حديث عمار من ثمانية وعشرين طريقا ليس فيها طريق صحيح وقال في البدر

وجماعة من الحفاظ طعنوا في الحديث. انتهى. فقد قال المصنف رحمة الله تعقبا لما في التلخيص ما لفظه قلت: والإسترواح إلى ذكر هذا الخلاف الساقط من غير بيان لبطلانه من مثل ابن حجر عصبية سناة إلى ذكر هذا الخلاف الساقط من غير بيان لبطلانه من مثل ابن حجر عصبية سنية فأما ابن الخوزى فلم يعرف هذا الشأن وقد ذكر الذهبي في ترجمة في التذكرة كثيرة خطائه في مصنفا وهو أجهل وأحقر من أن ينتهض لمعارضة أئمة الحديث وفرسانه وحفاظه كابن عبد البر والنخاري ومسلم والحميدي ثم ذكر المصتف من ذكرناه ممن أخرجه وما ذكرناه من إتفاقهم على تواتره. قلت: ولايخفي أن كلام المصنف في غير محله لأن ابن الجوزي ناقل عن غيره عن حكايه عن أحمد رواها التمريض فالحبوب على نقل ابن الجوزى أن يقال هذه الحكايه التى نقلها الخلاد وأظنه الخلال باللام مروية بصيغة التمريض فكيف يقدح بها في شيء فالراوية متواترة وقد نقلت: نصوصهم وألفاظهم ثم نعارضه بما ذكره الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي فإنه قال الإمام أحمد جاء هذا يعني حديث عمار في غير حديث صحيح ورواه خلق كثير من الصحانة وكأنه يريد عمارا أحد أمراء على صفين وقوله في غير حديث صحيح أى بل في عدة كثيرة من الأحاديث الصحيحة وقال قال يعقوب بن لأبي شينة سمعت أحمد يقول في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكره أن يتكام في هذا أكثر من هذا.1هـ. فهذا نقل صحيح عن أحمد بكثرة الأحاديث الصحيحة الواردة يفي هذا المعنى وقد أخرج أحمد نفسه في مسنده حديث خزيمة بن ثابت. وهذه الحكاية التي نقلها ابن حجر عن ابن الجوزي لم ينقلها الزركشي مع توسعه في النقل أكثر منه. ثم قال المصنف وأما الذهبي فإنه حقق صحة دعواه أي لتواتره بما أورد من الطرق الصحيحة الجمة والمنع من الصحة بغير حجة صنيع من لا علم له بل من لا عقل له ولا حياء سيما مع تخريج البخاري له ومسلم من طرق مختلفة مع هذه الشهرة والتواتر الذي في كتب خصوم علي وعمار في أمر التقديم والتفضيل. قلت: كان الأولى في العبارة أن يقول فقد أخرجه البخاري إلى آخره لأن الأصل عدم الصحة فمنعها طلب للتصحيح وجوابه أنه قد صححه من ذكر إلى آخره وقوله

كتب خصوم علي وعمار لا يخلو عن تأمل فإنه إن أراد في تقديم الشيخين أي المشايخ عليا عليه السلام كما هو رأي من سماهم خصوما وهذا لايعرف فيه رأي علي ولا وعمار وإن أراد فيتقديم معاويةة وتفضيله فهذا لا يقوله أحد وكأنه بني ذلك على رأي الشيعة فيما يعتقدونه أن عليا عليه السلام وعمار يعتقدان تقدم علي وفضله عليها أو عليهم. قال أي المصنف وأما تركت البخاري لأوله قادح لأن آخره أشد وعيدا من أوله ولعله إنماترك أوله تقية من المعتصبين فقد ثبت في ترجمته أنه امتحن وذكر ابن حجر أنه مات وكتابه مسودة لم تبيض ثم قال ويدل على تقية البخاري في شأن عمار أنه لم يذكر حديثه هذا في مناقبه في صحيحه وإنما أحتمال لذكره في مواضع لا ينتبه الطلبة فيها مثل باب مسح الغبار في كتاب الجهاد والتعاون في بناء المساجد في كتاب الصلاة وهما أنه ما أورده إلا للتعريف بهذه الأحكام المعلومة التي لا يهم محصل بإيثارها على معرفة الحق من الباطل في فتنة أهل الإسلام انتهى كلام المصنف على هوامش التلخييص ثم ذكر ما ذكرناه عن يعقوب بن أبي شيبة. قلت: البخاري أخرج في باب بناء المساجد بسنده إلى عكرمة قال قال لي ابن عباس ولابنه علىانطلقا على أبي سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أني على بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار يحمل لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه فقال يح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال فقال عمار أعوذ بالله من الفتن انتهى لفظ البخاري. واعلم أن المصنف اعتذر للبخاري بما ذكره في عدم إخراجه أول الحديث. وأما الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقال في الإعتذار للبخاري عن عدم إخراجه ما لفظه واعلم أن هذه الزيادة يريد ما قاله قبيل هذا ويح عمار تقتله الفئة الباغية إلخ لم يذكرها الحميدي في الجمع وقال إن البخاري لم يذكرها أصلا وكذا قال أبو مسعود قال الحميدي ولعلها لم تقع للبخاري أو وقعت فحذفها. قال ابن حجر: قلت: يظهر في أن البخاري حذفها عمدا وذلك لنكته خفية وهي أن أبا سعيد اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة والرواية التي ثبتت فيها ليست على شرط البخاري وقد أخرجها

البزار1 من طريق هند بن أبي داود عن أبي بصرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد فحدثني أصحابي ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية انتهى وابن سمية عمار وسمية أمه. ثم قال وقد بين أبو سعيد من حدثه بذلك ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي بصرة عن أبي سعيد قال حدثني من هو خير مني أبو قتادة فذكره فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الإطلاع على علل الأحاديث انتهى من فتح الباري. قلت: العجب من الحافظ ابن حجر في قوله إنه حذفها البخاري بعد سماع أبي سعيد لها من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله حدثني أصحابي وقوله حدثني من هو خير مني أبو قتادة ولا يعلم أنهم يعلون حديثا بكونه لم يشافه النبي صلى الله عليه ولم به الصحابي الذي رواه أو بكون راويه سمعه من صحابي آخر يزكيه ويفضله على نفسه فقوله إن حذفها دال على تبحر البخاري في الإطلاع على علل الأحاديث أعجب فأي علة أبداها ويلزم على جعل هذه علة أن جميع رواية ابن نعباس كلها معلولة لتصريحهم بأنه لا يبلغ ما سمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة عشرين حديثا وكذلك غيره من صغار الصحابة. إذا عرفت هذ فعذر المصنف للبخاري أرفع من عذر ابن حجر ولابن حجر في شرح الحديث في فتح الباري كلام تمجه الأسماع عند من له تحقيق وإطلاع وقد بينا ما فيه في حواشيه وروايته عن أحمد صحة الحديث وأمثال ذلك. "وليس هذا موضع بسط حجج الفريقين وبالجملة ليس لأولئك المختلف فيهم" من بغاة الصحابة "بين الشيعة وأهل الحديث سنة انفردوا بها" رواية "مما فيه تحليل وتحريم" يريد أنه ليس لمعاوية وعمرو بن العاص وغيرهما حديث فيه حكم شرعي انفردوا بروايته "وقد استقصيت أحاديثهم وشواهدها في كتاب الروض الباسم وفي كتاب العواصم والقواصم في نصرة سنة أبي القاسم" عد في الكتابين الأحاديث التي في الأمهات الست من رواية معاوية وهي ثلاثون حديثا وعد ما لعمرو بن العاصص يفها من الأحاديث فبلغت عشرة أحاديث ثم ما للمغيرة بن شعبة فيها فعدها ثلاثة وعشرين حديثا.

_ 1 مجمع الزوائد 9/296, وعزاه إليه وقال: رجاله رجال الصحيح.

وقد رأيت تمام الإفادة بنقل كلامه من الروض الباسم باختصار غير مخل قال فهؤلاء الثلاثة أذكر هنا ما يدل على صحة حدثهم وأقتصر على ما يتعلق بالأحكام من ذلك اختصارا وذلك يتم بذكر ما لهم من الأحاديث المتعلقة بالأحكام وما لأحاديثهم من الأحاديث المروية عنه عليه الصلاة والسلام ونشير إلى ذلك على أقل ما يكون من الأختصار المفيد إن شاء الله تعالى فنقول. المروي في الكتب الستة من طريق معاوية في الأحكام ثلاثون حديثا. قلت: إنما قال في الأحكام لأنه ذكر النووي في تهذيب الأسماء أنه روى له مائة حديث وسنة وثلاثون حديثا.1هـ. قال المصنف: الأول: حديث تحريم الوصل في شعور النساء رواه عنه الشيخان وغيرهما1 ويشهد لصحة ذلك رواية اسماء وعائشة وجابر أما حديث أسماء فأخرجه الشيخان والنسائي وكذلك حديث عائشة خرجه من ذكره وحديث جابر خرجه مسلم. الثاني: حديث "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" أخرجه الشيخان2 ورواه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص وأخرجه أبو داود والترمذي عن ثوبان ورواه الترمذي عن معاوية بن قرة وأبو داود عن عمران بن حصين. الثالث: حديث النهي عن الركعتين بعد العصر رواه البخاري وقد رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أم سلمة. الرابع: حديث الإلحاف في المسألة رواه عنه مسلم ورواه الشيخان والنسائي عن عبد الله بن عمر وأبو داود ولاترمذي والنسائي عن سمرة بن جندب ولانسائي عن عائد بن عمرو ولاشيخان ومالك في الموطأ والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وروى عن غيرهم. الخامس: إن هذا الأمر لا يزال في قريش رواه عنه البخاري ورواه عنه الشيخان عن عبد الله بن عمر والشيخان عن أبي هريرة. السادس: حديث جلد شارب الخمر وقتله في الرابعة رواه عنه أبو داود والترمذي.

_ 1 البخاري في: اللباس: ب 83. ومسلم في: اللباس: حديث 115, 117, 119, وأحمد 2/21. 2 مسلم في: الإمارة: حديث 174. وأحمد 4/101.

فأما جلده فمعلوم من الدين ضرورة والأحاديث يفه كثيرة وأما قتله في الرابعة فرواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ورواه أبو داود عن قبيصة ابن ذؤيب وعن نفر من الصحابة. السابع: حديث النهي عن لباس الحرير وجلود السباع رواه عنه أبو داود والترمذي والسنائي فأما شواهد تحريم لباس الذهب والحرير فأشهر من أن تذكر وأما جاود اليباع فله شاهد عن أبي المليح أخرجه أبو داود والترميذي والنسأئي. الثامن: حديث إفتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة رواه عنه أبو داود وروى الترمذي مثله عن أبي عمرو ورويا مثله أيضا عن أبي هريرة. التاسع: النهى عن سبق الإمام بالركوع والسجود رواه عنه أبو داود وقد رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة ومالك في الموطأ عنه أيضا ومسلم والنسائى عن أنس. العاشر: النهى عن الشغار رواه عنه أبو داود وقد رواه الشيخان عن ابن وهو مشهور عن غير واحد من الصحابة. الحادي عشر: أنه تؤضأ كوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وليس فيه ما يحتاج إلى شاهد إلا زيادة صب الماء على الناصية والوجه وقد رواه أبو داود عن على عليه السلام. الثاني عشر: النهى النوح رواه عنه ابن ماجه وهو أشهر من أن يحتاج إلى شاهد. الثالث عشر: النهى عن الرضا بالقيام رواه عنه الترمذي وأبو داود وله شواهد في الترمذي عن أنس وفي سنن أبي داود عن أبي أمامة وغيرها. الرابع عشر: النهى عن التادح رواه عنه ابن ماجه وقد رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة وعن أبي بكرة والشيخان عن أبي موسى ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن سحرة والترمذى عن أبي هريرة. الخامس عشر: تحريم كل مسكر رواه عنه ابن ماجه ورواه الجماعة إلا ابن ماجهعن ابن عمر ومسلم والنسائي عن جابر وأبو داود عن ابن عباس والنسائي عنه أيضا. السادس عشر حكم من سها في الصلاة رواه النسائي وله شواهد في سنن أبي

داود عن ثوبان. السابع عشر: النهى عن القران بين الحج والعمرة رواه عنه أبو داود وله شاهد عن ابن عمر ورواه مالك في الموطأ مرفوعا وعن عمر وعثمان ورواه مسلم موقوفا عليهما. الثامن عشر: أنه قصر للنبي صلى الله عليه وسلم بمشقص بعد عمر ته وبعد حجه رواه عنه الشيخان وأبو داود والنسائي وله شواهد عن على عليه السلام أخرجه مسام وعن عثمان أخرجه مسلم أيضا وعن سعد بن وقاص رواه مالك في الموطأ والنسائي والترمذى وصححه ورواه النسائى عن ابن عباس عن عمر والترمذى عن ابن عمر والشييخان عن عمران بن حصين ورواه الترمذي والنسائي عن ابن عباس أن معاوية لما روى هذا الحديث قال ابن عباس هذه على معاوية لأنه يهنى عن المتعة. التاسع عشر: ما روى عن أخته أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليفي الثوب الذي يجمامعها فيه مالم ير فيه أذى رواه أو داود والنسائي وتشهد لمعناه أحاديث كثيرة منها أنه صلى الله عليه وسلم كان صلى في نعليه ما لم ير فيهما أذى أخرجه الشيخان عن سعيد بن زيد ورواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري ويشهد له فلا ينصرفن حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا وهو متفق علي صحته إلى أشباه لذلك كثيرة تدل على جواز الإستصحاب للحكم المتقدم. الموفي عشرين: نهى من أكل الثوم والبصل عن دخول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من روايته عن أبيه وله شواهد كثيرة فروى الشيخان ومالك عن جابر بن عبد الله والشيخان عن أنس ومسلم ومالك عن جابر بن عبد الله والشيخان عن أنس ومسلم ومالك عن أبي هريرة وأبو داود عن حذيفة والمغيرة والشيخان وأبو داود عن ابن عمر والسنائي عن عمر وأبو داود عن أبي سعيد. الحادي والعشرون: حديث هذا يوم عاشوراء لم يكتب عليكم صومه رواه عنه الشيخان ومالك والنسائي وقد روى الشيخان عن ابن عباس ما يشهد لصحة معناه وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشار إليه بعد سؤاله عن سبب صوم اليهود فأنا أحق بموسى وقوله صلى الله عليه وسلم فيمن يصومه تعظيما له. الثاني والعشرون: حديث لا تنقطع الهجرة رواه عنه أبو داود ولم يصح عنه قال الخطابي في إسناده مقال وله شاهد رواه النسائي عن عبد الله ابن السعدي.

الثالث والعشرون: حديث النهي عن لبس الذهب إلا مقطعا رواه عنه أبو داود وله شاهد عن جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه النسائي. الرابع والعشرون: النهي عن الغلوطات أخرجه عنه أبو داود قال الخطابي لم يصح عنه في إسناده وقد روى في جامع الأصول له شاهد عن أبي هريرة وفي البخاري عن أنس نهينا عن التكلف1 وهو يشهد لمعناه. الخامس والعشرون: حديث الفصل بين الجمعة والناقلة بعدها بالكلام أو الخروج وراه عنه مسلم وله شاهد عند الشيخين عن ابن عمر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. السادس والعشرون: فضل حب الأنصار رواه عنه النسائي وفضلهم مشهور بل قرآني معلوم. السابع والعشرون: حديث "كل ذنب عسى الله يغفره إلا الشرك وقتل المؤمن" رواه عنه النسائي وله شاهد عن أبي الدرداء رواه أبو داود2 وله شاهد في كتاب الله تعالى. الثامن والعشرون: "اشفعوا تؤجروا" أخرجه أبو داود وهو حديث معروف أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى3 وفي القرآن ما يشهد لمعناه وهو مجمع على مقتضاه. التاسع والعشرون: كراهية تتبع عورات الناس أخرجه أبو داود4 وله شاهد في الترمذي عن ابن عمر وحسنه وفي سنن أبي داود عن بريدة الأسلمي وعقبة بن عامر وزيد بن وهب وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة. الموفي الثلاثين حديثا: حديث "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين" رواه عنه البخاري وله شاهدان عن ابن عباس وأبي هريرة ذكرهما الترمذي5 وصحح حديث ابن عباس. فهذه عامة أحاديث معاوية التي هي صريحة في الأحكام أو يؤخذ منها حكم وهي

_ 1 البخاري في: الاعتصام: ب 3. 2 النسائي 7/81, وأبو داود 4270. وأحمد 4/99. 3 أبو داود 5132. والبخاري 2/140. والنسائي 5/78. 4 رقم 4880. 5 البخاري 1/27. والترمذي 2645.

موافقة لمذاهب الشيعة والفقهاء وليس فيها مالا يذهب إليه جماهير العلماء إلا قتل شراب الخمر في الرابعة لأجل النسخ وقد رواه الهادي إلى الحق يحيى ابن الحسين عليه السلام فأعجب لمن شنع على أهل الصحاح برواية هذه الأحاديث وإدخالها في الصحيح. قال المصنف وله أحاديث غير هذه نشير إليها إشارة تركناها وشواهدها اختصارا وذلك حديثه في فضل المؤذنين وفضل إجابة الأذان وفضل حلق الذكر وفضل ليلة القدر ليلة سابع وعشرين وفضل حب الأنصار قلت: تقدم وفضل طلحة وتاريخ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وحديث اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت وقد رواه مسلم عن علي عليه السلام1 وحديث الخير عادة والشر لحاجة2 ولم يبق في الدينا إلا بلاء وفتنة وإنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله أعلاه وفيمن نزلت: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] وأثران موقوفان عليه في ذكر كعب الأحبار وفي تقبيل الأركان. فهذه جملة ما له في جميع دواوين الإسلام لا يشذ عن ذلك شيء إلا ما لا يعصم عنه البشر من السهو وليس في حديثه ما ينكر قط وفيها ما لا يصح عنه وما في صحته عن خلاف وجملة ما اتفق على صحته عنه في الأحكام ثلاثة عشر حديثا اتفق الشيخان فيها على أربعة وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة. ثم قال المصنف: وأما حديث عمرو بن العاص فله في الأحكام عشرة أحاديث. الأول: في النهي عن صيام أيام التشريق رواه عنه أبو داود وله شواهد فرواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عقبة بن عامر ومسلم عن نبيشة الهذلي ومسلم ومالك عن عبد الله بن حذافة والبخاري عن ابن عمر وعائشة بلفظ لم يرخص في صومها إلا لمن لم يجد الهدى. الثاني: التكبير في صلاة الفطر سبعا في الأولى وخمسا في الثانية رواه عنه أبو داود وقد رواه أبو داود وابن ماجه عن عائشة والترمذي عن عمر وابن عوف عن أبيه عن جده وقال ابن النحوي في الباب أحاديث كثيرة.

_ 1 في: المساجد: حديث 137, 138, والبخاري 1/214, وأحمد 4/93. 2 ابن ماجة 221, والصحيحة 651.

الثالث: حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمسة عشر سجدة في القرآن ثلاث في المفصل وفي صورة الحج سجدتان رواه عنه أبو داود وابن ماجه وهذا الحديث لم يصح عن عمرو قاله ابن النحوى وعزاه إلى ابن القطان وابن الجوزى ثم ساق المصنف له شواهد لاجابة هنا إلى ذكرها بعد قوله لم يصح عنه. الرابع: حديث تقرير صلى الله عليه وسلم لعمرو على التيمم حين إحتج أنه يخاف على نفسه الموت من شدة البرد وهو قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} وله على ذلك وهو الإجماع أول وما أخرجه أبو داود عن ابن عباس ثانيا. الخامس: حديث "إذا إجتهد الحاكم فأصاب فله أجران" الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما وقد رواه الترمذى عن أبي هريرة1. السادس: حديثه في الحث على السحور لكونه فصلا بين صيامنا وصيام أهل الكتاب رواه عنه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه2 وقد وردت في الحث على ذلك أحاديث فروى الشيخان وغيرهما عن أنس وأبو داود عن أبي هريرة وفيه عن جماعة من الصحابة عند أهل السنن. السابع: حديث أن الني صلى الله عليه وسلم نهى أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن رواه عنه الترمذي وحسنه ولد شاهد عن عمرو بن الأحوص رواه عنه الترمذى وصححه وله شواهد أخر. الثامن: حديث في تكفير الإسلام والحج والهجرة لنا قبلها رواه عنه مسلم. فأما تفكير الإسلام لما قبله فإجماع والشواهد عليه كثيرة. وأما تفكير الحج لما قبله فله شاهد في الترمذى والنسأئى عن ابن مسعود ورواه النسائي عن ابن عباس والشيخان وغيرهما عن أبي هريرة. وأما تكفير الهجرة لما قبلها ففى النسائي عن فضالة بن عبيد ما يشهد لذلك لكن بزيادة الإسلام والإيمان وهذه الزيادة في حكم المذكورة في حديث عمرو إذ لا عبرة بهجرة الكافر إجماعا بل صحتها غير متصورة كصلاته وسائر قرباته الشرعية مع ماله من الشواهد العامة من القرآن والسنة كقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ

_ 1 البخاري في: الاعتصام ب 21. ومسلم في: الأقضية: حديث 15, وأحمد 4/198. 2 مسلم في: الصيام: حديث 46. والترمذي 708, 709. واحمد 4/202.

السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وقوله صلى الله عليه وسلم: "ابتع السيئةالحسنة تمحها" رواه النووي في مباني الإسلام1. التاسع: حديث: قلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال: "عائشة" قلت: فمن الرجال قال: "أبوها" رواه مسلم2 والترمذي والنسائي وله شاهد وأما في حب عائشة فعن أبي موسى بلفظ حديث عمرو رواه الترمذي وأما في أبيها فله شاهد بمعناه في أحاديث كثيرة "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" رواه البخاري من حديث ابن عباس ومسلم والترمذي من حديث ابن مسعود3. العاشر: قوله في عدة المتوفي عنها إنها أربعة أشهر وعشر يعني وإن كانت أو ولد رواه أبو داود وابن ماجه وهو موقوف عليه وعموم القرآن حجة. فهذه جملة مالعمرو بن العاص في الأمهات الست مما فيه حكم ظاهر أو يمكن استخراج حكم منه وبقي له حديثان حديث كنا مع عمر في حج أو عمرة فلما كان بمر الظهران إذا نحن بامرأة في هودجها وثانيهما حديث فزع الناس بالمدينة فرأيت سالما احتبى بسيفة وجلس في المسجد لم أعرف تمامهما فيبحث هل فيهحكمم شرعي وهل له شاهد ويلحق بذلك. وأما المغيرة فله فيما يتعلق بالأحكام بالحلال ولاحرام ثلاثة وعشرون حديثا أو أقل: الأول: حديث المسح على الخفين وهو حديث مجمع على صحته ولكن ادعة بعض الشيعة أنه منسوخ وهذا الحكم مع صحته مروي من طرق كثيرة رواه الشيخان عن جرير ورواه البخاري ومالك عن سعد بن أبي وقاص ورواه الحسن البصري عن سبعين صحابيا وأما المسح على الجوزبين فلم يصح عن المغيرة كما قاله الحافظ عبد الرحمن بن مهدي ومع ذلك فله شاهد عن أبي موسى وكذلك مسح أسفل الخف لم يصح عن المغيرة. الثاني: حديثه في الصلاة على الطفل وله شاهد رواه أبو داود عن عبد الله التميمي مصعب بن الزبير ورواه الترمذي عن جابر بشرط الاستهلال وله شواهد مرسلة وموقوفة.

_ 1 أحمد 5/153, والدارمي 2/323, وابن عساكر 5/174. 2 مسلم في: فضائل الصحابة: حديث 8. 3 البخاري 5/4, ومسلم في: فضائل الصحابة: حديث 2,3, وأحمد 1/377.

الثالث: حديث بعث عمر في أبناء الأنصار أخرجه البخاري ويفه أن المغيرة قال لكسرى إن نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية وهذا يشهد له حديث عبد الرحمن بن عوف "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" وهو صحيح وإنما قلت: ذلك لأن كسرى مجوسي. الرابع: حديث النهي عن إسبال الأزرار وقد رواه الشيخان عن ابن عمر والنسائي عن ابن عباس. الخامس: حديث المسح على العمامة وقد رواه أبو داود عن ثوبان وأنس ورواه أحمد وأبو داود وسعيد بن منصور عن بلال. السادس: حديث تحريم بيع الخمر وله شواهد أكثر من أن تذكر. السابع: كسفت الشمس يوم مات إبراهيم فأما تأريخ الكسوف بيوم مات إبراهيم فرواه مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر وأما بقية الحديث الذي يتعلق به الحكم فأشهر من أتذكر شواهده. الثامن: حديث ترك التشهد الأوسط وسجود السهو لنسيانه وله شاهد من حديث عبد الله بن يحينة أخرجه الشيخان وهو أيضا شاهد لما في حديث المغيرة من أنه يسجد للسهو فيه قبل السلام وأخرجه الترمذي عن عمران بن حصين وأبو داود عن ابن مسعود. التاسع: حديث "لا تسبوا الأموات" وقد رواه البخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة وأبو داود عن ابن عمر. العاشر: حديث أنه صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما وقد رواه الشيخان وغيرهما من حديث حذيفة1. الحادي عشر: حديث "دية الجنين غرة" وقد رواه الشيخان من حديث أبي هريرة2. الثاني عشر: "لا يصلى الإمام في الموضع الذيصلى فيه حتى يتحول" وقد رواه أبو داود عن أبي هريرة3.

_ 1 البخاري في: الوضوء: ب 60, 62, ومسلم في: الطهارة: حديث 73, 74, وأحمد 4/246. 2 البخاري في: الفرائض: ب 11. ومسلم في: القسامة: حديث 39. وأحمد 1/364. 3 رقم 616. والبيهقي 2/190. وابن ماجة 1427, 1428.

الثالث عشر: حديث "من اكتوى واسترقى فقد بريء من التوكل" وقد رواه بمعناه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبيد الله وعبد الله ابن حكيم ورواه الشيخان عن ابن عباس1. الرابع عشر: حديث "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه عنه الشيخان وغيرهما وهو حديث متواتر مستغن عن ذكر الشواهد. الخامس عشر: حديث "من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه" وهو طرف من الحديث قبله وله شواهد كثيرة فرواه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث عمر بن الخطاب والنسائي عن عمران بن الحصين والترمذي عن أبي موسى وله شواهد غير هذه. السادس عشر: فرض الجدة اسلدس وقد رواه البخاري عن محمد بن مسلمة وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود عن بريدة وهو إجماع. السابع عشر: حديث ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد عن الدجال أكثر ما سألته قلت: ويقولون معه جنة ونار قال "هو أهون على الله من ذلك" وله شواهد وجميع ما ورد في الصحيحين وغيرهما2 عن غير واحد من الصحابة أنه قال صلى الله عليه وسلم "ناره جنة وماؤه نار" وهو يعضد حديث المغيرة فإنها مبنية نفي أن يكون مع الدجال جنة ونار حقيقة. الثامن عشر: "لا يزال أناس من أمتى على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون". التاسع عشر: "إن المرأة يعقل عنها عصبتها ويرثها بنوها" وله شواهد منها عند الجماعة إلا ابن ماجه عن أبي هريرة مثال حديث المغيرة وفي سنن أبي داود عن ابن عباس3. الموفي عشرين: حديث ترك الوضوء مما مست النار وله شواهد فرواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس وعمرو بن أمية وميمونة ومسلم عن أبي رافع ومالك وأبو داود عن جابر4.

_ 1 البخاري في: الطب: ب 17. ومسلم في: الإيمان: حديث 371. وأحمد 1/401. 2 البخاري في: الفتن: ب 26. ومسلم في: الفتن: حديث 114, 115. وأحمد 4/246. 3 ابن ماجة في الديات ب 15. والنسائي في القسامة ب 34. وأحمد 2/224. 4 أبو داود 4864. والنسائي 1/108.

الحادي والعشرون: حديث سعد بن عبادة وفيه "أتعجبون من غيرة سعد إنه لغيور؟ " وفيه "ما أحد أغيره من الله" ولهذا المعنى المتعلق بحديث الصفات شاهد في الصحيحين عن عائشة1. الثاني والعشرون: نهى آكل الثوم عن دخول المسجد وقد مرت شواهده في أحاديث معاوية. الثالث والعشرون: حديث مشي الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء وهذا ليس فيه ششء من الأحكام المتعلقة بتحليل أو تحريم ثم إنه لم يقل بصحته عن المغيرة إلا الحاكم وابن السكن وصعفه غيهرما ولم يصححوا عن المغيرة. الرابع والعشرون: حديث كان إذا ذهب المذهب أبعد رواه عنه أهل السنن الأربعة إلا ابن ماجه2 وقد رواه النسائي عن عبد الرحمن بن أبي بردة ومنالعدب أن هذا الحديث وحديثا نحوه من حديث المغيرة هما أول ما في كتاب شفاء الأوام من كتب الزيدية أو ردهما مصنفة بأرسالهما إلى المغيرة واحتج يهما من غير ذكر غيرهما وهم ينكرون على المحدثين مثل ذلك. انتهى كلام المصنف من الروض الباسم ببعض اختصار. "وأما القول بعدالة المجهول منهم" أي من الصحابة "فهو إجماع أهل السنة والمعتزلة والزيدية قال ابن عبد البر في التمهيد أنه مما لا خلاف فيه" وقال أيضا في خطبة الإستيعاب ونحن وإن كان الصحابة قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة علىأنهم كلهم عدول انتهى. ثم أبان المصنف صحة دعواه لأجماع من ذكر فقال "أما أهل السنة فظاهر وأما المعتزلة فذكره أبو الحسين في كتابه المعتمد في أصول الفقه بل زاد عن المحدثين" فإنهم قائلون بعدالة الصحابة لا غير وأبو الحسين "ذهب إلى عدالة أهل ذلك العصر" فقال هم عدول وليس كلهم صحابة "وإن لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم" هذا زيادة تأكيد وإلا فهو معلوم أنه لم يراكل أهل ذلك العصر النبي صلى الله عليه وسلم. "وذكر الحاكم المحسن بن كراممة المعتزلي مثل مذهب المحدثين في كتابه شرح العيون وروى ذلك ابن الحاجب في مختصر المنتهى عن المعتزلة وأما الزيدية" فإن

_ 1 مسلم في: اللعان حديث 17. والبخاري 9/151. وأحمد 4/248. 2 أبو داود 1. والنسائي في الطهارةب 16. وابن ماجة 331.والصحيحة 1159.

رأيهم أوسع دائرة أوسع دائرة من المعتزلة في هذا "فإنهم يقبلون المجهول" مطلقا "سواء عندهم في ذلك الصحابي وغيره ذكر ذلك الفقيه عبد الله بن زيد في الدرر المنظومة وهو أحد قولي المنصور بالله ذكره في هداية المسترشدين وهو أرجح احتمالي أبي طالب في جوامع الأدلة وأحدا احتماليه في المجزيء وهذا المذهب مشهورا عن الحنيفة والزيدية مطبقون على قبول مراسيل الحنفية فقد دخل عليهم حديث المجهول على كل حال وإن كان المختار عند متأخريهم" أي الزيدية "رده" أي المجهول "فذلك لا يغني مع قبولهم مراسيل من يقبله والقصد بذكرهم هذه الأقوال أن لا يتوهم أن المحدثين شذوا بهذا المذهب" وهو القول بعدالة مجهول الصحابة بل هو رأي غيرهم بل غيرهم أوسع دائرة منهم. وأوسع دائرة ما أفاده قوله "وذكر المنصور" بالله "في مجموعه أن الثلاثة القرون الأول مقبولون" لقوله صلى الله عليه وسلم "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" أخرجه بلفظ: "خير الناس قرني ... " إلى آخره ورواه الترمذي والحاكم عن عمران بلفظ: "إن خيركم ... " إلخ "و" قال المنصور بالله "أن ذلك معروف عند أهل العلم وهذا أوسع من قول المحدثين كما ترى" وهو ظاهر. وقد عارض دليله حديث "أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره" أخرجه الترمذي1 من حديث أنس وصححه ابن حبان من حديث عمار وله شواهد وابن عساكر عن عمر وبن عثمان مرسلا بلفظه "أمتى مباركة لا تدري أولها خير أو آخرها" 2. وقد جمع بينهما سعدالدين التفتازاني بأن الخيرية تختلف بالاعتبارات فالقرون السابقة بنيل شرف قرب العهد ولزوم سيرة العدل والصدق واجتناب المعاصي ونحو ذلك وأما باعتبار كثرة الثواب فلا يدري أولها خير لكثرة طاعته وقلة معصيته أم الآخر لأيمانه بالغيب طوعا ورغبة مع انقضاء مشاهدة زمن آثار الوحي وظهور المعجزات وبالتزامه طريقة السنة مع فساد الزمان وشيخنا رحمه الله تعالى تعقب عليه في رسالة قرأناها عليه لا نطيل هنا بذكرها.

_ 1 في الادب ب 81. حديث 2869. وأحمد 3/143. والخطيب 11/14. 2 ابن عساكر 7/232.

ثم اعلم أن هذا الاستدلال من المنصور بالله وذكر معارضة الحديثين مبني على أن حديث "خير القرون" 1 قاض بأن التفضيل بين القرون بالنظر إلى كل فرد فرد وإلى هذا ذهب الجمهور وذهب ابن عبد البر إلى أن التفضيل إنما هو بالنسبة إلى مجموع الصحابة فإنهم أفضل ممن بعدهم لا كل فرد احتج بحديث "أمتي كالمطر" إلخ ما تقدم قريبا ربما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ثعلبة يرفعه "تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين" قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: "بل منكم" 2 وبحديث عمر يرفعه: "أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني" أخرجه الطيالسي3 وهو وإن كان ضعيفا فإنه يشهد له ما أخرجه أحمد أحمد والدرامي والطبراني من حديث أبي حمعة قال: قال أبو عبيدة: يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: "قوم يكونون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني", وإسناده حسن وقد صححه الحاكم4 واستثنى ابن عبد البر أهل بدر والحديبيه. وأجاب الجمهور بالجمع بين الأحاديث مم يلاقي كلام سعد الدين الذي أسلفناه إلا أنهم زادوا بأن ذلك يكون في حق بعض الصحابة وأما مشاهير الصحابة فإنهم جازوا مراتب السبق في كل نوع من أنواع الخبر قالوا وأيضا فالمفاضلة بين الأعمال بالنظر إلى الأعمال المتساوية في النوع ونضولة الصحبة مختصة بالصحابة لم يكن لمن عدالة شيء من ذلك النوع وإذا عرفت هذا عرفت أن استدلال المنصور بالله مبني على ما ذهب إليه الجمهور. "وأما الحجج على عدالة مجاهيل الصحابة" هم الذي لم يعرف لهم شيء سوى الصحبة "فكثيرة جدا وقد ذكرت منها جملة شافية في العواصم والقواصم" ذكر فيها اثنين وثلاثين دليلا على قبول فساق التأويل وهي أدلة شاملة للمجاهيل من أهل ذلك العصر لأنه إذا لم يعرف للصحابي إلا الإسلام الصحبة فقبوله أولى من قبول من كان مسلما فاسق تأويل وقد أجمع على قبوله فالأولى قبول مجهول الصحابة.

_ 1 سبق تخريجه. 2 أبو داود في الملاحم ب 17. والترمذي في تفسير سورة 5. وابن ماجة في الفتن ب 21. 3 سبق تخريجه. 4 4/85.

"وفي المختصر من الروض الباسم وأناأشير إلى شيء من ذلك فمن ذلك ماروى ابن عمر عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فقال: "أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذي يلونهم ثم يفشو الكذب" الحديث تمامه "يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد" "رواه أحمد والترمذي ورواه أبو داود الطيالسي 1 " من طريق أخرى "عن شعبة عن عبد الملك بن عمير عن جابربن سمرة عن عمر وله طريق أخرى" ثالثة "وهو حديث مشهور جيد قال ذلك الحافظ ابن كثير في إرشاده" وفي العواصم أنه ذكر أبو بن عبد البر في أول كتاب الاستيعاب له شواهد كثيرة عن عمران بن حصين والنعمان بن بشير وبريدة الأسلمي وجعدة بن هبيرة. "قلت: وفيه دليل على أنه أراد بأصحابه أهل زمانه من المسلمين لقوله فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فتأمله" وذلك لأن قوله: "ثم الذين يلونهم" عام لكل فرد من الأزمنة التي بعد القرن الأول فيكون كذلك في القرن الأول وأنه سمى كل من عاصره صلى الله عليه وسلم صحابيا إن كان مسلما إلا أنه يرد سؤال وهو أن الموصي بهم هم الأصحاب وهم أهل العصر جميعا فمن المراد بالوصية فإن أريد به أوصي بعضكم في بعض فهي من لازم أخوة الإيمان فكل أهل الإيمان في أي عصر كان كذلك ولعل الأظهر أنه يراد أوصيكم أيها الأمة ويراد إبلاغ الأمة من بعد القرون الثلاثة أن يرعوا أهل عصره وتابعيهم وتابعي تابعيهم وأن يعرفوا لهم حق الصحبة والعلم والإبلاغ أو يراد الوصية في شيء خاص وهو تصديقهم فيما يبلغونه عنه صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة كما يرشد إليه قوله: "ثم يفششوا الكذب" والمعنى أن الصدق فيهم هو الأصل وإن وقع الكذب فهو نادر وفي لفظ: "يفشو" دلالة عليه فيكون على تقدير هذه المعاني غير دال على أن المدعى من عدالة كل صحابي على رسم الجماهير لها وإنما يكون دليلا علىأن الأصل فيمايروونه الصدق خصيصة لهم من الله تعالى فتحملوا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وإلا فلا شك أنه وقع في آخر القرن الأول وما بعد من القرون أمراء جورة وفقهاء خونة وسفكت الدماء بغير حقها ويشأ من الإبداع ما يصك الأسماع وهل بدعة الخوارج ونحوها إلا في أثناء القرن الأول فتأمل.

_ 1 الترمذي 2165, وأحمد 1/26.

"ومن ذلك" أي من الأدلة على عدالة مجهول الصحابة "ماروى عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال يعين رمضان فقال "تشهد أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ " قال نعم قال: " يا بلال إذن في الناس أن يصوموا غدا" رواه أهل السنن الأربع ابن حبان صاحب الصحيح والحاكم أبو عبد الله" في المتسدرك "وقال هو حديث صحيح واحتج به أبو الحسين المعتزلي في المتعمد وذكره الحاكم أبو سعيد في شرح العيون واحتج به الفقيه عبد الله بن زيد العنسي الزيدي في كتاب الدرر" ووجه الدلالة واضح فإنه رجل مجهول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا سأله عن الشهادتين ولم يسأله عن غيرهما فدل على أن مجاهيل ذلك العصر من المسلمين يقبلون وإقراره بكلمة الشهادة لم تخرجه عن الجهالة. "ويشهد له ما رواه ابن كثير أيضا في إرشاده عن أبي عمير عن أنس عن عمومته من الأنصار أن الناس اختلفوا في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم لأهلا لهلال أمس عشية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا أن يغدوا إلى مصلاهم ورواه بنحوه أحمد وابن ماجه ورواه أحمد أيضا وأبو داود بهذا اللفظ المتقدم وهو لفظ أبي داود من طريق أخرى عن ربعي" بالموحدة ساكنة فعين مهملة "ابن حرش" بكسر الحاء المهملة فراء آخر شين معجمة "عن رجل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" ووجه الدلالة ظاهر في قبوله صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابيين إنه أنه قد يقال إنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف عدالتهما وكأنه لهذا جعله شاهدا ولم يجعله دليلا مستقلا. "ومن ذلك" أي من أدلة قبول مجهول الصحابة "حديث عقبة بن الحارث المتفق على صحته" بين الشيخين "وفيه أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمه سودا فقالت قد أرضعتكما" قال "فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني قالت فتنحيت فذكرت ذلك له فقال كيف زعمت أن قد أرضعتكما هذا لفظ البخاري ومسلم وفيه أعتبار خبر هذه الأمة السوداء والتفريق بين زوجين مسلمين بكلامها ولم يأمره بطلاق ولا أخبره أن الطلاق يستحب مع جواز تركه" بل ظاهره أنه أمر بفسخ النكاح بخبر المرأة "وفي رواية الترمذي" لحديث عقبة بن الحارث "أنه زعم أنها كاذبة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عنها" أي عن المرأة التي تزوجها "وهو حديث حسن صحيح وقال ابن عباس تقبل المرأة الواحدة في مثل ذلك" أي في إخبارها بإرضاعها "مع يمينها وبه قال أحمد وإسحاق" ولما كانت اليمين لا دليل عليها في الحديث قال المصنف "قلت: وإنما اعتبروا

اليمين من أجل حق المخلوقين" ويأتي على هذا. "وكذا منخالف من العلماء في هذه المسألة" وقال لا تقبل المرضعة "إنما خلف من أجل تعلقها بحقوق المخلوقين" فإن القواعد الشرعية قاضية بأنها لا تقبل دعوى على أحد إلا بما أشار إليه قوله "وكون عموم وجوب الإشهاد على كل دعوى واليمين على كل منكر كالمعارضين لهذه الواقعة" فألحقوا بهذا الفرد العام وقد حقق البحث في كتب الأحكام. "وأما حقوق الله فخبر الواحد مقبول فيه ذكرا كان الواحد أو أنثى وفاقا والله أعلم فهذا" في الأدلة "من الأثر" زاد المصنف في العواصم ما لفظه الرابع وهو أثر صحيح ثابت في جميع دواوين الإسلام بل متواتر النقل معلوم بالضرورة وهو عندي حجة قوية صالحة للاعتماد عليها وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عليا ومعاذا رضي الله عنهما إلى اليمن قاضيين ومفتيين ومعلمين ولا شك أن القضاء مرتب على الشهادة والشهادة مبنية على العدالة وهما لا يعرفان أهل اليمن ولا يخبران عدالتهما وهم بغير شك لا يجدون شهودا على ما تجري بينهم من المخصوصات إلا منهم فلولا أن الظاهر العدالة في أهل الإسلام في ذلك الزمان لما كان إلى حكمهما بين أهل اليمن سبيل.1هـ. "ومن النظر" عطف على قوله من الأثر أي والأدلة على ما ذكر من النظر "ما ذكره الشيخ أبو الحسين في المعتمد فإنه قال ما لفظه واعلم أنه إذا ثبت اعتبار العدالة وجب أن كان لها ظاهر أن تعتمد عليه وإلا لزم اختبارها وإلا فلا شبيهة في أن بعض الأزمان كزمن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت العدالة منوطة بالإسلام وكان الظاهر من المسلم كونه عدلا ولهذا اقتصر صلى الله عليه وسلم على قبول خبر الأعرابي عن رؤية الهلال على ظاهر إسلامه واقتصر الصحابة على إسلام من كان يروي الأخبار من الأعراب". قلت: لا يخفى أن هذا الدليل من باب الأثر لا من باب النظر وكأن المصنف يريد أن التفصيل الآتي من باب النظر وهو الذي أفاده قوله "فأما الأزمان التي كثرت فيها الخيانات ممن يعتقد الإسلام فليس الظاهر من إسلام الأنسان كونه عدلا فلا بد من اختباره وقد ذكر الفقهاء هذا التفصيل انتهى كلام الشيخ أبي الحسين وقد استوفيت الكلام في هذه المسالة في غير هذا الموضع". قد قدمنا قريبا أن المصنف ساق في العواصم زيادة على ثلاثين حجة في ذلك ثم

قال منها أن من النظر أن صدقهم مظنون وفي مخالفته مضرة مظنونة والعمل بالظن من غير خوف مضرة حسن عقلا ومع خوف المضرة المظنونة واحد عقلا وإنما خصصناهم بذلك لما علمنا من صدقهم وأمانتهم في غالب الأحوال والنادر غير معتبر وقد يجوز أن يكذب الثقة ولكن ذلك تجويز مرجوح نادر الوقوع فلم يعتبروا الذي يدل على صدق ما ذكرنا أن أخس طبقات أهل الإسلام من يتجاسر على الأقدام على الفواحش من الزنا وغيره من الكبائر لا سيما فاحشة الزنا وقد علمنا أن جماعة من أهل الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعوا في ذلك من رجال ونساء فهم فيما ظهر لنا أقل الصحابة ديانة وأقلهم آمانة ولكنهم مع ذلك فعلوا ما لإيكاد يفعله أورع المتأخين ومن تحق له منصب الأمانة في زمرة الأولياء والمتقين من بذلهم الروح في مرضاة الله والمسارعة بغير إكراه إلى حكم الله أو إلى حكم الشرع كمثل المرأة التي زنت فجاءت إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم تقر بذنبها وتسأله أن يقيم عليها الحد فجعل عليه السلام يسنثبت في ذلك فقالت: يارسول الله إني حبلى, فأمرها أن تمهل حتى تضع فلما وضعت جاءت بالولد فقالت: يا رسول الله هذا قد ولدته فقال لها: "أرضعيه حتى يتم رضاعته" فأرضعته حتى أتمت مدة الرضاع ثم جاءت به في يده كسرة خبز فقالت: يا رسول الله هذا هو يأكل الخبز فرجمت فانظر إلى عزمها المدة الطويلة على الموت في مرضاة الله تعالى. وكذلك الرجل الذي سرق فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه أن يقيم عليه الحد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يده فلما قطعوها قال السارق: الحمد لله الذي أبعدك عنى أردت أن تدخلني النار, ومثل ما روى عن الذي وقع بامرأته في رمضان وحديث الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أتتني امرأة فلم أترك شيئا مما يفعله الرجال بالنساء إلا فعلته إلا أني لم أجامعها وغير ذلك انتهى. "وإلى هنا انتهى ما أردت جمعه من علوم الحديث مما يتعلق بأصل الفقه أو" يتعلق "بتفسير اصطلاحهم في وصف الحديث ببعض الأوصاف من" بيانية الأوصاف "الصحة والحسن والغرابة والشهرة وأمثال ذلك" من بيان المرسل والعلة والشذوذ وما تقدم وهو كثير.

فوائد غزيرة وعلوم عزيزة

[فوائد غزيرة وعلوم عزيزة] "وفي علوم الحديث قوائد غزيرة" من الغزارة بالمعجمة وهي الكثرة "وعلوم عزيزة" بالمهملة وتكوير الزاي من العزة وهي القلة هنا أي يقل وجودها في غير علوم الحديث "أو دعوها تضاعيف كلامهم في هذا الفن يفما تقدم من أنواعه مما اختصرت منه وفيما بفي مما لم أختصر منه" أي لم يتعرض لذكره "فقد بقي من أواعه كثير" بينهما بقوله "مثل الكلام على": "معرفة التابعين". جمع تابعي واختلفوا في رسمه فقال الحاكم وغيره التابعي منلقي واحد من الصحابة فأكثر "وطبقاتهم" قال الحاكم في علوم الحديث هم خمس عشرة طبقة آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل البصرة ومن لقي عبد الله بن أبي أو في من أهل الكوفة ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة وقيل في عد طبقاتهم غير هذا مما هو مبسوط في مظنته. "ومعرفة رواية الأكابر عن الأصاغر" والأصل فيه روايه النبي صلى الله عليه وسلم عن الدارى الجياسة وهو في صحيح مسلم1 وقسموها إلى ثلاثه أقسام: الأول: أن يكون الراوى أكبر قدرا من المروى عنه لعلمه وحفظه2. والثاني: أن يكون أكبر سنا3. والثالث: أن يجتمعا معا وذكروا أمثلة ذلك. "و" رواية "الأقران بعضهم عن بعض". والقرينان عندهم: من إستويا في الإسناد والسن غالبا والمراد به المقارنه قال

_ 1 4/2262. 2 كرواية مالك وابن أبي ذئب عن شيخهما عبد الله بن دينار وأشباهه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه عن شيخهما عبيد الله بن موسى فتح المغيث للسخاوي 4/166. 3 كرواية كل من الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن تلميذهما الإمام الجليل مالك بن انس في خلق غيرهما ممن روى عن مالك من شيوخه. المصدر السابق 4/165.

الحاكم إنما القرينان إذا تقارنت سنهما وإسنادهما وقد يكتفون بالإسناد دون السن وقسموه إلى قسمين: أحدهما: ما يسمونه المبج بضم الميم وفتح الدال المهمله ونشيد الموحده آخره جيم وذلك أن يروى كل من الفريقين عن الآخر وألف الدارقطني كتابا حافلا ومثاله رواية عائشه عن أبي هريرة وروايته عنها. والثاني: ماليس بمديح وهو أن يروى أحد القرنيين عن الآخر ولا يروى الآخر عنه فيما يعلم. "و" رواية "الأخوة والأخوات بعضهم عن بعض". قال زين الدين قد أفرد أهل الحديث هذا النوع بالتصنيف وهو معرفة الأخوة من العلماء والرواة وصنف فيه على بن المدينى وغيره وعدهم ثلاثه فأربعة فخمسة فستة فسبعة ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته ولعدم الحاخة إليه في غرضنا ههنا ومثال الأخوين كثير في الصحابة وغيرهم كعبد الله بن مسعود وعتبه بن مسعود وكلاهما صحابيان ومما يستغرب من الأخوين أن موسى بن عبيدة الزيدى بينه وبين أخيه عبد الله بن عبيدة ثمانون سنة في العمر. "وروايه الآباء عن الأبناء وعكسه" صنف فيه الخطيب كتابا حافلاو ذكر روايتة العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل وفيه أمثله كثيرة وصنف الوائلى كتابا في رواية الآباء عن الأبناء وذكر فيه نفائس وأحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وما يشابهه. "وروابة السابق والللاحق عن الأئمة والحفاظ". قال زين الدين ألف الخطيب كتابا سماه السابق واللاحق وموضوعه أن يشترك راوايان في الرواية عن شخص واحد وأحد الراويين والآخر متأخربحيث يكون بين روايتهما أمد بعيد قال ابن الصلاح: ومن فوائد ذلك نقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب ثم ذكر امثلة لذلك. "و" روايه "من لم يرو عنه إلا راو واحد". قال زين الدين من أنواع علوم الحديث معرفه من لم يرو عنه إلا راوواحد من الصحابة والتابعين ومنن بعدهم وصنف فيه مسلم كتابا المسمى بكتاب المنفردات والحدان وذكر امثلة لذلك كثيرة.

"و" رواية "من عرف بنعوت متعددة". أى من ذكر من الرواة بأنواع من التعريفات من الأسماء أو الكنى أو الألقاب أو الأنساب إما من جماعة الرواة عنه فعرفه كل واحد منهم بغير ما عرفه الآخر أو من راوواحد فعرفه مرة بهذا ومرة بذاك فيلتبس ذلك على من لامعرفة عنده بل على كثير من أهل المعرفة والحفظ وإنما يقعل ذلك كثيرا المدلسون وقد نقدم عند ذكر التدليس أن هذا أحد انواعه ويسمى تدليس الشيوخ. وقد صنف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدى كتابا نافعا سماه إيضاح الأشكال وصنف فيه الخطيب البغدادي كتابا كبيرا سماه الموضح لاوهام الجمع والتفريق وسد زين الدين من ذلك أمثله كثيره. "ومعرفه أفراد الأسماء ومعرفه الأسماء والكنى" جمع كنية "والألقاب" جمع لقب فالأسماء الأعلام والكنى ماصدر بأب وأم ةالقب ما دل على مدح أوذم. قال الزين: معرفة أفراد الأعلام نوع من أنواع علوم الحديث صنف فيه جماعة ثم قال وقد مثل ابن الصلاح بجملة من الأسماء ولكني مرتبة على حروف المعجم واقتصرت من ذلك على مثال واحد لكل قسم فمن أمثلة أفراد الأسماء لبي1 بن لبا2 صحابي من بني أسد وكلاهما باللام والباء الموحدة وهو وأبوه فردان فالأول مصغر على وزن أبي بن كعب والثاني مكبر على وزن فتى ومثال أفراد الألقاب مندل بن علي العبري واسمه عمرو ومندل لقب له وهو بكسر اسم وفتحها كما أفاده كلام الزين ومثال الأفراد ف يالكنى أبو معيد بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وآخره دال مهملة واسمه حفص بن غيلان. تنبيه: من علوم الحديث معرفة أسماء ذوي الكنى ومعرفى كنى ذوي الأسماء وينبغي العناية بذلك فربما ورد ذكر الراوي مرة بكنيته ومرة باسمه فيظن من لا معرفة له بذلك أنهما رجلان وربما ذكر الراوي باسمه وكنيته معا فتوهمه بعضهم رجلين كالحديث

_ 1 لبى: بموحدة كأبي بالتصغير. 2 لبا: بموحدة أيضا كفتى وعصى ضبطه كذلك أبو علي ثم ابن الدباغ وابن الصلاح. وقيل بضم اللام وتشديد الموحدة ضبطه ابن فتحون في الاستيعاب قال: وكذلك رأيته بخط ابن مفرج فيه وفي ولده معا فتح المغيث للسخاوي 4/210.

الذي رواه الحاكم من رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن سداد عن أبي الوليد عن جابر مرفوعا من صلى خلف الإمام فإن قراءته له قراءة قال الحاكم عبد الله بن سداد هو بنفسه أبو الوليد بينه علي بن المديني قال الحاكم ومن تهاون بمعرفة الأسماء أو ورثه مثل هذا الوهم ولهم في الألقاب تقاسيم وأمثلة ذكرها ابن الصلاح والزين. "ومعرفة المؤتلف خطا والمختلف لفظا". قال الزين من فنون الحديث المهمة معرفة المؤتلف خطا المختلف لفظا من الأسماء والألقاب والأنساب ونحوها وينبغي لطالب الحديث أن يعتني بذلك وإلا كثر عناؤه وافتضح بين أهله وصنف فيه جماعة من الحفاظ مكتبا مفيدة وعد الزين من صنف فيه ثم قال والمؤتلف والمختلف ينقسم قسمين أحدهما ما ليس له ضابط يرجع أليه وإنما يعرف بالنقل والحفظ وهو الأكثر والثاني ما يدخل تحت الضبط ثم عد أمثلة كثيرة تبعا لابن الصلاح مثل سلام بتشديد اللام وسلام بالتخفيف فحصروا المخفف وقد أطال زين الدين في منظومته وشرحها في هذه المادة بما يزيد على كراس من القطع الكامل. "ومعرفة المتفق خطا ولفظا المفترق معنى" قال الزين ومن أنواع علوم الحديث ما اتفق لفظه وخطه واختلف مسماه وللخطيب فيه كتاب نفيس ثم قال وإنما يحسن إيراد ذلك إذا اشتبه الراويان المتفقان في الإسم لكونهما متعاصرين واشتركا في بعض شيوخهما أو في الرواية عنهما وذلك ينقسم إلى ثمانية أقسام الأول من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم مثاله الخليل بن أحمد ستة1 رجال ثم أطال في التقاسيم نظما ونثرا

_ 1 الأول: اسم جده عمرو بن تميم البصري النحوي صاحب العروض وأول من استخرجه. الثاني: بصري اسم جده بشر بن المستنير أبو بشر المزني ويقال السلمي. والثالث: بصري أيضا ويروى عن عكرمة. والرابع: اسم جده محمد بن الخليل أبو سعيد السجزى الفقيه الحنفي قاضي سمرقند حدث عن ابن خزيمة وابن صاعد والبغوي وغيرهم. والخامس: اسم جده أيضا محمد بن أحمد ويكنى أيضا أبا سعيد البستى المهلبي الشافعي القاضي. والسادس: اسم جده عبد الله بن أحمد ويكنى أيضا أبا سعيد وهو أيضا بستي شافعي فاشترك مع الذي قبله في أشياء. فتح المغيث للعراقي 4/114. وللسخاوي 4/270: 272.

"ومعرفة تلخيص المتشابه وهو نوع يتركب من النوعين اللذين قبله وهو أن يتفق الإسمان في الخط واللفظ ويفترق اسما أبويهما في بعض ذلك" وقد طول الزين في هذا مثل الأول بموسى بن علي وموسى بن علي الأول مكبر والثاني مصغر وعد جماعة من ذلك. ومثل الثاني وهو عكس الأول بسريج ابن نعمان وشيرح بن النعمان وكلاهما مصغر فالأول بالسين المهملة والجيم وهو سريج بن النعمان بن مروان اللؤلؤي البغدادي روى عنه البخاري وأصحاب السنن والثاني بالشين المعجمة والحاء المهملة شريح النعمان الصائدي الكوفي له في السنن الأربعة حديث واحد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم عد من ذلك أسماء كثيرة. "أو يكون الإتفاق" في الأسماء "في حق الأبوين والاختلاف في حق الإبنين" قد مثلهما الزين وتقريب ابن حجر كافل فيما يحتاج إليه من أمثلة ذلك. "ومعرفة المشتبه المقلوب" قال الزين هذا النوع مما يقع فيه الإشتباه في الذهن لا في الخط وذلك بأن يكون اسم أحد الراويين كاسم أب الآخر خطا ولفظا أو اسم الآخر كاسم أب الأول فينقلب على بعض أهل الحديث كما انقلب على البخاري ترجمة مسلم ابن الوليد المدني فجعله أبوالوليد بن مسلم كالوليد الدمشقي المشهور وخطأه في ذلك أبو حاتم. "و" معرفة "من نسب" بالبناء للمجهول "إلى غير أبيه" قال الزين المنسوبون إلى غير آبائهم على أقسام: الأول: من نسب إلى أمه كبني عفراء وهي أمهم وأسم أبيهم الحارث بن رفاعة بن الحارث من بني المحار شهد بنو عفراء بدرا وقتل منه فيها أثنان. والثاني: من نسب على جده عليا كان أو دنيا كيعلي بن منيه1 الصحابي المشهور اسم أبيه أمية بن عبيد ومنية اسم أم أيبه كما قاله الزبير بن بكار وابن ماكولا وقال الطبري إنها أم يعلي نفسه ورجحه المزي ثم عد أمثلة لبقية الأقسام.

_ 1 منية: بضم الميم ثم نون ساكنةبعدها مثناة تحتانية وهاء تأنيث.

"و" معرفة "المنسوب على خلاف الظاهر" قال الزين قد ينسب الراوي إلى نسبة من مكان أو قبيلة أو ضيغة وليس الظاهر الذي سبق إلى الفهم من تلك النسبة بمراد بل لعارض عرض من نزوله ذلك المكان أو تلك القبيله أونحو ذلك. ومثاله أبو مسعود البدرى واسمه عبيد بن عمرو الأنصارى الخزر جى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يشهد بدرا في قول أكثر أهل العلم ثم ذكر الخلاف في هذا وبقيه أقسام ما ذكره إجمالا. "ومعرفة الميهمات" هو معرفه من ذكر منهما في الحديث وفي الإسناد من الجال والنساء وقد صنف في ذلك جماعه من الحفاظ وذكر من صنف وذكر أمثلة من ذلك. "ومعرفه تاريخ1 الرواة والوفاء" قال الزين2: الحكمه في وضع أهل الحديث التاريخ لوفاة الرواة ومواليدهم وتواريخ السماع وتاريخ قدوم فلان مثلا البلد الفلاني ليختبروا بذلك من ام يعلموا صحة دعواه كما رويناه عن سفيان الثورى قال لما استعمل الناس الكذب استعملنا لهم التاريخ أو كما قال أطال الزين هنا بذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة ثم بقية العشرة وجماعة من أعيان الصحابة والتابعين والأئمه الستة أصحاب الأمهات وجماعة من المشاهير من أئمة الحديث. "ومعرفة الثقات والضعفاء" فإنه من أجل أنواع علوم الحديث فإنه المرقاه إلى التفرقة بين صحيح الحديث وسيقمه وفيه للأئمة تصانيف منها ماأفرد في الضعفاء وصنف فيه البخاري وغيره ومنها ما أفرد للثقات وصنف فيه ابن حبان وابن شاهين وغيرهما.

_ 1 تاريخ: التاريخ في اللغة الإعلام بالوقت ويقال: أرخت الكتاب وورخته أي بينت وقت كتابته. والتاريخ في "الأصطلاح" التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال: من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة وعقل وبدن ورحلة وحج وحفظ وضبط وغير ذلك. "الإعلان بالتوبيخ" ص 20،19. 2 فتح المغيث 133/4.

"ومعرفة من اختلط من الثقات" قال ابن الصلاح: هذا فن عزيز مهم لم يعلم أحد أفراده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا قال زين الدين قلت: وبسب كلام ابن الصلاح أفرده شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي بالتصنيف في جزء حدثتا به ولكنه اختصره ولم يبسط الكلام فيه ثم عد زين الدين جماعة كثيرة من اختلط من الرواة الثقات "ومعرفة طبقات الرواة" قال الزين من المهمات معرفة طبقات الرواة فإنه قد يتفق إسمان في اللفظ فيظن أحدهما الآخر فيتميز ذلك بمعرفة طبقتهما إن كانا من طبقتين فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر وربما عرف ذلك بمن فوقه أو دونه من الرواة ثم ذكر ما يحصل به التمييز وذكر طبقات الصحابة وطبقات التابعين جملة. "ومعرفة الموالي من العلماء والرواة" من المهمات كما قاله الزين معرفة الموالي من العلماء ولارواة وأهم ذلك أنينسب على القبيلة مولى لهم مع إطلاق النسب فربما ظن أنه منهم صليبة بحكم الظاهر من الأطلاق وربما وقع خلل في الأحكام الشرعية في المشروط فيها النسب كالإمامة العظمي والنكاح ونحو ذلك. "ومعرفة أو طان الرواة وبلدانهم" قال الزين مما يحتاج إليه معرفة أوطان الرواة وبلدانهم فإنهم ربما ميز بين الإسمين المتفقين في اللفظ قال وربما حدث للعرب الإنتساب إلى البلاد والأوطان لم اغلب عليها سكني القرى والمدائن وضاع كثير من أنسابها فلم يبق لها غير الإنتساب إلى البلدان وقد كانت العرب تنتسب قبل ذلك إلى القبائل فمن سكن في بلدين وأراد أن ينتسب إليها فليبدأ بالبدلة التي سكنها أولا ثم بالثانية التي انتقل إليها ويحسن أن يأتي بثم في النسبة للبدلة الثانية فيقول المصري ثم الدمشقي ومن كان من أهل قرية من ذي بلدة فجائز أن ينتسب إلى القرية وإلى البلدة أيضا وإلى النحاية التي منها تلك البدلة فمن هو من أهل دار مثلا فله أن يقول الداري والدمشقي والشامي فإذا أراد الجمع بينهما فليبدأ بالأعم فيقول الشامي الدمشقي الداري "فعليك أيها الطلب للحديث بالنظر في علوم الحديث والتأمل لما في تضاعيفها من الفوائد والبحث عما ذكروه فيها" في علوم الحديث "من المصنفات الحوافل" بالحاء

المهملة والفاء يقال نحف الوادي إذا جاء بملء جانبيه والمراد هنا التي جاءت بملئها علوما استعارة "فإنهم إنما وضعوه ليبصروك في علومه ويدلوك على ما صنفوا في ذلك لطالبه والحمد لله الذي حفظ بهم الشريعة وكفانا بهم المؤنة نسأل الله أن يجزيهم عن أفضل ما جزى أمثالهم من أئمة الإسلام والعلماء الأعلام" بيان لأمثالهم ومنهم المصنف رحمه الله تعالى وجزاه خيرا فلقد أفاد وأجاد وأتى فيما جمعه بما هو غاية المراد اللهم وألحقنا بهم تفضيلا واشملنا في جوارهم تطولا وارزقنا خدمة سنة نبيك أبدا ما أحييتنا ووقفنا على العمل بها وتعظيمها إذا توفيتنا والحمد لله أولا وآخرا حمدا يدوم بدوام الله على جميع نعمه. قال المصنف رحمه الله انتهى تبييض هذا الشرح من المسودة عقيب صلاة العصر يوم الخميس لعله سادس وعشرين شهر شعبان من شهور سنة 1166 وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه. قال في الأم المنقول منها إنه فرغ من تحصيلها تاسع شهر جماد أول من شهور سنة 1180 وصلى الله وسلم على النبي الأمي الطاهر الزكي وعلى آله الطاهرين في كل وقت وأوان وحين آمين.

§1/1