توجيه النظر إلى أصول الأثر

طاهِر الجزائري

الجزء 1

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى أما بعد فَهَذِهِ فُصُول جليلة الْمِقْدَار ينْتَفع بهَا الْمطَالع فِي كتب الحَدِيث وَكتب السّير وَالْأَخْبَار وأكثرها مَنْقُول من كتب أصُول الْفِقْه وأصول الحَدِيث الْفَصْل الأول عنوان فِي بَيَان معنى الحَدِيث الحَدِيث أَقْوَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفعاله وَيدخل فِي أَفعاله تَقْرِيره وَهُوَ عدم إِنْكَاره لأمر رَآهُ أَو بلغه عَمَّن يكون منقادا للشَّرْع وَأما مَا يتَعَلَّق بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْأَحْوَال فَإِن كَانَت اختيارية فَهِيَ دَاخِلَة فِي الْأَفْعَال وَإِن كَانَت غير اختيارية كالحلية لم تدخل فِيهِ إِذْ لَا يتَعَلَّق بهَا حكم يتَعَلَّق بِنَا وَهَذَا التَّعْرِيف هُوَ الْمَشْهُور عِنْد عُلَمَاء أصُول الْفِقْه وَهُوَ الْمُوَافق لفنهم وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى إِدْخَال كل مَا يُضَاف إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الحَدِيث فَقَالَ فِي تَعْرِيفه علم الحَدِيث أَقْوَال النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وأفعاله وأحواله وَهَذَا التَّعْرِيف هُوَ الْمَشْهُور عِنْد عُلَمَاء الحَدِيث وَهُوَ الْمُوَافق لفنهم فَيدْخل فِي ذَلِك أَكثر مَا يذكر فِي كتب السِّيرَة كوقت ميلاده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ومكانه وَنَحْو ذَلِك

وَقد رَأَيْت أَن أذكر هُنَا فَائِدَة تَنْفَع الْمطَالع فِي كثير من الْمَوَاضِع وَهِي أَن مثل هَذَا يعد من قبيل اخْتِلَاف الْعبارَات لَا اخْتِلَاف الاعتبارات وَهُوَ لَيْسَ من قبيل الِاخْتِلَاف فِي الْحَقِيقَة كَمَا يتوهمه الَّذين لَا يمعنون النّظر فَإِنَّهُم كلما رَأَوْا اخْتِلَافا فِي الْعبارَة عَن شَيْء مَا سَوَاء كَانَ فِي تَعْرِيف أَو تَقْسِيم أَو غير ذَلِك حكمُوا بِأَن هُنَاكَ اخْتِلَافا فِي الْحَقِيقَة وَإِن لم تكن تِلْكَ الْعبارَات مُخْتَلفَة فِي الْمَآل وَقد نَشأ عَن ذَلِك أغلاط لَا تحصى سرى كثير مِنْهَا إِلَى أنَاس من الْعلمَاء الْأَعْلَام فَذكرُوا الِاخْتِلَاف فِي مَوَاضِع لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاف اعْتِمَادًا على من سبقهمْ إِلَى نَقله وَلم يخْطر فِي بالهم أَن الَّذين عولوا عَلَيْهِم قد نقلوا الْخلاف بِنَاء على فهمهم وَلم ينتبهوا إِلَى وهمهم وَكَثِيرًا مَا انتبهوا إِلَى ذَلِك بعد حِين فنبهوا عَلَيْهِ وَذَلِكَ عِنْد وقوفهم على الْعبارَات الَّتِي بنى الِاخْتِلَاف عَلَيْهَا النَّاقِل الأول وَقد حمل هَذَا الْأَمر كثرا مِنْهُم إِلَى فرط الحذر حِين النَّقْل وَقد أَشَارَ إِلَى نَحْو مَا ذكرنَا الإِمَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية فِي رسَالَته فِي قَوَاعِد التَّفْسِير فَقَالَ الْخلاف بَين السّلف فِي التَّفْسِير قَلِيل وغالب مَا يَصح عَنْهُم من الْخلاف يرجع إِلَى اخْتِلَاف تنوع لَا اخْتِلَاف تضَاد وَذَلِكَ صنفان أَحدهمَا أَن يعبر وَاحِد مِنْهُم عَن المُرَاد بِعِبَارَة غير عبارَة صَاحبه تدل عل معنى فِي الْمُسَمّى غير الْمَعْنى الآخر مَعَ اتِّحَاد الْمُسَمّى كتفسير بَعضهم الصِّرَاط الْمُسْتَقيم بِالْقُرْآنِ أَي اتِّبَاعه وَتَفْسِير بَعضهم لَهُ بِالْإِسْلَامِ فالقولان متفقان لِأَن دين الْإِسْلَام هُوَ اتِّبَاع الْقُرْآن لَكِن كل مِنْهُمَا نبه على وصف غير وصف الآخر كَمَا أَن لفظ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم يشْعر بِوَصْف ثَالِث

وَكَذَلِكَ قَول من قَالَ هُوَ السّنة وَالْجَمَاعَة وَقَول من قَالَ هُوَ طَرِيق الْعُبُودِيَّة وَقَول من قَالَ هُوَ طَاعَة الله وَرَسُوله وأمثال ذَلِك فَهَؤُلَاءِ كلهم أشاروا إِلَى ذَات وَاحِدَة وَلَكِن وصفهَا كل مِنْهُم بِصفة من صفاتها الثَّانِي أَن يذكر كل مِنْهُم من الِاسْم الْعَام بعض أَنْوَاعه على سَبِيل التَّمْثِيل وتنبيه المستمع على النَّوْع لَا على سَبِيل الْحَد المطابق للمحدود فِي عُمُومه وخصوصه مِثَاله مَا نقل فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا} الْآيَة فمعلوم أَن الظَّالِم لنَفسِهِ يتَنَاوَل المضيع للواجبات والمنتهك للحرمات والمقتصد يتَنَاوَل فَاعل الْوَاجِبَات وتارك الْمُحرمَات وَالسَّابِق يدْخل فِيهِ من سبق فتقرب بِالْحَسَنَاتِ مَعَ الْوَاجِبَات فالمقتصدون أَصْحَاب الْيَمين وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون ثمَّ إِن كلا مِنْهُم يذكر فِي هَذَا نوعا من أَنْوَاع الطَّاعَات كَقَوْل الْقَائِل السَّابِق الَّذِي يُصَلِّي فِي أول الْوَقْت والمقتصد الَّذِي يُصَلِّي فِي أَثْنَائِهِ والظالم لنَفسِهِ الَّذِي يُؤَخر الْعَصْر إِلَى الاصفرار أَو يَقُول السَّابِق المحسن بِالصَّدَقَةِ مَعَ الزَّكَاة والمقتصد الَّذِي يُؤَدِّي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة فَقَط والظالم مَانع الزَّكَاة ثمَّ قَالَ وَمن أَقْوَال الْمَأْخُوذَة عَنْهُم ويجعلها بعض النَّاس اخْتِلَافا أَن يعبروا عَن الْمعَانِي بِأَلْفَاظ مُتَقَارِبَة كَمَا إِذا فسر بَعضهم {تبسل} بتحبس وَبَعْضهمْ بترتهن لِأَن كلا مِنْهُمَا قريب من الآخر اهـ وَقَالَ بعض الْعلمَاء فِي كتاب ألفة فِي أصُول التَّفْسِير قد يحْكى عَن التَّابِعين عِبَارَات مُخْتَلفَة الْأَلْفَاظ فيظن من لَا فهم عِنْده أَن ذَلِك اخْتِلَاف مُحَقّق فيحكيه

أقوالا وَلَيْسَ كَذَلِك بل يكون كل وَاحِد مِنْهُم ذكر معنى من مَعَاني الْآيَة لكَونه أظهر عِنْده أَو أليق بِحَال السَّائِل وَقد يكون بَعضهم يخبر عَن الشَّيْء بلازمه وَنَظِيره وَالْآخر بثمرته ومقصوده وَالْكل يؤول إِلَى معنى وَاحِد غَالِبا اهـ ولنرجع إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول قد عرفت أَن الحَدِيث مَا أضيف إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَيخْتَص بالمرفوع عِنْد الْإِطْلَاق وَلَا يُرَاد بِهِ الْمَوْقُوف إِلَّا بقرينه وَأما الْخَبَر فَإِنَّهُ أَعم لِأَنَّهُ يُطلق على الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف فَيشْمَل مَا أضيف إِلَى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَعَلِيهِ يُسمى كل حَدِيث خَبرا وَلَا يُسمى كل خبر حَدِيثا وَقد أطلق بعض الْعلمَاء الحَدِيث على الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف فَيكون مرادفا للْخَبَر وَقد خص بَعضهم الحَدِيث بِمَا جَاءَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْخَبَر بِمَا جَاءَ عَن غَيره فَيكون مباينا للْخَبَر وَأما الْأَثر فَإِنَّهُ مرادف للْخَبَر فيطلق على الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف وفقهاء خُرَاسَان يسمون الْمَوْقُوف بالأثر وَالْمَرْفُوع بالْخبر وَأما السّنة فَتطلق فِي الْأَكْثَر على مَا أضيف إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قَول أَو فعل أَو تَقْرِير فَهِيَ مرادفة للْحَدِيث عِنْد عُلَمَاء الْأُصُول وَهِي أَعم مِنْهُ عِنْد من خص الحَدِيث بِمَا أضيف إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قَول فَقَط وعَلى ذَلِك يحمل قَوْلهم اخْتلف فِي جَوَاز رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى فَيَنْبَغِي للطَّالِب أَن يعرف اخْتِلَاف الْعرف هُنَا ليأمن الزلل وَبِمَا ذكرنَا من أَن بعض الْمُحدثين قد يُطلق الحَدِيث على الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف يَزُول الْإِشْكَال الَّذِي يعرض لكثير من النَّاس عِنْدَمَا يحْكى لَهُم أَن فلَانا كَانَ يحفظ سبع مئة ألف حَدِيث صَحِيح فَإِنَّهُم مَعَ استبعادهم ذَلِك يَقُولُونَ أَيْن تِلْكَ الْأَحَادِيث وَلم لم تصل إِلَيْنَا وهلا نقل الْحفاظ وَلَو مِقْدَار عشرهَا وَكَيف سَاغَ لَهُم أَن يهملوا أَكثر مَا ثَبت عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ أَن مَا اشتهروا بِهِ من فرط الْعِنَايَة

بِالْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَن لَا يتْركُوا مَعَ الْإِمْكَان شَيْئا مِنْهُ ولنذكر لَك شَيْئا مِمَّا رُوِيَ فِي قدر حفظ الْحفاظ نقل عَن الْأَمَام أَحْمد أَنه صَحَّ من الحَدِيث سبع مائَة ألف وَكسر وَهَذَا الْفَتى يَعْنِي أَبَا زرْعَة قد حفظ سبع مئة ألف قَالَ الْبَيْهَقِيّ أَرَادَ مَا صَحَّ من الْأَحَادِيث وأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عمر الرَّازِيّ الْحَافِظ كَانَ أَبُو زرْعَة يحفظ سبع مئة ألف حَدِيث وَكَانَ يحفظ مئة وَأَرْبَعين ألفا فِي التَّفْسِير وَنقل عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ أحفظ مئة ألف حَدِيث صَحِيح ومئتي ألف حَدِيث غير صَحِيح وَنقل عَن مُسلم أَنه قَالَ صنفت هَذَا الْمسند الصَّحِيح من ثَلَاث مئة ألف حَدِيث مسموع وَمِمَّا يرفع استغرابك لما نقل عَن أبي زرْعَة من أَنه كَانَ يحفظ مئة وَأَرْبَعين ألف حَدِيث فِي التَّفْسِير أَن {النَّعيم} فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قد ذكر الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ عشرَة أَقْوَال كل قَول مِنْهَا يُسمى حَدِيثا فِي عرف من جعله بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وَأَن {الماعون} فِي قَوْله تَعَالَى {فويل للمصلين الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون الَّذين هم يراؤون وَيمْنَعُونَ الماعون} قد ذكرُوا فِيهِ سِتَّة أَقْوَال كل قَول مِنْهَا مَا عدا السَّادِس يعد حَدِيثا كَذَلِك

قَالَ الْعَلامَة أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الْجَوْزِيّ فِي تَفْسِيره الْمُسَمّى ب زَاد الْمسير فِي تَفْسِير سُورَة التكاثر وللمفسرين فِي المُرَاد بالنعيم عشرَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه الْأَمْن وَالصِّحَّة رَوَاهُ ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتارَة يَأْتِي مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَبِه قَالَ مُجَاهِد وَالشعْبِيّ وَالثَّانِي أَنه المَاء الْبَارِد رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالثَّالِث أَنه خبز الْبر وَالْمَاء العذب قَالَه أَبُو أُمَامَة وَالرَّابِع أَنه ملاذ الْمَأْكُول والمشروب قَالَه جَابر بن عبد الله وَالْخَامِس أَنه صِحَة الْأَبدَان والأسماع والأبصار قَالَه ابْن عَبَّاس وَقَالَ قَتَادَة هُوَ الْعَافِيَة وَالسَّادِس أَنه الْغَدَاء وَالْعشَاء قَالَه الْحسن وَالسَّابِع الصِّحَّة والفراغ قَالَه عِكْرِمَة وَالثَّامِن كل شَيْء من لَذَّة الدُّنْيَا قَالَه مُجَاهِد وَالتَّاسِع أَنه إنعام الله على الْخلق بإرسال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه الْقرظِيّ والعاشر أَنه صنوف النعم قَالَه مقَاتل وَالصَّحِيح أَنه عَام فِي كل نعيم وعام فِي جَمِيع الْخلق فالكافر يسْأَل توبيخا إِذْ لم يشْكر الْمُنعم وَلم يوحده وَالْمُؤمن يسْأَل عَن شكر النعم

وَقَالَ فِي تَفْسِير سُورَة الدّين وَفِي {الماعون} سِتَّة أَقْوَال أَحدهَا أَنه الإبرة وَالْمَاء وَالنَّار والفأس وَمَا يكون فِي الْبَيْت من هَذَا النَّحْو رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى نَحْو هَذَا ذهب ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة وروى عَنهُ أَبُو صَالح أَنه قَالَ الماعون الْمَعْرُوف كُله حَتَّى ذكر الْقدر والقصعة والفأس وَقَالَ عِكْرِمَة لَيْسَ الويل لمن منع هَذَا وَإِنَّمَا الويل لمن جمعهن فراءى فِي صلَاته وسها عَنْهَا وَمنع هَذَا قَالَ الزّجاج والماعون فِي الْجَاهِلِيَّة كل مَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَة كالفأس وَالْقدر والدلو والقداحة وَنَحْو ذَلِك وَفِي الْإِسْلَام أَيْضا وَالثَّانِي أَنه الزَّكَاة قَالَه عَليّ وَابْن عمر وَالْحسن وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالثَّالِث أَنه الطَّاعَة قَالَه ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة وَالرَّابِع المَال قَالَه سعيد بن الْمسيب وَالزهْرِيّ وَالْخَامِس الْمَعْرُوف قَالَه مُحَمَّد بن كَعْب وَالسَّادِس المَاء ذكره الْفراء عَن بعض الْعَرَب اهـ هَذَا وَقد اعْترض بعض النَّاس على المؤلفين الَّذين ينقلون فِي الْمَسْأَلَة جَمِيع الْأَقْوَال الَّتِي وقفُوا عَلَيْهَا كَمَا فعله بعض عُلَمَاء التَّفْسِير وعلماء الْأُصُول وَمن نحا نحوهم وَذَلِكَ لجهلهم باخْتلَاف أغراض المصنفين ومقاصدهم ولتوهمهم أَن طَرِيق التَّأْلِيف يجب أَن لَا يُخَالف مَا تخيلوه فِي أذهانهم وَقد أحببنا أَن نختم هَذَا الْفَصْل بِالْجَوَابِ عَن اعتراضهم فَنَقُول إِن تِلْكَ الْأَقْوَال إِن كَانَت مُخْتَلفَة فِي الْمَآل عرف النَّاظر الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة

وَفِي معرفَة الْخلاف فَائِدَة لَا تنكر وَكَثِيرًا مَا يستنبط من أمعن النّظر فِيهَا قولا آخر يُوَافق كل وَاحِد من الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة من بعض الْوُجُوه وَكَثِيرًا مَا يكون أقوى من كل وَاحِد مِنْهَا وأقوم وَقد وَقع ذَلِك فِي مسَائِل لَا تحصى فِي عُلُوم شَتَّى وَإِن كَانَت تِلْكَ الْأَقْوَال غير مُخْتَلفَة فِي الْمَآل كَانَ من توارد الْعبارَات الْمُخْتَلفَة على الشَّيْء الْوَاحِد وَفِي ذَلِك من رسوخ الْمَسْأَلَة فِي النَّفس ووضوح أمرهَا مَا لَا يكون فِي الْعبارَة الْوَاحِدَة على أَن بعض الْعبارَات رُبمَا كَانَ فِيهَا شَيْء من الْإِبْهَام أَو الْإِيهَام فيزول ذَلِك بغَيْرهَا وَقد يكون بَعْضهَا أقرب إِلَى فهم بعض الناظرين فكثيرا مَا تعرض عبارتان متحدتا الْمَعْنى لاثْنَيْنِ تكون إِحْدَاهمَا أقرب إِلَى فهم أَحدهمَا وَالْأُخْرَى أقرب إِلَى فهم الآخر وَهَذَا مشَاهد بالعيان لَا يحْتَاج إِلَى برهَان وَمن ثمَّ ترى بعض المؤلفين قد يأْتونَ بِعِبَارَة ثمَّ إِذا بدا لَهُم أَن بعض المطالعين رُبمَا لم يفهمها أَتَوا بِعِبَارَة أُخْرَى وأشاروا إِلَى ذَلِك وَإِذا عرفت هَذَا تبين لَك أَن مثل هَؤُلَاءِ المعترضين مثل غر جال فِي الْأَسْوَاق فَصَارَ كلما رأى شَيْئا لم يشْعر بفائدته أَو لم تدع حَاجته إِلَيْهِ عد وجوده عَبَثا وسفه رَأْي عماله والراغبين فِيهِ وَكَانَ الأجدر بِهِ أَن يقبل على مَا يعنيه ويعرض عَمَّا لَا يعنيه وَكَأن كثيرا مِنْهُم يظنّ أَن الِاعْتِرَاض على أَي وَجه كَانَ يدل على الْعلم والنباهة مَعَ انه كثيرا مَا يدل على الْجَهْل والبلاهة وَلَا نُرِيد بِمَا ذكرنَا سد بَاب الِاعْتِرَاض على المؤلفين والمؤلفات بل صد الَّذين بتعرضون لذَلِك ببادىء الرَّأْي لَا غير وَإِلَّا فالاعتراض إِذا كَانَ معقولا لَا يُنكر بل قد يحمد عَلَيْهِ صَاحبه ويشكر

الفصل الثاني

الْفَصْل الثَّانِي فِي سَبَب جمع الحَدِيث فِي الصُّحُف وَمَا يُنَاسب ذَلِك كَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لَا يَكْتُبُونَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير الْقُرْآن أخرج مُسلم فِي صَحِيحه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تكْتبُوا عني وَمن كتب عني غير الْقُرْآن فليمحه وَحَدثُوا عني فَلَا حرج وَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار قَالَ كثير من الْعلمَاء نَهَاهُم عَن كِتَابَة الحَدِيث خشيَة اخْتِلَاطه بِالْقُرْآنِ وَهَذَا لَا يُنَافِي جَوَاز كِتَابَته إِذا أَمن اللّبْس وَبِذَلِك يحصل الْجمع بَين هَذَا وَبَين قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ ايتوني بِكِتَاب أكتب لكم كتابا لَا تضلوا بعده وَقَوله اكتبوا لأبي شاه وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث وَلما توفّي النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَادر الصَّحَابَة إِلَى جمع مَا كتب فِي عَهده فِي مَوضِع وَاحِد وَسموا ذَلِك الْمُصحف واقتصروا على ذَلِك وَلم يتجاوزوه إِلَى كِتَابَة الحَدِيث وَجمعه فِي مَوضِع وَاحِد كَمَا فعلوا بِالْقُرْآنِ لَكِن صرفُوا هممهم إِلَى نشره بطرِيق الرِّوَايَة إِمَّا بِنَفس الْأَلْفَاظ الَّتِي سمعوها مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن بقيت فِي أذهانهم أَو بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا إِن غَابَتْ عَنْهُم فَإِن الْمَقْصُود بِالْحَدِيثِ هُوَ الْمَعْنى وَلَا يتَعَلَّق فِي الْغَالِب حكم بالمبنى بِخِلَاف الْقُرْآن فَإِن لألفاظه مدخلًا فِي الإعجاز فَلَا يجوز إِبْدَال لفظ مِنْهُ بِلَفْظ آخر وَلَو كَانَ مرادفا لَهُ خشيَة النسْيَان مَعَ طول الزَّمَان فَوَجَبَ أَن يُقيد بِالْكِتَابَةِ وَلَا يكْتَفى فِيهِ بِالْحِفْظِ

قَالَ الإِمَام الْخطابِيّ فِي كِتَابه فِي إعجاز الْقُرْآن إِنَّمَا يقوم الْكَلَام بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة لفظ حَامِل وَمعنى قَائِم بِهِ ورباط لَهما ناظم وَإِذا تَأَمَّلت الْقُرْآن وجدت هَذِه الْأُمُور مِنْهُ فِي غَايَة الشّرف والفضيلة حَتَّى لَا ترى شَيْئا من الْأَلْفَاظ أفْصح وَلَا أجزل وَلَا أعذب من أَلْفَاظه وَلَا ترى نظما أحسن تأليفا وَأَشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه وَأما مَعَانِيه فَكل ذِي لب يشْهد لَهَا بالتقدم فِي أبوابه والترقي إِلَى أَعلَى درجاته وَقد تُوجد هَذِه الْفَضَائِل الثَّلَاث على التَّفَرُّق فِي أَنْوَاع الْكَلَام فَأَما أَن تُوجد مَجْمُوعَة فِي نوع وَاحِد مِنْهُ فَلم تُوجد إِلَّا فِي كَلَام الْعَلِيم الْقَدِير فَخرج من هَذَا أَن الْقُرْآن إِنَّمَا صَار معجزا لِأَنَّهُ جَاءَ بأفصح الْأَلْفَاظ فِي أحسن نظم فِي التَّأْلِيف مضمنا أصح الْمعَانِي من تَوْحِيد الله تَعَالَى وتنزيه لَهُ فِي ذَاته وَصِفَاته وَدُعَاء إِلَى طَاعَته وَبَيَان لطريق عِبَادَته وَمن تَحْلِيل وَتَحْرِيم وحظر وَإِبَاحَة وَمن وعظ وتقويم وَأمر بِمَعْرُوف وَنهي عَن مُنكر وإرشاد إِلَى محَاسِن الْأَخْلَاق وزجر عَن مساويها وَاضِعا كل شَيْء مِنْهَا مَوْضِعه الَّذِي لَا يرى شَيْء أولى مِنْهُ وَلَا يتَوَهَّم فِي صُورَة الْعقل أَمر أليق بِهِ مِنْهُ مودعا أَخْبَار الْقُرُون الْمَاضِيَة وَمَا نزل من مثلات الله بِمن مضى وعاند مِنْهُم منبئا عَن الكوائن المستقبلية فِي الْأَعْصَار الْآتِيَة من الزَّمَان جَامعا بَين الْحجَّة والمحتج لَهُ وَالدَّلِيل والمدلول عَلَيْهِ ليَكُون ذَلِك آكِد للُزُوم مَا دَعَا إِلَيْهِ وأنبأ عَن وجوب مَا أَمر بِهِ وَنهى عَنهُ وَمَعْلُوم أَن الْإِتْيَان بِمثل هَذِه الْأُمُور وَالْجمع بَين أشتاتها حَتَّى تنتظم وتتسق أَمر تعجز عَنهُ قوى الْبشر وَلَا تبلغه قدرتهم فَانْقَطع الْخلق دونه وعجزوا عَن معارضته بِمثلِهِ أَو مناقضته فِي شكله اهـ

وَقَالَ إِمَام الْمُتَكَلِّمين على طَريقَة السّلف تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية فِي الرسَالَة الملقبة بالتسعينية وَهِي رِسَالَة تبلغ مجلدا كَبِيرا ألفها فِي الرَّد على الْمُتَكَلِّمين على طَريقَة الْخلف فِي مَسْأَلَة الْكَلَام فِي الْوَجْه الثَّالِث وَالسِّتِّينَ وَيجب أَن يعلم أصلان عظيمان أَحدهمَا أَن الْقُرْآن لَهُ بِهَذَا اللَّفْظ وَالنّظم الْعَرَبِيّ اخْتِصَاص لَا يُمكن أَن يماثله فِي ذَلِك شَيْء أصلا أَعنِي خَاصَّة فِي اللَّفْظ وخاصة فِيمَا دلّ عَلَيْهِ من الْمَعْنى وَلِهَذَا لَو فسر الْقُرْآن أَو ترْجم فالتفسير والترجمة قد يَأْتِي بِأَصْل الْمَعْنى أَو بِمَا يقرب مِنْهُ وَأما الْإِتْيَان بِلَفْظ يبين الْمَعْنى كبيان لفظ الْقُرْآن فَهَذَا غير مُمكن أصلا وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّة الدّين على أَنه لَا يجوز أَن يقْرَأ بِغَيْر الْعَرَبيَّة لَا مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَلَا مَعَ الْعَجز عَنْهَا لِأَن ذَلِك يُخرجهُ عَن أَن يكون هُوَ الْقُرْآن الْمنزل وَلَكِن يجوز تَرْجَمته كَمَا يجوز تَفْسِيره وَإِن لم تجز قِرَاءَته بِأَلْفَاظ التَّفْسِير وَهِي إِلَيْهِ أقرب من أَلْفَاظ التَّرْجَمَة بِأَلْفَاظ أُخْرَى الأَصْل الثَّانِي أَنه إِذا ترْجم أَو قرئَ بالترجمة فَلهُ معنى يخْتَص بِهِ لَا يماثله فِيهِ كَلَام أصلا وَمَعْنَاهُ أَشد مباينة لسَائِر مَعَاني الْكَلَام من مباينة لَفظه ونظمه لسَائِر اللَّفْظ وَالنّظم والإعجاز فِي مَعْنَاهُ أعظم بِكَثِير كثير من الإعجاز فِي لَفظه وَقَوله تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} يتَنَاوَل ذَلِك كُله انْتهى هَذَا وَلم يزل أَمر الحَدِيث فِي عصر الصَّحَابَة وَأول عصر التَّابِعين على مَا ذكرنَا وَلما أفضت الْخلَافَة إِلَى من قَامَ بِحَقِّهَا عمر بن عبد الْعَزِيز أَمر بِكِتَابَة

الحَدِيث وَكَانَت مبايعته بالخلافة فِي صفر سنة تسع وَتِسْعين ووفاته لخمس بَقينَ من رَجَب سنة إِحْدَى ومئة وعاش أَرْبَعِينَ سنة وأشهرا وَكَانَ مَوته بالسم فَإِن بني أُميَّة ظهر لَهُم أَنه إِن امتدت أَيَّامه أخرج الْأَمر من أَيْديهم وَلم يعْهَد بِهِ إِلَّا لمن يصلح لَهُ فعاجلوه قَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي كتاب الْعلم وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أبي بكر بن حزم انْظُر مَا كَانَ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاكتبه فَإِنِّي خفت دروس الْعلم وَذَهَاب الْعلمَاء وَأَبُو بكر هَذَا كَانَ نَائِب عمر بن عبد الْعَزِيز فِي الإمرة وَالْقَضَاء على الْمَدِينَة روى عَن السَّائِب بن يزِيد وَعباد بن تَمِيم وَعَمْرو بن سليم الزرقي وروى عَن خَالَته عمْرَة وَعَن خالدة ابْنة أنس وَلها صُحْبَة قَالَ مَالك لم يكن أحد بِالْمَدِينَةِ عِنْده من علم الْقَضَاء مَا كَانَ عِنْد أبي بكر بن حزم وَكتب إِلَيْهِ عمر بن عبد الْعَزِيز أَن يكْتب لَهُ من الْعلم مَا عِنْد عمْرَة وَالقَاسِم فَكَتبهُ لَهُ وَأخذ عَنهُ معمر وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَابْن أبي ذِئْب وَابْن إِسْحَاق وَغَيرهم وَكَانَت وَفَاته فِيمَا قَالَه الْوَاقِدِيّ وَابْن سعد وَجَمَاعَة سنة عشْرين ومئة وَأول من دون الحَدِيث بِأَمْر عمر بن عبد الْعَزِيز مُحَمَّد بن مُسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهَاب الزُّهْرِيّ الْمدنِي أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وعالم أهل الْحجاز وَالشَّام أَخذ عَن ابْن عمر وَسَهل بن سعد وَأنس بن مَالك ومحمود بن الرّبيع وَسَعِيد بن الْمسيب وَأبي أُمَامَة بن سهل وطبقتهم من صغَار الصَّحَابَة وكبار التَّابِعين

وَأخذ عَنهُ معمر وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَابْن أبي ذِئْب وَغَيرهم ولد سنة خمسين وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين ومئة قَالَ عبد الرَّزَّاق سَمِعت معمرا يَقُول كُنَّا نرى أَنا قد أكثرنا عَن الزُّهْرِيّ حَتَّى قتل الْوَلِيد بن يزِيد فَإِذا الدفاتر قد حملت على الدَّوَابّ من خزائنه يَقُول من علم الزُّهْرِيّ ثمَّ شاع التدوين فِي الطَّبَقَة الَّتِي تلِي طبقَة الزُّهْرِيّ ولوقوع ذَلِك فِي كثير من الْبِلَاد وشيوعه بَين النَّاس اعتبروه الأول فَقَالُوا كَانَت الْأَحَادِيث فِي عصر الصَّحَابَة وكبار التَّابِعين غير مدونة فَلَمَّا انتشرت الْعلمَاء فِي الْأَمْصَار وشاع الابتداع دونت ممزوجة بأقوال الصَّحَابَة وفتاوى التَّابِعين وَأول من جمع ذَلِك ابْن جريح بِمَكَّة وَابْن إِسْحَاق أَو مَالك بِالْمَدِينَةِ وَالربيع بن صبيح أَو سعيد بن أبي عرُوبَة أَو حَمَّاد بن سَلمَة بِالْبَصْرَةِ وسُفْيَان الثَّوْريّ بِالْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام وهشيم بواسط وَمعمر بِالْيمن وَجَرِير بن عبد الحميد بِالريِّ وَابْن الْمُبَارك بخراسان وَكَانَ هَؤُلَاءِ فِي عصر وَاحِد وَلَا يدْرِي أَيهمْ سبق قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِن مَا ذكر إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجمع فِي الْأَبْوَاب وَأما جمع حَدِيث إِلَى مثله فِي بَاب وَاحِد فقد سبق إِلَيْهِ الشّعبِيّ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ هَذَا بَاب من الطَّلَاق جسيم وسَاق فِيهِ أَحَادِيث اهـ وتلا الْمَذْكُورين كثير من أهل عصرهم إِلَى أَن رأى بعض الْأَئِمَّة إِفْرَاد أَحَادِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة وَذَلِكَ على رَأس المئتين فصنف عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي الْكُوفِي مُسْندًا وصنف مُسَدّد الْبَصْرِيّ مُسْندًا وصنف أَسد بن مُوسَى مُسْندًا وصنف نعيم بن حَمَّاد الْخُزَاعِيّ مُسْندًا

ثمَّ اقتفى الْحفاظ آثَارهم فصنف الإِمَام أَحْمد مُسْندًا وَكَذَلِكَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيرهم وَلم يزل التَّأْلِيف فِي الحَدِيث مُتَتَابِعًا إِلَى أَن ظهر الإِمَام البُخَارِيّ وبرع فِي علم الحَدِيث وَصَارَ لَهُ فِيهِ الْمنزلَة الَّتِي لَيْسَ فَوْقهَا منزلَة فَأَرَادَ أَن يجرد الصَّحِيح ويجعله فِي كتاب على حِدة ليخلص طَالب الحَدِيث من عناء الْبَحْث وَالسُّؤَال فألف كِتَابه الْمَشْهُور وَأورد فِيهِ مَا تبين لَهُ صِحَّته وَكَانَت الْكتب قبله ممزوجا فِيهَا الصَّحِيح بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يتَبَيَّن للنَّاظِر فِيهَا دَرَجَة الحَدِيث من الصِّحَّة إِلَّا بعد الْبَحْث عَن أَحْوَال رُوَاته وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث فَإِن لم يكن لَهُ وقُوف على ذَلِك اضْطر إِلَى أَن يسْأَل أَئِمَّة الحَدِيث عَنهُ فَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ ذَلِك بَقِي ذَلِك الحَدِيث مَجْهُول الْحَال عِنْده واقتفى أثر الإِمَام البُخَارِيّ فِي ذَلِك الإِمَام مُسلم بن الْحجَّاج وَكَانَ من الآخذين عَنهُ والمستفيدين مِنْهُ فألف كِتَابه الْمَشْهُور ولقب هَذَانِ الكتابان بالصحيحين فَعظم انْتِفَاع النَّاس بهما وَرَجَعُوا عِنْد الِاضْطِرَاب إِلَيْهِمَا وألفت بعدهمَا كتب لَا تحصى فَمن أَرَادَ الْبَحْث عَنْهَا فَليرْجع إِلَى مظان ذكرهَا هَذَا وَقد توهم أنَاس مِمَّا ذكر آنِفا أَنه لم يُقيد فِي عصر الصَّحَابَة وأوائل عصر التَّابِعين بِالْكِتَابَةِ شَيْء غير الْكتاب الْعَزِيز وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فقد ذكر بعض الْحفاظ أَن زيد بن ثَابت ألف كتابا فِي علم الْفَرَائِض وَذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَن عبد الله بن عَمْرو كَانَ يكْتب الحَدِيث فَإِنَّهُ روى عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ مَا من أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ

وَسلم أَكثر حَدِيثا عَنهُ مني إِلَّا مَا كَانَ من عبد الله بن عَمْرو فَإِنَّهُ كَانَ يكْتب وَلَا أكتب وَذكر مُسلم فِي صَحِيحه كتابا ألف فِي عهد ابْن عَبَّاس فِي قَضَاء عَليّ فَقَالَ حَدثنَا دَاوُد بن عَمْرو الضَّبِّيّ حَدثنَا نَافِع بن عمر عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ كتبت إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله أَن يكْتب لي كتابا ويخفي عني فَقَالَ ولد نَاصح أَنا أخْتَار لَهُ الْأُمُور اخْتِيَارا وأخفي عَنهُ قَالَ فَدَعَا بِقَضَاء عَليّ فَجعل يكْتب مِنْهُ أَشْيَاء ويمر بِهِ الشَّيْء فَيَقُول وَالله مَا قضى بِهَذَا عَليّ إِلَّا أَن يكون ضل وَحدثنَا عَمْرو النَّاقِد حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن هِشَام بن حُجَيْر عَن طَاوس قَالَ أُتِي ابْن عَبَّاس بِكِتَاب فِيهِ قَضَاء عَليّ فمحاه إِلَّا قدر وَأَشَارَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة بذراعه حَدثنَا حسن بن عَليّ الْحلْوانِي حَدثنَا يحيى بن آدم حَدثنَا ابْن إِدْرِيس عَن الْأَعْمَش عَن أبي إِسْحَاق قَالَ لما أَحْدَثُوا تِلْكَ الْأَشْيَاء بعد عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ رجل من أَصْحَاب عَليّ قَاتلهم الله أَي علم أفسدوا وَحدثنَا عَليّ بن خشرم أخبرنَا أَبُو بكر يَعْنِي ابْن عَيَّاش قَالَ سَمِعت الْمُغيرَة يَقُول لم يكن يصدق على عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الحَدِيث عَنهُ إِلَّا من أَصْحَاب عبد الله بن مَسْعُود اهـ

قَوْله ويخفي عني وأخفي عَنهُ هما بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَقد ظن بَعضهم أَنَّهُمَا بِالْحَاء من الإحفاء بِمَعْنى الإلحاح أَو الِاسْتِقْصَاء وَجعل عَن بِمَعْنى على وَلَا يخفى مَا فِي ذَلِك من التعسف يُرِيد أَنه يكتم عَنهُ أَشْيَاء مِمَّا يخْشَى إِذا ظَهرت أَن يحصل مِنْهَا قيل وَقَالَ من النواصب والخوارج وناهيك بشوكتهما فِي ذَلِك الْعَصْر وبفرط ميلهما لمشاقة الإِمَام المرتضى فَاخْتَارَ عدم كِتَابَة ذَلِك دفا للمحذور مَعَ أَن هَذَا النَّوْع رُبمَا كَانَ مِمَّا لَا يلْزم السَّائِل مَعْرفَته وَإِن كَانَ مِمَّا يضْطَر إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمكنهُ أَن يحصل عَلَيْهِ بطرِيق المشافهة وَأَرَادَ بقوله وَالله مَا قضى عَليّ بِهَذَا إِلَّا أَن يكون ضل أَنه لم يقْض بِهِ لِأَنَّهُ لم يضل وَالظَّاهِر أَن الْكتاب الَّذِي محاه إِلَّا قدر ذِرَاع مِنْهُ كَانَ على هَيْئَة درج مستطيل وَابْن أبي مليكَة الْمَذْكُور هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمَكِّيّ قَاضِي مَكَّة فِي زمن ابْن الزبير وَكَانَ إِمَامًا فَقِيها فصيحا مفوها اتَّفقُوا على توثيقه روى عَنهُ ابْن جريح وَنَافِع بن عمر الجُمَحِي وَاللَّيْث بن سعد وَغَيرهم روى عَنهُ أَيُّوب قَالَ بَعَثَنِي ابْن الزبير على قَضَاء الطَّائِف فَكنت أسأَل ابْن عَبَّاس وَكَانَت وَفَاته سنه سبع عشرَة ومئة ووفاة ابْن عَبَّاس سنة ثَمَان وَسِتِّينَ والمغيرة الْمَذْكُور هُوَ الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو هِشَام بن مقسم الضَّبِّيّ الْكُوفِي ولد أعمى وَكَانَ عجيبا فِي الذكاء قَالَ الذَّهَبِيّ فِي طَبَقَات الْحفاظ ضعف أَحْمد رِوَايَته عَن إِبْرَاهِيم فَقَط وَكَانَ عثمانيا وَيحمل على عَليّ بعض الْحمل وَقَالَ فِي الْمِيزَان إِمَام ثِقَة لَكِن لين أَحْمد بن حَنْبَل رِوَايَته عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَقَط مَعَ أَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وروى عَن أبي وَائِل وَالشعْبِيّ وَمُجاهد

وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق النديم فِي كتاب الفهرست فِي أثْنَاء وصف خزانَة للكتب رَآهَا فِي مَدِينَة الحديثة لم ير لأحد مثلهَا كَثْرَة وَرَأَيْت فِيهَا بخطوط الْإِمَامَيْنِ الْحسن وَالْحُسَيْن وَرَأَيْت عِنْده أمانات وعهودا بِخَط أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وبخط غَيره من كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن خطوط الْعلمَاء فِي النَّحْو واللغة مثل أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَأبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ والأصمعي وَابْن الْأَعرَابِي وسيبويه وَالْفراء وَالْكسَائِيّ وَمن خطوط أَصْحَاب الحَدِيث مثل سُفْيَان بن عُيَيْنَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيرهم وَرَأَيْت مِمَّا يدل على أَن النَّحْو عَن أبي الْأسود مَا هَذِه حكايته وَهِي أَربع أوراق أحسبها من ورق الصين ترجمتها هَذِه فِيهَا كَلَام فِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول من أبي الْأسود رَحْمَة الله عَلَيْهِ بِخَط يحيى بن يعمر وَتَحْت هَذَا الْخط بِخَط عَتيق هَذَا خطّ عَلان النَّحْوِيّ وَتَحْته هَذَا خطّ النَّضر بن شُمَيْل اهـ تَنْبِيه قد نقلنا آنِفا مَا ذكره الْعلمَاء الْأَعْلَام فِي طَرِيق الْجمع بَين الحَدِيث الَّذِي ورد فِي منع كِتَابَة مَا سوى الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي إجَازَة ذَلِك وَقد سلك ابْن قُتَيْبَة فِيهِ طَرِيقا آخر فَقَالَ فِي تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث وَهُوَ كتاب أَلفه فِي

الرَّد على الْمُتَكَلِّمين الَّذين أولعوا بثلب أهل الحَدِيث ورميهم بِحمْل الْكَذِب وَرِوَايَة المتناقض حَتَّى وَقع الِاخْتِلَاف وَكَثُرت النَّحْل وتقطعت العصم وتعادى الْمُسلمُونَ وأكفر بَعضهم بَعْضًا وَتعلق كل فريق مِنْهُم لمذهبه بِجِنْس من الحَدِيث قَالُوا أَحَادِيث متناقضة قَالُوا رويتم عَن همام عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء ين يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تكْتبُوا عني شَيْئا سوى الْقُرْآن فَمن كتب عني شَيْئا فليمحه ثمَّ رويتم عَن ابْن جريح عَن عَطاء عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قلت يَا رَسُول الله أقيد الْعلم قَالَ نعم قيل وَمَا تَقْيِيده قَالَ كِتَابَته ورويتم عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قلت يَا رَسُول الله أكتب كل مَا أسمع مِنْك قَالَ نعم قلت فِي الرِّضَا وَالْغَضَب قَالَ نعم فَإِنِّي لَا أَقُول فِي ذَلِك إِلَّا الْحق قَالُوا وَهَذَا تنَاقض وَاخْتِلَاف قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَنحن نقُول إِن فِي هَذَا مَعْنيين أَحدهمَا أَن يكون من مَنْسُوخ السّنة بِالسنةِ كَأَنَّهُ نهى فِي أول الْأَمر أَن يكْتب قَوْله ثمَّ رأى بعد لما علم أَن السّنَن تكْثر وتفوت الْحِفْظ أَن تكْتب وتقيد وَالْمعْنَى الآخر أَن يكون خص بِهَذَا عبد الله بن عَمْرو لِأَنَّهُ كَانَ قَارِئًا للكتب الْمُتَقَدّمَة وَيكْتب بالسُّرْيَانيَّة والعربية وَكَانَ غَيره من الصَّحَابَة أُمِّيين لَا يكْتب مِنْهُم إِلَّا الْوَاحِد والاثنان وَإِذا كتب لم يتقن وَلم يصب التهجي فَلَمَّا خشِي عَلَيْهِم الْغَلَط فِيمَا يَكْتُبُونَ نَهَاهُم وَلما أَمن على عبد الله بن عَمْرو ذَلِك أذن لَهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّد حَدثنَا إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قَالَ حَدثنَا وهب بن جرير عَن أَبِيه عَن يُونُس بن عبيد عَن الْحسن عَن عَمْرو بن تغلب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يفِيض المَال وَيظْهر الْقَلَم ويفشو التُّجَّار

قَالَ عَمْرو إِن كُنَّا لنلتمس فِي الحواء الْعَظِيم الْكَاتِب فَمَا يُوجد وَيبِيع الرجل البيع فَيَقُول حَتَّى أَستَأْمر تَاجر بني فلَان

انْتهى كَلَامه وبمثله يعلم فِي مثل هَذَا الْمقَام مقَامه

الفصل الثالث

الْفَصْل الثَّالِث فِي تثبت السّلف فِي أَمر الحَدِيث خشيَة أَن يدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ قد كَانَ للصحابة رَضِي الله عَنْهُم عناية شَدِيدَة فِي معرفَة الحَدِيث وَفِي نَقله لمن لم يبلغهُ فقد ذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي كتاب الْعلم أَن جَابر بن عبد الله رَحل مسيرَة شهر إِلَى عبد الله بن أنيس فِي حَدِيث وَاحِد وروى عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ كنت أَنا وجار لي من الْأَنْصَار فِي بني أُميَّة بن زيد وَهِي من عوالي الْمَدِينَة وَكُنَّا نتناوب النُّزُول على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل يَوْمًا وَأنزل يَوْمًا فَإِذا نزلت جِئْته بِخَبَر ذَلِك الْيَوْم من الْوَحْي وَغَيره وَإِذا نزل فعل مثل ذَلِك ولشدة عنايتهم بِهِ أقلوا من الرِّوَايَة وأنكروا على من أَكثر مِنْهَا إِذْ الْإِكْثَار مَظَنَّة للخطأ وَالْخَطَأ فِي الحَدِيث عَظِيم الْخطر روى البُخَارِيّ عَن عبد الله بن الزبير أَنه قَالَ قلت للزبير إِنِّي لَا أسمعك تحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يحدث فلَان وَفُلَان فَقَالَ أما إِنِّي لم أفارقه وَلَكِن سمعته يَقُول من كذب عَليّ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وروى عَن أنس أَنه قَالَ إِنَّه ليمنعني أَن أحدثكُم حَدِيثا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تعمد عَليّ كذبا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار

وروى عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ إِن النَّاس يَقُولُونَ أَكثر أَبُو هُرَيْرَة وَلَوْلَا آيتان فِي كتاب الله مَا حدثت حَدِيثا ثمَّ يَتْلُو {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى} - إِلَى قَوْله - {الرَّحِيم} إِن إِخْوَاننَا من الْمُهَاجِرين كَانَ يشغلهم الصفق فِي الْأَسْوَاق وَإِن إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار كَانَ يشغلهم الْعَمَل فِي أَمْوَالهم وَإِن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يلْزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لشبع بَطْنه ويحضر مَا لَا يحْضرُون ويحفظ مَا لَا يحفظون اهـ وَإِنَّمَا اشْتَدَّ إنكارهم على أبي هُرَيْرَة لِأَنَّهُ صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوا من ثَلَاث سِنِين فَإِنَّهُ أسلم عَام خَيْبَر وأتى من الرِّوَايَة عَنهُ مَا لم يَأْتِ بِمثلِهِ من صَحبه من السَّابِقين الْأَوَّلين ذكر بَقِي بن مخلد أَنه روى خَمْسَة الآف حَدِيث وَثَلَاث مئة وَأَرْبَعَة وَسبعين حَدِيثا وَله فِي البُخَارِيّ أَربع مئة وَسِتَّة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا وَعمر بعده عَلَيْهِ السَّلَام نَحوا من خمسين سنة وَكَانَت وَفَاته سنة تسع وَخمسين قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي جَوَابه عَن طعن النظام فِي أبي هُرَيْرَة بإنكار بعض الصَّحَابَة عَلَيْهِ كَانَ عمر شَدِيد الْإِنْكَار على من أَكثر الرِّوَايَة أَو أَتَى بِخَبَر فِي الحكم لَا شَاهد لَهُ عَلَيْهِ وَكَانَ يَأْمُرهُم بِأَن يقلوا الرِّوَايَة يُرِيد بذلك أَن لَا يَتَّسِع النَّاس فِيهَا فيدخلها الشوب وَيَقَع التَّدْلِيس وَالْكذب من الْمُنَافِق والفاجر والأعرابي وَكَانَ كثير من جلة الصَّحَابَة وَأهل الْخَاصَّة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأبي بكر وَالزُّبَيْر وَأبي عُبَيْدَة وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب يقلون الرِّوَايَة عَنهُ بل كَانَ بَعضهم لَا يكَاد يروي شَيْئا كسعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهُوَ أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ

وَقَالَ عَليّ كنت إِذا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا نَفَعَنِي الله بِمَا شَاءَ مِنْهُ وَإِذا حَدثنِي عَنهُ مُحدث اسْتَحْلَفته فَإِن حلف لي صدقته وَإِن أَبَا بكر حَدثنِي وَصدق أَبُو بكر وَذكر الحَدِيث أفما ترى تَشْدِيد الْقَوْم فِي الحَدِيث وتوقي من أمسك كَرَاهِيَة التحريف أَو الزِّيَادَة فِي الرِّوَايَة أَو النُّقْصَان لأَنهم سَمِعُوهُ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول من كذب عَليّ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَهَكَذَا رُوِيَ عَن الزبير أَنه رَوَاهُ وَقَالَ أَرَاهُم يزِيدُونَ فِيهِ مُتَعَمدا وَالله مَا سمعته قَالَ مُتَعَمدا وروى مطرف بن عبد الله أَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ وَالله إِن كنت لأرى أَنِّي لَو شِئْت لحدثت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَيْنِ مُتَتَابعين وَلَكِن بطأني عَن ذَلِك أَن رجَالًا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعُوا كَمَا سَمِعت وشهدوا كَمَا شهِدت ويحدثون أَحَادِيث مَا هِيَ كَمَا يَقُولُونَ وأخاف أَن يشبه لي كَمَا شبه لَهُم فأعلمك أَنهم كَانُوا يغلطون لَا أَنهم كَانُوا يتعمدون فَلَمَّا أخْبرهُم أَبُو هُرَيْرَة بِأَنَّهُ كَانَ ألزمهم لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخدمته وشبع بَطْنه وَكَانَ فَقِيرا معدما وَأَنه لم يكن ليشغله عَنهُ غرس الودي وَلَا الصفق بالأسواق يعرض بِأَنَّهُم كَانُوا يتصرفون فِي التِّجَارَات ويلزمون الضّيَاع فِي أَكثر الْأَوْقَات وَهُوَ ملازم لَهُ لَا يُفَارِقهُ فَعرف مَا لم يعرفوا وَحفظ مَا لم يحفظوا أَمْسكُوا عَنهُ وَكَانَ مَعَ هَذَا يَقُول قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وأنما سَمعه من

الثِّقَة عِنْده فحكاه وَكَذَلِكَ كَانَ ابْن عَبَّاس يفعل وَغَيره من الصَّحَابَة وَلَيْسَ فِي هَذَا كذب بِحَمْد الله وَلَا على قَائِله إِن لم يفهمهُ السَّامع جنَاح إِن شَاءَ الله اهـ وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي طَبَقَات الْحفاظ فِي تَرْجَمَة أبي بكر الصّديق كَانَ أول من احتاط فِي قبُول الْأَخْبَار فروى ابْن شهَاب عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب أَن الْجدّة جَاءَت إِلَى أبي بكر تلتمس أَن تورث فَقَالَ مَا أجد لَك فِي كتاب الله شَيْئا وَمَا علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر لَك شَيْئا ثمَّ سَأَلَ النَّاس فَقَامَ الْمُغيرَة فَقَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعْطِيهَا السُّدس فَقَالَ لَهُ هَل مَعَك أحد فَشهد مُحَمَّد بن مسلمة بِمثل ذَلِك فأنفذه لَهَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَمن مَرَاسِيل ابْن أبي مليكَة أَن الصّديق جمع النَّاس بعد وَفَاة نَبِيّهم فَقَالَ إِنَّكُم تحدثون عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَادِيث تختلفون فِيهَا وَالنَّاس بعدكم أَشد اخْتِلَافا فَلَا تحدثُوا عَن رَسُول الله شَيْئا فَمن سألكم فَقولُوا بَيْننَا وَبَيْنكُم كتاب الله فاستحلوا حَلَاله وحرموا حرَامه فَهَذَا الْمُرْسل يدلك على أَن مُرَاد الصّديق التثبت فِي الْأَخْبَار والتحري لَا سد بَاب الرِّوَايَة أَلا ترَاهُ لما نزل بِهِ أَمر الْجدّة وَلم يجده فِي الْكتاب كَيفَ سَأَلَ عَنهُ فِي السّنَن فَلَمَّا أخبرهُ الثِّقَة لم يكتف حَتَّى استظهر بِثِقَة آخر وَلم يقل حَسبنَا كتاب الله كَمَا تَقوله الْخَوَارِج ثمَّ قَالَ فَحق على الْمُحدث أَن يتورع فِيمَا يُؤَدِّيه وَأَن يسْأَل أهل الْمعرفَة والورع ليعينوه على إِيضَاح مروياته وَلَا سَبِيل إِلَى أَن يصير الْعَارِف الَّذِي يُزكي نَقله الْأَخْبَار ويجرحهم جهبذا إِلَّا بإدمان الطّلب والفحص عَن الشَّأْن وَكَثْرَة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مَعَ التَّقْوَى وَالدّين المتين والإنصاف والتردد إِلَى الْعلمَاء والتحري والإتقان وَإِلَّا تفعل

(فدع عَنْك الْكِتَابَة لست مِنْهَا ... وَلَو سودت وَجهك بالمداد) قَالَ الله عز وَجل {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} فَإِن آنست يَا هَذَا من نَفسك فهما وصدقا ودينا وورعا وَإِلَّا فَلَا تتعن وَإِن غلب عَلَيْك الْهوى والعصبية لرأي أَو لمَذْهَب فبالله لَا تتعب وَقَالَ فِي تَرْجَمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَهُوَ الَّذِي سنّ للمحدثين التثبت فِي النَّقْل وَرُبمَا كَانَ يتَوَقَّف فِي خبر الْوَاحِد إِذا ارتاب روى الْجريرِي عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد أَن أَبَا مُوسَى سلم على عمر من وَرَاء الْبَاب ثَلَاث مَرَّات فَلم يُؤذن لَهُ فَرجع فَأرْسل عمر فِي أَثَره فَقَالَ لم رجعت قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا سلم أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يجب فَليرْجع قَالَ لتَأْتِيني على ذَلِك بِبَيِّنَة أَو لَأَفْعَلَنَّ بك فجاءنا أَبُو مُوسَى منتقعا لَونه وَنحن جُلُوس فَقُلْنَا مَا شَأْنك فَأخْبرنَا وَقَالَ فَهَل سمع أحد مِنْكُم فَقُلْنَا نعم كلنا سَمعه فأرسلوا مَعَه رجل مِنْهُم حَتَّى أَتَى عمر فَأخْبرهُ أحب عمر أَن يتَأَكَّد عِنْده خبر أبي مُوسَى بقول صَاحب آخر فَفِي هَذَا دَلِيل على أَن الْخَبَر إِذا رَوَاهُ ثقتان كَانَ أقوى وأرجح مِمَّا انْفَرد بِهِ وَاحِد وَفِي ذَلِك حث على تَكْثِير طرق الحَدِيث لكَي يرتقي عَن دَرَجَة الظَّن إِلَى دَرَجَة الْعلم إِذْ الْوَاحِد يجوز عَلَيْهِ النسْيَان وَالوهم وَلَا يكَاد يجوز ذَلِك على ثقتين لم يخالفهما أحد وَقد كَانَ عمر من وجله من أَن يُخطئ الصاحب فِي حَدِيث رَسُول الله يَأْمُرهُم أَن يقلوا الرِّوَايَة عَن نَبِيّهم وَلِئَلَّا يتشاغل النَّاس بالأحاديث عَن حفظ الْقُرْآن

وَقد روى شُعْبَة وَغَيره عَن بَيَان عَن الشّعبِيّ عَن قرظة بن كَعْب قَالَ لما سيرنا عمر إِلَى الْعرَاق مَشى مَعنا وَقَالَ أتردون لم شيعتكم قَالُوا نعم تكرمة لنا قَالَ وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّكُم تأتون أهل قَرْيَة لَهُم دوِي بِالْقُرْآنِ كَدَوِيِّ النَّحْل فَلَا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جردوا الْقُرْآن وأقلوا الرِّوَايَة عَن رَسُول الله وَأَنا شريككم فَلَمَّا قدم قرظة قَالُوا حَدثنَا قَالَ نَهَانَا عمر وروى الدَّرَاورْدِي عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَقلت لَهُ أَكنت تحدث فِي زمَان عمر هَكَذَا قَالَ لَو كنت أحدث فِي زمَان عمر مثل مَا أحدثكُم لضربني بمخفقته وَقَالَ فِي تَرْجَمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب روى مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ عَن أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ قَالَ حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ ودعوا مَا ينكون أتحبون أَن يكذب الله وَرَسُوله فقد زجر الإِمَام عَليّ عَن رِوَايَة الْمُنكر وحث على التحديث بالمشهور وَهَذَا أصل كَبِير فِي الْكَفّ عَن بَث الْأَشْيَاء الْوَاهِيَة والمنكرة من الْأَحَادِيث فِي الْفَضَائِل والعقائد وَالرَّقَائِق وَلَا سَبِيل إِلَى معرفَة هَذَا من هَذَا إِلَّا بالإمعان فِي معرفَة الرِّجَال وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الْأَثر فِي صَحِيحه فَقَالَ بَاب من خص بِالْعلمِ قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفهموا وَقَالَ عَليّ حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ أتحبون أَن يكذب الله وَرَسُوله حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ عَن أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ بذلك قَالَ شرَّاح هَذَا الْأَثر إِنَّمَا قَالَ الإِمَام ذَلِك لِأَن الْإِنْسَان إِذا سمع مَا لَا يفهمهُ أَو مَا لَا يتَصَوَّر إِمْكَانه اعْتقد استحالته جهلا فَلَا يصدق بِوُجُودِهِ فَإِذا

أسْند إِلَى الله تَعَالَى أَو رَسُوله لزم ذَلِك الْمَحْذُور ويكذب بِفَتْح الذَّال على صِيغَة الْمَجْهُول وَهَذَا الْإِسْنَاد من عوالي الْمُؤلف لِأَنَّهُ يلْتَحق بالثلاثيات من جِهَة أَن الرَّاوِي الثَّالِث وَهُوَ أَبُو الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة من الصَّحَابَة وَكَانَ آخِرهم موتا وَأخر الْمُؤلف هُنَا السَّنَد عَن الْمَتْن ليميز بَين طَريقَة إِسْنَاد الحَدِيث وَإسْنَاد الْأَثر أَو لضعف الْإِسْنَاد بِسَبَب ابْن خَرَّبُوذ أَو للتفنن وَبَيَان الْجَوَاز وَمن ثمَّ وَقع فِي بعض النّسخ مقدما وَقد سقط هَذَا الْأَثر كُله من رِوَايَة الْكشميهني اهـ وروى مُسلم فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ مَا أَنْت بمحدث قوما حَدِيثا لَا تبلغه عُقُولهمْ إِلَّا كَانَ لبَعْضهِم فتْنَة تَنْبِيه وَقد فهم من هذَيْن الأثرين أَن الْمُحدث يجب عَلَيْهِ أَن يُرَاعِي حَال من يُحَدِّثهُمْ فَإِذا كَانَ فِيمَا ثَبت عِنْده مَا لَا تصل إِلَيْهِ أفهامهم وَجب عَلَيْهِ ترك تحديثهم بِهِ دفعا للضَّرَر فَلَيْسَ كل حَدِيث يجب نشره لجَمِيع النَّاس كَمَا يتوهمه الأغمار فقد روى البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ حفظت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعاءين فَأَما أَحدهمَا فبثثته وَأما الآخر فَلَو بثثتة قطع هَذَا البلعوم قَالُوا أَرَادَ بالوعاء الأول الْأَحَادِيث الَّتِي لم ير ضَرَرا فِي بثها فبثها وَأَرَادَ بالوعاء الثَّانِي الْأَحَادِيث الْمُتَعَلّقَة بِبَيَان أُمَرَاء الْجور وذمهم فقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ لَو شِئْت أَن أسميهم بِأَسْمَائِهِمْ وَكَانَ لَا يُصَرح بذلك خوفًا على نَفسه مِنْهُم وَقَالَ بعض الصُّوفِيَّة أَرَادَ بِهِ الْأَحَادِيث الْمُتَعَلّقَة بالأسرار الربانية الَّتِي لَا يُدْرِكهَا إِلَّا أَرْبَاب الْقُلُوب وَفِي كَون المُرَاد بِهِ هَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما وسع أَبَا هُرَيْرَة كِتْمَانه من جَمِيع النَّاس بل كَانَ أظهره لبَعض الْخَواص مِنْهُم

على أَن الَّذِي كتمه أَبُو هُرَيْرَة لَو كَانَ مِمَّا يتَعَلَّق بِالدّينِ لَكَانَ غَايَته أَن يكون بِمَنْزِلَة الْمُتَشَابه والمتشابه مَوْجُود فِي الْكتاب الْعَزِيز وَهُوَ يُتْلَى على النَّاس كلهم فِي كل حِين وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة كثيرا من الْأَحَادِيث المتشابهة أخرج مُسلم عَنهُ فِي بَاب صَلَاة اللَّيْل أَنه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر فَيَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ وَمن يسألني فَأعْطِيه وَمن يستغفرني فَأغْفِر لَهُ وَأخرج عَنهُ فِي بَاب رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ رَبهم فِي الْآخِرَة أَنه قَالَ إِن نَاسا قَالُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ هَل تضَارونَ فِي الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر قَالُوا لَا يَا رَسُول الله قَالَ هَل تضَارونَ فِي الشَّمْس لَيْسَ دونهَا سَحَاب قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّكُم تَرَوْنَهُ كَذَلِك يجمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه فَيتبع من كَانَ يعبد الشَّمْس الشَّمْس وَيتبع من كَانَ يعبد الْقَمَر الْقَمَر وَيتبع من كَانَ يعبد الطواغيت الطواغيت وَتبقى هَذِه الْأمة فِيهَا منافقوها فيأتيهم الله فِي صُورَة غير الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول أَنا ربكُم فَيَقُولُونَ نَعُوذ بِاللَّه مِنْك هَذَا مَكَاننَا حَتَّى يأتينا رَبنَا فَإِذا جَاءَ رَبنَا عَرفْنَاهُ فيأتيهم الله فِي صورته الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول أَنا ربكُم فَيَقُولُونَ أَنْت رَبنَا فيتبعونه الحَدِيث وَأخرج عَنهُ فِي كتاب الْجنَّة أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله عز وَجل آدم على صورته طوله سِتُّونَ ذِرَاعا فَلَمَّا خلقَة قَالَ اذْهَبْ

فَسلم على أُولَئِكَ النَّفر وهم نفر من الْمَلَائِكَة جُلُوس فاستمع مَا يحيونك بِهِ فَإِنَّهَا تحيتك وتحية ذريتك قَالَ فَذهب فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم فَقَالُوا السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله فزادوه وَرَحْمَة الله قَالَ فَكل من يدْخل الْجنَّة على صُورَة آدم وَطوله سِتُّونَ ذِرَاعا فَلم يزل الْخلق ينقص بعده حَتَّى الْآن وروى مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما قضى الله الْخلق كتب عِنْده فَوق عَرْشه إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي اهـ هَذَا وَمن الْغَرِيب مَا يروي عَن ابْن الْقَاسِم أَنه قَالَ سَأَلت مَالِكًا عَمَّن يحدث الحَدِيث إِن الله خلق آدم على صورته والْحَدِيث إِن الله يكْشف عَن سَاقه يَوْم الْقِيَامَة وَإنَّهُ يدْخل فِي النَّار يَده حَتَّى يخرج من أَرَادَ فَأنْكر ذَلِك إنكارا شَدِيدا وَنهى أَن يتحدث بِهِ أحد قَالَ تَقِيّ الدّين فِي التسعينية هَذَانِ الحديثان كَانَ اللَّيْث بن سعد يحدث بهما فَالْأول حَدِيث الصُّورَة حدث بِهِ عَن ابْن عجلَان وَالثَّانِي هُوَ فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الطَّوِيل وَهَذَا الحَدِيث قد أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث اللَّيْث وَالْأول قد أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث غَيره

وَابْن الْقَاسِم إِنَّمَا سَأَلَ مَالِكًا لأجل تحديث اللَّيْث بذلك فَيُقَال إِمَّا أَن يكون مَا قَالَه مَالك مُخَالفا لما فعله اللَّيْث وَنَحْوه أَو لَيْسَ بمخالف بل يكره أَن يتحدث بذلك لمن يفتنه ذَلِك وَلَا يحملهُ عقله كَمَا قَالَ ابْن مَسْعُود مَا من رجل يحدث قوما حَدِيثا لَا تبلغه عُقُولهمْ إِلَّا كَانَ فتْنَة لبَعْضهِم وَقد كَانَ مَالك يتْرك أَحَادِيث كَثِيرَة لكَونهَا لَا يُؤْخَذ بهَا وَلم يَتْرُكهَا غَيره فَلهُ فِي ذَلِك مَذْهَب وَغَايَة مَا يعْتَذر لَهُ أَن يُقَال كره أَن يتحدث بذلك حَدِيثا يفتن المستمع الَّذِي لَا يحمل عقله ذَلِك وَأما إِن قيل إِنَّه كره التحدث بذلك مُطلقًا فَهَذَا مَرْدُود ولنرجع إِلَى الْمَقْصُود وَهُوَ بَيَان تروي جُمْهُور الصَّحَابَة فِي أَمر الرِّوَايَة فَنَقُول قَالَ مُسلم فِي صَحِيحه حَدثنَا مُحَمَّد بن عباد وَسَعِيد بن عَمْرو الأشعثي جَمِيعًا عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ سعيد أخبرنَا سُفْيَان عَن هِشَام بن حُجَيْر عَن طَاوس قَالَ جَاءَ هَذَا إِلَى ابْن عَبَّاس يَعْنِي بشير بن كَعْب فَجعل يحدثه فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس عد لحَدِيث كَذَا وَكَذَا فَعَاد لَهُ ثمَّ حَدثهُ فَقَالَ لَهُ عد لحَدِيث كَذَا وَكَذَا فَعَاد لَهُ فَقَالَ لَهُ مَا أَدْرِي أعرفت حَدِيثي كُله وَأنْكرت هَذَا أم أنْكرت حَدِيثي كُله وَعرفت هَذَا فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس إِنَّا كُنَّا نُحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لم يكن يكذب عَلَيْهِ فَلَمَّا ركب النَّاس الصعب والذلول تركنَا الحَدِيث عَنهُ

حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا معمر عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّمَا كُنَّا نَحْفَظ الحَدِيث والْحَدِيث يحفظ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَما إِذا ركبتم كل صَعب وَذَلُول فهيهات وحَدثني أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بن عبيد الله الغيلاني حَدثنَا أَبُو عَامر يَعْنِي الْعَقدي حَدثنَا رَبَاح عَن قيس بن سعد عَن مُجَاهِد قَالَ جَاءَ بشير الْعَدوي إِلَى ابْن عَبَّاس فَجعل يحدث وَيَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَجعل ابْن عَبَّاس لَا يَأْذَن لحديثه وَلَا ينظر إِلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس مَا لي لَا أَرَاك تسمع لحديثي أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تسمع فَقَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّا كُنَّا مرّة إِذا سمعنَا رجلا يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إِلَيْهِ بآذاننا فَلَمَّا ركب النَّاس الصعب والذلول لم نَأْخُذ من النَّاس إِلَّا مَا نَعْرِف اهـ وَبشير الْمَذْكُور مخضرم يروي عَن أبي ذَر وَأبي الدَّرْدَاء وَقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَابْن سعد وَهُوَ مصغر بشر وَأخرج ابْن ماجة فِي سنَنه عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ قُلْنَا لزيد بن أَرقم حَدثنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كبرنا ونسينا والْحَدِيث عَن رَسُول الله شَدِيد وَأخرج عَن السَّائِب بن يزِيد أَنه قَالَ صَحِبت سعد بن مَالك من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فَمَا سمعته يحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَدِيث وَاحِد

وروى عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ جالست ابْن عمر سنة فَمَا سمعته يحدث عَن رَسُول الله شَيْئا وروى عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه قَالَ كَانَ أنس بن مَالك إِذا حدث عَن رَسُول الله ففرغ مِنْهُ قَالَ أَو كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ثَبت توقف كثير من الصَّحَابَة فِي قبُول كثير من الْأَخْبَار وَقد اسْتدلَّ بذلك من يَقُول بِعَدَمِ الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا فِي أَمر الدّين وَقد رد عَلَيْهِم الْجُمْهُور بِأَن الرَّد إِنَّمَا كَانَ لأسباب عارضة وَهُوَ لَا يَقْتَضِي رد جَمِيع أَخْبَار الْآحَاد كَمَا ذهب إِلَيْهِ أُولَئِكَ على أَن الْأَخْبَار الَّتِي استندوا إِلَيْهَا إِنَّمَا تدل على مَذْهَب من يشْتَرط فِي قبُول الْخَبَر التَّعَدُّد فِي رُوَاته وَلَا تدل على مَذْهَب من يشْتَرط التَّوَاتُر فِيهِ فقد ذكر الإِمَام الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى ثمَّ قَالَ وَنحن نشِير إِلَى جنس المعاذير فِي رد الْأَخْبَار والتوقف فِيهَا أما توقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول ذِي الْيَدَيْنِ فَيحْتَمل ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَنه جوز الْوَهم عَلَيْهِ لِكَثْرَة الْجمع وَبعد انْفِرَاده بِمَعْرِِفَة ذَلِك مَعَ غَفلَة الْجَمِيع إِذْ الْغَلَط عَلَيْهِ أقرب من الْغَفْلَة على الْجمع الْكثير وَحَيْثُ ظَهرت أَمَارَات الْوَهم يجب التَّوَقُّف ثَانِيهَا أَنه وَإِن علم صدقه جَازَ أَن يكون سَبَب توقفه أَن يعلمهُمْ وجوب التَّوَقُّف فِي مثله وَلَو لم يتَوَقَّف لصار التَّصْدِيق مَعَ سكُوت الْجَمَاعَة سنة مَاضِيَة فحسم سَبِيل ذَلِك الثَّالِث أَنه قَالَ لَوْلَا لَو علم صدقه لظهر أَثَره فِي حق الْجَمَاعَة واشتغلت ذمتهم فَألْحق بقبيل الشَّهَادَة فَلم يقبل فِيهِ قَول الْوَاحِد والأقوى مَا ذَكرْنَاهُ من قبل

نعم لَو تعلق بِهَذَا من يشْتَرط عدد الشَّهَادَة فليزمه اشْتِرَاطه ثَلَاثَة ويلمه أَن تكون فِي جمع يسكت عَلَيْهِ الْبَاقُونَ لِأَنَّهُ كَذَلِك كَانَ أما توقف أبي بكر فِي حَدِيث الْمُغيرَة فِي تَوْرِيث الْجدّة فَلَعَلَّهُ كن هُنَاكَ وَجه اقْتضى التَّوَقُّف وَرُبمَا لم يطلع عَلَيْهِ أحد أَو لينْظر أَنه حكم مُسْتَقر أَو مَنْسُوخ أَو ليعلم هَل عِنْد غَيره مثل مَا عِنْده ليَكُون الحكم أوكد أَو خلَافَة فيندفع أَو توقف فِي انْتِظَار استظهار بِزِيَادَة كَمَا يستظهر الْحَاكِم بعد شَهَادَة اثْنَيْنِ على جزم الحكم إِن لم يُصَادف الزِّيَادَة لَا على عزم الرَّد أَو أظهر التَّوَقُّف لِئَلَّا يكثر الْإِقْدَام على الرِّوَايَة عَن تساهل وَيجب حمله على شَيْء من ذَلِك إِذْ ثَبت مِنْهُ قطعا قبُول خبر الْوَاحِد وَترك الْإِنْكَار على الْقَائِلين بِهِ وَأما رد حَدِيث عُثْمَان فِي حق الحكم بن أبي الْعَاصِ فَلِأَنَّهُ خبر عَن إِثْبَات حق لشخص فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ لَا تثبت بقول وَاحِد أَو توقفا لأجل قرَابَة عُثْمَان من الحكم وَقد كَانَ مَعْرُوفا بِأَنَّهُ كلفب أَقَاربه فتوقفا تَنْزِيها لعرضه ومنصبه من أَن يَقُول متعنت إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِقَرَابَتِهِ حَتَّى يثبت ذَلِك بقول غَيره أَو لعلهما توقفا ليسنا للنَّاس التَّوَقُّف فِي حق الْقَرِيب الملاطف ليتعلم مِنْهُمَا التثبت فِي مثله وَأما خبر أبي مُوسَى فِي الاسْتِئْذَان فقد كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ ليدفع بِهِ سياسة عمر عَن نَفسه لما انْصَرف عَن بَابه بعد أَن قرع ثَلَاثًا كالمترفع عَن المثول بِبَابِهِ فخاف أَن يصير ذَلِك طَرِيقا لغيره إِلَى أَن يروي الحَدِيث على حسب غَرَضه بِدَلِيل أَنه لما رَجَعَ مَعَ أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَشهد لَهُ قَالَ عمر إِنِّي لم أتهمك وَلَكِنِّي خشيت أَن يتقول النَّاس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيجوز للْإِمَام التَّوَقُّف مَعَ انْتِفَاء التُّهْمَة لمثل هَذِه الْمصلحَة كَيفَ وَمثل هَذِه الْأَخْبَار لَا تَسَاوِي فِي الشُّهْرَة وَالصِّحَّة أحاديثنا فِي نقل الْقبُول عَنْهُم

وَأما رد عَليّ خبر الْأَشْجَعِيّ فقد ذكر علته وَقَالَ كَيفَ نقبل قَول أَعْرَابِي بوال على عَقِبَيْهِ بَين أَنه لم يعرف عَدَالَته وَضَبطه وَلذَلِك وَصفه بالجفاء وَترك التَّنَزُّه عَن الْبَوْل كَمَا قَالَ عمر فِي فَاطِمَة بنت قيس فِي حَدِيث السُّكْنَى لَا نَدع كتاب رَبنَا وَسنة نَبينَا لقَوْل امْرَأَة لَا نَدْرِي أصدقت أم كذبت فَهَذَا سَبِيل الْكَلَام على مَا ينْقل من التَّوَقُّف فِي الْأَخْبَار اهـ هَذَا وَقد عقد الْحَافِظ ابْن حزم فصلا فِي كتاب الإحكام للرَّدّ على من ذمّ الْإِكْثَار من الرِّوَايَة وَقد أحببنا إِيرَاده على طَرِيق التَّلْخِيص تَقْرِيبًا للمرام وتخليصا للمطالع من كثير من الْعبارَات الشَّدِيدَة الإيلام قَالَ فصل فِي فضل الْإِكْثَار من الرِّوَايَة للسنن قَالَ عَليّ وَذهب قوم إِلَى ذمّ الْإِكْثَار من الرِّوَايَة ونسبوا ذَلِك إِلَى عمر وَذكروا أَنه لم يلْتَفت إِلَى رِوَايَة فَاطِمَة بنت قيس فِي أَن لَا نَفَقَة وَلَا سُكْنى للمبتوتة ثَلَاثًا وَأَنه قَالَ لَا نَدع كتاب رَبنَا وَسنة نَبينَا لكَلَام امْرَأَة لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا نسيت وتوعد أَبَا مُوسَى بِالضَّرْبِ إِن لم يَأْته بِشَاهِد على مَا حدث بِهِ من حكم الاسْتِئْذَان وَأَن أَبَا بكر الصّديق لم يَأْخُذ بِرِوَايَة الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي مِيرَاث الْجدّة حَتَّى شهد لَهُ بذلك مُحَمَّد بن مسلمة وَأَن عُثْمَان حمل إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب من عِنْد أَبِيه كتاب حكم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الزَّكَاة فَقَالَ أغنها عَنَّا فَرجع إِلَى أَبِيه فَقَالَ ضع الصَّحِيفَة حَيْثُ وجحدتها

وَأَن ابْن عَبَّاس لم يلْتَفت إِلَى رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي الْوضُوء مِمَّا مست النَّار وَلَا إِلَى رِوَايَة عَليّ فِي النَّهْي عَن الْمُتْعَة وَلَا إِلَى رِوَايَة أبي سعيد فِي النَّهْي عَن الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ يدا بيد وَابْن عمر ذكرت لَهُ رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي كلب الزَّرْع فَقَالَ إِن لأبي هيرة زرعا وَذكروا نَحْو هَذَا عَن نفر من التَّابِعين قَالَ عَليّ وَقَوْلهمْ هَذَا داحض بالبرهان الظَّاهِر وَهُوَ أَن يُقَال لمن ذمّ الْإِكْثَار من الرِّوَايَة أخبرنَا أخير هِيَ أم شَرّ وَلَا سَبِيل إِلَى وَجه ثَالِث فَإِن قَالَ هِيَ خير فالإكثار من الْخَيْر خير وَإِن قَالَ هِيَ شَرّ فالقليل من الشَّرّ شَرّ وهم قد أخذُوا بِنَصِيب مِنْهُ أما نَحن فَنَقُول إِن الْإِكْثَار مِنْهَا لطلب مَا صَحَّ هُوَ الْخَيْر كُله ثمَّ نقُول لَهُم عرفونا حد الْإِكْثَار من الرِّوَايَة المذموم عنْدكُمْ لنعرف مَا تَكْرَهُونَ وحد الإقلال الْمُسْتَحبّ عنْدكُمْ فَإِن حدوا لذَلِك حدا كَانُوا قد قَالُوا بِغَيْر برهَان وَبِغير علم وَإِن لم يحدوا فِي ذَلِك حدا كَانُوا قد وَقَعُوا فِي أسخف منزلَة إِذْ لَا يَدْرُونَ مَا يُنكرُونَ وَالْحق أَن الْخَيْر كُله فِي التفقه فِي الْآثَار وَالْقُرْآن وَضبط مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد حض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن يبلغ عَنهُ وَهَذَا هُوَ التفقه والنذارة الَّتِي أَمر الله تَعَالَى بهَا وليت شعري إِذا كَانَ الْإِكْثَار من الرِّوَايَة شرا فَأَيْنَ الْخَيْر أَفِي التَّقْلِيد الَّذِي لَا يلتزمه إِلَّا جَاهِل أَو متجاهل أم فِي التحكم فِي دين الله بالآراء الَّتِي قد حذر الله تَعَالَى مِنْهَا وزجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا وَقد زعم بَعضهم أَن مَالِكًا كَانَ يسْقط من الْمُوَطَّأ كل سنة وَأَنه لم يحدث بِكَثِير مِمَّا عِنْده وَهَذَا حَال من يُرِيد أَن يمدح فيذم وَيُرِيد أَن يَبْنِي فيهدم فَإِن أَرَادوا

أَن مَالِكًا حدث بِالصَّحِيحِ عِنْده وَترك مَا لم يَصح فقد أحسن وَكَذَلِكَ كل من حدث بِمَا صَحَّ عِنْده كسفيان وَشعْبَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِن أَرَادوا أَنه حدث بالسقيم وَترك الصَّحِيح فقد نزهه الله عَن ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن أَرَادوا أَنه حدث بِصَحِيح وَسَقِيم وَترك صَحِيحا وسقيما فَبَطل مَا أَرَادوا أَن يمدحوه بِهِ وَكَانَ ذما عَظِيما لَو صَحَّ عَلَيْهِ وَأَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك وممايدل على كذب من قَالَ هَذَا أَن الْمُوَطَّأ أَلفه مَالك بعد موت يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ بِلَا شكّ وَكَانَت وَفَاة يحيى فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين ومئة وَلم يزل الْمُوَطَّأ يرويهِ عَن مَالك مُنْذُ أَلفه طَائِفَة بعد طَائِفَة وَأمة بعد أمة وَآخر من رَوَاهُ عَنهُ من الثِّقَات أَبُو المصعب الزُّهْرِيّ لصِغَر سنه وعاش بعد موت مَالك ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وموطؤه أكمل الموطآت لِأَن فِيهِ خمس مئة حَدِيث وَتِسْعين حَدِيثا بالمكرر أما بِإِسْقَاط التّكْرَار فَخمس مئة حَدِيث وَتِسْعَة وَخَمْسُونَ حَدِيثا وَكَانَ سَماع ابْن وهب للموطأ منمالك قبل سَماع أبي المصعب بدهر وَكَذَلِكَ سَماع ابْن الْقَاسِم ومعن بن عِيسَى وَلَيْسَ فِي موطأ ابْن الْقَاسِم إِلَّا خمس مئة حَدِيث وَثَلَاثَة أَحَادِيث وَفِي موطأ ابْن وهب كَمَا فِي موطأ أبي المصعب وَلَا مزِيد فَبَان كذب هَذَا الْقَائِل قَالَ عَليّ وَأول من ألف فِي جمع الحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة وَمعمر ثمَّ مَالك ثمَّ تلاهم النَّاس وَنحن نحمد ذَلِك من فعلهم ونقول إِن لَهُم وَلمن فعل فعلهم أعظم الْأجر لعَظيم مَا قيدوا من السن وَكثير مَا بينوا من الْحق وَمَا رفعوا من الْإِشْكَال فِي الدّين وَمَا فَرجوا بِمَا كتبُوا من حكم الِاخْتِلَاف فَمن أعظم أجرا مِنْهُم جعلنَا الله بمنه مِمَّن تَبِعَهُمْ فِي ذَلِك بِإِحْسَان وَأما رد عمر لحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس فقد خالفته هِيَ وَهِي من المبايعات الْمُهَاجِرَات الصواحب فَهُوَ تنَازع بَين أولي الْأَمر وَلَيْسَ قَول أَحدهمَا بِأولى من

قَول الآخر إِلَّا بِنَصّ وَالنَّص مُوَافق لقولها وَهُوَ فِي رد ذَلِك مُجْتَهد مأجور مرّة وَلَا تعلق للمستدلين بِهَذَا الْخَبَر فَإِنَّهُم قد خالفوا الِاثْنَيْنِ كليهمَا وَأما مَا ذكرُوا من نهي عمر عَن الْإِكْثَار من الحَدِيث فحدثنا مُحَمَّد بن سعيد حَدثنَا أَحْمد بن عون حَدثنَا قَاسم بن أصبغ حَدثنَا الْخُشَنِي حَدثنَا بنْدَار حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي حَدثنَا شُعْبَة عَن بَيَان عَن الشّعبِيّ عَن قرظة هُوَ ابْن كَعْب الْأنْصَارِيّ قَالَ شيعنا عمر بن الْخطاب إِلَى صرار فَانْتهى إِلَى مَكَان فِيهِ فَتَوَضَّأ فَقَالَ تَدْرُونَ لم شيعتكم قُلْنَا لحق الصُّحْبَة قَالَ إِنَّكُم ستأتون قوما تهتز ألسنتهم بِالْقُرْآنِ كاهتزاز النّخل فَلَا تصدوهم بِالْحَدِيثِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا شريككم قَالَ قرظة فَمَا حدثت بِشَيْء بعد وَلَقَد سَمِعت كَمَا سمع أَصْحَابِي فَهَذَا لم يذكر فِيهِ الشّعبِيّ أَنه سَمعه من قرظة وَمَا نعلم أَن الشّعبِيّ لَقِي قرظة وَلَا سمع مِنْهُ بل لَا شكّ فِي ذَلِك لِأَن قرظة مَاتَ والمغيرة بن شُعْبَة أَمِير بِالْكُوفَةِ هَذَا مَذْكُور فِي الْخَبَر الثَّابِت الْمسند أول من نيح عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ قرظة بن كَعْب فَذكر الْمُغيرَة عِنْد ذَلِك خَبرا مُسْندًا فِي النوح وَمَات الْمُغيرَة سنة خمسين بِلَا شكّ وَالشعْبِيّ أقرب إِلَى الصِّبَا فَلَا شكّ أَنه لم يلق قرظة قطّ فَسقط هَذَا

الْخَبَر بل ذكر بعض أهل الْعلم بالأخبار أَن قرظة بن كَعْب مَاتَ وَعلي بِالْكُوفَةِ فصح يَقِينا أَن الشّعبِيّ لم يلق قرظة قَالَ عَليّ وَرووا عَنهُ أَنه حبس عبد الله بن مَسْعُود من أجل الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا روينَا بالسند الْمَذْكُور إِلَى بنْدَار حَدثنَا غنْدر حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أَبِيه قَالَ قَالَ عمر لِابْنِ مَسْعُود وَلأبي الدَّرْدَاء وَلأبي ذَر مَا هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَأَحْسبهُ أَنه لم يدعهم أَن يخرجُوا من الْمَدِينَة حَتَّى مَاتَ قَالَ عَليّ هَذَا مُرْسل ومشكوك فِيهِ من شُعْبَة فَلَا يَصح وَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ ثمَّ هُوَ فِي نَفسه ظَاهر الْكَذِب والتوليد وَقد حدث عمر بِحَدِيث كثير فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ خمس مئة حَدِيث ونيف على قرب مَوته من موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كثير الرِّوَايَة وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أَكثر رِوَايَة مِنْهُ إِلَّا بضعَة عشر مِنْهُم وَالَّذِي صَحَّ عَن عمر أَنه تشدد فِي الحَدِيث وَكَانَ يُكَلف من حَدثهُ بِحَدِيث أَن يَأْتِي بآخر سَمعه مَعَه وَإِنَّمَا فعل ذَلِك اجْتِهَادًا مِنْهُ وَأما الرِّوَايَة عَن أبي بكر الصّديق فمنقطعة لَا تصح وَلَو صحت لما كَانَ لَهُم فِيهَا حجَّة لأَنهم يَقُولُونَ بِخَبَر الْوَاحِد إِذا وافقهم وَلَا معنى لطلب راو آخر عِنْدهم فَالَّذِي يدْخل خبر الْوَاحِد يدْخل خبر الِاثْنَيْنِ وَلَا فرق إِلَّا أَن يفرق بَين ذَلِك بِنَصّ فَيُوقف عِنْده وَأما خبر عُثْمَان فَلَا نَدْرِي على أَي وَجه أوردوه وَالَّذِي نظن بعثمان أَنه كَانَ عِنْده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رِوَايَة فِي صفة الزَّكَاة اسْتغنى بهَا عَمَّا عِنْد عَليّ بل نقطع عَلَيْهِ بِهَذَا قطعا وَلَا وَجه لذَلِك الْخَبَر سوى هَذَا أَو المجاهرة بالمخالفة وَقد أَعَاذَهُ الله من ذَلِك وَأما ابْن عَبَّاس فقد روى فِي الْمُتْعَة إِبَاحَة شَهِدَهَا وَثَبت عَلَيْهَا وَلم يُحَقّق النّظر

وروى فِي الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ خَبرا عَن أُسَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وليت شعري من جعل قَوْله أولى من قَول من خَالفه فِي ذَلِك وَأما قَول ابْن عمر إِن لأبي هُرَيْرَة زرعا فَصدق وَلَيْسَ فِي هَذَا رد لروايته فَالْوَاجِب الرَّد المفترض الَّذِي لَا يسوغ سواهُ وَهُوَ الرَّد إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقد أَمر الله تَعَالَى بِطَاعَة رَسُوله وَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِك إِلَّا بِنَقْل كَلَامه وَضَبطه وتبليغه وَقد حض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على تَبْلِيغ الحَدِيث عَنهُ فَقَالَ فِي حجَّة الْوَدَاع لجَمِيع من حضر أَلا فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب فَسقط قَول من ذمّ الْإِكْثَار من الحَدِيث ثمَّ الْعجب من إيرادهم لهَذِهِ الْآثَار الَّتِي ذكرنَا عَمَّن أوردوها عَنهُ فوَاللَّه الْعَظِيم لَا أَدْرِي غرضهم فِي ذَلِك وَلَا منفعتهم بهَا لأَنهم إِن كَانُوا أوردوها طَعنا فِي القَوْل بِخَبَر الْوَاحِد فَلَيْسَ هَذَا قَوْلهم بل هم كلهم يَقُولُونَ بِخَبَر الْوَاحِد وَأَيْضًا فَهِيَ كلهَا أَخْبَار آحَاد وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا حجَّة عِنْد من لَا يَقُول بِخَبَر الْوَاحِد وَهَذَا عَجِيب جدا أَو يَكُونُوا أوردوها على إِبَاحَة رد الْمَرْء مَا لم يُوَافقهُ من خبر الْوَاحِد وَأخذ مَا وَافقه من ذَلِك فَهَذَا هوس لِأَن لخصومهم أَن يردوا بِهَذَا نَفسه مَا أخذُوا هم بِهِ ويأخذوا مَا ردُّوهُ هم مِنْهُ فَإِن قَالَ قَائِل الحَدِيث قد يدْخلهُ السَّهْو والغلط قيل لَهُ إِن كنت مِمَّن يَقُول بِخَبَر الْوَاحِد فاترك كل حَدِيث أخذت بِهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ فِي قَوْلك مُحْتَمل أَن يكون دخل فِيهِ السَّهْو والغلط وَإِن كنت مُقَلدًا فااترك كل من قلدت فَإِن السَّهْو والغلط يدخلَانِ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَقد يدخلَانِ أَيْضا فِي الروَاة عَنْهُم الَّذين أخذت دينك عَنْهُم وَإِن كنت مِمَّن يبطل خبر الْوَاحِد فقد أثبتنا بالبرهان وجوب قبُوله

الفصل الرابع

الْفَصْل الرَّابِع فِي تَمْيِيز عُلَمَاء الحَدِيث مَا ثَبت مِنْهُ مِمَّا لم يثبت اعْلَم أَن أَئِمَّة الحَدِيث لما شرعوا فِي تدوينه دونوه على الْهَيْئَة الَّتِي وصل بهَا إِلَيْهِم وَلم يسقطوا مِمَّا وصل إِلَيْهِم فِي الْأَكْثَر إِلَّا مَا يعلم أَنه مَوْضُوع مختلق فَجمعُوا مَا رووا مِنْهُ بِالْأَسَانِيدِ الَّتِي رَوَوْهُ بهَا ثمَّ بحثوا عَن أَحْوَال الروَاة بحثا شَدِيدا حَتَّى عرفُوا من تقبل رِوَايَته وَمن ترد وَمن يتَوَقَّف فِي قبُول رِوَايَته وأتبعوا ذَلِك بالبحث عَن الْمَرْوِيّ وَحَال الرِّوَايَة إِذْ لَيْسَ كل مَا يرويهِ من كَانَ موسوما بِالْعَدَالَةِ والضبط يُؤْخَذ بِهِ لما أَنه قد يعرض لَهُ السَّهْو أَو النسْيَان أَو الْوَهم وَلَهُم فِي معرفَة ذَلِك طرق مَذْكُورَة فِي كتبهمْ وَكتب عُلَمَاء الْأُصُول وَقد تمّ لَهُم بذلك مَا أَرَادوا من معرفَة دَرَجَة كل حَدِيث وصل إِلَيْهِم على قدر الوسع والإمكان فَصَارَ لَهُم من الْأجر الجزيل وَالذكر الْجَمِيل مَا هُوَ كفاء لما لقوه فِي ذَلِك من فرط العناء وَقد دعاهم النّظر فِي أَحْوَال الروَاة والمروي وَالرِّوَايَة إِلَى أَن يصطلحوا على أَسمَاء يتداولونها بَينهم تسهيلا للبحث كَمَا فعل غَيرهم من أَرْبَاب الْفُنُون وَقد جعل من بعدهمْ مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ فَنًّا مُسْتقِلّا سموهُ بمصطلح أهل الْأَثر وَقد اعتنى الْعلمَاء الْأَعْلَام بِهِ وألفوا فِيهِ مؤلفات كَثِيرَة وَهُوَ فن لَا يسع طَالب علم الْأَثر جَهله وَقد رَأَيْت أَن أورد مِنْهُ فِيمَا يَأْتِي مَا ظهر لي عظم جدواه فِيمَا عَمَدت إِلَيْهِ ولنبدأ بِذكر فَوَائِد مهمة تتَعَلَّق بذلك

الفائدة الأولى

الْفَائِدَة الأولى الِاصْطِلَاح اتِّفَاق الْقَوْم على اسْتِعْمَال لفظ فِي معنى معِين غير الْمَعْنى الَّذِي وضع لَهُ فِي أصل اللُّغَة وَذَلِكَ كَلَفْظِ الْوَاجِب فَإِنَّهُ فِي أصل اللُّغَة بِمَعْنى الثَّابِت وَاللَّازِم وَقد اصْطلحَ الْفُقَهَاء على وَضعه لما يُثَاب الْمَرْء على فعله ويعاقب على تَركه واصطلح المتكلمون على وَضعه لما لَا يتَصَوَّر فِي الْعقل عَدمه وَاللَّفْظ إِذا اسْتعْمل فِي الْمَعْنى الَّذِي وَضعه لَهُ المصطلحون يكون حَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم ومجازا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرهم قَالَ فِي الْمِفْتَاح الْحَقِيقَة هِيَ الْكَلِمَة المستعملة فِي مَعْنَاهَا بالتحقيق والحقيقة تَنْقَسِم عِنْد الْعلمَاء إِلَى لغوية وشرعية وعرفية وَالسَّبَب فِي انقسامها هَذَا هُوَ مَا عرفت أَن اللَّفْظَة يمْتَنع أَن تدل على مُسَمّى من غير وضع فَمَتَى رَأَيْتهَا دَالَّة لم تشك فِي أَن لَهَا وضعا وَأَن لوضعها صاحبا فالحقيقة لدلالتها على الْمَعْنى تستدعي صَاحب وضع قطعا فَمَتَى تعين عنْدك نسبت الْحَقِيقَة إِلَيْهِ فَقلت لغوية إِن كَانَ صَاحب وَضعهَا وَاضع اللُّغَة وَقلت شَرْعِيَّة إِن كَانَ صَاحب وَضعهَا الشَّارِع وَمَتى لم يتَعَيَّن قلت عرفية وَهَذَا المأخذ يعرفك أَن انقسام الْحَقِيقَة إِلَى أَكثر مِمَّا هِيَ منقسمة إِلَيْهِ غير مُمْتَنع فِي نفس الْأَمر اهـ هَذَا وَقد ذكر الْمُحَقِّقُونَ أَنه يَنْبَغِي لمن تكلم فِي فن من الْفُنُون أَن يُورد الْأَلْفَاظ المتعارفة فِيهِ مُسْتَعْملا لَهَا فِي مَعَانِيهَا الْمَعْرُوفَة عِنْد أربابه ومخالف ذَلِك إِمَّا جَاهِل بِمُقْتَضى الْمقَام أَو قَاصد للإبهام أَو الْإِيهَام مِثَال ذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ أَن يَقُول قَائِل عَن حَدِيث ضَعِيف إِنَّه حَدِيث حسن فَإِذا اعْترض عَلَيْهِ قَالَ وَصفته بالْحسنِ بِاعْتِبَار الْمَعْنى اللّغَوِيّ لاشتمال هَذَا الحَدِيث على حِكْمَة بَالِغَة وَأما قَوْلهم لَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح فَهُوَ من قبيل تمحل الْعذر وَقَائِل ذَلِك عاذل فِي صُورَة عاذر

مِثَال ذَلِك فِي الرَّاوِي أَن يُقَال كل راو يكون عدلا ضابطا فَهُوَ مَقْبُول الرِّوَايَة وكل راو يكون غير عدل أَو غير ضَابِط فَهُوَ مَرْدُود الرِّوَايَة وَمِثَال ذَلِك فِي الْمَرْوِيّ أَن يُقَال كل مَرْوِيّ تكون رُوَاته أهل عَدَالَة وَضبط فَهُوَ مَقْبُول يحْتَج بِهِ وكل مَرْوِيّ لَا تكون رُوَاته من أهل الْعَدَالَة والضبط فَهُوَ مَرْدُود لَا يحْتَج بِهِ وَأما معرفَة حَال الرَّاوِي الْمعِين وَحَال الْمَرْوِيّ الْمعِين فَإِنَّمَا تكون بالبحث عَنهُ بِعَيْنِه على الطَّرِيقَة الَّتِي جرى عَلَيْهَا أَئِمَّة الحَدِيث وَقد قَامُوا بذلك أحسن قيام فكفوا من بعدهمْ المؤونة وَقَوله من حَيْثُ الْقبُول وَالرَّدّ احْتَرز بِهِ عَن معرفَة حَال الرَّاوِي والمروي من جِهَة أُخْرَى ككون الرَّاوِي أَبيض أَو أسود أَو كَون الْمَرْوِيّ كلَاما ظَاهر الدّلَالَة على الْمَعْنى أَو خَفِي الدّلَالَة عَلَيْهِ وَاعْترض عَلَيْهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون الْمَحْمُول فِي مسَائِل هَذَا الْفَنّ هُوَ قَوْلك مَقْبُول أَو مَرْدُود فَتكون الْمسَائِل الَّتِي محمولها غير ذَلِك مثل صَحِيح أَو حسن أَو ضَعِيف وَنَحْوهَا خَارِجَة عَن هَذَا الْفَنّ وَثَانِيها ان تكون مسَائِل هَذَا الْفَنّ كلهَا ترجع إِلَى قَوْلك الرَّاوِي من حَيْثُ كَذَا مَقْبُول وَمن حَيْثُ كَذَا مَرْدُود والمروي كَذَلِك وَأما مَا يُقَال من أَن فِي هَذَا الْفَنّ مسَائِل لَا تتَعَلَّق بِالْقبُولِ وَالرَّدّ كآداب الشَّيْخ والطالب وَنَحْو ذَلِك فالخطب فِيهِ سهل فَإِن أَكثر الْفُنُون قد يتَعَرَّض فِيهَا لمباحث غير مَقْصُودَة بِالذَّاتِ غير أَن لَهَا تعلقا بِالْمَقْصُودِ فَتكون كالتتمة وَهُوَ أَمر لَا يُنكر

الفائدة الثالثة

وَالْأولَى تَسْمِيَة هَذَا الْفَنّ بِالِاسْمِ الأول فَإِنَّهُ أدل على الْمَقْصُود وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء من الْإِبْهَام أَو الْإِيهَام وَقد جرى على ذَلِك الْحَافِظ ابْن حجر فَسمى رسَالَته الْمَشْهُورَة فِيهِ ب نخبة الْفِكر فِي مصطلح أهل الْأَثر الْفَائِدَة الثَّالِثَة قد قسموا علم الحَدِيث أَولا إِلَى قسمَيْنِ قسم يتَعَلَّق بروايته وَقسم يتَعَلَّق بدرايته ثمَّ قسموا كل قسم مِنْهَا إِلَى أَقسَام سموا كل وَاحِد مِنْهَا باسم وَمن أَرَادَ معرفَة ذَلِك فَليرْجع إِلَى الْكتب المبسوطة فِي علم الحَدِيث وَقد أحببنا الِاقْتِصَار هُنَا على تَعْرِيف الْعلم الْمُتَعَلّق بروايته وَالْعلم الْمُتَعَلّق بدرايته وَقد تعرض لذَلِك صَاحب إرشاد القاصد فِي أثْنَاء بَيَان الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة فآثرنا إِيرَاد الْمقَالة بِتَمَامِهَا رِعَايَة لاتصال الْكَلَام وَلما فِيهَا من الْفَوَائِد الَّتِي لَا يسْتَغْنى عَنْهَا فِي هَذَا الْمقَام قَالَ من الْمَعْلُوم أَن إرْسَال الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام إِنَّمَا هُوَ لطف من الله تَعَالَى بخلقه وَرَحْمَة لَهُم ليتم لَهُم امْر معاشهم ويتبين حَال معادهم فتشتمل الشَّرِيعَة ضَرُورَة على المعتقدات الصَّحِيحَة الَّتِي يجب التَّصْدِيق بهَا والعبادات المقربة إِلَى الله تَعَالَى مِمَّا يجب الْقيام بِهِ والمواظبة عَلَيْهَا وَالْأَمر بالفضائل وَالنَّهْي عَن الرذائل مِمَّا يجب قبُوله فينتظم من ذَلِك ثَمَانِيَة عُلُوم شَرْعِيَّة وَهِي علم الْقرَاءَات وَعلم رِوَايَة الحَدِيث وَعلم تَفْسِير الْكتاب الْمنزل على النَّبِي الْمُرْسل وَعلم دراية الحَدِيث وَعلم أصُول الدّين وَعلم أصُول الفقة وَعلم الجدل وَعلم الْفِقْه

وَذَلِكَ لِأَن الْمَقْصُود إِمَّا النَّقْل وَإِمَّا فهم الْمَنْقُول وَإِمَّا تَقْرِيره وَإِمَّا تشييده بالأدلة وَإِمَّا اسْتِخْرَاج الْأَحْكَام المستنبطة وَالنَّقْل إِن كَانَ لما أَتَى بِهِ الرَّسُول عَن الله تَعَالَى بِوَاسِطَة الْوَحْي فَهُوَ علم الْقرَاءَات أَو لما صدر عَن نَفسه المؤيدة بالعصمة فَعلم رِوَايَة الحَدِيث وَفهم الْمَنْقُول إِن كَانَ من كَلَام الله تَعَالَى فَعلم تَفْسِير الْقُرْآن أَو من كَلَام الرَّسُول فَعلم دراية الحَدِيث والتقرير إِمَّا للآراء فَعلم أصُول الحدين أَو للأفعال فَعلم أصُول الْفِقْه وَمَا يستعان بِهِ على التَّقْرِير علم الجدل وَمَعْرِفَة الْأَحْكَام المستنبطة علم الْفِقْه وَلَا خَفَاء لَدَى ذِي حجر بِمَا فِي هَذِه الْعُلُوم من جملَة من الْمَنَافِع أما فِي الدُّنْيَا فحفظ المهج وَالْأَمْوَال وانتظام سَائِر الْأَحْوَال وَأما فِي الْأُخْرَى فَالنَّجَاةُ من الْعَذَاب الْأَلِيم والفوز بالنعيم الْمُقِيم فلنذكرها على التَّفْصِيل برسومها ونشير إِلَى الْكتب المفيدة علم الْقِرَاءَة علم بِنَقْل لُغَة الْقُرْآن وَإِعْرَابه الثَّابِت بِالسَّمَاعِ الْمُتَّصِل وَمن الْكتب الْمَشْهُورَة المختصرة فِيهِ التَّيْسِير ونظمه الشاطبي برد الله مضجعه فِي لاميته الْمَشْهُورَة فنسخت سَائِر كتب الْفَنّ لضبطها بالنظم وَلابْن مَالك رَحمَه الله دالية بديعة فِي علم الْقرَاءَات لَكِنَّهَا لم تشتهر وَمن الْكتب المبسوطة كتاب الرَّوْضَة وشروح الشاطبية علم رِوَايَة الحَدِيث علم بِنَقْل أَقْوَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفعاله بِالسَّمَاعِ الْمُتَّصِل وضبطها وتحريرها

وأضبط الْكتب الْمجمع على صِحَّتهَا كتاب البُخَارِيّ وَكتاب مُسلم وبعدهما بَقِيَّة كتاب السّنَن الْمَشْهُورَة كسنن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ

والمسندات الْمَشْهُورَة كمسند أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار وَنَحْوهَا وزهر الخمائل لِابْنِ سيد النَّاس مستوعب للسير النَّبَوِيَّة وَمن الْكتب الْمُشْتَملَة على متون الْأَحَادِيث الْمُجَرَّدَة من هَذِه الْكتب الْإِلْمَام لِابْنِ دَقِيق الْعِيد فِيمَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ ورياض الصَّالِحين للنووي فِيمَا يتَعَلَّق بالترغيبات والترهيبات علم التَّفْسِير علم يشْتَمل على معرفَة فهم كتاب الله الْمنزل على نبيه الْمُرْسل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَيَان مَعَانِيه واستخراج أَحْكَامه وَحكمه

والعلوم الموصلة إِلَى علم التَّفْسِير فِي اللُّغَة وَعلم النَّحْو وَعلم التصريف وَعلم الْمعَانِي وَعلم الْبَيَان وَعلم البديع وَعلم الْقرَاءَات وَيحْتَاج إِلَى معرفَة أَسبَاب النُّزُول وَأَحْكَام النَّاسِخ والمنسوخ وَإِلَى معرفَة أَخْبَار أهل الْكتاب ويستعان فِيهِ بِعلم أصُول الْفِقْه وَعلم الجدل وَمن الْكتب المختصرة فِيهِ زَاد الْمسير لِابْنِ الْجَوْزِيّ وَالْوَجِيز لِلْوَاحِدِيِّ وَمن المتوسطة تَفْسِير الماتريدي والكشاف للزمخشري وَتَفْسِير الْبَغَوِيّ وَتَفْسِير الكواشي وَمن المبسوطة الْبَسِيط لِلْوَاحِدِيِّ وَتَفْسِير الْقُرْطُبِيّ ومفاتيح الْغَيْب للْإِمَام فَخر الدّين بن الْخَطِيب وَاعْلَم أَن أَكثر الْمُفَسّرين اقْتصر على الْفَنّ الَّذِي يغلب عَلَيْهِ فالثعلبي تغلب عَلَيْهِ الْقَصَص وَابْن عَطِيَّة تغلب عَلَيْهِ الْعَرَبيَّة وَابْن الْفرس أَحْكَام الْفِقْه والزجاج الْمعَانِي وَنَحْو ذَلِك وَهَاهُنَا بحث وَهُوَ من الْمَعْلُوم الْبَين أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا خَاطب خلقه بِمَا يفهمونه وَلذَلِك أرسل كل رَسُول بِلِسَان قومه وَأنزل كتاب كل قوم على لغتهم وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى التَّفْسِير لما سَنذكرُهُ بعد تَقْرِير قَاعِدَة وَهِي أَن كل من وضع من الْبشر كتابا فَإِنَّمَا وَضعه ليفهم بِذَاتِهِ من غير شرح وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى الشَّرْح لأمور ثَلَاثَة أَحدهَا كَمَال فَضِيلَة المُصَنّف فَإِنَّهُ بجودة ذهنه وَحسن عِبَارَته يتَكَلَّم على معَان دقيقة بِكَلَام وجيز يرَاهُ كَافِيا فِي الدّلَالَة على الْمَطْلُوب وَغَيره لَيْسَ فِي مرتبته فَرُبمَا عسر عَلَيْهِ فهم بَعْضهَا أَو تعذر فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَة بسط فِي الْعبارَة لتظهر تِلْكَ الْمعَانِي الْخفية وَمن هُنَا شرح بعض الْعلمَاء تصنيفه وَثَانِيها حذف بعض مُقَدمَات الأقيسة اعْتِمَادًا على وضوحها أَو لِأَنَّهَا من علم آخر وَكَذَلِكَ تَرْتِيب إهمال بعض الأقيسة وإغفال علل بعض القضايا

فَيحْتَاج الشَّارِح أَن يذكر الْمُقدمَات المهملات وَيبين مَا يُمكن بَيَانه فِي ذَلِك الْعلم وينبه على الغنية عَن الْبَيَان ويرشد إِلَى أَمَاكِن مَا لَا يتَبَيَّن بذلك الوضوع من الْمُقدمَات ويرتب القياسات وَيُعْطِي علل مَا لَا يُعْطي المُصَنّف علله وَثَالِثهَا احْتِمَال اللَّفْظ لمعان تاويلية كَمَا هُوَ الْغَالِب على كثير من اللُّغَات أَو لطافة الْمَعْنى عَن أَن يعبر عَنهُ بِلَفْظ يُوضحهُ أَو للألفاظ المجازية وَاسْتِعْمَال الدّلَالَة الالتزامية فَيحْتَاج الشَّارِح إِلَى بَيَان غَرَض المُصَنّف وترجيحه وَقد يَقع فِي بعض التصانيف مَا لَا يَخْلُو الْبشر عَنهُ من السَّهْو والغلط والحذف لبَعض الْمُهِمَّات وتكرار الشَّيْء بِعَيْنِه لغير ضَرُورَة إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يَقع فِي الْكتب المصنفة فَيحْتَاج الشَّارِح أَن يُنَبه على ذَلِك وَإِذا تقررت هَذِه الْقَاعِدَة نقُول إِن الْقُرْآن الْعَظِيم إِنَّمَا أنزل بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ فِي زمن أفْصح الْعَرَب وَكَانُوا يعلمُونَ ظواهره وَأَحْكَامه أما دقائق بَاطِنه فَإِنَّمَا كَانَت تظهر لَهُم بعد الْبَحْث وَالنَّظَر وجودة التَّأَمُّل والتدبر مَعَ سُؤَالهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَكْثَر ودعا لحبر الْأمة فَقَالَ اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل وَلم ينْقل إِلَيْنَا عَن الصَّدْر الأول تَفْسِير الْقُرْآن وتأويله بجملته فَنحْن نحتاج إِلَى مَا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ زِيَادَة على مَا لم يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من أَحْكَام الظَّوَاهِر لقصورنا عَن مدارك أَحْكَام اللُّغَة بِغَيْر تعلم فَنحْن أَشد احتياجا إِلَى التَّفْسِير وَمَعْلُوم أَن تَفْسِيره يكون من قبيل بسط الْأَلْفَاظ الوجيزة وكشف مَعَانِيهَا وَبَعضه من قبيل تَرْجِيح بعض الِاحْتِمَالَات على بعض لبلاغته وَحسن مَعَانِيه وَهَذَا لَا يَسْتَغْنِي عَن قانون عَام يعول فِي تَفْسِيره عَلَيْهِ وَيرجع فِي تَأْوِيله إِلَيْهِ ومسبار

تَامّ يُمَيّز ذَلِك وتتضح بِهِ المسالك وَقد أودعناه كتَابنَا الْمُسَمّى نغب الطَّائِر من الْبَحْر الزاخر وأردفناه هُنَالك بالْكلَام على الْحُرُوف الْوَاقِعَة مُفْردَة فِي أَوَائِل السُّور اكْتِفَاء بالمهم عَن الإطناب لمن كَانَ صَحِيح النّظر علم دراية الحَدِيث علم يتعرف مِنْهُ أَنْوَاع الرِّوَايَة وأحكامها وشروط الروَاة وأصناف المرويات واستخراج مَعَانِيهَا وَيحْتَاج إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ علم التَّفْسِير من اللُّغَة والنحو والتصريف والمعاني والبديع وَالْأُصُول وَيحْتَاج إِلَى تَارِيخ النقلَة وَالْكَلَام فِي احْتِيَاجه إِلَى مسبار يميزه كَالْكَلَامِ فِيمَا سبق والكتب المنسوبة إِلَى هَذَا الْعلم كالتقريب والتيسير للنووي وَأَصله ككتاب عُلُوم الحَدِيث لِابْنِ الصّلاح وَأَصله ككتاب الْمعرفَة للْحَاكِم وَكتاب الْكِفَايَة للخطيب أبي بكر بن ثَابت إِنَّمَا هِيَ مدَاخِل لَيست بكتب كَافِيَة فِي هَذَا الْعلم علم أصُول الدّين علم يشْتَمل على بَيَان الآراء والمعتقدات الَّتِي صرح بهَا صَاحب الشَّرْع وإثباتها بالأدلة الْعَقْلِيَّة ونصرتها وتزييف كل مَا خالفها وَالْمَشْهُور أَن أول من تكلم فِي هَذَا الْعلم فِي الْملَّة الإسلامية عَمْرو بن عبيد وواصل بن عَطاء وَغَيرهمَا من رجال الْمُعْتَزلَة لما وَقعت لَهُم الشُّبْهَة فِي كَلَام الله تَعَالَى كَيفَ يكون مُحدثا وَهُوَ صفة من صِفَات الْقَدِيم وَكَيف يكون قَدِيما وَهُوَ أَمر وَنهي وَخبر وتوراة وإنجيل وَقُرْآن والشبهة فِي مَسْأَلَة الْقدر هَل الْأَشْيَاء الكائنة كلهَا بِقدر الله وَلَا قدرَة للْعَبد على الْخُرُوج عَنْهَا فَكيف الْعقَاب وَإِن كَانَ للْعَبد قدرَة على مُخَالفَة الْمَقْدُور فَيلْزم تغير علم الأول بالكائنات إِلَى غير ذَلِك من الْمسَائِل وَأخذ عَنْهُم أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَخَالفهُم فِي كثير من الْمسَائِل وَمن الْكتب المختصرة فِيهِ قَوَاعِد العقائد للخوجة نصير الدّين الطوسي ولباب الْأَرْبَعين للْقَاضِي جمال الدّين بن وَاصل وَمن المتوسطة المحصل للْإِمَام

الفائدة الرابعة

فَخر الدّين ولباب الْأَرْبَعين للأرموي وَمن المبسوطة نِهَايَة الْعُقُول للْإِمَام فَخر الدّين والصحائف للسمرقندي علم أصُول الْفِقْه علم يتعرف مِنْهُ تَقْرِير مطَالب الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة العلمية وَطَرِيق استنباطها ومواد حججها واستخراجها بِالنّظرِ وَمن الْكتب المختصرة فِيهِ الْقَوَاعِد لِابْنِ الساعاتي ومختصر ابْن الْحَاجِب والمنهاج للبيضاوي ومختصر الرَّوْضَة لِابْنِ قدامَة وَمن المتوسطة التَّحْصِيل للأرموي وَمن المبسوطة الْأَحْكَام للآمدي والمحصول للْإِمَام فَخر الدّين بن الْخَطِيب علم الجدل علم يتعرف مِنْهُ كَيْفيَّة تَقْرِير الْحجَج الشَّرْعِيَّة وَدفع الشّبَه وقوادح الْأَدِلَّة وترتيب النكت الخلافية وَهَذَا متولد من الجدل الَّذِي هُوَ أحد أَجزَاء الْمنطق لكنه خصص بالمباحث الدِّينِيَّة وَلِلنَّاسِ فِيهِ طرق أشبههَا طَريقَة العميدي وَمن الْكتب المختصرة فِيهِ الْمُغنِي للأبهري والفصول للنسفي وَالْخُلَاصَة للمراغي وَمن المتوسطة النفائس للعميدي والرسائل للأرموي وَمن المبسوطة تَهْذِيب النكت للأرموي علم الْفِقْه علم بِأَحْكَام التكاليف الشَّرْعِيَّة العملية كالعبادات والمعاملات الْعَادَات وَنَحْوهَا الْفَائِدَة الرَّابِعَة قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك الْإِسْنَاد من الدّين وَلَوْلَا الْإِسْنَاد لقَالَ من شَاءَ مَا شَاءَ وَقَالَ أَيْضا بَيْننَا وَبَين الْقَوْم القوائم يَعْنِي الْإِسْنَاد وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عِيسَى الطَّالقَانِي قلت لعبد الله بن الْمُبَارك يَا أَبَا

عبد الرَّحْمَن الحَدِيث الَّذِي جَاءَ إِن من الْبر بعد الْبر أَن تصلي لِأَبَوَيْك مَعَ صَلَاتك وتصوم لَهما مَعَ صومك فَقَالَ عبد الله يَا أَبَا إِسْحَاق عَمَّن هَذَا قلت لَهُ هَذَا من حَدِيث شهَاب بن خرَاش فَقَالَ ثِقَة عَمَّن قلت عَن الْحجَّاج بن دِينَار قَالَ ثِقَة عَمَّن قلت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا أَبَا إِسْحَاق إِن بَين الْحجَّاج بن دِينَار وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مفاوز تَنْقَطِع فِيهَا أَعْنَاق الْمطِي وَلَكِن لَيْسَ فِي الصَّدَقَة اخْتِلَاف وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد أدْركْت بِالْمَدِينَةِ مئة كلهم مَأْمُون مَا يُؤْخَذ عَنْهُم الحَدِيث يُقَال لَيْسَ من أَهله ذكر ذَلِك مُسلم فِي صَحِيحه والإسناد مصدر من قَوْلك أسندت الحَدِيث إِلَى قَائِله إِذْ رفعته إِلَيْهِ بِذكر ناقله وَأما السَّنَد فَهُوَ فِي اللُّغَة مَا استندت إِلَيْهِ من جِدَار وَغَيره وَهُوَ فِي الْعرف طَرِيق متن الحَدِيث وَسمي سندا لاعتماد الْحفاظ فِي صِحَة الحَدِيث وَضَعفه عَلَيْهِ مِثَال الحَدِيث الْمسند قَول يحيى أحد رُوَاة الْمُوَطَّأ أخبرنَا مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يبع بَعْضكُم على بيع بعض فمتن الحَدِيث فِيهِ هُوَ لَا يبع بَعْضكُم على بيع بعض والمتن فِي أصل اللُّغَة الظّهْر وَمَا صلب من الأَرْض وارتفع ثمَّ اسْتعْمل فِي الْعرف فِيمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ السَّنَد وَالْإِضَافَة فِيهِ للْبَيَان وَسَنَد الحَدِيث هُوَ مَا ذكر قبل الْمَتْن وَيُقَال لَهُ الطَّرِيق لِأَنَّهُ يُوصل إِلَى الْمَقْصُود هُنَا وَهُوَ الحَدِيث كَمَا يُوصل الطَّرِيق المحسوس إِلَى مَا يَقْصِدهُ السالك فِيهِ وَقد يُقَال للطريق الْوَجْه تَقول هَذَا حَدِيث لَا يعرف إِلَّا من هَذَا الْوَجْه

وَأما الْإِسْنَاد فقد عرفت أَنه مصدر أسْند وَلذَلِك لَا يثنى وَلَا يجمع وكثرا مَا يُرَاد بِهِ السَّنَد فيثنى وَيجمع تَقول هَذَا حَدِيث لَهُ إسنادان وَهَذَا حَدِيث لَهُ أَسَانِيد وَأما السَّنَد فيثنى وَلَا يجمع تَقول هَذَا حَدِيث لَهُ سندان وَلَا يُقَال هَذَا حَدِيث لَهُ أسناد بِوَزْن أوتاد وَكَأَنَّهُم استغنوا بِجمع الْإِسْنَاد بِمَعْنى السَّنَد عَن جمعه وَقد ذكر بعض اللغويين أَن السَّنَد بمعانيه اللُّغَوِيَّة لم يجمع أَيْضا وَقد وَقع

الفائدة الخامسة

ذُهُول لكثير من الأفاضل عَن أَن الْإِسْنَاد يَأْتِي بِمَعْنى الْمصدر وَيَأْتِي اسْما بِمَعْنى السَّنَد فاضطربت عباراتهم حَتَّى أوقعوا الْمطَالع فِي الْحيرَة الْفَائِدَة الْخَامِسَة اتّفق عُلَمَاء الحَدِيث على أَنه لَا يُؤْخَذ بِالْحَدِيثِ إِلَّا إِذا كَانَت رُوَاته موصوفين بِالْعَدَالَةِ والضبط وَأَن الْعَدَالَة وَحدهَا غير كَافِيَة ولنذكر لَك شَيْئا مِمَّا قَالُوهُ فِي ذَلِك قَالَ أَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان أدْركْت بِالْمَدِينَةِ مئة كلهم مَأْمُون مَا يُؤْخَذ عَنْهُم الحَدِيث يُقَال لَيْسَ من أَهله وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك قلت لِسُفْيَان الثَّوْريّ إِن عباد بن كثير من تعرف حَاله وَإِذا حدث جَاءَ بِأَمْر عَظِيم فترى أَن أَقُول للنَّاس لَا تَأْخُذُوا عَنهُ قَالَ سُفْيَان بلَى قَالَ عبد الله فَكنت إِذا كنت فِي مجْلِس ذكر فِيهِ عباد أثنيت عَلَيْهِ فِي دينه وَأَقُول لَا تَأْخُذُوا عَنهُ وَقَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان لم نر أهل الْخَيْر فِي شَيْء أكذب مِنْهُم فِي الحَدِيث قَالَ مُسلم يجْرِي الْكَذِب على لسانهم وَلَا يتعمدون الْكَذِب وَقَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ إِن لي جارا ثمَّ ذكر من فَضله وَلَو شهد عِنْدِي على تمرتين مَا رَأَيْت شَهَادَته جَائِزَة

وَقَالَ عَفَّان بن مُسلم كُنَّا عِنْد إِسْمَاعِيل بن علية فَحدث رجل عَن رجل فَقلت إِن هَذَا لَيْسَ بثبت فَقَالَ الرجل اغْتَبْته فَقَالَ إِسْمَاعِيل مَا اغتابه وَلكنه حكم أَنه لَيْسَ بثبت وَقَالَ زَكَرِيَّا بن عدي قَالَ لي أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ اكْتُبْ عَن بَقِيَّة مَا روى عَن المعروفين وَلَا تكْتب عَنهُ مَا روى عَن غير المعروفين وَلَا تكْتب عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش مَا روى عَن المعروفين وَلَا غَيرهم وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك بَقِيَّة صَدُوق اللِّسَان وَلكنه يَأْخُذ عَمَّن أقبل وَأدبر ذكر ذَلِك مُسلم فِي صَحِيحه وَكَانَ الإِمَام مَالك شَدِيد الانتقاد للرواة وَقد نقل عَنهُ فِي ذَلِك أَقْوَال أوردهَا الْجلَال فِي إسعاف المبطأ بِرِجَال الْمُوَطَّأ وَنحن نورد هُنَا شَيْئا مِنْهَا روى عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ مَا كَانَ أَشد انتقاد مَالك للرِّجَال وأعلمه بشأنهم وَقَالَ يحيى بن معِين كل من روى عَنهُ مَالك بن أنس فَهُوَ ثِقَة إِلَّا عبد الْكَرِيم الْبَصْرِيّ أَبَا أُميَّة وَقَالَ النَّسَائِيّ مَا أحد عِنْدِي من التَّابِعين أنبل من مَالك بن أنس وَلَا أجل وَلَا آمن على الحَدِيث مِنْهُ ثمَّ يَلِيهِ شُعْبَة فِي الحَدِيث ثمَّ يحيى بن سعيد الْقطَّان لَيْسَ بعد التَّابِعين آمن على الحَدِيث من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَلَا أقل رِوَايَة عَن الضُّعَفَاء

وَقَالَ معن بن عِيسَى كَانَ مَالك يَقُول لَا يُؤْخَذ الْعلم من أَرْبَعَة وَيُؤْخَذ مِمَّن سوى ذَلِك لَا يُؤْخَذ من سَفِيه وَلَا يُؤْخَذ من صَاحب هوى يَدْعُو النَّاس إِلَى هَوَاهُ وَلَا من كَذَّاب يكذب فِي أَحَادِيث النَّاس وَإِن كَانَ لَا يتهم على أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا من شيخ لَهُ فضل وَصَلَاح وَعبادَة إِذا كَانَ لَا يعرف مَا يحدث بِهِ وَقَالَ إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي سُئِلَ مَالك أيؤخذ الْعلم مِمَّن لَيْسَ لَهُ طلب وَلَا مجالسة فَقَالَ لَا فَقيل أيؤخذ مِمَّن هُوَ صَحِيح ثِقَة غير أَنه لَا يحفظ وَلَا يفهم مَا يحدث بِهِ فَقَالَ لَا يكْتب الْعلم إِلَّا عَمَّن يحفظ وَيكون قد طلب وجالس النَّاس وَعرف وَعمل وَيكون مَعَه ورع وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس سَمِعت خَالِي مَالِكًا يَقُول إِن هَذَا الْعلم دين فانظروا عَمَّن تأخذون دينكُمْ لقد أدْركْت سبعين مِمَّن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد هَذِه الأساطين فَمَا أخذت عَنْهُم شَيْئا وَإِن أحدهم لَو ائْتمن على بَيت مَال لَكَانَ بِهِ أَمينا لأَنهم لم يَكُونُوا من أهل هَذَا الشَّأْن وَقدم علينا ابْن شهَاب فَكُنَّا نزدحم عِنْد بَابه وَقَالَ أَبُو سعيد الْأَعرَابِي كَانَ يحيى بن معِين يوثق الرجل لرِوَايَة مَالك عَنهُ سُئِلَ ع غير وَاحِد فَقَالَ ثِقَة روى عَنهُ مَالك وَقَالَ شُعْبَة بن الْحجَّاج كَانَ مَالك أحد المميزين وَلَقَد سمعته يَقُول لَيْسَ كل النَّاس يكْتب عَنْهُم وَإِن كَانَ لَهُم فضل فِي أنفسهم إِنَّمَا هِيَ أَخْبَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تُؤْخَذ إِلَّا من أَهلهَا وَقَالَ ابْن كنَانَة قَالَ مَالك من جعل التَّمْيِيز رَأس مَاله عدم الخسران وَكَانَ على زِيَادَة

الفائدة السادسة

الْفَائِدَة السَّادِسَة من أصعب الْأَشْيَاء الْوُقُوف على رسم الْعَدَالَة فضلا عَن حَدهَا وَقد خَاضَ الْعلمَاء فِي ذَلِك كثيرا فَقَالَ بَعضهم الْعَدَالَة هِيَ ملكة تمنع عَن اقتراف الْكَبَائِر والإصرار على الصَّغَائِر وَقَالَ بَعضهم هِيَ ملكة تمنع عَن اقتراف الْكَبَائِر وَعَن فعل صَغِيرَة تشعر بالخسة كسرقة باقة بقل وَقَالَ بَعضهم من كَانَ الْأَغْلَب من أمره الطَّاعَة والمروءة قبلت شَهَادَته وَرِوَايَته وَمن كَانَ الْأَغْلَب من أمره الْمعْصِيَة وَخلاف الْمُرُوءَة ردَّتْ شَهَادَته وَرِوَايَته وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى الْعَدَالَة فِي الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة عبارَة عَن استقامة السِّيرَة فِي الدّين وَيرجع حاصلها إِلَى هَيْئَة راسخة فِي النَّفس تحمل على مُلَازمَة التَّقْوَى والمروءة جَمِيعًا حَتَّى تحصل ثِقَة النُّفُوس بصدقه فَلَا ثِقَة بقول من لَا يخَاف الله تَعَالَى خوفًا وازعا عَن الْكَذِب ثمَّ لَا خلاف فِي أَنه لَا تشْتَرط الْعِصْمَة من جَمِيع الْمعاصِي وَلَا يَكْفِي أَيْضا اجْتِنَاب الْكَبَائِر بل من الصَّغَائِر مَا يرد بِهِ كسرقة بصلَة وتطفيف فِي حَبَّة قصدا وَبِالْجُمْلَةِ كل مَا يدل على ركاكة دينه إِلَى حد يجترئ على الْكَذِب للأغراض الدُّنْيَوِيَّة كَيفَ وَقد شَرط فِي الْعَدَالَة التوقي عَن بعض الْمُبَاحَات القادحة فِي الْمُرُوءَة نَحْو الْأكل فِي الطَّرِيق وَالْبَوْل فِي الشَّارِع وصحبة الأرذال والإفراط فِي المزاح وَالضَّابِط فِي ذَلِك فِيمَا جَاوز مَحل الْإِجْمَاع أَن يرد إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم فَمَا دلّ عِنْده على جراءته على الْكَذِب رد الشَّهَادَة بِهِ وَمَا لَا فَلَا وَهَذَا يخْتَلف بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُجْتَهدين وتفصيل ذَلِك من الْفِقْه لَا من الْأُصُول وَرب شخص يعْتَاد الْغَيْبَة وَيعلم الْحَاكِم أَن ذَلِك لَهُ طبع لَا يصبر عَنهُ وَلَو حمل على شَهَادَة الزُّور لم يشْهد أصلا فقبوله شَهَادَته بِحكم اجْتِهَاده جَائِر فِي حَقه وَيخْتَلف ذَلِك بعادات الْبِلَاد وَاخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِي استعظام بعض الصَّغَائِر دون بعض اهـ

وَقَالَ الْجُوَيْنِيّ الثِّقَة هِيَ الْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي الْخَبَر فَمَتَى حصلت الثِّقَة بالْخبر قبل وَهَذَا القَوْل وَأَمْثَاله وَإِن كَانَ مُخَالفا لما عَلَيْهِ الْجُمْهُور فِي الظَّاهِر فَهُوَ الْمعول عَلَيْهِ عِنْد الجهابذة فِي الْبَاطِن وَقد انتبه لذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ مَا لبابه قد نقل عَن كثير من الروَاة الْمَأْخُوذ بروايتهم الْإِصْرَار على الصَّغَائِر من الْغَيْبَة والنميمة وهجران الْأَخ من غير مُوجب فِي الشَّرْع وَنَحْو ذَلِك من حسد الأقران وَالْبَغي عَلَيْهِم بل وصل الْأَمر ببعضهم إِلَى أَن يَدْعُو إِلَى اعْتِقَاد مَا لَا يدل عَلَيْهِ نقل أَو عقل وَنسبَة من لَا يَقُول بِهِ إِلَى الْبِدْعَة بل إِلَى الْكفْر وَالظَّاهِر أَن الْمُعْتَبر فِي عَدَالَة الرَّاوِي هُوَ كَونه بِحَيْثُ لَا يظنّ بِهِ الاجتراء على الافتراء على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الْعِزّ بن عبد السَّلَام فِي الْقَوَاعِد الْكُبْرَى فَائِدَة لَا ترد شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء لِأَن الثِّقَة حَاصِلَة بِشَهَادَتِهِم حُصُولهَا بِشَهَادَة أهل السّنة أَو أولى فَإِن من يعْتَقد أَنه يخلد فِي النَّار على شَهَادَة الزُّور أبعد فِي الشَّهَادَة الكاذبة مِمَّن لَا يعْتَقد ذَلِك فَكَانَت الثِّقَة بِشَهَادَتِهِ وَخَبره أكمل من الثِّقَة بِمن لَا يعْتَقد ذَلِك ومدار قبُول الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة على الثِّقَة بِالصّدقِ وَذَلِكَ مُتَحَقق فِي أهل الْأَهْوَاء تحَققه فِي أهل السّنة وَالأَصَح أَنهم لَا يكفرون ببدعهم وَلذَلِك تقبل شَهَادَة الْحَنَفِيّ إِذا حددناه فِي شرب النَّبِيذ لِأَن الثِّقَة بقوله لم تنخرم بشربه لاعْتِقَاده

إِبَاحَته وَإِنَّمَا ردَّتْ شَهَادَته الخطابية لأَنهم يشْهدُونَ بِنَاء على إِخْبَار بَعضهم بَعْضًا فَلَا تحصل الثِّقَة بِشَهَادَتِهِم لاحْتِمَال بنائها على مَا ذَكرْنَاهُ اهـ وَلعدم وقُوف بعض النَّاس على مَا ذكرنَا من أَن بعض الْعلمَاء يمِيل إِلَى أَن الثِّقَة بالْخبر هِيَ الْمعول عَلَيْهِ فِي أمره انقسم الأغمار مِنْهُم إِلَى فريقين ففريق مِنْهُم اعْترض على كثير من جهابذة الْمُحدثين حَيْثُ رووا عَمَّن لَا ترتضى سيرتهم ظنا مِنْهُم بِأَن ذَلِك من قبيل الشَّهَادَة لَهُم بِحسن السِّيرَة ونقاء السريرة فنسبوهم إِلَى الْجَهْل أَو التجاهل وَمَا دروا بِأَن الرِّوَايَة عَنْهُم إِنَّمَا تشعر بالوثوق بخبرهم وَهَذَا أَيْضا إِنَّمَا يكون فِي الْكتب الَّتِي الْتزم أَرْبَابهَا أَن لَا يذكرُوا فِيهَا سوى مَا صَحَّ من الْأَخْبَار وفريق مِنْهُم صَار يذب عَن كل من روى عَنهُ إِمَام من أَئِمَّة الحَدِيث وَإِن كَانَ مِمَّن اتّفق عُلَمَاء الْأَخْبَار والْآثَار على الطعْن فِيهِ زعما مِنْهُم أَنهم لَا يروون إِلَّا عَمَّن يكون حسن السِّيرَة نقي السريرة نعم لَهُم وَجه فِي هَذِه الدَّعْوَى لَو صرح ذَلِك الإِمَام بِأَنَّهُ لَا يروي إِلَّا عَمَّن يكون كَذَلِك هَذَا وَمِمَّا يستغرب مَا ذهب إِلَيْهِ بعض من ينحو فِي الظَّاهِر نَحْو مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة فَقَالَ فِي مقَالَة لَهُ فِي أصُول الْفِقْه وَإِذا ورد الْخَبَر عَن قوم مستورين لم يتَكَلَّم فيهم بِجرح وَلَا تَعْدِيل وَجب الْأَخْذ بروايتهم فَإِن جرح أحد مِنْهُم بجرحة تُؤثر فِي صدقه ترك حَدِيثه وَإِن كَانَت الجرحة لَا تتَعَلَّق بنقله وَجب الْأَخْذ بِهِ إِلَّا شَارِب الْخمر إِذا حدث فِي حَال سكره فَإِن علم أَنه حدث فِي حَال صحوه وَهُوَ مِمَّن هَذِه صفته أَخذ بقوله وَالْأَصْل الْعَدَالَة والجرحة طارئة وَإِذا ثَبت على حد مَا قُلْنَاهُ ترك الْأَخْذ بِحَدِيث صَاحب تِلْكَ الجرحة اهـ وَقد نحا نَحْو هَذَا المنحى بعض الشِّيعَة فجوز الْأَخْذ بِرِوَايَة الْفَاسِق إِذا كَانَ متحرزا من الْكَذِب وَعلل ذَلِك بِأَن الْعَدَالَة الْمَطْلُوبَة فِي الرِّوَايَة مَوْجُودَة فِيهِ تَتِمَّة الْعَدَالَة مصدر عدل بِالضَّمِّ يُقَال عدل فلَان عَدَالَة وعدولة فَهُوَ عدل أَي

رضَا ومقنع فِي الشَّهَادَة وَالْعدْل يُطلق على الْوَاحِد وَغَيره يُقَال هُوَ عدل وهما عدل وهم عدل وَيجوز أَن يُطَابق فَيُقَال هما عَدْلَانِ وهم عدُول وَقد يُطَابق فِي التَّأْنِيث فَيُقَال امْرَأَة عدلة وَأما الْعدْل الَّذِي هُوَ ضد الْجور فَهُوَ مصدر قَوْلك عدل فِي الْأَمر فَهُوَ عَادل وتعديل الشَّيْء تقويمه يُقَال عدله تعديلا فاعتدل أَي قومه فاستقام وكل مثقف معدل وتعديل الشَّاهِد نسبته إِلَى الْعَدَالَة وَقد فسر الْعَدَالَة فِي الْمِصْبَاح فَقَالَ قَالَ بعض الْعلمَاء الْعَدَالَة صفة توجب مراعاتها الِاحْتِرَاز عَمَّا يخل بالمروءة عَادَة ظَاهرا فالمرة الْوَاحِدَة من صغائر الهفوات وتحريف الْكَلَام لَا تخل بالمروءة ظَاهرا لاحْتِمَال الْغَلَط وَالنِّسْيَان والتأويل بِخِلَاف مَا إِذا عرف مِنْهُ ذَلِك وتكرر فَيكون الظَّاهِر الْإِخْلَال وَيعْتَبر عرف كل شخص وَمَا يعتاده من لبسه وتعاطيه للْبيع وَالشِّرَاء وَحمل الْأَمْتِعَة وَغير ذَلِك فَإِذا فعل مَا لَا يَلِيق بِهِ لغير ضَرُورَة قدح وَإِلَّا فَلَا وَعرف الْمُرُوءَة فَقَالَ هِيَ آدَاب نفسانية تحمل مراعاتها الْإِنْسَان على الْوُقُوف عِنْد محَاسِن الْأَخْلَاق وَجَمِيل الْعَادَات يُقَال مرؤ الْإِنْسَان فَهُوَ مريء مثل قرب فَهُوَ قريب أَي ذُو مُرُوءَة قَالَ الْجَوْهَرِي وَقد تشدد فَيُقَال مروة وَقد اعْترض بعض الْعلمَاء على إِدْخَال الْمُرُوءَة فِي حد الْعَدَالَة لِأَن جلها يرجع إِلَى مُرَاعَاة الْعَادَات الْجَارِيَة بَين النَّاس وَهِي مُخْتَلفَة باخْتلَاف الْأَزْمِنَة والأمكنة والأجناس وَقد يدْخل فِي الْمُرُوءَة عرفا مَا لَا يستحسن فِي الشَّرْع وَلَا يَقْتَضِيهِ الطَّبْع على أَن الْمُرُوءَة من الْأُمُور الَّتِي يعسر معرفَة حَدهَا على وَجه لَا يخفى قَالَ بَعضهم الْمُرُوءَة الإنسانية وَقَالَ بَعضهم الْمُرُوءَة كَمَال الْمَرْء كَمَا أَن الرجولية كَمَال الرجل وَقَالَ بَعضهم الْمُرُوءَة هِيَ قُوَّة للنَّفس تصدر عَنْهَا الْأَفْعَال

الجميلة المستتبعة للمدح شرعا وعقلا وشرفا وَلَعَلَّ الْمُرُوءَة بِهَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ من قَالَ (مَرَرْت على الْمُرُوءَة وَهِي تبْكي ... فَقلت على مَا تنتحب الفتاة) (فَقَالَت كَيفَ لَا أبْكِي وَأَهلي ... جَمِيعًا دون كل الْخلق مَاتُوا) وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء الْمُرُوءَة صون النَّفس عَن الأدناس ورفعها عَمَّا يشين عِنْد النَّاس وَقيل سير الْمَرْء بسيره أَمْثَاله فِي زَمَانه فَمن ترك الْمُرُوءَة لبس الْفَقِيه القباء والقلنسوة وتررده فيهمَا بَين النَّاس فِي الْبِلَاد الَّتِي لم تجر عَادَة الْفُقَهَاء بلبسهما فِيهِ وَمِنْه الْمَشْي فِي الْأَسْوَاق مَكْشُوف الرَّأْس حَيْثُ لَا يعْتَاد ذَلِك وَلَا يَلِيق بِمثلِهِ وَمِنْه مد الرجلَيْن فِي مجَالِس النَّاس وَمِنْه نقل الرجل الْمُعْتَبر المَاء والأطعمة إِلَى بَيته إِذا كَانَ عَن بخل وشح وَإِن كَانَ عَن تواضع واقتداء بالسلف لم يقْدَح ذَلِك فِي الْمُرُوءَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ يَأْكُل مَا يجد وَيَأْكُل حَيْثُ يجد زهدا وتنزها عَن التكلفات الْمُعْتَادَة وَيعرف ذَلِك بقرائن الْأَحْوَال وَإِنَّمَا لَا تقبل شَهَادَة من أخل بالمروءة لِأَن الْإِخْلَال بهَا يكون إِمَّا لخبل فِي الْعقل أَو لنُقْصَان فِي الدّين أَو لقلَّة حَيَاء وكل ذَلِك رَافع للثقة بقوله وَلم يتَعَرَّض كثير من عُلَمَاء الْأُصُول لذكر الْمُرُوءَة لِأَن المخل بِشَيْء مِمَّا يتَعَلَّق بهَا إِن كَانَ إخلاله بِهِ مِمَّا يرفع الثِّقَة بقوله فقد احترزوا عَنهُ وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يرفع الثِّقَة بقوله لم يضر قَالَ بَعضهم الْعَدَالَة الاسْتقَامَة وَلَيْسَ لكَمَال الاسْتقَامَة حد يُوقف عِنْده فَاعْتبر فِيهَا أَمر وَاحِد وَهُوَ رُجْحَان جِهَة الدّين وَالْعقل على طَرِيق الشَّهْوَة والهوى فَمن ارْتكب كَبِيرَة سَقَطت عَدَالَته وَقل الوثوق بقوله وَكَذَلِكَ من أصر على صَغِيرَة فَأَما من أَتَى بِشَيْء من الصَّغَائِر من غير إِصْرَار فَعدل بِلَا شُبْهَة وللمحقق ابْن تَيْمِية مقَالَة فِي الْعَدَالَة والدل جرى فِيهَا على مَنْهَج من يَقُول برعاية الْمصَالح الْأَحْكَام قَالَ الْعدْل فِي كل زمَان وَمَكَان وَقوم بِحَسبِهِ فَيكون الشَّاهِد فِي كل قوم من كَانَ ذَا عدل فيهم وَإِن كَانَ لَو كَانَ فِي غَيرهم كَانَ عدله على

وَجه آخر وَبِهَذَا يُمكن الحكم بَين النَّاس وَإِلَّا فَلَو اعْتبر فِي شُهُود كل طَائِفَة أَن لَا يشْهد عَلَيْهِم إِلَّا من يكون قَائِما بأَدَاء الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات كَمَا كَانَت الصَّحَابَة لبطلت الشَّهَادَات كلهَا أَو غالبها وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَيتَوَجَّهُ أَن تقبل شَهَادَة المعروفين بِالصّدقِ وَإِن لم يَكُونُوا ملتزمين للحدود عِنْد الضَّرُورَة مثل الْجَيْش وحوادث البدو وَأهل الْقرى الَّذين لَا يُوجد فيهم عدل وَله أصُول مِنْهَا قبُول شَهَادَة أهل الذِّمَّة فِي الْوَصِيَّة فِي السّفر إِذا لم يُوجد غَيرهم وَشَهَادَة بَعضهم على بعض فِي قَول وَمِنْهَا شَهَادَة النِّسَاء فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال وَشَهَادَة الصّبيان فِيمَا لَا يشهده الرِّجَال وَيظْهر ذَلِك بالمحتضر فِي السّفر إِذا حَضَره اثْنَان كَافِرَانِ وَاثْنَانِ مسلمان يصدقان ليسَا بملازمين للحدود أَو اثْنَان مبتدعان فهذان خير من الْكَافرين والشروط الَّتِي فِي الْقُرْآن إِنَّمَا هِيَ فِي استشهاد التَّحَمُّل للْأَدَاء وَيَنْبَغِي أَن نقُول فِي الشُّهُود مَا نقُول فِي الْمُحدثين وَهُوَ أَنه من الشُّهُود من تقبل شَهَادَته فِي نوع دون نوع أَو شخص دون شخص كَمَا أَن الْمُحدثين كَذَلِك ونبأ الْفَاسِق لَيْسَ بمردود بل هُوَ مُوجب للتبين والتثبت كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَفِي الْقِرَاءَة الْأُخْرَى / فتثبتوا / فعلينا التبين والتثبت وَإِنَّمَا أَمر بالتبين عِنْد خبر الْفَاسِق الْوَاحِد وَلم يَأْمر بِهِ عِنْد خبر الْفَاسِقين وَذَلِكَ أَن خبر الِاثْنَيْنِ يُوجب من الِاعْتِقَاد مَا لَا يُوجب خبر الْوَاحِد أما إِذا علم أَنَّهُمَا لم يتواطآ فَهَذَا قد يحصل بِهِ الْعلم وَقَالَ فِي مَوضِع آخر شُرُوط الْقَضَاء تعْتَبر حسب الْإِمْكَان وَيجب تَوْلِيَة الأمثل فالأمثل وعَلى هَذَا يدل كَلَام أَحْمد وَغَيره فيولي لعدم أَنْفَع الْفَاسِقين وأقلهما شرا وَأَعْدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد وَإِن كَانَ أَحدهمَا أعلم وَالْآخر أورع قدم فِيمَا قد يظْهر حكمه وَيخَاف الْهوى فِيهِ الأورع وَفِيمَا ينْدر حكمه وَيخَاف فِيهِ

الفائدة السابعة

الِاشْتِبَاه الأعلم وَالْأَئِمَّة إِذا ترجح عِنْده أحدهم قَلّدهُ وَالدَّلِيل الْخَاص الَّذِي يرجح بِهِ قولا على قَول أولى بالاتباع من دَلِيل عَام على أَن أَحدهمَا أعلم وأدين لِأَن الْحق وَاحِد وَلَا بُد وَيجب أَن ينصب الله على الحكم دَلِيلا الْفَائِدَة السَّابِعَة قد ظن بعض النَّاس أَن الْعَدَالَة على مَذْهَب الْجُمْهُور لَا تقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَهِيَ كالإيمان عِنْد من يَقُول بِعَدَمِ قبُوله ذَلِك وَالصَّحِيح أَن الْعَدَالَة كالضبط تقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَالْقُوَّة والضعف وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك عُلَمَاء الْأُصُول فِي بَاب التَّرْجِيح فِي الْأَخْبَار وَصرح الْعَلامَة نجم الدّين سُلَيْمَان الطوفي فِي شرح الْأَرْبَعين حَيْثُ قَالَ إِن مدَار الرِّوَايَة على عَدَالَة الرَّاوِي وَضَبطه فَإِن كَانَ مبرزا فيهمَا كشعبة وسُفْيَان وَيحيى الْقطَّان وَنَحْوهم فَحَدِيثه صَحِيح وَإِن كَانَ دون المبرز فيهمَا أَو فِي أَحدهمَا لكنه عدل ضَابِط بِالْجُمْلَةِ فَحَدِيثه حسن هَذَا أَجود مَا قيل فِي هَذَا الْمَكَان وَاعْلَم أَن الْعَدَالَة والضبط إِمَّا أَن ينتفيا فيالراوي أَو يُوجد فِيهِ الْعَدَالَة وَحدهَا أَو الضَّبْط وَحده فَإِن انتفيا فِيهِ لم يقبل حَدِيثه أصلا وَإِن اجْتمعَا فِيهِ قبل وَهُوَ الصَّحِيح الْمُعْتَبر وَإِن وجدت فِيهِ الْعَدَالَة دون الضَّبْط قبل حَدثهُ لعدالته وَتوقف فِيهِ لعدم ضَبطه على شَاهد مُنْفَصِل يجْبر مَا فَاتَ من صفة الضَّبْط وَإِن وجد فِيهِ الضَّبْط دون الْعَدَالَة والضبط لم يقبل حَدِيثه لِأَن الْعَدَالَة هِيَ الرُّكْن الْأَكْبَر فِي الرَّايَة ثمَّ كل وَاحِد من الْعَدَالَة لَهُ مَرَاتِب عليا ووسطى وَدُنْيا وَيحصل بتركيب بَعْضهَا مَعَ بعض مَرَاتِب للْحَدِيث مُخْتَلفَة فِي الْقُوَّة والضعف وَهِي ظَاهِرَة مِمَّا ذَكرْنَاهُ اهـ

وَقد تبين بذلك أَن الروَاة الجامعين بَين الْعَدَالَة والضبط ينقسمون بِاعْتِبَار تفَاوت درجاتهم فِيهَا إِلَى تِسْعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول رُوَاة فِي الدرجَة الْعليا من الْعَدَالَة والضبط النَّوْع الثَّانِي رُوَاة فِي الدرجَة الْعليا من الْعَدَالَة وَفِي الدرجَة الْوُسْطَى من الضَّبْط النَّوْع الثَّالِث رُوَاة فِي الدرجَة الْعليا من الْعَدَالَة وَفِي الدرجَة الدُّنْيَا من الضَّبْط وَالنَّوْع الرَّابِع رُوَاة فِي الدرجَة الْوُسْطَى من الْعَدَالَة وَفِي الدرجَة الْعليا من الضَّبْط النَّوْع الْخَامِس رُوَاة فِي الدرجَة الْوُسْطَى من الْعَدَالَة والضبط النَّوْع السَّادِس رُوَاة فِي الدرجَة الْوُسْطَى من الْعَدَالَة وَفِي الدرجَة الدُّنْيَا من الضَّبْط النَّوْع السَّابِع رُوَاة فِي الدرجَة الدُّنْيَا من الْعَدَالَة وَفِي الدرجَة الْعليا من الضَّبْط النَّوْع الثَّامِن رُوَاة فِي الدرجَة الدُّنْيَا من الْعَدَالَة وَفِي الدرجَة الْوُسْطَى من الضَّبْط النَّوْع التَّاسِع رُوَاة فِي الدرجَة الدُّنْيَا من الْعَدَالَة والضبط وَهَذِه الْأَنْوَاع التِّسْعَة مُتَفَاوِتَة الدَّرَجَات بَعْضهَا أَعلَى من بعض فالنوع الأول أَعلَى مِمَّا سواهُ من سَائِر الْأَنْوَاع وَالنَّوْع التَّاسِع أدنى مِمَّا سواهُ مِنْهَا وَمَا سواهُمَا من الْأَنْوَاع مِنْهُ مَا يظْهر تقدمه على غَيره ظهورا بَينا كالنوع الثَّانِي بِالنّظرِ إِلَى النَّوْع الثَّالِث وكالنوع الرَّابِع بِالنّظرِ إِلَى النَّوْع الْخَامِس وَمِنْه مَا يخفى تقدمه كالنوع الثَّانِي بِالنّظرِ إِلَى النَّوْع الرَّابِع وكالنوع السَّادِس بِالنّظرِ إِلَى النَّوْع الثَّامِن

استدراك

وَهَذَا من متعلقات مَبْحَث التَّرْجِيح الَّذِي هُوَ من أصعب المباحث مسلكا وأبعدها مدْركا وَاعْلَم أَن الَّذِي أوجب خَفَاء تفَاوت الْعَدَالَة عِنْد بعض الْعلمَاء أَنهم رَأَوْا أَن أَئِمَّة الحَدِيث قَلما يرجحون بهَا وَإِنَّمَا يرجحون بِأُمُور تتَعَلَّق بالضبط وَسبب ذَلِك أَنهم رَأَوْا أَن التَّرْجِيح بِزِيَادَة الْعَدَالَة يُوهم النَّاس أَن الرَّاوِي الآخر غير عدل فيسوء بِهِ ظنهم ويشكون فِي سَائِر مَا يرويهِ وَقد فرض أَنه عدل ضَابِط فَإِن قلت فَمَا يَفْعَلُونَ إِذا كَانَ كِلَاهُمَا فِي دَرَجَة وَاحِدَة فِي الضَّبْط قلت يُمكن التَّرْجِيح فِيهَا بِأُمُور عارضة ككون الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ قد تَلقاهُ عَمَّن كثرت ملازمته لَهُ وممارسته لحديثه وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف الرَّاوِي الآخر وَقد زعم بَعضهم عدم تفَاوت الضَّبْط أَيْضا ورد عَلَيْهِ بَعضهم بقوله لَا شكّ فِي تحقق تفَاوت مَرَاتِب الْعَدَالَة والضبط فِي الْعُدُول والضابطين من السّلف وَالْخلف وَقد وضح ذَلِك حَتَّى صَار كالبديهي وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَهَا نَظَائِر لَا تحصى قد غلط فِيهَا كثير مِمَّن لَهُ موقع عَظِيم فِي النُّفُوس فَإِنَّهُم يذهلون عَن بعض الْأَقْسَام فتراهم يَقُولُونَ الرَّاوِي إِمَّا عدل أَو غير عدل وكل مِنْهُمَا إِمَّا ضَابِط أَو غير ضَابِط غير ملاحظين أَن الْعَدَالَة والضبط مقولان بالتشكيك فَيَنْبَغِي الانتباه لذَلِك فَإِنَّهُ ينْحل بِهِ كثير من المشكلات اسْتِدْرَاك وَبعد أَن وصلت إِلَى هَذَا الْموضع وقفت على عبارَة لِلْحَافِظِ أبي مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن حزم الظَّاهِرِيّ خَالف فِيهَا الْجُمْهُور فِي تَرْجِيح الأعدل على الْعدْل فَأَحْبَبْت إيرادها ملخصة

وَقد علم من وقف على كثير من مؤلفاته أَنه يجنح فِي أَكثر الْمَوَاضِع إِلَى مُخَالفَة الْجُمْهُور وَهُوَ فِي أَكثر مَا خالفهم فِيهِ أقرب إِلَى الْخَطَأ مِنْهُ إِلَى الصَّوَاب وَقد أطلق فكره فِي ميادين جمح بِهِ فِيهَا أَشد جماح غير أَنه يلوح من حَاله أَنه لم يكن يُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح وَمن أعظم مَا ينقمون عَلَيْهِ أَنه أفرط فِي التشنيع على من يرد عَلَيْهِم وَلَو كَانُوا من الْعلمَاء الْأَعْلَام وَلَعَلَّ ذَلِك نَشأ عَمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي كتاب مداواة النُّفُوس حَيْثُ قَالَ وَلَقَد أصابتني عِلّة شَدِيدَة ولدت عَليّ ربوا فِي الطحال شَدِيدا فولد ذَلِك عَليّ من الضجر وضيق الْخلق وَقلة الصَّبْر والنزق أمرا حاسبت نَفسِي فِيهِ فأنكرت تبدل خلقي وَاشْتَدَّ عجبي من مفارقتي لطبعي ولنرجع إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول قَالَ فِي كتاب الإحكام فِي أصُول الْأَحْكَام فِي صفة من يلْزم قبُول نَقله وَمِمَّا غلط فِيهِ بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَن قَالَ فلَان يحْتَمل فِي الرَّقَائِق وَلَا يحْتَمل فِي الْأَحْكَام وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّهُ تَقْسِيم فَاسد لَا برهَان عَلَيْهِ بل الْبُرْهَان يُبطلهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو كل حد فِي الأَرْض من أَن يكون فَاسِقًا أَو غير فَاسق فَإِن كَانَ غير فَاسق كَانَ عدلا وَلَا سَبِيل إِلَى مرتبَة ثَالِثَة فالفقيه الْعدْل مَقْبُول فِي كل شَيْء وَالْفَاسِق لَا يحْتَمل فِي شَيْء وَالْعدْل غير الْحَافِظ لَا تقبل نذارته خَاصَّة فِي شَيْء من الْأَشْيَاء لِأَن شَرط الْقبُول الَّذِي نَص الله تَعَالَى عَلَيْهِ لَيْسَ مَوْجُودا فِيهِ وَمن كَانَ عدلا فِي بعض نَقله

فَهُوَ عدل فِي سائره وَمن الْمحَال أَن يجوز قبُول بعض خَبره وَلَا يجوز قبُول سائره إِلَّا بِنَصّ من الله تَعَالَى أَو إِجْمَاع فِي التَّفْرِيق بَين ذَلِك وَإِلَّا فَهُوَ تحكم بِلَا برهَان وَقَول بِلَا علم وَذَلِكَ لَا يحل قَالَ عَليّ وَقد غلط أَيْضا قوم آخَرُونَ مِنْهُم فَقَالُوا فلَان أعدل من فلَان وراموا بذلك تَرْجِيح خبر الأعدل على من هُوَ دونه فِي الْعَدَالَة قَالَ عَليّ وَهَذَا خطأ شَدِيد وَكَانَ يَكْفِي من الرَّد عَلَيْهِم أَن يُقَال إِنَّهُم أترك النَّاس لذَلِك وَفِي أَكثر أَمرهم يَأْخُذُونَ بِمَا روى الْأَقَل عَدَالَة ويتركون مَا روى الأعدل ولعلنا سنورد من ذَلِك طرفا صَالحا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَكِن لَا بُد لنا من إبِْطَال هَذَا القَوْل بالبرهان الظَّاهِر فَأول ذَلِك أَن الله عز وَجل لم يفرق بَين خبر عدل وَخبر عدل آخر أعدل من ذَلِك وَمن حكم فِي الدّين بِغَيْر أَمر الله تَعَالَى أَو أَمر رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو إِجْمَاع مُتَيَقن مَقْطُوع بِهِ مَنْقُول عَن رَسُول الله فقد قفا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم وَأَيْضًا فقد يعلم الْأَقَل عَدَالَة مَا لَا يُعلمهُ من هُوَ أتم مِنْهُ عَدَالَة وَأَيْضًا فَكل مَا يتخوف من الْعدْل فَإِنَّهُ متخوف من أعدل من فِي الأَرْض بعد الرُّسُل وَأَيْضًا فَإِن الْعَدَالَة إِنَّمَا هِيَ الْتِزَام الْعدْل وَالْعدْل هُوَ الْقيام بالفرائض وَاجْتنَاب الْمَحَارِم والضبط لما روى وَأخْبر بِهِ فَقَط وَمعنى قَوْلنَا فلَان أعدل من فلَان أَنه أَكثر نوافل فِي الْخَيْر فَقَط وَهَذِه صفة لَا مدْخل لَهَا فِي الْعَدَالَة فصح أَنه لَا يجوز تَرْجِيح رِوَايَة على أُخْرَى وَلَا تَرْجِيح شَهَادَة على أُخْرَى بِأَن أحد الراويين أَو أحد الشَّاهِدين أعدل من الآخر وَهَذَا الَّذِي تحكموا بِهِ إِنَّمَا هُوَ من بَاب طيب النَّفس وَطيب النَّفس بَاطِل لَا معنى لَهُ فَمن حكم فِي دين الله عز وَجل بِمَا اسْتحْسنَ وَطَابَتْ نَفسه عَلَيْهِ دون

برهَان من نَص ثَابت أَو إِجْمَاع فَلَا أحد أضلّ مِنْهُ نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان إِلَّا من جهل وَلم تقم عَلَيْهِ حجَّة فالخطأ لَا يُنكر وَهُوَ مَعْذُور مأجور فَيجب قبُول مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيل سَوَاء طابت عَلَيْهِ النَّفس أَو لم تطلب وَبِمَا ذكرنَا يبطل قَول من قَالَ هَذَا الحَدِيث لم يرو من غير هَذَا الْوَجْه تَنْبِيه الضَّابِط من الروَاة هُوَ الَّذِي يقل خَطؤُهُ فِي الرِّوَايَة وَغير الضَّابِط هُوَ الَّذِي يكثر غلطه ووهمه فِيهَا سَوَاء كَانَ ذَلِك لضعف استعداده أَو لتَقْصِيره فِي اجْتِهَاده قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي الْعِلَل كل من كَانَ مُتَّهمًا فِي الحَدِيث بِالْكَذِبِ وَكَانَ مغفلا يُخطئ كثيرا فَالَّذِي اخْتَارَهُ أَكثر أهل الحَدِيث من الْأَئِمَّة أَن لَا يشْتَغل بالرواية عَنهُ وَقد توهم بعض النَّاس أَن الضَّبْط لَا يخْتَلف بِالْقُوَّةِ والضعف فَزعم أَن الرَّاوِي إِمَّا أَن يُوصف بالضبط وَإِمَّا أَن يُوصف بِعَدَمِهِ والموصوفون بالضبط نوع وَاحِد لَا يخْتَلف بَعضهم عَن بعض فِي الدرجَة فَلَا يُقَال فلَان أتم ضبطا من فلَان وَقد عرفت أَنهم ثَلَاثَة أَنْوَاع والعيان يُغني عَن الْبُرْهَان وَأما الثِّقَة فَهُوَ الَّذِي يجمع بَين الْعَدَالَة والضبط وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر وثق تَقول وثقت بفلان ثِقَة ووثوقا إِذا ائتمنته ولكونه مصدرا فِي الأَصْل قيل هُوَ وَهِي وهما وهم وَهن ثِقَة وَيجوز تثنيته وَجمعه فَيُقَال هما ثقتان وهم وَهن ثِقَات وَتقول وثقت فلَانا توثيقا إِذا قلت إِنَّه ثِقَة وَمثل الثِّقَة الثبت قَالَ فِي الْمِصْبَاح رجل ثَبت بِفتْحَتَيْنِ إِذا كَانَ عدلا ضابطا وَالْجمع أثبات والثبت أَيْضا الْحجَّة تَقول لَا أحكم إِلَّا بثبت وَقد ذكرُوا أَنه من أَعلَى الْأَلْفَاظ الَّتِي تسْتَعْمل فِي الرِّوَايَة

المقبولة ثِقَة ومتقن وَثَبت وَحجَّة وَعدل حَافظ وَعدل ضَابِط

الفصل الخامس

الْفَصْل الْخَامِس فِي أَقسَام الْخَبَر إِلَى متواتر وآحاد قد تقرر أَن من الْأَشْيَاء مَا يعرف بِوَاسِطَة الْعقل ككون الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ وككون كل حَادث لَا بُد لَهُ من مُحدث وَأَن مِنْهَا مَا يعرف بِوَاسِطَة الْحس ككون زيد قَالَ كَذَا أَو فعل كَذَا فَإِن القَوْل يدْرك بحاسة السّمع وَالْفِعْل يدْرك بحاسة الْبَصَر وَالَّذِي يعرف بِوَاسِطَة الْحس قد يعرفهُ من لم يحس بِهِ بِوَاسِطَة خبر من أحس بِهِ وَلما لم يكن كل مخبر صَادِقا وَكَانَ الْخَبَر يحْتَمل الصدْق وَالْكذب لذاته اقْتضى الْحَال أَن يبْحَث عَمَّا يعرف بِهِ صدق الْخَبَر إِمَّا بطرِيق الْيَقِين وَذَلِكَ فِي الْخَبَر الْمُتَوَاتر أَو بطرِيق الظَّن وَذَلِكَ فِي غير الْمُتَوَاتر إِذا ظَهرت أَمَارَات تدل على صدق الْخَبَر وَلما كَانَ الحَدِيث عبارَة عَن أَقْوَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفعاله وَكَانَ من لم يُدْرِكهَا بطرِيق الْحس لَا سَبِيل لَهُ إِلَى إِدْرَاكهَا إِلَّا بطرِيق الْخَبَر اعتنى الْعلمَاء

الخبر المتواتر

الْأَعْلَام بِبَيَان أَقسَام الْخَبَر مُطلقًا وَجعلُوا للْحَدِيث الَّذِي هُوَ قسم من أَقسَام الْخَبَر مبحثا خَاصّا بِهِ اعتناء بِشَأْنِهِ فَإِذا عرفت هَذَا نقُول قد قسم عُلَمَاء الْكَلَام وَالْأُصُول الْخَبَر إِلَى قسمَيْنِ خبر متواتر وَخبر آحَاد الْخَبَر الْمُتَوَاتر فَالْخَبَر الْمُتَوَاتر هُوَ خبر عَن محسوس أخبر بِهِ جمَاعَة بلغُوا فِي الْكَثْرَة مبلغا تحيل الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب فِيهِ وَخرج بِمَا ذكر ثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا الْخَبَر عَن غير محسوس كالخبر عَن حُدُوث الْعَالم وَكَون الْعدْل حسنا وَالظُّلم قبيحا وَثَانِيها الْخَبَر الَّذِي أخبر بِهِ وَاحِد وَثَالِثهَا الْخَبَر الَّذِي أخبر بِهِ جمَاعَة لم يبلغُوا فِي الْكَثْرَة مبلغا تحيل الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب فِيهِ وَإِن دلّت قَرَائِن الْأَحْوَال على صدقهم وَالْخَبَر الْمُتَوَاتر مُفِيد للْعلم بِنَفسِهِ خبر الْآحَاد وَخبر الْآحَاد وَيُسمى أَيْضا خبر الْوَاحِد هُوَ الْخَبَر الَّذِي لم تبلغ نقلته فِي الْكَثْرَة مبلغ الْخَبَر الْمُتَوَاتر سَوَاء كَانَ الْمخبر وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة إِلَى غير ذَلِك من الْعداد الَّتِي لَا تشعر بِأَن الْخَبَر دخل بهَا فِي حيّز الْمُتَوَاتر والتواتر فِي اللُّغَة التَّتَابُع تَقول واترت الْكتب فتواترت إِذا جَاءَ بَعْضهَا فِي إِثْر بعض وترا وترا من غير انْقِطَاع والمواترة الْمُتَابَعَة وَلَا تكون بَين الْأَشْيَاء إِلَّا إِذا وَقعت بَينهَا فَتْرَة وَإِلَّا فَهِيَ مداركة ومواصلة ومواترة الصَّوْم أَن تَصُوم يَوْمًا وتفطر يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَتَأْتِي بِهِ وترا وَلَا يُرَاد بِهِ المواصلة لِأَنَّهُ من الْوتر وتترى أَصْلهَا

الطَّبَقَة الثَّانِيَة مَا يشْتَرط فِي الطَّبَقَة الأولى من كَونهَا تبلغ فِي الْكَثْرَة مبلغا تحيل الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب فِي الْخَيْر وَقس على ذَلِك مَا إِذا كَانَت الطَّبَقَات ثَلَاثَة فَأكْثر وَلما كَانَت الْأَخْبَار المتواترة فِي الْغَالِب مُتعَدِّدَة الطَّبَقَات قَالَ الْعلمَاء لَا بُد فِي الْخَبَر الْمُتَوَاتر من اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ فالطرفان هما الطَّبَقَة الأولى والطبقة الْأَخِيرَة وَالْوسط وَهُوَ مَا بَينهمَا وَالْمرَاد بالاستواء الاسْتوَاء فِي الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة وَلَا الاسْتوَاء فِي الْعدَد بِأَن يكون فِي كل طبقَة مستويا فَإِنَّهُ لَا يضر الِاخْتِلَاف فِيهِ إِذا كَانَ كل عدد مِنْهَا الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة مثل أَن يكون فِي كل طبقَة مستويا فَإِنَّهُ لَا يضر الِاخْتِلَاف فِيهِ إِذا كَانَ كل عدد مِنْهَا فِيهِ الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة مثل أَن يكون عدد الطَّبَقَة ألفا وَعدد الثَّانِيَة تسع مئة وَعدد الثَّالِثَة ألفا وتسع مئة وَبِمَا ذكر يعلم أَن الروَاة إِذا لم يبلغُوا فِي الْكَثْرَة الْمبلغ الْمَشْرُوط فِي الْخَبَر الْمُتَوَاتر سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي جَمِيع الطَّبَقَات أَو فِي بَعْضهَا لم يسم خبرهم متواترا وَإِنَّمَا يُسمى مَشْهُورا قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى الشَّرْط الثَّالِث أَن يَسْتَوِي طرفاه وواسطته فِي هَذِه الصِّفَات وَفِي كَمَال الْعدَد فَإِذا نقل الْخلف عَن السّلف وتوالت الْأَعْصَار وَلم تكن الشُّرُوط قَائِمَة فِي كل عصر لم يحصل الْعلم بصدقهم لِأَن خبر كل عصر خبر مُسْتَقل بِنَفسِهِ فَلَا بُد فِيهِ من الشُّرُوط وَلأَجل ذَلِك لم يحصل لنا الْعلم بِصدق الْيَهُود مَعَ كثرتهم فِي نقلهم عَن مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ تَكْذِيب كل نَاسخ لشريعته وَلَا بِصدق الشِّيعَة والعباسية والبكرية فِي نقل النَّص على إِمَامَة عَليّ أَو الْعَبَّاس أَو أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم وَإِن كثر عدد الناقلين فِي هَذِه العصار الْقَرِيبَة لِأَن بعض هَذَا وَضعه الْآحَاد اولا ثمَّ أفشوه ثمَّ كثر الناقلون فِي عصره وَبعده

المسألة الثانية الخبر المشهور

وَالشّرط إِنَّمَا حصل فِي بعض الْأَعْصَار فَلم تستو فِيهِ الْأَعْصَار وَلذَلِك لم يحصل التَّصْدِيق بِخِلَاف وجود عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وتحديه بِالنُّبُوَّةِ وَوُجُود أبي بكر وَعلي وانتصابهما للْإِمَامَة فَإِن كل ذَلِك لما تَسَاوَت فِيهِ الْأَطْرَاف والواسطة حصل لنا علم ضَرُورِيّ لَا نقدر على تشكيك أَنْفُسنَا فِيهِ ونقدر على التشكيك فِيمَا نقلوه عَن مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي نَص الْإِمَامَة اهـ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْخَبَر الْمَشْهُور خبر الْآحَاد يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ مَشْهُور وَغير مَشْهُور فَالْمَشْهُور هُوَ خبر جمَاعَة لم يبلغُوا فِي الْكَثْرَة مبلغا يمْنَع تواطؤهم على الْكَذِب فِيهِ فَخرج بقَوْلهمْ خبر الْوَاحِد وبتتمة التَّعْرِيف الْخَبَر الْمُتَوَاتر هَذَا وَقد عرف الْمُتَوَاتر بتعاريف شَتَّى وأدلها على الْمَقْصُود التَّعْرِيف الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَقد وَقع لبَعْضهِم فِي تَعْرِيفه مَا يُوهم دُخُول بعض أَقسَام الْمَشْهُور فِيهِ ولعلهم جروا على مَذْهَب أبي بكر الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بالجصاص فَإِنَّهُ جعل الْمَشْهُور أحد قسمَيْنِ الْمُتَوَاتر وَقد ذهب كثير من الْعلمَاء إِلَى تَقْسِيم الْخَبَر إِلَى ثَلَاثَة أسام متواتر ومشهور وآحاد فَيكون الْمَشْهُور سما مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ فَيَنْبَغِي الانتباه لذَلِك وَقد عرف بَعضهم الْمَشْهُور بقوله هُوَ الْخَبَر الشَّائِع عَن أصل فَخرج بذلك الْخَبَر الشَّائِع لَا عَن أصل وَقد يُطلق الْمَشْهُور على مَا اشْتهر على الْأَلْسِنَة سَوَاء كَانَ لَهُ أصل أَو لم يكن لَهُ أصل وَقد مثلُوا مَا لَيْسَ لَهُ أصل بِحَدِيث عُلَمَاء أمتِي كأنبياء بني إِسْرَائِيل وَحَدِيث ولدت فِي زمن الْملك الْعَادِل كسْرَى

وَقد يُسمى الْمَشْهُور مستفيضا يُقَال استفاض الْخَبَر إِذا شاع فَهُوَ مستفيض وَأَقل مَا ثَبت بِهِ الاستفاضة اثْنَان وينقل لَك عَن بعض الْفُقَهَاء وَقيل ثَلَاثَة وينقل ذَلِك عَن بعض الْمُحدثين وَقيل أَرْبَعَة وينقل ذَلِك عَن عُلَمَاء الْأُصُول فقد قَالُوا المستفيض مَا زَاد نقلته على ثَلَاثَة وَمن الْعلمَاء من فرق بَين الْمَشْهُور والمستفيض فَجعل الْمَشْهُور أَعم إِمَّا لكَونه لم يشْتَرط فِي الْمَشْهُور أَن يكون فِي أَوله أَيْضا مرويا عَن غير وَاحِد وَشرط ذَلِك فِي المستفيض وَإِمَّا أَن يكون جعل الْمَشْهُور مَا رَوَاهُ اثْنَان فَأكْثر والمستفيض مَا رَوَاهُ ثَلَاثَة فَأكْثر فَكل مستفيض عِنْد هَؤُلَاءِ مَشْهُور وَلَيْسَ كل مَشْهُور مستفيض وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا بِوَجْه آخر والمهم الانتباه لاخْتِلَاف الِاصْطِلَاح هُنَا حذرا من وروع الْوَهم وَأما النِّسْبَة بَين الْمَشْهُور والمتواتر فَهِيَ التباين إِلَّا عِنْد من جعل الْمَشْهُور قسما من الْمُتَوَاتر وَأما قَول بعض الأفاضل كل متواتر مَشْهُور وَلَيْسَ كل مَشْهُور متواترا وَذَلِكَ بعد أَن عرف مِنْهُمَا بِمَا عرفه بِهِ الْجُمْهُور فَهُوَ مِمَّا ينْتَقد قَالَ بَعضهم وَلَعَلَّه أَرَادَ بالمشهور الْمَعْنى اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي وَقد وَقع لبَعض عُلَمَاء الْأَثر عبارَة تسوغ لصَاحِبهَا القَوْل الْمَذْكُور وَهِي قَوْله والغريب وَهُوَ مَا تفرد بِهِ وَاحِد عَن الزُّهْرِيّ وَشبهه مِمَّن يجمع حَدِيثه فَإِن تفرد اثْنَان أَو ثَلَاثَة سمي مَشْهُورا وَمِنْه الْمُتَوَاتر اهـ 3 فَصَاحب هَذِه الْعبارَة يسوغ لَهُ أَن يَقُول كل متواتر مَشْهُور وَلَيْسَ كل مَشْهُور متواتر اولا ينْتَقد عَلَيْهِ ذَلِك وَإِنَّمَا ينْتَقد عَلَيْهِ مُخَالفَة الْجُمْهُور فِي الِاصْطِلَاح لما ينشأ عَنْهَا فِي كثير من الأحيان من إِيقَاع فِي أشراك الأوهام وَلَعَلَّ ذَلِك الْفَاضِل قد جَاءَهُ الْوَهم من هَذَا الْموضع

المسألة الثالثة

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قد عرفت أَن خبر الْآحَاد يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ مَشْهُور وَقد قسم المحدثون غير الْمَشْهُور إِلَى قسمَيْنِ عيز وغريب فالعزيز هُوَ الَّذِي يرويهِ جمَاعَة عَن جمَاعَة غير أَن عَددهَا فِي بعض الطَّبَقَات يكون اثْنَيْنِ فَقَط فَخرج بذلك الْمَشْهُور عِنْد من يَقُول إِن أقل مَا تثبت بِهِ الشُّهْرَة ثَلَاثَة وَهُوَ الْمَشْهُور والغريب هُوَ الَّذِي ينْفَرد بروايته وَاحِد فِي مَوضِع مَا من مَوَاضِع السَّنَد وَالْحَاصِل أَن الْخَبَر يَنْقَسِم أَولا إِلَى قسمَيْنِ وآحاد وَأَن خبر الْآحَاد يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام مَشْهُور وعزيز وغريب وَسَيَأْتِي زِيَادَة بَيَان لذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد قسم بعض عُلَمَاء الْأُصُول الْخَبَر إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام متواتر ومشهور آحَاد فَجعلُوا الْمَشْهُور قسما مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ وَلم يدخلوه فِي الْمُتَوَاتر كَمَا فعل الْجَصَّاص وَلَا فِي خبر الْآحَاد كَمَا فعل غَيرهم وَقد عرفُوا الْمَشْهُور بِمَا كَانَ فِي الأَصْل خبر آحَاد ثمَّ انْتَشَر فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث مَعَ تلق المة لَهُ بِالْقبُولِ فَيكون بَينه وَبَين المستفيض عُمُوم وخصوص من وَجه لصدقهما فِيمَا رَوَاهُ فِي الأَصْل ثَلَاثَة ثمَّ تَوَاتر فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث وانفراد المستفيض عَن الْمَشْهُور فِيمَا رَوَاهُ فِي الأَصْل ثَلَاثَة ثمَّ لم يتواتر فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث وانفراد الْمَشْهُور عَن المستفيض فِيمَا رَوَاهُ فِي الأَصْل وَاحِد أَو اثْنَان ثمَّ تَوَاتر فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث

وَقد عرف الْجَصَّاص الْمُتَوَاتر بقوله هُوَ مَا أَفَادَ الْعلم بمضمون الْخَبَر ضَرُورَة أَو نظرا فَزَاد قَوْله أَو نظرا ليدْخل الْمَشْهُور وَقد توهم بَعضهم من عِبَارَته انه يحكم بِكفْر مُنكر الْمَشْهُور لإدخاله لَهُ فِي الْمُتَوَاتر يكفر جاحده وَلَيْسَ المر كَذَلِك لِأَن الَّذِي يكفر جاحده إِنَّمَا هُوَ الْقسم الأول من الْمُتَوَاتر عِنْده وهوالذي يُفِيد الْعلم ضَرُورَة كصيام شهر رَمَضَان وَحج الْبَيْت وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف الْقسم الثَّانِي مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يُفِيد الْعلم نظرا قَالَ بعض الأفاضل إِنَّمَا لم يكفر مُنكر الْمَشْهُور لِأَن إِنْكَاره لَا يُؤَدِّي إِلَى تَكْذِيب النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَنَّهُ لم يسمعهُ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من غير وَاسِطَة وَلم يروه عَنهُ عدد لَا يتَصَوَّر مِنْهُم الْكَذِب خطأ أَو عمدا وَإِنَّمَا هُوَ خبر آحَاد تَوَاتر فِي الْعَصْر الثَّانِي وتلقاه أَهله بِالْقبُولِ فإنكاره إِنَّمَا يُؤَدِّي إِلَى تخطئة الْعلمَاء نسبتهم إِلَى عدم التروي حَيْثُ تلقوا بِالْقبُولِ مَا لم يثبت وُرُوده عَن الرَّسُول وتخطئة الْعلمَاء لَيست بِكفْر بل هِيَ بِدعَة وضلالة بِخِلَاف إِنْكَار الْمُتَوَاتر فَإِنَّهُ مشْعر بتكذيب النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ الْمُتَوَاتر بِمَنْزِلَة المسموع مِنْهُ وَتَكْذيب الرَّسُول كفر على ان الْمَشْهُور لَا يُوجب علم الْيَقِين وَغنما يُوجب ظنا قَوِيا فَوق الظَّن الَّذِي يحصل من خبر الْآحَاد تطمئِن بِهِ النَّفس إِلَّا عِنْد مُلَاحظَة كَونه فِي الأَصْل كَانَ من خبر الْآحَاد وَقد ذكرُوا للمشهور أمثل مِنْهَا الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ كل مَشْهُور يعد إِنْكَاره بِدعَة وضلالة فقد قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي الْأُم فِي أثْنَاء محاورة جرت بَينه وَبَين أحد الْفُقَهَاء وَقلت لَهُ أَرَأَيْت قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا}

المسألة الرابعة

وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ أَلَيْسَ بَين فِي كتاب الله عز وَجل بَان الْفَرْض غسل الْقَدَمَيْنِ أَو مسحهما قَالَ بلَى قلت لم مسحت على الْخُفَّيْنِ وَمن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس إِلَى الْيَوْم من ترك الْمسْح على الْخُفَّيْنِ ويعنف من مسح قَالَ لَيْسَ فِي رد من رده حجَّة وَإِذا ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء لم يضرّهُ من خَالفه قلت ونعمل بِهِ وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ كَمَا نعمل بِهِ لَو كَانَ مُتَّفقا عَلَيْهِ وَلَا نعرضه على الْقُرْآن قَالَ لَا بل سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تدل على معنى مَا أَرَادَ الله عز وَجل قُلْنَا فَلم لَا تَقول بِهَذَا فِي الْيَمين مَعَ الشَّاهِد وَغَيره مِمَّا تخَالف فِيهِ الحَدِيث وتريد إبِْطَال الحَدِيث الثَّابِت بالتأويل وَبِأَن تَقول الحَدِيث يُخَالف ظَاهر الْقُرْآن اهـ الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قد يقوى الْخَبَر وَأَصله ضَعِيف وَقد يضعف وَأَصله قوي وَذَلِكَ لأسباب تعتريه غير ان الْخَبَر إِذا عرضت لَهُ الْقُوَّة لَا يرْتَفع عَن دَرَجَته وَإِذا عرض لَهُ الضعْف نزل عَنْهَا فالمتواتر مهما زَاد تواتره يبْقى متواترا إِذْ دَرَجَة فَوْقه يرْتَفع إِلَيْهَا وَإِذا نقص تواتره نقصا بَينا نزل عَن دَرَجَته إِلَى دَرَجَة الْمَشْهُور ثمَّ قد يضعف إِلَى أَن يصير عَزِيزًا ثمَّ غَرِيبا ثمَّ قد يندرس فكم من خبر متواتر قد درسته الْأَيَّام أَلا ترى أَن كثيرا من الْأَبْنِيَة الْعَظِيمَة لَا يعلم الْآن يَقِينا أَسمَاء بنائها فضلا عَن زمانهم قَالَ المتنبي (أَيْن الَّذِي الهرمان من بُنْيَانه ... مَا قومه مَا يَوْمه مَا المصرع) (تتخلف الْآثَار عَن أَصْحَابهَا ... حينا ويلحقها الفناء فتتبع)

وَالْمَشْهُور مهما زَادَت شهرته لَا يرْتَفع عَن دَرَجَته إِلَى دَرَجَة الْمُتَوَاتر إِذْ الشَّرْط فِي الْمُتَوَاتر أَن يكون التَّوَاتُر مَوْجُودا فِيهِ من الطَّبَقَة الأولى فَمَا بعْدهَا فَإِذا فقد ذَلِك فِي طبقَة من الطَّبَقَات لَا سِيمَا الأولى لم يعد متواترا فَإِن كَانَ متواترا فِي أول الْأَمر ثمَّ زَالَ عَنهُ التَّوَاتُر قيل خبر مُنْقَطع التَّوَاتُر فَإِن لم يكن متواترا من أول الْأَمر لم يقل لَهُ متواتر نعم يسوغ أَن يُوصف بالتواتر النسبي فَيُقَال هَذَا الْخَبَر قد تَوَاتر فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة أَو الثَّالِثَة مثلا وَلَا يُقَال لَهُ خبر متواتر على الْإِطْلَاق فَإِذا ضعفت الشُّهْرَة فِي الْمَشْهُور نزل عَن دَرَجَته وانتقل إِلَى مَا بعْدهَا كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ وَقس على ذَلِك الْعَزِيز والغريب غير أَن الْغَرِيب لما كَانَ فِي الْمنزلَة الدُّنْيَا فَإِذا ضعف اندرس وَصَارَ نسيا منسيا وَالْخَبَر قد يحيا بعد الاندراس وَذَلِكَ بِظُهُور أَمر يدل عَلَيْهِ وَاعْلَم أَنه قد يشْتَبه الشَّائِع عَن أصل بالمتواتر بل قد يشيع خبر لَا أصل لَهُ فيظنه من لم يتتبع أمره متواترا ولكثرة الِاشْتِبَاه فِي هَذَا الْبَاب على كثير من النَّاس ظن بَعضهم أَن لَا سَبِيل إِلَى أَخذ الْيَقِين من الْأَخْبَار لَا سِيمَا الَّتِي مَضَت عَلَيْهِ قُرُون كَثِيرَة فقد ذكر فِي كتب الْكَلَام وَكتب الْأُصُول أَن فرقة من النَّاس أنْكرت إِفَادَة الْمُتَوَاتر الْعلم اليقيني وَقَالَت إِن الْحَاصِل مِنْهُ هُوَ الظَّن الْقوي الْغَالِب وَفرْقَة مِنْهُم سلمت إفادته الْعلم اليقيني فِي الْأُمُور الْحَاضِرَة وَأنْكرت فِي الْأُمُور الغابرة قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى أما إِثْبَات كَون التَّوَاتُر مُفِيدا للْعلم فَهُوَ ظَاهر خلافًا للسمنية حَيْثُ حصروا الْعلم فِي الْحَواس وأنكروا هَذَا وحصرهم بَاطِل فَإنَّا بِالضَّرُورَةِ نعلم كَون اللف أَكثر من الْوَاحِد واستحالة كَون الشَّيْء قَدِيما مُحدثا وامورا أخر ذَكرنَاهَا فِي مدراك الْيَقِين سوى الْحَواس بل نقُول حصرهم

الْعُلُوم فِي الْحَواس مَعْلُوم لَهُم وَلَيْسَ ذَلِك مدْركا بالحواس الْخمس ثمَّ لَا يستريب عَاقل فِي أَن فِي الدُّنْيَا بَلْدَة تسمى بَغْدَاد وَإِن لم يدخلهَا وَلَا يشك فِي وجود النبياء بل وَلَا فِي وجود الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة رحمهمَا الله بل وَلَا فِي الدول والوقائع الْكَبِيرَة فَإِن قيل لَو كَانَ مَعْلُوما ضَرُورَة لما خالفناكم قُلْنَا من يُخَالف فِي هَذَا فَإِنَّمَا يُخَالف بِلِسَانِهِ أَو عَن خبط فِي عقله أَو عَن عناد وَلَا يصدر إِنْكَار هَذَا من عدد كثير يَسْتَحِيل إنكارهم فِي الْعَادة لما علموه وعنادهم وَلَو تركنَا مَا علمناه لقولكم للزمكم ترك المحسوسات لخلاف السوفسطائية اهـ وَقد أَشَارَ فِي فيصل التَّفْرِقَة بَين الْإِسْلَام والزندقة إِلَى أَمر اشْتِبَاه الْمَشْهُور بالتواتر على من لم يمعن النّظر فَقَالَ فِي أثْنَاء بَيَان الْأُمُور الْخَمْسَة الَّتِي يجب على من يَخُوض فِي التَّكْفِير أَن ينظر فِيهَا قبل الْإِقْدَام عَلَيْهِ الثَّانِي فِي النَّص الْمَتْرُوك أَنه ثَبت تواترا أَو آحادا أَو بِالْإِجْمَاع فَإِن ثَبت تواترا فَهَل هُوَ على شَرط التَّوَاتُر أم لَا إِذْ رُبمَا يظنّ المستفيض متواترا وحد التَّوَاتُر مَا لَا يُمكن الشَّك فِيهِ كَالْعلمِ بِوُجُود الْأَنْبِيَاء وَوُجُود الْبِلَاد الْمَشْهُورَة وَغَيرهَا وَأَنه متواتر فِي الْأَعْصَار كلهَا عصرا بعد عصر إِلَى زمَان النُّبُوَّة وَهل يتَصَوَّر ان يكون قد نقص عدد التَّوَاتُر فِي عصر من الْأَعْصَار وَالشّرط فِي الْمُتَوَاتر أَن لَا يحْتَمل ذَلِك كَمَا فِي الْقُرْآن أما فِي غير الْقُرْآن فيغمض مدرك ذَلِك جدا وَلَا يسْتَقلّ بإدراكه إِلَّا الباحثون عَن كتب التواريخ وأحوال

المسألة الخامسة

الْقُرُون الْمَاضِيَة وَكتب الْأَحَادِيث وأحوال الرِّجَال وأغراضهم فِي نقل المقالات إِذْ قد يُوجد عدد التَّوَاتُر فِي كل عصر وَلَا يحصل بِهِ الْعلم إِذْ كَانَ يتَصَوَّر أَن يكون للْجمع الْكثير رابطة فِي التوافق لَا سِيمَا بعد وُقُوع التعصب بَين أَرْبَاب الْمذَاهب اهـ الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة شَرط قوم فِي التَّوَاتُر أَن يكون المخبرون لَا يحصرهم عدد وَلَا يحويهم بلد وَهُوَ شَرط غير لَازم فَإِن الْحجَّاج إِذا أخبروا عَن وَاقعَة صدتهم عَن الْحَج حصل الْعلم بقَوْلهمْ وهم محصورون وَأهل الْمَدِينَة إِذا أخبروا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْء حصل الْعلم بخبرهم وَقد حواهم بلد وَأهل الْجَامِع أذا أخبروا بنائِهِ فِي الْجُمُعَة حَالَتْ بَينهم وَبَين صلَاتهَا حصل الْعلم بخبرهم وَقد حواهم الْجَامِع وَهُوَ دون الْبَلَد وَأَرَادُوا بِكَوْن المخبرين لَا يحصرهم عدد أَنهم لكثرتهم وتباين بلدانهم يتَعَذَّر أَو يتعسر إحصاؤهم فتشنيع ابْن حزم على الْقَائِلين بِهِ جَار على عَادَته فِي التهويل وَحمل عبارَة من خَالفه على أقبح محاملها وَإِن كَانَت مُمكنَة التَّأْوِيل وَشرط قوم فِي المخبرين عددا معينا بِحَيْثُ إِذا كَانَ عَددهمْ أقل مِنْهُ لم يسم خبرهم متواترا وَاخْتلف فِي ذَلِك الْعدَد فَقيل هُوَ ثَلَاثَة وَقيل أَرْبَعَة وَقيل خَمْسَة وَقيل عشرَة وَقيل اثْنَا عشر وَقيل عشرُون وَقيل أَرْبَعُونَ وَقيل خَمْسُونَ وَقيل غير ذَلِك وَهِي أَقْوَال لَيْسَ لَهَا برهَان وَقَالَ الْجُمْهُور الشَّرْط ان يبلغ عدد المخبرين مبلغا يمْنَع فِي الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب فِيهِ وَلَا يُمكن تَحْدِيد ذَلِك الْعدَد وَالضَّابِط فِي ذَلِك حُصُول الْعلم فَإِذا حصل علمت أَن الْخَبَر متواترا وَإِلَّا فَلَا

قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى عدد المخبرين يَنْقَسِم إِلَى مَا هُوَ نَاقص فَلَا يُفِيد الْعلم وَإِلَى مَا هُوَ كَامِل وَهُوَ الَّذِي يُفِيد الْعلم وَإِلَى مَا هُوَ زَائِد وَهُوَ الَّذِي يحصل الْعلم بِبَعْضِه وَتَقَع الزِّيَادَة فضلا عَن الْكِفَايَة والكامل وَهُوَ أقل عدد يُورث الْعلم لَيْسَ مَعْلُوما لنا لَكنا بِحُصُول الْعلم ضَرُورِيّ نتبين كَمَال الْعدَد لَا أَنا بِكَمَال الْعدَد نستدل على حُصُول الْعلم فَإِذا عرفت هَذَا فالعدد الْكَامِل الَّذِي يحصل التَّصْدِيق بِهِ فِي وَاقعَة هَل يتَصَوَّر أَن لَا يُفِيد الْعلم فِي بعض الوقائع قَالَ القَاضِي رَحمَه الله ذَلِك محَال بل كل مَا يُفِيد الْعلم فِي وَاقعَة يفِيدهُ فِي كل وَاقعَة وَإِذا حصل الْعلم لشخص فَلَا بُد وان يحصل لكل شخص يُشَارِكهُ فِي السماع وَلَا يتَصَوَّر ان يخْتَلف وَهَذَا صَحِيح إِن تجرد الْخَبَر عَن الْقَرَائِن فغن الْعلم لَا يسْتَند إِلَى مُجَرّد الْعدَد وَنسبَة كَثْرَة الْعدَد إِلَى سَائِر الوقائع وَسَائِر الْأَشْخَاص وَاحِدَة أما إِذا اقترنت بِهِ قَرَائِن تدل على التَّصْدِيق فَهَذَا يجوز ان تخْتَلف فِيهِ الوقائع والأشخاص وَأنكر القَاضِي ذَلِك وَلم يلْتَفت إِلَى الْقَرَائِن وَلم يَجْعَل لَهَا أثرا وَهَذَا غير مرضِي لِأَن مُجَرّد الْإِخْبَار يجوز ان يُورث الْعلم عِنْد كَثْرَة المخبرين وَإِن لم تكن قرينَة وَمُجَرَّد الْقَرَائِن أَيْضا قد يُورث الْعلم وَإِن لم يكن فِيهِ إِخْبَار فَلَا يبعد ان تنضم الْقَرَائِن إِلَى الْأَخْبَار فَيقوم بعض الْقَرَائِن مقَام بعض الْعدَد من المخبرين وَلَا ينْكَشف هَذَا إِلَّا بِمَعْرِِفَة معنى الْقَرَائِن وَكَيْفِيَّة دلالاتها فَنَقُول لَا شكّ فِي أَنا نَعْرِف أمورا لَيْسَ محسوسة إِذْ نَعْرِف من غَيرنَا حَبَّة لإِنْسَان وبغضه لَهُ وَخَوف

مِنْهُ وغضبه وخجله وَهَذِه أَحْوَال فِي نفس الْمُحب والمبغض لَا يتَعَلَّق الْحس بهَا قد تدل عَلَيْهَا دلالات آحادها لَيست قَطْعِيَّة بل يتَطَرَّق إِلَيْهَا الِاحْتِمَال وَلَكِن تميل النَّفس بهَا إِلَى اعْتِقَاد ضَعِيف ثمَّ الثَّانِي وَالثَّالِث يُؤَكد ذَلِك وَلَو أفردت آحادها لتطرق إِلَيْهَا الِاحْتِمَال وَلَكِن يحصل الْقطع باجتماعها كَمَا أَن قَول كل وَاحِد من عدد التَّوَاتُر يتَطَرَّق إِلَيْهِ الِاحْتِمَال لَو قدر مُفردا وَيحصل الْقطع بِسَبَب الِاجْتِمَاع ومثاله أَنا نَعْرِف عشق العاشق لَا بقوله بل بِأَفْعَال هِيَ أَفعَال المحبين من الْقيام بخدمته وبذله مَاله وَحُضُور مجالسه لمشاهدته وملازمته فِي تردداته وَأُمُور من هَذَا الْجِنْس فَإِن كل وَاحِد يدل دلَالَة لَو انْفَرد لاحتمل أَن يكون ذَلِك لغَرَض آخر ضمره لَا لحبه إِيَّاه لَكِن تَنْتَهِي كَثْرَة هَذِه الدلالات إِلَى حد يحصل لنا بِهِ علم قَطْعِيّ بحبه وَكَذَلِكَ ببغضه إِذا رؤيت مِنْهُ أَفعَال ينتجها البغض ثمَّ قَالَ فاقتران هَذِه الدَّلَائِل كاقتران الْأَخْبَار وتواترها وكل دلَالَة شَاهد يتَطَرَّق إِلَيْهِ الِاحْتِمَال كَقَوْل كل مخبر على حياله وينشأ من الِاجْتِمَاع الْعلم وَكَأن هَذَا مدرك سادس من مدارك الْعلم سوى مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمُقدمَة من الأوليات والمحسوسات والمشاهدات الْبَاطِنَة والتجريبيات والمتواترات فليلحق هَذَا بهَا وَإِذا كَانَ هَذَا غير مُنكر فَلَا يبعد أَن يحصل التَّصْدِيق بقول عدد نَاقص عِنْد انضمام قَرَائِن إِلَيْهِ وَلَو تجرد عَن الْقَرَائِن لم يفد الْعلم وَقَالَ الْعَلامَة جمال الدّين حسن بن يُوسُف لن الْمهْر الْحلِيّ فِي نِهَايَة الْوُصُول إِلَى علم الْأُصُول قَالَ أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ وَالْقَاضِي أَبُو بكر كل عدد وَقع الْعلم

بِخَبَرِهِ فِي واقعه لشخص لَا بُد وَأَن يكون مُفِيدا للْعلم بِغَيْر تِلْكَ الْوَاقِعَة لغير ذَلِك الشَّخْص إِذا سَمعه وَهَذَا إِنَّمَا يَصح على إِطْلَاقه لَو كَانَ الْعلم قد حصل بِمُجَرَّد ذَلِك الْعدَد من غير أَن يكون للقرائن المحتفة بِهِ مدْخل فِي التَّأْثِير لَكِن الْعلم قد يحصل بالقرائن العائدة إِلَى إِخْبَار المخبرين وأحوالهم وَاخْتِلَاف السامعين فِي قُوَّة السماع للْخَبَر والفهم لمدلوله وَمَعَ فرض التَّسَاوِي فِي الْقَرَائِن قد يُفِيد آحادها الظَّن وَيحصل من اجتماعها الْعلم فَأمكن حُصُول الْعلم بثل ذَلِك الْعدَد فِي بعض الوقائع للمستمع دون الْبَعْض لما اخْتصَّ بِهِ من الْقَرَائِن الَّتِي لَا تحصل لغيره وَلَو سلم اتِّحَاد الْوَاقِعَة وقرائنها لم يلْزم من حُصُول الْعلم بذلك الْعدَد لبَعض الْأَشْخَاص حُصُوله لشخص آخر لتفاوتهما فِي الْفَهم للقرائن وتفاوت الْأَشْخَاص فِي الْإِدْرَاك والذكاء مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ وَقَالَ أَيْضا ظن قوم أَن لحُصُول الْعلم عقب التَّوَاتُر يشْتَرط عدد معِين وَلَيْسَ بِحَق فَإِن الْعلم هُوَ القَاضِي بِعَدَد الشَّهَادَات دون الْعَكْس فَرب عدد أَفَادَ الْعلم فِي قَضِيَّة لشخص وَلَا يحصل مَعَ مثله فِي تِلْكَ الْقَضِيَّة لغير ذَلِك الشَّخْص أَو فِي غَيرهَا لَهُ وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين إِن حُصُول الْعلم بطرِيق تَوَاتر الْأَخْبَار يخْتَلف باخْتلَاف الوقائع والمخبرين والسامعين فقد يحصل الْعلم فِي وَاقعَة بِعَدَد مَخْصُوص وَلَا بِهِ فِي وَاقعَة أُخْرَى وَقد يحصل بِإِخْبَار جمَاعَة مَخْصُوصَة وَلَا يحصل بِإِخْبَار جمَاعَة أُخْرَى تساويهم فِي الْعدَد وَقد يحصل لسامع لَوْلَا يحصل لسامع آخر وَقد عرف بعض الْعلمَاء الْمُتَوَاتر بقوله هُوَ الْخَبَر الَّذِي يُوجب بِنَفسِهِ الْعلم فَخرج بذلك الْآحَاد فَإِن مِنْهُ مَا لَا يُوجب الْعلم أصلا وَمِنْه مَا يُوجب الْعلم لَا بِنَفسِهِ لَكِن بِوَاسِطَة الْقَرَائِن الَّتِي احتفت بِهِ

وَفِي هَذَا التَّعْرِيف إِشْكَال فَإِنَّهُ يُوهم أَن الْمُوجب للْعلم فِي الْمُتَوَاتر إِنَّمَا هُوَ مُجَرّد كَثْرَة المخبرين وستعرف مَا يرد فِي ذَلِك قَالَ الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُول أَنا لَو قَدرنَا أَن أهل بَلْدَة علمُوا أَن أهل سَائِر الْبِلَاد لَو عرفُوا مَا فِي بلدهم من الوباء الْعَام لتركوا الذّهاب إِلَى بلدهم وَلَو تركُوا ذَلِك لاختلت الْمَعيشَة فِي تِلْكَ الْبَلدة وقدرنا أَن أهل تِلْكَ الْبَلدة كَانُوا عُلَمَاء حكماء جَازَ فِي مثل هَذِه الصُّورَة ان يتطابقوا على الْكَذِب وَإِن كَانُوا كثيرين جدا فَثَبت بِهَذَا إِمْكَان اتِّفَاق الْخلق الْعَظِيم على الْكَذِب لأجل الرَّغْبَة اهـ وَقَالَ حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ عَن الْعدَد الْكثير رُبمَا يخبرون عَن أَمر تَقْتَضِي إياله الْملك وسياسته إِظْهَاره والمخبرون من رُؤَسَاء جنود الْملك فيتصور اجْتِمَاعهم تَحت ضبط الإيالة على الِاتِّفَاق على الْكَذِب وَلَو كَانُوا مُتَفَرّقين خَارِجين عَن ضبط الْملك لم يتَطَرَّق إِلَيْهِم هَذَا الْوَهم وَقد صرح كثير من عُلَمَاء الْأُصُول بِأَن الْمُتَوَاتر لَا بُد من الْقَرَائِن فَلَا يبْقى حِينَئِذٍ فرق بَينه وَبَين خبر الْآحَاد الَّذِي احتفت بِهِ قَرَائِن أوجبت الْعلم بصدقه وَيكون إِيجَاب كل مِنْهُمَا للْعلم إِنَّمَا هُوَ بمعونة الْقَرَائِن وَلَا يُفِيد فِي الْجَواب ان يُقَال الْقَرَائِن فِي الْمُتَوَاتر مُتَّصِلَة فَهِيَ غير خَارِجَة عَنهُ فصح أَن يُقَال إِنَّه يُوجب الْعلم بِنَفسِهِ لِأَن خبر الْآحَاد الْمَذْكُور كثيرا مَا تكون الْقَرَائِن فِيهِ مُتَّصِلَة وَالْمرَاد بالقرائن مَا يكون مُتَعَلقا بِحَال الْمخبر والمخبر بِهِ وَالْخَبَر أما

الْمخبر فَكَأَن يكون غير مَعْرُوف بِالْكَذِبِ وَلَا دَاعِي لَهُ فِي ذَلِك الْخَبَر من رَغْبَة اَوْ رهبة تلجئه إِلَى الْكَذِب فِيهِ وَأما الْمخبر بِهِ فَكَأَن يكون أمرا مُمكن الْوُقُوع لَا سِيمَا إِن ظَهرت من قبل مُقَدمَات تقرب أمره وَأما الْخَبَر فَكَأَن يكون مسوقا على هَيْئَة وَاضِحَة لَيْسَ فيهمَا جمجمة وَلَا تلعثم وَلَا اضْطِرَاب وَالْمرَاد بالقرائن الْمُنْفَصِلَة مَا لَا يتَعَلَّق بِمَا ذكر وَمِثَال ذَلِك مَا إِذا أخبر جمَاعَة بِمَوْت ابتن لأحد الرؤساء كَانَ مَرِيضا ثمَّ تَلا ذَلِك أَن خرج الرئيس من الدَّار حاسر الرَّأْس حافي الْقدَم ممزق الثِّيَاب مُضْطَرب الْحَال وَهُوَ رجل ذُو منصب كَبِير ومروءة تَامَّة لَا يُخَالف عَادَته إِلَّا لمثل هَذِه النائبة فَإِن هَذِه الْقَرِينَة مُنْفَصِلَة عَن الْخَبَر وَلها أعظم مدْخل فِي الْعلم بِصِحَّتِهِ وَاعْترض بَعضهم بِأَن الْعلم إِنَّمَا حصل بِالْقَرِينَةِ فَكيف نسبتموه إِلَى الْخَبَر وَأجِيب بِأَن الْعلم حصل بالْخبر بمعونة الْقَرِينَة وَلَوْلَا الْخَبَر لجوزنا شخص آخر أَو وُقُوع كارثة تقوم مقَام موت الابْن وَقد أسقط بَعضهم من تَعْرِيف الْمُتَوَاتر قَوْله بِنَفسِهِ فَقَالَ فِي تَعْرِيفه هُوَ الْخَبَر الَّذِي يُوجب الْعلم وَفِيه أَيْضا إِشْكَال لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ خبر الْآحَاد إِذا احتفت بِهِ قَرَائِن توجب الْعلم وَكَأن بَعضهم شعر بذلك فَقَالَ فِي تَعْرِيفه هُوَ الْخَبِير الْمُفِيد للْعلم اليقيني وَاعْلَم أَن سَبَب اخْتِلَاف الْعبارَات واضطرابها إِنَّمَا هُوَ غموض هَذَا المبحث ودقته بِحَيْثُ صَارَت الْعبارَات فِيهِ قَاصِرَة عَن أَدَاء جَمِيع مَا يجول فِي النَّفس مِنْهُ فَكُن منتبها لذَلِك وَقس عَلَيْهِ مَا أشبهه من المباحث واحرص على أَخذ زبدة مَا يَقُولُونَ وَلَا يصدنك عَن ذَلِك اخْتِلَاف الْعبارَات اَوْ الاعتبارات

نورد مَا ذَكرْنَاهُ إتماما للفائدة قَالَ فِي كتاب الإحكام فصل فِيهِ أَقسَام الْأَخْبَار عَن الله تَعَالَى قَالَ أَبُو مُحَمَّد جَاءَ فِي النَّص ثمَّ لم يخْتَلف فِيهِ مسلمان فِي أَن مَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ فَفرض اتِّبَاعه وَأَنه تَفْسِير لمراد الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن وَبَيَان لمجمله ثمَّ اخْتلف الْمُسلمُونَ فِي الطَّرِيق المؤدية إِلَى صِحَة الْخَبَر عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام بعد الْإِجْمَاع الْمُتَيَقن الْمَقْطُوع بِهِ على مَا ذكرنَا وعَلى الطَّاعَة من كل مُسلم لقَوْل الله تَعَالَى {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول} فَنَظَرْنَا فِي ذَلِك فَوَجَدنَا الْأَخْبَار تَنْقَسِم قسمَيْنِ خبر تَوَاتر وَهُوَ مَا نقلته كَافَّة عَن كَافَّة حَتَّى تبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا خبر لم يخْتَلف مسلمان فِي وجوب الْأَخْذ بِهِ وَفِي أَنه حق مَقْطُوع على غيبه لِأَن بِمثلِهِ عرفنَا أَن الْقُرْآن هُوَ الَّذِي تى بِهِ سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه علمنَا صِحَة مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه علمنَا عدد رُكُوع كل صَلَاة وَعدد الصَّلَوَات وَأَشْيَاء كَثِيرَة من أَحْكَام الزَّكَاة وَغير ذَلِك مِمَّا لم يبين فِي الْقُرْآن تَفْسِيره وَقد تكلمنا فِي كتاب الْفَصْل على ذَلِك وَبينا أَن الْبُرْهَان قَائِم على صِحَّته وَبينا كيفيته وَأَن الضَّرُورَة والطبيعة توجبان قبُوله وَأَن بِهِ عرفنَا مَا لم نشاهد من الْبِلَاد وَمن كَانَ قبلنَا من الْأَنْبِيَاء وَالْعُلَمَاء والفلاسفة والملوك والوقائع والتآليف

وَمن أنكر ذَلِك كَانَ بِمَنْزِلَة من أنكر مَا يدْرك بالحواس الأول وَلَا فرق وَلَزِمَه ان لَا يصدق بِأَنَّهُ كَانَ قبله زمَان وَلَا أَن أَبَاهُ وَأمه كَانَا قبله وَلَا أَنه مَوْلُود من امْرَأَة قَالَ عَليّ وَقد اخْتلف النَّاس فِي مِقْدَار النقلَة للْخَبَر الَّذِي ذكرنَا فطائفة قَالَت لَا يقبل الْخَبَر إِلَّا من جَمِيع أهل الْمشرق وَالْمغْرب وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل إِلَّا من عدد لَا نحصيه نَحن وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل من أقل من ثَلَاث مئة وَبضْعَة عشر رجلا عدد أهل بدر وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل إِلَّا من سبعين وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل إِلَّا من خمسين عدد الْقسَامَة وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل إِلَّا من أَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ الْعدَد الَّذِي لما بلغه الْمُسلمُونَ أظهرُوا الدّين وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل إِلَّا من عشْرين وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل لَا من اثْنَي عشر وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل إِلَّا من خَمْسَة عشر وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل إِلَّا من أَرْبَعَة وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل إِلَّا من ثَلَاثَة لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يَقُول ثَلَاثَة من ذَوي الحجى من قومه إِنَّه قد نزل بِهِ جَائِحَة وَقَالَت طَائِفَة لَا يقبل إِلَّا من اثْنَيْنِ قَالَ عَليّ وَهَذِه كلهَا أَقْوَال بِلَا برهَان وَمَا كَانَ هَكَذَا فقد سقط وَيَكْفِي فِي إبِْطَال ذَلِك أَن ننبه كل من يَقُول بِشَيْء من هَذِه الْحُدُود على أَن يقيس كل مَا يعْتَقد صِحَّته من أَخْبَار دينه ودنياه فَإِنَّهُ لَا سَبِيل لَهُ الْبَتَّةَ إِلَى ان يكون شَيْء مِنْهَا صَحَّ عِنْده بِالْعدَدِ الَّذِي شَرطه كل وَاحِد من ذَلِك الْعدَد ع مثل ذَلِك الْعدَد كُله وَهَكَذَا متزايدا حَتَّى يبلغ إِلَى تَحْقِيق ذَلِك الْخَبَر من دينه أَو دُنْيَاهُ فَحصل من كل قَول مِنْهَا بطلَان كل خبر جملَة لَا نحاشي شَيْئا لِأَنَّهُ وَإِن مَعَ هُوَ بعض الْأَخْبَار من الْعدَد الَّذِي شَرط فَلَا بُد أَن يبطل تِلْكَ الْمرتبَة فِيمَا فَوق ذَلِك وكل قَول أدّى إِلَى الْبَاطِل فَهُوَ بَاطِل بِلَا شكّ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَلم يبْق إِلَّا قَول من قَالَ بالتواتر وَلم يحد عددا قَالَ عَليّ ونقول هَا هُنَا إِن

شَاءَ الله تَعَالَى قولا بِاخْتِصَار فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق لكل من حد فِي عدد نَقله خبر التَّوَاتُر حدا لَا يكون أقل مِنْهُ يُوجب تَيَقّن صدقه ضَرُورَة من سبعين أَو عشْرين أَو عدد لَا تحصيهم وغن كَانَ فِي ذَاته محصى ذَا عدد مَحْدُود أَو أهل الْمشرق وَالْمغْرب وَلَا سَبِيل إِلَى لِقَائِه وَلَا لِقَاء أحد لَهُم كلهم وَلَا بُد من الِاقْتِصَار على بَعضهم دون بعض بِالضَّرُورَةِ وَلَا بُد من أَن يكون لذَلِك التَّوَاتُر الَّذِي يَدعُونَهُ فِي ذَاته عدد إِن نقص مِنْهُ وَاحِد لم يكن متواترا وَإِلَّا فقد ادعوا مَا لَا يعرف أبدا وَلَا يعقل فَإذْ لَا بُد من تَحْدِيد عدد ضَرُورَة فَنَقُول لَهُم مَا تَقولُونَ إِن سقط من هَذَا الْحَد الَّذِي حددتم وَاحِد أيبطل سُقُوط ذَلِك الْوَاحِد قبُول ذَلِك الْخَبَر أم لَا يُبطلهُ فَإِن قَالَ يُبطلهُ تحكم بِلَا برهَان وكل قَول بِمُجَرَّد الدَّعْوَى بِلَا برهَان فَهُوَ مطروح سَاقِط فَإِن قَالَ بقبوله أسقطنا لَهُ آخر ثمَّ آخر حَتَّى يبلغ إِلَى وَاحِد فَقَط وَإِن حد عددا سُئِلَ عَن الدَّلِيل على ذَلِك فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهِ الْبَتَّةَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَا فِي الْعُقُول فرق بَين نَقله عشرُون وَبَين مَا نَقله تِسْعَة عشر وَبَين مَا نَقله سَبْعُونَ وَلَا مَا نَقله تِسْعَة وَسِتُّونَ وَلَيْسَ ذكر هَذِه الْأَعْدَاد فِي الْقُرْآن وَفِي الْقسَامَة وَفِي بعض الْأَحْوَال بِمُوجب أَن لَا يقبل أقل مِنْهَا فِي الْأَخْبَار وَقد ذكر تَعَالَى فِي الْقُرْآن أعدادا غير هَذِه فَذكر تَعَالَى الْوَاحِد والاثنين وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة والمئة ألف وَغير ذَلِك وَلَا فرق بَين مَا تعلق بِعَدَد مِنْهَا وَبَين مَا تعلق بِعَدَد آخر مِنْهَا وَلم يَأْتِ من هَذِه الْعداد فِي الْقُرْآن شَيْء فِي بَاب قبُول الْأَخْبَار وَلَا فِي قيام حجَّة بهم فصارف

ذكرهَا إِلَى مَا لم يقْصد بهَا مجرم وقاح محرف للكلم عَن موَاضعه وَإِن قَالَ لَا يبطل قبُول الْخَبَر بِسُقُوط وَاحِد من الْعدَد الَّذِي حد كَانَ قد ترك مذْهبه الْفَاسِد ثمَّ سألناه عَن إِسْقَاط آخر أَيْضا مِمَّا بَقِي من ذَلِك وَهَكَذَا حَتَّى يبعد عَمَّا حد بعدا شَدِيدا فغن نظرُوا هَذَا بِمَا لَا يُمكن حَده من الْأَشْيَاء كَانُوا مدعين بِلَا دَلِيل ومشبهين بِلَا برهَان وَحكم كل شَيْء يَجعله الْمَرْء دينا لَهُ أَن ينظر فِي حُدُوده ويطلبها إِلَّا مَا صَحَّ بِإِجْمَاع أَو نَص أَو أوجبت طَبِيعَته ترك طلب حَده وَقد قَالَ بَعضهم لَا يقبل من الْأَخْبَار إِلَّا مَا نقلته جمَاعَة لَا يحصرها الْعدَد قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا قَول من غمرة الْجَهْل لِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا مَوْجُودا فِي الْعَالم أصلا وكل مَا فِيهِ فقد حصره الْعدَد وَإِن لم نعمله نَحن وإحصاؤه مُمكن لمن تكلّف ذَلِك فعلى هَذَا القَوْل الْفَاسِد قد سقط جَمِيع الْأَخْبَار جملَة وَسقط كَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَالم وَهَذَا كفر وَأَيْضًا فليزم هَؤُلَاءِ وكل من حد فِي عدد من لَا تصح الْأَخْبَار بِأَقَلّ من نقل ذَلِك الْعدَد أَمر فظيع يَدْفَعهُ الْعقل ببديهته وَهُوَ ان لَا يَصح عِنْدهم كل أَمر يشهده أقل من الْعدَد الَّذِي حدوا وَأَن لَا يَصح عِنْدهم كل أَمر حصره عدد من النَّاس وكل أَمر لم يحصره أهل الْمشرق وَالْمغْرب فَتبْطل الْأَخْبَار كلهَا ضَرُورَة على حكم هَذِه الْأَقْوَال الْفَاسِدَة وهم يعْرفُونَ بضرورة صدق أَخْبَار كَثِيرَة من موت وولادة وَنِكَاح

وعزل وَولَايَة واغتفال منزل وَخُرُوج عَدو وَشر وَاقع وَسَائِر عوارض الْعَالم مِمَّا لَا يشهده إِلَّا النَّفر الْيَسِير وَمن خَالف هَذَا فقد كَابر عقله وَلم يَصح عِنْده شَيْء مِمَّا ذكرنَا أبدا لَا سِيمَا إِن كَانَ سَاكِنا فِي قَرْيَة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا عدد يسير مَعَ انه لَا سَبِيل لَهُ إِلَى لِقَاء أهل الْمشرق وَالْمغْرب قَالَ عَليّ فَإِن سَأَلنَا سَائل فَقَالَ مَا حد الْخَبَر الَّذِي يُوجب الضَّرُورَة فَالْجَوَاب وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أننا نقُول إِن الْوَاحِد من غير الْأَنْبِيَاء المعصومين بالبراهين عَلَيْهِم السَّلَام قد يجوز عَلَيْهِ تعمد الْكَذِب يعلم ذَلِك بضرورة الْحس وَقد يجوز على جمَاعَة كَثِيرَة أَن يتواطؤوا على كذبه إِذا اجْتَمعُوا وَرَغبُوا أَو رهبوا وَلَكِن ذَلِك لَا يخفى من قبلهم بل تعلم اتِّفَاقهم على ذَلِك الْكَذِب بخبرهم إِذا تفَرقُوا لَا بُد من ذَلِك وَلَكنَّا نقُول إِذا جَاءَ اثْنَان فَأكْثر من ذَلِك وَقد تَيَقنا أَنَّهُمَا لم يلتقيا وَلَا دسسنا وَلَا كَانَت لَهما رَغْبَة فِيمَا أخبرا بِهِ وَلَا رهبة مِنْهُ وَلَا يعلم أَحدهمَا بِالْآخرِ فَحدث كل وَاحِد مِنْهُمَا مفترقا عَن صَاحبه بِحَدِيث طَوِيل لَا يُمكن أَن يتَّفق خاطر اثْنَيْنِ على توليد مثله وَذكر كل وَاحِد مِنْهُمَا مفترقا عَن صَاحبه بِحَدِيث طَوِيل لَا يُمكن أَن يتَّفق خاطر اثْنَيْنِ على توليد مثله وَذكر كل وَاحِد مِنْهُمَا مُشَاهدَة أَو لِقَاء لجَماعَة شاهدت أَو أخْبرت عَن مثلهَا بِأَنَّهَا شاهدت فَهُوَ خبر صدق يضْطَر بِلَا شكّ فِي سَمعه إِلَى تَصْدِيقه وَيقطع على غيبه وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا يُعلمهُ حسا من تدبره ووعاه فِيمَا يردهُ كل روم من أَخْبَار زَمَانه من موت أَو ولادَة أَو نِكَاح أَو عزل أَو ولَايَة أَو وَاقعَة أَو غير ذَلِك وَغنما خَفِي مَا ذكرنَا على من خَفِي عَلَيْهِ لقلَّة مراعاته مَا يمر بِهِ وَلَو أَنَّك تكلّف إنْسَانا وَاحِدًا اختراع حَدِيث طَوِيل كَاذِب لقدر عَلَيْهِ يعلم ذَلِك بضرورة الْمُشَاهدَة فَلَو أدخلت

اثْنَيْنِ فِي بَيْتَيْنِ لَا يَلْتَقِيَانِ وكلفت كل وَاحِد مِنْهُمَا توليد حَدِيث كَاذِب لما جَازَ بِوَجْه من الْوُجُوه أَن يتَّفقَا فِيهِ من أَوله إِلَى آخِره هَذَا مَا لَا سَبِيل إِلَيْهِ بِوَجْه من الْوُجُوه أصلا وَقد يَقع فِي الندرة الَّتِي لن نكد نشاهدها اتِّفَاق الخواطر على الْكَلِمَات الْيَسِيرَة والكلمتين وَنَحْو ذَلِك وَالَّذِي شاهدنا اتِّفَاق شاعرين فِي نصف بَيت شاهدنا ذَلِك مرَّتَيْنِ من عمرنا فَقَط وَأَخْبرنِي من لَا أَثِق بِهِ أَن خاطره وَافق خاطر شَاعِر فِي بَيت كَامِل وَاحِد وَلست أعلم ذَلِك صَحِيحا وَأما الَّذِي لَا شكّ فِيهِ وَهُوَ مُمْتَنع فِي الْعقل فاتفاقهما فِي قصيدة بل فِي بَيْتَيْنِ فَصَاعِدا وَالشعر نوع من أَنْوَاع الْكَلَام وَلكُل كَلَام تأليف مَا وَالَّذِي ذكره المتكلمون فِي الْأَشْعَار من الْفَصْل الَّذِي سموهُ المواردة وَذكروا ان خواطر شعراء اتّفقت فِي عدَّة أَبْيَات فأحاديث مفتعلة لَا تصح أصلا وَلَا تتصل وَمَا هِيَ إِلَّا سرقات وغارات من بعض الشُّعَرَاء على بعض قَالَ عَليّ وَقد يضْطَر خبر الْوَاحِد إِلَى الْعلم بِصِحَّتِهِ إِلَّا أَن اضطراره لَيْسَ بمطرد وَلَا فِي كل وَقت وَلَكِن على قدر مَا يتهيأ وَقد بَينا ذَلِك فِي كتاب الْفَصْل قَالَ عَليّ فَهَذَا قسم قَالَ وَالْقسم الثَّانِي من الْأَخْبَار مَا نَقله الْوَاحِد عَن الْوَاحِد فَهَذَا إِذا اتَّصل بِرِوَايَة الْعُدُول إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجب الْعَمَل بِهِ وَوَجَب الْعلم بِصِحَّتِهِ أَيْضا وَبَين هَذَا وَبَين شَهَادَة الْعُدُول فرق نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ قَول الْحَارِث بن أَسد المحاسبي وَالْحُسَيْن بن عَليّ الْكَرَابِيسِي وَقد قَالَ بِهِ أَبُو سُلَيْمَان وَذكره ابْن خويز منداد عَن مَالك بن أنس

والبرهان على صِحَة وجوب قبُول قَول الله عز وَجل {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} فَأوجب الله تَعَالَى على كل فرقة قبُول نذارة النافر مِنْهَا بأَمْره النافر بالتفقه وبالنذارة وَمن أمره الله تَعَالَى بالتفقه فِي الدّين وإنذار قومه فقد انطوى فِي هَذَا المر إِيجَاب قبُول نذارته على من أمره بإنذارهم والطائفة فِي لُغَة الْعَرَب الَّتِي بهَا خوطبنا يَقع على الْوَاحِد فَصَاعِدا وَطَائِفَة من الشَّيْء بِمَعْنى بعضه هَذَا مَا لَا خلاف بَين أهل اللُّغَة فِيهِ اهـ وَقَالَ فِي مُقَدّمَة كتاب الْملَل والنحل بعد أَن أبان أَن من البديهيات الَّتِي يشْعر بهَا الطِّفْل فِي مَكَان وَاحِد وَأَنه لَا يعلم الْغَيْب أحد وَمن علم فِي مكانين وَأَنه لَا يكون جسمان فِي مَكَان وَاحِد وانه لَا يعلم الْغَيْب اُحْدُ وَمن علم النَّفس بِأَن علم الْغَيْب لَا يُعَارض فصح ضَرُورَة أَنه لَا يُمكن أَن يَحْكِي أحد خَبرا كَاذِبًا طَويلا فَيَأْتِي من لم يسمعهُ فيحكي ذَلِك الْخَبَر بِعَيْنِه كَمَا هُوَ لَا يزِيد فِيهِ وَلَا ينقص إِذْ لَو أمكن ذَلِك لَكَانَ الحاكي لمثل ذَلِك الْخَبَر علاما بِالْغَيْبِ لِأَن هَذَا هُوَ علم الْغَيْب نَفسه وَهُوَ الْإِخْبَار عَمَّا لَا يعلم الْمخبر عَنهُ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَذَلِك بِلَا شكّ فَكل مَا نَقله من الْأَخْبَار اثْنَان فَصَاعِدا مفترقان قد أيقنا أَنَّهُمَا لم يجتمعا وَلَا تشاعرا فَلم يختلفا فِيهِ فالبضرورة يعلم أَنه حق مُتَيَقن مَقْطُوع بِهِ على غيبه وَبِهَذَا علمنَا صِحَة موت من مَاتَ وولادة من ولد وعزل من عزل وَولَايَة من ولي وَمرض من مرض وإفاقة من أَفَاق ونكبة من نكب والبلاد الغائبة عَنَّا

والوقائع والملوك والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام ودياناتهم وَالْعُلَمَاء وأقوالهم والفلاسفة وحكمهم لَا شكّ عِنْد أحد يُوفي عقله فِي شَيْء مِمَّا نقل من ذَلِك كَمَا ذكرنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَله فِي هَذَا الْكتاب مقَالَة تناسب مَا نَحن فِيهِ وَقد أحببنا إيرادها هُنَا بطرِيق الِاخْتِصَار قَالَ وَنحن نذْكر صفة وُجُوه النَّقْل عِنْد الْمُسلمين لكتابهم وَدينهمْ وَمَا رُوِيَ عَن أئمتهم حَتَّى يقف الْمُسلمين لكل مَا ذكرنَا يَنْقَسِم أقساما سِتَّة أَولهَا شَيْء يَنْقُلهُ أهل الْمشرق وَالْمغْرب عِنْد أمثالهم جيلا جيلا لَا يخْتَلف فِيهِ مُؤمن وَلَا كَافِر منصف غير معاند للمشاهدة وَهُوَ الْقُرْآن الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف فِي شَرق الأَرْض وغربها لَا يَشكونَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي ان مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب أَتَى بِهِ وَأخْبر أَن الله عز وَجل أوحى بِهِ إِلَيْهِ وَأَن من اتبعهُ أَخذه عَنهُ كَذَلِك ثمَّ أَخذ عَن اولئك حَتَّى بلغ إِلَيْنَا وَمن ذَلِك الصَّلَوَات الْخمس فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف مُؤمن وَلَا كَافِر وَلَا يشك أحد أَن أهل السَّنَد يصلونها كَمَا يُصليهَا أهل الأندلس وَأَن أهل أرمينية يصلونها كَمَا يُصليهَا أهل الْيمن وكصيام شهر رَمَضَان فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف مُؤمن وَلَا كَافِر وَلَا يشك أحد فِي أَنه صَامَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصامه مَعَه كل من اتبعهُ فِي كل لد كل عَام ثمَّ كَذَلِك جيلا جيلا إِلَى يَوْمنَا هَذَا وكالحج فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف مُؤمن وَلَا كَافِر وَلَا يشك أحد فِي انه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حج مَعَ أَصْحَابه وَأقَام الْمَنَاسِك ثمَّ حج الْمُسلمُونَ من كل أفق من الْآفَاق

كل عَام فِي شهر وَاحِد مَعْرُوف إِلَى الْيَوْم وكجملة الزَّكَاة وكسائر الشَّرَائِع الَّتِي فِي الْقُرْآن من تَحْرِيم القرائب وَالْمَيِّت وَالْخِنْزِير وَسَائِر مَا ورد فِي نَص الْقُرْآن الثَّانِي شَيْء نقلته الكافة تعن مثلهَا حَتَّى يبلغ المر كَذَلِك إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ككثير من آيَاته ومعجزاته الَّتِي ظَهرت يَوْم الخَنْدَق وَفِي تَبُوك بِحَضْرَة الْجَيْش وككثير من مَنَاسِك الْحَج وكزكاة التَّمْر وَالْبر وَالشعِير وَالْوَرق وَالذَّهَب وَالْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم ومعاملته أهل خَبِير وَغير ذَلِك مِمَّا يخفى على الْعَامَّة وَإِنَّمَا يعرفهُ كواف أهل العل فَقَط الثَّالِث مَا نَقله الثِّقَة عَن الثِّقَة حَتَّى يبلغ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يخبر كل وَاحِد مِنْهُم باسم الَّذِي أخبرهُ وَنسبه وَكلهمْ مَعْرُوف الْحَال وَالْعين وَالْعَدَالَة وَالزَّمَان وَالْمَكَان على ان أَكثر مَا جَاءَ هَذَا الْمَجِيء فَإِنَّهُ مَنْقُول نقل الكواف إِمَّا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طرق جمَاعَة من الصَّحَابَة وغما إِلَى الصاحب وغما إِلَى التَّابِع وغما إِلَى إِمَام أَخذ عَن التَّابِع يعرف لَك من كَانَ من أهل الْمعرفَة بِهَذَا الشَّأْن وَهَذَا نقل خص الله بِهِ الْمُسلمين دون سَائِر أهل الْملَل وأبقاه عِنْدهم غضا جَدِيدا مد أَربع مئة وَخمسين عَاما فِي الْمشرق وَالْمغْرب والجنوب وَالشمَال يرحل فِي طلبه من لَا يحصي ععدهم إِلَّا خالقهم من الْآفَاق الْبَعِيدَة ويحافظ على تَقْيِيده النقاد مِنْهُم فَلَا تفوتهم زلَّة فِي شَيْء من النَّقْل إِن وَقعت لأَحَدهم وَلَا يُمكن فَاسِقًا أَن يقحم فِيهِ كلمة مَوْضُوعَة وَللَّه تَعَالَى الشُّكْر وَهَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الَّتِي نَأْخُذ ديننَا مِنْهَا وَلَا نتعداها إِلَى غَيرهَا وَالرَّابِع شَيْء نَقله أهل الْمشرق وَالْمغْرب أَو الكافة أَو الْوَاحِد الثِّقَة عَن أمثالهم إِلَى ان يبلغ من لَيْسَ بَينه وَبَين النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَّا وَاحِد فَأكْثر فَسكت ذَلِك المبلوغ إِلَيْهِ عَمَّن أخبرهُ بِتِلْكَ الشَّرِيعَة عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلم يعرف من هُوَ فَهَذَا نوع يَأْخُذ بِهِ كثير من الْمُسلمين ولسنا نَأْخُذ بِهِ

المسألة السابعة

الْبَتَّةَ وَلَا نضيفه إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ لم نَعْرِف من حدث بِهِ عَنهُ وَقد يكون غير ثِقَة وَيعلم مِنْهُ غير الَّذِي روى عَنهُ مَا لم يعرف مِنْهُ الَّذِي روى عَنهُ وَالْخَامِس شَيْء نقل كَمَا ذكرنَا إِمَّا بِنَقْل أهل الْمشرق وَالْمغْرب اَوْ كَافَّة عَن كَافَّة أَو ثِقَة عَن ثِقَة حَتَّى يبلغ إِلَى النَّبِي = إِلَّا أَن فِي الطَّرِيق رجلا مجروحا بكذب أَو غَفلَة اَوْ مَجْهُول الْحَال فَهَذَا أَيْضا يَقُول بِهِ بعض الْمُسلمين وَلَا يحل عندنَا القَوْل بِهِ وَلَا تَصْدِيقه وَلَا الْأَخْذ بِشَيْء مِنْهُ وَالسَّادِس نقل نقل بِأحد الْوُجُوه الَّتِي قدمنَا إِمَّا بِنَقْل من بَين الْمشرق وَالْمغْرب اَوْ بالكافة عَن الكافة أَو بالثقة عَن الثِّقَة حَتَّى يبلغ ذَلِك إِلَى صَاحب أَو تَابع أَو غمام دونهمَا انه قَالَ كَذَا أَو حكم بِكَذَا غير مُضَاف ذَلِك إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَمن الْمُسلمين من يَأْخُذ بِهَذَا وَمِنْهُم من لَا يَأْخُذ بِهِ وَنحن لَا نَأْخُذ بِهِ أصلا لِأَنَّهُ لَا حجَّة فِي فعل أحد دون من أمرنَا الله باتباعه وأرسله إِلَيْنَا بِبَيَان دينه وَلَا يَخْلُو فَاضل من وهم لَا حجَّة فِيمَن يهم وَلَا يَأْتِي الْوَحْي بِبَيَان وهمه الْمَسْأَلَة السَّابِعَة يَنْقَسِم التَّوَاتُر إِلَى قسمَيْنِ لَفْظِي ومعنوي فاللفظي هُوَ مَا اتّفقت أَلْفَاظ الروَاة فِيهِ مثل أَن يَقُولُوا فتح فلَان مَدِينَة كَذَا سَوَاء كَانَ اللَّفْظ أَو بِلَفْظ آخر يقوم مقَامه مِمَّا يدل على الْمَعْنى الْمَقْصُود صَرِيحًا والمعنوي هُوَ مَا تخْتَلف فِيهِ أَلْفَاظ الروَاة بِأَن يروي قسم مِنْهُم وَاقعَة وَغَيره وَاقعَة أُخْرَى وهلم جرا غير ان هَذِه الوقائع تكون مُشْتَمِلَة على قدر مُشْتَرك فَهَذَا الْقدر الْمُشْتَرك يُسمى التَّوَاتُر المعني اَوْ التَّوَاتُر من جِهَة الْمَعْنى وَذَلِكَ مثل ان يروي وَاحِد أَن حاتما وهب مئة دِينَار وَآخر انه وهب مئة من الْإِبِل وَآخر انه وهب عشْرين فلسًا وهلم جرا حَتَّى يبلغ الروَاة حد التَّوَاتُر فَهَذِهِ

الْأَخْبَار تشترك فِي شَيْء وَاحِد وَهُوَ هبة حَاتِم شَيْئا من مَاله وَهُوَ دَلِيل على سخائه وَهُوَ ثَابت بطرِيق التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ وَوجه ذَلِك أَن يُقَال إِن هَذِه الْأَخْبَار مُشْتَركَة فِي أَمر وَاحِد وَهُوَ كَونه سخيا فَإِن الرَّاوِي لخَبر مِنْهَا صَرِيحًا راو لهَذَا الْمُشْتَرك بطرِيق الْإِيمَاء فَإِذا بلغُوا حد التَّوَاتُر كَانَ هَذَا الْمُشْتَرك وَهُوَ سخاؤه مرويا بطرِيق التَّوَاتُر إِلَّا أَنه من قبيل التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ وَقَالَ بَعضهم الْوَجْه فِي ذَلِك أَن يُقَال إِن هَؤُلَاءِ الروَاة بأسرهم لم يكذبوا بل لَا بُد ان يكون وَاحِد مِنْهُم صَادِقا وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد صدق خبر من هَذِه الْأَخْبَار وَمَتى صدق وَاحِد مِنْهُم ثَبت كَونه سخيا وَالْوَجْه الأول أقوى لِأَن السخاء لَا يثبت بالمرة الْوَاحِدَة قَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول إِن الْأَخْبَار الَّتِي لَا تفِيد الْعلم قد تشترك فِي معنى كلي فَإِذا بلغ مَجْمُوع الروَاة حد التَّوَاتُر صَار ذَلِك الْكُلِّي مرويا بالتواتر وَذَلِكَ مثل أَن ينْقل جمَاعَة أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قتل من العداء كَذَا فِي وَاقعَة وينقل جمَاعَة أُخْرَى أَنه قتل من الْأَعْدَاء كَذَا فِي وَاقعَة وينقل جمَاعَة أُخْرَى أَنه قتل من الْأَعْدَاء كَذَا فِي وَاقعَة أُخْرَى وهلم جرا فَإِذا بلغ الروَاة بأسرهم مبلغ التَّوَاتُر بَين هَذِه الْأَخْبَار وَهُوَ شجاعة عَليّ مرويا بالتواتر من جِهَة الْمَعْنى وَإِن كَانَ كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَخْبَار مرويا بطرِيق الْآحَاد وَقس على ذَلِك مَا يُشبههُ مثل حلم أحنف وذكاء إِيَاس

وَقَالَ الشَّيْخ جمال الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاجِب فِي كتاب مُنْتَهى الْوُصُول والأمل فِي علمي الْأُصُول والجدل إِذا اخْتلفت أَخْبَار المخبرين فِي التَّوَاتُر فِي الوقائع واشتملت على معنى كلي مُشْرك بِجِهَة التضمن أَو الِالْتِزَام حصل الْعلم بِهِ كوقائع عنترة فِي حروبه وحاتم فِي سخائه وَعلي فِي شجاعته وَلَا يبعد أَن يكون الْعلم بِغَيْرِهِ أسْرع وَقَالَ فِي مُخْتَصره الْمَشْهُور إِذا اخْتلف التَّوَاتُر فِي الوقائع فالمعلوم مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ بتضمن أَو الْتِزَام كوقائع حَاتِم وَعلي وَقَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الشِّيرَازِيّ فِي اللمع اعْلَم ان الْخَبَر ضَرْبَان متواتر وآحاد فَأَما الْمُتَوَاتر فَهُوَ كل خبر وَعلم مخبره ضَرُورَة وَذَلِكَ ضَرْبَان تَوَاتر من جِهَة اللَّفْظ كالأخبار المتفقة عَن الْقُرُون الْمَاضِيَة والبلاد النائية وتواتر من طَرِيق الْمَعْنى كالأخبار الْمُخْتَلفَة عَن سخاء حَاتِم وشجاعة عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَمَا أشبه ذَلِك وَيَقَع الْعلم بكلا الضربين اهـ وَإِذا ذكر الْمُتَوَاتر تبادر إِلَى الذِّهْن الْقسم الول وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي أَحَادِيث فَقَالَ بَعضهم هِيَ متواترة وَقَالَ بَعضهم هِيَ غير متواترة وَقَالَ عض الْمُحَقِّقين إِن الْخلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ لَفْظِي فَالَّذِي قَالَ إِنَّهَا غير متواترة أَرَادَ أَنَّهَا غير متواترة من جِهَة اللَّفْظ وَالَّذِي قَالَ إِنَّهَا متواترة أَرَادَ أَنَّهَا متواترة من جِهَة الْمَعْنى قَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول إِن الْكتاب لَا يثبت إِلَّا بالتواتر وَأما السّنة وَالْإِجْمَاع فيثبتان بالتواتر وبالآحاد لَكِن الْمُتَوَاتر فيهمَا قَلِيل بل الْمُرَجح أَنه لَيْسَ فِي

السّنة متواتر إِلَّا الْمُتَوَاتر فِي الْمَعْنى دون اللَّفْظ وَمن أطلق فَكَلَامه مَحْمُول على إِرَادَة ذَلِك وَلَا فِي الْإِجْمَاع أَيْضا متواتر وَقَالَ بَعضهم مُتَحَقق فِي أصُول الشَّائِع كالصلوات الْخمس وَعدد ركعاتها وَالزَّكَاة وَالْحج تحققا كثيرا ومرجع تواترها فِي الْحَقِيقَة الْمَعْنى دونه اللَّفْظ ويقل تحَققه فِي الْأَحَادِيث الْخَاصَّة المنقولة بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة لعدم اتِّفَاق الطَّرفَيْنِ وَالْوسط فِيهَا وَإِن كَانَ مَدْلُول كثير مِنْهَا متواترا فِي بعض الْمَوَارِد فَهِيَ كالأخبار الدَّالَّة على شجاعة عَليّ وكرم حَاتِم ونظائرهما حَتَّى قَالَ ابْن الصّلاح من سُئِلَ عَن إبراز مِثَال لذَلِك أعياه طلبه وَحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ لَيْسَ متواترا وَإِن كَانَت رُوَاته مُنْذُ أصر إِلَى الْآن يزِيد عَددهمْ على عدد التَّوَاتُر أضعافا مضاعفة وَذَلِكَ لِأَن التَّوَاتُر فيد قد طَرَأَ بعد وَكَثِيرًا مَا يدعى تَوَاتر مَا هُوَ من هَذَا الْقَبِيل مَعَ أَن التَّوَاتُر يشْتَرط فِيهِ أَن يكون حَاصِلا فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة لَا سِيمَا أَولهَا فَشرط التَّوَاتُر فِيهَا مَفْقُود من جِهَة الِابْتِدَاء وَقد نَازع بعض الْعلمَاء فِي ذَلِك فَادّعى وجود التَّوَاتُر بِكَثْرَة انْتهى بِاخْتِصَار وَقد وَقع هُنَا من الْإِبْهَام وَالْإِيهَام فِي الْعبارَات مَا قد يضر الْمُبْتَدِي فَإِنَّهُ رُبمَا توهم مِنْهَا أَنه لَيْسَ فِي السّنة متواتر مَعَ أَن مَا تَوَاتر مِنْهَا سَوَاء كَانَ من جِهَة اللَّفْظ أَو من جِهَة الْمَعْنى كثير يعسر إحصاؤه غير ان الْأَئِمَّة المتعرضين لضبط السّنة لم يعرضُوا لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من مباحثهم وَالْخلاف الْمَذْكُور إِنَّمَا وَقع فِي أَحَادِيث ذكرت فِي كتب السّنة وَلها أَسَانِيد شَتَّى اتّفقت لَهَا لفرط الْعِنَايَة بهَا وَإِلَّا فالمتواتر يعسر إِيرَاد إِسْنَاد لَهُ على قَوَاعِد الْمُحدثين فضلا عَن أَسَانِيد وَذَلِكَ أَن الْإِسْنَاد إِنَّمَا يحرص عَلَيْهِ فِي أَخْبَار الْآحَاد لما يعرض فِيهَا من الشَّك وَإِذا ترددت فِيمَا قُلْنَا فَارْجِع إِلَى نَفسك وَانْظُر هَل يمكنك ان تورد إِسْنَادًا لما

عَلمته وتيقنته من الْأُمُور المتواترة الَّتِي لَا تحصى وَلَو كَانَت قريبَة الْعَهْد بك وَإِنَّمَا ذكرنَا ذَلِك مَعَ ظهروه لِأَنَّهُ قد يكون من شدَّة الظُّهُور الخفاء قَالَ الإِمَام الْحَافِظ عُثْمَان بن الصّلاح فِي مقدمته الْمُتَعَلّقَة بعلوم الحَدِيث وَمن الْمَشْهُور الْمُتَوَاتر الَّذِي يذكرهُ أهل الْفِقْه وأصوله وَأهل الحَدِيث لَا يذكرُونَهُ إِلَّا باسمه الْخَاص الْمشعر بِمَعْنَاهُ الْخَاص وغن كَانَ الْخَطِيب الْحَافِظ قد ذكره فَفِي كرمه مَا يشْعر بِأَنَّهُ اتبع فِيهِ غير أهل الحَدِيث وَلَعَلَّ ذَلِك لكَونه لَا تشمله صناعاتهم وَلَا يكَاد يُوجد فِي رواياتهم فَإِنَّهُ عبارَة عَن الْخَبَر الَّذِي يَنْقُلهُ من يحصل الْعلم بصدقه ضَرُورَة وَلَا بُد فِي إِسْنَاده من اسْتِمْرَار هَذَا الشَّرْط فِي رِوَايَته من أَوله إِلَى منتهاه وَمن سُئِلَ عَن إبراز مِثَال لذَلِك فِيمَا يروي من الحَدِيث وَإِن نَقله عدد التَّوَاتُر وَزِيَادَة لِأَن ذَلِك طَرَأَ عَلَيْهِ فِي وسط إِسْنَاده وَلم يُوجد فِي أَوَائِله على مَا سبق ذكره نعم حَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار نرَاهُ مِثَالا لذَلِك فَإِنَّهُ نَقله من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم الْعدَد الجم وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْوِيّ عَن جمَاعَة مِنْهُم وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار الْحَافِظ الْجَلِيل فِي مُسْنده أَنه رَوَاهُ ع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو من أَرْبَعِينَ رجلا من الصَّحَابَة وَذكر بعض الْحفاظ أَنه رَوَاهُ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان وَسِتُّونَ نفسا من الصَّحَابَة وَفِيهِمْ الْعشْرَة

الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ قَالَ وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا حَدِيث اجْتمع على رِوَايَته الْعشْرَة غَيره وَلَا يعرف حَدِيث يروي عَن أَكثر من سِتِّينَ نفسا من الصَّحَابَة عَن رَسُول الله إِلَّا هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد قلت وَبلغ بهم بعض أهل الحَدِيث أَكثر من هَذَا الْعدَد وَفِي بعض ذَلِك عدد التَّوَاتُر ثمَّ لم يزل عدد رُوَاته فِي ازدياد وهلم جرا على التوالي والاستمرار وَالله أعلم اهـ قَالَ الْحَافِظ جلال الدّين السُّيُوطِيّ فِي تدريب الرَّاوِي شرح تقريب النواوي قَالَ ابْن الصّلاح رَوَاهُ اثْنَان وَسِتُّونَ من الصَّحَابَة وَقَالَ غَيره رَوَاهُ أَكثر من مئة نفس وَفِي شرح مُسلم للْمُصَنف رَوَاهُ نَحْو مئتين قَالَ الْعِرَاقِيّ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَتْن بِعَيْنِه وَلكنه فِي مُطلق الْكَذِب وَالْخَاص بِهَذَا الْمَتْن رِوَايَة بضعَة وَسبعين صحابيا ثمَّ ذكر أَسْمَاءَهُم وَاحِدًا بعد وَاحِد مَعَ الْإِشَارَة لمن أخرج حَدِيثه من الْأَئِمَّة وَقد أورد أَمْثِلَة للمتواتر اللَّفْظِيّ مِنْهَا حَدِيث الْحَوْض فَإِنَّهُ مَرْوِيّ عَن نَيف وَخمسين من الصَّحَابَة وَمِنْهَا حَدِيث نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها فَإِنَّهُ مَرْوِيّ عَن نَحْو ثَلَاثِينَ مِنْهُم وَمِنْهَا نزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف فَإِنَّهُ مَرْوِيّ عَن سبع وَعشْرين وَأورد مِثَالا للمتواتر الْمَعْنَوِيّ وَهُوَ رفع الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاء فَإِنَّهُ قد رُوِيَ فِيهِ نَحْو مئة حَدِيث وَقد جمعتها فِي جُزْء لَكِنَّهَا فِي قضايا مُخْتَلفَة فَكل قَضِيَّة مِنْهَا لم تتواتر لَكِن الْقدر الْمُشْتَرك فِيهَا وَهُوَ الرّفْع عِنْد الدُّعَاء تَوَاتر بِاعْتِبَار الْمَجْمُوع اهـ

هَذَا وَمَا قَالَه ابْن الصّلاح من ان التَّوَاتُر لَا يبْحَث عَنهُ فِي علم الْأَثر مِمَّا لَا يمترى فِيهِ قَالَ بعض الْعلمَاء العلام لَيْسَ الْمُتَوَاتر من مبَاحث علم الْإِسْنَاد إِذْ هُوَ علم فِيهِ عَن صِحَة الحَدِيث أَو ضعفه من حَيْثُ صِفَات رُوَاته وصيغ أدائهم ليعْمَل بِهِ أَو يتْرك والمتواتر لَا يبْحَث فِيهِ عَن رُوَاته بل يجب الْعَمَل بِهِ من غير بحث لإفادته علم الْيَقِين وغن ورد عَن غير الْأَبْرَار بل عَن الْكفَّار وَأَرَادَ بِمَا ذكر أَن الْمُتَوَاتر لَا يبْحَث فِيهِ عَن رُوَاته وصفاتهم على الْوَجْه الَّذِي يجْرِي فِي أَخْبَار الْآحَاد وَهَذَا لَا يُنَافِي الْبَحْث عَن رُوَاته إِجْمَالا من جِهَة بلوغهم فِي الْكَثْرَة إِلَى حد يمْنَع تواطؤهم على الْكَذِب فِيهِ أَو حُصُوله مِنْهُم بطرِيق التفاق وَالْمرَاد بالِاتِّفَاقِ وُقُوع الْكَذِب مِنْهُم من غير تشَاور سَوَاء كَانَ عمدا وَكَذَلِكَ الْبَحْث عَن الْقَرَائِن المحتفة بِهِ لَا سِيمَا إِن كَانَ الْعدَد غير كثير جدا وَيلْحق بالمتواتر فِي عدم الْبَحْث عَنهُ فِي علم الْأَثر المستفيض إِذا كَانَ أخص من الْمَشْهُور وَمِمَّا يدل على أَن الْمُتَوَاتر لَيْسَ من مبَاحث علم الْإِسْنَاد أَنه لَا يكون لَهُ إِلَّا فِي النَّادِر جدا إِسْنَاد على الْوَجْه المألوف فِي رُوَاته أَخْبَار الآحارد وَلذَلِك ترى عُلَمَاء الْأُصُول يقسمون خبر الْوَاحِد إِلَى قسمَيْنِ مُسْند ومرسل وَلَا يتعرضون إِلَى تَقْسِيم الْمُتَوَاتر إِلَى ذَلِك فَإِن اتّفق للمتواتر إِسْنَاد لم يبْحَث فِي أَحْوَال رِجَاله الْبَحْث الَّذِي يجْرِي فِي أَحْوَال الْأَسَانِيد الَّتِي تروي بهَا الْآحَاد هَذَا إِذا ثَبت تواتره لِأَن الْإِسْنَاد الْخَاص يكون مُسْتَغْنى عَنهُ وَإِن كَانَ لَا يَخْلُو عَن الْفَائِدَة وَأما مَا ورد بأسانيد كَثِيرَة فَإِن كَانَت كثرتها كَافِيَة فِي إِثْبَات التَّوَاتُر فَالْأَمْر ظَاهر وَإِن كَانَت غير كَافِيَة فِيهِ لزمَه الْبَحْث عَن أَحْوَال الرِّجَال وَنَحْوهَا من سَائِر قَرَائِن الْأَحْوَال ليرفعه إِلَى دَرَجَة الْمُتَوَاتر إِن وجد مَا يَقْتَضِي رَفعه إِلَيْهَا أَو ينزله إِلَى دَرَجَة المستفيض أَو الْمَشْهُور إِن وجد مَا يُوجب ذَلِك والمستبصر لَا يخفى عَلَيْهِ مَا تَقْتَضِيه الْحَال

وَقد أَشَارَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ فِي اللآلئ المصنوعة فِي الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة إِلَى شَيْء مِمَّا كرنا ولنورد عِبَارَته مختصرة قَالَ حَدِيث جَابر مَرْفُوعا من آذَى ذِمِّيا فَأَنا خصيمه وَمن كنت خصيمه خصمته قَالَ الْخَطِيب مُنكر وَرُوِيَ عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ أَرْبَعَة أَحَادِيث تَدور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَسْوَاق وَلَيْسَ لَهَا أصل من بشرني بِخُرُوج آذار بَشرته بِالْجنَّةِ وَمن آذَى ذِمِّيا فَأَنا خَصمه يَوْم الْقِيَامَة ونحركم يَوْم صومكم وللسائل حق وَإِن جَاءَ على فرس وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْعِرَاقِيّ فِي نكته على ابْن الصّلاح لَا يَصح هَذَا الْكَلَام عَن أَحْمد فَإِنَّهُ أخرج مِنْهَا حَدِيثا فِي الْمسند وَهُوَ حَدِيث للسَّائِل حق وَإِن جَاءَ على فرس وَقد ورد من حَدِيث عَليّ وَابْنه الْحُسَيْن وَابْن عَبَّاس والهرماس بن زِيَاد أما حَدِيث عَليّ فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد وَأما حَدِيث الْحُسَيْن فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد وَأحمد من رِوَايَة يعلى وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ ابْن عدي وَأما حَدِيث الهرماس فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ وَكَذَلِكَ حَدِيث من آذَى ذِمِّيا فَهُوَ مَعْرُوف أَيْضا فروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة

صَفْوَان بن سليم عَن عدَّة من أَبنَاء الصَّحَابَة عَن آبَائِهِم دني عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَلا من ظلم معاهدا أَو انتقصه أَو كلفه فَوق طاقته أَو اخذ نه شَيْئا فَأَنا حجيجه يَوْم الْقِيَامَة وَإِسْنَاده جيد وَإِن كَانَ فِيهِ مَا لم يسم فَإِنَّهُم عدَّة من أَبنَاء الصَّحَابَة يبلغون حد التَّوَاتُر الَّذِي لَا يشْتَرط فِيهِ الْعَدَالَة فقد روينَاهُ فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ الْكُبْرَى قَالَ فِي رِوَايَته عَن ثَلَاثِينَ من أَبنَاء الصَّحَابَة وَأما الحديثان الْآخرَانِ فَلَا أصل هما اهـ وَبعد أَن وصلت إِلَى هُنَا ريت لِابْنِ حزم عبارَة تؤيد مَا ذَكرْنَاهُ قَالَ فِي كتاب الْأَحْكَام فصل وَقد يرد خبر مُرْسل إِلَّا أَن الْإِجْمَاع قد صَحَّ بِمَا فِيهِ متيقنا مَنْقُولًا جيلا فجيلا فَإِن كَانَ هَذَا علمنَا أَنه مَنْقُول نقل كَافَّة كنقل الْقُرْآن فاستغنى عَن ذكر السَّنَد فِيهِ وَكَانَ وُرُود ذَلِك الْمُرْسل وَعدم وُرُوده سَوَاء وَلَا فرق وَذَلِكَ نَحْو لَا وَصِيَّة لوَارث وَكثير من أَعْلَام نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ قوم قد رووها بأسانيد فَهِيَ منقولة الكافة ثمَّ قَالَ وَأما الْمُرْسل الَّذِي لَا إِجْمَاع عَلَيْهِ فَهُوَ مطرح على مَا ذكرنَا لِأَنَّهُ لَا دَلِيل على قبُوله الْبَتَّةَ فَهُوَ دَاخل فِي جملَة الْأَقْوَال الَّتِي إِذا أجمع عَلَيْهَا قبلت وَإِذا اخْتلفت فِيهَا سَقَطت وَهِي كل قولة لم يات بتفصيلها باسمها نَص وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَإِذا ورد حَدِيث مُرْسل أَو فِي أحد ناقليه ضَعِيف فَوَجَدنَا ذَلِك الحَدِيث مجمعا على أَخذه وَالْقَوْل بِهِ علمنَا يَقِينا أَنه حَدِيث صَحِيح

المسألة الثامنة

لَا شكّ فِيهِ وَأَنه مَنْقُول نقل الكافة مُسْتَغْنى عَن نقل الْآحَاد وَذَلِكَ كالحديث لَا وَصِيَّة لوَارث وَمَا أشبه ذَلِك الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة قد عرفت أُنَاسًا لم يكتفوا بِالشُّرُوطِ الَّتِي شَرطهَا الْجُمْهُور فِي الْمُتَوَاتر بل زادوا عَلَيْهَا شُرُوطًا أُخْرَى فَشرط بَعضهم وجود الإِمَام الْمَعْصُوم فِي جملَة المخبرين وَقد نسب ذَلِك إِلَى الشِّيعَة قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى شَرط الروافض أَن يكون الإِمَام الْمَعْصُوم فِي جملَة المخبرين وَهَذَا يُوجب الْعلم بِإِخْبَار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ مَعْصُوم فَأَي حَاجَة إِلَى إِخْبَار غَيره وَيجب أَن لَا يحصل الْعلم بنقلهم على طَرِيق التَّوَاتُر النَّص على عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِذْ لَيْسَ فيهم مَعْصُوم وان لَا تلْزم حجَّة الإِمَام إِلَّا على من شَاهده من أهل بَلَده وَسمع مِنْهُ دون سَائِر الْبِلَاد وَأَن لَا تقوم الْحجَّة بقول أمرائه ودعاته وَرُسُله وقضاته إِذْ لَيْسُوا معصومين وان لَا يعلم موت أَمِير وَقَتله وَوُقُوع فتْنَة وقتال فِي غير مصر وكل ذَلِك لَازم على هذيانهم وَأنكر الشِّيعَة نِسْبَة هَذَا القَوْل إِلَيْهِم وَنسبَة بَعضهم إِلَى ابْن الراوندي قَالَ الْعَلامَة الْحلِيّ فِي نِهَايَة الْوُصُول شَرط ابْن الراوندي وجود الْمَعْصُوم فيهم وَلَا عِبْرَة غَيره وَقَالَ الْمُحَقق بهاء الدّين العاملي فِي الزبدة وَشَرطه بُلُوغ رُوَاته فِي كل طبقَة

حدا يُؤمن مَعَه تواطؤهم واستنادهم إِلَى الْحس وَحصر أقلهم فِي عدد مجازفة وَقَول الْمُخَالفين باشتراطنا دُخُول الْمَعْصُوم افتراء نعم الشَّرْط المرتضى عدم سبق شُبْهَة تُؤدِّي إِلَى نَفْيه وَشرط قوم أَن تخْتَلف أنسابهم فَلَا يَكُونُوا بني أَب وَاحِد وَأَن تخْتَلف أوطانهم فَلَا يَكُونُوا فِي محلّة وَاحِدَة وتختلف أديانهم فَلَا يَكُونُوا أهل مَذْهَب وَاحِد قَالَ الْغَزالِيّ وَهَذَا فَاسد لِأَن كَونهم من محلّة وَاحِدَة وَنسب وَاحِد لَا يُؤثر إِلَّا فِي إِمْكَان تواطئهم وَالْكَثْرَة إِلَى كَمَال الْعدَد تدفع هَذَا الْإِمْكَان وَإِن لم تكن كَثْرَة أمكن التواطؤ من بني الْأَعْمَام كَمَا يُمكن من الْإِخْوَة وَمن أهل بلد كَمَا يُمكن من أهل محلّة وَكَيف يعْتَبر اخْتِلَاف الدّين وَنحن نعلم صدق الْمُسلمين إِذا أخبروا عَن قتل وفتنة وواقعة بل نعلم صدق أهل قسطنطينية إِذا أخبروا عَن موت قَيْصر فَإِن قيل فلنعلم صدق النَّصَارَى فِي نقل التَّثْلِيث عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَصدقهمْ فِي صلبه قُلْنَا لم ينقلوا التَّثْلِيث توقيفا وسماعا عَن عِيسَى بِنَصّ صَرِيح لَا يحْتَمل التاويل لَكِن توهموا ذَلِك بِأَلْفَاظ موهمة لم يقفوا على مغزاها كَمَا فهم المشبهة التَّشْبِيه من آيَات وأخبار لم يفهموا مَعْنَاهَا والتواتر يَنْبَغِي ان يصدر عَن محسوس فَأَما قتل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فقد صدقُوا فِي انهم شاهدوا شخصا يشبه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مقتولا وَلَكِن شبه لَهُم اهـ وَقد نسب الإِمَام فَخر الدّين مُحَمَّد بن عمر الرَّازِيّ اشْتِرَاط ان لَا يَكُونُوا على دين وَاحِد إِلَى الْيَهُود قَالَ فِي الْمَحْصُول وَأما الشَّرَائِط الَّتِي اعتبرها قوم مَعَ أَنَّهَا غير مُعْتَبرَة فَأَرْبَعَة الأول أَن لَا يحصرهم عدد وَلَا يحويهم بلد وَهُوَ بَاطِل لِأَن أهل الْجَامِع لَو أخبروا عَن سُقُوط عَن المنارة فِيمَا بَين الْخلق كَانَ إخبارهم مُفِيدا للْعلم

الثَّانِي أَن لَا يَكُونُوا على دين وَاحِد وَهَذَا الشَّرْط اعْتَبرهُ الْيَهُود وَهُوَ بَاطِل لِأَن التُّهْمَة إِن حصلت لم يحصل الْعلم سَوَاء كَانُوا على دين وَاحِد اَوْ على أَدْيَان ارْتَفَعت حصل الْعلم كَيفَ كَانُوا الثَّالِث أَن لَا يَكُونُوا من نسب وَاحِد وَلَا من بلد وَاحِد وَالْقَوْل فِيهِ مَا تقدم الرَّابِع شَرط ابْن الراوندي وجود الْمَعْصُوم فِي المخبرين لِئَلَّا يتفقوا على الْكَذِب وَهُوَ بَاطِل لِأَن الْمُفِيد حِينَئِذٍ قَول الْمَعْصُوم لَا خبر أهل التَّوَاتُر اهـ وَقد نسب لى الْيَهُود شَرط آخر وَهُوَ ان يكون فِي المخبرين أهل الذلة والمسكنة قَالَ الْحلِيّ فِي النِّهَايَة شرطت الْيَهُود أَن يكون مُشْتَمِلًا على اخبار أهل الذلة والمسكنة ليؤمن تواطؤهم على الْكَذِب وَهُوَ غلط فَإنَّا نجد الْعلم حَاصِلا عقب إِخْبَار الأكابر والمعظمين والشرفاء اكثر من حُصُوله عقب خبر الْمَسَاكِين وَأهل الذلة لترفع أُولَئِكَ عَن رذيلة الْكَذِب لِئَلَّا ينثلم شرفهم وَشرط قوم كَونهم مُسلمين قَالَ فِي اللمع وَمن أَصْحَابنَا من اعْتبر أَن يكون الْعدَد مُسلمين وَمن النَّاس من قَالَ لَا يجوز أَن يكون الْعدَد أقل من اثْنَي عشر وَمِنْهُم من قَالَ أَقَله سَبْعُونَ وَمِنْهُم من قَالَ ثَلَاث مئة وَأكْثر وَهَذَا كُله خطأ لِأَن وُقُوع الْعلم بِهِ لَا يخْتَص بِشَيْء مِمَّا ذَكرُوهُ فَسقط اعْتِبَار ذَلِك وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفى شَرط قوم أَن يَكُونُوا أَوْلِيَاء مُؤمنين وَهُوَ فَاسد إِذْ يحصل بقول الفسقة والمرجئة والقدرية بل بقول الرّوم إِذا أخبروا بِمَوْت ملكهم وَقَالَ فِي نزهة الخواطر وكشف غوامض السرائر فِي اخْتِصَار رَوْضَة النَّاظر

وجنة المناظر وَلَيْسَ من شَرط التَّوَاتُر أَن يكون المخبرون مُسلمين وَلَا عُدُولًا لِأَن إفضاءه إِلَى الْعلم من حَيْثُ إِنَّهُم مَعَ كثرتهم لَا يتَصَوَّر اجْتِمَاعهم على الْكَذِب وتواطؤهم عَلَيْهِ وَيُمكن ذَلِك من الْكفَّار كإمكانه من الْمُسلمين اهـ وَقَالَ الْحلِيّ فِي النِّهَايَة وَشرط بَعضهم الْإِسْلَام وَالْعَدَالَة لِأَن الْكفْر عرضة للكذب والتحريف وَالْإِسْلَام وَالْعَدَالَة ضَابِط الصدْق وَلِهَذَا اعْتبر إِجْمَاع الْمُسلمين دون غَيرهم وَلِأَنَّهُ لَو وَقع الْعلم عقيب إِخْبَار الْكفَّار لوقع عِنْد إِخْبَار النَّصَارَى مَعَ كثرتهم عَن قتل الْمَسِيح وصلبه وَهُوَ غلط فَإِن الْعلم قد يحصل عِنْد خبر الْكفَّار إِذا عرف انْتِفَاء الدَّاعِي إِلَى الْكَذِب كَمَا لَو اخبر أهل بلد كافرون بقتل ملكهم وَالْإِجْمَاع اخْتصَّ بِالْمُسْلِمين عِنْد بَعضهم لاستفادته من السّمع الْمُخْتَص بِإِجْمَاع الْمُسلمين وإخبار النَّصَارَى غير متواتر لقتلهم فِي المبدأ وَاعْلَم أَنه قد وَقع فِي هَذَا الْموضع اضْطِرَاب فِي كَلَام بعض الْمُتَأَخِّرين من إِذا بحث فِي مَسْأَلَة ذهل عَمَّا يتَعَلَّق بهَا مِمَّا ذكر فِي مَحل آخر فَاقْتضى الْحَال التَّنْبِيه على أُمُور الْأَمر الأول شرطُوا فِي الرَّاوِي أَن يكون مُسلما فَإِن كَانَ كَافِرًا لم تقبل رِوَايَته هَذَا إِذا كَانَ من غير أهل الْقبْلَة وَقد صرح كثير من عُلَمَاء الْأُصُول بانعقاد الْإِجْمَاع عَلَيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَة أجمع الْعلمَاء على عدم قبُول رِوَايَة الْكَافِر الَّذِي لَا يكون من أهل الْقبْلَة سَوَاء علم مِنْهُ الِاحْتِرَاز عَن الْكَذِب أَو لَا وَقَالَ غَيره اتّفق أَئِمَّة الحَدِيث وأصول الْفِقْه على اشْتِرَاط إِسْلَام الرَّاوِي حَال رِوَايَته وَإِن لم يكن مُسلما حَال تحمله

وَقَالَ عضهم لَا يقبل خبر الْكَافِر لوُجُوب التثبت عِنْد خبر الْمُسلم الْفَاسِق فليزم بطرِيق الأولى عدم اعْتِبَار خَبره وَقيل إِن الْفَاسِق يَشْمَل الْكَافِر وَأما قبُول شَهَادَته فِي الْوَصِيَّة مَعَ أَن الرِّوَايَة أَضْعَف من الشَّهَادَة فَذَلِك بِنَصّ خَاص وَيبقى الْعَام مُعْتَبرا فِي الْبَاقِي وَقد أبان بَعضهم سَبَب رد رِوَايَة الْكَافِر بطرِيق سهل المسلك فَقَالَ لَيْسَ الْإِسْلَام بِشَرْط لثُبُوت الصدْق إِذْ الْكفْر لَا يُنَافِي الصدْق لِأَن الْكَافِر إِذا كَانَ مترهبا عدلا فِي دينه مُعْتَقدًا لحُرْمَة الْكَذِب تقع الثِّقَة بِخَبَرِهِ كَمَا لَو أخبر عَن أَمر من أُمُور الدُّنْيَا بِخِلَاف الْفَاسِق فَإِن جراءته على فعل الْمُحرمَات مَعَ اعْتِقَاد تَحْرِيمهَا تزيل الثِّقَة عَن خبْرَة وَلَكِن اشْتِرَاط الْإِسْلَام بِاعْتِبَار أَن الْكفْر يُورث تُهْمَة زَائِدَة فِي خَبره تدل على كذبه لِأَن الْكَلَام فِي الاخبار الَّتِي تثبت بهَا أَحْكَام الشَّرْع وهم يعادوننا فِي الدّين أَشد الْعَدَاوَة فتحملهم المعاداة على السَّعْي فِي هد أَرْكَان الدّين بِإِدْخَال مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الله تَعَالَى فِي قَوْله عز ذكره {لَا يألونكم خبالا} أَي لَا يقصرون فِي الْإِفْسَاد عَلَيْكُم وَقد ظهر مِنْهُم هَذَا بطرِيق الكتمان فَإِنَّهُم كتوا نعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونبوته من كِتَابهمْ بعد أَخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم بِإِظْهَار ذَلِك فَلَا يُؤمن من ان يقصدوا مثل ذَلِك بِزِيَادَة هِيَ كذب لَا أصل لَهُ بطرِيق الرِّوَايَة بل هَذَا هُوَ الظَّاهِر فَلهَذَا شرطنا الْإِسْلَام فِي الرَّاوِي فَتبين بِهَذَا ان رد خبر الْكَافِر لَيْسَ لعين الْكفْر بل لِمَعْنى زَائِد يُمكن تُهْمَة الْكَذِب فِي خَبره وَهُوَ المعاداة بِمَنْزِلَة شَهَادَة الْأَب لوَلَده فَإِنَّهَا لَا تقبل لِمَعْنى زَائِد يُمكن تُهْمَة الْكَذِب فِي شَهَادَته وَهُوَ الشَّفَقَة والميل إِلَى الْوَلَد طبعا اهـ

وَالنَّص الَّذِي أُشير إِلَيْهِ آنِفا فِي قبُول شَهَادَة غير الْمُسلم فِي الْوَصِيَّة وَالسّفر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ إِن أَنْتُم ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} وَهَذَا إِنَّمَا يجْرِي على مَذْهَب من يَقُول إِن ذَلِك لم ينْسَخ وَلم يؤول الْآيَة بالتأويل الَّذِي ذكره ابْن حزم فِي الْأَحْكَام وانحى على صَاحبه بالملام قَالَ فِي فصل أتم بِهِ الْكَلَام فِي الرَّد على قوم ادعوا تعَارض النُّصُوص وَقَالُوا نرجح أحد النصين بِأَن يكون أَحدهمَا أبعد من الشناعة ومثلوا ذَلِك بقوله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} مَعَ قَوْله عز وَجل {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ عَليّ وَهَذَا لَا معنى لَهُ وَلَا شناعة إِلَّا الْمُخَالفَة لله وَلِرَسُولِهِ وَالْحكم بالآراء الْفَاسِدَة على مَا امرنا بِهِ فَهَذِهِ هِيَ الشنعة الَّتِي لَا شنعة غَيرهَا وَقَوله تَعَالَى {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} مُسْتَثْنى من آيَة النَّهْي عَن قبُول خبر الْفَاسِق فَلَا يقبل فَاسق أصلا إِلَّا فِي الْوَصِيَّة فِي السّفر ففقط فغنه يقبل فِيهَا كَافِرَانِ خَاصَّة دون سَائِر الْفُسَّاق وَلَا شنعة أعظم وَلَا أفحش وَلَا أقبح وَلَا أظهر بطلانا من قَول من قَالَ {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} أَي من غير قبيلتكم تَعَالَى الله عَن هَذَا الهذر علوا كَبِيرا وليت شعري أَي قَبيلَة خَاطب الله عز وَجل بِهَذَا الْخطاب خَاصَّة دون سَائِر الْقَبَائِل وَقد قَالَ تَعَالَى فِي أول الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} وَمَا علمنَا الَّذين آمنُوا قَبيلَة بِعَينهَا بل الَّذين آمنُوا عرب وَفرس وقبط ونبط وروم وصقلب وخزر وسودان وحبشة وزنج ونوبة وبجاوة وبربر وَهِنْد وَسَنَد وَترك وَدَيْلَم وكرد

فَثَبت بضروة لَا مجَال للشَّكّ فِيهَا أَن غير الَّذين آمنُوا هم الْكفَّار وَلَا يُنكر ذَلِك إِلَّا من سفه نَفسه وَأنكر عقله وَقَالَ على ربه تَعَالَى بِغَيْر علم وَلَا برهَان ولعمري لقد كَانَ يَنْبَغِي أَن يستحي قَائِل من غَيْركُمْ من غير قبيلتكم من هَذَا التَّأْوِيل السَّاقِط الظَّاهِر عواره الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ من نور الْحق أثر الْأَمر الثَّانِي قد توهم بعض النَّاس أَن الَّذين صَرَّحُوا فِي كتبهمْ بِعَدَمِ قبُول رِوَايَة الْكَافِر هم الَّذين زادوا فِي شُرُوط التَّوَاتُر الْإِسْلَام إِمَّا وَحده أَو مَقْرُونا بِالْعَدَالَةِ وَلَيْسَ المر كَذَلِك فَإِن كثيرا مِمَّن صرح بِالْأولِ لم يزدْ فِي شُرُوط التَّوَاتُر ذَلِك وَبَعْضهمْ ذكره نقلا عَن غَيره ورد عَلَيْهِ على ان الْقَائِلين بِهَذَا الشَّرْط قَلِيلُونَ جدا وتوهم بَعضهم أَن بَين العبارتين تناقضا وَلَيْسَ المر كَذَلِك وَقد أَحْبَبْت إِزَالَة الْإِشْكَال وَإِن كنت قد التزمت فِي هَذَا الْكتاب أَن أترك إِزَالَة كل إِشْكَال يعرض فِي مَبْحَث من المباحث إِلَى المطالعين بعد أَن يترووا فِيمَا ذَكرْنَاهُ فِيهِ تمرينا لَهُم على اسْتِعْمَال الْفِكر فَنَقُول إِن عدم قبُول رِوَايَة غير الْمُسلم فِيمَا يتَعَلَّق بِأَمْر الدّين هُوَ مِمَّا لم يخْتَلف فِيهِ غير انه إِنَّمَا يتَعَيَّن فِيمَا ورد على طَرِيق الْآحَاد وَذَلِكَ لِأَن خبر الْآحَاد عِنْد من يقبله يشْتَرط فِيهِ أَن يكون الرَّاوِي مُسلما عدلا ضباطا فَإِن كَانَ فَإِن كَانَ مُسلما غير عدل لَا تقبل رِوَايَته مَعَ اعْتِقَاده فِي الدّين وجزمه بَان سعادته منوطة بِهِ فَلِأَن لَا تقبل رِوَايَة غير الْمُسلم الَّذِي لَا يعْتَقد فِي الدّين وَلَا يرى أَن سعادته منوطة بِهِ أولى وَهَذَا ظَاهر بَين وَأما من لَا يَقُول بِخَبَر الْآحَاد وَإِن كَانَ الرَّاوِي حائزا لأعلى صِفَات الْقبُول لاحْتِمَال أَن يعرض لَهُ السَّهْو والغلط وَنَحْو ذَلِك فَالْأَمْر عِنْدهم أظهر وَأبين

وَهَذِه الْمَسْأَلَة الْمَفْرُوضَة تتَصَوَّر على ثَلَاثَة أوجه الْوَجْه الأول أَن يكون مَا رَوَاهُ قد رَوَاهُ غَيره من الْمُسلمين على الْوَجْه الَّذِي رَوَاهُ هُوَ بِهِ الْوَجْه الثَّانِي أَن يكون مَا رَوَاهُ قد رَوَاهُ غَيره من الْمُسلمين على غير الْوَجْه الَّذِي رَوَاهُ هُوَ بِهِ بِحَيْثُ يَقع التَّعَارُض بَين الرِّوَايَتَيْنِ الْوَجْه الثَّالِث أَن يكون مَا وَرَاه لم يروه غَيره من الْمُسلمين وَهَذَا ضَرْبَان أَحدهمَا أَن يكون فِيهِ مَا يُخَالف مَا تقرر عِنْدهم من الْقَوَاعِد وَالْأُصُول وَالثَّانِي أَن لَا يكون فِيهِ شَيْء من ذَلِك وَقد تعرض لطرف من هَذِه الْمَسْأَلَة الْمَفْرُوضَة بعض الْعلمَاء فَفِي أصُول البردوي قَالَ مُحَمَّد فِي الْكَافِر يخبر بِنَجَاسَة المَاء إِنَّه لَا يعْمل بِخَبَرِهِ وَيتَوَضَّأ بِهِ فَإِن تيَمّم وأراق المَاء فَهُوَ أحب إِلَيّ وَفِي الْفَاسِق جعل الِاحْتِيَاط أصلا وَيجب أَن يكون كَذَلِك فِي رِوَايَة الحَدِيث فِيمَا يسْتَحبّ من الِاحْتِيَاط وَكَذَلِكَ رِوَايَة الصَّبِي فِيهِ يجب أَن تكون مثل رِوَايَة الْكَافِر دون الْفَاسِق الْمُسلم قَالَ فِي الشَّرْح قَوْله وَيجب أَن يكون كَذَلِك أَي يجب أَن يكون شَأْن الْكَافِر فِي رِوَايَة الحَدِيث كشأنه فِي الْإِخْبَار عَن نَجَاسَة المَاء فِيمَا يسْتَحبّ من الِاحْتِيَاط أَي من الْأَخْذ بِهِ يَعْنِي لَا يقبل خَبره فِي الدّين وَلَا يكون حجَّة كَمَا لَو يقبل فِي نَجَاسَة المَاء إِلَّا ان الِاحْتِيَاط لَو كَانَ فِي الْعَمَل بِهِ يسْتَحبّ الْأَخْذ بِهِ من غير وجوب كَمَا تسْتَحب الإراقة ثمَّ التَّيَمُّم هُنَاكَ وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ وَيجب أَن يكون الْفرق ثَابتا بَين خبر الْكَافِر وَالْفَاسِق فِي رِوَايَة الحَدِيث فِيمَا يسْتَحبّ من الِاحْتِيَاط أَيْضا وَإِن لم يكن خبرهما حجَّة كثبوته فِي إخبارهما عَن نَجَاسَة المَاء فَإِذا روى الْفَاسِق حَدِيثا لَا يكون حجَّة أصلا وَلَكِن

لَو كَانَ الِاحْتِيَاط فِي الْأَخْذ بِهِ يكون الِاسْتِحْبَاب فِي الْعَمَل بِهِ فَوق الِاسْتِحْبَاب فِي الْعَمَل بِخَبَر الْكَافِر وعَلى هَذَا الْوَجْه يدل سِيَاق الْكَلَام ثمَّ قَالَ وَإِنَّمَا قَالَ يجب أَن يكون كَذَلِك هَا هُنَا وَفِيمَا تقدم لِأَن الرِّوَايَة غير مَحْفُوظَة عَن السّلف فِي نقل هَؤُلَاءِ الحَدِيث وَأما مَا يرويهِ غير الْمُسلمين على طَرِيق التَّوَاتُر فَهُوَ مَقْبُول مُطلقًا سَوَاء كَانَ ذَلِك مِمَّا يتَعَلَّق أَو بِغَيْر الدّين وَمَا يتَعَلَّق بِالدّينِ لَا فرق فِيهِ بَين مَا يتَعَلَّق بديننا أَو بدينهم إِن كَانَ لَهُم دين أَو بدين آخر فَإِذا رووا شيأ مِمَّا يتَعَلَّق بديننا على طَرِيق التَّوَاتُر وَقد عرفت شُرُوطه الَّتِي ذكرهَا الْجُمْهُور فَلَا بُد أَن يكون مطابقا للْوَاقِع وَلَا بُد مَعَ ذَلِك أَن يكون مرويا عندنَا على طَرِيق التَّوَاتُر فَإِنَّهُ لم تعن أمة من الْأُمَم بِأَمْر دينهَا مثل نَا عني بِهِ الْمُسلمُونَ وَهَذَا أَمر لَا يمتري فِيهِ من لَهُ أدنى زَوَال رِيبَة بِأَقَلّ عناية وعَلى هَذَا يكون تواتره عِنْدهم مؤكدا لتواتره عندنَا وَيكون هَذَا النَّوْع من أَعلَى المتواترات وَمن خبر المر بِنَفسِهِ أَو نظر فِي كتب أَئِمَّة الْمُتَكَلِّمين تبين لَهُ أَن المتواترات وَإِن اشتركت فِي إِفَادَة الْعلم لَكِن بَعْضهَا فِي الدرج الْعليا وَبَعضهَا فِي الدرجَة الْوُسْطَى وَبَعضهَا فِي الدُّنْيَا وَقد أَشَارَ ابْن حزم إِلَى هَذَا النَّوْع فِي الْمقَالة الَّتِي ذكر فِيهَا وُجُوه النَّقْل عِنْد الْمُسلمين فَقَالَ وَنحن نذْكر إِن شَاءَ الله تَعَالَى وُجُوه النَّقْل الَّتِي عِنْد الْمُسلمين لكتابهم وَدينهمْ ثمَّ لما نقلوه عَن أئمتهم حَتَّى يقف عَلَيْهِ الْمُؤمن وَالْكَافِر والعالم وَالْجَاهِل عيَانًا فيعرفون أَيْن نقل سَائِر الْأَدْيَان من نقلهم فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

إِن نقل الْمُسلمين لكل مَا ذكرنَا يَنْقَسِم أقساما سِتَّة أَولهَا شَيْء يَنْقُلهُ أهل الْمشرق وَالْمغْرب عَن أمثالهم جيلا جيلا لَا يخْتَلف فِيهِ مُؤمن وَلَا كَافِر منصف غير معاند للمشاهدة وَهُوَ الْقُرْآن الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف فِي شَرق الأَرْض وغربها لَا يَشكونَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب أَتَى بِهِ وَأخْبر أَن الله عز وَجل أوحى بِهِ إِلَيْهِ وَأَن من اتبعهُ أَخذه عَنهُ كَذَلِك ثمَّ اخذ ع أُولَئِكَ حَتَّى بلغ إِلَيْنَا وَمن ذَلِك الصَّلَوَات الْخمس وَقد كرر قَوْله لَا يخْتَلف فِي ذَلِك مُؤمن وَلَا كَافِر فِي كثير من الْأَشْيَاء إِشَارَة إِلَى أَنه من أَعلَى المتواترات حَتَّى شَارك فِيهَا غير الْمُسلمين الْمُسلمين فاعرف قدر الْعبارَات وَمَا تضمنه من الإشارات فَإِن قلت مَا الَّذِي دَعَا من زَاد فِي شُرُوط التَّوَاتُر إِسْلَام المخبرين إِلَى هَذِه الزِّيَادَة قلت دَعَاهُ إِلَى ذَلِك أَنه أوردت عَلَيْهِ أَخْبَار غير مُطَابقَة للْوَاقِع وَمَعَ ذَلِك أدعى الْمُسلمُونَ أَنَّهَا متواترة فَظن أَن الْعلَّة فِيهَا جَاءَت من كَون رواتها غير مُسلمين فَزَاد هَذَا الشَّرْط تخلصا من الْإِشْكَال وَكَانَ حَقه أَن يفعل كَمَا فعل الْجُمْهُور فَإِنَّهُم دققوا النّظر فِيهَا فَتبين لَهُم أَنَّهَا غير مستوفية لشرط التَّوَاتُر الْمَشْهُورَة فارتفع الْإِشْكَال من أَصله غير أَنه كَانَ ضَعِيفا فِي علم الْكَلَام وَقد نَشأ من هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا إِشْكَال آخر وَهُوَ انسداد بَاب التَّوَاتُر فِي أَكثر المتواترات الَّتِي لَا تحصى وَذَلِكَ فِي الْأُمُور الَّتِي كَانَت قبل ظُهُور الْإِسْلَام وَلم تذكر فِي الْكتاب الْعَزِيز والأمور الَّتِي ظَهرت بعده وَكَانَ المتأولون لنقلها أَولا غير الْمُسلمين مَعَ ان الْخَبَر الْمُتَوَاتر من أهم أَرْكَان الْعلم والمعرفة وَالْحَاجة فِي جلّ الْأَحْوَال ملجئة إِلَيْهِ وَقد رَأَيْت أَن أورد عِبَارَات شَتَّى لَا تَخْلُو عَن فَائِدَة فِيمَا نَحن فِيهِ قَالَ صدر

الشَّرِيعَة فِي كتاب التَّوْضِيح الْخَبَر لَا يَخْلُو من أَن تكون رُوَاته فِي كل عهد قوما يُحْصى عَددهمْ وَلَا يُمكن تواطؤهم على الْكَذِب لكثرتهم وعدالتهم وتباين أماكنهم أَو يصير كَذَلِك بعد الْقرن الأول أَو لَا يصير بل رُوَاته آحَاد وَالْأول متواتر وَالثَّانِي مَشْهُور وَالثَّالِث خبر الْوَاحِد قَالَ الْمُحَقق سعد الدّين التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح قَوْله وَلَا يُمكن تواطؤهم أَي توافقهم على الْكَذِب حَتَّى لَو اخبر جمع غير مَحْصُورين بِمَا يجوز تواطؤهم على الْكَذِب فِيهِ لغَرَض من الْأَغْرَاض لَا يكون متواترا وَأما ذكر الْعَدَالَة وتباين الْأَمَاكِن فتأكيد لعدم تواطئهم على الْكَذِب وَلَيْسَ بِشَرْط فِي التَّوَاتُر حَتَّى لَو أخبر جمع غير مَحْصُور من كفار بَلْدَة بِمَوْت ملكهم حصل لنا الْيَقِين وَأما مثل خبر الْيَهُود بقتل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وتأبيد دين مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَلَا نسلم تواتره وَحُصُول شَرَائِطه فِي كل عهد ثمَّ الْمُتَوَاتر لَا بُد أَن يكون مُسْتَندا إِلَى الْحس سمعا أَو غَيره حَتَّى لَو اتّفق أهل إقليم على مَسْأَلَة عقلية لم يحصل لنا الْيَقِين حَتَّى يقوم الْبُرْهَان قَالَ الْمُحَقق حن الفناري فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ قَوْله عِنْد الْمُحَقِّقين تَفْسِير للكثرة إِيمَاء إِلَى أَن جعل المُصَنّف الْكَثْرَة عِلّة لعدم إِمْكَان التواطئ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي قَوْله وَلَيْسَ بِشَرْط فِي التَّوَاتُر قيل الْكَلَام فِي تَوَاتر خبر الرَّسُول وَالْعَدَالَة

وتباين الْأَمَاكِن شَرْطَانِ فِيهِ لَا فِي مُطلق التَّوَاتُر فَلَا تقريب لما ذكره وَالْجَوَاب منع القَوْل بِالْفَصْلِ على الْمُخْتَار هَذَا وَفِي حُصُوله الْيَقِين بِإِخْبَار جمع غير مَحْصُور من كفار بَلْدَة بِمَوْت ملكهم منع ظَاهر لجَوَاز اتِّفَاق تِلْكَ الْبَلدة على ذَلِك الْكَلَام لغَرَض من الْأَغْرَاض مثل تغرير الْمُسلمين بِهِ لِئَلَّا يراعوا الحزم عِنْد الْجِهَاد مَعَهم أَو لِئَلَّا يتحفظوا على أنفسهم مِنْهُم فَالْأولى أَن يقْتَصر على نفي الِاشْتِرَاط الْمَذْكُور قَوْله فَلَا نسلم تواتره فَإِن قتل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام نقل عَن جمَاعَة من الْيَهُود دخلُوا الْبَيْت الَّذِي كَانَ فِيهِ وَكَانُوا سَبْعَة وَقد رُوِيَ انهم كَانُوا لَا يعْرفُونَ الْمَسِيح وَغنما جعلُوا لرجل جعلا فدلهم على شخص فِي بَيت اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وقتلوه وَزَعَمُوا انهم قتلوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وأشاعوا الْخَبَر وبمثله لَا يحصل التَّوَاتُر وَمِمَّا يتَعَلَّق بِمَا نَحن فِيهِ مَا ذكره عُلَمَاء الْأُصُول فِي مَسْأَلَة هَل كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام متعبدا بشرع من قبله وَقد اخْتلفُوا فِي ذَلِك وَقد أوضح الْفَخر الرَّازِيّ أمرهَا فِي الْمَحْصُول ولنورد لَك مَا تعلق بغرضنا مِنْهُ قَالَ الْقسم الثَّالِث فِي أَن الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هَل كَانَ متعبدا بشرع من قبله وَفِيه بحثان الأول أَنه قبل النُّبُوَّة هَل كَانَ متعبدا بشرع من قبله وَفِيه بحثان الاول أَنه قبل النُّبُوَّة هَل كَانَ متعبدا بشرع من قبله أثْبته قوم ونفاه آخَرُونَ وَتوقف فِيهِ ثَالِث احْتج المنكرون بِأَنَّهُ لَو كَانَ تعبدا بشرع أحد لوَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى عُلَمَاء تِلْكَ الشَّرِيعَة والاستيفاء مِنْهُم وَالْأَخْذ بقَوْلهمْ وَلَو كَانَ كَذَلِك لاشتهر ولنقل بالتواتر قِيَاسا على سَائِر أَحْوَاله فَحَيْثُ لم ينْقل علمنَا أَنه مَا كَانَ متعبدا بشرعهم وَاحْتج المثبتون بِأَن دَعْوَة من تقدمه كَانَت عَامَّة فَوَجَبَ دُخُوله فِيهَا وَالْجَوَاب أَنا لَا نسلم عُمُوم دَعْوَة من تقدمه وَلَو سلمنَا ذَلِك لَا نسلم وُصُول تِلْكَ الدعْوَة إِلَيْهِ بطرِيق يُوجب الْعلم أَو الظَّن الْغَالِب وهذ هُوَ المُرَاد من زمَان الفترة الْبَحْث الثَّانِي فِي حَاله بعد النُّبُوَّة قَالَ جُمْهُور الْمُعْتَزلَة وَكثير من الْفُقَهَاء إِنَّه

لم يكن متعبدا بشرع إِبْرَاهِيم وَقيل بشرع مُوسَى وَقيل بشرع عِيسَى وَاعْلَم أَن من قَالَ كَانَ متعبدا بشرع من قبله إِمَّا أَن يُرِيد بِهِ أَن الله تَعَالَى يوحي إِلَيْهِ مثل تِلْكَ الْأَحْكَام الَّتِي أَمر بهَا من قبله أَو يُرِيد بِهِ أَن الله تَعَالَى أمره باقتباس الْأَحْكَام من كتبهمْ فَإِن قَالُوا بِالْأولِ فإمَّا أَن يَقُولُوا بِهِ فِي كل شرعة أَو فِي بعضه وَالْأول مَعْلُوم الْبطلَان بِالضَّرُورَةِ لِأَن شرعنا بِخِلَاف شرع من قبلنَا فِي كثير من الْأُمُور وَالثَّانِي مُسلم وَلَكِن ذَلِك لَا يَقْتَضِي إِطْلَاق القَوْل بِأَنَّهُ متعبد بشرع غَيره لِأَن ذَلِك يُوهم التّبعِيَّة وَلم يكن عَلَيْهِ السَّلَام تبعا لغيره بل كَانَ أصلا فِي شَرعه وَأما الِاحْتِمَال الثَّانِي وَهُوَ حَقِيقَة الْمَسْأَلَة فَيدل على بُطْلَانه وُجُوه الأول لَو كَانَ متعبدا بشرع أحد لوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يرجع فِي أَحْكَام تِلْكَ الْحَوَادِث إِلَى شَرعه وَأَن لَا يتَوَقَّف إِلَى نزُول الْوَحْي لكنه لم يفعل ذَلِك وَلَو فعله لاشتهر فَإِن قيل إِن الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة لاحْتِمَال أَن يُقَال إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام علم فِي تِلْكَ الصُّور أَنه غير متعبد فِيهَا بشرع من قبله فَلَا جرم توقف فِيهَا إِلَى نزُول الْوَحْي أَو لنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام علم خلو شرعهم عَن حكم تِلْكَ الوقائع فانتظر الْوَحْي أَو ان أَحْكَام تِلْكَ الشَّرَائِع إِن كَانَت منقولة بالآحاد لم يجز قبُولهَا لِأَن أُولَئِكَ الروَاة كَانُوا كفَّارًا وَرِوَايَة الْكفَّار غير مَقْبُولَة

فَالْجَوَاب قَوْله إِنَّمَا لم يرجع إِلَيْهَا لِأَنَّهُ علم انه غير متعبد فِيهَا بشرع من قبله قُلْنَا فَلَمَّا لم يرجع فِي شَيْء من الوقائع إِلَيْهِم وَجب ان يكون ذَاك علم أَنه غير متعبد فِي شَيْء مِنْهَا بشرع من قبله وَقَوله إِنَّمَا لم يرجع إِلَيْهَا لعلمه بخلو كتبهمْ عَن تِلْكَ الوقائع قُلْنَا الْعلم بخلو كتبهمْ عَنْهَا لَا يحصل إِلَّا بِالطَّلَبِ الشَّديد والبحث الْكثير فَكَانَ يجب أَن يَقع مِنْهُ ذَلِك الطّلب والبحث وَقَوله لَك الحكم إِمَّا أَن يكون تواترا إِلَّا أَنه لَا بُد فِي الْعلم بدلالته على الْمَطْلُوب من نظر كثير وَبحث دَقِيق فَكَانَ يجب اشْتِغَال النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالنّظرِ فِي كتبهمْ والبحث عَن كَيْفيَّة دلالتها على الْحُكَّام ثمَّ تعرض لغير ذَلِك من أَدِلَّة المثبتين وَأجَاب عَنْهَا وَكَانَ من المنكرين لتعبده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بشرع من قبله سَوَاء كَانَ قبل الْبعْثَة اَوْ بعْدهَا فَارْجِع إِلَيْهِ إِن شِئْت وَنقل ابْن الْقشيرِي عَن بَعضهم أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ قبل الْبعْثَة متعبدا بشريعة الْعقل قَالَ وَهَذَا بَاطِل إِذْ لَيْسَ لِلْعَقْلِ شَرِيعَة وَذكر الْحلِيّ فِي النِّهَايَة أَن بعض الإمامية ذهب إِلَى انه كَانَ متعبدا بِمَا يلهمه الله تَعَالَى إِيَّاه وَأقوى أَقْوَال من ذهب إِلَى انه كَانَ متعبدا بشرع معِين قَول من ذهب إِلَى انه شرع إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الإِمَام الْمَازرِيّ هَذِه الْمَسْأَلَة لَا تظهر لَهَا ثَمَرَة فِي الْأُصُول وَلَا فِي الْفُرُوع الْبَتَّةَ وَلَا يَبْنِي عَلَيْهَا حكم فِي الشَّرِيعَة وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَهِي هَل شرع من قبلنَا شرع لنا أم لَا فَهِيَ من أهم مسَائِل الْأُصُول وَقد قرب بَعضهم أمرهَا فَقَالَ

إِن مَا لم يعلم من شرائع من قبلنَا إِلَّا من جِهَة المنتمين إِلَيْهَا فَهَذَا لَا بحث فِيهِ لاختلاط مَا صَحَّ مِنْهُ بِمَا لم يَصح على وَجه يحار فِيهِ الجهبذ النحرير وَأما مَا علم من غير جهتهم وَهُوَ مَا ذكر مِنْهَا فِي الْكتاب وَالسّنة فَمِنْهُ مَا دلّ الدَّلِيل على الخذ بِهِ وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ وَمِنْه مَا دلّ الدَّلِيل على نسخه فِي شرعنا وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك وَمِنْه مَا لم يدل الدَّلِيل على الْأَخْذ بِهِ وَلَا على نسخه فَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتلف فِيهِ فَقَالَ بَعضهم هُوَ شرع لنا وَقَالَ بَعضهم لَيْسَ بشرع لنا وَمِمَّنْ قَالَ هُوَ شرع لنا مَالك وَجُمْهُور أَصْحَابه وَأَصْحَاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ قَالَ بَان السَّمْعَانِيّ قد اومأ إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي بعض كتبه وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ ذهب إِلَيْهِ مُعظم أَصْحَابنَا يَعْنِي الْمَالِكِيَّة وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب إِنَّه الَّذِي تَقْتَضِيه أصُول مَالك وَنقل ذَلِك عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ البرذوي فِي أُصُوله قَالَ بعض الْعلمَاء تلزمنا شرائع من قبلنَا حَتَّى يقوم الدَّلِيل على النّسخ بِمَنْزِلَة شرائعنا وَقَالَ بَعضهم لَا تلزمنا حَتَّى يقوم الدَّلِيل وَقَالَ بَعضهم تلزمنا على انها شريعتنا وَالصَّحِيح عندنَا أَن مَا قصّ الله تَعَالَى مِنْهَا علينا من غير إِنْكَار أَو قصَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير إِنْكَار فَإِنَّهُ يلْزمنَا على أَنه شَرِيعَة رَسُولنَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ قَالَ وَهُوَ الْمُخْتَار عندنَا من الْأَقْوَال بِهَذَا الشَّرْط الَّذِي ذكرنَا قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم} وَقَالَ {قل صدق الله فاتبعوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} فعلى هَذَا الأَصْل يجْرِي هَذَا وَقد احْتج مُحَمَّد فِي تَصْحِيح الْمُهَايَأَة وَالْقِسْمَة بقول الله تَعَالَى {ونبئهم أَن المَاء قسْمَة بَينهم} وَقَالَ {لَهَا شرب}

وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم) فاحتج بِهَذَا النَّص لإِثْبَات الحكم بِهِ فِي غير الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بِمَا هُوَ نَظِيره فَثَبت أَن الْمَذْهَب هُوَ القَوْل الَّذِي اخترناه اهـ الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة للمنكرين لإِفَادَة الْمُتَوَاتر علم الْيَقِين شبه مِنْهَا أَنه يجوز أَن يخبرنا جمَاعَة لَا يُمكن تواطؤهم على الْكَذِب بِأَمْر كحياة زيد ويخبرنا جمَاعَة أُخْرَى مثلهم بنقيض خبرهم كموت زيد فَلَو أَفَادَ الْمُتَوَاتر علم الْيَقِين للَزِمَ حُصُول الْعلم بالنقيضين وَهُوَ محَال وَأجَاب الْجُمْهُور بِأَن هَذَا غير مُمكن وَلَا بُد أَن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ غير مستوف لشروط التَّوَاتُر وَمِنْهَا أَن كثيرا من الْفرق الَّتِي لَا يُحْصى عَددهَا تخبر بِأُمُور وَهِي جازمة وَغَيرهَا ينكرها وَمن ذَلِك صلب الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام فَإِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى يجزمون بِوُقُوعِهِ والمسلمون يُنكرُونَ ذَلِك وينسبون لَهُم الْوَهم وَالْجَوَاب أَن الْمُسلمين لم يسلمُوا لَا لاعتقادهم أَن الْمُتَوَاتر لَا يُفِيد الْيَقِين بل لِأَنَّهُ تبين لَهُم أَن ذَلِك الْخَبَر لم يسْتَوْف الشُّرُوط اللَّازِمَة فِي التَّوَاتُر وَقد هول المخالفون تهويلا عَظِيما وَزَعَمُوا ان الْمُسلمين أَنْكَرُوا أعظم الْأُمُور المتواترة تواترا فَإِن النَّصَارَى وَالْيَهُود وهما أمتان عظيمتان قد طبقتا مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وهم يخبرون بصلب الْمَسِيح وَالْإِنْجِيل يُصَرح بذلك فَإِذا أَنْكَرُوا هَذَا الْخَبَر وَقد وصل إِلَى أَعلَى دَرَجَات التَّوَاتُر فَأَي خبر بعده يُمكن الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ والركون إِلَيْهِ وَقد أجَاب عَن ذَلِك عُلَمَاء الْكَلَام وَالْأُصُول غير أَن كثيرا مِنْهُم اقْتصر على الْجَواب الْمُجْمل وَهُوَ لَا يشفي غليل من قويت عِنْده هَذِه الشُّبْهَة وَالَّذين أجابوا

بِجَوَاب مفصل بنى أَكْثَرهم كَلَامه على مُجَرّد الِاحْتِمَال وَهُوَ وَإِن كَانَ مجديا فِي مقَام الْجِدَال غير انه أصل الْإِشْكَال وَسبب ذَلِك انهم لم يطلعوا على مَا ورد فِي الْإِنْجِيل الَّذِي هُوَ الْعُمْدَة فِي انتشلر هَذَا الْخَبَر وَلَو اطلعوا عَلَيْهِ لرأوا الْخطب أسهل مِمَّا ظنوه وَقد تصدى ابْن حزم للجواب عَن هَذِه المسالة وَهُوَ من المطلعين على كتب أهل الْكتاب فأحببنا نقل عِبَارَته قَالَ فِي كتاب الْملَل والنحل وَمِمَّا يعْتَرض بِهِ علينا الْيَهُود وَالنَّصَارَى ة وَمن ذهب إِلَى إِسْقَاط الكواف من سَائِر الْمُلْحِدِينَ ان قَالَ قَائِلهمْ قد نقلت الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام قد صلب وَقتل وَجَاء الْقُرْآن بِأَنَّهُ لم يقتل وَلم يصلب فَقولُوا لنا كَيفَ كَانَ هَذَا فَإِن جوزتم على هَذِه الكواف الْعِظَام الْمُخْتَلفَة الْهَوَاء وَالديَّان والأزمان والبلدان والأجناس نقل الْبَاطِل فَلَيْسَتْ بذلك أولى من كافتكم الَّتِي نقلت أَعْلَام نَبِيكُم وَكتابه وشرائعه ثمَّ قَالَ فِي الْجَواب عَنهُ إِن صلب الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام لم يقلهُ قطّ كَافَّة وَلَا صَحَّ بالْخبر قطّ لِأَن الكافة الَّتِي يلْزم قبُول نقلهَا هِيَ إِمَّا الْجَمَاعَة الَّتِي يُوقن أَنَّهَا لم تتواطأ لتنابذ طرقهم وَعدم التقائهم وَامْتِنَاع اتِّفَاق خواطرهم على الْخَبَر الَّذِي نقلوه عَن مُشَاهدَة أَو رُجُوع إِلَى مُشَاهدَة وَلَو كَانُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدا وَإِمَّا أَن يكون عدد كثير يمْتَنع مِنْهُ الِاتِّفَاق فِي الطبيعة على التمادى على سنَن من تواطؤوا عَلَيْهِ فَأخْبرُوا بِخَبَر شاهدوه وَلم يَخْتَلِفُوا فِيهِ فَمَا نَقله أحد أهل هَاتين الصفتين عَن مثل إِحْدَاهمَا وَهَكَذَا حَتَّى يبلغ إِلَى مُشَاهدَة فَهَذِهِ صفة الكافة الَّتِي يلْزم قبُول نقلهَا ويضطر على صِحَّته إِلَّا ببرهان فَلَمَّا صَحَّ ذَلِك نَظرنَا فِيمَن نقل خبر صلب الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام فوجدناه كواف عَظِيمَة صَادِقَة بِلَا شكّ فِي نقلهَا جيلا بعد جيل إِلَى الَّذين ادعوا مُشَاهدَة

صلبه فَإِن هُنَاكَ تبدلت الصّفة وَرجعت إِلَى شَرط مأمورين مُجْتَمعين مَضْمُون مِنْهُم الْكَذِب وَقبُول الرِّشْوَة على قَول الْبَاطِل وَالنَّصَارَى مقرون بِأَنَّهُم لم يقدموا على أَخذه نَهَارا بِأَنَّهُم لم يقدموا على أَخذه نَهَارا خوف الْعَامَّة وَإِنَّمَا أَخَذُوهُ لَيْلًا عِنْد افْتِرَاق النَّاس عَن الفصح وانه لم يبْق فِي الْخَشَبَة إِلَّا سِتّ سَاعَات من النَّهَار وَأَنه أنزل إِثْر ذَلِك وَأَنه لم يصلب إِلَّا فِي مَكَان نازح عَن الْمَدِينَة فِي بُسْتَان فخار متملك للفخاري لَيْسَ موضعا مَعْرُوفا بصلب من يصلب وَلَا مَوْقُوفا لذَلِك وَأَنه بعد هَذَا كُله رشي الشَّرْط على أَن يَقُولُوا أَن أَصْحَابه سَرقُوهُ فَفَعَلُوا ذَلِك وَأَن مَرْيَم المجدلانية وَهِي امْرَأَة من الْعَامَّة لم تقدم على حُضُور مَوضِع صلبه بل كَانَت واقفة على بعد تنظر هَذَا كُله فِي نَص الْإِنْجِيل عِنْدهم فَبَطل أَن يكون صلبه مَنْقُولًا بكافة بل بِخَبَر يشْهد ظَاهره على انه مَكْتُوم تواطأ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ الحواريون ليلتئذ بِنَصّ الْإِنْجِيل إِلَّا خَائِفين على أنفسهم غيبا عَن ذَلِك المشهد هاربين بأرواحهم مستترين وَأَن شَمْعُون الصَّفَا غرر وَدخل دَار قيافا الكاهن أَيْضا بضوء النَّار فَقيل لَهُ أَنْت من أَصْحَابه فَانْتفى وَجحد وَخرج هَارِبا عَن الدَّار فَبَطل أَن ينْقل خبر صلبه أحد تطيب النَّفس عَلَيْهِ على أَن نظن بِهِ الصدْق فَكيف أَن يَنْقُلهُ كَافَّة وَهَذَا معنى قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن شبه لَهُم} إِنَّمَا عَنى تَعَالَى أَن أُولَئِكَ الْفُسَّاق الَّذين دبروا هَذَا الْبَاطِل وتواطؤ عَلَيْهِ هم شبهوا على من قلدهم فَأَخْبرُوهُمْ أَنهم صلبوه وقتلوه وهم كاذبون فِي ذَلِك عالمون أَنهم كذبة وَلَو أمكن أَن يشبه ذَلِك على ذِي حاسة سليمَة لبطلت النبوات كلهَا إِذْ لَعَلَّهَا شبهت على الْحَواس السليمة وَلَو أمكن ذَلِك لبطلت الْحَقَائِق كلهَا ولأمكن أَن يكون كل وَاحِد منا يشبه عَلَيْهِ فِيمَا يَأْكُل ويلبس وفيمن يُجَالس وَفِي حَيْثُ هُوَ

فَلَعَلَّهُ نَائِم أَو مشبه على حواسه وَفِي هَذَا خُرُوج إِلَى السخف وَقَول السوفسطائية والحماقة وَقد شاهدنا نَحن مثل ذَلِك وَذَلِكَ أننا أندرنا للجبل لحضور دفن الْمُؤَيد هِشَام بن الحكم الْمُسْتَنْصر فَرَأَيْت أَنا وغيري نعشا فِيهِ شخص مكفن وَقد شَاهد غسله شَيْخَانِ جليلان حاكمان من حكام الْمُسلمين وَمن عدُول الْقُضَاة فِي بَيت وخارج الْبَيْت أبي رَحمَه الله وَجَمَاعَة من عُظَمَاء الْبَلَد ثمَّ صلينَا فِي أُلُوف من النَّاس عَلَيْهِ ثمَّ لم يلبث إِلَّا شهورا نَحْو السَّبْعَة حَتَّى ظهر حَيا وبويع عد ذَلِك بالخلافة وَدخلت عَلَيْهِ أَنا وغيري وَجَلَست بن يَدَيْهِ ورأيته وَبَقِي ثَلَاثَة أَعْوَام غير شَهْرَيْن وَأَيَّام ثمَّ قَالَ وَأما قَوْله تَعَالَى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه وَلَكِن شبه لَهُم} فَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن الَّذين يَقُولُونَ تقليدا لأسلافهم من النَّصَارَى وَالْيَهُود إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام قتل وصلب فَهَؤُلَاءِ شبه لَهُم القَوْل أَي أدخلُوا فِي شبه مِنْهُ وَكَانَ المشبهون لم شُيُوخ السوء فِي ذَلِك الْوَقْت وشرطهم المعون أَنهم قَتَلُوهُ وصلبوه وهم يعلمُونَ أَنه لم يكن ذَلِك وَغنما أخذُوا من أَمنهم فَقَتَلُوهُ وصلبوه فِي استتار وَمنع من حُضُور النَّاس ثمَّ أنزلوه ودفنوه تمويها على الْعَامَّة الَّتِي شبه الْخَبَر لَهَا اهـ قَالَ الْعَلامَة التقي فِي الْجَواب الصَّحِيح وقصة الصلب مِمَّا وَقع فِيهَا الِاشْتِبَاه وَقد قَامَ الدَّلِيل على أَن المصلوب لم يكن هُوَ الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام بل

شبهه وهم ظنُّوا أَنه الْمَسِيح والحواريون لم ير أحد مِنْهُم الْمَسِيح مصلوبا بل أخْبرهُم بصلبه بعض من شهد ذَلِك من الْيَهُود فبعض النَّاس يَقُولُونَ إِن أُولَئِكَ تعمدوا الْكَذِب وَأكْثر النَّاس يَقُول اشْتبهَ عَلَيْهِم وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُور الْمُسلمين يَقُولُونَ فِي قَوْله {وَلَكِن شبه لَهُم} عَن أُولَئِكَ وَمن قَالَ بِالْأولِ جعل الضَّمِير فِي شبه لَهُم عَن السامعين لخَبر أُولَئِكَ فَإِذا جَازَ ان يغلطوا فِي هَذَا وَلم يَكُونُوا معصومين فِي نَقله جَازَ أَن يغلطوا فِي بعض مَا ينقلوه عَنهُ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يقْدَح فِي رِسَالَة الْمَسِيح وَلَا فِيمَا تَوَاتر نَقله عَنهُ بِأَنَّهُ رَسُول الله يجب اتِّبَاعه سَوَاء صلب أَو لم يصلب والحواريون مصدقون فِيمَا ينقلونه لَا يتهمون بتعمد الْكَذِب عَلَيْهِ لَكِن إِذا غلط بَعضهم فِي بعض مَا يَنْقُلهُ لم يمْنَع ذَلِك أَن يكون غَيره مَعْلُوما لَا سِيمَا إِذا كَانَ ذَلِك الَّذِي غلط فِيهِ مِمَّا تبين غلطه فِيهِ فِي مَوَاضِع أخر اهـ والضمائر فِي هَذِه الْآيَة وَفِيمَا قبلهَا عَائِدَة إِلَى الْيَهُود قَالَ تَعَالَى {فبمَا نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيَات الله وقتلهم الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق وَقَوْلهمْ قُلُوبنَا غلف بل طبع الله عَلَيْهَا بكفرهم فَلَا يُؤمنُونَ إِلَّا قَلِيلا وبكفرهم وَقَوْلهمْ على مَرْيَم بهتانا عَظِيما وَقَوْلهمْ إِنَّا قتلنَا الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم رَسُول الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه وَلَكِن شبه لَهُم وَإِن الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ لفي شكّ مِنْهُ مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا بل رَفعه الله إِلَيْهِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيما} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله {فبمَا نقضهم ميثاقهم} مَا زَائِدَة وَالْبَاء للسَّبَبِيَّة وَهِي مُتَعَلقَة مَحْذُوف تَقْدِيره فعلنَا بهم مَا فعلنَا وَأما شبه فَهُوَ مُسْند إِلَى الْجَار وَالْمَجْرُور وَهُوَ {لَهُم} وَهُوَ الظَّاهِر وَقَالَ بَعضهم {شبه لَهُم} أَي مثل لَهُم من حسبوه إِيَّاه وَفِي قَوْله {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا} أَي قتلا يَقِينا أَو متيقنين وَقَالَ بَعضهم المُرَاد أَن نفي قَتله هُوَ يَقِين لَا ريب فِيهِ بِخِلَاف الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ فَإِنَّهُم كَانُوا فِي شكّ لعدم إيقانهم بقتْله إِذْ لم تكن مَعَهم حجَّة يسكنون إِلَيْهَا وَقَالَ بَعضهم المُرَاد وَمَا علموه يَقِينا وَهُوَ من قَوْلهم الشَّيْء علما إِذا عَرفته معرفَة تَامَّة وَهُوَ بعيد

وَرَأى بعض الدارسين لكتب أهل الْكتاب بِنَاء على مَا ترَاءى لَهُ من قَرَائِن الْأَحْوَال أَن الَّذين صمموا على إهلاك الْمَسِيح من رُؤَسَاء الْيَهُود لما لم يجدوه ويئسوا من عودة إِلَيْهِم عندوا إِلَى رجل آخر موهمين أَنه هُوَ الْمَسِيح فصلبوه إرهابا لأتباعه وَلمن يخَاف أَن يكون عِنْده ميل إِلَى اتِّبَاعه وضعُوا حراسا على الْقَبْر خشيَة أَن ينبش فتظهر حَقِيقَة الْأَمر ثمَّ رَأَوْا أَن الحزم يقْضِي عَلَيْهِم بنقله مِنْهُ سرا إِلَى حَيْثُ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ فَفَعَلُوا وخشية أَن يفتتن النَّاس بِعَدَمِ وجوده فِيهِ رشوا الحراس بِمَال جم ليشيعوا أَن تلاميذه أَتَوا فِي جنح الظلام فَأَخَذُوهُ من الْقَبْر وَهُوَ نَائِم وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين إِن الَّذِي صلب كَانَ رجلا ينافق عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا أَرَادوا قَتله قَالَ انا أدلكم عَلَيْهِ وَقد كَانَ عِيسَى استتر فَدخل الرجل بَيت عِيسَى وَرفع الله عِيسَى وَألقى شبهه على الْمُنَافِق فَقَتَلُوهُ وصلبوه وه يظنون أَنه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا القَوْل على كل ال أقرب من قَول بَعضهم إِن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام لما أَجمعت الْيَهُود على قَتله وَأخْبرهُ الله سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ سيرفعه إِلَى السَّمَاء قَالَ لأَصْحَابه أَيّكُم يرضى أَن يلقى عَلَيْهِ شبهه فَيقْتل ويصلب وَيدخل الْجنَّة فَقَامَ رجل مِنْهُم وَقَالَ أَنا فَألْقى الله عَلَيْهِ شبهه فَأخذ وَقتل وصلب وَالْمُنَافِق الْمَذْكُور هُوَ يَهو ذَا الأسخريوطي وَذكر فِي الْإِنْجِيل أَنه كَانَ أحد التلاميذ الاثنى عشر الَّذين اخْتَارَهُمْ الْمَسِيح لبث دَعوته وَأَعْطَاهُمْ قُوَّة على إِخْرَاج الشَّيَاطِين وشفاء جَمِيع الْأَمْرَاض ثمَّ لما بلغه أَن رُؤَسَاء الْيَهُود قد صمموا على الْقَبْض على الْمَسِيح وإهلاكه ذهب إِلَيْهِم وَقَالَ لَهُم أَنا أسلمه إِلَيْكُم فَمَاذَا تعطوني على ذَلِك فَأَعْطوهُ ثَلَاثِينَ من الْفضة كل وَاحِد مِنْهَا تَسَاوِي قيمَة درهما أَو دِرْهَمَيْنِ أَو نَحْو ذَلِك فَرضِي بهَا وَصَارَ يترقب فرْصَة لإنجاز مَا وعدهم بِهِ فَفِي لَيْلَة من اللَّيَالِي ذهب إِلَيْهِم وَقَالَ إِن الفرصة قد أمكنت فأرسلوا مَعَه جمعا كَبِيرا مَعَهم سيوف وعصي وَهَذَا الْجمع مؤلف من اناس من خدمَة رُؤَسَاء الكهنة ومشايخ الشّعب وأناس من جند الرّوم فَذهب بهم إِلَى سفح جبل الزَّيْتُون وَكَانَ الْمَسِيح فِي بُسْتَان هُنَاكَ وَقَالَ لَهُم إِذا وصلت إِلَيْهِ أقبله فَالَّذِي

أقبله هُوَ الْمَسِيح فاقبضوا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا جعل لَهُم عَامَّة لِأَن كثيرين مِنْهُم كَانُوا لَا يعرفونه فَلَمَّا دنا مِنْهُ سلم عَلَيْهِ ثمَّ تقدم فعانقه فَقَالَ لَهُ الْمَسِيح يَا يهوذا أبقبلة تسلم ابْن الْإِنْسَان ثمَّ خرج إِلَى الْقَوْم وَقَالَ لَهُم أَنا هُوَ فتقهقروا ناكصين على أَعْقَابهم وسقطوا على الأَرْض ثمَّ قَالَ لَهُم الْمَسِيح من تطلبون فَقَالُوا نطلب عِيسَى الناصري فَقَالَ لَهُم قد قلت لكم إِنِّي أَنا هُوَ فَإِن كُنْتُم تطلبونني فعوا هَؤُلَاءِ يهبون وَكَانَ مَعَ بطرس الَّذِي يُقَال لَهُ سمْعَان الصَّفَا سيف فانتضاه وَضرب بِهِ عبد عَظِيم الكهنة فَأخذ أُذُنه الْيُمْنَى فَقَالَ لَهُ الْمَسِيح اكفف ولمس أذن العَبْد فبرئت فَحِينَئِذٍ قيض الْجَمَاعَة عَلَيْهِ وأوثقوه وذهبوا إِلَى حَيْثُ أَرَادوا وَإِن أردْت معرفَة تَتِمَّة الْمَسْأَلَة فَارْجِع إِلَى الأناجيل الْأَرْبَعَة وَإِن كَانَ فِيهَا من الِاضْطِرَاب فِي سوق هَذِه الْقَضِيَّة مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَالْأولَى الرُّجُوع إِلَيْهَا مَعَ مُرَاجعَة مَا قَالَه مفسروها وَكنت أَحْبَبْت أَن أوردهَا بِتَمَامِهَا على وَجه يرْتَفع بِهِ اللّبْس إِلَيْهِ لتسكن النَّفس غير أَن ذَلِك يَقْتَضِي بسطا زَائِدا لَا يسْعد عَلَيْهِ هَذَا الْموضع ولنرجع إِلَى امْر يهوذا فَنَقُول ذكر فِي إنجيل مَتى أَنه يهوذا لما رأى الْمَسِيح قد دفن نَدم وَذهب إِلَى رُؤَسَاء الكهنة وَإِلَى الْمَشَايِخ وَأعَاد لَهُم مَا أَخذ وَقَالَ لَهُم إِنِّي أَخْطَأت بتسليمي إنْسَانا برا فَقَالُوا مَاذَا علينا أَنْت أخبر وَطرح مَا أَخذه فِي الهيكل وَذهب فخنق نَفسه وَأما مَا أَعَادَهُ من المَال فقد اشْترى الرؤساء بِهِ حقل الفخار وجعلوه مَقْبرَة للغرباء قَالَ مفسروه إِن يهوذا لما رأى الْيَهُود قد حكمُوا عل الْمَسِيح بِالْهَلَاكِ وَلم يكن يظنّ أَن الْأَمر يصل إِلَى هَذَا الْحَد ذهب إِلَى الرؤساء وَقَالَ لَهُم مَا قَالَ وَأعَاد لَهُم مَا أَخذه من المَال راجيا بذلك أَن يطلقوه فَلَمَّا لم يُجِيبُوهُ إِلَى مَا سَأَلَ خنق نَفسه

هَذَا وَلما ارتاب بعض عُلَمَائِنَا فِي أَمر يهوذا ترَاءى لَهُم أَنه هُوَ الَّذِي أَلِي عَلَيْهِ شبه الْمَسِيح فَأخذ وصلب وَلَقي جَزَاء عمله غير أَن الَّذين كَانُوا يتلقفون أَخْبَار الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام من كل فَم لما لم يقفوا لَهُ على عين وَلَا أثر ظنُّوا انه هلك أَو اهلك نَفسه فلفقوا هَذَا القَوْل بِنَاء على مَا وَقع فِي نُفُوسهم وَمثل ذَلِك لَا يُحْصى وَهَذَا القَوْل أقوى الْأَقْوَال الَّتِي قَالَهَا من ذهب إِلَى ان المصلوب كَانَ يشبه الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام بِحَيْثُ إِن من رَآهُ وَكَانَ يعرفهُ من قبل قَالَ إِنَّه هُوَ أَو كَأَنَّهُ هُوَ وَالْقَوْل بالشبه الْمَذْكُور هُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْجُمْهُور وَقد أنكرهُ عَلَيْهِم الْجُمْهُور الْأُمَم من غير الْمُسلمين وَقد وافقهم على الْإِنْكَار ابْن حزم مَعَ أَن جَمِيع أَرْبَاب الْملَل يَقُولُونَ بِجَوَاز خرق الْعَادة وَهَذَا من أقرب الْأُمُور جَوَازًا فِي الْعقل لَا سِيمَا إِن قَضَت الْحِكْمَة بِوُقُوعِهِ كالمسألة الَّتِي نَحن بصددها وَلَيْسَ فِي ذَلِك مَا يُوجب إبِْطَال الْحَقَائِق على انه تقرر فِي علم الْكَلَام أَن الْحَواس قد تغلط فِي بعض الأحيان وَأَن ذَلِك لَا يرفع الاطمئنان إِلَى مَا أَدْرَكته فِي سَائِر الأحيان وَمثل ذَلِك الْعقل فَأَي مَحْذُور يحصل أَن قيل وعَلى ذَلِك إِن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام لما أَرَادَ الْيَهُود إهلاكه لِأَنَّهُ كَانَ يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر ويحثهم على اتِّبَاع الْحق والسلوك فِي مهج الصدْق ألْقى الله شبهه على رجل مارق مُنَافِق مُسْتَحقّ للهلاك فَأخذ وصلب وَهُوَ بذلك حري وَنَجَا من غوائلهم ذَلِك الْبر الْبري وَذكر مفسرو الأناجيل أَن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام لما أَرَادَ الْجَمَاعَة الْقَبْض عَلَيْهِ أظهر ثَلَاث آيَات الأولى إِمْسَاكه أَبْصَارهم حَتَّى لم يعرفوه مَعَ أَن ذَلِك الخائن جعل لمعرفته عَلامَة وَكَانَ كثير مِنْهُم يعرفهُ وَيُؤَيّد ذَلِك أَنه لما قَالَ لَهُم من تطلبون ل يَقُولُوا إننا نطلبك بل قَالُوا عِيسَى الناصري وَذَلِكَ لعدم معرفتهم لَهُ

الثَّانِيَة وقوعهم على ظُهُورهمْ إِلَى الأَرْض بِمُجَرَّد قَوْله أَنا هُوَ الثَّالِثَة إرجاعه أذن العَبْد الَّتِي قطعهَا بطرس فَانْظُر كَيفَ أثبتوا أَخذ الْمَسِيح بأبصار الْقَوْم حَتَّى جَهله من كَانَ يعرفهُ فَلَو أَرَادَ الْمَسِيح حِينَئِذٍ أَن يتركهم وشأنهم وَيذْهب حَيْثُ شَاءَ لأمكن فَإِن قلت لعلع خَافَ أَن يلْقوا الْقَبْض على تلامذته ظنا أَنه بَينهم قلت لَا خوف فِي ذَلِك فَإِنَّهُ تظهر لَهُم فِي أقرب مُدَّة حَقِيقَة الْحَال فيطلقونهم وهم لَا مأرب لَهُم فِيمَا عداهُ إِلَّا أَن نقُول لَعَلَّ اللجاج والعناد يحملهم على دَعْوَى أَنه بَينهم فيعمدوا إِلَى أحدهم فيهلكوه لِئَلَّا يُقَال إِنَّه صعد إِلَى السَّمَاء أَو نجا مِنْهُم بِقُوَّة ربانية وَذكروا أَيْضا أَن الْمَسِيح أَخذ بأبصار الْيَهُود فَلم يروه قبل هَذِه الْمرة وَذَلِكَ أَنه كَانَ ذَات يَوْم يمشي فِي الهيكل فِي رواق سُلَيْمَان فأحدقت بِهِ الْيَهُود وَقَالُوا لَهُ حَتَّى مَتى تعذب نفوسنا فَإِن كنت الْمَسِيح فَقل لنا عَلَانيَة فأجابهم بِمَا أثار غضبهم فتناولوا حِجَارَة ليرجموه فَلم يستطيعوا ثمَّ جرت بَينهم محاورة أُخْرَى أفضت إِلَى الْعَزْم فِي إِمْسَاكه فَخرج من بَين أَيْديهم قَالُوا فخروجه من بَين أَيْديهم إِنَّمَا أمكن لكَونه حجب أَبْصَارهم فَلم يروه فَإِن قلت إِن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام لَعَلَّه أَرَادَ أَن ينَال على أَيْديهم الشَّهَادَة لتَكون لَهُ الْحسنى وَزِيَادَة قُلْنَا لَا يسوغ ذَلِك على هَذِه الصّفة قَالَ تَعَالَى {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} وَهَذَا من الْأُمُور المحكمة الَّتِي اتّفقت فِيهَا الشَّرَائِع على اختلافها وَقد ذكر فِي الأناجيل أَن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ فِي اللَّيْلَة الَّتِي قَصده فِيهَا الْقَوْم يتَضَرَّع إِلَى الله تَعَالَى كثيرا ويسأله أَن ينجيه من مكايد أعدائه وَكَانَ شَدِيد الْحزن والاكتئاب وَهَذَا يُنَافِي أَن يكون مرِيدا للاستسلام لَهُم هَذَا وَإِن طَريقَة ابْن حزم طَريقَة معقولة وَهِي وَإِن كَانَت بعيدَة فِي نظر

قوم فَهِيَ قريبَة فِي نظر آخَرين مِمَّن خبروا أَحْوَال النَّاس ودققوا النّظر فِي أَمر الْحَوَادِث وَأَكْثرُوا من النّظر فِي التَّارِيخ وَبَحَثُوا عَن أَسبَاب الْمسَائِل وعللها ليقفوا على حقائقها ودقائقها وَهنا أَمر يَنْبَغِي التنبه لَهُ وَهُوَ أَن الْيَهُود فِي ذَلِك الْعَصْر لم يَكُونُوا مستبدين بأمرهم بل كَانُوا تَحت حكم مُلُوك الرّوم وَكَانَ ملك الرّوم حِينَئِذٍ طيباريوس وَهُوَ الَّذِي بنيت فِي عَهده مَدِينَة طبرية ونسبت إِلَيْهِ وَكَانَ الْوَالِي عَلَيْهِم من قبله بيلاطوس قَالَ سعيد بن البطريق فِي نظم الْجَوْهَر وَملك طيباريوس قَيْصر برومية وللمسيح خمس عشرَة سنة وَكَانَ لقيصر هَذَا صديق يُقَال لَهُ بلاطس من قَرْيَة على شط البنطس وَلذَلِك يُسمى بلاطس البنطي فولاه على أَرض يهوذا قَالَ وَفِي خمس عشرَة سنة من ملك طيباريوس هَذَا ظهر يحيى بن زَكَرِيَّا المعمداني فَعمد الْيَهُود فِي الْأُرْدُن ولسيدنا الْمَسِيح ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ قَالَ وَكتب بلاطس إِلَى طيباريوس الْملك بِخَبَر سيدنَا الْمَسِيح وَمَا تَفْعَلهُ تلاميذه من الْعَجَائِب الْكَثِيرَة من إِبْرَاء المرضى وإحياء الْمَوْتَى فَأَرَادَ أَن يُؤمن بسيدنا الْمَسِيح وَيظْهر دين النَّصْرَانِيَّة فَلم يُتَابِعه أَصْحَابه على ذَلِك وَملك اثْنَيْنِ وَعشْرين سنة وَسِتَّة أشهر وبيلاطوس الْمَذْكُور هُوَ الَّذِي ادّعى رُؤُوس الْيَهُود عِنْده أَن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يضل شِعْبهمْ وَيَدعِي بِأَنَّهُ هُوَ الْمَسِيح ملك الْيَهُود وَأَنه كَانَ يمْنَع النَّاس من أَدَاء الْجِزْيَة لقيصر وطلبوا مِنْهُ أَن يصلبه وَإِنَّمَا لم يتولوا هم المر بِأَنْفسِهِم لأسباب الأول انه لم يكن يسوغ أَن يقتلُوا أحدا مِمَّن حكمُوا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ دون مُوَافقَة الرّوم وَمَا وَقع مِنْهُم مرَارًا من الْقيام على الْمَسِيح وَإِرَادَة رجمه فَإِنَّمَا ذَلِك من قبيل مَا يحصل أَحْيَانًا من حكام الرعايا حِين اشتداد غَضَبهَا وَكَثِيرًا مَا تتغاضى الْحُكَّام عَن ذَلِك إِذا لم تخش ضَرَرا مِنْهُ الثَّانِي أَنهم كَانُوا يخَافُونَ من الشّعب فَإِن كثيرين مِنْهُم كَانُوا يميلون إِلَى

الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا تولى الْحَاكِم ذَلِك وَوَقع من الشّعب فتن أمكنه تسكينها بِوَاسِطَة الْجند الثَّالِث أَن مَا ادعوهُ على الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام من أَنه كَانَ يفتري على الله كذبا ويضل النَّاس لَو صَحَّ وَثَبت فَإِنَّهُ يَقْتَضِي بِمُوجب شرعهم الرَّجْم لَا الصلب وهم يُرِيدُونَ أَن يصلب لاعتقادهم أَن الصلب أدعى لزجر النَّاس عَن اتِّبَاعه وَفِيه شِفَاء غليلهم مَا لَيْسَ فِي غَيره من انواع الْقَتْل وَقد ذكر فِي الأناجيل أَن بيلاطوس الْمَذْكُور لما سلمه رُؤَسَاء الْيَهُود الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وطلبوا مِنْهُ إهلاكه سَأَلَهُ عَمَّا اتَّهَمُوهُ لَهُ فَتبين لَهُ افتراؤهم وَعرف أَنهم إِنَّمَا أَسْلمُوا حسدا وبغيا وتعجب جدا وَقَالَ لَهُم إِنِّي لم أجد لَهُ عِلّة توجب هَلَاكه حرص على إِطْلَاقه غير انهم أصروا على مَا طلبُوا مِنْهُ وحرضوا جُمْهُور النَّاس على ذَلِك فاحب إرضاءهم فَأمر الشَّرْط بَان يذهبوا بِهِ ويجروا مَا يُرْضِي أُولَئِكَ الْقَوْم وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي أَمر بيلاطوس فَقَالَ بَعضهم إِنَّه كَانَ فِي الْبَاطِن يمِيل إِلَى قتل الْمَسِيح وَلذَلِك بَادر إِلَى إمضائه مَعَ أَن فِي يَده إِطْلَاقه حَالا فضلا عَن إبقائه فِي السجْن إِلَى أَن يتروى فِي أمره مُدَّة وَيجْرِي بعد ذَلِك مَا يَقْتَضِيهِ الْحَال وَيدل على ذَلِك قَوْله للمسيح عَلَيْهِ السَّلَام لما سَأَلَهُ فَلم يجبهُ مَالك لَا تكلمني أَلا تعلم أَن لي سُلْطَانا على ان أطلقك ولي سُلْطَان على أَن أصلبك وَقَالَ أَكْثَرهم لم يكن بيلاطوس يمِيل إِلَى الْبَاطِن إِلَى قتل الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وَيدل على ذَلِك أَشْيَاء الأول مَا ظهر مِنْهُ من تبرئة الْمَسِيح وذبه عَنهُ بِقدر مَا اسْتَطَاعَ الثَّانِي رُؤْيا زَوجته فَإِنَّهَا أرْسلت إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مجْلِس الحكم والمسيح عِنْده مَعَ القائمين عَلَيْهِ تَقول إياك وَذَلِكَ الصّديق لِأَنِّي رَأَيْت فِي الْحلم من أَجله أمورا مزعجة كثيرا وَقد اخْتلفُوا فِي هَذَا الْحلم فَقَالَ بَعضهم هُوَ من الشَّيْطَان ليخلص الْمَسِيح فَيبقى الْعَالم بِغَيْر فدَاء وَقَالَ بَعضهم هُوَ من ملك ليشهد الرِّجَال وَالنِّسَاء بِكَمَال الْمَسِيح

الثَّالِث خوف ثورة الشّعب فَإِن كثيرا مِنْهُم كَانُوا يميلون إِلَى الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام والولاة أبعد النَّاس عَن إثارة الشّعب بِدُونِ عابث قوي لذَلِك وَهَذَا الْوَالِي كَانَ من عباد الْأَوْثَان وَلم يكن للْيَهُود عِنْده من حَيْثُ الدّين شَأْن وَلذَلِك كَانَ القائمون عَلَيْهِ عازمين فِي أول الْأَمر على ان يمسكوه ويقتلوه غيلَة وَأَن يكون ذَلِك فِي غير الْعِيد لِكَثْرَة اجْتِمَاع النَّاس فِيهِ فَلَمَّا جَاءَهُم يهوذا الخائن غيروا رَأْيهمْ واعتقدوا أَن الفرصة قد ساعدت وعزموا على ان يكون ذَلِك على يَد الْحَاكِم لِأَنَّهُ أقرب إِلَى السَّلامَة من الشّعب إِن ثار فَفَعَلُوا مَا فعلوا الرَّابِع مَا ذكر عَنهُ من أَنه كتب من بعد إِلَى طيباريوس ملك الرّوم بِخَبَر الْمَسِيح وَمَا وَقع لَهُ من الْآيَات وبخبر تلاميذه وَمَا يَقع على أَيْديهم من الْعَجَائِب غير أَن كثيرا مِنْهُم توقف فِي صِحَة هَذَا الْخَبَر وَقَالَ إِنَّه كَانَ عزم على ذَلِك غير انه خشِي ان يعود عَلَيْهِ ذَلِك بِالضَّرَرِ حَيْثُ قتل الْمَسِيح بِغَيْر حق وَقد ورد على هَذَا الْفَرِيق إِشْكَال وَهُوَ أَن يُقَال إِذا كَانَ هَذَا الْوَالِي يمِيل إِلَى إِطْلَاق الْمَسِيح والبواعث على ذَلِك كَثِيرَة فَلم لم يُطلقهُ وَقد أجابوا عَن ذَلِك بِأَن بيلاطوس كَانَ عزم على إِطْلَاقه فصاح الْيَهُود بِهِ وَقَالُوا إِن تطلق هَذَا فَمَا أَنْت بمحب لقيصر لِأَن من يَجْعَل نَفسه ملكا يكون عدوا لقيصر فارتاع بيلاطوس وخشي بَطش قَيْصر إِن بلغه ذَلِك فَأسلم الْمَسِيح إِلَى مَا أسلمه إِلَيْهِ وَفِي هَذَا الْجَواب ضعف لِأَنَّهُ يُمكنهُ حِينَئِذٍ أَن يضع الْمَسِيح فِي السجْن وَيكْتب إِلَيْهِ بِحَقِيقَة الْحَال وينتظر مَا يَأْمر بِهِ فَيجْرِي عَلَيْهِ وَقَالَ بَعضهم فعل مَا فعل تخلصا من شغب الشّعب فَإِن الرؤساء حرضوهم على الِاجْتِمَاع عِنْد دَار الحكم وَأَن يلحوا فِي طلب إهلاكه فَكَانَ كلما قَالَ لَهُم أَي شَرّ صنع هَذَا يزدادون صياحا قائلين ليصلب فَلَمَّا رأى أَن ذَلِك لَا يُفِيد شَيْئا بل تزداد الجلبة كلما حاولهم غسل يَدَيْهِ أمامهم وَقَالَ أَنا بَرِيء من دم هَذَا

الصّديق أَنْتُم أخبر فصاحوا كلهم قائلين دَمه علينا وعَلى أَوْلَادنَا وأسلمه إِلَى الْجند لينفذوا الحكم عَلَيْهِ قَالَ بعض القسيسين فَإِن قيل يجوز للوالي أَن يخضع لرأي الشّعب كُله فِي مثل هَذَا الْأَمر فَالْجَوَاب لَا بل يجب على الْحَاكِم أَن يحْتَمل ألف ميتَة وَلَا يحيد عَن مَنْهَج الْعدْل وَإِذا جمع بَين العلتين يكون الْجَواب أقوى وَاعْلَم أَن مَسْأَلَة الصلب إِنَّمَا أهمت النَّصَارَى مَعَ ضعف مأخذها عِنْدهم لبنائهم أَكثر أُمُور دينهم عَلَيْهَا ونسبتهم أَكثر أسراره إِلَيْهَا حَتَّى إِنَّهُم يُنكرُونَ على منكرها أَكثر مِمَّا يُنكرُونَ على مُنكر التَّثْلِيث وَقد بَقِي فِي مبَاحث الْمُتَوَاتر مسَائِل أُخْرَى مهمة تركناها لِأَنَّهَا مِمَّا يَهْتَدِي إِلَيْهَا اللبيب بِنَفسِهِ إِذا أمعن فِيهَا النّظر

الفصل السادس

الْفَصْل السَّادِس فِي أَقسَام الحَدِيث قبل الْخَوْض فِي ذَلِك يَنْبَغِي الْوُقُوف على مَسْأَلَتَيْنِ الْمَسْأَلَة الأولى أَن الْمُحدثين لَا يبحثون عَن الْمُتَوَاتر لاستغنائه بالتواتر عَن يُرَاد سَنَد لَهُ حَتَّى إِنَّه إِذا اتّفق لَهُ سَنَد لم يبْحَث عَن أَحْوَال رُوَاته لما سبق بَيَانه فِي الْمَسْأَلَة السَّابِعَة من الْفَصْل الْخَامِس فَقَوْل الْمُحدثين إِن الحَدِيث يَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف يُرِيدُونَ بِهِ الحَدِيث الْمَرْوِيّ من طَرِيق الْآحَاد وَأما الحَدِيث الْمُتَوَاتر فَهُوَ خَارج عَن مورد الْقِسْمَة وَقد ألحق بَعضهم المستفيض بالمتواتر فَجعله أَيْضا خَارِجا عَن مورد الْقِسْمَة وَقد نقلنا فِيمَا مضى أقوالا فِي حد المستفيض وَقد وقفت الْآن على أَقْوَال أخر ذكرهَا بعض من ألف فِي الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة فَأَحْبَبْت إِيرَاد خُلَاصَة ذَلِك قَالَ قد اقْتضى كَلَام قوم أَن المستفيض خبر جمع يمْتَنع تواطؤهم على الْكَذِب وَكَلَام قوم أَنه خبر جمع يُفِيد ظنا فَوق الظَّن الْمُجَرّد وَقَالَ بَعضهم إِنَّه خبر جمع كثير يَقع الْعلم أَو الظَّن بقَوْلهمْ وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء لَا تقبل الشَّهَادَة بالاستفاضة إِلَّا فِي مسَائِل مِنْهَا النّسَب وَالْوَقْف وَولَايَة الْوَالِي وعزله وَقَالَ بَعضهم إِذا استفاض فسق الشَّاهِد بَين النَّاس لم يحْتَج إِلَى الْبَحْث وَالسُّؤَال عَنهُ

وَيَنْبَغِي التنبه لأمر وَهُوَ أَنه لَا يجوز الْجرْح بِمُجَرَّد الشُّيُوع والانتشار بل لَا بُد مَعَ ذَلِك من حُصُول الْعلم فَإِذا لم يحصل الْعلم لم يجز الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ وهتك أَعْرَاض النَّاس بِهِ وَقد صرح بذلك الْغَزالِيّ وَهُوَ الْحق لِأَنَّهُ مِمَّا يُمكن الْوُقُوف عَلَيْهِ وَإِذا وَقع لم يحصل فِيهِ لبس فَلَا يَقع فِيهِ بِمَا لَا يُفِيد الْعلم من الاستفاضة والاستفاضة تحصل بِأَقَلّ جموع الْكَثْرَة وَهُوَ أحد عشر فَمن زعم استفاض بِدُونِهَا فَهُوَ ذاهل وَشرط الْعَمَل بالاستفاضة أَن لَا عَارض باستفاضة مثلهَا فَإِن عورضت بَطل حكمهَا لأَنا إِن شرطنا فِي الاستفاضة الْعلم فالمعارضة تدل على انه لَا استفاضة من الْجَانِبَيْنِ لِأَن القاطعين لَا يتعارضان وَإِن اكتفينا بِالظَّنِّ فَلَيْسَ أحد الظنين بِأولى من مُقَابِله وَاعْلَم أَن الشَّيْء الَّذِي لَا تنضبط أَسبَاب الِاطِّلَاع عَلَيْهِ إِذا أثارت أَسبَابه لبَعض العارفين ظنا يسوغ لَهُ الشَّهَادَة لم يسغْ لَهُ أَن يُصَرح بِهِ عِنْد الْحَاكِم لن من الْجَائِز أَن لَا يتَبَيَّن لَهُ الظَّن الَّذِي ثار عِنْد الشَّاهِد لَا سِيمَا إِن قَامَت عِنْد الشَّاهِد إشارات تقصر عَنْهَا الْعبارَات وَمن ثمَّ قَالُوا فِيمَا يشْهد فِيهِ بالاستفاضة إِن الشَّاهِد لَو صرح بِأَن مُسْتَنده الاستفاضة لم يقبل لِأَنَّهُ أَضْعَف قَوْله بِذكر مُسْتَنده اهـ وَقد تبين من عباراتهم المخلفة أَن من الْعلمَاء من يَجْعَل المستفيض مرادفا للمتواتر وَمِنْهُم من يَجعله أعلم مِنْهُ بِحَيْثُ يُقَال كل متواتر مستفيض وَلَيْسَ كل مستفيض متواترا وَمِنْهُم من يَجعله قسما على حِدة غير انه دون الْمُتَوَاتر وَفَوق الْمَشْهُور وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَالْمَقْصُود بِمَا ذكرنَا التَّنْبِيه على اخْتِلَاف الِاصْطِلَاح فِيهِ ليعرف الْمطَالع إِذا رأى توارد الْأَحْكَام الْمُخْتَلفَة عَلَيْهِ أَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ لاخْتِلَاف اصْطِلَاح المصطلحين فِيهِ لَا لأمر آخر

المسالة الثَّانِيَة قد سبق ذكر معنى السَّنَد والإسناد وَقَول ابْن الْمُبَارك الْإِسْنَاد من الدّين وَلَوْلَا الْإِسْنَاد لقَالَ من شَاءَ مَا شَاءَ وَقد دَعَا الْحَال إِلَى أَن نذْكر هُنَا معنى الْمسند وَمَا يُنَاسِبه فَنَقُول قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي شرح نخبة الْفِكر والمسند فِي قَول أهل الحَدِيث هَذَا حَدِيث مُسْند هُوَ مَرْفُوع صَحَابِيّ بِسَنَد ظَاهره الِاتِّصَال فَقولِي مَرْفُوع كالجنس وَقَوْلِي صَحَابِيّ كالفصل يخرج بِهِ مَا رَفعه التَّابِعِيّ فَإِنَّهُ مُرْسل أَو من دونه فَإِنَّهُ معضل أَو مُعَلّق وَقَوْلِي ظَاهِرَة الِاتِّصَال يخرج مَا ظَاهره الِانْقِطَاع وَيدخل مَا فِيهِ الِاحْتِمَال وَمَا يُوجد فِيهِ حَقِيقَة الِاتِّصَال من بَاب الأولى وَيفهم من التَّقْيِيد بالظهور أَن الِانْقِطَاع الْخَفي كعنعنة المدلس والمعاصر الَّذِي لم يثبت لقِيه لَا يخرج الحَدِيث عَن كَونه مُسْندًا لإطباق الْأَئِمَّة الَّذين خَرجُوا المسانيد على ذَلِك وَهَذَا تَعْرِيف مُوَافق لقَوْل الْحَاكِم الْمسند مَا رَوَاهُ الْمُحدث عَن شيخ يظْهر سَمَاعه مِنْهُ وَكَذَا شَيْخه عَن شَيْخه مُتَّصِلا إِلَى صَحَابِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما الْخَطِيب فَقَالَ الْمسند الْمُتَّصِل فعلى هَذَا الْمَوْقُوف إِذا جَاءَ بِسَنَد مُتَّصِل يُسمى عِنْده مُسْندًا لَكِن قَالَ إِن ذَلِك قد يَأْتِي لَكِن بقلة وَأبْعد ابْن عبد الْبر حَيْثُ قَالَ الْمسند الْمَرْفُوع وَلم يتَعَرَّض للإسناد فَإِنَّهُ يصدق على الْمُرْسل والمعضل والمنقطع إِذا كَانَ الْمَتْن مَرْفُوعا وَلَا قَائِل بِهِ اهـ قَالَ بعض الْعلمَاء يَنْبَغِي أَن يُرَاد بموافقة تَعْرِيفه لتعريف الْحَاكِم الْمُوَافقَة فِي الْجُمْلَة وَإِلَّا فالمتبادر من تَعْرِيف الْحَاكِم اخْتِصَاص الْمسند بِمَا اتَّصل فِيهِ السَّنَد حَقِيقَة وَقد صرح بِاشْتِرَاط عدم التَّدْلِيس فِي رُوَاته نعم إِن أَرْبَاب المساند لم يتحاموا فِيهَا تَخْرِيج معنعنات المدلسين وَلَا أَحَادِيث من لَيْسَ لَهُ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مُجَرّد الرُّؤْيَة

وَقد عرفت بِمَا ذكر أَن للْعُلَمَاء فِي معنى الْمسند ثَلَاثَة أَقْوَال القَوْل الأول قَول من قَالَ ن الْمسند لَا يَقع إِلَّا على مَا اتَّصل مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه جزم الْحَاكِم فِي كِتَابه فِي عُلُوم الحَدِيث وَلم يذكر فِيهِ غَيره وَحَكَاهُ الْحَافِظ ابْن عبد الْبر فِي كتاب التَّمْهِيد عَن قوم من أهل الحَدِيث وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمَشْهُور وَبِه يحصل الْفرق بَين الْمسند وَبَين الْمُتَّصِل وَالْمَرْفُوع وَذَلِكَ أَن الْمَرْفُوع نظر فِيهِ إِلَى حَال الْمَتْن مَعَ قطع النّظر عَن الْإِسْنَاد اتَّصل أم لم يتَّصل والمتصل نظر فِيهِ إِلَى حَال الْإِسْنَاد مَعَ قطع النّظر عَن الْمَتْن مَرْفُوعا كَانَ أم مَوْقُوفا والمسند نظر فِيهِ إِلَى الْأَمريْنِ وهما الرّفْع والاتصال فَيكون أخص من كل مِنْهُمَا فَكل مُسْند مَرْفُوع وكل مُسْتَند مُتَّصِل وَلَيْسَ كل مَرْفُوع مُسْندًا وَلَا كل مُتَّصِل مُسْندًا القَوْل الثَّانِي قَول من قَالَ الْمسند هُوَ الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده من رَاوِيه إِلَى منتهاه ذكره الْخَطِيب نقلا عَن جُمْهُور أهل الحَدِيث قَالَ ابْن الصّلاح وَأكْثر مَا يسْتَعْمل ذَلِك فِيمَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون مَا جَاءَ عَن الصَّحَابَة وَغَيرهم وعَلى ذَلِك يدْخل فِيهِ الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف فَلَا يكون بَينه وَبَين الْمُتَّصِل فرق إِلَّا من جِهَة ان الْمُتَّصِل يسْتَعْمل فِي الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف على حد سَوَاء بِخِلَاف الْمسند فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي الْمَرْفُوع كثيرا وَفِي الْمَوْقُوف قَلِيلا غير أَن كَلَام الْخَطِيب يَقْتَضِي دُخُول الْمَقْطُوع فِيهِ وَهُوَ قَول التَّابِعين وَكَذَا قَول من بعد التَّابِعين وَكَلَام أهل الحَدِيث يأباه القَوْل الثَّالِث قَول من قَالَ الْمسند مَا رفع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة وَهُوَ قد يكون تصلا مثل مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد يكون مُنْقَطِعًا مثل مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا مُسْند لِأَنَّهُ قد أسْند إِلَى

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُنْقَطع لِأَن الزُّهْرِيّ لم يسمع من ابْن عَبَّاس قَالَه ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد فعلى هَذَا يَسْتَوِي الْمسند وَالْمَرْفُوع وَقد جرى على ذَلِك الدارقني فِي قَوْله فِي سعيد بن جُبَير بن حَيَّة الثَّقَفِيّ إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ يحدث بِأَحَادِيث يسندها وَغَيره يقفها هَذَا وَقد اسْتشْكل بَعضهم مَا ذكر فِي القَوْل الأول من قَوْلهم كل مُسْند تصل وَلَيْسَ كل مُتَّصِل مُسْندًا فَقَالَ إِن الْمسند غنما يُطلق على الْمَتْن والمتصل إِنَّمَا يُطلق على السَّنَد فَكيف يسوغ حمل أَحدهمَا على الآخر وَيُمكن أَن يُجَاب بِأَن المُرَاد بقَوْلهمْ كل مُسْند مُتَّصِل أَن كل حَدِيث مُسْند فَهُوَ مُتَّصِل الْإِسْنَاد وبقولهم لَيْسَ كل مُتَّصِل مُسْندًا أَنه لَيْسَ كل مَا كَانَ مُتَّصِل الْإِسْنَاد مُسْندًا وَذَلِكَ لكَونه بعضه لَيْسَ بمرفوع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لَا يكون مَرْفُوعا إِلَيْهِ لَا يُقَال لَهُ مُسْند فَيصح الْحمل فِي الْمَوْضِعَيْنِ على الْوَجْه الَّذِي ذكر ونظائر ذَلِك كَثِيرَة لَا تحصى وَلَيْسَ فِي ذَلِك تعقيد لتبادر الْمَعْنى المُرَاد إِلَى الذِّهْن وَمن وقف مَعَ ظواهر الْأَلْفَاظ حَار فِي أَكثر الْمَوَاضِع وَالْمرَاد بالمتصل مَا لم يسْقط فِيهِ أحد من رِجَاله وَيُسمى عدم السُّقُوط اتِّصَالًا ويقابل الْمُتَّصِل الْمُنْقَطع وَهُوَ مَا سقط فِيهِ وَاحِد من رِجَاله أَو أَكثر تَنْبِيه لَا يُقَال الْمُتَّصِل فِي حَال الْإِطْلَاق إِلَّا فِي الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف وَأما فِي حَال التَّقْيِيد فيسوغ أَن يُقَال فِي الْمَقْطُوع وَهُوَ وَاقع فِي كَلَامهم يَقُولُونَ هَذَا مُتَّصِل إِلَى سعيد بن الْمسيب أَو إِلَى الزُّهْرِيّ أَو إِلَى مَالك ولنذكر تَفْسِير هَذِه الْأَلْفَاظ فَنَقُول الْمَرْفُوع هُوَ مَا أضيف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَقْوَاله وأفعاله أَو تَقْرِيره سَوَاء أَضَافَهُ إِلَيْهِ صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ أَو من بعدهمَا وَسَوَاء اتَّصل إِسْنَاده أم لَا

وَقَالَ الْخَطِيب الْمَرْفُوع مَا أخبر فِيهِ الصَّحَابِيّ عَن قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو فعله فعلى هَذَا لَا يدْخل فِيهِ مَا أرْسلهُ التابعون وَمن بعدهمْ قَالَ الْحَافِظ ابْن الصّلاح وَمن جعل من أهل الحَدِيث الْمَرْفُوع فِي مُقَابلَة الْمُرْسل فقد عَنى بالمرفوع الْمُتَّصِل وَالْمَوْقُوف مَا يرْوى عَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم من أَقْوَالهم أَو أفعالهم أَو تقريرهم وَسمي مَوْقُوفا لِأَنَّهُ وقف عَلَيْهِم وَلم يتَجَاوَز بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ إِن مِنْهُ مَا يتَّصل الْإِسْنَاد فِيهِ إِلَى الصَّحَابِيّ فَيكون من الْمَوْقُوف الْمَوْصُول وَمِنْه مَا لَا يتَّصل إِسْنَاده إِلَيْهِ فَيكون من الْمَوْقُوف الْمُنْقَطع على حسب مَا عرف مثله فِي الْمَرْفُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرط الْحَاكِم فِي الْمَوْقُوف أَن يكون إِسْنَاده غير مُنْقَطع إِلَى الصَّحَابِيّ وَهُوَ شَرط لم يُوَافقهُ عَلَيْهِ أحد وَمَا ذكر من تَخْصِيص الْمَوْقُوف بالصحابي إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كرّ مُطلقًا وَإِلَّا فقد يسْتَعْمل فِي غير الصَّحَابِيّ يُقَال هَذَا مَوْقُوف على عَطاء أَو على طَاوس أَو وَقفه فلَان على مُجَاهِد وَنَحْو ذَلِك وَقد سمى بعض الْفُقَهَاء الْمَوْقُوف بالأثر وَأما المحدثون فجمهورهم يطلقون الْأَثر على الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف وعَلى ذَلِك جرى الطَّحَاوِيّ فِي تَسْمِيَة كِتَابه الْمُشْتَمل عَلَيْهِمَا بشرح مَعَاني الْأَثر وَكَذَلِكَ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ فِي تَسْمِيَة كِتَابه الْمُشْتَمل عَلَيْهِمَا بتهذيب الْآثَار إِلَّا أَن إِيرَاده للْمَوْقُوف فِيهِ إِنَّمَا كَانَ بطرِيق التّبعِيَّة

فائدة

والمقطوع مَا جَاءَ عَن التَّابِعين مَوْقُوفا عَلَيْهِم من أَقْوَالهم أَو أفعالهم أَو تقريرهم وَقد اسْتعْمل الإِمَام الشَّافِعِي ثمَّ الطَّبَرَانِيّ الْمَقْطُوع فِي الْمُنْقَطع الَّذِي لم يتَّصل إِسْنَاده وَوَقع فِي كَلَام الْحميدِي وَالدَّارَقُطْنِيّ إِلَّا أَن الشَّافِعِي اسْتعْمل ذَلِك قبل اسْتِقْرَار الِاصْطِلَاح كَمَا اسْتعْمل الْحسن فِي بعض الْأَحَادِيث وَهِي على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَوَقع لِلْحَافِظِ أبي بكر أَحْمد البردعي عكس هَذَا فَاسْتعْمل الْمُنْقَطع فِي الْمَقْطُوع حَيْثُ قَالَ الْمُنْقَطع هُوَ قَول التَّابِعِيّ وَحكى الْخَطِيب عَن بعض أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن الْمُنْقَطع مَا رُوِيَ عَن التَّابِعِيّ أَو من دونه مَوْقُوفا عَلَيْهِ من قَوْله أَو فعله قَالَ ابْن الصّلاح وَهُوَ بعيد غَرِيب فَائِدَة قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ جمع أَبُو حَفْص ابْن بدر الْموصِلِي كتابا سَمَّاهُ معرفَة الْوُقُوف على الْمَوْقُوف أورد فِيهِ مَا أوردهُ أَصْحَاب الموضوعات فِي مؤلفاتهم فِيهَا وَهُوَ صَحِيح عَن غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا عَن صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ فَمن بعده وَقَالَ إِن إِيرَاده فِي الموضوعات غلط فَبين الْمَوْضُوع وَالْمَوْقُوف فرق وَمن مظان الْمَوْقُوف والمقطوع مُصَنف ابْن أبي شيبَة وَعبد الرَّزَّاق وَتَفْسِير ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَغَيرهم اهـ ولنشرع فِي بَيَان أَقسَام الحَدِيث فَنَقُول قلا الإِمَام أَبُو سُلَيْمَان أَحْمد الْخطابِيّ الحَدِيث عِنْد أَهله ثَلَاثَة أَقسَام صَحِيح وَحسن وَسَقِيم

فَالصَّحِيح مَا اتَّصل سَنَده وَعدلت نقلته وَالْحسن مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله وَعَلِيهِ مدرا أَكثر الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء وتستعمله عَامَّة الْفُقَهَاء والسقيم على ثَلَاث طَبَقَات شَرها الْمَوْضُوع ثمَّ المقلوب ثمَّ الْمَجْهُول قَالَ الْعِرَاقِيّ فِي نكته لم أر من سبق الْخطابِيّ إِلَى تقسيمه الْمَذْكُور وَإِن كَانَ فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين ذكر الْحسن هُوَ مَوْجُود فِي كَلَام الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ وَجَمَاعَة وَلَكِن الْخطابِيّ نقل التَّقْسِيم عَن أهل الحَدِيث وَهُوَ إِمَام ثِقَة فَتَبِعَهُ ابْن الصّلاح وَأَرَادَ الْخطابِيّ بِأَهْل الحَدِيث فِي قَوْله الحَدِيث عِنْد أَهله ثَلَاثَة أَقسَام أَكْثَرهم وَيُمكن إبقاؤه على عُمُومه نظرا لاستقرار اتِّفَاقهم على ذَلِك بعد الِاخْتِلَاف وَقد اعْترض بَعضهم على هَذَا التَّقْسِيم بِأَنا إِن نَظرنَا إِلَى نفس الْأَمر فَمَا ثمَّ إِلَّا صَحِيح وَغير صَحِيح وَإِن نَظرنَا إِلَى اصْطِلَاح الْمُحدثين فَهُوَ يَنْقَسِم عِنْدهم إِلَى أَكثر من ذَلِك وَأَجَابُوا بِأَن هَذَا التَّقْسِيم مَبْنِيّ عل اصْطِلَاح الْمُحدثين والأقسام الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا رَاجِعَة إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة وَأما المتقدمون فقد كَانَ أَكْثَرهم يقسم الحَدِيث إِلَى قسمَيْنِ فَقَط صَحِيح وَضَعِيف وَأما الْحسن فَذكر بعض الْعلمَاء أَنهم كَانُوا يدرجونه فِي الصَّحِيح لمشاركته لَهُ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَذكر الْعَلامَة ابْن تَيْمِية أَنهم كَانُوا يدرجونه فِي الضَّعِيف قَالَ فِي منهاج السّنة النَّبَوِيَّة أما نَحن فقولنا إِن الحَدِيث الضَّعِيف خير من الرَّأْي لَيْسَ المُرَاد بِهِ الضَّعِيف الْمَتْرُوك لَكِن المُرَاد بِهِ الْحسن كَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَحَدِيث إِبْرَاهِيم الهجري وأمثالهما مِمَّن يحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه أَو يُصَحِّحهُ

وَكَانَ الحَدِيث فِي اصْطِلَاح من قبل التِّرْمِذِيّ إِمَّا صَحِيح وَإِمَّا ضَعِيف والضعيف نَوْعَانِ ضَعِيف مَتْرُوك وَضَعِيف لَيْسَ بمتروك فَتكلم أَئِمَّة الحَدِيث بلك الِاصْطِلَاح فجَاء من لَا يعرف لَا اصْطِلَاح التِّرْمِذِيّ فَسمع بعض قَول الْأَئِمَّة الحَدِيث الضَّعِيف أحب إِلَيّ من الْقيَاس فَظن أَنه يحْتَج بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُضعفهُ مثل التِّرْمِذِيّ وَأخذ يرجح طَرِيقه من يرى أَنه اتبع للْحَدِيث الصَّحِيح وَهُوَ فِي ذَلِك من المتناقضين الَّذين يرجحون الشَّيْء على مَا هُوَ أولى بالرجحان هَذَا وَقد رَأينَا أَن نورد كل قسم من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة فِي مَبْحَث وَجل مَا نذكرهُ فِي الْغَالِب مَأْخُوذ من كَلَام مهذب هَذَا الْفَنّ الْحَافِظ عُثْمَان بن الصّلاح أَو كَلَام من اقتفى أَثَره من بعده من المختصرين لكَلَامه أَو المستدركين عَلَيْهِ مَعَ التَّصَرُّف فِي بعض الْمَوَاضِع إِن دعت الْحَال إِلَيْهِ

المبحث الأول

المبحث الأول فِي الحَدِيث الصَّحِيح الحَدِيث الصَّحِيح هُوَ الحَدِيث الَّذِي يكون مُتَّصِل الْإِسْنَاد من أَوله إِلَى منتهاه بِنَقْل الْعدْل الضَّابِط عَن مثله وَلَا يكون فِيهِ شذوذ وَلَا عِلّة فَخرج بقَوْلهمْ الَّذِي يكون مُتَّصِل الْإِسْنَاد مَا لم يتَّصل إِسْنَاده وَهُوَ الْمُنْقَطع والمرسل والمعضل وبقولهم بِنَقْل الْعدْل مَا فِي سَنَده من لم تعرف عَدَالَته وَهُوَ من عرف بِعَدَمِ الْعَدَالَة أَو من جهلت حَاله أَو لم يعرف من هُوَ وبالضابط غير الضَّابِط وَهُوَ كثير الْخَطَأ فَإِن مَا يرويهِ لَا يدْخل فِي حد الصَّحِيح وَإِن عرف هُوَ بِالصّدقِ وَالْعَدَالَة وبقولهم وَلَا يكون فِيهِ شذوذ مَا يكون فِيهِ شذوذ والشذوذ مُخَالفَة الثِّقَة فِي رِوَايَته من هُوَ أرجح مِنْهُ عِنْد تعسر الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ وبقولهم وَلَا عِلّة مَا يكون فِيهِ عِلّة وَالْمرَاد بِالْعِلَّةِ هُنَا أَمر يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث وَلما كَانَ من الْعِلَل مَا لَا يقْدَح فِي ذَلِك قيد بَعضهم الْعلَّة بالقادحة فَقَالَ وَلَا عِلّة قادحة وَمن أطلق الْعبارَة اكْتفى بِدلَالَة الْحَال على ذَلِك وَلكُل وجهة وَقد زَاد بَعضهم فِي تَقْيِيد العل فَقَالَ وَلَا عِلّة خُفْيَة قادحة وَالْأولَى ترك هَذِه الزِّيَادَة لِأَنَّهَا توهم أَن الْعلَّة الظَّاهِرَة لَا تُؤثر مَعَ أَنَّهَا أولى بالتأثير من الْعلَّة الْخفية وَالْعلَّة الظَّاهِرَة مثل ضعف الرَّاوِي أَو عدم اتِّصَال السَّنَد وَقد اعتذر بَعضهم عَن ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا قيد الْعلَّة بالخفية لِأَن الظَّاهِرَة قد وَقع الِاحْتِرَاز عَنْهَا فِي أول التَّعْرِيف وَهُوَ مِمَّا لَا يجدي نفعا وَاخْتصرَ بَعضهم هَذَا التَّعْرِيف فَقَالَ الحَدِيث الصَّحِيح مَا اتَّصل سَنَده

بِنَقْل عدل ضَابِط عَن مثله وَسلم من شذوذ وَعلة فأورد عَلَيْهِ بِأَن الِاخْتِصَار يَقْتَضِي أَن يُقَال بِنَقْل ثِقَة عَن مثله فَإِن الثِّقَة هُوَ الْجَامِع بَين وصف الْعَدَالَة والضبط وَأجِيب عَن ذَلِك بِأَن الثِّقَة قد يُطلق على من كَانَ مَقْبُولًا وَإِن لم يكن تَامّ الضَّبْط وَالْمُعْتَبر فِي حد الصَّحِيح إِنَّمَا هُوَ تَامّ الضَّبْط وَلذَا فسروا الضَّابِط فِي تَعْرِيفه بتام الضَّبْط وَمَا ذكر هُوَ حد الحَدِيث الَّذِي يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ أهل الحَدِيث بِلَا خلاف بَينهم وَأما اخْتلَافهمْ فِي صِحَة بعض الْأَحَادِيث فَهُوَ إِمَّا لاختلافهم فِي وجود هَذِه الْأَوْصَاف فِيهِ وَإِمَّا لاختلافهم فِي اشْتِرَاط هَذِه الوصاف كَمَا فِي الْمُرْسل وَإِنَّمَا قيد نفي الْخلاف بِأَهْل الحَدِيث لِأَنَّهُ قد نقل عَن أنَاس من غَيرهم أَنهم لم يكتفوا بِمَا ذكر فِي صِحَة الحَدِيث 3 فقد نقل عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن علية أَنه جعل الرِّوَايَة مثل الشَّهَادَة فَلم يقبل مَا ينْفَرد بِهِ الرَّاوِي الْعدْل الضَّابِط وَشرط فِي قبُول الحَدِيث أَن يرويهِ اثْنَان عَن اثْنَيْنِ وَهُوَ من الْفُقَهَاء الْمُحدثين إِلَّا أَنه غير مَقْبُول القَوْل عِنْد الْأَئِمَّة لميله إِلَى الاعتزال وَقد كَانَ الشَّافِعِي يرد عَلَيْهِ ويحذر مِنْهُ وَنقل عَن أبي عَليّ الجبائي من الْمُعْتَزلَة انه قَالَ لَا يقبل الْخَبَر إِذا رَوَاهُ الْعدْل إِلَى إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ خبر عدل آخر أَو عضده مُوَافقَة ظَاهر الْكتاب اَوْ ظَاهر خبر آخر أَو يكون منتشرا بَين الصَّحَابَة أَو عمل بِهِ بَعضهم كى ذَلِك أَبُو الْحُسَيْن البوصيري فِي الْمُعْتَمد قَالَ الْغَزالِيّ إِن رِوَايَة الْوَاحِد تقبل وَإِن لم تقبل شَهَادَته خلافًا للجبائي وَجَمَاعَة حَيْثُ شرطُوا الْعدَد وَلم يقبلُوا إِلَّا قَول رجلَيْنِ ثمَّ لَا تثبت رِوَايَة كل وَاحِد

إِلَّا من رجلَيْنِ آخَرين وَإِلَى مَا يَنْتَهِي إِلَى زَمَاننَا يكثر كَثْرَة عَظِيمَة لَا يقدر مَعهَا على إِثْبَات حَدِيث أصلا وَقَالَ الْفَخر الرَّازِيّ رِوَايَة الْعدْل الْوَاحِد مَقْبُولَة خلافًا للجبائي فَإِنَّهُ قَالَ رِوَايَة العدلين مَقْبُولَة وَأما خبر الْعدْل الْوَاحِد فَلَا يكون مَقْبُولًا إِلَّا إِذا عضده ظَاهر أَو عمل بعض أَصْحَابه أَو اجْتِهَاد أَو يكون منتشرا فيهم وَقد نقل عَن بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَيْضا أَنهم اشترطوا التَّعَدُّد فِي الرَّاوِي وَكَأن النَّاقِل أَخذ ذَلِك من كَلَام الْحَاكِم فقد قَالَ فِي كتاب عُلُوم الحَدِيث وصف الحَدِيث الصَّحِيح أَن يرويهِ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور بالرواية عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله راويان ثقتان ثمَّ يرويهِ من أَتبَاع التَّابِعين الْحَافِظ المتقن الْمَشْهُور بالرواية وَله رُوَاة ثِقَات وَقَالَ فِي كتاب الْمدْخل إِلَى كتاب الإكليل الصَّحِيح من الحَدِيث عشرَة أَقسَام خَمْسَة مُتَّفق عَلَيْهَا وَخَمْسَة مُخْتَلف عَلَيْهَا فَالْأول من الْمُتَّفق عَلَيْهِ اخْتِيَار البُخَارِيّ وَمُسلم وَهُوَ الدرجَة الأولى من الصَّحِيح وَهُوَ أَن لَا يذكر إِلَّا مَا رَوَاهُ صَحَابِيّ مَشْهُور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ راويان ثقتان فَأكْثر يم يرويهِ عَنهُ تَابِعِيّ مَشْهُور بالرواية عَن الصَّحَابَة لَهُ أَيْضا راويان ثقتان فَأكْثر ثمَّ يرويهِ عَنهُ من اتِّبَاع الأتباع الْحَافِظ المتقن الْمَشْهُور على ذَلِك الشَّرْط ثمَّ كَذَلِك قَالَ الْحَاكِم وَالْأَحَادِيث المروية بِهَذِهِ الشريطة لَا يبلغ عَددهَا عشرَة آلَاف حَدِيث الْقسم الثَّانِي مثل الأول إِلَّا أَن رُوَاته من الصَّحَابَة لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد الْقسم الثَّالِث مثل الأول إِلَّا أَن رُوَاته من التَّابِعين لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد الْقسم الرَّابِع الْأَحَادِيث الْأَفْرَاد الغرائب الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَات الْعُدُول

الْقسم الْخَامِس أَحَادِيث جمَاعَة من الْأَئِمَّة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم وَلم تتواتر الرِّوَايَة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم بهَا إِلَّا عَنْهُم كصحيفة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وبهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده وَإيَاس بن مُعَاوِيَة عَن أَبِيه عَن جده وأجدادهم صحابة وأحفادهم ثِقَات قَالَ الْحَاكِم فَهَذِهِ الْأَقْسَام الْخَمْسَة مخرجة فِي كتب الْأَئِمَّة فيحتج بهَا وَإِن لم يخرج مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث يَعْنِي غير الْقسم الول قَالَ والخمسة الْمُخْتَلف فِيهَا الْمُرْسل وَأَحَادِيث المدلسين إِذْ لم يذكرُوا سماعهم وَمَا أسْندهُ ثِقَة وأرسله جمَاعَة من الثِّقَات وَرِوَايَات الثِّقَات غير الْحفاظ العارفين وَرِوَايَات المبتدعة إِذا كَانُوا صَادِقين انْتهى كَلَام الْحَاكِم فقد جعل مَا ذكره فِي عُلُوم الحَدِيث شرطا للصحيح مُطلقًا وَجعل ذَلِك فِي الْمدْخل شرطا للصحيح عِنْد الشَّيْخَيْنِ وَقد نقض عَلَيْهِ الْحَازِمِي مَا ادّعى من أَنه شَرط الشَّيْخَيْنِ بِمَا فِي الصَّحِيح من الغرائب الَّتِي تفرد بهَا بعض الروَاة وَأجِيب بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَن كل راو فِي الْكِتَابَيْنِ يشْتَرط أَن يكون لَهُ راويان لَا أَنه يشْتَرط أَن يتَّفقَا فِي رِوَايَة ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه وَقَالَ أَبُو عَليّ الغساني وَنَقله عَنهُ القَاضِي عِيَاض لَيْسَ المُرَاد أَن يكون كل خبر روياه يجْتَمع فِيهِ راويان عَن صحابيه ثمَّ عَن تابعيه فَمن بعده فغن ذَلِك يعز وجوده وَإِنَّمَا المُرَاد أَن هَذَا الصَّحَابِيّ وَهَذَا التَّابِعِيّ قد روى عَنهُ رجلَانِ خرج بهما عَن حد الْجَهَالَة قَالَ أَبُو عبد الله بن الْمواق مت حمل الغساني عَلَيْهِ كَلَام الْحَاكِم وَتَبعهُ عَلَيْهِ عِيَاض وَغَيره لَيْسَ بالبين وَلَا أعلم أحدا روى عَنْهُمَا انهما صرحا بذلك وَلَا وجود لَهُ فِي كِتَابَيْهِمَا وَلَا خَارِجا عَنْهُمَا

فَإِن كَانَ قَائِل ذَلِك عرفه من مَذْهَبهمَا بالتصفح لتصرفهما فِي كِتَابَيْهِمَا فَلم يصب لِأَن الْأَمريْنِ مَعًا فِي كِتَابَيْهِمَا وَإِن كَانَ أَخذه من كَون ذَلِك أكثريا فِي كِتَابَيْهِمَا فَلَا دَلِيل فِيهِ على كَونهمَا اشترطاه وَلَعَلَّ وجود ذَلِك أكثريا إِنَّمَا هُوَ لن من روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد أَكثر مِمَّن لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد فِي الروَاة مُطلقًا لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من خرج لَهُم فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ من الْإِنْصَاف إلزامهما هَذَا الشَّرْط من غير أَن يثبت عَنْهُمَا ذَلِك مَعَ وجود إخلالهما بِهِ أَنَّهُمَا إِذا صَحَّ عَنْهُمَا اشْتِرَاط ذَلِك كَانَ فِي إخلالهما بِهِ دَرك عَلَيْهِمَا وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ فِي شرح الْمُوَطَّأ كَانَ مَذْهَب الشَّيْخَيْنِ أَن الحَدِيث لَا يثبت حَتَّى يرويهِ اثْنَان وَهُوَ مَذْهَب بَاطِل بل رِوَايَة الْوَاحِد عَن الْوَاحِد صَحِيحه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ فِي شرح البُخَارِيّ عِنْد حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ انْفَرد بِهِ عمر وَقد جَاءَ من طَرِيق أبي سعيد رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد ضَعِيف قَالَ وَحَدِيث عمر وَإِن كَانَت طَريقَة وَاحِدَة فَإِنَّمَا بنى البُخَارِيّ كِتَابه على حَدِيث يرويهِ أَكثر من وَاحِد فَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ من ذَلِك الْفَنّ لِأَن عمر قَالَه على الْمِنْبَر بِمحضر الْأَعْيَان من الصَّحَابَة فَصَارَ كالمجمع عَلَيْهِ فَكَأَن عمر ذكرهم لَا أخْبرهُم ال ابْن رشيد الْعجب مِنْهُ كَيفَ يَدعِي عَلَيْهِمَا ذَلِك ثمَّ يزْعم انه مَذْهَب بَاطِل فليت شعري من اعلمه بِأَنَّهُمَا اشْترطَا ذَلِك إِن كَانَ مَنْقُولًا فليبين طَريقَة لنَنْظُر فِيهَا وغن كَانَ عرفه بالاستقراء فقد وهم فِي ذَلِك وَلَقَد كَانَ يَكْفِيهِ فِي فِي ذَلِك أول حَدِيث فِي البُخَارِيّ

وَمَا اعتذر بِهِ عَنهُ فِيهِ تَقْصِير لِأَن عمر لم ينْفَرد بِهِ وَحده بل انْفَرد بِهِ عَلْقَمَة عَنهُ وَانْفَرَدَ بِهِ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة وَانْفَرَدَ بِهِ يحيى بن سعيد بن مُحَمَّد وَعَن يحيى تعدّدت رُوَاته وَأَيْضًا فكون عمر قَالَه على الْمِنْبَر لَا يسْتَلْزم أَن يكون كرّ السامعين بِمَا عِنْدهم بل هُوَ مُحْتَمل للأمرين وَإِنَّمَا لم ينكروه أَنه عِنْدهم ثِقَة فَلَو حَدثهمْ بِمَا لم يسمعوه قطّ لم ينكروا عَلَيْهِ وَقد ادّعى الْحَافِظ ابْن حبَان أَن رُوَاته اثْنَيْنِ عَن اثْنَيْنِ إِلَى ان يَنْتَهِي السَّنَد لَا تُوجد أصلا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين إِن أَرَادَ أَو رِوَايَة اثْنَيْنِ فَقَط عَن اثْنَيْنِ فَقَط لَا تُوجد أصلا فَيمكن أَن يسلم وَأما صُورَة الْعَزِيز فموجودة والعزيز عِنْدهم هُوَ الَّذِي يكون فِي طبقَة من طبقاته اثْنَان من الروَاة فَقَط وَتَكون الروَاة فِي سَائِر طبقاته لَيست أقل من اثْنَيْنِ فَيشْمَل مَا كَانَ فِي سَائِر طبقاته اثْنَان أَو أَكثر وَالَّذِي أنكرهُ ابْن حبَان هُوَ رِوَايَة اثْنَيْنِ عَن اثْنَيْنِ إِلَى أَن يَنْتَهِي السَّنَد فإنكاره ذَلِك لَا يسْتَلْزم إِنْكَار الحَدِيث الْعَزِيز الَّذِي قَرَّرَهُ المحدثون وَإِنَّمَا أنكر نوعا مِنْهُ وَعبارَته لَا تحْتَمل غير ذَلِك وَهَا هُنَا أَمر يَنْبَغِي الانتباه لَهُ وَهُوَ أَن ظَاهر عبارَة ابْن الْعَرَبِيّ تشعر بِأَن الشَّيْخَيْنِ يشترطان التَّعَدُّد حَتَّى فِي الصَّحَابَة وَظَاهر عبارَة الْحَاكِم تشعر بِخِلَاف ذَلِك وَالْمَشْهُور عِنْد الْمُحدثين أَنهم لم يشترطوا فِي الْمَشْهُور فضلا على الْعَزِيز التَّعَدُّد فِي الصَّحَابَة نعم قد اشْترط ذَلِك أَبُو عَليّ الجبائي وَمن نحا نَحوه وَقد توهم بَعضهم أَن الْحَاكِم قد نحا فِي كِتَابه عُلُوم الحَدِيث منحى أبي عَليّ على أَن كثيرا من الْعلمَاء قَالَ إِن عِبَارَته الْمَذْكُورَة لَا تدل على أَن الحَدِيث الْمَرْوِيّ يجب أَن يجْتَمع فِي راويان عَن الصَّحَابِيّ الَّذِي رَوَاهُ ثمَّ عَن تابعيه فمنة بعده وَإِنَّمَا تدل على ان كلا من الصَّحَابِيّ والتابعي وَمن بعده قد روى عَنهُ رجلَانِ

خرج بهما عَن حد الْجَهَالَة ليعلم أَن الحَدِيث قد رَوَاهُ الْمَشْهُورين بالرواية وَأغْرب مِمَّا قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ وَإِن كَانَ لَا يستغرب مِنْهُ ذَلِك لجريه على عَادَته فِي عدم التثبت وإقدامه على مَا لَا قدم لَهُ فِيهِ وتهويله على مخالفيه قَول أبي حَفْص عمر الميانجي فِي كتاب مَا لَا يسع الْمُحدث جهلة شَرط الشَّيْخَيْنِ فِي صَحِيحهمَا أَن لَا يدخلا فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدهمَا وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان فَصَاعِدا وَمَا نَقله عَن كل وَاحِد من الصَّحَابَة أَرْبَعَة من التَّابِعين فَأكْثر وان يكون عَن كل وَاحِد من التَّابِعين أَكثر من أَرْبَعَة هَذَا وَقد اعْترض بعض الْمُحَقِّقين من أهل الْأَثر على مَا ذكره الْحَاكِم فِي الْمدْخل من أَن الشَّيْخَيْنِ إِنَّمَا خرجا من الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْمُتَّفق عَلَيْهَا عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث الْقسم الأول الَّذِي هُوَ الدرجَة الأولى من الصَّحِيح وَأما الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة فَإِنَّهُمَا لم يخرجَا مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثا فَإِن الْبَحْث والتتبع أدياه إِلَى أَن فيهمَا شَيْئا من كل وَاحِد مِنْهَا أما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ مَا لَيْسَ لراويه من الصَّحَابَة غير راو وَاحِد مثل حَدِيث عُرْوَة بن مُضرس الَّذِي لَيْسَ لَهُ غير الشّعبِيّ ففيهما مِنْهُ جملَة من الْأَحَادِيث وَأما الْقسم الثَّالِث وَهُوَ مَا لَيْسَ لراويه من التَّابِعين إِلَّا راو وَاحِد مثل مُحَمَّد بن جُبَير وَعبد الرَّحْمَن بن فروخ ففيهما قَلِيل من ذَلِك كَعبد الله بن وَدِيعَة وَعمر بن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم وَأما الْقسم الرَّابِع وَهُوَ الْأَحَادِيث الْأَفْرَاد الغرائب الَّتِي ينْفَرد بهَا ثِقَة من الثِّقَات ففيهما كثير مِنْهُ لَعَلَّه يزِيد على مئتي حَدِيث وَقد أفردها الْحَافِظ ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي وَهِي الْمَعْرُوفَة بِغَرَائِب الصَّحِيح وَأما الْقسم الْخَامِس وَهُوَ أَحَادِيث جمَاعَة من الْأَئِمَّة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم وَلم تتواتر الرِّوَايَة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم بهَا إِلَّا عَنْهُم كعمرو بن

شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وبهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده وَإيَاس بن مُعَاوِيَة بن مرّة عَن أَبِيه عَن جده وأجدادهم صحابة وأحفادهم ثِقَات فَلَيْسَ الْمَانِع من إخراجهما هَذَا الْقسم فِي صَحِيحهمَا كَون الرِّوَايَة وَقعت عَن الْأَب عَن الْجد بل لكَون الرَّاوِي أَو أَبِيه لَيْسَ على شَرطهمَا وَإِلَّا ففيهما أَو فِي أَحدهمَا من ذَلِك رِوَايَة عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده وَرِوَايَة مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عَن جده وَرِوَايَة أبي بن عَبَّاس بن سهل عَن أَبِيه عَن جده وَرِوَايَة الْحسن وَعبد الله ابْني مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب عَن أَبِيهِمَا عَن جدهما وَغير ذَلِك وَأما الْخَمْسَة الْمُخْتَلف فِيهَا فيظن فِي بادئ الرَّأْي أَنه لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْهَا شَيْء وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك أما الْقسم الأول مِنْهَا وَهُوَ مُرْسل وَالْقسم الثَّانِي وَهُوَ أَحَادِيث المدلسين إِذا لم يذكرُوا سماعهم فَلَيْسَ فيهمَا من ذَلِك شَيْء وَأما الْقسم الثَّالِث وَهُوَ مَا أسْندهُ ثِقَة وأرسله جمَاعَة من الثِّقَات فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عدَّة أَحَادِيث اخْتلف فِي وَصلهَا وإرسالها وَأما الْقسم الرَّابِع وَهُوَ رِوَايَات الثِّقَات غير الْحفاظ العارفين فَهُوَ مُتَّفق على قبُوله والاحتجاج بِهِ إِذا وجدت شَرَائِط الْقبُول وَلَيْسَ هُوَ من قبيل الْمُخْتَلف فِيهِ وَلَا يبلغ الْحفاظ العارفون نصف رُوَاة الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ يشْتَرط فِي الرَّاوِي أَن يكون حَافِظًا وَأما الْقسم الْخَامِس وَهُوَ رِوَايَات المبتدعة إِذا كَانُوا صَادِقين فَهُوَ كَمَا ذكر من الِاخْتِلَاف فِيهِ وَقد وَقعت فيهمَا أَحَادِيث عَن جمَاعَة من المبتدعة عرف صدقهم واشتهرت معرفتهم بِالْحَدِيثِ فَلم يطرحوه للبدعة وَمن الْأَقْسَام الْمُخْتَلف فِيهَا رِوَايَة الْمَجْهُول فقد قبلهَا قوم وردهَا آخَرُونَ وَقد بَقِي للصحيح شُرُوط قد اخْتلف فِيهَا فَمِنْهَا مَا ذكره الْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث من كَون الرَّاوِي مَشْهُورا بِالطَّلَبِ

وَلَيْسَ مُرَاده الشُّهْرَة المخرجة عَن الْجَهَالَة بل قدر زَائِد على ذَلِك قَالَ عبد الرَّحْمَن بن عون لَا يُؤْخَذ الْعلم إِلَّا عَمَّن شهد لَهُ بِالطَّلَبِ وَعَن مَالك نَحوه وَفِي مُقَدّمَة صَحِيح مُسلم عَن أبي الزِّنَاد قَالَ أدْركْت بِالْمَدِينَةِ مئة كلهم مَأْمُون مَا يُؤْخَذ عَنْهُم الحَدِيث يُقَال لَيْسَ من أَهله قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَالظَّاهِر من تصرف صَاحِبي الصَّحِيح اعْتِبَار ذَلِك إِلَّا إِذا كثرت مخارج الحَدِيث فيستغنيان عَن اعْتِبَار ذَلِك كَمَا يسْتَغْنى بِكَثْرَة الطّرق عَن اعْتِبَار الضَّبْط التَّام قَالَ وَيُمكن أَن يُقَال إِن اشْتِرَاط الضَّبْط يُغني عَن ذَلِك إِذْ الْمَقْصُود بالشهرة بِالطَّلَبِ أَن يكون لَهُ مزِيد اعتناء بالرواية لتركن النَّفس إِلَى كَونه ضبط مَا روى وَمِنْهَا ثُبُوت التلاقي بَين كل راو وَمن روى عَنهُ وَعدم الِاكْتِفَاء بالمعاصرة وَإِمْكَان التلاقي بَينهمَا وَقد اشْترط ذَلِك البُخَارِيّ قيل إِنَّه لم يذهب أحد إِلَى أَن هَذَا شَرط لكَون الحَدِيث صَحِيحا بل لكَونه أصح وَقد أنكر هَذَا الشَّرْط مُسلم فِي صَحِيحه وشنع على قَائِله قَالَ الْعَلامَة محيي الدّين يحيى النَّوَوِيّ فِي شَرحه إِن مُسلما ادّعى إِجْمَاع الْعلمَاء قَدِيما وحديثا على ان المعنعن وَهُوَ الَّذِي فِيهِ فلَان مَحْمُول على الِاتِّصَال وَالسَّمَاع إِذا أمكن لِقَاء من أضيفت العنعنة إِلَيْهِم بَعضهم بَعْضًا يَعْنِي مَعَ براءتهم مَعَ التَّدْلِيس وَنقل مُسلم عَن بعض أهل عصره انه قَالَ لَا تقوم الْحجَّة بهَا وَلَا تحمل على الِاتِّصَال حَتَّى يثبت انهما التقيا فِي عمرهما مرّة فَأكْثر وَلَا يَكْفِي إِمْكَان تلاقيهما قَالَ مُسلم وَهَذَا قَول سَاقِط مخترع مستحدث لم يسْبق قَائِله إِلَيْهِ وَلَا مساعد لَهُ من أهل الْعلم عَلَيْهِ وَإِن القَوْل بِهِ بِدعَة بَاطِلَة وَأَطْنَبَ فِي التشنيع على قَائِله

وَاحْتج مُسلم رَحمَه الله بِكَلَام مختصرة أَن المعنعن عِنْد أهل الْعلم مَحْمُول على الِاتِّصَال إِذا ثَبت التلاقي مَعَ احْتِمَال الْإِرْسَال وَكَذَا إِذا أمكن التلاقي وَهَذَا الَّذِي صَار إِلَيْهِ مُسلم قد أنكرهُ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا الَّذِي صَار إِلَيْهِ ضَعِيف وَالَّذِي رده هُوَ الْمُخْتَار الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا وَقد زَاد جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين على هَذَا فَاشْترط الْقَابِسِيّ أَن يكون قد أدْركهُ إدراكا وَزَاد أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي فَاشْترط طول الصُّحْبَة بَينهمَا وَزَاد أَبُو عَمْرو الداني الْمُقْرِئ فَاشْترط مَعْرفَته بالرواية عَنهُ وَدَلِيل هَذَا الْمَذْهَب الْمُخْتَار الَّذِي ذهب إِلَيْهِ ابْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وموافقوهما أَن المعنعن عِنْد ثُبُوت التلاقي إِنَّمَا حمل على الِاتِّصَال لِأَن الظَّاهِر مِمَّن لَيْسَ بمدلس أَنه لَا يُطلق ذَلِك إِلَّا على السماع ثمَّ الاستقراء يدل عَلَيْهِ فَإِن عَادَتهم انهم لَا يطلقون ذَلِك إِلَّا فِيمَا سَمِعُوهُ إِلَّا المدلس وَلِهَذَا رددنا رِوَايَة المدلس فَإِذا ثَبت التلاقي غلب على الظَّن الِاتِّصَال وَالْبَاب مَبْنِيّ على غَلَبَة الظَّن فاكتفينا بِهِ وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنى مَوْجُودا فِيمَا إِذا أمكن التلاقي وَلم يثبت فَإِنَّهُ لَا يغلب على الظَّن الِاتِّصَال فَلَا يجوز الْحمل على الِاتِّصَال وَيصير كالمجهول فَإِن رِوَايَته مَرْدُودَة لَا للْقطع بكذبه أَو ضعفه بل للشَّكّ فِي حَاله وَالله اعْلَم هَذَا حكم المعنعن من غير المدلس وَأما المدلس فَتقدم بَيَان حكمه فِي الْفُصُول السَّابِقَة وَهَذَا كُله تَفْرِيع على الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي ذهب إِلَيْهِ السّلف وَالْخلف من أَصْحَاب الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول أَن المعنعن مَحْمُول على الِاتِّصَال بِشَرْطِهِ الَّذِي قدمْنَاهُ على الِاخْتِلَاف فِيهِ

وَذهب بعض أهل الْعلم إِلَى أَنه لَا يحْتَج بالمعنعن مُطلقًا لاحْتِمَال الِانْقِطَاع وَهَذَا الْمَذْهَب مَرْدُود بِإِجْمَاع السّلف ودليلهم مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ من حُصُول غَلَبَة الظَّن مَعَ الاستقراء وَالله اعْلَم هَذَا حكم المعنعن أما إِذا قَالَ حَدثنِي فلَان أَن فلَانا قَالَ كَقَوْلِه حَدثنِي الزُّهْرِيّ أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كَذَا أَو حدث بِكَذَا أَو نَحوه فالجمهور على أَن كعن فَيحمل على الِاتِّصَال بِالشّرطِ الْمُتَقَدّم وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَيَعْقُوب بن شيبَة وَأَبُو بكر البرديجي لَا تحمل أَن على الِاتِّصَال وَإِن كَانَت عَن للاتصال وَالصَّحِيح الول وَكَذَا قَالَ وَحدث وَذكر وَشبههَا فكله مَحْمُول على الِاتِّصَال وَالسَّمَاع اهـ وَمِنْهَا مَا ذكره السَّمْعَانِيّ فِي القواطع وَهُوَ أَن الصَّحِيح لَا يعرف بِرِوَايَة الثِّقَات فَقَط وَغنما يعرف بالفهم والمعرفة وَكثر السماع والمذاكرة قَالَ بَعضهم إِن هَذَا دَاخل فِي اشْتِرَاط كَونه غير مَعْلُول لِأَن الِاطِّلَاع على ذَلِك إِنَّمَا يحصل بِمَا ذكر من الْفَهم والمعرفة وغرهما وَاعْلَم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة هِيَ من أهم مسَائِل هَذَا الْفَنّ الْجَلِيل الشَّأْن والناظرون فِي هَذَا الْموضع قد انقسموا إِلَى ثَلَاث فرق الْفرْقَة الأولى فرقة جعلت جلّ همها النّظر فِي الْإِسْنَاد فَإِذا وجدته مُتَّصِلا لَيْسَ فِي اتِّصَاله شُبْهَة وَوجدت رِجَاله مِمَّن يوثق بهم حكمت بِصِحَّة الحَدِيث قبل إمعان النّظر فِيهِ حَتَّى إِن بَعضهم يحكم بِصِحَّتِهِ وَلَو خَالف حَدِيثا آخر رُوَاته أرجح وَيَقُول كل ذَلِك صَحِيح وَرُبمَا قَالَ هَذَا صَحِيح وَهَذَا أصح وَكَثِيرًا مَا يكون الْجمع بَينهمَا غير مُمكن وَإِذا توقف توقف فِي ذَلِك نِسْبَة إِلَى خالفة السّنَن وَرُبمَا سعى فِي إِيقَاعه فِي محنة من المحن مَعَ أَن جهابذة هَذَا الْفَنّ قد حكمُوا بَان صِحَة الْإِسْنَاد لَا تَقْتَضِي صِحَة الْمَتْن وَلذَلِك لَا يسوغ لمن رأى حَدِيثا لَهُ إِسْنَاد صَحِيح أَن يحكم

بِصِحَّتِهِ إِلَّا أَن يكون من أهل هَذَا الشَّأْن لاحْتِمَال أَن تكون لَهُ عِلّة قادحة قد خفيت عَلَيْهِ وَقد وصل الغلو بفريق مِنْهُم إِلَى أَن ألزموا النَّاس بِالْأَخْذِ بالأحاديث الضعيفة الْوَاهِيَة فأوقعوا النَّاس فِي داهية وَمَا أَدْرَاك ماهيه وَهَذِه الْفرْقَة هم الغلاة فِي الْإِثْبَات وَأَكْثَرهم من أهل الْأَثر الَّذين لَيْسَ بهم فِيهِ فضلا عَن غَيره دقة نظر وَقد أَشَارَ مُسلم إِلَى نَاس مِنْهُم يعتدون بِرِوَايَة الْأَحَادِيث الضِّعَاف مَعَ معرفتهم بِحَالِهَا ووصفهم بِمَا هم جديرون بِهِ قَالَ فِي مُقَدّمَة كِتَابه الْمَشْهُور وَأَشْبَاه مَا ذكرنَا من كَلَام أهل الْعلم فِي متهمي رُوَاة الحَدِيث وإخبارهم عَن معايبهم كثير يطول الْكتاب بِذكرِهِ على اسْتِقْصَائِهِ وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة لمن تفهم عقل مَذْهَب الْقَوْم فِيمَا قَالُوا من ذَلِك وبينوا وَإِنَّمَا ألزموا أنفسهم الْكَشْف عَن معايب رُوَاة الحَدِيث وناقلي الْأَخْبَار وأفتوا بذلك حِين سئلوا لما فِيهِ من عَظِيم الْخطر إِذْ الْأَخْبَار فِي أَمر الدّين غنما تَأتي بتحليل أَو تَحْرِيم أَو أَمر أَو نهي أَو ترغيب أَو ترهيب فَإِذا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بمعدن للصدق وَالْأَمَانَة ثمَّ أقدم على الرِّوَايَة عَنهُ من قد عرفه وَلم يبين مَا فِيهِ لغيره مِمَّن جهل مَعْرفَته كَانَ آثِما بِفِعْلِهِ ذَلِك غاشا لعوام الْمُسلمين إِذْ لَا يُؤمن على من سمع بعض تِلْكَ الْأَخْبَار أَن يستعملها أَو يسْتَعْمل بَعْضهَا ولعلها أَو أَكْثَرهَا أكاذيب لَا أصل لَهَا مَعَ أَن الْأَخْبَار الصِّحَاح من رُوَاته الثِّقَات وَأهل القناعة أَكثر من أَن يضْطَر إِلَى نقل من لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مقنع وَلَا أَحسب كثيرا مِمَّن يعرج من النَّاس على مَا وَصفنَا من هَذِه الْأَحَادِيث الضِّعَاف والأسانيد المجهولة ويعتد بروايتها بعد مَعْرفَته بِمَا فِيهَا من التوهن

والضعف إِلَّا ان الَّذِي يحملهُ على رِوَايَتهَا والاعتداد بهَا إِرَادَة التكثر بذلك عِنْد الْعَوام وَلِأَن يُقَال مَا أَكثر مَا جمع فلَان من الحَدِيث وَألف من الْعدَد وَمن ذهب فِي الْعلم هَذَا الْمَذْهَب وسلك هَذَا الطَّرِيق لَا نصيب لَهُ فِيهِ وَكَانَ بِأَن يُسمى جَاهِلا أولى من أَن ينْسب إِلَى علم اهـ الْفرْقَة الثَّانِيَة فرقة جعلت جلّ همها النّظر فِي نفس الحَدِيث فَإِن راقها أمره حكمت بِصِحَّتِهِ وأسندته إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِن كَانَ فِي إِسْنَاده مقَال مَعَ أَن فِي كثير من الْأَحَادِيث الضعيفة بل الْمَوْضُوعَة مَا هُوَ صَحِيح الْمَعْنى فصيح المبنى غير أَنه لم تصح نسبته إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَذكر مُسلم فِي مُقَدّمَة كِتَابه حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا جرير عَن رَقَبَة أَن أَبَا جَعْفَر الْهَاشِمِي الْمَدِينِيّ كَانَ يضع أَحَادِيث كَلَام حق وَلَيْسَت من أَحَادِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يَرْوِيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله كرم حق بِنصب كرم على انه بدل من أَحَادِيث يُرِيد بِهِ كلَاما صَحِيح الْمَعْنى وَهُوَ حكمه من الحكم وَقد كذب فِيهِ لنسبته إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ لَيْسَ من كَلَامه وَأَبُو جَعْفَر هَذَا قد ذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه فَقَالَ هُوَ عبد الله بن مسور بن عون بن جَعْفَر بن أبي طَالب أَبُو جَعْفَر الْقرشِي الْهَاشِمِي وَذكر كَلَام رَقَبَة وَهُوَ هَذَا الْكَلَام الَّذِي هُنَا وَقَالَ بعض الوضاعين لَا بَأْس إِذا كَانَ الْكَلَام حسنا أَن تضع لَهُ إِسْنَادًا وَحكى الْقُرْطُبِيّ عَن بعض أهل الرَّأْي أَنه قَالَ مَا وَافق الْقيَاس الْجَلِيّ يجوز أَن

يعزى إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِن راعهم أمره لمُخَالفَته لشَيْء مِمَّا يَقُولُونَ بِهِ وَإِن كَانَ مَبْنِيا على مُجَرّد الظَّن بَادرُوا لرد الحَدِيث وَالْحكم بِوَضْعِهِ وَعدم صِحَة رَفعه وَإِن كَانَ إِسْنَاده خَالِيا عَن كل عِلّة وَإِن ساعدهم الْحَال على تَأْوِيله على وَجه لَا يُخَالف أهواءهم بَادرُوا إِلَى ذَلِك وَهَذِه الْفرْقَة هم الْمُعْتَزلَة والمتكلمون الَّذين حذوا حذوهم وَقد نحا أنَاس م غَيرهم نحوهم وَقد طعنت الْفرْقَة الأولى فِي هَذِه الْفرْقَة طَعنا شَدِيدا وقابلتهم هَذِه الْفرْقَة بِمثل بِمثل ذَلِك أَو أَشد نسبوا رُوَاة مَا أنكروه من الْأَحَادِيث إِلَى الاختلاق والوضع مَعَ الْجَهْل بمقاصد الشَّرْع وَقد ذكر ابْن قُتَيْبَة شَيْئا من ذَلِك فِي مُقَدّمَة كِتَابه الَّذِي وَضعه فِي تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث والمجاملون مِنْهُم اكتفوا بَان نسبوا إِلَى الروَاة الْوَهم والغلط وَالنِّسْيَان وَهُوَ مِمَّا لَا يَخْلُو عَنهُ إِنْسَان وَقَالُوا إِن الْمُحدثين أنفسهم قد ردوا كثيرا من أَحَادِيث الثِّقَات بِنَاء على ذَلِك قَالَ الْحَافِظ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ قد تكلم بعض أهل الحَدِيث فِي قوم من أجلة أهل الْعلم وضعفوهم من قبل حفظهم ووثقهم آخَرُونَ من الْأَئِمَّة لجلالتهم وَصدقهمْ وَإِن كَانُوا قد وهموا فِي بعض مَا رووا وَقد تكلم يحيى بن سعيد الْقطَّان فِي مُحَمَّد ين عَمْرو ثمَّ روى عَنهُ وَكَانَ ابْن أبي ليلى يروي الشَّيْء مرّة هَكَذَا وَمرَّة

هَكَذَا بِغَيْر الْإِسْنَاد وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا من قبل حفظه لِأَن أَكثر من مضى من اهل الْعلم كَانُوا لَا يَكْتُبُونَ وَمن كتب مِنْهُم إِنَّمَا كَانَ يكْتب لَهُم بعد السماع وَكَانَ كثير من الروَاة يروي بِالْمَعْنَى فكثيرا مَا يعبر عَنهُ بِلَفْظ من عِنْده فَيَأْتِي قاصرا عَن أَدَاء الْمَعْنى بِتَمَامِهِ وَكَثِيرًا مَا يكون أدنى تَغْيِير حيلا لَهُ وموجبا لوُقُوع الْإِشْكَال فِيهِ وَقد أجَاز الْجُمْهُور الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى قَالَ وَكِيع إِن لم يكن الْمَعْنى وَاسِعًا فقد هلك النَّاس وَإِنَّمَا تفاضل أحد من الْأَئِمَّة مَعَ حفظهم وَقَالَ مُجَاهِد انقض من الحَدِيث إِن شِئْت وَلَا تزد فِيهِ وَلَا يدْخل فِي هَذِه الْفرْقَة أنَاس ردوا بعض الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْإِسْنَاد لشُبْهَة قَوِيَّة عرضت لَهُم أوجبت شكهم فِي صِحَّتهَا إِن كَانَت مِمَّا لَا يدل فِيهِ النّسخ أَو فِي بَقَاء حكمهَا إِن كَانَت مِمَّا يدْخل فِيهِ فقد وَقع التَّوَقُّف فِي الْأَخْذ بِأَحَادِيث صَحِيحَة الْإِسْنَاد فقد وَقع لَك لِأُنَاس من الْعلمَاء الْأَعْلَام المعروفين بنشر السّنَن بل وَقع لِأُنَاس من كبار من الصَّحَابَة فقد زعم مَحْمُود بن الرّبيع الْأنْصَارِيّ وَكَانَ مِمَّن عقل رَسُول الله وَهُوَ صَغِير أَنه سمع عتْبَان بن مَالك الْأنْصَارِيّ وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي يذلك وَجه الله وَكَانَ رَسُول الله فِي دَار عتْبَان وَلِهَذَا الحَدِيث قصَّة قَالَ مَحْمُود فحدثتها قوما فيهم أَبُو أَيُّوب صَاحب رَسُول الله فِي غزوته الَّتِي توفّي فِيهَا بِأَرْض الرّوم فأنكرها عَليّ أَبُو أَيُّوب وَقَالَ وَالله مَا أَظن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا قلت قطّ فَكبر ذَلِك عَليّ فَجعلت لله عَليّ إِن سلمني حَتَّى أقفل من غزوتي أَن أسأَل عَنْهَا عتْبَان بن مَالك إِن وجدته حَيا فِي مَسْجِد قومه فقفلت ذكر ذَلِك البُخَارِيّ فِي بَاب صَلَاة النَّوَافِل جمَاعَة فَارْجِع إِلَيْهِ إِن أَحْبَبْت معرفَة الْقِصَّة وَتَمام الْكَلَام فِي ذَلِك

فَانْظُر إِلَى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ الَّذِي كَانَ من خَواص النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَيفَ غلب على ظَنّه عدم صِحَة هَذَا الحَدِيث وَأقسم على ذَلِك بِنَاء على انه لم يسمع مِنْهُ قطّ عَلَيْهِ السَّلَام مَا يشاكل هَذَا الْكَلَام مِمَّا يُوهم خلاف المرام وَمثل هَذَا كثير فِيمَا يروي وَمَا كَانَ مِنْهُ بأسانيد صَحِيحَة مِمَّا لَا يثبت فِي نفس الْأَمر فأكثره مِمَّا رُوِيَ بِالْمَعْنَى غير أَن الرَّاوِي لم يساعده اللَّفْظ عَن أَدَائِهِ بِتَمَامِهِ قَالَ الشُّرَّاح قيل إِن الْبَاعِث لَهُ على الْإِنْكَار هُوَ أَن ظَاهر هَذَا الحَدِيث يُوهم أَنه لَا يدْخل أحد من عصاة الْمُوَحِّدين النَّار وَهُوَ مُخَالف لآيَات كَثِيرَة وَأَحَادِيث مَشْهُورَة وَأجِيب بِحمْل التَّحْرِيم على عدم الخلود وَقد استدلت المرجئة بِهَذَا الحَدِيث وَنَحْوه على مَذْهَبهم والمرجئة فرقة من كبار الْفرق الإسلامية تَقول لَا يضر مَعَ الْإِيمَان مَعْصِيّة كَمَا لَا ينفع مَعَ الْكفْر طَاعَة والإرجاء من الْبدع الَّتِي يعظم ضررها أَنَّهَا تنزل بالأمة إِلَى الحضيض الْأَسْفَل وَتجْعَل عَاقبَتهَا الدمار وَقد نسب ذَلِك إِلَى كثير من أَعْيَان الْأمة إِلَّا أَن النِّسْبَة غير صَحِيحَة فِي كثير مِنْهُم وَالَّذين صحت نِسْبَة لَك إِلَيْهِم يَقُولُونَ إِن كثيرا مِمَّن ينبزوننا بِهَذَا اللقب لَا فرق بَيْننَا وَبينهمْ فِي الْمَآل وَإِن فرق بَيْننَا وَبينهمْ ظَاهر الْمقَال وَأما الْمُعْتَزلَة فَإِنَّهُم يُنكرُونَ هَذَا الحَدِيث وَنَحْوه أَشد إِنْكَار وينسبون وَضعه للمرجئة وَمن نحا نحوهم لمُخَالفَته لمذهبهم فَإِنَّهُم هم والخوارج يَقُولُونَ إِن صَاحب الْكَبِيرَة إِذا مَاتَ من غير تَوْبَة نصوح عَنْهَا مخلد فِي النَّار وَلَا يخرج مِنْهَا أبدا وَلَا يحاولون تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث وَنَحْوه على وَجه لَا يزعزع مَذْهَبهم لأَنهم يَقُولُونَ إِن فِي ظَاهِرَة إغراء على الْمعاصِي وَذَلِكَ منَاف للحكمة لَا سِيمَا من صَاحب الشَّرْع الَّذِي بعث لزجر النَّاس عَنْهَا وتنفيرهم مِنْهَا وَكَانَت المرجئة كثيرا مَا ترمي من يُبَالغ فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر

بِالْقدرِ يُرِيدُونَ بذلك أذاهم وَلَا يخفى شدَّة نفره النَّاس لَا سِيمَا الْأُمَرَاء والعامة من الْقَدَرِيَّة وهم الْمُعْتَزلَة وَقد شاع وذاع أَن مَذْهَب الْمُعْتَزلَة نَشأ عَن التوغل فِي علم الفلسفة وَهُوَ قَول أشاعه إِمَّا جَاهِل أَو متجاهل فَإِن مَذْهَب الاعتزال نَشأ وَاسْتقر فِي آخر عصر الصَّحَابَة وَلم يكن قد ترْجم شَيْء من كتب الفلسفة الَّتِي يَزْعمُونَ أَنَّهَا أغوتهم فانحرفوا بهَا عَن مَذْهَب أهل السّنة وَلذَلِك قَالَ بعض الْعلمَاء قد رويت أَحَادِيث فِي ذمّ الْقَدَرِيَّة روى بَعْضهَا أهل السّنَن وَبَعض النَّاس يثبتها ويقويها وَمن الْعلمَاء من يطعن فِيهَا ويضعفها وَلَكِن الَّذِي ثَبت فِي ذمّ الْقَدَرِيَّة ونوهم هُوَ عَن الصَّحَابَة كَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَقد وَقع فِي مَذْهَبهم مسَائِل تبعد عَن الْعقل جدا وَذَلِكَ مثل قَوْلهم من أَتَى بكبيرة وَاحِدَة فقد حبطت جَمِيع طاعاته وَمن عمر عمرا مديدا وأتى بِكُل مَا أمكنه من الطَّاعَات واجتنب جَمِيع الْمُنْكَرَات وَكَانَ من الموفقين للبر وَالْإِحْسَان ثمَّ عرض لَهُ أَن تنَاول جرعة خمر فغص بهَا فقضي عَلَيْهِ فَهُوَ مخلد فِي النَّار لَا يخرج مِنْهَا أبدا نعم هم أَكثر الْفرق اعتناء بالقاعدة الْمَشْهُورَة وَهِي لَا يَأْتِي فِي النَّقْل الصَّحِيح مَا يُخَالف الْعقل الصَّرِيح فَإِن أَتَى فِي النَّقْل الصَّحِيح مَا يُوهم الْمُخَالفَة وَجب الْجمع بَينهمَا وَذَلِكَ بِحمْل النَّقْل على معنى لَا يُخَالف الْعقل وَتجْعَل دلَالَة الْعقل قرينَة على ذَلِك وَهِي قَاعِدَة مُتَّفق عَلَيْهَا وَلم تنقل الْمُخَالفَة فِيهَا إِلَّا عَن أنَاس من الحشوية وهم فرقة لَا يعبأ بهَا وَلَعَلَّ مخالفتهم مَبْنِيَّة عل كَونهم لم يعرفوا مَا أُرِيد بِالْعقلِ الصَّرِيح وَقد ظن أنَاس أَن هَذِه الْمَسْأَلَة من مسَائِل علم الْكَلَام فَقَط وَلَيْسَ كَذَلِك بل هِيَ من مسَائِل أصُول الفقة أَيْضا فقد ذكرُوا ذَلِك فِي مَبْحَث التَّخْصِيص وَفِي مَبْحَث مَا يرد بِهِ الْخَبَر

وهاك عبارات مما ذكروا في مبحث التخصيص

وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث التَّخْصِيص قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي اللمع الْأَدِلَّة الَّتِي يجوز التَّخْصِيص بهَا ضَرْبَان مُتَّصِل مُنْفَصِل فالمتصل هُوَ الِاسْتِثْنَاء وَالشّرط وَالتَّقْيِيد بِالصّفةِ وَلها أَبْوَاب تَأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَبِه الثِّقَة وَأما الْمُنْفَصِل فضربان من جِهَة الْعقل وَمن جِهَة الشَّرْع فَالَّذِي من جِهَة الْعقل ضَرْبَان أَحدهمَا مَا يجوز وُرُود الشَّرْع بِخِلَافِهِ وَذَلِكَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعقل من بَرَاءَة الذِّمَّة فَهَذَا لَا يجوز التَّخْصِيص بِهِ لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يسْتَدلّ بِهِ لعدم الشَّرْع فَإِذا ورد الشَّرْع سقط الِاسْتِدْلَال بِهِ وَصَارَ الحكم للشَّرْع وَالثَّانِي مَا لَا يجوز وُرُود الشَّرْع بِخِلَافِهِ وَذَلِكَ مثل مَا دلّ عَلَيْهِ الْعقل من نفي الْخلق عَن صِفَاته فَيجوز التَّخْصِيص بِهِ وَلِهَذَا خصصنا قَوْله تَعَالَى {الله خَالق كل شَيْء} بِالصِّفَاتِ وَقُلْنَا المُرَاد بِهِ مَا خلا الصِّفَات لِأَن الْعقل قد دلّ على انه لَا يجوز أَن يخلق صِفَاته فخصصنا الْعُمُوم بِهِ تَنْبِيه التَّخْصِيص قصر الْعَام على بعض مَا يتَنَاوَلهُ وَهُوَ قد يكون بِغَيْر مُسْتَقل كالاستثناء وَالشّرط وَقد يكون بمستقل كالعقل وَالْعَادَة وخصت الْحَنَفِيَّة اسْم التَّخْصِيص بِمَا يكون بمستقل وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى وبدليل الْعقل خصص قَوْله تَعَالَى {الله خَالق كل شَيْء} إِذْ خرج عَنهُ ذَاته وَصِفَاته إِذْ الْقَدِيم يَسْتَحِيل تعلق الْقُدْرَة بِهِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت) خرج مِنْهُ الصَّبِي وَالْمَجْنُون لِأَن الْعقل قد دلّ على اسْتِحَالَة تَكْلِيف من لَا يفهم

فَإِن قيل كَيفَ يكون الْعقل مُخَصّصا وَهُوَ سَابق على أَدِلَّة السّمع والمخصص يَنْبَغِي أَن يكون مُتَأَخِّرًا وَلِأَن التَّخْصِيص إِخْرَاج مَا يُمكن دُخُوله تَحت اللَّفْظ وَخلاف الْمَعْقُول لَا يُمكن ان يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ قُلْنَا قَالَ قَائِلُونَ لَا يُسمى دَلِيل الْعقل مُخَصّصا لهَذَا الْحَال وَهُوَ نزاع فِي عبارَة فَإِن تَسْمِيَة الْأَدِلَّة مخصصة تجوز فقد بَينا أَن تَخْصِيص الْعَام محَال لَكِن الدَّلِيل يعرف إِرَادَة الْمُتَكَلّم وانه أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوع للْعُمُوم معنى خَاصّا وَدَلِيل الْعقل يجوز لنا أَن الله تَعَالَى مَا أَرَادَ بقوله {خَالق كل شَيْء} نَفسه وذاته فَإِنَّهُ وَإِن تقدم دَلِيل الْعقل فَهُوَ مَوْجُود أَيْضا عِنْد نزُول اللَّفْظ وَإِنَّمَا يُسمى مُخَصّصا بعد نزُول الْآيَة لَا قبله وَأما قَوْلهم لَا يجوز دُخُوله تَحت اللَّفْظ فَلَيْسَ كَذَلِك بل يدْخل تَحت اللَّفْظ من حَيْثُ اللِّسَان وَلَكِن يكون قَائِله كَاذِبًا وَلما وَجب الصدْق فِي كَلَام الله تَعَالَى تبين أَنه يمْتَنع دُخُوله تَحت الْإِرَادَة مَعَ شُمُول اللَّفْظ لَهُ من حَيْثُ الْوَضع وَقَالَ الْفَخر الرَّازِيّ فِي فصل تَخْصِيص الْعُمُوم بِالْعقلِ هَذَا قد يكون بضرورة الْعقل كَقَوْلِه تَعَالَى {خَالق كل شَيْء} فَإنَّا نعلم بِالضَّرُورَةِ أَنه لَيْسَ خَالِقًا لنَفسِهِ وبنظر الْعقل كَقَوْلِه تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} فَإنَّا نخصص الصَّبِي وَالْمَجْنُون لعدم الْفَهم فِي حَقّهمَا وَمِنْهُم من نَازع فِي تَخْصِيص الْعُمُوم بِدَلِيل الْعقل وَالْأَشْبَه عِنْدِي أَنه لَا خلاف فِي الْمَعْنى لِأَن اللَّفْظ لما دلّ على ثُبُوت الحكم فِي جَمِيع الصُّور وَالْعقل منع من ثُبُوته فِي بعض الصُّور فإمَّا أَن يحكم بِصِحَّة مُقْتَضى الْعقل وَالنَّقْل فليلزم صدق النقيضين وَهُوَ محَال

أَو يرجح النَّقْل على الْعقل وَهُوَ محَال لِأَن الْعقل أصل للنَّقْل فالقدح فِي الْعقل قدح فِي أصل النَّقْل فالقدح فِي الأَصْل لتصحيح الْفَرْع يُوجب الْقدح فيهمَا مَعًا وَإِمَّا أَن يرجح حكم الْعقل على مُقْتَضى الْعُمُوم وَهَذَا هُوَ مرادنا من تَخْصِيص الْعُمُوم لِلْعَقْلِ وَأما الْبَحْث اللَّفْظِيّ فَهُوَ ان الْعقل هَل يُسمى خصصا أم لَا فَنَقُول إِن أردْت بالمخصص الْأَمر الَّذِي يُؤثر فِي اخْتِصَاص اللَّفْظ الْعَام فِي بعض مسمياته فالعقل غير مُخَصص لِأَن الْمُقْتَضى لذَلِك الِاخْتِصَاص هُوَ الْإِرَادَة الْقَائِمَة بالمتكلم وَالْعقل يكون دَلِيلا على تحقق تِلْكَ الْإِرَادَة فالعقل يكون دَلِيل الْمُخَصّص على هَذَا التَّفْسِير وَجب أَن لَا يكون الْكتاب مُخَصّصا للْكتاب وَلَا السّنة للسّنة لِأَن الْمُؤثر فِي ذَلِك التَّخْصِيص هُوَ الْإِرَادَة لَا تِلْكَ الْأَلْفَاظ فَإِن قيل لَو جَازَ التَّخْصِيص بِالْعقلِ فَهَل يجوز النّسخ بِهِ قُلْنَا نعم لِأَن من سَقَطت رِجْلَاهُ سقط عَنهُ فرض غسل الرجلَيْن وَذَلِكَ إِنَّمَا عرف بِالْعقلِ وَقَالَ الْقَرَافِيّ فِي تَنْقِيح الْفُصُول يجوز عِنْد مَالك وَأَصْحَابه تَخْصِيص الْعَام بِالْعقلِ خلافًا لقوم كَقَوْلِه تَعَالَى {الله خَالق كل شَيْء} خصص الْعقل ذَات الله وَصِفَاته وَقَالَ فِي شَرحه الْخلاف محكي على هَذِه الصُّورَة وَعِنْدِي أَنه عَائِد على التَّسْمِيَة فَإِن خُرُوج الْأُمُور من هَذَا الْعُمُوم لَا يُنَازع فِيهِ مُسلم غير أَنه لَا يُسمى بالتخصيص إِلَّا مَا كَانَ بِاللَّفْظِ هَذَا مَا يُمكن أَن يُقَال أما بَقَاء الْعُمُوم على عُمُومه فَلَا يَقُوله مُسلم

وَقَالَ جمال الدّين الأسنوي فِي شرح الْمِنْهَاج أَقُول لما فرغ المُصَنّف من المخصصات الْمُتَّصِلَة شرع فِي الْمُنْفَصِلَة والمنفصل هُوَ الَّذِي يسْتَقلّ بِنَفسِهِ أَي لَا يحْتَاج فِي ثُبُوته إِلَى ذكر الْعَام مَعَه بِخِلَاف الْمُتَّصِل كالشرط وَغَيره وقسمه المُصَنّف إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام وَهِي الْعقل والحس وَالدَّلِيل السمعي وَلقَائِل أَن يَقُول يرد عَلَيْهِ التَّخْصِيص بِالْقِيَاسِ وبالعادة وقرائن الْأَحْوَال إِلَّا أَن يُقَال إِن الْقيَاس من الْأَدِلَّة السمعية وَلِهَذَا أدرجه فِي مسَائِله وَدلَالَة الْقَرِينَة وَالْعَادَة الْعَقْلِيَّة وَفِيه نظر لِأَن الْعَادة قد ذكرهَا فِي قسم الدَّلِيل السمعي وَحِينَئِذٍ يلْزم فَسَاده أَو فَسَاد الْجَواب الأول الْعقل والتخصيص بِهِ على قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون بِالضَّرُورَةِ كَقَوْلِه تَعَالَى {الله خَالق كل شَيْء} فَإنَّا نعلم بِالضَّرُورَةِ انه لَيْسَ خَالِقًا لنَفسِهِ والتمثيل بِهَذِهِ الْآيَة يَنْبَنِي على أَن الْمُتَكَلّم يدْخل فِي عُمُوم كَلَامه وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا تقدم وعَلى أَن الشَّيْء يُطلق على الله تَعَالَى وَفِيه مذهبان للمتكلمين وَالصَّحِيح إِطْلَاقه عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى {قل أَي شَيْء أكبر شَهَادَة قل الله شَهِيد} الْآيَة الثَّانِي أَن يكون بِالنّظرِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} فَإِن الْعقل قَاض بِإِخْرَاج الصَّبِي وَالْمَجْنُون للدليل الدَّال على امْتنَاع تَكْلِيف الغافل وَقَالَ بعض الْعلمَاء أَجمعُوا على صِحَة دلَالَة الْعقل على خُرُوج شَيْء عَن حكم الْعُمُوم وَاخْتلفُوا فِي تَسْمِيَته تَخْصِيصًا وَمِمَّنْ لم يسم ذَلِك تَخْصِيصًا الإِمَام الشَّافِعِي وَمن حذا حذوه فِي ذَلِك نظرا إِلَى أَن مَا خص بِالْعقلِ لَا تصح إِرَادَته بالحكم وَقَالَ من سمى ذَلِك تَخْصِيصًا إِن عدم صِحَة إِرَادَته بالحكم إِنَّمَا يَقْتَضِي عدم التَّنَاوُل من

حَيْثُ الحكم لَا من حَيْثُ اللَّفْظ وَهَذَا كَاف فِي تحق التَّخْصِيص وَالْخلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ لاتفاقهم على الرُّجُوع إِلَى الْعقل فِيمَا نفي عَنهُ حكم الْعَام وَقَالَ فِي نزهة الخواطر فِي اخْتِصَار رَوْضَة النَّاظر لَا نعلم اخْتِلَافا فِي جَوَاز تَخْصِيص الْعُمُوم وَكَيف يُنكر ذَلِك مَعَ الِاتِّفَاق على تَخْصِيص قَول الله تَعَالَى {الله خَالق كل شَيْء} و {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَات كل شَيْء} و {تدمر كل شَيْء} وَقد ذكر أَن أَكثر العمومات مخصصة وَقَالَ عبيد الله الْمَعْرُوف بصدر الشَّرِيعَة فِي التَّنْقِيح وَشَرحه الْمُسَمّى بالتوضيح بعد أَن ذكر ان قصر الْعَام على بعض مَا يناوله قد يكون بِغَيْر مُسْتَقل وَقد يكون بمستقل وَأَنه فِي غير المستقل يكون حَقِيقَة فِي الْبَوَاقِي وَهُوَ حجَّة بِلَا شُبْهَة فِيهِ وَأما فِي المستقل فَإِنَّهُ يكون مجَازًا يَفِي الْبَوَاقِي بطرِيق إِطْلَاق اسْم الْكل على الْبَعْض من حَيْثُ الْقصر وَحَقِيقَة من حَيْثُ التَّنَاوُل وَهُوَ حجَّة فِيهِ شُبْهَة وَلم يفرقُوا بَين الْكَلَام وَغَيره لَكِن يجب هُنَاكَ فرق وَهُوَ أَن الْمُخَصّص بِالْعقلِ يَنْبَغِي أَن يكون قَطْعِيا لِأَنَّهُ فِي حكم الِاسْتِثْنَاء لكنه حذف الِاسْتِثْنَاء مُعْتَمدًا على الْعقل على أَنه مفروغ عَنهُ حَتَّى لَا نقُول إِن قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} ونظائره دَلِيل فِيهِ شُبْهَة وَهَذَا فرق قد تفرد بِذكرِهِ وَهُوَ وَاجِب الذّكر حَتَّى لَا يتَوَهَّم أَن خطابات الشَّرْع الَّتِي خص مِنْهَا الصَّبِي وَالْمَجْنُون بِالْعقلِ دَلِيل فِيهِ شُبْهَة كالخطابات الْوَارِدَة

بالفرائض فَإِنَّهُ يكفر جاحدها إِجْمَاعًا مَعَ كَونهَا مَخْصُوصَة فَإِن التَّخْصِيص بِالْعقلِ لَا يُورث شُبْهَة فَإِن كل مَا يُوجب الْعقل تَخْصِيصه يخص وَمَا لَا فَلَا اهـ وَقد تعرض ابْن حزم الظَّاهِرِيّ فِي كتاب الإحكام لهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي بَاب الْعُمُوم وَقد نقلنا مَعَ الْعبارَة الْمَقْصُودَة مَا قبلهَا من الْعبارَات على طَرِيق التَّلْخِيص إتماما للفائدة قَالَ الْبَاب الثَّالِث عشر فِي حمل الْأَوَامِر وَسَائِر الْأَلْفَاظ كلهَا على الْعُمُوم وَإِبْطَال قَول من قَالَ فِي كل ذَلِك بِالْوَقْفِ أَو الْخُصُوص إِلَّا مَا أخرجه عَن الْعُمُوم دَلِيل حق قَالَ عَليّ اخْتلف النَّاس فِي هَذَا الْبَاب فَقَالَت طَائِفَة لَا تحمل الْأَلْفَاظ لَا على الْخُصُوص وَمعنى ذَلِك حملهَا على بعض مَا يَقْتَضِيهِ الِاسْم فِي اللُّغَة دون بعض وَقَالَ بَعضهم بل نقف فَلَا نحملها على عُمُوم وَلَا خُصُوص إِلَّا بِدَلِيل وَقَالَت طَائِفَة الْوَاجِب حمل كل لفظ على عُمُومه وَهُوَ كل مَا يَقع عَلَيْهِ لَفظه الْمُرَتّب فِي اللُّغَة للتعبير عَن الْمعَانِي الْوَاقِعَة تَحْتَهُ ثمَّ اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم إِنَّمَا يفعل ذَلِك بعد أَن ينظر هَل خص ذَلِك اللَّفْظ شَيْء أم لَا فَإِن وجدنَا دَلِيلا على ذَلِك صرنا إِلَيْهِ وَإِلَّا حملنَا اللَّفْظ على عُمُومه دون أَن نطلب على الْعُمُوم دَلِيلا وَقَالَت طَائِفَة الْوَاجِب حمل كل لفظ على عُمُومه وكل مَا يَقْتَضِيهِ اسْمه دون توقف وَلَا نظر وَلَكِن إِن جَاءَنَا دَلِيل يُوجب أَن نخرج عَن عُمُومه بعض مَا يَقْتَضِيهِ لَفظه صرنا إِلَيْهِ حِينَئِذٍ وَهَذَا قَول جَمِيع أَصْحَاب الظَّاهِر وَبَعض المالكيين وَبَعض الشافعيين وَبَعض الحنفيين وَبِهَذَا نَأْخُذ وَهُوَ الَّذِي لَا يجوز غَيره وَإِنَّمَا اخْتلف من ذكرنَا على قدر مَا بحضرتهم من الْمسَائِل على مَا قدمنَا من

أفعالهم فِيمَا خلا فَإِن وافقهم القَوْل بالخصوص قَالُوا بِهِ وَإِن وافقهم القَوْل بِالْعُمُومِ قَالُوا بِهِ فأصولهم معكوسة على فروعهم ودلائلهم مرتبَة على تَوْجِيه مسائلهم وَفِي هَذَا عجب أَن يكون الدَّلِيل على القَوْل مَطْلُوبا بعد اعْتِقَاد القَوْل وَإِنَّمَا فَائِدَة الدَّلِيل وثمرته إنتاج مَا يجب اعْتِقَاده من الْأَقْوَال فَمَتَى يَهْتَدِي من اتقد قولا بِلَا دَلِيل ثمَّ جعل يطْلب الْأَدِلَّة بِشَرْط مُوَافقَة قَوْله وَإِلَّا فَهِيَ مطرحة عِنْده قَالَ عَليّ فَمَا احْتج بِهِ من ذهب إِلَى اللَّفْظ لَا يحمل على عُمُومه إِلَى بعد طلب دَلِيل على الْخُصُوص أَو إِلَّا بِدَلِيل على انه للْعُمُوم إِن قَالُوا قد وجدنَا ألفاظا ظَاهرهَا الْعُمُوم وَالْمرَاد بهَا الْخُصُوص فَعلمنَا أَنَّهَا لَا تحمل على الْعُمُوم إِلَّا بِدَلِيل قَالَ عَليّ وَقد تقدم إفسادنا لهَذَا الِاسْتِدْلَال فِيمَا خلا من القَوْل بِالْوُجُوب وبالظاهر ونقول هَا هُنَا إِنَّه لَيْسَ وجودنا ألفاظا منقولة عَن موضوعها فِي اللُّغَة بِمُوجب إِلَى أَن يبطل كل لفظ وَيفْسد وُقُوع الْأَسْمَاء على مسمياتها وَلَو كَانَ ذَلِك لكاتن وجودنا آيَات مَنْسُوخَة لَا يجوز الْعَمَل بهَا مُوجبا لترك الْعَمَل بِشَيْء من سَائِر الْآيَات كلهَا إِلَّا بِدَلِيل يُوجب الْعَمَل بهَا من غير لَفظهَا وَقَالُوا أَيْضا لم نجد قطّ خطابا إِلَّا خَاصّا لَا عَاما فصح أَن كل خطاب إِنَّمَا قصد من بلغه ذَلِك الْخطاب من العاقلين الْبَالِغين خَاصَّة دون غَيرهم قَالَ عَليّ هَذَا تشغيب جَاهِل مُتَكَلم بِغَيْر علم لَيْت شعري أَيْن كَانَ عَن قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} وَأَيْضًا فَإِن الَّذِي ذكر من توجه الْخطاب إِلَى الْبَالِغين الْعُقَلَاء العاملين بالمر دون غَيرهم فَإِنَّمَا ذَلِك بِنَصّ وَارِد فيهم فَهُوَ عُمُوم لَهُم كلهم وَلمن نعن بقولنَا بِالْأَمر دون غَيرهم فَإِنَّمَا ذَلِك بِنَصّ وَارِد فيهم فَهُوَ عُمُوم لَهُم كلهم وَلم نعن بقولنَا بِالْعُمُومِ كل مَوْجُود فِي الْعَالم وَإِنَّمَا عنينا حمل كل لفظ أَتَى

على مَا يَقْتَضِي وَلَو لم يقتض إِلَّا اثْنَيْنِ من النَّوْع فَإِن ذَلِك عُمُوم لَهُ وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا تَخْصِيص مَا اقْتَضَاهُ اللَّفْظ بِلَا دَلِيل أَو التَّوَقُّف فِيهِ بِلَا دَلِيل مثل قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} فَقُلْنَا هَذَا عُمُوم لكل نفس حرمهَا الله من إِنْسَان ملي أَو ذمِّي وم حَيَوَان نهي عَن قَتله إِمَّا لتملك غَيرنَا لَهُ أَو لبَعض الْأَمر وَمن خَالَفنَا لزمَه أَن لَا ينفذ تَحْرِيم قتل نفي إِلَّا بِدَلِيل وَمثل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كل مُسكر حرَام فَالْوَاجِب أَن يحمل على كل مُسكر وَمن تعدى هَذَا فقد أبطل حكم اللُّغَة وَحكم الْعقل وَحكم الدّيانَة قَالَ عَليّ وشغبوا أَيْضا بآيَات الْوَعيد مثل قَوْله تَعَالَى {وَإِن الْفجار لفي جحيم} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} وَقَالُوا إِنَّهَا غير مَحْمُولَة على عمومها قَالَ وَنحن لم ننكر تَخْصِيص الْعُمُوم بِدَلِيل نَص آخر أَو ضَرُورَة حس وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا تَخْصِيصه بِلَا دَلِيل وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ أَن قَالُوا قَالَ الله تَعَالَى {تدمر كل شَيْء} وَقَالَ تَعَالَى {مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم} وَقَالَ تَعَالَى {وَأُوتِيت من كل شَيْء} وَقد علمنَا أَن الرّيح لم تدمر كل شَيْء فِي الْعَالم وَأَن بلقيس لم تؤت من كل شَيْء لِأَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أُوتِيَ مَا لم تؤت هِيَ قَالَ عَليّ وَهَذَا كُله لَا حجَّة لَهُم فِيهِ أما قَوْله تَعَالَى {تدمر كل شَيْء} فَإِنَّهُ لم يقل ذَلِك وَأمْسك بل قَالَ تَعَالَى {تدمر كل شَيْء بِأَمْر رَبهَا} فصح بِالنَّصِّ عُمُوم هَذَا اللَّفْظ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا قَالَ إِنَّهَا دمرت كل شَيْء على الْعُمُوم من الْأَشْيَاء الَّتِي أمرهَا الله تَعَالَى بتدميرها فَسقط احتجاجهم بِهَذِهِ الْآيَة

وَأما قَوْله {مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم} فَإِنَّهُ إِنَّمَا أخبر أَنَّهَا دمرت كل شَيْء أَتَت عَلَيْهِ لَا كل شَيْء لم تأت عَلَيْهِ فَبَطل تمويههم وَأما قَوْله تَعَالَى {وَأُوتِيت من كل شَيْء} فَإِنَّمَا حكى تَعَالَى هَذَا القَوْل عَن الهدهد وَنحن لَا نحتج بقول الهدهد وَإِنَّمَا نحتج بِمَا قَالَ الله تَعَالَى مخبرا بِهِ لنا عَن علمه أَو حَقَّقَهُ الله تَعَالَى من خبر من نقل إِلَيْنَا خَبره وَقد نقل تَعَالَى إِلَيْنَا عَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى أقوالا كَثِيرَة لَيست مِمَّا يَصح فَإِن قَالَ قَائِل إِن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للهدهد {سننظر أصدقت أم كنت من الْكَاذِبين} قُلْنَا نعم وَلَكِن لم يخبرنا الله تَعَالَى أَن الهدهد صدق وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَخلق كل شَيْء} وَهُوَ عز وَجل غير مَخْلُوق وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ} قَالُوا وَإِنَّمَا قَالَ لَهُم ذَلِك بعض النَّاس وَإِنَّمَا كَانَ الجامعون لَهُم بعض النَّاس قَالَ عَليّ نَحن لَا ننكر أَن يرد دَلِيل يخرج بعض الْأَلْفَاظ عَن موضوعها فِي اللُّغَة بل أجزنا ذَلِك وَقد قَامَ الْبُرْهَان الضَّرُورِيّ على أَن المُرَاد بخلقه تَعَالَى كل شَيْء أَن ذَلِك فِي كل مَا دونه عز وَجل على الْعُمُوم وَهَذَا مَفْهُوم من نَص الْآيَة لِأَنَّهُ لما كَانَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خلق كل شَيْء وَمن الْمحَال أَن يحدث أحد نَفسه لضرورات براهين أحكمناها فِي كتاب الْفَصْل صَحَّ أَن اللَّفْظ لم يَأْتِ قطّ لعُمُوم الله فِيمَا ذكر أَنه خلقه وَكَذَلِكَ لما كَانَ المخبرون لهَؤُلَاء بِأَن النَّاس قد جمعُوا لَهُم نَاسا غير النَّاس الجامعين وَكَانَ النَّاس الجامعون لَهُم غير النَّاس المخبرين لَهُم وَكَانَت الطائفتان مَعًا غير الْمَجْمُوع لَهَا علمنَا أَن اللَّفْظ لم يقْصد بِهِ إِلَّا مَا قَامَ فِي الْعقل وَإِنَّمَا ننكر دَعْوَى إِخْرَاج الْأَلْفَاظ عَن مفهومها بِلَا دَلِيل اهـ

وهاك عبارات مما ذكروا في مبحث ما يرد به الخبر

وهاك عِبَارَات مِمَّا ذكرُوا فِي مَبْحَث مَا يرد بِهِ الْخَبَر قَالَ الشِّيرَازِيّ فِي اللمع فِي بَاب بَيَان مَا يرد بِهِ خبر الْوَاحِد إِذا روى الْخَبَر ثِقَة رد بِأُمُور أَحدهَا ن يُخَالف مُوجبَات الْعُقُول فَيعلم بُطْلَانه لِأَن الشَّرْع إِنَّمَا يرد بمجوزات الْعُقُول واما بِخِلَاف الْعُقُول فَلَا وَالثَّانِي أَن يُخَالف نَص كتاب أَو سنة متواترة فَيعلم أَنه لَا أصل لَهُ أَو مَنْسُوخ وَالثَّالِث أَن يُخَالف الْإِجْمَاع فيستدل بِهِ على انه مَنْسُوخ أَو لَا أصل لَهُ لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون صَحِيحا غير مَنْسُوخ وَتجمع الْأمة على خِلَافه وَالرَّابِع أَن ينْفَرد الْوَاحِد بِرِوَايَة مَا يجب على الكافة علمه فَيدل ذَلِك على أَنه لَا أصل لَهُ لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون لَهُ أصل وينفرد هُوَ بِعِلْمِهِ من بَين الْخلق الْعَظِيم وَالْخَامِس أَن ينْفَرد برواي مَا جرت الْعَادة أَن يَنْقُلهُ أهل التَّوَاتُر فَلَا يقبل لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن ينْفَرد فِي مثل هَذَا بالرواية فَأَما إِذا ورد مُخَالفا للْقِيَاس أَو انْفَرد الْوَاحِد بِرِوَايَة مَا تعم بِهِ الْبلوى لم يرد وَقد حكينا الْخلاف فِي ذَلِك فأغن عَن الْإِعَادَة اهـ وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى الْقسم الثَّانِي من الْأَخْبَار مَا يعلم كذبه وَهِي أَرْبَعَة الأول مَا يعلم خِلَافه بضرورة الْعقل أَو نظره اَوْ الْحس والمشاهدة أَو أَخْبَار التَّوَاتُر وَبِالْجُمْلَةِ مَا خَالف الْمَعْلُوم بالمدارك السِّتَّة الثَّانِي مَا يُخَالف النَّص الْقَاطِع من الْكتاب وَالسّنة الْمُتَوَاتر وَإِجْمَاع الْأمة فَإِنَّهُ ورد مُكَذبا لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وللأمة

الثَّالِث مَا صرح بتكذيبه مَعَ كثير يَسْتَحِيل فِي الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب إِذا قَالُوا حَضَرنَا مَعَه فِي ذَلِك الْوَقْت فَلم نجد مَا حَكَاهُ من الْوَاقِعَة أصلا الرَّابِع مَا سكت الْجمع الْكثير عَن نَقله والتحدث بِهِ مَعَ جَرَيَان الْوَاقِعَة بمشهد مِنْهُم وَمَعَ إِحَالَة الْعَادة السُّكُوت عَن ذكره لتوفر الدَّوَاعِي على نَقله ولإحالة الْعَادة اخْتِصَاصه بحكايته وَقَالَ الْقَرَافِيّ الدَّال على كذب الْخَبَر خَمْسَة وَهُوَ منافاته لما علم بِالضَّرُورَةِ أَو النّظر أَو الدَّلِيل الْقَاطِع أَو فِيمَا شَأْنه أَن يكون متواترا وَلم يتواتر وكقواعد الشَّرْع أَو لَهما جَمِيعًا كالمعجزات اَوْ طلب فِي صُدُور الروَاة أَو كتبهمْ بعد اسْتِقْرَار الْأَحَادِيث فَلم يُوجد ولنقتصر على هَذَا الْقدر فَفِيهِ كِفَايَة الْفرْقَة الثَّالِثَة فرقة جعلت همها الْبَحْث عَمَّا صَحَّ من الحَدِيث لتأْخذ بِهِ

ملحة من ملح هذا المبحث

فأعطت الْمَسْأَلَة حَقّهَا من النّظر فبحثت فِي الْإِسْنَاد والمتن مَعًا بحث مُؤثر للحق فَلم ينْسب إِلَى الروَاة الْوَهم وَالْخَطَأ وَنَحْو ذَلِك لمُجَرّد كَون الْمَتْن يدل على خلاف رَأْي لَهَا مَبْنِيّ على مُجَرّد الظَّن وَلم تعتقد فيهم انهم معصمون عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَهَذِه الْفرْقَة قد ثَبت عِنْدهَا صِحَة كثير من الْأَحَادِيث الَّتِي ردتها الْفرْقَة الثَّانِيَة وَهِي المفرطة فِي أَمر الحَدِيث كَمَا ثَبت عِنْدهَا عدم صِحَة كثير من الْأَحَادِيث الَّتِي قبلتها الْفرْقَة الأولى وَهِي المفرطة فِيهِ وَهَذِه الْفرْقَة هِيَ أَوسط الْفرق وأمثلها وأقربها للامتثال وَهِي أقل الْفرق عددا ومقتفى أَثَرهَا مِمَّن أُرِيد بِهِ رشدا ملحة من ملح هَذَا المبحث أخرج البُخَارِيّ تعن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكذب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ثَلَاث كذبات ثِنْتَيْنِ مِنْهَا فِي ذَات الله قَوْله {إِنِّي سقيم} وَقَوله {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} وَاحِدَة فِي شَأْن سارة قَالَ شراحه إِنَّمَا أطلق عَلَيْهِ الْكَذِب تجوزا وَهُوَ من بَاب المعاريض المحتملة للأمرين لمقصد شَرْعِي

وَقد روى البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد من طَرِيق قَتَادَة عَن مطرف بن عبد الله عَن عمرَان بن الْحصين إِن فِي معاريض الْكَلَام مندوحة عَن الْكَذِب فَأطلق الْكَذِب على ذَلِك مَعَ ونه من المعاريض نظرا لعلو مرتبته وَقد أنكر بعض الْمُفَسّرين من الْمُتَكَلِّمين هَذَا الحَدِيث بِنَاء على مَا أسسوه فِي كتب الْكَلَام فَقَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {فَنظر نظرة فِي النُّجُوم فَقَالَ إِنِّي سقيم} ذكر قَوْله إِنِّي سقيم على سَبِيل التَّعْرِيض بِمَعْنى أَن الْإِنْسَان لَا يَنْفَكّ فِي أَكثر أَحْوَاله عَن حُصُول حَالَة مَكْرُوهَة إِمَّا فِي بدنه وَإِمَّا فِي قلبه وكل ذَلِك سقم وَقَالَ بَعضهم ذَلِك القَوْل عَن إِبْرَاهِيم كذب وَرووا حَدِيثا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ مَا كذب إِبْرَاهِيم إِلَّا ثَلَاث كذبات فَقلت لبَعْضهِم هَذَا الحَدِيث

اعتراضات على الحد المذكور للحديث الصحيح مع الجواب عنها

لَا يَنْبَغِي ان يقبل لِأَن فِيهِ نِسْبَة الْكَذِب إِلَى إِبْرَاهِيم فَقَالَ ذَلِك لارجل كَيفَ يحكم بكذب الروَاة الْعُدُول فَقلت لما وَقع التَّعَارُض بَين نِسْبَة الْكَذِب إِلَى الرَّاوِي وَبَين نسبته إِلَى الْخَلِيل كَانَ من الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن نسبته إِلَى الرَّاوِي أولى ثمَّ نقُول لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِكَوْنِهِ كذبا خَبرا شَبِيها بِالْكَذِبِ اهـ اعتراضات على الْحَد الْمَذْكُور للْحَدِيث الصَّحِيح مَعَ الْجَواب عَنْهَا الِاعْتِرَاض الأول قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ فِي التدريب أورد عَلَيْهِ التَّوَاتُر فَإِنَّهُ صَحِيح قطعا وَلَا يشْتَرط فِيهِ مَجْمُوع من الشُّرُوط قَالَ شيخ الْإِسْلَام وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال هَل يُوجد حَدِيث متواتر لم تَجْتَمِع فِيهِ هَذِه الشُّرُوط اهـ أَقُول قد وجد ذَلِك فِيمَا ذكر ابْن حم وَقد نقلنا ذَلِك فِيمَا مضى وَهُوَ قَالَ عَليّ وَقد يرد خبر مُرْسل إِلَّا أَن الْإِجْمَاع قد صَحَّ بِمَا فِيهِ متيقنا مَنْقُولًا جيلا فجيلا فَإِن كَانَ هَذَا علمنَا أَنه مَنْقُول قل كَافَّة كنقل الْقُرْآن فاستغنى عَن ذكر السَّنَد فِيهِ وَكَانَ وُرُود ذَلِك الْمُرْسل وَعدم وُرُوده سَوَاء وَلَا فرق وَذَلِكَ نَحْو لَا وَصِيَّة لوَارث وَكثير من أَعْلَام نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ قوم قد رووها بأسانيد صِحَاح وَهِي منقولة نقل الكافة على ان فِي هَذَا الْإِيرَاد نظرا لِأَن الْمُتَوَاتر يجب أَن لَا يدْخل حد الصَّحِيح الْمَذْكُور لوَجْهَيْنِ الأول مَا سبق من أَن الْمُحدثين لَا يبحثون عَن الْمُتَوَاتر لاستغنائه بالتواتر عَن إِيرَاد سَنَد لَهُ حَتَّى إِنَّه إِذا اتّفق لَهُ سَنَد لم يبْحَث عَن أَحْوَال رُوَاته فَقَوْل الْمُحدثين إِن الحَدِيث يَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف يُرِيدُونَ بِهِ الحَدِيث الْمَرْوِيّ من طَرِيق الْآحَاد وَأما الْمُتَوَاتر فَهُوَ خَارج عَن مورد الْقِسْمَة وَقد ألحق بَعضهم المستفيض بالمتواتر فِي ذَلِك

الثَّانِي مَا ذكرُوا من انهم إِذا قَالُوا هَذَا صَحِيح فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بلك أَنه مستوف لشروط الصِّحَّة وَلَا يُرِيدُونَ بذلك أَنه صَحِيح فِي نفس الْأَمر قَالَ الْحَافِظ ابْن الصّلاح وَمَتى قَالُوا هَذَا صَحِيح فَمَعْنَاه أَنه اتَّصل سَنَده مَعَ سَائِر الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة وَلَيْسَ من شَرطه أَن يكون مَقْطُوعًا بِهِ فِي نفس المر إِذْ مِنْهُ مَا ينْفَرد بروايته عدل وَاحِد وَلَيْسَ من الْأَخْبَار الَّتِي أَجمعت الْأمة على تلقيها بِالْقبُولِ وَكَذَلِكَ إِذا قَالُوا فِي حَدِيث إِنَّه غير صَحِيح فَلَيْسَ ذَلِك قطعا بِأَنَّهُ كذب فِي نفس الْأَمر إِذْ قد يكون صدقا فِي نفس الْأَمر وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ أَنه لم يَصح إِسْنَاده على الشَّرْط الْمَذْكُور وَالصَّحِيح يتنوع إِلَى مُتَّفق عَلَيْهِ ومختلف فِيهِ ويتنوع إِلَى مَشْهُور وغريب وَبَين ذَلِك ثمَّ إِن دَرَجَات الصَّحِيح تَتَفَاوَت فِي الْقُوَّة بِحَسب تمكن الحَدِيث من الصِّفَات الْمَذْكُورَة الَّتِي تنبني الصِّحَّة عَلَيْهَا وينقسم بِاعْتِبَار ذَلِك إِلَى أَقسَام يستعصي إحصاؤها على الْعَاد الْحَاضِر وَلِهَذَا نرى الْإِمْسَاك عَن الحكم لإسناد أَو حَدِيث بِأَنَّهُ الْأَصَح على الْإِطْلَاق اهـ هَذَا وَلَيْسَ فِي عبارَة ابْن الصّلاح الْمَذْكُور أَولا مَا يُوجب خُرُوج الْمُتَوَاتر لكَونه مَقْطُوعًا بِهِ عَن الصَّحِيح الْمَذْكُور لِأَنَّهُ لم يقل وَمن شَرط الصَّحِيح أَن لَا يكون مَقْطُوعًا بِهِ فِي نفس الْأَمر بل قَالَ وَلَيْسَ من شَرط الصَّحِيح أَن يكون مَقْطُوعًا بِهِ فِي نفس الْأَمر وَهِي عبارَة لَا تنَافِي أَن يكون فِي الصَّحِيح الْمَذْكُور مَا يكون مَقْطُوعًا بِهِ فِي نفس الْأَمر وَبِهَذَا تعلم أَن لَا تنَافِي بَين مَا قَالَه هُنَا وَبَين مَا قَالَه فِيمَا بعد وَهُوَ أَن الحَدِيث الَّذِي اتّفق عَلَيْهِ البُخَارِيّ وَمُسلم مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ مَا توهم ذَلِك بعض الْحفاظ وَمن الْغَرِيب محاولة شيخ الْإِسْلَام إِدْخَال الْمُتَوَاتر فِي تَعْرِيف الصَّحِيح الْمَذْكُور مَعَ أَنه قاال فِي شرح النخبة وَإِنَّمَا أبهمت شُرُوط الْمُتَوَاتر فِي الأَصْل لِأَنَّهُ على

هَذِه الْكَيْفِيَّة لَيْسَ من مبَاحث علم الْإِسْنَاد إِذْ علم الْإِسْنَاد يبْحَث فِيهِ عَن صِحَة الحَدِيث أَو ضعفه ليعْمَل بِهِ أَو يتْرك من حَيْثُ صِفَات الرِّجَال وصيغ الْأَدَاء والمتواتر لَا يبْحَث عَن رِجَاله بل يجب الْعَمَل بِهِ من غير بحث وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فِي تَعْرِيف الصَّحِيح لذاته وَخبر الْآحَاد بِنَقْل عدل تَامّ الضَّبْط مُتَّصِل السَّنَد غير مُعَلل وَلَا شَاذ هُوَ الصَّحِيح لذاته فَأدْخل فِي التَّعْرِيف مَا يخرج بِهِ الْمُتَوَاتر قطعا وَأما تَعْرِيف الْجُمْهُور فَإِنَّهُ يُمكن دُخُول الْمُتَوَاتر فِيهِ لَو لم يصرحوا بِأَنَّهُم لم يقصدوا دُخُوله فِيهِ لَو لم يصرحوا بِأَنَّهُم لم يقصدوا دُخُوله فِيهِ وَمَا ذكر من أَنه قد وجد فِي الْمُتَوَاتر مَا لَا سَنَد لَهُ أصلا أَو مَا لَهُ سَنَد وَلَكِن فِيهِ مقَال قد يُقَال إِنَّه نَادِر وَخُرُوج الصُّور النادرة من التَّعْرِيف قد أجَازه بعض الْعلمَاء هَذَا وَقد وَقع لبَعض من كتب فِي هَذَا الْفَنّ وَهُوَ فِيهِ ضَعِيف أَن قَالَ قد توهم بعض الأفاضل من قَوْلهم فِي تَعْرِيف الْمُتَوَاتر إِنَّه خبر جمع يُؤمن تواطؤهم على الْكَذِب أَنه لَا يكون إِلَّا صَحِيحا وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الِاصْطِلَاح بل مِنْهُ مَا يكون صَحِيحا اصْطِلَاحا بِأَن يرويهِ عدُول عَن مثلهم وَهَكَذَا من ابْتِدَائه إِلَى انتهائه وَمِنْه مَا يكون ضَعِيفا كَمَا إِذا كَانَ فِي بعض طبقاته غير عدل ضَابِط فَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح اصْطِلَاحا وَإِن كَانَ صَحِيحا بِمَعْنى انه مُطَابق للْوَاقِع بِاعْتِبَار أَمن تواطئ نقلته على الْكَذِب وَعبارَة التَّقْرِيب فِيهِ صَرِيحَة فِيمَا ذَكرْنَاهُ إِذْ جعله قسما من الْمَشْهُور وَقِسْمَة إِلَى صَحِيح وَغَيره أَي حسن وَضَعِيف فتبصر اهـ أَقُول يَكْفِي المتبصر أَن يرجع إِلَى وجدانه وَأقرب إِلَيْهِ من ذَلِك أَن ينظر فِي عبارَة التَّقْرِيب الَّتِي نقلناها عَنهُ آنِفا وليت هَذَا النَّاقِل اقتفى أثر ذَلِك الْفَاضِل

الِاعْتِرَاض الثَّانِي قد تقرر أَن الْحسن إِذا رُوِيَ من غير وَجه انْتقل من دَرَجَة الْحسن إِلَى دَرَجَة الصِّحَّة وَهُوَ غير دَاخل فِي الْحَد الْمَذْكُور وَكَذَلِكَ مَا اعتضد بتلقي الْعلمَاء لَهُ بِالْقبُولِ فَإِن بعض الْعلمَاء لَهُ بِالْقبُولِ وَإِن لم يكن لَهُ إِسْنَاد صَحِيح قَالَ ابْن عبد الْبر فِي الاستذكار لما حكى عَن التِّرْمِذِيّ أَن البُخَارِيّ صحّح حَدِيث الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ وَأهل الحَدِيث لَا يصححون مثل إِسْنَاده لَكِن الحَدِيث عِنْدِي صَحِيح لِأَن الْعلمَاء تلقوهُ بِالْقبُولِ وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْحصار فِي تقريب المدارك على موطأ مَالك قد يعلم الْفَقِيه صِحَة الحَدِيث إِذا لم يكن فِي سَنَده كَذَّاب بموافقة آيَة من كتاب الله أَو بعض أصُول الحَدِيث إِذا لم يكن فِي سَنَده كَذَّاب بموافقة آيَة من كتاب الله أَو بعض أصُول الشَّرِيعَة فيحمله ذَلِك على قبُوله وَالْعَمَل بِهِ وَأجِيب عَن ذَلِك بِأَن الْحَد الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ للصحيح لذاته وَمَا أورد فَهُوَ من قبيل الصَّحِيح لغيره الِاعْتِرَاض الثَّالِث من شَرط الحَدِيث الصَّحِيح أَن لَا يكون فِي الْمُنكر فحقهم أَن يزِيدُوا فِي الْحَد مَا يخرج بِهِ الْمُنكر وَأجِيب عَن لَك بِأَن النَّاس فِي الْمُنكر فريقان فريق يَقُول إِنَّه هُوَ والشاذ سيان وعَلى ذَلِك فَلَا إِشْكَال وفريق يَقُول إِن الْمُنكر أَسْوَأ حَالا من الشاذ وعَلى ذَلِك يُقَال إِن اشْتِرَاط نفي الشذوذ يَقْتَضِي اشْتِرَاط نَفْيه بطرِيق الأولى وَقد تبين بِمَا ذكرنَا أَن هَذَا الْحَد لَا يرد عَلَيْهِ شَيْء وَمِمَّا يستغرب فِي هَذَا الْحَد أَنه

فوائد تتعلق بمبحث الصحيح

يُمكن أَن يُوَافق أَكثر الْفرق الَّتِي زَادَت بعض الشُّرُوط كالجبائي وَمن نحا نَحوه مثلا فَإِنَّهُ لَا يَقُول بِصِحَّة الحَدِيث إِذا انْفَرد بِهِ وَاحِد وَلَو فِي طبقَة وَاحِدَة من الطَّبَقَات إِلَّا أَن يعضد الحَدِيث عاضد مِمَّا ذكر سَابِقًا فَإِذا اسْتعْمل هَذَا الْحَد أخرج مَا انْفَرد بِهِ وَاحِد من غير أَن يكون لَهُ عاضد بقوله من غير شذوذ وَفسّر الشذوذ بِمَا يُوَافق مَا ذهب إِلَيْهِ مَعَ ان الْجُمْهُور يفسرون الشذوذ بمخالفة الثِّقَة لمن هُوَ أرجح مِنْهُ وَكَمن يشْتَرط فِي صِحَة الحَدِيث أَن لَا يكون الرَّاوِي قد عمل بخلافة بعد رِوَايَته لَهُ فَإِذا اسْتعْمل هَذَا الْحَد أخرج الحَدِيث الَّذِي عمل الرَّاوِي لَهُ بِخِلَافِهِ بقوله وَلَا عِلّة وَجعل من الْعِلَل القادحة مُخَالفَة عمل الرَّاوِي لما رَوَاهُ وَإِن أردْت إِيرَاد حد يدْخل فِيهِ الصَّحِيح لغيره يمكنك أَن تَقول الحَدِيث الصَّحِيح هُوَ الحَدِيث الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده على وَجه تسكن إِلَيْهِ النَّفس مَعَ السَّلامَة من الشذوذ وَالْعلَّة وَإِن أردْت أجمع مِنْهُ يمكنك أَن تَقول الحَدِيث الصَّحِيح هُوَ الحَدِيث الْمَرْوِيّ على وَجه تسكن إِلَيْهِ النَّفس من الشذوذ وَالْعلَّة فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الصَّحِيح الْفَائِدَة الأولى فِي أَن من ألف فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد هُوَ البُخَارِيّ وَمُسلم أول من صنف فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ الْجعْفِيّ وتلاه الإِمَام أَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي الْقشيرِي وَكَانَ مُسلم مِم أَخذ عَن البُخَارِيّ واستفاد مِنْهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِك يُشَارِكهُ فِي أَكثر شُيُوخه وكتاباهما أصح كتب الحَدِيث وَأما قَول الإِمَام الشَّافِعِي مَا على وَجه الأَرْض بعد كتاب الله أصح من كتاب مَالك فَإِنَّهُ كَانَ قبل وجود كِتَابَيْهِمَا وَأما قَول بَعضهم إِن مَالِكًا أول من صنف فِي الصَّحِيح فَهُوَ مُسلم غير أَنه

الفائدة الثانية

لم يقْتَصر فِي كِتَابه عَلَيْهِ بل أَدخل فِيهِ الْمُرْسل والمنقطع والبلاغات وَمن بلاغاته أَحَادِيث لَا تعرف كَمَا ذكره الْحَافِظ ابْن عبد الْبر فَهُوَ لم يجرد الصَّحِيح وَاعْترض بَعضهم على ذَلِك فَقَالَ إِن مثل ذَلِك قد وَقع فِي كتاب البُخَارِيّ قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِن كتاب مَالك صَحِيح عِنْده وَعند من يقلده على مَا اقْتَضَاهُ نظره من الِاحْتِجَاج بالمرسل والمنقطع وَغَيرهمَا لَا على الشَّرْط الَّذِي تقدم التَّعْرِيف بِهِ قَالَ وَالْفرق بَين مَا فِيهِ من الْمُنْقَطع وَبَين مَا فِي البُخَارِيّ أَن الَّذِي فِي الْمُوَطَّأ هُوَ مسموع لمَالِك كَذَلِك غَالِبا وَهُوَ حجَّة عِنْده وَالَّذِي فِي البُخَارِيّ قد حذف إِسْنَاده عمدا لقصد التَّخْفِيف إِن كَانَ ذكره فِي مَوضِع آخر مَوْصُولا أَو لقصد التنويع إِن كَانَ على غير شَرطه ليخرجه عَن مَوْضُوع كِتَابه وَإِنَّمَا يذكر مَا يذكر من ذَلِك تَنْبِيها أَو اسْتِشْهَادًا أَو استئناسا أَو تَفْسِيرا لبَعض آيَات أَو غير ذَلِك مِمَّا سَيَأْتِي عِنْد الْكَلَام على التَّعْلِيق فَظهر بِهَذَا أَن الَّذِي فِي البُخَارِيّ لَا يُخرجهُ عَن كَونه جرد فِيهِ الصَّحِيح بِخِلَاف الْمُوَطَّأ الْفَائِدَة الثَّانِيَة فِي شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم ألف الْحَازِمِي كتابا فِي شُرُوط الْأَئِمَّة ذكر فِيهِ شَرط الشَّيْخَيْنِ وَغَيرهمَا فَقَالَ مَذْهَب من يخرج الصَّحِيح أَن يعْتَبر حَال الرَّاوِي الْعدْل فِي مشايخه وفيمن روى عَنْهُم وهم ثِقَات أَيْضا وَحَدِيثه عَن بَعضهم صَحِيح ثَابت يلْزم إِخْرَاجه وَعَن بَعضهم مَدْخُول لَا يَصح إِخْرَاجه لَا فِي الشواهد والمتابعات وَهَذَا بَاب فِيهِ غموض وَطَرِيقَة معرفَة طَبَقَات الروَاة عَن رَاوِي الأَصْل ومراتب مداركهم ولنوضح ذَلِك بمثال

وَهُوَ أَن تعلم أَن أَصْحَاب الزُّهْرِيّ مثلا على خمس طَبَقَات وَلكُل طبقَة مِنْهَا مزية على الَّتِي تَلِيهَا فَالْأولى فِي غَايَة الصِّحَّة نَحْو مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَيُونُس وَعقيل وَنَحْوهم وَهِي مقصد البُخَارِيّ وَالثَّانيَِة شاركت الأولى فِي الْعَدَالَة غير أَن الأولى جمعت بَين الْحِفْظ والإتقان وَبَين طول الْمُلَازمَة لِلزهْرِيِّ حَتَّى كَانَ مِنْهُم من يزامله فِي السّفر ويلازمه فِي الْحَضَر وَالثَّانيَِة لم تلازم الزُّهْرِيّ إِلَّا مُدَّة يسيرَة فَلم تمارس حَدِيثه وَكَانُوا فِي الإتقان دون الطَّبَقَة الأولى كالليث بن سعد وَالْأَوْزَاعِيّ والنعمان بن رَاشد وَهُوَ شَرط مُسلم وَالثَّالِثَة لزموا الزُّهْرِيّ مثل أهل الطَّبَقَة الأولى غير أَنهم لم يسلمُوا من غوائل الْجرْح فهم بَين الرَّد وَالْقَبُول كجعفر بن برْقَان وسُفْيَان بن حُسَيْن السّلمِيّ وَزَمعَة بن صَالح الْمَكِّيّ وهم شَرط أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالرَّابِعَة تقوم شاركوا الثَّالِثَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وتفردوا بقلة ممارستهم لحَدِيث الزُّهْرِيّ لأَنهم لم يلازموه كثيرا كمعاوية بن يحيى الصَّدَفِي وَإِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ والمثنى بن الصَّباح وَهُوَ شَرط التِّرْمِذِيّ وَالرَّابِعَة قوم شاركوا الثَّالِثَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وتفردوا بقلة ممارستهم لحَدِيث الزُّهْرِيّ لنهم لم يلازموه كثيرا كمعاوية بن يحيى الصَّدَفِي وَإِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ والمثنى بن الصَّباح وهم شَرط التِّرْمِذِيّ

وَالْخَامِسَة نفر من الضُّعَفَاء والمجهولين لَا يجوز لمن يخرج الحَدِيث على الْأَبْوَاب أَن يخرج حَدِيثهمْ إِلَّا على سَبِيل الِاعْتِبَار والاستشهاد عِنْد أبي دَاوُد فَمن دونه فَأَما عِنْد الشَّيْخَيْنِ فَلَا كبحر بن كنيز السقاء وَالْحكم بن عبد الله الْأَيْلِي وَقد يخرج البُخَارِيّ أَحْيَانًا عَن أَعْيَان الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَمُسلم عَن أَعْيَان الطَّبَقَة الثَّالِثَة وَأَبُو دَاوُد عَن مشاهير الرَّابِعَة وَذَلِكَ لأسباب اقتضته وَقَالَ ابْن طَاهِر شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم أَن يخرجَا الحَدِيث الْمجمع على ثِقَة رِجَاله إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور قَالَ الْعِرَاقِيّ وَلَيْسَ مَا قَالَه بجيد لِأَن النَّسَائِيّ

ضعف رجَالًا أخرج لَهُم الشَّيْخَانِ اَوْ أَحدهمَا وَأجِيب بِأَنَّهُمَا أخرجَا من أجمع على ثقته إِلَى حِين تصنيفهما وَلَا يقْدَح فِي ذَلِك تَضْعِيف النَّسَائِيّ بعد وجود الْكِتَابَيْنِ قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر تَضْعِيف النَّسَائِيّ إِن كَانَ بِاجْتِهَادِهِ أَو نَقله عَن معاصر فَالْجَوَاب ذَلِك وَإِن نَقله عَن مُتَقَدم فَلَا قَالَ وَيُمكن أَن يُجَاب بَان نما قَالَه ابْن طَاهِر هُوَ الأَصْل الَّذِي بنيا عَلَيْهِ أَمرهمَا وَقد يخرجَانِ عَنهُ لمرجح يقوم مقَامه وَسُئِلَ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية عَن مسَائِل وَهِي مَا معنى إِجْمَاع الْعلمَاء وَإِذا أَجمعُوا فَهَل يسوغ للمجتهد مخالفتهم وَهل قَول الصَّحَابِيّ حجَّة وَمَا معنى الْحسن والمرسل والغريب من الحَدِيث وَمَا معنى قَول التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب فقد جمع بَين الْحسن وَالصِّحَّة والغرابة فِي حَدِيث وَاحِد وَهل فِي الحَدِيث متواتر لفظا وَهل أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ تفِيد الْيَقِين أَو الظَّن وَمَا شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم فَإِنَّهُم قد فرقوا بَينهمَا فَأجَاب عَنْهَا وَقَالَ فِي الْجَواب عَن الْمَسْأَلَة الخبيرة الَّتِي نَحن الْآن فِي صدد الْبَحْث عَنْهَا بِمَا صورته واما شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم فَلهَذَا رجال يروي عَنْهُم يخْتَص بهم وَلِهَذَا رجال يروي عَنْهُم يتص بهم وهما مشتركان فِي رجال آخَرين وَهَؤُلَاء الَّذين اتفقَا عَلَيْهِم عَلَيْهِم مدَار الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَقد يروي أحدهم عَن رجل فِي المتابعات والشواهد دون الأَصْل وَقد يروي عَنهُ مَا عرف من طَرِيق غَيره وَلَا يروي مَا انْفَرد بِهِ وَقد يتْرك من حَدِيث الثِّقَة مَا علم أَنه أَخطَأ فِي فيظن من لَا خبْرَة لَهُ أَن كل مَا رَوَاهُ ذَلِك الشَّخْص يحْتَج بِهِ أَصْحَاب الحَدِيث وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِن معرفَة علل الحَدِيث علم شرِيف يعرفهُ أَئِمَّة الْفَنّ كيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ صَاحب الصَّحِيح وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم وَهَذِه عُلُوم يعرفهَا أَصْحَابهَا اهـ

وَأما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَاكِم من انهما لم يخرجَا حَدِيث من لم يرو عَنهُ إِلَّا راو وَاحِد فقد سبق مَا قيل فِيهِ وَأَنه مُخَالف للْوَاقِع وَقد أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم حَدِيث بن حزن وَالِد سعيد بن الْمسيب فِي وَفَاة أبي طَالب وَلم يرو عَنهُ غير ابْنه سعيد وَأخرج البُخَارِيّ حَدِيث عَمْرو بن تغلب ني لأعطي الرجل وَالَّذِي أدع أحب إِلَيّ وَلم يرو عَنهُ غير الْحسن وَحَدِيث قيس بن أبي حَازِم عَن مرداس الْأَسْلَمِيّ يذهب الصالحون وَلم يرو عَنهُ غير قيس وَأخرج مُسلم حَدِيث رَافع بن عَمْرو الْغِفَارِيّ وَلم يرو عَنهُ غير عبد الله بن

فصل في بيان شروط البخاري وموضوعه

الصَّامِت وَحَدِيث ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ وَلم يرو عَنهُ غير أبي سَلمَة ونظائر ذَلِك فِي الصَّحِيحَيْنِ كَثِيرَة وَقد تعرض الْحَافِظ السُّيُوطِيّ فِي التوشيح لبَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوع كِتَابه فَأَحْبَبْت إِيرَاده بِتَمَامِهِ لما فِيهِ من الْفَوَائِد المهمة قَالَ فِي أَوله فصل فِي بَيَان شُرُوط البُخَارِيّ وموضوعه اعْلَم أَن البُخَارِيّ لم يُوجد عِنْده تَصْرِيح بِشَرْط معِين وَغنما أَخذ ذَلِك من تَسْمِيَة الْكتاب والاستقراء من تصرفه أما أَولا فَإِنَّهُ سَمَّاهُ الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند الْمُخْتَصر من أُمُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسننه وأيامه فَعلم من قَوْله الْجَامِع أَنه لم يَخُصُّهُ بصنف دون صنف وَلِهَذَا أورد فِيهِ الْأَحْكَام والفضائل وَالْأَخْبَار عَن الْأُمُور الْمَاضِيَة والآتية وَغير ذَلِك من الْآدَاب وَالرَّقَائِق وَمن قَوْله الصَّحِيح أَنه لَيْسَ فِيهِ شَيْء ضَعِيف عِنْده وَإِن كَانَ فِيهِ مَوَاضِع

قد انتقدها غَيره فقد أُجِيب عَنْهَا وَقد صَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ مَا أدخلت فِي الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ وَمن قَوْله الْمسند أَن مَقْصُوده الْأَصْلِيّ الْأَحَادِيث الَّتِي اتَّصل إسنادها بِبَعْض الصَّحَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوَاء كَانَت من قَوْله أم فعله أم تَقْرِيره وَأما مَا قع فِي الْكتاب من غير ذَلِك فَإِنَّمَا وَقع عرضا وتبعا لَا أصلا مَقْصُودا وَأما مَا عرف بالاستقراء من تصرفه فَهُوَ أَنه يخرج الحَدِيث الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده وَكَانَ كل من رُوَاته عدلا مَوْصُوفا بالضبط فَإِن قصر احْتَاجَ إِلَى مَا يجْبر ذَلِك التَّقْصِير وخلا عَن أَن يكون معلولا أَي فِيهِ عِلّة خُفْيَة قادحة أَو شاذا أَي خَالف رُوَاته من هُوَ أَكثر عددا مِنْهُ أَو أَشد ضبطا مُخَالفَة تَسْتَلْزِم التَّنَافِي ويتعذر مَعَه الْجمع الَّذِي لَا يكون فِيهِ تعسف والاتصال عِنْدهم أَن يعبر كل من الروَاة فِي رِوَايَته عَن شَيْخه بِصفة صَرِيح فِي السماع مِنْهُ كسمعته وحَدثني وَأَخْبرنِي أَو ظَاهِرَة فِيهِ كعن أَو أَن فلَانا قَالَ وَهَذَا الثَّانِي فِي غير المدلس الثِّقَة أما هُوَ فَلَا يقبل مِنْهُ إِلَّا الْمرتبَة الأولى وَشرط حمل الثَّانِي على السماع عِنْد البُخَارِيّ أَن يكون الرَّاوِي قد ثَبت لَهُ لِقَاء من حدث عَنهُ وَلَو مرّة وَاحِدَة وَعرف بالاستقراء من تصرفه فِي الرِّجَال الَّذين يخرج لَهُم أَنه ينتقي أَكْثَرهم صُحْبَة لشيخه وأعرفهم بحَديثه وَإِن أخرج من حَدِيث من لَا يكون بِهَذِهِ الصّفة فَإِنَّمَا يخرج فِي المتابعات أَو حَيْثُ تقوم لَهُ قرينَة بِأَن ذَلِك مِمَّا ضَبطه هَذَا الرَّاوِي فبمجموع ذَلِك وصف الْأَئِمَّة كتابا قَدِيما زحديثا بِأَنَّهُ أصح الْكتب المصنفة فِي الحَدِيث وَأكْثر مَا فضل كتاب مُسلم عَلَيْهِ أَن يجمع الْمُتُون فِي مَوضِع وَاحِد وَلَا يفرقها فِي الْأَبْوَاب ويسوقها تَامَّة وَلَا يقطعهَا فِي التراجم ويحافظ على الْإِتْيَان بألفاظها وَلَا يروي بِالْمَعْنَى ويفردها وَلَا يخلط مَعهَا شَيْئا من أَقْوَال الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ

وَأما البُخَارِيّ فَإِنَّهُ يفرقها فِي الْأَبْوَاب اللائقة بهَا لَكِن رُبمَا كَانَ ذَلِك الحَدِيث ظَاهرا وَرُبمَا كَانَ خفِيا فالخفي رُبمَا حصل تنَاوله بالاقتضاء أَو باللزوم أَو بالتمسك بِالْعُمُومِ أَو بالرمز إِلَى مُخَالفَة مُخَالف أَو بِالْإِشَارَةِ إِلَى أَن بعض طرق ذَلِك الحَدِيث مَا يُعْطي الْمَقْصُود وَإِن خلا عَنهُ لفظ الْمَتْن المسوق هُنَاكَ تَنْبِيها على ذَلِك الْمشَار إِلَيْهِ بذلك وَأَنه صَالح لِأَن يحْتَج بِهِ وَإِن كَانَ لَا يرتقي إِلَى دَرَجَة شَرطه وَاحْتَاجَ لذَلِك أَن يُكَرر الْأَحَادِيث لِأَن كثيرا من الْمُتُون تَشْمَل على عدَّة أَحْكَام فَيحْتَاج أَن يذكر فِي كل بَاب مَا يَلِيق بِهِ من حكم ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه فَإِن سَاقه بِتَمَامِهِ إِسْنَادًا ومتنا طَال وَإِن أهمله فَلَا يَلِيق بِهِ فتصرف فِيهِ بِوُجُوه من التَّصَرُّف وَهُوَ أَنه ينظر الْإِسْنَاد إِلَى غَايَة من يَدُور عَلَيْهِ الحَدِيث من الروَاة أَي ينْفَرد بروايته فيخرجه فِي بَاب عَن راو يرويهِ عَن ذَلِك الْمُنْفَرد وَفِي بَاب آخر عَن راو آخر عَن ذَلِك الْمُنْفَرد وهلم جرا فَإِن كثرت الْأَحْكَام عَن عدد الروَاة عدل عَن سِيَاقه تَمام الْإِسْنَاد إِلَى اختصاره مُطلقًا فيسوق الْمَتْن تَارَة تَاما وَتارَة مُخْتَصرا ثمَّ إِنَّه حَال تصنيفه كَانَ قد بسط التراجم وَالْأَحَادِيث فَجعل لكل تَرْجَمَة حَدِيثا وَبقيت عَلَيْهِ تراجم لم يجد فِي الْحَالة الراهنة مَا يلائمها فأخلاها عَن الحَدِيث وَبقيت عَلَيْهِ أَحَادِيث لم يَتَّضِح لَهُ مَا يرتضيه فِي التَّرْجَمَة عَنْهَا فَجعل لَهَا أبوابا بِلَا تراجم فيوجد فِيهِ أَحْيَانًا بَاب تراجم وَلَيْسَ فِيهِ سوى آيَة أَو كَلَام الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ وَأَحْيَانا بَاب غير مترجم وَقد سَاق فِيهِ حَدِيثا أَو أَكثر نقل ذَلِك أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ عَن الْمُسْتَمْلِي وَأَشَارَ إِلَى أَن بعض من نقل الْكتاب بعد موت مُصَنفه رُبمَا ضم بَابا مترجما إِلَى حَدِيث غير مترجم وأخلى الْبيَاض الَّذِي بَينهمَا فيظن بعض النَّاس أَن هَذَا الحَدِيث يتَعَلَّق بالترجمة الَّتِي قبلهَا فَيجْعَل لَهَا وُجُوهًا من المحامل المتكلفة وَلَا تعلق لَهُ بِهِ الْبَتَّةَ اهـ

وَقد أوضح الْحَافِظ ابْن حجر مَا ذكر فِي آخر هَذَا الْفَصْل فَقَالَ فِي مُقَدّمَة شَرحه وَقع فِي كثير من أبوابه الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة وَفِي بَعْضهَا مَا فِيهِ وَاحِد وَفِي بَعْضهَا مَا فِيهِ آيَة من كتاب الله وَبَعضهَا لَا شَيْء فِيهِ الْبَتَّةَ وَقد ادّعى بَعضهم أَنه صنع ذَلِك عمدا وغرضه أَن يبين أَنه لم يثبت عِنْده حَدِيث بِشَرْطِهِ فِي الْمَعْنى الَّذِي ترْجم لَهُ وَمن ثمَّ وَقع من بعض من نسخ الْكتاب ضم بَاب لم يذكر فِيهِ حَدِيث إِلَى حَدِيث لم يذكر فِيهِ بَاب فأشكل فهمه على النَّاظر فِيهِ وَقد أوضح السَّبَب فِي ذَلِك الإِمَام أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ الْمَالِكِي فِي مُقَدّمَة كِتَابه فِي أَسمَاء رجال البُخَارِيّ فَقَالَ أَخْبرنِي الْحَافِظ أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد الْهَرَوِيّ قَالَ حَدثنَا الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْمُسْتَمْلِي قَالَ انتسخت كتاب البُخَارِيّ من أَصله الَّذِي كَانَ عِنْد صَاحبه مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي فَرَأَيْت فِيهِ أَشْيَاء لم تتمّ وَأَشْيَاء مبيضة مِنْهَا تراجم لم يثبت بعْدهَا شَيْئا وَمِنْهَا أَحَادِيث لم يترجم لَهَا فأضفنا بعض ذَلِك إِلَى بعض قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ مِمَّا يدل على صِحَة هَذَا القَوْل أَن رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْمُسْتَمْلِي وَرِوَايَة أبي مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَرِوَايَة أبي الْهَيْثَم الكشميهيني وَرِوَايَة أبي زيد الْمروزِي مُخْتَلفَة بالتقديم وَالتَّأْخِير مَعَ أَنهم انتسخوا من أصل وَاحِد وَإِنَّمَا ذَلِك

بِحَسب مَا قدر كل وَاحِد مِنْهُم فِيمَا كَانَ فِي طرة أَو رقْعَة مُضَافَة انه من مَوضِع مَا فأضافه إِلَيْهِ وَيبين ذَلِك أَنَّك تَجِد ترجمتين وَأكْثر من ذَلِك مُتَّصِلَة لَيْسَ بَينهَا أَحَادِيث قَالَ الْبَاجِيّ وَغنما اوردت هَذَا هُنَا لما عني بِهِ أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث الَّذِي يَليهَا وتكلفهم من ذَلِك من تعسف التَّأْوِيل مَا لَا يسوغ انْتهى قلت هَذِه قَاعِدَة حَسَنَة يفزع إِلَيْهَا حَيْثُ يتعسر الْجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث وَهِي مَوَاضِع قَليلَة جدا ستظهر كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ ظهر لي أَن البُخَارِيّ مَعَ ذَلِك فِيمَا يُورِدهُ من تراجم الْأَبْوَاب على أطوار إِن وجد حَدِيثا يُنَاسب ذَلِك الْبَاب وَلَو على وَجه خَفِي وَافق شَرطه أوردهُ فِيهِ بالصيغة الَّتِي جعلهَا مصطلح لموضوع كِتَابه وَهِي حَدثنَا وَمَا قَامَ مقَام ذَلِك والعنعنة بشرطها عِنْده وَإِن لم يجد فِيهِ إِلَّا حَدِيثا لَا يوفق شَرطه مَعَ صلاحيته للحجة كتبه فِي الْبَاب مغايرا للصيغة الَّتِي يَسُوق بهَا مَا هُوَ من شَرطه وَمن ثمَّ أورد التَّعَالِيق كَمَا سَيَأْتِي فِي فصل حكم التَّعْلِيق وَإِن لم يجد فِيهِ حَدِيثا صَحِيحا لَا على شَرط غَيره وَكَانَ مِمَّا يسْتَأْنس بِهِ ويقدمه قوم على الْقيَاس اسْتعْمل لفظ ذَلِك الحَدِيث أَو مَعْنَاهُ تَرْجَمَة بَاب ثمَّ أورد فِي ذَلِك إِمَّا آيَة من كتاب الله تشهد لَهُ أَو حَدِيثا يُؤَيّد عُمُوم م دلّ عَلَيْهِ ذَلِك الْخَبَر وعَلى هَذَا فالأحاديث الَّتِي فِيهِ على ثَلَاثَة أَقسَام اهـ

وَقد أشكلت عبارَة الْبَاجِيّ على بعض النَّاس فَقَالَ وَهَذَا الَّذِي قَالَه الْبَاجِيّ فِيهِ نظر من حَيْثُ إِن الْكتاب قرئَ على مُؤَلفه وَلَا ريب أَنه لم يقْرَأ عَلَيْهِ إِلَّا مُرَتبا مبوبا فَالْعِبْرَة بالرواية لَا بالمسودة الَّتِي ذكر صفتهَا وَفِي هَذَا النّظر نظر لِأَن الْبَاجِيّ لم يذكر أَن الْكتاب كَانَ غير مبوب وَلَا مُرَتّب بل ذكر أَنه يُوجد فِي بعض الْمَوَاضِع مِنْهُ تراجم لَيْسَ بعْدهَا شَيْء وَأَحَادِيث للم يترجم لَهَا وَهِي كَمَا قَالَ الْحَافِظ مَوَاضِع قَليلَة جدا وَالْكتاب على هَذِه الصّفة يُمكن قِرَاءَته وَأَخذه بالرواية فَإِن قلت كَيفَ يفعل إِذا ول إِلَى تَرْجَمَة لَيْسَ بعْدهَا شَيْء قلت هُنَا احْتِمَالَانِ أَحدهمَا أَن يتْرك قِرَاءَة التَّرْجَمَة وَالثَّانِي أَن يَقْرَأها وَيُشِير إِلَى أَنه لم يجد إِلَى ذَلِك الْوَقْت مَا يُنَاسِبهَا فَإِن قلت فَلم لَا يضْرب عَلَيْهَا قلت إِن كثيرا من المؤلفين مثل ذَلِك ويأملون أَن يَجدوا بعد حِين مَا يُنَاسب التَّرْجَمَة على ان كثيرا من المؤلفات الَّتِي قُرِئت على مؤلفيها لَا تَخْلُو عَن بَيَاض وَأما الْأَحَادِيث الَّتِي لم يترجم لَهَا فَالْأَمْر فِيهَا سهل فَإِنَّهُ يُمكن أَن يَجْعَل عنوان التَّرْجَمَة بَاب وَيذكر بعده الحَدِيث الَّذِي بِمَ يَجْعَل لَهُ تَرْجَمَة خَاصَّة وَلَا يحْتَمل هُنَا عدم قِرَاءَته لِأَن الْمَقْصُود الأول فِي كِتَابه هُوَ معرفَة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَقد وَقع فِي البُخَارِيّ كثيرا ذكر لفظ بَاب وَلَيْسَ بعده شَيْء فَمن ذَلِك فِي كتاب الْإِيمَان بَاب حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ الشُّرَّاح بَاب التَّنْوِين بِغَيْر تَرْجَمَة وَلَفظ الْبَاب سَاقِط عِنْد الْأصيلِيّ وَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيث التَّالِي من جملَة التَّرْجَمَة السَّابِقَة وعَلى رِوَايَة إثْبَاته فَهُوَ كالفصل عَن سابقه لتَعَلُّقه بِهِ وَفِي الحَدِيث السَّابِق بَيَان أَن حب الْأَنْصَار من الْإِيمَان وَفِي الحَدِيث اللَّاحِق الْإِشَارَة إِلَى سَبَب تلقيبهم بالأنصار لِأَن ذَلِك كَانَ لَيْلَة الْعقبَة لما بَايعُوا على إعلاء كلمة الله وَكَانَ يُقَال لَهُم بَنو قيلة وقيلة بِالْفَتْح الْأُم الَّتِي كَانَت تجمع الْقبْلَتَيْنِ اهـ وَاعْلَم أَن صَحِيح مُسلم قد قرئَ على جَامعه مَعَ خلو أبوابه عَن التراجم

الفائدة الثالثة

قَالَ شَارِحه إِن مُسلما رتب كِتَابه على الْأَبْوَاب فَهُوَ مبوب فِي الْحَقِيقَة وَلكنه لنم يذكر تراجم الْأَبْوَاب فِيهِ لِئَلَّا يزْدَاد حجم الْكتاب أَو لغير ذَلِك وَقد ترْجم جمَاعَة أبوابه بتراجم بَعْضهَا جيد وَبَعضهَا لَيْسَ بجيد إِمَّا لقُصُور فِي عبارَة التَّرْجَمَة أَو لركاكة فِي لَفظهَا وَإِمَّا لغير لَك وَأَنا أحرص على التَّعْبِير عَنْهَا بعبارات تلِيق بهَا فِي مواطنها وَأما قَول ذَلِك الْقَائِل إِن الْعبْرَة بالرواية لَا بالمسودة الَّتِي ذكر صفتهَا فَالْجَوَاب أَن الرِّوَايَة إِنَّمَا تلقيت من نسخ الْأُصُول الْمَأْخُوذَة تِلْكَ المسودة وَهِي فِي الْحَقِيقَة مبيضة الْفَائِدَة الثَّالِثَة فِي أَن الشَّيْخَيْنِ لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزما ذَلِك قد ظن أنَاس انهما قد التزما ان يخرجَا كل مَا صَحَّ من الحَدِيث فِي كِتَابَيْهِمَا فاعترضوا عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُمَا لم يقوما بِمَا التزما بِهِ وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فقد رُوِيَ عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ مَا أدخلت فِي كتابي الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ وَتركت جملَة من الصِّحَاح خشيَة أَن يطور الْكتاب وَرُوِيَ عَن مُسلم أَنه لما عوتب على مَا فعل من جمع الْأَحَادِيث الصِّحَاح فِي كتاب وَقيل لَهُ إِن هَذَا يطْرق لأهل الْبدع علينا فيجدون السَّبِيل بِأَن يَقُولُوا إِذا احْتج عَلَيْهِم بِحَدِيث لَيْسَ هَذَا فِي الصَّحِيح قَالَ إِنَّمَا أخرجت هَذَا الْكتاب وَقلت هُوَ صِحَاح وَلم أقل إِن لم أخرجه من الحَدِيث فِي هَذَا الْكتاب فَهُوَ ضَعِيف وَإِنَّمَا أخرجت هَذَا الحَدِيث من الصَّحِيح ليَكُون عِنْدِي وَعند من يَكْتُبهُ عني وَلَا يرتاب فِي صِحَّته وَقد رفع بذلك العتب ولسان حَاله يَقُول إلام على مَا يُوجب الْحبّ

وَمن الْغَرِيب أَن بعض النَّاس لنفرته من تَجْرِيد الصِّحَاح صرح بتفضيل سنَن النَّسَائِيّ على صَحِيح البُخَارِيّ وَقَالَ إِن من شَرط الصِّحَّة فقد جعل لمن لم يستكمل فِي الْإِدْرَاك سَببا إِلَى الطعْن على مَا لم يدْخل وَجعل للجدال موضعا فِيمَا أَدخل وَهُوَ قَول شَاذ لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَو لم يكن النَّاقِل عَن هَذَا الْقَائِل وَأَمْثَاله مِمَّن يوثق بنقله لشك اللبيب فِي صُدُور ذَلِك عَمَّن لَهُ أدنى سهم فِي الْفَهم وكانهم لم يشعروا بِمَا نَشأ عَن مزج الصَّحِيح بِغَيْرِهِ من الضَّرَر الَّذِي حصل لكثير من النَّاس وليتهم نظرُوا فِي مُقَدّمَة كتاب مُسلم نظرة ليقفوا على الْبَاعِث لتجريد الصَّحِيح لَعَلَّهُم يسكتون فيسكت عَنْهُم وَلَكِن الْميل إِلَى الإغراب غريزة فِي بعض النُّفُوس وَالْمَقْصُود هُنَا قَول مُسلم وَبعد يَرْحَمك الله فلولا الَّذِي رَأينَا من سوء صَنِيع كثير مِمَّن نصب نَفسه مُحدثا فِيمَا يلْزمهُم ن طرح الْأَحَادِيث الضعيفة وَالرِّوَايَات الْمُنكرَة وتركهم الِاقْتِصَار على الْأَخْبَار الصَّيْحَة الْمَشْهُورَة مِمَّا نَقله الثِّقَات المعروفون بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أَن كثيرا مِمَّا يقذفون بِهِ إِلَى الْأَغْنِيَاء من النَّاس وَهُوَ مستنكر ومنقول عَن قوم غير مرضيين مِمَّن ذمّ الرِّوَايَة عَنْهُم أَئِمَّة الحَدِيث مثل مَالك بن أنس وَشعْبَة بن الْحجَّاج وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَغَيرهم لما سهل علينا الانتصاب لما سَأَلت من التَّمْيِيز والتحصيل وَلَكِن من أجل مَا أعلمناك من نشر الْقَوْم الْأَخْبَار الْمُنكرَة بِالْأَسَانِيدِ الضِّعَاف المجهولة وقذفهم بهَا إِلَى الْعَوام الَّذين لَا يعْرفُونَ عيوبها خف عل قُلُوبنَا إجابتك إِلَى مَا سَأَلت اهـ وَقد نقلنا فِيمَا سبق مقَالَة أُخْرَى فِي ذمّ هَذِه الْفرْقَة قَالَ فِي آخرهَا وَمن

ذهب فِي الْعلم هَذَا الْمَذْهَب وسلك هَذَا الطَّرِيق لَا نصيب لَهُ فِيهِ وَكَانَ بِأَن يُسمى جَاهِلا أولى من أَن ينْسب إِلَى علم وَبِمَا ذكرنَا من عدم التزامهما إستيعاب الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة أجمع يظْهر لَك أَن لَا وَجه لإلزام من ألزمهما إِخْرَاج أَحَادِيث لم يخرجاها مَعَ كَونهَا صَحِيحَة على شرطيهما قَالَ فِي شرح مُسلم ألزم الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره البُخَارِيّ وَمُسلمًا رَضِي الله عَنْهُمَا إِخْرَاج أَحَادِيث تركا إخراجهما مَعَ أَن أسانيدها أَسَانِيد قد أخرجَا لرواتها فِي صَحِيحهمَا بهَا وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره وَغَيره أَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم رووا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرويت أَحَادِيثهم من وُجُوه صِحَاح لَا مطْعن فِي نَاقِلِيهَا وَلم يخرجَا من أَحَادِيثهم شَيْئا فليزمهما إخراجهما على مذهبيهما وَذكر الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُمَا اتفقَا على أَحَادِيث من صحيفَة همام بن مُنَبّه وَأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا انْفَرد عَن الآخر بِأَحَادِيث مِنْهَا مَعَ ان الْإِسْنَاد وَاحِد وصنف الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ فِي هَذَا النَّوْع الَّذِي ألزموهما وَهَذَا الْإِلْزَام لَيْسَ بِلَازِم فِي الْحَقِيقَة إنَّهُمَا لم يلتزما اسْتِيعَاب الصَّحِيح بل صَحَّ عَنْهُمَا تصريحهما بِأَنَّهُمَا لم يستوعبا وَإِنَّمَا قصد جمع جمل من الصَّحِيح كَمَا يقْصد المُصَنّف فِي الْفِقْه جمع جملَة من مسَائِله لَا أَنه يحصر جَمِيع مسَائِله لكنهما إِذا كَانَ الحَدِيث الَّذِي تركاه أَو تَركه أَحدهمَا مَعَ صِحَة إِسْنَاده فِي الظَّاهِر أصلا فِي بَابه وَلم يخرجَا لَهُ نظيرا وَلَا مَا يقوم مقَامه فَالظَّاهِر من حَالهمَا أَنَّهُمَا اطلعا

فِيهِ على عِلّة إِن كَانَا روياه وَيحْتَمل أَنَّهُمَا تركاه نِسْيَانا أَو إيثارا لترك الإطالة أَو رَأيا أَن غَيره مِمَّا ذكرَاهُ يسد مسده أَو لغير ذَلِك وَالله أعلم وَالظَّاهِر أَن المعترضين عَلَيْهِمَا فِي ذَلِك لم يبلغهم تصريحهما بِمَا ذكر وَمِنْهُم ابْن حبَان فَإِنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَن يناقش البُخَارِيّ وَمُسلم فِي تَركهمَا إِخْرَاج أَحَادِيث هِيَ من شَرطهمَا وَقَالَ بَعضهم لَعَلَّ شُبْهَة المعترضين نشأت من تَسْمِيَة البُخَارِيّ كِتَابه بالجامع وَهِي شُبْهَة واهية لَا سِيمَا إِن نظر إِلَى تَتِمَّة الِاسْم وَقد عرفت سَابِقًا أَنه سَمَّاهُ الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند الْمُخْتَصر من أُمُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسننه وأيامه وَأما الْحَاكِم فَإِنَّهُ الْحَاكِم فَإِنَّهُ اقْتصر على ان قَالَ وَلم يحكما وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا أَنه لم يَصح من الحَدِيث غير مَا خرجه وَقد نبغ فِي عصرنا هَذَا جمَاعَة من المبتدعة يشتمون برواة الْآثَار وَيَقُولُونَ إِن جَمِيع مَا يَصح عنْدكُمْ من الحَدِيث لَا يبلغ عشرَة آلَاف حَدِيث وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي مِقْدَار مَا فاتهما من جِهَة الْقلَّة وَالْكَثْرَة فَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن الأخرم شيخ الْحَاكِم قَلما يفوت البُخَارِيّ وَمُسلمًا مِمَّا يثبت من الحَدِيث وَيرد على ذَلِك قَول البُخَارِيّ فِيمَا نَقله الْحَازِمِي والإسماعيلي وَمَا تركت من الصِّحَاح أَكثر وَقَالَ لانووي قد فاتهما كثير وَالصَّوَاب قَول من قَالَ إِنَّه لم يفت الْأُصُول الْخَمْسَة إِلَّا الْيَسِير وَالْأُصُول الْخَمْسَة هِيَ صَحِيح البُخَارِيّ وصحيح مُسلم وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقد جعل بَعضهم الْأُصُول سِتَّة بِضَم سنَن ابْن ماجة إِلَيْهَا قيل أول من فعل ذَلِك ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي فتابعه أصحال الْأَطْرَاف وَالرِّجَال على ذَلِك وتبعهم

غَيرهم وَإِنَّمَا لم تذكر هُنَا لما قَالَ الْمزي وَهُوَ ان كل مَا انْفَرد بِهِ ابْن ماجة عَن الْخَمْسَة فَهُوَ ضَعِيف قَالَ الْحُسَيْنِي يَعْنِي من الْأَحَادِيث وَقَالَ ابْن حجر إِنَّه انْفَرد بِأَحَادِيث كَثِيرَة وَهِي صَحِيحَة فَالْأولى حمل الضعْف على الرِّجَال وَقد جمع مجد الدّين ابْن الْأَثِير الْأُصُول الْخَمْسَة فِي كتاب وَضم إِلَيْهَا موطأ الإِمَام مَالك حَتَّى صَارَت بذلك سِتَّة وَسَماهُ جَامع الْأُصُول من حَدِيث الرَّسُول فَصَارَ الْوُصُول إِلَى هَذِه الْأُصُول سهل المسلك قريب الْمدْرك وَالْمرَاد بسنن النَّسَائِيّ هُنَا هِيَ الصُّغْرَى لما رُوِيَ أَنه لما صنف الْكُبْرَى أهداها لأمير الرملة فَقَالَ لَهُ أكل مَا فِيهَا صَحِيح فَقَالَ فِيهَا الصَّحِيح وَالْحسن وَمَا يقاربهما فَقَالَ ميز لي الصَّحِيح من غَيره فصنف لَهُ الصُّغْرَى وسماها الْمُجْتَبى من السّنَن وَيرد على مَا ذكر النَّوَوِيّ أَيْضا قَول البُخَارِيّ فِيمَا نقل عَنهُ أحفظ مئة ألف حَدِيث صَحِيح ومئتي ألف حَدِيث غير صَحِيح وَالْأَحَادِيث الَّتِي فِي الْأُصُول الْخَمْسَة لَا تبلغ خمسين ألفا فضلا عَن ان تقرب من مئة ألف فَيكون مَا فاتها من الصَّحِيح كثير جدا قَالَ بعض أهل الْأَثر إِن كثيرا من الْمُتَقَدِّمين كَانُوا يطلقون اسْم الحَدِيث على مَا يَشْمَل آثَار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم وفتاويهم ويعدون الحَدِيث الْمَرْوِيّ بِإِسْنَادَيْنِ حديثين وَحِينَئِذٍ يسهل الْخطب وَكم من حَدِيث ورد من مئة طَرِيق فَأكْثر

وَهَذَا حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ نقل مَعَ مَا فِيهِ عَن الْحَافِظ أبي إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ الْهَرَوِيّ أَنه كتبه من جِهَة سبع مئة من أَصْحَاب يحيى بن سعيد وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ عقب قَول البُخَارِيّ لم أخرج فِي هَذَا الْكتاب إِلَّا صَحِيحا وَمَا تركت من الصَّحِيح أَكثر إِنَّه لَو أخرج كل حَدِيث صَحِيح عِنْده لجمع فِي الْبَاب الْوَاحِد حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة وَلذكر طرق كل وَاحِد مِنْهُم إِذا صحت فَيصير كتابا كَبِيرا جدا وَقَالَ الجوزقي إِنَّه استخرج على أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ فَكَانَت عدَّة الطّرق خَمْسَة وَعشْرين ألف طَرِيق وَأَرْبع مئة وَثَمَانِينَ طَرِيقا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين وَإِذا كَانَ الشَّيْخَانِ مَعَ ضيق شَرطهمَا بلغ جملَة مَا فِي كِتَابَيْهِمَا بالمكرر ذَلِك فَمَا لم يخرجَاهُ من الطّرق للمتون الَّتِي أَخْرَجَاهَا لَعَلَّه يبلغ ذَلِك أَيْضا أَو يزِيد وَمَا لم يخرجَاهُ من الْمُتُون من الصَّحِيح الَّذِي شَرطهمَا لَعَلَّه يبلغ

تتمة في بيان عدد أحاديث الصحيحين

ذَلِك أَو يقرب مِنْهُ فَإِذا أضيف ذَلِك إِلَى مَا جَاءَ عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بلغ الْعدة الَّتِي يحفظها البُخَارِيّ بل رُبمَا زَادَت وَهَذَا الْحمل مُتَعَيّن وَإِلَّا فَلَو عدت أَحَادِيث المسانيد والجوامع وَالسّنَن والمعاجم والفوائد والأجزاء وَغَيرهَا مِمَّا هُوَ بِأَيْدِينَا صَحِيحهمَا وَغَيره مَا بلغت ذَلِك بِدُونِ تكْرَار بل وَلَا نصفه اهـ وَقَالَ بَعضهم وَيُؤَيّد ان هَذَا هُوَ المُرَاد أَن الْأَحَادِيث الَّتِي بَين أَيْدِينَا من الصِّحَاح بل وَغير الصِّحَاح وَلَو تتبعت من المسانيد والجوامع وَالسّنَن والأجزاء وَغَيرهَا مَا بلغت مئة ألف بِلَا تكْرَار بل وَلَا خمسين ألفا وتبعد كل الْبعد أَن يكون رجل وَاحِد يحفظ مَا فَاتَ الْأمة جَمِيعه مَعَ انه إِنَّمَا حفظه من أصُول مشايخه وَهِي مَوْجُودَة اهـ وَقد تبين بِمَا ذكر أَن مَا قَالَه البُخَارِيّ لَا يُنَافِي مَا قَالَه ابْن الخرم فضلا عَمَّا قَالَه النَّوَوِيّ على ان بَعضهم حمل كَلَام ابْن الأخرم فِيمَا فاتهما على الصَّحِيح الْمجمع عَلَيْهِ فَكَأَن قَالَ لم يفتهما من الصَّحِيح الَّذِي هُوَ فِي الدرجَة الأولى إِلَّا الْقَلِيل وَالْأَمر كَذَلِك وَالْأَحَادِيث الَّتِي هِيَ فِي الدرجَة الأولى لَا تبلغ كَمَا قَالَ الْحَاكِم عشرَة آلَاف تَتِمَّة فِي بَيَان عدد أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْحَافِظ ابْن الصّلاح جملَة مَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ سَبْعَة آلَاف ومئتان وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا بالأحاديث المكررة وَقد قيل إِنَّهَا بِإِسْقَاط المكررة أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ هَذَا مُسلم فِي رِوَايَة الْفربرِي وَأما رِوَايَة حَمَّاد بن شَاكر فَهِيَ دونهَا بمئتي حَدِيث وَدون ذَلِك هَذِه بمئة حَدِيث رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن معقل

قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِن عدَّة أَحَادِيث البُخَارِيّ فِي رِوَايَات الثَّلَاث سَوَاء وَغنما حصل الِاشْتِبَاه من جِهَة أَن الْأَخيرينِ فاتهما من سَماع الصَّحِيح على البُخَارِيّ مَا ذكر من آخر الْكتاب فروياه بِالْإِجَازَةِ فالنقص إِنَّمَا هُوَ السماع لَا فِي الْكتاب قَالَ وَالَّذِي تحرر لي أَنَّهَا بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات والموقوفات سَبْعَة آلَاف وَثَلَاث مئة وَسَبْعَة وَتسْعُونَ حَدِيثا وَبِغير المكرر من الْمُتُون الموصولة أَلفَانِ وست مئة وحديثان وَمن الْمُتُون الْمُعَلقَة الْمَرْفُوع الَّتِي لم يصلها فِي مَوضِع آخر مِنْهُ مئة وَتِسْعَة وَخَمْسُونَ فمجموع غير المكرر أَلفَانِ وَسبع مئة وَاحِد وَسِتُّونَ نقل ذَلِك بعض تلاميذه عَنهُ وَقد نقل بعض الْعلمَاء عَن الْحَافِظ الْمَذْكُور حَاصِل مَا قَالَه فِي تَحْرِير الْعدَد إِلَّا أَن فِي زِيَادَة بسط فِيمَا يتَعَلَّق بالمكرر فَأَحْبَبْت إِيرَاد ذَلِك على وَجه يكون أقرب منالا قَالَ جملَة أَحَادِيث البُخَارِيّ بالمكرر سَبْعَة آلَاف وَثَلَاث مئة وَسَبْعَة وَتسْعُونَ 7397 وَجُمْلَة مَا فِيهِ من المعلقات وَذَلِكَ سوى المتابعات وَمَا يذكر بعْدهَا ألف وَثَلَاث مئة وَوَاحِد وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا 1341 وَجُمْلَة مَا فِيهِ من المتابعات والتنبيه على اخْتِلَاف الرِّوَايَات ثَلَاث مئة ولأربعة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا 344 فجملة مَا فِي البُخَارِيّ المكرر تِسْعَة آلَاف وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ 9082 سوى الْمَوْقُوفَات

على الصَّحَابَة والمقطوعات الْوَارِدَة عَن التَّابِعين فَمن بعدهمْ وَعدد كتب البُخَارِيّ مئة وَشَيْء وَعدد أبوابه ثَلَاثَة آلَاف وَأَرْبع مئة وخمسمون بَابا مَعَ اخْتِلَاف قَلِيل فِي نسخ الْأُصُول وَأما صَحِيح مُسلم فجملة مَا فِيهِ بِإِسْقَاط المكرر نَحْو أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث قَالَ فِي شرح مُسلم قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو يَعْنِي ابْن الصّلاح روينَا عَن أبي قُرَيْش الْحَافِظ قَالَ كنت عِنْد أبي زرْعَة الرَّازِيّ فجَاء مُسلم بن الْحجَّاج فَسلم عَلَيْهِ وَجلسَ سَاعَة وتذاكرا فَلَمَّا قَامَ قلت لَهُ هَذَا جمع أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث فِي الصَّحِيح قَالَ أَبُو زرْعَة فَلِمَنْ ترك الْبَاقِي قَالَ الشَّيْخ أَرَادَ أَن كِتَابه هَذَا أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث أصُول دون المكررات اهـ قَالَ الْعِرَاقِيّ وَهُوَ يزِيد على البُخَارِيّ بالمكرر لِكَثْرَة طرقه قَالَ وَرَأَيْت عَن أبي الْفضل أَحْمد بن سَلمَة أَنه قَالَ إِنَّهَا اثْنَا عشر ألف حَدِيث وَقَالَ أَبُو حَفْص المياجي إِنَّهَا ثَمَانِيَة آلَاف قَالَ بعض الباحثين فِي ذَلِك وَلَعَلَّ هَذَا أقرب إِلَى الْوَاقِع مِمَّا قبله وَأحمد بن سَلمَة مِمَّن روى عَن مُسلم قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح كِتَابه روى عَنهُ جماعات من كبار أَئِمَّة عصره وحفاظه وَفِيهِمْ جماعات فِي دَرَجَته فَمنهمْ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ ومُوسَى بن هَارُون وَأحمد بن سَلمَة وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو بكر بن خُزَيْمَة وَيحيى بن صاعد وَأَبُو عوَانَة الإسفرائني وَآخَرُونَ لَا يُحصونَ ثمَّ قَالَ قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله حَدثنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم قَالَ سَمِعت أَحْمد بن سَلمَة يَقُول رَأَيْت أَبَا زرْعَة وَأَبا حَاتِم يقدمان مُسلم بن الْحجَّاج فِي معرفَة الصَّحِيح على مَشَايِخ عصرهما وَفِي رِوَايَة فِي معرفَة الحَدِيث

الفائدة الرابعة

الْفَائِدَة الرَّابِعَة فَمَا انتقد عَلَيْهِمَا وَالْجَوَاب عَن ذَلِك قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قد استدرك جمَاعَة على البُخَارِيّ وَمُسلم أَحَادِيث أخلا بشرطيهما فِيهَا وَنزلت عَن دَرَجَة مَا التزماه وَقد سبقت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا وَقد ألف الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْحسن عل بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ فِي بَيَان ذَلِك كِتَابه الْمُسَمّى بالاستدراكات والتتبع وَذَلِكَ فِي مئتي حَدِيث مِمَّا فِي الْكِتَابَيْنِ وَلأبي مَسْعُود الدِّمَشْقِي أَيْضا عَلَيْهِمَا اسْتِدْرَاك وَلأبي عَليّ الغساني الحياني فِي كِتَابه تَقْيِيد المهمل فِي جُزْء الْعِلَل مِنْهُ اسْتِدْرَاك أَكْثَره على الروَاة وَفِيه مَا يلْزمهُمَا وَقد أُجِيب عَن كل ذَلِك أَو أَكْثَره وستراه فِي موَاضعه اهـ وَقَالَ الحافز ابْن حجر فِي الْفَصْل الثَّامِن من الْمُقدمَة يَنْبَغِي لكل مُصَنف أَن يعلم أَن هَذِه الْأَحَادِيث وَإِن كَانَ أَكْثَرهَا لَا يقْدَح فِي أصل مَوْضُوع الْكتاب فَإِن جَمِيعهَا وَارِد من جِهَة أُخْرَى وَهِي مَا أدعاه الإِمَام أَبُو عَمْرو بن الصّلاح وَغَيره من الْإِجْمَاع على تلقي هَذَا الْكتاب بِالْقبُولِ وَالتَّسْلِيم لصِحَّة جَمِيع مَا فِيهِ فَإِن هَذِه الْمَوَاضِع متنازع فِي صِحَّتهَا فَلم يحصل لَهَا من التلقي مَا حصل لمعظم الْكتاب وَقد نعرض لذَلِك ابْن الصّلاح فِي قَوْله إِلَى مَوَاضِع يسيرَة انتقدها عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره وَقَالَ فِي مُقَدّمَة شرح مُسلم لَهُ مَا أَخذ عَلَيْهِمَا يَعْنِي على البُخَارِيّ وَمُسلم وقدح فِيهِ مُعْتَمد من الْحفاظ فَهُوَ مُسْتَثْنى مِمَّا ذَكرْنَاهُ لعدم الْإِجْمَاع على تلقيه بِالْقبُولِ انْتهى وَهُوَ احْتِرَاز حسن وَقد أَحْبَبْت أَن أورد من هَذَا الْفَصْل المهم على طَرِيق التَّلْخِيص مَا يُمكن الطَّالِب من الإشراف على هَذِه النَّوْع الَّذِي هُوَ من أهم الْأَنْوَاع عِنْد المعروفين فِي

هَذَا الْفَنّ بِالنَّقْدِ والتمييز وَمن أَرَادَ الِاسْتِيفَاء فَليرْجع إِلَى الأَصْل قَالَ أجزل الله ثَوَابه اعْلَم أَن الْجَواب عَمَّا يتَعَلَّق سهل لِأَن وضع الْكِتَابَيْنِ إِنَّمَا هُوَ للمسندات وَالْمُعَلّق لَيْسَ بِمُسْنَد وَلِهَذَا لم يتَعَرَّض الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَا تتبعه على الصَّحِيحَيْنِ إِلَى الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة الَّتِي لم توصل فِي مَوضِع آخر لعلمه بِأَنَّهَا لَيست من مَوْضُوع الْكتاب وَغنما ذكرت استئناسا واستشهادا وَقد ذكرنَا الْأَسْبَاب الحاملة للْمُصَنف على تَخْرِيج ذَلِك التَّعْلِيق وَأَن مُرَاده بذلك أَن يكون الْكتاب جَامعا لأكْثر الْأَحَادِيث الَّتِي يحْتَج بهَا إِلَّا أَن مِنْهَا مَا هُوَ على شَرطه فساقه سِيَاق الأَصْل وَمِنْهَا مَا هُوَ على غير شَرطه فغاير السِّيَاق فِي إِيرَاده ليمتاز فَانْتفى إِيرَاد المعلقات وَبَقِي الْكَلَام فِيمَا علل من الْأَحَادِيث المسندات وعدة مَا اجْتمع لنا من ذَلِك مِمَّا فِي كتاب البُخَارِيّ وغن شَاركهُ مُسلم فِي بعضه مئة وَعشرَة أَحَادِيث مِنْهَا مَا وَافقه مُسلم على تَخْرِيجه وَهُوَ اثْنَان وَثَلَاثُونَ حَدِيثا وَمِنْهَا انْفَرد بتخريجه وه ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا وَالْأَحَادِيث الَّتِي انتقدت عَلَيْهِمَا تَنْقَسِم سِتَّة أَقسَام الْقسم الأول مِنْهَا مَا تخْتَلف الروَاة فِيهِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص من رجال الْإِسْنَاد الْقسم الثَّانِي مَا تخْتَلف الروَاة فِيهِ بتغيير رجال بعض الْإِسْنَاد الْقسم الثَّالِث مِنْهَا مَا تفرد بعض الروَاة بِزِيَادَة فِيهِ عَمَّن هُوَ اكثر عددا أَو أضبط الْقسم الرَّابِع مِنْهَا مَا تفرد بِهِ بعض الروَاة مِمَّن ضعف الْقسم الْخَامِس مِنْهَا مَا حكم فِيهِ بالوهم على بعض رِجَاله الْقسم السَّادِس مِنْهَا مَا اخْتلف فِيهِ بتغيير بعض أَلْفَاظ الْمَتْن

في كتاب الصلاة

وَهَذَا أَكْثَره لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ قدح لِإِمْكَان الْجمع فِي الْمُخْتَلف من ذَلِك أَو التَّرْجِيح على ان الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من أَئِمَّة النَّقْد لم يتَعَرَّضُوا لِاسْتِيفَاء ذَلِك من الْكِتَابَيْنِ كَمَا تعرضوا لذَلِك فِي الْإِسْنَاد فَهَذِهِ جملَة أَقسَام مَا انتقده الْأَئِمَّة على الصَّحِيح وَهَذَا حِين الشُّرُوع فِي إيرادها على تَرْتِيب مَا وَقع فِي الأَصْل لتسهل مراجعتها وَقد اوردنا نَحن من ذَلِك مَا يَكْفِي لمطالع كتَابنَا هَذَا فِي كتاب الصَّلَاة 1 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أخرجَا جَمِيعًا حَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس قَالَ كُنَّا نصلي الْعَصْر ثمَّ يذهب الذَّاهِب منا إِلَى قبَاء فيأتيهم وَالشَّمْس مُرْتَفعَة وَهَذَا مِمَّا ينْتَقد بِهِ على مَالك لِأَنَّهُ رَفعه وَقَالَ فِيهِ إِلَى قبَاء وَخَالفهُ عدد كثير مِنْهُم شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَصَالح بن كيسَان وَعَمْرو بن الْحَارِث وَيُونُس بن يزِيد وَمعمر وَاللَّيْث بن سعد وَابْن أبي ذِئْب وَآخَرُونَ انْتهى وَقد تعقبه النَّسَائِيّ أَيْضا على مَالك وَمَوْضِع التعقب مِنْهُ قَوْله إِلَى قبَاء وَالْجَمَاعَة كلهم قَالُوا إِلَى العوالي وَمثل هَذَا الْوَهم الْيَسِير لَا يلْزم مِنْهُ الْقدح فِي صِحَة الحَدِيث لَا سِيمَا وَقد أخرجَا الرِّوَايَة المحفوظة اهـ أَقُول وَقد أخرج البُخَارِيّ ذَلِك فِي بَاب وَقت الْعَصْر وَقَالَ فِي الرِّوَايَة

المحفوظة حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنِي أنس بن مَالك قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة حَيَّة فَيذْهب الذَّاهِب إِلَى العوالي فيأتيهم وَالشَّمْس مُرْتَفعَة وَبَعض العوالي من الْمَدِينَة على أَرْبَعَة أَمْيَال أَو نَحوه وَأخرج مُسلم ذَلِك فِي بَاب اسْتِحْبَاب التبكير بالعصر وَقَالَ فِي الرِّوَايَة المحفوظة حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ أَنبأَنَا اللَّيْث - ح - وَحدثنَا مُحَمَّد بن رمح قَالَ أَنبأَنَا اللَّيْث بن شهَاب عَن أنس بن مَالك انه أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة حَيَّة فَيذْهب الذَّاهِب إِلَى العوالي فَيَأْتِي العوالي وَالشَّمْس مُرْتَفعَة لم يذكر قُتَيْبَة فَيَأْتِي العوالي اهـ وَابْن شهَاب هُوَ الزُّهْرِيّ 2 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أخرجَا جَمِيعًا حَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يحل لامْرَأَة تُسَافِر وَلَيْسَ مَعهَا محرم قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقد رَوَاهُ مَالك وَيحيى بن أبي كثير وَسُهيْل عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة يَعْنِي لم يَقُولُوا عَن أَبِيه قلت لم يهمل البُخَارِيّ حِكَايَة هَذَا الِاخْتِلَاف بل ذكره عقب حَدِيث ابْن أبي ذِئْب وَالْجَوَاب عَن هَذَا الِاخْتِلَاف كالجواب عَن الحَدِيث الثَّانِي فَإِن سعيدا المَقْبُري سمع من أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَسمع من أبي هُرَيْرَة فَلَا يكون هَذَا الِاخْتِلَاف قادحا وَقد اخْتلف فِيهِ على مَالك فَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث بشر بن عمر عَنهُ عَن سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ بعده لم يقل أحد من أَصْحَاب مَالك فِي هَذَا الحَدِيث عَن سعيد عَن أَبِيه غير بشر بن

في كتاب الجنائز

عملا اهـ وَقد أخرجه أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه من حَدِيث بشر بن عمر أَيْضا وَصحح ابْن حبَان الطَّرِيقَيْنِ مَعًا وَالله اعْلَم أَقُول أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي بَاب فِي كم تقصر الصَّلَاة فَقَالَ حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب قَالَ حَدثنَا سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة لَيْسَ مَعهَا حُرْمَة تَابعه يحيى بن أبي كثير وَسُهيْل وَمَالك عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة اهـ وَقَوله حُرْمَة بِضَم الْحَاء وَسُكُون الرَّاء أَي رجل ذُو حُرْمَة مِنْهَا بِنسَب أَو غَيره فِي كتاب الْجَنَائِز 3 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أخرج البُخَارِيّ حَدِيث دَاوُد بن أبي الْفُرَات عَن ابْن بُرَيْدَة عَن أبي الْأسود عَن عمر مر بِجنَازَة فَقَالَ وَجَبت الحَدِيث وَقد قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ إِن ابْن بُرَيْدَة إِنَّمَا يروي عَن يحيى بن يعمر عَن أبي الْأسود وَلم يقل فِي هَذَا الحَدِيث سَمِعت أَبَا الْأسود قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقلت أَنا وَقد رَوَاهُ وَكِيع عَن عمر بن الْوَلِيد الشني عَن ابْن بُرَيْدَة عَن عمر وَلم يذكر بَينهمَا أحد انْتهى وَلم أره إِلَى الْآن من حَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة إِلَّا العنعنة فعلته بَاقِيَة إِلَّا أَن يعْتَذر للْبُخَارِيّ عَن تَخْرِيجه بِأَن اعْتِمَاده فِي الْبَاب على حَدِيث عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس بِهَذِهِ الْقِصَّة سَوَاء وَقد وَافقه مُسلم على تَخْرِيجه وَأخرج البُخَارِيّ حَدِيث أبي الْأسود كالمتابعة لحَدِيث عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب فَلم يسْتَوْف نفي الْعلَّة عَنهُ كَمَا يستوفيها فِيمَا يُخرجهُ فِي الْأُصُول وَالله اعْلَم أَقُول ذكر البُخَارِيّ ذَلِك فِي بَاب ثَنَاء النَّاس على الْمَيِّت فَقَالَ حَدثنَا

في كتاب البيوع

آدم حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول مروا بِجنَازَة فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَبت ثمَّ مروا بِأُخْرَى فَأَثْنوا عَلَيْهَا شرا فَقَالَ وَجَبت فَقَالَ عمر بن الْخطاب مَا وَجَبت قَالَ هَذَا أثنيتم عَلَيْهِ خيرا فَوَجَبت لَهُ الْجنَّة وَهَذَا أثنيتم عَلَيْهِ شرا فَوَجَبت لَهُ النَّار أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض حَدثنَا عَفَّان بن مُسلم حَدثنَا دَاوُد بن أبي الْفُرَات عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أبي الْأسود قَالَ قدمت الْمَدِينَة وَقد وَقع بهَا مرض فَجَلَست إِلَى عمر بن الْخطاب فمرت بهم جَنَازَة فَأثْنى على صَاحبهَا خيرا فَقَالَ عمر وَجَبت ثمَّ مر بِأُخْرَى فأثني على صَاحبهَا خيرا فَقَالَ عمر وَجَبت ثمَّ مروا بالثالثة فَأثْنى على صَاحبهَا شرا فَقَالَ وَجَبت فَقَالَ أَبُو الْأسود فَقلت وَمَا وَجَبت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ قلت كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا مُسلم شهد لَهُ أَرْبَعَة بِخَير أدخره الله الْجنَّة فَقُلْنَا وثلاة قَالَ وَثَلَاثَة فَقُلْنَا وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ ثمَّ لم نَسْأَلهُ عَن الْوَاحِد فِي كتاب الْبيُوع 4 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَخْرَجَا جَمِيعًا حَدِيث مَالك عَن حميد عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تزهى فَقيل وَمَا تزهى قَالَ حَتَّى تحمر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْت إِذا منع الله الثَّمَرَة بِمَ يَأْخُذ أحدكُم مَال أَخِيه قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ خَالف مَالِكًا جمَاعَة مِنْهُم إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَابْن الْمُبَارك وهشيم ومروان بن ماوية وَيزِيد بن هَارُون وَغَيرهم قَالُوا فِيهِ قَالَ أنس أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة قَالَ وَقد

أخرجَا جَمِيعًا حَدِيث إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَقد فصل كَلَام أنس من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت سبق الدَّارَقُطْنِيّ إِلَى دَعْوَى الإدراج فِي هَذَا الحَدِيث أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان وَابْن خُزَيْمَة وَغير وَاحِد من أَئِمَّة الحَدِيث كَمَا أوضحته فِي كتابي تقريب الْمنْهَج بترتيب المدرج وحكيت فِيهِ عَن ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ رَأَيْت أنس بن مَالك فِي الْمَنَام فَأَخْبرنِي أَنه مَرْفُوع وَأَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان رَوَاهُ عَن حميد مدرجا لَكِن قَالَ فِي آخِره لَا أَدْرِي أنس قَالَ بِمَ يسْتَحل أَو حدث بِهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْأَمر فِي مثل هَذَا قريب وَالله اعْلَم قَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة وَفِيه نهي عَن بيع الثَّمر حَتَّى يزهى وَفِي رِوَايَة حَتَّى يزهو يُقَال زها النّخل يزهو إِذا ظَهرت ثَمَرَته وأزهى يزهي إِذا اصفر أَو احمر وَقيل هما بِمَعْنى الاحمرار والاصفرار وَمِنْهُم من أنكر يزهو وَمِنْهُم من أنكر يزهي اهـ 5 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَخْرَجَا جَمِيعًا حَدِيث عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بلغ عمر بن الْخطاب ان سَمُرَة بَاعَ خمرًا فَقَالَ قَاتل الله سَمُرَة الحَدِيث وَقد رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو عَن طَاوس ان عمر قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم عَن حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن طَاوس أَن عمر قَالَ قلت صرح ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بِسَمَاع طَاوس لَهُ من ابْن عَبَّاس وَهُوَ أحفظ النَّاس لحَدِيث عَمْرو فروايته الراجحة وَقد تَابعه روح بن الْقَاسِم أخرجه مُسلم من طَرِيقه اهـ

في كتاب الجهاد

قَالَ مُسلم فِي بَاب تَحْرِيم الْخمر حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَاللَّفْظ لأبي بكر قَالَ أَنبأَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بلغ عمر أَن سَمُرَة بَاعَ خمرًا فَقَالَ قَاتل الله سَمُرَة ألم يعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعن الله الْيَهُود حرمت عَلَيْهِم الشحوم فجملوها وباعوها حَدثنَا أُميَّة بن بسطَام قَالَ أَنبأَنَا يزِيد بن زُرَيْع قَالَ حَدثنَا روح يَعْنِي ابْن الْقَاسِم عَن عَمْرو بن دِينَار بِهَذَا الْإِسْنَاد مثله اهـ تَنْبِيه هَذِه الْخمر كَانَ سَمُرَة أَخذهَا من أهل الْكتاب عَن قيمَة الْجِزْيَة فَبَاعَهَا مِنْهُم غير عَالم بِتَحْرِيم ذَلِك فِي كتاب الْجِهَاد 6 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ واخرجا جَمِيعًا حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله قَالَ كتب إِلَيْهِ عبد الله بن أبي أوفى فَقَرَأته أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو وَإِذا لقيتموهم فَاصْبِرُوا الحَدِيث قَالَ وَأَبُو النَّضر لم يسمع من ابْن أبي أوفى وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَن كِتَابه فَهُوَ حجَّة فِي رِوَايَة الْمُكَاتبَة قلت فَلَا عِلّة فِيهِ لكنه يَنْبَنِي على أَن شَرط الْمُكَاتبَة هَل هُوَ من الْكَاتِب إِلَى الْمَكْتُوب إيه فَقَط ام كل من عرف الْخط روى بِهِ وَإِن لم يكن مَقْصُودا بِالْكِتَابَةِ إِلَيْهِ الأول هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم من المصطلح وَأما الثَّانِي فَهُوَ عِنْدهم من صور الوجادة لَكِن يُمكن أَن يُقَال هُنَا إِن رِوَايَة أبي النَّضر تكون عَن مَوْلَاهُ عمر بن عبيد الله

في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

عَن كتاب ابْن أبي أوفى إِلَيْهِ وَيكون أَخذه لذَلِك عَن مَوْلَاهُ عرضا لِأَنَّهُ قَرَأَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ كَاتبه فَتَصِير وَالْحَالة هَذِه من الرِّوَايَة بالمكاتبة كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ 7 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ واخرج البُخَارِيّ حَدِيث مُحَمَّد بن طَلْحَة عَن لِأَبِيهِ عَن مُصعب بن سعد قَالَ رأى سعد أَن لَهُ فضلا على من دونه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل تنْصرُونَ وترزقون إِلَّا بضعفائكم قَالَ الدارقططني هَذَا مُرْسل قلت صورته صُورَة الْمُرْسل إِلَّا أَنه مَوْصُول فِي الأَصْل مَعْرُوف من رِوَايَة مُصعب بن سعد عَن أَبِيه وَقد اعْتمد البُخَارِيّ كثيرا من أَمْثَال هَذَا السِّيَاق فَأخْرجهُ على أَنه مَوْصُول إِذا كَانَ الرَّاوِي مَعْرُوفا بالرواية عَمَّن ذكره وَقد روينَاهُ فِي سنَن النَّسَائِيّ وَفِي مستخرجي الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي نعيم وَفِي الْحِلْية لأبي نعيم وَفِي الْجُزْء السَّادِس من حَدِيث أبي مُحَمَّد بن صاعد من حَدِيث مُصعب بن سعد عَن أَبِيه أَنه رأى فَذكره وَقد ترك الدَّارَقُطْنِيّ أَحَادِيث فِي الْكتاب من هَذَا الْجِنْس لم يتتبعها فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام 8 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أخرج البُخَارِيّ حَدِيث ابْن أبي أويس عَن أَخِيه عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ يلقى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ آزر يَوْم الْقِيَامَة وعَلى وَجه آزر قترة الحَدِيث قَالَ وَهَذَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قلت قد علق البُخَارِيّ حَدِيث إِبْرَاهِيم بن طهْمَان فِي التَّفْسِير فَلم يهمل

في كتاب اللباس

حِكَايَة الْخلاف فِيهِ وَلَكِن أعله الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر فَقَالَ بعد ان أوردهُ هَذَا خبر فِي صِحَّته نظر من جِهَة أَن إِبْرَاهِيم علام بِأَن الله لَا يخلف الميعاد فَكيف يَجْعَل مَا بِأَبِيهِ خزيا لَهُ مَعَ خَبره بِأَن الله قد وعده أَن لَا يخزيه يَوْم يبعثون وأعلمه بِأَنَّهُ لَا خلف لوعده انْتهى وَسَيَأْتِي جَوَاب ذَلِك فِي مَوْضِعه فِي كتاب اللبَاس 9 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ اتفقَا على إِخْرَاج حَدِيث أبي عُثْمَان قَالَ كتب إِلَيْنَا عمر فِي الْحَرِير إِلَى مَوضِع إِصْبَع وَهَذَا لم يسمعهُ أَبُو عُثْمَان من عمر لكنه حجَّة فِي قبُول الوجادة قلت قد تقدم نَظِير هَذَا الْكَلَام فِي حَدِيث أبي النَّضر عَن ابْن أبي أوفى 10 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَأخرج البُخَارِيّ حَدِيث ثَابت عَن ابْن الزبير قَالَ قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَهَذَا لم يسمعهُ ابْن الزبير من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا سَمعه من عمر قلت هَذَا تعقب ضَعِيف فَإِن ابْن الزبير صَحَابِيّ فهبه أرْسلهُ فَمَاذَا كَانَ وَكم فِي الصَّحِيح من مُرْسل صَحَابِيّ وَقد اتّفق الْأَئِمَّة قاطبة على قبُول ذَلِك إِلَّا من شَذَّ مِمَّن تَأَخّر عَنْهُم فَلَا يعْتد بمخالفته وَالله أعلم

وَقد أخرج البُخَارِيّ حَدِيث ابْن الزبير عَن عمر تلو حَدِيث ثَابت عَن ابْن الزبير فَمَا بَقِي عَلَيْهِ للاعتراض وَجه وَقَالَ فِي آخر الْفَصْل هَذَا جَمِيع مَا تعقبه الْحفاظ النقاد العارفون بعلل الْأَسَانِيد المطلعون على خفايا الطّرق وَلَيْسَت كلهَا من أَفْرَاد البُخَارِيّ بل شَاركهُ مُسلم فِي كثير مِنْهَا كَمَا ترَاهُ وَاضحا ومرقوما عَلَيْهِ رقم مُسلم وَهُوَ صُورَة (م) وعدة ذَلِك اثْنَان وَثَلَاثُونَ حَدِيثا فأفراده مِنْهَا ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ فَقَط وَلَيْسَت كلهَا قادحة بل أَكْثَرهَا الْجَواب عَنهُ ظَاهر والقدح فِيهِ مندفع وَبَعضهَا الْجَواب عَنْهَا مُحْتَمل واليسير مِنْهَا فِي الْجَواب عَنهُ تعسف كَمَا شرحته مُجملا فِي أول الْفَصْل وأوضحته مَبْنِيا إِثْر كل حَدِيث مِنْهَا فَإِذا تَأمل الْمنصف مَا حررته من ذَلِك عظم مِقْدَار هَذَا المُصَنّف فِي نَفسه وَجل تصنيفه فِي عينه وَعذر الْأَئِمَّة من اهل الْعلم فِي تلقيه بِالْقبُولِ وَالتَّسْلِيم وتقديمهم لَهُ على كل مُصَنف فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم وليسا سَوَاء من يدْفع بالصدر فَلَا يَأْمَن دَعْوَى العصبية وَمن يدْفع بيد الْإِنْصَاف على الْقَوَاعِد المرضية والضوابط المرعية فَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَأما سِيَاق الْأَحَادِيث الَّتِي لم يتتبعها الدَّارَقُطْنِيّ وَهِي على شَرطه فِي تتبعه من هَذَا الْكتاب فقد أوردتها فِي أماكنها من الشَّرْح لتكمل الْفَائِدَة مَعَ التَّنْبِيه على مواقع الْأَجْوِبَة المستقيمة كَمَا تقدم لِئَلَّا يستدركها من لَا يفهم وَإِنَّمَا اقتصرت على مَا ذكرته عَن الدَّارَقُطْنِيّ عَن الِاسْتِيعَاب لِأَنِّي أردْت أَن

يكون عنوانا لغيره لِأَنَّهُ الإِمَام الْمُقدم فِي هَذَا الْفَنّ وَكتابه فِي هَذَا النَّوْع أوسع وأوعب وَقد ذكرت فِي أثْنَاء مَا ذكر ع غَيره قَلِيلا على سَبِيل الْأَمْثِلَة وَالله أعلم وَقد أتبع الْحَافِظ ابْن حجر هَذَا الْفَصْل بفصل آخر يُنَاسِبه قَالَ فِي أَوله الْفَصْل التَّاسِع فِي سِيَاق أَسمَاء من طعن فِيهِ من رجال هَذَا الْكتاب مُرَتبا لَهُم على حُرُوف المعجم وَالْجَوَاب عَن الاعتراضات موضعا موضعا وتمييز من اخْرُج لَهُ مِنْهُم فِي الْأُصُول والمتابعات والاستشهادات مفصلا لذَلِك جَمِيعه وَقبل الْخَوْض فِيهِ يَنْبَغِي لكل منصف أَن يعلم أَن تَخْرِيج صَاحب الصَّحِيح لأي راو كَانَ مُقْتَض لعدالته عِنْده وَصِحَّة ضَبطه وَعدم غفلته هَذَا إِذا خرج لَهُ فِي الْأُصُول وَأما إِن خرج لَهُ فِي المتابعات والشواهد والتعاليق فَهَذَا تَتَفَاوَت دَرَجَات من اخْرُج لَهُ مِنْهُم فِي الضَّبْط وَغَيره مَعَ حُصُول اسْم الصدْق لَهُم وَحِينَئِذٍ فَإِذا وجدنَا لغيره فِي أحد مِنْهُم طَعنا فَلذَلِك الطعْن مُقَابل لتعديل هَذَا الإِمَام فَلَا يقبل إِلَّا مُبين السَّبَب مُفَسرًا بقادح يقْدَح فِي عَدَالَة هَذَا الرَّاوِي وَفِي ضَبطه مُطلقًا أَو فِي ضَبطه لخَبر بِعَيْنِه لِأَن الْأَسْبَاب الحاملة للأئمة على الْجرْح مُتَفَاوِتَة مِنْهَا مَا يقْدَح وَمِنْهَا لَا يقْدَح وَقد كَانَ أَبُو الْحسن الْمَقْدِسِي يَقُول فِي الَّذِي خرج عَنهُ فِي الصَّحِيح هَذَا جَازَ القنطرة يَعْنِي بذلك انه لَا يلْتَفت إِلَى مَا قيل فِيهِ وَأَسْبَاب الْجرْح مُخْتَلفَة ومدارها على خَمْسَة أَشْيَاء الْبِدْعَة والمخالفة والغلط وجهالة الْحَال وَدَعوى الِانْقِطَاع فِي السَّنَد بَان يدعى فِي الرَّاوِي انه كَانَ يُدَلس اَوْ يُرْسل أما جَهَالَة الْحَال فمندفعة عَن جَمِيع من اخْرُج لَهُم فِي الصَّحِيح لِأَن شَرط

الصَّحِيح أَن يكون رَاوِيه مَعْرُوفا بِالْعَدَالَةِ فَمن زعم ان أحدا مِنْهُم مَجْهُول فَكَأَنَّهُ نَازع المُصَنّف فِي دَعْوَاهُ انه مَعْرُوف وَلَا شكّ أَن الْمُدَّعِي لمعرفته مقدم على من يَدعِي عدم مَعْرفَته لما مَعَ الْمُثبت من زِيَادَة الْعلم وَمَعَ ذَلِك فَلَا تَجِد فِي رجال الصَّحِيح أحدا مِمَّن يسوغ إِطْلَاق اسْم الْجَهَالَة عَلَيْهِ أصلا كَمَا سنبنيه وَأما الْغَلَط فَتَارَة يكثر من الرَّاوِي وَتارَة يقل فَحَيْثُ يُوصف بِكَوْنِهِ كثير الْغَلَط ينظر فِيمَا أخرج لَهُ إِن وجد مرويا عِنْده أَو عِنْد غَيره من رِوَايَة غير هَذَا الْمَوْصُوف بالغلط علم أَن الْمُعْتَمد أصل الحَدِيث لَا خُصُوص هَذَا الطَّرِيق وَإِن لم يُوجد إِلَّا من طَرِيقه فَهَذَا قَادِح يُوجب التَّوَقُّف عَن الحكم بِصِحَّة مَا هَذَا سَبيله وَلَيْسَ فِي الصَّحِيح من هَذَا شَيْء وَحَيْثُ يُوصف بقلة الْغَلَط كَمَا يُقَال سيىء الْحِفْظ أَو لَهُ أَوْهَام أَو لَهُ مَنَاكِير وَغير ذَلِك من الْعبارَات فَالْحكم فِيهِ كَالْحكمِ فِي الَّذِي قبله إِلَّا أَن الرِّوَايَة عَن هَؤُلَاءِ فِي المتابعات أَكثر مِنْهَا عِنْد المُصَنّف من الرِّوَايَة عَن أُولَئِكَ وَأما الْمُخَالفَة وينشأ عَنْهَا الشذوذ والنكارة فَإِذا روى الرَّاوِي الضَّابِط الصدوق شَيْئا فَرَوَاهُ من هُوَ أحفظ مِنْهُ أَو أَكثر عددا بِخِلَاف مَا روى بِحَيْثُ يتَعَذَّر الْجمع على قَوَاعِد الْمُحدثين فَهَذَا شَاذ وَقد تشتد الْمُخَالفَة أَو يضعف الْحِفْظ فَيحكم على مَا يُخَالف فِيهِ بِكَوْنِهِ مُنْكرا وَهَذَا لَيْسَ فِي الصَّحِيح مِنْهُ إِلَّا نزر يسير قد بَين فِي الْفَصْل الَّذِي قبله وَأما دَعْوَى الِانْقِطَاع فمدفوعة عَمَّن اخْرُج لَهُم البُخَارِيّ لما علم من شَرطه وَمَعَ ذَلِك فَحكم من ذكر من رِجَاله بتدليس أَو إرْسَال أَن تسبر أَحَادِيثهم الْمَوْجُودَة عِنْده بالعنعنة فَإِن وجد التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ فِيهَا انْدفع الِاعْتِرَاض وَإِلَّا فَلَا وَأما الْبِدْعَة فالموصوف بهَا إِمَّا أَن يكون مِمَّن يكفر بهَا أَو يفسق فالمكفر بهَا لَا بُد ان يكون ذَلِك التفكير مُتَّفقا عَلَيْهِ فِي قَوَاعِد جَمِيع الْأَئِمَّة كَمَا فِي غلاة الروافض

حرف الألف

من دَعْوَى بَعضهم حُلُول الإلهية فِي عَليّ أَو غَيره أَو غير ذَلِك وَلَيْسَ فِي الصَّحِيح من حَدِيث هَؤُلَاءِ شَيْء الْبَتَّةَ وَأما المفسق بهَا كبدع الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض الَّذين لَا يغلون ذَلِك الغلو وَغير هَؤُلَاءِ من الطوائف الْمُخَالفين لأصول السّنة خلافًا ظَاهرا لكنه مُسْتَند إِلَى تَأْوِيل ظَاهِرَة سَائِغ فقد اخْتلف أهل السّنة فِي قبُول حَدِيث من هَذَا سَبيله إِذا كَانَ مَعْرُوفا بالتحرز من الْكَذِب مَشْهُورا بالسلامة من خوارم الْمُرُوءَة مَوْصُوفا بالديانة وَالْعِبَادَة فَقيل يقبل مُطلقًا وَقيل يرد مُطلقًا وَالثَّالِث التَّفْضِيل بَين أَن يكون دَاعِيَة إِلَى بدعته فَيرد حَدِيثه أَو غير دَاعِيَة فَيقبل وَهَذَا الْمَذْهَب هُوَ الْعدْل وَصَارَت إِلَيْهِ طرائف من الْأَئِمَّة وَادّعى ابْن حبَان إِجْمَاع أهل النَّقْل عَلَيْهِ لَكِن فِي دَعْوَى ذَلِك نظر انْتهى بِاخْتِصَار يسير وَقد أَحْبَبْت أَن أورد من هَذَا الْفَصْل شَيْئا ليقف الْمطَالع على مسلكهم فِي الْبَحْث عَن حَال الرِّجَال الَّذِي هُوَ من أهم المباحث عِنْد أهل الْأَثر حرف الْألف (خَ د) أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ أَبُو جَعْفَر بن الطَّبَرِيّ أحد أَئِمَّة الحَدِيث الْحفاظ المتقنين الجامعين بَين الْفِقْه والْحَدِيث أَكثر عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَوَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين فِيمَا نَقله عَنهُ البُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ والنميري وَالْعجلِي وَأَبُو حَاتِم وَآخَرُونَ وَكَانَ النَّسَائِيّ سيىء الرَّأْي فِيهِ ذكره مرّة فَقَالَ لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مَأْمُون وَقد ذكر السَّبَب الْحَامِل لَهُ على ذَلِك أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ فَقَالَ كَانَ أَحْمد بن صَالح لَا يحدث أحدا حَتَّى يسْأَل عَنهُ فَلَمَّا أَن قدم النَّسَائِيّ مصر جَاءَ إِلَيْهِ وَقد صحب

أَو بِأَن يرويهِ عَنهُ من طَرِيق من لم يسمع مِنْهُ إِلَّا قبل الِاخْتِلَاط وَمِنْهَا أَن يروي فِي الصَّحِيح عَن مُدَلّس بالعنعنة فيرويه الْمُسْتَخْرج بالتصريح بِالسَّمَاعِ قيل لِلْحَافِظِ الْمزي هَل وجد لكل مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ بالعنعنة طرق صرح فِيهَا بِالتَّحْدِيثِ فَقَالَ إِن كثيرا من ذَلِك لم يُوجد وَمَا يسعنا إِلَّا تَحْسِين الظَّن وَمِنْهَا أَن يروي عَن مُبْهَم كحدثنا فلَان أَو رجل أَو غير وَاحِد فيعينه الْمُسْتَخْرج وَمثل ذَلِك مَا إِذا وَقع فِي الْإِسْنَاد حَدثنَا مُحَمَّد مثلا من غير ذكر مَا يميزه عَن غَيره وَكَانَ فِي مَشَايِخ من رَوَاهُ كَذَلِك من يُشَارِكهُ فِي الِاسْم فيميزه الْمُسْتَخْرج وَمِنْهَا أَن يكون فِي الحَدِيث مَخَافَة لقاعدة اللُّغَة الْعَرَبيَّة فيتكلف لتوجيهه ويتحمل لتخريجه فَيَجِيء فِي رِوَايَة الْمُسْتَخْرج على الْقَاعِدَة فَيعرف بِأَنَّهُ هُوَ الصَّحِيح وَأَن الَّذِي فِي الصَّحِيح قد وَقع فِيهِ الْوَهم من الروَاة هَذَا وَقد عرفت سَابِقًا الاستخراج فِي الْعرف وَهُوَ فِي الأَصْل بِمَعْنى الاستنباط وَيُقَال لفاعل ذَلِك الْمُسْتَخْرج بِالْكَسْرِ وَيُقَال للْكتاب الْمُؤلف فِي هَذَا النَّوْع الْمُسْتَخْرج بِالْفَتْح وَسمي بذلك لاستنباط مُؤَلفه الْمُتَعَلّقَة بِأَحَادِيث الْكتاب الْمُسْتَخْرج عَلَيْهِ وَقد يُقَال لَهُ الْمخْرج بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد كَمَا وَقع ذَلِك فِي

قوما من أهل الحَدِيث لَا يرضاهم أَحْمد فَأبى أَن يحدثه فَذهب النَّسَائِيّ فَجمع الْأَحَادِيث الَّتِي وهم فِيهَا أَحْمد وَشرع يشنع عَلَيْهِ وَمَا ضره ذَلِك شَيْئا وَاحْمَدْ بن صَالح إِمَام ثِقَة قَالَ ابْن عدي كَانَ النَّسَائِيّ يُنكر عَلَيْهِ أَحَادِيث وَهُوَ من الْحفاظ الْمَشْهُورين بِمَعْرِِفَة الحَدِيث ثمَّ ذكر ابْن عدي الْأَحَادِيث الَّتِي أنكرها النَّسَائِيّ وَأجَاب عَنْهَا وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ مَعَ ذَلِك مِنْهَا شَيْء وَقد تبين ان النَّسَائِيّ انْفَرد بِتَضْعِيف أَحْمد بن صَالح بِمَا لَا يقبل (خَ ت س ق) أَحْمد بن الْمِقْدَام بن سُلَيْمَان الْعجلِيّ أَبُو الْأَشْعَث مَشْهُور بكنيته وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم وَصَالح جزرة وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَا أحدث عَنهُ لِأَنَّهُ كَانَ يعلم المجان والمجون كَانَ مجان بِالْبَصْرَةِ يصرون صرر دَرَاهِم فيطرحونها على الطَّرِيق ويجلسون نَاحيَة فَإِذا مر مار بصرة وَأَرَادَ أَن يَأْخُذهَا صاحوا ضعها ليخجل الرجل فَعلم أَبُو الْأَشْعَث الْمَارَّة وَقَالَ لَهُم هيئوا صرر زجاج كصرر الدَّرَاهِم فَإِذا مررتم بصررهم فأردتم أَخذهَا فاطرحوا صرر الزّجاج وخذوا صرر الدَّرَاهِم الَّتِي لَهُم فَفَعَلُوا وَتعقب ابْن عدي كَلَام أبي دَاوُد هَذَا فَقَالَ لَا يُؤثر ذَلِك فِيهِ لِأَنَّهُ من أهل الصدْق قلت وَوجه عدم تَأْثِيره فِيهِ أَنه لم يعلم المجان كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَإِنَّمَا علم الْمَارَّة الَّذين كَانَ قصد المجان أَن يخجلوهم وَكَأَنَّهُ كَانَ يذهب مَذْهَب من يُؤَدب بِالْمَالِ فَلهَذَا جوز للكارة أَن يَأْخُذُوا الدرراهم تأديبا للمجان حَتَّى لَا يعودوا لتخجيل النَّاس مَعَ احْتِمَال ان يَكُونُوا بعد ذَلِك أعادوا لَهُم دراهمهم وَالله اعْلَم وَقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَغَيرهم (خَ ت د) إِسْمَاعِيل بن أبان الْوراق الْكُوفِي أحد شُيُوخ البُخَارِيّ وَلم يكثر عَنهُ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ ومطين وَابْن معِين وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد وجعفر الصَّائِغ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِي رِوَايَة الْحَاكِم عَنهُ أثنى عَلَيْهِ أَحْمد وَلَيْسَ بِقَوي وَقَالَ الْجوزجَاني كَانَ

حرف الباء

مائلا عَن الْحق وَلم يكن يكذب فِي الحَدِيث قَالَ ابْن عدي يَعْنِي مَا عَلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ من التَّشَيُّع قلت الْجوزجَاني كَانَ ناصبيا منحرفا عَن عَليّ فَهُوَ ضد الشيعي وَلَا يَنْبَغِي أَن يسمع قَول مُبْتَدع فِي مُبْتَدع وَأما قَول الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ د اخْتلف وَلَهُم شيخ يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل بن أبان الغنوي أَجمعُوا على تَركه فَلَعَلَّهُ اشْتبهَ بِهِ حرف الْبَاء (ع) بكر بن عَمْرو أيبو الصّديق الْبَصْرِيّ النَّاجِي مَشْهُور بكنيته وَثَّقَهُ جمَاعَة وَقَالَ ابْن سعد يَتَكَلَّمُونَ فِي أَحَادِيثه ويستنكرونها قلت لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى حَدِيث وَاحِد عَن أبي سعيد فِي قصَّة الَّذِي قتل تِسْعَة أَو تسعين نفسا من بني إِسْرَائِيل ثمَّ تَابَ وَاحْتج بِهِ الْبَاقُونَ حرف التَّاء الْمُثَنَّاة (خَ م د س) تَوْبَة بن أبي الْأسد الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ من صغَار التَّابِعين وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وشذ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ فَقَالَ مُنكر الحَدِيث حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة (ع) ثَوْر بن زيد الْمدنِي شيخ مَالك وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم وَقَالَ ابْن عبد الْبر صَدُوق لم يتهمه أحد وَكَانَ ينْسب إِلَى رَأْي الْخَوَارِج وَالْقَوْل بِالْقدرِ وَلم يكن يَدْعُو إِلَى شَيْء ن ذَلِك وَحكى عَن مَالك أَنه سُئِلَ كَيفَ رويت عَن دَاوُد الْحصين وثور بن زيد وَذكر غَيرهمَا وَكَانُوا يرَوْنَ الْقدر فَقَالَ كَانُوا لِأَن يخروا من السَّمَاء إِلَى الأَرْض أسهل عَلَيْهِم من أَن يكذبوا

حرف الجيم

حرف الْجِيم (ع) جَعْفَر بن إِيَاس أَبُو بشر بن أبي وحشية مَشْهُور بكنيته من صغَار التَّابِعين وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالْعجلِي وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَكَانَ شُعْبَة يَقُول إِنَّه لم يسمع من مُجَاهِد وَلَا من حبيب بن سَالم وَقَالَ أَحْمد كَانَ شُعْبَة ضعف أَحَادِيثه عَن حبيب بن سَالم وَقَالَ البرديجي هُوَ من أثبت النَّاس فِي سعيد بن جُبَير وَقَالَ ابْن عدي أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ قلت احْتج بِهِ الْجَمَاعَة لَكِن لم يخرج لَهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيثه عَن مُجَاهِد وَلَا عَن حبيب بن سَالم حرف الْحَاء (خَ 4) حريز بن عُثْمَان الْحِمصِي مَشْهُور من صغَار التَّابِعين وَثَّقَهُ أحد وَابْن معِين وَالْأَئِمَّة لَكِن قَالَ الفلاس وَغَيره إِنَّه كَانَ ينتقص عليا وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَا أعلم بِالشَّام أثبت مِنْهُ وَلم يَصح عِنْدِي مَا يُقَال عَنهُ من النصب وثقال البُخَارِيّ قَالَ أَبُو الْيَمَان كَانَ حريز يتَنَاوَل من رجل ثمَّ ترك قلت هَذَا أعدل الْأَقْوَال فَلَعَلَّهُ تَابَ وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ دَاعِيَة إِلَى مذْهبه يجْتَنب حَدِيثه قلت لَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ سوى حديثين أَحدهمَا فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عبد الله بن بسر وَهُوَ من ثلاثياته وَالْآخر حَدِيثه عبد الْوَاحِد النصري عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع وَهُوَ حَدِيث من أفرى الفرى أَن

حرف الخاء

يرى الرجل عينه مَا لم تَرَ حرف الْخَاء (خَ م ت س ق) خَالِد بن مخلد الْقَطوَانِي الْكُوفِي أَبُو الْهَيْثَم من كبار شُيُوخ البُخَارِيّ رُوِيَ عَنهُ وروى عَن وَاحِد عَنهُ قَالَ الْعجلِيّ ثِقَة فِيهِ تشيع وَقَالَ ابْن سعد كَانَ متشيعا مفرطا وَقَالَ صَالح جزرة ثِقَة إِلَّا أَنه كَانَ مُتَّهمًا بالغلو فِي التَّشَيُّع وَقَالَ احْمَد بن حَنْبَل لَهُ مَنَاكِير وَقَالَ أَبُو دَاوُد صَدُوق إِلَّا أَنه يتشيع وَقَالَ أَبُو حَاتِم يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ قلت أما التَّشَيُّع فقد قدمنَا أَنه إِذا كَانَ ثَبت الْأَخْذ وَالْأَدَاء لَا يضرّهُ لَا سِيمَا وَلم يكن دَاعِيَة إِلَى رَأْيه وَأما الْمَنَاكِير فقد تتبعها أَبُو أَحْمد بن عدي من حَدِيثه وأوردها فِي كَامِله وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء مِمَّا أخرجه لَهُ البُخَارِيّ بل لم أر عِنْده من أَفْرَاده سوى حَدِيث وَاحِد وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة من عادى لي وليا الحَدِيث وروى لَهُ الْبَاقُونَ سوى أبي دَاوُد

حرف الدال

حرف الدَّال (ع) دَاوُد بن الْحصين الْمدنِي وَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن سعد وَالْعجلِي وَابْن إِسْحَاق وَأحمد بن صَالح الْمصْرِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِقَوي لَوْلَا أَن مَالِكًا روى عَنهُ لترك حَدِيثه وَقَالَ السَّاجِي مُنكر الحَدِيث مُتَّهم بِرَأْي الْخَوَارِج وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ مَا روى عَن عِكْرِمَة فمنكر وَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَحَدِيثه عَن شُيُوخه مُسْتَقِيم قلت روى لَهُ البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا من رِوَايَة مَالك عَنهُ عَن أبي سُفْيَان مولى ابْن أبي أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة فِي الْعَرَايَا وَله شَوَاهِد حرف الذَّال (ع) ذَر بن بعد الله الموهبي أَبُو عبد الله الْكُوفِي أحد الثِّقَات الْأَثْبَات وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم وَابْن نمير وَقَالَ أَبُو دَاوُد كَانَ مرجئا وهجره إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير لذَلِك وروى لَهُ الْجَمَاعَة

حرف الراء

حرف الرَّاء (ع) روح بن عبَادَة الْقَيْسِي أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ أدْركهُ البُخَارِيّ بِالسِّنِّ وَلم يلقه وَكَانَ أحد الْأَئِمَّة وَثَّقَهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين وَأثْنى عَلَيْهِ أَحْمد وَغَيره وَكَانَ عَفَّان يطعن عَلَيْهِ فَرد ذَلِك عَلَيْهِ أَبُو خَيْثَمَة فَسكت عَنهُ وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَة أَشد مَا رَأَيْت عَنهُ أَنه حدث مرّة فَرد عَلَيْهِ عَليّ ابْن الْمَدِينِيّ اسْما فمحاه من كِتَابه وَأثبت مَا قَالَه لَهُ عَليّ قلت هَذَا يدل عل إنصافه وَقَالَ أَبُو مَسْعُود طعن عَلَيْهِ اثْنَا عشر رجلا فَلم ينفذ قَوْلهم فِيهِ قلت احْتج بِهِ الْأَئِمَّة كلهم حرف الزَّاي (ع) زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق الْمَكِّيّ وَثَّقَهُ ابْن معِين وَاحْمَدْ وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن البرقي وَابْن سعد وَقَالَ يحيى بن معِين كَانَ يرى الْقدر أخبرنَا روح بن عبَادَة قَالَ رَأَيْت مناديا يُنَادي بِمَكَّة إِن المير نهى عَن مجالسة زَكَرِيَّا لأجل الْقدر قلت احْتج بِهِ الْجَمَاعَة (خَ م ت ق) زِيَاد بن عبد الله بن الطُّفَيْل البكائي العامري الْكُوفِي رَاوِي الْمَغَازِي عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ يحيى بن آدم عَن عبد الله بن إِدْرِيس مَا أحد أثبت فِي ابْن إِسْحَاق مِنْهُ لِأَنَّهُ أمْلى عَلَيْهِ إملاء مرَّتَيْنِ وَقَالَ صَالح جزرة زِيَاد فِي نَفسه ضعف وَلكنه أثبت النَّاس فِي كتاب الْمَغَازِي وَكَذَا قَالَ عُثْمَان الدَّارمِيّ وَغَيره عَن عَن ابْن معِين وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو دَاوُد حَدِيثه حَدِيث أهل الصدْق وَضَعفه عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن سعد وأفرط ابْن حبَان فَقَالَ لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ إِذا انْفَرد

حرف السين

قلت لَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ سوى حَدِيثه عَن حميد عَن أنس ان عَمه غَابَ عَن قتال بدر الحَدِيث أوردهُ فِي الْجِهَاد عَن عَمْرو بن زُرَارَة عَنهُ مَقْرُونا بِحَدِيث عبد الْأَعْلَى عَن حميد وروى لَهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة حرف السِّين (خَ م ت) سعيد بن عَمْرو بن أَشوع الْكُوفِي من الْفُقَهَاء وزثقه ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَالْعجلِي وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأما أَبُو إِسْحَاق الْجوزجَاني فَقَالَ كَانَ زائغا غاليا يَعْنِي فِي التَّشَيُّع قلت والجوزجاني غال فِي النصب فتعارضا وَقد احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيّ حرف الشين (ع) شريك بن عبد الله بن أبي نمر أَبُو عبد الله الْمدنِي وَثَّقَهُ ابْن سعد وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ لَا بَأْس بِهِ وَكَانَ يحيى بن سعيد الْقطَّان لَا يحدث عَنهُ وَقَالَ السَّاجِي كَانَ يَرْمِي بِالْقدرِ قلت احْتج بِهِ الْجَمَاعَة إِلَّا أَن فِي رِوَايَته عَن أنس لحَدِيث الْإِسْرَاء مَوَاضِع شَاذَّة كَمَا ذكرنَا ذَلِك فِي آخر الْفَصْل

حرف الصاد

حرف الصَّاد (خَ م د ت س) صَخْر بن جوَيْرِية أَبُو نَافِع وَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن سعد وَقَالَ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة عَن ابْن معِين لَيْسَ بالمتروك وَإِنَّمَا يتَكَلَّم فِيهِ لِأَنَّهُ إِن كِتَابه سقط قَالَ وَرَأَيْت فِي كتاب عَليّ يَعْنِي ابْن الْمَدِينِيّ عَن يحيى بن سعيد ذهب كتاب صَخْر فَبعث إِلَيْهِ من الْمَدِينَة احْتج بِهِ الْبَاقُونَ إِلَّا ابْن ماجة حرف الضَّاد خَالِي حرف الطَّاء (خَ 4) طلق بن غَنَّام الْكُوفِي من كبار شُيُوخ البُخَارِيّ وَثَّقَهُ ابْن سعد وَالْعجلِي وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَابْن نمير وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد صَالح وشذ ابْن حزم فضعفه فِي الْمحلى بِلَا مُسْتَند وَاحْتج بِهِ أَصْحَاب السّنَن حرف الظَّاء خَالِي حرف الْعين (ع) عَاصِم بن أبي النجُود الْمُقْرِئ أَبُو بكر قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ رجلا صَالحا وَأَنا أخْتَار قِرَاءَته وَالْأَعْمَش أحفظ مِنْهُ وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي حَدِيثه اضْطِرَاب وَهُوَ ثِقَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم مَحَله الصدْق وَلَيْسَ مَحَله أَن يُقَال هُوَ ثِقَة وَلم يكن بِالْحَافِظِ وَقد تكلم فِيهِ ابْن علية وَقَالَ الْعقيلِيّ لم يكن فِيهِ إِلَّا سوء الْحِفْظ وَقَالَ الْبَزَّاز لَا نعلم أحدا ترك حَدِيثه مَعَ أَنه لم يكن بِالْحَافِظِ (ع) عَامر بن وَاثِلَة أَبُو الطُّفَيْل اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ أثبت مُسلم وَغَيره لَهُ الصُّحْبَة وَقَالَ أَبُو عَليّ بن السكن رُوِيَ عَنهُ رُؤْيَته لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وُجُوه ثَابِتَة وَلم يرو عَنهُ من وَجه ثَابت سَمَاعه وَكَانَ الْخَوَارِج يرمونه باتصاله بعلي وَقَوله بفضله وَفضل أهل بَيته وَلَيْسَ بحَديثه بَأْس قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ قلت لجرير أَكَانَ مُغيرَة يكره الرِّوَايَة عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ نعم وَقَالَ صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل عَن أَبِيه مكي ثِقَة وَكَذَا قَالَ ابْن سعد وَزَاد كَانَ متشيعا

قلت أَسَاءَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فضعف أَحَادِيث أبي الطُّفَيْل وَقَالَ كَانَ صَاحب راية الْمُخْتَار الْكذَّاب وَأَبُو الطُّفَيْل صَحَابِيّ لَا شكّ فِيهِ وَلَا يُؤثر فِيهِ قَول أحد وَلَا سِيمَا بالعصبية والهوى وَلم أر لَهُ فِي صَحِيح البُخَارِيّ سوى مَوضِع وَاحِد فِي الْعلم رَوَاهُ عَن عَليّ وَعنهُ مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ وروى لَهُ الْبَاقُونَ اهـ أَقُول قد سبق ذكر ذَلِك ولنعده هُنَا فَنَقُول قَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب الْعلم بَاب من خص بِالْعلمِ قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفهموا وَقَالَ عَليّ حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ أتحبون أَن يكذب الله وَرَسُوله حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ عَن أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ بذلك اهـ قَالَ الشُّرَّاح هَذَا الْإِسْنَاد من عوالي الْمُؤلف لِأَنَّهُ يلْتَحق بالثلاثيات من جِهَة أَن الرَّاوِي الثَّالِث وَهُوَ أَبُو الطُّفَيْل صَحَابِيّ وَقدم الْمُؤلف الْمَتْن هُنَا على السَّنَد ليميز بَين طَرِيق إِسْنَاد الحَدِيث وَإسْنَاد الْأَثر أَو لضعف الْإِسْنَاد بِسَبَب مَعْرُوف أَو للتفنن وَبَيَان الْجَوَاز وَمن ثمَّ وَقع فِي بعض النّسخ مُؤَخرا وَقد سقط هَذَا الْأَثر كُله من رِوَايَة الْكشميهني ومعروف الْمَذْكُور هُوَ من صغَار التَّابِعين ضعفه يحيى بن معِين وَقَالَ أَحْمد مَا أَدْرِي كَيفَ هُوَ وَقَالَ السَّاجِي صَدُوق وَقَالَ أَبُو حَاتِم يكْتب حَدِيثه وروى لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي الطُّفَيْل أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَج (خَ د ت ق) عبد الله بن صَالح الْجُهَنِيّ أَبُو صَالح كَاتب اللَّيْث لقِيه البُخَارِيّ وَأكْثر عَنهُ وَلَيْسَ هُوَ بِشَرْطِهِ فِي الصَّحِيح وَإِن كَانَ حَدِيثه عِنْده صَالحا فَإِنَّهُ لم يُورد لَهُ فِي كِتَابه إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا وعلق عَنهُ غير ذَلِك على مَا ذكر الْحَافِظ الْمزي وَغَيره وَكَلَامهم فِي ذَلِك متعقب

ثمَّ ذكر وَجه التعقب وَقَالَ بعده قلت ظَاهر كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة أَن حَدِيثه كَانَ فِي الأول مُسْتَقِيمًا ثمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ فِيهِ تَخْلِيط فَمُقْتَضى ذَلِك أَن مَا يَجِيء من رِوَايَته عَن أهل الحذق كيحيى بن معِين وَالْبُخَارِيّ وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم فَهُوَ من صَحِيح حَدِيثه وَمَا يَجِيء من رِوَايَة الشُّيُوخ عَنهُ فَيتَوَقَّف فِيهِ وَالْأَحَادِيث الَّتِي رَوَاهَا اليخاري عَنهُ فِي الصَّحِيح بِصِيغَة حَدثنَا أَو قَالَ لي أَو قَالَ الْمُجَرَّدَة قَليلَة وَأورد ذَلِك ثمَّ قَالَ وَأما التَّعْلِيق على اللَّيْث من رِوَايَة عبد الله بن صَالح عَنهُ فكثير جدا وَقد عَابَ ذَلِك الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ وتعجب مِنْهُ كَيفَ يحْتَج بأحاديثه حَيْثُ يعلقها فَقَالَ هَذَا عَجِيب يحْتَج بِهِ إِذا كَانَ مُنْقَطِعًا وَلَا يحْتَج بِهِ إِذا كَانَ مُتَّصِلا وَجَوَاب ذَلِك أَن البُخَارِيّ إِنَّمَا صنع ذَلِك لما قَرَّرْنَاهُ أَن الَّذِي يُورِدهُ من أَحَادِيثه صَحِيح عِنْده قد انتقاه من حَدِيثه لكنه لَا يكون على شَرطه الَّذِي هُوَ أَعلَى شُرُوط الصِّحَّة فَلهَذَا لَا يَسُوقهُ مساق أصل الْكتاب وَهَذَا اصْطِلَاح لَهُ قد عرف بالاستقراء من صَنِيعه فَلَا مشاحة فِيهِ وَالله أعلم (ع) عبد الْوَارِث بن سعيد أَبُو عُبَيْدَة الْبَصْرِيّ من مشاهير الْمُحدثين ونبلائهم أثنى شُعْبَة على حفظه وَكَانَ يحيى بن سعيد الْقطَّان يرجع إِلَى حفظه وَوَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن سعد وَأَبُو حَاتِم وَذكر أَبُو دَاوُد عَن أبي عَليّ الْموصِلِي أَن حَمَّاد بن زيد كَانَ ينهاهم عَنهُ لأجل القَوْل بِالْقدرِ وَالَّذِي اتَّضَح أَنهم اتَّهَمُوهُ بِالْقدرِ لأجل ثنائه على عَمْرو بن عبيد فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول لَوْلَا أنني أعلم أَنه صَدُوق مَا حدثت عَنهُ وأئمة الحَدِيث كَانُوا يكذبُون عَمْرو بن عبيد وَينْهَوْنَ عَن مُجَالَسَته

فَمن هُنَا اتهمَ عبد الْوَارِث وَقد احْتج بِهِ الْجَمَاعَة أَقُول عَمْرو بن عبيد الْمَذْكُور كَانَ دَاعِيَة إِلَى الاعتزال وَقد ذكر مُسلم فِي مُقَدّمَة كِتَابه شَيْئا مِمَّا قيل فِيهِ فَقَالَ حَدثنَا حسن الْحلْوانِي حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد ح قَالَ أَبُو إِسْحَاق وَحدثنَا مُحَمَّد بن يحيى قَالَ حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة عَن يُونُس بن عبيد قَالَ كَانَ عَمْرو بن عبيد يكذب فِي الحَدِيث وحَدثني عَمْرو بن عَليّ أَبُو حَفْص قَالَ سَمِعت معَاذ بن معَاذ يَقُول قلت لعوف بن أبي جميلَة إِن عَمْرو بن عبيد حَدثنَا عَن الْحسن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حمل علينا السِّلَاح فَلَيْسَ منا قَالَ كذب وَالله عَمْرو وَلكنه أَرَادَ أَن يحوزها إِلَى قَوْله الْخَبيث وَحدثنَا عبيد بن عمر القواريري حَدثنَا حَمَّاد بن زيد قَالَ كَانَ رجل قد لزم أَيُّوب وَسمع مِنْهُ فَفَقدهُ أَيُّوب فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا بكر إِنَّه قد لزم عَمْرو بن عبيد قَالَ حَمَّاد فَبينا يَوْمًا مَعَ أَيُّوب وَقد بكرنا إِلَى السُّوق فَاسْتَقْبلهُ الرجل فَسلم

عَلَيْهِ أَيُّوب وَسَأَلَهُ ثمَّ قَالَ لَهُ أَيُّوب بَلغنِي أَنَّك لَزِمت ذَاك الرجل قَالَ حَمَّاد سَمَّاهُ يَعْنِي عمرا قَالَ نعم يَا أَبَا بكر إِنَّه يجيئنا بأَشْيَاء غرائب قَالَ يَقُول لَهُ أَيُّوب إِنَّمَا نفر أَو نفرق من تِلْكَ الغرائب وحَدثني حجاج بن الشَّاعِر حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا ابْن زيد يَعْنِي حمادا قَالَ قيل لأيوب إِن عَمْرو بن عبيد روى عَن الْحسن قَالَ لَا يجلد السَّكْرَان من النَّبِيذ قَالَ كذب أَنا سمع الْحسن يَقُول يجلد السَّكْرَان من النَّبِيذ وحَدثني حجاج حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَ سَمِعت سَلام بن أبي مُطِيع قَالَ بلغ أَيُّوب أَنِّي آتِي عمرا فَأقبل عَليّ يَوْمًا فَقَالَ أَرَأَيْت رجلا لَا تأمنه على دينه فَكيف تأمنه على الحَدِيث اهـ نبيه حَدِيث من حمل علينا السِّلَاح فَلَيْسَ منا صَحِيح مَرْوِيّ من طرق وَقد ذكرهَا مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان وَقد أول عُلَمَاء أهل السّنة هَذَا الحَدِيث فَقَالَ بَعضهم هُوَ مَحْمُول على المستحيل لذَلِك بِغَيْر تَأْوِيل فيكفر وَيخرج من الْملَّة وَقيل مَعْنَاهُ لَيْسَ على سيرتنا الْكَامِلَة وهدينا وَهَذَا مَا يَقُول الرجل لوَلَده إِذا لم يرض فعله لست مني وَهَكَذَا القَوْل فِي جَمِيع الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِنَحْوِ هَذَا القَوْل كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام من غَشنَا فَلَيْسَ منا فَإِن مَذْهَب أهل السّنة أَن من حمل السِّلَاح على الْمُسلمين بِغَيْر حق وَلَا تَأْوِيل وَلم يستحله فه عَاص وَلَا يكفر بذلك وَكَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يكره قَول من يفسره بليس على هدينَا وَيَقُول بئس هَذَا القَوْل يَعْنِي انه يمسك تَأْوِيله ليَكُون أوقع فِي النُّفُوس وأبلغ فِي الزّجر وَحَمَلته الْمُعْتَزلَة على ظَاهره فَقَالُوا إِن من ارْتكب كَبِيرَة وَلم يتب خرج من الْإِيمَان وخلد فِي النَّار وَلَا يسمونه مُؤمنا وَلَا كَافِرًا وَإِنَّمَا يسمونه فَاسِقًا وَلكَون

ظَاهر هَذَا الحَدِيث يُؤَيّد مَذْهَب الْمُعْتَزلَة قَالَ عَوْف كذب وَالله عَمْرو وَلكنه أَرَادَ أَن يحوزها إِلَى قَوْله الْخَبيث يَعْنِي أَنه أَرَادَ أَن يعضد بِهَذِهِ الْكَلِمَة مذْهبه الْبَاطِل وه مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَمُرَاد مُسلم بِذكر لَك هُنَا بَيَان أَن عوفا جرح عَمْرو بن عبيد وَكذبه وَقد حاول الْعلمَاء بَيَان وَجه لتكذيب عَوْف فَقَالُوا إِنَّمَا كذبه مَعَ ان الحَدِيث صَحِيح إِمَّا لكَونه نسبه إِلَى الْحسن وَالْحسن لم يرو هَذَا أَو لكَونه لم يسمعهُ من الْحسن وَكَانَ عَوْف من كبار أَصْحَاب الْحسن وَلنْ بَقِي أَن يُقَال فَمَاذَا أَرَادَ عَوْف بقوله وَلكنه أَرَادَ أَن يحوزها إِلَى قَوْله الْخَبيث وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث وأشباهه لَو انْفَرد بروايته ثِقَات الروَاة من الْمُعْتَزلَة وَلَو لم يَكُونُوا دعاة إِلَى مَذْهَبهم لَا يقبل عِنْد الْمُحدثين الْبَتَّةَ لما عرفت من أَن المبتدع إِذا كَانَ متحرزا من الْكَذِب وموصوفا بالديانة لَا يقبل من رِوَايَته عِنْد من يقبلهَا لَا مَا لَا يكون مؤيدا لبدعته ظَاهرا وَلَو لم يرو هَذَا الحَدِيث من طَرِيق غير طَرِيق عَمْرو وإخوانه لجعل مِثَالا للْحَدِيث الْمَوْضُوع الَّذِي وَضعته الْمُعْتَزلَة تشييدا لمذهبهم وغن كَانُوا أبعد النَّاس عَن الْوَضع وَقد نقلنا سَابِقًا قَول بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام إِن من يعْتَقد انه يخلد فِي النَّار على شَهَادَة الزُّور أبعد فِي الشَّهَادَة الكاذبة مِمَّن لَا يعْتَقد ذَلِك فَكَانَت الثِّقَة بِشَهَادَتِهِ وخيره أكمل من الثِّقَة بِمن لَا يعْتَقد ذَلِك وَدَار قبُول الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة على الثِّقَة بِالصّدقِ وَذَلِكَ مُتَحَقق فِي أهل الْأَهْوَاء وَقد حاول حَكِيم أهل الْأَثر ابْن حبَان حل هَذِه الْعقْدَة على وَجه رُبمَا أرْضى الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ كَانَ يكذب فِي الحَدِيث وهما لَا تعمدا وَلَا يخفى أَن الْكَذِب وهما

عبارَة عَن وُقُوع خطا فِي حَدِيثه على طَرِيق السَّهْو أَو الْغَفْلَة وَنَحْو ذَلِك وَهُوَ مِمَّا لَا يَخْلُو عَنهُ إِنْسَان مهما جلّ حفظه وانتباهه قَالَ الْحَافِظ التِّرْمِذِيّ قَالَ وَكِيع إِن لم يكن الْمَعْنى وَاسِعًا فقد هلك النَّاس وَإِنَّمَا تفاضل أهل الْعلم بِالْحِفْظِ والإتقان والتثبت عِنْد السماع مَعَ انه لم يسلم من الْخَطَأ والغلط أحد من الْأَئِمَّة مَعَ حفظهم وَالظَّاهِر أَن عَمْرو بن عبيد كَانَ جَارِيا على سنَن جُمْهُور أهل الْأَثر فِي قبُول خبر الْوَاحِد إِذا استوفى الشُّرُوط الْمَشْهُورَة قَالَ ابْن حزم فِي كتاب الإحكام فِي إِثْبَات خبر الْوَاحِد وَلَا خلاف بَين مُؤمن وَلَا كَافِر قطعا فِي أَن كل صَاحب وكل تَابع سَأَلَهُ مستفت عَن نازلة فِي الدّين أَنه لم يقل لَهُ قطّ لَا يجوز لَك أَن تعْمل بِمَا أَخْبَرتك بِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يُخْبِرك بذلك الكواف كَمَا قَالُوا لَهُم فِيمَا أخبروا بِهِ انه رَأْي مِنْهُم فَلم يلزموهم قبُوله ثمَّ قَالَ فصح بِهَذَا إِجْمَاع الْأمة كلهَا على قبُول خبر الْوَاحِد الثِّقَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجْرِي على ذَلِك فِي كل فرقة علماؤها كَاهِل السّنة والخوارج والشيعة والقدرية حَتَّى حدث متكلموا الْمُعْتَزلَة بعد المئة من التَّارِيخ فخالفوا الْإِجْمَاع فِي ذَلِك وَلَقَد كَانَ عَمْرو بن عبيد يتدين بِمَا يروي عَن الْحسن ويفتي بِهِ هَذَا أَمر لَا يجهله من لَهُ أقل علم اهـ وَلَا يخفى مَا فِي هَذِه الْعبارَة من الْإِشْعَار بفرط شهرة هَذَا الرجل مَعَ عظم موقعه فِي نفوس الْمُعْتَزلَة ولنذكر شَيْئا من تَرْجَمته مِمَّا ذكره أهل الْأَثر حاذفين كثيرا مِمَّا يتَعَلَّق بذمه فقد عرف رَأْيهمْ فِيهِ فَنَقُول هُوَ أَبُو عُثْمَان عَمْرو بن عبيد الْبَصْرِيّ روى عَن الْحسن وَأبي قلَابَة وروى

عَنهُ الحمادان وَيحيى الْقطَّان وَعِيد الْوَارِث وَهُوَ الَّذِي ذكرنَا آنِفا أَنه اتهمَ بالاعتزال لنفيه الْكَذِب عَن عَمْرو وَقَالَ حَمَّاد بن زيد كنت مَعَ أَيُّوب وَيُونُس وَابْن عون فَمر عَمْرو فَسلم عَلَيْهِم ووقف فَلم يردوا عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ عبد الْوَهَّاب الْخفاف مَرَرْت بِعَمْرو بن عبيد وَحده فَقلت مَالك تركوك قَالَ نهى النَّاس عني ابْن عون فَانْتَهوا وَقَالَ عَمْرو بن النَّضر سُئِلَ عَمْرو بن عبيد يَوْمًا عَن شَيْء وَأَنا عِنْده فَأجَاب فِيهِ فَقلت لَيْسَ هَكَذَا يَقُول أَصْحَابنَا فَقَالَ وَمن أَصْحَابك لَا أَبَا لَك فَقلت أَيُّوب وَيُونُس وَابْن عون والتيمي قَالَ أُولَئِكَ أرجاس أنجاس أموات غير أَحيَاء وَقَالَ مَحْمُود بن غيلَان قلت لأبي دَاوُد إِنَّك لَا تروي عَن عبد الْوَارِث قَالَ كَيفَ أروي عَن رجل يزْعم ان عَمْرو بن عبيد خير من أَيُّوب وَابْن عون وَيُونُس وَقَالَ عبيد الله بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ كُنَّا إِذا جلسنا إِلَى عبد الْوَارِث كَانَ أَكثر حَدِيثه عَن عَمْرو بن عبيد وَقَالَ نعيم بن حَمَّاد قيل لِابْنِ الْمُبَارك لم رويت عَن سعيد وَهِشَام الدستوَائي وَتركت حَدِيث عَمْرو بن عبيد قَالَ كَانَ عَمْرو يَدْعُو إِلَى رَأْيه وَيظْهر الدعْوَة وَكَانَا ساكتين وَقَالَ احْمَد بن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ سَأَلت ابْن معِين عَن عَمْرو بن عبيد فَقَالَ لَا يكْتب حَدِيثه فَقلت لَهُ أَكَانَ يكذب فَقَالَ كَانَ دَاعِيَة إِلَى دينه فَقلت لَهُ فَلم وثقت قَتَادَة وَابْن أبي عرُوبَة وَسَلام بن مِسْكين فَقَالَ كَانُوا يصدقون فِي حَدِيثهمْ وَلم يَكُونُوا يدعونَ إِلَى بِدعَة وَقَالَ كَامِل بن طَلْحَة قلت لحماد يَا أَبَا سَلمَة رويت عَن النَّاس وَتركت عَمْرو بن عبيد فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت كَانَ النَّاس يصلونَ يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الْقبْلَة وَهُوَ مُدبر عَنْهُم فَعلمت أَنه على بِدعَة فَتركت الرِّوَايَة عَنهُ وَذكروا مرائي كَثِيرَة من هَذَا الْقَبِيل رَآهَا النَّاس فِي حَقه

وَذكروا عَن الْحسن أَنه قَالَ نعم الْفَتى عَمْرو بن عبيد إِن لم يحدث وَكَانَ الْخَلِيفَة أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور يعجب بزهد عَمْرو وعبادته وَيَقُول (كلكُمْ يطْلب صيد ... كلكُمْ يمشي رويد ... غير عَمْرو بن عبيد) وَتُوفِّي بطرِيق مَكَّة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين مئة وَقيل سنة أَربع ورثاه الْمَنْصُور فَقَالَ (صلى الْإِلَه عَلَيْك من مُتَوَسِّد ... قبرا مَرَرْت بِهِ على مران) (قبرا تضمن مُؤمنا متحنفا ... صدق الْإِلَه ودان بِالْقُرْآنِ) (لَو أَن هَذَا الدَّهْر أبقى صَالحا ... أبقى لنا حَقًا أَبَا عُثْمَان) (خَ م د س) عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة الْكُوفِي أحد الْحفاظ الْكِبَار وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَابْن نمير وَالْعجلِي وَجَمَاعَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم كَانَ أكبر من أَخِيه أبي بكر إِلَّا أَن أَبَا بكر ضَعِيف وَعُثْمَان صَدُوق وَذكر لَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب التَّصْحِيف أَشْيَاء صحفها من الْقُرْآن فِي تَفْسِيره كانه مَا كَانَ يحفظ الْقُرْآن وانكر عَلَيْهِ أَحْمد أَحَادِيث وتتبعها الْخَطِيب وَبَين عذره فِيهَا روى لَهُ الْجَمَاعَة سوى التِّرْمِذِيّ (ع) عدي بن ثَابت الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي التَّابِعِيّ الْمَشْهُور وَثَّقَهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْعجلِي وَالدَّارَقُطْنِيّ إِلَّا أَنه قَالَ كَانَ يغلو فِي التَّشَيُّع وَكَانَ غمام مَسْجِد الشِّيعَة وقاضيهم قلت احْتج بِهِ الْجَمَاعَة وَمَا أخرج لَهُ فِي الصَّحِيح شَيْء مِمَّا يُقَوي بدعته (ع) عِكْرِمَة أَبُو عبد الله مولى ابْن عَبَّاس احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَأَصْحَاب السّنَن وَتَركه مُسلم فَلم يخرج لَهُ سوى حَدِيث وَاحِد فِي الْحَج مَقْرُونا بِسَعِيد بن جُبَير وَغنما تَركه لكَلَام مَالك فِيهِ وَقد تعقب جمَاعَة من الْأَئِمَّة ذَلِك وصنفوا

فِي الذب عَن عِكْرِمَة مِنْهُم أَبُو جَعْفَر بن جرير الطَّبَرِيّ وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي وَأَبُو عبد الله بن مندة وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان وَابْن عبد الْبر وَغَيرهم ومدار طعن الطاعنين فِيهِ على ثَلَاثَة أَشْيَاء وَهِي الْكَذِب وموافقة الْخَوَارِج فِي مَذْهَبهم وَقبُول جوائز المراء ومدار جَوَاب الذابين عَنهُ على ان قبُول جوائز الْأُمَرَاء لَا يُوجب الْقدح إِلَّا عِنْد المشددين وَأهل الْعلم على جَوَاز ذَلِك وَقد صنف فِي ذَلِك ابْن عبد الْبر وَأما الْبِدْعَة فَإِن ثبتَتْ عَنهُ فَلَا تضر فِي رِوَايَته لِأَنَّهُ لم يكن دَاعِيَة مَعَ أَنَّهَا لم تثبت عَلَيْهِ وَأما نسبته إِلَى الْكَذِب فأشد مَا ورد فِي ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر انه قَالَ لنافع لَا تكذب عَليّ كَمَا كذب عِكْرِمَة على ابْن عَبَّاس قَالَ ابْن حبَان أهل الْحجاز يطلقون كذب فِي مَوضِع أَخطَأ وَيُؤَيّد ذَلِك قَول عبَادَة بن الصَّامِت كذب أَبُو مُحَمَّد لما أخبر أَنه يَقُول إِن الْوتر وَاجِب مَعَ انه لم يقلهُ راوية وَإِنَّمَا قَالَه اجْتِهَادًا وَلَا يُقَال للمجتهد فِيمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَاده إِنَّه كذب فِيهِ وَغنما يُقَال أَخطَأ فِيهِ وَقد ذكر ابْن عبد الْبر أَمْثِلَة كَثِيرَة تدل على أَن كذب تَأتي بِمَعْنى أَخطَأ

وَيَتْلُو مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر فِي الشدَّة مَا يروي عَن ابْن سِيرِين من قَوْله لمَوْلَاهُ برد لَا تكذب عَليّ كَمَا كذب عِكْرِمَة على ابْن عَبَّاس وَقد عرفت ان كذب قد يكون بِمَعْنى أهخطأ وَقَالَ بعض الْعلمَاء كَانَ عِكْرِمَة رُبمَا سمع الحَدِيث من رجلَيْنِ فَيحدث بِهِ عَن احدهما تَارَة وَعَن الآخر تَارَة أُخْرَى فَرُبمَا قَالُوا مَا أكذبه فَرُبمَا قَالُوا مَا أكذبه وه صَادِق وَقَالَ أَيُّوب قَالَ عِكْرِمَة أَرَأَيْت هَؤُلَاءِ الَّذين يكذبونني من خَلْفي أَفلا يكذبونني فِي وَجْهي يَعْنِي انهم إِذا واجهوه بذلك أمكنه الْجَواب عَنهُ والمخرج مِنْهُ وَأما طعن مَالك فِيهِ فقد بَين سَببه أَبُو حَاتِم قَالَ ابْن أبي حَاتِم سَأَلت أبي عَن عِكْرِمَة فَقَالَ ثِقَة قلت يحْتَج بحَديثه قَالَ نعم إِذا روى عَنهُ الثِّقَات وَالَّذِي أنكر عَلَيْهِ بِهِ مَالك إِنَّمَا هُوَ بِسَبَب رَأْيه على انه لم يثبت عَنهُ من وَجه قَاطع أَنه كَانَ يرى ذَلِك وَغنما كَانَ يوافقهم فِي بعض الْمسَائِل فنسبوه إِلَيْهِم وَقد برأه أَحْمد وَالْعجلِي من ذَلِك وَقَالَ ابْن جرير لَو كَانَ كل من ادعِي عَلَيْهِ مَذْهَب من الْمذَاهب الرَّديئَة ثَبت عَلَيْهِ مَا ادعِي بِهِ وَسَقَطت عَدَالَته وَبَطلَت شَهَادَته بذلك للَزِمَ ترك أَكثر محدثي الْأَمْصَار لِأَنَّهُ مَا مِنْهُم إِلَّا وَقد نسبه قوم إِلَى مَا يرغب بِهِ عَنهُ وَأما ثَنَاء النَّاس عَلَيْهِ من أهل عصره وَمِمَّنْ بعدهمْ فكثير قَالَ الشّعبِيّ مَا بَقِي أحد اعْلَم بِكِتَاب الله من عِكْرِمَة وَقَالَ جرير عَن مُغيرَة قيل لسَعِيد بن جُبَير تعلم أحدا أعلم مِنْك قَالَ نعم عِكْرِمَة وَقَالَ حبيب بن الشَّهِيد كنت عِنْد عَمْرو بن دِينَار فَقَالَ وَالله مَا رَأَيْت مثل عِكْرِمَة قطّ وَحكى البُخَارِيّ عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ أَعْطَانِي جَابر بن زيد صحيفَة فِيهَا مسَائِل عَن عِكْرِمَة فَجعلت كَأَنِّي أتبطأ فانتزعها من يَدي وَقَالَ هَذَا عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس هَذَا أعلم النَّاس وَقَالَ البُخَارِيّ لَيْسَ أحد من أَصْحَابنَا إِلَّا احْتج بِعِكْرِمَةَ

وَقَالَ مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي أجمع عَامَّة أهل الْعلم على الِاحْتِجَاج بِحَدِيث عِكْرِمَة وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر كَانَ عِكْرِمَة من جلة الْعلمَاء وَلَا يقْدَح فِيهِ كَلَام من تكلم فِيهِ لِأَنَّهُ لَا حجَّة مَعَ أحد تكلم فِيهِ وَكَلَام ابْن سِيرِين فِيهِ لَا خلاف بَين أهل الْعلم انه كَانَ أعلم بِكِتَاب الله من ابْن سِيرِين وَقد يظنّ الْإِنْسَان ظنا يغْضب لَهُ وَلَا يملك نَفسه (خَ د س) عمرَان بن حطَّان السدُوسِي الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ يرى رَأْي الْخَوَارِج وَكَانَ دَاعِيَة إِلَى مذْهبه وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَقَالَ قَتَادَة كَانَ لَا يتهم فِي الحَدِيث قَالَ يَعْقُوب بن شيبَة أدْرك جمَاعَة من الصَّحَابَة لم يخرج لَهُ البُخَارِيّ سوى حَدِيث وَاحِد وَهُوَ إِنَّمَا يلبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا من لَا خلاق لَهُ فِي الْآخِرَة أخرجه البُخَارِيّ فِي المتابعات

حرف الغين

حرف الْغَيْن (ع) غَالب الْقطَّان أَبُو سُلَيْمَان الْبَصْرِيّ وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهم وَقَالَ احْمَد ثِقَة وَأوردهُ ابْن عدي فِي الضُّعَفَاء وَأورد لَهُ أَحَادِيث الْحمل فِيهَا على الرَّاوِي عَنهُ عمر بن مُخْتَار الْبَصْرِيّ وَقد احْتج بِهِ الْجَمَاعَة حرف الْفَاء (ع) فليح بن سُلَيْمَان الْخُزَاعِيّ أَو الْأَسْلَمِيّ مَشْهُور من طبقَة مَالك احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَأَصْحَاب السّنَن وروى لَهُ مُسلم حَدِيثا وَاحِدًا قَالَ السَّاجِي

حرف القاف

هُوَ من الصدْق وَكَانَ يهم ضعفه يحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد قلت لم يعْتَمد عَلَيْهِ البُخَارِيّ اعْتِمَاده على مَالك وَابْن عُيَيْنَة وأضرابهما وَإِنَّمَا أخرج لَهُ أَحَادِيث أَكْثَرهَا فِي المناقب بَعْضهَا فِي الرقَاق حرف الْقَاف (ع) قَتَادَة بن دعامة الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ الْجَلِيل أحد الْأَثْبَات الْمَشْهُورين كَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْحِفْظ إِلَّا أَنه كَانَ رُبمَا يُدَلس وَقَالَ ابْن معِين رمي بِالْقدرِ وَذكر ذَلِك عَنهُ جمَاعَة واما أَبُو دَاوُد فَقَالَ لم يثبت عندنَا عَن قَتَادَة القَوْل بِالْقدرِ وَالله أعلم احْتج بِهِ الْجَمَاعَة حرف الْكَاف (ع) كهمس بن الْحسن التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ من صغَار التَّابِعين قَالَ أَحْمد ثِقَة وَزِيَادَة وَقَالَ أَبُو دَاوُد ثِقَة وَقَالَ السَّاجِي صَدُوق يهم قلت أخرج لَهُ البُخَارِيّ أَحَادِيث يسيرَة من رِوَايَته عَن عبد الله بن بُرَيْدَة وَاحْتج بِهِ الْبَاقُونَ حرف اللَّام خَالِي حرف الْمِيم (خَ 4) مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة ابْن عَم عُثْمَان بن عَفَّان يُقَال لَهُ رُؤْيَة فَإِن ثبتَتْ فَلَا يعرج على من تكلم فِيهِ وَقَالَ عُرْوَة بن الزبير كَانَ مَرْوَان لَا يتهم فِي الحَدِيث وَقد روى عَنهُ سهل بن سعد السَّاعِدِيّ الصَّحَابِيّ اعْتِمَادًا على صدقه وَإِنَّمَا نقموا عَلَيْهِ أَنه رمى طَلْحَة يَوْم الْجمل بِسَهْم فَقتله ثمَّ شهر السَّيْف فِي طلب الْخلَافَة حَتَّى جرى مَا جرى فَأَما قتل طَلْحَة فَكَانَ متأولا فِيهِ كَمَا قَرَّرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيره وَأما مَا بعد ذَلِك فغنما حمل عَنهُ سهل بن سعد وَعُرْوَة وَعلي بن الْحُسَيْن وَأَبُو بكر عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث وَهَؤُلَاء أخرج البُخَارِيّ أَحَادِيثهم عَنهُ فِي صَحِيحه لما كَانَ أَمِيرا عِنْدهم بِالْمَدِينَةِ قبل أَن يَبْدُو مِنْهُ فِي الْخلاف على ابْن الزبير

مَا بدا وَالله أعلم وَقد اعْتمد مَالك على حَدِيثه ورأيه وَالْبَاقُونَ سوى مُسلم اهـ أَقُول ذكر فِي تَهْذِيب التَّهْذِيب أَنه ولد بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وَقيل بِأَرْبَع وروى عَن عُثْمَان وَعلي وَزيد بن ثَابت وَنقل عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ إِنَّه لم ير النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ ذكر أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ عَابَ على البُخَارِيّ تَخْرِيج حَدِيثه وعد من موبقاته أَنه رمى طَلْحَة يَوْم الْجمل فَقتله ثمَّ وثب على الْخلَافَة بِالسَّيْفِ ثمَّ قَالَ وَقد اعتذرت عَنهُ فِي مُقَدّمَة شرح البُخَارِيّ يُرِيد مَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ آنِفا وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يقف عَلَيْهِ كل رَاغِب فِي علم الْأَثر أَن الإِمَام البُخَارِيّ كَانَ جلّ قَصده أَن يكون الرَّاوِي قد صدق فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ من غير نظر إِلَى أَمر آخر فَإِذا لَاحَ لَهُ صدق الْخَبَر حرص على رِوَايَته من غير نظر إِلَى حَال الرَّاوِي فِيمَا سوى ذَلِك غير انه لفرط علمه ونباهته كَانَ يحرص على أَن لَا تظهر مُخَالفَته لِلْجُمْهُورِ وَكَثِيرًا مَا يروي أَشْيَاء مُخَالفَة لما توخاه فِي شَرطه إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك مِمَّا اشْتهر عِنْد من يرجع كثير من النَّاس إِلَيْهِم وَيُوَلُّونَ فِي ذَلِك عَلَيْهِم فَهُوَ كتاب فِيهِ أسرار تبهر أولي الْأَلْبَاب وَلَقَد أَجَاد الْقَائِل (أعيا فحول الْعلم حل رموزها ... أبداه فِي الْأَبْوَاب من أسرار) وَلِهَذَا كَانَ من حساده مَا كَانَ من قيامهم عَلَيْهِ وَصد النَّاس عَنهُ وتحذيرهم مِنْهُ حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ فقد شعروا أَنه أُوتِيَ من الْفضل مَا لم يؤتوا معشاره وانه سبق إِلَى أَمر عَظِيم لَيْسَ لَهُم إِلَّا أَن يقتفوا فِيهِ آثاره وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى مَا فِي كِتَابه من الْأَسْرَار حَيْثُ قَالَ لمُحَمد بن أبي حَاتِم الْوراق لَو نشر بعض أساتذة هَؤُلَاءِ لم يفهموا كَيفَ صنفت كتابي وَلَا عرفوه ثمَّ قَالَ

حرف النون

صنفته ثَلَاث مَرَّات فَادع بِالْخَيرِ لصَاحب الْكتاب وَلمن نبهك على مَا نبهك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِمَّا يضن بِهِ على غير أَهله (ع) مُوسَى بن عقبَة الْمدنِي مَشْهُور من صغَار التَّابِعين صنف الْمَغَازِي وَهُوَ من أصح المصنفات فِي ذَلِك وَوَثَّقَهُ الْجُمْهُور وَقَالَ ابْن معِين كتاب مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ من أصح الْكتب وَقَالَ مرّة فِي رِوَايَته عَن نَافِع شَيْء لَيْسَ هُوَ فِيهِ كمالك وَعبيد الله بن عمر قلت فَظهر أَن تليين ابْن معِين لَهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لرِوَايَة مَالك وَغَيره لَا فِيمَا تفرد بِهِ وَقد اعْتَمدهُ الْأَئِمَّة كلهم (خَ س) مَيْمُون بن سياه الْبَصْرِيّ تَابِعِيّ ضعفه يحيى بن معِين وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ أَبُو حَاتِم ثِقَة قلت مَا لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى حَدِيثه عَن انس من صلى صَلَاتنَا الحَدِيث بمتابعة حميد الطَّوِيل وروى لَهُ النَّسَائِيّ حرف النُّون (ع) نَافِع بن عمر الجُمَحِي الْمَكِّيّ أحد الْأَثْبَات قَالَ ابْن مهْدي كَانَ من أثبت النَّاس وَقَالَ احْمَد ثَبت ثَبت وَوَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَأَبُو حَاتِم وَغير وَاحِد وَقَالَ ابْن سعد كَانَ ثِقَة قَلِيل الحَدِيث فِيهِ شَيْء قلت احْتج بِهِ الْأَئِمَّة وَقد قدمنَا أَن تَضْعِيف ابْن سعد فِيهِ نظر لاعتماده على الْوَاقِدِيّ

حرف الهاء

حرف الْهَاء (ع) هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي أحد الْأَثْبَات مجمع على ثقته وإتقانه وَقدمه أَحْمد على الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو زرْعَة على أَصْحَاب يحيى بن أبي كثير وعَلى أَصْحَاب قَتَادَة وَكَانَ شُعْبَة يَقُول هَذَا احفظ مني وَكَانَ يحيى الْقطَّان يَقُول إِذا سَمِعت الحَدِيث من هِشَام الدستوَائي فَلَا تبال أَن لَا تسمعه من غَيره وَمَعَ هَذِه المناقب قَالَ مُحَمَّد بن سعد كَانَ ثِقَة حجَّة إِلَّا انه كَانَ يرى الْقدر وَقَالَ الْعجلِيّ ثِقَة ثَبت فِي الحَدِيث إِلَّا انه كَانَ يرى الْقدر وَلَا يَدْعُو إِلَيْهِ احْتج بِهِ الْأَئِمَّة (ع) همام بن يحيى الْبَصْرِيّ أحد الْأَثْبَات قَالَ أَبُو حَاتِم ثِقَة صَدُوق فِي حفظه شَيْء وَقَالَ الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي سَمِعت عَفَّان يَقُول كَانَ همام لَا يكَاد يرجع إِلَى كِتَابه وَلَا ينظر فِيهِ وَكَانَ يُخَالف فَلَا يرجع إِلَى كِتَابه ثمَّ رَجَعَ بعد فَنظر فِي كتبه فَقَالَ يَا عَفَّان كُنَّا نخطئ كثيرا فنستغفر الله قلت وَهَذَا يَقْتَضِي ان حَدِيث همام بِآخِرهِ أصح مِمَّا سمع مِنْهُ قَدِيما وَقد نَص على ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَقد اعْتَمدهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة حرف الْوَاو (ع) الْوَلِيد بن كثير المَخْزُومِي أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي نزيل الْكُوفَة وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ الْآجُرِيّ عَن أبي دَاوُد ثِقَة إِلَّا انه إباضي قلت الإباضية فرقة من الخوراج لَيْسَ مقالتهم شَدِيدَة الْفُحْش وَلم يكن الْوَلِيد دَاعِيَة حرف الْيَاء (يحيى بن أبي كثير اليمامي أحد الْأَئِمَّة الْأَثْبَات الثِّقَات المكثرين عَظمَة أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّة وَقَالَ شُعْبَة حَدِيثه أحسن من حَدِيث

الزُّهْرِيّ وَقَالَ يحيى الْقطَّان مرسلاته تشبه الرّيح لِأَنَّهُ كَانَ كثير الْإِرْسَال والتدليس والتحديث من الصُّحُف وَاحْتج بِهِ الْأَئِمَّة (ع) يزِيد بن عبد الله بن خصيفَة الْكِنْدِيّ وَقد ينْسب إِلَى جده قَالَ ابْن معِين ثِقَة حجَّة وَوَثَّقَهُ أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم وَكَذَا أَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَابْن سعد وروى الْآجُرِيّ عَن أبي دَاوُد عَن احْمَد أَنه قَالَ مُنكر الحَدِيث قلت هَذِه اللَّفْظَة يطلقهَا أَحْمد على من يغرب على أقرانه بِالْحَدِيثِ عرف بالاستقراء من حَاله وَقد احْتج بِابْن خصيفَة مَالك وَالْأَئِمَّة كلهم (خَ ت س ق) يُونُس بن أبي الْفُرَات الْبَصْرِيّ وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ ابْن الْجُنَيْد عَن ابْن معِين لَيْسَ بِهِ بَأْس وَهَذَا تَوْثِيق من ابْن معِين وَأما ابْن عدي فَذكره فِي تَرْجَمَة سعيد بن أبي عرُوبَة وَقَالَ لَيْسَ بالمشهور وَمَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بالشهرة وشذ ابْن حبَان فَقَالَ لَا يجوز أَن يحْتَج بِهِ لغَلَبَة الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته قلت مَا لَهُ فِي البُخَارِيّ وَفِي السّنَن سوى حَدِيثه عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ مَا أكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خوان وَقد قَالَ التِّرْمِذِيّ إِن سعيد بن أبي عرُوبَة روى عَن قَتَادَة نَحْو هَذَا الحَدِيث

صلة تتم بها هذه الفائدة

صلَة تتمّ بهَا هَذِه الْفَائِدَة قد تقرر أَن الْجرْح وَالتَّعْدِيل من أهم مَا يَعْنِي بِهِ أهل الْأَثر وَقد ألف الْحفاظ فِيهِ كتبا جمة مَا بَين مطول ومختصر وَأول من جمع كَلَامه فِي ذَلِك الْحَافِظ يحيى بن سعيد الْقطَّان وَقد تكلم فِي ذَلِك من بعده تلامذته مثل يحيى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَاحْمَدْ بن حَنْبَل وَعَمْرو بن عَليّ الفلاس وتلامذتهم مثل أبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأبي إِسْحَاق الْجوزجَاني وتلاهم فِي ذَلِك من بعدهمْ مثل النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَالتِّرْمِذِيّ والدولابي والعقيلي وَله مُصَنف مُفِيد فِي معرفَة الضُّعَفَاء وَمن الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي ذَلِك كتاب أبي حَاتِم بن حبَان وَكتاب أَحْمد بن بن عدي وَهُوَ أكمل الْكتب فِي ذَلِك وأجلها وَهُوَ الْكتاب الَّذِي يدعى الْكَامِل وَكتاب أبي الْفَتْح الْأَزْدِيّ وَكتاب أبي مُحَمَّد بن أبي حَاتِم وَكتاب الدَّارَقُطْنِيّ فِي الضُّعَفَاء وَكتاب الْحَاكِم فيهم وَقد صنف أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ كتابا كَبِيرا اخْتَصَرَهُ الذَّهَبِيّ وَجعل لَهُ ذيلين وَجمع مُعظم مَا فيهمَا فِي مِيزَانه وَقد عول النَّاس عَلَيْهِ مَعَ انه تبع ابْن عدي فِي إِيرَاد كل من تكلم فِيهِ وَلَو كلن ثِقَة وَلكنه الْتزم ان لَا يذكر أحدا من

الصَّحَابَة وَلَا الْأَئِمَّة المتبوعين قَالَ فِي الْمِيزَان وَمَا كَانَ فِي كتاب البُخَارِيّ وَابْن عدي وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة فَإِنِّي أسقطهم لجلالة الصَّحَابَة وَلَا أذكرهم فِي هَذَا المُصَنّف إِذْ كَانَ الضعْف إِنَّمَا جَاءَ من جِهَة الروَاة إِلَيْهِم وَكَذَا لَا أذكر فِي كتابي من الْأَئِمَّة المتبوعين فِي الْفُرُوع أحدا لجلالتهم فِي الْإِسْلَام وعظمهم فِي النُّفُوس وَقد ذيل عَلَيْهِ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي مُجَلد وَقد الْتقط مِنْهُ الْحَافِظ ابْن حجر من لَيْسَ فِي تَهْذِيب الْكَمَال وَضم إِلَيْهِ مَا فَاتَهُ فِي الروَاة وتراجم مُسْتَقلَّة فِي كِتَابه الْمُسَمّى لِسَان الْمِيزَان وَله كِتَابَانِ آخرَانِ وهما تَقْوِيم اللِّسَان وتحرير الْمِيزَان هَذَا وَقد أطبق الْعلمَاء على وجوب بَيَان أَحْوَال الْكَذَّابين من الروَاة وَإِقَامَة النكير عَلَيْهِم صِيَانة للدّين قَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول وَمن الْوَاجِب الْكَلَام فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل لتمييز الصَّحِيح من الْآثَار من السقيم وَقد دلّت قَوَاعِد الشَّرِيعَة على أَن حفظهَا فرض كِفَايَة فِيمَا زَاد على الْقدر الْمُتَعَيّن وَلَا يَتَأَتَّى حفظ الشَّرِيعَة إِلَّا بذلك اهـ وَأما من لَا يتَعَلَّق بهم حفظ الشَّرِيعَة فَلَا يجْرِي هَذَا الحكم فيهم حَتَّى إِن بعض من ألف فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل قد أغضى عَن ذكر كثير مِمَّن تكلم فِيهِ من الروَاة الْمُتَأَخِّرين وَذَلِكَ لاستقرار أَمر الحَدِيث فِي الْجَوَامِع الَّتِي جمعتها الْأَئِمَّة فَمن روى بعد ذَلِك حَدِيثا لَا يُوجد فِيهَا لم يقبل مِنْهُ قَالَ بَعضهم وَالْحَد الْفَاصِل بَين الْمُتَقَدّم والمتأخر هُوَ رَأس سنة ثَلَاث مئة

وَقد رَأَيْت لبَعض أهل الْأَثر كلَاما يتَعَلَّق بِمَا نَحن فِيهِ وَفِيه زِيَادَة بسط فَأَحْبَبْت إِيرَاد جلّ ذَلِك إتماما للصلة فَأَقُول قد تكلم فِي الرِّجَال خلق لَا يتهيأ خصرهم وَقد سرد ابْن عدي فِي مُقَدّمَة كَامِلَة جمَاعَة إِلَى زَمَنه فَمن الصَّحَابَة ابْن عَبَّاس وَعبادَة بن الصَّامِت وَأنس وَمن التَّابِعين الشّعبِيّ وَابْن سِيرِين وَلَك لقلَّة الضعْف فِيمَن يروون عَنْهُم إِذْ أَكْثَرهم صحابة وهم عدُول وَغير الصَّحَابَة مِنْهُم أَكْثَرهم ثِقَات إِذْ لَا يكَاد يُوجد فِي الْقرن الأول من الضُّعَفَاء إِلَّا الْقَلِيل واما الْقرن الثَّانِي فقد كَانَ فِي أَوَائِله من أوساط التَّابِعين جمَاعَة من الضُّعَفَاء وَضعف أَكْثَرهم نَشأ غَالِبا من قبل تحملهم وضبطهم للْحَدِيث فَكَانُوا يرسلون كثيرا ويرفعون الْمَوْقُوف وَكَانَت لَهُم أغلاط وَذَلِكَ مثل أبي هَارُون الْعَبْدي وَلما كَانَ آخر عصر التَّابِعين وَهُوَ حُدُود الْخمسين ومئة تكلم فِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح طَائِفَة من أَئِمَّة فضعف الْأَعْمَش جمَاعَة ووثق آخَرين وَنظر فِي الرِّجَال شُعْبَة وَكَانَ مثبتا لَا يكَاد يروي إِلَّا عَن ثِقَة وَمثله مَالك وَمِمَّنْ كَانَ فِي هَذَا الْعَصْر مِمَّن إِذا قَالَ قبل قَوْله معمر وَهِشَام الدستوَائي وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَابْن الْمَاجشون وَحَمَّاد بن سَلمَة وَاللَّيْث بن سعد وَبعد هَؤُلَاءِ طبقَة مِنْهُم ابْن الْمُبَارك وهشيم وَأَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ

والمعافى بن عمرَان الْموصِلِي وَبشر بن الْمفضل وَابْن عُيَيْنَة وَقد كَانَ فِي زمانهم طبقَة أُخْرَى مِنْهُم ابْن علية وَابْن وهب ووكيع وَقد انتدب فِي ذَلِك الزَّمَان لنقد الرِّجَال أَيْضا الحافظان الحجتان يحيى بن سعيد الْقطَّان وَابْن مهْدي وَكَانَ للنَّاس وتوثق بهما فَصَارَ من وثقاه مَقْبُولًا وَمن جرحا مجروحا وَأما مَا اخْتلفَا فِيهِ وَذَلِكَ قَلِيل فَرجع النَّاس فِيهِ إِلَى مَا ترجح عِنْدهم بِحَسب اجتهادهم ثمَّ ظَهرت بعدهمْ طبقَة أُخْرَى يرجع إِلَيْهِم فِي ذَلِك مِنْهُم يزِيد بن هَارُون وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل ثمَّ صنفت الْكتب فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل والعلل وبينت فِيهَا أَحْوَال الروَاة وَكَانَ رُؤَسَاء الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي ذَلِك الْوَقْت جمَاعَة مِنْهُم يحيى بن معِين وَقد اخْتلفت آراؤه وَعبارَته فِي بعض الرِّجَال كَمَا تخْتَلف آراء الْفَقِيه النحرير وَعبارَته فِي بعض الْمسَائِل الَّتِي لَا تخلص من إِشْكَال وَمن طبقَة أَحْمد بن حَنْبَل وَقد سَأَلَهُ جمَاعَة من تلامذته عَن كثير من الرِّجَال فَتكلم فيهم بِمَا بدا لَهُ وَلم يخرج عَن دَائِرَة الِاعْتِدَال وَقد تكلم فِي هَذَا الْأَمر مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ فِي طبقاته وَكَلَامه جيد مَعْقُول وَأَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب وَله فِي ذَلِك كَلَام كثير رَوَاهُ عَنهُ ابْنه أَحْمد وَغَيره وَأَبُو جَعْفَر عبيد الله بن مُحَمَّد النَّبِيل حَافظ الجزيرة الَّذِي قَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد لم أر أحفظ مِنْهُ وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَله التصانيف الْكَثِيرَة فِي الْعِلَل وَالرِّجَال وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير الَّذِي قَالَ فِيهِ أَحْمد هُوَ درة الْعرَاق وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة صَاحب الْمسند وَكَانَ آي فِي الْحِفْظ

وَعبيد الله بن عمر القواريري الَّذِي قَالَ فِيهِ صَالح جزرة هُوَ أعلم من رَأَيْت بِحَدِيث أهل الْبَصْرَة وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه إِمَام خُرَاسَان وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار الْموصِلِي الْحَافِظ وَله كَلَام جيد فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَأحمد بن صَالح حَافظ مصر وَكَانَ قَلِيل الْمثل وَهَارُون بن عبد الله الْحمال وكل هَؤُلَاءِ من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل ثمَّ خلفتهم طبقَة أُخْرَى مُتَّصِلَة بهم مِنْهُم إِسْحَاق الكوسج والدارمي وَالْبُخَارِيّ وَالْعجلِي الْحَافِظ نزيل الْمغرب ويتلوهم أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَبَقِي بن مخلد وَأَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي ثمَّ من بعد جمَاعَة مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن خرَاش الْبَغْدَادِيّ وَله مُصَنف فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكَانَ كَأبي حَاتِم فِي قُوَّة النَّفس وَإِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ وَمُحَمّد بن وضاح حَافظ قرطبة وَأَبُو بكر بن أبي عَاصِم وَعبد الله بن أَحْمد وَصَالح جزرة وَأَبُو بكر الزار وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَهُوَ ضَعِيف لكنه من الْأَئِمَّة فِي هَذَا الْأَمر ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو بكر الْفرْيَابِيّ والبرديجي وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَأَبُو الْحسن سُفْيَان وَابْن خُزَيْمَة وَابْن جرير الطَّبَرِيّ والدولابي وَأَبُو عرُوبَة الْحَرَّانِي وَأَبُو الْحسن أَحْمد بن عُمَيْر بن جوصا وَأَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ ويتلوهم جمَاعَة مِنْهُم ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو طَالب أَحْمد بن نصر الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ شيخ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عقدَة وَعبد الْبَاقِي ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو سعيد بن يُونُس وَأَبُو حَاتِم بن حبَان البستس

وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي الْجِرْجَانِيّ ومصنفه فِي الرِّجَال إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الْجرْح ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الماسرجسي النَّيْسَابُورِي وَله مُسْند مُعَلل فِي ألف جُزْء وَثَلَاث مئة جُزْء وَأَبُو الشَّيْخ بن حَيَّان وَأَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَبِه ختمت معرفَة الْعِلَل ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عبد الله بن مَنْدَه وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو نصر الكلاباذي وَأَبُو مطرف عبد الرَّحْمَن بن فطيس قَاضِي قرطبة وَله دَلَائِل السّنة وَعبد الْغَنِيّ بن سعيد وَأَبُو بكر بن مرْدَوَيْه الْأَصْفَهَانِي وَتَمام الرَّازِيّ ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن أبي الفوراس الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو بكر البرقاني وَأَبُو حَاتِم العبدوي وَقد كتب عَنهُ عشرَة أنفس عشرَة آلَاف جُزْء وَخلف بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ وَأَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي وَأَبُو الْفضل الفلكي وَله فِي كتاب الطَّبَقَات فِي ألف جُزْء وَأَبُو الْقَاسِم مَحْمُود السَّهْمِي وَأَبُو يَعْقُوب القراب وَأَبُو ذَر الهرويان ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم الْحسن بن مُحَمَّد الْخلال الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو عبد الله الصُّورِي وَأَبُو سعد السمان وَأَبُو يعلى الخليلي ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم ابْن عبد الْبر وَابْن حزم الأندلسيان وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم سعد بن عَليّ عَليّ بن مُحَمَّد الزنجاني وَابْن مَاكُولَا وَأَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَقد صنف فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَأَبُو عبد الله الْحميدِي وَابْن مفوز الْمعَافِرِي الشاطبي

ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْفضل ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي وشجاع بن فَارس الذهلي والمؤتمن بن أَحْمد بن عَليّ السَّاجِي وشهرويه الديلمي وَأَبُو عَليّ الغساني ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْفضل بن نَاصِر السلَامِي والسلفي وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَابْن بشكوال ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم عبد الْحق الإشبيلي وَابْن الْجَوْزِيّ وَأَبُو عبد الله بن الفخار المالقي وَأَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو بكر الْحَازِمِي وَعِيد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي والرهاوي وَابْن مفضل الْمَقْدِسِي ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْحسن بن الْقطَّان وَابْن الْأنمَاطِي وَابْن نقطة وَابْن الدبيثي وَأَبُو بكر بن خلفون الْأَزْدِيّ وَابْن النجار ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم ابْن الصّلاح والزكي الْمُنْذِرِيّ وَأَبُو عبد الله البرزالي وَابْن الْأَبَّار وَابْن العديم وَأَبُو شامة وَأَبُو الْبَقَاء خَالِد بن يُوسُف النابلسي ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم الدمياطي والشرف الْمَيْدُومِيُّ وَابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن تَيْمِية ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم الْمزي والقطب الْحلَبِي وَابْن سيد النَّاس والتاج بن مَكْتُوم وَالشَّمْس الْجَزرِي الدِّمَشْقِي وَأَبُو عبد الله بن أيبك السرُوجِي والكمال جَعْفَر الأدفوي والذهبي والشهاب بن فضل ومغلطاي والشريف الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي والزين الْعِرَاقِيّ ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة مِنْهُم الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ والبرهان الْحلَبِي وَابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَآخَرُونَ فِي كل عصر إِلَّا أَن الْمُتَقَدِّمين كَانُوا أقرب إِلَى الاسْتقَامَة وَأبْعد من مُوجبَات الْمَلَامَة

وَيقسم المتكلمون فِي الروَاة إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام قُم تكلمُوا فِي سَائِر الروَاة كَابْن معِين وَأبي حَاتِم وَقسم تكلمُوا فِي كثير من الروَاة كمالك وَشعْبَة وَقسم تكلمُوا فِي الرجل بعد الرجل كَابْن عُيَيْنَة وَالشَّافِعِيّ ويقسمون من جِهَة أُخْرَى إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام أَيْضا قسم شدد فِي أَمر التَّعْدِيل وَقسم تساهل فِيهِ وَقسم توَسط فِي ذَلِك فالقسم الأول وَهُوَ المشدد قد أفرط فِي التثبت فِي أَمر التَّعْدِيل فَلهَذَا ترَاهُ يُؤَاخذ الرَّاوِي بالغلطتين وَالثَّلَاث فَهَذَا إِذْ وثق رَاوِيا فَلَا تتَوَقَّف فِي توثيقه وَإِذا ضعف رَاوِيا فتأن فِي أمره وَانْظُر هَل وَافقه غَيره على ذَلِك فَإِن لم يوثق ذَلِك الرَّاوِي أحد من الجهابذة النقاد فَهُوَ ضَعِيف وَإِن وَثَّقَهُ أحد مِنْهُم كَانَ موضعا للنَّظَر والبحث فقد قَالُوا لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا يُرِيدُونَ بذلك أَنه لَا يَكْفِي فِي ذَلِك قَول مثل ابْن معِين مثلا هُوَ ضَعِيف من غير بَيَان سَبَب ضعفه فَإِذا وثق مثل هَذَا البُخَارِيّ وَنَحْوه وَقع الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الرَّاوِي من جِهَة تَصْحِيح حَدِيثه أَو تَضْعِيفه وَمن ثمَّ قَالَ أَرْبَاب الاستقراء فِي هَذَا الْفَنّ لم يجْتَمع اثْنَان من عُلَمَاء هَذَا الشَّأْن قطّ على تَوْثِيق ضَعِيف ثِقَة يُرِيد اثْنَان من طبقَة وَاحِدَة وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَب النَّسَائِيّ أَن لَا يتْرك حَدِيث الرجل حَتَّى يجْتَمع الْجَمِيع على تَركه

وكل طبقَة من نقاد الرِّجَال لَا تَخْلُو من مشدد ومتوسط فَمن الأولى شُعْبَة وَالثَّوْري وَشعْبَة أشدهما وَمن الثَّانِيَة يحيى الْقطَّان وَابْن مهْدي وَيحيى أشدهما وَمن الثَّالِثَة ابْن معِين وَأحمد وَابْن معِين أشدهما وَمن الرَّابِعَة أَبُو حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم أشدهما فَإِذا وثق ابْن مهْدي رَاوِيا وَضَعفه ابْن الْقطَّان فَإِن النَّسَائِيّ لَا يتْركهُ لما عرف من تَشْدِيد الْقطَّان وَمن نحا نَحوه فِي النَّقْد وَمن المتساهلين فِي النَّقْد التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَمن المعتدلين فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عدي فلينتبه لذَلِك فَإِنَّهُ من الْمَوَاضِع الَّتِي يخْشَى أَن يغلب فِيهَا الْوَهم على الْفَهم تَنْبِيه يَنْبَغِي للجارح فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يتَعَيَّن عَلَيْهِ فِي الْجرْح أَن يقْتَصر على أقل مَا يحصل بِهِ الْغَرَض وَلَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَى مَا فَوْقه وَلذَلِك لَام بعض الْأَئِمَّة بعض إخوانه حَيْثُ قَالَ فلَان كَذَّاب وَقَالَ لَهُ آكس كلامك أحسن الْأَلْفَاظ لَا تقل كَذَّاب وَلَكِن قل حَدِيثه لَيْسَ بِشَيْء

وَقد حكى مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه أَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ ذكر رجلا فَقَالَ هُوَ يزِيد فِي الرقم وكنى بِهَذَا اللَّفْظ عَن الْكَذِب وَقد جرى الإِمَام البُخَارِيّ على هَذِه الطَّرِيقَة فَأكْثر مَا يَقُول مُنكر الحَدِيث سكتوا عَنهُ فِيهِ نظر تَرَكُوهُ وَقل أَن يَقُول فلَان كَذَّاب أَو وَضاع وَغنما يَقُول كذبه فلَان رَمَاه فلَان بِالْكَذِبِ وَقَالَ لَهُ وراقة إِن بعض النَّاس ينقمون عَلَيْك التَّارِيخ يَقُولُونَ فِيهِ اغتياب النَّاس فَقَالَ إِنَّمَا روينَا ذَلِك رِوَايَة وَلم نَقله من عِنْد أَنْفُسنَا وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بئس أَخُو الْعَشِيرَة وَقَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان لمن قَالَ لَهُ أما تخشى أَن يكون هَؤُلَاءِ خصماءك يَوْم الْقِيَامَة لِأَن يَكُونُوا خصمائي أحب إِلَيّ أَن يكون خصمي النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَيْثُ لم أذب عَن حَدِيثه وَاعْلَم أَن اضطرار أهل الْأَثر إِلَى معرفَة أَحْوَال الروَاة بَعثه على الْبَحْث عَنْهَا ليعرفوها ثمَّ تدوين مَا أمكنهم مِنْهَا ليعرفها من غَابَ عَنْهُم أَو من يَأْتِي بعدهمْ فَنَشَأَ من ذَلِك التَّأْلِيف فِي تَارِيخ الروَاة وَصَارَ يذكر فِيهِ بِالْعرضِ مَا يتَعَلَّق بغيرهم إِذا دَعَا إِلَيْهِ دَاع على ان الحَدِيث شجون وَأَن كثيرا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ لَا تتمّ مَعْرفَته إِلَّا بِمَعْرِِفَة مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وغن كَانَ من هَذَا الْوَجْه صَار مُحْتَاجا إِلَيْهِ ثمَّ توسعوا هم وَغَيرهم فِي التَّارِيخ فألفوا فِي أَنْوَاعه الْمُخْتَلفَة فظهرت تِلْكَ الْكتب البديعة الْمُخْتَلفَة الْأَنْوَاع المتعددة الأوضاع وكتبهم فِيهِ أَجود من كتب غَيرهم فِي الْغَالِب لِكَثْرَة تثبتهم وتحريهم للصدق وكتبهم المسندة فِيهِ يحْتَاج النَّاظر فِيهَا إِلَى معرفَة أَحْوَال السَّنَد ليعرف دَرَجَة الْخَبَر فِي الصِّحَّة والسقم

وَقد توهم كثير من النَّاس أَن ذكر السَّنَد يدل على تَقْوِيَة الْخَبَر وَالْحَال أَنه يدل إِمَّا على تقويته أَو توهِينه إِلَّا أَنه يَنْبَغِي التنبه لأمر وَهُوَ ان بعض المؤرخين رُبمَا غلب عَلَيْهِم التعصب على من يخالفهم فسعوا فِي ستر محاسنه بِأَن ينقلوا عَن غَيرهم حملهمْ شدَّة التعصب على الافتراء عَلَيْهِ وَلَو كَانَ على لِسَان غَيرهم بِأَن ينقلوا عَن غَيرهم مِمَّن لَا يوثق بِهِ خَبرا يشين خالفهم إِلَّا ان هَذَا لَا يخفى على النبيه الباحث إِلَّا أَن بعض أَرْبَاب السخافة يعرضون إِلَى مَا كتبه بعض المؤرخين الثِّقَات فِي حق مخالفهم مِمَّا لَو كَانَ فِي حق محالفيهم لم يكتبوا غير ذَلِك فيوهمون الأغمار أَن فلَانا بخس فلَانا حَقه لكَونه مُخَالفا لَهُ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَن يخلق المؤرخ لَهُ محَاسِن غير مَا فِيهِ وَقد ترْجم أنَاس من كبار المؤرخين أُنَاسًا من الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ وفوهم فِيهَا حَقهم بل زادوا فِي ذَلِك فَعمد بعض المتعصبين لَهُم إِلَى الغض عَنْهُم والتنفير مِنْهُم زاعمين أَنهم لم يوفوهم حَقهم بغيا وعدوانا مَعَ أَن المترجمين لَو رَأَوْا تِلْكَ التراجم لقالوا للمترجمين قد أعطيتمونا فَوق مَا نستحق وعدوهم من اعظم المخلصين فِي حبهم لَا أَن أَكثر هَؤُلَاءِ الأتباع هم بنزلة الرعاع لَيْسَ لَهُم رَأْي جزل يفرقون بِهِ بَين الْجد والهزل فَلَا يَنْبَغِي أَن يعبأ بكلامهم وَلَا يلْتَفت إِلَى ملامهم فهم منكرون للإحسان لَيْسَ فيهم غير الصُّورَة من الْإِنْسَان هَذَا والمؤلفات فِي الروَاة قد سبق ذكر بَعضهم وَقد أحببنا أَن نعود إِلَى ذَلِك وَإِن تَكَرَّرت بعض الْأَسْمَاء فَنَقُول نقلا عَمَّن لَهُم عناية بذلك وَمن الْكتب الْمُشْتَملَة على الثِّقَات والضعفاء جَمِيعًا كتاب ابْن أبي خَيْثَمَة وَهُوَ كثير الْفَوَائِد

والطبقات لِابْنِ سعد وتواريخ البُخَارِيّ وَهِي ثَلَاثَة كَبِير وَهُوَ على حُرُوف المعجم وابتدأه بِمن اسْمه مُحَمَّد وأوسط وَهُوَ على السنين وصغير ولمسلمة بن قَاسم ذيل على الْكَبِير سَمَّاهُ الصِّلَة وَهُوَ فِي مُجَلد وَلابْن أبي حَاتِم جُزْء كَبِير انتقد فِيهِ على البُخَارِيّ وَله فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل مَشى فِيهِ خلف البُخَارِيّ وللحسين بن إِدْرِيس الْأنْصَارِيّ الْهَرَوِيّ وَيعرف بِابْن خرم على نَحْو التَّارِيخ الْكَبِير للْبُخَارِيّ ولعلي بن الْمَدِينِيّ تَارِيخ فِي عشرَة أَجزَاء حَدِيثِيَّةٌ وَلابْن حبَان كتاب فِي أَوْهَام أَصْحَاب التواريخ فِي عشرَة أَجزَاء أَيْضا وَلأبي مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ بن الْجَارُود كتاب فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَلمُسلم رُوَاة الِاعْتِبَار وللنسائي التَّمْيِيز وَلأبي يعلى الخليلي الْإِرْشَاد وللعماد بن كثير التَّكْمِيل فِي معرفَة الثِّقَات والضعفاء والمجاهيل جمع فِيهِ بَين تَهْذِيب الْمزي وميزان الذَّهَبِيّ مَعَ زيادات وتحرير فِي الْعبارَات وَهُوَ أَنْفَع شَيْء للمحدث والفقيه التَّالِي لأثره قَالَ الْخَطِيب فِي جَامعه وَمن جملَة مَا يهتم بِهِ الطَّالِب سَماع تواريخ الْمُحدثين وَكَلَامهم فِي أَحْوَال الروَاة مثل كتب ابْن معِين رِوَايَة الْحُسَيْن بن حبَان

الْبَغْدَادِيّ وعباس الدوري والمفضل الْغلابِي وتاريخ ابْن أبي خَيْثَمَة وحنبل بن إِسْحَاق وَخَلِيفَة بن خياط وَمُحَمّد بن إِسْحَاق السراج وَأبي حسان الزيَادي وَأبي زرْعَة الدِّمَشْقِي وَكتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل لِابْنِ أبي حَاتِم قَالَ ويربي على هَذِه كلهَا تَارِيخ البُخَارِيّ ثمَّ سَاق عَن أبي الْعَبَّاس بن عقدَة أَنه قَالَ لَو أَن رجلا كتب ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث لما اسْتغنى عَنهُ اهـ وَقد ذكر المحدثون للتاريخ بِمَعْنى التَّعْرِيف بِالْوَقْتِ الَّذِي حصلت فِيهِ الْحَادِثَة فَوَائِد بِاعْتِبَار فنهم أَحدهَا أَنه أحد الطّرق الَّتِي يعلم بهَا النّسخ فِي أحد الْخَبَرَيْنِ المتعارضين اللَّذين تعذر الْجمع بَينهمَا وَثَانِيهمَا أَنه طَرِيق لمعْرِفَة مَا يُؤْخَذ بِهِ من أَحَادِيث الثِّقَات الَّذين لحقهم الِاخْتِلَاط مِمَّا لَا يُؤْخَذ بِهِ وَيظْهر لَك ذَلِك مِمَّا ذكر الْحَافِظ ابْن حجر فِي تَرْجَمَة عبد الرَّزَّاق بن همام الصَّنْعَانِيّ قَالَ كَانَ أحد الْحفاظ الْأَثْبَات أَصْحَاب التصانيف وَثَّقَهُ الْأَئِمَّة كلهم إِلَّا الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري وَحده فَتكلم بِكَلَام أفرط فِيهِ وَلم يُوَافقهُ عَلَيْهِ أحد وَقَالَ ابْن عدي رَحل إِلَيْهِ ثِقَات الْمُسلمين وَكَتَبُوا عَنهُ إِلَّا أَنهم نسبوه إِلَى التَّشَيُّع وَهُوَ أعظم مَا ذموه بِهِ وَأما الصدْق فأرجو انه لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيّ

فِيهِ نظر لمن كتب عَنهُ بِأخرَة كتبُوا عَنهُ أَحَادِيث مُنكرَة وَقَالَ الْأَثْرَم عَن أَحْمد من سمع مِنْهُ بعد مَا عمي فَلَيْسَ بِشَيْء وَمَا كَانَ فِي كتبه فَهُوَ صَحِيح فَإِنَّهُ كَانَ يلقن فيتلقن قلت احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ فِي جملَة من حَدِيث من سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط وَضَابِط ذَلِك من سمع مِنْهُ قبل المئتين فَأَما بعْدهَا فَكَانَ قد تغير وفيهَا سمع مِنْهُ أَحْمد بن شبويه فِيمَا حكى الْأَثْرَم عَن أَحْمد وَإِسْحَاق الدبرِي وَطَائِفَة من شُيُوخ أبي عوَانَة وَالطَّبَرَانِيّ مِمَّن تَأَخّر إِلَى قرب الثَّمَانِينَ ومئتين وروى لَهُ الْبَاقُونَ وثالثهما معرفَة من حدث عَمَّن لم يلقه إِمَّا لكَونه كذب أَو دلّس أَو أرسل وَفِي ذَلِك معرفَة مَا فِي السَّنَد من انْقِطَاع أَو إعضال أَو تَدْلِيس وَلَا يخفى ان من المهم عِنْد الْمُحدث معرفَة كَون الرَّاوِي لم يعاصر من روى عَنهُ أَو عاصره وَلكنه لم يلقه لِكَوْنِهِمَا من بلدين مُخْتَلفين وَلم يدْخل أَحدهمَا بلد الآخر وَلَا التقيا فِي حج وَغَيره مَعَ انه لَيست مِنْهُ إجَازَة أَو نَحْوهَا قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ لما اسْتعْمل الروَاة الْكَذِب استعملنا لَهُم التَّارِيخ وَعَن حسان بن زيد لم يستعن على الْكَذَّابين بِمثل لاتاريخ يُقَال للشَّيْخ سنة كم ولدت فَإِذا أقرّ بمولده مَعَ معرفتنا بِوَقْت وَفَاة الَّذِي انْتَمَى إِلَيْهِ عرفنَا صدقه من كذبه وَعَن حَفْص بن غياث القَاضِي قَالَ إِذا اتهمتم الشَّيْخ فحاسبوه بِالسِّنِينَ وَهُوَ تَثْنِيَة سنّ بِمَعْنى الْعُمر يَعْنِي احسبوا سنه وَسن من كتب عَنهُ وَسَأَلَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش رجلا فَقَالَ لَهُ فِي أَي سنة كتبت عَن خَالِد بن معدان فَقَالَ سنة ثَلَاث عشرَة ومئة فَقَالَ أَنْت تزْعم أَنَّك سَمِعت مِنْهُ بعد مَوته بِسبع سِنِين وَفِي مُقَدّمَة مُسلم أَن الْمُعَلَّى بن عرفان قَالَ حَدثنَا أَبُو وَائِل قَالَ خرج علينا ابْن مَسْعُود بصفين قَالَ أَبُو نعيم يَعْنِي الْفضل بن دُكَيْن حاكيه عَن

الفائدة الخامسة

الْمُعَلَّى أتراه بعث بعد الْمَوْت وَذَلِكَ لن ابْن مَسْعُود توفّي سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَثَلَاثِينَ قبل انْقِضَاء خلَافَة عُثْمَان بِثَلَاث سِنِين وصفين كَانَت فِي خلَافَة عَليّ بعد ذَلِك والتاريخ فِي اللُّغَة والإعلام بِالْوَقْتِ يُقَال أرخت الْكتاب وورخته بِمَعْنى بيّنت كِتَابَته قيل إِنَّه لَيْسَ بعربي مَحْض بل هُوَ مُعرب من الفارسية وَأَصله ماه روز فماه الْقَمَر وروز النَّهَار والتعريب فِيهِ على هَذَا الْوَجْه غير ظَاهر وَمن الْغَرِيب أَن بعض الناقلين كرّ أَن الْأَصْمَعِي قَالَ بَنو تَمِيم يَقُولُونَ تورخت الْكتاب توريخا وَقيس تَقول أرخته تأريخا وَقد نقل بَعضهم مَا يشْعر بِأَن لفظ التَّارِيخ يمني فَقَالَ روى ابْن أبي خَيْثَمَة من طَرِيق مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ قدم رجل من الْيمن فَقَالَ رَأَيْت بِالْيمن شَيْئا يسمونه التَّارِيخ يكتبونه من عَام كَذَا وَشهر كَذَا فَقَالَ عمر هَذَا احسن فأرخوا الْفَائِدَة الْخَامِسَة فِي دَرَجَة أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي الصِّحَّة قد عرفت فِيمَا سبق ان الحَدِيث الصَّحِيح لَهُ دَرَجَات تَتَفَاوَت فِي الْقُوَّة بِحَسب تمكن الحَدِيث من الصِّفَات الَّتِي تبنى الصِّحَّة عَلَيْهَا وتنبىء عَنْهَا وان أصح كتب الحَدِيث كتاب البُخَارِيّ وَكتاب مُسلم وَقد قسموا الحَدِيث الصَّحِيح بِاعْتِبَار تفَاوت الدَّرَجَات إِلَى سَبْعَة أَقسَام الْقسم الأول وَهُوَ أَعْلَاهَا مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم الْقسم الثَّانِي مَا انْفَرد بِهِ

البُخَارِيّ عَن مُسلم الْقسم الثَّالِث مَا انْفَرد بِهِ مُسلم عَن البُخَارِيّ الْقسم الرَّابِع مَا هُوَ على شَرطهمَا وَلَكِن لم يُخرجهُ وَاحِد مِنْهُمَا الْقسم الْخَامِس مَا هُوَ على

شَرط البُخَارِيّ وَلَكِن لم يُخرجهُ الْقسم السَّادِس مَا هُوَ على شَرط مُسلم وَلَكِن لم يُخرجهُ الْقسم السَّابِع مَا لَيْسَ على شَرطهمَا وَلَا على شَرط وَاحِد مِنْهُمَا وَلكنه صَحَّ عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث

وكل قسم من هَذِه الْأَقْسَام أَعلَى مِمَّا بعده غير أَنه قد يعرض لبَعض الْأَحَادِيث من زِيَادَة التَّمَكُّن من شُرُوط الصِّحَّة مَا يَجعله أرجح من حَدِيث آخر يكون فِي الْقسم الَّذِي هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِي الدرجَة وعَلى هَذَا فيرجح مَا انْفَرد بِهِ مُسلم وَلكنه رُوِيَ من طرق مُخْتَلفَة على مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ إِذا كَانَ فَردا وَكَذَلِكَ يرجح مَا لم يخرجَاهُ وَلكنه ورد بِإِسْنَاد يُقَال فِيهِ إِنَّه أصح إِسْنَادًا على مَا انْفَرد بِهِ أَحدهمَا

لَا سِيمَا إِن كَانَ فِي إِسْنَاده من فِيهِ مقَال وَقس على ذَلِك وَقد ظن بعض أَرْبَاب الْأَهْوَاء الَّذين يميلون إِلَى كتاب البُخَارِيّ وَلَا إِلَى كتاب مُسلم أَنهم يَجدونَ بِسَبَب هَذِه الْمَسْأَلَة ذريعو إِلَى الْخَلَاص من حكمهمَا ليتسع لَهُم المجال فِيمَا وَافق أهواءهم من الآراء وَصَارَ دأبهم أَن يَقُولُوا كم من حَدِيث صَحِيح لم يرد فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ مَعَ ذَلِك أصح مِمَّا ورد فيهمَا يظنون انهم بذلك يوهنون أَمرهمَا ويضعون قدرهما وَالْحَال أَن مزية الصَّحِيحَيْنِ ثَابِتَة ثُبُوت الْجبَال الرواسِي لَا ينكرها إِلَّا غمر يزري بِنَفسِهِ وَهُوَ لَا يشْعر وَالْعُلَمَاء إِنَّمَا فتحُوا هَذَا الْبَاب لأرباب النَّقْد والتمييز الَّذين يرجحون مَا يرجحون بِدَلِيل صَحِيح مَبْنِيّ على الْقَوَاعِد الَّتِي قررها الْمُحَقِّقُونَ فِي هَذَا الْفَنّ وَأما المموهون الَّذين يُرِيدُونَ أَن يجْعَلُوا الصَّحِيح سقيما والسقيم صَحِيحا بشبه واهية جعلوها فِي صُورَة الْأَدِلَّة فَيَنْبَغِي الْإِعْرَاض عَنْهُم مَعَ حل الشّبَه الَّتِي يخْشَى أَن تعلق بأذهان من يُرِيدُونَ أَن يوقعوه فِي أشراكهم 3 هَذَا وَقد نقل بعض الْعلمَاء عَن بَعضهم انه اعْترض على هَذَا التَّرْتِيب الَّذِي جرى عَلَيْهِ أهل الْأَثر فَقَالَ قَول من قَالَ أصح الْأَحَادِيث مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثمَّ مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ ثمَّ مَا انْفَرد بِهِ مُسلم ثمَّ مَا اشْتَمَل على شَرطهمَا ثمَّ مَا اشْتَمَل على شَرط أَحدهمَا تحكم لَا يجوز التَّقْلِيد فِيهِ إِذْ الأصحية لَيست إِلَّا لاشتمال رواتهما على الشُّرُوط الَّتِي اعتبراها فَإِذا فرض وجود تِلْكَ الشُّرُوط فِي رُوَاة حَدِيث فِي غير الْكِتَابَيْنِ أَفلا يكون الحكم بأصحية مَا فِي الْكِتَابَيْنِ عين التحكم ثمَّ حكمهمَا أَو أَحدهمَا بِأَن الرَّاوِي الْمعِين مُجْتَمع تِلْكَ الشُّرُوط مِمَّا لَا يقطع فِيهِ

بمطابقة الْوَاقِع فَيجوز كَون الْوَاقِع خِلَافه وَقد أخرج مُسلم عَن كثير مِمَّن لم يسلم من غوائل الْجرْح وَكَذَا فِي البُخَارِيّ جمَاعَة تكلم فيهم فدار الْأَمر فِي الروَاة على اجْتِهَاد الْعلمَاء فيهم وَكَذَا فِي الشُّرُوط حَتَّى إِن من اعْتبر شرطا وألغاه آخر يكون مَا رَوَاهُ الآخر مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذَلِك الشَّرْط عِنْده مكافئا لمعارضة الْمُشْتَمل على ذَلِك الشَّرْط وَكَذَا فِيمَن تضعف رَاوِيا وَوَثَّقَهُ آخر نعم تسكن نفس غير الْمُجْتَهد وَمن لم يخبر أَمر الرواي بِنَفسِهِ إِلَى مَا اجْتمع عَلَيْهِ الْأَكْثَر أما الْمُجْتَهد فباعتبار الشَّرْط وَعَدَمه وَالَّذِي خبر الرَّاوِي فَلَا يرجع إِلَّا إِلَى رَأْي نَفسه فَمَا صَحَّ من الحَدِيث فِي غير الْكِتَابَيْنِ يُعَارض مَا فيهمَا وَلَا يخفى أَن صَاحِبي الصَّحِيحَيْنِ لم يكتفيا فِي التَّصْحِيح بِمُجَرَّد النّظر إِلَى حَال الرَّاوِي فِي الْعَدَالَة والضبط كَمَا يتوهمه كثير مِمَّن لم يعن بهما وَلم يكن لَهُ إمعان نظر فِي أصُول الْأَثر بل ضما إِلَى ذَلِك النّظر فِي أُمُور أُخْرَى بمجموعها يظْهر الحكم بِالصِّحَّةِ وَقد ذكرنَا شَيْئا من ذَلِك سَابِقًا وَرُبمَا ألممنا بِهِ عِنْد ذكر الْمُسْتَدْرك وَقد تعرض الْعَلامَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية إِلَى مَا ذكرنَا آنِفا فَقَالَ فصل وَأما الحَدِيث الْوَاحِد إِذا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَرَوَاهُ الْمُوَطَّأ فقد تكون رجال البُخَارِيّ أفضل وَقد تكون رجال الْمُوَطَّأ فَينْظر فِي هَذَا وَهَذَا إِلَى رجالهما وَنحن وَإِن كُنَّا نعلم أَن الرِّجَال الَّذين فِي البُخَارِيّ اعظم من الرِّجَال الَّذين فِي الْمُوَطَّأ على الْجُمْلَة فَهَذَا لَا يُفِيد الْعلم بِالتَّعْيِينِ فَإِن أَعْيَان ثِقَات الْمُوَطَّأ روى لَهُم البُخَارِيّ فهم من رجال الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ والمتن الْوَاحِد قد يرويهِ البُخَارِيّ بِإِسْنَاد وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَاد آخر على شَرط البُخَارِيّ أَجود من رجال البُخَارِيّ فَالْحَدِيث إِذا كَانَ مُسْندًا فِي الْكِتَابَيْنِ نظر إِلَى إسنادهما وَلَا يحكم فِي هَذَا بِحكم مُجمل لَكِن نعلم من حَيْثُ الْجُمْلَة أَن الرِّجَال الَّذين اشْتَمَل عَلَيْهِم البُخَارِيّ أصح

من جنس رجال الْمُوَطَّأ وَغَيرهم والْحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْمُوَطَّأ رِجَاله رجال البُخَارِيّ وَأما معَاذ بن فضَالة وَهِشَام الدستوَائي وَنَحْوهمَا من رجال أهل الْعرَاق فليسوا فِي الْمُوَطَّأ ومهم من تَأَخّر عَن مَالك كمعاذ وَهِشَام الدستوَائي هُوَ فِي طبقَة شُيُوخ مَالك بِمَنْزِلَة يحيى بن أبي عرُوبَة وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وَالْأَعْمَش وَيُونُس بن عبيد وَعبد الله بن عون وأمثالهم من رجال أهل الْعرَاق الَّذين هم من طبقَة شُيُوخ مَالك والْحَدِيث الَّذِي يكون عَن رجال البُخَارِيّ وَلَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيح لَا يحكم بِأَنَّهُ مثل مَا فِي الصَّحِيح مُطلقًا لَكِن قد يتَّفق ان يكون مثله كَمَا قد يتَّفق أَن يكون مُعْتَلًّا وَإِن كَانَ ظَاهر إِسْنَاده الصِّحَّة وَالله أعلم اهـ أَقُول قد سبق ذكر هِشَام الدستوَائي فِي أثْنَاء ذكر من طعن فِيهِ من رجال البُخَارِيّ وَأَن الْأَئِمَّة احْتَجُّوا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ ثِقَة حجَّة وَلم يكن وَجه لِلطَّعْنِ فِيهِ غير أَنه كَانَ يرى الْقدر إِلَّا أَنه كَانَ لَا يَدْعُو إِلَيْهِ هَذَا ورجحان كتاب البُخَارِيّ على كتاب مُسلم أَمر ثَابت أدّى إِلَيْهِ بحث جهابذة النقاد واختبارهم وَقد صرح بذلك كثير مِنْهُم وَلم يُصَرح أحد بخلافة إِلَّا انه نقل عَن أبي عَليّ النَّيْسَابُورِي شيخ الْحَاكِم وَبَعض عُلَمَاء الْمغرب مَا يُوهم رُجْحَان كتاب مُسلم عَلَيْهِ أما أَبُو عَليّ فقد نقل عَنهُ ابْن مَنْدَه أَنه قَالَ مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أصح من كتاب مُسلم وَهَذِه الْعبارَة لَيست صَرِيحَة فِي مونه أصح من كتاب البُخَارِيّ وَذَلِكَ لِأَن ظَاهرهَا يدل على نفي وجود كتاب أصح من كتاب مُسلم وَلَا يدل على نفي وجود كتاب يُسَاوِيه فِي الصِّحَّة وَإِنَّمَا تكون صَرِيحَة فِي ذَلِك أَن لَو قَالَ كتاب مُسلم أصح كتاب تَحت أَدِيم السَّمَاء قَالَ بعض أهل الْأَدَب ذهب من لَا يعرف مَعَاني الْكَلَام إِلَى أَن مثل قَوْله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أقلت الغبراء وَلَا أظلت الخضراء لهجة من أبي ذَر مُقْتَضَاهُ أَن يكون أَبُو ذَر أصدق الْعَالم أجمع وَلَيْسَ الْمَعْنى كَذَلِك وَإِنَّمَا نفى أَن يكون أحد أَعلَى رُتْبَة فِي الصدْق مِنْهُ وَلم ينف أَن يكون فِي النَّاس مثله فِي الصدْق وَلَو أَرَادَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لقَالَ أَبُو ذَر أصدق من أقلت الغبراء وأظلت الخضراء وَقَالَ بَعضهم عَن هَذِه الصِّيغَة تسْتَعْمل تَارَة على مُقْتَضى اللُّغَة فتدل على نفي الزِّيَادَة فَقَط وتستعمل تَارَة على مُقْتَضى الْعرف فتدل على نفي الزِّيَادَة والمساوة مَعًا وَحَيْثُ أَن عبارَة أبي عَليّ تحْتَمل الْمَعْنيين فَلَا يَنْبَغِي أَن ينْسب إِلَيْهِ أَحدهمَا جزما كَمَا فعل جمَاعَة حَيْثُ ذكرُوا أَنه قَالَ إِن كتاب مُسلم أصح من كتاب البُخَارِيّ وَقَالَ بعض الْعلمَاء وَالَّذِي يظْهر لي من كَلَام أبي عَليّ أَنه إِنَّمَا قدم صَحِيح مُسلم لِمَعْنى آخر غير مَا يرجع إِلَى مَا نَحن بصدده من الشَّرَائِط الْمَطْلُوبَة فِي الصِّحَّة بل لَك لِأَن مُسلما صنف كِتَابه فِي بَلَده بِحُضُور أُصُوله فِي حَيَاة كثير من مشايخه فَكَانَ يتحرز فِي الْأَلْفَاظ ويتحرى فِي السِّيَاق بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ رُبمَا كتب الحَدِيث من حفظه وَلم يُمَيّز أَلْفَاظ رُوَاته وَلِهَذَا رُبمَا يعرض لَهُ الشَّك وَقد صَحَّ عَنهُ انه قَالَ رب حَدِيث سمعته بِالْبَصْرَةِ فكتبته بِالشَّام وَلم يتصد مُسلم لما تصدى لَهُ البُخَارِيّ من استنباط الْأَحْكَام ليبوب عَلَيْهَا حَتَّى لزم من ذَلِك تقطيعه للْحَدِيث فِي أبوابه بل جمع مُسلم الطّرق كلهَا فِي مَكَان وَاحِد وَاقْتصر على الْأَحَادِيث دون الْمَوْقُوفَات فَلم يعرج عَلَيْهَا إِلَّا فِي بعض الْمَوَاضِع على سَبِيل الندرة تبعا لَا مَقْصُودا فَلهَذَا قَالَ أَبُو عَليّ مَا قَالَ مَعَ أَنِّي رَأَيْت بعض

أَئِمَّتنَا يجوز أَن يكون أَبُو عَليّ مَا رأى صَحِيح البُخَارِيّ وَعِنْدِي فِي ذَلِك بعد وَالْأَقْرَب مَا ذكرته اهـ وَأما بعض عُلَمَاء الْمغرب فقد نقل عَنْهُم مَا يدل على تَفْضِيل كتاب مُسلم على كتاب البُخَارِيّ إِلَّا انه لَيْسَ فِي عبارَة أحد مِنْهُم مَا يشْعر بِأَن ذَلِك من جِهَة الصِّحَّة فقد نقل عَن أحد تلاميذ ابْن حزم أَنه كَانَ يَقُول كَانَ بعض شيوخي يفضل صَحِيح مُسلم على صَحِيح البُخَارِيّ ويظن أَنه يَعْنِي بذلك ابْن حزم قَالَ الْقَاسِم التجِيبِي فِي فهرسته كَانَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم يفضل كتاب مُسلم على كتاب البُخَارِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بعد خطبَته إِلَّا الحَدِيث السرد فقد أبان ابْن حزم أَن تَفْضِيل كتاب مُسلم من جِهَة أَنه لم يمزج فِيهِ الحَدِيث بِغَيْرِهِ من موقوفات الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغير ذَلِك وَقَالَ مسملة بن قَاسم الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ من أَقْرَان الدَّارَقُطْنِيّ فِي تَارِيخه عِنْد ذكر كتاب مُسلم لم يضع أحد مثله وَهَذَا مَحْمُول على حسن الْوَضع وجودة التَّرْتِيب وسهولة التَّنَاوُل فَإِنَّهُ جعل لكل حَدِيث موضعا وَاحِدًا يَلِيق بِهِ جمع فِيهِ طرْقَة الَّتِي ارتضاها وَاخْتَارَ ذكرهَا وَأورد فِيهِ أَلْفَاظه الْمُخْتَلفَة بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ يذكر الطّرق فِي أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة ويورد كثيرا من الْأَحَادِيث فِي غير الْأَبْوَاب الَّتِي يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن أَنَّهَا تذكر فِيهَا وَقد وَقع بِسَبَب ذَلِك لناس من الْعلمَاء أَنهم نفوا رِوَايَة البُخَارِيّ لأحاديث هِيَ مَوْجُودَة فِيهِ حَيْثُ لم يجدوها فِي مظانها السَّابِقَة إِلَى الْفَهم وَقد اعْتمد كثير من المغاربة مِمَّن صنف فِي الْأَحْكَام بِحَذْف الْأَسَانِيد كَعبد الْحق على كتاب مُسلم فِي نقل الْمُتُون وسياقها لوجودها فِيهِ فِي مَوضِع وَاحِد وتقطيع البُخَارِيّ لَهَا وَقد تعرض مرجحو كتاب البُخَارِيّ على كتاب مُسلم من جِهَة الصِّحَّة لبَيَان مُوجب ذَلِك فَقَالُوا إِن مدَار صِحَة الحَدِيث على ثَلَاثَة أَشْيَاء الثِّقَة بالرواة

واتصال الْإِسْنَاد والسلامة من الْعِلَل القادحة ولدى الباحث تبين أَن كتاب البُخَارِيّ أرجح فِي ذَلِك أما من جِهَة الثِّقَة بالرواة فَيظْهر رجحانه من اوجه أَحدهَا أَن الَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون مُسلم أَربع مئة وبضع وَثَلَاثُونَ رجلا والمتكلم فِيهِ بالضعف مِنْهُم ثَمَانُون رجلا وَالَّذين انْفَرد مُسلم بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون البُخَارِيّ سِتّ مئة وَعِشْرُونَ رجلا والمتكلم فِيهِ بالضعف مِنْهُم مئة وَسِتُّونَ رجلا وَلَا ريب أَن التَّخْرِيج لمن لم يتَكَلَّم فِيهِ أصلا أولى من التَّخْرِيج لمن تكلم فِيهِ وغن لم يكن ذَلِك الْكَلَام قادحا وَثَانِيها ان الَّذين انْفَرد بهم البُخَارِيّ مِمَّن تكلم فِيهِ لم يكثر من تَخْرِيج أَحَادِيثهم وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُم نُسْخَة كَبِيرَة أخرجهَا كلهَا أَو أَكْثَرهَا إِلَّا تَرْجَمَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس بِخِلَاف مُسلم فَإِنَّهُ اخْرُج أَكثر تِلْكَ النّسخ كَأبي الزبير عَن جَابر وَسُهيْل عَن أَبِيه والْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت وَغير ذَلِك وَثَالِثهَا أَن الَّذين انْفَرد بهم البُخَارِيّ مِمَّن تكلم فِيهِ اكثرهم من شُيُوخه الَّذين لَقِيَهُمْ وَجَالسهمْ وَعرف أَحْوَالهم واطلع عَلَيْهِم أَحَادِيثهم وميز جيدها من غَيره بِخِلَاف مُسلم فَإِن أَكثر من انْفَرد بتخريج حَدِيثه مِمَّن تكلم فِيهِ مِمَّن تقدم عصره من التَّابِعين وَمن بعدهمْ وَلَا شكّ أَن الْمُحدث أعرف بِحَدِيث شُيُوخه مِمَّن تقدم مِنْهُم وَرَابِعهَا أَن البُخَارِيّ يخرج حَدِيث الطَّبَقَة الأولى الَّتِي جعل جلّ اعْتِمَاده عَلَيْهَا وَقد يخرج من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّانِيَة مَا يعتمده من غير اسْتِيعَاب لَكِن يخرج أَكْثَره على طَرِيق التَّعْلِيق وَرُبمَا خرج الْيَسِير من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّالِثَة على طَرِيق التَّعْلِيق أَيْضا وَقد عرفت فِيمَا سبق أَن كتاب البُخَارِيّ مَوْضُوع بِالذَّاتِ للمسندات وَأما المعلقات فَإِنَّمَا تذكر فِيهِ استئناسا واستشهادا وَلِهَذَا لم يتَعَرَّض لَهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَا انتقده

عَلَيْهِ وَأما مُسلم فَإِنَّهُ يخرج أَحَادِيث الطبقيتين على سَبِيل الِاسْتِيعَاب وَيخرج أَحَادِيث الطَّبَقَة الثَّالِثَة من غير اسْتِيعَاب وَمَا ذكر إِنَّمَا فِي حق المكثرين فَأَما غير المكثرين فَإِنَّمَا اعْتمد الشَّيْخَانِ فِي تَخْرِيج أَحَادِيثهم على الثِّقَة وَالْعَدَالَة وَقلة الْخَطَأ لَكِن مِنْهُم من قوي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ فَأخْرج مَا تفرد بِهِ كيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَمِنْهُم من لم يقو الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ فأخرجا لَهُ مَا شَاركهُ فِيهِ غَيره وَهُوَ الْأَكْثَر وَأما الطَّبَقَة الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة فَلم يعرجا عَلَيْهَا وَأما من جِهَة السَّلامَة من الْعِلَل القادحة فَلِأَن الْأَحَادِيث الَّتِي انتقدت عَلَيْهِمَا بلغت مئتي حَدِيث وَعشرَة أَحَادِيث اخْتصَّ البُخَارِيّ مِنْهَا بِأَقَلّ من ثَمَانِينَ واختص مُسلم بِالْبَاقِي وَلَا شكّ أَن مَا قل الانتقاد فِيهِ أرجح مِمَّا كثر ذَلِك فِيهِ وَرُبمَا ذكر تعلم رُجْحَان كتاب البُخَارِيّ على كتاب مُسلم فِي الْأُمُور الثَّلَاثَة الَّتِي عَلَيْهَا مدَار صِحَة الحَدِيث وَقد نقل عَن كثير من الْأَئِمَّة تَرْجِيح كِتَابه على غَيره بطرِيق الْإِجْمَال قَالَ النَّسَائِيّ وَهُوَ شيخ أبي عَليّ النَّيْسَابُورِي مَا فِي هَذِه الْكتب كلهَا أَجود من كتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَعْنِي بالجودة جودة الْأَسَانِيد كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم فِي عرف الْمُحدثين وناهيك بِمثل هَذَا الْكَلَام من مثل النَّسَائِيّ الْمَشْهُور بِشدَّة التَّحَرِّي

والتثبت فِي نقد الرِّجَال فقد ثَبت تقدمه فِي ذَلِك على أهل عصره حَتَّى قدمه قوم من الحذاق فِي نقد الرِّجَال على مُسلم وَقدمه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره فِي ذَلِك على إِمَام الْأَئِمَّة أبي بكر بن خُزَيْمَة صَاحب الصَّحِيح وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل لَهُ أما بعد فَإِنِّي نظرت فِي كتاب الْجَامِع الَّذِي أَلفه أَبُو عبد الله البُخَارِيّ فرأيته جَامعا كَمَا سمي لكثير من السّنَن الصَّحِيحَة ودالا على جمل من الْمعَانِي الْحَسَنَة المستنبطة الَّتِي لَا يكمل لمثلهَا إِلَّا من جمع لى معرفَة الحَدِيث ونقلته وَالْعلم بالروايات وعللها علما بالفقه واللغة وتمكنا مِنْهَا كلهَا وتبحرا فِيهَا وَكَانَ يرحمه الله الرجل الَّذِي قصر زَمَانه على ذَلِك فبرع وَبلغ الْغَايَة فحاز السَّبق وَجمع إِلَى ذَلِك حسن النِّيَّة وَالْقَصْد للخير فنفعه الله ونفع بِهِ قَالَ وَقد نحا نَحوه فِي التصنيف جمَاعَة مِنْهُم الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي لكنه اقْتصر على السّنَن وَمِنْهُم أَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَكَانَ فِي عصر أبي عبد الله البُخَارِيّ فسلك فِيمَا سَمَّاهُ سننا ذكر مَا رُوِيَ فِي الشَّيْء وَإِن كَانَ فِي السَّنَد ضعف إِذْ لم يجد فِي الْبَاب غَيره وَمِنْهُم مُسلم بن الْحجَّاج وَكَانَ يُقَارِبه فِي الْعَصْر فرام مرامه وَكَانَ يَأْخُذ عَنهُ أَو عَن كتبه إِلَّا أَنه لم يضايق نَفسه مضايقة أبي عبد الله وروى عَن جمَاعَة كَثِيرَة لم يتَعَرَّض أَبُو عبد الله للرواية عَنْهُم وكل قصد الْخَيْر غير أَن أحدا مِنْهُم لم يبلغ من التشدد مبلغ أبي عبد الله وَلَا تسبب إِلَى استنباط الْمعَانِي واستخراج لطائف فقه الحَدِيث وتراجم البواب الدَّالَّة على مَاله وصلَة الحَدِيث الْمَرْوِيّ فِيهِ تسببه وَللَّه الْفضل يخْتَص بِهِ من يَشَاء وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد النَّيْسَابُورِي وَهُوَ معاصر لأبي عَليّ النَّيْسَابُورِي ومقدم عَلَيْهِ فِي معرفَة الرِّجَال فِيمَا حَكَاهُ أَبُو يعلى الخليلي فِي الْإِرْشَاد مَا ملخصه رحم الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الإِمَام فَإِنَّهُ الَّذِي ألف الْأُصُول وَبَين النَّاس وكل من عمل بعده

فَإِنَّمَا أَخذه من كِتَابه كمسلم فرق أَكثر كِتَابه فِي كِتَابه وَقَالَ أَيْضا فِي كتاب الكنى كَانَ أحد الْأَئِمَّة فِي معرفَة الحَدِيث وَجمعه وَلَو قلت إِنِّي لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه فِي الْحسن وَالْمُبَالغَة لم أكن بالغت وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّمَا أَخذ مُسلم كتاب البُخَارِيّ فَعمل عَلَيْهِ مستخرجا وَزَاد فِيهِ زيادات وَالْكَلَام فِي ذَلِك كثير وَيَكْفِي مِنْهُ اتِّفَاقهم على أَنه كَانَ أجل من مُسلم فِي الْعُلُوم وَأعرف مِنْهُ بفن الحَدِيث وَأَن مُسلما تِلْمِيذه وخريجه وَلم يزل يَسْتَفِيد مِنْهُ ويتتبع آثاره وَأَن مُسلما كَانَ يشْهد لَهُ بالتقدم فِي ذَلِك والإمامة فِيهِ والتفرد بِمَعْرِِفَة ذَلِك فِي عصره حَتَّى هجر من أَجله شَيْخه مُحَمَّد بن يحيى الذهلي لما أثار الْفِتْنَة على البُخَارِيّ حسدا لَهُ حَتَّى اضْطر البُخَارِيّ أَن يخرج من نيسابور خشيَة على نَفسه وعَلى كل حَال ففضل مُسلم لَا يُنكر فَإِن البُخَارِيّ وَإِن يكن قد قَامَ بِأَمْر الْجَامِع فَإِن مُسلما قد قَامَ بِأَمْر إكماله فَهُوَ يتلوه على الْأَثر وهما للنَّاس شمس وقمر وللأديب البارع أبي عَامر الْفضل بن إِسْمَاعِيل الْجِرْجَانِيّ فِي مدح صَحِيح البُخَارِيّ (صَحِيح البُخَارِيّ لَو أنصفوه ... لما خطّ إِلَّا بِمَاء الذَّهَب) (هُوَ الْفرق بَين الْهدى والعمى ... هُوَ السد دون العنا والعطب) (أَسَانِيد مثل نُجُوم السَّمَاء ... أَمَام متون كَمثل الشهب) (بِهِ قَامَ ميزَان دين النَّبِي ... ودان لَهُ الْعَجم بعد الْعَرَب) (حجاب من النَّار لَا شكّ فِيهِ ... يُمَيّز بَين الرِّضَا وَالْغَضَب) (وَخير رَفِيق إِلَى الْمُصْطَفى ... وَنور مُبين لكشف الريب) (فيا عَالما أجمع الْعَالمُونَ ... على فضل رتبته فِي الرتب) (سبقت الْأَئِمَّة فِيمَا جمعت ... وفزت على رغمهم بالقصب)

تتمة

(نفيت السقيم من الغافلين ... وَمن كَانَ مُتَّهمًا بِالْكَذِبِ) (وَأثبت من عدلته ... وَصحت رِوَايَته فِي الْكتب) (وأبرزت فِي حسن ترتيبه ... وتبويبه عجبا للعجب) (فأعطاك رَبك مَا تشتهيه ... وأجزل حظك فِيمَا يهب) (وخصك فِي غرفات الْجنان ... بِخَير يَدُوم وَلَا يقتضب) تَتِمَّة قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرائيني أهل الصَّنْعَة مجمعون على أَن الْأَخْبَار الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا الصحيحان مَقْطُوع بحة أَصْلهَا ومتونها وَلَا يحصل الْخلاف فِيهَا بِحَال وَإِن حصل فَذَاك اخْتِلَاف فِي طرقها ورواتها قَالَ فَمن خَالف حكمه خَبرا مِنْهَا وَلَيْسَ لَهُ تَأْوِيل سَائِغ للْخَبَر نقضا حكمه لِأَن هَذِه الْأَخْبَار تلقتها الْأمة بِالْقبُولِ قَالَ الْحَافِظ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح فِي مَبْحَث الصَّحِيح فِي الْفَائِدَة السَّابِعَة بعد أَن ذكر الْأَقْسَام السَّبْعَة الَّتِي سبق بَيَانهَا هَذِه أُمَّهَات أقسامه وأعلاها الأول وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ أهل الحَدِيث كثيرا صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ يطلقون ويعنون بِهِ اتِّفَاق البُخَارِيّ وَمُسلم لَا اتِّفَاق الْأمة عَلَيْهِ لَكِن اتِّفَاق الْأمة عَلَيْهِ لَازم من ذَلِك وَحَاصِل مَعَه لِاتِّفَاق الْأمة على تلقي مَا اتفقَا عيه بِالْقبُولِ وَهَذَا الْقسم جَمِيعه مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ وَالْعلم اليقيني النظري وَاقع بِهِ خلافًا لمن نفى ذَلِك محتجا بِأَنَّهُ لَا يُفِيد فِي أَصله إِلَّا الظَّن وَغنما تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِم الْعَمَل بِالظَّنِّ وَالظَّن قد يُخطئ وَقد كنت أميل إِلَى هَذَا وَأَحْسبهُ قَوِيا ثمَّ بَان لي أَن الْمَذْهَب الَّذِي اخترناه أَولا هُوَ الصَّحِيح لِأَن ظن من هُوَ مَعْصُوم من الْخَطَأ لَا يُخطئ وَالْأمة فِي مجموعها معصومة من الْخَطَأ وَلِهَذَا كَانَ الْإِجْمَاع الْمَبْنِيّ على الِاجْتِهَاد حجَّة مَقْطُوعًا بهَا وَأكْثر إجماعات الْعلمَاء كَذَلِك

وَهَذِه نُكْتَة نفيسة نافعة وَمن فوائدها القَوْل بِأَن مَا تفرد بِهِ البُخَارِيّ أَو مُسلم مندرج فِي قبيل مَا يقطع بِصِحَّتِهِ لتلقي الْأمة كل وَاحِد من كِتَابَيْهِمَا بِالْقبُولِ على الْوَجْه الَّذِي فصلناه من حَالهمَا فِيمَا سبق سوى أحرف يسيرَة تكلم عَلَيْهَا بعض أهل النَّقْد من الْحفاظ كالدارقطني وَغَيره وَهِي مَعْرُوفَة عِنْد أهل هَذَا الشَّأْن اهـ ومجمل مَا فَصله سَابِقًا هُوَ ان مَا حكم البُخَارِيّ وَمُسلم بِصِحَّتِهِ بِلَا إِشْكَال هُوَ مَا أوردهُ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل وَأما الْمُعَلق الَّذِي حذف من مُبْتَدأ إِسْنَاده وَاحِد أَو أَكثر وأغلب مَا وَقع ذَلِك فِي كتاب البُخَارِيّ وَهُوَ فِي كتاب مُسلم قَلِيل جدا فَفِي بعضه نظر وَأَن قَول البُخَارِيّ مَا أدخلت فِي كتاب الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ مَحْمُول على مَا وضع الْكتاب لأَجله وَهُوَ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المسندة دون المعلقات والْآثَار الْمَوْقُوفَة على الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ وَالْأَحَادِيث المترجم بهَا وَنَحْو ذَلِك فَإِن فِيهَا مَا لَا يجْزم بِصِحَّتِهِ فيستثنى مِمَّا يحكم بإفادته الْعلم وَإِن كَانَ إِيرَاده لَهَا فِي أثْنَاء الصَّحِيح مشعرا بِصِحَّة أَصله وَأَن قَول الْحميدِي فِي كتاب الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ لم نجد من الْأَئِمَّة الماضين رَضِي الله عَنْهُم من أفْصح لنا فِي جَمِيع مَا جمعه بِالصِّحَّةِ إِلَّا هذَيْن الْإِمَامَيْنِ مَحْمُول على مَا وضع الْكتاب لأَجله وَلذَا لم يرد مثل قَول البُخَارِيّ وَقَالَ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله أَحَق أَن يستحيا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَرطه وَهَذَا مُهِمّ خافي وَقد خَالف الْعَلامَة النَّوَوِيّ الْحَافِظ ابْن الصّلاح فِيمَا ذهب إِلَيْهِ فَقَالَ فِي التَّقْرِيب وَهُوَ كتاب اخْتَصَرَهُ من الْإِرْشَاد الَّذِي اخْتَصَرَهُ من كتاب عُلُوم الحَدِيث لِلْحَافِظِ الْمَذْكُور وَإِذا قَالُوا صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ أَو على صِحَّته فمرادهم اتِّفَاق الشَّيْخَيْنِ وَذكر الشَّيْخ أَن مَا روياه أَو أَحدهمَا فَهُوَ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ وَالْعلم الْقطعِي حَاصِل فِيهِ وَخَالفهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ فَقَالُوا يُفِيد الظَّن مَا لم يتواتر وَقَالَ فِي شَرحه على مُسلم هَذَا الَّذِي ذكره الشَّيْخ فِي هَذِه الْمَوَاضِع

خلاف مَا قَالَه الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ فَإِنَّهُم قَالُوا أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ الَّتِي لَيست بمتواترة إِنَّمَا تفِيد الظَّن فَإِنَّهَا آحَاد إِنَّمَا تفِيد الظَّن على مَا تقرر وَلَا فرق بَين البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا فِي ذَلِك وتلقي الْأمة بِالْقبُولِ إِنَّمَا أفادنا وجوب الْعَمَل بِمَا فيهمَا وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ فَإِن أَخْبَار الْآحَاد الَّتِي فِي غَيرهمَا يجب الْعَمَل بهَا إِذا صحت أسانيدها وَلَا تفِيد إِلَّا الظَّن فَكَذَا الصحيحان وَغنما يفْتَرق الصحيحان وَغَيرهمَا من الْكتب فِي كَون مَا فيهمَا صَحِيحا لَا يحْتَاج إِلَى النّظر فِيهِ بل يجب الْعَمَل بِهِ مُطلقًا وَمَا كَانَ فِي غَيرهمَا لَا يعْمل بِهِ حَتَّى ينظر وتوجد فِيهِ شُرُوط الصَّحِيح وَلَا يلْزم من إِجْمَاع الْأمة على الْعَمَل بِمَا فيهمَا إِجْمَاعهم على انه مَقْطُوع بِأَنَّهُ كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أنكر ابْن برهَان الإِمَام على من قَالَ بِمَا قَالَه الشَّيْخ وَبَالغ فِي تغليطه اهـ وَقد أنكر الْعِزّ عبد السَّلَام على ابْن الصّلاح ذَلِك وَقَالَ إِن الْمُعْتَزلَة يرَوْنَ أَن الْأمة إِذا علمت بِحَدِيث اقْتضى ذَلِك الْقطع بِصِحَّتِهِ قَالَ وَهَذَا مَذْهَب رَدِيء اهـ وَقد ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ الرَّد عَلَيْهَا صَاحب الْمَحْصُول فَقَالَ زعم أَبُو هَاشم والكرخي وتلميذهما أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ أَن الْإِجْمَاع على الْعَمَل بِمُوجب الْخَبَر يدل على صِحَة الْخَبَر وَهَذَا بَاطِل لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن عمل كل الْأمة بِمُوجب الْخَبَر لَا يتَوَقَّف على قطعهم بِصِحَّة ذَلِك الْخَبَر فَوَجَبَ أَن لَا يدل على صِحَة الْخَبَر أما الأول فَلِأَن الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد وَاجِب فِي حق الْكل فَلَا يكون عَمَلهم بِهِ متوقفا على الْقطع بِهِ وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لما لم يتَوَقَّف عَلَيْهِ لم يلْزم من ثُبُوته صِحَّته وَالثَّانِي أَن عَمَلهم بِمُقْتَضى ذَلِك الْخَبَر يجوز أَن يكون لدَلِيل آخر لاحْتِمَال قيام الْأَدِلَّة الْكَثِيرَة على الْمَدْلُول الْوَاحِد

احْتَجُّوا بِأَن الْمَعْلُوم من عَادَة السّلف فِيمَا لم يقطعوا بِصِحَّتِهِ أَن يرد مَدْلُوله بَعضهم ويقبله الْآخرُونَ وَالْجَوَاب أَن هَذِه الْعَادة مَمْنُوعَة بِدَلِيل اتِّفَاقهم على حكم الْمَجُوس بِخَبَر عبد الرَّحْمَن وَقد أَشَارَ إِلَيْهَا الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى فَقَالَ فَإِن قيل خبر الْوَاحِد الَّذِي عملت بِهِ الْأمة هَل يجب تَصْدِيقه قُلْنَا إِن عمِلُوا على وَفقه فلعلهم عمِلُوا عَن دَلِيل آخر وَإِن عمِلُوا بِهِ أَيْضا فقد أمروا بِالْعَمَلِ بِخَبَر الْوَاحِد وَإِن لم يعرفوا صدقه فَلَا يلْزم الحكم بصدقه فَإِن قيل لَو قدر الرَّاوِي كَاذِبًا لَكَانَ عمل الْأمة بِالْبَاطِلِ وَهُوَ خطأ وَلَا يجوز ذَلِك على الْأمة قُلْنَا الْأمة مَا تعبدوا إِلَّا بِخَبَر يغلب على الظَّن صدقه وَقد غلب على ظنهم ذَلِك كَالْقَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ فَلَا يكون مخطئا وَإِن كَانَ شَاهدا كَاذِبًا بل يكون محقا لِأَنَّهُ لم يُؤمر إِلَّا بِهِ اهـ وَقَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول إِذا حصل الْإِجْمَاع على وفْق خبر فإمَّا أَن يتَبَيَّن استنادهم إِلَيْهِ أَولا فَإِن تبين استنادهم إِلَيْهِ حكم بِصِحَّة ذَلِك الْخَبَر وَقد وهم من قَالَ بِغَيْر ذَلِك وَإِن لم يتَبَيَّن استنادهم إِلَيْهِ لم يحكم بِصِحَّتِهِ لاحْتِمَال استنادهم إِلَى دَلِيل آخر وَغَايَة مَا يُقَال أَنه لم ينْقل إِلَيْنَا وَذَلِكَ لَا يدل على عَدمه وَقَالَ بَعضهم يحكم بِصِحَّتِهِ بِنَاء على أَنهم لَو استندوا إِلَى غَيره لم يخف علينا

وَأَشَارَ بقوله وَقد وهم من قَالَ بِغَيْر ذَلِك إِلَى من يحكم بِصِحَّة الْخَبَر مَعَ استناد المجمعين إِلَيْهِ وَجوز أَن يكون غير ثَابت فِي الْوَاقِع وَزعم أَن المجمعين لَا ينْسب لَهُم الْخَطَأ وَلَو استندوا إِلَى خبر غير ثَابت أَنهم إِنَّمَا أمروا بالاستناد إِلَى مَا ظنُّوا صِحَّته وهم قد فعلوا ذَلِك وَلَا يلْزم من ظنهم صِحَّته صِحَّته فِي نفس الْأَمر وَقَالَ فِي حَدِيث لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة الضَّلَالَة الْخَطَأ الَّذِي يُؤَاخذ عَلَيْهِ صَاحبه وَقد جرى على شاكله هَذَا من قَالَ إِنَّه لَا يلْزم من الْإِجْمَاع على حكم مطابقته لحكم الله فِي نفس الْأَمر وَحِينَئِذٍ فَيكون المُرَاد بالضلالة المنفية عَنْهُم مَا خَالف حكم الله وَلَو بِاعْتِبَار ظنهم لَا مَا خَالف حكم الله فِي نفس الْأَمر وَلَا يخفى أَن هَذَا القَوْل يَجْعَل الْأمة فِي حكم الْوَاحِد مِنْهَا فِي جَوَاز وُقُوع الْخَطَأ مِنْهَا بِالنّظرِ إِلَى الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر اهـ وَقد ذكر الْفَخر فِي الْمَحْصُول مَسْأَلَة تقرب من هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ اعْتمد كثير من الْفُقَهَاء والمتكلمين فِي تَصْحِيح خبر الْإِجْمَاع وَأَمْثَاله بِأَن الْأمة فِيهِ على قَوْلَيْنِ مِنْهُم من احْتج بِهِ وَمِنْهُم من اشْتغل بتأويله وَذَلِكَ يدل على اتِّفَاقهم على قبُوله وَهُوَ ضَعِيف لاحْتِمَال أَن يُقَال إِنَّهُم قبلوه كَمَا يقبل خبر الْوَاحِد وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن خبر الْوَاحِد إِنَّمَا يقبل فِي العمليات لَا فِي العمليات وَهَذِه الْمَسْأَلَة علمية فَلَمَّا قبلوا هَذَا الْخَبَر فِيهَا دلّ ذَلِك على اعْتِقَادهم صِحَّته وَالْجَوَاب أَنا لَا نسلم أَن كل الْأمة قبلوه بل كَانَ من لم يحْتَج بِهِ فِي الْإِجْمَاع طعن فِيهِ بِأَنَّهُ من بَاب الْآحَاد فَلَا يجوز التَّمَسُّك بِهِ فِي مَسْأَلَة علمية وهب انهم لم يطعنوا فِيهِ على التَّفْصِيل لَكِن لَا يلْزم من عدم الطعْن من جِهَة وَاحِدَة عدم الطعْن مُطلقًا اهـ

وَأَرَادَ بِخَبَر الْإِجْمَاع حَدِيث لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وروى التِّرْمِذِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى رول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الله لَا يجمع أمتِي أَو قَالَ أمة مُحَمَّد على ضَلَالَة وَيَد الله مَعَ الْجَمَاعَة وَمن شَذَّ

شَذَّ إِلَى النَّار وَقَالَ غَرِيب من هَذَا الْوَجْه وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِلَفْظ لَا جمع الله هَذِه الْأمة على ضَلَالَة وَيَد الله مَعَ الْجَمَاعَة وَقَالَ ابْن حزم فِي كتاب الإحكام فِي فصل الرَّد على من قَالَ إِن الْجُمْهُور إِذا اجْتَمعُوا على قَول وَخَالفهُم وَاحِد فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت إِلَى خلَافَة وَقد رُوِيَ أَيْضا فِي هَذَا من طَرِيق الْخُشَنِي عَن الْمسيب بن وَاضح عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَنه قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة أبدا وَعَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْعظم فغن من شَذَّ شَذَّ عَن النَّاس قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَالْمُسَيب بن وَاضح قد رَأينَا لَهُ أَحَادِيث مُنكرَة جدا مِنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ضرب أَبَاهُ فَاقْتُلُوهُ وَلَو صَحَّ لما كَانَ إِلَّا من شَذَّ عَن الْحق وَيُقَال لَهُم لَا يجوز أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا بالمحال وَقد رَأينَا القولة يكثر الْقَائِلُونَ بهَا ويغلبون على الأَرْض ثمَّ يقلون ويغلب أهل مقَالَة أُخْرَى فليلزم على هَذَا الَّذِي ذكرْتُمْ أَن الْحق كَانَ فِي الْمقَالة الَّتِي كثر أَهلهَا ثمَّ لما قل أَهلهَا بَطل فَصَارَ الْحق فِي غَيرهَا وَهَذَا خطأ مِمَّن أجَازه وَصَحَّ أَن ذَلِك الحَدِيث مولد ولنرجع إِلَى الْمَسْأَلَة الَّتِي وَقع الْخلاف فِيهَا بَين ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ فَنَقُول قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر مَا ذكره النَّوَوِيّ مُسلم من جِهَة الْأَكْثَرين أما الْمُحَقِّقُونَ فَلَا فقد وَافق ابْن الصّلاح أَيْضا محققون وَقَالَ البُلْقِينِيّ مَا قَالَه النَّوَوِيّ وَابْن

عبد السَّلَام وَمن تبعهما مَمْنُوع فقد نقل بعض الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين مثل قَول ابْن الصّلاح عَن جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة كَأبي إِسْحَاق وَأبي حَامِد الإسفرائيني وَالْقَاضِي أبي الطّيب وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَعَن السَّرخسِيّ من الْحَنَفِيَّة وَالْقَاضِي أبي الطّيب وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَعَن السَّرخسِيّ من الْحَنَفِيَّة وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب من الْمَالِكِيَّة وَأبي يعلى وَأبي الْخطاب وَابْن الزَّاغُونِيّ من الْحَنَابِلَة وَابْن فورك وَأكْثر أهل الْكَلَام من الأشعرية وَأهل الحَدِيث قاطبة وَمذهب السّلف عَامَّة بل بَالغ ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي صفوة التصوف فَألْحق بِهِ مَا كَانَ على شَرطهمَا وَإِن لم يخرجَاهُ وَقد كثر الرادون على ابْن الصّلاح والمنتصرون لَهُ أما الرادون عَلَيْهِ فقد اخْتلفت عباراتهم والاعتراض عَلَيْهِ عِنْد الْمُحَقِّقين وَارِد من ثَلَاثَة أوجه الْوَجْه الأول انه خَالف جُمْهُور أَرْبَاب الْكَلَام وَالْأُصُول فَإِنَّهُم ذَهَبُوا إِلَى أَن أَخْبَار الْآحَاد لَا تفِيد الْعلم وَإِنَّمَا تفِيد الظَّن وَذهب هُوَ إِلَى إِخْبَار الْآحَاد الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ سوى مَا اسْتثْنِي مِنْهَا تفِيد الْعلم وَلَو اكْتفى بذلك لأمكن أَن يُقَال لَعَلَّه يُرِيد بِالْعلمِ الظَّن الْقوي فَلَا يكون الْخلاف بَينه وَبينهمْ شَدِيدا لكنه زَاد فوصف الْعلم بِكَوْنِهِ يقينيا فَلم يبْق وَجه للصلح بَينه وَبينهمْ وَلَا يخفى أَن مُخَالفَة أهل الْكَلَام وَالْأُصُول لَيست بِالْأَمر السهل وَهنا شَيْء وَهُوَ أَن بعض الْمُحَقِّقين مِنْهُم ذهب إِلَى أَن أَخْبَار الْآحَاد قد تفِيد الْعلم مَعَ الْقَرَائِن قَالَ فِي الْمَحْصُول اخْتلفُوا فِي أَن الْقَرَائِن هَل تدل على صدق الْخَبَر أم لَا فَذهب النظام وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ إِلَيْهِ وَأنْكرهُ الْبَاقُونَ ثمَّ ذكر أَدِلَّة الْفَرِيقَيْنِ وَقَالَ بعد ذَلِك وَالْمُخْتَار أَن الْقَرِيبَة قد تفِيد الْعلم إِلَّا أَن الْقَرَائِن لَا تفي الْعبارَات بوصفها فقد تحصل أُمُور نعلم بِالضَّرُورَةِ عِنْد الْعلم بهَا كَون الشَّخْص خجلا أَو وجلا مَعَ أَنا لَو حاولنا التَّعْبِير عَن جَمِيع تِلْكَ الْأُمُور لعجزنا عَنهُ وَالْإِنْسَان إِذا أخبر عَن كَونه عطشان فقد يظْهر على وَجهه وَلسَانه من أَمَارَات الْعَطش مَا يُفِيد

الْعلم بِكَوْنِهِ صَادِقا وَالْمَرِيض إِذا أخبر عَن ألم فِي بعض أَعْضَائِهِ مَعَ أَنه يَصِيح وَترى عَلَيْهِ عَلَامَات ذَلِك الْأَلَم ثمَّ إِن الطَّبِيب يعالجه بعلاج لَو لم يكن الْمَرِيض صَادِقا فِي قَوْله لَكَانَ ذَلِك العلاج قَاتلا لَهُ فها هُنَا يحصل الْعلم بصدقه وَبِالْجُمْلَةِ فَكل من استقرأ الْعرف عرف أَن مُسْتَند الْيَقِين فِي الْأَخْبَار لَيْسَ إِلَى الْقَرَائِن فَثَبت أَن الَّذِي قَالَه النظام حق اهـ وَلَا ريب أَن أَكثر أَخْبَار الصَّحِيحَيْنِ قد اقترنت بهَا قَرَائِن تدل على صِحَّتهَا فَتكون مفيدة للْعلم فَيبقى الِاعْتِرَاض على ابْن الصّلاح من جِهَة وَاحِدَة وَهُوَ انه أطلق الحكم وَلم يُقَيِّدهُ بِهَذَا النَّوْع وَلَو قَيده بِهَذَا النَّوْع لسلم من الِاعْتِرَاض على هَذَا القَوْل فَإِنَّهُ وَإِن قل الْقَائِلُونَ فِي غَايَة الْقُوَّة على ان هَذَا الحكم مَعَ صِحَّته لَا تحصل مِنْهُ فَائِدَة تَامَّة وَغنما تحصل الْفَائِدَة التَّامَّة فِيمَا لَو ميز هَذَا النَّوْع من غَيره بِالْفِعْلِ لَا سِيمَا إِذا بَين مَا يُمكن بَيَانه من الْقَرَائِن وَأما مَا لَا يُمكن بَيَانه وَإِن كَانَ بِهِ تَمام الإفادة فَإِن الْأَدْنَى فِي فن التَّمْيِيز والنقد يُسلمهُ للأعلى فِيهِ على هُوَ الْجَارِي فِي كل فن وَلذَا قَالَ بعض أنصار ابْن الصّلاح بعد أَن ذكر أَن الْخَبَر المحتف بالقرائن ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحدهَا مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا مِمَّا لم يبلغ حد التَّوَاتُر وَثَانِيها الْمَشْهُور إِذا كَانَت لَهُ طرق متباينة سَالِمَة من ضعف الروَاة والعلل وَثَالِثهَا لَا يحصل الْعلم بِصدق الْخَبَر مِنْهَا إِلَّا للْعَالم بِالْحَدِيثِ المتبحر فِيهِ الْعَارِف بأحوال الروَاة المطلع على الْعِلَل وَكَون غَيره لَا يحصل لَهُ الْعلم بِصدق ذَلِك لقصوره عَن الوصاف الْمَذْكُورَة لَا يَنْفِي حُصُول الْعلم للمتبحر الْمَذْكُور ومحصل الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا أَن الأول يخْتَص بالصحيحين وَالثَّانِي بِمَا لَهُ طرق مُتعَدِّدَة وَالثَّالِث بِمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة وَيُمكن اجْتِمَاع الثَّلَاثَة فِي حَدِيث وَاحِد فَلَا يبعد حِينَئِذٍ الْقطع بصدقه اهـ وَاعْترض بَعضهم على قَوْله وَكَون غَيره لَا يحصل لَهُ الْعلم لَا يَنْفِي حُصُوله

للمتبحر الْمَذْكُور فَقَالَ حُصُول مَا ذكر لَيْسَ مَحل النزاع إِذْ الْكَلَام فِيمَا هُوَ سَبَب الْعلم لِلْخلقِ وَلَا يخفى أَن الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي حُصُول الْعلم لمن تشبث بأسبابه وسلك طَرِيقه وَأما غَيره فإمَّا أَن يسلم ذَلِك لأربابه وَأما أَن يتشبث بأسبابه الْوَجْه الثَّانِي أَنه لم يقْتَصر على مَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمُعْتَزلَة الَّذِي أَشَارَ قرينه الْعَلامَة ابْن عبد السَّلَام إِلَى انه سرى على أَثَرهم فِيهِ بل زَاد على ذَلِك فَإِنَّهُم قَالُوا إِن عمل الْأمة بِمُوجب خبر يَقْتَضِي الحكم بِصِحَّتِهِ وَأما هُوَ فَقَالَ إِن تلقي الْأمة لِلصَّحِيحَيْنِ بِالْقبُولِ يَقْتَضِي الحكم بِصِحَّة جَمِيع مَا فيهمَا من الْأَحَادِيث سوى مَا اسْتثْنى من ذَلِك فَحكم على مَا لَا يُحْصى من الْأَحَادِيث الْمُخْتَلفَة الْمَرَاتِب بِحكم وَاحِد وَهُوَ الْقطع بِصِحَّتِهَا لوجودها فِي كتابين تلقتهما الْأمة بِالْقبُولِ وَأما هم فَإِنَّهُم حكمُوا على أَحَادِيث مَخْصُوصَة قد وصفت بِوَصْف خَاص وَهُوَ عمل الْأمة بموجبها نَحْو لَا وَصِيَّة لوَارث بِحكم خَاص يلائمه وَهُوَ الحكم بِصِحَّتِهَا وَمَعَ هَذَا فقد خالفهم الْجُمْهُور منا وَمِنْهُم لما ذكرُوا وشتان مَا بَين قَوْلهم وَقَول ابْن الصّلاح هَذَا وَقد ذكرنَا سَابِقًا قَول ابْن حزم وَهُوَ قد يرد خبر مُرْسل إِلَّا أَن الْإِجْمَاع قد صَحَّ بِمَا فِيهِ متيقنا مَنْقُولًا جيلا فجيلا فَإِن كَانَ هَذَا علمنَا أَنه مَنْقُول نقل كَافَّة كنقل الْقُرْآن فاستغنى عَن ذكر السَّنَد فِيهِ وَكَانَ وُرُود ذَلِك الْمُرْسل وَعدم وُرُوده سَوَاء وَلَا فرق وَذَلِكَ نَحْو لَا وَصِيَّة لوَارث اهـ وَقد اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث من يَقُول بِجَوَاز نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ قَالَ الْفَخر فِي الْمَحْصُول نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ المتواترة جَائِز وَاقع وَقَالَ الشَّافِعِي لم يَقع ثمَّ ذكر أَن الَّذين قَالُوا إِنَّه جَائِز وَاقع استدلوا بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا وَصِيَّة

لوَارث فَإِنَّهُ نسخ الْوَصِيَّة للأقربين وَأما آيَة الْمِيرَاث فَإِنَّهَا لَا تمنع الْمِيرَاث لِإِمْكَان الْجمع ثمَّ قَالَ وَهَذَا ضَعِيف لِأَن كَون الْمِيرَاث حَقًا للْوَارِث يمْنَع من صرفه إِلَى الْوَصِيَّة فَثَبت أَن آيَة الْمِيرَاث مَانِعَة من الْوَصِيَّة على أَن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا وَصِيَّة لوَارث خبر وَاحِد وَلَو كَانَ متواترا لوَجَبَ أَن يكون الْآن متواترا لِأَنَّهُ خبر فِي وَاقعَة مهمة تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله وَمَا كَانَ كَذَلِك وَجب بَقَاؤُهُ متواترا وَحَيْثُ لم يبْق الْآن متواترا علمنَا أَنه مَا كَانَ تواترا فِي الأَصْل فَالْقَوْل بِأَن الْآيَة صَارَت مَنْسُوخَة بِهِ يَقْتَضِي نسخ الْقُرْآن بِخَبَر الْوَاحِد وَإنَّهُ غير جَائِز بِالْإِجْمَاع وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين ن نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ لم يجوزه الشَّافِعِي وَلَا أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَجوزهُ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهُوَ قَول أَصْحَاب أبي حنيفَة وَغَيرهم وَقد احْتَجُّوا على ذَلِك بِأَن الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين نسخهَا قَوْله إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث وَلَيْسَ المر كَذَلِك فَإِن الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين إِنَّمَا نسختها آيَة الْمَوَارِيث كَمَا اتّفق على ذَلِك السّلف فَإِنَّهُ قَالَ بعد ذكر الْفَرَائِض {تِلْكَ حُدُود الله} الْآيَة فأبان أَنه لَا يجوز أَن يُزَاد أحد على مَا فرض الله لَهُ وَهَذَا معنى قَول النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث وَإِلَّا فَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَنَحْوه من أَصْحَاب السّنَن وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِذا كَانَ من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يجوز أَن يَجْعَل نَاسِخا لِلْقُرْآنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يثبت أَن شَيْئا من الْقُرْآن نسخ بِسنة بِلَا قُرْآن الْوَجْه الثَّالِث أَنه بنى الحكم على تلقي الْأمة لَهما بِالْقبُولِ وَلم يبين مَاذَا أَرَادَ بالأمة وَلَا مَاذَا أَرَادَ بتلقيها لَهما بِالْقبُولِ وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ غير بينين هُنَا فِي أَنفسهمَا

فَكَانَ حَقه أَن يبين مَا أَرَادَ بهما لِئَلَّا يذهب الذِّهْن كل مَذْهَب وَلِئَلَّا يظنّ بِهِ أَنه يقْصد بالإبهام وَالْإِيهَام وَإِن كَانَ مَا علم من حَاله يدل على أَنه بَرِيء من ذَلِك فَإِن أَرَادَ بالأمة علماءها وَهُوَ الظَّاهِر فعلماء الْأمة فِي هَذَا الْمقَام ثَلَاثَة أَقسَام المتكلمون وَالْفُقَهَاء والمحدثون أما المتكلمون فقد عرف من حَالهم أَنهم يردون كل حَدِيث يُخَالف مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَلَو كَانَ من الْأُمُور الظنية فَإِذا لأورد عَلَيْهِم من ذَلِك حَدِيث صَحِيح عِنْد الْمُحدثين أولوه إِن وجدوا تَأْوِيله قريب المأخذ أَو ردُّوهُ مكتفين بقَوْلهمْ هَذَا من أَخْبَار الْآحَاد وَهِي لَا تفِيد غير الظَّن وَلَا يجوز الْبناء على الظَّن فِي المطالب الكلامية فَمن ذَلِك حَدِيث تحاجب الْجنَّة وَالنَّار فَقَالَت النَّار أُوثِرت بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَت الْجنَّة مَا لي لَا يدخلني إِلَّا ضعفاء النَّاس وَسَقَطهمْ قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى للجنة أَنْت رَحْمَتي أرْحم بك من أَشَاء من عبَادي وَقَالَ للنار إِنَّمَا أَنْت عَذَاب أعذب بك من أَشَاء من عبَادي وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا ملؤُهَا فَأَما النَّار فَلَا تمتلئ حَتَّى يضع رجله فَتَقول قطّ قطّ قطّ فهنالك تمتلئ ويزوي بَعْضهَا إِلَى بعض وَلَا يظلم الله عز وَجل من خلقه أحدا وَأما الْجنَّة فَإِن الله عز وَجل ينشئ لَهَا خلقا اهـ وَهَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما مُسلم فَأخْرجهُ فِي كتاب الْجنَّة وَصفَة نعيمها وَأما البُخَارِيّ فَأخْرجهُ فِي تَفْسِير سُورَة ق بِهَذَا اللَّفْظ من طَرِيق عبد لارزاق عَن

همام عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرجه فِي مَوضِع آخر من طَرِيق صَالح بن كيسَان عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ اختصمت الْجنَّة وَالنَّار إِلَى ربهما الحَدِيث وَفِيه أَنه ينشئ للنار خلقا وَقد ذهب الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَن الرَّاوِي أَرَادَ أَن يذكر الْجنَّة فذهل فَسبق لِسَانه إِلَى النَّار قَالَ فِي شرح البُخَارِيّ عِنْد قَوْله فَلَا تمتلئ حَتَّى يضع رجله فِي مُسلم حَتَّى يضع الله رجله وَأنكر ابْن فورك لفظ رجله وَقَالَ إِنَّهَا ثَابِتَة وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هِيَ تَحْرِيف من بعض الروَاة ورد عَلَيْهِمَا بِرِوَايَة الصَّحِيحَيْنِ بهَا وأولت بِالْجَمَاعَة كَرجل من جَراد أَي يضع فِيهَا جمَاعَة وأضافهم إِلَيْهِ إِضَافَة اخْتِصَاص وَقَالَ محيي السّنة الْقدَم وَالرجل فِي هَذَا الحَدِيث من صِفَات الله تَعَالَى المنزهة عَن التكييف والتشبيه فالإيمان بهَا فرض الِامْتِنَاع عَن الْخَوْض فِيهَا وَاجِب فالمهتدي من سلك فِيهَا طَرِيق التَّسْلِيم والخائض فِيهَا زائغ وَالْمُنكر معطل والمكيف مشبه {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَقَالَ فِي شرح مُسلم هَذَا الحَدِيث من مشاهير أَحَادِيث الصِّفَات وَقد مر بَيَان اخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهَا على مذهبين أَحدهمَا وَهُوَ قَول جُمْهُور السّلف وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين انه لَا نتكلم فِي تَأْوِيلهَا بل نؤمن أَنَّهَا حق على مَا أَرَادَ الله وَلها معنى يَلِيق بهَا وظاهرها غير مُرَاد

وَالثَّانِي وَهُوَ قَول جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين أَنَّهَا تتأول بِحَسب مَا يَلِيق بهَا فعلى هَذَا اخْتلفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث فَهَذَا الحَدِيث ونظائره وَهِي كَثِيرَة يبعد على الْمُتَكَلّم أَن يَقُول بِصِحَّتِهَا فضلا عَن أَن يجْزم بذلك وَإِذا ألجئ إِلَى القَوْل بِصِحَّتِهَا لم يأل هدا فِي تَأْوِيلهَا وَلَو على وَجه لَا يساعد اللَّفْظ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يعلم السَّامع ان الْمُتَكَلّم لَا يَقُول بِجَوَازِهِ فِي الْبَاطِن وَقد نشأت بِسَبَب ذَلِك عَدَاوَة شَدِيدَة بَين الْمُتَكَلِّمين والمحدثين يعرفهَا من نظر فِي كتب التَّارِيخ حَتَّى إِن الْمُتَكَلِّمين سموا جُمْهُور الْمُحدثين بالمشبهة والمحدثين سموهم بالمعطلة وَأما الْفُقَهَاء فقد عرف من حَالهم أَنهم يؤولون كل حَدِيث يُخَالف مَا ذهب إِلَيْهِ عُلَمَاء مَذْهَبهم وَلَو كَانَ من الْمُتَأَخِّرين أَو يعارضون الحَدِيث بِحَدِيث آخر وَلَو كَانَ غير مَعْرُوف عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث والْحَدِيث الَّذِي عارضوه ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ بل مِمَّا أخرجه السِّتَّة وَمن نظر فِي شُرُوح الصَّحِيحَيْنِ اتَّضَح لَهُ المر وَقد ترك بَعضهم المجاملة للمحدثين فَصرحَ بَان تَرْجِيح الصَّحِيحَيْنِ على غَيرهمَا تَرْجِيح من غير مُرَجّح وَالَّذين جاملوا اكتفوا بِدلَالَة الْحَال وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْعِزّ بن عبد السَّلَام فِي كتاب الْقَوَاعِد فَقَالَ وَمن الْعجب العجيب أَن الْفُقَهَاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مَأْخَذ إِمَامه بِحَيْثُ لَا يجد لضَعْفه مدفعا وَهُوَ مَعَ ذَلِك يقلده فِيهِ وَيتْرك من شهد الْكتاب وَالسّنة والأقيسة الصَّحِيحَة لمذهبه جمودا على تَقْلِيد إِمَامه بل يتحيل لدفع ظواهر الْكتاب وَالسّنة ويتأولها بالتأويلات الْبَعِيدَة الْبَاطِلَة نضالا عَن مقلده وَقد رَأينَا يَجْتَمعُونَ فِي الْمجَالِس فَإِذا ذكر لأَحَدهم خلاف مَا وَطن نَفسه عَلَيْهِ تعجب مِنْهُ غَايَة الْعجب من غير استرواح إِلَى دَلِيل بل لما أَلفه من تَقْلِيد

إِمَامه وتعجبه من مَذْهَب إِمَامه أولى من تعجبه من مَذْهَب غَيره فالبحث مَعَ هَؤُلَاءِ ضائع مفض إِلَى التقاطع والتدابر من غير فَائِدَة يجديها وَمَا رَأَيْت أحدا رَجَعَ عَن مَذْهَب إِمَامه إِذا ظهر لَهُ الْحق فِي غَيره بل يصر عَلَيْهِ مَعَ علمه بضعفه وَبعده فَالْأولى ترك الْبَحْث مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذين إِذا عجز أحدهم عَن تمشية مَذْهَب إِمَامه قَالَ لَعَلَّ إمامي وقف على دَلِيل لم أَقف عَلَيْهِ وَلم أهتد إِلَيْهِ وَلَا يعلم الْمِسْكِين أَن هَذَا مُقَابل بِمثلِهِ ويفضل لخصمه مَا ذكره من الدَّلِيل الْوَاضِح والبرهان اللائح فسبحان الله مَا اكثر من أعمى التَّقْلِيد بَصَره حَتَّى حمله على مثل مَا ذكرته وفقنا الله لاتباع الْحق أَيْن كَانَ وعَلى لِسَان من ظهر اهـ وَقد أَكْثرُوا من الِاعْتِرَاض على قَول ابْن الصّلاح عَن الْأَئِمَّة تلقت الصَّحِيحَيْنِ بِالْقبُولِ فَقَالَ بَعضهم إِن مَا ذكره من تلقي الْأمة لِلصَّحِيحَيْنِ بِالْقبُولِ مُسلم وَلكنه لَا يخْتَص بهما فقد تلقت الْأمة سنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهَا بِالْقبُولِ وَمَعَ ذَلِك فَلم يذهب أحد إِلَى الحكم بِصِحَّة مَا فِيهَا بِمُجَرَّد ذَلِك وَقَالَ بَعضهم إِن أَرَادَ بالأمة كل الْأمة فَلَا يخفى فَسَاده لِأَن الْكِتَابَيْنِ إِنَّمَا حسنا فِي المئة الثَّالِثَة بعد عصر البُخَارِيّ وأئمة الْمذَاهب المتبعة وَإِن أَرَادَ بالأمة بَعْضهَا وهم من وجد بعد الْكِتَابَيْنِ فهم بعض الْأمة فَلَا يستقين دَلِيله الَّذِي قواه بتلقي الْأمة وَثُبُوت الْعِصْمَة لَهُم وَهَذَا القَوْل عَجِيب وَكَأن قَائِله لم ينظر فِي أصُول الْفِقْه فِي كتاب الْإِجْمَاع ولنذكر عبارَة تنبه على مَا فِي قَوْله من الْخَطَأ ولنقتصر عَلَيْهَا فقد كثر الاستطراد فِي هَذَا الْكتاب وَهُوَ مِمَّا يخْشَى مِنْهُ الإملال أَو تشتيت البال قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى ذهب دَاوُد وشيعته من أهل الظَّاهِر إِلَى أَنه لَا حجَّة فِي إِجْمَاع من بعد الصَّحَابَة وَهُوَ فَاسد لِأَن الْأَدِلَّة الثَّلَاثَة على كَون الْإِجْمَاع

حجَّة أَعنِي الْكتاب وَالسّنة وَالْعقل لَا تفرق بَين عصر وعصر فالتابعون إِذا أَجمعُوا فَهُوَ إِجْمَاع من جَمِيع الْأمة وَمن خالفهم فَهُوَ سالك غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ اهـ وَقَالَ بَعضهم إِن تلقي الْأمة لَهما بِالْقبُولِ من جِهَة كَون مَا فيهمَا من الْأَحَادِيث أصح مِمَّا فِي سواهُمَا من الْكتب الحديثية لجلالة مؤلفيها فِي هَذَا المر وتقدمهما على من سواهُمَا فِي ذَلِك والتزامهما فِي كِتَابَيْهِمَا أَن لَا يوردا فيهمَا غير الصَّحِيح وَهَذَا يدل على أَنَّهُمَا أرجح مِمَّا سواهُمَا على طَرِيق الْإِجْمَال وَلَا يدل ذَلِك على ان مَا فيهمَا مجزوم بِصِحَّة نسبته إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلذَلِك أقدم الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره على الانتقاد عَلَيْهِمَا مَعَ ان انتقادهم عَلَيْهِمَا كَانَ قاصرا على مَا يتَعَلَّق بِالْأَسَانِيدِ وَأما الانتقاد عَلَيْهِمَا من جِهَة مَا يتَعَلَّق بالمتون من جِهَة مخالفتهما للْكتاب أَو للسّنة المتواترة وَنَحْو ذَلِك فَلم يتصدوا لَهُ لِأَن ذَلِك من متعلقات عُلَمَاء الْكَلَام وَالْأُصُول وَقد حمل انتقاد الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره ابْن الصّلاح على ان يسْتَثْنى مَا انتقدوه من إِفَادَة الْعلم مَعَ أَن فِيمَا انتقدوه مَا الْجَواب عَنهُ بَين وَفِيمَا لم ينتقدوه مَا هُوَ دون مَا انتقدوه وَلَا يخفى ان هَذَا الِاسْتِثْنَاء قد أَضْعَف قُوَّة الحكم فِي غَيره وَلذَا أقدم بعض أنصاره على أَن يسْتَثْنى شَيْئا آخر وَهُوَ مَا وَقع التَّعَارُض فِيهِ من الْأَحَادِيث بِحَيْثُ لَا يُمكن الْجمع وَلَا وُقُوع النّسخ مَعَ عدم ظُهُور الرجحان فِي جِهَته وَذَلِكَ لاستحالته إِفَادَة المتعارضين من كل وَجه الْعم وَمَعَ ذَلِك فقد حاول أَن يَجْعَل الْخلاف لفظيا بِأَن يُقَال من قَالَ إِنَّه لَا يُفِيد الْعلم أَرَادَ الْعلم اليقيني وَمن قَالَ إِنَّه يُفِيد الْعلم أَرَادَ الْعلم الَّذِي لم يصل إِلَى دَرَجَة الْيَقِين وَأما المنتصرون لِابْنِ الصّلاح فَالسَّابِق مِنْهُم إِلَى ذَلِك هُوَ الْعَلامَة ابْن تَيْمِية وَقد وقفت لَهُ على مقالتين تصدى فيهمَا إِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة الجليلة الشَّأْن محاولا تقريبها من الْقَوَاعِد الكلامية لتَكون أقرب إِلَى قبُول الْمُتَكَلِّمين وَمن نحا نحوهم فَصَارَت

سهلة الْحل لَا سِيمَا إِذا تزحزح كل من الْفَرِيقَيْنِ عَن مَكَانَهُ قَلِيلا وسعى نَحْو الآخر أما الْمقَالة الأولى فقد كَانَت جَوَابا لسائل لَهُ هَل أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ تفِيد الْيَقِين وَهل فيهمَا حَدِيث متواتر وَقد أوردتها هُنَا على طَرِيق الِاخْتِصَار قَالَ لفظ الْمُتَوَاتر يُرَاد بِهِ معَان إِذْ الْمَقْصُود من الْمُتَوَاتر مَا يُفِيد الْعلم لَكِن من النَّاس من لَا يُسَمِّي متواترا إِلَّا مَا رَوَاهُ عدد كثير يكون الْعلم حَاصِلا بِكَثْرَة عَددهمْ فَقَط وَيَقُولُونَ إِن كل عدد أَفَادَ الْعلم فِي قَضِيَّة أَفَادَ مثل ذَلِك الْعدَد الْعلم فِي كل قَضِيَّة وَهَذَا قَول ضَعِيف وَالصَّحِيح مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَن الْعلم يحصل بِكَثْرَة المخبرين تَارَة وَقد يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم وَقد يحصل بقرائن تحتف بالْخبر يحصل بِمَجْمُوع ذَلِك وَقد يحصل بطَائفَة دون طَائِفَة وَأَيْضًا فَالْخَبَر الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ أَو عملا بِمُوجبِه يُفِيد الْعلم عِنْد جَمَاهِير السّلف وَالْخلف وَهَذَا فِي معنى الْمُتَوَاتر لَكِن من النَّاس من يُسَمِّيه الْمَشْهُور والمستفيض ويقسمون الْخَبَر متواتر ومشهور وَخبر وَاحِد وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَأكْثر متون الصَّحِيحَيْنِ مَعْلُومَة متيقنة تلقاها أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ بِالْقبُولِ والتصديق وَأَجْمعُوا على صِحَّتهَا وإجماعهم مَعْصُوم من الْخَطَأ كَمَا أَن إِجْمَاع الْفُقَهَاء على الْأَحْكَام مَعْصُوم من الْخَطَأ وَلَو أجمع الْفُقَهَاء على حكم كَانَ إِجْمَاعهم حجَّة وَإِن كَانَ مستندهم خبر وَاحِد أَو قِيَاسا أَو عُمُوما فَكَذَلِك أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ إِذا أَجمعُوا على صِحَة خبر أَفَادَ الْعلم وَإِن كَانَ الْوَاحِد مِنْهُم يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ لَكِن إِجْمَاعهم مَعْصُوم عَن الْخَطَأ ثمَّ هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي أَجمعُوا على صِحَّتهَا قد تتواتر أَو تستفيض عِنْد بعض

دون بعض وَقد يحصل بصدقها لبَعْضهِم لعلمه بِصِفَات المخبرين وَمَا اقْترن بالْخبر من الْقَرَائِن والضمائم الَّتِي تفِيد الْعلم وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن التَّوَاتُر لَيْسَ لَهُ عدد مَحْصُور وَالْعلم عقب الْإِخْبَار يحصل فِي الْقلب ضَرُورَة كَمَا يحصل فِي الْقلب ضَرُورَة كَمَا يحصل فِي الْقلب ضَرُورَة كَمَا يحصل الشِّبَع عقب الْكل والري عقب الشّرْب وَلَيْسَ لما يشْبع كل وَاحِد أَو يرويهِ قدر معِين بل قد يكون الشِّبَع لِكَثْرَة الطَّعَام وَقد يكون لجودته كَاللَّحْمِ وَقد يكون لاستغناء الْآكِل بقليله وَقد يكون لاشتغال نَفسه بفرح أَو غضب أَو حزن أَو نَحْو ذَلِك كَذَلِك الْعلم الْحَاصِل عقب الْخَبَر تَارَة يكون لِكَثْرَة المخبرين وَإِذا كَثُرُوا فقد يُفِيد خبرهم الْعلم وَإِن كَانُوا كفَّارًا وَتارَة يكون لدينهم وضبطهم فَرب رجلَيْنِ أَو ثَلَاثَة يحصل من الْعلم بخبرهم مَا لَا يحصل بِعشْرَة وَعشْرين لَا يوثق بدينهم وضبطهم وَتارَة يحصل الْعلم بِكَوْن كل من المخبرين أخبر بِمثل مَا أخبر بِهِ الآخر مَعَ الْعلم بِأَنَّهُمَا لم يتواطآ فَإِنَّهُ يمْتَنع فِي الْعَادة الِاتِّفَاق فِي مثل ذَلِك مثل مَا يروي حَدِيثا طَويلا فِيهِ فُصُول وَيَرْوِيه آخر كَذَلِك وَلم يكن قد لقِيه وَتارَة يحصل من الْعلم بالْخبر لمن عِنْده من الفطنة والذكاء وَالْعلم بأحوال المخبرين وَبِمَا اخبروا بِهِ مَا لَا يحصل لمن لَيْسَ مثل ذَلِك وَتارَة يحصل الْعلم بالْخبر لكَونه رُوِيَ بِحَضْرَة جمَاعَة كَثِيرَة شاركوا الْمخبر فِي الْعلم وَلم يكذبهُ أحد مِنْهُم فَإِن الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة قد يمْتَنع تواطؤهم على الكتمان كَمَا يمْتَنع تواطؤهم على الْكَذِب وَإِذا عرف أَن الْعلم بأخبار المخبرين لَهُ أَسبَاب غير مُجَرّد الْعدَد علم أَن من قيد الْعلم بِعَدَد معِين وَسوى بَين جَمِيع الْأَخْبَار فِي ذَلِك فقد غلط غَلطا عَظِيما وَلِهَذَا كَانَ التَّوَاتُر يَنْقَسِم إِلَى عَام وخاص فَأهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه قد يتواتر

عِنْدهم فِي السّنة مَا لم يتواتر عَن د الْعَامَّة كوجوب الشُّفْعَة وَحمل الْعَاقِلَة الْعقل وَنَحْو ذَلِك وَإِذا كَانَ الْخَبَر قد يتواتر عِنْد قوم دون قوم فقد يحصل الْعلم بصدقه لقوم دون قوم فَمن حصل لَهُ الْعلم بِهِ وَجب عَلَيْهِ التَّصْدِيق بِهِ وَالْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ كَمَا يجب ذَلِك فِي نَظَائِره وَمن لم يحصل لَهُ الْعلم بذلك فَعَلَيهِ أَن يسلم ذَلِك لأهل الْإِجْمَاع الَّذين أَجمعُوا على صِحَّته كَمَا على النَّاس أَن يسلمُوا الْأَحْكَام الْمجمع عَلَيْهَا إِلَى من أجمع عَلَيْهَا من اهل الْعلم فَإِن الله عصم هَذِه الْأمة أَن تَجْتَمِع على ضَلَالَة وَإِنَّمَا يكون إجماعها بِأَن يسلم غير الْعَالم للْعَالم إِذْ غير الْعَالم لَا يكون لَهُ قَول وَغنما القَوْل للْعَالم فَكَمَا أَن من لَا يعرف أَدِلَّة الْأَحْكَام لَا يعْتد بقوله كَذَلِك من لَا يعرف طرق الْعلم بِصِحَّة الحَدِيث لَا يعْتد بقوله بل على كل من لَيْسَ بعالم أَن يتبع إِجْمَاع أهل الْعلم اهـ وخلاصة مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي هَذِه الْمقَالة أَن اكثر متون الصَّحِيحَيْنِ مَعْلُومَة متيقنة قد تلقاها أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ بِالْقبُولِ والتصديق وَأَجْمعُوا على صِحَّتهَا قد تتواتر أَو تستفيض عِنْد بعض دون بعض وَقد يحصل الْعلم بِصِحَّتِهَا لبَعض لعلمه بِصِفَات المخبرين وَمَا اقْترن بالْخبر من الْقَرَائِن الَّتِي تفِيد الْعلم دون بعض لعدم علمه بذلك فعلى من حصل لَهُ الْعلم بذلك أَن يجْرِي على مُقْتَضَاهُ من التَّصْدِيق بهَا وَالْعَمَل بموجبها وَمن لم يحصل بِهِ الْعلم بذلك فَعَلَيهِ أَن يسلم ذَلِك لأهل الْإِجْمَاع الَّذين أَجمعُوا على صِحَّتهَا كَمَا على النَّاس أَن يسلمُوا الْأَحْكَام الْمجمع عَلَيْهَا لمن أجمع عَلَيْهَا من أهل الْعلم إِذْ لَا يتم إِجْمَاع إِلَّا إِذا سلم غير الْعَالم للْعَالم فَإِن لم يسلم لم يعْتد بِعَدَمِ تَسْلِيمه إِذْ لَيْسَ لغير الْعَالم قَول وَإِنَّمَا القَوْل للْعَالم وَأما الْمقَالة الثَّانِيَة فقد أوردهَا فِي رِسَالَة جعلهَا فِي قَوَاعِد التَّفْسِير وَقد وقف عَلَيْهَا الْعَلامَة البُلْقِينِيّ كَمَا يشْعر بِهِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ سَابِقًا من أَن بعض الْحفاظ

الْمُتَأَخِّرين نقل مثل قَول ابْن الصّلاح عَن جمَاعَة فَإِنَّهُ عَنى بِبَعْض الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين صَاحب هَذِه الْمقَالة فِيمَا يظْهر وَقد أوردهَا صَاحبهَا فِي فصل من الرسَالَة الْمَذْكُورَة أورد فِيهِ أَولا ان مَا ينْقل عَن الْمَعْصُوم إِن كَانَ مِمَّا لَا يُمكن معرفَة الصَّحِيح مِنْهُ من غَيره فعامته مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَذَلِكَ كمدار سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَنَوع خشبها الَّذِي صنعت مِنْهُ وَنَحْو ذَلِك وَأما مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَإِن الله تَعَالَى قد نصب على الْحق فيد دَلِيلا ثمَّ قَالَ وَالْمَقْصُود ان الحَدِيث الطَّوِيل إِذا رُوِيَ مثلا من وَجْهَيْن مُخْتَلفين من غير مواطأة امْتنع عَلَيْهِ أَن يكون غَلطا كَمَا امْتنع تأن يكون كذبا فَإِن الْغَلَط لَا يكون فِي قصَّة طَوِيلَة متنوعة وَإِنَّمَا يكون فِي بَعْضهَا فَإِذا روى هَذَا قصَّة طَوِيلَة متنوعة وَرَوَاهَا الآخر مثل مَا رَوَاهَا الأول من غير مواطأة امْتنع الْغَلَط فِي جَمِيعهَا كَمَا امْتنع الْكَذِب فِي جَمِيعهَا من غير مواطأة وَلِهَذَا إِنَّمَا يَقع فِي مثل ذَلِك غلط فِي بعض مَا جرى فِي الْقِصَّة مثل حَدِيث اشْتِرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَعِير من جَابر فَإِن من تَأمل طرقه علم قطعا أَن الحَدِيث صَحِيح وَإِن كَانُوا قد اخْتلفُوا فِي مِقْدَار الْيمن وَقد بَين البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فَإِن جُمْهُور مَا فِي البُخَارِيّ وَمُسلم مِمَّا يقطع بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه لِأَن غالبه من هَذَا وَلِأَنَّهُ قد تَلقاهُ أهل الْعلم بِالْقبُولِ والتصديق وَالْأمة لَا تَجْتَمِع على خطأ فَلَو كَانَ الحَدِيث كذبا فِي نفس الْأَمر وَالْأمة مصدقة لَهُ قَابِلَة لَهُ لكانوا قد أَجمعُوا على تَصْدِيق مَا هُوَ فِي نفس الْأَمر كذب وَهَذَا إِجْمَاع على الْخَطَأ وَذَلِكَ مُمْتَنع وَإِن كُنَّا نَحن بِدُونِ الْإِجْمَاع نجوز الْخَطَأ أَو الْكَذِب على الْخَبَر فَهُوَ كتجويزنا قبل أَن نعلم الْإِجْمَاع على الحكم الَّذِي ثَبت بِظَاهِر أَو قِيَاس ظَنِّي أَن يكون

الْحق فِي الْبَاطِن بِخِلَاف مَا اعتقدناه فَإِذا أَجمعُوا على الحكم جزمنا بِأَن الحكم ثَابت بَاطِنا وظاهرا وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُور الْعلم من جَمِيع الطوائف على أَن خبر الْوَاحِد إِذا تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ أَو عملا بِهِ أَنه يُوجب الْعلم وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذكره المصنفون فِي أصُول الْفِقْه من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد إِلَّا فرقة قَليلَة من الْمُتَأَخِّرين اتبعُوا فِي ذَلِك طَائِفَة من أهل الْكَلَام أَنْكَرُوا ذَلِك وَلَكِن كثير من أهل الْكَلَام أَكْثَرهم يوافقون الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث وَالسَّلَف على ذَلِك وَهُوَ قَول أَكثر الأشعرية كَأبي إِسْحَاق ابْن فورك وَأما ابْن الباقلاني فَهُوَ الَّذِي أنكر ذَلِك وَاتبعهُ مثل أبي الْمَعَالِي وَأبي حَامِد وَابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ وَابْن الْخَطِيب والآمدي وَنَحْو هَؤُلَاءِ وَالْأول هُوَ الَّذِي ذكره الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَأَبُو الطّيب وَأَبُو إِسْحَاق وَأَمْثَاله من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وَهُوَ الَّذِي ذكره القَاضِي عبد الْوَهَّاب وَأَمْثَاله من الْمَالِكِيَّة وَهُوَ الَّذِي ذكره شمس الدّين السَّرخسِيّ وَأَمْثَاله من الْحَنَفِيَّة وَهُوَ الَّذِي ذكره أَبُو يعلى وَأَبُو الْخطاب وَأَبُو الْحسن بن الزَّاغُونِيّ وأمثالهم من الحنبلية وَإِذا كَانَ الْإِجْمَاع على تَصْدِيق الْخَبَر مُوجبا للْقطع بِهِ فالاعتبار فِي ذَلِك بِإِجْمَاع أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ كَمَا أَن الِاعْتِبَار فِي الْإِجْمَاع على الْأَحْكَام بِإِجْمَاع أهل الْعلم بِالْأَمر وَالنَّهْي وَالْإِبَاحَة وَالْمَقْصُود هُنَا أَن تعدد الطّرق مَعَ عدم التشاعر والاتفاق فِي الْعَادة

يُوجب الْعلم بمضمون الْمَنْقُول لَكِن هَذَا ينْتَفع بِهِ كثيرا من علم أَحْوَال الناقلين وَفِي مثل هَذَا ينْتَفع بِرِوَايَة الْمَجْهُول والسيىء الْحِفْظ والْحَدِيث الْمُرْسل وَنَحْو ذَلِك وَلِهَذَا كَانَ أهل الْعلم يَكْتُبُونَ مثل هَذِه الْأَحَادِيث وَيَقُولُونَ إِنَّه يصلح للشواهد وَالِاعْتِبَار مَا لَا يلح لغيره قَالَ أَحْمد قد أكتب حَدِيث الرجل لأعتبره وَمثل هَذَا بِعَبْد الله بن لَهِيعَة قَاضِي مصر فَإِنَّهُ كَانَ من أَكثر النَّاس حَدِيثا وَمن خِيَار النَّاس لَكِن بِسَبَب احتراق كتبه وَقع فِي حَدِيثه الْمُتَأَخر غلط فَصَارَ يعْتَبر بذلك وَيسْتَشْهد بِهِ وَكَثِيرًا مَا يقْتَرن هُوَ وَاللَّيْث بن سعد وَاللَّيْث حجَّة ثَبت غمام وكما أَنهم يستشهدون ويعتبرون بِحَدِيث الرذي فِيهِ سوء حفظ فَإِنَّهُم أَيْضا يضعفون من حَدِيث الثِّقَة الصدوق الضَّابِط أَشْيَاء يتَبَيَّن لَهُم غلطه فِيهَا بِأُمُور يستدلون بهَا ويسمون هَذَا علم علل الحَدِيث وَهُوَ من أشرف علومهم بِحَيْثُ يكون الحَدِيث قد رَوَاهُ ثِقَة ضَابِط وَغلط فِيهِ وغلطه فِيهِ عرف إِمَّا بِسَبَب ظَاهر أَو خَفِي كَمَا عرفُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم وَأَنه صلى فِي الْبَيْت رَكْعَتَيْنِ وَجعلُوا رِوَايَة ابْن عَبَّاس لتزوجها حَلَالا ولكونه لم يصل مِمَّا وَقع فِيهِ الْغَلَط وَكَذَلِكَ أَنه اعْتَمر أَربع عمر وَعَلمُوا أَن قَول ابْن عمر إِنَّه اعْتَمر فِي رَجَب مِمَّا وَقع فِيهِ الْغَلَط وَعَلمُوا أَنه تمتّع وَهُوَ آمن فِي حجَّة الْوَدَاع وَأَن قَول عُثْمَان لعَلي كُنَّا يَوْمئِذٍ خَائِفين مِمَّا وَقع فِيهِ الْغَلَط وان مَا وَقع فِي بعض طرق البُخَارِيّ أَن النَّار لَا تمتلئ حَتَّى ينشئ الله لَهَا خلقا آخر مِمَّا وَقع فِيهِ الْغَلَط وَهَذَا كثير وَالنَّاس فِي هَذَا الْبَاب طرفان طرف من أهل الْكَلَام وَنَحْوهم مِمَّن هُوَ بعيد عَن معرفَة الحَدِيث وَأَهله لَا يُمَيّز بَين الصَّحِيح والضعيف فيشك فِي صِحَة أَحَادِيث أَو فِي الْقطع بهَا مَعَ كَونهَا مَعْلُومَة مَقْطُوعًا بهَا عِنْد أهل الْعلم بِهِ

وطرف مِمَّن يَدعِي اتِّبَاع الحَدِيث وَالْعَمَل بِهِ كلما وجد لفظا فِي حَدِيث قد رَوَاهُ ثِقَة أَو رأى حَدِيثا بِإِسْنَاد ظَاهره الصِّحَّة يُرِيد أَن يَجْعَل ذَلِك من جنس مَا جزم أهل الْعلم بِصِحَّتِهِ حَتَّى إِذا عَارض الصَّحِيح الْمَعْرُوف أَخذ يتَكَلَّف لَهُ التأويلات الْبَارِدَة أَو يَجعله دَلِيلا فِي مسَائِل الْعلم مَعَ أَن أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يعْرفُونَ أَن مثل هَذَا غلط وكما أَن على الحَدِيث أَدِلَّة يعلم بهَا انه صدق وَقد يقطع بذلك فَعَلَيهِ أَدِلَّة يعلم بهَا انه كذب وَيقطع بذلك مثل مَا يقطع بكذب مَا يرويهِ الوضاعون من أهل الْبدع والغلو فِي الْفَضَائِل وخلاصة مَا يتَعَلَّق بِهِ الْغَرَض فِي هَذِه الْمقَالة أَن جُمْهُور مَا فِي البُخَارِيّ وَمُسلم من الْأَحَادِيث مِمَّا يقطع بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه لِأَنَّهُ قد رُوِيَ من وَجْهَيْن مُخْتَلفين من غير مواطأة وَمَا كَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُ فِي الْعَادة يُوجب الْعلم بِصِحَّة الرِّوَايَة وَلِأَنَّهُ قد تَلقاهُ أهل الْعلم بِالْقبُولِ وَالْمرَاد بِأَهْل الْعلم هُنَا أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ كَمَا ان المُرَاد بِأَهْل الْعلم فِي أَمر الْأَحْكَام أهل الْعلم بِالْأَمر وَالنَّهْي وَأَن أهل الْعلم كَمَا قد يستشهدون بِحَدِيث السَّيئ الْحِفْظ والمجهول ويعتبرون بِهِ لما فِي تعدد الطّرق من تَقْوِيَة الظَّن فِي صِحَة الرِّوَايَة قد يحكمون بِضعْف حَدِيث الثِّقَة الصدوق الضَّابِط بِأَسْبَاب تحملهم على ذَلِك وَيُسمى الْعلم الَّذِي يعرف بِهِ مثل هَذَا بِعلم علل الحَدِيث وَهُوَ من أشرف علومهم وَكَثِيرًا مَا وقفُوا بِسَبَبِهِ على غلط وَقع فِي حَدِيث رَوَاهُ ثِقَة ضَابِط وَمن ذَلِك مَا وَقع فِي بعض طرق البُخَارِيّ أَن النَّار لَا تمتلئ حَتَّى ينشئ الله لَهَا خلقا آخر وَهَذَا مِمَّا وَقع فِيهِ الْغَلَط وَمثل هَذَا كثير وَالنَّاس فِي هَذَا الْأَمر طرفان طرف يشك فِي صِحَة أَحَادِيث أَو فِي الْقطع بهَا مَعَ كَونهَا مَعْلُومَة عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَهَؤُلَاء فريق من أهل الْكَلَام وطرف كلما وجد حَدِيثا رُوِيَ بِإِسْنَاد ظَاهره الصِّحَّة جعله من جنس مَا جزم أهل الْعلم بِصِحَّتِهِ فَإِذا عَارض حَدِيثا صَحِيحا مَعْرُوفا أَخذ يتأوله بتأويلات بَارِدَة وَهَؤُلَاء وَهَؤُلَاء فريق مِمَّن ينتمي إِلَى الحَدِيث

وكما أَن على الحَدِيث الصَّحِيح أَدِلَّة يعلم بهَا انه صَحِيح النِّسْبَة وَقد تصل الْأَدِلَّة فِي الْقُوَّة إِلَى أَن توصل إِلَى علم الْيَقِين كَذَلِك عل الحَدِيث الَّذِي لَيْسَ بِصَحِيح أَدِلَّة يعرف بهَا حَاله وَقد أوردنا فِيمَا سبق مقَالَة تتَعَلَّق بتفرق النَّاس فِي أَمر الحَدِيث إِلَى ثَلَاثَة وَبينا حَال كل فرقة مِنْهَا جعلنَا الله من الْفرْقَة الْوُسْطَى بيمنه وَقد تعرض فِي الْجَواب بطرِيق العر 1 لذكر شَيْء مِمَّا وَقع فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من الْوَهم فِي الرِّوَايَة حَيْثُ قَالَ وَقد يُقَال إِن مَا بدل من أَلْفَاظ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فَفِي نفس التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مَا يدل على تبديله وَبِهَذَا يحصل الْجَواب عَن شُبْهَة من يَقُول إِنَّه لم يُبدل شَيْء من ألفاظهما فَإِنَّهُم يَقُولُونَ إِذا كَانَ التبديل قد وَقع فِي أَلْفَاظ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل قبل مبعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعلم الْحق من الْبَاطِل فَسقط الِاحْتِجَاج بهما وَوُجُوب الْعَمَل بهما على أهل الْكتاب فَلَا يذمون حِينَئِذٍ على ترك اتباعهما وَالْقُرْآن قد ذمهم على ترك الحكم بِمَا فيهمَا وَاسْتشْهدَ بِمَا فيهمَا فِي مَوَاضِع وَجَوَاب ذَلِك أَن مَا وَقع من التبديل قَلِيل وَالْأَكْثَر لم يُبدل وَالَّذِي لم يُبدل فِيهِ أَلْفَاظ صَرِيحَة بَينه فِي الْمَقْصُود تبين غلط مَا خالفها وَلها شَوَاهِد ونظائر مُتعَدِّدَة يصدق بَعْضهَا بَعْضًا بِخِلَاف الْمُبدل فَإِنَّهُ أَلْفَاظ قَليلَة وَسَائِر نُصُوص الْكتب يناقضها وَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَة كتب الحَدِيث المنقولة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ إِذا وَقع فِي سنَن أبي دَاوُد أَبُو التِّرْمِذِيّ أَو غَيرهمَا أَحَادِيث قَليلَة ضَعِيفَة كَانَ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يبين ضعف تِلْكَ بل وَكَذَلِكَ صَحِيح مُسلم فِيهِ أَلْفَاظ قَليلَة علط فِيهَا الرَّاوِي وَفِي نفس الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مَعَ الْقُرْآن مَا يبين غلطها

مثل مَا رُوِيَ إِن الله خلق التربة يَوْم السبت وَجعل خلق الْمَخْلُوقَات فِي الْأَيَّام السَّبْعَة فَإِن هَذَا الحَدِيث قد بَين أَئِمَّة الحَدِيث كيحيى بن معِين وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهم وَأَنه لَيْسَ من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل صرح البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير أَنه من كَلَام كَعْب الْأَحْبَار كَمَا قد بسط فِي مَوْضِعه وَالْقُرْآن يدل على غلط هَذَا وَبَين أَن الْخلق فِي سِتَّة أَيَّام وَثَبت فِي الصَّحِيح أَن آخر الْخلق كَانَ يَوْم الْجُمُعَة فَيكون أول الْخلق يَوْم الْحَد وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْكُسُوف بكوعين أَو ثَلَاثَة فَإِن الثَّابِت الْمُتَوَاتر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو وَغَيرهم حَدِيث الثَّلَاثَة والأربع فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا صلى الْكُسُوف مرّة وَاحِدَة وَفِي حَدِيث الثَّلَاث والأربع انه صلاهَا يَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم ابْنه وَأَحَادِيث الركوعين كَانَت ذَلِك الْيَوْم فَمثل هَذَا الْغَلَط إِذا وَقع كَانَ فِي نفس الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مَا يبين أَنه غلط وَالْبُخَارِيّ إِذا روى الحَدِيث بطرق فِي بَعْضهَا غلط فِي بعض الْأَلْفَاظ ذكر مَعهَا الطّرق الَّتِي تبين ذَلِك الْغَلَط كَمَا قد بسطنا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه اهـ تَنْبِيه مَا ذهب إِلَيْهِ هَذَا الْمُحَقق من أَن مَا وَقع فِي بعض طرق البُخَارِيّ فِي حَدِيث تحاج الْجنَّة وَالنَّار من أَن النَّار لَا تمتلئ حَتَّى حَتَّى ينشئ الله لَهَا خلقا آخر مِمَّا وَقع فِيهِ الْغَلَط قد مَال إِلَيْهِ كثير من الْمُحَقِّقين كالبلقيني وَغَيره وَمن الْغَرِيب فِي ذَلِك محاولة بعض الأغمار مِمَّن لَيْسَ لَهُ إِلْمَام بِهَذَا الْفَنّ لَا من جِهَة الرِّوَايَة وَلَا من جِهَة الدِّرَايَة لنسبة الْغَلَط إِلَيْهِ كَأَنَّهُ ظن أَن النَّقْد قد سد بَابه على كل أحد أَو ظن أَن النَّقْد من جِهَة الْمَتْن لَا يسوغ لِأَنَّهُ يخْشَى أَن يدْخل مِنْهُ أَرْبَاب الْأَهْوَاء

وَلم يدر أَن النَّقْد إِذا أجري على الْمنْهَج الْمَعْرُوف لم يستنكر وَقد وَقع ذَلِك لكثير من أَئِمَّة الحَدِيث مثل الْإِسْمَاعِيلِيّ فَإِنَّهُ بعد أَن ورد حَدِيث يلقى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ آزر يَوْم الْقِيَامَة وعَلى وَجه آزر قترة الحَدِيث قَالَ وَهَذَا خبر فِي صِحَّته نظر من جِهَة أَن إِبْرَاهِيم عَالم بِأَن الله لَا يخلف الميعاد فَكيف يَجْعَل مَا بِأَبِيهِ خزيا لَهُ مَعَ إخْبَاره بِأَن الله قد وعده ان لَا يجْزِيه يَوْم يبعثون وَعلمه بِأَن لَا خلف لوعده فَانْظُر كَيفَ أعل الْمَتْن بِمَا ذكر فَإِن قلت إِن كثيرا مِمَّا انتقدوه من هَذَا النَّوْع يُمكن تَأْوِيله بِوَجْه يدْفع النَّقْد قلت إِذا أمكن التَّأْوِيل على وَجه يعقل فَلَا كَلَام فِي ذَلِك وَإِن كَانَ على وَجه لَا يعقل لم يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَو فتح هَذَا الْبَاب أمكن حمل كل عبارَة على خلاف مَا تدل عَلَيْهِ وَلذَا قَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول إِن فِي الْأَحَادِيث مَا لَا تجوز نسبته إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغير ظَاهرهَا بعيد عَن فَصَاحَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ وروينا عَن مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَمن خطه نقلت قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر الْحميدِي بِبَغْدَاد يَقُول قَالَ لنا أَبُو مُحَمَّد بن حزم مَا وجدنَا للْبُخَارِيّ وَمُسلم فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئا لَا يحْتَمل مخرجا إِلَّا حديثين لكل وَاحِد مِنْهُمَا حَدِيث تمّ عَلَيْهِ فِي تَخْرِيجه الْوَهم مَعَ إتقانهما وحفظهما وَصِحَّة معرفتهما فَذكر من عِنْد البُخَارِيّ حَدِيث شريك فِي الْإِسْرَاء وَأَنه قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ وَفِيه شقّ صَدره قَالَ ابْن حزم والآفة من شريك

وَذكر الحَدِيث الثَّانِي عِنْد مُسلم حَدِيث عِكْرِمَة بن عمار عَن أبي زميل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا نَبِي الله ثَلَاث أعطنيهن قَالَ نعم الحَدِيث قَالَ ابْن حزم هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا شكّ فِي وَضعه والآفة فِيهِ من عِكْرِمَة بن عمار

الفائدة السادسة

الْفَائِدَة السَّادِسَة فِيمَا يتَعَلَّق بِالصَّحِيحِ الزَّائِد على الصَّحِيحَيْنِ وَقد ذكرنَا فِيمَا سبق أَن الشَّيْخَيْنِ لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزما ذَلِك فَمن أَرَادَ معرفَة الصَّحِيح الزَّائِد على مَا فيهمَا فلطلبه فِي الْكتب المصنفة فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد وَفِي الْكتب المستخرجات على الصَّحِيحَيْنِ وَفِي كَلَام جهابذة الْمُحدثين فَإِذا نصوا على صِحَة حَدِيث أَخذ بِهِ المصنفات فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد أما المصنفات فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد فَمِنْهَا الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَافِظِ

أبي عبد الله الْحَاكِم فَإِنَّهُ أودعهُ مَا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا رأى أَنه مُوَافق لشرطيهما أَو شَرط أَحدهمَا وَمَا أدّى اجْتِهَاده إِلَى تَصْحِيحه وَإِن لم يكن على شَرط وَاحِد مِنْهُمَا مُشِيرا إِلَى الْقسم الول بقوله هَذَا صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو على شَرط البُخَارِيّ أَو على شَرط مُسلم وَإِلَى الْقسم الثَّانِي بقوله هَذَا صَحِيح الْإِسْنَاد وَرُبمَا أورد فِيهِ مَا لم يَصح عِنْده منبها على ذَلِك وَهُوَ متساهل فِي التَّصْحِيح وَقد لخص الذَّهَبِيّ مُسْتَدْركه وَأَبَان مَا فِيهِ من ضعف أَو مُنكر وَهُوَ كثير وَجمع جُزْءا فِي الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهِ وَهِي مَوْضُوعَة وَهِي نَحْو مئة وَقَالَ أَبُو سعد الْمَالِينِي طالعت الْمُسْتَدْرك الَّذِي أَلفه الْحَاكِم من أَوله إِلَى آخِره فَلم أر فِيهِ حَدِيثا على شرطيهما قَالَ الذَّهَبِيّ هَذَا إِسْرَاف وغلو من الْمَالِينِي وَإِلَّا فَفِيهِ جملَة وافرة على شرطيهما وَجُمْلَة كَثِيرَة على شَرط أَحدهمَا وَلَعَلَّ مَجْمُوع ذَلِك نَحْو نصف الْكتاب وَفِيه نَحْو الرّبع مِمَّا صَحَّ سَنَده وَفِيه بعض الشَّيْء وَمَا بَقِي وَهُوَ نَحْو الرّبع فَهُوَ مَنَاكِير واهيات لَا تصح وَفِي بعض ذَلِك مَوْضُوعَات وَهَذَا المر مِمَّا يتعجب مِنْهُ فَإِن الْحَاكِم كَانَ من الْحفاظ البارعين فِي هَذَا الْفَنّ وَيُقَال إِن السَّبَب فِي ذَلِك أَنه صنفه فِي أَوَاخِر عمره وَقد اعترته غَفلَة وَكَانَ ميلاده فِي سنة 321 ووفاته فِي سنة 405 فَيكون عمره أَرْبعا وَثَمَانِينَ سنة وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِنَّمَا وَقع للْحَاكِم التساهل لِأَنَّهُ سود الْكتاب لينقحه فعالجته الْمنية وَلم يَتَيَسَّر لَهُ تحريره وتنقيحه قَالَ وَقد وجدت فِي قريب نصف الْجُزْء الثَّانِي من تجزئة سِتَّة من الْمُسْتَدْرك إِلَى هُنَا انْتهى إملاء الْحَاكِم قَالَ وَمَا عدا ذَلِك من الْكتاب لَا يُؤْخَذ عَنهُ إِلَّا بطرِيق الْإِجَازَة والتساهل فِي الْقدر المملى قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بعده وَمُرَاد الْحَاكِم بقوله هَذَا صَحِيح على شرطيهما أَن يكون رجال ذَلِك الْإِسْنَاد الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بذلك قد روى الشَّيْخَانِ عَنْهُم فِي كِتَابَيْهِمَا وَيُؤَيّد ذَلِك

تصرف الْحَاكِم فِي كِتَابه فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الحَدِيث الَّذِي عِنْده مِمَّا قد أخرج الشَّيْخَانِ مَعًا أَو أَحدهمَا لرواته قَالَ هَذَا صَحِيح على شرطيهما أَو شَرط أَحدهمَا وَإِذا كَانَ مِمَّا لم يخرج الشَّيْخَانِ لجَمِيع رُوَاته قَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد فَقَط وَيظْهر لَك ذَلِك مِمَّا تكلم بِهِ فِي حَدِيث من طَرِيق أبي عُثْمَان فَإِنَّهُ حكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ صَحِيح الْإِسْنَاد ثمَّ قَالَ وَأَبُو عُثْمَان هَذَا لَيْسَ هُوَ النَّهْدِيّ وَلَو كَانَ النَّهْدِيّ لحكمت بِأَن الحَدِيث على شرطيهما وَإِذا خَالف الْحَاكِم ذَلِك فِي بعض الْمَوَاضِع حمل على السَّهْو وَالنِّسْيَان الَّذِي كَانَ يَعْتَرِيه إِذْ ذَاك كثيرا وَلَا يُنَافِي ذَلِك قَوْله فِي خطْبَة مُسْتَدْركه وَأَنا أستعين الله تَعَالَى على إِخْرَاج أَحَادِيث رواتها ثِقَات قد احْتج بِمِثْلِهَا الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا لِأَن المثلية قد تكون فِي العيان وَقد تكون فِي الْأَوْصَاف إِلَّا أَنَّهَا فِي الأول مجَاز وَفِي الثَّانِي حَقِيقَة فَاسْتعْمل الْمجَاز حَيْثُ قَالَ عقب مَا يكون عَن نفس رواتهما هَذَا صَحِيح الْإِسْنَاد قَالَ رجل لشريح إِنِّي قلت لهَذَا اشْتَرِ لي مثل هَذَا الثَّوْب الَّذِي مَعَك فاشتري ذَلِك الثَّوْب بِعَيْنِه فَقَالَ شُرَيْح لَا شَيْء أشبه بالشَّيْء من الشَّيْء عينه وألزمه بِأخذ الثَّوْب وتتحقق المثلية فِي الْأَوْصَاف بِأَن يكون من لم يخرج عَنهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مثل من خرجا عَنهُ فيهمَا أَو أَعلَى مِنْهُ وَالظَّاهِر أَنه يُرِيد بالمثلية عِنْدهمَا لَا عِنْد

غَيرهمَا وَيعرف ذَلِك إِمَّا بنصهما على أَن فلَانا مثل فلَان أَو أرفع مِنْهُ وقلما يُوجد لَك وَإِمَّا بالألفاظ الدَّالَّة على مَرَاتِب التَّعْدِيل كَأَن يَقُول فِي بعض من احتجا بِهِ ثق أَو ثَبت أَو صَدُوق أَو لَا بَأْس بِهِ أَو غير لَك من أَلْفَاظ التَّعْدِيل ثمَّ يُوجد عَنْهُمَا أَنَّهُمَا مثل ذلم أَو أَعلَى مِنْهُ فِي بعض من لم يخرجَا لَهُ فِي كِتَابَيْهِمَا لِأَن أَلْفَاظ الْجرْح وَالتَّعْدِيل هِيَ معيار مَرَاتِب الروَاة وَقَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ قَالَ النَّوَوِيّ إِن المُرَاد بقَوْلهمْ على شرطيهما أَن يكون رجال إِسْنَاده فِي كِتَابَيْهِمَا لِأَن لَيْسَ لَهما شَرط فِي كِتَابَيْهِمَا وَلَا فِي غَيرهمَا وَقد أَخذ هَذَا من ابْن الصّلاح فَإِنَّهُ لما ذكر كتاب الْمُسْتَدْرك للْحَاكِم قَالَ إِنَّه أودعهُ مَا رَآهُ على شَرط الشَّيْخَيْنِ قد أَخْرجَاهُ عَن رُوَاته فِي كِتَابَيْهِمَا إِلَى آخر كَلَامه وعَلى هَذَا عمل ابْن دَقِيق الْعِيد فَإِنَّهُ ينْقل عَن الْحَاكِم تَصْحِيحه لحَدِيث على شَرط البُخَارِيّ مثلا ثمَّ يتَعَرَّض عَلَيْهِ بِأَن فِيهِ فلَانا وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ وَكَذَلِكَ فعل الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك وَلَيْسَ ذَلِك مِنْهُم بجيد فَإِن الْحَاكِم صرح فِي خطْبَة كِتَابه الْمُسْتَدْرك بِخِلَاف مَا فهموه عَنهُ فَقَالَ وَأَنا أستعين الله تَعَالَى على إِخْرَاج أَحَادِيث أَي بِمثل رواتها لَا بهم أنفسهم وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِمثل تِلْكَ الْأَحَادِيث وَإِنَّمَا تكون مثلهَا إِذا كَانَت بِنَفس رواتها وَفِيه نظر وَقَالَ وَلَكِن هُنَا أَمر فِيهِ غموض لَا بُد من الْإِشَارَة أَنهم لَا يكتفون فِي التَّصْحِيح بِمُجَرَّد حَال الرَّاوِي فِي الْعَدَالَة والاتصال من غير نظر إِلَى غَيره بل ينظرُونَ فِي حَاله مَعَ من روى عَنهُ فِي كَثْرَة ملازمته لَهُ أَو قلتهَا أَو كَونه من بَلَده ممارسا لحديثه أَو غَرِيبا عَن بلد من اخذ عَنهُ وَهَذِه أُمُور تظهر بتصفح كَلَامهم وعملهم فِي ذَلِك قَالَ الْحَافِظ مَا اعْترض بِهِ شَيخنَا على ابْن دَقِيق الْعِيد والذهبي لَيْسَ بجيد

لِأَن الْحَاكِم اسْتعْمل لَفظه فِي أَعم من الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي الْأَسَانِيد والمتون دلّ على ذَلِك صنعه فَإِنَّهُ تَارَة يَقُول على شَرطهمَا وَتارَة على شَرط البُخَارِيّ وَتارَة على شَرط مُسلم وَتارَة صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا يعزوه لأَحَدهمَا وَأَيْضًا فَلَو قصد بِكَلِمَة مثل مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ حَتَّى يكون المُرَاد وَاحْتج بغَيْرهَا مِمَّن فيهم من الصِّفَات مثل مَا فِي الروَاة الَّذين خرجا عَنْهُم لم يقل قطّ على شَرط البُخَارِيّ فَإِن شَرط مُسلم دونه فَمَا كَانَ على شَرطه فَهُوَ على شَرطهمَا لِأَنَّهُ حوى شَرط مُسلم وَزَاد قَالَ ووراء ذَلِك كُله أَن يرْوى إِسْنَاد ملفق من رجالهما كسماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فسماك على شَرط مُسلم فَقَط وَعِكْرِمَة انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ وَالْحق أَن هَذَا لَيْسَ على شَرط وَاحِد مِنْهُمَا وأدق من هَذَا أَن يرويا عَن أنس ثِقَات ضعفوا فِي أنَاس مخصوصين من غير حَدِيث الَّذين ضعفوهم فيهم فَيَجِيء عَنْهُم حَدِيث من طَرِيق من ضعفوا فِيهِ بِرِجَال كلهم فِي الْكِتَابَيْنِ أَو أَحدهمَا فنسبته انه على شَرط من خرج لَهُ غلط طان يُقَال فِي هشيم عَن الزُّهْرِيّ كل من هشيم وَالزهْرِيّ خرجا لَهُ فَهُوَ على شرطيهما فَيُقَال بل لَيْسَ على شَرط وَاحِد مِنْهُمَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا أخرجَا عَن هشيم من غير حَدِيث الزُّهْرِيّ فَإِنَّهُ ضعف فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ دخل عَلَيْهِ فَأخذ عَنهُ عشْرين حَدِيثا فَلَقِيَهُ صَاحب لَهُ وَهُوَ رَاجع فَسَأَلَهُ رُؤْيَته وَكَانَت ثمَّ ريح شَدِيدَة فَذَهَبت بالأوراق فَصَارَ هشيم يحدث بِمَا علق مِنْهَا بذهنه وَلم يكن أتقن حفظهما فَوَهم فِي أَشْيَاء مِنْهَا فضعف فِي الزُّهْرِيّ بِسَبَبِهَا وَكَذَا همام ضَعِيف فِي ابْن جريح مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا أخرجَا لَهُ لَكِن لم يرجا لَهُ عَن ابْن جريح شَيْئا فعلى من يَعْزُو إِلَى شَرطهمَا أَو شَرط وَاحِد مِنْهُمَا أَن يَسُوق ذَلِك السَّنَد بنسق رِوَايَة من نسب إِلَى شَرطه وَلَو فِي مَوضِع من كِتَابه وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي شرح مُسلم من حكم لشخص بِمُجَرَّد رِوَايَة مُسلم عَنهُ فِي صَحِيحه بِأَنَّهُ من شَرط

الصَّحِيح فقد غفل وَأَخْطَأ بل لَك مُتَوَقف على النّظر فِي كَيْفيَّة رِوَايَة مُسلم عَنهُ وعَلى أَي وَجه اعْتمد عَلَيْهِ وَقد اخْتلف فِي حكم مَا انْفَرد الْحَاكِم بِتَصْحِيحِهِ فَقَالَ ابْن الصّلاح الأولى أَن نتوسط فِي أمره فَنَقُول مَا حكم بِتَصْحِيحِهِ وَلم نجد ذَلِك فِيهِ لغيره من الْأَئِمَّة إِن لم يكن من قبيل الْحسن يحْتَج بِهِ وَيعْمل بِهِ إِلَّا أَن تظهر فِيهِ عِلّة توجب ضعفه ويقاربه فِي حكمه صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان البستي اهـ وَظَاهر هَذَا الْكَلَام أَن مَا انْفَرد بِتَصْحِيحِهِ وَلم يكن لغيره فِيهِ حكم ان يَجْعَل دائرا بَين الصَّحِيح وَالْحسن احْتِيَاطًا وَقد ظن بَعضهم ان كَلَامه دلّ على انه يحكم عَلَيْهِ بالْحسنِ فَقَط فنسب إِلَيْهِ التحكم فِي هَذَا الحكم وَقَالَ كثير من الْمُحدثين إِن مَا انْفَرد الْحَاكِم بِتَصْحِيحِهِ يبْحَث عَنهُ وَيحكم عَنهُ وَيحكم عَلَيْهِ بِمَا يقْضِي بِهِ حَاله من الصِّحَّة أَو الْحسن أَو الضعْف وَالَّذِي حمل ابْن الصّلاح على مَا قَالَ هُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ من أَن أَمر التَّصْحِيح قد انْقَطع وَلم يبْق لَهُ أهل وَالصَّحِيح أَنه لم يَنْقَطِع وانه سَائِغ لمن كملت عِنْده أدواته وَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَمن الْكتب المصنفة فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد صَحِيح الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَهُوَ شيخ ابْن حبَان الْقَائِل فِيهِ مَا رَأَيْت على وَجه الأَرْض من يحسن صناعَة السّنَن ويحفظ ألفاظها الصِّحَاح وزياداتها حَتَّى كَانَ السّنَن كلهَا بَين عيينه غَيره وَصَحِيحه أَعلَى مرتبَة من صَحِيح ابْن حبَان لشدَّة تحريه حَتَّى إِنَّه يتَوَقَّف فِي التَّصْحِيح لأدنى كَلَام فِي الْإِسْنَاد وَقد فقد أَكْثَره من زمَان وَمن الْكتب المصنفة فِيهِ صَحِيح الإِمَام أبي حَاتِم مُحَمَّد بن حبَان التَّمِيمِي البستي قَالَ الْحَاكِم كَانَ من أوعية الْعلم فِي الْفَقِيه واللغة والْحَدِيث والوعظ وَمن عقلاء الرِّجَال وَقَالَ غَيره كَانَ عَارِفًا بالطب والنجوم وَالْكَلَام وَالْفِقْه رَأْسا فِي معرفَة الحَدِيث وَقد أَنْكَرُوا عَلَيْهِ قَوْله النُّبُوَّة الْعلم وَالْعَمَل وحكموا عَلَيْهِ

بالزندقة وهجروه وَكَتَبُوا فِيهِ إِلَى الْخَلِيفَة فَأمر بقتْله فَنَجَّاهُ الله تَعَالَى ثمَّ نفي من سجستان إِلَى سَمَرْقَنْد وَكَانَت وَفَاته سنه أَربع وَخمسين وَثَلَاث مئة وَاسم مُصَنفه التقاسيم والأنواع وترتيبه مُبْتَدع فَإِنَّهُ لَيْسَ على الْأَبْوَاب وَلَا على المسانيد وَلذَا صَار الْكَشْف مِنْهُ عسيرا وَقد رتبه بعض الْمُتَأَخِّرين على الْأَبْوَاب وَعمل لَهُ الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْعِرَاقِيّ أطرافا وجرد أَبُو الْحسن الهيثمي زوائده على الصَّحِيحَيْنِ فِي كَجلْد وَقد نسبوا لِابْنِ حبَان التساهل فِي التَّصْحِيح إِلَّا أَن تساهله أقل من تساهل أقل من تساهل الْحَاكِم قَالَ الْحَازِمِي كَانَ ابْن حبَان أمكن فِي الحَدِيث من الْحَاكِم وعَلى كل حَال يَنْبَغِي تتبع صحيحيه والبحث عَمَّا فِيهِ وَكَذَلِكَ صَحِيح ابْن خُزَيْمَة فكم فِيهِ من حَدِيث حكم لَهُ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ لَا يرتقي عَن رُتْبَة الْحسن وَأنكر بَعضهم نِسْبَة التساهل إِلَى ابْن حبَان فَقَالَ إِن كَانَت نسبته إِلَى التساهل بِاعْتِبَار وجدان الْحسن فِي كِتَابه فَهِيَ مشاحة فِي الِاصْطِلَاح لنه يُسَمِّيه صَحِيحا وغن كَانَت بِاعْتِبَار خفَّة شُرُوطه فَإِنَّهُ يخرج فِي الصَّحِيح مَا كَانَ رِوَايَة ثِقَة غير مُدَلّس سمع من شَيْخه وَسمع مِنْهُ الْآخِذ عَنهُ وَلَا يكون هُنَاكَ إرْسَال وَلَا انْقِطَاع وَإِذا لم يكن فِي الرَّاوِي جرح وَلَا تَعْدِيل وَكَانَ كل من شَيْخه والراوي عَنهُ ثِقَة وَلم يَأْتِ بِحَدِيث مُنكر فَهُوَ عِنْده ثِقَة وَفِي كتاب الثِّقَات لَهُ كثير مِمَّن هَذِه حَاله وَلأَجل هَذَا رُبمَا اعْترض عَلَيْهِ فِي جعلهم ثِقَات من لم يعرف اصْطِلَاحه وَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا مشاحة فِي ذَلِك فَابْن حبَان فِي ذَلِك فَابْن حبَان وفى بِمَا الْتَزمهُ من الشُّرُوط بِخِلَاف الْحَاكِم

المستخرجات على الصحيحين

وَمن الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي الصَّحِيح الْمُجَرّد السّنَن الصِّحَاح لسَعِيد بن السكن وَمن مظان الصَّحِيح المختارة لِلْحَافِظِ ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي وَهُوَ أحسن من الْمُسْتَدْرك وَلكنهَا لم تكمل وَهِي مرتبَة على المسانيد المستخرجات على الصَّحِيحَيْنِ الاستخراج أَن يعمد حَافظ إِلَى صَحِيح البُخَارِيّ مثلا فيورد أَحَادِيثه حَدِيثا حَدِيثا بأسانيد لنَفسِهِ غير مُلْتَزم فِيهَا ثِقَة الروَاة من غير طَرِيق البُخَارِيّ إِلَى أَن يلتقي مَعَه فِي شَيْخه أَو فِيمَن فَوْقه لَكِن لَا يسوغ للمخرج أَن يعدل عَن الطَّرِيق الَّتِي يقرب فِيهَا اجتماعه مَعَ مُصَنف الأَصْل إِلَى الطَّرِيق الْبَعِيدَة إِلَّا لغَرَض مُهِمّ من علو أَو زِيَادَة مهمة اَوْ نَحْو ذَلِك وَرُبمَا ترك الْمُسْتَخْرج أَحَادِيث لم يجد لَهُ بهَا إِسْنَادًا مرضيا وَرُبمَا علقها عَن بعض رواتها وَرُبمَا ذكرهَا من طَرِيق صَاحب الأَصْل وَقد اعتنى كثير من الْحفاظ بالاستخراج لما فِيهِ من الْفَوَائِد المهمة وَقصرُوا ذَلِك غَالِبا على صَحِيح البُخَارِيّ وصحيح مُسلم لِكَوْنِهِمَا الْعُمْدَة فِي هَذَا الْعلم وَمِمَّنْ استخرج على صَحِيح البُخَارِيّ أَبُو بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد البرقاني وَمِمَّنْ استخرج على صَحِيح مُسلم أَبُو جَعْفَر أَحْمد النَّيْسَابُورِي وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن رَجَاء النَّيْسَابُورِي وَهُوَ مِمَّن يُشَارك مُسلما فِي أَكثر شُيُوخه وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله الجوزقي وَأَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الإسفرائني روى فِيهِ عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَغَيره من شُيُوخ مُسلم قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِن أَبَا عوَانَة يَقُول فِي مستخرجه بعد أَن يَسُوق طرق مُسلم كلهَا من هُنَا لمخرجه ثمَّ يَسُوق أَسَانِيد تَجْتَمِع فِيهَا مَعَ مُسلم فِيمَن فَوق ذَلِك وَرُبمَا قَالَ من هُنَا لم يخرجَاهُ وَلَا يظنّ انه يَعْنِي البُخَارِيّ وَمُسلمًا فَإِنِّي

استقريت صَنِيعه فِي ذَلِك فَوَجَدته يَعْنِي مُسلما وَأَبا الْفضل أَحْمد بن سَلمَة فَإِنَّهُ كَانَ قرين مُسلم وصنف لمثل مُسلم وَمن المستخرجين على كل مِنْهُمَا أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي وَأَبُو عبد الله بن الخرم وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو مُحَمَّد الْخلال وَأَبُو مَسْعُود بن سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْأَصْفَهَانِي وَلأبي بكر بن عَبْدَانِ الشِّيرَازِيّ مستخرج عَلَيْهِمَا فِي مؤلف وَاحِد وَقد استخرج مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَيمن على سنَن أبي دَاوُد وَأَبُو عَليّ الطوسي على سنَن التِّرْمِذِيّ وَأَبُو نعيم على التَّوْحِيد لِابْنِ خُزَيْمَة وللمستخرجات فَوَائِد كَثِيرَة مِنْهَا مَا يَقع من زيادات فِي الْأَحَادِيث الَّتِي يوردونها لم تكن فِي الأَصْل الْمُسْتَخْرج عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَقعت لَهُم تِلْكَ الزِّيَادَات لأَنهم لم يلتزموا إِيرَاد أَلْفَاظ مَا اسْتخْرجُوا عَلَيْهِ بل التزموا إِيرَاد الْأَلْفَاظ الَّتِي وَقعت لَهُم الرِّوَايَة بهَا عَن شيوخهم وَكَثِيرًا مَا تكون مُخَالفَة لَهُم وَقد تقع الْمُخَالفَة فِي الْمَعْنى أَيْضا وَمِنْهَا علو الْإِسْنَاد لِأَن مُصَنف الْمُسْتَخْرج لَو روى حَدِيثا من طَرِيق البُخَارِيّ أَو مُسلم لوقع أنزل من الطَّرِيق الَّذِي رَوَاهُ بِهِ من الْمُسْتَخْرج فَلَو روى أَبُو نعيم مثل حَدِيثا فِي مُسْند أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من طَرِيق مُسلم لَكَانَ بَينه وَبَيِّنَة أبي دَاوُد أَرْبَعَة رجال شَيْخَانِ بَينه وَبَين مُسلم من طَرِيق مُسلم وَشَيْخه فَإِذا رَوَاهُ من غير طَرِيق مُسلم كَانَ بَين أبي نعيم وَبَين أبي دَاوُد رجلَانِ فَقَط لِأَن أَبَا نعيم يرويهِ عَن ابْن فَارس عَن يُونُس بن حبيب عَن أبي دَاوُد وَمِنْهَا تَقْوِيَة الحَدِيث بِكَثْرَة الطّرق وَذَلِكَ بِأَن يضم الْمُسْتَخْرج شخصا آخر فَأكْثر مَعَ الَّذِي حدث مُصَنف الأَصْل عَنهُ وَرُبمَا سَاق لَهُ طرقا أُخْرَى إِلَى الصَّحَابِيّ بعد فَرَاغه من استخراجه كَمَا يصنع أَبُو عوَانَة وَمِنْهَا أَن يكون مُصَنف الصَّحِيح روى عَمَّن اخْتَلَط وَلم يبين هَل سَماع ذَلِك الحَدِيث فِي هَذِه الرِّوَايَة قبل الِاخْتِلَاط اَوْ بعده فيبينه الْمُسْتَخْرج إِمَّا تَصْرِيحًا

حكم الزيادات الواقعة في المستخرجات

عبارَة ابْن الصّلاح وَأما الْمخْرج بِفَتْح الْمِيم فَهُوَ فِي الأَصْل بِمَعْنى مَكَان الْخُرُوج فأطبق على الْموضع الَّذِي ظهر مِنْهُ الحَدِيث وهم الروَاة الَّذين جَاءَ عَنْهُم وَأما التَّخْرِيج فيطلق على مَعْنيين أَحدهمَا إِيرَاد الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ فِي كتاب أَو إملاء وَأكْثر مَا تقع هَذِه الْعبارَة للمغاربة وَالْأولَى أَن يَقُولُوا الْإِخْرَاج كَمَا يَقُوله غَيرهم الثَّانِي عزو الْأَحَادِيث إِلَى من أخرجهَا من الْأَئِمَّة وَمِنْه قيل خرج فلَان أَحَادِيث كتاب كَذَا وَفُلَان لَهُ كتاب فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْإِحْيَاء وَنَحْو ذَلِك حكم الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي المستخرجات ذهب ابْن الصّلاح إِلَى أَن الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي المستخرجات يحكم لَهَا بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهَا مروية بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا وخارجة من ذَلِك الْمخْرج وَاعْترض عَلَيْهِ الْحَافِظ ابْن حجر فِي ذَلِك فَقَالَ هَذَا مُسلم فِي الرجل الَّذِي التقى فِيهِ إِسْنَاد الْمُسْتَخْرج وَإسْنَاد مُصَنف الأَصْل وفيمن بعده وَأما من بَين الْمُسْتَخْرج وَبَين ذَلِك الرجل فَيحْتَاج إِلَى نقد لِأَن الْمُسْتَخْرج لم يلْتَزم الصِّحَّة فِي ذَلِك وَإِنَّمَا جلّ قَصده الْعُلُوّ فَإِن حصل وَقع على غَرَضه فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك صَحِيحا أَو فِيهِ زِيَادَة فَزِيَادَة حسن حصلت اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَلَيْسَ ذَلِك همته قَالَ وَقد وَقع ابْن الصّلاح هُنَا فِيمَا فر مِنْهُ وَهُوَ عدم التَّصْحِيح فِي هَذَا الزَّمَان لِأَنَّهُ أطبق تَصْحِيح هَذِه الزِّيَادَات ثمَّ عللها بتعليل أخص من دَعْوَاهُ وَهُوَ كَونهَا بذلك الْإِسْنَاد وَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ من متلقي الْإِسْنَاد إِلَى منتهاه اهـ وَالْمرَاد بِالزِّيَادَةِ فِي كَلَام ابْن الصّلاح الزِّيَادَة الْوَاقِعَة فِي بعض الْمُتُون الْمَذْكُورَة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا وَأما الزِّيَادَة المستقلة فَلَا تدخل تَحت ذَلِك الحكم على الْإِطْلَاق وَقد وَقع شَيْء مِنْهَا فِي مستخرج أبي عوَانَة على مُسلم قَالَ بعض أهل

الْأَثر قد وَقع فِي مستخرج أبي عوَانَة أَحَادِيث كَثِيرَة زَائِدَة على أَصله وفيهَا الصَّحِيح وَالْحسن بل والضعيف أَيْضا فَيَنْبَغِي التَّحَرُّز فِي الحكم عَلَيْهَا أَيْضا وَأما مَا وَقع فِيهِ وَفِي غَيره من المستخرجات على الصَّحِيحَيْنِ من زِيَادَة فِي أحاديثهما أَو تَتِمَّة لمَحْذُوف أَو نَحْو ذَلِك فَهِيَ صَحِيحَة لَكِن مَعَ وجود الصِّفَات المشترطة فِي الصَّحِيح فِيمَن بَين صَاحب الْمُسْتَخْرج والراوي الَّذِي اجْتمع فِيهِ هُوَ وَصَاحب الأَصْل وللحافظ السُّيُوطِيّ كَلَام مَبْسُوط يتَعَلَّق بِمَا نَحن فِيهِ فَأَحْبَبْت إِيرَاده إتماما للفائدة قَالَ فِي شرح ألفيته مُقْتَضى كَلَام ابْن الصّلاح أَن يُؤْخَذ جَمِيع مَا وجد فِي كتاب ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَغَيرهمَا مِمَّن اشْترط الصَّحِيح بِالتَّسْلِيمِ وَكَذَا مَا يُوجد فِي الْكتب المخرجة على الصَّحِيحَيْنِ وَفِي كل ذَلِك نظر من وَجْهَيْن أما الأول فَلِأَن ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان لم يلتزما ان يخرجَا الصَّحِيح الَّذِي اجْتمعت فِيهِ الشُّرُوط الَّتِي عرفهَا ابْن الصّلاح لِأَنَّهُمَا مِمَّن لَا يرى التَّفْرِقَة بَين الصَّحِيح وَالْحسن وَقد صرح ابْن حبَان بِشَرْطِهِ وحاصلة أَن يكون الرَّاوِي عدلا مَشْهُورا بِالطَّلَبِ غير مُدَلّس سمع مِمَّن فَوْقه إِلَى أَن يَنْتَهِي فَإِن كَانَ يروي من حفظه فَلْيَكُن عَالما بِمَا يحِيل الْمَعْنى فَلم يشْتَرط الضَّبْط وَعدم الشذوذ وَالْعلَّة وَشرط ابْن خُزَيْمَة كَشَرط ابْن حبَان فَإِن ابْن حبَان تَابع لَهُ وناسخ على منواله وَمِمَّا يدل على ذَلِك احتجاجهما بِأَحَادِيث من يخرج لَهُم مُسلم فِي المتابعات فَلَا يُسمى صَحِيحه بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكره ابْن الصّلاح وَإِن كَانَت صَالِحَة للاحتجاج مَا لم يظْهر فِي بَعْضهَا عِلّة قادحة

وَأما الثَّانِي فَلِأَن كتاب أبي عوَانَة وغن سَمَّاهُ بَعضهم مستخرجا فَإِن لَهُ فِيهِ أَحَادِيث مُسْتَقلَّة زَائِدَة وَإِنَّمَا تحصل الزِّيَادَة فِي أثْنَاء بعض الْمُتُون وَالْحكم بِصِحَّتِهَا مُتَوَقف على أَحْوَال رُوَاته فَرب حَدِيث يُخرجهُ البُخَارِيّ من طَرِيق أَصْحَاب الزُّهْرِيّ مِمَّن لم يتَكَلَّم فِيهِ فاستخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق آخر عَن أَصْحَاب الزُّهْرِيّ بِزِيَادَة فِيهِ وَذَلِكَ الآخر مِمَّن تكلم فِيهِ وَلَا يحْتَج بِهِ وَلَا بِزِيَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يتَوَقَّف الحكم بِصِحَّة الزِّيَادَة على ثُبُوت الصِّفَات المشترطة فِي الصَّحِيح للرواة الَّذين بَين صَاحب الْمُسْتَخْرج وَبَين مَا اجْتمع فِيهِ كالأصل الَّذِي استخرج عَلَيْهِ اهـ تَنْبِيه قَالَ ابْن الصّلاح الْكتب المخرجة على كتاب البُخَارِيّ اَوْ كتاب مُسلم رَضِي الله عَنْهُمَا لم يلْتَزم مصنفوها فِيهَا موافقتهما فِي أَلْفَاظ الحَدِيث بِعَينهَا من غير زِيَادَة ونقصان لكَوْنهم رووا تِلْكَ الْأَحَادِيث من غير جِهَة البُخَارِيّ وَمُسلم طلبا لعلو الْإِسْنَاد فَحصل فِيهَا بعض التَّفَاوُت فِي الْأَلْفَاظ وَهَكَذَا مَا أخرجه المؤلفون فِي تصانيفهم المستقلة كالسنن الْكُبْرَى للبيهقي وَشرح السّنة لأبي مُحَمَّد الْبَغَوِيّ وَغَيرهمَا مِمَّا قَالُوا فِيهِ أخرجه البُخَارِيّ أَو مُسلم فَلَا يُسْتَفَاد من ذَلِك أَكثر من أَن البُخَارِيّ أَو مُسلما أخرج أصل ذَلِك الحَدِيث مَعَ احْتِمَال أَن يكون بَينهمَا تفَاوت فِي اللَّفْظ وَرُبمَا كَانَ تَفَاوتا فِي بعض الْمَعْنى فقد وجدت فِي ذَلِك مَا فِيهِ بعض التَّفَاوُت من حَيْثُ الْمَعْنى وَإِذا كَانَ الْأَمر فِي ذَلِك على هَذَا فَلَيْسَ لَك أَن تنقل حَدِيثا مِنْهَا وَتقول هُوَ على هَذَا الْوَجْه فِي كتاب البُخَارِيّ أَو كتاب مُسلم إِلَّا ان تقَابل لَفظه أَو يكون الَّذِي خرجه قد قَالَ أخرجه البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ بِخِلَاف الْكتب المختصرة من الصَّحِيحَيْنِ فَإِن مصنفها نقلوا فِيهَا أَلْفَاظ الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا غير أَن الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ للحميدي الأندلسي مِنْهَا يشْتَمل على زِيَادَة تتمات لبَعض الْأَحَادِيث كَمَا قدمنَا ذكره فَرُبمَا نقل من لَا يُمَيّز بعض مَا يجده فِيهِ عَن الصَّحِيحَيْنِ اَوْ أَحدهمَا وَهُوَ مُخطئ لكَونه من تِلْكَ الزِّيَادَات الَّتِي لَا وجود لَهَا فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ اهـ

وَقَالَ بعض الباحثين فِي هَذَا المر إِن الْحميدِي قد ميز فِي الْأَكْثَر تِلْكَ الزِّيَادَات من أَلْفَاظ الصَّحِيح فَإِنَّهُ يَقُول بعد سِيَاق الحَدِيث اقْتصر مِنْهُ البُخَارِيّ على كَذَا وَزَاد فِيهِ البرقاني مثلا كَذَا أَو نَحْو ذَلِك وَعدم التَّمْيِيز إِنَّمَا وَقع على الْأَقَل فَإِنَّهُ قد يَسُوق الحَدِيث نَاقِلا لَهُ من مستخرج البرقاني أَو غَيره ثمَّ يَقُول اخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ فَأخْرج طرفا مِنْهُ وَلَا يبين الْقدر الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ فيلتبس الْأَمر على الْوَاقِف عَلَيْهِ وَلَا يَزُول عَنهُ اللّبْس إِلَّا بِالرُّجُوعِ إِلَى أَصله فارتفع عَنهُ الملام فِي الْأَكْثَر وَأما الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ لعبد الْحق فَإِنَّهُ أَتَى فِيهِ بِأَلْفَاظ الصَّحِيحَيْنِ فلك أَن تنقل مِنْهُ وتعزو ذَلِك لِلصَّحِيحَيْنِ أَو لأَحَدهمَا وَقد تساهل فِي نِسْبَة الحَدِيث إِلَى الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا أَيْضا أَكثر المخرجين للمشيخات والمعاجم والمرتبين على الْأَبْوَاب فَإِنَّهُم يوردون الحَدِيث بأسانيدهم ثمَّ يصرحون بعد انْتِهَاء سِيَاقه غَالِبا بعزوه إِلَى البُخَارِيّ اَوْ مُسلم أَو إِلَيْهِمَا مَعًا مَعَ اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ وَغَيرهَا يُرِيدُونَ أَصله فلينتبه لذَلِك هَذَا وَلابْن حزم مقَالَة فِي تَرْتِيب كتب الحَدِيث جرى فِيهَا على مَا ظهر لَهُ فِي ذَلِك ذكرهَا فِي كتاب مَرَاتِب الدّيانَة وَقد أورد السُّيُوطِيّ خلاصتها فِي كتاب التَّقْرِيب فَقَالَ وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ قَالَ أولى الْكتب الصحيحان ثمَّ صَحِيح سعد بن السكن والمنتقى لِابْنِ الْجَارُود والمنتقى لقاسم بن أصغ ثمَّ بعد هَذِه الْكتب أبي دَاوُد وَكتاب النَّسَائِيّ ومصنف قَاسم بن أصبغ ومصنف الطَّحَاوِيّ ومسند احْمَد وَالْبَزَّار وَأبي بكر وَعُثْمَان ابْني أبي شيبَة ومسند ابْن رَاهَوَيْه وَالطَّيَالِسِي وَالْحسن بن سُفْيَان والمستدرك

وَابْن سنجر وَيَعْقُوب بن شيبَة وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَابْن أبي عزْرَة وَمَا جرى مجْراهَا من الْكتب الَّتِي أفردت لكَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صرفا ثمَّ بعْدهَا الْكتب الَّتِي فِيهَا كَلَامه وكرم غَيره ثمَّ كَانَ فِيهِ الصَّحِيح فَهُوَ أجل مثل مُصَنف عبد الرَّزَّاق ومصنف ابْن أبي شيبَة ومصنف بَقِي بن مخلد وَكتاب مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي وَكتاب ابْن الْمُنْذر ثمَّ مُصَنف حَمَّاد بن سَلمَة ومصنف سعيد بن مَنْصُور ومصنف وَكِيع ومصنف الزريابي وموطأ مَالك وموطأ ابْن أبي ذِئْب وموطأ ابْن وهب ومسائل ابْن حَنْبَل وَفقه أبي عبيد وَفقه أبي ثَوْر وَمَا كَانَ من هَذَا النمط مَشْهُورا كَحَدِيث شُعْبَة وسُفْيَان وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ والْحميدِي وَابْن مهْدي ومسدد وَمَا جرى مجْراهَا فَهَذِهِ طبقَة موطأ مَالك بَعْضهَا أجمع للصحيح مِنْهُ وَبَعضهَا مثله وَبَعضهَا دونه وَلَقَد أحصيت مَا فِي حَدِيث شُعْبَة من الصَّحِيح فَوَجَدته ثَمَان مئة حَدِيث ونيفا مُسْنده ومرسلا يزِيد على المئتين وأحصيت مَا فِي موطأ مَالك وَمَا فِي حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَوجدت فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا من الْمسند خمس ومئة ونيفا مُسْندًا وَثَلَاث مئة مُرْسلا ونيفا وَفِيه نَيف وَسَبْعُونَ حَدِيثا قد ترك مَالك نَفسه الْعَمَل بهَا وفيهَا أَحَادِيث ضَعِيفَة وهاها جُمْهُور الْعلمَاء اهـ وَقَالَ الْخَطِيب وَغَيره إِن الْمُوَطَّأ مقدم على كل كتاب من الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد فعلى هَذَا هُوَ بعد صَحِيح الْحَاكِم وَهُوَ رِوَايَات كَثِيرَة وأكبرها رِوَايَة القعْنبِي وَقد روى الْمُوَطَّأ عَن مَالك جماعات كَثِيرَة وَبَين رواياتهم اخْتِلَاف من تَقْدِيم وَتَأْخِير وَزِيَادَة ونقصان وَمن أكبرها وأكثرها زيادات رِوَايَة ابْن مُصعب قَالَ ابْن حزم فِي رِوَايَة ابْن مُصعب هَذَا زِيَادَة على سَائِر الموطآت نَحْو مئة حَدِيث

المبحث الثاني

المبحث الثَّانِي فِي الحَدِيث الْحسن الحَدِيث بِالنّظرِ إِلَى الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ فَقَط صَحِيح وَغير صَحِيح فَالصَّحِيح هُوَ مَا ثبتَتْ صِحَة نسبته إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَغير الصَّحِيح هُوَ مَا ثَبت عدم صِحَة نسبته إِلَيْهِ وَهُوَ بِالنّظرِ إِلَيْنَا يَنْقَسِم إِلَى أَكثر من ذَلِك وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يُمكن تقسيمه على أوجه شَتَّى مثل أَن يُقَال الحَدِيث إِمَّا أَن تعلم صِحَّته مثل الْمَشْهُور الَّذِي احتفت بِهِ قَرَائِن تفِيد الْعلم وغما أَن يعلم عدم صِحَّته مثل الموضوعات الَّتِي تخَالف مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ سَوَاء كَانَ نقليا أَو عقليا وَإِمَّا أَن لَا يعلم صِحَّته وَلَا عدم صِحَّته مثل الْأَحَادِيث الضعيفة وَنَحْوهَا وَمثل أَن يُقَال الحَدِيث إِمَّا أَن تترجح صِحَّته أَو يتَرَجَّح عدم صِحَّته أَو لَا يتَرَجَّح شَيْء مِنْهُمَا وَمثل أَن يُقَال الحَدِيث إِمَّا أَن تعلم صِحَّته أَو يغلب على الظَّن ذَلِك فِيهِ وَإِمَّا أَن يعلم عدم صِحَّته أَو يغلب على الظَّن ذَلِك فِيهِ وَإِمَّا أَن لَا يغلب على الظَّن شَيْء مِنْهُمَا بِحَيْثُ يبْقى الذِّهْن مترددا فِيهِ وَقد قسم كثير من الْمُتَقَدِّمين إِلَى قسمَيْنِ فَقَط صَحِيح وَضَعِيف وأدرجوا الْحسن فِي الصَّحِيح لمشاركته لَهُ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ

وقسمه الْخطابِيّ إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام وَذَلِكَ فِي معالم السّنَن حَيْثُ قَالَ الحَدِيث عِنْد أَهله ثَلَاثَة أَقسَام صَحِيح وَحسن وَسَقِيم فَالصَّحِيح مَا اتَّصل سَنَده وَعدلت نقلته وَالْحسن مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله وَعَلِيهِ مدَار أَكثر الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء وتستعمله عَامَّة الْفُقَهَاء والسقيم على ثَلَاث طَبَقَات شَرها الْمَوْضُوع ثمَّ المقلوب ثمَّ الْمَجْهُول قَالَ الْعِرَاقِيّ فِي نكته لم أر من سبق الْخطابِيّ إِلَى التَّقْسِيم الْمَذْكُور وَإِن كَانَ فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين ذكر الْحسن وَهُوَ مَوْجُود فِي كَلَام الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ وَجَمَاعَة وَلَكِن الْخطابِيّ نقل التَّقْسِيم عَن أهل الحَدِيث وَهُوَ إِمَام ثِقَة فَتَبِعَهُ ابْن الصّلاح

وَالْمرَاد بِأَهْل الحَدِيث هُنَا أَكْثَرهم وَيُمكن إبقاؤه على عُمُومه نظرا لاستقرار اتِّفَاقهم على ذَلِك بعد الِاخْتِلَاف وَاخْتلف فِي حد الْحسن فَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَده كل حَدِيث يرْوى لَا يكون فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ وَلَا يكون الحَدِيث شاذا ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن ذكر ذَلِك فِي كتاب الْعِلَل وَهُوَ فِي آخر جَامعه وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يخص الْحسن بِصفة تميزه عَن الصَّحِيح فَإِن الصَّحِيح أَيْضا لَا يكون شاذا وَلَا تكون رُوَاته متهمين وَيبقى عَلَيْهِ أَنه اشْترط فِي الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه وَلم يشْتَرط ذَلِك فِي الصَّحِيح وَأجِيب بِأَن التِّرْمِذِيّ قد ميز الْحسن عَن الصَّحِيح بشيئين أَحدهمَا كَون رَاوِيه قاصرا عَن دَرَجَة رَاوِي الصَّحِيح وَهُوَ ان يكون غير مُتَّهم بِالْكَذِبِ وراوي الصَّحِيح لَا بُد أَن يكون ثِقَة وَفرق بَين قَوْلنَا فلَان غير مُتَّهم بِالْكَذِبِ وَبَين قَوْلنَا ثِقَة الثَّانِي مَجِيئه من غير وَجه وَقَالَ الْخطابِيّ فِي حَده الْحسن مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَته تَلْخِيص مُهِمّ وَأَيْضًا فَالصَّحِيح قد عرف مخرجه واشتهر رِجَاله فَيَقْتَضِي أَن يدْخل فِي حد الْحسن وَكَأَنَّهُ يُرِيد مِمَّا لم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح وَقَالَ بَعضهم إِن قَوْله فِي أَثَره وَعَلِيهِ مدَار أَكثر الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء ويستعمله عَامَّة الْفُقَهَاء هُوَ من تَتِمَّة الْحَد وَبِذَلِك يخرج الصَّحِيح

الَّذِي دخل فِيمَا قبله فَإِن الصَّحِيح يقبله جَمِيع الْعلمَاء بِخِلَاف الْحسن فَإِن بَعضهم لَا يقبله رُوِيَ عَن ابْن أبي حَاتِم أَنه قَالَ سَأَلت أبي عَن حَدِيث فَقَالَ إِسْنَاد حسن فَقلت يحْتَج لَهُ قَالَ لَا وَقد حاول بَعضهم أَن يَجْعَل حد الْخطابِيّ مُوَافقا لحد التِّرْمِذِيّ فَقَالَ قَول الْخطابِيّ مَا عرف مخرجه هُوَ كَقَوْل التِّرْمِذِيّ ويروى من غير وَجه وَقَول الْخطابِيّ اشْتهر رِجَاله يَعْنِي بالسلامة من وصمة الْكَذِب هُوَ كَقَوْل التِّرْمِذِيّ وَلَا يكون فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ وَأما قَول التِّرْمِذِيّ وَلَا يكون شاذا فَهُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ فِي عبارَة الْخطابِيّ لِأَن عرفان الْمخْرج يُنَافِي الشذوذ وَقَالَ بَعضهم إِن عرفان الْمخْرج لَا يُنَافِي الشذوذ لِأَن الشاذ قد أبرز فِيهِ جَمِيع رِجَاله قد عرف فِيهِ مخرج الحَدِيث ذ لَا يدرى من سقط وَلَا يخفى مَا فِي تطبيق أحد الحدين عَن الآخر من التَّكَلُّف لَا سِيمَا بعد أَن تبين أَن التِّرْمِذِيّ قد حد أحد قسمي الْحسن وَهُوَ الْحسن لغيره والخطابي قد حد الْقسم الآخر وَهُوَ الْحسن لذاته وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي حَده مَا فِيهِ ضعف قريب مُحْتَمل هُوَ الحَدِيث الْحسن وَيصْلح الْبناء عَلَيْهِ وَالْعَمَل بِهِ وَاعْترض على هَذَا الْحَد بِأَنَّهُ لَيْسَ مضبوطا بضابط يتَمَيَّز بِهِ الْقدر الْمُحْتَمل من غَيره وَقَالَ بَعضهم مَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ مَبْنِيّ على ان معرفَة الْحسن مَوْقُوفَة على معرفَة الصَّحِيح والضعيف لِأَن الْحسن وسط بَينهمَا

وَقَالَ بَعضهم لما توَسط الْحسن بَين الصَّحِيح والضعيف عسر تَعْرِيفه وَصَارَ مَا ينقدح فِي نفس الْحَافِظ قد تقصر عِبَارَته عَنهُ وَقَالَ بَعضهم إِنَّه لَا مطمع فِي تَمْيِيز الْحسن من غَيره تمييزا يشفي الغليل غير أَن من برع فِي هَذَا الْفَنّ يُمكنهُ أَن يقرب على الطَّالِب مطلبه وَقد اعتنى ابْن الصّلاح بإيضاح حد الْحسن بِقدر الِاسْتِطَاعَة فَقَالَ بعد أَن أورد الْحُدُود الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة هُنَا قلت كل هَذَا مستبهم لَا يشفي الغليل وَلَيْسَ فِيمَا ذكره التِّرْمِذِيّ والخطابي مَا يفصل الْحسن من الصَّحِيح وَقد أمعنت النّظر فِي ذَلِك والبحث جَامعا بَين أَطْرَاف كَلَامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح ان الحَدِيث الْحسن قِسْمَانِ أَحدهمَا الَّذِي لَا يَخْلُو رجال إِسْنَاده من مَسْتُور لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته غير أَنه لَيْسَ مغفلا كثير الْخَطَأ فِيمَا يرويهِ وَلَا هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ فِي الحَدِيث أَي لم يظْهر مِنْهُ تعمد الْكَذِب فِي الحَدِيث وَلَا سَبَب آخر مفسق وَيكون متن الحَدِيث مَعَ ذَلِك قد عرف بِأَن رُوِيَ مثله أَو نَحوه من وَجه آخر أَو اكثر حَتَّى اعتضد بمتابعة من تَابع رَاوِيه على مثله أَو بِمَا لَهُ من شَاهد وَهُوَ وُرُود حَدِيث آخر بِنَحْوِهِ فَيخرج بذلك عَن أَن يكون شاذا أَو مُنْكرا وَكَلَام التِّرْمِذِيّ على هَذَا الْقسم يتنزل الْقسم الثَّانِي أَن يكون رَاوِيه من الْمَشْهُورين بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة غير انه لم يبلغ دَرَجَة رجال الصَّحِيح لكَونه يقصر عَنْهُم فِي الْحِفْظ والإتقان وَهُوَ مَعَ ذَلِك يرْتَفع عَن حَال من يعد مَا ينْفَرد بِهِ من حَدِيثه مُنْكرا وَيعْتَبر فِي كل هَذَا مَعَ سَلامَة الحَدِيث من ان يكون شاذا أَو مُنْكرا سَلَامَته من أَن يكون مُعَللا وعَلى هَذَا الْقسم يتنزل كَلَام الْخطابِيّ فَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ جَامع لما تفرق فِي كَلَام من بلغنَا كَلَامه فِي ذَلِك وَكَانَ التِّرْمِذِيّ ذكر أحد نَوْعي الْحسن وَذكر الْخطابِيّ النَّوْع الآخر مُقْتَصرا كل وَاحِد مِنْهُمَا على مَا رأى أَنه يشكل معرضًا عَمَّا رأى أَنه لَا يشكل أَو انه غفل عَن الْبَعْض

وَذهل وَالله اعْلَم هَذَا تأصيل ذَلِك وتوضيحه اهـ وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جعل الْحسن عِنْد التِّرْمِذِيّ مَقْصُورا على رِوَايَة المستور وَلَيْسَ كَذَلِك بل يشْتَرك مَعَه الضَّعِيف بِسَبَب سوء الْحِفْظ والموصوف بالغلط وَالْخَطَأ والمختلط بعد اخْتِلَاطه والمدلس إِذا عنعن وَمَا فِي إِسْنَاده انْقِطَاع ضَعِيف فأحاديث هَؤُلَاءِ من قبيل الْحسن عِنْده إِذا وجدت الشُّرُوط الثَّلَاثَة وَهِي أَن لَا يكون فِي الْإِسْنَاد من يتهم بِالْكَذِبِ وَأَن لَا يكون الحَدِيث شاذا وَأَن يرْوى مثل ذَلِك أَو نَحوه من وَجه آخر فَصَاعِدا وَلَيْسَت كلهَا فِي دَرَجَة وَاحِدَة بل بَعْضهَا أقوى من بعض وَمِمَّا يُقَوي هَذَا أَنه لم يتَعَرَّض لاشْتِرَاط اتِّصَال الْإِسْنَاد وَلذَا وصف كثيرا من الْأَحَادِيث المنقطعة بالْحسنِ وَأما قَوْله وَكَانَ التِّرْمِذِيّ ذكر أحد نَوْعي الْحسن وَذكر الْخطابِيّ الآخر مُقْتَصرا كل وَاحِد مِنْهُمَا على مَا رأى أَنه يشكل معرضًا عَمَّا رأى أَنه لَا يشكل أَو انه غفل عَن الْبَعْض وَذهل فَقَالَ بَعضهم فِيهِ إِن الْخطابِيّ لَا يُطلق اسْم الْحسن إِلَّا على النَّوْع الَّذِي ذكره وَهُوَ النَّوْع الَّذِي يُسَمِّيه من يَجْعَل الْحسن قسمَيْنِ باسم الْحسن لذاته وَأما النَّوْع الَّذِي تَركه وَهُوَ الَّذِي يُسمى عِنْدهم بالْحسنِ لغيره فَهُوَ من قبيل الضَّعِيف عِنْده فَتَركه لذَلِك لَا لما ذكر وَيظْهر أَن التِّرْمِذِيّ أَيْضا إِذا أطلق اسْم الْحسن فَإِنَّمَا يُرِيد بِهِ النَّوْع الَّذِي ذكره وَهُوَ الَّذِي يُسمى عِنْدهم بالْحسنِ لغيره وَأما النَّوْع الَّذِي تَركه فَهُوَ عِنْده من قبيل الصَّحِيح فَتَركه أَيْضا لذَلِك لَا لما ذكر وَهَذَا لَا يُنَافِي إِطْلَاق اسْم الْحسن على هَذَا النَّوْع إِذا وجدت قرينَة تدل على ذَلِك وَأما قَول بَعضهم إِن التِّرْمِذِيّ قد صحّح جملَة من الْأَحَادِيث لَا ترقى عَن رُتْبَة الْحسن مَعَ انه مِمَّن يفرق بَين الصَّحِيح وَالْحسن فَإِن فِيهِ إبهاما فَإِن أَرَادَ أَنه حكم بِصِحَّة أَحَادِيث هِيَ فِي رُتْبَة الْحسن لغيره فالاعتراض عَلَيْهِ وَارِد وَإِن أَرَادَ أَنه حكم

بِصِحَّة أَحَادِيث هِيَ فِي رُتْبَة الْحسن لذاته فالاعتراض عَلَيْهِ غير وَارِد فَإِن كثيرا من الْمُحدثين يدْخلهُ فِي الصَّحِيح ويجعله فِي أدنى مراتبه وَلذَا قَالُوا إِن من سمى الْحسن صَحِيحا لَا يُنكر أَنه دون الصَّحِيح الْمُقدم الْمُبين أَولا فَهَذَا إِذا اخْتِلَاف فِي الْعبارَة دون الْمَعْنى وَلذَا يبين من إمعان النّظر فِي هَذِه وتتبع مواردها أَن الْمُحدثين الَّذين رَأَوْا أَنه يَنْبَغِي أَن يَجْعَل بَين الصَّحِيح والضعيف وَاسِطَة عمد بَعضهم إِلَى قسم من أَقسَام الصَّحِيح وَهُوَ الصَّحِيح الَّذِي فِيهِ شَيْء من الضعْف فأنزله دَرَجَة وَجعله وَاسِطَة بَينهمَا وَسَماهُ بالْحسنِ فَتقبل المتبعون لآثارهم لذَلِك بِقبُول حسن فَجعلُوا اسْم الْحسن شَامِلًا للنوعين مَعًا غير أَنهم رَأَوْا أَن يفرقُوا بَينهمَا للاحتياج إِلَى ذَلِك فسموا الْقسم الَّذِي كَانَ مدرجا فِي الضَّعِيف باسم الْحسن لغيره وَقد حاول محاولون أَن يحدوا الْحسن مُطلقًا مَعَ اخْتِلَاف أَمرهمَا فَقَالَ بَعضهم الْحسن هُوَ الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده بالصدوق الضَّابِط الَّذِي لَيْسَ بتام الضَّبْط أَو بالضعيف الَّذِي لم يتهم بِالْكَذِبِ إِذا عضد عاضد مَعَ السَّلامَة من الشذوذ وَالْعلَّة وَقَالَ بَعضهم الْحسن مَا خلا من الْعِلَل وَكَانَ فِي سَنَده الْمُتَّصِل إِمَّا راو مَسْتُور لَهُ بِهِ شَاهد أَو راو مَشْهُور قَاصِر عَن كَمَال الإتقان وَقَالَ بَعضهم الْحسن مُسْند من قرب من دَرَجَة الثِّقَة أَو مُرْسل ثِقَة رُوِيَ من غير وَجه وَسلم من شذوذ وَعلة وَأما الْحسن لذاته فقد عرفه بَعضهم فَقَالَ هُوَ الحَدِيث الَّذِي فِيهِ عِلّة وَلَا

شذوذ إِذا اتَّصل إِسْنَاده برواة معروفين بِالْعَدَالَةِ والضبط غير أَن فِي ضبطهم قصورا عَن ضبط رُوَاة الصَّحِيح فَجعله هُوَ وَالصَّحِيح سَوَاء إِلَّا فِي تفَاوت الضَّبْط فراوي الصَّحِيح يشْتَرط أَن يكون مَوْصُوفا بالضبط التَّام وراوي الْحسن لَا يشْتَرط أَن يكون ضابطا فِي الْجُمْلَة بِحَيْثُ لَا يكون مغفلا وَلَا كثير الْخَطَأ وَأما سَائِر شُرُوط الصَّحِيح فَإِنَّهُ لَا بُد مِنْهَا فِي الْحسن لذاته وَقد وجد فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين إِطْلَاق الْحسن على مَا ذكر وعَلى غَيره قَالَ ابْن عدي فِي تَرْجَمَة سَلام بن سُلَيْمَان الْمَدَائِنِي حَدِيثه مُنكر وعامته حسان إِلَّا أَنه لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَقيل لشعبة لأي شَيْء لَا تروي عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان الْعَزْرَمِي وَهُوَ حسن الحَدِيث فَقَالَ من حسنه فَرَرْت وكأنهما أَرَادَا الْمَعْنى اللّغَوِيّ وَهُوَ حسن الْمَتْن وَرُبمَا أطلق على الْغَرِيب قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إِذا اجْتَمعُوا كَرهُوا أَن يخرج الرجل حسان أَحَادِيثه قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِنَّه عَنى الغرائب وَوجد للشَّافِعِيّ إِطْلَاقه فِي الْمُتَّفق على صِحَّته وَلابْن الْمَدِينِيّ فِي الْحسن لذاته وللبخاري فِي الْحسن لغيره وَبِالْجُمْلَةِ فَالتِّرْمِذِي هُوَ الَّذِي أَكثر من التَّعْبِير بالْحسنِ ونوه بِذكرِهِ وَلَكِن حَيْثُ ثَبت اخْتِلَاف الْأَئِمَّة فِي مَعْنَاهُ حِين إِطْلَاقه فَلَا يسوغ إِطْلَاق القَوْل بالاحتجاج بِهِ بل لَا بُد من النّظر فِي ذَلِك فَمَا كَانَ مِنْهُ منطبقا على الْحسن لذاته سَاغَ الِاحْتِجَاج بِهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ منطبقا على الْحسن لغيره ينظر فِيهِ فَمَا كثرت طرقه يسوغ الِاحْتِجَاج بِهِ وَمَا لَا فَلَا

فوائد تتعلق بمبحث الحديث الحسن

فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث الحَدِيث الْحسن الْفَائِدَة الأولى فِي أَن بعض الْأَحَادِيث قد يعرض لَهَا من الْأَحْوَال مَا يرفعها من درجتها إِلَى الدرجَة الَّتِي هِيَ فَوْقهَا قد يعرض لبَعض الْأَحَادِيث أَحْوَال تورثها قُوَّة وَبِذَلِك قد يرْتَفع الضَّعِيف من دَرَجَته إِلَى دَرَجَة الْحسن وَقد يرْتَفع الْحسن من دَرَجَته إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح وَلَيْسَ هَذَا الحكم خَاصّا بالضعيف وَالْحسن بل يَشْمَل الصَّحِيح أَيْضا بِاعْتِبَار تنوع درجاته إِلَّا أَن بحثنا الْآن إِنَّمَا يتَعَلَّق بهما فَقَط فَنَقُول إِن الحَدِيث الضَّعِيف قد يكون ضعفه مُمكن الزَّوَال وَقد يكون غير مُمكن الزَّوَال فَإِن كَانَ مُمكن الزَّوَال وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَ الضعْف ناشئا من ضعف حفظ بعض رُوَاته مَعَ كَونه من أهل الصدْق والديانة فَإِذا جَاءَ مَا رَوَاهُ من وَجه آخر عرفنَا أَنه قد حفظه وَلم يخْتل فِيهِ ضَبطه فيرتفع بذلك من دَرَجَة الضَّعِيف إِلَى دَرَجَة الْحسن وَمثل ذَلِك مَا إِذا كَانَ ضعفه ناشئا من جِهَة الْإِرْسَال كَمَا فِي الْمُرْسل الَّذِي يُرْسِلهُ إِمَام حَافظ فَإِن ضعفه يَزُول بروايته من وَجه خر فيرتفع بذلك من دَرَجَة الضَّعِيف إِلَى دَرَجَة الْحسن وَمثل الْإِرْسَال التَّدْلِيس أَو جَهَالَة بعض الرِّجَال وَإِن كَانَ ضعفه غير مُمكن الزَّوَال كالضعف ينشأ من كَون الرَّاوِي مُتَّهمًا بِالْكَذِبِ أَو كَون الحَدِيث شاذا فَإِن ضعفه لَا يَزُول بروايته من وَجه آخر فَلَا يرْتَفع بذلك من دَرَجَة الضَّعِيف إِلَى دَرَجَة الْحسن كَحَدِيث من حفظ على أمتِي

أَرْبَعِينَ حَدِيثا بَعثه الله يَوْم الْقِيَامَة فِي زمرة الْفُقَهَاء فقد اتَّفقُوا على ضعفه مَعَ كَثْرَة طرقه قَالَ بعض الْحفاظ إِن هَذَا النَّوْع قد تكْثر فِيهِ الطّرق وغن كَانَت قَاصِرَة عَن دَرَجَة الِاعْتِبَار حَتَّى يرتقي عَن رُتْبَة الْمُنكر الَّذِي لَا يجوز الْعَمَل بِهِ بِحَال إِلَى رُتْبَة الضَّعِيف الَّذِي يجوز الْعَمَل بِهِ فِي الْفَضَائِل وَرُبمَا صَارَت تِلْكَ الطّرق الْوَاهِيَة بِمَنْزِلَة الطَّرِيق الَّتِي فِيهَا ضعف يسير بِحَيْثُ لَو فرض مَجِيء ذَلِك الحَدِيث بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف يسير صَار مرتقيا من رُتْبَة الضَّعِيف إِلَى رُتْبَة الْحسن لغيره وكما قد يرتقي بعض الْأَحَادِيث من دَرَجَة الضَّعِيف إِلَى الْحسن قد يرتقي يعضها من دَرَجَة الْحسن إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح وَذَلِكَ فِي الْحسن لذاته فَإنَّك قد عرفت انه هُوَ وَالصَّحِيح سَوَاء لَا فرق بَينهمَا إِلَّا فِي أَمر وَاحِد وَهُوَ الضَّبْط فَإِن رُوَاته لَا يشْتَرط فيهم أَن يبلغُوا فِي الضَّبْط الدرجَة المشترطة فِي رُوَاة الصَّحِيح فَإِذا جَاءَ الحَدِيث الْحسن لذاته من وَجه آخر انجبر مَا فِيهِ من خفَّة الضَّبْط فيرتقي بذلك من دَرَجَته وَهِي الدرجَة الأولى من قسمي الْحسن إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح وَهِي الدرجَة الْأَخِيرَة مِنْهُ وَيُسمى هَذَا النَّوْع بِالصَّحِيحِ لغيره وَهَذَا النَّوْع غير دَاخل فِي حد الصَّحِيح الَّذِي سبق ذكره وَلذَا قَالَ بَعضهم وَأورد على هَذَا التَّعْرِيف أَن الْحسن إِذا رُوِيَ من غير وَجه ارْتقى من دَرَجَة الْحسن إِلَى دَرَجَة الصِّحَّة وَهُوَ غير دَاخل فِي هَذَا الْحَد وَأجَاب بَان الْمَحْدُود هُوَ الصَّحِيح لذاته لَا لغيره وَمَا أورد من قبيل الثَّانِي وَاعْترض على ابْن الصّلاح بِأَنَّهُ اعتنى بالْحسنِ فَجعله قسمَيْنِ أَحدهمَا الْحسن لذاته وَالْآخر الْحسن لغيره فَكَانَ يَنْبَغِي ان يعتني بِالصَّحِيحِ وينبه على ان لَهُ قسمَيْنِ

أَيْضا أَحدهمَا الصَّحِيح لذاته وَالْآخر الصَّحِيح لغيره فَإِن كَانَ اقْتِصَاره على تَعْرِيف الصَّحِيح لذاته فِي بَابه وَذكر الصَّحِيح لغيره فِي نوع الْحسن مَبْنِيا على أَنه أَصله فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يقْتَصر على تَعْرِيف الْحسن لذاته فِي بَابه ويكر الْحسن لغيره فِي نوع الضَّعِيف لِأَنَّهُ أَصله وَلَا يخفى أَن الْخطب فِي هَذَا الْأَمر سهل وَقد كثر اعْتِرَاض أنَاس على ابْن الصّلاح من جِهَة تَرْتِيب كِتَابه فَإِنَّهُم قَالُوا إِنَّه لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي وَفِي هَذَا الِاعْتِرَاض نظر فَإِن كِتَابه أملاه شَيْئا بعد شَيْء قَاصِدا بذلك أَن يجمع فِي كِتَابه مَا أمكنه جمعه من مسَائِل هَذَا الْفَنّ الَّتِي كَانَت مفرقة فِي كتب شَتَّى فَهُوَ أول من جمعه فِي كتاب وَاحِد حَتَّى صَار سهل المنال بعد أَن كَانَ لَا يحصله إِلَّا أَفْرَاد من أَرْبَاب الهمم الْعَالِيَة الَّذين لَهُم بِهِ ولوع شَدِيد حَتَّى لم يمنعهُم تَفْرِقَة من ان يجمعوه فِي صُدُورهمْ وَمثله لَا يَتَيَسَّر لَهُ حسن التَّرْتِيب لِأَن ذَلِك يعوقه عَن إتْمَام الْجمع والتأليف وَأمر التَّرْتِيب بعد ذَلِك سهل يقدر على الْقيام بِهِ من هُوَ أدنى مِنْهُ بمراتب وَهَذَا أَمر مُقَرر مَعْرُوف على أَن هَؤُلَاءِ المعترضين فيهم كثير من أَرْبَاب الْفضل والنبل فَكَانَ حَقهم أَن يقومُوا بِهَذَا الْأَمر المهم ويكتفوا مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى بقيامه الَّذِي هُوَ أهم على ان كِتَابه مُرَتّب فِي الْجُمْلَة بِحَيْثُ إِنَّه لَيْسَ فِيهِ تشويش من الاستفادة والإفادة وَذَلِكَ مَعَ انسجام عِبَارَته ولطف إِشَارَته نعم ذكر أَشْيَاء فِي مَوَاضِع رُبمَا كَانَ غَيرهَا أَشد مُنَاسبَة مِنْهَا إِلَّا أَن ذَلِك قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره وعَلى كل حَال فالمعترضون معترفون بفضله وتقدمه فِي ذَلِك وَكَثِيرًا مَا يكون الِاعْتِرَاض دَلِيلا على علو مقَام الْمُعْتَرض عَلَيْهِ أجزل الله لَهُم جَمِيعًا الثَّوَاب وَالْأَجْر وَأبقى لَهُم فِي الْعَالمين حسن الذّكر

الفائدة الثانية

الْفَائِدَة الثَّانِيَة فِي بَيَان الْكتب الَّتِي يَهْتَدِي بهَا إِلَى معرفَة الحَدِيث الْحسن قَالَ ابْن الصّلاح كتاب أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ أصل فِي معرفَة الحَدِيث الْحسن وَهُوَ الَّذِي نوه باسمه وَأكْثر من ذكره فِي جَامعه وَيُوجد فِي متفرقات من كَلَام بعض مشايخه والطبقة الَّتِي قبله كأحمد بن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا وتختلف النّسخ من كتاب التِّرْمِذِيّ فِي قَوْله هَذَا حَدِيث حسن وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَنَحْو ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن تصحح أصلك مِنْهُ بِجَمَاعَة أصُول وتعتمد على مَا اتّفقت عَلَيْهِ وَنَصّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه على كثير من ذَلِك وَمن مظانه سنَن أبي دَاوُد فقد روينَا انه قَالَ ذكرت فِيهِ الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ وَمَا يُقَارِبه وروينا عَنهُ أَيْضا مَا مَعْنَاهُ أَنه يذكر فِي كل بَاب أصح مَا عرفه فِي ذَلِك الْبَاب وَقَالَ مَا كَانَ فِي كتابي حَدِيث فِيهِ وَهن شَدِيد فقد بَينته وَمَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح وَبَعضهَا أصح من بعض قلت فعلى هَذَا مَا وجدنَا فِي كِتَابه مَذْكُورا مُطلقًا وَلَيْسَ فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ وَلَا نَص على صِحَّته أحد مِمَّن يُمَيّز بَين الصَّحِيح وَالْحسن عرفنَا أَنه من الْحسن عِنْد أبي دَاوُد وَقد يكون فِي ذَلِك مَا لَيْسَ بِحسن عِنْد غَيره وَلَا مندرج فِيمَا حققنا ضبط

الْحسن بِهِ على مَا سبق إِذْ حكى أَبُو عبد الله بن مَنْدَه الْحَافِظ أَنه سمع مُحَمَّد بن سعد البارودي بِمصْر يَقُول كَانَ من مَذْهَب أبي عبد الرَّحْمَن عَن كل من لم يجمع على تَركه وَقَالَ ابْن مَنْدَه وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي يَأْخُذ مأخذه وَيخرج الْإِسْنَاد الضَّعِيف إِذا لم يجد فِي الْبَاب غَيره لِأَنَّهُ أقوى عِنْده من رَأْي الرِّجَال اهـ وَقد تعقب الْعَلامَة أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي كَلَام ابْن الصّلاح فِي شَأْن سنَن أبي دَاوُد فَقَالَ فِيمَا كتبه على التِّرْمِذِيّ لم يرسم أَبُو دَاوُد شَيْئا بالْحسنِ وَعَمله فِي ذَلِك شَبيه بِعَمَل مُسلم الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَن يحمل كَلَامه على غَيره أَنه اجْتنب الضَّعِيف الواهي وأتى بالقسمين الأول وَالثَّانِي وَحَدِيث من مثل بِهِ من الروَاة مَوْجُود فِي كِتَابه دون الْقسم الثَّالِث قَالَ فَهَلا ألزم الشَّيْخ أَبُو عَمْرو مُسلما من ذَلِك مَا ألزم بِهِ أَبَا دَاوُد فَمَعْنَى كَلَامهمَا وَاحِد وَقَول أبي دَاوُد وَمَا يُشبههُ يَعْنِي فِي الصِّحَّة وَمَا يُقَارِبه يَعْنِي فِيهَا أَيْضا هُوَ نَحْو قَول مُسلم لَيْسَ كل الصَّحِيح نجده عِنْد مَالك وَشعْبَة وسُفْيَان فَاحْتَاجَ أَن ينزل إِلَى مثل لَيْث بن أبي سليم وَعَطَاء بن السَّائِب وَيزِيد بن أبي زِيَاد لما يَشْمَل الْكل من اسْم الْعَدَالَة والصدق وَإِن تفاوتوا فِي الْحِفْظ والإتقان وَلَا فرق بَين الطَّرِيقَيْنِ غير أَن مُسلما شَرط الصَّحِيح فتحرج من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّالِثَة يَعْنِي الضَّعِيف وَأَبُو دَاوُد لم يَشْتَرِطه فَذكر مَا يشْتَد وهنه عِنْده وَالْتزم الْبَيَان عَنهُ

قَالَ وَفِي قَول أبي دَاوُد إِن بَعْضهَا أصح من بعض مَا يُشِير إِلَى الْقدر الْمُشْتَرك بَينهَا من الصِّحَّة وَإِن تفاوتت فِيهِ لما تَقْتَضِيه صِيغَة أفعل فِي الْأَكْثَر اهـ وَقد امتعض أنَاس من هَذِه الْعبارَة لإشعارها بِأَن سنَن أبي دَاوُد بِمَنْزِلَة صَحِيح مُسلم فَإِن كلا مِنْهُمَا ذكر الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ وَمَا يُقَارِبه غير أَن مُسلما الْتزم أَن لَا يذكر الحَدِيث الضَّعِيف فِي كِتَابه وَأَبُو دَاوُد ذكره مَعَ بَيَان ضعفه فارتفع الْمَحْذُور من ذكر الضَّعِيف فِي كِتَابه فهما عِنْد إمعان النّظر فِي منزلَة وَاحِدَة بل رُبمَا عد ذكره الضَّعِيف مَعَ الْبَيَان من المزايا الَّتِي رُبمَا قَضَت برجحانه فَإِن معرفَة الضَّعِيف الضَّعِيف من المطالب المهمة وَهَذَا مِمَّا لم يخْطر فِي بَال أحد من عُلَمَاء الْأَثر فالبون بَينهمَا بعيد على أَن فِي سنَن أبي دَاوُد كثيرا من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا انْقِطَاع أَو إرْسَال

أَو رِوَايَة عَن مَجْهُول كَرجل وَشَيخ مَعَ انه لم يشر إِلَى ضعفها وَإِن أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لم يتَعَرَّض لبَيَان الضعْف فِي هَذَا النَّوْع لظُهُوره وَقد نقل بَعضهم عَن بعض أهل الْأَثر أَنه قَالَ هُوَ تعقب واه جدا لَا يُسَاوِي سَمَاعه ثمَّ قَالَ وَهُوَ كَذَلِك لتَضَمّنه أحد شَيْئَيْنِ وُقُوع غير الصَّحِيح فِي مُسلم أَو تَصْحِيح كل مَا سكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَقد أُجِيب عَن اعْتِرَاض ابْن سيد النَّاس بِأَن مُسلما الْتزم الصِّحَّة فِي كِتَابه فَلَيْسَ لنا ان نحكم على حَدِيث خرجه فِيهِ بِأَنَّهُ حسن عِنْده لما عرف من قُصُور الْحسن عَن الصَّحِيح وَأَبُو دَاوُد قَالَ إِن مَا سكت عَنهُ فَهُوَ صَالح والصالح يجوز أَن يكون صَحِيحا وَيجوز أَن يكون حسنا فالاحتياط أَن يحكم عَلَيْهِ بالْحسنِ وَثمّ أجوبة أُخْرَى مِنْهَا ان العلمين إِنَّمَا تشابها فِي أَن كلا أَتَى بِثَلَاثَة أَقسَام لَكِنَّهَا فِي سنَن أبي دَاوُد رَاجِعَة إِلَى متون الْأَحَادِيث وَفِي مُسلم إِلَى رِجَاله وَلَيْسَ بَين ضعف الرجل وَصِحَّة حَدِيثه مُنَافَاة وَمِنْهَا أَن أَبَا دَاوُد قَالَ إِن مَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَينته ففهم أَن ثمَّ شَيْئا فِيهَا وَهن غير شَدِيد لم يلْتَزم بَيَانه وَمِنْهَا أَن مُسلما إِنَّمَا يروي عَن الطَّبَقَة الثَّالِثَة فِي المتابعات لينجبر الْقُصُور الَّذِي فِي رِوَايَة من هُوَ فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة ثمَّ إِنَّه يقل من حَدِيثهمْ جدا بِخِلَاف أبي دَاوُد فَإِنَّهُ يخرج هَؤُلَاءِ فِي الْأُصُول مَعَ الْإِكْثَار مِنْهَا والاحتجاج بهَا فَلذَلِك نزلت دَرَجَة كِتَابه عَن دَرَجَة كتاب مُسلم وَقَالَ الْعَلامَة أَبُو بكر مُحَمَّد بن رشيد الأندلسي السبتي فِيمَا نَقله عَنهُ ابْن سيد النَّاس لَيْسَ يلْزم من كَون الحَدِيث لم ينص عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد بِضعْف وَلَا نَص عَلَيْهِ غَيره بِصِحَّة أَن يكون الحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد حسنا إِذْ د يكون عِنْده صَحِيحا وَإِن لم يكن عِنْد غَيره كَذَلِك قَالَ الْعِرَاقِيّ وَقد يُجَاب عَن اعْتِرَاض ابْن رشيد بِأَن البن الصّلاح إِنَّمَا ذكر

مَا لنا أَن نَعْرِف بِهِ الحَدِيث عِنْده وَالِاحْتِيَاط أَن لَا نرتفع بِهِ إِلَى دَرَجَة الصِّحَّة وَإِن جَازَ أَن يبلغهَا عِنْد أبي دَاوُد لِأَن عِبَارَته فَهُوَ صَالح أَي للاحتجاج بِهِ فَإِن كَانَ أَبُو دَاوُد يرى الْحسن رُتْبَة بَين الصَّحِيح والضعيف فالاحتياط مَا قَالَه ابْن الصّلاح وغن كَانَ رَأْيه كالمتقدمين فِي انقسام الحَدِيث إِلَى صَحِيح وَضَعِيف فالاحتياط أَن يُقَال صَالح كَمَا عبر هُوَ بِهِ اهـ وَقد توهم بَعضهم من عبارَة الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ الْوَاقِعَة فِي خطْبَة كتاب التَّرْغِيب والترهيب أَنه ينْسب إِلَى أبي دَاوُد تَسْمِيَة مَا سكت عَنهُ حسنا وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن هَذَا غير مَعْرُوف وَالْمَعْرُوف عَنهُ تَسْمِيَته صَالحا وَقد نَظرنَا فِي عِبَارَته فَإِذا هِيَ لَا تدل على ذَلِك وَهِي وانبه على كثير مِمَّا حضرني حَال الْإِمْلَاء مِمَّا تساهل أَبُو دَاوُد فِي السُّكُوت عَن تَضْعِيفه أَو التِّرْمِذِيّ فِي تحسينه أَو ابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي تَصْحِيحه لَا انتقادا عَلَيْهِم رَضِي الله عَنْهُم بل مقياسا لمتبصر فِي نظائرها من هَذَا الْكتاب وكل حَدِيث عزوته إِلَى أبي دَاوُد وَسكت عَنهُ فَهُوَ كَمَا ذكر أَبُو دَاوُد وَلَا ينزل عَن دَرَجَة الْحسن وَقد يكون على شَرط الصَّحِيحَيْنِ اهـ فَقَوله فَهُوَ كَمَا ذكر أَبُو دَاوُد يُرِيد أَنه صَالح ثمَّ بَين أَن الصَّالح لَا ينزل عَن دَرَجَة الْحسن وَقد يرْتَفع إِلَى دَرَجَة مَا يكون على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَكَلَام أبي دَاوُد فِيمَا يتَعَلَّق بكتابه مَأْخُوذ من رسَالَته إِلَى أهل مَكَّة وَقد وقفت على ملخصها فَرَأَيْت أَن أورد مِنْهُ شَيْئا قَالَ إِنَّكُم سَأَلْتُمُونِي أَن أذكر لكم الْأَحَادِيث الَّتِي فِي كتاب السّنَن أَهِي أصح مَا عرفت فِي الْبَاب فاعلموا أَنه كُله كَذَلِك إِلَّا أَن يكون قد رُوِيَ من وَجْهَيْن

أَحدهمَا أقدم إِسْنَادًا وَالْآخر أقوم من الْحِفْظ فَرُبمَا كتبت ذَلِك وَلَا أرى فِي كتابي من هَذَا عشرَة أَحَادِيث وَلم أكتب فِي الْبَاب إِلَّا حَدِيثا أَو حديثين وَإِن كَانَ فِي الْبَاب أَحَادِيث صِحَاح فَإِنَّهَا تكْثر وَإِنَّمَا أردْت قرب منفعَته فَإِذا أعدت الحَدِيث فِي الْبَاب من وَجْهَيْن أَو ثَلَاثَة فَإِنَّمَا هُوَ من زِيَادَة كَلَام فِيهِ وَرُبمَا تكون كلمة زَائِدَة على الْأَحَادِيث وَرُبمَا اختصرت الحَدِيث الطَّوِيل لِأَنِّي لَو كتبته بِطُولِهِ لم يعلم بعض من يسمعهُ المُرَاد مِنْهُ وَلَا يفهم مَوضِع الْفِقْه مِنْهُ فاختصرته لذَلِك وَأما الْمَرَاسِيل فقد كَانَ يحْتَج بهَا الْعلمَاء فِيمَا مضى مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فَتكلم فِيهَا وَتَابعه على ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره فَإِذا لم يكن مُسْند غير الْمَرَاسِيل فالمرسل يحْتَج بِهِ وَلَيْسَ هُوَ مثل الْمُتَّصِل فِي الْقُوَّة وَلَيْسَ فِي كتاب السّنَن الَّذِي صنفته عَن رجل مَتْرُوك الحَدِيث شَيْء وَإِذا كَانَ فِيهِ حَدِيث مُنكر بَينته أَنه مُنكر وَلَيْسَ على نَحوه فِي الْبَاب غَيره وَمَا كَانَ فِي كتابي من حَدِيث فِيهِ وَهن شَدِيد فقد بَينته وَمِنْه مَا لَا يَصح سَنَده وَمَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح وَبَعضهَا أصح من بعض وَهُوَ كتاب لَا ترد عَلَيْك سنة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وَهِي فِيهِ وَلَا أعلم شَيْئا بعد الْقُرْآن ألزم للنَّاس أَن يتعلموه من هَذَا الْكتاب وَلَا يضر رجلا أَن لَا يكْتب من الْعلم شَيْئا بعد مَا يكْتب هَذَا الْكتاب وَإِذا نظر فِيهِ وتدبره وتفهمه حِينَئِذٍ يعلم مِقْدَاره وَأما هَذِه الْمسَائِل مسَائِل الثَّوْريّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فَهَذِهِ الْأَحَادِيث أُصُولهَا ويعجبني أَن يكْتب الرجل مَعَ هَذِه الْكتب من رَأْي أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكْتب أَيْضا مثل جَامع سُفْيَان الثَّوْريّ فَإِنَّهُ أحسن مَا وضع للنَّاس من الْجَوَامِع

وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَضَعتهَا فِي كتاب السّنَن أَكْثَرهَا مشاهير وَهِي عِنْد كل من كتب شَيْئا من الحَدِيث إِلَّا أَن تمييزها لَا يقدر عَلَيْهِ كل النَّاس فَالْحَدِيث الْمَشْهُور الْمُتَّصِل الصَّحِيح لَيْسَ يقدر أَن يردهُ عَلَيْك أحد وَأما الحَدِيث الْغَرِيب فَإِنَّهُ لَا يحْتَج بِهِ وَلَو كَانَ من رِوَايَة الثِّقَات من أَئِمَّة الْعلم قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانُوا يكْرهُونَ الْغَرِيب من الحَدِيث وَقَالَ يزِيد بن أبي حبيب إِذا سَمِعت الحَدِيث فانشده كَمَا تنشد الضَّالة فَإِن عرف وَإِلَّا فَدَعْهُ وَلم أصنف فِي كتاب السّنَن إِلَّا الْأَحْكَام فَهَذِهِ أَرْبَعَة آلَاف وثمان مئة كلهَا فِي الْأَحْكَام فَأَما أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الزّهْد والفضائل وَغَيرهَا فَلم أخرجهَا وَالسَّلَام عَلَيْكُم اهـ وَقد اشْتهر هَذَا الْكتاب بَين الْفُقَهَاء اشتهارا عَظِيما لجمعه أَحَادِيث الْحُكَّام قَالَ الإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ فِي معالم السّنَن اعلموا رحمكم الله تَعَالَى أَن كتاب السّنَن لأبي دَاوُد كتاب شرِيف لم يصنف فِي علم الدّين كتاب مثله وَقد رزق الْقبُول من النَّاس كَافَّة فَصَارَ حكما بَين فرق الْعلمَاء وطبقات الْفُقَهَاء على اخْتِلَاف مذاهبهم فَلِكُل مِنْهُ ورد وَمِنْه شرب وَعَلِيهِ معول أهل الْعرَاق وَأهل مصر وبلاد الْمغرب وَكثير من أقطار الأَرْض فَأَما أهل خُرَاسَان فقد أولع أَكْثَرهم بِكِتَاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَمُسلم بن الْحجَّاج وَمن نحا نَحْوهمَا فِي جمع الصَّحِيح على شَرطهمَا فِي السبك والانتقاد إِلَّا أَن كتاب أبي دَاوُد أحسن وضعا وَأكْثر فقها وَكتاب أبي عِيسَى أَيْضا كتاب حسن وَالله يغْفر لجماعاتهم وَيحسن على جميل النِّيَّة فِيمَا سعوا لَهُ مثوبتهم برحمته اهـ وَحَيْثُ عرفت مَا قيل فِي شَأْن كتب السّنَن الْمَذْكُورَة تعرف ان الْحَافِظ السلَفِي قد أفرط فِي التساهل حَيْثُ قَالَ فِي شَأْن الْكتب الْخَمْسَة قد اتّفق على صِحَّتهَا عُلَمَاء الشرق والغرب وَكَيف لَا يُقَال إِنَّه أفرط فِي التساهل وَأَبُو دَاوُد قد صرح بانقسام مَا فِي كتبه إِلَى صَحِيح وَغَيره وَالتِّرْمِذِيّ قد ميز فِي كِتَابه بَين الصَّحِيح وَالْحسن

فَإِن قيل بِأَنَّهُ مِمَّن يدرج الْحسن فِي الصَّحِيح وَلَا يفرده بِنَوْع فَهُوَ قد جرى فِي ذَلِك على اصْطِلَاحه قيل إِن الْعلمَاء قد صَرَّحُوا بِأَن فِيهَا ضَعِيفا أَو مُنْكرا أَو نَحْو ذَلِك على أَن من سمى الْحسن صَحِيحا لَا يُنكر أَنه دون الصَّحِيح الْمُقدم ذكره فَالْفرق بَين من يُمَيّز بَينهمَا وَبَين من لَا يُمَيّز إِنَّمَا هُوَ اخْتِلَاف فِي الْعبارَة دون الْمَعْنى وَقَالَ بَعضهم إِن إِطْلَاق السلَفِي لهَذِهِ الْعبارَة مَعَ مَا فِي الْكتب الثَّلَاثَة فِي السّنَن من الضَّعِيف بِالنّظرِ إِلَى قلته بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره لَا سِيمَا النَّسَائِيّ فَإِنَّهَا أقلهَا بعد الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثا ضَعِيفا وَقد أضَاف بَعضهم إِلَى الْكتب الْخَمْسَة كتاب ابْن ماجة فَجَعلهَا بذلك سِتّ واول من فعل ذَلِك أَبُو الْفضل بن طَاهِر حَيْثُ أدرجه مَعهَا فِي الْأَطْرَاف ثمَّ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ فِي كتاب الْإِكْمَال فِي أَسمَاء الرِّجَال كَذَا أثْبته الْمُؤلف وَصَوَابه الْكَمَال فِي وَهُوَ الْكتاب الَّذِي هذبه الْحَافِظ الْمزي وَقدمُوا ابْن ماجة على الْمُوَطَّأ لِكَثْرَة زوائده على الْخَمْسَة بِخِلَاف الْمُوَطَّأ وَلما كَانَ ابْن مَاجَه قد اخْرُج أَحَادِيث عَن رجال متهمين بِالْكَذِبِ وسرقة الْأَحَادِيث قَالَ بَعضهم يَنْبَغِي أَن يَجْعَل السَّادِس كتاب الدَّارمِيّ فَإِنَّهُ قَلِيل الرِّجَال الضُّعَفَاء نَادِر الْأَحَادِيث الْمُنكرَة والشاذة وَإِن كَانَت فِيهِ أَحَادِيث مُرْسلَة وموقوفة فَهُوَ مَعَ ذَلِك أولى مِنْهُ وَقد جعل بعض الْعلمَاء كرزين السَّرقسْطِي السَّادِس الْمُوَطَّأ وَتَبعهُ على ذَلِك الْمجد ابْن الْأَثِير فِي كتاب جَامع الْأُصُول وَكَذَا غَيره وَأما كتب المسانيد فَهِيَ دون كتب السّنَن الرُّتْبَة وَكتب المسانيد هِيَ مَا أفرد فِيهِ حَدِيث كل صَحَابِيّ على حِدة من غير نظر للأبواب وَقد جرت عَادَة مصنفيها أَن يجمعوا فِي مُسْند كل صَحَابِيّ مَا يَقع لَهُم من حَدِيثه صَحِيحا كَانَ أَو سقيما وَلذَلِك لَا يسوغ الِاحْتِجَاج بِمَا يُورد فِيهَا مُطلقًا قَالَ الْحَافِظ ابْن الصّلاح كتب المسانيد غير مُلْحقَة بالكتب الْخَمْسَة الَّتِي هِيَ

الصحيحان وَسنَن أبي دَاوُد وَسنَن النَّسَائِيّ وجامع التِّرْمِذِيّ وَمَا جرى مجْراهَا فِي الِاحْتِجَاج بهَا والركون إِلَى مَا يُورد فِيهَا مُطلقًا كمسند أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ ومسند عبيد الله بن مُوسَى ومسند أَحْمد بن حَنْبَل ومسند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه ومسند عبد بن حميد ومسند الدَّارمِيّ ومسند أبي يعلى الْموصِلِي ومسند الْحسن بن سُفْيَان ومسند الْبَزَّار أبي بكر وأشباهها فَهَذِهِ جرت عَادَة مؤلفيها أَن يخرجُوا فِي مُسْند كل صَحَابِيّ مَا رَوَوْهُ من حَدِيثه غير متقيدين بِأَن يكون حَدِيثا محتجا بِهِ فَلهَذَا تَأَخَّرت مرتبتها وَإِن جلت لجلالة مؤلفيها عَن مرتبَة الْكتب الْخَمْسَة وَمَا ألحق بهَا من الْكتب المصنفة على الْأَبْوَاب وَالله أعلم اهـ وانتقد على ابْن الصّلاح عده مُسْند الدَّارمِيّ فِي كتب المسانيد لِأَنَّهُ مُرَتّب على الْأَبْوَاب وَإِنَّمَا سموهُ بالمسند كَمَا سمى البُخَارِيّ كِتَابه بالمسند لكَون أَحَادِيثه مُسندَة وانتقد عَلَيْهِ أَيْضا تَفْضِيل كتب السّنَن وَمَا ألحق بهَا على مُسْند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل مَعَ انه الْتزم الصَّحِيح بِمُسْنَدِهِ وَأجَاب الْعِرَاقِيّ بِأَنا لَا نسلم ذَلِك وَالَّذِي رَوَاهُ عَنهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث فَقَالَ انظروه فَإِن كَانَ فِي الْمسند وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحجَّة فَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيح فِي أَن كل مَا فِيهِ حجَّة بل هُوَ صَرِيح فِي أَن مَا لَيْسَ فِيهِ لَيْسَ بِحجَّة على ان ثمَّ أَحَادِيث مخرجة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَت فِيهِ قَالَ وَأما وجود الضَّعِيف فِيهِ فَهُوَ مُحَقّق بل فِيهِ أَحَادِيث مَوْضُوعَة جمعتها فِي جُزْء ولعَبْد الله ابْنه فِيهِ زيادات فِيهَا الضعْف والموضوع وَقد أورد الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الموضوعات أَحَادِيث من الْمسند لاحت لَهُ فِيهَا سمة الْوَضع وَقد تصدى الْحَافِظ ابْن حجر للرَّدّ على ذَلِك فألف كتابا سَمَّاهُ القَوْل المسدد فِي الذب عَن الْمسند سرد فِيهِ الْأَحَادِيث الَّتِي جمعهَا الْعِرَاقِيّ وَهِي تِسْعَة وأضاف إِلَيْهَا خَمْسَة عشر حَدِيثا أوردهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَأجَاب عَنْهَا

وَقَالَ فِي كِتَابه تَعْجِيل الْمَنْفَعَة فِي رجال الْأَرْبَعَة لَيْسَ فِي الْمسند حَدِيث لَا أصل لَهُ إِلَّا ثَلَاثَة أَحَادِيث أَو أَرْبَعَة مِنْهَا حَدِيث عبد لارحمن بن عَوْف أَنه يدْخل الْجنَّة زحفا قَالَ وَيعْتَذر عَنهُ بِأَنَّهُ مِمَّا أَمر أَحْمد بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ فَترك عَلَيْهِ فَترك سَهوا أَو ضرب عَلَيْهِ وَكتب من تَحت الضَّرْب وَقَالَ بَعضهم إِن مُسْند أَحْمد لَا يوازيه كتاب من كتب المسانيد فِي الْكَثْرَة وَحسن السِّيَاق غير انه فَاتَهُ أَحَادِيث كَثِيرَة جدا بل قيل إِنَّه لم يَقع لَهُ جمَاعَة من الصَّحَابَة الَّذين فِي الصَّحِيحَيْنِ وهم نَحْو مِائَتَيْنِ وَجُمْلَة مَا فِي الْمسند من الْأَحَادِيث أَرْبَعُونَ ألفا تكَرر مِنْهَا عشرَة آلَاف فَيبقى ثَلَاثُونَ ألفا وَقَالَ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِأبي شامة فِي كتاب الْبَاعِث على إِنْكَار الْبدع والحوادث قَالَ أَبُو الْخطاب وَأَصْحَاب الإِمَام أَحْمد يحتجون بالأحاديث الَّتِي رَوَاهَا فِي مُسْنده وأكثرها لَا يحل الِاحْتِجَاج بهَا وَإِنَّمَا أخرجهَا الإِمَام أَحْمد حَتَّى يعرف من أَيْن الحَدِيث مخرجه وَالْمُنْفَرد بِهِ أعدل أَو مَجْرُوح وَلَا يحل الْآن لمُسلم عَالم أَن لَا يذكر إِلَّا مَا صَحَّ لِئَلَّا يشقى فِي الدَّاريْنِ لما صَحَّ عَن سيد الثقلَيْن انه قَالَ من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين قَالَ وَيلْزم الْمُحدث أَن يكون على الصّفة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي أول كتَابنَا من الْحِفْظ والإتقان والمعرفة بِمَا يتَعَلَّق بِهَذَا الشَّأْن وَقَالَ الْعَلامَة ابْن تَيْمِية فِي كتاب منهاج السّنة النَّبَوِيَّة فِي نقض كَلَام الشِّيعَة والقدرية لَيْسَ كل مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي الْمسند أَن لَا يروي عَن المعروفين بِالْكَذِبِ عِنْده وَإِن

كَانَ فِي ذَلِك مَا هُوَ ضَعِيف وَشَرطه فِي الْمسند مثل شَرط أبي دَاوُد فِي سنَنه وَأما كتب الْفَضَائِل فيروي مَا سَمعه من شُيُوخه سَوَاء كَانَ صَحِيحا أَو ضَعِيفا فَإِنَّهُ لم يقْصد أَن لَا يروي فِي ذَلِك إِلَّا مَا ثَبت عِنْده ثمَّ زَاد ابْن أَحْمد زيادات وَزَاد أَبُو بكر الْقطيعِي زيادات وَفِي زيادات الْقطيعِي أَحَادِيث كَثِيرَة مَوْضُوعَة فَظن ذَلِك الْجَاهِل ان تِلْكَ من رِوَايَة أَحْمد وانه رَوَاهَا فِي الْمسند وَهَذَا خطأ قَبِيح فَإِن الشُّيُوخ الْمَذْكُورين شُيُوخ الْقطيعِي وَكلهمْ متأخرون عَن احْمَد وهم مِمَّن يروي عَن أَحْمد لَا مِمَّن يروي أَحْمد عَنهُ وَهَذَا مُسْند أَحْمد وَكتاب الزّهْد لَهُ وَكتاب النَّاسِخ والمنسوخ وَكتاب التَّفْسِير وَغير ذَلِك من كتبه يَقُول فِيهَا حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عبد الرَّزَّاق فَهَذَا أَحْمد وَتارَة يَقُول حَدثنَا أَبُو معمر الْقطيعِي حَدثنَا عَليّ ين الْجَعْد حَدثنَا أَبُو نصر التمار فَهَذَا عبد الله وَكتابه فِي فَضَائِل الصَّحَابَة لَهُ فِيهِ هَذَا وَهَذَا وَفِيه من زيادات الْقطيعِي يَقُول حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْجَبَّار الصُّوفِي وَأَمْثَاله مِمَّن هُوَ مثل عبد الله بن احْمَد فِي الطَّبَقَة وَهُوَ مِمَّن غَايَته أَن يروي عَن أَحْمد فَإِن أَحْمد ترك الرِّوَايَة فِي آخر عمره لما طلب الْخَلِيفَة أَن يحدثه وَيحدث ابْنه وَيُقِيم عِنْده فخاف على نَفسه من فتْنَة الدُّنْيَا فَامْتنعَ من التحديث مُطلقًا ليسلم من ذَلِك لِأَنَّهُ قد حدث بِمَا كَانَ عِنْده قبل ذَلِك قَالَ بعض الناظرين فِيهِ الْحق أَن فِي الْمسند أَحَادِيث كَثِيرَة ضَعِيفَة وَقد بلغ بَعْضهَا فِي الضعْف إِلَى أَن أدخلت فِي الموضوعات وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ احسن انتقاء وتحريرا من الْكتب الَّتِي لم تلتزم الصِّحَّة فِيهَا وَلَيْسَت الْأَحَادِيث الزَّائِدَة فِيهِ على مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَكْثَرَ ضعفا من الْأَحَادِيث الزَّائِدَة فِي سنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَلَيْهِمَا وعَلى كل حَال فسبيل من أَرَادَ الِاحْتِجَاج بِحَدِيث من كتب السّنَن لَا سِيمَا كتاب ابْن مَاجَه ومصنف ابْن أبي شيبَة وَعبد الرَّزَّاق وَاحِد إِذْ جَمِيع الجامعين

لذَلِك لم يلتزموا أَن لَا يخرجُوا عَن الصَّحِيح وَالْحسن وعَلى ذَلِك ينظر فَإِن كَانَ مُرِيد الِاحْتِجَاج بِحَدِيث مِنْهَا متأهلا لتمييز الصَّحِيح من غَيره فَعَلَيهِ أَن ينظر فِي اتِّصَال إِسْنَاد الحَدِيث وَحَال رُوَاته ثمَّ يحكم على الْإِسْنَاد بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ الْبَحْث وَالنَّظَر فَيَقُول هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد أَو حسنه أَو ضعيفه وَمَعَ ذَلِك يسوغ لَهُ الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا كَانَ صَحِيح الْإِسْنَاد أَو حسنه حَتَّى يتَيَقَّن سَلَامَته من الشذوذ وَالْعلَّة إِذْ صِحَة الْإِسْنَاد أَو حسنه لَا تَقْتَضِي صِحَة الْمَتْن أَو حسنه فَإِذا تبينت لَهُ سَلَامَته من الشذوذ وَالْعلَّة سَاغَ لَهُ الِاحْتِجَاج بِهِ قَالَ ابْن الصّلاح مُبينًا أَن صِحَة الْإِسْنَاد أَو حسنه لَا تَقْتَضِي صِحَة الحَدِيث أَو حسنه قَوْلهم هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد أَو حسن الْإِسْنَاد دون قَوْلهم هَذَا حَدِيث صَحِيح أَو حَدِيث حسن لِأَنَّهُ قد يُقَال هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا يَصح لكَونه شاذا أَو مُعَللا غير أَن المُصَنّف الْمُعْتَمد مِنْهُم إِذا اقْتصر على قَوْله إِنَّه صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يذكر لَهُ عِلّة وَلم يقْدَح فِيهِ فَالظَّاهِر مِنْهُ الحكم لَهُ بِأَنَّهُ صَحِيح فِي نَفسه لِأَن عدم الْعلَّة والقادح هُوَ لِأَن عدم الْعلَّة والقادح هُوَ الأَصْل وَالظَّاهِر اهـ وَقد تعقب الْحَافِظ ابْن حجر عِبَارَته الْأَخِيرَة فَقَالَ الَّذِي لَا أَشك فِيهِ أَن الإِمَام مِنْهُم لَا يعدل عَن قَوْله صَحِيح إِلَى قَوْله صَحِيح الْإِسْنَاد إِلَّا لأمر مَا وَإِن كَانَ مُرِيد الِاحْتِجَاج بِحَدِيث مِنْهَا غير متأهل لتمييز الصَّحِيح من غَيره فسبيله أَن يبْحَث عَن حَال ذَلِك فِي كَلَام الْأَئِمَّة فَإِن وجد أحدا مِنْهُم صَححهُ أَو حسنه فَلهُ أَن يقلده وغن لم يجد ذَلِك فَلَيْسَ لَهُ أَن يقدم عل الِاحْتِجَاج بِهِ إِذْ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ خطر عَظِيم هَذَا وَمَا ذَكرْنَاهُ من ان كَانَ متأهلا لتمييز الصَّحِيح من غَيره فَلهُ أَن يحكم على الحَدِيث بِمُقْتَضى مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ الْبَحْث وَالنَّظَر هُوَ مَبْنِيّ على مَذْهَب الْجُمْهُور الَّذين قَالُوا إِن المتميزين تَمام التَّمْيِيز يُمكن أَن يوجدوا فِي كل زمَان وَإِذا وجدوا سَاغَ لَهُم أَن يحكموا على الحَدِيث بِمَا يتَبَيَّن لَهُم من حَاله

وَقد خالفهم ابْن الصّلاح فِي ذَلِك فَقَالَ إِذا وجدنَا فِيمَا نروي من أَجزَاء الحَدِيث وَغَيرهَا حَدِيثا صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم نجده فِي أحد الصَّحِيحَيْنِ وَلَا مَنْصُوصا على صِحَّته فِي شَيْء من مصنفات أَئِمَّة الحَدِيث الْمُعْتَمدَة الْمَشْهُورَة فَإنَّا لَا نتجاسر على جزم الحكم بِصِحَّتِهِ فقد تعذر فِي هَذِه الْأَعْصَار الِاسْتِقْلَال بِإِدْرَاك الصَّحِيح بِمُجَرَّد اعْتِبَار الْأَسَانِيد لِأَنَّهُ مَا من إِسْنَاد من ذَلِك إِلَّا ونجد فِي رِجَاله من اعْتمد فِي رِوَايَته على مَا فِي كِتَابه عريا عَمَّا يشْتَرط فِي الصَّحِيح من الْحِفْظ والضبط والإتقان فآل الْأَمر إِذا فِي معرفَة الصَّحِيح وَالْحسن إِلَى الِاعْتِمَاد على مَا نَص عَلَيْهِ أَئِمَّة الحَدِيث فِي تصانيفهم الْمُعْتَمدَة الْمَشْهُورَة الَّتِي يُؤمن فِيهَا لشهرته من التَّغْيِير والتحريف وَصَارَ مُعظم الْمَقْصُود بِمَا يتداول من الْأَسَانِيد خَارِجا عَن ذَلِك إبْقَاء لسلسلة الْإِسْنَاد الَّتِي خصت بهَا هَذِه الْأمة زَادهَا الله شرفا اهـ وَقد خَالف الْجُمْهُور ابْن الصّلاح فَقَالُوا إِن ذَلِك مُمكن لمن تمكن فِي هَذَا الْفَنّ وقويت مَعْرفَته بالطرق الموصلة إِلَى ذَلِك وَعَلِيهِ جرى الْعَمَل فقد صحّح جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين أَحَادِيث لم يكن لمن تقدمهم فِيهَا تَصْحِيح فَمن المعاصرين لِابْنِ الصّلاح أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن الْقطَّان صَاحب كتاب الْوَهم وَالْإِيهَام والحافظ ضِيَاء الدّين مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي صَاحب المختارة وَهُوَ كتاب الْتزم فِيهِ ذكر الصَّحِيح وَقد ذكر فها أَحَادِيث لم يسْبق إِلَى تصحيحها والحافظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ وَمن الطَّبَقَة الَّتِي تلِي هَذِه الطَّبَقَة الْحَافِظ شرف الدّين عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي وَجرى على ذَلِك أنَاس بعده قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر قد اعْترض على ابْن الصّلاح كل من اختصر كَلَامه وَكلهمْ دفع فِي صدر كَلَامه من غير إِقَامَة دَلِيل وَلَا بَيَان تَعْلِيل وَمِنْهُم من احْتج

بمخالفة أهل عصره وَمن بعده لَهُ فِي ذَلِك كَابْن الْقطَّان والضياء الْمَقْدِسِي والزكي الْمُنْذِرِيّ وَمن بعدهمْ كَابْن الْمواق والدمياطي والمزي وَنَحْوهم وَلَيْسَ بوارد لِأَنَّهُ لَا حجَّة على ابْن الصّلاح بِعَمَل غَيره وَإِنَّمَا يحْتَج عَلَيْهِ بِإِبْطَال دَلِيله أَو معارضته بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ وَمِنْهُم من قَالَ لَا سلف لَهُ فِي ذَلِك وَلَعَلَّه بناه على جَوَاز خلو الْعَصْر من الْمُجْتَهد وَهَذَا إِذا انْضَمَّ إِلَى مَا قبله من أَنه لَا سلف لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ وَعمل أهل عصره وَمن بعدهمْ على خلاف مَا قَالَ انتهض دَلِيلا للرَّدّ عَلَيْهِ قَالَ ثمَّ إِن فِي عِبَارَته مناقشات مِنْهَا قَوْله فَإنَّا لَا نتجاسر فَظَاهره أَن الأولى ترك التَّعَرُّض لَهُ لما فِيهِ من التَّعَب وَالْمَشَقَّة وَإِن لم ينْهض إِلَى دَرَجَة التَّعَذُّر فَلَا يحسن بعد ذَلِك قَوْله فقد تعذر وَمِنْهَا أَنه ذكر مَعَ الضَّبْط الْحِفْظ والإتقان وَهِي لَيست مُتَغَايِرَة وَمِنْهَا أَنه يفهم من قَوْله بعد ذَلِك أَنه يعيب من حدث من كِتَابه ويصوب من حدث عَن ظهر قلبه وَالْمَعْرُوف عَن أَئِمَّة الحَدِيث خلاف ذَلِك وَحِينَئِذٍ فَإِذا كَانَ الرَّاوِي عدلا لَكِن لَا يحفظ مَا سَمعه عَن ظهر قلب وَاعْتمد مَا فِي كِتَابه فَحدث مِنْهُ فقد فعل اللَّازِم فَحَدِيثه على هَذِه الصُّورَة صَحِيح قَالَ وَفِي الْجُمْلَة مَا اسْتدلَّ بِهِ ابْن الصّلاح من كَون الْأَسَانِيد مَا مِنْهَا إِلَّا وَفِيه من لم يبلغ دَرَجَة الضَّبْط المشترطة فِي الصَّحِيح إِن أَرَادَ أَن جَمِيع الْإِسْنَاد كَذَلِك فَمَمْنُوع لِأَن من جملَته من يكون من رجال الصَّحِيح وقلما يَخْلُو إِسْنَاد من ذَلِك وَإِن أَرَادَ أَن بعض الْإِسْنَاد كَذَلِك فَمُسلم لَكِن لَا ينْهض دَلِيلا على التَّعَذُّر إِلَّا فِي جُزْء ينْفَرد بروايته من وصف بذلك أما الْكتاب الْمَشْهُور الْغَنِيّ بشهرته عَن اعْتِبَار الْإِسْنَاد منا إِلَى مُصَنفه كالمسانيد وَالسّنَن مِمَّا لَا يحْتَاج فِي صِحَة نسبتها إِلَى مؤلفيها إِلَى اعْتِبَار إِسْنَاد معِين فَإِن المُصَنّف مِنْهُم إِذا روى حَدِيثا وَوجدت الشَّرَائِط مَجْمُوعَة وَلم يطلع الْمُحدث المتقن المضطلع فِيهِ على عِلّة لم يمْتَنع الحكم بِصِحَّتِهِ وَلَو لم ينص عَلَيْهَا أحد من الْمُتَقَدِّمين

قَالَ ثمَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامه من قبُول التَّصْحِيح من الْمُتَقَدِّمين ورده من الْمُتَأَخِّرين قد يسْتَلْزم رد مَا هُوَ صَحِيح وَقبُول مَا لَيْسَ بِصَحِيح فكم من حَدِيث حكم بِصِحَّتِهِ إِمَام مُتَقَدم اطلع الْمُتَأَخر فِيهِ على عِلّة قادحة تمنع من الحكم بِصِحَّتِهِ وَلَا سِيمَا إِن كَانَ ذَلِك الْمُتَقَدّم مِمَّن لَا يرى التَّفْرِقَة بَين الصَّحِيح وَالْحسن كَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان قَالَ وَالْعجب مِنْهُ كَيفَ يَدعِي تَعْمِيم الْخلَل فِي جَمِيع الْأَسَانِيد الْمُتَأَخِّرَة ثمَّ يقبل تَصْحِيح الْمُتَقَدّم وَذَلِكَ التَّصْحِيح إِنَّمَا يصل إِلَى الْمُتَأَخر بِالْإِسْنَادِ الَّذِي يَدعِي فِيهِ الْخلَل فَإِن كَانَ ذَلِك الْخلَل مَانِعا من الحكم بِصِحَّة الْإِسْنَاد فَهُوَ مَانع من الحكم بِقبُول ذَلِك التَّصْحِيح وَإِن كَانَ لَا يُؤثر فِي الْإِسْنَاد الْمعِين الَّذِي يتَّصل بِهِ رِوَايَة ذَلِك الْكتاب إِلَى مُؤَلفه وينحصر النّظر فِي مثل أَسَانِيد ذَلِك المُصَنّف فِي المُصَنّف فَصَاعِدا لَكِن قد يقوى مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الصّلاح بِوَجْه آخر وَهُوَ ضعف نظر الْمُتَأَخِّرين بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَقَدِّمين وَقيل إِن الْحَامِل لِابْنِ الصّلاح على ذَلِك أَن الْمُسْتَدْرك للْحَاكِم كتاب كَبِير جدا يصفو لَهُ من تَصْحِيح كثير وَهُوَ مَعَ حرصه على جمع الصَّحِيح غزير الْحِفْظ كثير الِاطِّلَاع وَاسع الرِّوَايَة فيبعد كل الْبعد أَن يُوجد حَدِيث بشرائط الصِّحَّة لم يُخرجهُ وَهَذَا قد يقبل لكنه لَا ينْهض دَلِيلا على التَّعَذُّر اهـ وَقَالَ بَعضهم إِن مَا ذكره ابْن الصّلاح من وُقُوع الْخلَل فِي الْأَسَانِيد الْمُتَأَخِّرَة لَا ينْتج مدعاه لَا سِيمَا فِي الْكتب الْمَشْهُورَة الَّتِي استغنت بشهرتها عَن اعْتِبَار الْإِسْنَاد منا إِلَى مصنفيها ككتاب النَّسَائِيّ مثلا فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج فِي صِحَة نسبته إِلَى النَّسَائِيّ إِلَى اعْتِبَار حَال الْإِسْنَاد منا إِلَيْهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامه فَإِذا روى مُصَنفه حَدِيثا وَلم يعلله وَجمع إِسْنَاده شُرُوط الصِّحَّة وَلم يطلع الْمُحدث فِيهِ على عِلّة فَمَا الْمَانِع من الحكم

بِصِحَّتِهِ وَلَو لم ينص عَلَيْهَا أحد من الْمُتَقَدِّمين لَا سِيمَا وَأكْثر مَا يُوجد من هَذَا الْقَبِيل مِمَّا رُوَاته رُوَاة الصَّحِيح وَفِيهِمْ الضابطون المتقنون الْحفاظ وَيظْهر أَن هَذَا لَا يُنَازع فِيهِ من إِلْمَام بِهَذَا الشَّأْن غير أَنه رُبمَا يُقَال إِن ابْن الصّلاح رأى حسم هَذَا الْبَاب لِئَلَّا يدْخل مِنْهُ بعض المموهين الَّذِي لَا يميزون بَين الصَّحِيح والسقيم وهم مَعَ ذَلِك يدعونَ أَنهم من الجهابذة فِي هَذَا الْفَنّ وَكَثِيرًا مَا راج أَمرهم بَين الْجُمْهُور فَرَأى سد هَذَا الْبَاب أقل خطرا وكما سد ابْن الصّلاح بَاب التَّصْحِيح والتحسين كَذَلِك سد بَاب التَّضْعِيف قَالَ فِي مَبْحَث الضَّعِيف إِذا رَأَيْت حَدِيثا بِإِسْنَاد ضَعِيف فلك أَن تَقول هَذَا ضَعِيف وتعني أَنه بذلك الْإِسْنَاد ضَعِيف وَلَيْسَ لَك أَن تَقول هَذَا ضَعِيف وتعني بِهِ ضعف متن الحَدِيث بِنَاء على مُجَرّد ضعف ذَلِك الْإِسْنَاد فقد يكون كرويا بِإِسْنَاد آخر صَحِيح يثبت بِمثلِهِ الحَدِيث بل يتَوَقَّف جَوَاز ذَلِك على حكم إِمَام من أَئِمَّة الحَدِيث بِأَنَّهُ لم يرو بِإِسْنَاد يثبت بِهِ أَو بِأَنَّهُ حَدِيث ضَعِيف اَوْ نَحْو هَذَا مُفَسرًا وَجه الْقدح فِيهِ فَإِن أطلق وَلم يُفَسر فَفِيهِ كَلَام يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَاعْلَم ذَلِك فَإِنَّهُ مِمَّا يغلط فِيهِ اهـ وَالْكَلَام الَّذِي أَشَارَ إِلَى أَنه سَيَأْتِي هُوَ مَا ذكره فِي النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين الْمَعْقُود لمعْرِفَة صفة من تقبل رِوَايَته وَمن ترد رِوَايَته وَهُوَ قلت وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّمَا يعْتَمد النَّاس فِي جرح الروَاة ورد حَدِيثهمْ على الْكتب الَّذِي صنفها أَئِمَّة الحَدِيث فِي الْجرْح الَّذِي صنفها أَئِمَّة الحَدِيث فِي الْجرْح التَّعْدِيل وقلما يتعرضون فِيهَا لبَيَان السَّبَب بل يقتصرون على مُجَرّد قَوْلهم فلَان ضَعِيف وَفُلَان لَيْسَ بِشَيْء أَو نَحْو ذَلِك أَو هَذَا حَدِيث ضَعِيف وَهَذَا حَدِيث غير ثَابت وَنَحْو ذَلِك فاشتراط بَيَان السَّبَب يُفْضِي إِلَى تَعْطِيل ذَلِك وسد بَاب الْجرْح فِي الْأَغْلَب الْأَكْثَر وَجَوَابه أَن ذَلِك وَإِن لم نعتمده فِي إِثْبَات الْجرْح وَالْحكم بِهِ فقد اعتمدناه فِي أَن توقفنا عَن قبُول حَدِيث من قَالُوا فِيهِ مثل ذَلِك بِنَاء على أَن ذَلِك أوقع عندنَا فيهم رِيبَة قَوِيَّة يُوجب مثلهَا التَّوَقُّف ثمَّ من انزاحت عَنهُ الرِّيبَة يبْحَث عَن حَاله فَإِن

أوجب الثِّقَة بعدالته قبلنَا حَدِيثه وَلم نتوقف كَالَّذِين احْتج بهم صاحبا الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا مِمَّن مسهم مثل هَذَا الْجرْح من غَيرهم فَافْهَم ذَلِك فَإِنَّهُ خلص حسن اهـ وَالظَّاهِر أَن ابْن الصّلاح وغن سد الْبَاب سدا محكما من جِهَة فقد فتح خوخة من جِهَة أُخْرَى فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم بعد أَن ذكر تساهل صَاحبه فِي أَمر التَّصْحِيح فَالْأولى أَن نتوسط فِي أمره فَنَقُول مَا حكم بِصِحَّتِهِ وَلم نجد ذَلِك فِيهِ لغيره من الْأَئِمَّة إِن لم يكن من قبيل الصَّحِيح فَهُوَ من قبيل الْحسن يحْتَج بِهِ وَيعْمل بِهِ إِلَّا أَن تظهر عِلّة توجب ضعفه ويقاربه فِي حكمه صَحِيح ابْن حبَان لابستي اهـ فَإِن قَوْله إِلَّا أَن تظهر عِلّة توجب ضعفه يَشْمَل مَا إِذا كَانَت الْعلَّة مِمَّا ظهر للمتأخر بِسَبَب الْبَحْث وَالنَّظَر وَلَو لم يذكرهَا أحد من الْمُتَقَدِّمين وَيظْهر أَن أَمر التَّضْعِيف أقرب مأخذا من أَمر التَّصْحِيح والتحسين قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ فِي التَّقْرِيب بعد أَن ذكر ابْن الصّلاح كَمَا منع الْمُتَأَخِّرين من الحكم بِصِحَّة الحَدِيث اَوْ حسنه مَنعهم فِيمَا سَيَأْتِي آخر يثبت بِمثلِهِ الحَدِيث فَالْحَاصِل أَن ابْن الصّلاح سد بَاب التَّصْحِيح والتحسين والتضعيف على أهل هَذِه الْأَزْمَان لضعف أهليتهم وَإِن لم يُوَافق الأول وَلَا شكّ أَن الحكم بِالْوَضْعِ أولى بِالْمَنْعِ قطعا لَا حَيْثُ لَا يخفى كالأحاديث الطوَال الرَّكِيكَة الَّتِي وَضعهَا الْقصاص أَو مَا فِيهِ مُخَالفَة لِلْعَقْلِ أَو الْإِجْمَاع وَأما الحكم للْحَدِيث بالتواتر أَو الشُّهْرَة فَلَا يمْتَنع إِذا وجدت الطّرق الْمُعْتَبرَة فِي ذَلِك وَيَنْبَغِي التَّوَقُّف عَن الحكم بالفردية والغرابة وَعَن الْعِزَّة أَكثر اهـ وَقد أشكل الْعَصْر الَّذِي يَبْتَدِئ فِيهِ امْتنَاع التَّصْحِيح وَغَيره عِنْد ابْن الصّلاح فَإِن فِي قَوْله فقد تعذر فِي هَذِه الْأَعْصَار الِاسْتِقْلَال بِإِدْرَاك الصَّحِيح بِمُجَرَّد الْأَسَانِيد إِبْهَام وَالظَّاهِر أَن الِابْتِدَاء يكون مِمَّا بعد عصر آخر من ألف فِي

الفائدة الثالثة

الصَّحِيح وَكَانَ بارعا فِي تَمْيِيزه من غَيره الْفَائِدَة الثَّالِثَة فِي معنى قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْحَافِظ جلال الدّين السُّيُوطِيّ فِي تَعْلِيقه على جَامع التِّرْمِذِيّ الَّذِي سَمَّاهُ قوت المغتذي قَالَ ابْن الصّلاح قَول التِّرْمِذِيّ وَغَيره هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح فِيهِ إِشْكَال لن الْحسن قَاصِر عَن الصَّحِيح فَفِي الْجمع بَينهمَا فِي حَدِيث وَاحِد جمع بَين نفي ذَلِك الْقُصُور وإثباته قَالَ وَجَوَابه أَن ذَلِك رَاجع إِلَى الْإِسْنَاد فَإِذا رُوِيَ الحَدِيث الْوَاحِد بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا إِسْنَاد حسن وَالْآخر إِسْنَاد صَحِيح استقام أَن يُقَال فِيهِ إِنَّه حَدِيث حسن صَحِيح أَي إِنَّه حسن بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِسْنَاد صَحِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِسْنَاد آخر على أَنه غير مستنكر أَن يكون بعض من قَالَ ذَلِك أَرَادَ بالْحسنِ مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ وَهُوَ مَا تميل إِلَيْهِ النَّفس وَلَا يأباه الْعقل دون الْمَعْنى الاصطلاحي الَّذِي نَحن بصدده انْتهى وَقَالَ ابْن دَقِيق فِي الاقتراح يرد على الْجَواب الأول الْأَحَادِيث الَّتِي قيل فِيهَا حسن صَحِيح مَعَ انه لَيْسَ لَهَا إِلَّا مخرج وَاحِد قَالَ وَفِي كَلَام التِّرْمِذِيّ فِي مَوَاضِع يَقُول هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه قَالَ وَالَّذِي أَقُول فِي جَوَاب هَذَا السُّؤَال إِنَّه لَا يشْتَرط فِي الْحسن قيد الْقُصُور عَن الصَّحِيح وَإِنَّمَا يَجِيئهُ الْقُصُور وَيفهم ذَلِك إِذا اقْتصر على قَوْله حسن فالقصور يَأْتِيهِ من قبل الِاقْتِصَار لَا من حَيْثُ حَقِيقَته وذاته وَشرح ذَلِك وَبَيَانه أَنه هَا هُنَا صِفَات تَقْتَضِي قبُول الرِّوَايَة ولتلك الصِّفَات دَرَجَات بَعْضهَا فَوق بعض كالتيقظ وَالْحِفْظ والإتقان مثلا فوجود

الدرجَة الدُّنْيَا كالصدق وَعدم التُّهْمَة بِالْكَذِبِ لَا يُنَافِيهِ وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ كالحفظ مَعَ الصدْق فَيصح ان يُقَال فِي هَذَا إِنَّه حسن بِاعْتِبَار وجود الصّفة الدُّنْيَا وَهِي الصدْق مثلا صَحِيح بِاعْتِبَار الصّفة الْعليا وَهِي الْحِفْظ والإتقان وَيلْزم على هَذَا أَن يكون كل صَحِيح حسنا ويلتزم ذَلِك وَيُؤَيِّدهُ وُرُود قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَهَذَا مَوْجُود فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين انْتهى وَقَالَ الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير أصل هَذَا السُّؤَال غير مُتَّجه لِأَن الْجمع بَين الْحسن وَالصِّحَّة فِي حَدِيث وَاحِد رُتْبَة متوسطة بَين الصَّحِيح وَالْحسن قَالَ فَهُنَا ثَلَاث مَرَاتِب الصَّحِيح أَعْلَاهَا وَالْحسن أدناها وَالثَّالِثَة مَا تتشرب من كل مِنْهُمَا فَإِن كل مَا كَانَ فِيهِ شبه لم يتمخض لأَحَدهمَا اخْتصَّ برتبة مُفْردَة كَقَوْلِهِم للمز وَهُوَ مَا فِيهِ حلاوة وحموضة هَذَا حُلْو حامض أَي مز قَالَ فعلى هَذَا يكون مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح أَعلَى رتبه عِنْده من الْحسن وَيكون حكمه على الحَدِيث بِالصِّحَّةِ الْمَحْضَة أقوى من حكمه عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْحسن قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْعِرَاقِيّ فِي نكته على ابْن الصّلاح وَهَذَا الَّذِي قَالَه ابْن كثير تحكم لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد من فهمهم معنى كَلَام التِّرْمِذِيّ قَالَ الإِمَام بدر الدّين الزَّرْكَشِيّ والحافظ أَبُو الْفضل بن حجر كِلَاهُمَا فِي النكت على ابْن الصّلاح هَذَا يَقْتَضِي إِثْبَات قسم ثَالِث وَلَا قَائِل بِهِ وَعبارَة الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ خرق لإجماعهم ثمَّ إِنَّه يلْزم عَلَيْهِ أَن لَا يكون فِي كتاب التِّرْمِذِيّ حَدِيث صَحِيح إِلَّا قَلِيلا لقلَّة اقْتِصَاره على قَوْله هَذَا صَحِيح مَعَ أَن الَّذِي يعبر فِيهِ بِالصِّحَّةِ وَالْحسن أَكْثَره مَوْجُود فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخ سراج الدّين البُلْقِينِيّ فِي محَاسِن الِاصْطِلَاح أَيْضا فِي هَذَا

الْجَواب نظر لَكِن جزم الإِمَام شمس الدّين الْجَزرِي فِي الْهِدَايَة فَقَالَ وَالَّذِي قَالَ صَحِيح حسن فَالتِّرْمِذِي يَعْنِي يشاب صِحَة وحسنا فَهُوَ إِذن دون الصَّحِيح معنى وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ فَإِن قلت فَمَا عنْدك فِي رفع هَذَا الْإِشْكَال قلت يحْتَمل أَن يُرِيد بقوله حسن صَحِيح فِي هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة الترادف وَاسْتِعْمَال هَذَا قَلِيلا دَلِيل على جَوَازه كَمَا اسْتَعْملهُ بَعضهم حَيْثُ وصف الْحسن بِالصِّحَّةِ على قَول من أدرج الْحسن فِي الْقسم الصَّحِيح وَيجوز أَن يُرِيد حقيقتهما بِالصِّحَّةِ على قَول من أدرج الْحسن فِي الْقسم الصَّحِيح وَيجوز أَن يُرِيد حقيقتهما فِي إِسْنَاد وَاحِد بِاعْتِبَار حَالين وزمانين فَيجوز أَن يكون سمع هَذَا الحَدِيث من رجل مرّة فِي حَال كَونه مَسْتُورا أَو مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة ثمَّ ترقي ذَلِك الرجل المسمع وارتفع حَاله إِلَى دَرَجَة الْعَدَالَة فَسَمعهُ مِنْهُ التِّرْمِذِيّ أَو غَيره مرّة أُخْرَى فَأخْبر بالوصفين وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد انه سمع الحَدِيث الْوَاحِد على شيخ وَاحِد غير مرّة قَالَ وَهَذَا الِاحْتِمَال وغن كَانَ بَعيدا فَهُوَ أشبه مَا يُقَال قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون التِّرْمِذِيّ أدّى اجْتِهَاده إِلَى حسنه وَأدّى اجْتِهَاد غَيره إِلَى صِحَّته أَو بِالْعَكْسِ فَبَان أَن الحَدِيث فِي أَعلَى دَرَجَات الْحسن واول دَرَجَات الصَّحِيح فَجمع بَينهمَا بِاعْتِبَار مذهبين وَأَنت إِذا تَأَمَّلت تصرف التِّرْمِذِيّ لَعَلَّك تسكن إِلَى قَصده هَذَا انْتهى كَلَام الزَّرْكَشِيّ وَبَعضه مَأْخُوذ من الجعبري حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصره وَقَوله حسن صَحِيح بِاعْتِبَار سندين أَو مذهبين

وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي النكت قد أجَاب بعض الْمُتَأَخِّرين عَن أصل الْإِشْكَال بِأَنَّهُ بِاعْتِبَار صدق الوصفين على الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَال رُوَاته عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث فَإِذا كَانَ فيهم من يكون حَدِيثه صَحِيحا عِنْد قوم وحسنا عِنْد قوم يُقَال لَك فِيهِ

قَالَ ويتعقب هَذَا بِأَنَّهُ لَو أَرَادَ ذَلِك لأتى بِالْوَاو بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْده لَا بِالنِّسْبَةِ الَّتِي للْجمع فَيَقُول حسن وصحيح قَالَ ثمَّ إِن الَّذِي يتَبَادَر إِلَيْهِ الْفَهم أَن التِّرْمِذِيّ إِنَّمَا يحكم على الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره فَهَذَا يقْدَح فِي الْجَواب ويتوقف أَيْضا على اعْتِبَار الْأَحَادِيث الَّتِي جمع التِّرْمِذِيّ فِيهَا بَين الوصفين فَإِن كَانَ فِي بَعْضهَا مَا لَا اخْتِلَاف عِنْد جَمِيعهم فِي صِحَّتهَا قدح فِي الْجَواب أَيْضا لَكِن لَو سلم هَذَا الْجَواب لَكَانَ أقرب إِلَى مُرَاده من غَيره قَالَ وَإِنِّي لأميل إِلَيْهِ وأرتضيه وَالْجَوَاب عَمَّا يرد عَلَيْهِ مُمكن قَالَ وَقيل يجوز أَن يكون مُرَاده أَن ذَلِك بِاعْتِبَار وفين مُخْتَلفين وهما الْإِسْنَاد وَالْحكم فَيجوز أَن يكون قَوْله حسن أَي بِاعْتِبَار إِسْنَاده صَحِيح أَي بِاعْتِبَار حكمه لِأَنَّهُ من قبيل المقبول وكل مَقْبُول يجوز أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم الصِّحَّة وَهَذَا يمشي على قَول من يفرد الْحسن من الصَّحِيح بل يُسَمِّي الْكل صَحِيحا لَكِن يرد عَلَيْهِ مَا أوردناه أَولا من أَن التِّرْمِذِيّ أَكثر من الحكم بذلك على الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْإِسْنَاد قَالَ وَأجَاب بعض الْمُتَأَخِّرين بِأَنَّهُ أَرَادَ حسن على طَريقَة من يفرق بَين النَّوْعَيْنِ لقُصُور رُتْبَة رَاوِيه عَن دَرَجَة الصِّحَّة المصطلحة صَحِيح على طَريقَة من لَا يفرق بَينهمَا

قَالَ وَيرد عَلَيْهِ مَا أوردناه فِيمَا سبق قَالَ وَاخْتَارَ بعض من أدركناه أَن اللَّفْظَيْنِ عِنْده مترافان وَيكون إِتْيَانه بِاللَّفْظِ الثَّانِي بعد الول على سَبِيل التَّأْكِيد لَهُ كَمَا يُقَال صَحِيح ثَابت أَو جيد قوي أَو غير ذَلِك قَالَ وَهَذَا قد يقْدَح فِيهِ الْقَاعِدَة فَإِن الْحمل على التأسيس خير من الْحمل على التَّأْكِيد لِأَن الأَصْل عدم التَّأْكِيد لَكِن قد ينْدَفع الْقدح بِوُجُود الْقَرِينَة الدَّالَّة على ذَلِك وَقد وجدنَا فِي عبارَة غير وَاحِد كالدارقطني هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت قَالَ وَفِي الْجُمْلَة أقوى الْأَجْوِبَة مَا أجَاب بِهِ بَان دَقِيق الْعِيد انْتهى كَلَام الْحَافِظ ابْن حجر فِي النكت قَالَ فِي شرح النخبة إِذا اجْتمع الصَّحِيح وَالْحسن فِي وصف وَاحِد فالتردد الْحَاصِل من الْمُجْتَهد فِي النَّاقِل هَل اجْتمعت فِيهِ شُرُوط الصِّحَّة أَو قصر عَنْهَا وَهَذَا حَدِيث يحصل مِنْهُ التفرد بِتِلْكَ الرِّوَايَة قَالَ ومحصل الْجَواب أَن تردد أَئِمَّة الحَدِيث فِي ناقليه اقْتضى للمجتهد أَن لَا يصفه بِأحد الوصفين فَيُقَال فِيهِ حسن بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم صَحِيح بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم وَغَايَة مَا فِيهِ أَنه حذف مِنْهُ حرف التَّرَدُّد لِأَنَّهُ حَقه أَن يَقُول حسن أَو صَحِيح وَهَذَا كَمَا حذف حرف الْعَطف من الَّذِي بعده وعَلى هَذَا مَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح دون مَا قيل فِيهِ صَحِيح لِأَن الْجَزْم أقوى من التَّرَدُّد وَهَذَا من حَيْثُ التفرد وَإِلَّا فَإِذا لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين مَعًا على الحَدِيث يكون بِاعْتِبَار إسنادين أَحدهمَا صَحِيح وَالْآخر حسن وعَلى هَذَا فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح فَوق مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط إِذا كَانَ فَردا لِأَن كَثْرَة الطّرق تقَوِّي

فَإِن قيل قد صرح التِّرْمِذِيّ بِأَن شَرط الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه فَكيف يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه فَالْجَوَاب أَن التِّرْمِذِيّ لم يعرف الْحسن مُطلقًا وَغنما عرف بِنَوْع خَاص وَقع فِي كِتَابه وَهُوَ مَا يَقُول فِيهِ حسن من غير صفة أُخْرَى وذ لَك أَنه يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث حسن وَفِي بَعْضهَا صَحِيح وَفِي بَعْضهَا غَرِيب وَفِي بَعْضهَا حسن صَحِيح وَفِي بَعْضهَا حسن غَرِيب وَفِي بَعْضهَا صَحِيح غَرِيب وَفِي بَعْضهَا حسن صَحِيح غَرِيب وتعريفه إِنَّمَا وَقع على الأول فَقَط وَعبارَته ترشد إِلَى ذَلِك حَيْثُ قَالَ فِي أَوَاخِر كِتَابه وَمَا قُلْنَا فِي كتَابنَا حَدِيث حسن فَإِنَّمَا أردنَا بِهِ حسن إِسْنَاده عندنَا فَكل حَدِيث رُوِيَ لَا يكون رَاوِيه مُتَّهمًا بكذب ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك وَلَا يكون شاذا فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن يعرف بِهَذَا أَنه إِنَّمَا عرف الَّذِي يَقُول فِيهِ حسن فَقَط أما مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح أَو حسن غَرِيب أَو حسن صَحِيح غَرِيب فَلم يعرج على تَعْرِيفه كَمَا لم يعرج على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ صَحِيح فَقَط أَو غَرِيب فَقَط وَكَأَنَّهُ ترك ذَلِك اسْتغْنَاء بشهرته عِنْد أهل الْفَنّ وَاقْتصر على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ فِي كِتَابه حسن فَقَط إِمَّا لغموضه وَإِمَّا لِأَنَّهُ اصْطِلَاح جَدِيد وَلذَلِك قيد بقوله عندنَا وَلم ينْسبهُ إِلَى أهل الحَدِيث كَمَا فعل الْخطابِيّ وَبِهَذَا التَّقْرِير ينْدَفع كثير من الإيرادات الَّتِي طَال الْبَحْث فِيهَا وَلم يسفر وَجه توجيهها فَللَّه الْحَمد على مَا ألهم وَعلم قلت وَظهر لي توجيهان آخرَانِ أَحدهمَا أَن المُرَاد حسن لذاته صَحِيح لغيره وَالْآخر أَن المُرَاد حسن بِاعْتِبَار إِسْنَاده صَحِيح أَي أَنه أصح شَيْء ورد فِي الْبَاب فَإِنَّهُ يُقَال أصح مَا ورد كَذَا وَإِن كَانَ حسنا اَوْ ضَعِيفا فَالْمُرَاد أرجحه أَو أَقَله ضعفا

ثمَّ إِن التِّرْمِذِيّ لم ينْفَرد بِهَذَا المصطلح بل سبقه إِلَيْهِ شَيْخه البُخَارِيّ كَمَا نَقله ابْن الصّلاح فِي غير مُخْتَصره وَالزَّرْكَشِيّ وَابْن حجر فِي نكتهما قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَاعْلَم أَن هَذَا السُّؤَال يرد بِعَيْنِه فِي قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لِأَن من شَرط الْحسن أَن يكون مَعْرُوفا من غير وَجه والغريب مَا انْفَرد بِهِ أحد رُوَاته وَبَينهمَا تناف قَالَ وَجَوَابه ان الْغَرِيب يطبق على أَقسَام غَرِيب من جِهَة الْمَتْن وغريب من جِهَة الْإِسْنَاد وَالْمرَاد هُنَا الثَّانِي دون الأول لِأَن هَذَا الْغَرِيب مَعْرُوف عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة لَكِن تفرد بَعضهم بروايته عَن صَحَابِيّ فبحسب الْمَتْن حسن وبحسب الْإِسْنَاد غَرِيب لِأَنَّهُ لم يروه من تِلْكَ الْجَمَاعَة إِلَّا وَاحِد وَلَا مُنَافَاة بَين الْغَرِيب بِهَذَا الْمَعْنى وَبَين الْحسن بِخِلَاف سَائِر الغرائب فَإِنَّهَا تنَافِي الْحسن انْتهى مَا نقل من قوت المغتذي وَقد سُئِلَ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية عَن هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا فَقَالَ الْجَواب أما الْغَرِيب فَهُوَ الَّذِي لَا يعرف إِلَّا من طَرِيق وَاحِد ثمَّ قد يكون صَحِيحا كَحَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَنَهْيه عَن بيع الْوَلَاء وهبته وَحَدِيث أَنه دخل مَكَّة وعَلى رَأسه المغفر فَهَذِهِ صِحَاح فِي البُخَارِيّ وَمُسلم وَهِي غَرِيبَة عَن أهل الحَدِيث فَالْأول إِنَّمَا ثَبت عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن عَلْقَمَة بن وَقاص اللَّيْثِيّ عَن عمر بن الْخطاب وَالثَّانِي إِنَّمَا يعرف من حَدِيث عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر وَالثَّالِث إِنَّمَا يعرف من رِوَايَة مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس وَلَكِن أَكثر الغرائب ضَعِيفَة وَأما الْحسن فِي اصْطِلَاح التِّرْمِذِيّ فَهُوَ مَا رُوِيَ من وَجْهَيْن وَلَيْسَ فِي رُوَاته من هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ وَلَا هُوَ شَاذ مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة فَهَذِهِ الشُّرُوط هِيَ الَّتِي شَرطهَا التِّرْمِذِيّ فِي الْحسن لكم من النَّاس من يَقُول قد يُسَمِّي حسنا مَا لَيْسَ كَذَلِك مثل حَدِيث يَقُول فِيهِ حسن غَرِيب فَإِنَّهُ لم يرو إِلَّا من وَجه وَاحِد وَقد سَمَّاهُ حسنا

وَقد أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ قد يكون غَرِيبا لم يرو إِلَّا عَن تَابِعِيّ وَاحِد لَكِن رُوِيَ عَنهُ من وَجْهَيْن فَصَارَ حسنا لتَعَدد طرقه عَن ذَلِك الشَّخْص وَهُوَ فِي أَصله غَرِيب وَكَذَلِكَ الصَّحِيح الْحسن الْغَرِيب قد يكون مرويا بِإِسْنَاد صَحِيح غَرِيب ثمَّ رُوِيَ عَن الرَّاوِي الْأَعْلَى بطرِيق صَحِيح وَطَرِيق آخر فَيصير بذلك حسنا مَعَ أَنه صَحِيح غَرِيب لِأَن الْحسن مَا تعدّدت طرقه وَلَيْسَ فِيهَا مُتَّهم فَإِن كَانَ صَحِيحا من الطَّرِيقَيْنِ فَهَذَا صَحِيح مَحْض وَإِن كَانَ أحد الطَّرِيقَيْنِ لم يعلم صِحَّته فَهَذَا حسن وَقد يكون غَرِيب الْإِسْنَاد فَلَا يعرف بذلك الْإِسْنَاد إِلَّا من ذَلِك الْوَجْه وَهُوَ حسن الْمَتْن لِأَن الْمَتْن رُوِيَ من وَجْهَيْن وَلِهَذَا يَقُول وَفِي الْبَاب عَن فلَان وَفُلَان فَيكون لمعناه شَوَاهِد تبين أَن مَتنه حسن وَإِن كَانَ إِسْنَاده غَرِيبا وَإِذا قَالَ مَعَ ذَلِك إِنَّه صَحِيح فَيكون قد ثَبت من طَرِيق صَحِيح وَرُوِيَ من طَرِيق حسن فَاجْتمع فِيهِ الصِّحَّة وَالْحسن وَيكون غَرِيبا من ذَلِك الْوَجْه لَا يعرف من ذَلِك الْإِسْنَاد إِلَّا من ذَلِك الْوَجْه وغن كَانَ صَحِيحا من ذَلِك الْوَجْه فقد يكون صَحِيحا غَرِيبا وَهَذَا لَا شُبْهَة فِيهِ وَإِنَّمَا الشُّبْهَة فِي اجْتِمَاع الْحسن والغربة وَقد تقدم أَنه قد يكون غَرِيبا ثمَّ يصير حسنا فَيكون حسنا غَرِيبا كَمَا ذكر من الْمَعْنيين وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة لأولي الْجد والعناية وَهنا تمّ الْكَلَام فِي المبحث الثَّانِي فِي الحَدِيث الْحسن وبينما كُنَّا نُرِيد أَن نشرع فِي المبحث الثَّالِث فِي الحَدِيث الضَّعِيف وقفنا على كتاب معرفَة عُلُوم الحَدِيث لِلْحَافِظِ الجل الْمجمع على صدقه وإمامته فِي هَذَا الْفَنّ أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الضَّبِّيّ الْمَعْرُوف بالحاكم فَوَجَدنَا فِيهِ فَوَائِد مهمة رائقة يَنْبَغِي لطالبي هَذَا الْفَنّ الْوُقُوف عَلَيْهَا فَرَأَيْنَا أَن نورد من كل مَبْحَث من مباحثه شَيْئا مِمَّا ذكر فِيهِ حَتَّى يكون الْمطَالع لذَلِك كَأَنَّهُ مشرف عَلَيْهِ

قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله بن عبد الله الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي الْحَمد لله ذِي الْمَنّ وَالْإِحْسَان وَالْقُدْرَة وَالسُّلْطَان الَّذِي أنشأ الْخلق بربوبيته وجنسهم بمشيئته وَاصْطفى مِنْهُم طَائِفَة أصفياء وجعلهم بررة أتقياء فهم خَواص عباده وأوتاد بِلَاده يصرف عَنْهُم البلايا ويخصهم بالخيرات والعطايا فهم القائمون بِإِظْهَار دينه والمتمسكون بسنن نبيه فَلهُ الْحَمد على مَا قدر وَقضى وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله زجر عَن اتِّخَاذ الْأَوْلِيَاء دون كِتَابه وَاتِّبَاع الْخلق دون نبيه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده الْمُصْطَفى وَرَسُوله الْمُجْتَبى بلغ عَنهُ رسَالَته فصلى الله عَلَيْهِ آمرا وناهيا ومبيحا وزاجرا وعَلى آله الطيبين قَالَ الْحَاكِم أما بعد فَإِنِّي لما رَأَيْت الْبدع فِي زَمَاننَا كثرت وَمَعْرِفَة النَّاس بأصول السّنَن قلت مَعَ إمعانهم فِي كِتَابه الْأَخْبَار وَكَثْرَة طلبَهَا على الإهمال والإغفال دَعَاني ذَلِك إِلَى تصنيف كتاب خَفِيف يشْتَمل على ذكر أَنْوَاع علم الحَدِيث مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ طلبه الْأَخْبَار المواظبون على كِتَابه الْآثَار وأعتمد فِي ذَلِك

سلوك الِاخْتِصَار دون الإطناب فِي الْإِكْثَار وَالله الْمُوفق لما قصدته والمان فِي بَيَان مَا أردته إِنَّه جواد كريم رؤوف رَحِيم حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق الْبَصْرِيّ حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا شُعْبَة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ سَمِعت أبي يحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يزَال نَاس من أمتِي منصورين لَا يضرهم من خذلهم حَتَّى تقوم السَّاعَة سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الحميد الْآدَمِيّ يَقُول سَمِعت مُوسَى بن هَارُون يَقُول سَمِعت أحد بن حَنْبَل وَسُئِلَ عَن معنى هَذَا الحَدِيث فَقَالَ إِن لم تكن هَذِه الطَّائِفَة المنصورة أَصْحَاب الحَدِيث فَلَا أَدْرِي من هم قَالَ أَبُو عبد الله وَفِي مثل هَذَا قيل من أَمر السّنة على نَفسه قولا وفعلا نطق بِالْحَقِّ فَلَقَد أحسن أَحْمد بن حَنْبَل فِي تَفْسِير هَذَا الْخَبَر أَن الطَّائِفَة المنصورة الَّتِي يرفع الخذلان عَنْهُم إِلَى قيام السَّاعَة هم أَصْحَاب الحَدِيث وَمن أَحَق بِهَذَا التَّأْوِيل من قوم سلكوا محجة الصَّالِحين وَاتبعُوا آثَار السّلف من الماضين ودمغوا أهل الْبدع والمخالفين بسنن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله أَجْمَعِينَ سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن سهل الْفَقِيه ببخارى يَقُول سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن سَلام الْفَقِيه يَقُول لَيْسَ شَيْء أثقل على أهل الْإِلْحَاد وَلَا أبْغض إِلَيْهِم من سَماع الحَدِيث وَرِوَايَته بِإِسْنَاد قَالَ أَبُو عبد الله وعَلى هَذَا عهدنا فِي أسفارنا وأوطاننا كل من ينْسب إِلَى نوع من الْإِلْحَاد والبدع لَا ينظر إِلَى الطَّائِفَة المنصورة إِلَّا بِعَين الحقارة ويسميها الحشوية

ذكر أول نوع من أنواع علوم الحديث

ذكر أول نوع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث النَّوْع الأول من هَذِه الْعُلُوم معرفَة عالي الْإِسْنَاد قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا جَابر بن عبد الله على كَثْرَة حَدِيثه وملازمته رَحل إِلَى من هُوَ مثله أَو دونه مَسَافَة بعيدَة فِي طلب حَدِيث وَاحِد والعالية من الْأَسَانِيد لَيْسَ على مَا يتوهمه عوام النَّاس يعدون الْأَسَانِيد فَمَا وجدوا مِنْهَا أقرب عددا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتوهمونه أَعلَى والعالية من الْأَسَانِيد الَّتِي تعرف بالفهم لَا بعد الرِّجَال غير هَذَا فَرب إِسْنَاد يزِيد عدده على السَّبْعَة وَالثَّمَانِيَة إِلَى الْعشْرَة وَهُوَ أَعلَى مِمَّا ينقص عَن ذَلِك

ومثاله مَا حدّثنَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا الْحسن بن عَليّ بن عَفَّان العامري حَدثنَا عبد الله بن نمير عَن الْأَعْمَش عَن عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع من كن فِيهِ كَانَ منافقا خَالِصا وَمن كَانَت فِيهِ خصْلَة مِنْهُنَّ كَانَت فِيهِ خصْلَة من نفاق حَتَّى يَدعهَا إِذا حدث وَكذب وَإِذا عَاهَدَ غدر وَإِذا وعد أخلف وَإِذا خَاصم فجر هَذَا إِسْنَاد صَحِيح مخرج فِي كتاب مُسلم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه وَقد بلغ عدد رُوَاته سَبْعَة وَهُوَ أَعلَى من الْأَرْبَع الَّذِي قدمنَا ذكره فَإِن الْغَرَض فِيهِ الْقرب من سُلَيْمَان بن مهْرَان الْأَعْمَش فَإِن الحَدِيث لَهُ وَهُوَ إِمَام من أَئِمَّة الحَدِيث وَكَذَلِكَ كل إِسْنَاد يقرب من الإِمَام الْمَذْكُور فِيهِ فَإِذا صحت الرِّوَايَة إِلَى ذَلِك الإِمَام بِالْعدَدِ الْيَسِير فَإِنَّهُ عالي حَدثنَا عَليّ بن الْفضل حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة الْعَبْدي حَدثنَا هشيم عَن يُونُس بن عبيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مطل الْغَنِيّ ظلم وَهَذَا أَعلَى مَا يَقع لأقراننا من الْأَسَانِيد وَفِي إِسْنَاده سَبْعَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغنما صَار عَالِيا لقُرْبه من هشيم بن بشير وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة وَكَذَلِكَ كل إِسْنَاد يقرب من عبد الْملك بن جريج وَعبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ وَمَالك بن أنس وسُفْيَان بن سعيد الثَّوْريّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَحَمَّاد بن زيد وَغَيرهم من أَئِمَّة الحَدِيث فَإِنَّهُ عالي وَإِن زَاد

ذكر النوع الثاني من أنواع علوم الحديث

فِي عدده بعد ذكر الإِمَام الَّذِي جَعَلْنَاهُ مِثَالا فَهَذِهِ عَلامَة الْإِسْنَاد العالي ذكر النَّوْع الثَّانِي من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث النَّوْع الثَّانِي فِي معرف الحَدِيث الْعلم بالنازل من إِسْنَاد وَلَعَلَّ قَائِلا يَقُول النُّزُول ضد الْعُلُوّ فَمن عرف الْعُلُوّ فقد عرف ضِدّه وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن للنزول مَرَاتِب لَا يعرفهَا إِلَّا أهل الصَّنْعَة فَمِنْهَا مَا تُؤدِّي الضَّرُورَة إِلَى سَمَاعه نازلا وَمِنْهَا مَا يحْتَاج طَالب الْعلم لى معرفَة وتبحر فِيهِ فَلَا يكْتب النَّازِل وَهُوَ مَوْجُود بِإِسْنَاد أَعلَى مِنْهُ ذكر النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع الحَدِيث النَّوْع الثَّالِث من هَذَا الْعلم معرفَة صدق الْمُحدث وإتقانه وثبته وَصِحَّة أُصُوله وَمَا يتحمله سنه ورحلته من الْأَسَانِيد وَغير ذَلِك من غفلته وتهاونه بِنَفسِهِ وَعلمه وأصوله حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْحَافِظ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله السَّعْدِيّ حَدثنَا مُعَاوِيَة بت هِشَام حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ مَا كل الحَدِيث سمعناه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحدثنا أَصْحَابنَا وَكُنَّا مشتغلين فِي رِعَايَة الْإِبِل وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يطْلبُونَ مَا يفوتهُمْ سَمَاعه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيسمعونه من أقرانهم وَمِمَّنْ هُوَ أحفظ مِنْهُم وَكَانُوا يشددون على من كَانُوا يسمعُونَ مِنْهُ وَكَانَ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاع التَّابِعين ثمَّ من أَئِمَّة الْمُسلمين يبحثون وينقرون عَن الحَدِيث إِلَى أَن يَصح لَهُم

ذكر الوع الرابع من معرفة علوم الحديث

وَمِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ طَالب الحَدِيث فِي زَمَاننَا أَن يبْحَث عَن أَحْوَال الْمُحدث أَولا هَل يعْتَقد الشَّرِيعَة فِي التَّوْحِيد وَهل يلْزم نَفسه طَاعَة الْأَنْبِيَاء وَالرسل فِيمَا أُوحِي إِلَيْهِم وَوَضَعُوا من الشَّرْع ثمَّ يتَأَمَّل هَل هُوَ صَاحب هوى يَدْعُو النَّاس إِلَى هَوَاهُ فَإِن الدَّاعِي إِلَى الْبِدْعَة لَا يكْتب عَنهُ وَلَا كَرَامَة لإِجْمَاع جمَاعَة من أَئِمَّة الْمُسلمين على تَركه ثمَّ يتعرف سنه هَل يحْتَمل سَمَاعه عَن شُيُوخه الَّذين يحدث عَنْهُم فقد رَأينَا من الْمَشَايِخ جمَاعَة أخبرونا بسن يقصر عَن لَقِي شُيُوخ حدثوا عَنْهُم ثمَّ يتَأَمَّل أُصُوله أعتيقة هِيَ أم جَدِيدَة فقد نبغ فِي عصرنا هَذَا جمَاعَة يشْتَرونَ الْكتب فيحدثون بهَا وَجَمَاعَة يَكْتُبُونَ سماعاتهم بخطوطهم فِي كتب عتيقة فِي الْوَقْت فيحدثون بهَا فَمن يسمع مِنْهُم من غير أهل الصَّنْعَة فمعذور بجهله فَأَما أهل الصَّنْعَة إِذا سمعُوا من أَمْثَال هَؤُلَاءِ بعد الْخِبْرَة فَفِيهِ جرحهم وإسقاطهم إِلَى أَن تظهر تَوْبَتهمْ على ان الْجَاهِل بالصنعة لَا يعْذر فَإِنَّهُ يلْزمه السُّؤَال عَمَّا لَا يعرفهُ وعَلى ذَلِك كَانَ السّلف ذكر الوع الرَّابِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث النَّوْع الرَّابِع من هَذَا الْعلم معرفَة المسانيد من الْأَحَادِيث وَهَذَا علم كَبِير من هَذِه الْأَنْوَاع لاخْتِلَاف أَئِمَّة الْمُسلمين فِي الِاحْتِجَاج بِغَيْر الْمسند والمسند من الحَدِيث أَن يرويهِ الْمُحدث عَن شيخ يظْهر سَمَاعه مِنْهُ لَيْسَ بجهله وَكَذَلِكَ سَماع شَيْخه من شَيْخه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ إِن للمسند شَرَائِط غير مَا ذكرنَا مِنْهَا أَن يكون مَوْقُوفا وَلَا مُرْسلا

ذكر النوع الخامس من هذه العلوم

وَلَا معضلا وَلَا فِي رِوَايَته مُدَلّس فَهَذِهِ الْأَنْوَاع يَجِيء شرحها بعد هَذَا فَإِن معرفَة كل نوع مِنْهَا علم على الِانْفِرَاد وم شَرَائِط الْمسند أَن لَا يكون فِي إِسْنَاده أخْبرت عَن فلَان وَلَا رَفعه فلَان وَلَا أَظُنهُ مَرْفُوعا وَغير ذَلِك مِمَّا يفْسد بِهِ وَنحن مَعَ هَذِه الشَّرَائِط أَيْضا لَا نحكم لهَذَا الحَدِيث بِالصِّحَّةِ فَإِن الصَّحِيح من الحَدِيث لَهُ شَرط نذكرهُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى ذكر النَّوْع الْخَامِس من هَذِه الْعُلُوم النَّوْع الْخَامِس مِنْهُ معرفَة الْمَوْقُوفَات من الرِّوَايَات إِن الْمَوْقُوف على الصَّحَابَة قَلما يخفى على أهل الْعلم وَمن الْمَوْقُوف الَّذِي يسْتَدلّ بِهِ على أَحَادِيث كَثِيرَة مَا حدّثنَاهُ أَحْمد بن كَامِل القَاضِي حَدثنَا يزِيد بن الْهَيْثَم حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر الفيدي حَدثنَا ابْن فُضَيْل عَن أبي سِنَان عَن عبد الله بن أبي الْهُذيْل عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَول الله {لواحة للبشر} قَالَ تلقاهم جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة فتلفحهم لفحة فَلَا تتْرك لَحْمًا على عظم إِلَّا وَضعته على العراقيب وَأَشْبَاه هَذَا من الْمَوْقُوفَات يعد فِي تَفْسِير الصَّحَابَة فَأَما مَا نقُول فِي تَفْسِير الصَّحَابِيّ إِنَّه مُسْند فَإِنَّمَا نقُوله فِي غير هَذَا النَّوْع وَذَلِكَ فِيمَا إِذا أخبر الصَّحَابِيّ الَّذِي شهد الْوَحْي والتنزيل عَن آيَة من الْقُرْآن أَنَّهَا نزلت فِي كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ حَدِيث مُسْند وَمِمَّا يلْزم طَالب الحَدِيث مَعْرفَته نوع من الْمَوْقُوفَات وَهِي مُرْسلَة قبل الْوُصُول إِلَى الصَّحَابَة وَمِمَّا يلْزم طَالب الحَدِيث مَعْرفَته نوع آخر من الْمَوْقُوفَات وَهِي مُسندَة فِي

ذكر النوع السادس من معرفة علوم الحديث

الأَصْل يقصر بِهِ بعض الروَاة فَلَا يسْندهُ مِثَال ذَلِك مَا حَدثنَا أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن مُحَمَّد الْعَنْبَري حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْعَبْدي حَدثنَا أُميَّة بن بسطَام حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا روح بن الْقَاسِم حَدثنَا مَنْصُور عَن ربعي بن حِرَاش عَن أبي مَسْعُود قَالَ إِن مَا حفظ النَّاس من آخر النُّبُوَّة إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت هَذَا حَدِيث أسْندهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة وَغَيرهمَا عَن مَنْصُور وَقد قصر بِهِ روح بن الْقَاسِم فَوَقفهُ وَمِثَال هَذَا فِي الحَدِيث كثير وَلَا يعلم سندها إِلَّا الفرسان من حفاظ الحَدِيث وَلَا يعد فِي الْمَوْقُوفَات ذكر النَّوْع السَّادِس من معرفَة عُلُوم الحَدِيث النَّوْع السَّادِس من هَذَا الْعلم معرفَة الْأَسَانِيد الَّتِي لَا يذكر سندها عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن ذَلِك مَا حدّثنَاهُ أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد حَدثنَا مُحَمَّد بن حبَان الصَّنْعَانِيّ حَدثنَا عَمْرو بن عبد الْغفار

ذكر النوع السابع من أنواع علوم الحديث

الصَّنْعَانِيّ حَدثنَا بشر بن السّري حَدثنَا زَائِدَة عَن عمار بن أبي مُعَاوِيَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كُنَّا نتمضمض من اللَّبن وَلَا نَتَوَضَّأ مِنْهُ هَذَا بَاب كَبِير يطول ذكره بِالْأَسَانِيدِ فَمن ذَلِك مَا ذكرنَا وَمن ذَلِك قَول الصَّحَابِيّ الْمَعْرُوف بالصحبة أمرنَا أَن نَفْعل كَذَا ونهينا عَن كَذَا وَكَذَا وَكُنَّا نؤمر بِكَذَا وَكُنَّا ننهي عَن كَذَا وَكُنَّا نَفْعل كَذَا وَكُنَّا نقُول وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِينَا وَكُنَّا لَا نرى بَأْسا كَذَا وَكَانَ يُقَال كَذَا وَكَذَا وَقَول الصَّحَابِيّ من السّنة كَذَا وَأَشْبَاه مَا ذَكرْنَاهُ إِذا قَالَه الصَّحَابِيّ الْمَعْرُوف بالصحبة فَهُوَ حَدِيث مُسْند وكل ذَلِك مخرج فِي المسانيد ذكر النَّوْع السَّابِع من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث النَّوْع السَّابِع من هَذَا الْعلم معرفَة الصَّحَابَة على مَرَاتِبهمْ وَقد قسمهم إِلَى اثْنَتَيْ عشرَة طبقَة والطبقة الثَّانِيَة عشرَة مِنْهُم صبيان وَأَطْفَال رَأَوْا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح أَو فِي حجَّة الْوَدَاع أَو فِي غَيرهمَا ثمَّ قَالَ وَمن تبحر فِي معرفَة الصَّحَابَة فَهُوَ حَافظ كَامِل الْحِفْظ فقد رَأَيْت جمَاعَة من مَشَايِخنَا يروون الحَدِيث الْمُرْسل عَن تَابِعِيّ عَن رَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيتوهمونه صحابيا وَرُبمَا رووا الْمسند عَن صَحَابِيّ فيتوهمونه تابعيا ذكر النَّوْع الثَّامِن من عُلُوم الحَدِيث النَّوْع الثَّامِن من هَذَا الْعلم معرفَة الْمَرَاسِيل الْمُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بهَا وَهَذَا نوع من علم الحَدِيث صَعب قَلما يَهْتَدِي إِلَيْهِ إِلَّا المتبحر فِي هَذَا الْعلم فَإِن مَشَايِخ

الحَدِيث لم يَخْتَلِفُوا أَن الحَدِيث الْمُرْسل هُوَ الَّذِي يرويهِ الْمُحدث بأسانيد مُتَّصِلَة إِلَى التَّابِعِيّ فَيَقُول التَّابِعِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واكثر مَا تروى الْمَرَاسِيل من أهل الْمَدِينَة عَن سعيد بن الْمسيب وَمن أهل مَكَّة عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَمن أهل مصر عَن سعيد بن أبي هِلَال وَمن أهل الشَّام عَن مَكْحُول الدِّمَشْقِي وَمن أهل الْبَصْرَة عَن الْحسن بن أبي الْحسن وَمن أهل الْكُوفَة عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ وَقد يرْوى الحَدِيث بعد الحَدِيث عَن غَيرهم من التَّابِعين إِلَّا أَن الْغَلَبَة لرواياتهم وأصحها مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب وَهُوَ فَقِيه أهل الْحجاز ومقدمهم وَأول الْفُقَهَاء السَّبْعَة الَّذين يعد مَالك بن أنس إِجْمَاعهم إِجْمَاع كَافَّة النَّاس واما مَشَايِخ أهل الْكُوفَة فَإِن عِنْدهم أَن كل حَدِيث أرْسلهُ أحد من التَّابِعين أَو أَتبَاع التَّابِعين أَو من بعدهمْ من الْعلمَاء فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ مُرْسل وَهُوَ مُحْتَج بِهِ وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك عندنَا فَإِن مُرْسل أَتبَاع التَّابِعين عندنَا معضل قَالَ يزِيد بن هَارُون لحماد بن زيد يَا أَبَا إِسْمَاعِيل هَل ذكر الله أَصْحَاب الحَدِيث فِي الْقُرْآن فَقَالَ بلَى ألم تسمع إِلَى قَول الله تَعَالَى {ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} فَهَذَا فِيمَن رَحل فِي طلب الْعلم ثمَّ رَجَعَ بِهِ إِلَى من وَرَاءه ليعلمهم إِيَّاه فَفِي هَذَا النَّص دَلِيل على أَن الْعلم المحتج بِهِ هُوَ المسموع غير الْمُرْسل هَذَا من الْكتاب واما من السّنة فَالْحَدِيث الْمَشْهُور المستفيض وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها حَتَّى يُؤَدِّيهَا إِلَى من لم يسْمعهَا

ذكر النوع التاسع من معرفة علوم الحديث

ذكر النَّوْع التَّاسِع من معرفَة عُلُوم الحَدِيث النَّوْع التَّاسِع من هَذَا الْعلم معرفَة الْمُنْقَطع من الحَدِيث وَهُوَ غير الْمُرْسل وقلما يُوجد فِي الْحفاظ من يُمَيّز بَينهمَا والمنقطع على أَنْوَاع ثَلَاثَة 1 - فمثال نوع مِنْهَا مَا حدّثنَاهُ أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أَحْمد السماك بِبَغْدَاد حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان السَّعْدِيّ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُوسَى اللاحوني أَبُو روح حَدثنَا هِلَال بن حق عَن الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء وَهُوَ ابْن الشخير عَن رجلَيْنِ من بني حَنْظَلَة عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلم أَحَدنَا أَن يَقُول فِي صلَاته اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك التثبت فِي الْأُمُور وعزيمة الرشد وَأَسْأَلك قلبا سليما وَلِسَانًا صَادِقا وَأَسْأَلك شكر نِعْمَتك وَحسن عبادتك وأستغفرك لما تعلم وَأَعُوذ بك من شَرّ مَا تعلم وَأَسْأَلك من خير مَا تعلم هَذَا الْإِسْنَاد مِثَال لنَوْع من الْمُنْقَطع لجَهَالَة الرجلَيْن بَين أبي الْعَلَاء بن الشخير وَشَدَّاد بن أَوْس وشواهده فِي الحَدِيث كَثِيرَة 2 - وَقد يروي الحَدِيث وَفِي إِسْنَاده رجل غير مُسَمّى وَلَيْسَ بمنقطع وَمِثَال ذَلِك مَا أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْبُوب التَّاجِر بمرو حَدثنَا أَحْمد بن سيار حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير أَنبأَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ حَدثنَا دَاوُد بن أبي هِنْد حَدثنَا شيخ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي على النَّاس زمَان يُخَيّر الرجل بَين الْعَجز والفجور فَمن أدْرك ذَلِك الزَّمَان فليختر الْعَجز على الْفُجُور وَهَكَذَا واه عتاب بن بشير والهياج بن بسطَام عَن دَاوُد بن أبي هِنْد وَإِذا

الرجل الَّذِي لم يقفوا على اسْمه أَبُو عمر الجدلي وَهَذَا النَّوْع من الْمُنْقَطع الَّذِي لَا يقف عَلَيْهِ إِلَّا الْحَافِظ الْفَهم المتبحر فِي الصَّنْعَة وَله شَوَاهِد كَثِيرَة جعلت هَذَا الْوَاحِد شَاهدا لَهَا 3 - وَالنَّوْع الثَّالِث من الْمُنْقَطع أَن يكون فِي الْإِسْنَاد رِوَايَة راو لم يسمع من الَّذِي يروي عَنهُ الحَدِيث قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ الَّذِي هُوَ مَوضِع الْإِرْسَال وَلَا يُقَال لهَذَا النَّوْع من الحَدِيث مُرْسل وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ مُنْقَطع مِثَاله مَا حدّثنَاهُ أَبُو النَّصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفَقِيه حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْحَضْرَمِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سهل بن عَسْكَر حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ ذكر الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن زيد بن يثيع عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن وليتموها أَبَا بكر فقوي أَمِين لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وَإِن وليتموها عليا فهاد مهْدي يقيكم على طَرِيق مُسْتَقِيم هَذَا إِسْنَاد لَا يتأمله متأمل إِلَّا علم اتِّصَاله وَسَنَده فَإِن الْحَضْرَمِيّ وَمُحَمّد بن سهل بن عَسْكَر ثقتان وَسَمَاع عبد الرَّزَّاق من سُفْيَان الثَّوْريّ واشتهاره بِهِ مَعْرُوف وَكَذَلِكَ سَماع الثَّوْريّ من أبي إِسْحَاق واشتهاره بِهِ مَعْرُوف وَفِيه انْقِطَاع فِي موضِعين فَإِن عبد الرَّزَّاق لم يسمعهُ من الثَّوْريّ وَالثَّوْري لم يسمعهُ من أبي إِسْحَاق أخبرناه أَبُو عَمْرو بن السماك حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص مُحَمَّد بن الْهَيْثَم القَاضِي

ذكر النوع العاشر من علوم الحديث

حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي السّري حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أَخْبرنِي النُّعْمَان بن أبي شيبَة الجندي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق فَذكر نَحوه حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي دارم الْحَافِظ بِالْكُوفَةِ حَدثنَا الْحسن بن عُلْوِيَّهُ الْقطَّان حَدثنِي عبد السَّلَام بن صَالح حَدثنَا عبد الله بن نمير حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ حَدثنَا شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن زيد بن يثيع عَن حُذَيْفَة قَالَ ذكرُوا الْإِمَارَة والخلافة عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث بِنَحْوِهِ وكل من تَأمل مَا ذَكرْنَاهُ من الْمُنْقَطع علم وتيقن أَن هَذَا الْعلم من الدَّقِيق الَّذِي لَا يَسْتَدْرِكهُ إِلَّا الْمُوفق والطالب المتعلم ذكر النَّوْع الْعَاشِر من عُلُوم الحَدِيث النَّوْع الْعَاشِر معرفَة المسلسل من الْأَسَانِيد وَلم يذكر الْحَاكِم تَعْرِيف المسلسل وَإِنَّمَا نَوعه إِلَى ثَمَانِيَة أَنْوَاع اكْتفى فِيهَا بِذكر أمثلتها ثمَّ قَالَ فِي آخرهَا فَهَذِهِ أَنْوَاع المسلسل من الْأَسَانِيد الْمُتَّصِلَة الَّتِي لَا يشوبها تَدْلِيس وآثار السماع بَين الروايين ظَاهِرَة غير أَن رسم الْجرْح وَالتَّعْدِيل عَلَيْهِمَا مُحكم وَإِنِّي لَا أحكم لبَعض هَذِه الْأَسَانِيد بِالصِّحَّةِ وَإِنَّمَا ذكرتها ليستدل بشواهدها عَلَيْهَا وَقد تعرض ابْن الصّلاح لعبارة الْحَاكِم مَعَ بَيَان حد المسلسل فَاقْتضى الْحَال إِيرَاد عِبَارَته هُنَا إتماما للفائدة قَالَ النَّوْع الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ معرفَة المسلسل من الحَدِيث التسلسل من نعوت الْأَسَانِيد وَهُوَ عبارَة عَن تتَابع رجال الْإِسْنَاد وتواردهم فِيهِ وَاحِدًا بعدواحد على صفة أَو حَالَة وَاحِدَة وينقسم ذَلِك إِلَى مَا يكون صفة للرواية والتحمل وَإِلَى مَا يكون صفة للرواة

ذكر النوع الحادي عشر من علوم الحديث

أَو حَالَة لَهُم ثمَّ إِن صفاتهم فِي ذَلِك وأحوالهم أقوالا وأفعالا وَنَحْو ذَلِك تَنْقَسِم إِلَى مَا لَا نحصيه ونوعه الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِلَى ثَمَانِيَة أَنْوَاع وَالَّذِي ذكره فِيهَا إِنَّمَا هُوَ صور وأمثله ثَمَانِيَة وَلَا انحصار لذَلِك فِي ثَمَانِيَة كَمَا ذَكرْنَاهُ وَمِثَال مَا يكون صفة للرواية والتحمل مَا يتسلسل بسمعت فلَانا قَالَ سَمِعت فلَانا إِلَى آخر الْإِسْنَاد أَو يتسلسل بحديثنا أَو أخبرنَا إِلَى آخِره وَمن ذَلِك أخبرنَا وَالله فلَان قَالَ أخبرنَا وَالله فلَان إِلَى آخِره وَمِثَال مَا يرجع إِلَى صِفَات الروَاة وأقوالهم وَنَحْوهَا إِسْنَاد حَدِيث اللَّهُمَّ أَعنِي على شكرك وذكرك وَحسن عبادتك المسلسل بقَوْلهمْ إِنِّي أحبك فَقل وَحَدِيث التشبيك بِالْيَدِ وَحَدِيث الْعد فِي الْيَد فِي أشباه لذَلِك نرويها وتروى كَثِيرَة وَخَيرهَا مَا كَانَ فِيهَا دلَالَة على اتِّصَال السماع وَعدم التَّدْلِيس وَمن فَضِيلَة التسلسل اشتماله على مزِيد الضَّبْط من الروَاة وقلما تسلم المسلسلات من ضعف أَعنِي فِي وصف التسلسل لَا فِي أصل الْمَتْن وَمن المسلسل مَا يَنْقَطِع تسلسله فِي وسط إِسْنَاده وَذَلِكَ نقص فِيهِ وَهُوَ كالمسلسل بِأول حَدِيث سمعته على مَا هُوَ الصَّحِيح فِي ذَلِك وَالله أعلم ذكر النَّوْع الْحَادِي عشر من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم هُوَ معرفَة الْأَحَادِيث المعنعنة وَلَيْسَ فِيهَا تَدْلِيس وَهِي مُتَّصِلَة بِإِجْمَاع أَئِمَّة أهل النَّقْل فالرواة الَّذين لَيْسَ من مذاهبهم التَّدْلِيس سَوَاء عندنَا ذكرُوا سماعهم أَو لم يذكروه

ذكر النوع الثاني عشر من علوم الحديث

ذكر النَّوْع الثَّانِي عشر من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم هُوَ المعضل من الرِّوَايَات فقد ذكر إِمَام الحَدِيث عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ فَمن بعده من أَئِمَّتنَا أَن المعضل من الرِّوَايَات أَن يكون بَين الْمُرْسل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر من رجل وَأَنه غير مُرْسل فَإِن الْمَرَاسِيل للتابعين دون غَيرهم مِثَال هَذَا النَّوْع من الحَدِيث مَا حدّثنَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم حَدثنَا ابْن وهب أَخْبرنِي مخرمَة بن بكير عَن أَبِيه عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ قَاتل عبد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن لَك سيدك قَالَ لَا فَقَالَ لَو قتلت لدخلت النَّار قَالَ سَيّده فَهُوَ حر يَا رَسُول الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن فقاتل فقد أعضل هَذَا الْإِسْنَاد عَمْرو بن شُعَيْب ثمَّ لَا نعلم أحدا من الروَاة وَصله وَلَا أرْسلهُ عَنهُ فَهُوَ معضل وَلَيْسَ كل شَيْء مَا يشبه هَذَا معضلا فَرُبمَا أعضل أَتبَاع التَّابِعين الحَدِيث وأتباعهم فِي وَقت ثمَّ وصلاه أَو أرْسلهُ فِي وَقت وَالنَّوْع الثَّانِي من المعضل أَن يعضله من أَتبَاع التَّابِعين فَلَا يرويهِ عَن أحد ويوقفه فَلَا يذكرهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معضلا ثمَّ يُوجد ذَلِك الْكَلَام عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَّصِلا هَذَا وَقد قضى الْحَال بِأَن نورد هُنَا مَا قَالَه أنَاس من أَرْبَاب الْفَنّ مِمَّن كَانَ بعد الْحَاكِم إتماما للفائدة قَالَ ابْن الصّلاح المعضل لقب لنَوْع خَاص من الْمُنْقَطع فَكل معضل مُنْقَطع وَلَيْسَ كل مُنْقَطع معضلا وَقوم يسمونه مُرْسل كَمَا سبق وَهُوَ عبارَة عَمَّا سقط من إِسْنَاده اثْنَان فَصَاعِدا وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ أعضله فَهُوَ معضل بِفَتْح الضَّاد وَهُوَ اصْطِلَاح

مُشكل المأخذ من حَيْثُ اللُّغَة وبحثت فَوجدت لَهُم قَوْلهم أَمر عضيل أَي مستغلق شَدِيد وَلَا الْتِفَات فِي ذَلِك إِلَى معضل بِكَسْر الضَّاد وَإِن كَانَ مثل عضيل فِي الْمَعْنى ومثاله مَا يرويهِ تَابع التَّابِعِيّ قَائِلا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ مَا يرويهِ من دون تَابِعِيّ التَّابِعِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو عَن أبي بكر أَو عمر أَو غَيرهمَا غير ذَاكر للوسائط بَينه وَبينهمْ وَذكر أَبُو بكر نصر السجْزِي الْحَافِظ قَول الرَّاوِي بَلغنِي نَحْو قَول مَالك بَلغنِي عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للملوك طَعَامه وَكسوته الحَدِيث وَقَالَ أَي السجْزِي أَصْحَاب الحَدِيث يسمونه المعضل قلت وَقَول المصنفين من الْفُقَهَاء وَغَيرهم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَكَذَا وَنَحْو ذَلِك كُله من قبيل المعضل لما تقدم وَسَماهُ الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ فِي بعض كَلَامه مُرْسلا وَذَلِكَ على مَذْهَب من يُسمى كل مَا لَا يتَّصل مُرْسلا كَمَا سبق وَإِذا روى تَابِعِيّ التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ حَدِيثا مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَهُوَ حَدِيث مُتَّصِل مُسْند إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد جعله الْحَاكِم أَبُو عبد الله نوعا من المعضل مِثَاله مَا روينَاهُ عَن الْأَعْمَش عَن الشّعبِيّ قَالَ يُقَال للرجل يَوْم الْقِيَامَة عملت كَذَا وَكَذَا فَيَقُول مَا عملته فيختم على فِيهِ الحَدِيث فقد أعضله الْأَعْمَش وَهُوَ عِنْد الشّعبِيّ عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَّصِل مُسْند قلت هَذَا جيد حسن لِأَن هَذَا الِانْقِطَاع بِوَاحِد مضموما إِلَى الْوَقْف يشْتَمل على الِانْقِطَاع بِاثْنَيْنِ الصَّحَابِيّ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك بِاسْتِحْقَاق اسْم الإعضال أولى وَالله أعلم وَقَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ المعضل مَا سقط من إِسْنَاده اثْنَان فَصَاعِدا من أَي

مَوضِع كَانَ سَوَاء سقط الصَّحَابِيّ والتابعي أَو التَّابِعِيّ وَتَابعه أَو اثْنَان قبلهمَا لَكِن بِشَرْط أَن يكون سقوطهما من مَوضِع وَاحِد أما إِذا سقط وَاحِد من بَين رجلَيْنِ ثمَّ سقط من وَمَوْضِع آخر من الْإِسْنَاد وَاحِد آخر فَهُوَ مُنْقَطع فِي موضِعين وَلم أجد فِي كَلَامهم إِطْلَاق المعضل عَلَيْهِ وَأما قَول ابْن الصّلاح المعضل هُوَ عبارَة عَمَّا سقط من إِسْنَاده اثْنَان فَصَاعِدا فَهُوَ وَإِن قَول ابْن الصّلاح المعضل هُوَ عبارَة عَمَّا سقط من إِسْنَاده اثْنَان فَصَاعِدا فَهُوَ وَإِن كَانَ مُطلقًا فَهُوَ مَحْمُول عَلَيْهِ اهـ وَقَالَ غَيره إِن قَول ابْن الصّلاح إِن المعضل لقب لنَوْع خَاص من الْمُنْقَطع فَكل معضل مُنْقَطع وَلَيْسَ كل مُنْقَطع معضلا إِنَّمَا هُوَ جَار على قَول من لَا يخص الْمُنْقَطع بِمَا سقط من إِسْنَاده راو وَاحِد وَلَا يَخُصُّهُ بالمرفوع وَقد نقلنا سَابِقًا شَيْئا مِمَّا ذكره الْحَاكِم فِي الْمُنْقَطع وَقَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ اخْتلف فِي صُورَة الحَدِيث الْمُنْقَطع فَالْمَشْهُور أَنه مَا سقط من رُوَاته راو وَاحِد غير الصَّحَابِيّ وَحكى ابْن الصّلاح عَن الْحَاكِم وَغَيره من أهل الحَدِيث أَنه مَا سقط مِنْهُ قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ شخص وَاحِد وَإِن كَانَ أَكثر من وَاحِد سمي معضلا وَيُسمى أَيْضا مُنْقَطِعًا فَقَوْل الْحَاكِم قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ لَيْسَ بجيد فَإِنَّهُ لَو سقط التَّابِعِيّ كَانَ مُنْقَطِعًا أَيْضا فَالْأولى أَن يعبر بِمَا قُلْنَا قبل الصَّحَابِيّ وَقَالَ ابْن عبد الْبر الْمُنْقَطع مَا لم يتَّصل إِسْنَاده والمرسل مَخْصُوص بالتابعين فالمنقطع أَعم وَحكى ابْن الصّلاح عَن بَعضهم أَن الْمُنْقَطع مثل الْمُرْسل شَامِل لكل مَا لَا يتَّصل إِسْنَاده قَالَ وَهَذَا الْمَذْهَب أقرب وَإِلَيْهِ صَار طوائف من الْفُقَهَاء وَغَيرهم وَهُوَ الَّذِي ذكره الْخَطِيب فِي كِفَايَته إِلَّا أَن أَكثر مَا يُوصف بِالْإِرْسَال من حَيْثُ الِاسْتِعْمَال مَا رَوَاهُ التَّابِعِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واكثر مَا يُوصف بالانقطاع مَا رَوَاهُ من دون التَّابِعين عَن الصَّحَابَة مثل مَالك عَن ابْن عمر وَنَحْو ذَلِك اهـ

ذكر النوع الثالث عشر من علوم الحديث

وَقد صنف ابْن عبد الْبر كتابا فِي وصل مَا فِي الْمُوَطَّأ من الْمُرْسل والمنقطع والمعضل قَالَ وَجَمِيع مَا فِيهِ من قَوْله بَلغنِي وَمن قَوْله عَن الثِّقَة عِنْده مِمَّا لم يسْندهُ أحد وَسِتُّونَ حَدِيثا كلهَا مُسندَة من غير طَرِيق مَالك إِلَّا أَرْبَعَة لَا تعرف أَحدهَا إِنِّي لَا أنسى وَلَكِن أنسى لأسن وَالثَّانِي أَن رَسُول الله أرِي أَعمار النَّاس قبله أَو مَا شَاءَ الله فَكَأَنَّهُ تقاصر أَعمار أمته وَالثَّالِث قَول معَاذ وَآخر مَا وصاني بِهِ رَسُول الله وَقد وضعت رجْلي فِي الغرز أَن قَالَ حسن خلقك للنَّاس وَالرَّابِع إِذا نشأت بحريّة ثمَّ تشاءمت فَتلك عين غديقة وَمن مظان الْمُرْسل والمنقطع والمعضل كتاب السّنَن لسَعِيد بن مَنْصُور تَنْبِيه قد وَقع فِي كَلَام بعض عُلَمَاء الحَدِيث اسْتِعْمَال المعضل فِيمَا لم يسْقط فِيهِ شَيْء من الْإِسْنَاد أصلا وَذَلِكَ فِيمَا فِيهِ إِشْكَال من جِهَة الْمَعْنى مِثَال ذَلِك مَا رَوَاهُ الدولابي فِي الكنى من طَرِيق خُلَيْد بن دعْلج عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه مَرْفُوعا من كَانَت وَصيته على كتاب الله كَانَت كَفَّارَة لما ترك من زَكَاته وَقَالَ هَذَا معضل يكَاد يكون بَاطِلا وَالظَّاهِر أَنه هُنَا بِكَسْر الضَّاد من قَوْلهم أعضل الْأَمر إِذا اشْتَدَّ واستغلق وَأمر معضل لَا يَهْتَدِي لوجهه ذكر النَّوْع الثَّالِث عشر من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع هُوَ معرفَة المدرج فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَلَام الصَّحَابَة وتخليص كَلَام غَيره من كَلَامه وَمِثَال ذَلِك مَا حدّثنَاهُ أَبُو بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه أَنبأَنَا عمر بن حَفْص السدُوسِي حَدثنَا عَاصِم بن عَليّ حَدثنَا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن الْحسن بن الْحر

عَن الْقَاسِم بن مخيمرة قَالَ أَخذ عَلْقَمَة بيَدي وحَدثني أَن عبد الله أَخذ بِيَدِهِ وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ بيد رَسُول الله أَخذ بيد عبد الله فَعلمه فِي الصَّلَاة وَقَالَ قل التَّحِيَّات لله والصلوات فَذكر التَّشَهُّد قَالَ فَإِذا قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ هَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة عَن زُهَيْر وَغَيره عَن الْحسن بن الْحر وَقَوله إِذا قلت هَذَا مدرج فِي الحَدِيث من كَلَام عبد الله بن مَسْعُود ثمَّ ذكر دَلِيل الإدراج قَالَ أهل الْأَثر الإدراج نَوْعَانِ إدراج فِي الْمَتْن وإدراج فِي الْإِسْنَاد أما الإدراج فِي الْمَتْن فَهُوَ أَن يُورد فِي متن الحَدِيث مَا لَيْسَ مِنْهُ على وَجه يُوهم أَنه مِنْهُ وَيُسمى ذَلِك المورد مدرج الْمَتْن وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام مدرج فِي آخر الحَدِيث ومدرج فِي أَوله ومدرج فِي أَثْنَائِهِ أما المدرج فِي آخر الحَدِيث فَهُوَ الْغَالِب الْمَشْهُور فِي هَذَا النَّوْع وَلذَا اقْتصر ابْن الصّلاح عَلَيْهِ ومثاله مَا ورد فِي آخر حَدِيث التَّشَهُّد الْمَذْكُور سَابِقًا وَهُوَ فَإِذا قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ فَإِن هَذَا الْكَلَام مدرج فِي الحَدِيث من كَلَام عبد الله بن مَسْعُود وَهُوَ مدرج فِي آخر الحَدِيث وَقد رَوَاهُ شبابه بن سوار عَنهُ ففصله وَبَين أَنه من قَول عبد الله فَقَالَ قَالَ عبد الله فَإِذا قلت ذَلِك فقد قضيت مَا عَلَيْك من الصَّلَاة فَإِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ شَبابَة ثِقَة وَقد فصل آخر الحَدِيث وَجعله من قَول ابْن مَسْعُود وَهُوَ أصح من رِوَايَة من أدرج آخِره وَقَوله أشبه بِالصَّوَابِ وَأما المدرج فِي أول الحَدِيث فقليل ومثاله مَا رَوَاهُ شبابه بن سوار وَغَيره عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسْبغُوا الْوضُوء ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار

فَقَوله أَسْبغُوا الْوضُوء من قَول أبي هُرَيْرَة أدرج فِي الحَدِيث فِي أَوله وَيدل على الإدراج مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة انه قَالَ أَسْبغُوا الْوضُوء فَإِن أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار رَوَاهُ بَعضهم مُقْتَصرا على الْمَرْفُوع ثمَّ إِن قَول أبي هُرَيْرَة أَسْبغُوا الْوضُوء قد رُوِيَ فِي الصَّحِيح مَرْفُوعا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَقَالَ بَعضهم إِن هَذَا الْقسم نَادِر جدا حَتَّى إِنَّه يعز أَن يُوجد لَهُ مِثَال ثَان يعزز بِهِ هَذَا الْمِثَال واما المدرج فِي أثْنَاء الحَدِيث فَهُوَ كثير إِذا نظر إِلَى مَا أدرج لتفسير الْأَلْفَاظ الغريبة ومثاله خبر هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه عَن بسرة بنت صَفْوَان مَرْفُوعا من مس ذكره أَو أنثييه أَو رفغيه فَليَتَوَضَّأ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَا رَوَاهُ عبد الحميد عَن هِشَام وَقد وهم فِي ذكر الْأُنْثَيَيْنِ والرفغ وإدراجه ذَلِك فِي حَدِيث بسرة وَالْمَحْفُوظ أَن ذَلِك من قَول عُرْوَة غير مَرْفُوع وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثِّقَات عَن هِشَام مِنْهُم أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَحَمَّاد بن زيد وَغَيرهمَا وَقد رُوِيَ من طَرِيق أَيُّوب من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ وَكَانَ عُرْوَة يَقُول إِذا مس رفغيه أَو أنثييه أَو ذكره فَليَتَوَضَّأ فَكَانهُ لَاحَ لَهُ من معنى الْخَبَر أَن مس مَا قرب من الذّكر بِمَنْزِلَة مس الذّكر فَقَالَ مَا قَالَ فَظن بعض الروَاة أَن مَا قَالَه هُوَ نفس الْخَبَر فأوردوه كَذَلِك وَقد تبين للباحثين أَن الْأُنْثَيَيْنِ والرفغ مدرجان فِي أثْنَاء الْخَبَر وَقد رُوِيَ من مس رفغه أَو أنثييه أَو ذكره فَليَتَوَضَّأ وَقد توهم بَعضهم أَنه على هَذِه الرِّوَايَة يكون مِثَالا ثَانِيًا لما وَقع فِيهِ الإدراج فِي الأول وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن أول الحَدِيث هُوَ من مس وَآخره فَليَتَوَضَّأ فالإدراج على كل حَال إِنَّمَا وَقع فِي أثْنَاء الحَدِيث والرفغ بِضَم الرَّاء وَفتحهَا أصل الفخذين وَمِثَال مَا أدرج فِي أثْنَاء الحَدِيث لتفسير لفظ غَرِيب حَدِيث أَنا زعيم

والزعيم الْحميل بِبَيْت فِي الْجنَّة الحَدِيث فَقَوله والزعيم الْحميل مدرج فِي أثْنَاء الحَدِيث لتفسير اللَّفْظ الْغَرِيب فِيهِ والإدراج بِجَمِيعِ أقسامه مَحْظُور قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ من تعمد الإدراج فَهُوَ سَاقِط الْعَدَالَة وَمِمَّنْ يحرف الْكَلم عَن موَاضعه وَهُوَ مُلْحق بالكذابين وَقد اسْتثْنى بَعضهم من ذَلِك مَا ادرج لتفسير لفظ غَرِيب لقلَّة وُقُوع الالتباس فِيهِ وَقد فعله الزُّهْرِيّ وَغَيره وَلَا يسوغ الحكم بالإدراج إِلَّا إِذا وجد مَا يدل عَلَيْهِ فَمن ذَلِك دلَالَة المدرج على امْتنَاع نسبته إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ كَقَوْل أبي هُرَيْرَة فِي حَدِيث للْعَبد الْمَمْلُوك أَجْرَانِ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وبر أُمِّي لأحببت أَن أَمُوت وَأَنا مَمْلُوك وكقول ابْن مَسْعُود كَمَا جزم بِهِ سُلَيْمَان بن حَرْب فِي حَدِيث الطَّيرَة شرك وَمَا منا إِلَّا وَمن ذَلِك تَصْرِيح بعض الروَاة بِالْفَصْلِ وَذَلِكَ بإضافته لقائله ويتقوى باقتصار بعض الروَاة على الأَصْل كَحَدِيث التَّشَهُّد وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَر وَمِمَّا دلّ الدَّلِيل على الإدراج فِيهِ حَدِيث ابْن مَسْعُود من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَمن مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار فَفِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلمة وَقلت أَنا أُخْرَى فذكرهما فَأفَاد أَن إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ من قَوْله ثمَّ وَردت رِوَايَة ثَالِثَة أفادت ان الْكَلِمَة الَّتِي من قَوْله هِيَ الثَّانِيَة وأكد ذَلِك رِوَايَة رَابِعَة اقْتصر فِيهَا على الْكَلِمَة الأولى مُضَافَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِمَّا دلّت الأمارة على الإدراج فِيهِ حَدِيث الْكُسُوف على مَا ورد فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه وَهُوَ إِن الشَّمْس وَالْقَمَر لَا ينكسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا تجلى الله لشَيْء من خلقه خشع لَهُ فَإِن هَذِه الْجُمْلَة الْأَخِيرَة وَهِي فَإِن الله إِذا تجلى لشَيْء من خلقه خشع لَهُ يظْهر أَنَّهَا مدرجة من كَلَام بعض الروَاة وَلذَا لم تقع فِي سَائِر الرِّوَايَات مَعَ أَن حَدِيث الْكُسُوف قد رُوِيَ عَن بضعَة عشر من الصَّحَابَة على انه يَكْفِي أَن يُقَال إِنَّهَا مُخَالفَة للرواية الَّتِي وَقعت فِي الصَّحِيح وَهِي أَن الشَّمْس وَالْقَمَر

آيتان من آيَات الله لَا ينخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فافزعوا إِلَى ذكر الله وَالصَّلَاة قَالَ أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ إِن هَذِه الزِّيَادَة لم يَصح نقلهَا فَيجب تَكْذِيب قَائِلهَا وَغنما الْمَرْوِيّ مَا ذكرنَا يَعْنِي الحَدِيث الَّذِي لَيست فِيهِ هَذِه الزِّيَادَة قَالَ وَلَو كَانَ صَحِيحا لَكَانَ تَأْوِيله أَهْون من مُكَابَرَة أُمُور قَطْعِيَّة فكم من ظواهر أولت بالأدلة الْعَقْلِيَّة الَّتِي لَا تتبين فِي الوضوح إِلَى هَذَا الْحَد وَأعظم مَا يفرح بِهِ الملحدة أَن يُصَرح نَاصِر الشَّرْع بِأَن هَذَا وَأَمْثَاله على خلاف الشَّرْع فيسهل عَلَيْهِ طَرِيق إبِْطَال الشَّرْع إِن كَانَ شَرطه أَمْثَال ذَلِك وَقد ضعف الْعَلامَة ابْن دَقِيق الْعِيد الحكم بالإدراج فِيمَا إِذا كَانَ المدرج مقدما على اللَّفْظ الْمَرْوِيّ أَو فِي أَثْنَائِهِ لَا سِيمَا فِي مثل من مس ذكره أَو أنثييه فَليَتَوَضَّأ وَقَالَ إِن الإدراج إِنَّمَا يكون بِلَفْظ تَابع يُمكن استقلاله عَن اللَّفْظ السَّابِق قَالَ بعض الْعلمَاء وَكَأن الْحَامِل لَهُم على عدم تَخْصِيص الإدراج بآخر الْخَبَر تَجْوِيز كَون التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير من الرَّاوِي لظَنّه الرّفْع فِي الْجَمِيع واعتماده على الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَيبقى المدرج حِينَئِذٍ فِي أول الْخَبَر أَو أَثْنَائِهِ وعَلى كل حَال فالمرجع إِلَى الدَّلِيل الْمُقْتَضى لغَلَبَة الظَّن فَإِذا وجد حكم بالإدراج سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي الآخر أَو فِي الأول أَو فِي الْوسط هَذَا وَأما مدرج الْإِسْنَاد فَهُوَ مَا يكون الإدراج فِيهِ لَهُ تعلق مَا بِالْإِسْنَادِ وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول أَن يكون الحَدِيث عِنْد رَاوِيه بِإِسْنَاد إِلَّا طرفا مِنْهُ فَإِنَّهُ عِنْده بِإِسْنَاد آخر فيروي الرَّاوِي عَنهُ جَمِيعه بِالْإِسْنَادِ الأول وَيلْحق بِهَذَا الْقسم قسم أفرده بَعضهم عَنهُ وَهُوَ أَن يسمع الحَدِيث من شَيْخه إِلَّا طرفا ثمَّ يسمع لَك الطّرف بِوَاسِطَة عَنهُ ثمَّ يرويهِ جَمِيعه عَنهُ بِلَا وَاسِطَة وَمِثَال ذَلِك حَدِيث إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن حميد عَن أنس فِي قصَّة

ذكر النوع الرابع عشر من علوم الحديث

العرنيين وان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم لَو خَرجْتُمْ إِلَى إبلنا فشربتم من أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا فَإِن لَفْظَة وَأَبْوَالهَا إِنَّمَا سَمعهَا حميد ن قَتَادَة عَن أنس كَمَا بَينه مُحَمَّد بن أبي عدي ومروان بن مُعَاوِيَة وَيزِيد بن هَارُون وَغَيرهم إِذْ رَوَوْهُ عَن حميد عَن أنس بِلَفْظ فشربتم من أَلْبَانهَا وَعِنْدهم قَالَ حميد قَالَ قَتَادَة عَن انس وَأَبْوَالهَا فرواية إِسْمَاعِيل على هَذَا فِيهَا إدراج فِيهِ تَدْلِيس الْقسم الثَّانِي أَن يدرج بعض حَدِيث فِي حَدِيث آخر مُخَالف لَهُ فِي السَّنَد ومثاله حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن أبي مَرْيَم عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تباغضوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تدابروا وَلَا تنافسوا الحَدِيث فَقَوله وَلَا تنافسوا مدرج فِي هَذَا الحَدِيث أدرجه ابْن أبي مَرْيَم فِيهِ من حَدِيث آخر لمَالِك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وَلَا تجسسوا وَلَا تحسسوا وَلَا تنافسوا وَلَا تَحَاسَدُوا وكلا الْحَدِيثين مُتَّفق عَلَيْهِ من طَرِيق مَالك وَلَيْسَ فِي الأول وَلَا تنافسوا وَهُوَ فِي الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الْخَطِيب وَابْن عبد الْبر إِن ابْن مَرْيَم قد وهم فِي ذَلِك وَخَالف جَمِيع الروَاة عَن مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَقَالَ حَمْزَة الْكِنَانِي لَا أعلم أحدا قَالَهَا عَن مَالك فِي حَدِيث أنس غَيره الْقسم الثَّالِث أَن يروي جمَاعَة الحَدِيث بأسانيد مُخْتَلفَة فيرويه عَنْهُم راو فَيجمع الْكل على إِسْنَاد وَاحِد من تِلْكَ الْأَسَانِيد وَلَا يبين الِاخْتِلَاف ذكر النَّوْع الرَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث النَّوْع الرَّابِع عشر من هَذَا الْعلم معرفَة التَّابِعين وَهَذَا النَّوْع يشْتَمل على عُلُوم كَثِيرَة فَإِنَّهُم على طَبَقَات فِي التَّرْتِيب وَمَتى غفل

الْإِنْسَان عَن هَذَا الْعلم لم يفرق بَين الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ثمَّ لم يفرق أَيْضا بَين التَّابِعين وَأَتْبَاع التَّابِعين قَالَ الله عز وَجل {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ وَأعد لَهُم جنَّات تجْرِي تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا أبدا ذَلِك الْفَوْز الْعَظِيم} وَقد ذكرهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا حدّثنَاهُ أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أَحْمد بن السماك بِبَغْدَاد وَأَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب الموي بنيسابور وَأَبُو أَحْمد بكر بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي بمرو قَالُوا حَدثنَا أَبُو قلَابَة عبد الْملك بن مُحَمَّد الرقاشِي حَدثنَا أَزْهَر بن سعد حَدثنَا ابْن عون عَن إِبْرَاهِيم عَن عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ فَلَا أَدْرِي أذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد قرنه قرنين أَو ثَلَاثَة هَذَا حَدِيث مخرج فِي الصَّحِيح لمُسلم بن الْحجَّاج وَله عِلّة عَجِيبَة حدّثنَاهُ مُحَمَّد بن صَالح بن هَانِئ حَدثنَا مُحَمَّد بن نعيم حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ حَدثنَا أَزْهَر حَدثنَا ابْن عون عَن إِبْرَاهِيم عَن عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير النَّاس قَرْني قَالَ فَحدثت بِهِ يحيى بن سعيد فَقَالَ لَيْسَ فِي حَدِيث ابْن عون عَن عبد الله فَقلت لَهُ بلَى فِيهِ قَالَ لَا فَقلت إِن أَزْهَر حَدثنَا عَن ابْن عون عَن إِبْرَاهِيم عَن عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ رَأَيْت أَزْهَر جَاءَ بكتابه لَيْسَ فِيهِ عَن عبد الله قَالَ عَمْرو بن عَليّ فاختلفت إِلَى أَزْهَر قَرِيبا من شَهْرَيْن للنَّظَر فِيهِ فَنظر فِي كِتَابه ثمَّ خرج فَقَالَ لم أَجِدهُ إِلَّا عَن عُبَيْدَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخير النَّاس قرنا بعد الصَّحَابَة من شافه أَصْحَاب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحفظ عَنْهُم الدّين وَالسّنَن وهم قد شهدُوا الْوَحْي والتنزيل

فَمن الطَّبَقَة الأولى من التَّابِعين وهم قوم لَحِقُوا الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ سعيد بن الْمسيب وَقيس بن أبي حَازِم وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ وَقيس بن عباد وَأَبُو ساسان حضين بن الْمُنْذر وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة وَأَبُو رَجَاء العطاردي وَمن الطَّبَقَة الثَّانِيَة الْأسود بن يزِيد وعلقمة بن قيس ومسروق بن الأجدع وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن زيد وَمن الطَّبَقَة الثَّالِثَة عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة وَشُرَيْح بن الْحَارِث وهم خمس عشرَة طبقَة آخِرهم من لَقِي أنس بن مَالك من أهل الْبَصْرَة وَمن لَقِي عبد الله بن أبي أوفى من أهل الْكُوفَة وَمن لَقِي السَّائِب بن يزِيد من أهل الْمَدِينَة وَمن لَقِي عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء من أهل مصر وَمن لَقِي أَبَا أُمَامَة الْبَاهِلِيّ من أهل الشَّام وَأما الْفُقَهَاء السَّبْعَة من أهل الْمَدِينَة فسعيد بن الْمسيب وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر وَعُرْوَة بن الزبير وخارجة بن زيد بن ثَابت وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة وَسليمَان بن يسَار فَهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء السَّبْعَة عِنْد الْأَكْثَر من عُلَمَاء الْحجاز وَأما المخضرمون من التَّابِعين فهم الَّذين أدركوا الْجَاهِلِيَّة وحياة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَت لَهُم صُحْبَة فَمنهمْ أَبُو رَجَاء العطاردي وَأَبُو وَائِل الْأَسدي وسُويد بن غَفلَة وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ وحَدثني بعض مَشَايِخنَا من الأدباء أَن المخضرم اشتقاقه من أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يخضرمون آذان الْإِبِل يقطعونها لتَكون عَلامَة لإسلامهم إِن أغير عَلَيْهَا أَو حوربوا

وَمن التَّابِعين بعد المخضرمين طبقَة ولدُوا فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمعوا مِنْهُ مِنْهُم مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَأَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف وَسَعِيد بن سعد بن عبَادَة والوليد بن عبَادَة بن الصَّامِت وعلقمة بن قيس وطبقة تعد فِي التَّابِعين وَلم يَصح سَماع أحد مِنْهُم من الصَّحَابَة مِنْهُم إِبْرَاهِيم بن سُوَيْد النَّخعِيّ وَإِنَّمَا رِوَايَته الصَّحِيحَة عَن عَلْقَمَة وَالْأسود وَلم يدْرك أحدا من الصَّحَابَة وَلَيْسَ هَذَا بإبراهيم بن يزِيد النَّخعِيّ الْفَقِيه وَمِنْهُم ثَابت بن عجلَان الْأنْصَارِيّ وَلم يَصح سَمَاعه من ابْن عَبَّاس وَإِنَّمَا يروي عَن عَطاء وَسَعِيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وطبقة عداده عِنْد النَّاس فِي أَتبَاع التَّابِعين وَقد لقوا الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان وَقد لَقِي عبد الله بن عمر وَأنس بن مَالك وَأَبا أُمَامَة بن سهل وَقد أَدخل على عبد الله بن عمر وَجَابِر بن عبد الله انْتهى مَا ذكره الْحَاكِم قَالَ بعض أهل الْأَثر اخْتلف فِي طَبَقَات التَّابِعين فجعلهم مُسلم فِي كتاب الطَّبَقَات ثَلَاث طَبَقَات وجعلهم ابْن سعد أَربع طَبَقَات وَقَالَ الْحَاكِم هم خمس عشرَة طبقَة الأولى مِنْهَا قوم لَحِقُوا الْعشْرَة مِنْهُم سعيد بن الْمسيب وَقيس بن أبي حَازِم وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ وَقيس بن عباد وَأَبُو ساسان حضين بن الْمُنْذر وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة وَأَبُو رَجَاء العطاردي وَقد اعْترض على الْحَاكِم فِي ذَلِك فَإِن سعيد بن الْمسيب إِنَّمَا ولد فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب وَلم يسمع من أَكثر الْعشْرَة بل قَالَ بَعضهم إِنَّه لَا تصح لَهُ رِوَايَة عَن أحد من الْعشْرَة إِلَّا سعد بن أبي وَقاص وَكَانَ سعد آخِرهم موتا على انه لَيْسَ فِي التَّابِعين من أدْرك الْعشْرَة وَسمع مِنْهُم سوى قيس بن أبي حَازِم ذكر ذَلِك الْحَافِظ

ذكر النوع الخامس عشر من علوم الحديث

عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن خرَاش وَرُوِيَ عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ إِنَّه روى عَن التِّسْعَة وَلم يرو عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ذكر النَّوْع الْخَامِس عشر من عُلُوم الحَدِيث وَهُوَ معرفَة أَتبَاع التَّابِعين فَإِن غلط من لَا يعرفهُمْ عظم وهم الطَّبَقَة الثَّالِثَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيهِمْ جمَاعَة من أَئِمَّة الْمُسلمين وفقهاء الْأَمْصَار وَفِي هَذِه الطَّبَقَة جمَاعَة يشْتَبه على المتعلم أساميهم فيتوهمهم من التَّابِعين لنسب يجمعهُمْ أَو غير ذَلِك مِنْهُم الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم وَهُوَ الَّذِي يعرف بالحسين الْأَصْغَر يروي عَنهُ عبد الله بن الْمُبَارك وَغَيره وَرُبمَا قَالَ الرَّاوِي عَن حُسَيْن بن عَليّ عَن أَبِيه فيشتبه على من لَا يتَحَقَّق أَنه مُرْسل ويتوهمه من التَّابِعين وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن أَوْلَاد عَليّ بن الْحُسَيْن وين العابدين سِتَّة مِنْهُم وهم حدثوا مُحَمَّد وَعبد الله وَزيد وَعمر وحسين وَفَاطِمَة وَلَيْسَ فيهم تَابِعِيّ غير مُحَمَّد وَهُوَ أَبُو جَعْفَر باقر الْعُلُوم وَمِنْهُم سُلَيْمَان الْأَحول وَهُوَ سُلَيْمَان بن أبي مُسلم الْمَكِّيّ وَرُبمَا رُوِيَ عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس فيتأمل الرَّاوِي حَاله فَيَقُول هَذَا كَبِير وَهُوَ خَال عبد الله بن أبي نجيح فَلَا يُنكر أَن يلقى الصَّحَابَة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ من الأتباع ورواياته عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس وَمِنْهُم سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن الدِّمَشْقِي وعدداه فِي المصريين كَبِير السن وَالْمحل روى عَنهُ عَمْرو بن الْحَارِث وَشعْبَة وَاللَّيْث وَقد قيل عَنهُ عَن الْبَراء بن عَازِب فَإِذا تَأمل الرَّاوِي مَحَله وسنه وجلالة الروَاة عَنهُ لَا يستبعد كَونه من التَّابِعين وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن بَينه وَبَين الْبَراء عبيد بن فَيْرُوز

ذكر النوع السادس عشر من علوم الحديث

فقد ذكرنَا هَذِه الْأَسَامِي ليستدل بهَا على جمَاعَة من أَتبَاع التَّابِعين لم نذكرهم وَيعلم بذلك أَن معرفَة التباع نوع كَبِير من الْعلم ذكر النَّوْع السَّادِس عشر من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع فِي معرفَة الأكابر الروَاة عَن الأصاغر وَشرح هَذِه لامعرفة أَن طَالب هَذَا الْعلم إِذا كتب حَدِيثا لليث عَن عبد الله بن صَالح لَا يتَوَهَّم أَن الرَّاوِي دون الْمَرْوِيّ عَنهُ كَذَلِك إِذا روى حَدِيثا لِابْنِ جريح عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَمَا أشبه هَذَا ومثاله فِي الرِّوَايَات كثير والمثال الثَّانِي لهَذَا النَّوْع أَن يروي الْعَالم الْحَافِظ الْمُتَقَدّم عَن الْمُحدث الَّذِي لَا يعلم غير الرِّوَايَة من كِتَابه فَيَنْبَغِي للطَّالِب أَن يعلم فضل التَّابِع على الْمَتْبُوع مِثَال هَذَا رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب عَن عبد الله بن دِينَار وأشباهه وَرِوَايَة احْمَد وَإِسْحَاق عَن عبيد الله بن مُوسَى وأشباهه وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ مَجْرُوح بل كلهم من أهل الصدْق إِلَّا أَن الروَاة عَنْهُم أَئِمَّة حفاظ وهم محدثون فَقَط وَقد رَأَيْت فِي زَمَاننَا من هَذَا النَّوْع مَا يطول ذكره اهـ قَالَ بعض أهل الْأَثر هَذَا نوع مُهِمّ تَدْعُو إِلَيْهِ الهمم الْعَالِيَة وَالنَّفس الزاكية وَقد قيل لَا يكون الرجل مُحدثا حَتَّى يَأْخُذ عَمَّن فَوْقه وَعَمن هُوَ مثله وَعَمن هُوَ دونه وَمن فَوَائِد مَعْرفَته الْأَمْن من أَن يظنّ الانقلاب فِي السَّنَد والأمن من أَن يتَوَهَّم كَون الْمَرْوِيّ عَنهُ أكبر أَو أفضل نظرا إِلَى أَن الْأَغْلَب كَون الْمَرْوِيّ عَنهُ كَذَلِك فتجهل منزلتهما وَمن هَذَا النَّوْع رِوَايَة الصَّحَابَة عَن التَّابِعين وَمِنْهَا رِوَايَة العبادلة وَغَيرهم من

ذكر النوع السابع عشر من علوم الحديث

الصَّحَابَة كَأبي هُرَيْرَة وَأنس عَن كَعْب الحبار وَمِمَّنْ جرى على ذَلِك الإِمَام البُخَارِيّ فقد ذكرُوا أَن الَّذين كتب عَنْهُم وَحدث عَنْهُم ينقسمون إِلَى خَمْسَة طَبَقَات الطَّبَقَة الأولى من حَدثهُ عَن التَّابِعين مثل مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ فَإِنَّهُ حَدثهُ عَن حميد وَمثل مكي بن إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ حَدثهُ عَن يزِيد بن أبي عبيد وَمثل أبي نعيم فَإِنَّهُ حَدثهُ عَن الْأَعْمَش الطَّبَقَة الثَّانِيَة من كَانَ فِي عصر هَؤُلَاءِ لكنه لم يسمع من ثِقَات التَّابِعين كسعيد بن أبي مَرْيَم وَأَيوب بن سُلَيْمَان الطَّبَقَة الثَّالِثَة وَهِي الْوُسْطَى من مشايخه من لم يلق التَّابِعين لَكِن أَخذ عَن كبار أَتبَاع التَّابِعين كسليمان بن حَرْب وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين وَهَذِه الطَّبَقَة قد شَاركهُ مُسلم فِي الْأَخْذ عَنْهُم الطَّبَقَة الرَّابِعَة رفقاؤه فِي الطّلب وَمن سمع قبله قَلِيلا كَأبي حَاتِم الرَّازِيّ وَعبد بن حميد وَاحْمَدْ بن النَّضر وَإِنَّمَا يخرج عَن هَؤُلَاءِ مَا فَاتَهُ عَن مشايخه أَو مَا لم يجده عِنْد غَيرهم الطَّبَقَة الْخَامِسَة قوم فِي عداد طلبته فِي السن والإسناد سمع مِنْهُم للفائدة كَعبد الله بن حَمَّاد الأملي وَعبد الله بن أبي الْعَاصِ الْخَوَارِزْمِيّ وحسين بن مُحَمَّد القباني وَقد روى عَنْهُم أَشْيَاء يسيرَة وَعمل فِي الرِّوَايَة عَنْهُم بِمَا روى عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن وَكِيع أَنه قَالَ لَا يكون الرجل عَالما حَتَّى يحدث عَمَّن فَوْقه وَعَمن هُوَ مثله وَعَمن هُوَ دونه وَمِمَّا رُوِيَ عَنهُ نَفسه أَنه قَالَ لَا يكون الْمُحدث كَامِلا حَتَّى يكْتب عَمَّن هُوَ فَوْقه وَعَمن هُوَ مثله وَعَمن هُوَ دونه ذكر النَّوْع السَّابِع عشر من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذَا الْعلم فِي معرفَة أَوْلَاد الصَّحَابَة فَإِن من جهل هَذَا النَّوْع

ذكر النوع الثامن عشر من علوم الحديث

اشْتبهَ عَلَيْهِ كثير من الرِّوَايَات وَأول مَا يلْزم الحديثي مَعْرفَته من ذَلِك أَوْلَاد سيد الْبشر مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن صحت الرِّوَايَة عَنهُ مِنْهُم وَقد رُوِيَ الحَدِيث عَن زهاء مئتي رجل وَامْرَأَة من أهل الْبَيْت ثمَّ بعد هَذَا معرفَة أَوْلَاد التَّابِعين وَأَتْبَاع التَّابِعين وَغَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين علم كَبِير وَنَوع بِذَاتِهِ من أَنْوَاع علم الحَدِيث ذكر النَّوْع الثَّامِن عشر من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من علم الحَدِيث فِي معرفَة الْجرْح وَالتَّعْدِيل وهما فِي الأَصْل نَوْعَانِ كل نوع مِنْهُمَا علم بِرَأْسِهِ وَهُوَ ثَمَرَة هَذَا الْعلم والمرقاة الْكَبِيرَة مِنْهُ وَقد تَكَلَّمت عَلَيْهِ فِي كتاب الْمدْخل إِلَى معرفَة الصَّحِيح بِكَلَام شاف رضيه كل من رَآهُ من أهل الصَّنْعَة وأصل عَدَالَة الْمُحدث أَن يكون مُسلما لَا يَدْعُو إِلَى بِدعَة وَلَا يعلن من أَنْوَاع الْمعاصِي مَا تسْقط بِهِ عَدَالَته فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك حَافِظًا لحديثه فَهِيَ أرفع دَرَجَات الْمُحدثين وَإِن كَانَ صَاحب كتاب فَلَا يَنْبَغِي أَن يحدث إِلَّا من أُصُوله وَأَقل مَا يلْزمه أَن يحسن قِرَاءَة كِتَابه وَإِن كَانَ الْمُحدث غَرِيبا لَا يقدر على إِخْرَاج أُصُوله فَلَا يكْتب عَنهُ إِلَّا مَا يحفظه إِذا لم يُخَالف الثِّقَات فِي حَدِيثه فَإِن حدث من حفظه الْمَنَاكِير الَّتِي لَا يُتَابع عَلَيْهَا لم يُؤْخَذ عَنهُ وَقد اخْتلف أَئِمَّة الحَدِيث فِي أصح الْأَسَانِيد فحدثنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ يَقُول أصح الْأَسَانِيد كلهَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَسمعت أَبَا بكر بن أبي دارم الْحَافِظ بِالْكُوفَةِ يَحْكِي عَن بعض شُيُوخه عَن

أبي بكر بن أبي شيبَة قَالَ أصح الْأَسَانِيد كلهَا الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن عَليّ حَدثنِي الْحُسَيْن بن عبد الله الصَّيْرَفِي قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن حَمَّاد الدوري بحلب قَالَ أَخْبرنِي أَحْمد بن الْقَاسِم بن نصر بن دوست قَالَ حَدثنَا حجاج ابْن الشَّاعِر قَالَ اجْتمع أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ فِي جمَاعَة مَعَهم اجْتَمعُوا فتذاكروا فَذكرُوا أَجود الْأَسَانِيد الْجِيَاد فَقَالَ رجل مِنْهُم أَجود الْأَسَانِيد شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عَامر أخي أم سَلمَة عَن أم سَلمَة وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ أَجود الْأَسَانِيد ابْن عون عَن مُحَمَّد عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ وَقَالَ أَبُو عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل أَجود الْأَسَانِيد الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَقَالَ يحيى الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله فَقَالَ لَهُ إِنْسَان الْأَعْمَش مثل الزُّهْرِيّ فَقَالَ بَرِئت من الْأَعْمَش أَن يكون مثل الزُّهْرِيّ الزُّهْرِيّ يرى الْعرض وَالْإِجَازَة وَكَانَ يعْمل لبني أُميَّة وَذكر الْأَعْمَش فمدحه فَقَالَ فَقير صبور مُجَانب للسُّلْطَان وَذكر علمه بِالْقُرْآنِ وورعه فَأَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْحفاظ قد ذكر كل مِنْهُم مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي أصح الْأَسَانِيد وَلكُل صَحَابِيّ رُوَاة من التَّابِعين وَلَهُم أَتبَاع وَأَكْثَرهم ثِقَات فَلَا يُمكن أَن يقطع الحكم فِي أصح الْأَسَانِيد لصحابي وَاحِد فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن أصح أَسَانِيد أهل الْبَيْت جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ إِذا كَانَ الرَّاوِي عَن جَعْفَر ثِقَة

ذكر النوع التاسع عشر من علوم الحديث

وَأَصَح أَسَانِيد الصّديق إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي بكر وَأَصَح أَسَانِيد عمر الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن جده وَأَصَح أَسَانِيد المكثرين من الصَّحَابَة كَعبد الله بن عمر مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَأَصَح أَسَانِيد أنس مَالك بن أنس عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس ثمَّ ذكر أَوْهَى الْأَسَانِيد ثمَّ قَالَ وَالْكَلَام فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل أَكثر مِمَّا يُمكن الِاسْتِقْصَاء فِيهِ لكني قصدت الِاخْتِصَار فِي هَذَا الْكتاب ليستدل بِالْحَدِيثِ الْوَاحِد على أَحَادِيث كَثِيرَة وَقد استقصيت الْكَلَام فِي إِبَاحَة جرح الْمُحدث فِي الْمدْخل إِلَى معرفَة كتاب الإكليل فاستغنت بِهِ عَن إِعَادَته اهـ ذكر النَّوْع التَّاسِع عشر من عُلُوم الحَدِيث وَهُوَ معرفَة الصَّحِيح والسقيم وَهَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم غير الْجرْح وَالتَّعْدِيل الَّذِي قدمنَا ذكره فَرب إِسْنَاد يسلم من الْمَجْرُوحين غير مخرج فِي الصَّحِيح فكم من حَدِيث لَيْسَ فِي إِسْنَاده إِلَّا ثِقَة ثَبت وَهُوَ مَعْلُول واه فَالصَّحِيح لَا يعرف برواته فَقَط وَإِنَّمَا يعرف بالفهم وَالْحِفْظ وَكَثْرَة السماع وَلَيْسَ لهَذَا النَّوْع من الْعلم عون اكثر من مذاكرة أهل الْفَهم والمعرفة ليظْهر مَا يخفى من عِلّة الحَدِيث فَإِذا وجدت مثل هَذِه الْأَحَادِيث بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة غير مخرجة فِي كتابي الْإِمَامَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم لزم صَاحب الحَدِيث التنقير عَن علته ومذاكرة أهل الْمعرفَة بِهِ لتظهر علته وَصفَة الحَدِيث الصَّحِيح أَن يرويهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَحَابِيّ زائل عَنهُ اسْم الْجَهَالَة وَهُوَ أَن يروي عَنهُ تابعيان عَدْلَانِ ثمَّ يتداوله أهل

ذكر النوع العشرين من علوم الحديث

الحَدِيث بِالْقبُولِ إِلَى وقتنا هَذَا كَالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن تَمِيم الْأَصَم حَدثنَا عبيد بن شريك قَالَ حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول قيل لشعبة من الَّذِي يتْرك حَدِيثه قَالَ إِذا روى عَن المعروفين مَا لَا يعرفهُ المعرفون فَأكْثر ترك حَدِيثه وَإِذا اتهمَ بِالْكَذِبِ ترك حَدِيثه وَإِذا أَكثر الْغَلَط ترك حَدِيثه وَإِذا روى حَدِيثا اجْتمع عَلَيْهِ أَنه غلط ترك حَدِيثه وَمَا كَانَ غير هَذَا فارو عَنهُ أَخْبرنِي عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أَبِيه عَن الرّبيع بن خثيم قَالَ إِن من الحَدِيث حَدِيثا لَهُ وضوء كضوء النَّهَار نعرفه بِهِ وَإِن من الحَدِيث حَدِيثا لَهُ ظلمَة كظلمة اللَّيْل نعرفه بهَا حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري قَالَ حَدثنَا يحيى بن معِين قَالَ حَدثنَا جرير عَن رَقَبَة ان عبد الله بن مسور الْمَدَائِنِي وضع أَحَادِيث على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحتملها النَّاس حَدثنَا أَبُو بكر الشَّافِعِي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل السّلمِيّ قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز الأويسي قَالَ حَدثنَا مَالك قَالَ كَانَ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن يَقُول لِابْنِ شهَاب إِن حَالي لَيست تشبه حالك فَقَالَ لَهُ ابْن شهَاب وَكَيف لَك قَالَ ربيعَة أَنا أَقُول بِرَأْي من شَاءَ أَخذه فَاسْتَحْسَنَهُ وَعمل بِهِ وَمن شَاءَ تَركه وَأَنت فِي الْقَوْم تحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيحفظ ذكر النَّوْع الْعشْرين من عُلُوم الحَدِيث النَّوْع الْعشْرُونَ من هَذَا الْعلم بعد معرفَة مَا قدمنَا كره من صِحَة الحَدِيث إتقانا وَمَعْرِفَة لَا تقليدا وظنا معرفَة فقه الحَدِيث إِذْ هُوَ ثَمَرَة هَذِه الْعُلُوم وَبِه قوام الشَّرِيعَة

ذكر النوع الحادي والعشرين من علوم الحديث

يم ذكر أُنَاسًا مِمَّن عرف بِفقه الحَدِيث من أهل الحَدِيث مِنْهُم مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَعبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة الْهِلَالِي وَعبد الله بن الْمُبَارك وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَيحيى بن يحيى التَّمِيمِي وَاحْمَدْ بن مُحَمَّد بن حَنْبَل وَعلي بن عبد الله بن جَعْفَر الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَمُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي وَأَبُو عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَغَيرهم وَأورد عِنْد ذكر كل وَاحِد مِنْهُم مَا قيل فِي شَأْنه من الثَّنَاء ولربما أورد شَيْئا من كَلَامه مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا النَّوْع ثمَّ قَالَ قد اختصرت هَذَا الْبَاب وَتركت أسامي جمَاعَة من أَئِمَّتنَا كَانَ من حَقهم أَن أذكرهم فِي هَذَا الْموضع فَمنهمْ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَمُحَمّد بن عبد الْوَهَّاب الْعَبْدي وَأَبُو بكر الجارودي وَإِبْرَاهِيم بن أبي طَالب وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ ومُوسَى بن هَارُون الْبَزَّاز ة الْحسن بن عَليّ المعمري وَعلي بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد وَمُحَمّد بن مُسلم بن واره وَمُحَمّد بن عقيل الْبَلْخِي وَغَيرهم من مَشَايِخنَا رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع فِي معرفَة نَاسخ الحَدِيث من منسوخه وَأَنا ذَاكر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى مِنْهُ أَحَادِيث يسْتَدلّ بهَا على الْكثير أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الصفار قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مهْدي بن رستم قَالَ حَدثنَا مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن يحيى بن جعدة عَن عبد الله بن عَمْرو الْقَارِي عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ توضئوا مِمَّا غيرت النَّار

ذكر النوع الثاني والعشرين من علوم الحديث

قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا المر مَنْسُوخ والناسخ لَهُ مَا حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عَوْف قَالَ حَدثنَا عَليّ بن عَيَّاش قَالَ حَدثنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر قَالَ كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار ثمَّ ذكر أَمْثِلَة أُخْرَى ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع مِنْهُ فِي معرفَة الْأَلْفَاظ الغريبة فِي الْمُتُون وَهَذَا علم قد تكلم فِيهِ جمَاعَة من أَتبَاع التَّابِعين مِنْهُم مَالك وَالثَّوْري وَشعْبَة فَمن بعدهمْ وَأول من صنف الْغَرِيب فِي الْإِسْلَام النَّضر بن شُمَيْل لَهُ فِيهِ كتاب هُوَ عندنَا بِلَا سَماع ثمَّ صنف فِيهِ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام كِتَابه الْكَبِير اهـ قَالَ ابْن الصّلاح وَخَالف بَعضهم الْحَاكِم فَقَالَ أول من صنف فِيهِ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى وَقَالَ بَعضهم أول من جمع فِي هَذَا الْفَنّ شَيْئا وألفه أَبُو عُبَيْدَة ثمَّ النَّضر بن شُمَيْل ثمَّ عبد الْملك بن قريب الْأَصْمَعِي وَكَانَ فِي عصر أبي عُبَيْدَة وتاخر عَنهُ وصنف فِي ذَلِك قطرب ثمَّ بعد المئتين جمع أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام كِتَابه الْمَشْهُور ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذَا الْعلم فِي معرفَة الْمَشْهُور من الْأَحَادِيث وَالْمَشْهُور غير الصَّحِيح فَرب حدي مَشْهُور لم يخرج فِي الصَّحِيح فَمن ذَلِك طلب الْعلم فَرِيضَة على كل مُسلم وَمِنْه نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها وَمِنْه لَا نطاح إِلَّا بولِي وَمِنْه من سُئِلَ عَن علم فكتمه ألْجم بلجام من نَار فَكل هَذِه الْأَحَادِيث مَشْهُورَة بأسانيدها وطرقها وأبواب يجمعها أَصْحَاب الحَدِيث وكل حَدِيث مِنْهَا تجمع طرقه فِي جُزْء أَو جزئين وَلم يخرج فِي الصَّحِيح مِنْهَا حرف

وَأما الْأَحَادِيث المخرجة فِي الصَّحِيح فَمِنْهَا إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَغنما لكل امْرِئ مَا نوا وَمِنْهَا إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من النَّاس الحَدِيث وَمِنْهَا كل مَعْرُوف صَدَقَة وَمِنْهَا إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ وَمِنْهَا تقتل عمارا الفئة الباغية وَمِنْهَا الْمُسلم من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده وَمِنْهَا لَا تقاطعوا وَلَا تدابروا والطوال من الْأَحَادِيث مثل حَدِيث الْإِيمَان وَحَدِيث الزَّكَاة وَحَدِيث الْحَج وَحَدِيث الْمِعْرَاج وَمن الطوَال الَّتِي لم تخرج فِي الصَّحِيح حَدِيث الطير وَحَدِيث قس بن سَاعِدَة وَحَدِيث أم معبد وَغَيرهَا من الطوَال فَهَذِهِ الْأَنْوَاع الَّتِي ذكرنَا من الْمَشْهُور الَّذِي يعرفهُ أهل الْعلم وقلما يخفى ذَلِك عَلَيْهِم وَهُوَ الْمَشْهُور الَّذِي يَسْتَوِي فِي مَعْرفَته الْخَاص وَالْعَام وَأما الْمَشْهُور الَّذِي يعرفهُ أهل الصَّنْعَة فمثال ذَلِك مَا حَدثنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي الْوَزير التَّاجِر قَالَ حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ حَدثنِي سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي مجلز عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت شهرا بعد الرُّكُوع يَدْعُو على رعل وذكوان قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث مخرج فِي الصَّحِيح وَله رُوَاة عَن أنس غير أبي مجلز وَرَوَاهُ عَن أبي مجلز غير التَّيْمِيّ وَرَوَاهُ عَن التَّيْمِيّ غير الْأنْصَارِيّ وَلَا يعلم ذَلِك غير أهل الصَّنْعَة فَإِن غَيرهم يَقُول هُوَ صَاحب أنس وَهَذَا حَدِيث غَرِيب أَن يرويهِ عَن رجل عَن أنس وَلَا يعلم ان الحَدِيث عِنْد الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَله عَن قَتَادَة طرق كَثِيرَة وَلَا يعلم أَيْضا أَن الحَدِيث بِطُولِهِ فِي ذكر العرنيين يجمع ويذاكر بِطرقِهِ وأمثال هَذَا الحَدِيث أُلُوف من الْأَحَادِيث الَّتِي لَا يقف على شهرتها غير أهل الحَدِيث الْمُجْتَهدين فِي جمعه ومعرفته

ذكر النوع الرابع والعشرين من علوم الحديث

ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع مِنْهُ فِي معرفَة الْغَرِيب من الحَدِيث وَلَيْسَ هَذَا الْعلم ضد الأول فَإِنَّهُ يشْتَمل على أَنْوَاع شَتَّى لَا بُد من شرحها فِي هَذَا الْموضع فنوع مِنْهُ غرائب الصَّحِيح مِثَال ذَلِك مَا حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْجَبَّار قَالَ حَدثنَا يُونُس بن بكير عَن عبد الْوَاحِد بن أَيمن المَخْزُومِي قَالَ حَدثنِي أَيمن قَالَ سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول كُنَّا يَوْم الخَنْدَق نحفر الخَنْدَق فعرضت فِيهِ كذانة وَهِي الْجَبَل فَقلت يَا رَسُول الله كذانة قد عرضت فِيهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رشوا عَلَيْهَا ثمَّ قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهَا وبطنه معصوب بِحجر من الْجُوع فَذكر حَدِيثا

طَويلا فِيهِ ذكر أهل الصّفة ودعوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُم وَهُوَ حَدِيث فِي ورقة وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح عَن خَلاد بن يحيى الْمَكِّيّ عَن عبد الْوَاحِد بن أَيمن فَهَذَا حَدِيث صَحِيح وَقد تفرد بِهِ عبد الْوَاحِد بن أَيمن عَن أَبِيه وَهُوَ من غرائب الصَّحِيح وَالنَّوْع الثَّانِي من غرائب الحَدِيث غرائب الشُّيُوخ مِثَاله مَا حدّثنَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ أخبرنَا الشَّافِعِي قَالَ أخبرنَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا بيع حَاضر لباد هَذَا حَدِيث غَرِيب لمَالِك بن أنس عَن نَافِع وَهُوَ إِمَام يجمع حَدِيثه تفرد بِهِ عَنهُ الشَّافِعِي وَهُوَ غمام مقدم وَلَا نعلم أحدا حدث بِهِ عَنهُ غير الرّبيع بن سُلَيْمَان وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون وَالنَّوْع الثَّالِث من غَرِيب الحَدِيث غرائب الْمُتُون مِثَال ذَلِك مَا حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْخُزَاعِيّ بِمَكَّة قَالَ حَدثنَا أَبُو يحيى بن أبي مَسَرَّة

ذكر النوع الخامس والعشرين من علوم الحديث

قَالَ حَدثنَا خَلاد بن يحيى قَالَ حَدثنَا أَبُو عقيل عَن مُحَمَّد بن سوقة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله إِن هَذَا الدّين متين فأوغل فِيهِ بِرِفْق وَلَا تبغض إِلَى نَفسك عبَادَة الله فَإِن المنبت لَا أَرضًا قطع وَلَا ظهرا أبقى هَذَا حَدِيث غَرِيب الْإِسْنَاد والمتن فَكل مَا رُوِيَ فِيهِ فَهُوَ من الْخلاف على مُحَمَّد بن سوقة فَأَما ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر فَلَيْسَ يرويهِ غير مُحَمَّد \ بن سوقة وَعنهُ أَبُو عقيل وَعنهُ خَلاد بن يحيى فَهَذِهِ الْأَنْوَاع الَّتِي ذكرتها مِثَال لألوف من الحَدِيث تجْرِي على مثالها وسننها ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع فِيهِ معرفَة الْأَفْرَاد من الْأَحَادِيث وَهُوَ على ثَلَاثَة أَنْوَاع النَّوْع الأول فِيهِ معرفَة سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي يتفرد بهَا أهل مَدِينَة وَاحِدَة عَن الصَّحَابِيّ وَمِثَال ذَلِك مَا حَدثنَا أَبُو نصر أَحْمد بن سهل الْفَقِيه ببخارى قَالَ حَدثنَا صَالح بن مُحَمَّد بن حبيب الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا عَليّ بن حَكِيم قَالَ حَدثنَا شريك عَن أبي الْحَسْنَاء عَن الحكم بن عتيبة عَن حَنش قَالَ كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يُضحي بكبشين بكبش عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبكبش عَن نَفسه وَقَالَ كَانَ أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أضحي عَنهُ فَأَنا أضحي عَنهُ أبدا تفرد بِهِ أهل الْكُوفَة من اول الْإِسْنَاد إِلَى آخِره لم يشركهم فِيهِ أحد

ثمَّ اورد لِلْبَصْرَةِ وَالْمَدينَة ومصر وَالشَّام وَمَكَّة وخراسان لكل وَاحِدَة مِنْهَا حَدِيثا قد تفرد بِهِ أَهلهَا والمثال الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنهُ كَاف فِي الْوُقُوف على هَذَا النَّوْع بِالنّظرِ إِلَى الْمُبْتَدِئ وَلذَلِك اقتصرنا عَلَيْهِ وَقد جرينا على هَذَا النهج فِي كثير من الْمَوَاضِع النَّوْع الثَّانِي من الْأَفْرَاد أَحَادِيث يتفرد بروايتها رجل وَاحِد عَن إِمَام من الْأَئِمَّة وَمِثَال ذَلِك مَا حدّثنَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن شَيبَان الرَّمْلِيّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة إِلَى نجد فبلغت سُهْمَانهمْ اثْنَي عشر بَعِيرًا فنفلنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعِيرًا بَعِيرًا تفرد بِهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ وَعنهُ أَحْمد بن شَيبَان الرَّمْلِيّ قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا النَّوْع من الْأَفْرَاد يكثر وَلَا يُمكن ذكره لكثرته وَهُوَ عِنْد أهل الصَّنْعَة مُتَعَارَف وَقد ذكر مِثَاله فَأَما النَّوْع الثَّالِث من الْأَفْرَاد فَإِنَّهُ أَحَادِيث لأهل الْمَدِينَة ينْفَرد بهَا عَنْهُم أهل مَكَّة مثلا وَأَحَادِيث ينْفَرد بهَا الخراسانيون عَن أهل الْحَرَمَيْنِ مثلا وَهَذَا نوع يعز وجوده وفهمه حَدثنَا أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أَحْمد بن السماك بِبَغْدَاد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى الْمَدَائِنِي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة قَالَ حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق - ح - وَحدثنَا أَبُو الْعَبَّاس المحبوبي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن اللَّيْث قَالَ حَدثنَا يحيى بن إِسْحَاق الكاجفوني قَالَ حَدثنَا عبد الْكَبِير بن دِينَار عَن

ذكر النوع السادس والعشرين من علوم الحديث

أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء قَالَ كَانَ رجل يُقَال لَهُ نعم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت عبد الله قَالَ أَبُو عبد الله أَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي إِمَام تَابِعِيّ من أهل الْكُوفَة وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث عِنْد الْكُوفِيّين عَنهُ فَإِن عبد الْكَبِير دِينَار مروزي وَمُحَمّد بن الْفضل بن عَطِيَّة بخاري وَقد تفردا بِهِ عَنهُ فَهُوَ من أَفْرَاد الخراسانيين عَن الْكُوفِيّين ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم فِي معرفَة المدلسين الَّذين لَا يُمَيّز من كتب عَنْهُم بَين مَا سَمِعُوهُ وَمَا لم يسمعوه وَفِي التَّابِعين وَأَتْبَاع التَّابِعين وَإِلَى عصرنا هَذَا مِنْهُم جمَاعَة قَالَ أَبُو عبد الله فالتدليس عندنَا على سِتَّة أَجنَاس فَمن المدلسين من دلّس عَن الثِّقَات الَّذين هم فِي الثِّقَة مثل الْمُحدث أَو فَوْقه أَو دونه إِلَّا أَنهم لم يخرجُوا من عداد الَّذين تقبل أخبارهم الْجِنْس الثَّانِي قوم يدلسون الحَدِيث فَيَقُولُونَ قَالَ فلَان فَإِذا وَقع إِلَيْهِم من ينقر عَن سماعاتهم ويلح ويراجعهم ذكرُوا فِيهِ سماعاتهم الْجِنْس الثَّالِث قوم دلسوا عَن أَقوام مجهولين لَا يدْرِي من هم وَأَيْنَ هم

قَالَ أَبُو عبد الله وَقد روى جمَاعَة من الْأَئِمَّة عَن قوم من المجهولين مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَبَقِيَّة بن الْوَلِيد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل إِذا حدث بَقِيَّة عَن الْمَشْهُورين فرواياته مَقْبُولَة وَإِذا حدث عَن المجهولين فرواياته غير مَقْبُولَة وَالْجِنْس الرَّابِع قوم دلسوا أَحَادِيث رووها عَن الْمَجْرُوحين فغيروا أساميهم وَكُنَاهُمْ كي لَا يعرفوا وَالْجِنْس الْخَامِس قوم دلسوا عَن قوم سمعُوا مِنْهُم الْكثير وَرُبمَا فاتهم الشَّيْء عَنْهُم فيدلسونه قَالَ أَبُو عبد الله وَمن هَذِه الطَّبَقَة جمَاعَة من الْمُحدثين الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين مخرج حَدِيثهمْ فِي الصَّحِيح إِلَّا أَن المتبحر فِي هَذَا الْعلم يُمَيّز بَين مَا سَمِعُوهُ وَمَا دلسوه وَالْجِنْس السَّادِس قوم رووا عَن شُيُوخ لم يروهم قطّ وَلم يسمعوا مِنْهُم وَإِنَّمَا قَالُوا قَالَ فلَان فَحمل لَك عَنْهُم على السماع وَلَيْسَ عِنْدهم عَنْهُم سَماع عَال وَلَا نَازل قَالَ أَبُو عبد الله قد ذكرت فِي هَذِه الْأَجْنَاس السِّتَّة أَنْوَاع التَّدْلِيس ليتأمله طَالب هَذَا الْعلم فيقيس بِالْأَقَلِّ على الْأَكْثَر وَلم اسْتحْسنَ ذكر أسامي من دلّس من أَئِمَّة الْمُسلمين صِيَانة للْحَدِيث وَرُوَاته غير أَنِّي أدل على جملَة يَهْتَدِي إِلَيْهَا الباحث عَن الْأَئِمَّة الَّذين دلسوا وَالَّذين تورعوا عَن التَّدْلِيس وَهُوَ أَن أهل الْحجاز والحرمين ومصر للعوالي من مَذْهَبهم وَكَذَلِكَ أهل خُرَاسَان وَالْجِبَال وأصبهان وبلاد فَارس وخوزستان وَمَا وَرَاء النَّهر لَا يعلم أحد من أئمتهم دلّس وَأكْثر الْمُحدثين تدليسا أهل الْكُوفَة وَنَفر يسير من أهل الْبَصْرَة فَأَما مَدِينَة السَّلَام بَغْدَاد فقد خرج مِنْهَا جمَاعَة من أهل الحَدِيث مثل أبي النَّضر هَاشم بن الْقَاسِم وَأبي نوح عبد الرَّحْمَن بن غَزوَان وَأبي كَامِل مظفر بن مدرك

ذكر النوع السابع والعشرين من علوم الحديث

وَأبي مُحَمَّد يُونُس بن مُحَمَّد الْمُؤَدب وهم فِي الطَّبَقَة الأولى من أهل بَغْدَاد لَا يذكر عَنْهُم وَعَن أقرانهم من الطَّبَقَة الأولى التَّدْلِيس ثمَّ الطَّبَقَة الثَّانِيَة بعدهمْ الْحسن بن مُوسَى الأشيب وسريج بن النُّعْمَان الْجَوْهَرِي وَمُعَاوِيَة بن عَمْرو الْأَزْدِيّ والمعلى بن مَنْصُور وأقرانهم من هَذِه الطَّبَقَة لم يذكر عَنْهُم التَّدْلِيس ثمَّ الطَّبَقَة الثَّالِثَة إِسْحَاق بن عِيسَى بن الطباع وَمَنْصُور بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ وَسليمَان بن دَاوُد الْهَاشِمِي وَأَبُو نصر عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز التمار لم يذكر عَنْهُم وَعَن طبقتهم التَّدْلِيس ثمَّ الطَّبَقَة الرَّابِعَة مِنْهُم مثل الْهَيْثَم بن خَارِجَة وَالْحكم بن مُوسَى وَخلف بن هِشَام وَدَاوُد بن عَمْرو الضَّبِّيّ لم يذكر عَنْهُم وَعَن طبقتهم التَّدْلِيس ثمَّ الطَّبَقَة الْخَامِسَة مثل إِمَام الحَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل ومزكي الروَاة يحيى بن معِين وصاحبي الْمسند ابْن أبي خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب وَعَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد لم يذكر عَن وَاحِد مِنْهُم التَّدْلِيس ثمَّ الطَّبَقَة السَّادِسَة وَالسَّابِعَة لم يذكر عَنْهُم ذَلِك إِلَّا لأبي بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الباغندي الوَاسِطِيّ فَإِن أَخذ أحد من أهل بَغْدَاد التَّدْلِيس فَعَن الباغندي وَحده ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع مِنْهُ فِي معرفَة علل الحَدِيث وَهُوَ علم بِرَأْسِهِ غير الصَّحِيح والسقيم وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل أخبرنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن سَلمَة بن عبد الله قَالَ سَمِعت أَبَا قدامَة السَّرخسِيّ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول لِأَن

ذكر النوع الثامن والعشرين من علوم الحديث

أعرف عِلّة حَدِيث هُوَ عِنْدِي أحب إِلَيّ من أَن أكتب عشْرين حَدِيثا لَيْسَ عِنْدِي وَقد اقتصرنا من عبارَة الْحَاكِم هُنَا على هَذَا الْقدر وَسَتَأْتِي تَتِمَّة عِبَارَته فِي مَبْحَث أفردناه لهَذَا النَّوْع ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع مِنْهُ فِي معرفَة الشاذ من الرِّوَايَات وَهُوَ غير الْمَعْلُول مَا يُوقف على علته أَنه دخل حَدِيث فِي حَدِيث أَو وهم فِيهِ راو أَو أرْسلهُ وَاحِد فوصله واهم فَأَما الشاذ فَإِنَّهُ حَدِيث يتفرد بِهِ ثِقَة من الثِّقَات وَلَيْسَ للْحَدِيث أصل متابع لذَلِك الثِّقَة سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد الْمُتَكَلّم الْأَشْقَر يَقُول سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق يَقُول سَمِعت يُونُس بن عبد الْأَعْلَى يَقُول قَالَ لي الشَّافِعِي لَيْسَ الشاذ أَن يروي الثِّقَة حَدِيثا يُخَالف فِيهِ النَّاس هَذَا الشاذ من الحَدِيث ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْعِشْرين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم فِي معرفَة سنَن لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعارضها مثلهَا فيحتج أَصْحَاب الْمذَاهب بأحداهما وهما فِي الصِّحَّة والسقم سيان وَمِثَال ذَلِك مَا حدّثنَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ أخبرنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ أخبرنَا الشَّافِعِي قَالَ أخبرنَا مَالك عَن نَافِع عَن نبيه بن وهب أَن عمر بن عبيد الله أَرَادَ أَن يُزَوّج طَلْحَة بن عمر ابْنة شيبَة بن جُبَير فَأرْسل إِلَى

أبان بن عُثْمَان ليحضر ذَلِك وَهُوَ أَمِير الْحَاج فَقَالَ أبان سَمِعت عُثْمَان بن عَفَّان يَقُول سَمِعت رَسُول الله يَقُول لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح وَلَا يخْطب قَالَ أَبُو عبد الله فِي النَّهْي عَن نِكَاح الْمحرم بَاب مخرج أَكْثَره فِي الصَّحِيح ويعارضه هَذَا الْخَبَر حَدثنِي عَليّ بن حمشاذ الْعدْل قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي قَالَ حَدثنَا عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نكح مَيْمُونَة وَهُوَ محرم قَالَ أَبُو عبد الله وَهَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَطَاوُس بن كيسَان وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَمُجاهد بن جبر وَعبد الله بن أبي مليكَة وَغَيرهم عَن عبد الله بن عَبَّاس وَكَانَ سعيد بن الْمسيب يُنكر هَذَا الحَدِيث وَقد كَانَ يزِيد بن الْأَصَم يروي عَن أبي رَافع انه كَانَ يَقُول كنت وَالله الرَّسُول بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَيْمُونَة وَمَا تزَوجهَا إِلَّا حَلَالا وَقد خرجت عليته فِي كتاب الإكليل فِي عمْرَة الْقَضَاء بتفصيله وَشَرحه حَتَّى لقد شفيت وَذكر الْحَاكِم خَمْسَة أَمْثِلَة هَذَا أَحدهَا ثمَّ قَالَ وَقد جعلت هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرتها مِثَالا لأحاديث كَثِيرَة يطول شرحها فِي الْكتاب

ذكر النوع الثلاثين من علوم الحديث

ذكر النَّوْع الثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذَا الْعلم فِي معرفَة الْأَخْبَار الَّتِي لَا معَارض لَهَا بِوَجْه من الْوُجُوه وَمِثَال ذَلِك مَا حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق قَالَ حَدثنَا وهب بن جرير قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب عَن مُصعب بن سعد عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور وَلَا صَدَقَة من غلُول قَالَ أَبُو عبد الله هَذِه سنة صَحِيحَة لَا معَارض لَهَا وَذكر أَمْثِلَة أُخْرَى لهَذَا النَّوْع ثمَّ قَالَ وَقد جعلت هَذِه الحاديث مِثَالا لسنن كَثِيرَة لَا معَارض لَهَا وَقد صنف عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِيهِ كتابا كَبِيرا ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم فِي معرفَة زِيَادَة أَلْفَاظ فقهية فِي أَحَادِيث يتفرد فِيهَا بِالزِّيَادَةِ راو وَاحِد وَهَذَا مِمَّا يعز وجوده ويقل فِي أهل الصَّنْعَة من يحفظه وَقد كَانَ أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن زِيَاد النَّيْسَابُورِي الْفَقِيه بِبَغْدَاد يذكر بذلك وَأَبُو نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدي الْجِرْجَانِيّ بخراسان وبعدهما شَيخنَا أَبُو الْوَلِيد وَمِثَال هَذَا النَّوْع مَا أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن الطوسي بنيسابور وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ بِمَكَّة قَالَا حَدثنَا أَبُو يحيى بن أبي مَسَرَّة قَالَ حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد الْجَارِي قَالَ حَدثنَا زَكَرِيَّا بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن مُطِيع عَن أَبِيه عَن جده عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ

ذكر النوع الثاني والثلاثين من علوم الحديث

وَسلم من شرب فِي إِنَاء ذهب أَو فضَّة أَو فِي إِنَاء فِيهِ شَيْء من ذَلِك فَإِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث رُوِيَ عَن أم سَلمَة وَهُوَ مخرج فِي الصَّحِيح وَكَذَلِكَ رُوِيَ من غير وَجه عَن ابْن عمر واللفظة أَو إِنَاء فِيهِ شَيْء من ذَلِك لم نكتبها إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذَا الْعلم فِي معرفَة مَذَاهِب الْمُحدثين قَالَ مَالك بن أنس لَا يُؤْخَذ الْعلم من صَاحب هوى يَدْعُو النَّاس إِلَى هَوَاهُ وَقَالَ يحيى بن معِين كَانَ مُحَمَّد بن مناذر الشَّاعِر زنديقا يخرج إِلَى الْبَطْحَاء فيصطاد العقارب ثمَّ يرسلها على الْمُسلمين فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِنِّي لأروي الحَدِيث على ثَلَاثَة أوجه أسمع الحَدِيث من الرجل أتخذه دينا وأسمع الحَدِيث من الرجل أتوقف فِي حَدِيثه وأسمع الحَدِيث من لارجل لَا أَعْتَد بحَديثه وَأحب معرفَة مذْهبه وَقَالَ أَبُو نعيم ذكر الْحسن بن صَالح عِنْد الثَّوْريّ فَقَالَ ذَاك رجل كَانَ يرى السَّيْف على أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو عبد الله الْحسن بن صَالح فَقِيه ثِقَة مَأْمُون مخرج فِي الصَّحِيح وَغنما عَنى الثَّوْريّ أَنه كَانَ زيدي الْمَذْهَب قَالَ أَبُو عبد الله قد ذكرت مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي الْوَقْت من مَذَاهِب الْمُتَقَدِّمين وَلم يحْتَمل الِاخْتِصَار أَكثر مِنْهُ وَفِي الْقلب أَن أذكر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى فِي غير هَذَا الْكتاب مَذَاهِب الْمُحدثين بعد هَذِه الطَّبَقَة من شُيُوخ شيوخي وَالله الْمُوفق لذَلِك بمنه اهـ

أَقُول قد عرفت من الْعبارَات الْوَارِدَة فِي هَذَا النَّوْع مَا أَرَادَ الْحَاكِم بمذاهب الْمُحدثين هُنَا وَقد سُئِلَ بعض البارعين فِي علم الْأَثر عَن مَذَاهِب الْمُحدثين مرَادا بذلك الْمَعْنى الْمَشْهُور عِنْد الْجُمْهُور فَأجَاب عَمَّا سُئِلَ عَنهُ بِجَوَاب يُوضح حَقِيقَة الْحَال وغن كَانَ فِيهِ نوع إِجْمَال وَقد أحبننا إِيرَاده هُنَا مَعَ اخْتِصَار مَا قَالَ أما البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد فإمامان فِي الْفِقْه وَكَانَا من أهل الِاجْتِهَاد وَأما مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَنَحْوهم فهم على مَذْهَب أهل الحَدِيث لَيْسُوا مقلدين لوَاحِد بِعَيْنِه من الْعلمَاء وَلَا هم من الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين على الْإِطْلَاق بل يميلون إِلَى قَول أَئِمَّة الحَدِيث كالشافعي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي عبيد وأمثالهم وهم إِلَى مَذَاهِب أهل الْحجاز أميل مِنْهُم إِلَى مَذَاهِب أهل الْعرَاق وَأما أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فأقدم من هَؤُلَاءِ كلهم من طبقَة يحيى بن سعيد الْقطَّان وَيزِيد بن هَارُون الوَاسِطِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وأمثال هَؤُلَاءِ من طبقَة شُيُوخ الإِمَام أَحْمد وَهَؤُلَاء كلهم لَا يألون جهدا فِي اتِّبَاع السّنة غير أَن مِنْهُم من يمِيل إِلَى مَذْهَب الْعِرَاقِيّين كوكيع وَيحيى بن سعيد وَمِنْهُم من يمِيل إِلَى مَذْهَب الْمَدَنِيين كَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ كَانَ يمِيل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَّا أَنه لَهُ اجْتِهَاد وَكَانَ من أَئِمَّة السّنة والْحَدِيث وَلم يكن حَاله كَحال أحد من كبار الْمُحدثين مِمَّن جَاءَ على أَثَره فالتزم التَّقْلِيد فِي عَامَّة الْأَقْوَال إِلَّا فِي قَلِيل مِنْهَا مِمَّا يعد ويحصر فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ أقوى فِي الِاجْتِهَاد مِنْهُ وَكَانَ أفقه وَأعلم مِنْهُ

ذكر النوع الثالث والثلاثين من علوم الحديث

ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم مذاكرة الحَدِيث والتمييز بهَا والمعرفة عِنْد المذاكرة بَين الصدوق وَغَيره فَإِن المجازف فِي المذاكرة يجازف فِي التحديث وَلَقَد كتبت على جمَاعَة من أَصْحَابنَا فِي المذاكرة أَحَادِيث لم يخرجُوا من عهدتها قطّ وَهِي مثبتة عِنْدِي وَكَذَلِكَ أَخْبرنِي أَبُو عَليّ الْحَافِظ وَغَيره من مَشَايِخنَا أَنهم حفظوا على قوم فِي المذاكرة مَا احْتَجُّوا بلك على جرحهم ونسأل الله حسن العواقب والسلامة مِمَّا نَحن فِيهِ بمنة الله وَطوله سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب يَقُول حَدثنَا الْحسن بن عَليّ بن عَفَّان العامري قَالَ حَدثنَا أَبُو يحيى الْحمانِي عَن الْأَعْمَش عَن جَعْفَر بن إِيَاس عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد قَالَ تَذَاكَرُوا الحَدِيث فَإِن الحَدِيث يهيج الحَدِيث أَخْبرنِي عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن القَاضِي قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا عبد الله بن هَاشم قَالَ حَدثنَا وَكِيع قَالَ حَدثنَا كهمس عَن الْحسن عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ تزاوروا وَأَكْثرُوا ذكر الحَدِيث فَإِنَّكُم إِن لم تَفعلُوا يندرس الحَدِيث وَعَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله قَالَ تَذَاكَرُوا الحَدِيث فَإِن حَيَاته مذاكرته ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع مِنْهُ معرفَة التصحيفات فِي الْمُتُون فقد زلق فِيهِ جمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث سَمِعت أَحْمد بن يحيى الذهلي يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن عبد القدوس يَقُول قصدنا شَيخا لنسمع مِنْهُ وَكَانَ فِي كِتَابه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ادهنوا غبا فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبُوا عَنَّا

ذكر النوع الخامس والثلاثين من علوم الحديث

وَأورد الْحَاكِم أَمْثِلَة لهَذَا النَّوْع وَنقل أَن شَيخا أَجْلِس للتحديث فَحدث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا أَبَا عُمَيْر مَا فعل الْبَعِير وَأَنه قَالَ لَا تصْحَب الْمَلَائِكَة رفْقَة فِيهَا خرس يُرِيد أَنه صحف النغير بالبعير وصحف الجرس بالخرس قَالَ فِي النِّهَايَة وَفِي الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لأبي عُمَيْر أخي أنس يَا أَبَا عُمَيْر مَا فعل النغير النغير تَصْغِير النغر وَهُوَ طَائِر يشبه العصفور أَحْمَر المنقار وَقَالَ وَفِي الحَدِيث لَا تصْحَب الْمَلَائِكَة رفْقَة فِيهَا جرس الجرس هُوَ الجلجل الَّذِي يعلق على الدَّوَابّ قيل إِنَّمَا كرهه لِأَنَّهُ يدل على أَصْحَابه بِصَوْتِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يحب أَن لَا يعلم الْعَدو بِهِ حَتَّى يَأْتِيهم فَجْأَة وَقيل غير ذَلِك قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم سَمِعت أَبَا مَنْصُور بن أبي مُحَمَّد الْفَقِيه يَقُول كنت بعدن الْيمن يَوْمًا وأعرابي يذاكرنا فَقَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى نصب بَين يَدَيْهِ شَاة فأنكرت ذَلِك عَلَيْهِ فجَاء بِجُزْء فِيهِ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى نصب بَين يَدَيْهِ عنزة فَقلت أَخْطَأت إِنَّمَا هُوَ عنزة أَي عَصا قَالَ أَبُو عبد الله قد ذكرت مِثَالا يسْتَدلّ بِهِ على تصحيفات كَثِيرَة الْمُتُون صحفها قوم لم يكن الحَدِيث بيشقهم نُسْخَة حرفتهم كَمَا قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة تصحيفات الحدثين فِي الْأَسَانِيد سَمِعت أَحْمد بن يحيى الذهلي يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن عَبدُوس يَقُول

سَمِعت بعض مَشَايِخنَا يَقُول قَرَأَ علينا شيخ بَغْدَاد عَن شقبان الثَّوْريّ عَن جلد الجداء عَن الجسر وَذكر أمثل كَثِيرَة هَذَا أغربها فَإِن الأَصْل عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن خَالِد الْحذاء عَن الْحسن وَكَأن خَالِدا كَانَ مَكْتُوبًا بِغَيْر ألف على طَريقَة بعض الْكتاب فِي حذفهَا فِي مثله ثمَّ قَالَ الْحَاكِم وَقد جعلت هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرتها مِثَالا لتصحيفات كَثِيرَة أحث بِهِ المتعلم على معرفَة أسامي رُوَاة الحَدِيث اهـ وَقد جعل ابْن الصّلاح هَذَا النَّوْع وَالَّذِي قبله نوعا وَاحِدًا غير أَنه قسمه إِلَى قسمَيْنِ وَقد أَحْبَبْت إِيرَاد كَلَامه هَا هُنَا على طَرِيق الِاخْتِصَار قَالَ النَّوْع الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ معرفَة الْمُصحف من أَسَانِيد الْأَحَادِيث ومتونها هَذَا فن جليل إِنَّمَا ينْهض بأعبائه الحذاق من الْحفاظ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْهُم وَله فِيهِ تصنيف مُفِيد وروينا عَن أبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ وَمن يعرى من الْخَطَأ والتصحيف فمثال التَّصْحِيف فِي الْإِسْنَاد حَدِيث شُعْبَة عَن الْعَوام بن مراجم عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن عُثْمَان بن عَفَّان لتؤدن الْحُقُوق إِلَى أَهلهَا صحف فِيهِ يحيى بن معِين فَقَالَ مُزَاحم بالزاي والحاء فَرد عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ ابْن مراجم بالراء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَمِثَال التَّصْحِيف فِي الْمَتْن مَا رَوَاهُ ابْن لَهِيعَة عَن كتاب مُوسَى بن عقبَة إِلَيْهِ بِإِسْنَادِهِ عَن زيد بن ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم فِي الْمَسْجِد وَإِنَّمَا هُوَ بالراء احتجر فِي الْمَسْجِد بخص أَو حَصِير حجرَة يُصَلِّي فِيهَا فصحفه ابْن لَهِيعَة لكَونه أَخذه من كتاب بِغَيْر سَماع ذكر ذَلِك مُسلم فِي كتاب التَّمْيِيز لَهُ

ذكر النوع السادس والثلاثين من علوم الحديث

وبلغنا عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَن مُحَمَّد بن الْمثنى أَبَا مُوسَى الْعَنزي قَالَ لَهُم يَوْمًا نَحن قوم لنا شرف نَحن من عنزة قد صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْنَا يُرِيد مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى إِلَى عنزة توهم أَنه صلى إِلَى قبلتهم وَغنما العنزة هَا هُنَا حَرْبَة نصبت بَين يَدَيْهِ فصلى إِلَيْهَا وأظرف من هَذَا مَا روينَاهُ عَن الْحَاكِم أبي عبد الله عَن أَعْرَابِي زعم أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ إِذا صلى نصبت بَين يَدَيْهِ شَاة أَي صحفها من عنزة بِإِسْكَان النُّون وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا أَن أَبَا بكر الصولي أمْلى فِي الْجَامِع حَدِيث أبي أَيُّوب من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ سِتا من شَوَّال فَقَالَ فِيهِ شَيْئا بالشن وَالْيَاء فقد انقسم التَّصْحِيف إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا فِي الْمَتْن وَالثَّانِي فِي الْإِسْنَاد وينقسم قسْمَة أُخْرَى إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا تَصْحِيف الْبَصَر كَمَا سبق عَن ابْن لَهِيعَة وَذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَر وَالثَّانِي تَصْحِيف السّمع نَحْو حَدِيث لعاصم الْأَحول رَوَاهُ بَعضهم فَقَالَ عَن وَاصل الأحدب فَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَنه من تَصْحِيف السّمع لَا من تَصْحِيف الْبَصَر كَأَنَّهُ ذهب وَالله أعلم إِلَى أَن ذَلِك لَا يشْتَبه من حَيْثُ الْكِتَابَة وَإِنَّمَا أَخطَأ فِيهِ سمع من رَوَاهُ وينقسم قسْمَة ثَالِثَة إِلَى تَصْحِيف اللَّفْظ وَهُوَ الْأَكْثَر وَإِلَى تَصْحِيف الْمَعْنى دون اللَّفْظ كَمثل مَا سبق عَن مُحَمَّد بن الْمثنى فِي الصَّلَاة إِلَى عنزة وَتَسْمِيَة بعض مَا ذَكرْنَاهُ تصحيفا مجَاز وَكثير من تَصْحِيف الْمَنْقُول عَن الأكابر الجلة لَهُم فِيهِ أعذار لم ينقلها ناقلوه ونسأل الله التَّوْفِيق والعصمة ذكر النَّوْع السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذَا الْعلم معرفَة الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأتباعهم وَإِلَى عصرنا هَذَا وَهُوَ علم بِرَأْسِهِ عَزِيز

وَقد صنف أَبُو الْعَبَّاس السراج فِيهِ كتابا لكني أجتهد أَن أذكر فِي هَذَا الْموضع بعد الصَّدْر الأول وَالثَّانِي مَا يُسْتَفَاد فنبدأ بِقوم سمعُوا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسمع أَوْلَادهم مِنْهُ إِلَّا الَّذِي لَهُ ولد وَاحِد الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَالْفضل وَعبد الله وَأَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد وَعمر بن أبي سَلمَة وَزَيْنَب بنت أبي سَلمَة وَسعد بن عبَادَة وَقيس بن سعد وَسَعِيد بن سعد الْجِنْس الثَّانِي من الصَّحَابَة عَليّ وجعفر وَعقيل وَهَذَا الْجِنْس يكثر وَمن الْأُخوة فِي التَّابِعين مُحَمَّد بن عَليّ الباقر وَعبد الله بن عَليّ وَزيد بن عَليّ وَعمر بن عَليّ إخْوَة تابعيون سَالم وَعبد الله وَحَمْزَة وَعبيد الله وَزيد وواقد وَعبد الرَّحْمَن ولد عبد الله بن عمر كلهم تابعيون أبان وَعَمْرو وَسَعِيد ولد عُثْمَان كلهم تابعيون عبد الله وَمصْعَب وَعُرْوَة ولد الزبير تابعيون كثير وَتَمام وَقثم ولد الْعَبَّاس تابعيون مُحَمَّد وَأنس وَيحيى ومعبد وَحَفْصَة وكريمة ولد سِيرِين تابعيون وَفِي التَّابِعين جمَاعَة من الْمَشْهُورين أَخَوان مُحَمَّد وَعبد الله ابْنا مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ وهب وهما ابْنا مُنَبّه عَلْقَمَة وَعبد الْجَبَّار ابْنا وَائِل بن حجر

ذكر الإخوة علماء نيسابور على غير ترتيب

قَالَ أَبُو عبد الله فَهَذَا الَّذِي ذكرته من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مِثَال لجَماعَة لم أذكرهم وَمن أَتبَاع التَّابِعين سَمِعت أَحْمد بن الْعَبَّاس الْمقري غير مرّة يَقُول سَمِعت أَحْمد بن مُوسَى بن مُجَاهِد أَبُو سُفْيَان بن الْعَلَاء وَأَبُو حَفْص بن الْعَلَاء ومعاذ بن الْعَلَاء وسنبس بن الْعَلَاء بن الريان إخْوَة وَسمعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْحَافِظ يَقُول عبد الْملك بن أعين وحمران بن أعين إخْوَة قَالَ أَبُو عبد الله وَمِمَّا يُسْتَفَاد فِي الْأَخَوَيْنِ عبد الله بن يزِيد بن عبد الله بن قسيط وَيزِيد بن يزِيد بن عبد الله بن قسيط قد روى الْوَاقِدِيّ عَنْهُمَا قَالَ أَبُو عبد الله قد ذكرت من الْإِخْوَة فِي بلدان الْمُسلمين بعض مَا يُسْتَفَاد وَفِيه مَا يستغرب ويعز وجوده فِي كتب الْمُتَقَدِّمين فَإِنِّي أخذت أَكْثَره لفظا عَن أَئِمَّة الحَدِيث فِي بلدي وأسفاري وانا أذكر بِمَشِيئَة الله مَا لَا أَحْسبهُ ذكره غَيْرِي من افخوة فِي عُلَمَاء نيسابور ذكر الْإِخْوَة عُلَمَاء نيسابور على غير تَرْتِيب حَفْص بن عبد الرَّحْمَن وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن ومت بن عبد الرَّحْمَن وَقد حدثوا وأفتوا وأقرؤا يحيى بن صبيح وَعبد الله بن صبيح حدث عَنْهُمَا أَتبَاع التَّابِعين وخطتهما عندنَا مَشْهُورَة بشر بن الْقَاسِم ومبشر بن الْقَاسِم حَدثا عَن أَتبَاع التَّابِعين ولبشر رحْلَة إِلَى مصر وَسَمَاع بن ابْن لَهِيعَة وَإِلَى الْمَدِينَة وَسَمَاع من مَالك وَغَيره أَحْمد بن حَرْب العابد وزَكَرِيا بن حَرْب وَالْحُسَيْن أفقههم وزَكَرِيا أيسرهم وخطتهم الَّتِي فِيهَا أَعْقَابهم مَشْهُورَة

ذكر النوع السابع والثلاثين من علوم الحديث

أَحْمد وَمُحَمّد ابْنا النَّضر بن عبد الْوَهَّاب روى عَنْهُمَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَمُحَمّد أَبُو الْعَبَّاس السراج مُحدث بلدنا وَقد حدث عَن أَخَوَيْهِ وحدثا عَنهُ ذكر النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَيْسَ لكل وَاحِد مِنْهُم إِلَّا راو وَاحِد دُكَيْن بن سعيد الْمُزنِيّ صَحَابِيّ لم يرو عَنهُ غير قيس بن أبي حَازِم وَكَذَلِكَ الصنابح بن الأعسر ومرداس بن مَالك الْأَسْلَمِيّ وَأَبُو سهم وَأَبُو حَازِم وَالِد قيس كلهم صحابيون لَا نعلم لَهُم رَاوِيا غير قيس بن أبي حَازِم حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله السَّعْدِيّ قَالَ حَدثنَا وهب بن جرير قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ سَمِعت الْحسن يحدث عَن صعصعة عَم الفرزدق أَنه قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} فَقَالَ يَا رَسُول الله حسبي لَا أُبَالِي أَن لَا أسمع من الْقُرْآن غير هَذَا وَكَذَلِكَ عَمْرو بن تغلب وَسعد مولى أبي بكر الصّديق وأحمر كلهم صحابيون لم يرو عَنْهُم غير الْحسن فَهَذَا مِثَال لجَماعَة من الصَّحَابَة لَيْسَ لَهُم إِلَّا راو وَاحِد

وَفِي الصَّحَابَة جمَاعَة لم يرو عَنْهُم إِلَّا أَوْلَادهم مِنْهُم الْمسيب بن حزن الْقرشِي لم يرو عه غير سعيد وَمَالك بن نَضْلَة الْجُشَمِي لم يرو عَنهُ غير ابْنه عَوْف أبي الْأَحْوَص وَسعد بن تَمِيم السكونِي لم يرو عَنهُ إِلَّا ابْنه بِلَال بن سعد وَفِيهِمْ كَثْرَة فَجعلت مَا ذكرته مِثَالا لمن لم أذكرهُ وَفِي التَّابِعين جمَاعَة لَيْسَ لَهُم إِلَّا الرَّاوِي الْوَاحِد حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد قَالَ حَدثنَا أبي عَن صَالح عَن ابْن شهَاب قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان بن جَارِيَة الثَّقَفِيّ أَن يُوسُف بن الحكم أَبَا الْحجَّاج أخبرهُ أَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من يرد هوان قُرَيْش أهانه الله قَالَ أَبُو عبد الله لَا نعلم لمُحَمد بن أبي سُفْيَان وَعمر بن أبي سُفْيَان بن جَارِيَة الثَّقَفِيّ رَاوِيا غير الزُّهْرِيّ وَكَذَلِكَ تفرد الزُّهْرِيّ عَن نَيف وَعشْرين رجلا من التَّابِعين لم يرو عَنْهُم غَيره وَذكرهمْ فِي هَذَا الْموضع يكثر وَكَذَلِكَ عَمْرو بن دِينَار قد تفرد بالرواية عَن جمَاعَة من التَّابِعين

وكذلك يحيى بن سعيد الأنصاري وأبو إسحاق السبيعي وهشام بن عروة وغيرهم

وَكَذَلِكَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم وَقد تفرد مَالك بن أنس بالرواية عَن مسور بن رِفَاعَة وَعَن زهاء عشرَة من شُيُوخ الْمَدِينَة فَلم يحدث عَن عبد الله بن شَدَّاد وَعَن بضعَة عشر شَيخا وَقد تفرد شُعْبَة بالرواية عَن الْمفضل بن فضَالة عَن زهاء ثَلَاثِينَ شَيخا من شُيُوخه فَلم يحدث عَنْهُم غَيره وَكَذَلِكَ كل إِمَام من أَئِمَّة الحَدِيث قد تفرد بالرواية عَن شُيُوخ لم يرو عَنْهُم غَيره اهـ وَاعْلَم أَنه قد يُوجد فِي بعض من يذكر تفرد راو بالرواية عَنهُ خلاف فِي تفرده فَلَا يَنْبَغِي الْمُبَادرَة إِلَى الحكم بذلك قبل التتبع الشَّديد وَلذَلِك قَالَ ابْن الصّلاح بعد أَن نقل عَن الْحَاكِم شَيْئا مِمَّا ذَكرْنَاهُ آنِفا وأخشى أَن يكون الْحَاكِم فِي تَنْزِيله بعض مَا ذكه بالمنزلة الَّتِي جعله فِيهَا مُعْتَمدًا على الحسبان والتوهم وعَلى كل حَال فَهَذَا من الْمَوَاضِع الَّتِي يستكبر فِيهَا الصَّوَاب ويستصغر فِيهَا الْخَطَأ ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة قبائل الروَاة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأتباعهم ثمَّ إِلَى عصرنا هَذَا أذكر كل من لَهُ نسب فِي الْعَرَب مَشْهُور حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب

قَالَ حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان وَسَعِيد بن عُثْمَان التنوخي قَالَا حَدثنَا بشر بن بكر عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ حَدثنِي أَبُو عمار شَدَّاد عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله اصْطفى بني كنَانَة من ولد إِسْمَاعِيل وَاصْطفى من بني كنَانَة قُريْشًا وَاصْطفى من قُرَيْش بني هَاشم وَاصْطَفَانِي من بني هَاشم قَالَ أَبُو عبد الله وَأَنا أذكر فِي هَذَا الْموضع أَحَادِيث أرويها عَن شيوخي فأذكر كل من يرجع من رواتها إِلَى قَبيلَة فِي الْعَرَب من الصَّحَابِيّ إِلَى وقتنا هَذَا ليستدل بذلك على كَيْفيَّة معرفَة هَذَا النَّوْع من الْعلم أخبرنَا عَبْدَانِ بن يزِيد الدقاق بهمذان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن صَالح الْأَشَج قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق اللؤْلُؤِي قَالَ حَدثنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر بن عبد الله عَن عَطِيَّة بن قيس عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخبر تقله قَالَ أَبُو عبد الله أَبُو الدَّرْدَاء أَنْصَارِي وعطية بن قيس كلابي وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عبد الله بن أبي مَرْيَم غساني وَبَقِيَّة بن الْوَلِيد يحصبي وَالْبَاقُونَ من الْعَجم وَحدثنَا أَبُو الْعَبَّاس قَالَ حَدثنَا أَبُو عتبَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن حمير قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة وَعَمْرو بن قيس والزبيدي عَن الزهر عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن ابْن بُحَيْنَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد سَجْدَتي السَّهْو قبل السَّلَام قَالَ أَبُو عبد الله عبد الله بن مَالك بن بُحَيْنَة أَنْصَارِي وَعبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج من موَالِي قُرَيْش وَالزهْرِيّ قرشي والزبيدي قرشي وَعَمْرو بن قيس سكوني

وَمُحَمّد بن حمير يحصبي وَأَبُو عتبَة وَأَبُو عتبَة قرشي وَأَبُو الْعَبَّاس أموي وَالْبَاقُونَ موَالِي وَقد مثلت بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرتها مِثَالا لمعْرِفَة الْقَبَائِل وَهَذَا الْجِنْس الأول مِنْهُ وَالْجِنْس الثَّانِي مِنْهُ معرفَة نسخ للْعَرَب وَقعت إِلَى الْعَجم فصاروا رواتها وتفردوا بهَا حَتَّى لَا يَقع إِلَى الْعَرَب فِي بِلَادهمْ مِنْهَا إِلَّا الْيَسِير وَمِثَال ذَلِك نُسْخَة لِعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب عَن عبد الله بن الْخَبَّاب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ تفرد بهَا عبد الله بن الْجراح الْقُهسْتَانِيّ عَن الْقَاسِم بن عبد الله بن عمر عَن عَمه عبيد الله نُسْخَة لمُحَمد بن زِيَاد الْقرشِي ينْفَرد بهَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان الْخُرَاسَانِي عَنهُ نُسْخَة لعبد الله بن بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ ينْفَرد بهَا الْحُسَيْن بن وَاقد الْمروزِي عَنهُ نسخ للثوري وَغَيره من مَشَايِخ الْعَرَب ينْفَرد بهَا الْهياج بن بسطَام الْهَرَوِيّ عَنْهُم نسخ كَثِيرَة للْعَرَب ينْفَرد بهَا خَارِجَة بن مُصعب السَّرخسِيّ عَنْهُم نسخ للْعَرَب ينْفَرد بهَا أَبُو جَعْفَر عِيسَى بن ماهان الرَّازِيّ عَنْهُم نسخ للثوري وَغَيره ينْفَرد بهَا أَبُو مهْرَان بن أبي عمر الرَّازِيّ عَنْهُم نسخ للثوري وَغَيره ينْفَرد بهَا نوح بن مَيْمُون الْمروزِي عَنْهُم نُسْخَة لبهز بن حَكِيم الْقشيرِي ينْفَرد بهَا مكي بن إِبْرَاهِيم الْبَلْخِي عَنهُ نسح للْعَرَب ينْفَرد بهَا عَمْرو بن قيس الرَّازِيّ عَنْهُم نسخ لمَالِك بن أنس الأصبحي وسُفْيَان بن سعيد الثَّوْريّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج الْعَتكِي وَعبد الله بن عمر الْعمريّ ينْفَرد بهَا الْحُسَيْن بن الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي عَنْهُم

قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا الَّذِي ذكرته مِثَال للْجِنْس الثَّانِي من معرفَة الْقَبَائِل الْجِنْس الثَّالِث من هَذَا النَّوْع معرفَة شعوب الْقَبَائِل قَالَ الله عز وَجل {وجعلناكم شعوبا وقبائل} قَالَ أَبُو عبد الله وليعلم طَالب هَذَا الْعلم أَن كل مُضَرِي عَرَبِيّ فَإِن مُضر شُعْبَة من الْعَرَب وَأَن كل قرشي مُضَرِي فَإِن قُريْشًا شُعْبَة من مُضر وَأَن كل هاشمي قرشي فَإِن هاشما شُعْبَة من قُرَيْش وان كل علوي هاشمي فَمن عرف مَا ذكرته فِي قَبيلَة الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعله مِثَالا لسَائِر الْقَبَائِل فَيعلم أَن المطلبي قرشي وَأَن العبشمي قرشي وَأَن التَّمِيمِي قرشي وَأَن الْعَدوي قرشي وَأَن الْأمَوِي قرشي الأَصْل قرييش وَهَذِه شعب وَكَذَلِكَ النهشليون تميميون والدارميون تميميون والسعديون تميميون والسليطيون تميميون والأهتميون تميميون وَكَذَلِكَ الخزرجيون أنصاريون والنجاريون أنصاريون والحارثيون أنصاريون والساعديون أنصاريون والسلميون أنصاريون والأوسيون أنصاريون وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي كل دور الْأَنْصَار خير فَهَذَا مِثَال لمعْرِفَة الشّعب من الْقَبَائِل الْجِنْس الرَّابِع من هَذَا النَّوْع معرفَة شعب مؤتلفة فِي اللَّفْظ مُخْتَلفَة فِي قبيلتين وَمِثَال ذَلِك أَن أَبَا يعلى منذرا الثَّوْريّ التَّابِعِيّ من ثَوْر هَمدَان وَأَن سعيد بن مَسْرُوق الثَّوْريّ من ثَوْر تَمِيم مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان الْمَازِني من مَازِن بن النجار سَلمَة بن عَمْرو الْمَازِني من رَهْط مَازِن بن الغضوبة

ذكر النوع التاسع والثلاثين من معرفة علوم الحديث

عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة الْأَسْلَمِيّ من أسلم خُزَاعَة عَطاء بن أبي مَرْوَان الْأَسْلَمِيّ من أسلم بني جمح الْجِنْس الْخَامِس من هَذَا النَّوْع قوم من الْمُحدثين عرفُوا بقبائل أخوالهم وَأَكْثَرهم من صميم الْعَرَب صليبة فَغلبَتْ عَلَيْهِم قبائل الأخوال مِثَال هَذَا الْجِنْس عِيسَى بن حَفْص الْأنْصَارِيّ هَكَذَا يَقُول القعْنبِي وَغَيره وَهُوَ عِيسَى بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب كَانَت أمه مَيْمُونَة بنت دَاوُد الخزرجية فَرُبمَا يعرف بقبيلة أَخْوَاله يحيى بن عبد الله بن أبي قَتَادَة المَخْزُومِي جده أَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي من كبار الْأَنْصَار غلب عَلَيْهِ قَبيلَة أَخْوَاله فَإِن أمه حَدِيدَة بنت نضيلة المخزومية وَشَيخ بلدنا أَبُو الْحسن أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ عرف بقبيلة سليم وَهُوَ أزدي صَلِيب وَسَأَلت الشَّيْخ الصَّالح أَبَا عَمْرو إِسْمَاعِيل بن نجيد بن أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ عَن السَّبَب فِيهِ فَقَالَ كَانَت امْرَأَته أزدية فَعرف بذلك ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة أَنْسَاب الْمُحدثين من الصَّحَابَة وَإِلَى عصرنا هَذَا وَهُوَ نوع كَبِير من هَذِه الْعُلُوم إِلَّا أَن أَئِمَّتنَا قد كفونا شَرحه وَالْكَلَام فِيهِ السَّائِب بن الْعَوام أَخُو الزبير يجمعه وَرَسُول الله قصي وَهُوَ السَّائِب بن الْعَوام بن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي وَحَكِيم بن حزَام يلقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد قصي وَمِمَّنْ يجمعهُمْ وَرَسُول الله هَذَا النّسَب من التَّابِعين بعد الْأَشْرَاف من العلوية أَوْلَاد الْعشْرَة من الصَّحَابَة

أخبرنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان الْموصِلِي قَالَ حَدثنَا عَليّ بن حَرْب الْموصِلِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف عَن سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ظلم شبْرًا من الأَرْض طوقه من سبع أَرضين وَمن قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد هَؤُلَاءِ كلهم من الزُّهْرِيّ قرشيون ذكر النَّوْع الْأَرْبَعين من معرفَة عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة أسامي الْمُحدثين وَقد كفانا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ هَذَا النَّوْع فشفى بتصنيفه فِيهِ وَبَين ولخص غير أَنِّي لم أستجز إخلاء هَذَا الْموضع من هَذَا الأَصْل إِذْ هُوَ نوع كَبِير من هَذَا الْعلم وَقد تهاون بَعضهم بِمَعْرِِفَة الْأَسَامِي فَوَقَعت لَهُ أَوْهَام فَمن ذَلِك أَن بَعضهم ظن أَن عبد الله بن شَدَّاد هُوَ غير أبي الْوَلِيد فَقَالَ فِي حَدِيث يرويهِ عَن عبد الله بن شَدَّاد عَن أبي الْوَلِيد عَن جَابر وَعبد الله بن شَدَّاد هُوَ بِنَفسِهِ أَبُو الْوَلِيد وَعبد الله بن شَدَّاد أَصله مديني وكنيته أَبُو الْوَلِيد روى عَنهُ أهل الْكُوفَة وَكَانَ مَعَ عَليّ يَوْم النهروان وَقد لَقِي عمر بن الْخطاب ومعاذ بن جبل وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر فَهَذَا جنس من معرفَة الْأَسَامِي رُبمَا تعذر على جمَاعَة من أهل الْعلم مَعْرفَته وَالْجِنْس الثَّانِي مِنْهُ معرفَة أسامي الْمُحدثين مُنْفَرِدَة لَا يُوجد فِي رُوَاة الْحَدث بِالِاسْمِ الْوَاحِد مِنْهَا إِلَّا الْوَاحِد مِثَال ذَلِك فِي الصَّحَابَة أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد بن الْمسيب قَالَ حَدثنِي جدي قَالَ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم قَالَ ثَنَا ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب

ذكر النوع الحادي والأربعين من معرفة علوم الحديث

قَالَ أَخْبرنِي أَبُو الْحصين الْأَشْعَرِيّ عَن أبي رَيْحَانَة واسْمه شَمْعُون أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن المشاغبة قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث غَرِيب الْإِسْنَاد والمتن وَلَيْسَ فِي رُوَاة الحَدِيث شكل غَيره وَكَذَلِكَ النواس بن سمْعَان لَيْسَ فِي رُوَاة الحَدِيث غَيره وَهُوَ من أكَابِر الصَّحَابَة وَفِي التَّابِعين من هَذَا الْجِنْس جمَاعَة مِنْهُم زر بن حُبَيْش والمعرور بن سُوَيْد وحضين بن الْمُنْذر بالضاد الْمُعْجَمَة وَفِي أَتبَاع التَّابِعين والطبقة الَّتِي تليهم جمَاعَة من الروَاة لَيْسَ لأحد مِنْهُم سمي ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة الكنى للصحابة وَالتَّابِعِينَ وأتباعهم وَإِلَى عصرنا هَذَا وَقد صنف المحدثون فِيهِ كتبا كَثِيرَة وَرُبمَا يشذ عَنْهُم الشَّيْء بعد الشَّيْء وَأَنا ذَاكر بِمَشِيئَة الله هُنَا مَا يُسْتَفَاد أَبُو الْحَمْرَاء صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْمه هِلَال بن الْحَارِث وَكَانَ يكون بحمص قَالَ يحيى بن معِين رَأَيْت غُلَاما من وَلَده بهَا أَبُو طَالب اسْمه عبد منَاف هَكَذَا ذكره أَحْمد بن حَنْبَل عَن الشَّافِعِي وَأكْثر الْمُتَقَدِّمين على أَن اسْمه كنيته وأكابر الصَّحَابَة كناهم مَشْهُورَة مخرجة فِي الْكتب وَهَذِه كنى جمَاعَة من التَّابِعين أخرجتها من سماعاتي قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ قلت لأبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى من اول من قضى

ذكر النوع الثاني والأربعين من معرفة علوم الحديث

بِالْبَصْرَةِ قَالَ أَبُو مَرْيَم الْحَنَفِيّ استقضاه أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ عَليّ واسْمه إِيَاس بن صبيح سَمِعت مُحَمَّد بن يَعْقُوب يَقُول سَمِعت الْعَبَّاس بن مُحَمَّد يَقُول سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول اسْم أبي السَّلِيل ضريب بن نقير أخبرنَا مُحَمَّد بن المؤمل قَالَ حَدثنَا الْفضل بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ أَبُو سَالم الجيشاني سيان بن هَانِئ وَهَذِه كنى جمَاعَة من أَتبَاع التَّابِعين أخرجتها من سماعاتي إِسْمَاعِيل بن كثير الْمَكِّيّ كنيته أَبُو هَاشم يحيى بن أبي كثير أَبُو نصر وَاسم أبي كثير نشيط صَفْوَان بن سليم أَبُو عبد الله ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من معرفَة هَذِه الْعُلُوم معرفَة بلدان رُوَاة الحَدِيث وأوطانهم وَهُوَ علم قد زلق فِيهِ جمَاعَة من كبار الْعلمَاء بِمَا يشْتَبه عَلَيْهِم فِيهِ فَأول من يلْزمنَا من ذَلِك أَن نذْكر تفرق الصَّحَابَة من الْمَدِينَة بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانجلاءهم عَنْهَا ووقوعهم إِلَى نواح مُتَفَرِّقَة وصبر جمَاعَة من الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ لما حثهم الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمقَام بهَا ذكر من سكن الْكُوفَة من الصَّحَابَة عَليّ بن أبي طَالب سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل عبد الله بن مَسْعُود خباب بن الْأَرَت سهل بن حنيف سلمَان الْفَارِسِي حُذَيْفَة بن الْيَمَان الْبَراء بن عَازِب النُّعْمَان بن بشير جرير بن عبد الله البَجلِيّ عدي بن حَاتِم الطَّائِي سُلَيْمَان بن صرد وَائِل بن حجر سَمُرَة بن جُنْدُب خُزَيْمَة بن ثَابت أَبُو الطُّفَيْل وَغَيرهم وَهَؤُلَاء أَكْثَرهم دفنُوا فِي الْكُوفَة

ذكر من نزل مكة من الصحابة

ذكر من نزل مَكَّة من الصَّحَابَة الْحَارِث بن هِشَام عِكْرِمَة بن أبي جهل عبد الله بن السَّائِب المَخْزُومِي قَارِئ الصَّحَابَة بِمَكَّة عتاب بن أسيد وَشَيْبَة بن عُثْمَان الحَجبي وَصَفوَان بن أُميَّة وَسُهيْل بن عَمْرو وَغَيرهم ذكر من نزل الْبَصْرَة من الصَّحَابَة عمرَان بن حُصَيْن أَبُو بزْرَة الْأَسْلَمِيّ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ أنس بن مَالك وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن مئة وَسبع سِنِين وقرة بن إِيَاس الْمُزنِيّ وَغَيرهم ذكر من نزل مصر من الصَّحَابَة عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ عَمْرو بن الْعَاصِ عبد الله بن عَمْرو عبد الله بن سعد بن أبي سرح محمية بن جُزْء عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء وَغَيرهم ذكر من نزل الشَّام من الصَّحَابَة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح بِلَال بن رَبَاح عبَادَة بن الصَّامِت معَاذ بن جبل سعد بن عبَادَة أَبُو الدَّرْدَاء شُرَحْبِيل بن حَسَنَة خَالِد بن الْوَلِيد عِيَاض بن غنم الْفضل بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَهُوَ مدفون بالأردن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع وحبِيب بن مسلمة وَالضَّحَّاك بن قيس وَغَيرهم ذكر من نزل الجزيرة عدي بن عميرَة الْكِنْدِيّ ووابصة بن معبد الْأَسدي وَغَيرهمَا ذكر من نزل خُرَاسَان من الصَّحَابَة وَتُوفِّي بهَا بُرَيْدَة بن حصيب الْأَسْلَمِيّ مدفون بمرو أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ عبد الله بن خازم الْأَسْلَمِيّ مدفون بنيسابور برستاق جُوَيْن

قثم بن الْعَبَّاس مدفون بسمرقند قَالَ أَبُو عبد الله وَأما مَدِينَة السَّلامَة فَإِنِّي لَا أعلم صحابيا توفّي بهَا إِلَّا أَن جمَاعَة من التَّابِعين وَأَتْبَاع التَّابِعين نزلوها وماتوا بهَا مِنْهُم هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن يسَار وشيبان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ وَلم أستجز إخلاء هَذَا الْموضع من ذكر مَدين السَّلَام وشيبان بن عبد الرَّحْمَن تعصبا لَهَا إِذْ هِيَ مَدِينَة الْعلم وموسم الْعلمَاء والأفاضل عمرها الله فَأَما ذكر التَّابِعين وأتباعهم فَإِنَّهُ يكثر لكني أذكر الْجِنْس الثَّانِي من معرفَة أوطان رُوَاة الْأَخْبَار بِأَحَادِيث أرويها وأذكر مَوَاطِن رواتها لتَكون مِثَالا لسَائِر الرِّوَايَات أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن عصمَة الْعدْل قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا عَبْدَانِ عبد الله بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا أَبُو حَمْزَة عَن إِبْرَاهِيم الصَّائِغ عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة قَالَ أَبُو عبد الله جَابر بن عبد الله من أهل قبَاء مدنِي وَأَبُو الزبير مكي وَإِبْرَاهِيم الصَّائِغ وَأَبُو حَمْزَة وعبدان مروزيون وَشَيخنَا وَأَبوهُ نيسابوريان فعلى الْحَافِظ إِذا أَخذ الحَدِيث أَن يذكر أوطان رُوَاته وَمن دَقِيق هَذَا الْعلم معرفَة قوم من الْمُحدثين تغربوا عَن أوطانهم إِلَى بِلَاد شاسعة وَطَالَ مكثهم بِهِ فنسبوا إِلَيْهَا وَمِنْهُم الرّبيع بن أنس بَصرِي من التَّابِعين سكن مرو فنسب إِلَيْهَا وَقد ذكره المراوزة فِي تواريخهم وَعِيسَى بن ماهان أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ كُوفِي نزل الرّيّ وَمَات بهَا فنسب إِلَيْهَا ويوسف بن عدي كُوفِي

ذكر النوع الثالث والأربعين من علوم الحديث

ورواياته كلهَا عَن الْكُوفِيّين سكن مصر فغلب عَلَيْهِ الاشتهار بِأَهْلِهَا وَلَيْسَ لَهُ عَنْهُم سَماع وَهَذَا مِثَال يكثر وبالقليل مِنْهُ يسْتَدلّ على كَثِيره من رزق الْفَهم ذكر النَّوْع الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من معرفَة هَذِه الْعُلُوم معرفَة الموَالِي وَأَوْلَاد الموَالِي من رُوَاة الحَدِيث فِي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأتباعهم فقد قدمنَا ذكر الْقَبَائِل وَهَذَا ضد ذَلِك النَّوْع ذكر موَالِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمنهمْ شقران كَانَ حَبَشِيًّا لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فوهبه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْتقهُ وَكَانَ مِمَّن شهد دفن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَألقى فِي قَبره قطيفة والْحَدِيث بِهِ مَشْهُور وَمِنْهُم ثَوْبَان وَكَانَ من سبي الْيمن فَأعْتقهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله حَدِيث كثير وَمِنْهُم رويفع وَكَانَ من سبي خَيْبَر وَمِنْهُم زيد بن حَارِثَة من سبي الْعَرَب من كلب من عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْتقهُ فَقيل زيد ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزلت {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} وَكَانَت امْرَأَته أم أَيمن مولاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَولدت لَهُ أُسَامَة بن زيد وأنسة أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل الشعراني بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن شهَاب قَالَ فِي ذكر من شهد بَدْرًا أَبُو كَبْشَة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو رَافع مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل اسْمه إِبْرَاهِيم زوجه

ذكر النوع الرابع والأربعين من علوم الحديث

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مولاته سلمى فَولدت لَهُ عبيد الله بن أبي رَافع كاتتب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب وَمن موَالِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مويهبة وَله رِوَايَة وضمرة وَقد أعقب ومهران وَله حَدِيث وسفينة وسلمان حَدثنَا الْحسن بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا يحيى بن أبي طَالب عَن عَليّ بن عَاصِم بِإِسْنَادِهِ ذكر أَن سلمَان كَانَ عبدا فَلَمَّا قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِين أَتَاهُ فَأسلم فاتباعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعْتقهُ وَقد كَانَ فِي التَّابِعين وأتباعهم كثير من الْأَئِمَّة وَكَانُوا يعدون فِي الموَالِي أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس السياري قَالَ حَدثنَا عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى قَالَ حَدثنَا الْعَبَّاس بن مُصعب قَالَ خرج من مرو أَرْبَعَة من أَوْلَاد العبيد مَا مِنْهُم أحد إِلَّا وَهُوَ إِمَام عصره عبد الله بن الْمُبَارك ومبارك عبد وَإِبْرَاهِيم بن مَيْمُون الصَّائِغ وَمَيْمُون عبد وَالْحُسَيْن بن وَاقد وواقد عبد وَأَبُو حَمْزَة مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي وَمَيْمُون عبد ذكر جمَاعَة مِنْهُم رفيع أَبُو الْعَالِيَة الريَاحي كَانَ عبدا لامْرَأَة من بني ريَاح فأعتقته وَهُوَ من كبار التَّابِعين يسَار أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ كَانَ عبدا للربيع بنت النَّضر عَمه أنس بن مَالك فأعتقته وَأم الْحسن خيرة ملاة أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيُّوب بن كيسَان السّخْتِيَانِيّ وكيسان مولى لعنزة فعلى الْمُحدث أَن يعرف الموَالِي من رُوَاة حَدِيثه ذكر النَّوْع الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة أَعمار الْمُحدثين من ولادتهم إِلَى وَقت وفاتهم وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات فِي سنّ سيدنَا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَخْتَلِفُوا أَنه ولد عَام الْفِيل وَأَنه بعث وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة وَأَنه أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عشرا

ذكر النوع الخامس والأربعين من علوم الحديث

وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي مقَامه بِمَكَّة بعد المبعث فَقَالُوا عشرا وَقَالُوا اثْنَتَيْ عشرَة وَقَالُوا ثَلَاث عشرَة وَقَالُوا خَمْسَة عشرَة فَهَذِهِ نُكْتَة الْخلاف فِي سنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ذكر وفيات كثير من الروَاة طبقَة بعد طبقَة وَقَالَ فِي آخر هَذَا النَّوْع قد ذكرت طرفا من هَذَا النَّوْع يعز وجوده وَفِيه إِن شَاءَ الله كِفَايَة وَتركت مَشَايِخ بلدي فَإِنَّهُ مخرج فِي تَارِيخ النيسابوريين ذكر النَّوْع الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع نه معرفَة ألقاب الْمُحدثين فَإِن فيهم جمَاعَة لَا يعْرفُونَ إِلَّا بهَا ثمَّ مِنْهُم جمَاعَة غلبت عَلَيْهِم الألقاب وأظهروا الْكَرَاهِيَة لَهَا فَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِذا روى عَن مُسلم البطين يجمع يَدَيْهِ وَيَقُول مُسلم وَلَا يَقُول البطين قَالَ أَبُو عبد الله وَفِي الصحاية جمَاعَة يعْرفُونَ بألقاب يطول ذكرهم فَمنهمْ ذُو الْيَدَيْنِ وَذُو الشمالين وَذُو الْعِزَّة وَذُو الْأَصَابِع وَغَيرهم وَهَذِه كلهَا ألقاب ولهؤلاء الصَّحَابَة أسام مَعْرُوفَة عِنْد أهل الْعلم ثمَّ بعد الصَّحَابَة فِي التَّابِعين وأتباعهم من أَئِمَّة الْمُسلمين جمَاعَة ذَوُو ألقاب يعْرفُونَ بهَا وَقَالَ الْحَاكِم فِي آخر هَذَا النَّوْع قد ذكرت فِي ألقاب الْمُتَأَخِّرين بعض مَا رويته عَن شيوخي فَأَما الألقاب الَّتِي تعرف بهَا الروَاة فَأكْثر من أَن يُمكن ذكرهَا فِي هَذَا الْموضع وَأَصْحَاب التواريخ من أَئِمَّتنَا رَضِي الله عَنْهُم قد ذكروها فأغنى ذَلِك عَن ذكرهَا فِي هَذَا الْموضع ذكر النَّوْع السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع مِنْهُ معرفَة رِوَايَة الأقران من التَّابِعين وَأَتْبَاع التَّابِعين وَمن بعدهمْ من عُلَمَاء الْمُسلمين بَعضهم عَن بعض

ذكر النوع السابع والأربعين من معرفة علوم الحديث

الْجِنْس الول مِنْهُ الَّذِي سَمَّاهُ بعض مَشَايِخنَا المدبج وَهُوَ ان يروي قرين عَن قَرِيبه ثمَّ يروي ذَلِك القرين عَنهُ وَالْجِنْس الثَّانِي مِنْهُ غير المدبج ومثاله مَا حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عَليّ بن عَفَّان قَالَ حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ الْجعْفِيّ عَن زاتئدة عَن زهي عَن أبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دَعَا ثَلَاثًا قَالَ أَبُو عبد الله زَائِدَة بن قدامَة وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة قرينان إِلَّا أَنِّي لَا أحفظ لزهير عَنهُ راوية ذكر النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع مِنْهُ معرفَة الْمُتَشَابه فِي قبائل الروَاة وبلدانهم وأساميهم وَكُنَاهُمْ وصنائعهم وَقوم يروي عَنْهُم إِمَام وَاحِد فتشبه كناهم وأساميهم لِأَنَّهَا وَاحِدَة وَقوم تتفق أساميهم وأسامي آبَائِهِم فَلَا يَقع التَّمْيِيز بَينهم إِلَّا بعد الْمعرفَة وَهِي سَبْعَة أَجنَاس قَلما يقف عَلَيْهَا إِلَّا المتبحر فِي الصَّنْعَة فَإِنَّهَا أَجنَاس متفقة فِي الْخط مُخْتَلفَة فِي الْمعَانِي وَمن لم يَأْخُذ هَذَا الْعلم من أَفْوَاه الْحفاظ المبرزين لم يُؤمن عَلَيْهِ التَّصْحِيف فِيهَا وَأَنا بِمَشِيئَة الله تَعَالَى أستقصي فِي هَذَا النَّوْع وأدع ذكر الاستشهاد بِالْأَسَانِيدِ تحريا للاختصار فالجنس الأول من هَذِه الْأَجْنَاس معرفَة الْمُتَشَابه فِي الْقَبَائِل فَمن ذَلِك القيسيون والعيشيون والعنسيون والعبسيون فالقيسيون بطن من تَمِيم وهم رَهْط قيس بن عَاصِم الْمنْقري وكل قَبيلَة من

قبائل الْعَرَب فيهم زعيم مَشْهُور اسْمه قيس ولعقب الْمُسَمّى قيسا يُقَال قيسي والعيشيون بصريون مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن الْمُبَارك وَغَيره والعنسيون شَامِيُّونَ مِنْهُم عُمَيْر بن هَانِئ وَهُوَ تَابِعِيّ وبلال بن سعد الزَّاهِد وَغَيره من تَابِعِيّ أهل الشَّام والعبسيون كوفيون مِنْهُم عبيد الله بن مُوسَى وَغَيره الأزديون والأردنيون فَأَما الأزديون فَمنهمْ حَمَّاد بن زيد وَجَرِير بن حَازِم وَغَيرهمَا والأردنيون شَامِيُّونَ وَفِيهِمْ كَثْرَة الساميون والشاميون فَأَما الساميون فولد سامة بن لؤَي فيهم صحابيون تابعيون فَأَما الشاميون فكثير الْجِنْس الثَّانِي من هَذَا النَّوْع معرفَة الْمُتَشَابه فِي الْبلدَانِ الْبَلْخِي والثلجي البلخيون فيهم كَثْرَة وَمِنْهُم جمَاعَة من أَتبَاع التَّابِعين مِنْهُم سَعْدَان بن سعيد وَغَيره وَمِنْهُم شَقِيق بن إِبْرَاهِيم الزَّاهِد الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل فِي الزّهْد وَمِنْهُم الْحسن بن شُجَاع وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول مَا جَاءَنَا من خُرَاسَان أحفظ من الْحسن بن شُجَاع وَقد روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح واما أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن شُجَاع الثَّلْجِي فَإِنَّهُ كثير الحَدِيث كثير التصنيف رَأَيْت عِنْد أبي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُوسَى القمي خَازِن السُّلْطَان عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد بن شُجَاع كتاب الْمَنَاسِك فِي نَيف وَسِتِّينَ جُزْءا كبارًا دقاقا الْجِنْس الثَّالِث من هَذَا النَّوْع الْمُتَشَابه فِي الْأَسَامِي شُرَيْح وسريج وشريج

شُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي أَبُو أُميَّة الْكِنْدِيّ سمع عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود توفّي سنة ثَمَان وَسبعين وَهُوَ ابْن مئة وَسبع وَعشْرين سنة سُرَيج بن النُّعْمَان الْجَوْهَرِي سمع زُهَيْر بن مُعَاوِيَة وفليح بن سُلَيْمَان روى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل شُرَيْح بن حَيَّان روى عَنهُ كَعْب بن سعيد البُخَارِيّ الزَّاهِد عقيل وَعقيل عقيل بن أبي طَالب وَغَيره وَعقيل بن خَالِد الْأَيْلِي وَغَيره أسيد وَأسيد وَأسيد أسيد بن صَفْوَان روى عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ عبد لاملك بن عُمَيْر وَقد كَانَ أسيد بن صَفْوَان أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسيد بن حضير صَاحب رَسُول الله وَغَيره من الْمُحدثين أسيد بِضَم الْألف وَتَشْديد الْيَاء أسيد بن عَمْرو بن يثربي الأسيدي الْجِنْس الرَّابِع من هَذَا النَّوْع الْمُتَشَابه فِي كنى الروَاة أَبُو إِيَاس وَأَبُو أنَاس أَبُو إِيَاس مُعَاوِيَة بن قُرَّة الْمُزنِيّ تَابِعِيّ فِي آخَرين وَأَبُو أنَاس جوية الْأَسدي من الْقُرَّاء روى عَنهُ نعيم بن يحيى السعيدي أَبُو نَضرة وَأَبُو بصرة

أَبُو نَضرة الْمُنْذر بن مَالك تَابِعِيّ رَاوِيه أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأَبُو بصرة حميل بن بصرة صَحَابِيّ فَأَما أَبُو معبد فجماعة مِنْهُم صَاحب عبد الله بن عَبَّاس وَأَبُو معيد حَفْص بن غيلَان الدِّمَشْقِي الْجِنْس الْخَامِس من هَذَا النَّوْع الْمُتَشَابه فِي صناعات الروَاة الجزار والخراز والخزاز والجرار أما الجزارون فَمنهمْ شَيخنَا عبد الرَّحْمَن بن حمدَان الهمذاني سمع الْمسند من إِبْرَاهِيم بن نصر الرَّاوِي والمسند من هِلَال بن الْعَلَاء الرقي فَأَما الخراز فعبد الله بن عون شيخ كَبِير من أهل الْعرَاق وَأما أَبُو عُثْمَان سعيد بن عُثْمَان الخراز فحدثونا عَنهُ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره وَأما الخزازون بالزايين فَمنهمْ أَبُو عَامر صَالح بن رستم الْبَصْرِيّ الخزاز سمع الْحسن بن أبي الْحسن وَعبد الله بن أبي مليكَة وَأما الجرار بالراءين فَأَبُو مَسْعُود الجرار الْكُوفِي عِنْده عَن الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ والبقال والنقال الْبَقَّال أَبُو سعد بن الْمَرْزُبَان الْكُوفِي تَابِعِيّ

والنقال الْحَارِث بن سُرَيج من كبار الْمُحدثين وعدداه فِي البغداديين وَهُوَ الَّذِي حمل كتاب الرسَالَة من يَد الشَّافِعِي إِلَى عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الْجِنْس السَّادِس من هَذَا النَّوْع قوم من رُوَاة الْأَخْبَار يروي عَنْهُم راو وَاحِد فتشتبه النَّاس كناهم وأساميهم مِثَال ذَلِك أَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي وَأَبُو إِسْحَاق إِسْمَاعِيل بن رَجَاء الزبيدِيّ وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُسلم الهجري قد رووا كلهم عَن عبد الله بن أوفى وَقد روى عَنْهُم الثَّوْريّ وَشعْبَة وَيَنْبَغِي لصَاحب الحَدِيث أَن يعرف الْغَالِب على رِوَايَات كل مِنْهُم فيتميز حَدِيث هَذَا من ذَلِك والسبيل إِلَى مَعْرفَته أَن الثَّوْريّ وَشعْبَة إِذا رويا عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي لَا يزيدان على أبي إِسْحَاق فَقَط وَالْغَالِب على رِوَايَة أبي إِسْحَاق عَن الصَّحَابَة الْبَراء بن عَازِب وَزيد بن أَرقم فَإِذا روى عَن التَّابِعين فَإِنَّهُ يروي عَن جمَاعَة تروي عَن هَؤُلَاءِ وَإِذا رويا عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ فَإِنَّهُمَا يذكران الشَّيْبَانِيّ فِي أَكثر الرِّوَايَات فَإِذا لم يذكرَا ذَلِك فالعلامة الصَّحِيحَة أَن مَا يرويان عَن أبي إِسْحَاق عَن الشّعبِيّ هُوَ أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ دون غَيره وَأما الهجري فَإِن شُعْبَة أكثرهما عَنهُ رِوَايَة وَأكْثر رُوَاة الهجري عَن أبي الْأَحْوَص الْجُشَمِي والسبيعي أَيْضا كثير الرِّوَايَة عَن أبيب الْأَحْوَص فَلَا يَقع التَّمْيِيز فِي ذَلِك إِلَّا بِالْحِفْظِ والدراية فَإِن الْفرق بَين حَدِيث هَذَا وَذَاكَ عَن أبي الْأَحْوَص يطول شَرحه وَأما الزبيدِيّ فَإِنَّهُمَا فِي أَكثر الرِّوَايَات يسميانه وَلَا يكنيانه إِنَّمَا يَقُولَانِ إِسْمَاعِيل بن رَجَاء وَأكْثر روياته عَن أَبِيه وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَقد روى شُعْبَة عَن أبي بشر وَأبي بشر وقلما يُسمى وَاحِد مِنْهُمَا وَأَحَدهمَا أَبُو بشر بَيَان بن بشر الأحمسي كُوفِي تَابِعِيّ وَالْآخر أَبُو بشر جَعْفَر بن أبي وحشية وَأَبُو وحشية إِيَاس وَهُوَ بَصرِي

ذكر النوع الثامن والأربعين من علوم الحديث

والحافظ الْمُمَيز إِذا وجد الحَدِيث عَن شُعْبَة عَن أبي بشر عَن قيس بن أبي حَازِم أَو الشّعبِيّ علم انه بَيَان بن بشر وَإِذا وجد الحَدِيث عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير علم أَنه جَعْفَر بن أبي وحشية النَّوْع السَّابِع من هَذَا النَّوْع قوم تتفق أساميهم وأسامي آبَائِهِم ثمَّ الروَاة عَنْهُم من طبقَة وَاحِدَة من الْمُحدثين فيشتبه التَّمْيِيز بَينهم وَمِثَال ذَلِك ربيع بن سُلَيْمَان وربيع بن سُلَيْمَان مصريان فِي عصر وَاحِد أَحدهمَا الْمرَادِي صَاحب الشَّافِعِي وَالثَّانِي الجيزي أَبُو أبي عبيد الله مُحَمَّد بن الرّبيع الجيزي وإسنادهما مُتَقَارب سَمِعت الْفَقِيه أَبَا بكر الْأَبْهَرِيّ يَقُول سَمِعت أَبَا بكر بن دَاوُد يَقُول لأبي عَليّ النَّيْسَابُورِي الْحَافِظ يَا أَبَا عَليّ إِبْرَاهِيم عَن إِبْرَاهِيم عَن إِبْرَاهِيم من هم فَقَالَ أَبُو عَليّ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن إِبْرَاهِيم بن عَامر البَجلِيّ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَقَالَ أَحْسَنت يَا أَبَا عَليّ ذكر النَّوْع الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة مغازي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسراياه وعوثه وَكتبه إِلَى مُلُوك الْمُشْركين وَمَا يَصح من ذَلِك وَمَا يشذ وَمَا أبلى كل وَاحِد من الصَّحَابَة فِي تِلْكَ الحروب بَين يَدَيْهِ وَمن ثَبت وَمن هرب وَمن جبن عَن الْقِتَال وَمن كرّ وَمن تدين بنصرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن نَافق وَكَيف قسم الْغَنَائِم وَكَيف جعل سلب الْقَتِيل بَين الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَكَيف أَقَامَ الْحُدُود فِي الْغلُول وَهَذِه أَنْوَاع من الْعُلُوم لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا عَالم حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عَليّ بن عَفَّان قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن مُحَمَّد العنقري قَالَ حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق قَالَ كنت إِلَى جنب زيد بن أَرقم فِي يَوْم فطر فَقلت لَهُ كم غزوت مَعَ النَّبِي صلى الله

عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سبع عشرَة فَقلت كم غزا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تسع عشرَة قَالَ أَبُو عبد الله قد أخبر زيد عَن أَكثر الْأَحْوَال الَّتِي شَهِدَهَا وَقَالَ جَابر بن عبد الله غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى وَعشْرين غَزْوَة أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بت عَليّ الصَّنْعَانِيّ بِمَكَّة قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن عباد قَالَ أخبرنَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزهر قَالَ غزا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع وَعشْرين غَزْوَة قَالَ أَبُو عبد الله وَقد ذكر جمَاعَة من الْأَئِمَّة أَن أصح الْمَغَازِي كتاب مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب فَأخْبرنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد الشعراني قَالَ حَدثنَا جدي قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن فليح عَن مُوسَى بن عقبَة قَالَ قَالَ ابْن شهَاب غزا رَسُول الله بَدْرًا والكدر مَاء لبني سليم ثمَّ غزا غطفان بِنَخْل ثمَّ غزا قُريْشًا وَبني سليم بِنَجْرَان ثمَّ غزا يَوْم أحد ثمَّ طلب الْعَدو بِحَمْرَاء الْأسد ثمَّ غزا قُريْشًا لموعدهم فأخافوه ثمَّ غزا بني النَّضِير ثمَّ غزا تِلْقَاء نجد يُرِيد مُحَاربًا وَبني ثَعْلَبَة ثمَّ غَزْوَة ذَات الرّقاع ثمَّ غَزْوَة دومة ثمَّ غَزْوَة الخَنْدَق ثمَّ غَزْوَة بني قُرَيْظَة ثمَّ غَزْوَة بني المصطلق بالمريسيع ثمَّ ذَات السلَاسِل من مشارف الشَّام ثمَّ غَزْوَة القرد وغزوة الجموح تِلْقَاء أَرض بني سليم وغزوة حسمى وغزوة

وهذه آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغازي التي كان يوصي بها أمراء الأجناد

الطّرف وغزوة وَادي الْقرى فَهَذِهِ غزوات رَسُول الله بأصح الْأَسَانِيد فَأَما سَرَايَا رَسُول الله فكثيرة وَقد أخبرنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْهَاشِمِي قَالَ حَدثنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القباني قَالَ حَدثنِي أَحْمد بن الْحجَّاج قَالَ حَدثنَا معَاذ بن فضَالة أَبُو زيد قَالَ حَدثنِي هِشَام عَن قَتَادَة أَن مغازي رَسُول الله وسراياه كَانَت ثَلَاثًا وَأَرْبَعين قَالَ أَبُو عبد الله هَكَذَا كتبناه وَأَظنهُ أَرَادَ السَّرَايَا دون الْغَزَوَات فقد ذكرت فِي كتاب الإكليل على التَّرْتِيب بعوث رَسُول الله وسراياه زِيَادَة على المئة وَأَخْبرنِي الثِّقَة من أَصْحَابنَا ببخارى أَنه قَرَأَ فِي كتاب أبي عبد الله مُحَمَّد بن نصر السَّرَايَا والبعوث دون الحروب بِنَفسِهِ نيفا وَسبعين قَالَ أَبُو عبد الله وَهَذَا الْموضع لَا يسع من ذكر هَذَا الْعلم أَكثر مِمَّا ذكرته وَهَذِه آدَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَغَازِي الَّتِي كَانَ يُوصي بهَا أُمَرَاء الأجناد أخبرنَا عبد الله بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْبَغَوِيّ بِبَغْدَاد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الكابلي قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ قَالَ حَدثنَا ابْن أبي زَائِدَة عَن عَمْرو بن قيس عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا بعث سَرِيَّة أوصاهم بتقوى الله فِي خَاصَّة نَفسه وَمن مَعَه من الْمُسلمين ثمَّ يَقُول اغزوا بِسم الله وَفِي سَبِيل الله قَاتلُوا من كفر بِاللَّه لَا تغلو وَلَا تغدروا وَلَا تمثلوا وَلَا تقتلُوا وليدا وَلَا شَيخا فانيا وَإِذا لقِيت عَدوك من الْمُشْركين فادعهم إِلَى ثَلَاث خِصَال فأيتهم أجابوك إِلَيْهَا

ذكر النوع التاسع والأربعين من معرفة علوم الحديث

فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم ادعهم إِلَى الْإِسْلَام فَإِن هم أجابوك فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم ثمَّ ادعهم إِلَى التَّحَوُّل من دَارهم فَإِن هم أجابوك وَإِلَّا فَأخْبرهُم أَنهم كأعراب الْمُسلمين لَيْسَ لَهُم فِي الْفَيْء وَالْغنيمَة نصيب إِلَّا أَن يجاهدوا مَعَ الْمُسلمين فَإِن هم أَبُو فادعهم إِلَى إِعْطَاء الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون وَإِذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أَن تنزلهم على حكم الله فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا حكم الله فيهم وَإِن أرادوك على أَن تعطيهم ذمَّة الله فَلَا تعطهم ذمَّة الله وَلَكِن أعطهم ذممكم وذمم آبائكم فَإِنَّكُم إِن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم أَهْون عَلَيْكُم أَن تخفروا ذمم الله وَرَسُوله ذكر النَّوْع التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من معرفَة عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة الْأَئِمَّة الثِّقَات الْمَشْهُورين من التَّابِعين وأتباعهم مِمَّن يجمع حَدِيثهمْ للْحِفْظ والمذاكرة والتبرك بهم وبذكرهم من الشرق إِلَى الغرب فَمنهمْ من أهل الْمَدِينَة مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر الْقرشِي ربيعَة بن أبي ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن الرَّأْي سعد بن إِبْرَاهِيم الزُّهْرِيّ عبد الله بن دِينَار الْعَدوي مَالك بن أنس الأصبحي زيد بن أسلم الْعَدوي زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الشَّهِيد جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز خَارِجَة بن زيد بن ثَابت وَمن أهل مَكَّة

إِبْرَاهِيم بن ميسرَة إِسْمَاعِيل بن أُميَّة مُجَاهِد بن جبر عَمْرو بن دِينَار عبد الْملك بن جريج عبد الله بن كثير الْقَارئ قيس بن سعد وَمن أهل مصر عَمْرو بن الْحَارِث كثير بن فرقد خَالِد بن مُسَافر مخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ أَمِير مصر حَيْوَة بن شُرَيْح التجِيبِي وَمن أهل الشَّام إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة الْعقيلِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ مكول الْفَقِيه أَبُو معيد حَفْص بن غيلَان شُرَحْبِيل بن مُسلم الْخَولَانِيّ أم الدَّرْدَاء الْأَنْصَارِيَّة وَمن اهل الْيمن حجر بن قيس المدري الضَّحَّاك بن فَيْرُوز الديلمي وهب وَهَمَّام وَمَعْقِل وَعمر بَنو مُنَبّه جَمَاعَتهمْ ثِقَات وَمَعْقِل أعزهم حَدِيثا همام بن نَافِع الصَّنْعَانِيّ عبد الله بن طَاوس وَمن أهل الْيَمَامَة ضَمْضَم بن جوس اليمامي هِلَال بن سراج الْحَنَفِيّ يحيى بن أبي كثير وَمن أهل الْكُوفَة صعصعة بن صوحان الْعَبْدي كميل بن زِيَاد النَّخعِيّ عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ سعيد بن جُبَير الْأَسدي إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي مُسلم بن أبي عمرَان البطين سُلَيْمَان بن مهْرَان الْكَاهِلِي الْأَعْمَش الْأَسدي مَالك بن مغول البَجلِيّ سُفْيَان الثَّوْريّ عمر بن سعيد الثَّوْريّ أَخُوهُ عَليّ بن صَالح بن حَيّ الْحسن بن صَالح بن حَيّ

ذكر النوع الخمسين من علوم الحديث

وَمن أهل الجزيرة مَيْمُون بن مهْرَان عَمْرو بن مَيْمُون بن مهْرَان سَابق بن عبد الله الْبَرْبَرِي رقي زيد بن أبي أنيسَة غَالب بت عبيد الله الْجَزرِي وَمن أهل الْبَصْرَة أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ مُعَاوِيَة بن قُرَّة الْمُزنِيّ إِيَاس بن مُعَاوِيَة بن قُرَّة أَبُو عَمْرو زبان بن الْعَلَاء بن عمار واخواه شُعْبَة بن الْحجَّاج قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي مَيْمُون بن سياه وَمن اهل وَاسِط أَبُو هَاشم يحيى بن دِينَار الرماني خلف بن حَوْشَب طلاب بن حَوْشَب يُوسُف بن حَوْشَب أصبغ بن يزِيد الْوراق وَكَانَ يكْتب الْمَصَاحِف وَمن أهل خُرَاسَان مُحَمَّد بن زِيَاد قَاضِي مرو وَعِنْده عَن سعيد بن جُبَير وَغَيره أَبُو حريز عبد الله بن الْحُسَيْن قَاضِي سجستان إِبْرَاهِيم بن أدهم الزَّاهِد من أهل بَلخ عبد الرَّحْمَن بن مُسلم أَبُو مُسلم صَاحب الدولة قُتَيْبَة بن مُسلم اتلأمير نصر بن سيار الْأَمِير إِسْحَاق بن وهب البُخَارِيّ تَابِعِيّ ذكر النَّوْع الْخمسين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم جمع الْأَبْوَاب الَّتِي يجمعها أَصْحَاب الحَدِيث وَطلب الْفَائِت مِنْهَا والمذاكرة بهَا فقد حَدثنِي مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سهل بن عَسْكَر قَالَ وقف الْمَأْمُون يَوْمًا للآذان وَنحن وقُوف بَين يَدَيْهِ إِذْ تقدم إِلَيْهِ غَرِيب بِيَدِهِ محبرة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ صَاحب حَدِيث مُنْقَطع بِهِ فَقَالَ الْمَأْمُون أيش تحفظ فِي بَاب كَذَا فَلم يذكر فِيهِ شَيْئا فَمَا زَالَ الْمَأْمُون يَقُول حَدثنَا هشيم وَحدثنَا

حجاج بن مُحَمَّد وَحدثنَا فلَان حَتَّى ذكر الْبَاب ثمَّ سَأَلَهُ عَن بَاب ثَان فَلم يذكر فِيهِ شَيْئا فَذكره الْمَأْمُون ثمَّ نظر إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ أحدهم يطْلب الحَدِيث ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يَقُول أَنا من أَصْحَاب الحَدِيث أَعْطوهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم قَالَ عبد الله قد روينَا عَن جمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث أَنهم استحبوا أَن يبْدَأ الحديثي بِجمع بَابَيْنِ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ونضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها وَأَنا ذَاكر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى بعد الْبَابَيْنِ الْأَبْوَاب الَّتِي جمعتها وذاكرت جمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث بِبَعْضِهَا فَمن هَذِه الْأَبْوَاب مَا مدخلها فِي كتاب الْإِيمَان مِثَال ذَلِك سُؤال عبد الله بن مَسْعُود أَي الذَّنب أعظم الْمُسلم من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده الدّين النَّصِيحَة المستشار مؤتمن لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ من حسن إِسْلَام الْمَرْء الْأَرْوَاح جنود مجندة الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين الْمِعْرَاج سَتَكُون هَنَات وهنات قصَّة الْخَوَارِج لَا تَحَاسَدُوا أَخْبَار الرُّؤْيَة أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف لَا يجمع الله أمتِي على ضَلَالَة وَمن هَذِه الْأَبْوَاب مَا مدخلها فِي كتاب الطَّهَارَة مثالها لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور الْمسْح على الْخُفَّيْنِ الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة إِذا ولغَ الْكَلْب فِي الْإِنَاء وَمن هَذِه الْأَبْوَاب أَبْوَاب فِي كتاب الصَّلَاة رفع الْيَدَيْنِ لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا ولوقتها سَبْعَة يظلهم الله فِي ظله أَخْبَار الْوتر صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ يَوْم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله صَلَاة الْقَاعِد طرق التَّشَهُّد وَمن التفاريق فِي سَائِر الْكتب اطْلُبُوا الْخَيْر لَا تذْهب الْأَيَّام والليالي قصَّة الْغَار من كنت مَوْلَاهُ صُومُوا لرُؤْيَته إِن مِمَّا أدْرك النَّاس مَا عَابَ طَعَاما قطّ الْقَضَاء بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد أفضلكم من تعلم الْقُرْآن لَأُعْطيَن الرَّايَة قصَّة المخدع من كتم علما قبض الْعلم مُسْند أبي العشراء الدَّارمِيّ إِذا أحب الله

ذكر النوع الحادي والخمسين من علوم الحديث

عبدا حَدِيث الْبَراء أسلمت نَفسِي إِلَيْك قصَّة الطير قصَّة الْمُفطر فِي رَمَضَان أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى السّفر من الْعَذَاب طرق الْحسن عَن صعصعة كَانَ إِذا بعث سَرِيَّة من كذب عَليّ مُتَعَمدا اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها إِذا أَتَاكُم كريم قوم تقتل عمارا الفئة الباغية ذَكَاة الْجَنِين خطْبَة عمر بالجابية شَرّ النَّاس من يخَاف لِسَانه لَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة لَيْسَ بالكذاب من أصلح بَين النَّاس إِن أول مَا نبدأ بِهِ أَن نصلي ثمَّ نذبح من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ بست الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا الكمأة من الْمَنّ نعم الإدام الْخلّ الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد كل مُسكر حرَام إِن من الشّعْر لحكمة قصَّة العرنيين صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا اخْتِلَاف الْأَخْبَار فِي تَزْوِيج مَيْمُونَة بنت الْحَارِث النَّاس كإبل مئة دَعْوَة ذِي النُّون إِن الله يحب ان تقبل رخصَة أَشد النَّاس بلَاء الْأَنْبِيَاء إِنَّه ليغان على قلبِي الْمُؤمن غر كريم ذكر النَّوْع الْحَادِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة جمَاعَة من الروَاة لم يحْتَج بِحَدِيثِهِمْ فِي الصَّحِيح وَلم يسقطوا وَهَذَا علم حسن فَإِن فِي رُوَاة الْأَخْبَار جمَاعَة بِهَذِهِ الصّفة وَمِثَال ذَلِك فِي الصَّحَابَة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح أَمِين هَذِه الْأمة لم يَصح الطَّرِيق إِلَيْهِ من جِهَة الناقلين فَلم يخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكَذَلِكَ عتبَة بن غَزوَان وَأَبُو كَبْشَة مولى رَسُول الله والأرقم بن أبي الأرقم وَقُدَامَة بن مَظْعُون والسائب بن مَظْعُون وشجاع بن وهب الْأَسدي وَأَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة بن

ربيعَة وَعباد بن بشر وسلامة بن وقش فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة إِلَّا أَنِّي ذكرت هَؤُلَاءِ رَضِي الله عَنْهُم فَإِنَّهُم من الْمُهَاجِرين الَّذين شهدُوا بَدْرًا وَلَيْسَ لَهُم فِي الصَّحِيح رِوَايَة إِذْ لم يَصح إِلَيْهِم الطَّرِيق وَلَهُم ذكر فِي الصَّحِيح من رِوَايَات غَيرهم من الصَّحَابَة مثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكل أمة أَمِين وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَمَا يشبه هَذَا وَمِثَال ذَلِك فِي التَّابِعين محمدب ن طَلْحَة بن عبيد الله مُحَمَّد بن أبي بن كَعْب السَّائِب بن خَلاد بن السَّائِب مُحَمَّد بن أُسَامَة بن زيد عمَارَة بن خُزَيْمَة بن ثَابت سعيد بن سعد بن عبَادَة عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله إِسْمَاعِيل بن زيد بن ثَابت هَؤُلَاءِ التابعون عَن علو محالهم فِي التَّابِعين وعلو محَال آبَائِهِم فِي الصَّحَابَة لَيْسَ فِي الصَّحِيح ذكر لفساد الطَّرِيق إِلَيْهِم لَا لجرح فيهم وَفِي التَّابِعين جمَاعَة من هَذِه الطَّبَقَة وَمِثَال ذَلِك فِي أَتبَاع التَّابِعين إِبْرَاهِيم بن مُسلم الهجري عبد الرَّحْمَن بن عبد الله المَسْعُودِيّ قيس بن الرّبيع الْأَسدي وَمِثَال ذَلِك فِي أَتبَاع الأتباع مطلب بن زِيَاد حَمَّاد بن شُعَيْب سعيد بن زيد أَخُو حَمَّاد يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ عَائِذ بن حبيب مُحَمَّد بن ربيعَة الْكلابِي إِسْمَاعِيل بن عبد الْكَرِيم الصَّنْعَانِيّ وَمِثَال ذَلِك فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة من الْمُحدثين عون بن عمَارَة الغبري وَالقَاسِم بن الحكم العرني وَمِثَال ذَلِك فِي الطَّبَقَة السَّادِسَة من الْمُحدثين أَحْمد بن عبد الْجَبَّار العطاردي الْحَارِث بن أبي أُسَامَة أَحْمد بن عبيد بن نَاصح النَّحْوِيّ إِسْمَاعِيل بن الْفضل

وَمن أهل الْكُوفَة عَلْقَمَة بن قيس النَّخعِيّ وعامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ وَالْحسن بن صَالح بن حَيّ وَمن أهل الْبَصْرَة قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي وَأَبُو الْعَالِيَة زِيَاد بن فَيْرُوز وكهمس بن الْحسن الْهِلَالِي وَسَعِيد بن أبي هروبة فِي آخَرين بعدهمْ وَمن أهل مصر عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَأَشْهَب بن عبد الْعَزِيز وَعبد الله بن وهب وَعبد الله بن عبد الحكم بن أعين وَجَمَاعَة من المالكيين بعدهمْ وَكَذَلِكَ جمَاعَة من أهل الشَّام وخراسان قَالَ أَبُو عبد الله وَقد رَأَيْت أَن جمَاعَة من مشايخي يرَوْنَ الْعرض سَمَاعا وَالْحجّة عِنْدهم فِي ذَلِك مَا حدّثنَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني قَالَ حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا اللَّيْث بن سعد قَالَ حَدثنِي سعيد المَقْبُري عَن شريك بن عبد الله عَن أنس بن مَالك قَالَ بَينا نَحن جُلُوس مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَ رجل فَذكر الحَدِيث قَالَ يَا مُحَمَّد إِنِّي سَائِلك فمشتد عَلَيْك فِي الْمَسْأَلَة فَلَا تجدن فِي نَفسك فَقَالَ سل مَا بدا لَك فَقَالَ الرجل نشدتك بِرَبِّك وَرب من قبلك الله أرسلك إِلَى النَّاس كلهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ نعم قَالَ أَبُو عبد الله احْتج شيخ الصَّنْعَة أَبُو عبد الله بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ فِي كتاب الْعلم من الْجَامِع الصَّحِيح بِهَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْعرض على الْمُحدث أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد الشعراني قَالَ حَدثنَا جدي

قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن أبي أويس سَمِعت خَالِي مَالك بن أنس يَقُول قَالَ لي يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ لما أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق الْتقط لي مئة حَدِيث من حَدِيث ابْن شهَاب حَتَّى رويها عَنْك عَنهُ قَالَ مَالك فكتبتها ثمَّ بعثت بهَا إِلَيْهِ فَقيل لمَالِك أسمعها مِنْك قَالَ هُوَ أفقه من ذَلِك أخبرنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ قَالَ حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ حَدثنِي الزبير بن بكار قَالَ حَدثنِي مطرف بن عبد الله قَالَ صَحِبت مَالِكًا سبع عشرَة سنة فَمَا رَأَيْته قَرَأَ الْمُوَطَّأ على أحد وسمعته يَأْبَى أَشد الإباء على من يَقُول لَا يجْزِيه إِلَّا السماع وَيَقُول كَيفَ لَا يقنعك أَن تَأْخُذهُ عرضا والمحدث أَخذه عرضا وَلم لَا تجوز لنَفسك ان تعرض أَنْت كَمَا عرض هُوَ حَدثنَا أَبُو بكر الشَّافِعِي حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي قَالَ حَدثنَا ابْن أبي أويس قَالَ سُئِلَ مَالك عَن حَدِيثه أسماع هُوَ فَقَالَ مِنْهُ سَماع وَمِنْه عرض وَلَيْسَ الْعرض بِأَدْنَى عندنَا من السماع قَالَ أَبُو عبد الله قد ذكرنَا مَذْهَب جمَاعَة من الْأَئِمَّة فِي الْعرض فَإِنَّهُم أجازوه على الشَّرَائِط الَّتِي قدمنَا ذكرهَا وَلَو عاينوا مَا عايناه من محدثي زَمَاننَا لما أجازوه فَإِن الْمُحدث إِذْ لم يعرف مَا فِي كِتَابه كَيفَ يعرض عَلَيْهِ وَأما فُقَهَاء الْإِسْلَام الَّذين أفتوا فِي الْحَلَال وَالْحرَام فَإِن فيهم من لم ير الْعرض سَمَاعا وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الْقِرَاءَة على الْمُحدث أهوَ إِخْبَار أم لَا وَبِه قَالَ الشَّافِعِي المطلبي بالحجاز وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام والبويطي والمزني بِمصْر وَأَبُو حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأحمد بن حَنْبَل بالعراق وَعبد الله بن الْمُبَارك وَيحيى بن يحيى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه بالمشرق وَعَلِيهِ عهدنا أَئِمَّتنَا وَبِه قَالُوا وَإِلَيْهِ ذَهَبُوا وَإِلَيْهِ نَذْهَب وَبِه نقُول إِن الْعرض لَيْسَ بِسَمَاع وغن الْقِرَاءَة على الْمُحدث إِخْبَار وَالْحجّة عِنْدهم فِي ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فوعاها حَتَّى يُؤَدِّيهَا إِلَى من لم يسْمعهَا وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْمَعُونَ وَيسمع

مِنْكُم فِي أَخْبَار كَثِيرَة حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ أخبرنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ أخبرنَا الشَّافِعِي قَالَ أخبرنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه أَن رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فحفظها فوعاها وأداها فَرب حَامِل فقه غير فَقِيه قَالَ الشَّافِعِي فَلَمَّا ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى اسْتِمَاع مقَالَته وحفظها وأدائها إِلَى من يُؤَدِّيهَا وَالْأَمر وَاحِد دلّ على انه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْمر أَن يُؤدى عَنهُ إِلَّا مَا تقوم بِهِ الْحجَّة على من أُدي إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَدِّي عَنهُ حَلَال يُؤْتى وَحرَام يجْتَنب وحد يُقَام وَمَال يُؤْخَذ وَيُعْطى ونصيحة فِي دين وَدُنْيا قَالَ أَبُو عبد الله وَالَّذِي أختاره فِي الرِّوَايَة وعهدت عَلَيْهِ أَكثر مشايخي وأئمة عصري أَن يَقُول فِي الَّذِي يَأْخُذهُ من الْمُحدث لفظا وَلَيْسَ مَعَه أحد حَدثنِي فلَان وَمَا يَأْخُذهُ من الْمُحدث لفظا مَعَ غَيره حَدثنَا فلَان وَمَا قَرَأَ على الْمُحدث بِنَفسِهِ أَخْبرنِي فلَان وَمَا قرئَ على الْمُحدث فَأجَاز وَهُوَ حَاضر أخبرنَا فلَان وَمَا عرض على الْمُحدث فَأجَاز لَهُ رِوَايَته شفاها يَقُول فِيهِ أنبأني فلَان وَمَا كتب إِلَيْهِ الْمُحدث من مَدِينَة وَلم يشافهه بِالْإِجَازَةِ يَقُول كتب إِلَيّ فلَان سَمِعت أَبَا بكر إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْفَقِيه بِالريِّ يَقُول سَأَلت أَبَا شُعَيْب الْحَرَّانِي الْإِجَازَة لِأَصْحَابِي بِالريِّ فَقَالَ أَبُو شُعَيْب حَدثنَا جدي قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن أعين عَن شُعْبَة قَالَ كتب إِلَيّ الْمَنْصُور بِحَدِيث ثمَّ لَقيته بعد ذَلِك فَسَأَلته عَن ذَلِك الحَدِيث فَقَالَ لي أَلَيْسَ قد حدثتك بِهِ إِذا كتبت بِهِ إِلَيْك فقد حدثتك حَدثنَا الزبير بن عبد الْوَاحِد قَالَ أخبرنَا أَبُو تُرَاب مُحَمَّد بن سهل قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد بن قطن بن كثير قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة قَالَ سَمِعت

بَقِيَّة يَقُول لقيتني شُعْبَة بِبَغْدَاد فَقَالَ لي لَو لم ألقك لمت مَعَك كتاب بجير بن سعد قَالَ قلت لَا قَالَ إِذا رجعت فاكتبه واختمه وَوجه بِهِ إِلَيّ هَذَا آخر مَا انتقيناه من كتاب الْمعرفَة فِي أصُول الحَدِيث للْحَاكِم أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي وَقد أوردنا هُنَا جلّ مَا أوردهُ فِيهِ من الْفَوَائِد المهمة فِي كل نوع من النواع واقتصرنا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تعدّدت فِيهَا الْأَمْثِلَة على أقل مَا يُمكن الِاقْتِصَار عَلَيْهِ رِعَايَة لحَال الْمُبْتَدِئ الَّذِي توخينا أَن يحصل لَهُ من مطالعة كتَابنَا هَذَا خطّ وافر من الْمعرفَة بِهَذَا الْفَنّ وفقنا الله سُبْحَانَهُ لما يحب ويرضى وَقد وَقع إِلَيْنَا حِين الانتقاء نُسْخَة كتبت فِي الْقَاهِرَة فِي دَار الحَدِيث الكاملية سنة 634 وقرئت فِي قلعة الْجَبَل على بعض أهل الْأَثر وَهِي منقولة من نُسْخَة الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ الْمُثبت عَلَيْهَا صُورَة سَمَاعه فِي آخر كل جُزْء من اجزائها الْخَمْسَة من الشَّيْخ الإِمَام أبي نزار ربيعَة بن الْحسن اليمني الْحَضْرَمِيّ سنة 602 وَهَذَا مِثَال جَمِيع الْجُزْء الأول من علم الحَدِيث على الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم أبي نزار ربيعَة بن الْحسن بن عَليّ بن يحيى الْحَضْرَمِيّ اليمني بِحَق سَمَاعه لَهُ وقراءته على أبي المطهر الصيدلاني بإجازته من ابْن خلف عَن مُصَنفه بِقِرَاءَة الشريف أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي الْقَاسِم الإدريسي الْفَقِيه الْمُحدث أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي بن عبد الله الْمُنْذِرِيّ وملهم بن فتوح بن بِشَارَة الصُّوفِي وَعبد الْبَاقِي بن أبي مُحَمَّد بن عَليّ الخشاب وبركات بن ظافر بن عَسَاكِر وَصَحَّ بِمَسْجِد المسمع بِمصْر يَوْم السبت من شهر ربيع الأول من سنة اثْنَتَيْنِ وست مئة

وَهَذَا مِثَال مَا كتب فِي آخر الْجُزْء الثَّانِي بلغ السماع لجَمِيع هَذَا الْجُزْء على الشَّيْخ الإِمَام العلام الزَّاهِد أبي نزار ربيعَة بن الْحسن بن عَليّ بن عبد الله بن يحيى بن أبي الشجاع الْحَضْرَمِيّ بِحَق قِرَاءَته لَهُ على أبي المطهر الْقَاسِم بن الْفضل بن عبد الْوَاحِد الصيدلاني بإجازته من الأديب أبي بكر أَحْمد بن أبي الْحسن بن خلف الشِّيرَازِيّ بِحَق سَمَاعه من الْحَاكِم أبي عبد الله مُصَنفه صَاحبه الْفَقِيه الْمُحدث عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي بن عبد الله الْمُنْذِرِيّ وَاخْتِيَار الدّين أَبُو المناقب ملهم بن فتوح بن بِشَارَة الصُّوفِي وبركات بن ظافر بن عَسَاكِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ فِي نَهَار يَوْم السبت السَّادِس من ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وست مئة وَالْحَمْد لله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خير خلقه وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا اهـ وَاعْلَم أَن طرق نقل الحَدِيث وتحمله من أهم مبَاحث هَذَا الْفَنّ وَقد تعرض لَهَا عُلَمَاء الْأُصُول فِي كتبهمْ وَقد كتب فِيهَا ابْن الصّلاح مَا يشفي الغليل وَلما كَانَ مَا ذكر فِي هَذَا النَّوْع وَهُوَ النَّوْع الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ الَّذِي ختم بِهِ الْحَاكِم كِتَابه دَاخِلا فِيهَا وَكَانَ هَذَا المبحث سهل المأخذ أحببنا أَن لَا تعرض لَهُ كَمَا لم نتعرض فِي كثير من الْمَوَاضِع لأمثاله وَغنما اكتفينا بِدلَالَة الطَّالِب على مَنْزِلَته من الْفَنّ كي لَا يزهد فِيهِ وعَلى مظان الْبَحْث عَنهُ كي يرجع إِلَيْهَا عِنْد حُصُول الدَّاعِي إِلَى ذَلِك غير أَن رَأينَا نذْكر هُنَا شَيْئا مِمَّا قيل فِي الْإِجَازَة لفرط ولوع كثير من الْمُتَأَخِّرين بهَا فَنَقُول من أَقسَام الْأَخْذ والتحمل الْإِجَازَة وَهِي دون السماع وَهِي تِسْعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول أَن يُجِيز معينا لمُعين كَانَ يَقُول أجزت لَك أَو لكم الْكتاب الْفُلَانِيّ أَو مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ فهرستي وَنَحْو ذَلِك هَذَا أَعلَى أَنْوَاع الْإِجَازَة الْمُجَرَّدَة عَن المناولة وَقد اخْتلف فِيهَا فَقَالَ بعض الْعلمَاء بجوازها وَقَالَ بَعضهم بِعَدَمِ جَوَازهَا

قَالَ ابْن الصّلاح وَزعم بَعضهم أَنه لَا خلاف فِي جزوازها وَلَا خَالف فِيهَا أهل الظَّاهِر وَإِنَّمَا خلافهم فِي غير هَذَا النَّوْع وَزَاد القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ فَأطلق نفي الْخلاف وَقَالَ لَا خلاف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بالإجاة من سلف الْأمة وَخَلفهَا وَادّعى الْإِجْمَاع من غير تَفْصِيل وَحكى الْخلاف فِي الْعَمَل بهَا قلت هَذَا بَاطِل فقد خَالف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ جماعا من أهل الحَدِيث وَالْفُقَهَاء والأصوليين وَذَلِكَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الشَّافِعِي رُوِيَ عَن صَاحبه الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ كَانَ لاشافعي لَا يرى الْإِجَازَة فِي الحَدِيث قَالَ الرّبيع وَأَنا أُخَالِف الشَّافِعِي فِي هَذَا وَقد قَالَ بإبطالها جمَاعَة من الشافعيين مِنْهُم القاضيان حُسَيْن بن مُحَمَّد المروروذي وَأَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ فِي كِتَابه الْحَاوِي وَعَزاهُ إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَقَالا جَمِيعًا لَو جَازَت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة وَرُوِيَ هَذَا الْكَلَام عَن شُعْبَة وَغَيره وَمِمَّنْ أبطلها من أهل الحَدِيث الإِمَام إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الْأَصْفَهَانِي الملقب بِأبي الشَّيْخ والحافظ أَبُو نصر الوائلي السجْزِي وَحكى أَبُو نصر فَسَادهَا عَمَّن لقِيه قَالَ أَبُو نصر جمَاعَة من أهل الْعلم يَقُولُونَ قَول الْمُحدث قد أجزت لَك أَن تروي عني تَقْدِيره قد أجزت لَك مَا لَا يجوز فِي الشَّرْع لِأَن الشَّرْع لَا يُبِيح رِوَايَة من لم يسمع قلت وَيُشبه هَذَا مَا حَكَاهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن ثَابت الخجندي أحد من أبطل الْإِجَازَة من الشَّافِعِيَّة عَن أبي طَاهِر الدباس أحد أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة قَالَ من قَالَ لغيره أجزت لَك أَن تروي عني مَا لم تسمع فَكَانهُ يَقُول أجزت لَك أَن تكذب عَليّ ثمَّ إِن الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْعَمَل وَقَالَ بِهِ جَمَاهِير أهل الْعلم من أهل الحَدِيث وَغَيرهم القَوْل بتجويز الْإِجَازَة وَإِبَاحَة الرِّوَايَة بهَا وَفِي الِاحْتِجَاج لذَلِك غموض

وَيتَّجه أَن نقُول إِذا أجَاز لَهُ أَن يروي عَنهُ مروياته وَقد أخبرهُ هَا جملَة فَهُوَ كَمَا لَو أخبرهُ تَفْصِيلًا وإخباره بهَا غير مُتَوَقف على التَّصْرِيح نطقا كَمَا فِي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ كَمَا سبق وَغنما الْغَرَض حُصُول الإفهام والفهم وَذَلِكَ يحصل بِالْإِجَازَةِ المفهمة وَالله أعلم ثمَّ إِنَّه كَمَا تجوز الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ يجب الْعَمَل بالمروي بهَا خلافًا لمن قَالَ من أهل الظَّاهِر وَمن تَابعهمْ إِنَّه لَا يحب الْعَمَل بِهِ وَإنَّهُ جَار مجْرى الْمُرْسل وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِجَازَة مَا يقْدَح فِي اتِّصَال الْمَنْقُول بهَا وَفِي الثِّقَة بِهِ وَالله اعْلَم النَّوْع الثَّانِي أَن يعين الشَّخْص الْمجَاز لَهُ دون الْكتاب الْمجَاز كَأَن يَقُول أجزت لَك أَو لكم جَمِيع مسموعاتي أَو جَمِيع مروياتي وَمَا أشبه ذَلِك وَالْخلاف فِي هَذَا النَّوْع أقوى وَأكْثر وَالْجُمْهُور من الْعلمَاء من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء وَغَيرهم على تَجْوِيز الرِّوَايَة بهَا أَيْضا وعَلى إِيجَاب الْعَمَل بِمَا يوي بهَا بِشَرْطِهِ النَّوْع الثَّالِث أَن يُجِيز الْغَيْر بِوَصْف الْعُمُوم كَأَن يَقُول أجزت لمن أدْرك زماني وَمَا أشبه ذَلِك وَهَذَا نوع تكلم فِيهِ الْمُتَأَخّرُونَ مِمَّن جوز الْإِجَازَة وَاخْتلفُوا فِي جَوَازه كَانَ ذَلِك مُقَيّدا بِوَصْف خَاص أَو نَحوه فَهُوَ إِلَى الْجَوَاز أقرب كَانَ يَقُول أجزت لطلبة الْعلم بِمَدِينَة كَذَا كَذَا قَالَ ابْن الصّلاح وَلم نر وَلم نسْمع عَن أحد مِمَّن يَقْتَدِي بِهِ انه اسْتعْمل هَذِه الْإِجَازَة فروى بهَا وَلَا عَن الشرذمة المتاخرة الَّذين سوغوها وَالْإِجَازَة فِي أَصْلهَا ضعف وتزداد بِهَذَا التَّوَسُّع والاسترسال ضعفا كثيرا لَا يَنْبَغِي احْتِمَاله النَّوْع الرَّابِع الْإِجَازَة للْمَجْهُول أَو بِالْمَجْهُولِ كَأَن يَقُول أجزت لمُحَمد بن

خَالِد الْحَمَوِيّ وَهُنَاكَ جمَاعَة مشتركون فِي هَذَا الِاسْم وَهَذِه النِّسْبَة أَو أجزت لفُلَان أَن يروي عني بعض مسموعاتي أَو كتاب السّنَن وَهُوَ يروي جملَة من كتب السّنَن الْمَعْرُوفَة وَهَذِه الْإِجَازَة فَاسِدَة لَا فَائِدَة لَهَا وَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل مَا إِذا أجَاز لجَماعَة مسمين مُعينين بأنسابهم والمجيز غير عَارِف بهم فَهَذَا غير قَادِح فِي صِحَة الْإِجَازَة كَمَا لَا يقْدَح فِي صِحَة السماع عدم مَعْرفَته بِمن يحضر مَجْلِسه للسماع مِنْهُ النَّوْع الْخَامِس الْإِجَازَة الْمُعَلقَة بِالشّرطِ كَأَن يَقُول أجزت لفُلَان إِن شَاءَ فلَان وَقد اخْتلف فِيهَا فَقَالَ قوم لَا تجوز لِأَن مَا يفْسد بالجهالة يفْسد بِالتَّعْلِيقِ وَقَالَ قوم هِيَ جَائِزَة وَقد وَقع ذَلِك من بعض أَئِمَّة الحَدِيث فقد وجد بِخَط أبي بكر بن أبي خَيْثَمَة صَاحب يحيى بن معِين أجزت لأبي زَكَرِيَّا يحية بن مسلمة أَن يروي عني مَا أحب من تاريخي الَّذِي سَمعه مني أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن الْأَصْبَغ وَمُحَمّد بن عبد الْأَعْلَى كَمَا سمعاه مني وأذنت لَهُ فِي ذَلِك وَلمن أحب من أَصْحَابه فَإِن أحب أَن تكون الْإِجَازَة لأحد بعد هَذَا فَأَنا أجزت لَهُ ذَلِك بكتابي هَذَا وَكتبه أَحْمد بن أبي خَيْثَمَة بِيَدِهِ فِي شَوَّال سنة سِتّ وَسبعين ومئتن وَمِمَّنْ وَقع مِنْهُم ذَلِك حفيد يَعْقُوب بن شيبَة فقد قَالَ فِي إجَازَة لَهُ يَقُول مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب بن شيبَة قد أجزت لعمر بن أَحْمد الْخلال وَابْنه عبد الرَّحْمَن بن عمر ولختنه عَليّ بن الْحسن جَمِيع مَا فَاتَهُ من حَدِيثي مِمَّا لم يدْرك سَمَاعه من الْمسند وَغَيره وَلكُل من أحب عمر فليرووه عني إِن شاؤوا وكتبت لَهُم ذَلِك بخطي فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة وَلَو قَالَ الْمُجِيز أجزت لمن يَشَاء فلَان أَو نَحْو فَالْأَظْهر الْبطلَان لِأَن فِيهَا جَهَالَة وتعليقا وَلَو قَالَ أجزت لمن يَشَاء الْإِجَازَة فَهُوَ مثل أجزت لمن يَشَاء فلَان بل هَذَا أظهر فِي الْبطلَان لِأَنَّهَا أَشد فِي الْجَهَالَة والانتشار من حَيْثُ إِنَّهَا علقت بِمَشِيئَة من لَا يحصر عَددهمْ

وَلَو قَالَ أجزت لَك كَذَا إِن شِئْت رِوَايَته عني أَو اجزت لَك كَذَا إِن شِئْت أَن تروي عني أَو أجزت لفُلَان إِن شَاءَ الرِّوَايَة عني فَالْأَظْهر الْأَقْوَى أَن ذَلِك إِذْ قد انْتَفَت فِيهِ الْجَهَالَة وَحَقِيقَة التَّعْلِيق وَلم يبْق سوى صيغته وَهُوَ تَصْرِيح بِمُقْتَضى الْحَال وَمُقْتَضى الْحَال فِي كل إجَازَة تَفْوِيض الرِّوَايَة بهَا إِلَى مَشِيئَة الْمجَاز لَهُ فَكَانَ هَذَا مَعَ كَونه بِصِيغَة التَّعْلِيق تَصْرِيحًا بِمَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاق وحكاية للْحَال لَا تَعْلِيقا فِي الْحَقِيقَة النَّوْع السَّادِس الْإِجَازَة للمعدوم وَهِي على قسمني أَحدهمَا أَن يعْطف الْمَعْدُوم على الْمَوْجُود كَأَن يَقُول أجزت لفُلَان وَلمن يُولد لَهُ وَالثَّانِي أَن يخصص الْمَعْدُوم بِالْإِجَازَةِ من غير عطف كَأَن يَقُول أجزت لفُلَان وَلمن يُولد لَهُ وَالثَّانِي أَن يخصص الْمَعْدُوم بِالْإِجَازَةِ من غير عطف كَانَ يَقُول أجزت لمن يُولد لفُلَان وَهُوَ أَضْعَف من الْقسم الأول أقرب إِلَى الْجَوَاز وَحكى ابْن الصّلاح عَن أبي نصر بن الصّباغ أَنه بَين بُطْلَانهَا قَالَ ابْن الصّلاح وَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيح الَّذِي لَا يَنْبَغِي غَيره لِأَن الأجازة فِي حكم الْإِخْبَار جملَة بالمجاز فَكَمَا لَا يَصح الْإِخْبَار للمعدوم لَا تصح الْإِجَازَة لَهُ ول قَدرنَا أَن الْإِجَازَة إِذن فَلَا يَصح ذَلِك أَيْضا للمعدوم وَهَذَا يُوجب أَيْضا بطلَان الْإِجَازَة للطفل الصَّغِير الَّذِي لَا يَصح سَمَاعه النَّوْع السَّابِع الْإِجَازَة لمن لَيْسَ بِأَهْل حِين الْإِجَازَة للْأَدَاء وَالْأَخْذ عَنهُ وَذَلِكَ يَشْمَل صورا لم يذكر ابْن الصّلاح مِنْهَا إِلَّا الصَّبِي وَلم يفرده بِنَوْع بل ذكره فِي آخر الْكَلَام على الْإِجَازَة للمعدوم وَالْإِجَازَة للصَّبِيّ إِن كَانَ مُمَيّزا فَهِيَ صَحِيحَة كسماعه وَقد نقل خلاف ضَعِيف فِي صِحَة سَمَاعه غير أَنه لَا يعْتد بِهِ وغن كَانَ تغير مُمَيّز فقد اخْتلف فِيهِ فَقَالَ بَعضهم لَا تصح الْإِجَازَة لَهُ كَمَا يَصح السماع لَهُ وَقَالَ بَعضهم تصح الْإِجَازَة لَهُ وَقَالَ بذلك الْخَطِيب وَاحْتج لَهُ بِأَن الْإِجَازَة إِنَّمَا هِيَ إِبَاحَة الْمُجِيز لَهُ أَن تيروي عَنهُ وَالْإِبَاحَة تصح للعاقل وَغير الْعَاقِل وَقَالَ وعَلى هَذَا رَأينَا كَافَّة شُيُوخنَا يجيزون للأطفال الْغَيْب عَنْهُم من غير أَن يسْأَلُوا عَن مبلغ أسنانهم وَحَال تمييزهم

وَلم نرهم أَجَازُوا لمن لم يكن مولودا فِي الْحَال وَأما الْإِجَازَة للْكَافِرِ فَقَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ لم أجد فِيهَا نقلا وَقد تقدم نقلا وَقد تقدم ان سَمَاعه صَحِيح وَلم أجد عَن أحد من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين الْإِجَازَة للْكَافِرِ إِلَّا أَن شخصا من الْأَطِبَّاء مِمَّن رَأَيْته بِدِمَشْق وَلم أسمع عَلَيْهِ يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن عبد السَّيِّد بن الديَّان سمع الحَدِيث فِي حَال يَهُودِيَّته على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن الصُّورِي وَكتب اسْمه فِي طبقَة السماع مَعَ السامعين وَأَجَازَ ابْن عبد الْمُؤمن الصُّورِي وَكتب اسْمه فِي طبقَة السماع وَالْإِجَازَة بِحُضُور الْحَافِظ أبي الْحجَّاج يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن الْمزي وَبَعض السماع بقرَاءَته وَذَلِكَ فِي غير مَا حَدِيث مِنْهَا جُزْء ابْن نمير فلولا أَن الْمزي يرى جَوَاز ذَلِك مَا أقرّ عَلَيْهِ ثمَّ هدى الله ابْن عبد السَّيِّد الْمَذْكُور لِلْإِسْلَامِ وَحدث وَسمع مِنْهُ أَصْحَابنَا اهـ واما الْإِجَازَة لِلْفَاسِقِ والمبتدع فَهِيَ أولى بِالْجَوَازِ من الْإِجَازَة للْكَافِرِ ويؤديان إِذا زَالَ الْمَانِع النَّوْع الثَّامِن إجَازَة مَا لم يسمعهُ الْمُجِيز وَلم يتحمله بعد ليرويه الْمجَاز لَهُ إِذا تحمله الْمُجِيز بعد ذَلِك وَقد اخْتلف فِيهَا فَقَالَ بَعضهم هِيَ غر صَحِيحَة وَقَالَ بَعضهم هِيَ صَحِيحَة قَالَ ابْن الصّلاح يَنْبَغِي أَن يَبْنِي هَذَا عِلّة ان الْإِجَازَة فِي حكم الْإِخْبَار بالمجاز جملَة أَو هِيَ إِذن فَإِن جعلت فِي حكم الْإِخْبَار لم تصح هَذِه الْإِجَازَة إِذْ كَيفَ يخبر بِمَا لَا خبر عِنْده مِنْهُ وغن جعلت إِذْنا انبنى هَذَا على الْخلاف فِي تَصْحِيح الْإِذْن فِي بَاب الْوكَالَة فِيمَا لم يملكهُ الْمُوكل بعد مثل ان يُوكل فِي بيع العَبْد الَّذِي يُرِيد ان يَشْتَرِيهِ وَقد أجَاز ذَلِك بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي وَالصَّحِيح بطلَان هَذِه الْإِجَازَة وعَلى هَذَا يتَعَيَّن على من يروي بِالْإِجَازَةِ عَن شيخ أجَاز لَهُ جَمِيع مسموعاته مثلا أَن

يبْحَث حَتَّى يعلم ان ذَاك الَّذِي يُرِيد رِوَايَته عَنهُ مِمَّا سَمعه قبل تَارِيخ هَذِه الْإِجَازَة وَأما إِذا قَالَ أجزت لَك مَا صَحَّ وَمَا يَصح عنْدك من مسوعاتي فَهَذَا لَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل وَقد فعله الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره وَجَائِز أَن يروي بذلك عَنهُ مَا صَحَّ عِنْده بعد الْإِجَازَة انه سَمعه قبل الْإِجَازَة وَيجوز ذَلِك وَإِن اقْتصر على قَوْله مَا صَحَّ عنْدك وَلم يقل وَمَا يَصح لِأَن المُرَاد أجزت لَك أَن تروي عني مَا صَحَّ عنْدك فَالْمُعْتَبر إِذا فِيهِ صِحَة ذَلِك عِنْده حَالَة الرِّوَايَة النَّوْع التَّاسِع إجَازَة الجاز كَأَن يَقُول أجزت لَك مجازاتي أَو أجزت لَك رِوَايَة مَا أُجِيز لي رِوَايَته وَقد منع من ذَلِك بَعضهم وصنف فِيهِ جُزْءا وَذَلِكَ لِأَن الْإِجَازَة ضَعِيفَة فيشتد ضعفها باجتماع إجازتين وَالْمَشْهُور الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل أَن ذَلِك جَائِز وَقد حكى الْخَطِيب تَجْوِيز ذَلِك عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي الْعَبَّاس بن عقدَة وَغَيرهمَا وَقد فعله الْحَاكِم فِي تَارِيخه وَقد كَانَ الْفَقِيه الزَّاهِد نصر بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي يروي بِالْإِجَازَةِ عَن الْإِجَازَة وَرُبمَا تَابع بَين ثَلَاث مِنْهَا وَيَنْبَغِي لمن يروي بِالْإِجَازَةِ عَن الْإِجَازَة أَن يتَأَمَّل كَيْفيَّة إجَازَة شيخ شَيْخه لشيخه ومقتضاها حَتَّى لَا يروي بهَا مَا لم ينْدَرج تحتهَا فَإِذا كَانَ مثلا صُورَة إجَازَة شيخ لشيخه أجزت لَهُ مَا صَحَّ عِنْده من سماعاتي فَرَأى شَيْئا من مسموعات شيخ شَيْخه فَلَيْسَ لَهُ أَن يروي ذَلِك عَن شَيْخه عَنهُ حَتَّى يستبين انه مِمَّا كَانَ قد صَحَّ عِنْد شَيْخه كَونه من مسموعات شَيْخه وَالَّذِي أجَازه على ذَلِك الْوَجْه وَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّد صِحَة ذَلِك عِنْده الْآن عملا بِلَفْظِهِ وتقييده وَمن لَا يتفطن لهَذَا وَأَمْثَاله يكثر عثاره هَذِه أَنْوَاع الْإِجَازَة الْمُجَرَّدَة وَبَقِي نوع آخر وَهِي الْإِجَازَة المقرونة بالمناولة وَهِي أَعلَى أَنْوَاع الْإِجَازَة على الْإِطْلَاق وَلها صور أَعْلَاهَا أَن يدْفع الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب أصل سَمَاعه أَو فَرعه مُقَابلا بِهِ وَيَقُول هَذَا سَمَاعي أَو روايتي عَن فلَان فاروه عني أَو أجزت لَك رِوَايَته عني ثمَّ يملكهُ إِيَّاه أَو يَقُول لَهُ خُذْهُ وانسخه وقابل بِهِ ثمَّ رده إِلَيّ أَو نَحْو ذَلِك وَقد ذكر البُخَارِيّ الْحجَّة على صِحَة المناولة فِي كتاب الْعلم فِي بَاب مَا يذكر فِي المناولة وَكتاب أهل الْعلم بِالْعلمِ إِلَى الْبلدَانِ حَيْثُ قَالَ وَاحْتج بعض أهل الْحجاز فِي المناولة بِحَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ كتب لأمير السّريَّة كتابا وَقَالَ لَا تَقْرَأهُ حَتَّى تبلغ مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلَا بلغ ذَلِك الْمَكَان قَرَأَهُ على النَّاس أخْبرهُم بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله قَالَ حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَن عبد الله بن عَبَّاس أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بكتابه رجلا وَأمره أَن يَدْفَعهُ إِلَى عَظِيم الْبَحْرين فَدفعهُ عَظِيم الْبَحْرين إِلَى كسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مزقه فحسبت أَن ابْن الْمسيب قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمزقوا كل ممزق وَوجه الدّلَالَة فِي الأول أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناول أَمِير السّريَّة كتابا بِدُونِ أَن يقرأه عَلَيْهِ فَجَاز لَهُ الْإِخْبَار بِمَا فِي الْكتاب بِمُجَرَّد المناولة وَوجه الدّلَالَة فِي الثَّانِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناول رَسُوله الْكتاب وَلم يقْرَأ عَلَيْهِ فَجَاز أَن يسند مَا فِيهِ إِلَيْهِ وَيَقُول هَذَا كتاب رَسُول الله وَتقوم الْحجَّة بِهِ على الْمَبْعُوث إِلَيْهِ كَمَا لَو شافههم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك وَيَنْبَنِي على ذَلِك أَن الشَّيْخ إِذا ناول الطَّالِب كتابا جَازَ لَهُ أَن يروي عَنهُ مَا فِيهِ هَذَا والمناولة المقرونة بِالْإِجَازَةِ حَالَة مَحل السماع عِنْد جمَاعَة من أَئِمَّة

الحَدِيث وَقد غلا بَعضهم فَجَعلهَا أرفع من السماع لِأَن الثِّقَة بِكِتَاب الشَّيْخ مَعَ إِذْنه فَوق الثِّقَة بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَأثبت لما يدْخل من الْوَهم عل السَّامع والمسمع وَالصَّحِيح أَنَّهَا منحطة عَن السماع من الشَّيْخ وَالْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَأما المناولة الْمُجَرَّدَة عَن الْإِجَازَة كَأَن يناوله الْكتاب مُقْتَصرا على قَوْله هَذَا من حَدِيثي أَو سَمَاعي وَلَا يَقُول اروه عني وَلَا أجزت لَك رِوَايَته عني وَنَحْو ذَلِك فَهَذِهِ رِوَايَة مختلة لَا تجوز الرِّوَايَة بهَا وعابها غير وَاحِد من الْفُقَهَاء والأصوليين على الْمُحدثين الَّذين أجازوها وسوغوا الرِّوَايَة بهَا وَحكى الْخَطِيب عَن طَائِفَة من أهل الْعلم أَنهم صححوها وأجازوا الرِّوَايَة بهَا وَالْمَشْهُور فِي فعل الْإِجَازَة أَن يعدي بِاللَّامِ فَيُقَال أجزت لفُلَان وَأَجَازَ بَعضهم أَن يُقَال أجزت فلَانا قَالَ ابْن الصّلاح روينَا عَن أبي الْحسن أَحْمد بن فَارس الأديب المُصَنّف رَحمَه الله أَنه قَالَ قَالَ معنى الْإِجَازَة فِي كَلَام الْعَرَب مَأْخُوذ من جَوَاز المَاء الَّذِي يسقاه المَال من الْمَاشِيَة والحرث يُقَال مِنْهُ استجزت فلَانا فأجازني إِذا أسقاك مَاء لأرضك اَوْ ماشيتك كَذَلِك طَالب الْعلم يسْأَل الْعَالم أَن يُجِيزهُ علمه فيجيزه إِيَّاه قلت فللمجيز على هَذَا أَن يَقُول أجزت فلَانا مسموعاتي أَو مروياتي فيعديه بِغَيْر حرف جر من غير حَاجَة إِلَى ذكر لفظ الرِّوَايَة أَو نَحْو ذَلِك وَيحْتَاج إِلَى ذَلِك من يَجْعَل الْإِجَازَة بِمَعْنى التسويغ وَالْإِذْن وَالْإِبَاحَة وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف فَيَقُول أجزت لفُلَان رِوَايَة مسموعاتي مثلا وَمن يَقُول مِنْهُم أجزت لَهُ مسموعاتي فعلى سَبِيل الْحَذف الَّذِي لَا يخفى نَظِيره اهـ وَمَا رَوَاهُ ابْن الصّلاح عَن ابْن فَارس هُوَ مِمَّا ذكره فِي جُزْء لَهُ صَغِير سَمَّاهُ مَأْخَذ الْعلم وَقد أورد ذَلِك فِي بَاب الْإِجَازَة وَقد رَأَيْت أَن أورد نبذا مِنْهُ مِمَّا يتَعَلَّق بِمَا نَحن فِيهِ إتماما للفائدة

فَأَما الْإِجَازَة فَأن يكْتب الْعَالم أَو يكْتب عَنهُ بأَمْره إِنِّي أجزت لفُلَان أَن يروي عني مَا صَحَّ عِنْده من حَدِيثي اَوْ مؤلفاتي وَمَا أشبه هَذَا من الْكَلَام فَذَلِك أَيْضا فِي الْجَوَاز وَالْقُوَّة كَالَّذي ذَكرْنَاهُ فِي المناولة وَغَيرهَا وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة وَالْحسن بن عمَارَة وَابْن جريح وَغَيرهم من الْعلمَاء وَالدَّلِيل على صِحَة الْإِجَازَة مَا حَدثنَا عَليّ بن مهرويه حَدثنَا أَحْمد بن أبي خَيْثَمَة حَدثنَا أَحْمد بن أَيُّوب حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بن جحش بن رياب وَأَصْحَابه وَبعث مَعَهم كتابا وَأمره أَن لَا ينظر فِيهِ حَتَّى يسير يَوْمَيْنِ ثمَّ ينظر فِيهِ فَمضى لما آمره بِهِ فَلَمَّا سَار عبد الله يَوْمَيْنِ فتح الْكتاب فَإِذا فِيهِ إِذا نظرت فِي كتابي هَذَا فَامْضِ حَتَّى تنزل نَخْلَة بَين مَكَّة والطائف فترصد بهَا قُريْشًا وَتعلم لنا من أخبارهم فَقَالَ عبد الله وَأَصْحَابه سمعا وَطَاعَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَضَوْا ولقوا بنخلة لقريش فَقتلُوا عَمْرو بن الحضري كَافِرًا وغنموا مَا كَانَ مَعَهم من تِجَارَة لقريش وَهَذَا الحَدِيث وَمَا أشبهه من كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة فِي الْإِجَازَة لِأَن عبد الله وَأَصْحَابه عمِلُوا بِمَا كتب لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير ان يكلمهم بِشَيْء فَكَذَلِك الْعَالم إِذا أجَاز لطَالب الْعلم فَلهُ أَن يروي وَيعْمل بِمَا صَحَّ عِنْده من حَدِيثه وَعلمه وبلغنا أَن نَاسا يكْرهُونَ الْإِجَازَة إِن اقْتصر عَلَيْهَا بطلت الرحل وَقعد النَّاس عَن طلب الْعلم وَنحن لسنا نقُول إِن طَالب الْعلم يقْتَصر على الْإِجَازَة فَقَط ثمَّ لَا يسْعَى لطلب علم وَلَا يرحل لَكنا نقُول الْإِجَازَة لمن كَانَ لَهُ فِي الْقعُود عَن الطّلب عذر من قُصُور نَفَقَة أَو بعد مَسَافَة أَو صعوبة مَسْلَك فَأَما أَصْحَاب الحَدِيث فَمَا زَالُوا يتجشمون المصاعب ويركبون الْأَهْوَال ويفارقون الأوطان وينأون عَن الأحباب آخذين بِالَّذِي حث عَلَيْهِ رَسُول الله

صلة مهمة يتعلق معظمها بالصحيح والحسن

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِي حدّثنَاهُ سُلَيْمَان بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مَاجَه حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا حَفْص بن سُلَيْمَان حَدثنَا كثير بن شنظير عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلب الْعلم فَرِيضَة على كل مُسلم صلَة مهمة يتَعَلَّق معظمها بِالصَّحِيحِ وَالْحسن اعْلَم أَن بعض الْعلمَاء قد سلك فِي بَيَان هَذَا الْفَنّ وَحصر أقسامه الْمَشْهُورَة وتعريفها مسلكا صَار قَرِيبا قريب الْمدْرك وَقد أَحْبَبْت أَن نتبع أَثَره فِي ذَلِك موردين لباب مَا أوردهُ مَعَ زيادات يقتضيها الْمقَام وَرُبمَا وَقع فِي أثْنَاء ذَلِك تكْرَار لبَعض مَا سبق لأمر يحمل عَلَيْهِ فنذكره من غير إِشَارَة وَقد آن أَن نشرع فِي ذَلِك فَنَقُول الْخَبَر إِمَّا ان يرويهِ جمَاعَة يبلغون فِي الْكَثْرَة مبلغا تحيل الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب فِيهِ أَولا فَالْأول الْمُتَوَاتر وَالثَّانِي الْآحَاد والمتواتر لَيْسَ من مبَاحث علم الْإِسْنَاد لِأَن علم الْإِسْنَاد علم يبْحَث فِيهِ عَن صِحَة الحَدِيث أَو ضعفه من حَيْثُ صِفَات رُوَاته وصيغ أدائهم ليعْمَل بِهِ أَو يتْرك والمتواتر صَحِيح قطعا فَيجب الْأَخْذ بِهِ من غير توقف وَهُوَ يُفِيد الْعلم بطرِيق الْيَقِين والمتواتر ينْدر أَن يكون لَهُ إِسْنَاد مَخْصُوص كَمَا يكون لأخبار الْآحَاد لاستغنائه بالتواتر عَن ذَلِك وَإِذا وجد لَهُ إِسْنَاد معِين لم يبْحَث عَن أَحْوَال رِجَاله بِخِلَاف خبر الْآحَاد فَإِن فِيهِ الصَّحِيح وَغير الصَّحِيح وَالصَّحِيح مِنْهُ لَا يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ على طَرِيق الْيَقِين نعم قد تقترن قَرَائِن تفِيد الْعلم بِالصِّحَّةِ وَلَا بُد ف خبر الْآحَاد ان يكون لَهُ إِسْنَاد معِين يبْحَث فِيهِ عَن أَحْوَال رِجَاله وصيغ أدائهم وَنَحْو ذَلِك ليعلم المقبول مِنْهُ من غَيره فانحصر الْبَحْث هُنَا فِي خبر الْآحَاد وَخبر الأحاد إِن كَانَت رُوَاته فِي كل طبقَة ثَلَاثَة فَأكْثر يُسمى مَشْهُورا

وَإِن كَانَت رُوَاته فِي بعض الطَّبَقَات اثْنَيْنِ وَلم تنقص فِي سائرها عَن ذَلِك يُسمى عَزِيزًا وَإِن انْفَرد فِي بعض الطَّبَقَات أَو كلهَا راو وَاحِد يُسمى غَرِيبا وَالْمَشْهُور عِنْدهم أَنه لَا يشْتَرط فِي الْمَشْهُور والعزيز التَّعَدُّد فِي الطَّبَقَة الأولى فيسمون الحَدِيث مَشْهُورا إِذا رَوَاهُ فِي كل طبقَة ثَلَاثَة فَأكْثر وَإِن كَانَ من رَوَاهُ من الصَّحَابَة أقل من ثَلَاثَة ويسمون الحَدِيث عَزِيزًا إِذا رَوَاهُ فِي بعض الطَّبَقَات اثْنَان وَلم تنقص رُوَاته فِي سائرها عَن ذَلِك وَإِن كَانَ الرَّاوِي لَهُ من الصَّحَابَة وَاحِدًا فَقَط والغريب إِن كَانَت الغرابة فِيهِ فِي أصل السَّنَد يُسمى الْفَرد الْمُطلق وَيُقَال لَهُ أَيْضا الْغَرِيب الْمُطلق وَإِن كَانَت الغرابة فِيهِ فِي غير أصل السَّنَد يُسمى الْفَرد النسبي وَيُقَال لَهُ أَيْضا الْغَرِيب النسبي وَالْمرَاد بِأَصْل السَّنَد أَوله وَقد عرفت آنِفا أَن الْغَرِيب مَا ينْفَرد بروايته شخص فِي أَي مَوضِع كَانَ من مَوَاضِع السَّنَد وَأَن انْفِرَاد الصَّحَابِيّ فَقَط بِالْحَدِيثِ لَا يُوجب الحكم لَهُ بالغرابة فالفرد الْمُطلق هُوَ مَا ينْفَرد بروايته عَن الصَّحَابِيّ وَاحِد من التَّابِعين وَذَلِكَ كَحَدِيث النَّهْي عَن بيع الْوَلَاء فَإِنَّهُ تفرد بِهِ عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر وَقد يتفرد بِهِ راو عَن ذَلِك المتفرد وَذَلِكَ كَحَدِيث شعب الْإِيمَان فَإِنَّهُ تفرد بِهِ أَبُو صَالح عَن أبي هُرَيْرَة وَتفرد بِهِ عبد الله بن دِينَار عَن أبي صَالح وَقد يسْتَمر التفرد فِي جَمِيع رُوَاته أَو أَكْثَرهم وَفِي مُسْند الْبَزَّار والمعجم الْأَوْسَط للطبراني أَمْثِلَة كَثِيرَة لذَلِك والفرد النسبي هُوَ مَا ينْفَرد بروايته وَاحِد مِمَّن بعد التَّابِعين وَذَلِكَ بِأَن يرويهِ عَن الصَّحَابِيّ أَكثر من وَاحِد ثمَّ ينْفَرد بالرواية عَن وَاحِد مِنْهُم أَو أَكثر وَاحِد ويقل إِطْلَاق اسْم الْفَرد على الْفَرد لانسبي وَغنما يُطلق عَلَيْهِ فِي الْغَالِب اسْم الْغَرِيب قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِن أهل الِاصْطِلَاح قد غايروا بَين الْفَرد والغريب

من حَيْثُ كثر الِاسْتِعْمَال وقلته فالفرد أَكثر مَا يطلقونه على الْفَرد الْمُطلق والغريب أَكثر مَا يطلقونه على الْفَرد النسبي وَهَذَا من حَيْثُ إِطْلَاق الِاسْم عَلَيْهِمَا وَأما من حَيْثُ استعمالهم الْفِعْل الْمُشْتَقّ فَلَا يفرقون فَيَقُولُونَ فِي الْمُطلق والنسبي تفرد بِهِ فلَان أَو أغرب بِهِ فلَان وَلَا يسوغ الحكم بالتفرد إِلَّا بعد الِاعْتِبَار وَالِاعْتِبَار هُوَ تتبع الطّرق من الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد والأجزاء لذَلِك الحَدِيث الَّذِي يظنّ أَنه فَرد ليعلم هَل لرِوَايَة متابع أَو هَل لَهُ شَاهد أم لَا ومظنة معرفَة الطّرق الَّتِي يحصل بهَا المتابعات والشواهد وينتفي بهَا التفرد كتب الْأَطْرَاف قَالَ الْعِرَاقِيّ الِاعْتِبَار أَن تَأتي إِلَى حَدِيث لبَعض الروَاة فتعتبره بروايات غَيره من الروَاة بسبر طرق الحَدِيث لتعرف هَل شَاركهُ فِي ذَلِك الحَدِيث راو غَيره فَرَوَاهُ عَن شَيْخه أم لَا فَإِن يكن شَاركهُ أحد مِمَّن يعْتَبر بحَديثه أَي يصلح أَن يخرج حَدِيثه للاعتبار بِهِ والاستشهاد بِهِ سمي حَدِيث هَذَا الَّذِي شَاركهُ تَابعا وَسَيَأْتِي بَيَان من يعْتَبر بحَديثه فِي مَرَاتِب الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَإِن لم تَجِد أحدا تَابعه عَلَيْهِ عَن شَيْخه فَانْظُر هَل تَابع أحد شيخ شَيْخه فَرَوَاهُ مُتَابعًا لَهُ أم لَا فَإِن وجدت أحدا تَابع شيخ شَيْخه عَلَيْهِ فَرَوَاهُ كَمَا رَوَاهُ فسمه أَيْضا تَابعا وَقد يسمونه شَاهدا وَإِن لم تَجِد فافعل ذَلِك فِيمَن فَوْقه إِلَى آخر الْإِسْنَاد حَتَّى فِي الصَّحَابِيّ فَكل من وجد لَهُ متابع فسم حَدِيث الَّذِي شَاركهُ تَابعا وَقد يسمونه شَاهدا فَإِن لم تَجِد لأحد مِمَّن فَوْقه مُتَابعًا عَلَيْهِ فَانْظُر هَل أَتَى بِمَعْنَاهُ حَدِيث آخر فسم ذَلِك الحَدِيث شَاهدا وَإِن لم تَجِد حَدِيثا آخر يُؤَدِّي مَعْنَاهُ فقد عري من المتابعات والشواهد فَالْحَدِيث إِذا فَرد قَالَ ابْن حبَان وَطَرِيق الِاعْتِبَار فِي الْأَخْبَار مِثَاله أَن يروي حَمَّاد بن سَلمَة حَدِيثا لم يُتَابع عَلَيْهِ عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَينْظر هَل روى ذَلِك ثِقَة غير أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين فَإِن

وجد علم أَن للْخَبَر أصلا يرجع إِلَيْهِ وَإِن لم يُوجد ذَلِك فَثِقَة غير ابْن سِيرِين رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة وَإِلَّا فصحابي غير أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَي ذَلِك وجد يعلم بِهِ أَن الحَدِيث يرجع إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا انْتهى قلت فمثال مَا عدمت فِيهِ المتابعات من هَذَا الْوَجْه من وَجه يثبت مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة أرَاهُ رَفعه أحبب حَبِيبك هونا مَا الحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا من هَذَا الْوَجْه قلت أَي من وَجه يثبت وَقد رَوَاهُ الْحسن بن دِينَار وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة اهـ مِثَال مَا وجد لَهُ تَابع وَشَاهد مَا روى مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِشَاة مطروحة أعطيتهَا مولاة لميمونة من الصَّدَقَة فَقَالَ أَلا أخذُوا إهابها فدبغوه فانتفعوا فَلم يذكر فِيهِ أحد من أَصْحَاب عَمْرو بن دِينَار فدبغوه إِلَّا ابْن عُيَيْنَة وَقد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن نافعالمكي عَن عَمْرو فَلم يذكر الدّباغ فَنَظَرْنَا هَل نجد أحدا تَابع شَيْخه عَمْرو بن دِينَار على ذكر الدّباغ فِيهِ عَن عَطاء أم لَا فَوَجَدنَا أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ تَابع عمرا عَلَيْهِ روى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن وهب عَن أُسَامَة عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأهل شَاة مَاتَت أَلا نزعتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَهَكَذَا رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن عَطاء وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يحيى بن سعيد عَن ابْن جريج عَن عَطاء فَكَانَت هَذِه متابعات لرِوَايَة ابْن عُيَيْنَة ثمَّ نَظرنَا فَوَجَدنَا لَهُ شَاهدا وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن وَعلة الْمصْرِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر

والمتابعة إِن حصلت للراوي نَفسه فَهِيَ الْمُتَابَعَة التَّامَّة وَإِن حصلت لشيخه فَمن فَوْقه فَهِيَ الْمُتَابَعَة القاصرة وَالشَّاهِد إِن كَانَ يشبه متن الحَدِيث الْفَرد فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى فَهُوَ الشَّاهِد بِاللَّفْظِ وغن كَانَ يُشبههُ فِي الْمَعْنى فَقَط فَهُوَ لاشاهد بِالْمَعْنَى وَالشَّاهِد متن يرْوى عَن صَحَابِيّ آخر يشبه متن الحَدِيث الْفَرد وَقد أورد الْحَافِظ ابْن حجر مِثَالا تَجْتَمِع فِيهِ الْمُتَابَعَة التَّامَّة والمتابعة القاصرة وَالشَّاهِد بِاللَّفْظِ وَالشَّاهِد بِالْمَعْنَى وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تروا الْهلَال وَلَا تفطروا حَتَّى تروه فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة الثَّلَاثِينَ وَقد ظن قوم أَن هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْفظ قد تفرد بِهِ الشَّافِعِي عَن مَالك فعدوه فِي غَرَائِبه لِأَن أَصْحَاب مَالك رَوَوْهُ عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد بِلَفْظ فَإِن غم عَلَيْكُم فاقدروا لَهُ فَنَظَرْنَا فَوَجَدنَا للشَّافِعِيّ مُتَابعًا وَهُوَ عبد الله القعْنبِي أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ عَن مَالك بِلَفْظ الشَّافِعِي فَهَذِهِ مُتَابعَة تَامَّة وَقد دلّ على أَن مَالِكًا رَوَاهُ عَن عبد الله بن دِينَار باللفظين مَعًا وَوجدنَا عبد الله بن دِينَار قد توبع فِيهِ عَن ابْن عمر من وَجْهَيْن أَحدهمَا مَا أخرجه مُسلم من طَرِيق أبي أُسَامَة عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر فَذكر الحَدِيث وَفِي آخِره فَإِن غمي عَلَيْكُم فاقدروا ثَلَاثِينَ وَالثَّانِي مَا أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من طَرِيق عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد عَن أَبِيه عَن جده ابْن عمر بِلَفْظ فَإِن غم عَلَيْكُم فكملوا ثَلَاثِينَ فَهَذِهِ مُتَابعَة لَكِنَّهَا قَاصِرَة وَله شَاهِدَانِ احدهما من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن آدم عَن

تنبيهات

شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ فَإِن غمي عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ وَثَانِيهمَا من حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن مُحَمَّد بن حنين عَن ابْنة عَبَّاس بِلَفْظ حَدِيث ابْن دِينَار عَن ابْن عمر سَوَاء وَهُوَ فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ فَهَذَا شَاهد بِاللَّفْظِ وَمَا قبله شَاهد بِالْمَعْنَى تَنْبِيهَات التَّنْبِيه الأول يُسمى حَدِيث الَّذِي شَارك الرَّاوِي فِيهِ تَابعا وَقد يُسمى شَاهدا وَأما الشَّاهِد فَلَا يُسمى تَابعا وَقَالَ بَعضهم إِن التابعيختص بِمَا كَانَ بِاللَّفْظِ سَوَاء كَانَ من رِوَايَة ذَلِك الصَّحَابِيّ أم غَيره وَالشَّاهِد يخْتَص بِمَا كَانَ بِالْمَعْنَى كَذَلِك وَقَالَ الْجُمْهُور مَا أَتَى عَن ذَلِك الصَّحَابِيّ فتابع وَمَا أَتَى عَن صَحَابِيّ آخر فشاهد فعندهم أَن رِوَايَة ابْن وَعلة الْمَذْكُورَة تكون مُتَابعَة لعطاء وَمَا رَوَاهُ يكون مُتَابعًا لَا شَاهدا وَيُقَال للتابع المتابع المكسر قَالَ بَعضهم قد طلق المتابع على الشَّاهِد وَالشَّاهِد على المتابع والخطب فِي ذَلِك سهل إِذْ الْمَقْصُود الَّذِي هُوَ التقوية حَاصِل بِكُل مِنْهُمَا فَإِذا قَامَت قرينَة تدل على الْمَقْصُود لم يكن فِي ذَلِك بَأْس غير أَن الْغَالِب اسْتِعْمَال كل مِنْهُمَا فِي مَعْنَاهُ الَّذِي يسْبق إِلَى الذِّهْن التَّنْبِيه الثَّانِي أَنه لَا انحصار للمتابعات والشواهد فِي الثِّقَة وَلذَا قَالَ ابْن الصّلاح وَاعْلَم أَنه قد يدْخل فِي بَاب الْمُتَابَعَة والاستشهاد رِوَايَة من لَا يحْتَج بحَديثه وَحده بل يكون معدودا فِي الضُّعَفَاء وَفِي كتابي البُخَارِيّ وَمُسلم جمَاعَة من الضُّعَفَاء ذكراهم فِي المتابعات والشواخد وَلَيْسَ كل ضَعِيف يصلح لذَلِك وَلِهَذَا يَقُول الدَّارَقُطْنِيّ فلَان يعْتَبر بِهِ وَفُلَان لَا يعْتَبر بِهِ قَالَ بعض الْعلمَاء وَإِنَّمَا يدْخلُونَ الضُّعَفَاء لكَون المتابع لَا اعْتِمَاد عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاعْتِمَاد على من قبله وَقَالَ بَعضهم إِنَّه لَا انحصار لَهُ فِي ذَلِك بل قد يكون كل من المتابع والمتابع عَلَيْهِ إِلَّا أَن باجتماعهما تحصل الْقُوَّة

التَّنْبِيه الثَّالِث قد عرفت أَنهم قسموا خبر الْآحَاد إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام مَشْهُور وعزيز وغريب وَهَذَا التَّقْسِيم إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى عدد الروَاة وَلما كَانَ كل قسم من هَذِه الْأَقْسَام لَا يَخْلُو من صَحِيح وَغير صَحِيح عَادوا انيا فقسموه بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْجِهَة إِلَى مَقْبُول ومردود ثمَّ قسموا كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى أَقسَام وَقد آن أَوَان الشُّرُوع فِي ذَلِك مرجئين الْبَحْث عَن الشاذ الَّذِي يعد قسما من أَقسَام الْفَرد الَّذِي كُنَّا فِي صدده وَكَذَلِكَ الْمُنكر إِلَى الْموضع الَّذِي يَلِيق بهما فِيمَا سَيَأْتِي فَنَقُول خبر الْآحَاد يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ نقبول ومردود فالمقبول هُوَ مَا دلّ دَلِيل على رُجْحَان ثُبُوته فِي نفس الْأَمر والمردود مَا لم يدل على رُجْحَان ثُبُوته فِي نفس الْأَمر فَإِن قلت يدْخل فِي تَعْرِيف الْمَرْدُود الْخَبَر الَّذِي لَا يتَرَجَّح ثُبُوته وَلَا عدم ثُبُوته بل يتساوى فِي الْأَمْرَانِ قلت نعم وَاعْتذر عَن ذَلِك من أدخلهُ فِيهِ بِأَن مُوجبه لما كَانَ التَّوَقُّف صَار كالمردود فَألْحق بِهِ لَا لوُجُود مَا يُوجب الرَّد بل لعدم وجود مَا يُوجب الْقبُول وَمن جعله قسما مُسْتقِلّا عرف الْمَرْدُود بِأَنَّهُ الْخَبَر الَّذِي دلّ دَلِيل على رُجْحَان عدم ثُبُوته فِي نفس الْأَمر وَعرف الْخَبَر المتوقف فِيهِ بِأَنَّهُ الْخَبَر الَّذِي لم يدل دَلِيل على رُجْحَان ثُبُوته وَلَا على رُجْحَان عدم ثُبُوته وَهَذَا هُوَ الْخَبَر الْمَشْكُوك فِيهِ وَهُوَ كثير جدا تكَاد تكون أَفْرَاده أَكثر من أَفْرَاد الْقسمَيْنِ الآخرين وَحكم هَذَا الْقسم التَّوَقُّف فِيهِ الْبَتَّةَ إِلَى أَن يُوجد مَا يلْحقهُ بِأحد الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين والمقبول يَنْقَسِم لى أَرْبَعَة أَقسَام صَحِيح لذاته وصحيح لغيره وَحسن لذاته وَحسن لغيره وَذَلِكَ لِأَن الحَدِيث إِن اشْتَمَل من صِفَات الْقبُول على أَعلَى

مراتبها فَهُوَ الصَّحِيح لذاته وَإِن لم يشْتَمل على أَعلَى مراتبها فَإِن وجد فِيهِ مَا يجْبر ذَلِك الْقُصُور الْوَاقِع فِيهِ فَهُوَ الصَّحِيح لَا لذاته بل لغيره وَهُوَ العاضد وَقد مثل ذَلِك ابْن لاصلاح بِحَدِيث مُحَمَّد بنعمرو بن عَلْقَمَة عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم يبالسواك عِنْد كل صَلَاة فَإِن مُحَمَّد بن عَمْرو من الْمَشْهُورين بِالصّدقِ والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حَتَّى ضعفه بَعضهم من جِهَة سوء حفظه وَوَثَّقَهُ بَعضهم لصدقه وجلالته فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك كَونه رُوِيَ من وَجه آخر أمنا بذلك مَا كُنَّا نخشاه من جِهَة سوء حفظه وانجبر بِهِ ذَلِك النَّقْص الْيَسِير فالتحق الْإِسْنَاد بِدَرَجَة الصَّحِيح وَإِن لم يُوجد فِيهِ مَا يجْبر ذَلِك الْقُصُور الْوَاقِع فِيهِ فَهُوَ الْحسن لذاته وَإِن كَانَ الحَدِيث مَا يَقْتَضِي التَّوَقُّف فِيهِ لَكِن وجد مَا يرجح جَانب قبُوله فَهُوَ الْحسن لَا لذاته بل لغيره وَهُوَ العاضد وَذَلِكَ نَحْو أَن يكون فِي الْإِسْنَاد مَسْتُور الْحَال إِذا كَانَ غير مُغفل وَلَا كثير الْخَطَأ فِي الرِّوَايَة وَلَا مُتَّهم بِالْكَذِبِ وَنَحْوه من منافيات الْعَدَالَة فَإِذا ورد من طَرِيق آخر زَالَ التَّوَقُّف فِيهِ وَحكم بحسنه لَا لذاته بل للعاضد فَالصَّحِيح هُوَ مَا اتَّصل إِسْنَاده بِنَقْل عدل ضَابِط عَن مثله من أَوله إِلَى منتهاه وَسلم من شذوذ وَعلة واحترزوا بالقيد الأول وَهُوَ قَوْلهم مَا اتَّصل إِسْنَاده عَمَّا لم يتَّصل إِسْنَاده وَهُوَ الْمُنْقَطع والمعضل والمرسل عِنْد من لَا يحْتَج بِهِ وبالقيد الثَّانِي وَهُوَ قَوْلهم بِنَقْل عدل عَن نقل مَجْهُول الْعين أَو الْحَال أَو الْمَعْرُوف بِعَدَمِ الْعَدَالَة وبالقيد الثَّالِث وَهُوَ قَوْلهم ضَابِط غير الضَّابِط وَهُوَ الْمُغَفَّل وَكثير الْخَطَأ وبالقيد الرَّابِع وَهُوَ قَوْلهم وَسلم من شذوذ وَعلة مَا لم يسلم من ذَلِك وَهُوَ الشاذ والمعلل

قَالَ بَعضهم الْأَخْضَر أَن يُقَال بِنَقْل ثِقَة عَن مثله لِأَن الثِّقَة عِنْدهم هُوَ من جمع بَين الْعَدَالَة والضبط وَأجِيب بِأَن الثِّقَة قد ة يُطلق على من كَانَ عدلا فِي دينه وَإِن كَانَ غير مُحكم الضَّبْط والتعريف يَنْبَغِي أَن يجْتَنب فِيهِ الْأَلْفَاظ الَّتِي رُبمَا أوقعت فِي اللّبْس وَهَذَا التَّعْرِيف إِنَّمَا هُوَ للصحيح لذاته وَهُوَ الَّذِي ينْصَرف اسْم الصَّحِيح إِلَيْهِ عِنْد الْإِطْلَاق وَالْحسن مَا اتَّصل إِسْنَاده بِنَقْل عدل عَن مثله من أَوله إلة منتهاه وَكَانَ فِي رُوَاته مَعَ كَونهم موسومين بالضبط من لَا يكون قَوِيا فِيهِ وَسلم من شذوذ وَعلة وَالْمرَاد بالْحسنِ هُنَا الْحسن لذاته وَهُوَ كَالصَّحِيحِ لذاته فِي كل شَيْء إِلَّا فِي أَمر وَاحِد وَهُوَ تَمام الضَّبْط فَإِن الصَّحِيح لذاته لَا بُد أَن يكون كل وَاحِد من رُوَاته تَامّ الضَّبْط وَالْحسن لذاته لَا بُد أَن يكون فِي رُوَاته من لَا يكون تَامّ الضَّبْط وَقد ظهر لَك أَن المُرَاد بالضابط فِي تَعْرِيف الصَّحِيح التَّام الضَّبْط وَقد اخْتَار بَعضهم التَّصْرِيح بذلك دفعا للالتباس وَالْحسن لذاته إِذا ورد من طَرِيق آخر مسَاوٍ للطريق الذيورد مِنْهُ أَو أرجح ارْتَفع إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح لغيره فَإِن ورد من طَرِيق أدنى من الطَّرِيق الَّذِي ورد مِنْهُ لم يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ وَذَلِكَ كَأَن يرد من طَرِيق الْحسن لغيره إِلَّا أَن يَتَعَدَّد هَذَا الطَّرِيق وَالْحَاصِل أَن الْحسن لذاته يرْتَفع عَن دَرَجَته إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح إِذا ورد من طَرِيق وَاحِد يكون مُسَاوِيا لطريقة أَو راجحا عَلَيْهِ أَو من طرق مُتعَدِّدَة وَلَو كَانَ كل وَاحِد مِنْهَا منحطا عَنهُ وَأما قَول الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح بلاجمع بَين الوصفين مَعًا فللعلماء فِي مُرَاده أَقْوَال نكتفي هُنَا بإيراد أَحدهَا وَهُوَ أَن الحَدِيث الْمَوْصُوف بذلك إِن لم يكن لَهُ إِلَّا إِسْنَاد وَاحِد فوصفه بالوصفين مَعًا يكون

إِمَّا بِالنّظرِ إِلَى تردد النَّاظر فِي حَال الروَاة هَل هم مِمَّن بلغ دَرَجَة رُوَاة الصَّحِيح فَيحكم على مَا رَوَوْهُ بِالصِّحَّةِ أم هم مِمَّن قصر عَن تِلْكَ الدرجَة فَيحكم على مَا رَوَوْهُ بالْحسنِ وَإِمَّا بِالنّظرِ إِلَى اخْتِلَاف أَئِمَّة الحَدِيث فِي ذَلِك فَكَأَنَّهُ يقة ل هَذَا حَدِيث حسن عِنْد قوم صَحِيح عِنْد قوم وعَلى الْوَجْهَيْنِ يكون مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط أقوى مِمَّا قيل فِيهِ حسن صَحِيح لِأَنَّهُ يشْعر بِالْجَزْمِ بِخِلَاف مَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح لِأَنَّهُ يشْعر إِمَّا بتردد الْفِكر فِيهِ بَين الصِّحَّة وَالْحسن وَإِمَّا باخْتلَاف الْأَئِمَّة فِيهِ وَإِن كَانَ الحَدِيث الْمَوْصُوف بالوصفين مَعًا لَهُ إسنادين يكون إطلاقهما مَعًا عَلَيْهِ بِالنّظرِ إِلَى حَال الْإِسْنَاد فَكَأَنَّهُ يَقُول هَذَا حَدِيث حسن بِالنّظرِ إِلَى أحد الإسنادين وصحيح بِالنّظرِ إِلَى الْإِسْنَاد الاخر وعَلى هَذَا فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح أقوى مِمَّا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط هَذَا إِذا كَانَ لَهُ إِسْنَاد وَاحِد فَإِن كَانَ لَهُ أَيْضا إسنادان لم يتَعَيَّن ذَلِك لاحتمالان يكون كل مِنْهُمَا على شَرط الصَّحِيح فَيكون أقوى مِمَّا قيل فِيهِ حسن صَحِيح فَإِذا كَانَ لَهُ إسنادان وَجب الْبَحْث لأولا عَن حَالهمَا فَإِذا عرف الحكم برجحان مَا يقْضِي الْحَال برجحانه فَإِن قيل إِن الترمي قد صرح بِأَن شَرط الْحسن أَن يروي من غير وَجه فَكيف يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه يُقَال إِن التِّرْمِذِيّ لم يعرف الْحسن مُطلقًا وَغنما عرف نوعا خَاصّا مِنْهُ وَهُوَ مَا يَقُول فِيهِ حسن من غير صفة أُخْرَى وَذَلِكَ أَنه يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث حسن وَفِي بَعْضهَا صَحِيح وَفِي بَعْضهَا غَرِيب وَفِي بَعْضهَا حسن صَحِيح وَفِي بَعْضهَا حسن غَرِيب وَفِي بَعْضهَا صَحِيح غَرِيب وَفِي بَعْضهَا حسن صَحِيح غَرِيب

وتعريفه إِنَّمَا وَقع على مَا يَقُول فِيهِ حسن فَقَط وَيدل على ذَلِك مَا قَالَه فِي آخر كِتَابه وَهُوَ مَا قُلْنَا فِي كتَابنَا حَدِيث حسن فَإِنَّمَا أردنَا بِهِ حسن إِسْنَاده عندنَا فَكل حَدِيث يرْوى لَا يكون رَاوِيه مُتَّهمًا بكذب ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك وَلَا يكون شاذا فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن فَعرف بِهَذَا إِنَّمَا عرف مَا يَقُول فِيهِ حسن فَقَط وَأما مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح أَو حسن غَرِيب أَو حسن صَحِيح غَرِيب فَلم يعرفهُ كَمَا لم يعرف مَا يَقُول فِيهِ صَحِيح أَو غَرِيب وَكَأَنَّهُ ترك ذَلِك لشهرته عِنْد أهل الْفَنّ وَاقْتصر على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ حسن فَقَط إِمَّا لخفائه وَإِمَّا لِأَنَّهُ اصْطِلَاح لَهُ جَدِيد لم يكن من قبل فَوَجَبَ تَعْرِيفه من قبله ليعرف مَا أَرَادَ بِهِ ويتفاوت الصَّحِيح الرُّتْبَة بِسَبَب تفَاوت الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة للصِّحَّة فِي الْقُوَّة فَمن الرُّتْبَة الْعليا فِي ذَلِك مَا رُوِيَ بِإِسْنَاد أطلق عَلَيْهِ بعض الْأَئِمَّة أَنه أصح الْأَسَانِيد كالزهري عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه وكمحمد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة بن عَمْرو السَّلمَانِي عَن عَليّ وكإبراهيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود ويليها فِي الرُّتْبَة مثل رِوَايَة بريد بن عبد الله بن أبي بردة عَن جده عَن أَبِيه أبي مُوسَى وَمثل رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس ويليها فِي الرُّتْبَة مثل رِوَايَة سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَمثل رِوَايَة الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة فَإِن الْجَمِيع يشملهم اسْم الْعَدَالَة والضبط إِلَّا أَن للمرتبة الأولى من الصِّفَات المرجحة مَا يَقْتَضِي تَقْدِيم روايتهم على الَّتِي تَلِيهَا وَفِي الَّتِي تَلِيهَا من قُوَّة الضَّبْط مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمهَا على الثَّالِثَة وَهِي مُقَدّمَة على رِوَايَة من يعد مَا ينْفَرد بِهِ حسنا كمحمد بن إِسْحَاق عَن عَاصِم بن عمر عَن جَابر وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَقس على هَذَا مَا يُشبههُ

وَقد اخْتلف فِي أصح الْأَسَانِيد فَقَالَ البُخَارِيّ أصح الْأَسَانِيد كلهَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أصح الْأَسَانِيد كلهَا الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَرُوِيَ نَحوه عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَعَن خلف بن هِشَام الْبَزَّار أَنه قَالَ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل أَي الْأَسَانِيد أثبت فَقَالَ أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَقَالَ معمر وَرُوِيَ أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة أصح الْأَسَانِيد كلهَا الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن عَليّ وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَقْوَال أخر مَذْكُورَة فِي المبسوطات وَالْمُخْتَار أَنه لَا يحكم لإسناد بِأَنَّهُ أصح الْأَسَانِيد كلهَا إِذْ لَا يُمكن أَن يحكم لكل راو ذكر فِيهِ بِأَنَّهُ قد حَاز أَعلَى صِفَات الْقبُول من الْعَدَالَة والضبط وَنَحْوهمَا عل وَجه لَا يوازيه فِيهِ أحد من الروَاة الْمَوْجُودين فِي عصره وَلذَلِك اضْطَرَبَتْ أَقْوَال من خَاضَ فِي ذَلِك إِذْ لَيْسَ لديهم دَلِيل مقنع واكثر الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة فِي ذَلِك متكافئة يعسر تَرْجِيح بَعْضهَا على بعض فِي الْأَكْثَر فَالْحكم حِينَئِذٍ على إِسْنَاد معِين بِأَنَّهُ أصح الْأَسَانِيد على الْإِطْلَاق مَعَ عدم اتِّفَاقهم فِيهِ تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح قَالَ بعض الْحفاظ وَمَعَ ذَلِك يُمكن للنَّاظِر المتقن تَرْجِيح بَعْضهَا على بعض من حَيْثُ حفظ الإِمَام الَّذِي رجح وإتقانه وَإِن لم يتهيأ ذَلِك على الْإِطْلَاق فَلَا يَخْلُو النّظر فِيهِ من فَائِدَة لِأَن مَجْمُوع مَا نقل عَن الْأَئِمَّة من ذَلِك يُفِيد تَرْجِيح التراجم الَّتِي حكمُوا لَهَا بالأصحية على مَا لم يَقع لَهُ حكم من أحدهم وَهَذَا حَيْثُ لم يكن مَانع وَلذَلِك قَالَ أَبُو بكر البرديجي أجمع أهل النَّقْل صِحَة أَحَادِيث الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وَعَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة منرواية مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَمعمر مَا لم يَخْتَلِفُوا فَإِذا اخْتلفُوا توقف فِيهَا

هَذَا وَلما كَانَ لَا يلْزم من كَون الْإِسْنَاد أصح من غَيره أَن يكون الْمَتْن كَذَلِك قصر الْأَئِمَّة الحكم عل الْإِسْنَاد فَقَط وَلَا يحفظ عَن أحد مِنْهُم أَنه قَالَ إِن الْأَحَادِيث المروية بِإِسْنَاد كَذَا من الْأَسَانِيد الَّتِي حكم لَهَا بِأَنَّهَا أصح من غَيرهَا هِيَ أصح الْأَحَادِيث فَإِن كَانَ وَلَا بُد من الحكم فَيَنْبَغِي تَقْيِيد كل تَرْجَمَة بصحابيها أَو بالبلدة الَّتِي مِنْهَا أَصْحَاب تِلْكَ التَّرْجَمَة بِأَن يُقَال أصح أَسَانِيد فلَان كَذَا وَأَصَح أَسَانِيد أهل بَلْدَة كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ أقل انتشارا وَأقرب إِلَى الْحصْر بِخِلَاف الأول فَإِنَّهُ فِي أَمر وَاسع شَدِيد الانتشار وَالْحَاكِم فِيهِ على خطر من الْخَطَأ وَالْخَطَأ فِيهِ أَكثر من الْخَطَأ فِي مثل قَوْلهم لَيْسَ فِي الروَاة من اسْمه كَذَا سوى فلَان وعَلى ذَلِك يُقَال أصح أَسَانِيد ابْن عمر مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَأَصَح أَسَانِيد ابْن مَسْعُود سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود وَأَصَح أَسَانِيد أنس بن مَالك مَالك عَن الزُّهْرِيّ وَلَهُمَا من الروَاة جمَاعَة فَأثْبت أَصْحَاب ثَابت حَمَّاد بن زيد وَقيل حَمَّاد بن سَلمَة وَأثبت أَصْحَاب قَتَادَة شُعْبَة وَقيل هِشَام الدستوَائي وَأَصَح أَسَانِيد المكيين سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر وَأَصَح أَسَانِيد اليمانيين معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة وَأثبت أَسَانِيد المصريين اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر وَأَصَح أَسَانِيد الْكُوفِيّين يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد عَن عَليّ وَمن الرُّتْبَة الْعليا مَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاجه فِي صَحِيحهمَا وَذَلِكَ لجلالة شَأْنهمَا فِي هَذَا الْعلم وتقديمها على غَيرهمَا فِيهِ وفرط عنايتهما بتمييز الصَّحِيح

من غَيره وتلقي عُلَمَاء الحَدِيث لكتابيهما بِالْقبُولِ حَتَّى حكمُوا فِي الْجُمْلَة على كَون مَا روياه أصح الصِّحَاح وَلم يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا الْأَمر وَغنما اخْتلفُوا فِي أَمر آخر وَهُوَ ان مَا روياه هَل يُفِيد الْعلم أم لَا فَذهب ابْن الصّلاح وَمن نحا نَحوه إِلَى أَنه يُفِيد علم الْيَقِين وَاسْتثنى من ذَلِك أحرفا يسيرَة تكلم عَلَيْهَا بعض أهل النَّقْد كالدارقطني وَغَيره قَالَ وَهِي مَعْرُوفَة عِنْد أهل هَذَا الشَّأْن وَاسْتثنى بَعضهم أَيْضا مَا وَقع التَّعَارُض بَين مدلوليه مِمَّا اتّفق وُقُوعه فِي كِتَابَيْهِمَا وَذَلِكَ لِاسْتِحَالَة أَن يُفِيد المتناقضان الْعلم وَهَذَا حَيْثُ لم يظْهر رُجْحَان أَحدهمَا على الآخر فَإِن ظهر ذَلِك كَانَ الحكم للراجح وَصَارَ مُفِيدا للْعلم وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن مَا روياه يُفِيد الظَّن مَا لم يتواتر وَذَلِكَ لِأَن شَأْن الْآحَاد إِفَادَة الظَّن وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الشَّيْخَيْنِ وَغَيرهمَا وتلقي الْأمة لَهما بِالْقبُولِ إِنَّمَا يَقْتَضِي وجوب الْأَخْذ بِمَا فيهمَا من غير بحث لالتزامهما إِخْرَاج الصَّحِيح فَقَط وفرط براعتهما فِي مَعْرفَته بِخِلَاف غَيرهمَا فَإِن مِنْهُم من لم يلْتَزم إِخْرَاج الصَّحِيح فَقَط وَمِنْهُم من الْتزم ذَلِك غير أَنه لَيْسَ لَهُ من البراعة فِي ذَلِك مَا لَهما فَلم يتَعَيَّن وجوب الْعَمَل بِمَا فِي غير كِتَابَيْهِمَا إِلَّا بعد الْبَحْث وَالنَّظَر فَإِن تبينت صِحَّته وَجب الْأَخْذ بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَظهر أَن إِجْمَاع الْعلمَاء على وجوب الْأَخْذ بِمَا فيهمَا إِن ثَبت الْإِجْمَاع لَا يدل على إِجْمَاعهم على الْقطع بِأَنَّهُ من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الْأمة مأمورة بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ حَيْثُ لَا يطْلب الْقطع وَالظَّن قد يُخطئ هَذَا وَقد قسم الْجُمْهُور الحَدِيث الصَّحِيح بِالنّظرِ إِلَى تفَاوت الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة للصِّحَّة فِيهِ إِلَى سَبْعَة أَقسَام كل قسم مِنْهَا أَعلَى مِمَّا بعده الْقسم الأول مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم ويعبر عَنهُ أهل الحَدِيث بقَوْلهمْ هَذَا حَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ أَو على صِحَّته ومرادهم بالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ اتِّفَاق الشَّيْخَيْنِ لَا اتِّفَاق الْأمة وَقَالَ ابْن الصّلاح يلْزم من اتِّفَاقهمَا اتِّفَاقهم لتلقيهم لَهُ بِالْقبُولِ الْقسم الثَّانِي مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ

الْقسم الثَّالِث مَا انْفَرد بِهِ مُسلم الْقسم الرَّابِع مَا هُوَ على شَرطهمَا مِمَّا لم يُخرجهُ وَاحِد مِنْهُمَا الْقسم الْخَامِس مَا هُوَ على شَرط البُخَارِيّ مِمَّا لم يُخرجهُ الْقسم السَّادِس مَا هُوَ على شَرط مُسلم مِمَّا لم يُخرجهُ الْقسم السَّابِع مَا لَيْسَ على شَرطهمَا وَلَا شَرط وَاحِد مِنْهُمَا وَلَكِن صَححهُ أحد الْأَئِمَّة المعتمدين فِي ذَلِك وترجيح كل قسم من هَذِه الْأَقْسَام السَّبْعَة على مَا بعده إِنَّمَا هُوَ من قبيل تَرْجِيح الْجُمْلَة على الْجُمْلَة لَا تَرْجِيح كل وَاحِد من أَفْرَاده على كل وَاحِد من أَفْرَاد الآخر وَلذَلِك سَاغَ أَن يرجح بعض مَا فِي قسم من الْأَقْسَام على مَا قبله إِذا وجد مَا يَقْتَضِي التَّرْجِيح وَذَلِكَ كَمَا لَو كَانَ الحَدِيث عِنْد مُسلم مَشْهُورا فَإِنَّهُ يقدم على مَا فِي البُخَارِيّ إِذا لم يكن كَذَلِك وكما لَو كَانَ الحَدِيث الَّذِي لم يخرجَاهُ من تَرْجَمَة وصفت بِكَوْنِهَا من أصح الْأَسَانِيد كمالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر فَإِنَّهُ يقدم على مَا انْفَرد بِهِ أَحدهمَا مثلا لَا سِيمَا إِذا كَانَ فِي إِسْنَاده من فِيهِ مقَال وَأما تَقْدِيم صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم فقد صرح بِهِ الْجُمْهُور يُوجد من أحد التَّصْرِيح بعكسه وَلَو صرح أحد بذلك لرده عَلَيْهِ شَاهد العيان فالصفات الَّتِي تَدور عَلَيْهَا الصِّحَّة فِي كتاب البُخَارِيّ أتم مِنْهَا فِي كتاب مُسلم وَأسد وَشَرطه فِيهَا أقوى وَأَشد أما رجحانه من حَيْثُ الِاتِّصَال فلاشتراطه أَن يكون الرَّاوِي قد ثَبت لَهُ لِقَاء من روى عَنهُ وَلَو مرّة وَاكْتفى مُسلم بالمعاصرة وَأما مَا أَرَادَ مُسلم إِلْزَام البُخَارِيّ بِهِ من أَنه يلْزمه أَن لَا يقبل العنعنة أصلا فَلَيْسَ بِلَازِم لِأَن الرَّاوِي إِذا ثَبت لَهُ اللِّقَاء مرّة كَانَ من المستبعد فِي رواياته احْتِمَال أَن لَا يكون سمع مِنْهُ وَإِذا فرض ذَلِك كَانَ مدلسا وَالْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي غير المدلس

وَأما رجحانه من حَيْثُ الْعَدَالَة والضبط فَلِأَن الرِّجَال الَّذين تكلم فيهم من رجال مُسلم أَكثر عددا من الرِّجَال الَّذين تكلم من رجال البُخَارِيّ فَإِن الَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بهم أَربع مئة وَبضْعَة وَثَمَانُونَ رجلا تكلم بالضعف فِي ثَمَانِينَ مِنْهُم وَالَّذين انْفَرد بهم مُسلم سِتّ ومئة وَعِشْرُونَ رحلا تكلم فِي الضعْف فِي مئة وَسِتِّينَ مِنْهُم وَالَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بهم مِمَّن تكلم فِيهِ أَكْثَرهم من شُيُوخه لَقِيَهُمْ وخبرهم وَخبر حَدِيثهمْ بِخِلَاف مُسلم فَأكْثر من انْفَرد بِهِ مِمَّن تكلم فِيهِ من الْمُتَقَدِّمين وَلَا شكّ أَن الْمَرْء أعرف بِحَدِيث شُيُوخه من حَدِيث غَيرهم مِمَّن تقدم عَنهُ على أَن البُخَارِيّ لم يكثر من إِخْرَاج أَحَادِيث من تكلم فيهم من رِجَاله بِخِلَاف مُسلم وَأما رجحانه من حَيْثُ عدم الشذوذ والإعلال وَنَحْو ذَلِك فَلِأَن مَا انتقد على البُخَارِيّ من الْأَحَادِيث أقل عددا مِمَّا انتقد على مُسلم فَإِن مَا انتقد عَلَيْهِمَا بلغ مئتين وَعشْرين حَدِيثا اشْتَركَا فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا واختص البُخَارِيّ مِنْهَا بِثمَانِيَة وَسبعين وَمُسلم بمئة وَإِن كَانَ الانتقاد فِي أَكثر مَا انتقد من أحاديثهما مَبْنِيا على علل لَيست بقادحة وَأما رُجْحَان نفس البُخَارِيّ على نفس مُسلم فِي صناعَة الحَدِيث فَذَلِك مِمَّا لَا ريب فِيهِ وَقد كَانَ مُسلم تِلْمِيذه وخريجه وَلم يزل يَسْتَفِيد مِنْهُ ويتتبع آثاره وَقد أَشَارَ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية إِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة فِي كتاب منهاج السّنة حَيْثُ قَالَ إِن التَّصْحِيح لم يُقَلّد أَئِمَّة الحَدِيث فِيهِ البُخَارِيّ وَمُسلمًا بل جُمْهُور مَا صَحَّحَاهُ كَانَ قبلهمَا عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث صَحِيحا متلقى بِالْقبُولِ وَكَذَلِكَ فِي عصرهما مَا صَحَّحَاهُ إِلَّا مَوَاضِع يسيرَة نَحْو عشْرين حَدِيثا انتقدها عَلَيْهِمَا طَائِفَة من الْحفاظ وَهَذِه الْمَوَاضِع المنتقدة غالبها فِي مُسلم

وَقد انتصر طَائِفَة لَهما فِيهَا وَطَائِفَة قررت قَول المنتقد وَالصَّحِيح التَّفْصِيل فَإِن فِيهَا مَوَاضِع منتقدة بِلَا ريب مثل حَدِيث أم حَبِيبَة وَحَدِيث خلق الله التربة يَوْم السبت وَحَدِيث صَلَاة الْكُسُوف بِثَلَاث ركوعات وَأكْثر وفيهَا مَوَاضِع لَا انتقاد فِيهَا فِي البُخَارِيّ فَإِنَّهُ أبعد الْكِتَابَيْنِ عَن الانتقاد وَلَا يكَاد يروي لفظا فِيهِ انتقاد إِلَّا ويروي اللَّفْظ الآخر الَّذِي يبين أَنه منتقد فَمَا فِي كِتَابه لفظ منتقد إِلَّا وَفِي كِتَابه مَا يبين أَنه منتقد وَفِي الْجُمْلَة من نقد سَبْعَة آلَاف دِرْهَم فَلم يبهرج فِيهَا إِلَّا دَرَاهِم يسيرَة وَمَعَ هَذَا فَهِيَ مفيدة لَيست مغشوشة مَحْضَة فَهَذَا إِمَام فِي صَنعته والكتابان سَبْعَة آلَاف حَدِيث وَكسر وَالْمَقْصُود أَن أحاديثهما نقدها الْأَئِمَّة الجهابذة قبلهم وبعدهم وَرَوَاهَا خلائق لَا يُحْصى عَددهمْ إِلَّا الله فَلم ينفردا لَا بِرِوَايَة وَلَا بتصحيح وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ الحفيظ يحفظ هَذَا الدّين كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} هَذَا وكما يتَفَاوَت الصَّحِيح بِالنّظرِ إِلَى الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة للصِّحَّة فِيهِ يتَفَاوَت الْحسن بِالنّظرِ إِلَى الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة لِلْحسنِ فِيهِ وَأَعْلَى مَرَاتِب الْحسن رِوَايَة بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَابْن إِسْحَاق عَن التَّيْمِيّ وأمثال ذَلِك وَيَتْلُو ذَلِك رِوَايَة الْحَارِث بن عبد الله وَعَاصِم بن ضَمرَة وحجاج بن أَرْطَاة وَنَحْوهم مِمَّن اخْتلف فِي تَحْسِين حَدِيثه وتضعيفه قَالَ بعض الباحثين إِن الَّذِي لَهُ مَرَاتِب إِنَّمَا هُوَ الْحسن لذاته وَأما الْحسن

لغيره فَلَا مَرَاتِب لَهُ لَكِن فِي عِبَارَات أهل الْفَنّ مَا يدل على أَن لَهُ أقساما مُتعَدِّدَة فَإِنَّهُم كروا أَن الْحسن لغيره يَشْمَل مَا كَانَ فِي رُوَاته سيئ الْحِفْظ مِمَّن كثر مِنْهُ الْغَلَط اَوْ الْخَطَأ أَو مَسْتُور لم ينْقل فِيهِ جرح وَلَا تَعْدِيل أَو نقل فِيهِ الْأَمْرَانِ مَعًا وَلم يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر أَو مُدَلّس بالعنعنة لعدم مُنَافَاة ذَلِك اشْتِرَاط نفي الاتهام بِالْكَذِبِ ويشمل أَيْضا مَا فِيهِ إرْسَال من إِمَام حَافظ لَا يشْتَرط الِاتِّصَال أَو انْقِطَاع بَين ثقتين حافظين وَلأَجل كَون مَا ذكر مُوجبا للتوقف عَن الاحتجاح بِهِ اشترطوا فِيهِ أَن لَا يرد من طَرِيق آخر مسَاوٍ لطريقة أَو فَوْقه لترجيح أحد الِاحْتِمَالَيْنِ المتساويين الموجبين للتوقف وَذَلِكَ لِأَن سيئ الْحِفْظ مثلا يحْتَمل أَن يكون ضبط مَا روى وَيحْتَمل أَن لَا يكون ضَبطه فَإِذا ورد مثل مَا رَوَاهُ أَو مَعْنَاهُ من طَرِيق آخر غلب على الظَّن أَنه ضبط وَكلما كثر المتابع قوي الظَّن وَمَا ذكر من عدم اشْتِرَاط الِاتِّصَال فِي الْحسن لغيره هُوَ المطابق لما فِي جَامع التِّرْمِذِيّ الَّذِي هُوَ أول من عرف هَذَا النَّوْع وَأكْثر من ذكره فقد حكم لأحاديث بالْحسنِ مَعَ وجود الِانْقِطَاع فِيهَا وَذكر بعض الْعلمَاء أَن بعض الْأَحَادِيث الضعيفة إِذا كثرت طرقها قوي بَعْضهَا بَعْضًا وَصَارَت بذلك من قبيل الْحسن فيحتج بهَا وَقد نحا نَحْو ذَلِك ابْن لاقطان حَيْثُ قَالَ هَذَا الْقسم لَا يحْتَج بِهِ كُله بل يعْمل بِهِ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال ويتوقف عَن الْعَمَل بِهِ فِي الْأَحْكَام إِلَّا إِذا كثرت طرقه أَو عضده اتِّصَال عمل أَو مُوَافقَة شَاهد صَحِيح أَو ظَاهر الْقُرْآن وَاسْتحْسن ذَلِك الْحَافِظ ابْن حجر وَصرح فِي مَوضِع آخر بِأَن الضَّعِيف الَّذِي ضعفه نَاشِئ عَن سوء الْحِفْظ إِذا كثرت طرقه ارْتقى إِلَى مرتبَة الْحسن وَلكنه هُوَ مُتَوَقف فِي شُمُول الْحسن الْمُسَمّى بِالصَّحِيحِ عِنْد من لَا يفرق بَينهمَا

وَقد أَشَارَ الْعَلامَة أَبُو الْفَتْح تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد الاقتراح إِلَى التَّوَقُّف فِي إِطْلَاق الِاحْتِجَاج بالْحسنِ حَيْثُ قَالَ إِن هَا هُنَا أوصافا يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا وجدت فِي الرَّاوِي فَإِن كَانَ هَذَا الحَدِيث الْمُسَمّى بالْحسنِ مِمَّا قد وجدت فِيهِ هَذِه الصِّفَات على أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول فَهُوَ صَحِيح وَإِن لم تُوجد فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن سمي حسنا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يرد هَذَا إِلَى أَمر اصطلاحي وَهُوَ أَن يُقَال إِن الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة لَهَا مَرَاتِب ودرجات فأعلاها وأوسطها يُسمى صَحِيحا وَأَدْنَاهَا يُسمى حسنا وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر إِلَى الِاصْطِلَاح وَيكون الْكل صَحِيحا فِي الْحَقِيقَة والمر فِي الِاصْطِلَاح قريب لَكِن من أَرَادَ هَذِه الطَّرِيقَة فَعَلَيهِ أَن يعْتَبر مَا سَمَّاهُ أهل الحَدِيث حسنا ويتحقق وجود الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث اهـ وَمِمَّنْ كَانَ لَا يحْتَج بالْحسنِ أَبُو حَاتِم الرَّاوِي فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن حَدِيث فحسنه فَقيل لَهُ أتحتج بِهِ فَقَالَ إِنَّه حسن فأعيد عَلَيْهِ السُّؤَال مرَارًا وَهُوَ لَا يزِيد على قَوْله إِنَّه حسن وَنَحْوه أَنه سُئِلَ عَن عبد ربه بن سعيد فَقَالَ إِنَّه لَا بَأْس بِهِ فَقيل لَهُ أتحتج بحَديثه فَقَالَ هُوَ حسن الحَدِيث الْحجَّة سُفْيَان وَشعْبَة وَقد وجد فِي كَلَامهم إِطْلَاق الْحسن على الْغَرِيب قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانُوا إِذا اجْتَمعُوا كَرهُوا أَن يخرج الرجل حسان أَحَادِيثه قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِنَّه عَنى الغرائب وَوجد للشَّافِعِيّ إِطْلَاقه فِي الْمُتَّفق على صِحَّته وَلابْن الْمَدِينِيّ فِي الْحسن لذاته وللبخاري فِي الْحسن لغيره وَقد وجد إِطْلَاقه مرَادا بِهِ الْمَعْنى اللّغَوِيّ كَمَا وَقع لِابْنِ عبد الْبر حَيْثُ روى فِي كتاب الْعلم حَدِيث معَاذ بن جبل مَرْفُوعا تعلمُوا الْعلم فَإِن تعلمه لله خشيَة

وَطَلَبه عبَادَة الحَدِيث بِطُولِهِ وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن جدا وَلَكِن لَيْسَ لَهُ إِسْنَاد قوي أَرَادَ بالْحسنِ حسن اللَّفْظ لِأَنَّهُ من رِوَايَة مُوسَى الْبُلْقَاوِيُّ وَهُوَ كَذَّاب نسب إِلَى الْوَضع عَن عبد الرَّحِيم الْعمي وَهُوَ مَتْرُوك قَالَ بعض الْعلمَاء يلْزم على هَذَا ان يُطلق على الحَدِيث الْمَوْضُوع إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ أَنه حسن وَلَك لَا يَقُوله أحد من الْمُحدثين إِذا جروا عل اصطلاحهم وَقَالَ بَعضهم يلْزم على هَذَا أَن يُوصف كل حَدِيث ثَابت بذلك لِأَن الْأَحَادِيث كلهَا حَسَنَة الْأَلْفَاظ بليغة وَالظَّاهِر ان المُرَاد بالْحسنِ فِي مثل عبارَة ابْن عبد الْبر مَا يمِيل إِلَيْهِ ذُو الطَّبْع السَّلِيم إِذا طرق سَمعه وجود شَيْء يُنكر فِيهِ فَإِن أَكثر الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا الضُّعَفَاء يجد السَّامع مِنْهَا حزازة فِي نَفسه وَلذَلِك قَالَ بَعضهم إِن الحَدِيث الْمُنكر ينفر مِنْهُ قلب طَالب الْعلم فِي الْغَالِب وَفِي الْجُمْلَة حَيْثُ اخْتلف صَنِيع الْأَئِمَّة فِي إِطْلَاق لفظ الْحسن فَلَا يسوغ إِطْلَاق القَوْل بالاحتجاج بِهِ إِلَّا بعد النّظر فِي ذَلِك فَمَا كَانَ مِنْهُ منطبقا على الْحسن لذاته فَهُوَ مَقْبُول يسوغ الِاحْتِجَاج بِهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ منطبقا على الْحسن لغيره فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن ورد من طرق يحصل من مجموعها مَا يتَرَجَّح بِهِ جَانب الْقبُول قبل وَاحْتج بِهِ وَمَا لَا فَلَا وَهَذِه أُمُور جملية لَا ينجلي أمرهَا إِلَّا بِالْمُبَاشرَةِ وَمن الْأَلْفَاظ المستعملة عِنْد أهل الحَدِيث فِي المقبول الْجيد وَالْقَوِي والصالح وَالْمَعْرُوف وَالْمَحْفُوظ والمجود وَالثَّابِت والمشبه فَأَما الْجيد فقد سوى بَعضهم بَينه وَبَين الصَّحِيح وَقد وَقع فِي كَلَام التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ فِي الطِّبّ هَذَا حَدِيث جيد حسن وَقَالَ بَعضهم إِنَّه وَإِن كَانَ بِمَعْنى صَحِيح لَكِن الجهبذ من الْمُحدثين لَا يعدل عَن صَحِيح إِلَى جيد إِلَّا لنكتة كَأَن يرتقي الحَدِيث عِنْده عَن الْحسن لذاته ويتردد فِي بُلُوغه دَرَجَة الصَّحِيح فالوصف بِهِ أنزل رُتْبَة من الْوَصْف بِصَحِيح

وَكَذَا الْقوي وَأما الصَّالح فَإِنَّهُ شَامِل للصحيح وَالْحسن لصلاحيتهما للاحتجاج وَيسْتَعْمل أَيْضا فِي ضَعِيف يصلح للاعتبار وَأما الْمَعْرُوف فَهُوَ مُقَابل الْمُنكر وَأما المجود وَالثَّابِت فيشملان الصَّحِيح وَالْحسن وَأما الْمُشبه فيطلق على الْحسن وَمَا يُقَارِبه فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كنسبة الْجيد إِلَى الصَّحِيح قَالَ أَبُو حَاتِم أخرج عَمْرو بن حُصَيْن الْكلابِي أول شَيْء أَحَادِيث مشبهة حسانا ثمَّ أخرج بعد أَحَادِيث مَوْضُوعَة فأفسد علينا مَا كتبنَا تَنْبِيه قَول الْحفاظ هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد دون قَوْلهم هَذَا حَدِيث صَحِيح وَقَوْلهمْ هَذَا حَدِيث حسن الْإِسْنَاد دون قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسن لِأَنَّهُ قد يَصح الْإِسْنَاد أَو يحسن لثقة رِجَاله دون الْمَتْن لشذوذ اَوْ عِلّة فَإِن اقْتصر على ذَلِك إِمَام مُعْتَمد فَالظَّاهِر صِحَة الْمَتْن وَحسنه لِأَن الأَصْل هُوَ عدم الشذوذ وَالْعلَّة وَقَالَ بعض الْعلمَاء الَّذِي لَا يشك فِيهِ أَن الإِمَام مِنْهُم لَا يعدل عَن قَوْله صَحِيح إِلَى قَوْله صَحِيح الْإِسْنَاد إِلَّا لأمر مَا وعَلى كل حَال فالتقييد بِالْإِسْنَادِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي صِحَة الْمَتْن أَو ضعفه وَيشْهد لعدم التلازم مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي بكر بن خَلاد عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن يحيى بن سعيد عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة تسحرُوا فَإِن فِي السّحُور بركَة قَالَ هَذَا حَدِيث مُنكر وَإِسْنَاده حسن وَقد أورد الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه غير حدث يحكم على إِسْنَاده بِالصِّحَّةِ وعَلى

الْمَتْن بالوهاء لعلته أَو شذوذه وَقد فعل نَحْو لَك كثير من الْمُتَقَدِّمين وَمِمَّنْ فعل ذَلِك من الْمُتَأَخِّرين الْحَافِظ الْمزي فَإِنَّهُ تكَرر مِنْهُ الحكم بصلاحية الْإِسْنَاد ونكارة الْمَتْن وَزِيَادَة رَاوِي الصَّحِيح وَالْحسن تقبل مُطلقًا إِن لم تكن مُنَافِيَة لرِوَايَة من لم يذكرهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كالحديث المستقل الَّذِي ينْفَرد بِهِ الثِّقَة وَلَا يرويهِ عَن شَيْخه غَيره فَإِن كَانَت مُنَافِيَة لَهَا بِحَيْثُ يلْزم قبُولهَا رد الرِّوَايَة الْأُخْرَى بحث عَن الرَّاجِح مِنْهُمَا فَإِن كَانَ الرَّاجِح مِنْهُمَا رِوَايَة من لم يذكر تِلْكَ الزِّيَادَة لمزيد ضَبطه أَو كَثْرَة عدده أَو غير ذَلِك من مُوجبَات الرجحان ردَّتْ تِلْكَ الزِّيَادَة وَإِن كَانَ الرَّاجِح مِنْهُمَا رِوَايَة من ذكر تِلْكَ الزِّيَادَة قبلت وَإِن لم ترجح إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى بِوَجْه مَا وَهُوَ نَادِر اخْتلف فِي ذَلِك فَقَالَ بَعضهم تقبل وَقَالَ بَعضهم يتَوَقَّف فِيهَا وَقد اشْتهر عَن جمع من الْعلمَاء إِطْلَاق القَوْل بِقبُول زِيَادَة الثِّقَة مَعَ أَن قبُولهَا مُقَيّد بِمَا ذكر آنِفا ولعلهم إِنَّمَا سكتوا عَن ذَلِك اكْتِفَاء بِمَا ذكرُوا فِي تَعْرِيف الصَّحِيح وَالْحسن من اعْتِبَار السَّلامَة من الشذوذ فيهمَا وفسروا الشذوذ بمخالفة الثِّقَة من هُوَ أوثق مِنْهُ فَلَو قبلوا زِيَادَة الثِّقَة مَعَ منافاتها لرِوَايَة من هُوَ أوثق مِنْهُ كَانُوا قد أخلوا بِمَا شرطوه من السَّلامَة من الشذوذ وَفِي ذَلِك من التَّنَاقُض الْجَلِيّ مَا لَا يخفى على أمثالهم وَأما الَّذين لم يطلقوا القَوْل فِي قبُول زِيَادَة الثِّقَة فكثير مِنْهُم من أَئِمَّة الحَدِيث الْمُتَقَدِّمين عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَيحيى الْقطَّان وَأحمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فقد نقل عَنْهُم اعْتِبَار التَّرْجِيح فِي الزِّيَادَة وَغَيرهَا وَمِنْهُم ابْن خُزَيْمَة فَإِنَّهُ قيد قبُول الزِّيَادَة باستواء الطَّرفَيْنِ فِي الْحِفْظ والإتقان فَإِن كَانَ السَّاكِت عددا أَو وَاحِدًا أحفظ مِنْهُ أَو لم يكن هُوَ حَافِظًا وَإِن كَانَ صَدُوقًا فَإِن الزِّيَادَة لَا تقبل

وَقد نحا نَحوه ابْن عبد الْبر فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّمْهِيد إِنَّمَا تقبل الزِّيَادَة إِذا كَانَ راويها أحفظ وأتقن مِمَّن قصر أَو مثله فِي الْحِفْظ فَإِن كَانَت من غير حَافظ وَلَا متقن فَلَا الْتِفَات إِلَيْهَا وَمِنْهُم ابْن السَّمْعَانِيّ فَإِنَّهُ قيد الْقبُول بِمَا إِذا لم يكن الساكتون مِمَّن لَا يغْفل مثلهم عَن مثلهَا عَادَة أَو لم تكن مِمَّا تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله وَقد وَقع فِي رِسَالَة الإِمَام الشَّافِعِي فِي الْأُصُول مَا يُشِير إِلَى أَن زِيَادَة الثِّقَة لَيست مَقْبُولَة عِنْده مُطلقًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي أثْنَاء كَلَامه على مَا يعْتَبر بِهِ حَال الرَّاوِي فِي الضَّبْط مَا نَصه وَسُكُون إِذا شرك أحدا من الْحفاظ لم يُخَالِفهُ فَإِن خَالفه فَوجدَ حَدِيثه أنقص كَانَ فِي ذَلِك دَلِيل على صِحَة مخرج حَدِيثه وَمَتى خَالف مَا وصفت أضرّ ذَلِك بحَديثه اهـ فقد جعل زِيَادَة الْعدْل الَّذِي يختبر ضَبطه غير مَقْبُولَة إِذا خَالَفت رِوَايَة الْحَافِظ بل مضرَّة بحَديثه لدلالتها على قلَّة ضَبطه وتحريه بِخِلَاف نَقصه من الحَدِيث لدلالته على تحريه فَإِذا كَانَت زِيَادَة الْعدْل الَّذِي لم يعرف ضَبطه بعد غير مَقْبُولَة إِذا خَالَفت رِوَايَة الْحَافِظ تكون زِيَادَة الثِّقَة غير مَقْبُولَة إِذا خَالَفت رِوَايَة من هُوَ أوثق مِنْهُ رِعَايَة للراجح فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِن تصورت أَن نِسْبَة الْعدْل الَّذِي لم يعرف ضَبطه بعد إِلَى الْحَافِظ لَيست كنسبة الثِّقَة إِلَى من هُوَ أوثق مِنْهُ بل بَينهمَا فرق ظَاهر فافرض الْمَسْأَلَة فِي حَدِيث ورد من طَرِيقين رجال أَحدهمَا من الدرجَة الْعليا فِي رُوَاة الصَّحِيح وَرِجَال الآخر من الدرجَة الدُّنْيَا فِي رُوَاة الْحسن غير أَنه وَقعت فِي روايتهم زِيَادَة مُنَافِيَة لما وَقع فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي إسنادها من أَعلَى الْأَسَانِيد فَهَل تتَصَوَّر أَن من يرد الزِّيَادَة فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة يتَوَقَّف فِي رد الزِّيَادَة هُنَا وَبِمَا ذكرنَا يظْهر لَك قُوَّة مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَافِظ ابْن حجر من دلَالَة كَلَام الإِمَام الشَّافِعِي على أَن زِيَادَة الثِّقَة لَيست مَقْبُولَة عِنْده مُطلقًا

الشاذ والمحفوظ والمنكر والمعروف

الشاذ وَالْمَحْفُوظ وَالْمُنكر وَالْمَعْرُوف اخْتلفُوا فِي حد الحَدِيث الشاذ فَقَالَ جمَاعَة من عُلَمَاء الْحجاز هُوَ مَا روى الثِّقَة مُخَالفا لما رَوَاهُ النَّاس وَعبارَة الشَّافِعِي فِي ذَلِك لَيْسَ الشاذ من الحَدِيث أَن يروي الثِّقَة مَا لَا يروي غَيره إِنَّمَا الشاذ أَن يروي الثِّقَة حَدِيثا يُخَالف مَا روى النَّاس وَهُوَ مشْعر بِأَن الْمُخَالفَة الثِّقَة لمن هُوَ أرجح مِنْهُ وَإِن كَانَ وَاحِدًا كَافِيَة فِي الشذوذ وَقَالَ أَبُو يعلى الخليلي الَّذِي عَلَيْهِ حفاظ الحَدِيث أَن الشاذ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِسْنَاد وَاحِد يشذ شيخ ثِقَة كَانَ أَو غير ثِقَة فَمَا كَانَ من غير ثِقَة فمتروك لَا يقبل وَمَا كَانَ عَن ثِقَة يتَوَقَّف فِيهِ وَلَا يحْتَج بِهِ فَلم يشْتَرط فِي الشاذ تفرد الثِّقَة بل مُطلق التفرد وَقَالَ الْحَاكِم الشاذ هُوَ الحَدِيث الَّذِي يتفرد بِهِ ثِقَة من الثِّقَات وَلَيْسَ لَهُ أصل بمتابع لذَلِك الثِّقَة فَلم يشْتَرط فِيهِ مُخَالفَة النَّاس وَذكر أَنه يغاير الْمُعَلل من حَيْثُ إِن الْمُعَلل وقف على علته الدَّالَّة على جِهَة الْوَهم فِيهِ من إِدْخَال حَدِيث فِي حَدِيث أَو وهم راو فِيهِ أَو وصل مُرْسل ومحو ذَلِك والشاذ لم يُوقف فِيهِ على عِلّة لذَلِك قَالَ بعض الْعلمَاء وَهَذَا مشْعر بِأَنَّهُ أدق من الْمُعَلل فَلَا يتَمَكَّن من الحكم بِهِ إِلَّا من مارس الْفَنّ وَكَانَ فِي الذرْوَة الْعليا من الْفَهم الثاقب وَالْحِفْظ الْوَاسِع وَمن أوضح أمثلته مَا أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من طَرِيق عبيد بن غَنَّام النَّخعِيّ عَن عَليّ بن حَكِيم عَن شريك عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أبي الضُّحَى عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي كل أَرض نَبِي كنبيكم وآدَم كآدم ونوح

كنوح وَإِبْرَاهِيم كإبراهيم وَعِيسَى كعيسى وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد قَالَ الْبَيْهَقِيّ عِنْدهمَا والشذوذ منَاف للصِّحَّة كَمَا عرفت فِي حد الصَّحِيح مَعَ أَن فِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث كَثِيرَة لَيْسَ لَهَا إِلَّا إِسْنَاد وَاحِد تفرد بِهِ ثِقَة وَذَلِكَ كَحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَحَدِيث النَّهْي عَن بيع الْوَلَاء وهبته وَغير ذَلِك وَقد ذكر ابْن الصّلاح فِي أَمر الشاذ تَفْصِيلًا أوردهُ بعد ان أنكر على الخليلي وَالْحَاكِم مَا أَتَيَا بِهِ من الْإِطْلَاق فِيهِ فَقَالَ إِذا انْفَرد الرَّاوِي بِشَيْء نظر فِيهِ فَإِن كَانَ مَا انْفَرد بِهِ مُخَالفا لما رَوَاهُ من هُوَ أولى مِنْهُ بِالْحِفْظِ لذَلِك وأضبط كَانَ مَا تفرد بِهِ شاذا مردودا وَإِن لم يكن فِيهِ مُخَالفَة لما رَوَاهُ غَيره وَإِنَّمَا هُوَ أَمر رَوَاهُ هُوَ وَلم يروه غَيره فَينْظر فِي ذَلِك الرَّاوِي الْمُنْفَرد فَإِن كَانَ عدلا حَافِظًا موثوقا بإتقانه وَضَبطه قبل مَا انْفَرد بِهِ وَلم يقْدَح الِانْفِرَاد فِيهِ كَمَا فِيمَا سبق من الْأَمْثِلَة وَإِن لم يكن مِمَّن يوثق بحفظه وإتقانه لذَلِك الَّذِي انْفَرد بِهِ كَانَ انْفِرَاده خارما لَهُ مزحزحا عَن حيّز الصَّحِيح ثمَّ هُوَ بعد ذَلِك دائر مَرَاتِب مُتَفَاوِتَة بِحَسب الْحَال فِيهِ فَإِن كَانَ الْمُنْفَرد بِهِ غير بعيد من دَرَجَة الْحَافِظ الضَّابِط المقبول تفرده استحسنا حَدِيثه ذَلِك وَلم نحطه إِلَى قبيل الحَدِيث الضَّعِيف وغن كَانَ بَعيدا من ذَلِك رددنا مَا انْفَرد بِهِ وَكَانَ من قبيل الشاذ الْمُنكر فَخرج من ذَلِك أَن الشاذ الْمَرْدُود قِسْمَانِ أَحدهمَا الحَدِيث الْفَرد الْمُخَالف وَالثَّانِي الْفَرد الَّذِي لَيْسَ فِي رَاوِيه من الثِّقَة والضبط مَا يَقع جَابِرا لما يُوجب التفرد والشذوذ من النكارة والضعف اهـ وَقد حاول بَعضهم الْجَواب عَن الْحَاكِم فَقَالَ إِن مُقْتَضى كَلَامه أَن فِي الصَّحِيح الشاذ وَغير الشاذ فَلَا يكون الشذوذ عِنْده منافيا للصِّحَّة فَقَالَ إِن مُقْتَضى كَلَامه أَن فِي الصَّحِيح الشاذ وَغير الشاذ فَلَا يكون الشذوذ عِنْده منافيا للصِّحَّة مُطلقًا وَيدل على ذَلِك أَنه ذكر فِي أَمْثِلَة الشاذ حَدِيثا أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من الْوَجْه الَّذِي حكم عَلَيْهِ

بالشذوذ وَيُؤَيّد ذَلِك مَا ذكره الْحَاكِم فِي الشاذ من أَنه ينقدح فِي نفس النَّاقِد أَنه غلط وَلَا يقدر على إِقَامَة الدَّلِيل على لَك وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من ذَلِك لَيْسَ مِمَّا ينقدح فِي نفس النَّاقِد أَنه غلط وَأما الخليلي فَإِن الْجَواب عَنهُ وَإِن كَانَ لَيْسَ سهلا كالجواب عَن الْحَاكِم فَإِنَّهُ يُمكن أَن يُقَال إِنَّه لَيْسَ فِي كَلَامه مَا يمْنَع تَسْمِيَة مَا ذكر من الْأَحَادِيث السَّابِقَة وَنَحْوهَا صَحِيحا وَلَا يُنَافِي ذَلِك قَوْله إِنَّه يتَوَقَّف فِيهِ وَلَا يحْتَج بِهِ أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ إِن الْحَدِيثين الصَّحِيحَيْنِ إِذا تَعَارضا وَلم يُمكن الْجمع بَينهمَا وَلَا تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر توقف فيهمَا فالتوقف فِي الحَدِيث لعَارض لَا يمْنَع من تَسْمِيَته صَحِيحا والشذوذ وَنَحْوه يُطلق غَالِبا على مَا يتَعَلَّق بِالْمَتْنِ لوُجُود مَا يَقْتَضِي لَك فِيهِ أَو فِي طَريقَة وَقد يُطلق على مَا يتَعَلَّق بِالْمَتْنِ أَو السَّنَد وَعَلِيهِ يُقَال الشذوذ هُوَ مُخَالفَة الثِّقَة لمن هُوَ أرجح مِنْهُ سَوَاء كَانَت بِالزِّيَادَةِ أَو النَّقْص فِي الْمَتْن أَو السَّنَد مِثَال الشذوذ فِي الْمَتْن مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا إِذا صلى أحدكُم رَكْعَتي الْفجْر فليضطجع عَن يَمِينه قَالَ الْبَيْهَقِيّ خَالف عبد الْوَاحِد الْعدَد الْكثير فِي هَذَا فَإِن النَّاس إِنَّمَا رَوَوْهُ من فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا من قَوْله وَانْفَرَدَ عبد الْوَاحِد من بَين ثِقَات أَصْحَاب الْأَعْمَش بِهَذَا اللَّفْظ وَمن أَمْثِلَة الشاذ من الْأَحَادِيث حَدِيث يَوْم عَرَفَة وَأَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب فَإِن الْمَحْفُوظ فِي ذَلِك إِنَّمَا هُوَ أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب وَقد جَاءَ الحَدِيث من جَمِيع الطّرق على هَذَا الْوَجْه وَأما زِيَادَة يَوْم عَرَفَة فِيهِ فَإِنَّمَا بهَا مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح عَن أَبِيه عَن عقبَة بن عَامر غير أَن هَذَا الحَدِيث وَهُوَ حَدِيث مُوسَى قد حكم بِصِحَّتِهِ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَقَالَ إِنَّه على شَرط مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ إِنَّه حسن

صَحِيح وَكَأَنَّهُم جعلوها من قبيل زِيَادَة الثِّقَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْء من الْمُنَافَاة لِإِمْكَان حملهَا علا حاضري عَرَفَة فَإِن الصَّوْم مَكْرُوه لَهُم فِي ذَلِك الْيَوْم وغن كَانَ مُسْتَحبا لغَيرهم وَمِثَال الشذوذ فِي السَّنَد مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَوْسَجَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا توفّي على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يدع وَارِثا إِلَّا مولى هُوَ أعْتقهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل لَهُ أحد فَقَالُوا لَا إِلَّا غُلَام أعْتقهُ فَجعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِيرَاثه لَهُ فَإِن حَمَّاد بن زيد رَوَاهُ عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَوْسَجَة وَلم يذكر ابْن عَبَّاس وتابع ابْن عُيَيْنَة على وَصله ابْن جريج وَغَيره فَقَالَ أَبُو حَاتِم الْمَحْفُوظ حَدِيث ابْن عُيَيْنَة مَعَ كَون حَمَّاد من أهل الْعَدَالَة والضبط وَلَكِن رجح رِوَايَة من هم أَكثر عددا مِنْهُ هَذَا من قبيل فِي الشاذ وَيُقَال لمقابله وَهُوَ الرَّاجِح من متن أَو سَنَد الْمَحْفُوظ وَفِي تَسْمِيَة بذلك إِشَارَة إِلَى أَن الشاذ لما كَانَ أقرب إِلَى وُقُوع الْخَطَأ وَالوهم فِيهِ من مُقَابِله الرَّاجِح عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة غير الْمَحْفُوظ وَالْمُعْتَمد فِي حد الشاذ بِحَسب الِاصْطِلَاح أَنه مَا يرويهِ الثِّقَة مُخَالفا لمن هُوَ أرجح مِنْهُ وَأما الْمُنكر فقد اخْتلف أَيْضا فِي حَده وَالْمُعْتَمد فِيهِ بِحَسب الِاصْطِلَاح أَنه مَا يرويهِ غير الثِّقَة مُخَالفا لمن هُوَ أرجح مِنْهُ فهما متباينان لَا يصدق أَحدهمَا على شَيْء مِمَّا يصدق عَلَيْهِ الآخر وهما يَشْتَرِكَانِ فِي اشْتِرَاط الْمُخَالفَة ويمتاز الشاذ عَنهُ بِكَوْن رَاوِيه ثِقَة ويمتاز الْمُنكر عَن الشاذ بِكَوْن رَاوِيه غير ثِقَة وَقَالَ بعض أهل الْأَثر إِذا تفرد الصدوق بِمَا لَا متابع لَهُ فِيهِ وَلَا شَاهد وَلم يكن عِنْده من الضَّبْط مَا يشْتَرط فِي الصَّحِيح وَلَا الْحسن قيل لما تفرد بِهِ شَاذ

وَهَذَا هُوَ أحد الْقسمَيْنِ مِنْهُ فَإِن خُولِفَ مَعَ ذَلِك كَانَ مَا تفرد بِهِ أَشد فِي الشذوذ وَرُبمَا سَمَّاهُ بَعضهم مُنْكرا وَإِن كَانَ عِنْده من الضَّبْط مَا يشْتَرط فِي الصَّحِيح أَو الْحسن لكنه خَالف من هُوَ أرجح مِنْهُ قيل لما تفرد بِهِ شَاذ وَهَذَا هُوَ الْقسم الثَّانِي من الشاذ وَهَذَا هُوَ الَّذِي شاع إِطْلَاق اسْم الشاذ عَلَيْهِ وَإِذا تفرد المستور أَو الْمَوْصُوف بِسوء الْحِفْظ أَو المضعف فِي بعض مشايخه خَاصَّة أَو نحوهم مِمَّن لَا يحكم لحديثهم بِالْقبُولِ بِغَيْر عاضد يعضده بِمَا لَا متابع لَهُ وَشَاهد قيل لما تفرد بِهِ مُنكر وَهَذَا هُوَ أحد قسمي الْمُنكر وَهُوَ الَّذِي وجد إِطْلَاق الْمُنكر عَلَيْهِ لكثير من الْمُحدثين كأحمد وَالنَّسَائِيّ فَإِن خُولِفَ مَعَ ذَلِك كَانَ مَا تفرد بِهِ أَجْدَر بِإِطْلَاق اسْم الْمُنكر عَلَيْهِ مِمَّا قبله وَهَذَا هُوَ الْقسم الثَّانِي من الْمُنكر وَهُوَ الَّذِي شاع عِنْد الْأَكْثَرين إِطْلَاق اسْم الْمُنكر عَلَيْهِ وَذكر مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحَة مَا نَصه وعلامة الْمُنكر فِي حَدِيث الْمُحدث إِذا مَا عرضت رِوَايَته للْحَدَث على رِوَايَة غَيره من أهل الْحِفْظ وَالرِّضَا خَالَفت رِوَايَته روايتهم وَلم تكد توافقها فَإِن الْأَغْلَب من حَدِيثه كَذَلِك كَانَ مهجور الحَدِيث غير مَقْبُولَة وَلَا مستعملة اهـ قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر والرواة الموصوفون بِهَذَا هم المتركون فعل هَذَا رِوَايَة الْمَتْرُوك عِنْد مُسلم تسمى مُنكرَة وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار وَجعل ابْن الصّلاح الْمُنكر بِمَعْنى الشاذ وَسوى بَينهمَا وَقسم الشاذ كَمَا ذكرنَا ذَلِك آنِفا إِلَى قسمَيْنِ وَأَشَارَ إِلَى التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي بحث الْمُنكر حَيْثُ قَالَ بلغنَا عَن أبي بكر أَحْمد بن هَارُون البرديجي أَنه قَالَ الْمُنكر هُوَ الحَدِيث الَّذِي ينْفَرد بِهِ الرجل وَلَا يعرف مَتنه من غير رِوَايَته لَا من الْوَجْه الَّذِي رَوَاهُ مِنْهُ وَلَا من وَجه آخر فَأطلق البرديجي ذَلِك وَلم يفصل وَإِطْلَاق الحكم على التفرد بِالرَّدِّ أَو النكارة أَو الشذوذ مَوْجُود فِي كَلَام كثير من أهل الحَدِيث وَالصَّوَاب فِيهِ

التَّفْصِيل الَّذِي بَيناهُ آنِفا فِي شرح الشاذ وَعند هَذَا نقُول الْمُنكر يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ على مَا ذَكرْنَاهُ فِي الشاذ فَإِنَّهُ بِمَعْنَاهُ اهـ وَقد أنكر عَلَيْهِ بعض الْعلمَاء التَّسْوِيَة بَينهمَا وانتصر لَهُ بَعضهم فَقَالَ قد أطْلقُوا فِي غير مَوضِع النكارة على رِوَايَة الثِّقَة مُخَالفا لغيره وَمن ذَلِك حَدِيث نزع الْخَاتم حَيْثُ قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا حَدِيث مُنكر مَعَ أَنه من رِوَايَة همام بن يحيى وَهُوَ ثِقَة احْتج بِهِ أهل الصَّحِيح وَفِي عبارَة النَّسَائِيّ مَا يُفِيد فِي هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه أَنه يُقَابل الْمَحْفُوظ وَالْمَعْرُوف ليسَا بنوعين حقيقين تحتهما أَفْرَاد مَخْصُوصَة عِنْدهم وَأجِيب بِأَن الأولى فِي مُرَاعَاة الْأَكْثَر الْغَالِب فِي الِاسْتِعْمَال عِنْد جُمْهُور أهل الِاصْطِلَاح هَذَا مَا قيل فِي الْمُنكر وَيُقَال لمقابله وَهُوَ الرَّاجِح من متن أَو سَنَد الْمَعْرُوف مِثَال الْمُنكر من جِهَة الْمَتْن مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث أبي زُكَيْرٍ يحيى بن مُحَمَّد بن قيس عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كلوا البلح بِالتَّمْرِ فَإِن الشَّيْطَان إِذا رأى ذَلِك غاظه وَيَقُول غاش ابْن آدم حَتَّى أكل الْجَدِيد بالخلق قَالَ النَّسَائِيّ هَذَا حَدِيث مُنكر تفرد بِهِ أَبُو زُكَيْرٍ وَهُوَ شيخ صَالح أخرج لَهُ مُسلم فِي المتابعات غير أَنه لم يبلغ مبلغ من يحْتَمل تفرده بل قد أطلق عَلَيْهِ الْأَئِمَّة القَوْل بالتضعيف فَقَالَ ابْن معِين ضَعِيف وَقَالَ ابْن حبَان لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ الْعقيلِيّ لَا يُتَابع على حَدِيثه وَقَالَ ابْن عدي أَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة سوى أَرْبَعَة عد مِنْهَا هَذَا

وَمِثَال الْمُنكر من جِهَة الْإِسْنَاد مَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق حبيب بن حبيب وَهُوَ أَخُو حَمْزَة بن حبيب الزيات الْمُقْرِئ عَن أبي إِسْحَاق عَن الْعيزَار بن حُرَيْث عَن بَان عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من أَقَامَ الصَّلَاة وَآتى الكاة وَحج وَصَامَ وقرى الضَّيْف دخل الْجنَّة قَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ مُنكر لِأَن غير حبيب من الثِّقَات رَوَاهُ عَن أبي إِسْحَاق مَوْقُوفا وَهُوَ الْمَعْرُوف وينقسم المقبول أَيْضا إِلَى مَأْخُوذ بِهِ وَغير مَأْخُوذ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يسلم من مُعَارضَة حَدِيث آخر يضاده أَولا فَإِن سلم من ذَلِك قيل لَهُ الْمُحكم وَحكمه الْأَخْذ بِلَا توقف وأمثلته كَثِيرَة مِنْهَا لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور وَحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِن لم يسلم من مُعَارضَة حَدِيث آخر يضاده فَلَا يَخْلُو من أَن يكون معارضه مَقْبُولًا أَولا فَإِن كَانَ غر مَقْبُول فَالْحكم للمقبول إِذْ لَا حكم للضعيف مَعَ الْقوي وَإِن كَانَ مَقْبُولًا فَلَا يَخْلُو من أَن يُمكن بَينهمَا بِغَيْر تعسف أَولا فَإِن أمكن الْجمع بَينهمَا بِغَيْر تعسف أَخذ بهما مَعًا لظُهُور أَن لَا تضَاد بَينهمَا عِنْد إمعان النّظر ونما هُوَ بِالنّظرِ لما يَبْدُو فِي أول وهلة وَيُقَال لهَذَا النَّوْع مُخْتَلف الحَدِيث وللجمع بَين الْأَحَادِيث الْمُخْتَلفَة فِيهِ تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث وَهُوَ أَمر لَا يقوم بِهِ حق الْقيام غير أَفْرَاد من الْعلمَاء الْأَعْلَام الَّذين لَهُم براعة فِي أَكثر الْعُلُوم لَا سِيمَا الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَالْكَلَام وَللْإِمَام الشَّافِعِي فِيهِ مُصَنف جليل من جملَة كتب الْأُم وَهُوَ أول من صنف فِي ذَلِك قَالَ ابْن الصّلاح وَإِنَّمَا يكمل للْقِيَام بِمَعْرِِفَة مُخْتَلف الحَدِيث الْأَئِمَّة الجامعون بَين صناعتي الحَدِيث وَالْفِقْه الغواصون على الْمعَانِي الدقيقة وَاعْلَم أَن مَا يذكر فِي

هَذَا الْبَاب يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يُمكن الْجمع بَين الْحَدِيثين وَلَا يتَعَذَّر إبداء وَجه يَنْفِي تنافيهما فَيتَعَيَّن حِينَئِذٍ الْمصير إِلَى ذَلِك القَوْل بهما مَعًا ومثاله حَدِيث لَا عدوى وَلَا طيرة مَعَ حَدِيث لَا يُورد ممرض على مصح وَحَدِيث فر من المجذوم فرارك من الْأسد وَوجه الْجمع بَينهمَا أَن هَذِه الْأَمْرَاض لَا تعدِي بطبعها وَلَكِن الله تبَارك وَتَعَالَى جعل مُخَالطَة الْمَرِيض بهَا للصحيح سَببا لإعدائه بمرضه ثمَّ قد يتَخَلَّف ذَلِك عَن سَببه كَمَا فِي سَائِر الْأَسْبَاب فَفِي الحَدِيث الأول نفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ يَعْتَقِدهُ أهل الْجَاهِلِيَّة من أَن ذَلِك يعدي بطبعه وَلِهَذَا قَالَ فَمن أعدى الأول وَفِي الثَّانِي أعلم بِأَن الله سُبْحَانَهُ جعل ذَلِك سَببا لذَلِك وَلِهَذَا الحَدِيث أَمْثَال كَثِيرَة وَكتاب مُخْتَلف الحَدِيث لِابْنِ قُتَيْبَة فِي هَذَا الْمَعْنى إِن لم يكن قد أحسن فِيهِ من وَجه فقد أَسَاءَ فِي أَشْيَاء مِنْهُ قصر بَاعه فِيهَا وأتى بِمَا غَيره أولى وَأقوى وَقد روينَا عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة الإِمَام أَنه قَالَ لَا أعرف أَنه رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حديثان بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ متضادين فَمن كَانَ عِنْده فَليَأْتِنِي بِهِ لأؤلف بَينهمَا الْقسم الثَّانِي أَن يتضادا بِحَيْثُ لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا وَذَلِكَ على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن يظْهر كَون أَحدهمَا نَاسِخا والاخر مَنْسُوخا فَيعْمل بالناسخ وَيتْرك الْمَنْسُوخ وَالثَّانِي أَن لَا تقوم دلَالَة على أَن النَّاسِخ أَيهمَا والمنسوخ أَيهمَا فَيفزع حِينَئِذٍ إِلَى التَّرْجِيح وَيعْمل بالأرجح مِنْهُمَا والأثبت كالترجيح بِكَثْرَة الروَاة أَو بصفاتهم فِي خمسين وَجها من وُجُوه الترجيحات وَأكْثر ولتفصيلها مَوضِع غير هَذَا اهـ وَإِنَّمَا شرطُوا فِي مُخْتَلف الحَدِيث ان يُمكن فِيهِ الْجمع بِغَيْر تعسف لِأَن الْجمع

مَعَ التعسف لَا يكون إِلَّا بِحمْل الْحَدِيثين المتعارضين مَعًا أَو أَحدهمَا على وَجه لَا يُوَافق مَنْهَج الفصحاء فضلا عَن مَنْهَج البلغاء فِي كَلَامهم فَكيف يُمكن حِينَئِذٍ نِسْبَة ذَلِك إِلَى أفْصح الْخلق على الْإِطْلَاق وَلذَلِك جعلُوا هَذَا فِي حكم مَا لَا يُمكن فِيهِ الْجمع وَقد ترك بَعضهم ذكر هَذَا الْقَيْد اعْتِمَادًا على كَونه مِمَّا لَا يخفى وَقد أنكر كثير من الْمُحَقِّقين كل تَأْوِيل بعيد وَإِن لم يتَبَيَّن فِيهِ التعسف حَتَّى توقفوا فِي كثير من الْأَخْبَار الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَات لأمر دعاهم إِلَى ذَلِك مَعَ انهم لَو أولوها كَمَا فعل غَيرهم لزال سَبَب التَّوَقُّف وَلَكِن لما رَأَوْا التَّأْوِيل فِيهَا لَا يَخْلُو عَن بعد لم يلتفتوا إِلَيْهِ وَمِنْهُم الْعَلامَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية فَإِنَّهُ مَعَ كَونه كَابْن حزم فِي شدَّة الْميل إِلَى التَّمَسُّك بالآثار مَتى لاحت عَلَيْهَا أَمارَة من أمارت الصِّحَّة حكم بغلط الرَّاوِي فِي رِوَايَة وَأَنه ينشئ للنار خلقا وَذَلِكَ فِي حَدِيث تخاصم الْجنَّة وَالنَّار إِلَى ربهما الْمَذْكُور فِي البُخَارِيّ فِي بَاب إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ وَقَالَ إِن الصَّوَاب فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ فِي مَوضِع آخر وَهُوَ وَأما الْجنَّة فينشئ الله لَهَا خلقا غير أَن الرَّاوِي سبق لِسَانه إِلَى النَّار عوضا عَن الْجنَّة مَعَ أَن كثيرا من الْعلمَاء ذَهَبُوا إِلَى تَأْوِيله مَعَ معارضته فِي الظَّاهِر لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلَا يظلم رَبك أحدا} وَذَلِكَ للتخلص من نِسْبَة الْغَلَط إِلَى الرَّاوِي فَقَالَ بَعضهم المُرَاد بالخلق مَا يكون من غير ذَوي الْأَرْوَاح وَذَلِكَ كأحجار تلقي فِي النَّار وَذَلِكَ لِئَلَّا يلْزم أَن يعذب أحد بِغَيْر ذَنْب وَقَالَ بَعضهم لَا مَانع أَن يكون المنشأ للنار من ذَوي الْأَرْوَاح غير أَنهم لَا يُعَذبُونَ بهَا وَذَلِكَ كَمَا فِي خزنتها من الْمَلَائِكَة وَثمّ تأويلات أُخْرَى لَا يَلِيق ذكرهَا إِلَّا بِمن لَا يعرف قدر القَوْل الْفَصْل وَحكم بوهم الرَّاوِي فِي زِيَادَة وَلَا يرقون وَفِي الحَدِيث الَّذِي ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي وصف السّبْعين ألفا الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب إِنَّهُم لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يسْتَرقونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وعَلى

رَبهم يَتَوَكَّلُونَ وَهَذِه الزِّيَادَة وَهِي وَلَا يرقون وَقعت فِي إِحْدَى رِوَايَات مُسلم وَاسْتدلَّ على كَونهَا وهما بِكَوْن الراقي محسنا إِلَى أَخِيه وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد سُئِلَ عَن الرقي من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن ينفع أَخَاهُ فلينفعه وَقَالَ لَا بَأْس بالرقي مَا لم يكن شركا وَجعل الْفرق بَين الراقي والمسترقي أَن الراقي محسن نَافِع والمسترقي ملتفت إِلَى غير الله بِقَلْبِه مَعَ انه يُمكن تَخْصِيص الراقي هُنَا بِمن كَانَ مُعْتَمدًا على رقيته مُعْتَقدًا عظم نَفعهَا للمسترقي ملتفتا إِلَى ذَلِك كَمَا هُوَ مشَاهد فِي بعض الرقاة عرف أَخذ بِهِ وَكَانَ هُوَ النَّاسِخ وَالْآخر هُوَ الْمَنْسُوخ مِثَال ذَلِك مَا رَوَاهُ مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب فرسا فصرع عَنهُ فجحش شقَّه الْأَيْمن فصلى صَلَاة من الصَّلَوَات وَهُوَ قَاعد فصلينا وَرَاءه قعُودا فَلَمَّا انْصَرف قَالَ إِنَّمَا جعل الله الإِمَام ليؤتم بِهِ فَإِذا صلى قَائِما فصلوا قيَاما وَإِذا ركع فاركعوا وَإِذا رفع فارفعوا وَإِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده فَقولُوا رَبنَا وَلَك الْحَمد وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ وَمَا رَوَاهُ مَالك أَيْضا عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي مَرضه فَأتى أَبَا بكر وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي بِالنَّاسِ فاستأخر أَبُو بكر فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن كَمَا أَنْت فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جنب أبي بكر فَكَانَ أَبُو بكر يُصَلِّي بِصَلَاة رَسُول الله وَكَانَ النَّاس يصلونَ بِصَلَاة أبي بكر اهـ فَلَمَّا كَانَت صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعِدا وَالنَّاس خَلفه قيَاما فِي

مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ عرفنَا أَن أمره النَّاس بِالْجُلُوسِ فِي سقطته عَن الْفرس كَانَ قبل ذَلِك فَتكون صلَاته قَاعِدا وَالنَّاس خَلفه قيَاما ناسخة لِأَن يجلس النَّاس بجلوس الإِمَام وموافقة لما أجمع عَلَيْهِ النَّاس من أَن الصَّلَاة قَائِما إِذا أطاقها الْمُصَلِّي وَقَاعِدا إِذا لم يطق ذَلِك وَأَن لَيْسَ للمطيق الْقيام مُنْفَردا أَن يُصَلِّي قَاعِدا فَيصَلي الْمَرِيض خلف الإِمَام الصَّحِيح قَاعِدا وَالْإِمَام قَائِما وَيُصلي الإِمَام الْمَرِيض جَالِسا وَمن خَلفه من الأصحاء قيَاما يُصَلِّي كل مِنْهُمَا فَرْضه كَمَا لَو كَانَ مُنْفَردا وَلَو اسْتخْلف الإِمَام غَيره كَانَ حسنا وَقد وهم بعض النَّاس وَقَالَ لَا يُؤمن أحد بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا وَاحْتج بِحَدِيث رَوَاهُ مُنْقَطِعًا عَن رجل مَرْغُوب عَن الرِّوَايَة عَنهُ لَا يثبت بِمثلِهِ حجَّة على أحد فِيهِ لَا يُؤمن أحد بعدِي جَالِسا وَإِن كَانَ مُتَعَلق الْحَدِيثين مِمَّا لَا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ كالخبر الْمَحْض أَو كَانَ مِمَّا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ كالأمر وَالنَّهْي وَلَكِن لم يعرف الْمُتَأَخر مِنْهُمَا نظر فِي المرجحات فَإِن وجد فِي أَحدهمَا مَا يَقْتَضِي رجحانه على الآخر أَخذ بِهِ وَترك الآخر فَإِن لم يُوجد ذَلِك وَجب التَّوَقُّف فيهمَا أما الْقسم الأول وَهُوَ مَا لَا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ فَلِأَن التَّعَارُض فِيهِ بَين الْحَدِيثين إِنَّمَا يكون بالتناقض والتناقض بَين الْخَبَرَيْنِ يدل على أَن أَحدهمَا كذب قطعا تفلا يكون صادرا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما كَانَ غير مُتَعَيّن وَجب التَّوَقُّف فِي كل مِنْهُمَا فِي أَمر الدّين وَأمر التَّوَقُّف هُنَا مِمَّا لَا يظنّ أَنه توقف فِيهِ أحد يعرف وَقد بلغ الإفراط فِي الِاحْتِيَاط بِبَعْض الْمُعْتَزلَة وَهُوَ أَبُو بكر بن كيسَان الْأَصَم الْبَصْرِيّ إِلَى أَن قَالَ كَمَا ذكره ابْن حزم لَو أَن مئة خبر ثَبت أَنَّهَا كلهَا صِحَاح إِلَّا وَاحِد مِنْهَا لَا يعرف بِعَيْنِه أَيهَا هُوَ فَإِن الْوَاجِب التَّوَقُّف عَن جَمِيعهَا وَأما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ مَا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ فَلِأَن التَّعَارُض فِيهِ بَين

فوائد تتعلق بمبحث التعارض والترجيح

الْحَدِيثين لما لم يُوقف على طَرِيق إِزَالَته وَهُوَ معرفَة النَّاسِخ مِنْهُمَا أَو الرَّاجِح تعين الْمصير إِلَى التَّوَقُّف لعدم وجود طَرِيق إِلَى غير ذَلِك وَأما الْجمع بَينهمَا فَغير مُمكن لإفضائه إِلَى التَّكْلِيف بالمحال وَقيل بالتخيير وَقيل غير ذَلِك ومبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح من أهم مبَاحث أصُول الْفِقْه وأصبعها وَقد أطلق الْعلمَاء فِي ميدانه الفسيح الأرجاء أَعِنَّة أقلامهم فَمن أَرَادَ الِاسْتِيفَاء فَعَلَيهِ بالكتب المبسوطة فِيهِ غير أَنه يَنْبَغِي لَهُ أَن يخْتَار مِنْهَا الْكتب الَّتِي لأربابها براعة فِي نَحْو الْأُصُول فَوَائِد تتَعَلَّق بمبحث التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح الْفَائِدَة الأولى ذهب كثير من الْعلمَاء إِلَى أَنه يمْتَنع أَن يرد فِي الشَّرْع متكافئان فِي نفس الْأَمر بِحَيْثُ لَا يكون لأَحَدهمَا مُرَجّح مَعَ تعارضهما من كل وَجه وَبِه قَالَ الْعَنْبَري وَابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ هُوَ مَذْهَب الْفُقَهَاء وَحَكَاهُ عَن أَحْمد بن حَنْبَل القَاضِي وَأَبُو الْخطاب من أَصْحَابه وَهُوَ الْمَنْقُول عَن الشَّافِعِي قَالَ الصَّيْرَفِي فِي شرح الرسَالَة صرح الشَّافِعِي بِأَنَّهُ لَا يَصح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبدا حديثان صَحِيحَانِ متضادان يَنْفِي أَحدهمَا مَا يُثبتهُ الآخر من غير جِهَة الْخُصُوص والعموم والإجمال وَالتَّفْسِير إِلَّا على وَجه النّسخ وَإِن لم نجده وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَن ذَلِك غير مُمْتَنع بل هُوَ جَائِز وواقع وَقد اخْتلفُوا على فرض وُقُوع التعادل فِي نفس الْأَمر مَعَ عجز الْمُجْتَهد عَن التَّرْجِيح بَينهمَا وَعدم وجود دَلِيل آخر فَقيل إِنَّه يُخَيّر وَقيل إِن الدَّلِيلَيْنِ يتساقطان وَيطْلب الحكم من مَوضِع آخر أَو يرجع إِلَى عُمُوم أولي الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة وَنقل ذَلِك عَن أهل

الظَّاهِر وَأنكر على ابْن حزم نسبته إِلَيْهِم وَقَالَ إِنَّمَا هُوَ قَول بعض شُيُوخنَا وَهُوَ خطا بل الْوَاجِب الْأَخْذ بِالزَّائِدِ إِذا لم يقدر على استعمالهما جَمِيعًا وَقيل إِن كَانَ التَّعَارُض بَين حديثين تساقطا وَلَا يعْمل بِوَاحِد مِنْهُمَا وَإِن كَانَ بَين قياسين يُخَيّر بَينهمَا وَقيل بالتوقف واستبعده بَعضهم وَقَالَ كَيفَ يتَوَقَّف لَا إِلَى غَايَة وأمد إِذْ لَا يُرْجَى فِيهِ ظُهُور الرجحان وَإِلَّا لم يكن مِمَّا فرض فِيهِ التعادل فِي نفس الْأَمر بِخِلَاف مَا فِيهِ التعادل بِالنّظرِ إِلَى ظَاهر الْحَال فَإِنَّهُ يُرْجَى فِيهِ ظُهُور الْمُرَجح فيعقل التَّوَقُّف فِيهِ إِلَى أَن يظْهر الْمُرَجح وَقيل يُؤْخَذ بالأشد وَقيل يُصَار إِلَى التَّوْزِيع إِن أمكن تَنْزِيل إِحْدَى الأمارتين على أَمر والأمارة الْأُخْرَى على أَمر آخر وَقيل إِن الحكم فِيهِ كَالْحكمِ قبل وُرُود الشَّرْع فتجيئ فِيهِ الْأَقْوَال الْمَشْهُورَة فِي ذَلِك وَقد نسب القَوْل الْمَذْكُور وَهُوَ القَوْل بتكافؤ الْأَدِلَّة إِلَى الْقَائِلين بِأَن كل مُجْتَهد مُصِيب وَلذَا قَالَ بعض الْعلمَاء إِن التَّرْجِيح بَين الظَّوَاهِر المتعارضة إِنَّمَا يتَعَيَّن عِنْد من يَقُول إِن الْمُصِيب فِي الْفُرُوع وَاحِد وَأما من يَقُول إِن كل مُجْتَهد مُصِيب فَلَا يتَعَيَّن عِنْده التَّرْجِيح لاعْتِقَاده أَن الْكل صَوَاب وَقد أنكر كثير من الْعلمَاء هَذَا القَوْل قَالَ الْعَلامَة أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الشاطبي فِي كتاب الموافقات التَّعَارُض إِمَّا أَن يعْتَبر من جِهَة مَا فِي نفس الْأَمر وَإِمَّا من جِهَة نظر الْمُجْتَهد أما من جِهَة مَا فِي نفس الْأَمر فَغير مُمكن بِإِطْلَاق وَقد مر آنِفا فِي كتاب الِاجْتِهَاد من ذَلِك فِي مَسْأَلَة أَن الشَّرِيعَة على قَول وَاحِد مَا فِيهِ كِفَايَة

وَأما من جِهَة نظر الْمُجْتَهد فممكن بِلَا خلاف إِلَّا أَنهم إِنَّمَا نظرُوا فِيهِ بِالنّسَبِ إِلَى كل مَوضِع لَا يُمكن فِيهِ الْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ صَوَاب فَإِنَّهُ إِن أمكن الْجمع فَلَا تعَارض كالعام مَعَ الْخَاص وَالْمُطلق مَعَ الْقَيْد وَأَشْبَاه ذَلِك وَقَالَ فِي كتاب الِاجْتِهَاد فِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الشَّرِيعَة كلهَا ترجع إِلَى قَول وَاحِد فِي فروعها وَإِن كثر الْخلاف كَمَا أَنَّهَا فِي أُصُولهَا كَذَلِك وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أُمُور أَحدهَا أَدِلَّة الْقُرْآن من ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} فنفى أَن يَقع فِيهِ الِاخْتِلَاف الْبَتَّةَ وَلَو كَانَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي قَوْلَيْنِ مُخْتَلفين لم يصدق عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَام على حَال والآيات فِي ذمّ الِاخْتِلَاف وَالْأَمر بِالرُّجُوعِ إِلَى الشَّرِيعَة كَثِيرَة كلهَا قَاطع فِي أَنَّهَا لَا اخْتِلَاف فِيهَا الثَّانِي أَن عَامَّة أهل الشَّرِيعَة أثبتوا فِي الْقُرْآن وَالسّنة النَّاسِخ والمنسوخ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَين دَلِيلين يتعارضان بِحَيْثُ لَا يَصح اجْتِمَاعهمَا بِحَال وَإِلَّا لما كَانَ أَحدهمَا نَاسِخا وَالْآخر مَنْسُوخا وَالْفَرْض خلَافَة فَلَو كَانَ الِاخْتِلَاف من الدّين لما كَانَ لإِثْبَات النَّاسِخ والمنسوخ من غير نَص قَاطع فِيهِ فَائِدَة وَكَانَ الْكَلَام فِي ذَلِك كلَاما فِيمَا لَا يجني ثَمَرَة إِذْ كَانَ يَصح الْعَمَل بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا ابْتِدَاء ودواما استنادا إِلَى أَن الِاخْتِلَاف أصل من أصُول الدّين لَكِن هَذَا بَاطِل بِإِجْمَاع على أَن الِاخْتِلَاف لَا أصل لَهُ فِي الشَّرِيعَة وَهَكَذَا القَوْل فِي كل دَلِيل مَعَ مُعَارضَة كالعموم وَالْخُصُوص وَالْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد وَمَا أشبه ذَلِك الثَّالِث أَنه لَو كَانَ فِي الشَّرِيعَة مساغ للْخلاف لَأَدَّى إِلَى تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق

لِأَن الدَّلِيلَيْنِ إِذا فَرضنَا تعارضهما وفرضناهما مقصودين مَعًا للشارع فإمَّا أَن يُقَال إِن الْمُكَلف مَطْلُوب بمقتضاهما أَو لَا أَو مَطْلُوب بِأَحَدِهِمَا دون الآخر والجميع غير صَحِيح فَالْأول يَقْتَضِي افْعَل لَا تفعل لمكلف وَاحِد من وَجه وَاحِد وَهُوَ عين التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق وَالثَّانِي بَاطِل لِأَنَّهُ خلاف الْفَرْض إِذْ الْفَرْض توجه الطّلب بهما فَلم يبْق إِلَّا الأول فليزم مِنْهُ مَا تقدم لَا يُقَال إِن الدَّلِيلَيْنِ بِحَسب شَخْصَيْنِ أَو حَالين لِأَنَّهُ خلاف الْفَرْض وَهُوَ أَيْضا قَول وَاحِد لَا قَولَانِ لِأَنَّهُ إِذا انْصَرف كل دَلِيل إِلَى جِهَة لم يكن ثمَّ اخْتِلَاف وَهُوَ الْمَطْلُوب الرَّابِع أَن الْأُصُولِيِّينَ اتَّفقُوا على إِثْبَات التَّرْجِيح بَين الْأَدِلَّة المتعارضة إِذا لم يُمكن الْجمع وَأَنه لَا يَصح إِعْمَال أحد دَلِيلين متعارضين جزَافا من غير نظر فِي تَرْجِيحه على الآخر وَالْقَوْل بِثُبُوت الْخلاف فِي الشَّرِيعَة يرفع بَاب التَّرْجِيح جملَة إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ على ثُبُوت الْخلاف أصلا شَرْعِيًّا لصِحَّة وُقُوع التَّعَارُض فِي الشَّرِيعَة لَكِن لَك فَاسد فَمَا أدّى إِلَيْهِ مثله الْخَامِس أَنه شَيْء لَا يتَصَوَّر لِأَن الدَّلِيلَيْنِ المتعارضين إِذا قصدهما الشَّارِع مثلا لم يحصل مَقْصُوده لِأَنَّهُ إِذا قَالَ فِي الشَّيْء الْوَاحِد افْعَل لَا تفعل فَلَا يُمكن أَن يكون الْمَفْهُوم مِنْهُ طلب الْفِعْل لقَوْله لَا تفعل لقَوْله لَا تفعل وَلَا طلب تَركه لقَوْله افْعَل فَلَا يحصل للمكلف فهم التَّكْلِيف فَلَا يتَصَوَّر توجهه على حَال والأدلة على ذَلِك كَثِيرَة لَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى التَّطْوِيل انْتهى بِاخْتِصَار قَلِيل ثمَّ أورد بعد ذَلِك اعتراضات من طرف الْمُخَالفين وَأجَاب عَنْهَا

وَقَالَ الْفَخر فِي الْمَحْصُول اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يجوز تعادل الأمارتين فَمنع الْكَرْخِي مِنْهُ مُطلقًا وَجوزهُ الْبَاقُونَ ثمَّ المجوزون اخْتلفُوا فِي حكمه عِنْد وُقُوعه فَعِنْدَ القَاضِي أبي بكر منا وَأبي عَليّ وَأبي هَاشم من الْمُعْتَزلَة حكمه التَّخْيِير وَعند بعض الْفُقَهَاء حكمه أَنَّهُمَا يتساقطان وَيجب الرُّجُوع إِلَى مُقْتَضى الْعقل وَالْمُخْتَار أَن نقُول تعادل الأمارتين إِمَّا أَن يَقع فِي حكمين متنافيين وَالْفِعْل وَاحِد وَهُوَ كتعارض الأمارتين على كَون الْفِعْل قبيحا ومباحا وواجبا وَإِمَّا أَن يكون فِي فعلين متنافيين وَالْحكم وَاحِد نَحْو وجوب التَّوْجِيه إِلَى جِهَتَيْنِ قد غلب فِي ظَنّه أَنَّهُمَا جِهَة الْقبْلَة أما الْقسم الأول فَهُوَ جَائِز فِي الْجُمْلَة لكنه غير وَاقع فِي الشَّرْع إِمَّا أَنه جَائِز فِي الْجُمْلَة فَلِأَنَّهُ يجوز أَن يخبرنا رجلَانِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات وتستوي عدالتهما وَصدق لهجتهما بِحَيْثُ لَا يكون لأَحَدهمَا مزية على الآخر وَأما أَنه فِي الشَّرْع غير وَاقع فالدليل عَلَيْهِ أَنه لَو تعادلت أمارتان على كَون هَذَا الْفِعْل مَحْظُورًا أَو مُبَاحا فإمَّا أَن يعْمل بهما مَعًا أَو يتركا مَعًا أَو يعْمل بِأَحَدِهِمَا دون الثَّانِيَة وَهُوَ محَال لِأَنَّهُمَا لما كَانَتَا فِي نفسيهما بِحَيْثُ لَا يُمكن الْعَمَل بهما الْبَتَّةَ كَانَ وضعهما عَبَثا والعبث غير جَائِز على الله تَعَالَى وَأما الثَّالِث وَهُوَ أَن يعْمل بِإِحْدَاهُمَا دون الْأُخْرَى فإمَّا أَن يعْمل بِإِحْدَاهُمَا على التَّعْيِين أَولا على التَّعْيِين وَالْأول بَاطِل لِأَنَّهُ تَرْجِيح من غير مُرَجّح فَيكون ذَلِك قولا فِي الدّين بِمُجَرَّد التشهي وَإنَّهُ غير جَائِز وَالثَّانِي أَيْضا بَاطِل لأَنا إِذا خيرناه بَين الْفِعْل وَالتّرْك فقد أبحنا لَهُ الْفِعْل فَيكون تَرْجِيحا لأمارة الْإِبَاحَة بِعَينهَا على أَمارَة الْحَظْر وَلَك هُوَ الْقسم الَّذِي تقدم إِبْطَاله فَثَبت أَن القَوْل بتعادل الأمارتين فِي

حكمين متنافيين وَالْفِعْل وَاحِد يُفْضِي إِلَى هَذِه الْأَقْسَام الْبَاطِلَة فَوَجَبَ ان يكون بَاطِلا ثمَّ قَالَ وَأما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ تعادل الأمارتين فِي فعلين متنافيين وَالْحكم وَاحِد فَهَذَا جَائِز وَمُقْتَضَاهُ التَّخْيِير وَالدَّلِيل على جَوَازه وُقُوعه فِي صور إِحْدَاهَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي زَكَاة الْإِبِل فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي كل خمسين حقة فَمن ملك مئتين فقد ملك أَربع خمسينات وَخمْس أربعينات فَإِن أخرج الحقات فقد أدّى الْوَاجِب إِذْ عمل بقوله فِي كل خمسين حَقه وَإِن اخْرُج بَنَات اللَّبُون فقد عمل بقوله فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَلَيْسَ أحد اللَّفْظَيْنِ أولى من الآخر وثانيتها من دخل الْكَعْبَة فَلهُ أَن يسْتَقْبل أَي جَانب مِنْهَا شَاءَ لِأَنَّهُ كَيفَ فعل فَهُوَ مُسْتَقْبل شَيْئا من الْكَعْبَة وثالثتها أَن الْوَلِيّ إِذا لم يجد من اللَّبن لَا مَا يسد رَمق أحد رضيعيه وَلَو قسمه عَلَيْهِمَا أَو منعهما لماتا وَلَو سقى أَحدهمَا مَاتَ الآخر فها هُنَا هُوَ مُخَيّر بَين أَن يسْقِي هَذَا فَيهْلك ذَاك أَو ذَاك فَيهْلك هَذَا وَلَا سَبِيل التَّخْيِير ورابعتها أَن ثُبُوت الحكم فِي الفعليين المتنافيين نفس إِيجَاب الضدين وَذَلِكَ يَقْتَضِي إِيجَاب فعل الضدين كل وَاحِد مِنْهُمَا بَدَلا من الآخر وَاحْتج الْخصم على فَسَاد التَّخْيِير بِأَن أَمارَة وجوي كل وَاحِد من الْفِعْلَيْنِ اقْتَضَت وُجُوبه على وَجه لَا يسوغ الْإِخْلَال بِهِ والتخيير بَينه وَبَين ضِدّه يسوغ الْإِخْلَال بِهِ فَالْقَوْل بالتخيير مُخَالف لمقْتَضى الأمارتين مَعًا وَالْجَوَاب أَن اارة وجوب الْفِعْل تَقْتَضِي وُجُوبه قطعا فَأَما الْمَنْع من الْإِخْلَال بِهِ على كل حَال فموقوف على عدم الدّلَالَة على قيام غَيره مقَامه وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن التَّخْيِير مُخَالفا لمقْتَضى الأمارتين اهـ

الفائدة الثانية

وَقد اعْترض على الْفَخر فِي هَذَا الْموضع بعض من يَقُول بِوُقُوع التَّعَارُض فِي كَلَام الشَّارِع على جِهَة التكافؤ فَأتى بِمَا لَا يخرج عَن دَائِرَة الخيال وَاكْتفى بذلك عَن الْإِتْيَان بمثال الْفَائِدَة الثَّانِيَة قد ذكر ابْن حزم فِي كتاب الإحكام فِي أصُول الْأَحْكَام مَبْحَث التَّعَارُض وَبَين فِيهِ مسلكه فَأَحْبَبْت إِيرَاد مَا ذكره على طَرِيق التَّلْخِيص قَالَ فصل فِيمَا ادَّعَاهُ قوم من تعَارض النُّصُوص قَالَ عَليّ إِذا تعَارض الحديثان أَو الْآيَتَانِ أَو الْآيَة والْحَدِيث فِيمَا يظنّ من لَا يعلم فَفرض على كل مُسلم اسْتِعْمَال كل ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ بعض ذَلِك بِأولى بِالِاسْتِعْمَالِ من بعض وَلَا حَدِيث بأوجب من حَدِيث آخر مثله وَلَا آيَة أولى بِالطَّاعَةِ من آيَة أُخْرَى مثلهَا كل من عِنْد الله عز وَجل وكل سَوَاء فِي بَاب وجوب الطَّاعَة والاستعمال قَالَ عَليّ وَلَا خلاف بَين الْمُسلمين فِي أَنه لَا فرق بَين وجوب طَاعَة قَول الله عز وَجل {وَأقِيمُوا الصَّلَاة} وَبَين وجوب طَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أمره أَن يُصَلِّي الْمُقِيم ظهرا وَالْمُسَافر رَكْعَتَيْنِ وَأَنه لَيْسَ مَا فِي الْقُرْآن من ذَلِك بأوجب وَلَا أثبت مِمَّا جَاءَ من ذَلِك مَنْقُولًا نقلا صَحِيحا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانُوا قد اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة الطَّرِيق الَّتِي بهَا يَصح النَّقْل فَقَط فَإِذا ورد النصان كَمَا ذكرنَا فَلَا يَخْلُو مَا يظنّ بِهِ التَّعَارُض مِنْهُمَا وَلَيْسَ تَعَارضا من أحد أَرْبَعَة أوجه لَا خَامِس لَهَا الْوَجْه الأول أَن يكون أَحدهمَا أقل مَعَاني من الآخر أَو يكون أَحدهمَا حاظرا وَالْآخر مبيحا أَو يكون أَحدهمَا مُوجبا وَالْآخر نافيا فَالْوَاجِب هَا هُنَا أَن يسْتَثْنى الْأَقَل مَعَاني من الْأَكْثَر مَعَاني وَذَلِكَ

3 - مثل امْر الله عز وَجل بِقطع يَد السَّارِق والسارقة جملَة مَعَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا قطع إِلَّا فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا فَوَجَبَ اسْتثِْنَاء سَارِق أقل من ربع دِينَار من الْقطع وَبَقِي سَارِق مَا عدا ذَلِك على وجوب الْقطع عَلَيْهِ وَمثل قَوْله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} مَعَ إِبَاحَته الْمُحْصنَات من نسَاء أهل الْكتاب بالزواج فَكُن بذلك مستثنيات من جملَة المشركات وَبَقِي سَائِر المشركات على التَّحْرِيم وَمثل أمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن لَا ينفر أحد حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ وَأذن للحائض أَن تنفر قبل أَن تودع فَوَجَبَ اسْتثِْنَاء الْحَائِض من جملَة النافرين فقد رَأينَا فِي هَذَا الْمسَائِل اسْتثِْنَاء الْأَقَل مَعَاني من الْأَكْثَر مَعَاني وَلَا نبالي فِي هَذَا الْوَجْه كُنَّا نعلم أَي النصين ورد أَولا أَو لَا نعلم ذَلِك وَسَوَاء كَانَ الْأَكْثَر مَعَاني ورد أَولا أَو ورد آخرا كل ذَلِك سَوَاء وَلَا يتْرك وَاحِد مِنْهُمَا للْآخر ولكنهما يستعملان مَعًا كَمَا ذكرنَا الْوَجْه الثَّانِي أَن يكون أحد النصين مُوجبا بعض مَا أوجبه النَّص الآخر أَو حاظرا بعض مَا حظره النَّص الآخر فَهَذَا يَظُنّهُ قوم تَعَارضا وتحيروا فِي ذَلِك فَأَكْثرُوا وخبطوا العشواء وَلَيْسَ فِي شَيْء من ذَلِك تعَارض وَقد بَينا غلطهم فِي هَذَا الْكتاب فِي كلامنا فِي بَاب دَلِيل الْخطاب وَذَلِكَ مثل قَوْله عز وَجل {وبالوالدين إحسانا} وَقَوله فِي مَوضِع آخر {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} فَكَانَ أمره تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدين غير معَارض للإحسان إِلَى سَائِر النَّاس وَإِلَى الْبَهَائِم بل هُوَ بعضه وداخل فِي جملَته وَقد غلط قوم فِي هَذَا الْبَاب فظنوا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سَائِمَة الْغنم كَذَا مُعَارضا لقَوْله فِي مَكَان آخر فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة وَلَيْسَ كَمَا ظنُّوا بل الحَدِيث الَّذِي فِيهِ ذكر السَّائِمَة هُوَ بعض الحَدِيث الآخر وداخل فِي عُمُومه وَالزَّكَاة وَاجِبَة فِي السَّائِمَة بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ ذكر السَّائِمَة وَبِالْحَدِيثِ الآخر مَعًا وَالزَّكَاة وَاجِبَة فِي غير السَّائِمَة بِالْحَدِيثِ الآخر خَاصَّة

وَكَذَلِكَ غلط قوم آخَرُونَ فظنوا قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة} مُعَارضا لقَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالا طيبا} وَلقَوْله تَعَالَى {وَقد فصل لكم مَا حرم عَلَيْكُم} وَظن قوم أَن قَوْله تَعَالَى {أَو دَمًا مسفوحا} معَارض لقَوْله تَعَالَى لَا {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} وَلَيْسَ كَذَلِك على مَا قدمنَا قبل لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْء من النُّصُوص الَّتِي ذكرنَا نهي عَمَّا فِي الآخر لَيْسَ فِي حَدِيث السَّائِمَة نهي عَن أَن يُزكي غير السَّائِمَة وَلَا أملا بهَا فَحكمهَا مَطْلُوب من غير حَدِيث السَّائِمَة وَلَا فِي إخْبَاره تَعَالَى بِأَنَّهُ خلق الْخَيل لتركب وزينة نهي عَن أكلهَا وبيه \ عها وَلَا إِبَاحَة لَهما فحكمهما مَطْلُوب من مَكَان آخر وَلَا فِي تَحْرِيمه تَعَالَى الدَّم المسفوح إِخْبَار بِأَن مَا عدا المسفوح حَلَال بل هُوَ كُله حرم بِالْآيَةِ الْأُخْرَى كَمَا قُلْنَا إِنَّه لَيْسَ فِي أمره تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْآبَاء نهي عَن الْإِحْسَان إِلَى غَيرهم وَلَا أَمر بِهِ فَحكم الْإِحْسَان إِلَى غير الْآبَاء مَطْلُوب من مَكَان آخر وَمن فرق بَين شَيْء من هَذَا الْبَاب فقد تحكم بِلَا دَلِيل وَتكلم بِالْبَاطِلِ بِغَيْر علم وَلَا هدى من الله تَعَالَى قَالَ عَليّ فَهَذَا وَجه وَالْوَجْه الثَّالِث أَن يكون أحد النصين فِيهِ أَمر بِعَمَل مَا مُعَلّق بكيفية مَا أَو بِزَمَان مَا أَو مَكَان مَا أَو شخص مَا أَو عدد مَا وَيكون فِي النَّص الآخر نهي عَن عمل مَا بكيفية مَا أَو فِي زمَان مَا أَو مَكَان مَا أَو عدد مَا أَو عذر مَا وَيكون فِي كل وَاحِد من العملين الْمَذْكُورين اللَّذين أَمر بِأَحَدِهِمَا وَنهي عَن الآخر شَيْء مَا يُمكن أَن يسْتَثْنى من الآخر وَذَلِكَ بِأَن يكون على مَا وَصفنَا فِي كل نَص من النصين الْمَذْكُورين حكمان فَيكون بعض مَا ذكر فِي أحد النصين عَاما

لبَعض مَا ذكر فِي النَّص الآخر ولأشياء أخر مَعَه وَيكون الحكم الثَّانِي الَّذِي فِي النَّص الثَّانِي عَاما أَيْضا لبَعض مَا ذكر فِي هَذَا النَّص الآخر ولأشياء أخر مَعَه قَالَ عَليّ وَهَذَا من أدق مَا يُمكن أَن يعْتَرض أهل الْعلم من تأليف النُّصُوص وَمن أغمضه وأصعبه وَنحن بِمثل من ذَلِك أَمْثِلَة تعين بحول الله وقوته على فهم هَذَا الْمَكَان اللَّطِيف ليعلم طَالب الْعلم الْحَرِيص عَلَيْهِ وَجه الْعَمَل فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله عز وَجل وَمَا وجدنَا أحدا قبلنَا شغل باله فِي هَذَا الْمَكَان بِالشغلِ الَّذِي يسْتَحقّهُ هَذَا الْبَاب فَإِن الْغَلَط والتناقض يكثر فِيهِ جدا إِلَّا من سدده الله بمنة ولطفه لَا إِلَه لَا هُوَ فَمن ذَلِك أمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالإنصات للخطبة وَفِي الصَّلَاة مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا} فَنَظَرْنَا فِي النصين الْمَذْكُورين فَوَجَدنَا الْإِنْصَات عَاما يَشْمَل كل كَلَام سَلاما كَانَ أَو غَيره وَوجدنَا ذَلِك فِي وَقت خَاص وَهُوَ وَقت الْخطْبَة وَالصَّلَاة وَوجدنَا فِي النَّص الثَّانِي إِيجَاب رد السَّلَام وَهُوَ بعض الْكَلَام فِي كل حَالَة على الْعُمُوم فَقَالَ بعض الْعلمَاء معنى ذَلِك أنصت إِلَّا عَن السَّلَام الَّذِي أمرت بإفشائه ورده فِي الْخطْبَة وَقَالَ بَعضهم رد السَّلَام وَسلم إِلَّا أَن تكون منصتا للخطبة أَو فِي الصَّلَاة قَالَ عَليّ فَلَيْسَ أحد الاستثنائين أولى من الثَّانِي فَلَا بُد من طلب الدَّلِيل من غَيرهمَا وَقَالَ وَغنما صرنا إِلَى إِيجَاب رد السَّلَام وابتدائه فِي الْخطْبَة دون الصَّلَاة لِأَن الصَّلَاة قد ورد فِيهَا نَص بَين بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِيهَا فَلم يرد بعد أَن كَانَ يرد وَأَنه سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ إِن الله يحدث من أمره مَا يَشَاء وَإنَّهُ أحدث أَن لَا تكلمُوا فِي الصَّلَاة أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ وَلَيْسَ امْتنَاع رد السَّلَام فِي الصَّلَاة مُوجبا أَن لَا يرد أَيْضا فِي الْخطْبَة لِأَن الْخطْبَة لَيست صَلَاة وَلم يلْزم فِيهَا اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَلَا شَيْء مِمَّا يلْزم فِي الصَّلَاة وَأما

الْخطْبَة فَإنَّا نَظرنَا فِي أمرهَا فَوَجَدنَا الْمَعْهُود وَالْأَصْل إِبَاحَة الْكَلَام جملَة ثمَّ جَاءَ النَّهْي عَن الْكَلَام فِي الْخطْبَة وَجَاء الْأَمر برد السَّلَام وَاجِبا فَكَانَ النَّهْي عَن الْكَلَام زِيَادَة عل مَعْهُود الأَصْل وَشَرِيعَة وَارِدَة قد تَيَقنا لُزُومهَا وَكَانَ رد السَّلَام وإفشاؤه أقل مَعَاني من النَّهْي عَن الْكَلَام فَوَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهُ فصرنا بِهَذَا إِلَى التَّرْتِيب الَّذِي ذكرنَا الْقسم الأول مِنْهُ آنِفا قَالَ عَليّ ونقول قطعا إِنَّه لَا بُد ضَرُورَة فِي كل مَا كَانَ هَكَذَا من دَلِيل قَائِم بَين الْبُرْهَان على الصَّحِيح من الاستثنائين وَالْحق من الاستعمالين لِأَن الله قد تكفل بِحِفْظ دينه فَلَو لم يكن هَا هُنَا دَلِيل لائح وبرهان وَاضح لَكَانَ ضَمَان الله خائنا وَهَذَا كفر لمن أجَازه فصح أَنه لَا بُد من وجوده لمن يسره الله تَعَالَى لفهمه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْوَجْه الرَّابِع أَن يكون أحد النصين حاظرا لما أُبِيح فِي النَّص الآخر بأسره قَالَ عَليّ فَالْوَاجِب فِي هَذَا النَّوْع أَن نَنْظُر إِلَى النَّص الْمُوَافق لما كُنَّا عَلَيْهِ لَو لم يرد وَاحِد مِنْهُمَا فنتركه ونأخذ بِالْآخرِ لَا يجوز غير هَذَا أصلا وبرهان ذَلِك أَنا على يَقِين من أننا قد كُنَّا على مَا فِي ذَلِك الحَدِيث الْمُوَافق لمعهود الأَصْل ثمَّ لزمنا يَقِينا الْعَمَل بِالْأَمر الْوَارِد بِخِلَاف مَا كُنَّا عَلَيْهِ بِلَا شكّ فقد صَحَّ عندنَا يَقِينا إخراجنا عَمَّا كُنَّا عَلَيْهِ ثمَّ يَصح عندنَا نسخ ذَلِك الْأَمر الزَّائِد الْوَارِد بِخِلَاف مَعْهُود الأَصْل وَلَا يجوز أَن نَتْرُك يَقِينا بشك وَلَا أَن نخالف الْحَقِيقَة للظن وَقد نهى الله تَعَالَى عَن ذَلِك فَقَالَ {إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَإِن الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا} وَقَالَ تَعَالَى {إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَإِن هم إِلَّا يخرصون} وَلَا يحل أَن يُقَال فِيمَا صَحَّ وَورد الْأَمر بِهِ هَذَا مَنْسُوخ إِلَّا بِيَقِين وَلَا يحل أَن يتْرك أَمر قد تَيَقّن وُرُوده خوفًا أَن يكون مَنْسُوخا وَلَا أَن يَقُول قَائِل لَعَلَّه مَنْسُوخ كَيفَ وَنحن على يَقِين مَقْطُوع بِهِ من أَن الْمُخَالف لمعهود الأَصْل هُوَ النَّاسِخ بِلَا شكّ وبرهان ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا من ضَمَان الله تَعَالَى حفظ الشَّرِيعَة وَالذكر الْمنزل

فَلَو جَازَ أَن يكون نَاسخ من الدّين مُشكلا بمنسوخ حَتَّى لَا يدْرِي النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ أصلا لَكَانَ الدّين غير مَحْفُوظ وَقد صَحَّ بِيَقِين لَا إِشْكَال فِيهِ نسخ الْمُوَافق لمعهود الأَصْل من النصين بورود النَّص النَّاقِل عَن تِلْكَ الْحَال فَمن ذَلِك أمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن لَا يشرب أحد قئما وَجَاء الحَدِيث بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شرب قَائِما فَقُلْنَا نَحن عَليّ يَقِين من أَنه كَانَ الأَصْل أَن يشرب كل أحد كَمَا شَاءَ من قيام أَو قعُود أَو اضطجاع ثمَّ جَاءَ النَّهْي عَن الشّرْب قَائِما بِلَا شكّ فَكَانَ مَانِعا مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ من الْإِبَاحَة السالفة ثمَّ لَا نَدْرِي أنسخ ذَلِك بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ إِبَاحَة الشّرْب قَائِما أم لَا فَلم يحل لأحد ترك مَا قد تَيَقّن أَنه أَمر بِهِ خوفًا أَن يكون مَنْسُوخا فَإِن صَحَّ النّسخ بِيَقِين صرنا إِلَيْهِ وَلم نبال زَائِدا كَانَ على مَعْهُود الأَصْل أم مُوَافقا لَهُ كَمَا فعلنَا فِي الْوضُوء مِمَّا مست النَّار فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنه روى جَابر أَنه كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار لأوجبنا الْوضُوء من كل مَا مست النَّار وَلَكِن مَا صَحَّ انه مَنْسُوخ تَرَكْنَاهُ وَأما من تنَاقض فَأخذ مرّة بِحَدِيث قد ترك مثله فِي مَكَان آخر وَأخذ بضده فذو بُنيان هار يخَاف أَن ينهار بِهِ فِي النَّار قَالَ عَليّ وغن أمدنا الله بعمر وأيدنا بعون من عِنْده فسنجمع فِي النُّصُوص الَّتِي ظَاهرهَا التَّعَارُض كتبا كَافِيَة من غَيرهَا فَهَذِهِ الْوُجُوه هِيَ الَّتِي فِيهَا الغموض وَقد بيناها بِتَوْفِيق الله عز وَجل وَهَا هُنَا وَجه خَامِس ظَنّه أهل الْجَهْل مُعَارضا وَلَا تعَارض فِيهِ أصلا وَلَا إِشْكَال وَذَلِكَ وُرُود حَدِيث بِحكم مَا فِي وَجه مَا وورود حَدِيث آخر بِحكم آخر فِي ذَلِك الْوَجْه بِعَيْنِه فَظَنهُ قوم تَعَارضا وَلَيْسَ كَذَلِك ولكنهما جَمِيعًا مقبولان ومأخوذ بهما وَنَحْو ذَلِك مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَرِيق ابْن مَسْعُود

بالتطبيق فِي الرُّكُوع وَرُوِيَ من طَرِيق أبي حميد وضع الأكف على الركب فَهَذَا لَا تعَارض فِيهِ وكلا الْأَمريْنِ جَائِز أَي ذَلِك فعله الْمَرْء حسن قَالَ عَليّ إِلَّا أَن يَأْتِي أَمر بِأحد الْوَجْهَيْنِ فَيكون حِينَئِذٍ مَانِعا من الْوَجْه الآخر وَقد جَاءَ الْأَمر بِوَضْع الأكف على الركب نصا مَانِعا من التطبيق على مَا بَينا من أَخذ الزَّائِد الْمُتَيَقن فِي حَال وُرُوده وَمنعه مَا كَانَ مُبَاحا قبل ذَلِك وَقد وجدنَا أمرا ثَابتا بِالْأَخْذِ بالركب فَخرج عَن هَذَا الْبَاب وَصَحَّ أَن التطبيق مَنْسُوخ بِيَقِين على مَا جَاءَ عَن سعد أننا كُنَّا نفعله ثمَّ نهينَا عَنهُ وأمرنا بِالْأَخْذِ بالركب وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْعَال الصادرة مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا فِي الْأَوَامِر المتدافعة وَمثل ذَلِك مَا رُوِيَ من نَهْيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن الْجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَالْمَرْأَة وخالتها مَعَ قَوْله تَعَالَى وَقد ذكر مَا حرم من النِّسَاء ثمَّ قَالَ {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} فَكَانَ نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مضادا إِلَى مَا نهرى الله عَنهُ فِي هَذِه الْآيَة وَقد سقط هُنَا قوم أساؤوا النّظر جدا فَقَالُوا إِن ذكر بعض مَا قُلْنَا فِي نَص مَا وَعدم ذكره فِي نَص آخر دَلِيل على سُقُوطه وَهَذَا سَاقِط جدا لِأَنَّهُ لَا يلْزم تَكْرِير كل شَرِيعَة فِي كل آيَة وَفِي كل حَدِيث وَلَو لزم ذَلِك لبطلت جَمِيع شرائع الدّين أَولهَا عَن آخرهَا لِأَنَّهَا غير مَذْكُورَة فِي كل آيَة وَلَا فِي كل حَدِيث فصح أَنه لَا تعَارض وَلَا اخْتِلَاف فِي شَيْء من الْقُرْآن والْحَدِيث الصَّحِيح وَأَنه كُله مُتَّفق وَبَطل مَذْهَب من أَرَادَ ضرب الحَدِيث بعضه بِبَعْض أَو ضرب الحَدِيث بِالْقُرْآنِ وَصَحَّ أَن لَيْسَ شَيْء من كل ذَلِك مُخَالفا لسائره علمه من علمه وجهله من جَهله إِلَّا أَن الَّذِي ذكرنَا من الْعَمَل هُوَ الْقَائِم فِي بديهة الْعقل وَالَّذِي يَقُود إِلَيْهِ مَفْهُوم اللُّغَة الَّتِي خوطبنا بهَا فِي الْقُرْآن والْحَدِيث وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَكل ذَلِك كلفظة وَاحِدَة وَخبر وَاحِد مَوْصُول بعضه بِبَعْض ومضاف بعضه إِلَى بعض ومبني بعضه على بعض إِمَّا بعطف وَإِمَّا باستثناء وَهَذَانِ

فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص

الْوَجْهَانِ أَعنِي الْعَطف وَالِاسْتِثْنَاء يوجبان الْأَخْذ بِالزَّائِدِ أبدا وَقد بَين ذَلِك النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي حلَّة عُطَارِد إِذْ قَالَ لعمر إِنَّمَا يلبس هَذِه من لَا خلاق لَهُ ثمَّ بعث إِلَيْهِ حلَّة سيراء فَأَتَاهُ عمر فَقَالَ يَا رَسُول الله أبعثت إِلَيّ هَذِه وَقد قلت فِي حلَّة عُطَارِد مَا قلت إِنِّي لم أبعثها إِلَيْك لتلبسها وَفِي بعض الْأَحَادِيث إِنَّمَا بعثت إِلَيْك بهَا لتصيب بهَا حَاجَتك أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ فَفِي هَذَا الحَدِيث تَعْلِيم عَظِيم لاستعمال الْأَحَادِيث والنصوص وَالْأَخْذ بهَا كلهَا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَاحَ ملك الْحلَّة من الْحَرِير وَبَيْعهَا وهبتها وكسوتها النِّسَاء وَأمر عمر أَن يَسْتَثْنِي من ذَلِك اللبَاس الْمَذْكُور فِي حَدِيث النَّهْي فَقَط وَأَن لَا يتَعَدَّى مَا أَمر إِلَى غَيره وَأَن لَا تعَارض بَين أَحْكَامه وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن حكمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي عين مَا حكم على جَمِيع نوع تِلْكَ الْعين لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقع الْكَلَام على حلَّة سيراء كَانَ يَبِيعهَا عُطَارِد ثمَّ أخبر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن ذَلِك الحكم جَار فِي كل حلَّة حَرِير وَأخْبر أَن ذَلِك الحكم لَا يتَعَدَّى إِلَى غير اللبَاس وَهَذَا هُوَ قَوْلنَا فِي عُمُوم الحكم وَإِبْطَال الْقيَاس هَذَا مَا قَالَه ابْن حزم وَلم يقْتَصر على ذَلِك بل وَصله بتتمة فَقَالَ فصل فِي تَمام الْكَلَام فِي تعَارض النُّصُوص قَالَ عَليّ وَذهب بعض أَصْحَابنَا إِلَى ترك الْحَدِيثين إِذا كَانَ أَحدهمَا حاظرا وَالْآخر مبيحا أَو كَانَ أَحدهمَا مُوجبا وَالْآخر مسْقطًا قَالَ فَيرجع حِينَئِذٍ إِلَى مَا كُنَّا نَكُون عَلَيْهِ لَو لم يرد ذَانك الحديثان قَالَ عَليّ وَهَذَا خطأ من جِهَات أَحدهَا أننا قد أيقنا أَن الْأَحَادِيث لَا تتعارض وَإِذا بَطل التَّعَارُض فقد بَطل الحكم الَّذِي يُوجِبهُ التَّعَارُض إِذْ كل شَيْء بَطل سَببه فالمسبب فِيهِ بَاطِل بضرورة الْحس والمشاهدة

الثَّانِي أَنهم يتركون كلا الْخَبَرَيْنِ وَالْحق فِي أَحدهمَا بِلَا شكّ فَإِذا تركوهما جَمِيعًا فقد تركُوا لَاحق يَقِينا فِي أَحدهمَا وَلَا يحل لأحد أَن يتْرك الْحق الْيَقِين أصلا الثَّالِث أَنهم لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ إِحْدَاهمَا حاظرة وَالْأُخْرَى مبيحة أَو إِحْدَاهمَا مُوجبَة وَالثَّانيَِة نَافِيَة بل يَأْخُذُونَ بالحكم الزَّائِد ويستثنون الْأَقَل من الْأَكْثَر وَقد بَينا فِيمَا سلف أَنه لَا فرق فِي وجوب مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن وَبَين وجوب مَا جَاءَ فِي كَلَام النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ عَليّ وَكَانَ فِي حجتهم فِي ذَلِك إِن أحد الْخَبَرَيْنِ نَاسخ بِلَا شكّ ولسنا نعلمهُ بِعَيْنِه فَلَمَّا لم نعلمهُ لم يجز لنا أَن نقدم عَلَيْهِ بِغَيْر علم فندخل فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} الْآيَة قَالَ عَليّ وَهَذِه الْحجَّة فَاسِدَة من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنهم يلْزمهُم مثل ذَلِك فِي الْآيَتَيْنِ وهم لَا يَفْعَلُونَ لَك وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه لَا يجوز أَن يُقَال فِي خبر وَلَا آيَة إِن هَذَا مَنْسُوخ إِلَّا بِيَقِين وَيَكْفِي من بطلَان هَذَا الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ أننا على يَقِين من أَن الحكم الزَّائِد على مَعْهُود الأَصْل رَافع لما كَانَ النَّاس عَلَيْهِ قبل وُرُوده فَهُوَ النَّاسِخ بِلَا شكّ وَنحن على شكّ هَل نسخ ذَلِك الحكم بِحكم آخر يردنا إِلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أم لَا فَحَرَام ترك الْيَقِين للشكوك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ عَليّ وَقد سبق خاطر أبي بكر مُحَمَّد بن دَاوُد إِلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ إِلَّا أَنه رَحمَه الله اخترم قبل إنعام النّظر فِي ذَلِك وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِي كتاب الْوُصُول وَالْعَمَل فِي الْخَبَرَيْنِ المتعارضين كالعمل فِي الْآيَتَيْنِ وَلَا فرق قَالَ عَليّ وَقَالَ بعض أهل الْقيَاس نَأْخُذ بأشبه الْخَبَرَيْنِ بِالْكتاب وَالسّنة قَالَ عَليّ وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّهُ لَيْسَ الَّذِي ردوا إِلَيْهِ حكم هذَيْن الْخَبَرَيْنِ أولى بِأَن يُؤْخَذ بِهِ من الْخَبَرَيْنِ المردودين إِلَيْهِ بل النُّصُوص كلهَا سَوَاء فِي وجوب الْأَخْذ بهَا وَالطَّاعَة لَهَا فَإذْ قد صَحَّ ذَلِك بِيَقِين فَمَاذَا الَّذِي جعل بَعْضهَا مردودا وَبَعضهَا

مردودا إِلَيْهِ وَمَا الَّذِي أوجب أَن يكون بَعْضهَا أصلا وَبَعضهَا فرعا وَبَعضهَا حَاكما وَبَعضهَا مَحْكُومًا فِيهِ فَإِن قَالَ الِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي هذَيْن هُوَ الَّذِي حط درجتهما إِلَى أَن يعرضا على غَيرهمَا قَالَ عَليّ وَهَذِه دَعْوَى مفتقرة إِلَى برهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ الِاخْتِلَاف لِكَوْنِهِمَا معروضا على غيهما لِأَن الِاخْتِلَاف بَاطِل فظنهم أَنه اخْتِلَاف ظن فَاسد يكذبهُ قَول الله عز وَجل {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} فَإذْ قد أبطل الله تَعَالَى الِاخْتِلَاف الَّذِي جَعَلُوهُ سَببا لعرض الْحَدِيثين على سنة أُخْرَى أَو آيَة أُخْرَى فقد وَجب ضَرُورَة أَن يبطل مسببه الَّذِي هُوَ الْعرض وَهَذَا برهَان ضَرُورِيّ قَالَ عَليّ وَإِذا كَانَت النُّصُوص كلهَا سَوَاء فِي بَاب وجوب الْأَخْذ بهَا فَلَا يجوز تَقْوِيَة أَحدهمَا بِالْآخرِ وَغنما ذَلِك من بَاب طيب النَّفس وَهَذَا هُوَ اسْتِحْسَان الْبَاطِل وَقد أنكرهُ بَعضهم على بعض قَالَ عَليّ وَقد رجح بعض أَصْحَاب الْقيَاس أحد الْخَبَرَيْنِ على الآخر بترجيحات فَاسِدَة نذكرها إِن شَاءَ الله ونبين غلطهم فِيهَا فَمن ذَلِك أَن قَالُوا إِذا كَانَ أحد الْخَبَرَيْنِ مَعْمُولا بِهِ وَالْآخر غير مَعْمُول بِهِ رجحنا بذلك الْخَبَر الْمَعْمُول بِهِ على غير الْمَعْمُول بِهِ قَالَ عَليّ وَهَذَا بَاطِل لما نذكرهُ بعد هَذَا إِلَّا أننا نقُول هَا هُنَا جملَة لَا يَخْلُو الْخَبَر قبل أَن يعْمل بِهِ من أَن يكون حَقًا وَاجِبا أَو بَاطِلا فَإِن كَانَ حَقًا وَاجِبا لم يزده الْعَمَل بِهِ قُوَّة لِأَنَّهُ لَا يكن أَن يكون حق أَحَق من حق آخر فِي أَنه حق وَإِن كَانَ بَاطِلا فالباطل لَا يحقه أَن يعْمل بِهِ قَالَ عَليّ وَقَالُوا إِن كَانَ أحد الْخَبَرَيْنِ حاظرا وَالْآخر مبيحا فَإنَّا نَأْخُذ بالحاظر وَنَدع الْمُبِيح قَالَ عَليّ وَهَذَا خطأ لِأَنَّهُ تحكم بِلَا برهَان وَلَو عكس عاكس

الفائدة الثالثة

فَقَالَ بل نَأْخُذ بالمبيح لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَلقَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} وَلقَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} أما كَانَ يكون قَوْله أقوى من قَوْلكُم وَلَكنَّا لَا نقُول ذَلِك بل نقُول إِن كل أَمر من الله تَعَالَى لنا فَهُوَ يسر وَهُوَ رفع الْحَرج وَهُوَ التَّخْفِيف وَلَا يسر وَلَا تَخْفيف وَلَا رفع حرج أعظم من شَيْء أدّى إِلَى الْجنَّة ونجى من جَهَنَّم سَوَاء كَانَ حظرا أَو إِبَاحَة وَقَالَ فِي فصل آخر وَقد أجَاز بعض أَصْحَابنَا أَن يرد حَدِيث صَحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكون الْإِجْمَاع على خِلَافه قَالَ دَلِيل على أَنه مَنْسُوخ قَالَ عَليّ وَهَذَا عندنَا خطأ فَاحش مُتَيَقن لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَو وُرُود حَدِيث صَحِيح يكون الْإِجْمَاع على خِلَافه مَعْدُوم لم يكن قطّ فَمن ادّعى أَنه مَوْجُود فليذكره لنا وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى وجوده أبدا وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى قَالَ {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} فَمَا تكفل الله عز وَجل بِهِ فَهُوَ غير ضائع أبدا وَالْوَحي ذكر وَالذكر مَحْفُوظ بِالنَّصِّ فَكَلَامه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَحْفُوظ بِحِفْظ الله عز وَجل فَلَو كَانَ الحَدِيث الَّذِي ادّعى هَذَا الْقَائِل أَنه مجمع على تَركه وَأَنه مَنْسُوخ كَمَا ذكر لَكَانَ ناسخه الَّذِي اتَّفقُوا عَلَيْهِ قد ضَاعَ وَلم يحفظ قَالَ عَليّ ولسنا ننكر أَن يكون حَدِيث صَحِيح وَآيَة صَحِيحَة التِّلَاوَة منسوخين إِمَّا بِحَدِيث آخر صَحِيح وَإِمَّا بِآيَة متلوة وَيكون الِاتِّفَاق على النّسخ الْمَذْكُور ثَبت إِلَّا أننا نقُول لَا بُد أَن يكون النَّاسِخ لَهما مَوْجُودا أَيْضا عندنَا مَنْقُولًا إِلَيْنَا مَحْفُوظًا عندنَا وَإِنَّمَا الَّذِي منعنَا مِنْهُ أَن يكون الْمَنْسُوخ مَحْفُوظًا مَنْقُولًا مبلغا إِلَيْنَا وَيكون النَّاسِخ لَهُ قد سقط وَلم ينْقل إِلَيْنَا لفظا فَهَذَا بَاطِل عندنَا مَعْدُوم الْبَتَّةَ الْفَائِدَة الثَّالِثَة قد عرفت فِيمَا سبق أَن الْحَدِيثين إِذا لَاحَ بَينهمَا التَّعَارُض ابتدئ أَولا بِالْجمعِ بَينهمَا فَإِن لم يُمكن ذَلِك نظر هَل هما مِمَّا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ أم لَا فَإِن كَانَا مِمَّا يُمكن وُقُوع النّسخ فه بحث عَن الْمُتَأَخر مِنْهُمَا فَإِن وقف عَلَيْهِ جعل نَاسِخا وَأخذ بِهِ

وَترك الآخر وغن كَانَا مِمَّا لَا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ أَو كَانَا مِمَّا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ لَكِن لم يُوقف عل الْمُتَأَخر مِنْهُمَا بحث عَن الرَّاجِح مِنْهُمَا فَإِن عرف أَخذ بِهِ وَترك الآخر وَإِن لم يعرف الرَّاجِح مِنْهُمَا تعين التَّوَقُّف فيهمَا قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي كتاب اللمع فِي بَاب القَوْل فِي تَرْجِيح أحد الْخَبَرَيْنِ على الآخر وَجُمْلَته أَنه إِذا تعَارض خبران وَأمكن الْجمع بَينهمَا وترتيب أَحدهمَا على الآخر فِي الِاسْتِعْمَال فعل وَإِن لم بمكن وَأمكن نسخ أَحدهمَا بِالْآخرِ فعل على مَا بَينته فِي بَاب بَيَان الْأَدِلَّة الَّتِي يجوز التَّخْصِيص بهَا وَمَا لَا يجوز فَإِن لم يُمكن ذَلِك رجح أَحدهمَا على الآخر بِوَجْه من وُجُوه التَّرْجِيح وَقد أورد بعض الْعلمَاء هُنَا إشْكَالًا وَهُوَ أَن الْبَحْث هُنَا غنما هُوَ فِي تعَارض الْحَدِيثين المقبولين وَقد سبق قَرِيبا أَن الحَدِيث المقبول إِذا عَارضه حَدِيث غير مَقْبُول أَخذ بالمقبول وَترك الآخر إِذْ لَا حكم لضعيف مَعَ الْقوي وَمَا ذكر فِي هَذَا الْموضع يدل على أَن الْخَبَرَيْنِ المقبولين قد يكون أَحدهمَا راجحا وَالْآخر مرجوحا وَقد لَا يظْهر وَجه التَّرْجِيح فَيتَوَقَّف فيهمَا وَقد تقرر أَن الثِّقَة إِذا خَالفه من هُوَ أرجح مِنْهُ سمي حَدِيثه شاذا والشاذ من الْمَرْدُود وَأَن الحَدِيث إِذا وَقع الْخلاف فِيهِ بالإبدال فِي مَتنه أَو سَنَده وَلَا مُرَجّح سمي حَدِيثه مضطربا والمضطرب من الْمَرْدُود وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى تَقْدِيم التَّرْجِيح ثمَّ الْجمع ثمَّ النّسخ وَذهب آخَرُونَ إِلَى تَقْدِيم التَّرْجِيح ثن النّسخ ثمَّ الْجمع وَقد ذكر بعض من ذهب إِلَى تَقْدِيم التَّرْجِيح على مَا سواهُ أَن الْعُقُول مطبقة على تَقْدِيم الرَّاجِح على غَيره فتقديم غَيره عَلَيْهِ هدم لقواعد الْأُصُول وَأما هَذِه الْأُصُول فَهِيَ من تَصَرُّفَات الْعُقُول

فَكل من أبدى فِيهَا وَجها معقولا قبل مِنْهُ وَإِن خَالف الْمَشْهُور الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور نعم يسوغ تَأْوِيل الْمَرْجُوح بعد تَقْدِيم الرَّاجِح عَلَيْهِ بِحمْلِهِ على الرَّاجِح عَلَيْهِ من غير أَن ينقص شَيْئا من مَعْنَاهُ وَلَيْسَ هَذَا من قبيل الْجمع فَإِن الْجمع هُوَ أَن يحمل كل مِنْهُمَا على بعض مَعْنَاهُ وَأما قَول من قَالَ الإعمال أولى من الإهمال فَإِن أَرَادَ الإعمال وَلَو مَعَ رُجْحَان غَيره عَلَيْهِ فَمَمْنُوع وَإِن أَرَادَ الإعمال مَعَ تَسَاوِي الْحَدِيثين فَمُسلم وَقَالَ بعض المرجحين لهَذَا القَوْل الملخص من التَّعَارُض من وَجْهَيْن أَحدهمَا مَا يرجع إِلَى الرُّكْن بِأَن لم يكن بَين الدَّلِيلَيْنِ مماثلة كنص الْكتاب وَالْخَبَر الْمُتَوَاتر مَعَ خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس أَو خبر الْوَاحِد مَعَ الْقيَاس لِأَن شَرط قبُول خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس أَن لَا يكون ثمَّة نَص من الْكتاب وَالسّنة المتواترة وَالْإِجْمَاع بِخِلَافِهِ وَكَذَا إِذا كَانَ لأحد الْخَبَرَيْنِ من الْآحَاد أَو لأحد القياسين رُجْحَان على الآخر بِوَجْه من وُجُوه التَّرْجِيح لِأَن الْعَمَل بالراجح وَاجِب عِنْد عدم التيقن بِخِلَافِهِ وَلَا عِبْرَة للمرجوح بِمُقَابلَة الرَّاجِح وَلَكِن هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيم بَين خبري الْوَاحِد وَبَين القياسين لِأَن كلا مِنْهُمَا لَيْسَ بِدَلِيل مُوجب للْعلم وَإِنَّمَا يُوجب الظَّن أَو علم غَالب الرَّأْي وَهَذَا يحْتَمل التزايد من حَيْثُ الْقُوَّة بِوُجُوه التَّرْجِيح فَأَما بَين النصين كتابا وَسنة متواترة فِي حق الثُّبُوت فَلَا يتَصَوَّر التَّرْجِيح لن الْعلم بثبوتهما قَطْعِيّ وَالْعلم الْقطعِي لَا يحْتَمل التزايد فِي نَفسه من حَيْثُ الثُّبُوت وَإِن كَانَ يحْتَملهُ من حَيْثُ الْجلاء والظهور إِلَّا إِذا وَقع التَّعَارُض فِي وجبهما بِأَن كَانَ أَحدهمَا محكما وَالْآخر فِيهِ احْتِمَال فالمحكم أولى وَثَانِيهمَا مَا يرجع إِلَى الشَّرْط بِأَن لَا يثبت التَّنَافِي بَين الْحكمَيْنِ وَيتَصَوَّر

الْجمع بَينهمَا لاخْتِلَاف الْمحل وَالْحَال والقيد وَالْإِطْلَاق والحقيقة وَالْمجَاز وَاخْتِلَاف الزَّمَان حَقِيقَة أَو دلَالَة وَبَيَانه أَن النصين إِذا تَعَارضا وَلم يكن أَحدهمَا خَاصّا وَالْآخر عَاما فإمَّا أَن لَا يكون بَينهمَا زمَان يصلح للنسخ فَفِي الخاصين يحمل أَحدهمَا على قيد أَو حَال أَو مجَاز مَا أمكن وَفِي العامين من وَجه يحمل على وَجه يتَحَقَّق الْجمع بَينهمَا وَفِي العامين لفظا يحمل أَحدهمَا على بعض وَالْآخر على بعض آخر أَو على الْقَيْد وَالْإِطْلَاق وَأما أَن يكون بَينهمَا زمَان يصلح للنسخ بِأَن كَانَ الْمُكَلف يتَمَكَّن من الْفِعْل والاعتقاد أَو من الِاعْتِقَاد لَا غير على الِاخْتِلَاف فِيهِ فَيمكن الْعَمَل بالطريقين بالتناسخ والتخصيص وَالتَّقْيِيد وَالْحمل على الْمجَاز فِي العامين والخاصين فأصحاب الحَدِيث يرَوْنَ الْعَمَل بطرِيق التَّخْصِيص وَالْبَيَان أولى والمعتزلة يرَوْنَ الْعَمَل بالنسخ أولى وَقَالَ مَشَايِخنَا وَهُوَ اخْتِيَار أبي مَنْصُور الماتريدي ينظر فِي عمل الْأمة فِي ذَلِك فَإِن حملوه على النّسخ يجب الْعَمَل بِهِ وَإِن حملوه لى التَّخْصِيص يجب الْعَمَل بِهِ وَإِن لم يعرف عمل الْأمة فِي ذَلِك على أحد الْوَجْهَيْنِ أَو اسْتَوَى عَمَلهم فِيهِ بِأَن عمل بَعضهم على أحد الْوَجْهَيْنِ وَبَعْضهمْ على الْوَجْه الآخر فَيرجع فِي ذَلِك إِلَى شَهَادَة الْأُصُول فَيعْمل بِالْوَجْهِ الَّذِي شهِدت بِهِ وَإِن كَانَ أَحدهمَا خَاصّا وَالْآخر عَاما فَإِن عرف تاريخهما وَبَينهمَا زمَان يَصح فِيهِ النّسخ فَإِن كَانَ الْخَاص سَابِقًا وَالْعَام مُتَأَخِّرًا نسخ الْخَاص بِهِ وَإِن كَانَ الْعَام سَابِقًا وَالْخَاص مُتَأَخِّرًا نسخ من الْعَام بِقدر الْخَاص وَيبقى الْبَاقِي وَإِن وردا مَعًا وَكَانَ بَينهمَا زمَان لَا يَصح فِيهِ النّسخ يَبْنِي الْعَام على الْخَاص فَيكون المُرَاد من الْعَام مَا وَرَاء الْمَخْصُوص وَهَذَا قَول مَشَايِخ الْعرَاق وَالْقَاضِي أبي زيد وَمن تَابعه من دِيَارنَا وَقَالَ الشَّافِعِيَّة يبْنى الْعَام على الْخَاص فِي الْفَصْلَيْنِ حَتَّى إِن الْخَاص السَّابِق

يكون مَبْنِيا للعام اللَّاحِق فَيكون المُرَاد من الْعَام مَا وَرَاء قدر الْمَخْصُوص بطرِيق الْبَيَان وَالْجَوَاب فِيهِ على قَول مَشَايِخ سَمَرْقَنْد كَذَلِك إِذا لم يكن بَينهمَا زمَان يصلح للنسخ لِأَنَّهُ لَا ينْدَفع التَّنَاقُض إِلَّا بِهَذَا الطَّرِيق فَأَما إِذا كَانَ زمَان يصلح للنسخ فَقَالُوا يتَوَقَّف فِي حق الِاعْتِقَاد وَيعْمل بِالنَّصِّ الْعَام بِعُمُومِهِ وَلَا يبْنى على الْخَاص اهـ وَقد ذكر كثير من عُلَمَاء الْأُصُول أَن الدَّلِيلَيْنِ المتعارضين قد يكونَانِ متقارنين فِي الْوُرُود عَن الشَّارِع وبينوا الحكم فِي ذَلِك فَقَالُوا وَإِن تقارن المتعارضان فَإِن تعذر الْجمع بَينهمَا بحث عَن الرَّاجِح مِنْهُمَا فَإِن لم يعلم تعين الْمصير إِلَى التَّخْيِير وَلم يتَعَرَّضُوا لذكر النّسخ هُنَا لما أَن من شَرطه التَّرَاخِي بَينهمَا فَإِذا تقارنا الْوُرُود لم يُمكن جعل أَحدهمَا نَاسِخا وَالْآخر مَنْسُوخا وَقد اسْتشْكل بعض الْعلمَاء ذَلِك فَقَالَ إِن التقارن بَين المتنافيين لَا يتَصَوَّر فِي كَلَام الشَّارِع لِأَنَّهُ تنَاقض لَا يَلِيق بمنصبه بل لَا بُد أَن يكون أَحدهمَا مُتَأَخِّرًا إِلَّا أَنه رُبمَا جهل التَّارِيخ وَقد أجَاب عَن ذَلِك بَعضهم فَقَالَ يجوز أَن يُرَاد بالتقارن هُنَا التقارن فِي زمن التَّكَلُّم بالنسة إِلَيْهِ تقدس وَتَعَالَى على الْوَجْه المتصور فِي حَقه إِذْ لَا يلْزم عَلَيْهِ تنَاقض لِأَنَّهُ لَا يلْزم أَن يكون ذَلِك الزَّمَان زمَان النِّسْبَة وَأَن يُرَاد بِهِ التقارن فِي النُّزُول على النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ لَا يلْزم عَلَيْهِ تنَاقض لما ذكر وَأَن يُرَاد بِهِ التقارن فِي الْوُرُود أَي الْوُصُول إِلَيْنَا أَي إِلَى الطَّبَقَة الأولى منا الآخذين عَنهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن تصور تقارن ذَلِك إِذْ لَا يلْزم عَلَيْهِ تنَاقض أَيْضا لما ذكر

وَأَن يُرَاد بِهِ التَّعَاقُب بِالنِّسْبَةِ لزمان الْمُتَكَلّم أَو زمَان النُّزُول أَو زمَان الْوَلُود خُصُوصا فِي الْأَخير وَمن الْمَشْهُور ان تقارن الْأَقْوَال مَعَ اتِّحَاد الْقَائِل الْحَادِث لَيْسَ إِلَّا بِمَعْنى التَّعَاقُب هَذَا وَلَعَلَّ الأسبق إِلَى الْفَهم من كَلَامهم أَن الْمدَار فِي التقارن بِمَعْنَاهُ الظَّاهِر أَو بِمَعْنى التَّعَاقُب وَغَيره بِالنِّسْبَةِ للْكتاب على زمَان النُّزُول وبالنسبة للسّنة على زمَان الْوُرُود أَي التَّكَلُّم مِنْهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام على أَن لقَائِل أَن يَقُول إِن التقارن بَين المتنافيين لَا يلْزم على الْإِطْلَاق أَن يكون تناقضا محذورا لجَوَاز أَن يكون للتَّخْيِير بَينهمَا أَو لحكمة أُخْرَى فَإِن قلت حمل التقارن على التَّعَاقُب لَا يَصح هُنَا لِأَن مُقْتَضَاهُ النّسخ وَلم يذكر فِي أَحْكَام هَذَا الْقسم قلت قد يمْنَع أَن مُقْتَضَاهُ ذَلِك بِنَاء على اعْتِبَار التَّرَاخِي فِي النّسخ انْتهى مَا أجَاب بِهِ وليته لَو أَتَى بمثال ليعلم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة لَيست محصورة فِي دَائِرَة الخيال كثير من الْمسَائِل الْمَفْرُوضَة الَّتِي لَا ينالها سوى الْوَهم لَا سِيمَا إِن كَانَت بعيدَة عَن الْفَهم وَقد وَقع فِي كتب أصُول الْفِقْه مسَائِل كَثِيرَة مَبْنِيَّة على مُجَرّد الْفَرْض وَهِي لَيست دَاخِلَة فِيهِ وَكَثِيرًا مَا أوجب ذَلِك حيرة الْمطَالع النبيه حَيْثُ يطْلب لَهَا أَمْثِلَة فَيرجع بعد الْجد وَالِاجْتِهَاد وَلم يحظ بمثال وَاحِد فَيَنْبَغِي الانتباه لهَذَا الْأَمر وَلما ذكره بعض الْعلمَاء وَهُوَ أَن كل مَسْأَلَة تذكر فِي أصُول الْفِقْه وَلَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا فروع فقهية أَو آدَاب شَرْعِيَّة أَو لَا تكون عونا فِي ذَلِك فَهِيَ غير دَاخِلَة فِي أصُول الْفِقْه وَذَلِكَ أَن هَذَا الْعلم لم يخْتَص بإضافته إِلَى الْفِقْه إِلَّا لكَونه مُفِيدا لَهُ ومحققا للِاجْتِهَاد فِيهِ فَإِذا لم يفد ذَلِك لم يكن أصلا لَهُ وَيخرج على هَذَا كثير من الْمسَائِل الَّتِي تكلم عَلَيْهَا الْمُتَأَخّرُونَ وأدخلوها فِيهِ كَمَسْأَلَة ابْتِدَاء وضع اللُّغَات وَمَسْأَلَة الْإِبَاحَة هَل هِيَ تَكْلِيف أم لَا وَمَسْأَلَة أَمر

الْمَعْدُوم وَمَسْأَلَة كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متعبدا بشرع من قبله أم لَا وَكَذَلِكَ كل مَسْأَلَة يَنْبَنِي عَلَيْهَا فقه إِلَّا أَنه لَا يحصل من الْخلاف فِيهَا خلاف فِي فرع من فروع الْفِقْه مثل مَسْأَلَة الْأَمر بِوَاحِد مُبْهَم من أَشْيَاء مُعينَة كَمَا فِي كَفَّارَة الْيَمين فَقيل إِن الْأَمر بذلك يُوجب وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِه وَقيل إِنَّه يُوجب الْكل فعل الْكل فَقيل الْوَاجِب أَعْلَاهَا وَإِن تَركهَا فَقيل يُعَاقب على أدناها فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَمَا أشبههَا من الْمسَائِل الَّتِي فرضوها مِمَّا لَا ثَمَرَة لَهُ فِي الْفِقْه غير دَاخِلَة فِي أُصُوله وَقد رَأَيْت فِي كتاب الِاعْتِبَار فِي النَّاسِخ والمنسوخ من الحَدِيث لِلْحَافِظِ الْحَازِمِي عبارَة رُبمَا كَانَ لَهَا موقع عَظِيم هُنَا فِي الْمُقدمَة فِي بَيَان شُرُوط النّسخ وَمِنْهَا أَن يكون الْخطاب النَّاسِخ متراخيا عَن الْمَنْسُوخ فعلى هَذَا يعْتَبر الحكم الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يعدو أحد الْقسمَيْنِ إِمَّا أَن يكون مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا فَإِن كَانَ مُتَّصِلا بِالْأولِ لَا يُسمى نسخا إِذْ من شَرط النّسخ التَّرَاخِي وَقد فقد هَا هُنَا لِأَن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تلبسوا القمص وَلَا السرويلات وَلَا الْخفاف إِلَّا أَن يكون رجل لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ فليلبس الْخُفَّيْنِ وغن كَانَ صدر الحَدِيث يدل على منع لبس لخفاف وعجزه يدل على جَوَازه وهما حكمان متنافيان غير أَنه لَا يُسمى نسخا لِانْعِدَامِ التَّرَاخِي فِيهِ وَلَكِن هَذَا النَّوْع يُسمى بَيَانا وَإِن كَانَ مُنْفَصِلا نظرت هَل يُمكن بَينهمَا فَإِن أمكن الْجمع جمع 1

ذكر النوع الثاني والخمسين من علوم الحديث

الْبَلْخِي أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة إِسْحَاق بن الْحسن الْحَرْبِيّ سهل بن عمار الْعَتكِي قَالَ أَبُو عبد الله جَمِيع من ذَكَرْنَاهُمْ فِي هَذَا النَّوْع بعد الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ قوم قد اشهروا بالرواية وَلم يعدوا فِي الطَّبَقَة الْأَثْبَات المتقنين الْحفاظ ذكر النَّوْع الثَّانِي وَالْخمسين من عُلُوم الحَدِيث هَذَا النَّوْع من هَذِه الْعُلُوم معرفَة من رخص فِي الْعرض على الْعَالم وَرَآهُ سَمَاعا وَمن رأى بِالْإِجَازَةِ من بلد إِلَى بلد إِخْبَارًا وَمن أنكر ذَلِك وَرَأى شرح الْحَال فِيهِ عِنْد الرِّوَايَة وَبَيَان الْعرض أَن يكون الرَّاوِي حَافِظًا متقنا فَيقدم المستفيد إِلَيْهِ جُزْءا من حَدِيثه أَو أَكثر من ذَلِك فيناوله فيتأمل الرَّاوِي حَدِيثه فَإِذا خَبره وَعرف أَنه من حَدِيثه قَالَ للمستفيد قد وقفت على مَا ناولتنيه وَعرفت الْأَحَادِيث كلهَا وَهَذِه رواياتي عَن شيوخي فَحدث بهَا عني فَقَالَ جمَاعَة من أَئِمَّة الحدي إِنَّه سَماع مِنْهُم من أهل الْمَدِينَة أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة حَكَاهُ مَالك عَن شُيُوخه عَنهُ وَأَبُو عبد الله عِكْرِمَة مولى عبد الله بن عَبَّاس وَمُحَمّد بن مُسلم بن عبيد الله بن شهَاب بن زهرَة الزُّهْرِيّ وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن الرَّأْي والْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب وَيحيى بن سعيد بن قيس الْأنْصَارِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة بن الزبير الْقرشِي وَمُحَمّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة اللَّيْثِيّ وَمَالك بن أنس بن أبي عَامر الأصبحي وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن أبي عبيد الأندراوردي فِي جمَاعَة بعدهمْ وَمن أهل مَكَّة مُجَاهِد بن جبر أَبُو الْحجَّاج المَخْزُومِي مَوْلَاهُم وسُفْيَان بن عُيَيْنَة الْهِلَالِي وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي فِي جمَاعَة بعدهمْ

الفائدة الثانية

الْفَائِدَة الثَّانِيَة قد عرفت أَن هَذَا الْفَنّ يبْحَث فِيهِ عَن مصطلح أهل الْأَثر قَالَ الْحَافِظ زين الدّين عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ فِي أول شرح ألفيته الَّتِي لخص فِيهَا كتاب ابْن الصّلاح فِي هَذَا الْفَنّ وَبعد فَعلم الحَدِيث خطير وقعه كَبِير نَفعه عَلَيْهِ مدَار أَكثر الْأَحْكَام وَبِه يعرف الْحَلَال وَالْحرَام ولأهله اصْطِلَاح لَا بُد للطَّالِب من فهمه فَلهَذَا ندب إِلَى تَقْدِيم الْعِنَايَة بِكِتَاب فِي علمه اهـ فَهَذَا الْفَنّ مدْخل لعلم الحَدِيث وَقد سَمَّاهُ بَعضهم بِعلم دراية الحَدِيث وعرفه بقوله علم بقوانين يعرف بهَا أَحْوَال السَّنَد والمتن من صِحَة وَحسن وَضعف وَرفع ووقف وَقطع وعلو ونزول وَكَيْفِيَّة التَّحَمُّل وَالْأَدَاء وصفات الرِّجَال وَمَا أشبه ذَلِك وَقد اخْتَصَرَهُ بَعضهم فَقَالَ علم يعرف بِهِ أَحْوَال الرَّاوِي والمروي من حَيْثُ الْقبُول وَالرَّدّ وَقد نظمه الْجلَال السُّيُوطِيّ فِي ألفيته فَقَالَ (علم الحَدِيث ذُو قوانين تحد ... يدرى بهَا أَحْوَال متن وَسَنَد) (فذانك الْمَوْضُوع وَالْمَقْصُود ... أَن يعرف المقبول والمردود) وَقد فسر بَعضهم التَّعْرِيف الْمَذْكُور فَقَالَ قَوْله علم يُمكن أَن يُرَاد بِهِ الْقَوَاعِد والضوابط كَقَوْلِك كل حَدِيث صَحِيح يسوغ الِاحْتِجَاج بِهِ وَالْبَاء فِي قَوْله يعرف بِهِ للسَّبَبِيَّة وَاللَّام فِي قَوْله حَال الرَّاوِي والمروي للْجِنْس إِذْ لَا يعرف بِهَذَا الْعلم حَال الرَّاوِي الْمعِين أَو الْمَرْوِيّ الْمعِين وَإِنَّمَا يعرف بِهِ حَال غير الْمعِين

وهاهنا مسائل مهمة تتعلق بهذا المبحث

وَترى وَيجوز فِيهَا التَّنْوِين وَتَركه قَالَ تَعَالَى {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترا} أَي وَاحِدًا بعد وَاحِد بفترة بَينهمَا وتواتر الْخَبَر مَجِيء المخبرين بِهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد من غير اتِّصَال وَهَاهُنَا مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا المبحث الْمَسْأَلَة الأولى قد عرفت مِمَّا سبق أَن الْخَبَر لَا يُسمى متواترا إِلَّا إِذا وجد فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن يكون ذَلِك الْخَبَر مِمَّا يدْرك بالحس وَيكون مُسْتَند المخبرين هُوَ الإحساس بِهِ على وَجه الْيَقِين وَذَلِكَ مثل أَن يَقُولُوا رَأينَا زيد يفعل كَذَا وَسَمعنَا عمرا يَقُول كَذَا فَإِن كَانَ الْخَبَر مِمَّا لَا يدْرك بالحس لَا يُسمى متواترا وَلَا يُفِيد الْعلم وَإِن كَانَ المخبرون بِهِ لَا يُحصونَ كَثْرَة فَلَو اسْتدلَّ مستدل على حُدُوث الْعَالم بِأَن أُنَاسًا لَا يحصرون يَقُولُونَ بحدوثه وقابله الْقَائِل بقدمه بِمثل دَلِيله وَقَالَ إِن أُنَاسًا لَا يحصرون يَقُولُونَ بقدمه فَمثل هَذِه الْمَسْأَلَة يجب أَن يرجع فِيهَا إِلَى الِاسْتِدْلَال بِأَمْر آخر الثَّانِي أَن يكون عدد المخبرين بِهِ بلغ فِي الْكَثْرَة مبلغا تحيل الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب فِيهِ فَإِن لم يبلغ المخبرون بِهِ هَذَا الْمبلغ لم يسم ذَلِك الْخَبَر متواترا وَإِن أَفَادَ الْعلم بِسَبَب أَمر آخر يدل على صدقه وَمن ثمَّ قَالَ بَعضهم الْمُتَوَاتر هُوَ خبر جمَاعَة يُفِيد بِنَفسِهِ الْعلم بصدقه فاحترز بقوله بِنَفسِهِ عَن الْخَبَر الَّذِي علم صدقه بِأَمْر آخر كقرينة دلّت على صدق من أخبر بِهِ تَتِمَّة قد يكون الناقلون للْخَبَر طبقَة وَاحِدَة وَهِي الْجَمَاعَة الَّتِي استندت فِي الْإِخْبَار إِلَى الإحساس بالمخبر بِهِ وَهِي المثبتة لأصل الْخَبَر فَإِذا تلقينا الْخَبَر عَنْهَا فَالْأَمْر ظَاهر وَقد يكون الناقلون للْخَبَر طبقتين وَذَلِكَ فِيمَا إِذا تلقينا الْخَبَر عَن جمَاعَة تلقت الْخَبَر عَن الْجَمَاعَة الَّتِي استندت فِي الْإِخْبَار إِلَى الإحساس بالمخبر بِهِ وَيشْتَرط فِي

الجزء 2

2 -

علل أخبار رويت في الغزو والسير

- سَمِعت أَبَا زرْعَة وَذكر حَدِيثا حَدثنَا بِهِ عَن الأويسي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن عمر ضرب للْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس إِقَامَة ثَلَاث لَيَال بِالْمَدِينَةِ يتسوقون ويقضون حوائجهم قَالَ أَبُو زرْعَة فِي الْمُوَطَّأ مَالك عَن نَافِع عَن أسلم أَن عمر وَالصَّحِيح مَا فِي الْمُوَطَّأ 26 - سَأَلت عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد عَن حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن سَلام الْعَطَّار عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = فِي قَوْله من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا قَالَ الزَّاد وَالرَّاحِلَة قَالَ هَذَا حَدِيث بَاطِل علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير 27 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن حجاج عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس عَن جرير أَن النَّبِي ص = قَالَ من أَقَامَ مَعَ الْمُشْركين فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة قَالَ أبي الْكُوفِيُّونَ سوى حجاج لَا يسندونه ومرسل أشبه 28 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن شَيبَان عَن يُونُس بن ميسرَة بن حَلبس عَن أبي إِدْرِيس عَن عبد الله بن حِوَالَة عَن النَّبِي ص = قَالَ يخندون أجنادا قَالَ هُوَ صَحِيح حسن غَرِيب 29 - سَمِعت أبي وَذكر حَدِيثا رَوَاهُ وهب عَن مخرمَة بن بكير عَن أَبِيه عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ وَفد الله ثَلَاثَة الْغَازِي والحاج والمعتمر قَالَ أبي وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن بِلَال عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن مرداس الجندعي عَن كَعْب قَوْله وَرَوَاهُ عَاصِم عَن أبي صَالح عَن كَعْب قَوْله

المبحث الثالث في الحديث الضعيف

المبحث الثَّالِث فِي الحَدِيث الضَّعِيف قَالَ بعض الْعلمَاء الحَدِيث هُوَ مَا لم يجمع صِفَات الحَدِيث الصَّحِيح وَلَا صِفَات الحَدِيث الْحسن وَقَالَ بَعضهم الأولى فِي حَده أَن يُقَال هُوَ مَا لم يبلغ مرتبَة الْحسن وَلَا يخفى أَن مَا يكون نازلا عَن مرتبَة الْحسن يكون عَن مرتبَة الصَّحِيح أنزل فَلَا احْتِيَاج إِذا إِلَى ذكر الصَّحِيح فِي حَده وَقد قسموا الضَّعِيف إِلَى أَقسَام جعلُوا جعلُوا لبعضها لقبا خَاصّا بِهِ لوُجُود الدَّاعِي إِلَيْهِ وَذَلِكَ كالمرسل والمنقطع والمعضل والمعلل والشاذ والمضطرب وَتركُوا بَعْضهَا غفلا لعدم الدَّاعِي إِلَى ذَلِك وَقد حاول بَعضهم حصر أقسامه فَنظر فِي شُرُوط الْقبُول وَهِي شُرُوط الصَّحِيح وَالْحسن فَوَجَدَهَا سِتَّة وَهِي اتِّصَال السَّنَد حَيْثُ لم ينجبر الْمُرْسل بِمَا يُؤَيّدهُ وعدالة الروَاة والسلامة من كَثْرَة الْخَطَأ والغفلة ومجيء الحَدِيث من وَجه آخر حَيْثُ كَانَ فِي الْإِسْنَاد مَسْتُورا لم تعرف أَهْلِيَّته وَلَيْسَ مُتَّهمًا كثير الْغَلَط والسلامة من الشذوذ والسلامة من الْعلَّة القادحة ثمَّ نظر فِي الضَّعِيف فَرَأى أَن مِنْهُ مَا يفقد شرطا فَقَط وَمِنْه مَا يفقد شرطين وَمِنْه مَا يفقد أَكثر من ذَلِك فَتبين لَهُ بِهَذَا النّظر أَقسَام كَثِيرَة تبلغ فِيمَا ذكره بعض من عني بأمرها اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين قسما

وَقَالَ بعد إيرادها قسما قسما هَذِه أَقسَام الضَّعِيف بِاعْتِبَار الِانْفِرَاد والاجتماع وَقد تركت من الْأَقْسَام الَّتِي يظنّ انقسامه إِلَيْهَا بِحَسب اجْتِمَاع الْأَوْصَاف عدَّة أَقسَام وَهِي اجْتِمَاع الشذوذ وَوُجُود ضَعِيف أَو مَجْهُول أَو مَسْتُور فِي الْإِسْنَاد لِأَنَّهُ لَا يُمكن اجْتِمَاع ذَلِك على الصَّحِيح لِأَن الشذوذ تفرد الثِّقَة فَلَا يُمكن وصف مَا فِيهِ راو ضَعِيف أَو مَجْهُول أَو مَسْتُور بِأَنَّهُ شَاذ وَيُمكن الزِّيَادَة فِي هَذِه الْأَقْسَام وَذَلِكَ بِأَن ينظر إِلَى فقد الْعَدَالَة مثلا فَيجْعَل بِاعْتِبَار مَا يدْخل تَحْتَهُ أنواعا فَإِنَّهُ يَشْمَل مَا يكون بكذب الرَّاوِي أَو تهمته بذلك أَو فسقه أَو بدعته أَو جَهَالَة عينه أَو جَهَالَة حَاله فَإِذا لوحظ كل وَاحِد مِنْهَا على حِدة ولوحظ مثل ذَلِك فِي مثله زَادَت الْأَقْسَام زِيَادَة كَثِيرَة وَقد تصدى بَعضهم لذَلِك غير أَنه أبان أَن تِلْكَ الْأَقْسَام تَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَنْوَاع نوع مِنْهَا لم يتَحَقَّق وجوده وَلَا إِمْكَانه وَنَوع مِنْهَا تحقق إِمْكَانه دون وجوده وَنَوع مِنْهَا قد تحقق إِمْكَانه ووجوده وَقد صرح غير وَاحِد بقلة فَائِدَة هَذَا التَّقْسِيم وَذَلِكَ لِأَن المُرَاد بِهِ إِن كَانَ معرفَة مَرَاتِب الضَّعِيف فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُفِيد ذَلِك فَإِن قيل إِنَّه قد يُفِيد ذَلِك لِأَن هَذَا التَّقْسِيم يعرف بِهِ مَا فقد كل قسم من الشُّرُوط فَإِذا وجدنَا قسمَيْنِ قد فقد أَحدهمَا من الشُّرُوط أَكثر حكمنَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَضْعَف قيل إِن هَذَا الحكم لَا يسوغ على إِطْلَاقه فقد يكون الْأَمر بِالْعَكْسِ وَذَلِكَ كفاقد الصدْق فَإِنَّهُ أَضْعَف مِمَّا سواهُ وَإِن كَانَ فاقدا للشروط الْخَمْسَة الْبَاقِيَة وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ تَخْصِيص كل قسم باسم فالقوم لم يَفْعَلُوا ذَلِك فَإِنَّهُم لم يسموا مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل كَمَا ذكرنَا آنِفا وَلم يتصد الْمقسم نَفسه لذَلِك وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ معرفَة كم قسما يبلغ بالبسط فَهَذِهِ فَائِدَة لَا تستوجب هَذِه النصب وَيُمكن أَن يُقَال فَائِدَة ذَلِك حصر الْأَقْسَام ليبحث عَمَّا وَقع مِنْهَا مِمَّا لم يَقع وَمَعْرِفَة منشأ الضَّعِيف فِي كل قسم

وَأما قَول بَعضهم إِنَّه قد خَاضَ فِي تقسيمه أنَاس لَيْسُوا من أهل هَذَا الشَّأْن فتعبوا وأتعبوا وَلَو قيل لأطولهم يدا فِي ذَلِك ايتنا بمثال مِمَّا لَيْسَ لَهُ لقب خَاص لبقي حائرا فَهُوَ ضَعِيف لِأَن التَّقْسِيم إِذا لم يكن فِيهِ مَا يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ يقبل من أَي مقسم كَانَ وَعدم مَعْرفَته بِبَعْض أَمْثِلَة الْأَقْسَام الَّتِي لم يتَحَقَّق وجودهَا بعد لَا يضرّهُ ويكفيه أَن يَقُول قد قُمْت بِطرف من الْمَسْأَلَة وَهُوَ بَيَان الْأَقْسَام وَبَقِي طرف آخر مِنْهَا تركته لغيري وَهُوَ الْبَحْث فِي أَمْثِلَة كل قسم وَبَيَان مَا وقف عَلَيْهِ مِنْهَا وَقد أفرد ابْن الْجَوْزِيّ عَن الضَّعِيف نوعا آخر سَمَّاهُ المضعف وَهُوَ الَّذِي لم يجمع على ضعفه بل فِيهِ إِمَّا فِي الْمَتْن أَو فِي الْمسند تَضْعِيف لبَعض أهل الحَدِيث وتقوية لآخرين مِنْهُم وَهُوَ أَعلَى مرتبَة من الضَّعِيف الْمجمع عَلَيْهِ وَمحل هَذَا فِيمَا إِذا لم يتَرَجَّح أحد الْأَمريْنِ أَو كَانَ التَّضْعِيف هُوَ الْمُرَجح وَلَا فقد وَقع فِي كتب ملتزمي الصِّحَّة حَتَّى البُخَارِيّ أَشْيَاء من هَذَا الْقَبِيل وَذكر النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن ابْن الصّلاح أَنه قَالَ شَرط مُسلم فِي صَحِيحه أَن يكون الحَدِيث مُتَّصِل الْإِسْنَاد بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة من أَوله إِلَى منتهاه سالما من الشذوذ وَالْعلَّة قَالَ وَهَذَا حد الصَّحِيح فَكل حَدِيث اجْتمعت فِيهِ هَذِه الشُّرُوط فَهُوَ صَحِيح بِلَا خلاف بَين أهل الحَدِيث وَمَا اخْتلفُوا فِي صِحَّته من الْأَحَادِيث فقد يكون سَبَب اخْتلَافهمْ انْتِفَاء شَرط من هَذِه الشُّرُوط أَو بَينهم خلاف فِي اشْتِرَاطه كَمَا إِذا كَانَ بعض الروَاة مَسْتُورا أَو كَانَ الحَدِيث مُرْسلا وَقد يكون سَبَب اخْتلَافهمْ أَنه هَل اجْتمعت فِيهِ هَذِه الشُّرُوط أم انْتَفَى بَعْضهَا وَهُوَ الْأَغْلَب فِي ذَلِك كَمَا إِذا كَانَ الحَدِيث فِي رُوَاته من اخْتلف فِي كَونه من شَرط الصَّحِيح فَإِذا كَانَ الحَدِيث رُوَاته كلهم ثِقَات غير أَن فيهم أَبَا الزبير الْمَكِّيّ مثلا أَو سُهَيْل بن أبي صَالح أَو الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن أَو حَمَّاد بن سَلمَة قَالُوا فِيهِ هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم وَلَيْسَ بِصَحِيح على شَرط البُخَارِيّ لكَون هَؤُلَاءِ عِنْد مُسلم مِمَّن اجْتمعت فيهم الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة وَلم يثبت عِنْد البُخَارِيّ ذَلِك فيهم وَكَذَا حَال البُخَارِيّ فِيمَا خرجه من حَدِيث عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي وَعَمْرو بن مَرْزُوق وَغَيرهم مِمَّن احْتج بهم البُخَارِيّ وَلم يحْتَج بهم مُسلم قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي فِي كِتَابه الْمدْخل فِي معرفَة الْمُسْتَدْرك عدد من أخرج لَهُم البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح وَلم يخرج لَهُم مُسلم أَربع مئة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ شَيخا وَعدد من احْتج بهم مُسلم فِي الْمسند الصَّحِيح وَلم يحْتَج بهم البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح سِتّ مئة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ شَيخا وَأما قَول مُسلم فِي صَحِيحه فِي بَاب صفة رَسُول الله ص = لَيْسَ كل شي صَحِيح عِنْدِي وضعنه هَاهُنَا يَعْنِي فِي كِتَابه هَذَا الصَّحِيح وَإِنَّمَا وضعت هَاهُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ فمشكل فقد وضع فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة مُخْتَلفا فِي صِحَّتهَا لكَونهَا من حَدِيث من ذَكرْنَاهُ وَمن لم نذكرهُ مِمَّن اخْتلفُوا فِي صِحَة حَدِيثه قَالَ الشَّيْخ وَجَوَابه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن مُرَاده أَنه لم يضع فِيهِ إِلَّا مَا وجد عِنْده فِيهِ شُرُوط الصَّحِيح الْمجمع عَلَيْهِ وَإِن لم يظْهر اجتماعها فِي بعض الْأَحَادِيث عِنْد بَعضهم وَالثَّانِي أَنه أَرَادَ أَنه لم يضع فِيهِ مَا اخْتلف الثِّقَات فِيهِ فِي نفس الحَدِيث متْنا أَو إِسْنَادًا وَلم يرد مَا كَانَ اخْتلَافهمْ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ فِي تَوْثِيق بعض رُوَاته وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر من كَلَامه فَإِذا ذكر لما سُئِلَ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَإِذا قَرَأَ فأنصتوا هَل هُوَ صَحِيح فَقَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيح فَقيل لم لم تضعه هَاهُنَا فَأجَاب بالْكلَام الْمَذْكُور

وَمَعَ هَذَا فقد اشْتَمَل كِتَابه على أَحَادِيث اخْتلفُوا فِي إسنادها أَو متنها لصحتها عِنْده وَفِي ذَلِك ذُهُول مِنْهُ عَن هَذَا الشَّرْط أَو سَبَب آخر وَقد استدركت وعللت وَقَالَ بَعضهم أَرَادَ مُسلم بِالْإِجْمَاع فِي قَوْله وَإِنَّمَا وضعت هَاهُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ إِجْمَاع أَرْبَعَة من أَئِمَّة الحَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن معني وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور الخرساني وَذكر النَّوَوِيّ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ أَن مُسلما انتقد عَلَيْهِ رِوَايَته فِي صَحِيحه عَن جمَاعَة من الضُّعَفَاء والمتوسطين الواقعين فِي الدرجَة الثَّانِيَة الَّتِي لَيست من شَرط الصَّحِيح ثمَّ نقل عَن ابْن الصّلاح أَنه أجَاب عَن ذَلِك من أوجه أَحدهمَا أَن يكون ذَلِك فِيمَن هُوَ ضَعِيف عِنْد غَيره ثِقَة عِنْده وَلَا يُقَال إِن الْجرْح مقدم على التَّعْدِيل لِأَن ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ الْجرْح ثَابتا مُفَسّر السَّبَب وَإِلَّا فَلَا يقبل الْجرْح إِذا لم يكن كَذَلِك وَقد قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَغَيره مَا احْتج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد بِهِ من جمَاعَة علم الطعْن فيهم من غَيرهم مَحْمُول على أَنه لم يثبت فيهم الطعْن الْمُؤثر مُفَسّر السَّبَب الثَّانِي أَن يكون ذَلِك وَاقعا فِي المتابعات والشواهد لَا فِي الْأُصُول وَذَلِكَ بِأَن يذكر الحَدِيث أَولا بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات ويجعله أصلا ثمَّ يتبعهُ بِإِسْنَاد آخر أَو أَسَانِيد فِيهَا بعض الضُّعَفَاء على وَجه التَّأْكِيد بالمتابعة أَو لزِيَادَة يُنَبه على فَائِدَة فِيمَا قدمه الثَّالِث أَن يكون ضعف الضَّعِيف الَّذِي احْتج بِهِ طَرَأَ عَلَيْهِ بعد

أَخذه عَنهُ باختلاط حدث عَلَيْهِ غير قَادِح فِيمَا رَوَاهُ من قبل فِي زمن استقامته كَمَا فِي أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب ذكر أَبُو عبد الله الْحَاكِم أَنه اخْتَلَط بعد الْخمسين ومئتين بعد خُرُوج مُسلم من مصر فَهُوَ فِي ذَلِك كسعيد بن أبي عرُوبَة وَعبد الرَّزَّاق وَغَيرهمَا مِمَّن اخْتَلَط آخرا وَلم يمْنَع ذَلِك من صِحَة الِاحْتِجَاج فِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَا أَخذ عَنْهُم قبل ذَلِك الرَّابِع أَن يَعْلُو بالشيخ الضَّعِيف إِسْنَاده وَهُوَ عِنْده من رِوَايَة الثِّقَات نَازل فَيقْتَصر على العالي وَلَا يطول بِإِضَافَة النَّازِل إِلَيْهِ مكتفيا بِمَعْرِِفَة أهل هَذَا الشَّأْن فِي ذَلِك وَذكر فِي مَوضِع آخر مِنْهُ وَهُوَ مِمَّا يُنَاسب مَا نَحن فِيهِ من وَجه أَن مُسلما أَشَارَ فِي مُقَدّمَة صَحِيحه إِلَى أَنه يقسم الْأَحَادِيث ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا رَوَاهُ الْحفاظ المتقنون وَالثَّانِي مَا رَوَاهُ المستورون المتوسطون فِي الْحِفْظ والإتقان وَالثَّالِث مَا رَوَاهُ الضُّعَفَاء والمتروكون وَأَنه إِذا فرغ من الْقسم الأول أتبعه الثَّانِي وَأما الثَّالِث فَلَا يعرج عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي مُرَاده بِهَذَا التَّقْسِيم فَقَالَ الإمامان الحافظان الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَصَاحبه أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ إِن الْمنية قد اخترمت مُسلما قبل إِخْرَاج الْقسم الثَّانِي وَإنَّهُ إِنَّمَا ذكر الْقسم الأول قَالَ القَاضِي عِيَاض وَهَذَا مِمَّا قبله الشُّيُوخ وَالنَّاس من الْحَاكِم وتابعوه عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْأَمر على ذَلِك لمن حقق نظره وَلم يتَقَيَّد بالتقليد فَإنَّك إِذا نظرت تَقْسِيم مُسلم فِي كِتَابه الحَدِيث على ثَلَاث طَبَقَات من النَّاس كَمَا قَالَ فَذكر أَن الْقسم الأول حَدِيث الْحفاظ وَأَنه إِذا انْقَضى هَذَا أتبعه بِأَحَادِيث من لم يُوصف بالحذق والإتقان

مَعَ كَونهم من أهل السّتْر والصدق وتعاطي الْعلم ثمَّ أَشَارَ إِلَى ترك حَدِيث من أجمع الْعلمَاء أَو اتّفق الْأَكْثَر مِنْهُم على تهمته وَبَقِي من اتهمه بَعضهم وزكاه بَعضهم فَلم يذكرهُ هُنَا وَوَجَدته ذكر فِي أَبْوَاب كِتَابه حَدِيث الطبقتين الْأَوليين وأتى بأسانيد الثَّانِيَة مِنْهَا على طَرِيق الإتباع للأولى والاستشهاد أَو حَيْثُ لم يجد فِي الْبَاب للقسم الأول شَيْئا وَذكر أَقْوَامًا تكلم فيهم قوم وزكاهم آخَرُونَ مِمَّن ضعف أَو اتهمَ ببدعة وَكَذَلِكَ فعل البُخَارِيّ فعندي أَنه أَتَى بطبقاته الثَّلَاث فِي كِتَابه على مَا ذكر ورتب فِي مُقَدّمَة كِتَابه وَبَينه فِي تقسيمه وَطرح الرَّابِعَة كَمَا نَص عَلَيْهِ فالحاكم تَأَول أَنه إِنَّمَا أَرَادَ أَن يفرد لكل طبقَة كتابا وَيَأْتِي بأحاديثها خَاصَّة مُفْردَة وَلَيْسَ ذَلِك مُرَاده بل إِنَّمَا أَرَادَ بِمَا ظهر من تأليفه وَبَان من غَرَضه أَن يجمع ذَلِك فِي الْأَبْوَاب وَيَأْتِي بِأَحَادِيث الطبقتين فَيبْدَأ بِالْأولَى ثمَّ يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ على طَرِيق الاستشهاد والإتباع حَتَّى استوفى جَمِيع الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بالطبقات الثَّلَاثَة الْحفاظ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ وَالثَّالِثَة هِيَ الَّتِي اطرحها وَكَذَلِكَ علل الْأَحَادِيث الَّتِي ذكر ووعد أَنه يَأْتِي بهَا قد جَاءَ فِي موَاضعهَا من الْأَبْوَاب من اخْتلَافهمْ فِي الْأَسَانِيد كالإرسال والإسناد وَالزِّيَادَة وَالنَّقْص وَذكر تَصْحِيف المصحفين وَهَذَا يدل على اسْتِيفَائه غَرَضه فِي تأليفه وإدخاله فِي كِتَابه كل مَا وعد بِهِ قَالَ القَاضِي وَقد فاوضت فِي تأويلي هَذَا ورأيي فِيهِ من يفهم هَذَا الْبَاب فَمَا رَأَيْت منصفا لَا صَوبه وَبَان لَهُ مَا ذكرت وَهُوَ ظَاهر لمن تَأمل الْكتاب وطالع مَجْمُوع الْأَبْوَاب وَلَا يعْتَرض على هَذَا بِمَا قَالَه ابْن سُفْيَان صَاحب مُسلم أَن مُسلما أخرج ثَلَاثَة كتب من المسندات أَحدهَا هَذَا الَّذِي قَرَأَهُ على النَّاس وَالثَّانِي يدْخل فِيهِ عِكْرِمَة وَابْن إِسْحَاق صَاحب الْمَغَازِي وأمثالهما وَالثَّالِث يدْخل فِيهِ من الضُّعَفَاء فَإنَّك إِذا

تقسيم الحديث الضعيف إلى أقسامه المشهورة على طريقة المحدثين

تَأَمَّلت مَا ذكر ابْن سُفْيَان لم يُطَابق الْغَرَض الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَاكِم مِمَّا ذكر مُسلم فِي صدر كِتَابه فَتَأَمّله تَجدهُ كَذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى هَذَا آخر كَلَام القَاضِي عِيَاض وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ظَاهر جدا تَقْسِيم الحَدِيث الضَّعِيف إِلَى أقسامه الْمَشْهُورَة على طَريقَة الْمُحدثين وَقد أحببنا أَن نقسم الحَدِيث الضَّعِيف إِلَى أقسامه الْمَشْهُورَة الْمَأْخُوذَة بالاستقراء والتتبع متبعين لآثار الْقَوْم فَإِن ذَلِك أقرب إِلَى الطَّبْع وَأعظم فِي النَّفْع وَقد بَينا فِيمَا سبق أَن الحَدِيث يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ مَقْبُول ومردود وَأَن المقبول هُوَ الصَّحِيح وَالْحسن والمردود هُوَ الضَّعِيف وَبينا شُرُوط الْقبُول وَلَا يخفى أَن معرفَة شُرُوط الْقبُول توجب معرفَة سَبَب الرَّد إِذْ سَبَب الرَّد لَيْسَ إِلَّا فقد شَرط من شُرُوط الْقبُول فَأكْثر وَقد أرجع بَعضهم سَبَب الرَّد إِلَى أَمريْن أَحدهمَا عدم الِاتِّصَال فِي السَّنَد وَالثَّانِي وجود أَمر فِي الرَّاوِي يُوجب طَعنا وَعدم الِاتِّصَال هُوَ سُقُوط راو من الروَاة من السَّنَد وَيُقَال لهَذَا السُّقُوط انْقِطَاع وَلِلْحَدِيثِ الَّذِي سقط من سَنَده راو فَأكْثر الحَدِيث الْمُنْقَطع ويقابله الحَدِيث الْمُتَّصِل وَهُوَ الَّذِي لم يسْقط من سَنَده راو من الروَاة وَيدخل تَحت الْمُنْقَطع بِهَذَا الْمَعْنى الْمُنْقَطع الَّذِي سَيَأْتِي ذكره فَإِذا قسم من أقسامه والأمور الَّتِي يُوجب كل وَاحِد مِنْهَا الطعْن فِي الرَّاوِي عشرَة الْكَذِب والتهمة بِهِ وفحش الْغَلَط والغفلة وَالوهم والمخالفة وَالْفِسْق والجهالة والبدعة وَسُوء الْحِفْظ وَإِذا عرف هَذَا نقُول الحَدِيث الضَّعِيف هُوَ مَا وجد فِيهِ شَيْء مِمَّا يُوجب الرَّد

وَمُوجب الرَّد وَهُوَ بِعَيْنِه مُوجب الضعْف أَمْرَانِ أَحدهمَا سُقُوط راو من الروَاة من إِسْنَاده وَالثَّانِي وجود أَمر فِي الرَّاوِي يُوجب طَعنا فِيهِ فعلى ذَلِك يكون الحَدِيث الضَّعِيف نَوْعَيْنِ أَحدهمَا مَا يكون مُوجب الرَّد فِيهِ سُقُوط راو من الروَاة من سَنَده وَثَانِيهمَا مَا يكون مُوجب الرَّد فِيهِ وجود أَمر فِي الرَّاوِي يُوجب طَعنا فِيهِ أما النَّوْع الأول وَهُوَ الحَدِيث الضَّعِيف الَّذِي يكون مُوجب الرَّد فِيهِ سُقُوط راو من الروَاة من سَنَده فَهُوَ أَرْبَعَة أَقسَام الْمُعَلق والمرسل والمعضل والمنقطع وَذَلِكَ لِأَن السُّقُوط إِمَّا أَن يكون من مبادي السَّنَد أَو من آخِره بعد التَّابِعِيّ أَو من غير ذَلِك فَالْأول الْمُعَلق وَالثَّانِي الْمُرْسل وَالثَّالِث إِن كَانَ السَّاقِط فِيهِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدا مَعَ التوالي فَهُوَ المعضل وَإِلَّا فَهُوَ الْمُنْقَطع فالمعلق هُوَ الحَدِيث الَّذِي سقط من أول سَنَده راو فَأكْثر كَقَوْل البُخَارِيّ قَالَ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي ص = (الله أَحَق أَن يستحيى مِنْهُ) قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَمن صور الْمُعَلق أَن يحذف مِنْهُ جَمِيع السَّنَد وَيُقَال مثلا قَالَ ص = وَمِنْهَا أَن يحذف مِنْهُ إِلَّا الصَّحَابِيّ أَو إِلَّا الصَّحَابِيّ والتابعي مَعًا وَمِنْهَا أَن يحذف من حَدثهُ ويضيفه إِلَى من فَوْقه فَإِن كَانَ من فَوْقه شَيخا لذَلِك المُصَنّف فقد اخْتلف فِيهِ هَل يُسمى تَعْلِيقا أم لَا وَالصَّحِيح فِي هَذَا التَّفْصِيل فَإِذا عرف بِالنَّصِّ أَو الاستقراء أَن فَاعل ذَلِك مُدَلّس قضي بِهِ وَإِلَّا فتعليق وَإِنَّمَا ذكر التَّعْلِيق فِي قسم الْمَرْدُود للْجَهْل بِحَال الْمَحْذُوف وَقد يحكم بِصِحَّتِهِ إِن عرف بِأَن يَجِيء مُسَمّى من وَجه آخر فَإِن قَالَ جمع من أحذفه ثِقَات جَاءَت مَسْأَلَة التَّعْدِيل على الْإِبْهَام وَالْجُمْهُور لَا يقبل حَتَّى يُسمى لَكِن قَالَ ابْن الصّلاح هُنَا إِن وَقع الْحَذف فِي كتاب التزمت صِحَّته كالبخاري فَمَا أَتَى فِيهِ بِالْجَزْمِ حمل

على أَنه ثَبت إِسْنَاده عِنْده وَإِنَّمَا حذف لغَرَض من الْأَغْرَاض وَمَا أَتَى فِيهِ بِغَيْر الْجَزْم فَفِيهِ مقَال وَقد أوضحت أَمْثِلَة ذَلِك فِي النكت على ابْن الصّلاح والمرسل هُوَ الحَدِيث الَّذِي سقط من آخر سَنَده من بعد التَّابِعِيّ وَصورته أَن يَقُول التَّابِعِيّ سَوَاء كَانَ كَبِيرا أَو صَغِيرا قَالَ رَسُول الله ص = كَذَا أَو فعل كَذَا أَو فعل بِحَضْرَتِهِ كَذَا وَنَحْو ذَلِك وَإِنَّمَا ذكر فِي قسم الْمَرْدُود للْجَهْل بِحَال الْمَحْذُوف لاحْتِمَال أَن يكون غير صَحَابِيّ وَإِذا كَانَ ذَلِك احْتمل أَن يكون ضَعِيفا وَإِذا كَانَ ثِقَة احْتمل أَن يكون روى عَن تَابِعِيّ آخر يكون ضَعِيفا وَهَكَذَا وَقد وجد بالاستقراء رِوَايَة سِتَّة أَو سَبْعَة من التَّابِعين بَعضهم عَن بعض وَهَذَا أَكثر مَا وجد فِي هَذَا النَّوْع فَإِن عرف من عَادَة التَّابِعِيّ الَّذِي أرسل الحَدِيث أَنه لَا يُرْسل إِلَّا عَن ثِقَة فمذهب الْجُمْهُور التَّوَقُّف فِيهِ لاحْتِمَال أَن يكون من أرْسلهُ عَنهُ ضَعِيفا عِنْد غَيره وَإِن كَانَ ثِقَة عِنْده فالتوثيق فِي الرجل الْمُبْهم غير كَاف عِنْدهم وَمَعَ ذَلِك فثم احْتِمَال آخر وَإِن كَانَ بَعيدا وَهُوَ أَن يكون الْإِرْسَال فِي ذَلِك الْموضع قد جرى على خلاف عَادَته بِسَبَب مَا وَإِن عرف من عَادَته أَنه يُرْسل عَن الثِّقَات وَغَيرهم لم يقبل مرسله اتِّفَاقًا هَذَا وَلما كَانَ الْمُرْسل مِمَّا عني بأَمْره المؤلفون فِي أصُول الْفِقْه أَو أصُول الحَدِيث أحببنا أَن نفيض فِيهِ هُنَا فَنَقُول ذكر الْعلمَاء فِي حَده ثَلَاثَة أَقْوَال القَوْل الأول وَهُوَ الْمَشْهُور أَن الْمُرْسل مَا رَفعه التَّابِعِيّ إِلَى النَّبِي ص = سَوَاء كَانَ من كبار التَّابِعين كعبيد الله بن عدي بن الْخِيَار وَقيس بن أبي حَازِم وَسَعِيد بن الْمسيب وأمثالهم أَو من صغَار التَّابِعين كالزهري وَأبي حَازِم وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وأشباههم القَوْل الثَّانِي أَنه مَا رَفعه التَّابِعِيّ الْكَبِير إِلَى النَّبِي ص = فعلى هَذَا لَا يُسمى مَا رَفعه صغَار التَّابِعين مُرْسلا وَلَكِن مُنْقَطِعًا قَالَ ابْن الصّلاح قَول

الزُّهْرِيّ وَابْن أبي حَازِم وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وأشباههم من أصاغر التَّابِعين قَالَ رَسُول الله ص = حكى ابْن عبد الْبر أَن قوما لَا يسمونه مُرْسلا بل مُنْقَطِعًا لكَوْنهم لم يلْقوا من الصَّحَابَة إِلَّا الْوَاحِد والاثنين وَأكْثر روايتهم عَن التَّابِعين قلت وَهَذَا الْمَذْهَب فرع لمَذْهَب من لَا يُسَمِّي الْمُنْقَطع قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ مُرْسلا وَالْمَشْهُور التَّسْوِيَة بَين التَّابِعين فِي اسْم الْإِرْسَال كَمَا تقدم قَالَ بعض الْعلمَاء لم أر التَّقْيِيد بالكبير صَرِيحًا فِي كَلَام أحد من الْمُحدثين وَأما تَقْيِيد الشَّافِعِي الْمُرْسل الَّذِي لم يقبل إِذا اعتضد بِأَن يكون من رِوَايَة التَّابِعِيّ الْكَبِير فَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على أَن مَا يرفعهُ التَّابِعِيّ الصَّغِير لَا يُسمى مُرْسلا على أَن الشَّافِعِي قد صرح بِتَسْمِيَة مَا يرفعهُ من دون كبار التَّابِعين مُرْسلا وَذَلِكَ فِي قَوْله وَمن نظر فِي الْعلم بخبرة وَقلة غَفلَة استوحش من مُرْسل كل من دون كبار التَّابِعين بدلائل ظَاهِرَة وَقد اعْترض على ابْن الصّلاح هُنَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا فِي قَوْله قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ فَإِن الصَّوَاب فِي ذَلِك أَن يُقَال قبل الْوُصُول إِلَى الصَّحَابِيّ وَقد تبع فِي ذَلِك الْحَاكِم الثَّانِي فِي إشعاره بِأَن الزُّهْرِيّ لم يلق من الصَّحَابَة إِلَّا الْوَاحِد والاثنين مَعَ أَنه قد لَقِي من الصَّحَابَة ثَلَاثَة عشر فَأكْثر وهم عبد الله بن عمر وَأنس بن مَالك وَسَهل بن سعد وَرَبِيعَة بن عباد وَعبد الله بن جَعْفَر والسائب بن يزِيد وسنين أَبُو جميلَة وَأَبُو الطُّفَيْل ومحمود بن الرّبيع والمسور بن مخرمَة وَعبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر وَلم يسمع من عبد الله بن جَعْفَر بل رَآهُ رُؤْيَة وَقيل إِنَّه سمع من جَابر وَقد سمع من مَحْمُود بن لبيد وَعبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل وثعلبة بن أبي مَالك الْقرظِيّ وهم مُخْتَلف فِي صحبتهم وَأنكر أَحْمد وَيحيى سَمَاعه من أبي عمر وأثبته عَليّ بن الْمَدِينِيّ

القَوْل الثَّالِث أَنه مَا سقط راو من إِسْنَاده فَأكْثر من أَي مَوضِع كَانَ فعلى هَذَا يكون الْمُرْسل والمنقطع بِمَعْنى وَاحِد وَالْمَعْرُوف فِي الْفِقْه وأصوله أَن ذَلِك يُسمى مُرْسلا إِلَّا أَن أَكثر مَا يُوصف بِالْإِرْسَال من حَيْثُ الِاسْتِعْمَال مَا رَوَاهُ التَّابِعِيّ عَن النَّبِي ص = وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب الْمعرفَة إِن الْإِرْسَال مَخْصُوص بالتابعين وَخَالف ذَلِك فِي الدخل فَقَالَ هُوَ قَول التَّابِعِيّ أَو تَابِعِيّ التَّابِعِيّ قَالَ رَسُول الله ص = وَبَينه وَبَين الرَّسُول قرن أَو قرنان وَلَا يذكر سَمَاعه من الَّذِي سَمعه يَعْنِي فِي رِوَايَة أُخْرَى وَقد أطلق الْمُرْسل على الْمُنْقَطع من أَئِمَّة الحَدِيث أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقد صرح البُخَارِيّ فِي حَدِيث لإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ بِأَنَّهُ مُرْسل لكَون إِبْرَاهِيم لم يسمع من أبي سعيد وَصرح هُوَ وَأَبُو دَاوُد فِي حَدِيث العون بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن ابْن مَسْعُود بِأَنَّهُ مُرْسل لكَونه لم يدْرك ابْن مَسْعُود وَأما قَول بعض أهل الْأُصُول الْمُرْسل قَول غير الصَّحَابِيّ قَالَ رَسُول الله ص = فَالْمُرَاد بِهِ مَا سقط مِنْهُ التَّابِعِيّ مَعَ الصَّحَابِيّ أَو مَا سقط مِنْهُ اثْنَان بعد الصَّحَابِيّ وَنَحْو ذَلِك وَلَو حمل على الْإِطْلَاق لزم بطلَان اعْتِبَار الْأَسَانِيد وَترك النّظر فِي أَحْوَال الروَاة وَهُوَ بَين الْفساد وَلذَا خصّه بَعضهم بِأَهْل الْأَعْصَار الأول يَعْنِي الْقُرُون الفاضلة وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي بَيَان الْوَهم وَالْإِيهَام إِن الْإِرْسَال رِوَايَة الرَّاوِي عَمَّن لم يسمع مِنْهُ وَعَلِيهِ فَتكون رِوَايَة من روى عَمَّن سمع مِنْهُ مَا لم يسمع مِنْهُ بِأَن يكون بَينهمَا وَاسِطَة فِيهَا لَيست من قبيل الْإِرْسَال بل من قبيل التَّدْلِيس فَيكون فِي حد الْمُرْسل أَرْبَعَة أَقْوَال وَهَذَا الِاخْتِلَاف يرجع إِلَى اخْتِلَاف فِي الِاصْطِلَاح وَلَا مشاحة فِيهِ

والمرسل اسْم مفعول من قَوْلهم أرسل الحَدِيث إرْسَالًا والإرسال فِي الأَصْل الْإِطْلَاق وَعدم التَّقْيِيد تَقول أرْسلت الطَّائِر إِذا أطلقته وَأرْسلت الْكَلَام إرْسَالًا إِذا أطلقته من غير تَقْيِيد وَسمي هَذَا النَّوْع من الحَدِيث بالمرسل لإِطْلَاق الْإِسْنَاد فِيهِ وَعدم تَقْيِيده براو يعرف وَقد فرق أهل الْأَثر هُنَا بَين الِاسْم وَالْفِعْل عِنْد الْإِطْلَاق نبه على ذَلِك الْحَافِظ ابْن حجر فِي شرح النخبة حَيْثُ قَالَ إِن أهل الِاصْطِلَاح غايروا بَين الْفَرد والغريب من حَيْثُ كَثْرَة الِاسْتِعْمَال وقلته فالفرد أَكثر مَا يطلقونه على الْفَرد الْمُطلق والغريب أَكثر مَا يطلقونه على الْفَرد النسبي وَهَذَا من حَيْثُ إِطْلَاق الاسمية عَلَيْهِمَا وَأما من حَيْثُ استعمالهم الْفِعْل الْمُشْتَقّ فَلَا يفرقون فَيَقُولُونَ فِي الْمُطلق والنسبي تفرد بِهِ فلَان أَو أغرب بِهِ فلَان وَقَرِيب من هَذَا اخْتلَافهمْ فِي الْمُنْقَطع والمرسل هَل هما متغايران أم لَا فَأكْثر الْمُحدثين على التغاير لكنه عِنْد إِطْلَاق الِاسْم وَأما عِنْد اسْتِعْمَال الْفِعْل الْمُشْتَقّ فيستعملون الْإِرْسَال فَقَط فَيَقُولُونَ أرْسلهُ فلَان سَوَاء كَانَ مُرْسلا أم مُنْقَطِعًا وَمن ثمَّ أطلق غير وَاحِد مِمَّن لم يُلَاحظ مَوَاضِع استعمالهم على كثير من الْمُحدثين أَنهم لَا يغايرون بَين الْمُرْسل والمنقطع وَلَيْسَ كَذَلِك لما حررناه وَقل مننبه على النُّكْتَة فِي ذَلِك وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي الِاحْتِجَاج بالمرسل اخْتِلَافا شَدِيدا لَا يَتَّسِع للبحث فِيهِ مثل هَذَا الْكتاب قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ وَقد تلخص فِي ذَلِك عشرَة أَقْوَال يحْتَج بِهِ مُطلقًا لَا يحْتَج بِهِ مُطلقًا يحْتَج بِهِ إِن أرْسلهُ أهل الْقُرُون الثَّلَاثَة يحْتَج بِهِ إِن لم يرو إِلَّا عَن عدل يحْتَج بِهِ إِن أرْسلهُ سعيد فَقَط يحْتَج بِهِ إِن اعتضد يحْتَج بِهِ إِن لم يكن فِي الْبَاب سواهُ هُوَ أقوى من الْمسند يحْتَج بِهِ ندبا لَا وجوبا يحْتَج بِهِ إِن أرْسلهُ صَحَابِيّ

وَنقل عَن القَاضِي أبي بكر أَنه قَالَ لَا أقبل الْمُرْسل وَلَا فِي الْأَمَاكِن الَّتِي قبلهَا الشَّافِعِي حسما للباب بل وَلَا مُرْسل الصَّحَابِيّ إِذا احْتمل سَمَاعه من تَابِعِيّ قَالَ وَالشَّافِعِيّ لَا يُوجب الِاحْتِجَاج بِهِ فِي هَذِه الْأَمَاكِن بل يستحبه كَمَا قَالَ أستحب قبُوله وَلَا أَسْتَطِيع أَن أَقُول الْحجَّة تثبت بِهِ ثُبُوتهَا بالمتصل وَقَالَ غَيره فَائِدَة ذَلِك أَنه لَو عَارضه مُتَّصِل قدم عَلَيْهِ وَلَو كَانَ حجَّة مُطلقًا تَعَارضا لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ مُرَاد الشَّافِعِي بقوله أستحب أخْتَار هَذَا والْحَدِيث الْمُرْسل ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ عِنْد جُمْهُور الْمُحدثين وَكثير من الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب الْأُصُول وَالنَّظَر وَذَلِكَ للْجَهْل بِحَال السَّاقِط من السَّنَد فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون غير صَحَابِيّ وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيحْتَمل أَن يكون ضَعِيفا وَإِن اتّفق أَن يكون الْمُرْسل لَا يروي إِ لَا عَن ثِقَة فالتوثيق مَعَ الْإِبْهَام غير كَاف وَقَالَ بعض الْأَئِمَّة الحَدِيث الْمُرْسل صَحِيح يحْتَج بِهِ وَقيد ابْن عبد الْبر ذَلِك بِمَا إِذا لم يكن مرسله مِمَّن لَا يحْتَرز وَيُرْسل عَن غير الثِّقَات فَإِن كَانَ فَلَا خلاف فِي رده وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي رسَالَته إِلَى أهل مَكَّة وَأما الْمَرَاسِيل فقد كَانَ يحْتَج بهَا الْعلمَاء فِيمَا مضى مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فتلكم فِيهَا وَتَابعه على ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره فَإِذا لم يكن مُسْند غير الْمَرَاسِيل وَلم يُوجد الْمسند فالمرسل يحْتَج بِهِ وَلَيْسَ هُوَ مثل الْمُتَّصِل فِي الْقُوَّة وَقَالَ ابْن جرير أجمع التابعون بأسرهم على قبُول الْمُرْسل وَلم يَأْتِ عَنْهُم إِنْكَاره وَلَا عَن أحد من الْأَئِمَّة بعدهمْ إِلَى رَأس المئتين قَالَ ابْن عبد الْبر كَأَنَّهُ يَعْنِي أَن الشَّافِعِي أول من رده وَقد انتقد بَعضهم قَول من قَالَ إِن الشَّافِعِي أول من ترك الِاحْتِجَاج بالمرسل فقد نقل ترك الِاحْتِجَاج عَن سعيد بن الْمسيب وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَلم ينْفَرد هُوَ بذلك بل قَالَ بِهِ من بَينهم ابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ وَقد أخرج مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ لم يَكُونُوا يسْأَلُون عَن الْإِسْنَاد فَلَمَّا وَقعت الْفِتْنَة قيل سموا لنا رجالكم فَينْظر إِلَى أهل السّنة فَيُؤْخَذ حَدِيثهمْ وَينظر إِلَى أهل الْبدع فَلَا يُؤْخَذ حَدِيثهمْ وَقد ترك الِاحْتِجَاج بالمرسل ابْن مهْدي وَيحيى الْقطَّان وَغير وَاحِد مِمَّن قبل الشَّافِعِي وَالَّذِي يُمكن نسبته إِلَى الشَّافِعِي فِي أَمر الْمُرْسل هُوَ زِيَادَة الْبَحْث عَنهُ وَالتَّحْقِيق فِيهِ وَقد روى الشَّافِعِي عَن عَمه قَالَ حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَنه قَالَ إِنِّي لأسْمع الحَدِيث أستحسنه فَمَا يَمْنعنِي من ذكره إِلَّا كَرَاهِيَة أَن يسمعهُ سامع فيقتدي بِهِ وَذَلِكَ أَنِّي أسمعهُ من الرجل لَا أَثِق بِهِ قد حدث بِهِ عَمَّن أَثِق بِهِ أَو أسمعهُ من رجل أَثِق بِهِ قد حدث بِهِ عَمَّن لَا أَثِق بِهِ وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْن عبد الْبر يدل على أَن ذَلِك الزَّمَان كَانَ يحدث فِيهِ الثِّقَة وَغَيره وَأخرج الْعقيلِيّ من حَدِيث ابْن عون قَالَ ذكر أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ لمُحَمد بن سِيرِين حَدِيثا عَن أبي قلَابَة فَقَالَ أَبُو قلَابَة رجل صَالح وَلَكِن عَمَّن ذكره أَبُو قلَابَة وَأخرج فِي الْحِلْية من طَرِيق ابْن مهْدي عَن ابْن لَهِيعَة أَنه سمع شَيخا من الْخَوَارِج يَقُول بَعْدَمَا تَابَ إِن هَذِه الْأَحَادِيث دين فانظروا عَمَّن تأخذون دينكُمْ فَإنَّا كُنَّا إِذا هوينا أمرا صيرنا لَهُ حَدِيثا قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر هَذِه وَالله قاصمة الظّهْر للمحتجين بالمرسل إِذْ بِدعَة الْخَوَارِج كَانَت فِي مبدأ الْإِسْلَام وَالصَّحَابَة متوافرون ثمَّ فِي عصر التَّابِعين فَمن بعدهمْ وَهَؤُلَاء إِذا استحسنوا أمرا جَعَلُوهُ حَدِيثا وأشاعوه فَرُبمَا سمع الرجل الشَّيْء فَحدث بِهِ وَلم يذكر من حَدثهُ بِهِ تحسينا للظن فيحمله عَنهُ غَيره وَيَجِيء الَّذِي يحْتَج بالمنقطعات فيحتج بِهِ مَعَ كَون أَصله مَا ذكرت

وَأما مَرَاسِيل الصَّحَابَة فَحكمهَا حكم الْمَوْصُول على الْمَشْهُور الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور قَالَ ابْن الصّلاح ثمَّ إِنَّا لم نعد فِي أَنْوَاع الْمُرْسل وَنَحْوه مَا يُسمى فِي أصُول الْفِقْه مُرْسل الصَّحَابِيّ مثل مَا يرويهِ ابْن عَبَّاس وَغَيره من أَحْدَاث الصَّحَابَة عَن النَّبِي ص = وَلم يسمعوه مِنْهُ لِأَن ذَلِك فِي حكم الْمَوْصُول الْمسند لِأَن روايتهم عَن الصَّحَابَة والجهالة بالصحابي غير قادحة لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ وَفِي قَوْله لِأَن روايتهم عَن الصَّحَابَة نظر وَالصَّوَاب أَن يُقَال لِأَن غَالب روايتهم إِذْ قد سمع جمَاعَة من الصَّحَابَة من بعض التَّابِعين وَسَيَأْتِي فِي كَلَام ابْن الصّلاح فِي رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر أَن ابْن عَبَّاس وَبَقِيَّة العبادلة رووا عَن كَعْب الْأَحْبَار وَهُوَ من التَّابِعين وروى كَعْب أَيْضا عَن التَّابِعين وَلم يذكر ابْن الصّلاح خلافًا فِي مُرْسل الصَّحَابِيّ وَفِي بعض كتب الْأُصُول أَنه لَا خلاف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَيْسَ بجيد فقد قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرائيني إِنَّه لَا يحْتَج بِهِ وَالصَّوَاب مَا تقدم وَنقل القَاضِي عبد الْجَبَّار عَن الشَّافِعِي أَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = كَذَا قبل إِلَّا إِن علم أَنه أرْسلهُ وَكَذَا نَقله ابْن بطال فِي شرح البُخَارِيّ وَهَذَا خلاف الْمَشْهُور من مذْهبه فقد ذكر ابْن برهَان فِي الْوَجِيز أَن مذْهبه فِي الْمَرَاسِيل أَنه لَا يجوز الِاحْتِجَاج بهَا إِلَّا مَرَاسِيل الصَّحَابَة ومراسيل سعيد وَمَا انْعَقَد الْإِجْمَاع على الْعَمَل بِهِ وَأما مَرَاسِيل من أحضر إِلَى النَّبِي ص = غير مُمَيّز كعبيد الله بن عدي بن الْخِيَار فَلَا يُمكن أَن يُقَال إِنَّهَا مَقْبُولَة كمراسيل الصَّحَابَة لِأَن رِوَايَة الصَّحَابَة إِمَّا أَن تكون عَن النَّبِي ص = أَو عَن صَحَابِيّ وَالْكل مَقْبُول وَاحْتِمَال كَون الصَّحَابِيّ الَّذِي أدْرك وَسمع يروي عَن التَّابِعين بعيد بِخِلَاف مَرَاسِيل هَؤُلَاءِ فَإِنَّهَا عَن التَّابِعين بِكَثْرَة فقوي احْتِمَال أَن يكون السَّاقِط غير صَحَابِيّ وَجَاء احْتِمَال كَونه غير ثِقَة

وَقد تكلم الْعلمَاء فِي عدَّة الْأَحَادِيث الَّتِي صرح ابْن عَبَّاس بسماعها من النَّبِي ص = فَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى إِنَّهَا أَرْبَعَة وَهُوَ قَول غَرِيب وَقد قَلّدهُ فِي ذَلِك جمَاعَة وَعَن يحيى الْقطَّان وَيحيى بن معِين وَأبي دَاوُد صَاحب السّنَن أَنَّهَا تِسْعَة وَذكر بعض الْمُتَأَخِّرين أَنَّهَا دون الْعشْرين لَكِن من طرق صِحَاح وَقد اعتنى الْحَافِظ ابْن حجر بِجمع الصِّحَاح والحسان مِنْهَا فزادت عِنْده على الْأَرْبَعين وَهَذَا سوى مَا هُوَ فِي حكم السماع كحكاية حُضُور فعل أَمر بِحَضْرَة النَّبِي ص = وَقد عقد ابْن حزم فِي كتاب الإحكام فصلا يتَعَلَّق بالمرسل فَقَالَ فِيهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْمُرْسل من الحَدِيث هُوَ الَّذِي سقط بَين أحد رُوَاته وَبَين النَّبِي ص = ناقل وَاحِد فَصَاعِدا وَهُوَ الْمُنْقَطع أَيْضا وَهُوَ غير مَقْبُول وَلَا تقوم بِهِ حجَّة لِأَنَّهُ عَن مَجْهُول وَقد قدمنَا أَن من جهلنا حَاله فَفرض علينا التَّوَقُّف عَن قبُول خَبره وَعَن قبُول شَهَادَته حَتَّى نعلم حَاله وَسَوَاء قَالَ الرَّاوِي حَدثنَا الثِّقَة أَو لم يقل لَا يجب أَن نلتفت إِلَى ذَلِك إِذْ قد يكون عِنْده ثِقَة من لَا يعلم من جرحته مَا يعلم غَيره وَقد قدمنَا أَن الْجرْح أولى من التَّعْدِيل وَقد وثق سُفْيَان الثَّوْريّ جَابِرا الْجعْفِيّ وَجَابِر قد عرف من حَاله مَا عرف وَلَكِن قد خَفِي أمره على سُفْيَان فَقَالَ بِمَا ظهر مِنْهُ إِلَيْهِ ومرسل سعيد بن الْمسيب ومرسل الْحسن الْبَصْرِيّ وَغَيرهمَا سَوَاء لَا يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْء وَقد ادّعى بعض من لَا يحصل مَا يَقُول أَن الْحسن الْبَصْرِيّ كَانَ إِذا حَدثهُ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَة من الصَّحَابَة أرْسلهُ قَالَ فَهُوَ أقوى من الْمسند قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقَائِل هَذَا أترك خلق الله لمرسل الْحسن وحسبك بِالْمَرْءِ سقوطا أَن يضعف قولا يَعْتَقِدهُ وَيعْمل بِهِ وَيُقَوِّي قولا يتْركهُ ويرفضه

وَقد كذب على رَسُول الله ص = وَهُوَ حَيّ وَقد كَانَ فِي عصر الصَّحَابَة مُنَافِقُونَ ومرتدون فَلَا يقبل حَدِيث قَالَ رَاوِيه فِيهِ عَن رجل من الصَّحَابَة أَو حَدثنِي من صحب رَسُول الله حَتَّى يُسَمِّيه وَيكون مَعْلُوما بِالصِّحَّةِ الفاضلة قَالَ الله عز وَجل {وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ من الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ وَمن أهل الْمَدِينَة مَرَدُوا على النِّفَاق لَا تعلمهمْ نَحن نعلمهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ ثمَّ يردون إِلَى عَذَاب عَظِيم} وَقد ارْتَدَّ قوم مِمَّن صحب النَّبِي ص = كعيينة بن حصن والأشعث بن قيس وَعبد الله بن أبي سرح ولقاء التَّابِع لرجل من أصاغر الصَّحَابَة شرف وفخر عَظِيم فَأَي معنى يسكت عَن تَسْمِيَته لَو كَانَ مِمَّن حمدت صحبته وَلَا يَخْلُو سُكُوته من أحد وَجْهَيْن أَنه لم يعرف من هُوَ وَلَا عرف صِحَة دَعْوَاهُ الصُّحْبَة أَو لِأَنَّهُ كَانَ من بعض من ذكرنَا حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف عَن أَحْمد بن فتح عَن عبد الْوَهَّاب بن عِيسَى عَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن أَحْمد بن عَليّ عَن مُسلم بن الْحجَّاج حَدثنَا يحيى بن يحيى أَنبأَنَا خَالِد بن عبد الله عَن عبد الْملك عَن عبد الله مولى أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق وَكَانَ خَال ولد عَطاء قَالَ أرسلتني أَسمَاء إِلَى عبد الله بن عمر فَقَالَت بَلغنِي أَنَّك تحرم أَشْيَاء ثَلَاثَة الْعلم فِي الثَّوْب وميثرة الأرجوان وَصَوْم رَجَب كُله فَأنْكر ابْن عمر أَن يكون حرم شَيْئا من ذَلِك فَهَذِهِ أَسمَاء وَهِي صَاحِبَة من قدماء الصَّحَابَة وَذَوَات الْفضل مِنْهُم قد حدثها بِالْكَذِبِ من شغل بالها حَدِيثه عَن ابْن عمر حَتَّى استبرأت ذَلِك فصح كذب ذَلِك الْمخبر فَوَاجِب على كل أحد أَن لَا يقبل إِلَّا من عرف اسْمه وَعرفت عَدَالَته وَحفظه قَالَ أَبُو مُحَمَّد والمخالفون لنا فِي قبُول الْمُرْسل هم أترك خلق الله للمرسل إِذا خَالف مَذْهَب صَاحبه ورأيه وَلَو تتبعنا مَا تركُوا من الْأَحَادِيث الْمُرْسلَة لبلغ ذَلِك

أَزِيد من أَلفَيْنِ وَإِنَّمَا أوقعهم فِي الْأَخْذ بالمرسل أَنهم تعلقوا بِأَحَادِيث مرسلات فِي بعض مسائلهم فَقَالُوا فِيهَا بِالْأَخْذِ بالمرسل ثمَّ تَرَكُوهُ فِي غير تِلْكَ الْمسَائِل وَإِنَّمَا غَرَض الْقَوْم نصر الْمَسْأَلَة الْحَاضِرَة بِمَا أمكن من بَاطِل أَو حق وَلَا يبالون بِأَن يهدموا من ذَلِك ألف مَسْأَلَة لَهُم ثمَّ لَا يبالون بعد ذَلِك بِإِبْطَال مَا صححوه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا أخذُوا فِي الْكَلَام فِي أُخْرَى فَمَا أحد ينصح نَفسه يَثِق بِحَدِيث مُرْسل أصلا وَقَالَ بعض الْحفاظ مِمَّن ينحو نَحْو ابْن حزم فِي عدم التقيد بقول من الْأَقْوَال قد تنَازع النَّاس فِي قبُول الْمَرَاسِيل وَفِي ردهَا وَأَصَح الْأَقْوَال أَن مِنْهَا المقبول وَمِنْهَا الْمَرْدُود وَمِنْهَا الْمَوْقُوف فَمن علم من حَاله أَنه لَا يُرْسل إِلَّا عَن ثِقَة قبل مرسله وَمن عرف أَنه يُرْسل عَن الثِّقَة وَغير الثِّقَة كَانَ إرْسَاله رِوَايَة عَمَّن لَا يعرف حَاله فَهَذَا مَوْقُوف وَمَا كَانَ من الْمَرَاسِيل مُخَالفا لما رَوَاهُ الثِّقَات كَانَ مردودا وَإِذا كَانَ الْمُرْسل قد ورد من وَجْهَيْن وَكَانَ كل من الروايين قد أَخذ الْعلم عَن غير شُيُوخ الآخر فَهَذَا يدل على صدقه فَإِن من أخبر بِمثل مَا أخبر بِهِ الآخر مَعَ الْعلم بِأَن وَاحِدًا مِنْهُمَا لم يستفد ذَلِك من الآخر فَإِنَّهُ يعلم أَن الْأَمر كَذَلِك ولنختم هَذَا المبحث بِكَلَام الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ إِمَام الْكَلَام روى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن شَيْخه الْحَاكِم عَن الْأَصَم عَن الرّبيع عَنهُ أَنه قَالَ الْمُنْقَطع مُخْتَلف فَمن شَاهد أَصْحَاب رَسُول الله ص = من التَّابِعين فَحدث حَدِيثا مُنْقَطِعًا عَن النَّبِي ص = اعْتبر عَلَيْهِ بِأُمُور مِنْهَا أَن ينظر إِلَى مَا أرسل من الحَدِيث فَإِن شركه فِيهِ الْحفاظ المأمونون فَأَسْنَدُوهُ إِلَى رَسُول الله ص = بِمثل معنى مَا روى كَانَت هَذِه دلَالَة على صِحَة مَا قبل عَنهُ وَحفظه وَإِن انْفَرد بِإِسْنَاد حَدِيث لم يشركهُ فِيهِ من يسْندهُ قبل مَا ينْفَرد بِهِ من ذَلِك

وَيعْتَبر عَلَيْهِ بِأَن ينظر هَل يُوَافقهُ مُرْسل غَيره مِمَّن قبل الْعلم عَنهُ من غير رِجَاله الَّذين قبل عَنْهُم فَإِن وجد ذَلِك كَانَت دلَالَة تقَوِّي لَهُ مرسله وَهِي أَضْعَف من الأولى وَإِن لم يُوجد ذَلِك نظر إِلَى بعض مَا يرْوى عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي ص = قولا لَهُ فَإِن وجد يُوَافق مَا روى عَن النَّبِي ص = كَانَت فِي هَذَا دلَالَة على أَنه لم يَأْخُذ مرسله إِلَّا عَن أصل إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ إِن وجد عوام من أهل الْعلم يفتون بِمثل معنى مَا روى عَن النَّبِي ص = ثمَّ يعْتَبر عَلَيْهِ بِأَن يكون إِذا سمى من روى عَنهُ لم يسم مَجْهُولا وَلَا مرغوبا عَن الرِّوَايَة عَنهُ فيستدل بذلك على صِحَّته فِيمَا يروي عَنهُ وَيكون إِذا شرك أحدا من الْحفاظ فِي حَدِيث لم يُخَالِفهُ فَإِن خَالفه وَوجد أنقص كَانَت فِي هَذِه دَلَائِل على صِحَة مخرج حَدِيثه وَمَتى خَالف مَا وصفت أضرّ بحَديثه حَتَّى لَا يسع أحدا مِنْهُم قبُول مرسله قَالَ وَإِن وجدت الدَّلَائِل لصِحَّة حَدِيثه بِمَا وصفت أحببنا أَن نقبل مرسله أَرَادَ بِهِ اخترنا وَلَا نستطيع أَن نزعم أالحجة تثبت بِهِ ثُبُوتهَا بالمتصل وَذَلِكَ أَن معنى الْمُنْقَطع مغيب يحْتَمل أَن يكون حمل عَمَّن يرغب عَن الرِّوَايَة عَنهُ إِذا سمي وَأَن بعض المنقطعات وَإِن وَافقه مُرْسل مثله فقد يحْتَمل أَن يكون مخرجهما وَاحِدًا من حَدِيث من لَو سمي لم يقبل وَإِن قَول بعض أَصْحَاب رَسُول الله ص = إِذا قَالَ بِرَأْيهِ لَو وَافقه لم يدل على صِحَة مخرج الحَدِيث دلَالَة قَوِيَّة إِذا نظر فِيهَا وَيُمكن أَن يكون إِنَّمَا غلط بِهِ حِين سمع قَول بعض أَصْحَاب رَسُول الله يُوَافقهُ وَيحْتَمل مثل هَذَا فَمن وَافقه من بعض الْفُقَهَاء قَالَ فَأَما من بعد كبار التَّابِعين الَّذين كثرت مشاهدتهم لبَعض أَصْحَاب النَّبِي ص = فَلَا أعلم أحدا مِنْهُم يقبل مرسله لأمور أَحدهَا أَنهم أَشد

تجوزا فِيمَن يروون عَنهُ وَالْآخر أَنهم تُوجد عَلَيْهِم الدَّلَائِل فِيمَا أرْسلُوا بِضعْف مخرجه وَالْآخر كَثْرَة الإحالة فِي الْأَخْبَار وَإِذا كثرت الإحالة كَانَ أمكن للوهم وَضعف من يقبل عَنهُ ثمَّ إِن السُّقُوط من السَّنَد قد يكون وَاضحا يشْتَرك فِي مَعْرفَته كَثِيرُونَ من أهل الْفَنّ وَلَا يخفى عَلَيْهِم وَذَلِكَ فِي مثل مَا إِذا كَانَ الرَّاوِي لم يعاصر من روى عَنهُ وَقد يكون خفِيا لَا يُدْرِكهُ إِلَّا الْأَئِمَّة الحذاق المطلعون على طرق الْأَحَادِيث وَعلل الْأَسَانِيد وَالْأول يدْرك بِمَعْرِِفَة التَّارِيخ لتَضَمّنه التَّعْرِيف بأوقات مواليد الروَاة ووفياتهم وطلبهم وارتحالهم وَغير ذَلِك وَقد ادّعى أنَاس الرِّوَايَة عَن شُيُوخ أظهر التَّارِيخ كذب دَعوَاهُم فِيهَا وَلذَا عني المحدثون بالتاريخ كثيرا وَيُقَال للإسناد الَّذِي يكون السُّقُوط فِيهِ وَاضحا الْمُرْسل الْجَلِيّ وللإسناد الَّذِي يكون السُّقُوط فِيهِ خفِيا المدلس بِالْفَتْح إِن كَانَ الْإِسْقَاط صادرا مِمَّن عرف لقاؤه لمن روى عَنهُ والمرسل الْخَفي إِن كَانَ الْإِسْقَاط صادرا مِمَّن عرف معاصرته لَهُ وَلم يعرف إِنَّه لقِيه وَهَذَا على قَول من فرق بَينهمَا وجعلهما متباينين وَأما من جعل الْمُرْسل الْخَفي دَاخِلا فِي المدلس فَإِنَّهُ يعرف المدلس بِأَنَّهُ هُوَ الْإِسْنَاد الَّذِي يكون السُّقُوط فِيهِ خفِيا وَيُقَال لهَذَا النَّوْع من التَّدْلِيس تَدْلِيس الْإِسْنَاد وَثمّ نوع آخر يُقَال لَهُ تَدْلِيس الشُّيُوخ أما تَدْلِيس الْإِسْنَاد فَهُوَ أَن يسْقط اسْم شَيْخه الَّذِي روى عَنهُ ويرتقي إِلَى من فَوْقه فيسند ذَلِك إِلَيْهِ بِلَفْظ غير مُقْتَض للاتصال وَلكنه متوهم لَهُ كَقَوْلِه عَن فلَان أَو أَن فلَانا أَو قَالَ فلَان موهما بذلك أَنه سَمعه مِمَّن رَوَاهُ عَنهُ وَإِنَّمَا يكون تدليسا إِذا كَانَ المدلس قد عاصر الْمَرْوِيّ عَنهُ أَو لقِيه وَلم يسمع

مِنْهُ أَو سمع مِنْهُ وَلم يسمع مِنْهُ ذَلِك الحَدِيث الَّذِي دلسه عَنهُ أما إِذا روى عَمَّن لم يُدْرِكهُ بِلَفْظ موهم فَإِن ذَلِك لَيْسَ بتدليس على الصَّحِيح الْمَشْهُور وَحكى ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن قوم أَنه تَدْلِيس فَجعلُوا التَّدْلِيس أَن يحدث الرجل عَن الرجل بِمَا لم يسمعهُ مِنْهُ بِلَفْظ لَا يَقْتَضِي تَصْرِيحًا بِالسَّمَاعِ قَالَ وعَلى هَذَا فَمَا سلم من التَّدْلِيس أحد وَقد أَكثر الْعلمَاء من ذمّ التَّدْلِيس والتنفير مِنْهُ والزجر عَنهُ قَالَ شُعْبَة التَّدْلِيس أَخُو الْكَذِب وَقَالَ وَكِيع الثَّوْب لَا يحل تدليسه فَكيف الحَدِيث وَقَالَ بَعضهم المدلس دَاخل فِي قَول النَّبِي ص = من غَشنَا فَلَيْسَ منا لِأَنَّهُ يُوهم السامعين أَنه حَدِيثه مُتَّصِل وَفِيه انْقِطَاع هَذَا إِن دلّس عَن ثِقَة فَإِن كَانَ ضَعِيفا فقد خَان الله وَرَسُوله وَهُوَ كَمَا قَالَ بعض الْأَئِمَّة حرَام إِجْمَاعًا وَقد اخْتلف فِي قبُول رِوَايَة من عرف بالتدليس فَقَالَ فريق من أهل الحَدِيث وَالْفُقَهَاء لَا تقبل رِوَايَة المدلس بِحَال بَين السماع أَو لم يبين والتدليس مِمَّا يَقْتَضِي الْجرْح عِنْدهم وَالْمَشْهُور التَّفْصِيل وَهُوَ أَن مَا رَوَاهُ المدلس بِلَفْظ مُحْتَمل لم يبين فِيهِ السماع والاتصال فَحكمه حكم الْمُرْسل وأنواعه وَمَا رَوَاهُ بِلَفْظ يبين الِاتِّصَال نَحْو سَمِعت وَحدثنَا وَأخْبرنَا وأشباهها فَهُوَ مَقْبُول مُحْتَج بِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من الْكتب الْمُعْتَبرَة من حَدِيث هَذَا الضَّرْب كثير جدا كقتادة وَالْأَعْمَش والسفيانين وهشيم بن بشير وَغَيرهم وَهَذَا لِأَن التَّدْلِيس لَيْسَ كذبا وَإِنَّمَا هُوَ ضرب من الْإِيهَام بِلَفْظ مُحْتَمل وَالْحكم أَنه لَا يقبل من المدلس حَتَّى يبين وَأما تَدْلِيس الشُّيُوخ فَهُوَ أَن يروي عَن شيخ حَدِيثا سَمعه مِنْهُ فيسميه أَو يكنيه أَو ينْسبهُ أَو يصفه بِمَا لَا يعرف بِهِ كي لَا يعرف

ومثاله قَول أبي بكر بن مُجَاهِد أحد أَئِمَّة الْقُرَّاء حَدثنَا عبد الله بن أبي عبد الله يُرِيد بِهِ عبد الله بن أبي دَاوُد السجسْتانِي وَفِيه تَضْييع للمروي عَنهُ وتوعير لطريق مَعْرفَته على من يطْلب الْوُقُوف على حَاله وأهليته وَهُوَ مَكْرُوه وتختلف الْحَال فِي كَرَاهَة ذَلِك باخْتلَاف الْغَرَض الْحَامِل عَلَيْهِ فقد يحملهُ على ذَلِك كَون شَيْخه الَّذِي غير سمته غير ثِقَة أَو كَونه مُتَأَخّر الْوَفَاة قد شَاركهُ فِي السماع مِنْهُ من هُوَ دونه أَو كَونه أَصْغَر سنا من الرَّاوِي عَنهُ أَو كَونه كثير الرِّوَايَة عَنهُ فيحب إيهاما لِكَثْرَة الشُّيُوخ أَن يعرفهُ فِي مَوضِع بِصفة وَفِي مَوضِع آخر بِصفة أُخْرَى ليوهم أَنه غَيره وَقد كَانَ الْخَطِيب لهجا بذلك فِي تصانيفه قَالَ ابْن الصّباغ فِي الْعدة من فعل ذَلِك لكَون من روى عَنهُ غير ثِقَة عِنْد النَّاس وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يُغير اسْمه ليقبلوا خَبره يجب أَن لَا يقبل خَبره وَإِن كَانَ هُوَ يعْتَقد فِيهِ الثِّقَة فقد يغلط فِي ذَلِك لجَوَاز أَن يعرف غَيره من جرحه مَا لَا يعرفهُ هُوَ وَإِن كَانَ لصِغَر سنه فَيكون ذَلِك رِوَايَة عَن مَجْهُول فَلَا يجب قبُول خَبره حَتَّى يعرف من روى عَنهُ وَأما تَدْلِيس التَّسْوِيَة فَإِنَّهُ دَاخل فِي تَدْلِيس الْإِسْنَاد وَجعله بَعضهم قسما مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ فقسم التَّدْلِيس إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام تَدْلِيس الْإِسْنَاد وتدليس الشُّيُوخ وتدليس التَّسْوِيَة وَأما تَدْلِيس التَّسْوِيَة هُوَ أَن يسْقط ضَعِيفا بَين ثقتين وَصورته أَن يروي حَدِيثا عَن شيخ ثِقَة وَذَلِكَ الثِّقَة يرويهِ عَن ضَعِيف عَن ثِقَة فَيَأْتِي المدلس الَّذِي سمع الحَدِيث من الثِّقَة الأول فَيسْقط الضَّعِيف الَّذِي فِي السَّنَد وَيجْعَل الحَدِيث عَن شَيْخه الثِّقَة عَن الثِّقَة الثَّانِي بِلَفْظ مُحْتَمل فَيصير السَّنَد كُله ثِقَات

وَهَذَا شَرّ أَقسَام التَّدْلِيس لِأَن فَاعل ذَلِك قد لَا يكون مَعْرُوفا بالتدليس ويجده الْوَاقِف على السَّنَد كَذَلِك بعد التَّسْوِيَة قد رَوَاهُ عَن ثِقَة آخر فَيحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ وَفِي ذَلِك من التَّدْلِيس فِي الحَدِيث مَا لَا يخفى وَهُوَ قَادِح فِيمَن فعله عمدا وَقد سمى ابْن الْقطَّان هَذَا النَّوْع بالتسوية بِدُونِ لفظ التَّدْلِيس فَيَقُول سواهُ فلَان وَهَذِه تَسْوِيَة والقدماء يسمونه تجويدا فَيَقُولُونَ جوده فلَان أَي ذكر من فِيهِ من الْجِيَاد وَترك غَيرهم وَقَالَ بعض الْعلمَاء التَّحْقِيق أَن يُقَال مَتى قيل تَدْلِيس التَّسْوِيَة فَلَا يَد أَن يكون كل من الثِّقَات الَّذين حذفت بَينهم الوسائط فِي ذَلِك الْإِسْنَاد قد اجْتمع بشيخ شَيْخه وَإِن قيل تَسْوِيَة بِدُونِ تَدْلِيس لم يحْتَج إِلَى اجْتِمَاع أحد مِنْهُم بِمن فَوْقه وَقد وَقع فِي هَذَا بعض الْأَئِمَّة فَإِنَّهُ روى عَن ثَوْر عَن ابْن عَبَّاس وثور لم يلقه وَإِنَّمَا روى عَن عِكْرِمَة عَنهُ فأسقط عِكْرِمَة لِأَنَّهُ غير حجَّة عِنْده وَأما الْمُرْسل الْخَفي فَهُوَ مَا كَانَ الْإِسْقَاط فِيهِ صادرا مِمَّن عرف معاصرته لمن روى عَنهُ وَلم يعرف لقاؤه لَهُ وَقد عرفت أَن بعض الْعلمَاء يفرق بَينه وَبَين المدلس وَبَعْضهمْ يَجعله دَاخِلا فِيهِ وَمِمَّنْ فرق بَينهمَا الْحَافِظ ابْن حجر حَيْثُ قَالَ وَالْفرق بَين المدلس والمرسل الْخَفي دَقِيق حصل تحريره بِمَا ذكر هُنَا وَهُوَ أَن التَّدْلِيس يخْتَص بِمن روى عَمَّن عرف لقاؤه إِيَّاه فَأَما إِن عاصره وَلم يعرف أَنه لقِيه فَهُوَ الْمُرْسل الْخَفي وَمن أَدخل فِي تَعْرِيف التَّدْلِيس المعاصرة وَلَو بِغَيْر لَقِي لزمَه دُخُول الْمُرْسل الْخَفي فِي تَعْرِيفه وَالصَّوَاب التَّفْرِقَة بَينهمَا وَيدل على أَن اعْتِبَار اللقي فِي التَّدْلِيس دون المعاصرة وَحدهَا إطباق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ على أَن رِوَايَة المخضرمين كَأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ وَقيس بن أبي حَازِم عَن النَّبِي ص = من قبيل الْإِرْسَال لَا من قبيل التَّدْلِيس وَلَو كَانَ مُجَرّد المعاصرة يكْتَفى

بِهِ فِي التَّدْلِيس لَكَانَ هَؤُلَاءِ مدلسين لأَنهم عاصروا النَّبِي ص = وَلَكِن لم يعرف هَل لقوه أم لَا وَمِمَّنْ قَالَ بِاشْتِرَاط اللِّقَاء فِي التَّدْلِيس الإِمَام الشَّافِعِي وَأَبُو بكر الْبَزَّار وَكَلَام الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمد وَيعرف عدم الملاقاة بإخباره عَن نَفسه بذلك أَو بحزم إِمَام مطلع وَلَا يَكْفِي أَن يَقع فِي بعض الرّقّ زِيَادَة راو بَينهمَا لاحْتِمَال أَن يكون من الْمَزِيد وَلَا يحكم فِي هَذِه الصُّورَة بِحكم كلي لتعارض احْتِمَال الِاتِّصَال والانقطاع وَقد صنف فِيهِ الْخَطِيب كتاب التَّفْصِيل لمبهم الْمَرَاسِيل وَكتاب الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد وَقد نُوقِشَ فِيمَا ذكر بِأَن المخضرمين إِنَّمَا لم يعدوا إرسالهم من قبيل التَّدْلِيس لِأَنَّهُ من قبيل الْإِرْسَال الْجَلِيّ وَذَلِكَ لِأَن المخضرم هُوَ من عرف عدم لِقَائِه النَّبِي ص = لَا من لم يعرف أَنه لقِيه وَبَينهمَا فرق وَلَيْسَ المُرَاد بالمرسل هُنَا الْمُرْسل بِالْمَعْنَى الْمَشْهُور وَهُوَ مَا سقط من سَنَده الصَّحَابِيّ بل المُرَاد بِهِ مَا يكون فِيهِ مُطلق الِانْقِطَاع وَقَالَ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة التَّدْلِيس هُوَ تَدْلِيس الحَدِيث الَّذِي لم يسمعهُ الرَّاوِي مِمَّن دلسه عَنهُ بروايته إِيَّاه على وَجه يُوهم أَنه سَمعه مِنْهُ ويعدل عَن الْبَيَان لذَلِك قَالَ وَلَو أَنه بَين أَنه لم يسمعهُ من الشَّيْخ الَّذِي دلسه عَنهُ وكشف عَن ذَلِك لصار ببيانه مُرْسلا للْحَدِيث غير مُدَلّس فِيهِ لِأَن الْإِرْسَال للْحَدِيث لَيْسَ بإيهام من الْمُرْسل كَونه سَامِعًا مِمَّن لم يسمع مِنْهُ وملاقيا لمن لم يلقه إِلَّا أَن التَّدْلِيس الَّذِي ذَكرْنَاهُ مُتَضَمّن الْإِرْسَال لَا محَالة لإمساك المدلس عَن ذكر الْوَاسِطَة وَإِنَّمَا يُفَارق حَال الْمُرْسل بإيهامه السماع مِمَّن لم يسمعهُ فَقَط وَهُوَ الْمُؤمن لأَمره فَوَجَبَ كَون

التَّدْلِيس متضمنا للإرسال والإرسال لَا يتَضَمَّن التَّدْلِيس لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إِيهَام السماع مِمَّن لم يسمع مِنْهُ وَلِهَذَا لم يذم الْعلمَاء من أرسل وذموا من دلّس وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد التَّدْلِيس عِنْد جَمَاعَتهمْ اتِّفَاقًا هُوَ أَن يروي عَمَّن لقِيه وَسمع مِنْهُ وَحدث عَنهُ بِمَا لم يسمعهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا سَمعه من غَيره عَنهُ مِمَّن يرضى حَاله أَو لَا يرضى على أَن الْأَغْلَب فِي ذَلِك أَنه لَو كَانَت حَاله مرضية لذكره وَقد يكون لِأَنَّهُ استصغره قَالَ وَأما حَدِيث الرجل عَمَّن لم يلقه كمالك عَن سعيد بن الْمسيب وَالثَّوْري عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَت فرقة إِنَّه تَدْلِيس لِأَنَّهُمَا لَو شَاءَ لسميا من حَدثهمَا كَمَا فعلا فِي الْكثير مِمَّا بلغهما عَنْهُمَا وَقَالَت طَائِفَة من أهل الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ إرْسَال قَالُوا فَكَمَا جَازَ أَن يُرْسل سعيد عَن النَّبِي ص = وَعَن أبي بكر وَعمر وَهُوَ لم يسمع مِنْهُم وَلم يسم أحد من أهل الْعلم ذَلِك تدليسا كَذَلِك مَالك عَن سعيد قَالَ وَلَئِن كَانَ هَذَا تدليسا فَمَا أعلم أحدا من الْعلمَاء قَدِيما وَلَا حَدِيثا سلم مِنْهُ إِلَّا شُعْبَة وَالْقطَّان فَإِنَّهُمَا لَيْسَ يُوجد لَهما شَيْء من هَذَا لَا سِيمَا شُعْبَة وَفِي كَلَامه مَا يُشِير إِلَى الْفرق بَين التَّدْلِيس والإرسال الْخَفي والجلي لإدراك مَالك لسَعِيد فِي الْجُمْلَة وَعدم إِدْرَاك الثَّوْريّ للنخفي أصلا وَلكنه لم يتَعَرَّض لتخصيصه بالثقة فتخصيصه بهَا فِي مَوضِع آخر من تمهيده اقْتِصَار على الْجَائِز مِنْهُ وَقد صرح فِي مَوضِع آخر مِنْهُ بذمه فِي غير الثِّقَة فَقَالَ وَلَا يكون ذَلِك عِنْدهم إِلَّا عَن ثِقَة فَإِن دلّس عَن غير ثِقَة فَهُوَ تَدْلِيس مَذْمُوم عِنْد جمَاعَة من أهل الحَدِيث وَكَذَلِكَ إِن حدث عَمَّن لم يسمع مِنْهُ فقد جَاوز حد التَّدْلِيس الَّذِي رخص فِيهِ من رخص من الْعلمَاء إِلَى مَا ينكرونه ويذمونه وَلَا يحمدونه وَقد سبقه إِلَى ذَلِك يَعْقُوب بن شيبَة كَمَا حَكَاهُ الْخَطِيب عَنهُ وَهُوَ مَعَ قَوْله فِي

مَوضِع آخر إِنَّه إِذا وَقع فِيمَن لم يلقه أقبح وأسمج يَقْتَضِي أَن الْإِرْسَال أَشد بِخِلَاف قَوْله الأول فَإِنَّهُ مشْعر بِكَوْنِهِ أخف فَكَأَنَّهُ هُنَا عَنى الْإِرْسَال الْخَفي لما فِيهِ من إِيهَام اللقي وَالسَّمَاع مَعًا وَهُنَاكَ الْجَلِيّ لعدم الالتباس فِيهِ لَا سِيمَا بعد أَن صرح بِأَن الْإِرْسَال قد يبْعَث عَلَيْهِ أُمُور لَا تضيره كَأَن يكون سمع الْخَبَر من جمَاعَة عَن الْمُرْسل عَنهُ بِحَيْثُ صَحَّ عِنْده وَوقر فِي نَفسه أَو نسي شَيْخه فِيهِ مَعَ علمه بِهِ عَن الْمُرْسل عَنهُ أَو كَانَ أَخذه لَهُ مذاكرة أَو لمعْرِفَة المتخاطبين بذلك الحَدِيث واشتهاره بَينهم أَو لغير ذَلِك مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَقد تعرض ابْن حزم لذكر التَّدْلِيس فِي كتاب الإحكام فَقَالَ فِي فصل من يلْزم قبُول نَقله الْأَخْبَار وَأما المدلس فينقسم قسمَيْنِ أَحدهمَا حَافظ عدل رُبمَا أرسل حَدِيثه وَرُبمَا أسْندهُ وَرُبمَا حدث بِهِ على سَبِيل المذاكرة أَو الْفتيا أَو المناظرة فَلم يذكر لَهُ سندا وَرُبمَا اقْتصر على ذكر بعض رُوَاته دون بعض فَهَذَا لَا يضر سَائِر رواياته شَيْئا لِأَن هَذَا لَيْسَ جرحة وَلَا غَفلَة لَكنا نَتْرُك من حَدِيثه مَا علمنَا يَقِينا أَنه أرْسلهُ وَمَا علمنَا أَنه أسقط بعض من فِي إِسْنَاده ونأخذ من حَدِيثه مَا لم نوقن فِيهِ شَيْئا من ذَلِك وَسَوَاء قَالَ أخبرنَا فلَان أَو قَالَ عَن فلَان أَو قَالَ فلَان عَن فلَان كل ذَلِك وَاجِب قبُوله مَا لم يتَيَقَّن أَنه أورد حَدِيثا بِعَيْنِه إيرادا غير مُسْند فَإِن أيقنا ذَلِك تركنَا ذَلِك الحَدِيث وَحده فَقَط وأخذنا سَائِر رواياته وَقد روينَا عَن عبد الرَّزَّاق بن همام قَالَ كَانَ معمر يُرْسل لنا أَحَادِيث فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ عبد الله بن الْمُبَارك أسندها لَهُ وَهَذَا النَّوْع مِنْهُ كَانَ جلة أَصْحَاب الحَدِيث وأئمة الْمُسلمين كالحسن الْبَصْرِيّ وَأبي إِسْحَاق السبيعِي وَقَتَادَة بن دعامة وَعَمْرو بن دِينَار وَسليمَان الْأَعْمَش وَأبي الزبير وسُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن

عُيَيْنَة وَقد أَدخل عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ فيهم مَالك بن أنس وَلم يكن كَذَلِك وَلَا يُوجد لَهُ هَذَا إِلَّا فِي قَلِيل من حَدِيثه أرْسلهُ مرّة وأسنده أُخْرَى وَقسم آخر قد صَحَّ عَنْهُم إِسْقَاط من لَا خير فِيهِ من أسانيدهم عمدا وَضم الْقوي إِلَى الْقوي تلبيسا على من يحدث وغرورا لمن يَأْخُذ عَنهُ ونصرا لما يُرِيد تأييده من الْأَقْوَال مِمَّا لَو سمى من سكت عَن ذكره لَكَانَ ذَلِك على أَو مَرضا فِي الحَدِيث فَهَذَا رجل مَجْرُوح وَهَذَا فسق ظَاهر وَاجِب اطراح جَمِيع حَدِيثه صَحَّ أَنه دلّس فِيهِ أَو لم يَصح أَنه دلّس فِيهِ وَسَوَاء قَالَ سَمِعت أَو أخبرنَا أَو لم يقل كل ذَلِك مَرْدُود غير مَقْبُول لِأَنَّهُ سَاقِط الْعَدَالَة غاش لأهل الْإِسْلَام باستجازته مَا ذَكرْنَاهُ وَمن هَذَا النَّوْع كَانَ الْحسن بن عمَارَة وَشريك بن عبد الله القَاضِي وَغَيرهمَا قَالَ عَليّ وَمن صَحَّ أَنه قبل التَّلْقِين وَلَو مرّة سقط حَدِيثه كُله لِأَنَّهُ لم يتفقه فِي دين الله عز وَجل وَلَا حفظ مَا سمع وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نضر الله امْرأ سمع منا حَدِيثا فحفظه حَتَّى بلغه غَيره فَإِنَّمَا أَمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِقبُول تَبْلِيغ الْحَافِظ والتلقين هُوَ أَن يَقُول الْقَائِل حَدثَك فلَان بِكَذَا ويسمي لَهُ من شَاءَ من غير أَن يسمعهُ مِنْهُ فَيَقُول نعم فَهَذَا لَا يَخْلُو من أحد وَجْهَيْن وَلَا بُد من أَحدهمَا ضَرُورَة إِمَّا أَن يكون فَاسِقًا يحدث بِمَا لم يسمع أَو يكون من الْغَفْلَة بِحَيْثُ يكون ذاهل الْعقل مَدْخُول الذِّهْن وَمثل هَذَا لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من ذَوي الْأَلْبَاب وَمن هَذَا النَّوْع كَانَ سماك بن حَرْب أخبر بِأَنَّهُ شَاهد ذَلِك مِنْهُ شُعْبَة الإِمَام الرئيس بن الْحجَّاج وَأما النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ الحَدِيث الضَّعِيف الَّذِي يكون مُوجب الرَّد فِيهِ وجود أَمر

زيادة بسط

فِي الرَّاوِي يُوجب طَعنا فِيهِ فَهُوَ أَقسَام يعرف اسْم كل قسم مِنْهَا ورسمه مِمَّا نذكرهُ الْآن وَهُوَ أَن الحَدِيث الضَّعِيف إِن كَانَ مُوجب الرَّد فِيهِ كذب الرَّاوِي فِي الحَدِيث فَهُوَ الْمَوْضُوع وَإِن كَانَ تهمته بِالْكَذِبِ فَهُوَ الْمَتْرُوك وَإِن كَانَ فحش غلطه أَو كَثْرَة غفلته أَو ظُهُور فسقه فَهُوَ الْمُنكر وَإِن كَانَ وهمه فَهُوَ الْمُعَلل وَإِن كَانَ مُخَالفَته للثقات فَإِن كَانَت الْمُخَالفَة بالإدراج فِيهِ فَهُوَ المدرج وَإِن كَانَت بالتقديم وَالتَّأْخِير فَهُوَ المقلوب وَإِن كَانَت بالإبدال فِيهِ مَعَ التدافع حَيْثُ لَا مُرَجّح فَهُوَ المضطرب وَإِن كَانَت بتغيير الْحُرُوف مَعَ بَقَاء صُورَة الْخط فَإِن كَانَ التَّغْيِير بِالنِّسْبَةِ إِلَى النقط فَهُوَ الْمُصحف وَإِن كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشكل فَهُوَ المحرف زِيَادَة بسط الْمَوْضُوع هُوَ الحَدِيث المكذوب على رَسُول الله ص = سَوَاء كَانَ عمدا أم خطأ والمتروك هُوَ الحَدِيث الَّذِي ينْفَرد بروايته من يتهم بِالْكَذِبِ فِي الحَدِيث وَيدخل فِيهِ من عرف بِالْكَذِبِ فِي غير الحَدِيث وَإِن لم يظْهر كذبه فِي الحَدِيث وَذَلِكَ لِأَن التساهل فِي غير الحَدِيث قد يجر إِلَى التساهل فِي الحَدِيث قَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول من تشدد فِي الحَدِيث وتساهل فِي غَيره فَالْأَصَحّ أَن رِوَايَته ترد لِأَن الظَّاهِر أَنه إِنَّمَا تشدد فِي الحَدِيث لغَرَض وَإِلَّا لزم تشدده مُطلقًا

وَقد يتَغَيَّر ذَلِك الْغَرَض أَو يحصل بِدُونِ تشدد فيكذب وَقَالَ بَعضهم يرد خبر من عرف بالتساهل فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ دون المتساهل فِي حَدِيثه عَن نَفسه وَأَمْثَاله وَمَا لَيْسَ بِحكم فِي الدّين وَيَنْبَغِي أَن يكون مَحل الْخلاف بَين من يرد حَدِيثه وَبَين من لَا يردهُ فِي الْكَذِب الَّذِي لَا يُفْضِي إِلَى الْخُرُوج عَن الْعَدَالَة وَأما الْكَذِب الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْخُرُوج عَن الْعَدَالَة وَلَو لم يكن فِيهِ إِلَّا خرم الْمُرُوءَة فَلَا خلاف فِي ترك حَدِيث الْمَعْرُوف بِهِ عِنْدهم وَأما الْمَطْرُوح فقد جعله بَعضهم نوعا مُسْتقِلّا وعرفه بِأَنَّهُ هُوَ مَا نزل عَن الضَّعِيف وارتفع عَن الْمَوْضُوع وَمثل لَهُ بِحَدِيث جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس وَقد أدّى نظر بَعضهم إِلَى أَنه هُوَ الحَدِيث الْمَتْرُوك الْمُعَرّف هُنَا فَيكون هَذَا الْقسم مِمَّا لَهُ اسمان وَالْمُنكر هُوَ الحَدِيث الَّذِي ينْفَرد بروايته من فحش غلطه أَو كثرت غفلته أَو تبين فسقه بِغَيْر الْكَذِب وَهَذَا على رَأْي من لَا يشْتَرط فِي الْمُنكر مُخَالفَة رَاوِيه للثقات وَقد سبق بَيَان الْمُنكر على قَوْلهم والمعلل هُوَ مَا اطلع فِيهِ بعد الْبَحْث والتتبع على وهم وَقع لراويه من وصل مُنْقَطع أَو إِدْخَال حَدِيث فِي حَدِيث أَو نَحْو ذَلِك والمدرج هُوَ مَا أدرج فِي الحَدِيث مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ على وَجه يُوهم أَنه مِنْهُ والإدراج قد يكون فِي الْمَتْن وَقد يكون فِي الْإِسْنَاد مِثَال الإدراج فِي الْمَتْن مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله ص = علمه التَّشَهُّد فَقَالَ قل التَّحِيَّات لله والصلوات فَذكر التَّشَهُّد إِلَى آخِره وَهُوَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَذكر بعده فَإِذا قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ

فَقَوله فَإِذا قلت هَذَا إِلَى آخِره إِنَّمَا هُوَ من كَلَام ابْن مَسْعُود أدرج فِي الحَدِيث وَيدل على الإدراج مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهُوَ قَالَ عبد الله فَإِذا قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك وَمِثَال الإدراج فِي الْإِسْنَاد مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن وَاصل وَمَنْصُور وَالْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل عَن عبد الله قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَي الذَّنب أعظم قَالَ أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك الحَدِيث فرواية وَاصل هَذِه مدرجة على رِوَايَة مَنْصُور وَالْأَعْمَش لِأَن واصلا لَا يذكر فِيهِ عمرا بل يَجعله عَن أبي وَائِل عَن عبد الله هَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَة ومهدي بن مَيْمُون وَمَالك بن مغول وَسَعِيد بن مَسْرُوق عَن وَاصل وَقد بَين الإسنادين مَعًا يحيى بن سعيد الْقطَّان فِي رِوَايَته عَن سُفْيَان وَفصل أَحدهمَا من الآخر رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور وَالْأَعْمَش كِلَاهُمَا عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو عَن عبد الله وَعَن سُفْيَان عَن وَاصل عَن أبي وَائِل عَن عبد الله من غير ذكر عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ عَمْرو بن عَليّ فَذَكرته لعبد الرَّحْمَن وَكَانَ حَدثنَا عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور وواصل عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو فَقَالَ دَعه دَعه لَكِن رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي عَن سُفْيَان عَن وَاصل وَحده عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل فَزَاد فِي السَّنَد عمرا من غير ذكر أحد أدرج عَلَيْهِ رِوَايَة وَاصل فَكَأَن ابْن مهْدي لما حدث بِهِ عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور وَالْأَعْمَش وواصل بِإِسْنَاد وَاحِد ظن الروَاة عَن ابْن مهْدي اتِّفَاق طرقهم فاقتصر بَعضهم على بعض شُيُوخ سُفْيَان وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَنْبَغِي لمن يروي حَدِيثا بِسَنَد فِيهِ جمَاعَة فِي طبقَة وَاحِدَة مُجْتَمعين فِي الرِّوَايَة عَن شيخ وَاحِد أَن يحذف بَعضهم بل يَأْتِي بِهِ عَن جَمِيعهم

لاحْتِمَال أَن يكون اللَّفْظ فِي السَّنَد أَو الْمَتْن لأَحَدهم وَتَكون رِوَايَة من عداهُ مَحْمُولَة عَلَيْهِ فَإِذا حذف أحدهم فَرُبمَا كَانَ هُوَ صَاحب ذَلِك اللَّفْظ وَقد عرف بَعضهم المدرج فِي الْمَتْن بقوله هُوَ زِيَادَة تقع فِيهِ وَالْأولَى أَن يُزَاد وَلَيْسَت مِنْهُ وعرفه بَعضهم بقوله هُوَ الملحق بِالْحَدِيثِ من قَول بعض رُوَاته وَقد ذكرنَا كثيرا مِمَّا يتَعَلَّق بالمدرج فِيمَا سبق والمقلوب هُوَ مَا وَقعت الْمُخَالفَة فِيهِ بالتقديم وَالتَّأْخِير وَذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم فِي السَّبْعَة الَّذين يظلهم الله تَحت ظلّ عَرْشه فَإِن فِيهِ وَرجل تصدق بِصَدقَة أخفاها حَتَّى لَا تعلم يَمِينه مَا تنْفق شِمَاله فَهَذَا مِمَّا انْقَلب على أحد الروَاة وَإِنَّمَا هُوَ حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه كَمَا ورد فِي البُخَارِيّ وَفِي مُسلم فِي بعض طرقه فعكس الرَّاوِي الَّذِي انْقَلب عَلَيْهِ الْأَمر فَجعل الْيَمين فِي مَوضِع الشمَال وَالشمَال فِي مَوضِع الْيَمين وَقد دلّ على الْقلب أَمْرَانِ أَحدهمَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي اتّفق عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ وَالثَّانِي مَا يَقْتَضِيهِ وَجه الْكَلَام لِأَن الْمَعْرُوف صُدُور الْإِنْفَاق فِي أغلب الأحيان عَن الْيَمين وَهَذَا النَّوْع من قبيل الْقلب فِي الْمَتْن وَهُوَ قَلِيل وَالْغَالِب فِي الْقلب أَن يكون فِي الْإِسْنَاد وَمن أَمْثِلَة الْقلب فِي الْمَتْن مَا رَوَاهُ خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن عمته أنيسَة مَرْفُوعا إِذا أذن ابْن أم مَكْتُوم فَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَإِذا أذن بِلَال فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تشْربُوا رَوَاهُ أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَهُوَ مقلوب فَإِن الْمَشْهُور الْمَرْوِيّ فِي الصِّحَاح أَن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم

وَيُؤَيّد ذَلِك مَا جَاءَ فِي يعَض الرِّوَايَات أَن ابْن أم مَكْتُوم وَكَانَ أعمى لَا يُؤذن حَتَّى يُقَال لَهُ أَصبَحت أَصبَحت وَقد جمع ابْن خُزَيْمَة بَينهمَا فجوز أَن يكون النَّبِي ص = جعل أَذَان اللَّيْل نوبا بَينهمَا فجَاء الخبران على حسب الْحَالين وَتَابعه ابْن حبَان عَلَيْهِ بل بَالغ حَتَّى جزم بذلك وَقَالَ البُلْقِينِيّ إِنَّه بعيد وَلَو فتحنا بَاب التَّأْوِيل لاندفع كثير من علل الْمُحدثين قَالَ وَيُمكن أَن يُسمى ذَلِك بالمعكوس فيفرد بِنَوْع وَلم أر من تعرض لذَلِك وَمن أَمْثِلَة ذَلِك مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِذا أَمرتكُم بِشَيْء فَأتوهُ وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ مَا اسْتَطَعْتُم فَإِن الْمَعْرُوف مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا نَهَيْتُكُمْ عَنهُ فَاجْتَنبُوهُ وَمَا أَمرتكُم بِهِ فافعلوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم وَمِثَال الْقلب فِي الْإِسْنَاد وَهُوَ الْأَكْثَر قلب كَعْب بن مرّة إِلَى مرّة بن كَعْب وقلب مُسلم بن الْوَلِيد إِلَى الْوَلِيد بن مُسلم وَنَحْو ذَلِك هَذَا مَا قَالَه بعض أهل الْأَثر مِمَّن خص الْقلب بِمَا ذكر وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْقلب أَعم من ذَلِك وَجعلُوا الْقلب فِي الْإِسْنَاد قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون الحَدِيث مَشْهُورا براو فَيجْعَل مَكَانَهُ راو آخر فِي طبقته ليصير بذلك غَرِيبا مرغوبا فِيهِ وَذَلِكَ نَحْو حَدِيث مَشْهُور بسالم جعل مَكَانَهُ نَافِع وكحديث مَشْهُور بِمَالك جعل مَكَانَهُ عبيد الله بن عمر وَمِمَّنْ كَانَ يفعل ذَلِك من الوضاعين حَمَّاد بن عَمْرو النصيبي وَيُقَال إِن فَاعل ذَلِك هُوَ الَّذِي يُطلق عَلَيْهِ أَنه يسرق الحَدِيث وَرُبمَا قيل فِي الحَدِيث نَفسه إِنَّه مَسْرُوق وَإِطْلَاق السّرقَة فِي ذَلِك لَا يظْهر إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَ الرَّاوِي الْمُبدل بِهِ مُنْفَردا بِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يستغرب أَن يُقَال إِن الْمُبدل قد سَرقه مِنْهُ

الثَّانِي أَن يُؤْخَذ إِسْنَاد متن فَيجْعَل لمتن آخر وَيجْعَل ذَلِك الْمَتْن لإسناد آخر وَسَماهُ الْعَلامَة ابْن الْجَزرِي بِالْقَلْبِ الْمركب وَقد فعل ذَلِك بَعضهم اختبارا لحفظ الْمُحدث أَو لكَونه مِمَّن يقبل التَّلْقِين أَو لَا يقبله وَقد جرى ذَلِك للْإِمَام البُخَارِيّ فقد حكى عدَّة من الْمَشَايِخ أَن ذَلِك الإِمَام الأوحد لما قدم بَغْدَاد وَسمع بِهِ أَصْحَاب الحَدِيث اجْتَمعُوا وعمدوا إِلَى مئة حَدِيث فقلبوا متونها وأسانيدها وَجعلُوا متن هَذَا الْإِسْنَاد لإسناد آخر وَإسْنَاد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر ودفعوا ذَلِك إِلَى عشرَة أنفس إِلَى كل رجل عشرَة أَحَادِيث وَأمرُوهُمْ إِذا حَضَرُوا الْمجْلس أَن يلْقوا ذَلِك على البُخَارِيّ وَأخذُوا الْموعد للمجلس فَحَضَرَ الْمجْلس جمَاعَة أَصْحَاب الحَدِيث من الغرباء من أهل خُرَاسَان وَغَيرهم وَمن البغداديين فَلَمَّا اطْمَأَن الْمجْلس بأَهْله انتدب إِلَيْهِ رجل من الْعشْرَة فَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْأَحَادِيث فَقَالَ البُخَارِيّ لَا أعرفهُ فَسَأَلَهُ عَن آخر فَقَالَ لَا أعرفهُ فَمَا زَالَ يلقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى فرغ من عشرته وَالْبُخَارِيّ يَقُول لَا أعرفهُ فَكَانَ الْفُقَهَاء مِمَّن حضر الْمجْلس يلْتَفت بَعضهم إِلَى بعض وَيَقُولُونَ الرجل فهم وَمن كَانَ مِنْهُم غير ذَلِك يقْضِي على البُخَارِيّ بِالْعَجزِ وَالتَّقْصِير وَقلة الْفَهم ثمَّ انتدب إِلَيْهِ رجل آخر من الْعشْرَة فَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْأَحَادِيث المقلوبة فَقَالَ البُخَارِيّ لَا أعرفهُ فَسَأَلَهُ عَن آخر فَقَالَ لَا أعرفهُ فَلم يزل يلقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى فرغ من عشرته وَالْبُخَارِيّ يَقُول لَا أعرفهُ ثمَّ انتدب إِلَيْهِ الثَّالِث وَالرَّابِع إِلَى تَمام الْعشْرَة حَتَّى فرغوا كلهم من الْأَحَادِيث المقلوبة وَالْبُخَارِيّ لَا يزيدهم على لَا أعرفهُ فَلَمَّا علم البُخَارِيّ أَنهم قد فرغوا الْتفت إِلَى الأول مِنْهُم فَقَالَ أما حَدِيثك الأول فَهُوَ كَذَا وحديثك الثَّانِي فَهُوَ كَذَا وَالثَّالِث وَالرَّابِع على الْوَلَاء حَتَّى أَتَى على تَمام الْعشْرَة فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده وكل

إِسْنَاد إِلَى مَتنه وَفعل بالآخرين مثل ذَلِك ورد متون الْأَحَادِيث كلهَا إِلَى أسانيدها وأسانيدها إِلَى متونها فَأقر لَهُ النَّاس بِالْحِفْظِ وأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ قَالَ بَعضهم إِنَّه لَا يتعجب من حفظ البُخَارِيّ لَهَا وتيقظه لتمييز صوابها من خطأها لِأَنَّهُ فِي الْحِفْظ بمَكَان وَإِنَّمَا يتعجب من حفظه لتواليها كَمَا ألقيت عَلَيْهِ من مرّة وَاحِدَة وَقد وَقع الْقلب من بعض الثِّقَات الْأَثْبَات وَذَلِكَ بِغَيْر قصد فقد ذكر أَحْمد فِي مُسْنده عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان أَنه قَالَ حدث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي ص = قَالَ لَا تصْحَب الْمَلَائِكَة رفْقَة فِيهَا جرس فَقلت لَهُ تعست يَا أَبَا عبد الله يُرِيد عثرت فَقَالَ كَيفَ هُوَ فَقلت حَدثنِي عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن سَالم عَن أبي الْجراح عَن أم حَبِيبَة عَن النَّبِي ص = فَقَالَ صدقت وَقد اشْتَمَل هَذَا الْخَبَر على شدَّة إنصاف الثَّوْريّ وتواضعه وَعدم أنفته من الرُّجُوع إِلَى الصَّوَاب وعَلى فرط غَيره تِلْمِيذه الْقطَّان على أَمر الحَدِيث حَتَّى خَاطب أستاذه بِمَا خاطبه بِهِ مَعَ عثوره فِي مَوضِع يعثر فِيهِ لِأَن جلّ رِوَايَة نَافِع إِنَّمَا هِيَ عَن ابْن عمر وَإِنَّمَا اتّفق هُنَا أَن كَانَ الْأَمر على خلاف الْمُعْتَاد وَقد خطأ يحيى الْقطَّان شُعْبَة أَيْضا وَذَلِكَ حَيْثُ حدثوه عَنهُ بِحَدِيث لَا يجد عبد طعم الْإِيمَان حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ فَقَالَ حَدثنَا بِهِ سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن ابْن مَسْعُود وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَلَا يَتَأَتَّى ليحيى أَن يحكم على شُعْبَة بالْخَطَأ إِلَّا بعد أَن يتَيَقَّن أَن الصَّوَاب فِي غير رِوَايَته على أَن الَّذين يميلون للْجمع بِأَيّ حَال كَانَ يَقُولُونَ فِي مثل هَذَا الْوَضع يحْتَمل أَن يكون عِنْد أبي إِسْحَاق على الْوَجْهَيْنِ فَحدث بِهِ كل مرّة بِأَحَدِهِمَا فَإِن

مثل هَذَا الِاحْتِمَال يستبعده الْمُحَقِّقُونَ نعم يرْتَفع الاستبعاد لَو أَتَت رِوَايَة عَن الْحَارِث تشعر بذلك على أَن مدَار الْأَمر عِنْد الْمُحَقِّقين إِنَّمَا هُوَ الْبناء على مَا يغلب على الظَّن وَالِاحْتِمَال الْبعيد لَا يعول عَلَيْهِ عِنْدهم هَذَا وَقد عرف بَعضهم الْقلب فِي الْمَتْن بقوله هُوَ أَن يعْطى أحد الشَّيْئَيْنِ مَا اشْتهر للْآخر وَيقرب مِنْهُ قَول الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن الْجَزرِي هُوَ أَن يكون الحَدِيث على وَجه فينقلب بعض لَفظه على الرَّاوِي فيتغير مَعْنَاهُ وَرُبمَا انعكس وَجعله نوعا مُسْتقِلّا سَمَّاهُ بالمنقلب وَمثل لَهُ بأمثلة مِنْهَا مَا ورد فِي البُخَارِيّ فِي حَدِيث تخاصم الْجنَّة وَالنَّار وَهُوَ أَنه ينشئ الله لَهَا خلقا فذهل الرَّاوِي الآخر فَقلب الْجنَّة بالنَّار فَصَارَ ذَلِك من قبيل المنقلب والمضطرب هُوَ مَا وَقعت الْمُخَالفَة فِيهِ بالإبدال على وَجه يحصل فِيهِ التدافع مَعَ عدم وجود الْمُرَجح وَقَالَ ابْن الصّلاح المضطرب من الحَدِيث هُوَ الَّذِي تخْتَلف الرِّوَايَة فِيهِ فيرويه بَعضهم على وَجه وَبَعْضهمْ على وَجه آخر مُخَالف لَهُ وَإِنَّمَا نُسَمِّيه مضطربا إِذا تَسَاوَت الرِّوَايَتَانِ أما إِذا ترجحت إِحْدَاهمَا بِحَيْثُ لَا تقاومها الْأُخْرَى بِأَن يكون راويها أحفظ أَو أَكثر صُحْبَة للمروي عَنهُ أَو غير ذَلِك من وُجُوه الترجيحات الْمُعْتَمدَة فَالْحكم للراجحة وَلَا يُطلق عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وصف المضطرب وَلَا لَهُ حكمه ثمَّ قد يَقع الِاضْطِرَاب فِي متن الحَدِيث وَقد يَقع فِي الْإِسْنَاد وَقد يَقع ذَلِك من راو وَاحِد وَقد يَقع من رُوَاة لَهُ جمَاعَة وَالِاضْطِرَاب مُوجب ضعف الحَدِيث لإشعاره بِأَنَّهُ لم يضْبط وَقَالَ بَعضهم المضطرب هُوَ الَّذِي يرْوى على أوجه مُخْتَلفَة سَوَاء كَانَ ذَلِك من راو وَاحِد أَو أَكثر فَإِن رجحت إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَو الرِّوَايَات لم يسم مضطربا

لِأَن الْوَاجِب حِينَئِذٍ الْأَخْذ بالراجحة وَترك المرجوحة لكَونهَا إِمَّا شَاذَّة أَو مُنكرَة وَكَذَلِكَ إِن أمكن الْجمع بَين تِلْكَ الرِّوَايَات وَالِاضْطِرَاب قد يكون فِي الْمَتْن وَقد يكون فِي السَّنَد وَقد يكون فيهمَا وَمِثَال الِاضْطِرَاب فِي الْمَتْن فِيمَا أوردهُ الْعِرَاقِيّ حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس قَالَت سَأَلت أَو سُئِلَ النَّبِي ص = عَن الزَّكَاة فَقَالَ إِن فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة وَهَذَا حَدِيث قد اضْطربَ لَفظه وَمَعْنَاهُ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا من رِوَايَة شريك عَن أبي حَمْزَة عَن الشّعبِيّ عَن فَاطِمَة وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة فَهَذَا اضْطِرَاب لَا يحْتَمل التَّأْوِيل وَقَول الْبَيْهَقِيّ إِنَّه لَا يحفظ لهَذَا اللَّفْظ الثَّانِي إِسْنَادًا معَارض بِمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه هَكَذَا وَقَالَ بَعضهم إِن مَا ذكره لَا يصلح مِثَالا فَإِن شيخ شريك ضَعِيف فَهُوَ مَرْدُود من قبل ضعف رَاوِيه لَا من قبل اضطرابه نعم إِنَّه يزْدَاد بِالِاضْطِرَابِ ضعفا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِمَّا يُمكن تَأْوِيله بِأَنَّهُ يُمكن أَن تكون رَوَت كلا من اللَّفْظَيْنِ عَن النَّبِي ص = وَأَن المُرَاد بِالْحَقِّ الْمُثبت الْمُسْتَحبّ وبالمنفي الْوَاجِب وَقَالَ بَعضهم قل أَن يُوجد للاضطراب فِي الْمَتْن مِثَال سَالم من الخدش فَإِن الْأَمْثِلَة الَّتِي يوردونها مِنْهَا مَا يُمكن الْجمع فِيهِ بَين الرِّوَايَات وَمِنْهَا مَا يكون بعض الرِّوَايَات فِيهِ راجحة وَفِي الْحَالين لَا يبْقى الِاضْطِرَاب وَمِثَال الِاضْطِرَاب فِي الْإِسْنَاد حَدِيث أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ يَا رَسُول الله أَرَاك شبت قَالَ شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا فَهَذَا مُضْطَرب فَإِنَّهُ لم يرو إِلَّا من طَرِيق أبي إِسْحَاق السبيعِي وَقد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ فَمنهمْ من رَوَاهُ عَنهُ مُرْسلا وَمِنْهُم من رَوَاهُ مَوْصُولا وَمِنْهُم من جعله من مُسْند أبي بكر وَمِنْهُم من جعله من مُسْند سعد وَمِنْهُم من جعله من مُسْند عَائِشَة وَقد وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ على نَحْو عشرَة أوجه أوردهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَرُوَاته ثِقَات لَا يُمكن تَرْجِيح بَعضهم على بعض وَالْجمع مُتَعَذر

وهنا أمور ينبغي الانتباه لها

وَهنا أُمُور يَنْبَغِي الانتباه لَهَا الْأَمر الأول أَن الْمُحدثين قَلما يحكمون على الحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِيهِ وَاقعا فِي نفس الْمَتْن لِأَن ذَلِك لَيْسَ من شَأْنهمْ من جِهَة كَونهم محدثين وَإِمَّا هُوَ من شَأْن الْمُجْتَهدين وَإِنَّمَا يحكمون على الحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِيهِ وَاقعا فِي نفس الْإِسْنَاد لِأَنَّهُ من شَأْنهمْ وَذَلِكَ لِأَن الِاطِّلَاع على مَا فِي الْإِسْنَاد من عِلّة على مَا يَنْبَغِي يعسر على غَيرهم بِخِلَاف الِاطِّلَاع على مَا فِي الْمَتْن من عِلّة سَوَاء كَانَ فِيهِ اضْطِرَاب أم لَا فَإِنَّهُ سهل الْمدْرك فَلذَلِك صرفُوا جلّ عنايتهم إِلَى بَيَان مَا يتَعَلَّق بِالْإِسْنَادِ ليكفوا غَيرهم مؤونة ذَلِك وَلذَلِك تتعرض لذكر مَا وَقع فِيهِ الِاضْطِرَاب من جِهَة الْمَتْن وَإِنَّمَا تعرضوا للمضطرب لِأَنَّهُ دَاخل فِي المعل فانتبه لذَلِك الْأَمر الثَّانِي لِأَن المضطرب قد يكون صَحِيحا وَذَلِكَ فِي مثل مَا إِذا وَقع الِاخْتِلَاف فِي اسْم رجل أَو أَبِيه أَو نسبته أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يضر بعد مَا ثَبت كَونه ثِقَة وَيحكم لذَلِك الحَدِيث بِالصِّحَّةِ مَعَ تَسْمِيَته مضطربا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث كَثِيرَة من هَذَا الْقَبِيل وَلذَا قَالَ بعض الْعلمَاء وَقد يدْخل الْقلب والشذوذ وَالِاضْطِرَاب فِي قسم الصَّحِيح وَالْحسن الْأَمر الثَّالِث قد وَقع الِاخْتِلَاف فِي الصَّلَاة الكائنة فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ فَإِن الرَّاوِي شكّ فِيهَا مرّة وَلم يدر أَهِي الظّهْر أَو الْعَصْر وَقَالَ مرّة إِحْدَى صَلَاتي الْعشي إِمَّا الظّهْر وَإِمَّا الْعَصْر وَجزم مرّة بالعصر وَقَالَ مرّة أكبر ظَنِّي أَنَّهَا الْعَصْر وَقد روى النَّسَائِيّ مَا يشْهد لِأَن الشَّك فِيهَا كَانَ من أبي هُرَيْرَة وَلَفظه صلى النَّبِي ص = إِحْدَى صَلَاتي الْعشي قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَلَكِنِّي نسيت قَالَ بعض الْعلمَاء وَالظَّاهِر أَن أَبَا هُرَيْرَة رَوَاهُ كثيرا على الشَّك وَكَانَ رُبمَا

غلب على ظَنّه أَنَّهَا الظّهْر فَجزم بهَا وَرُبمَا غلب على ظَنّه أَنَّهَا الْعَصْر فَجزم بهَا ثمَّ طَرَأَ الشَّك فِي تَعْيِينهَا على ابْن سِيرِين أَيْضا فقد ثَبت عَنهُ أَنه قَالَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَة وَلَكِن نسيت أَنا وَكَأن السَّبَب فِي ذَلِك عدم الاهتمام بِغَيْر مَا فِي الْقِصَّة من الْأَحْكَام وَقد حاول بَعضهم الْجمع فَذهب إِلَى أَن الْقِصَّة وَقعت مرَّتَيْنِ وَكَثِيرًا مَا يسْلك بَعضهم مثل ذَلِك فِي الْجمع توصلا إِلَى تَصْحِيح كل من الرِّوَايَات صَوتا للرواة من أَن ينْسب الغلظ أَو السَّهْو أَو النسْيَان إِلَيْهِم وَكَأن عناية هَؤُلَاءِ بالرواة فَوق عنايتهم بالمرويات فَجَمعهُمْ كلا جمع لَا سِيمَا إِن كَانَ مِمَّا ينبو عَنهُ السّمع وَقد جرى ذكر ذِي الْيَدَيْنِ فِي كثير من كتب الْأُصُول وَذَلِكَ فِي مَبْحَث وجوب الْأَخْذ بِمَا يرويهِ الْوَاحِد إِذا كَانَ عدلا فَإِنَّهُم ذكرُوا أَن بعض الْعلمَاء ذهب إِلَى أَنه لَا يقبل خبر الْوَاحِد الْعدْل وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يقبل خبر ذِي الْيَدَيْنِ حَتَّى شهد لَهُ أَبُو بكر وَعمر وَأَجَابُوا عَن ذَلِك وَمِنْهُم الْفَخر فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْجَواب إِن ذَلِك إِن دلّ فَإِنَّمَا يدل على اعْتِبَار ثَلَاثَة أبي بكر وَعمر وَذي الْيَدَيْنِ وَلِأَن التُّهْمَة كَانَت قَائِمَة هُنَاكَ لِأَنَّهَا كَانَت وَاقعَة فِي محفل عَظِيم وَالْوَاجِب فِيهَا الاشتهار وَقد ذكرنَا سَابِقًا جَوَابا لغيره وَهُوَ قَوْله أما توقف رَسُول الله ص = عَن قبُول قَول ذِي الْيَدَيْنِ فَيحْتَمل ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَنه جوز الْوَهم عَلَيْهِ لِكَثْرَة الْجمع بعد انْفِرَاده بِمَعْرِِفَة ذَلِك مَعَ غَفلَة الْجَمِيع إِذْ الْغَلَط عَلَيْهِ أقرب من الْغَفْلَة على الْجمع الْكثير وَحَيْثُ ظَهرت أَمَارَات الْوَهم يجب التَّوَقُّف الثَّانِي أَنه وَإِن علم صدقه جَازَ أَن يكون سَبَب توقفه أَن يعلمهُمْ وجوب التَّوَقُّف فِي مثله وَلَو لم يتَوَقَّف لصار التَّصْدِيق مَعَ سكُوت الْجَمَاعَة سنة مَاضِيَة فحسم سَبِيل ذَلِك

الثَّالِث أَنه قَالَ قولا لَو علم صدقه لظهر أَثَره فِي حق الْجَمَاعَة واشتغلت ذمتهم فَألْحق بقبيل الشَّهَادَة فَلم يقبل فِيهِ قَول الْوَاحِد والأقوى مَا ذَكرْنَاهُ من قبل نعم لَو تعلق بِهَذَا من يشْتَرط عدد الشَّهَادَة يلْزمه اشْتِرَاط ثَلَاثَة وَيلْزمهُ أَن يكون فِي جمع يسكت عَلَيْهِ الْبَاقُونَ لِأَنَّهُ كَذَلِك كَانَ وَالظَّاهِر أَن المستدلين بِهَذِهِ الْقِصَّة والمجيبين عَن استدلالهم لم يأخذوها من أَئِمَّة الحَدِيث أَو كتبهمْ كَمَا هُوَ دأبهم وَلذَلِك ذكر صَاحب تَفْضِيل السّلف على الْخلف فِي الْأُصُول أَن من مَنَاقِب الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ أَنه على كبر سنه وانتهاء رياسة الْعلم بِبَغْدَاد إِلَيْهِ كَانَ يتَرَدَّد إِلَى بعض عُلَمَاء الحَدِيث لمعْرِفَة مَا أشكل عَلَيْهِ من النَّقْل وَأَحْكَام الرِّوَايَة والعلل ولنذكر مَا ورد فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ قَالَ البُخَارِيّ بَاب إِذا سلم فِي رَكْعَتَيْنِ أَو فِي ثَلَاث فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ مثل سُجُود الصَّلَاة أَو أطول حَدثنَا آدم حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ صلى بِنَا النَّبِي ص = الظّهْر أَو الْعَصْر فَسلم فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ الصَّلَاة يَا رَسُول الله أنقصت فَقَالَ النَّبِي ص = لأَصْحَابه أَحَق مَا يَقُول قَالُوا نعم فصلى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ قَالَ سعد وَرَأَيْت عُرْوَة بن الزبير صلى من الْمغرب رَكْعَتَيْنِ فَسلم وَتكلم ثمَّ صلى مَا بَقِي وَسجد سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا فعل النَّبِي ص = بَاب من لم يتَشَهَّد فِي سَجْدَتي السَّهْو وَسلم أنس وَالْحسن وَلم يتشهدا وَقَالَ قَتَادَة لَا يتَشَهَّد حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك بن أنس عَن أَيُّوب بن

أبي تَيْمِية السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله انْصَرف من اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أقصرت الصَّلَاة أم نسيت يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله ص = أصدق ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ النَّاس نعم فَقَامَ رَسُول الله ص = فصلى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا حَمَّاد عَن سَلمَة بن عَلْقَمَة قَالَ قلت لمُحَمد فِي سَجْدَتي السَّهْو تشهد قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة بَاب يكبر فِي سَجْدَتي السَّهْو حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا يزِيد بن إِبْرَاهِيم عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ صلى النَّبِي إِحْدَى صَلَاتي الْعشي مُحَمَّد وَأكْثر ظَنِّي أَنَّهَا الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَة فِي مقدم الْمَسْجِد فَوضع يَده عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَعمر فَهَابَا أَن يُكَلِّمَاهُ وَخرج سرعَان النَّاس فَقَالُوا أقصرت الصَّلَاة وَرجل يَدعُوهُ النَّبِي ص = ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أنسيت أم قصرت فَقَالَ لم أنس وَلم تقصر قَالَ بلَى قد نسيت فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع رَأسه فَكبر ثمَّ وضع رَأسه فَكبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع رَأسه وَكبر وَقَالَ مُسلم فِي بَاب السَّهْو فِي الصَّلَاة وَالسُّجُود لَهُ وحَدثني عَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب جَمِيعًا عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ عَمْرو أَنبأَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ أَنبأَنَا أَيُّوب قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن سِيرِين يَقُول سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول صلى بِنَا رَسُول الله ص = إِحْدَى صَلَاتي الْعشي إِمَّا الظّهْر وَإِمَّا

الْعَصْر فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَتَى جذعا فِي قبْلَة الْمَسْجِد فاستند إِلَيْهِ مغضبا وَفِي الْقَوْم أَبُو بكر وَعمر فَهَابَا أَن يتكلما وَخرج سرعَان النَّاس قصرت الصَّلَاة فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُول الله أقصرت الصَّلَاة أم نسيت فَنظر النَّبِي ص = يَمِينا وَشمَالًا فَقَالَ مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا صدق لم تصل إِلَّا رَكْعَتَيْنِ فصلى رَكْعَتَيْنِ وَسلم ثمَّ كبر ثمَّ سجد ثمَّ كبر فَرفع ثمَّ كبر وَسجد ثمَّ كبر وَرفع قَالَ وأخبرت عَن عمرَان بن حُصَيْن أَنه قَالَ وَسلم وَحدثنَا أَبُو الرّبيع الزهْرَانِي قَالَ أَنبأَنَا حَمَّاد قَالَ أَنبأَنَا أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله إِحْدَى صَلَاتي الْعشي بِمَعْنى حَدِيث سُفْيَان وَحدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد عَن مَالك بن أنس عَن دَاوُد الْحصين عَن أبي سُفْيَان مولى ابْن أبي أَحْمد أَنه قَالَ سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول صلى لنا رَسُول الله ص = صَلَاة الْعَصْر فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أقصرت الصَّلَاة يَا رَسُول الله أم نسيت فَقَالَ رَسُول الله كل ذَلِك لم يكن فَقَالَ قد كَانَ بعض ذَلِك يَا رَسُول الله فَأقبل رَسُول الله على النَّاس فَقَالَ أصدق ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نعم يَا رَسُول الله فَأم رَسُول الله مَا بَقِي من الصَّلَاة ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس بعد التَّسْلِيم وحَدثني حجاج بن الشَّاعِر قَالَ أَنبأَنَا هَارُون بن إِسْمَاعِيل الخزاز قَالَ

أَنبأَنَا عَليّ وَهُوَ ابْن الْمُبَارك قَالَ أَنبأَنَا يحيى قَالَ حَدثنَا أَبُو سَلمَة قَالَ أَنبأَنَا أَبُو هُرَيْرَة أَن رَسُول الله ص = صلى رَكْعَتَيْنِ من صَلَاة الظّهْر ثمَّ سلم فَأَتَاهُ رجل من بني سليم فَقَالَ يَا رَسُول الله أقصرت الصَّلَاة أم نسيت وسَاق الحَدِيث وحَدثني إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ أَنبأَنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ بَينا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله صَلَاة الظّهْر سلم رَسُول الله من الرَّكْعَتَيْنِ فَقَالَ رجل من بني سليم واقتص الحَدِيث وَحدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب جَمِيعًا عَن ابْن علية قَالَ زُهَيْر أَنبأَنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن خَالِد عَن أبي قلَابَة عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله ص = صلى الْعَصْر فَسلم فِي ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ دخل منزله فَقَامَ إِلَيْهِ رجل يُقَال لَهُ الْخِرْبَاق وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طول فَقَالَ يَا رَسُول الله فَذكر لَهُ صَنِيعه وَخرج غَضْبَان يجر رِدَاءَهُ حَتَّى انْتهى إِلَى النَّاس فَقَالَ أصدق هَذَا قَالُوا نعم فصلى رَكْعَة ثمَّ سلم ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم وَحدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَ أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ قَالَ حَدثنَا خَالِد وَهُوَ الْحذاء عَن أبي قلَابَة عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ سلم رَسُول الله فِي ثَلَاث رَكْعَات من الْعَصْر ثمَّ قَالَ فَدخل الْحُجْرَة فَقَامَ رجل بسيط الْيَدَيْنِ فَقَالَ أقصرت الصَّلَاة يَا رَسُول الله فَخرج مغضبا فصلى الرَّكْعَة الَّتِي كَانَ ترك ثمَّ سلم ثمَّ سجد سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ سلم وَاعْلَم أَن فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ فَوَائِد جمة وقواعد مهمة

مِنْهَا جَوَاز النسْيَان فِي الْأَفْعَال والعبادات على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَنَّهُمْ لَا يقرونَ على الْخَطَأ فِي ذَلِك وَمِنْهَا أَن الْوَاحِد إِذا ادّعى شَيْئا جرى بِحَضْرَة جمع كثير لَا يخفى عَلَيْهِم سئلوا عَنهُ وَلَا يعْمل بقوله من غير سُؤال وَمِنْهَا إِثْبَات سُجُود السَّهْو وَأَنه سَجْدَتَانِ وأنهما على هَيْئَة سُجُود الصَّلَاة وَأَنه يسلم من سُجُود السَّهْو وَأَنه لَا تشهد فِيهِ وَمِنْهَا أَن كَلَام النَّاسِي للصَّلَاة وَالَّذِي يظنّ أَنه لَيْسَ فِيهَا لَا يُبْطِلهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الصَّلَاة تبطل بالْكلَام نَاسِيا أَو جَاهِلا لحَدِيث ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم وَزَعَمُوا أَن الحَدِيث الْوَارِد فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم قَالُوا لِأَن ذَا الْيَدَيْنِ قتل يَوْم بدر ونقلوا ذَلِك عَن الزُّهْرِيّ قَالُوا وَلَا يمْنَع من هَذَا كَون أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخّر الْإِسْلَام عَن بدر لِأَن الصَّحَابِيّ قد يروي مَا لَا يحضرهُ بِأَن يسمعهُ من النَّبِي ص = أَو من أحد أَصْحَابه الْحَاضِرين لذَلِك وَقد رد ذَلِك ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد فَقَالَ أما ادعاؤهم أَن حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن مَسْعُود فَغير صَحِيح لِأَنَّهُ لَا خلاف بَين أهل الحَدِيث وَالسير أَن حَدِيث ابْن مَسْعُود كَانَ بِمَكَّة حِين رَجَعَ من أَرض الْحَبَشَة قبل الْهِجْرَة وَأَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بِالْمَدَنِيَّةِ وَإِنَّمَا أسلم أَبُو هُرَيْرَة عَام خَيْبَر سنة سبع من الْهِجْرَة بِلَا خلاف وَأما حَدِيث زيد بن أَرقم فَلَيْسَ فِيهِ بَيَان أَنه قبل حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَو بعده وَالنَّظَر يشْهد أَنه قبل حَدِيث أبي هُرَيْرَة

وَأما قَوْلهم إِن أَبَا هُرَيْرَة لم يشْهد ذَلِك فَلَيْسَ بِصَحِيح بل شُهُوده لَهَا مَحْفُوظ من رِوَايَة الثِّقَات الْحفاظ فَفِي البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ صلى لنا رَسُول الله ص = إِحْدَى صَلَاتي الْعشي فَسلم من اثْنَتَيْنِ وَذَلِكَ الحَدِيث وقصة ذِي الْيَدَيْنِ وَفِي رِوَايَة صلى بِنَا رَسُول الله وَفِي رِوَايَة فِي مُسلم وَغَيره بَينا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله وَأما قَوْلهم إِن ذَا الْيَدَيْنِ قتل يَوْم بدر فغلط وَإِنَّمَا الْمَقْتُول يَوْم بدر ذُو الشمالين وَقد ذكره ابْن إِسْحَاق وَغَيره من أهل السّير فِيمَن قتل يَوْم بدر قَالَ ابْن إِسْحَاق ذُو الشمالين هُوَ عُمَيْر بن عَمْرو بن غبشان من خُزَاعَة حَلِيف لبني زهرَة فذو الْيَدَيْنِ غير ذِي الشمالين فَفِيهِ حُضُور أبي هُرَيْرَة قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَأَن الْمُتَكَلّم رجل من بني سليم وَفِي رِوَايَة عمرَان بن الْحصين أَن اسْمه الْخِرْبَاق كَمَا ذكر ذَلِك مُسلم فذو الْيَدَيْنِ الَّذِي شهد السَّهْو فِي الصَّلَاة سلمي وَذُو الشمالين الْمَقْتُول ببدر خزاعي وَهُوَ يُخَالِفهُ فِي الِاسْم وَالنّسب وَأما قَول الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث السَّهْو إِن الْمُتَكَلّم ذُو الشمالين فَلم يُتَابع عَلَيْهِ وَقد اضْطربَ الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ اضطرابا أوجب عِنْد أهل الْعلم بِالنَّقْلِ تَركه من رِوَايَته خَاصَّة وَلَا يعلم أحد من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ المصنفين فِيهِ عول على حَدِيث الزُّهْرِيّ فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَكلهمْ تَرَكُوهُ لاضطرابه وَكَونه لم يتم لَهُ إِسْنَادًا وَلَا متْنا وَإِن كَانَ إِمَامًا عَظِيما فِي هَذَا الشَّأْن فالغلط لَا يسلم مِنْهُ بشر والكمال لله تَعَالَى وَلَك أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إِلَّا النَّبِي ص =

فَقَوْل الزُّهْرِيّ إِنَّه قتل يَوْم بدر مَتْرُوك لتحَقّق غلطة فِيهِ وَمن أَرَادَ زِيَادَة الْبَيَان فَليرْجع إِلَى التَّمْهِيد وَمن الْغَرِيب مَا وَقع فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِمَّا يدل على أَنَّهُمَا وَاحِد وَهُوَ فَقَالَ لَهُ ذُو الشمالين بن عَمْرو أنقصت الصَّلَاة أَن نسيت فَقَالَ النَّبِي ص = مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ فَصرحَ بِأَن ذُو الشمالين هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ لَكِن نَص الشَّافِعِي فِي اخْتِلَاف الحَدِيث على أَن ذَا الشمالين غير ذِي الْيَدَيْنِ قَالَ بعض المؤلفين قَوْله صلى لنا رَسُول الله صَلَاة الْعَصْر فَسلم رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَة صَلَاة الظّهْر قَالَ الْمُحَقِّقُونَ هما قضيتان وَفِي حَدِيث عمرَان بن الْحصين سلم رَسُول الله فِي ثَلَاث رَكْعَات من الْعَصْر ثمَّ دخل منزله فَقَامَ إِلَيْهِ رجل يُقَال لَهُ الْخِرْبَاق فَقَالَ يَا رَسُول الله فَذكر لَهُ صَنِيعه وَخرج غَضْبَان يجر رِدَاءَهُ وَفِي رِوَايَة لَهُ سلم فِي ثَلَاث رَكْعَات من الْعَصْر ثمَّ قَامَ فَدخل الْحُجْرَة فَقَالَ رجل بسيط الْيَدَيْنِ فَقَالَ أقصرت الصَّلَاة وَحَدِيث عمرَان هَذَا قَضِيَّة ثَالِثَة فِي يَوْم آخر فقد اخْتَار هَذَا الْمُؤلف فِي الْجمع بَين الرِّوَايَات الَّتِي نقلناها عَن مُسلم هُنَا أَن يُقَال سَهَا رَسُول الله ص = ثَلَاث مَرَّات مرّة فِي صَلَاة الظّهْر ومرتين فِي صَلَاة الْعَصْر وَفِي كل مرّة يقوم ذُو الْيَدَيْنِ فَيَقُول مَا نقل عَنهُ وَيَقُول رَسُول الله أصدق ذُو الْيَدَيْنِ أَو هَذَا فَيَقُول النَّاس نعم وَسبب اخْتِيَار ذَلِك مَعَ غرابة اتِّفَاق مثل هَذِه الْحَال ثَلَاث مَرَّات الْحِرْص على صون بعض الروَاة من نِسْبَة الْوَهم أَو الْغَلَط أَو السَّهْو إِلَيْهِم مَعَ أَنه لَا ملام فِي مثل ذَلِك عَلَيْهِم فاربأ بِنَفْسِك عَن الِاعْتِرَاض على كثير مِمَّا يُقَال فَإِن فِي ذَلِك إِضَاعَة للْوَقْت وَهِي عَثْرَة لَا تقال والمصحف هُوَ مَا وَقعت الْمُخَالفَة فِيهِ بتغيير النقط فِي الْكَلِمَة مَعَ بَقَاء صُورَة

ومثاله حَدِيث من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ سِتا من شَوَّال إِذا غيرت سِتا وجعلتها شَيْئا كَمَا وَقع ذَلِك لبَعض الأدباء فِيهِ والتصحيف كَمَا يَقع فِي الْمَتْن يَقع فِي الْإِسْنَاد ومثاله فِيهِ تَصْحِيف بعض الحدثين ابْن مزاجم وَهُوَ بالراء وَالْجِيم ابْن مُزَاحم بالزاي والحاء والمحرف هُوَ مَا وَقعت الْمُخَالفَة فِيهِ بتغيير الشكل فِي الْكَلِمَة مَعَ بَقَاء صُورَة الْخط فِيهَا وَمِثَال ذَلِك مَا وَقع لبَعض الْأَعْرَاب فَإِنَّهُ رأى فِي كتاب من كتب الحَدِيث أَن النَّبِي ص = كَانَ إِذا صلى نصبت بَين يَدَيْهِ عنزة والعنزة الحربة فظنها بِسُكُون النُّون ثمَّ روى ذَلِك بِالْمَعْنَى على حسب وهمه فَقَالَ كَانَ النَّبِي ص = إِذا صلى نصبت بَين يَدَيْهِ شَاة وكما يَقع التحريف فِي الْمَتْن يَقع فِي الْإِسْنَاد ومثاله فِيهِ أَن تجْعَل بشيرا بِفَتْح الْبَاء وَكسر الشين بشيرا بِضَم الْبَاء وَفتح الشين وَقس على ذَلِك مَا أشبهه وَاعْلَم أَن التَّصْحِيف والتحريف قد يُطلق كل مِنْهُمَا على مَا يَشْمَل هذَيْن النَّوْعَيْنِ بل قد يُطلق كل مِنْهُمَا على كل تَغْيِير يَقع فِي الْكَلِمَة وَلَو مَعَ عدم بَقَاء صُورَة الْخط فِيهَا تَنْبِيه كثيرا مَا يحاول أنَاس إِزَالَة التَّصْحِيف عَن كَلِمَات يتوهمون أَنَّهَا قد صحفت فيغيرونها بِمَا بدا لَهُم لَا سِيمَا إِن كَانَت قريب المأخذ فَيحدث بذلك التَّصْحِيف بعد أَن لم يكن وهم يظنون أَنهم أزالوه بعد أَن كَانَ وَمن أَمْثِلَة ذَلِك مَا ذكره الْحَافِظ ابْن حجر فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ حَيْثُ قَالَ حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن من صلى قَائِما فَهُوَ أفضل وَمن صلى قَاعِدا فَلهُ

نصف أجر الْقَائِم وَمن صلى نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد البُخَارِيّ بِلَفْظ أَنه سُئِلَ رَسُول الله ص = عَن صَلَاة الرجل قَاعِدا فَقَالَ إِن صلى قَائِما فَهُوَ أفضل وَمن صلى قَاعِدا فَلهُ نصف أجر الْقَائِم وَمن صلى نَائِما الحَدِيث مثله تَنْبِيه المُرَاد بالنائم المضطجع وصحف بَعضهم هَذِه اللَّفْظَة فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ صلى بإيماء أَي بِالْإِشَارَةِ كَمَا رُوِيَ أَنه ص = على ظهر الدَّابَّة يُومِئ إِيمَاء قَالَ وَلَو كَانَ من النّوم لعَارض نَهْيه عَن الصَّلَاة لمن غَلبه النّوم وَهَذَا إِنَّمَا قَالَه هَذَا الْقَائِل بِنَاء على أَن المُرَاد بِالنَّوْمِ حَقِيقَته وَإِذا حمل على الِاضْطِجَاع انْدفع الْإِشْكَال قَوْله ويروى صَلَاة النَّائِم على النّصْف من صَلَاة الْقَاعِد قلت رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ ابْن عبد الْبر وَغَيره وَقَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض رُبمَا نسب بعض النَّاس النَّسَائِيّ إِلَى التَّصْحِيف وَهُوَ مَرْدُود لِأَنَّهُ فِي الرِّوَايَة الثَّابِتَة وَصَلَاة النَّائِم على النّصْف من صَلَاة الْقَاعِد قلت وَهُوَ يدْفع مَا تعلل بِهِ الْقَائِل الأول وَقَالَ ابْن عبد الْبر جُمْهُور أهل الْعلم لَا يجيزون النَّافِلَة مُضْطَجعا فَإِن أجَاز أحد النَّافِلَة مُضْطَجعا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام فَهُوَ حجَّة لَهُ فَإِن لم يجزه أحد فَالْحَدِيث إِمَّا غلط أَو مَنْسُوخ وَقَالَ الْخطابِيّ لَا أحفظ عَن أحد من أهل الْعلم أَنه رخص فِي صَلَاة التَّطَوُّع نَائِما كَمَا رخصوا فِيهَا قَاعِدا فَإِن صحت هَذِه اللَّفْظَة وَلم تكن من كَلَام بعض الروَاة أدرجها فِي الحَدِيث وقاسه على صَلَاة الْقَاعِد أَو اعْتَبرهُ لصَلَاة الْمَرِيض نَائِما إِذا عجز عَن الْقعُود جَازَ التَّطَوُّع مُضْطَجعا للقادر على الْقعُود انْتهى وَمَا ادعياه من الِاتِّفَاق على الْمَنْع مَرْدُود فقد حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ عَن الشَّافِعِيَّة وَقد ذكرنَا كثيرا مِمَّا يتَعَلَّق بالتصحيف فِيمَا سبق هَذَا وَقد بَقِي مِمَّا يتَعَلَّق بمخالفة الرَّاوِي لغيره من الثِّقَات مِمَّا لم نذكرهُ سَابِقًا قسم يُسمى بالمزيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد وَهُوَ مَا كَانَت الْمُخَالفَة فِيهِ بِزِيَادَة راو فِي

الْإِسْنَاد وَقد جمع الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ بَينه وَبَين خَفِي الْإِرْسَال فِي مَوضِع وَاحِد وابتدأ بخفي الْإِرْسَال فَقَالَ فِيهِ هُوَ أَن يروي الرجل عَمَّن سمع مِنْهُ مَا لم يسمع مِنْهُ أَو عَمَّن لقِيه وَلم يسمع مِنْهُ أَو عَمَّن عاصره وَلم يلقه فَهَذَا قد يخفى على كثير من أهل الحَدِيث لِكَوْنِهِمَا قد جَمعهمَا عصر وَاحِد وَهَذَا النَّوْع أشبه بروايات المدلسين وَقد أفرده ابْن الصّلاح بِالذكر عَن نوع الْمُرْسل فتبعته على ذَلِك ثمَّ ذكر أَن خَفِي الْإِرْسَال يعرف بأَرْبعَة أُمُور أَحدهَا أَن يعرف عدم اللِّقَاء بَينهمَا بِنَصّ بعض الْأَئِمَّة على ذَلِك أَو يعرف ذَلِك بِوَجْه صَحِيح الثَّانِي أَن يعرف عدم سَمَاعه مِنْهُ مُطلقًا بِنَصّ إِمَام على ذَلِك أَو نَحوه الثَّالِث أَن يعرف عدم سَمَاعه مِنْهُ لذَلِك الحَدِيث وَإِن سمع مِنْهُ غَيره وَذَلِكَ إِمَّا بِنَصّ إِمَام أم إخْبَاره عَن نَفسه فِي بعض طرق الحَدِيث أَو نَحْو ذَلِك الرَّابِع أَن يرد فِي بعض طرق الحَدِيث زِيَادَة اسْم راو بَينهمَا ثمَّ قَالَ وَهَذَا الْقسم الرَّابِع مَحل نظر لَا يُدْرِكهُ إِلَّا الْحفاظ النقاد وَيشْتَبه ذَلِك على كثير من أهل الحَدِيث لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ الحكم للزائد وَرُبمَا كَانَ الحكم للناقص وَالزَّائِد وهم فَيكون من نوع الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد وَذَلِكَ جمعت بَينه وَبَين خَفِي الْإِرْسَال وَإِن كَانَ ابْن الصّلاح جَعلهمَا نَوْعَيْنِ وَكَذَلِكَ الْخَطِيب أفردهما بالتصنيف وصنف فِي الأول كتابا سَمَّاهُ التَّفْصِيل لمبهم الْمَرَاسِيل وصنف فِي الثَّانِي كتابا سَمَّاهُ تَمْيِيز الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد وَفِي كثير مِمَّا ذكره فِيهِ نظر وَالصَّوَاب مَا ذكره ابْن الصّلاح من التَّفْصِيل واقتصرت عَلَيْهِ ولنذكر مَا ذكره ابْن الصّلاح فِي ذَلِك برمتِهِ قَالَ النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ معرفَة الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد مِثَاله مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر قَالَ حَدثنِي بسر بن عبيد الله قَالَ سَمِعت أَبَا إِدْرِيس يَقُول سَمِعت وائلة ابْن الْأَسْقَع يَقُول سَمِعت أَبَا مرْثَد الغنوي

يَقُول سَمِعت رَسُول الله ص = يَقُول لَا تجلسوا على الْقُبُور وَلَا تصلوا إِلَيْهَا فَذكر سُفْيَان فِي هَذَا الْإِسْنَاد زِيَادَة وَوهم وَهَكَذَا ذكر أبي إِدْرِيس أما الْوَهم فِي ذكر سُفْيَان فَمن دون ابْن الْمُبَارك لَا من ابْن الْمُبَارك لِأَن جماعات ثِقَات رَوَوْهُ عَن ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جَابر نَفسه وَمِنْهُم من صرح فِيهِ بِلَفْظ الْإِخْبَار بَينهمَا وَأما ذكر ابْن إِدْرِيس فِيهِ فَابْن الْمُبَارك مَنْسُوب فِيهِ إِلَى الْوَهم وَذَلِكَ لِأَن جمَاعَة من الثِّقَات رَوَوْهُ عَن ابْن جَابر فَلم يذكرُوا أَبَا إِدْرِيس بَين بسر وواثلة وَفِيهِمْ من صرح فِيهِ بِسَمَاع بسر من وَاثِلَة قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ يرَوْنَ أَن ابْن الْمُبَارك وهم فِي هَذَا وَكَثِيرًا مَا يحدث بسر عَن أبي إِدْرِيس فغلط ابْن الْمُبَارك وَظن أَن هَذَا مِمَّا رُوِيَ عَن أبي إِدْرِيس عَن وَاثِلَة وَقد سمع هَذَا بسر من وَاثِلَة نَفسه قلت قد ألف الْخَطِيب الْحَافِظ فِي هَذَا النَّوْع كتابا سَمَّاهُ تَمْيِيز الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد وَفِي كثير مِمَّا ذكره نظر لِأَن الْإِسْنَاد الْخَالِي عَن الرَّاوِي الزَّائِد إِن كَانَ بِلَفْظَة عَن فِي ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يحكم بإرساله وَيجْعَل مُعَللا بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذكر فِيهِ الزَّائِد لما عرف فِي نوع الْمُعَلل وكما يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله فِي النَّوْع الَّذِي يَلِيهِ وَإِن كَانَ فِيهِ تَصْرِيح بِالسَّمَاعِ أَو بالإخبار كَمَا فِي الْمِثَال الَّذِي أوردناه فَجَائِز أَن يكون قد سمع ذَلِك من رجل عَنهُ ثمَّ سَمعه مِنْهُ نَفسه فَيكون بشر فِي هَذَا الحَدِيث قد سَمعه من أبي إِدْرِيس عَن وَاثِلَة ثمَّ لَقِي وَاثِلَة فَسَمعهُ مِنْهُ كَمَا جَاءَ مثله مُصَرحًا بِهِ فِي غير هَذَا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تُوجد قرينَة تدل على كَونه وهما كنحو مَا ذكره أَبُو حَاتِم فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَأَيْضًا فَالظَّاهِر مِمَّن وَقع لَهُ مثل ذَلِك أَن يذكر السماعين فَإِذا لم يَجِيء عَنهُ ذكر ذَلِك حملناه على الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة وَالله أعلم وَقَالَ بعض الْعلمَاء بعد مَا أورد مَا ذَكرُوهُ فِي حكم هَذَا النَّوْع وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يطرد الحكم هُنَا بِشَيْء معِين كَمَا لم يطرد ذَلِك فِي تعَارض الْوَصْل والإرسال

وَقد أحببنا أَن نورد ذَلِك لمناسبته لما نَحن فِيهِ فَنَقُول إِذا اخْتلف الروَاة فِي حَدِيث فَرَوَاهُ بَعضهم مُتَّصِلا وَبَعْضهمْ مُرْسلا فللعلماء فِي ذَلِك أَرْبَعَة أَقْوَال القَوْل الأول أَن الحكم لمن وصل وَهُوَ الْأَظْهر وَإِلَيْهِ ذهب عُلَمَاء الْأُصُول القَوْل الثَّانِي أَن الحكم لمن أرسل ويحكى عَن أَكثر أَصْحَاب الحَدِيث القَوْل الثَّالِث أَن الحكم للْأَكْثَر فَإِن كَانَ من أرْسلهُ أَكثر مِمَّن وَصله فَالْحكم للإرسال وَإِن كَانَ من وَصله أَكثر مِمَّن أرْسلهُ فَالْحكم للوصل القَوْل الرَّابِع أَن الحكم للأحفظ فَإِن كَانَ من أرْسلهُ أحفظ فَالْحكم للإرسال وَإِن كَانَ من وَصله أحفظ فَالْحكم للوصل وَالَّذِي يظْهر أَن مَحل كل قَول من هَذِه الْأَقْوَال إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لم يظْهر مُرَجّح لخلافه وَمن تتبع آثَار مُتَقَدِّمي هَذَا الْفَنّ كَابْن مهْدي وَالْقطَّان وَالْبُخَارِيّ وَأحمد ظهر لَهُ إِنَّهُم لم يحكموا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِحكم كلي بل جعلُوا الْمعول فِي ذَلِك على الْمُرَجح فَمَتَى وجد كَانَ الحكم لَهُ وَلذَلِك تراهم يرجحون تَارَة الْوَصْل وَتارَة الْإِرْسَال كَمَا يرجحون تَارَة عدد الذوات على الصِّفَات وَتارَة الْعَكْس وَمِمَّا يُنَاسب هَذِه الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة أُخْرَى يجعلونها تالية لَهَا فِي الذّكر وَهِي مَا إِذا رفع بَعضهم الحَدِيث إِلَى النَّبِي ص = وَوَقفه بَعضهم على الصَّحَابِيّ أَو رَفعه وَاحِد فِي وَقت وَوَقفه هُوَ أَيْضا فِي وَقت آخر وَقد اخْتلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ بَعضهم إِن الحكم للرافع لِأَنَّهُ مُثبت وَغير سَاكِت وَلَو كَانَ نافيا فالمثبت مقدم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ علم مَا خَفِي عَلَيْهِ وَقَالَ بَعضهم إِن الحكم للْوَاقِف ويحكى عَن أَكثر أَصْحَاب الحَدِيث وَقَالَ بَعضهم إِن الحكم للرافع إِلَّا أَن يقفه الْأَكْثَرُونَ وَقد أَشَارَ إِلَى هَذَا

القَوْل الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته حَيْثُ قَالَ إِن البُخَارِيّ وَمُسلمًا تركا أَشْيَاء تَركهَا قريب وَأَشْيَاء لَا وَجه لتركها فمما لَا وَجه لتَركه أَن يرفع الحَدِيث ثِقَة ويقفه آخر فَترك هَذَا لَا وَجه لَهُ لِأَن الرّفْع زِيَادَة وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة إِلَّا أَن يقفه الْأَكْثَر وَيَرْفَعهُ وَاحِد فَالظَّاهِر غلطه وَإِن كَانَ من الْجَائِز أَن يكون حفظ دونهم قَالَ الْحَاكِم قلت للدارقطني فخلاد بن يحيى فَقَالَ ثِقَة إِنَّمَا أَخطَأ فِي حَدِيث وَاحِد فرفعه وَوَقفه النَّاس وَقلت لَهُ فسعيد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ فَقَالَ لَيْسَ بِالْقَوِيّ يحدث بِأَحَادِيث يسندها وَغَيره يقفها هَذَا وَقد ذكرنَا فِي الضَّعِيف وأقسامه مَا فِيهِ تبصرة للمبتدي وَتَذْكِرَة لغيره إِلَّا بحث الْمُعَلل فَإنَّا لم نوفه حق من الْبَيَان مَعَ أَنه من أهم المباحث فأحببنا إِفْرَاده بالبحث اعتناء بِشَأْنِهِ وَقبل أَن نشرع فِي ذَلِك نقُول كَمَا أَن للْحَدِيث المقبول وَهُوَ الصَّحِيح وَنَحْوه مَرَاتِب كَذَلِك للْحَدِيث الْمَرْدُود وَهُوَ الضَّعِيف وَنَحْوه مَرَاتِب والضعيف إِذا رتب على حسب شدَّة الضعْف قدم الْمَوْضُوع وَهَذَا أَمر لَا خلاف فِيهِ ويتلوه الْمَتْرُوك ثمَّ الْمُنكر ثمَّ الْمُعَلل ثمَّ المدرج ثمَّ المقلوب ثمَّ المضطرب وَقَالَ الْخطابِيّ شَرها الْمَوْضُوع ثمَّ المقلوب ثمَّ الْمَجْهُول وَقَالَ بَعضهم الضَّعِيف الَّذِي ضعفه لَا لعدم الِاتِّصَال يقدم فِيهِ الْمَوْضُوع ثمَّ الْمَتْرُوك ثمَّ المدرج ثمَّ المقلوب ثمَّ الْمُنكر ثمَّ الشاذ ثمَّ الْمُعَلل ثمَّ المضطرب والضعيف الَّذِي ضعفه لعدم الِاتِّصَال يقدم فِيهِ المعضل ثمَّ الْمُنْقَطع ثمَّ المدلس ثمَّ الْمُرْسل وَهَذَا التَّرْتِيب الَّذِي ذَكرُوهُ إِنَّمَا نظرُوا فِيهِ إِلَى الْجُمْلَة وَإِلَّا فقد يكون فِي الْمُقدم مَا هُوَ أخف ضعفا مِمَّا بعده وَانْظُر إِلَى المعضل مثلا فَإِنَّهُم قدموه على الْمُنْقَطع وجعلوه أَسْوَأ مِنْهُ حَالا مَعَ أَن الْمُنْقَطع قد يكون مُسَاوِيا للمعضل وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَ الِانْقِطَاع فِيهِ من موضِعين وَكَانَ المعضل قد سقط مِنْهُ اثْنَان فَقَط على الشَّرْط

بيان شاف للمعلل من الحديث

وَهُوَ التوالي وَقد يكون أَسْوَأ حَالا مِنْهُ وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَ الِانْقِطَاع فِيهِ من ثَلَاثَة مَوَاضِع وَحِينَئِذٍ فتقديم المعضل على الْمُنْقَطع وَالْحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَسْوَأ حَالا مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ للْغَالِب فَهُوَ حكم مَبْنِيّ على الْجُمْلَة فَيَنْبَغِي الانتباه لذَلِك وَلما أشبهه بَيَان شاف للمعلل من الحَدِيث هَذَا النَّوْع من أجل أواع عُلُوم الحَدِيث وَأَشْرَفهَا وأدقها وأغمضها وَلَا يقوم بِهِ إِلَّا من كَانَ لَهُ فهم ثاقب وَحفظ وَاسع وَمَعْرِفَة تَامَّة بِالْأَسَانِيدِ والمتون وأحوال الروَاة وَلِهَذَا لم يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا الْقَلِيل من أَئِمَّة الحَدِيث كعلي بن الْمَدِينِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ وَيَعْقُوب بن أبي شيبَة وَأبي حَاتِم الرَّازِيّ وَأبي زرْعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَيُقَال للمعلل الْمَعْلُول والمعلل أما الْمَعْلُول فقد وَقع فِي كَلَام البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأبي يعلى الخليلي وَالْحَاكِم وَغَيرهم وَقد أنكر بعض الْعلمَاء ذَلِك من جِهَة اللُّغَة وَأَنَّهُمْ قَالُوا إِن الْمَعْلُول فِي اللُّغَة اسْم مفعول من عله إِذا سقَاهُ السقية الثَّانِيَة وتعقبهم آخَرُونَ فَقَالُوا قد ذكر فِي بعض كتب اللُّغَة عل الشَّيْء إِذا أَصَابَته عِلّة فَيكون لفظ مَعْلُول هُنَا مأخوذا مِنْهُ قَالَ ابْن الْقُوطِيَّة عل الْإِنْسَان مرض وَالشَّيْء أَصَابَته الْعلَّة فَيكون اسْتِعْمَاله بِالْمَعْنَى الَّذِي أرادوه غير مُنكر بل قَالَ بَعضهم اسْتِعْمَال هَذَا اللَّفْظ أولى لوُقُوعه فِي عِبَارَات أهل الْفَنّ مَعَ ثُبُوته لُغَة وَمن حفظ حجَّة على من لم يحفظ قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد عِنْد قَول كَعْب (تجلو عوارض ذِي ظلم إِذا ابتسمت ... كَأَنَّهُ منهل بِالرَّاحِ مَعْلُول) قَوْله مَعْلُول اسْم مفعول كَمَا أَن منهلا كَذَلِك إِلَّا أَن فعله ثلاثي مُجَرّد يُقَال عله يعله بِالضَّمِّ على الْقيَاس ويعله بِالْكَسْرِ إِذا سقَاهُ ثَانِيًا وأصل ذَلِك أَن

الْإِبِل إِذا شربت فِي أول الْورْد سمي ذَلِك نهلا فَإِذا ردَّتْ إِلَى أعطانها ثمَّ سقيت الثَّانِيَة سمي ذَلِك الْعِلَل وَزعم الحريري أَن الْمَعْلُول ل يسْتَعْمل إِلَّا بِهَذَا الْمَعْنى وَأَن إِطْلَاق النَّاس لَهُ على الَّذِي أَصَابَته الْعلَّة وهم وَأَنه إِنَّمَا يُقَال لذَلِك معل من أعله الله وَكَذَا قَالَ ابْن مكي وَغَيره ولحنوا الْمُحدثين فِي قَوْلهم حَدِيث مَعْلُول وَقَالُوا الصَّوَاب معل أَو مُعَلل انْتهى وَالصَّوَاب أَنه يجوز أَن يُقَال عله فَهُوَ مَعْلُول من الْعلَّة إِلَّا أَنه قَلِيل وَمِمَّنْ نقل ذَلِك الجوهريي فِي صحاحه وَابْن الْقُوطِيَّة فِي أَفعاله وقطرب فِي كتاب فعلت وأفعلت وَذكر ابْن سَيّده فِي الْمُحكم أَن فِي كتاب أبي إِسْحَاق فِي الْعرُوض مَعْلُول ثمَّ قَالَ وَلست على ثِقَة مِنْهُ انْتهى قيل وَيشْهد بِهَذِهِ اللُّغَة قَوْلهم عليل كَمَا تَقول جريح وقتيل انْتهى وَلَا دَلِيل فِي ذَلِك لقَولهم عقيد وَضمير وهما بِمَعْنى مُغفل لَا بِمَعْنى مفعول وَنَظِير هَذَا أَن الْمُحدثين يَقُولُونَ أعضل فلَان الحَدِيث فَهُوَ معضل بِالْفَتْح ورد بِأَن الْمَعْرُوف أعضل الْأَمر فَهُوَ معضل كأشكل فَهُوَ مُشكل وَأجَاب ابْن الصّلاح بِأَنَّهُم قَالُوا أَمر عضيل أَي مُشكل وفعيل يدل على الثلاثي فعلى هَذَا يكون لنا عضل قاصرا وأعضل مُتَعَدِّيا وقاصرا كَمَا قَالُوا ظلم اللَّيْل وأظلم اللَّيْل وأظلم الله اللَّيْل انْتهى وَقد بَينا أَن فعيلا يَأْتِي من غير الثلاثي ثمَّ إِنَّه لَا يكون من الثلاثي الْقَاصِر وَأما الْمُعَلل فقد شاع اسْتِعْمَال الْقَوْم لَهُ وذاع وَهُوَ اسْم مفعول من قَوْلك عللته تعليلا إِلَّا أَن التَّعْلِيل فِي اللُّغَة لَا يُنَاسب الْمَعْنى المُرَاد لِأَنَّهُ بِمَعْنى الإلهاء تَقول عللت الصَّبِي بِالطَّعَامِ تعليلا إِلَّا ألهيته عَن اللَّبن وَلذَا قَالَ بَعضهم الْأَحْسَن أَن يُسمى هَذَا النَّوْع بالمعل لِأَن الْأَكْثَر فِي اسْتِعْمَال الْفِعْل أَن يَقُولُوا أعله

فلَان بِكَذَا وَالْقِيَاس فِيهِ أَن يكون اسْم الْمَفْعُول مِنْهُ معلا وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة وَإِن كَانَ نَادِر الِاسْتِعْمَال فَإِن الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال لفظ عليل وَقد جَاءَ معل فِي عبارَة بعض الْمُحدثين وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِي إِيرَاد عِبَارَات الْقَوْم فِي المعل قَالَ جَامع أشتات هَذَا الْفَنّ الْحَافِظ ابْن الصّلاح النَّوْع الثَّامِن عشر معرفَة الحَدِيث الْمُعَلل ويسميه أهل الحَدِيث الْمَعْلُول وَذَلِكَ مِنْهُم وَمن الْفُقَهَاء فِي قَوْلهم فِي بَاب الْقيَاس الْعلَّة والمعلول مرذول عِنْد أهل الْعَرَبيَّة واللغة اعْلَم أَن معرفَة علل الحَدِيث من أجل عُلُوم الحَدِيث وأدقها وَأَشْرَفهَا وَإِنَّمَا يضطلع بذلك أهل الْحِفْظ والخبرة والفهم الثاقب وَهِي عبارَة عَن أَسبَاب خُفْيَة غامضة قادحة فِيهِ فَالْحَدِيث الْمُعَلل هُوَ الحَدِيث الَّذِي اطلع فِيهِ على عِلّة تقدح فِي صِحَّته مَعَ أَن الظَّاهِر السَّلامَة مِنْهَا ويتطرق ذَلِك إِلَى الْإِسْنَاد الَّذِي رِجَاله ثِقَات الْجَامِع شُرُوط الصِّحَّة من حَيْثُ الظَّاهِر ويستعان على إِدْرَاكهَا بتفرد الرَّاوِي وبمخالفة غَيره لَهُ مَعَ قَرَائِن تنضم إِلَى ذَلِك تنبه الْعَارِف بِهَذَا الشَّأْن على إرْسَال فِي الْمَوْصُول أَو وقف فِي الْمَرْفُوع أَو دُخُول حَدِيث فِي حَدِيث أَو وهم واهم بِغَيْر ذَلِك بِحَيْثُ يغلب على ظَنّه ذَلِك فَيحكم بِهِ أَو يتَرَدَّد فَيتَوَقَّف فِيهِ وكل ذَلِك مَانع من الحكم بِصِحَّة مَا وجد ذَلِك فِيهِ وَكَثِيرًا مَا يعللون الْمَوْصُول بالمرسل مثل أَن يَجِيء الحَدِيث بِإِسْنَاد مَوْصُول وَيَجِيء أَيْضا بِإِسْنَاد مُنْقَطع أقوى من إِسْنَاد الْمَوْصُول وَلِهَذَا اشْتَمَلت كتب علل الحَدِيث على جمع طرقه قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر السَّبِيل إِلَى معرفَة عِلّة الحَدِيث أَن

يجمع بَين طرقه وَينظر فِي اخْتِلَاف رُوَاته وَيعْتَبر بمكانهم من الْحِفْظ ومنزلتهم فِي الإتقان والضبط وَرُوِيَ عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ الْبَاب إِذا لم تجمع طرقه لم يتَبَيَّن خطوه ثمَّ قد تقع الْعلَّة فِي إِسْنَاد الحَدِيث وَهُوَ الْأَكْثَر وَقد تقع فِي مَتنه ثمَّ مَا يَقع فِي الْإِسْنَاد قد يقْدَح فِي صِحَة الْإِسْنَاد والمتن جَمِيعًا كَمَا فِي التَّعْلِيل بِالْإِرْسَال وَالْوَقْف وَقد يقْدَح فِي صِحَة الْإِسْنَاد خَاصَّة من غير قدح فِي صِحَة الْمَتْن فَمن أَمْثِلَة مَا وَقعت الْعلَّة فِي إِسْنَاده من غير قدح فِي الْمَتْن مَا رَوَاهُ الثِّقَة يعلى بن عبيد عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = قَالَ البيعان بِالْخِيَارِ الحَدِيث فَهَذَا الْإِسْنَاد مُتَّصِل بِنَقْل الْعدْل عَن الْعدْل وَهُوَ مُعَلل غير صَحِيح والمتن على كل حَال صَحِيح وَالْعلَّة فِي قَوْله عَن عَمْرو بن دِينَار إِنَّمَا هُوَ عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر هَكَذَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة من أَصْحَاب سُفْيَان عَنهُ فَوَهم يعلى بن عبيد وَعدل عَن عبد الله بن دِينَار إِلَى عَمْرو بن دِينَار وَكِلَاهُمَا ثِقَة وَمِثَال الْعلَّة فِي الْمَتْن مَا نفرد مُسلم بِإِخْرَاجِهِ فِي حَدِيث أنس من اللَّفْظ الْمُصَرّح بِنَفْي قِرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فعلل قوم رِوَايَة اللَّفْظ الْمَذْكُور لما رَأَوْا الْأَكْثَرين إِنَّمَا قَالُوا فِيهِ فَكَانُوا يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين من غير تعرض لذكر الْبَسْمَلَة وَهُوَ الَّذِي اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاجه فِي الصَّحِيح وَرَأَوا أَن من رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور رَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقع لَهُ ففهم من قَوْله كَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد أَنهم كَانُوا

لَا يبسملون فَرَوَاهُ على مَا فهم وَأَخْطَأ لِأَن مَعْنَاهُ أَن السُّورَة الَّتِي كَانُوا يفتتحون بهَا من السُّور هِيَ الْفَاتِحَة وَلَيْسَ فِيهِ تعرض لذكر التَّسْمِيَة وانضم إِلَى ذَلِك أُمُور مِنْهَا أَنه ثَبت عَن أنس أَنه سُئِلَ عَن الِافْتِتَاح بِالتَّسْمِيَةِ فَذكر أَنه لَا يحفظ فِيهِ شَيْئا عَن رَسُول الله ص = وَالله أعلم ثمَّ اعْلَم أَنه قد يُطلق اسْم الْعلَّة على غير مَا ذَكرْنَاهُ من بَاقِي الْأَسْبَاب القادحة فِي الحَدِيث المخرجة لَهُ من حَال الصِّحَّة إِلَى حَال الضعْف الْمَانِعَة من الْعَمَل بِهِ على مَا هُوَ مُقْتَضى لفظ الْعلَّة فِي الأَصْل وَلذَلِك تَجِد فِي كثير من كتب علل الحَدِيث الْكثير من الْجرْح بِالْكَذِبِ والغفلة وَسُوء الْحِفْظ وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع الْجرْح وَسمي التِّرْمِذِيّ النّسخ عِلّة من علل الحَدِيث ثمَّ إِن بَعضهم أطلق اسْم الْعلَّة على مَا لَيْسَ بقادح من وُجُوه الْخلاف نَحْو إرْسَال من أرسل الحَدِيث الَّذِي أسْندهُ الثِّقَة الضَّابِط حَتَّى قَالَ من أَقسَام الصَّحِيح مَا هُوَ صَحِيح مَعْلُول كَمَا قَالَ بَعضهم من الصَّحِيح مَا هُوَ صَحِيح شَاذ وَالله أعلم قَالَ الْمُحَقق الطَّيِّبِيّ فِي الْخُلَاصَة فِي علم الحَدِيث أَقُول وَفِي قَول ابْن الصّلاح فعلل قوم هَذِه الرِّوَايَة إِشَارَة إِلَى أَنه غير رَاض عَن تخطئتهم مُسلما وَذَلِكَ أَن الْمَذْكُور فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أنس قَالَ صليت مَعَ رَسُول الله ص = وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع أحد مِنْهُم يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَفِي رِوَايَة أَن النَّبِي ص = وَأَبا بكر وَعمر كَانُوا يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَلَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا

وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ سمعني أبي وَأَنا أَقرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ أَي بني مُحدث إياك وَالْحَدَث وَقد صليت مَعَ النَّبِي ص = وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع مِنْهُم أحدا يَقُولهَا فَلَا تقلها إِذا أَنْت صليت فَقل الْحَمد لله رب الْعَالمين فَأَيْنَ الْعلَّة وَلَعَلَّ المعل مَال إِلَى مذْهبه والإذعان للحق أَحَق من المراء وَقد تصدى الْعَلامَة ابْن تَيْمِية لبَيَان هَذِه الْمَسْأَلَة على الْوَجْه الَّذِي أَدَّاهُ إِلَيْهِ بَحثه وَذَلِكَ حِين سَأَلَهُ سَائل عَن حَدِيث أنس صليت خلف النَّبِي ص = وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَكَانُوا يفتتحون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا آخرهَا هَل هُوَ مُضْطَرب أم لَا مَا حكم هَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا فَقَالَ فِي جَوَابه أما حَدِيث أنس فَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَرُوِيَ فِي الصَّحِيح بِأَلْفَاظ لَا تخلف هَذَا اللَّفْظ مثل قَوْله فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَهَذَا اللَّفْظ لَا يُنَافِي الأول لِأَن أنسا لم ينف الْقِرَاءَة فِي السِّرّ وَلَا يُمكنهُ نفي ذَلِك فَإِنَّهُ قد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي ص = كَانَت لَهُ سكتة طَوِيلَة بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة فَإِذا قَرَأَ فِي تِلْكَ السكتة الْبَسْمَلَة لم يسْمعهَا أنس وَلَا يُمكنهُ فِي ذَلِك فَإِن أنسا إِنَّمَا نفى مَا يُمكنهُ الْعلم بانتفائه وَهُوَ ذكرهَا جَهرا وَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره أَن أنسا سُئِلَ هَل كَانَ رَسُول الله ص = يقْرَأ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ إِنَّك لتسألني عَن شَيْء مَا سَأَلَني عَنهُ أحد وَقَالَ لَا أحفظه وَهَذَا لَا يُنَافِي ذَلِك الأول لِأَنَّهُ سَأَلَهُ عَن قِرَاءَة ذَلِك سرا وَهُوَ لَا يعلم ذَلِك فأحاديث أنس الصَّحِيحَة كلهَا مؤتلفة متفقة تبين أَنه نفى الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ وَأَنه لم يتَكَلَّم فِي قرَاءَتهَا سرا لَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات وَحِينَئِذٍ فَلَا اضْطِرَاب فِي أَحَادِيثه

الصَّحِيحَة وَلَكِن من الْعلمَاء من ظن أَن أنسا لم يقل ذَلِك وَلَكِن روى أَن النَّبِي ص = كَانَ يفْتَتح الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَأَن مَقْصُود أنس كَانَ الْإِخْبَار بالسورة لَا بِالْكَلِمَةِ وَأَن الرَّاوِي عَن أنس ظن أَن مَقْصُوده هُوَ الْكَلِمَة وَأَنه رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فنفى الْقِرَاءَة بالبسملة اجْتِهَادًا مِنْهُ لَا سَمَاعا عَن انس لَكِن من الْمَعْلُوم أَن رِوَايَة الثِّقَات الْأَثْبَات لَا تدفع بِمثل هَذِه الِاحْتِمَالَات لَا سِيمَا وافتتاح الصَّلَاة بِالْفَاتِحَةِ من الْعلم الَّذِي يُعلمهُ كل وَاحِد فَكل من صلى أنس خَلفه من الْخُلَفَاء والأمراء وَغَيرهم يفْتَتح الصَّلَاة بِالْفَاتِحَةِ وَجَمِيع النَّاس يعلمُونَ ذَلِك فَلم يكن فِي هَذَا من الْعلم مَا يحْتَاج بِهِ إِلَى رِوَايَة أنس وَلَا ينْحَصر مثل هَذَا فِي الصَّلَاة خلف النَّبِي ص = وصاحبيه فَلَو لم يكن إِلَّا تِلْكَ الرِّوَايَة لم يجز تَفْسِيرهَا بِهَذَا فَكيف مَعَ تَصْرِيح الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة عَن أنس بمقصوده وَمرَاده وَقد مَعَ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي جزأ فِي طرق حَدِيث أنس وَرِوَايَة الثِّقَات الْأَثْبَات لَهُ بِهَذَا اللَّفْظ عَن أنس على وَجه يعلم من تدبره أَنه مَحْفُوظ صَحِيح كَمَا أخرجه أهل الصَّحِيح وَلَيْسَ عَن النَّبِي ص = حَدِيث صَحِيح يُنَاقض حَدِيث أنس بل غَيره من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَحَدِيث عَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهمَا يُوَافق حَدِيث أنس وَمَا خَالفه فإمَّا أَن يكون ضَعِيفا أَو يكون مُحْتملا وَالله أعلم وَقد سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة مرّة أُخْرَى فَأجَاب عَنْهَا بِجَوَاب مَبْسُوط وَهِي من الْمسَائِل المهمة الَّتِي اشْتَدَّ فِيهَا النزاع بَين الْفَرِيقَيْنِ وَقد صنف من الْجَانِبَيْنِ مصنفات كَثِيرَة غير أَن مِنْهُم من الْتزم الِانْتِصَار لِلْقَوْلِ الَّذِي ألزم نَفسه الْأَخْذ بِهِ محاولا جعل الصَّحِيح ذَا عِلّة والمعل سالما من الْعلَّة وَمِنْهُم من الْتزم الِانْتِصَار لما أَدَّاهُ إِلَيْهِ الدَّلِيل وَهَؤُلَاء قد أَحْسنُوا وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب عُلُوم الحَدِيث فِي النَّوْع السَّابِع وَالْعِشْرين هَذَا

النَّوْع مِنْهُ معرفَة علل الحَدِيث وَهُوَ علم بِرَأْسِهِ غَيره صَحِيح والسقيم وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل أخبرنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن سَلمَة بن عبد الله قَالَ سَمِعت أَبَا قدامَة السَّرخسِيّ يَقُول عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول لِأَن أعرف عِلّة حَدِيث هُوَ عِنْدِي أحب إِلَيّ من أَن أكتب عشْرين حَدِيثا لَيست عِنْدِي قَالَ أَبُو عبد الله وَإِنَّمَا يُعلل الحَدِيث من أوجه لَيْسَ للجرح فِيهَا مدْخل فَإِن حَدِيث الْمَجْرُوح سَاقِط واه وَعلة الحَدِيث تكْثر فِي أَحَادِيث الثِّقَات بِأَن يحدثوا بِحَدِيث لَهُ عِلّة فيخفى عَلَيْهِم علمهَا فَيصير الحَدِيث معلولا وَالْحجّة فِيهِ عندنَا الْحِفْظ والفهم والمعرفة لَا غير وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي معرفَة الحَدِيث إلهام فَلَو قلت للْعَالم بعلل الحَدِيث من أَيْن قلت هَذَا لم لَكِن لَهُ حجَّة وَأَخْبرنِي أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبدويه بِالريِّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن صَالح الكيليني قَالَ سَمِعت أَبَا زرْعَة وَقَالَ لَهُ رجل مَا الْحجَّة فِي تعليلكم الحَدِيث قَالَ الْحجَّة أَن تَسْأَلنِي عَن حَدِيث لَهُ عِلّة فاذكر علته ثمَّ تقصد ابْن واره يَعْنِي مُحَمَّد بن مُسلم بن واره فتسأله عَنهُ وَلَا تخبره بأنك قد سَأَلتنِي عَنهُ فيذكر علته ثمَّ تقصد أَبَا حَاتِم فيعلله ثمَّ تميز كلامنا على ذَلِك الحَدِيث فَإِن وجدت بَيْننَا خلافًا فِي علته فَاعْلَم أَن كلا مِنْهَا تكلم على مُرَاده وَإِن وجدت الْكَلِمَة متفقة فَاعْلَم حَقِيقَة هَذَا الْعلم قَالَ فَفعل الرجل ذَلِك فاتفقت كلمتهم عَلَيْهِ فَقَالَ أشهد أَن هَذَا الْعلم إلهام ثمَّ ذكر بعد ذَلِك من علل الحَدِيث عشرَة أَجنَاس وَأورد لكل جنس مِثَالا مَعَ بَيَان الْعلَّة الَّتِي فِيهِ وَقد أَحْبَبْت أَن أذكر ذَلِك موردا قبل كل مِثَال تَعْرِيف الْجِنْس الَّذِي أورد ذَلِك الْمِثَال لأَجله زِيَادَة فِي الْإِيضَاح لما فِي هَذَا النَّوْع من الغموض وهاك مَا أوردهُ

الْجِنْس الأول من أَجنَاس علل الحَدِيث أَن يكون السَّنَد ظَاهره الصِّحَّة وَلَكِن فِيهِ من لَا يعرف بِالسَّمَاعِ مِمَّن روى عَنهُ ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني قَالَ حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد قَالَ قَالَ ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ من جلس مَجْلِسا كثر فِيهِ لغطه فَقَالَ قبل أَن يقوم سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك إِلَّا غفر لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسه ذَلِك قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث من تَأمله لم يشك أَنه شَرط الصَّحِيح وَله عِلّة فَاحِشَة حَدثنِي أَبُو نصر أَحْمد بن مُحَمَّد الْوراق قَالَ سَمِعت أَبَا حَامِد أَحْمد بن حمدون الْقصار يَقُول سَمِعت مُسلم بن الْحجَّاج وَجَاء إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ فَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ دَعْنِي حَتَّى أقبل رجليك يَا أستاذ الأستاذين وَسيد الْمُحدثين وطبيب الحَدِيث فِي علله حَدثَك مُحَمَّد بن سَلام قَالَ حَدثنَا مخلد بن يزِيد الْحَرَّانِي قَالَ أخبرنها ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = فِي كَفَّارَة الْمجْلس فَمَا علته قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا حَدِيث مليح وَلَا أعلم فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَاب غير هَذَا الحَدِيث إِلَّا أَنه مَعْلُول حَدثنَا بِهِ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا

وهيب قَالَ حَدثنَا سُهَيْل عَن عون بن عبد الله قَوْله قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا أولى فَإِنَّهُ لَا يذكر لمُوسَى بن عقبَة سَماع من سُهَيْل وَالْجِنْس الثَّانِي من علل الحَدِيث أَن يسند الحَدِيث من وَجه ظَاهره الصِّحَّة وَلَكِن يكون مُرْسلا من وَجه رَوَاهُ الثِّقَات الْحفاظ ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدروي قَالَ حَدثنَا قبيصَة بن عقبَة عَن سُفْيَان عَن خَالِد الْحذاء أَو عَاصِم عَن أبي قلَابَة عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = أرْحم أمتِي أَبُو بكر وأشدهم فِي دين الله عمر وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان وأقرؤهم أبي بن كَعْب وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل وَإِن لَك أمة أَمينا وَإِن أَمِين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة قَالَ أَبُو عبد الله وَهَذَا علته من نوع آخر فَلَو صَحَّ بِإِسْنَادِهِ لأخرج فِي الصَّحِيح إِنَّمَا روى خَالِد عَن أبي قلَابَة أَن رَسُول الله ص = قَالَ أرْحم أمتِي مُرْسلا فأسند وَوصل إِن لكل أمة أَمينا وَأَبُو عُبَيْدَة أَمِين هَذِه الْأمة هَكَذَا رَوَاهُ البصريون الْحفاظ عَن خَالِد الْحذاء وَعَاصِم جَمِيعًا فأسقط الْمُرْسل من الحَدِيث وَخرج الْمُتَّصِل بِذكر أبي عُبَيْدَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْجِنْس الثَّالِث من علل الحَدِيث أَن يكون الحَدِيث مَحْفُوظًا عَن صَحَابِيّ ويروى عَن غَيره لاخْتِلَاف بِلَاد رُوَاته ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني قَالَ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير

عَن مُوسَى بن عقبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بردة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله ص = قَالَ إِنِّي لأستغفر الله وَأَبُو إِلَيْهِ فِي الْيَوْم مئة مرّة قَالَ أَبُو عبد الله وَهَذَا إِسْنَاد لَا ينظر فِيهِ حَدِيثي إِلَّا ظن أَنه من شَرط الصَّحِيح والمدنيون إِذا رووا عَن الْكُوفِيّين زلقوا حَدثنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن صَالح بن هاني قَالَ حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى قَالَ حَدثنَا أَبُو الرّبيع قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا بردة يحدث عَن الْأَغَر الْمُزنِيّ وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = إِنَّه ليغان على قلبِي فأستغفر الله فِي الْيَوْم مئة مرّة قَالَ أَبُو عبد الله رَوَاهُ مُسلم بن الْحجَّاج فِي الصَّحِيح عَن أبي الرّبيع وَهُوَ الصَّحِيح الْمَحْفُوظ وَرَوَاهُ الْكُوفِيُّونَ أَيْضا مسعر وَشعْبَة وَغَيرهمَا عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي بردة هَكَذَا وَالْجِنْس الرَّابِع من علل الحَدِيث أَن يكون الحَدِيث مَحْفُوظًا عَن صَحَابِيّ يرْوى عَن تَابِعِيّ فَيَقَع الْوَهم بالتصريح بِمَا يَقْتَضِي صِحَّته عَن غَيره مِمَّن لَا يكون مَعْرُوفا من جِهَته ومثاله مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الصفار قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى القَاضِي قَالَ حَدثنَا أَبُو حُذَيْفَة قَالَ حَدثنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن عُثْمَان بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه أَنه سمع النَّبِي ص = يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ قَالَ أَبُو عبد الله قد خرج العسكري وَغَيره من الْمَشَايِخ هَذَا الحَدِيث فِي

الوحدان وَهُوَ مَعْلُول من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن عُثْمَان هُوَ ابْن أبي سُلَيْمَان وَالْآخر أَن عُثْمَان إِنَّمَا رَوَاهُ عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه وَالثَّالِث قَوْله سمع النَّبِي ص = وَأَبُو سُلَيْمَان لم يسمع من النَّبِي ص = وَلم يره وَقد خرجت شواهده فِي التَّلْخِيص وَالْجِنْس الْخَامِس من الْعِلَل أَن يكون رُوِيَ بالعنعنة وَسقط مِنْهُ راو دلّ عَلَيْهِ طَرِيق أُخْرَى مَحْفُوظَة ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا بَحر بن نصر قَالَ أخبرنَا ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد عَن أبن شهَاب عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن رجال من الْأَنْصَار أهم كَانُوا مَعَ رَسُول الله ص = ذَات لَيْلَة فَرمي بِنَجْم فَاسْتَنَارَ فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ قَالَ أَبُو عبد الله عِلّة هَذَا الحَدِيث أَن يُونُس على حفظه وجلالة مَحَله قصر بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي رجال من الْأَنْصَار هَكَذَا رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة وَيُونُس فِي سَائِر الرِّوَايَات وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَصَالح بن كيسَان وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيرهم عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ مخرج فِي الصَّحِيح وَالْجِنْس السَّادِس من الْعِلَل أَن يخْتَلف على رجل بِالْإِسْنَادِ وَغَيره وَيكون الْمَحْفُوظ مَا قَابل الْإِسْنَاد ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس الثَّقَفِيّ قَالَ حَدثنَا حَاتِم بن اللَّيْث الْجَوْهَرِي قَالَ حَدثنَا حَامِد بن أبي حَمْزَة السكرِي قَالَ حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد قَالَ حَدثنِي أبي عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قلت يَا رَسُول الله

مَالك أفصحنا وَلم تخرج من بَين أظهرنَا قَالَ كَانَت لُغَة إِسْمَاعِيل قد درست فجَاء بهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيّ فحفظنيها قَالَ أَبُو عبد الله لهَذَا الحَدِيث عِلّة عَجِيبَة حَدثنِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الضَّبِّيّ من أصل كِتَابه قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عَليّ بن رزين الفاشاني من أصل كِتَابه قَالَ حَدثنَا عَليّ بن خشرم قَالَ حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد قَالَ بَلغنِي أَن عمر بن الْخطاب قَالَ يَا رَسُول الله إِنَّك أفصحنا وَلم تخرج من بَين أظهرنَا فَقَالَ رَسُول الله ص = إِن لُغَة إِسْمَاعِيل كَانَت قد درست فَأَتَانِي بهَا جِبْرِيل فحفظنيها وَالْجِنْس السَّابِع من علل الحَدِيث أَن يخْتَلف على رجل فِي تَسْمِيَة من روى عَنهُ أَو عدم تَسْمِيَته ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ الشَّيْخ أَبُو بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر يَعْقُوب بن يُوسُف المطوعي قَالَ حَدثنَا أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن مُحَمَّد المباركي قَالَ حَدثنَا أَبُو شهَاب عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْحجَّاج بن فرافصة عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي ص = الْمُؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم قَالَ أَبُو عبد الله وَهَكَذَا رَوَاهُ عِيسَى بن يُونُس وَيحيى بن الضريس عَن الثَّوْريّ فَنَظَرت فَإِذا لَهُ عِلّة أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد المحبوبي بمرو قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن سيار قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير قَالَ حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْحجَّاج بن فرافصة عَن رجل عَن أبي سَلمَة قَالَ سُفْيَان أرَاهُ ذكر أَبَا هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = الْمُؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم وَالْجِنْس الثَّامِن من علل الحَدِيث أَن يكون الرَّاوِي عَن شخص قد أدْركهُ وَسمع مِنْهُ وَلكنه لم يسمع مِنْهُ ذَلِك الحَدِيث ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن

إِسْحَاق الصغاني قَالَ حَدثنَا روح بن عبَادَة قَالَ حَدثنَا هِشَام بن أبي عبد الله عَن يحيى بن أبي كثير عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي ص = كَانَ إِذا أفطر عِنْد أهل بَيت قَالَ أفطر عنْدكُمْ الصائمون وَأكل طَعَامكُمْ الْأَبْرَار وَنزلت عَلَيْكُم السكينَة قَالَ أَبُو عبد الله قد ثَبت من غير وَجه رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَن أنس إِلَّا أَنه لم يسمع مِنْهُ هَذَا الحَدِيث وَله عِلّة أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس قَاسم بن قَاسم السياري وَأَبُو مُحَمَّد الْحسن بن حَلِيم المروزيان بمرو قَالَا حَدثنَا أَبُو الموجه قَالَ أخبرنَا عَبْدَانِ قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا هِشَام عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ حدثت عَن أنس أَن النَّبِي ص = كَانَ إِذا أفطر عَن أهل بَيت قَالَ أفطر عنْدكُمْ الصائمون وَأكل طَعَامكُمْ الْأَبْرَار وصلت عَلَيْكُم الْمَلَائِكَة وَالْجِنْس التَّاسِع من علل الحَدِيث أَن يكون للْحَدِيث طَرِيق مَعْرُوف فيروي أحد رِجَاله الحَدِيث من غير ذَلِك الطَّرِيق فَيَقَع فِي الْوَهم ومثاله مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ قَالَ حَدثنَا يحيى بن عُثْمَان بن صَالح السَّهْمِي قَالَ حَدثنَا سعيد بن كثير بن عفير قَالَ حَدثنِي الْمُنْذر بن عبد الله الْحزَامِي عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله ص = كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ تبَارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ قَالَ أَبُو عبد الله لهَذَا الحَدِيث عِلّة صَحِيحَة وَالْمُنْذر عبد الله أَخذ طَرِيق الجادة فِيهِ حَدثنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله الْعلوِي النَّقِيب بِالْكُوفَةِ قَالَ حَدثنَا الْحُسَيْن بن الحكم الْحبرِي قَالَ حَدثنَا أَبُو غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن سَلمَة قَالَ حَدثنَا عبد الله بن الْفضل عَن الْأَعْرَج عَن عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي ص = أَنه كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة فَذكر الحَدِيث بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ وَهَذَا مخرج فِي الصَّحِيح لمُسلم

الْجِنْس الْعَاشِر من علل الحَدِيث أَن يرْوى الحَدِيث مَرْفُوعا من وَجه مَوْقُوفا من وَجه ومثاله مَا أخبرنَا بِهِ أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن الْمُقْرِئ قَالَ حَدثنَا أَبُو فَرْوَة يزِيد بن مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان الرهاوي قَالَ حَدثنَا أبي عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن النَّبِي ص = قَالَ من ضحك فِي صلَاته يُعِيد الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الْوضُوء قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم لهَذَا الحَدِيث عِلّة صَحِيحَة أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن السبيعِي بِالْكُوفَةِ قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْعَبْسِي قَالَ حَدثنَا وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان قَالَ سُئِلَ جَابر عَن الرجل يضْحك فِي الصَّلَاة قَالَ يُعِيد الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الْوضُوء قَالَ أَبُو عبد الله فقد ذكرنَا علل الحَدِيث على عشرَة أَجنَاس وَبقيت أَجنَاس لم نذكرها وإ مَا جَعلتهَا مِثَالا لأحاديث كَثِيرَة معلولة ليهتدي إِلَيْهَا المتبحر فِي هَذَا الْعلم فَإِن معرفَة علل الحَدِيث من أجل هَذِه الْعُلُوم انْتهى كَلَام الْحَاكِم وَقد ألفت فِي علل الحَدِيث كتب وأجلها كتاب ابْن الْمَدِينِيّ وان أبي حَاتِم والخلال وأجمعها كتاب الدَّارَقُطْنِيّ وَقد وقفت على أحد هَذِه الْكتب وَهُوَ كتاب الإِمَام أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن الإِمَام أبي حَاتِم فرأيته من الْكتب الجليلة الْمِقْدَار الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي عَن الِاطِّلَاع عَلَيْهَا وتكرار النّظر إِلَيْهَا من أَرَادَ الإشراف على هَذَا النَّوْع الَّذِي هُوَ من أغمض الْأَنْوَاع فضلا عَمَّن يحب أَن يعد نَفسه لاتباع آثَار الواقفين على أسراره قَالَ فِي مُقَدّمَة الْكتاب حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير يَقُول قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي معرفَة الحَدِيث إلهام قَالَ ابْن نمير وَصدق لَو قلت لَهُ من أَيْن قلت لم يكن لَهُ جَوَاب وَسمعت أبي يَقُول قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي إنكارنا الحَدِيث عِنْد الْجُهَّال كهَانَة وَسمعت

بيان علل أخبار رويت في الطهارة

أبي يَقُول مثل معرفَة الحَدِيث كَمثل فص ثمنه مئة دِينَار وَآخر مثله على لَونه ثمنه عشرَة دَرَاهِم وَقد أَحْبَبْت أَن أورد مِنْهُ أَمْثِلَة سهلة المأخذ ليقف الطَّالِب على مَسْلَك جهابذة الْقَوْم فِي ذَلِك فَإِنَّهُ جم الْفَائِدَة وهاك مَا أردنَا إِيرَاده بَيَان علل أَخْبَار رويت فِي الطَّهَارَة 1 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ دَاوُد بن أبي هِنْد عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي ص = غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب فِي كل سَبْعَة أَيَّام قَالَ أبي هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ مَا رَوَاهُ الثِّقَات عَن أبي الزبير عَن طَاوس عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوف 2 - سَمِعت أبي ذكر حَدِيثا رَوَاهُ عبد الْوَارِث عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس أَن النَّبِي ص = كَانَت لَهُ خرقَة يتمسح بهَا فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت فِي بعض الرِّوَايَات عَن عبد الْعَزِيز أَنه كَانَ لأنس بن مَالك خرقَة وَمَوْقُوف أشبه وَلَا يحْتَمل أَن يكون مُسْندًا

باب علل أخبار رويت في الصلاة

3 - سَأَلت أبي وَحدثنَا عَن مُحَمَّد بن إكليل عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن ثَعْلَبَة بن مُسلم عَن قيس بن خَالِد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = إِذا سقط الذُّبَاب فِي شراب أحدكُم فلغمسه ثمَّ ليطرحه فَإِن أحد جناحيه دَاء وَالْآخر دَوَاء فَقَالَ أَي هَذَا حَدِيث مُضْطَرب الْإِسْنَاد 4 - سَمِعت أبي وَذكر حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = قَالَ لَا يقْرَأ الْجنب وَالْحَائِض شَيْئا من الْقُرْآن قَالَ أبي هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عمر قَوْله بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الصَّلَاة 6 - سَمِعت أبي يَقُول كتبت عَن ثَابت بن مُوسَى عَن شريك عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن النَّبِي ص = من صلى بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ قَالَ أبي فَذكرت لِابْنِ نمير فَقَالَ الشَّيْخ لَا بَأْس بِهِ والْحَدِيث مُنكر قَالَ أبي الحَدِيث مَوْضُوع 7 - سَمِعت أبي يَقُول حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي التطبيق مَنْسُوخ لِأَن فِي حَدِيث ابْن إِدْرِيس عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله أَن النَّبِي ص = طبق ثمَّ أخبر سعد فَقَالَ صدق أخي قد كُنَّا نَفْعل ثمَّ أمرنَا بِهَذَا يَعْنِي بِوَضْع الْيَدَيْنِ على الرُّكْبَتَيْنِ 8 - سَأَلت أبي عَن الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن

أبي نَضرة عَن أبي سعيد عَن النَّبِي ص = إِذا كُنْتُم ثَلَاثَة فأحقكم بِالْإِمَامَةِ أقرؤكم وَرَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث أتيت النَّبِي ص = فِي نفر فَقَالَ إِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن أحدكُم وليؤمكم أكبركم قلت لأبي قد اخْتلف الحديثان فَقَالَ حَدِيث أَوْس بن ضمعج قد فسر الْحَدِيثين 9 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث أَوْس بن ضمعج عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي ص = فَقَالَ قد اخْتلفُوا فِي مَتنه رَوَاهُ فطر وَالْأَعْمَش عَن إِسْمَاعِيل بن رَجَاء عَن أَوْس بن ضمعج عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي ص = قَالَ يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله فَإِن كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاء فأعلمهم بِالسنةِ وَرَوَاهُ شُعْبَة والمسعودي عَن إِسْمَاعِيل بن رَجَاء لم يَقُولُوا أعلمهم بِالسنةِ قَالَ أبي كَانَ شُعْبَة يَقُول إِسْمَاعِيل بن رَجَاء كَأَنَّهُ شَيْطَان من حسن حَدِيثه وَكَانَ يهاب هَذَا الحَدِيث يَقُول حكم من الْأَحْكَام عَن رَسُول الله ص = لم يُشَارِكهُ أحد قَالَ أبي شُعْبَة أحفظ من كلهم قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن أَلَيْسَ قد رَوَاهُ السّديّ عَن أَوْس بن ضمعج قَالَ إِنَّمَا رَوَاهُ الْحسن بن يزِيد الْأَصَم عَن السّديّ وَهُوَ شيخ أَيْن كَانَ الثَّوْريّ وَشعْبَة عَن هَذَا الحَدِيث وأخاف أَن لَا يكون مَحْفُوظًا 10 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْأنْصَارِيّ عَن سعيد بن رَاشد عَن عَطاء عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = من أذن فَهُوَ يُقيم قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر وَسَعِيد ضَعِيف الحَدِيث وَقَالَ مرّة مَتْرُوك الحَدِيث 11 - سَمِعت أبي وَذكر حَدِيثا رَوَاهُ مُحَمَّد بن الصَّلْت عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن حميد عَن أنس عَن النَّبِي ص = فِي افْتِتَاح الصَّلَاة سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَأَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِلَى حَذْو أُذُنَيْهِ فَقَالَ هَذَا حَدِيث

كذب لَا أصل لَهُ وَمُحَمّد بن الصَّلْت لَا بَأْس بِهِ كتبت عَنهُ 12 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = من فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر وفواتها أَن تدخل الشَّمْس صفرَة فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله قَالَ أبي التَّفْسِير من قَول نَافِع 13 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن حمير عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله ص = قَالَ من صلى صَلَاة لم يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن فَهِيَ خداج غير تَمام قَالَ هَذَا حَدِيث مُنكر جدا 14 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أَبِيه عَن جَابر قَالَ كَانَ رَسُول الله ص = إِذا رأى رجلا مغير الْخلق خر سَاجِدا لله قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر 15 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ يزِيد بن هَارُون عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا وهم الحَدِيث حَدِيث ابْن عمر مَوْقُوف 16 - سَمِعت أَبَا زرْعَة وَحدثنَا عَن عباد بن مُوسَى عَن طَلْحَة بن يحيى الْأنْصَارِيّ عَن يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس قَالَ إِذا عرف

علل أخبار رويت في الزكاة والصدقات

الْغُلَام يَمِينه من شِمَاله فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ فَسمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول الصَّحِيح عَن الزُّهْرِيّ فَقَط قَوْله علل أَخْبَار رويت فِي الزَّكَاة وَالصَّدقَات 17 - سَمِعت أبي يَقُول لَا أعلم روى الثَّوْريّ عَن إِبْرَاهِيم بن أبي حَفْصَة إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا عَن سعيد بن جُبَير قَالَ الْخَال يعْطى من الزَّكَاة 18 - وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ القواريري عَن يزِيد بن هَارُون عَن حجاج بن أَرْطَاة عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي ص = قَالَ مَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ كنزا قَالَ أَبُو زرْعَة هَكَذَا رَوَاهُ القواريري وَالصَّحِيح مَوْقُوف 19 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْمثنى أَبُو مُوسَى عَن مُحَمَّد بن عَثْمَة عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = قَالَ فِيمَا سقت السَّمَاء والبعل الْعشْر وَفِيمَا سقت الْعُيُون والنواضح والسواني نصف الْعشْر قَالَ أَبُو زرْعَة الصَّحِيح عَن ابْن عمر مَوْقُوف علل أَخْبَار رويت فِي الصَّوْم 20 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن حَرْب الأبرش عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم يروه غير مُحَمَّد بن حَرْب

علل أخبار رويت في المناسك

21 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن مجاشع بن عَمْرو عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = إِذا غَابَ الْهلَال قبل الشَّفق فَهُوَ لليلته وَإِذا غَابَ بعد الشَّفق فَهُوَ لليلتين قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر ومجاشع لَيْسَ بِشَيْء 22 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مغراء عَن الْأَعْمَش عَن أنس قَالَ سافرنا مَعَ رَسُول الله ص = فمنا الصَّائِم وَمنا الْمُفطر وَكَانَ من صَامَ فِي أَنْفُسنَا أفضل وَكَانَ المفطرون هم الَّذين يعْملُونَ ويعينون ويستقون فَقَالَ رَسُول الله ص = ذهب المفطرون بِالْأَجْرِ قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر 23 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي عَن زيد بن أسلم عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن مُحَمَّد بن كَعْب أَنه أَتَى أنس بن مَالك فِي رَمَضَان وَهُوَ يُرِيد سفرا فَوَجَدَهُ قد رحلت رَاحِلَته وَلبس ثِيَاب السّفر فَدَعَا بِطَعَام فَأكل فَقُلْنَا أسنة قَالَ لَيْسَ بِسنة وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مجبر عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن مُحَمَّد بن كَعْب أَنه أَتَى أنس بن مَالك فَذكر الحَدِيث قَالَ فَقلت سنة فَقَالَ نعم سنة قَالَ أبي حَدِيث الدَّرَاورْدِي أصح علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك 24 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن ابْن جريج عَن عبد الْكَرِيم بن مَالك عَن عِكْرِمَة عَن أنس عَن النَّبِي ص = أَنه قَالَ لرجل يَسُوق بَدَنَة اركبها قَالَ أبي عِكْرِمَة عَن أنس لَيْسَ لَهُ نظام وَهَذَا حَدِيث لَا أَدْرِي مَا هُوَ

علل أخبار رويت في الجنائز

علل أَخْبَار رويت فِي الْجَنَائِز 30 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ الدَّرَاورْدِي عَن كثير بن زيد عَن زَيْنَب ابْنة نبيط عَن أنس أَن النَّبِي ص = علم قبر عُثْمَان بن مَظْعُون بصخرة قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا خطأ يُخَالف الداراوردي فِيهِ يرويهِ حَاتِم وَغَيره عَن كثير بن زيد عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب وَهُوَ الصَّحِيح 31 - سُئِلَ أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ هدبة عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ من غسل مَيتا فليغتسل وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ قَالَ أبي هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على أبي هُرَيْرَة لَا يرفعهُ الثِّقَات 32 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْمنْهَال الضَّرِير عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن معمر عَن أبي إِسْحَاق عَن أَبِيه عَن حُذَيْفَة قَالَ النَّبِي ص = من غسل مَيتا فليغتسل قَالَ أبي هَذَا حَدِيث غلط وَلم يبين غلطه 33 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن أبي بزَّة عَن مُؤَمل عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس عَن النَّبِي ص = قَالَ مَا من مُسلم يَمُوت فَيصَلي عَلَيْهِ أمة من النَّاس يبلغون مئة فيشفعون فِيهِ إِلَّا شفعوا قَالَ أبي هَذَا حَدِيث بَاطِل علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع 34 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي ص = أَنه نهى أَن يسْتَأْجر الْأَجِير حَتَّى يعلم أجره وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي سعيد مَوْقُوف قَالَ أَبُو زرْعَة الصَّحِيح مَوْقُوف عَن أبي سعيد لِأَن الثَّوْريّ أحفظ

علل أخبار رويت في النكاح

35 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عبد الْكَرِيم بن النَّاجِي عَن الْحسن بن مُسلم عَن الْحُسَيْن بن وَاقد عَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي ص = قَالَ من حبس الْعِنَب أَيَّام القطاف ليبيع من يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ كَانَ لَهُ من الله مقت قَالَ أبي هَذَا حَدِيث كذب بَاطِل قلت تعرف عبد الْكَرِيم هَذَا قَالَ لَا قلت فتعرف الْحسن بن مُسلم قَالَ لَا وَلَكِن تدل روايتهم على الْكَذِب 36 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن وهب عَن ابْن لَهِيعَة عَن دراج عَن ابْن حجيرة عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله ص = أَنه قَالَ رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله هم الَّذين يضْربُونَ فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله فَسَمت أبي يَقُول هَذَا حَدِيث مُنكر ودراج فِي حَدِيثه صَنْعَة علل أَخْبَار رويت فِي النِّكَاح 37 - سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت أَبَا نعيم وَحدثنَا عَن ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن النَّبِي ص = قَالَ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي فَقَالَ أَبُو نعيم أَخطَأ فِيهِ فَسمِعت أبي يَقُول إِنَّمَا هُوَ الحكم عَن عَليّ قَوْله 38 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن إِسْحَاق أبي يَعْقُوب الْمدنِي عَن عبد الله بن الْحسن عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = من سَعَادَة الْمَرْء أَن تكون زَوجته مُوَافقَة وَأَوْلَاده أبرارا وإخوانه صالحين وَأَن يكون رزقه فِي بَلَده قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث مُنكر 39 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رُوِيَ عَن همام عَن قَتَادَة عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص =

علل أخبار رويت في الحدود

قَالَ لَا تنْكح الْمَرْأَة على خَالَتهَا وَلَا على عَمَّتهَا قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ همام عَن يحيى نَفسه 40 - سَمِعت أبي يَقُول سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن حَدِيث سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي ص = قَالَ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وَذكرت لَهُ حِكَايَة ابْن علية فَقَالَ كتب ابْن جريج مدونة فِيهَا أَحَادِيثه وَمن حدث عَنهُ ثمَّ لقِيت عَطاء ثمَّ لقِيت فلَانا فَلَو كَانَ مَحْفُوظًا عَنهُ لَكَانَ هَذَا فِي كتبه ومراجعاته 41 - سُئِلَ أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن أبي مليكَة الْعَرَب بَعْضهَا لبَعض أكفاء إِلَّا حائكا أَو حجاما قَالَ بَاطِل أَنا نهيت ابْن أبي شُرَيْح أَن يحدث بِهِ ونهيته عَن حَدِيث آخر علل أَخْبَار رويت فِي الْحُدُود 42 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْحسن عَن يحيى الجشني عَن زيد بن وَاقد عَن مَكْحُول عَن جُبَير بن نفير عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = أقِيمُوا الْحُدُود فِي الْحَضَر وَالسّفر على الْقَرِيب والبعيد وَلَا تأخذكم فِي الله لومة لائم ثمَّ قَالَ أبي هَذَا حَدِيث حسن إِن كَانَ مَحْفُوظًا 43 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن عَنْبَسَة بن سعيد عَن الشّعبِيّ عَن جَابر عَن النَّبِي ص = قَالَ لَا يُسْتَفَاد من الْجرْح حَتَّى يبرأ قَالَ أَبُو زرْعَة هُوَ مُرْسل مقلوب 44 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ معَاذ بن خَالِد الْعَسْقَلَانِي عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن يزِيد بن زِيَاد عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ أَن النَّبِي

باب علل أخبار رويت في اللباس

الْحَارِثِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي عَن أبي عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = لَا شُفْعَة لغَائِب وَلَا لصغير فَقَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث مُنكر لَا أعلم أحدا قَالَ بِهَذَا الْغَائِب لَهُ شُفْعَة وَالصَّبِيّ حَتَّى يكبر فَلم يقْرَأ علينا هَذَا الحَدِيث بَاب علل أَخْبَار رويت فِي اللبَاس 49 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث النَّبِي ص = فِي تختمه أَفِي يَمِينه أصح أم فِي يسَاره قَالَ فِي يَمِينه الحَدِيث أَكثر وَلم يَصح هَذَا وَلَا هَذَا 50 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم عَن سعيد بن بشير عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن النَّبِي ص = قَالَ لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهَا جلد نمر قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر 51 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = أَنه لم يكن يرى بالقز وَالْحَرِير للنِّسَاء بَأْسا فَقَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث مُنكر قلت تعرف لَهُ عِلّة قَالَ لَا 52 - وَسَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ سهل بن عُثْمَان عَن الْعقيلِيّ عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن أمه قَالَت دخل رَسُول الله ص = على عقيل فوهب لَهُ خَاتمًا أهداه إِلَى رَسُول الله ص = النَّجَاشِيّ مثل الفلكة فَكتب رَسُول الله ص = فِيهِ قل هُوَ الله أحد والمعوذتين قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر والعقيلي هُوَ ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وَحَدِيثه لَيْسَ بِشَيْء 53 - وَسَأَلته عَن حَدِيث رَوَاهُ شريك عَن عُثْمَان بن أبي زرْعَة عَن مهَاجر السَّامِي عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = من لبس

باب علل أخبار رويت في الأطعمة

ثوب شهرة ألبسهُ الله يَوْم الْقِيَامَة ثوب مذلة قَالَ أبي هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف أصح 54 - وَسَأَلته عَن حَدِيث رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن المُهَاجر قَالَ رَأَيْت فِي يَد أنس خَاتمًا من ذهب قَالَ أبي هُوَ شيخ كُوفِي لَيْسَ بِمَشْهُور روى عَنهُ أَبُو زُهَيْر عبد الرَّحْمَن بن مغراء وَأَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الْأَطْعِمَة 55 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ تَمِيم بن زِيَاد عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن جَابر عَن النَّبِي ص = أَنه قَالَ نعم الإدام الْخلّ قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد 56 - وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث كَانَ رَوَاهُ قَدِيما عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْملك بن شيبَة الْحزَامِي عَن ابْن أبي فديك عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ إِذا قرب إِلَى أحدكُم الْحَلْوَاء فَليَأْكُل مِنْهَا وَلَا يردهَا فَامْتنعَ أَبُو زرْعَة من أَن يحدثنا بِهِ وَقَالَ هَذَا حَدِيث مُنكر 57 - وَسُئِلَ عَن حَدِيث رَوَاهُ عبيد الله بن عَائِشَة عَن عبد الرَّحْمَن بن حَمَّاد بن عمرَان عَن مُوسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله عَن أَبِيه عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ دخلت على رَسُول الله ص = وَفِي يَده سفرجلة فألقاها إِلَيّ وَقَالَ إِنَّهَا تجم الْفُؤَاد قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث مُنكر علل أَخْبَار رويت فِي أُمُور شَتَّى 58 - سَمِعت أبي يَقُول وَذكر حَدِيثا حَدثهُ بِهِ بشار بن عمر الْخُرَاسَانِي

بِمصْر سنة سِتّ عشرَة ومئتين قَالَ حَدثنَا حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك قَالَ مَلْعُون مَلْعُون من أحَاط على مشربَة أَو باعد مقربة فَسئلَ حميد الطَّوِيل مَا الْمشْربَة قَالَ بِئْر مَاء يشرب مِنْهُ النَّاس فَضرب عَلَيْهِ خباءه أَو قببه وَأما المقربة فطريق كَانَ يختصره فَقَطعه عَن ممر النَّاس قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر 59 - سَمِعت أبي حَدثنَا عَن أبي الطَّاهِر عَن ابْن وهب عَن يحيى بن سَلام عَن عُثْمَان بن مقسم عَن نعيم بن المجمر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = إِن أكذب الْكَاذِبين الصناع قَالَ أبي هَذَا حَدِيث كذب وَعُثْمَان هُوَ الْبري وَيحيى بن سَلام هُوَ الَّذِي روى عَنهُ عبد الحكم بَصرِي وَقع إِلَى مصر 60 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْمسيب بن وَاضح عَن يُوسُف بن أَسْبَاط عَن الثَّوْريّ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر عَن النَّبِي ص = قَالَ مداراة النَّاس صَدَقَة قَالَ أبي هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ ويوسف بن أَسْبَاط دفن كتبه 61 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن عمر الدِّمَشْقِي عَن مَكْحُول عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع أَن رَسُول الله ص = يَوْم خَيْبَر جعلت لَهُ مأدبة وَأكل مُتكئا واطلى بالنورة وأصابته الشَّمْس وَلبس البرطلة قَالَ أبي هُوَ عمر بن مُوسَى الوجيهي وَهَذَا حَدِيث بَاطِل 62 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن الْوَضِين بن عبد الرَّحْمَن عَن جُنَادَة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = من خضب بِالسَّوَادِ سود الله وَجهه يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مَوْضُوع

63 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ رَأَيْت عَليّ بن الْحُسَيْن يخضب بِالسَّوَادِ وَأَخْبرنِي أَن أَبَاهُ كَانَ يخضب بِهِ قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر وَكَانَ الزُّهْرِيّ رجلا قَصِيرا وَكَانَت أَسْنَانه مشبكة بِالذَّهَب وَكَانَ يخضب بِالسَّوَادِ 64 - سَمِعت أبي وَحدثنَا عَن بسام بن خَالِد عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = إِذا بَلغَكُمْ عني حَدِيث يحسن بِي أَن أقوله فَأَنا قلته وَإِذا بَلغَكُمْ عني حَدِيث لَا يحسن بِي أَن أقوله فَلَيْسَ منس وَلم أَقَله قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر الثِّقَات لَا يَرْفَعُونَهُ 65 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ سُلَيْمَان بن شُرَحْبِيل عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن سعيد بن بشير عَن قَتَادَة عَن أنس عَن عمر أَن رَسُول الله ص = نهى عَن حلق الْقَفَا إِلَّا عِنْد الْحجامَة قَالَ أبي هَذَا حَدِيث كذب هَذَا الْإِسْنَاد يُمكن أَن يكون دخل لَهُم حَدِيث فِي حَدِيث قَالَ أبي رَأَيْت هَذَا الحَدِيث فِي كتاب سُلَيْمَان بن شُرَحْبِيل فَلم أكتبه وَكَانَ سُلَيْمَان عِنْدِي فِي حيّز لَو أَن رجلا وضع لَهُ لم يفهم وَكَذَلِكَ هِشَام بن عمار كل مَا دفع إِلَيْهِ قَرَأَهُ وَكَذَا كَانَ هِشَام بن خَالِد كَانُوا لَا يميزون وَكَانَ دُحَيْم يُمَيّز ويضبط حَدِيث نَفسه 66 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عَاصِم بن إِبْرَاهِيم الدَّارِيّ عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصَّنْعَانِيّ عَن مُنْذر بن النُّعْمَان الْأَفْطَس عَن وهب بن مُنَبّه عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ النَّبِي ص = لَا تتمارضوا فتمرضوا وَلَا تحفروا قبوركم فتموتوا قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر وَبِهَذَا الْإِسْنَاد اشفعوا فلتؤجروا قَالَ أبي هَذَا أَيْضا مُنكر

67 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ أَبُو ثَابت مُحَمَّد بن عبيد الله عَن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله ص = أَن تهدم الآجام قَالَ إِنَّمَا هِيَ زِينَة الدُّنْيَا قَالَ أَبُو زرْعَة هَكَذَا قَالَ أَبُو ثَابت وَإِنَّمَا هُوَ عبد الله بن نَافِع يَعْنِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = 68 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ أَبُو سعيد مُحَمَّد بن أسعد عَن زُهَيْر عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = إِن كَانَ فِي شَيْء من أدويتكم شِفَاء فَفِي شرطة حجام أَو شربة عسل أَو حبات سَوْدَاء أَو لذعة من نَار توَافق دَاء وَمَا أحب أَن أكتوي قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث مُنكر 69 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن مصفى عَن بَقِيَّة عَن رَافع أَو رويفع عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ قَالَ لَا تقصوا الْأَظْفَار فِي أَرض الْعَدو فَإِنَّهُ أَشد للقبضة وَأحل للعقدة قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث مُنكر وَأبي لم يحدث بِهِ 70 - سَمِعت أبي يَقُول روى ابْن أُخْت عبد الرَّزَّاق عَن عبد الرَّزَّاق عَن يحيى بن الْعَلَاء عَن الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة عَن عبد الله قَالَ جبلت الْقُلُوب على حب من أحسن إِلَيْهَا وبغض من أَسَاءَ إِلَيْهَا قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر وَكَانَ ابْن أُخْت عبد الرَّزَّاق يكذب 71 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ سُوَيْد بن سعيد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الرِّجَال عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد عَن نَافِع عَن ابْن عمر

قَالَ قَالَ النَّبِي ص = من قَالَ فِي ديننَا بِرَأْيهِ فَاقْتُلُوهُ قَالَ أَبُو زرْعَة سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول وَقد قيل لَهُ روى سُوَيْد هَذَا الحَدِيث فَقَالَ يَنْبَغِي أَن يبْدَأ بِسُوَيْدِ فيستتاب 72 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ يُوسُف بن عدي عَن حَفْص بن غياث عَن لَيْث عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَفعه قَالَ إِذا غَابَتْ الشَّمْس فكفوا صِبْيَانكُمْ حَتَّى تذْهب فَحْمَة الْعشَاء فَإِنَّهَا سَاعَة تَنْتَشِر فِيهَا الشَّيَاطِين فَقَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث مُنكر 73 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ دَاوُد بن رشيد عَن بَقِيَّة عَن مُعَاوِيَة بن يحيى عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ من حدث بِحَدِيث فعطس عِنْده فَهُوَ حق قَالَ أبي هَذَا حَدِيث كذب 74 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي عتاب الْأَعْين عَن أبي صَالح عَن اللَّيْث عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ يدْخل الْجنَّة بشفاعة رجل من أمتِي أَكثر من مُضر وَبني تَمِيم فَقيل من هُوَ يَا رَسُول الله فَقَالَ أويس الْقَرنِي قَالَ أبي هَذَا الحَدِيث لَيْسَ هُوَ فِي كتاب أبي صَالح عَن اللَّيْث نظرت فِي أصل اللَّيْث وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الحَدِيث وَلم يذكر أَيْضا اللَّيْث فِي هَذَا الحَدِيث خَبرا وَيحْتَمل أَن يكون سَمعه من غير ثِقَة ودلسه وَلم يروه غير أبي صَالح 75 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْعَلَاء بن عَمْرو الْحَنَفِيّ عَن يحيى بن يزِيد الْأَشْعَرِيّ عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي ص = أَنه قَالَ أَحبُّوا الْعَرَب لثلاث لِأَنِّي عَرَبِيّ وَالْقُرْآن عَرَبِيّ وَكَلَام أهل الْجنَّة عَرَبِيّ فَسمِعت أبي يَقُول هَذَا حَدِيث كذب

76 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن مُحَمَّد بن أبي جميلَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = لَو شَاءَ الله أَن لَا يعْصى مَا خلق إِبْلِيس فَسمِعت أبي يَقُول هَذَا حَدِيث مُنكر وَمُحَمّد مَجْهُول 77 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن حبيب بن عمر عَن أَبِيه عَن ابْن عمر عَن عمر عَن رَسُول الله ص = أَنه قَالَ يُنَادي مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة ليقمْ خصماء الله وهم الْقَدَرِيَّة فَقَالَ هَذَا حَدِيث مُنكر وحبِيب بن عمر ضَعِيف الحَدِيث مَجْهُول لم يرو عَنهُ غير بَقِيَّة هَذَا وَفِيمَا أوردناه من الْأَمْثِلَة كِفَايَة فِي تَعْرِيف الطَّالِب بمسلك جهابذة الْقَوْم غير أَن رَأينَا أَن نرفعه إِلَى مَا فَوق تِلْكَ الدرجَة فأوردنا لَهُ أَمْثِلَة أُخْرَى فَوق تِلْكَ وهاك مَا أردنَا إِيرَاده 1 - سَمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول فِي حَدِيث رَوَاهُ الْفرْيَابِيّ عَن مَالك بن مغول عَن سيار بن الحكم عَن شهر بن حَوْشَب عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام قَالَ قدم علينا رَسُول الله ص = فَقَالَ إِن الله عز وَجل قد أحسن الثَّنَاء عَلَيْكُم فِي الطّهُور فَقَالَ {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} وَذكر الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ وَرَوَاهُ سَلمَة بن رَجَاء عَن مَالك بن مغول عَن سيار عَن شهر عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام قَالَ قَالَ أبي قدم علينا رَسُول الله ص = وَرَوَاهُ أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن دَاوُد بن أبي هِنْد عَن شهر عَن النَّبِي ص = مُرْسلا فَسمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول الصَّحِيح عندنَا وَالله أعلم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام فَقَط لَيْسَ فِيهِ عَن أَبِيه

2 - سَمِعت أبي يَقُول فِي حَدِيث رَوَاهُ ابْن لَهِيعَة عَن عبد الله بن هُبَيْرَة عَن حَنش الصَّنْعَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله ص = كَانَ يخرج ليبول فيتمسح بِالتُّرَابِ فَقَالَ يَا رَسُول الله المَاء مِنْك قريب فَقَالَ مَا أَدْرِي لعَلي لَا أبلغه فَقَالَ أبي لَا يَصح هَذَا الحَدِيث وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث 3 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن بعض أَزوَاج النَّبِي ص = اغْتَسَلت من جَنَابَة فجَاء النَّبِي ص = فَقَالَت لَهُ فَتَوَضَّأ بفضلها وَقَالَ المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء وَرَوَاهُ شريك عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة فَقَالَ الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي ص = بِلَا مَيْمُونَة 4 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير فَقلت إِنَّه يَقُول عَن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عَن عمر عَن النَّبِي ص = وَرَوَاهُ الْوَلِيد بن كثير فَقَالَ عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي ص = قَالَ إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يُنجسهُ شَيْء قَالَ أَبُو زرْعَة ابْن إِسْحَاق يُمكن أَن يقْضى لَهُ قلت لَهُ مَا حَال مُحَمَّد بن جَعْفَر فَقَالَ صَدُوق فَقلت لأبي إِن حجاج بن حَمْزَة حَدثنَا عَن أبي أُسَامَة عَن الْوَلِيد بن كثير فَقَالَ عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = فَقَالَ أبي مُحَمَّد بن عباد بن

علل أخبار رويت في الأحكام والأقضية

ص = قَالَ من خصى عَبده خصيته قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر علل أَخْبَار رويت فِي الْأَحْكَام والأقضية 45 - قبل لأبي يَصح حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = فِي الْيَمين مَعَ الشَّاهِد فَوقف وَقْفَة فَقَالَ ترى الدَّرَاورْدِي مَا يَقُول يَعْنِي قَوْله قلت لسهيل فَلم يعرفهُ قلت فَلَيْسَ نِسْيَان سُهَيْل دافعا لما حكى عَنهُ ربيعَة وَرَبِيعَة ثِقَة وَالرجل يحدث بِالْحَدِيثِ وينسى قَالَ أجل هَكَذَا هُوَ وَلَكِن لم نر أَن يتبعهُ متابع على رِوَايَته وَقد روى عَن سُهَيْل جمَاعَة كَثِيرَة لَيْسَ عِنْد أحد مِنْهُم هَذَا الحَدِيث قلت إِنَّه يَقُول بِخَبَر الْوَاحِد قَالَ أجل غير أَنِّي لَا أَدْرِي لهَذَا الحَدِيث أصلا عَن أبي هُرَيْرَة أعتبر بِهِ وَهَذَا أصل من الْأُصُول لم يُتَابع عَلَيْهِ ربيعَة 46 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ ربيعَة عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي ص = قضى بِشَاهِد وَيَمِين فَقَالَا هُوَ صَحِيح قلت يَعْنِي أَنه يرْوى عَن ربيعَة هَكَذَا قلت فَإِن بَعضهم يَقُول عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن زيد بن ثَابت قَالَا وَهَذَا أَيْضا صَحِيح جَمِيعًا صَحِيحَيْنِ 47 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن اللَّيْث عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه وَعبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي ص = قَالَ الشُّفْعَة مَا لم تقع الْحُدُود فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث بَاطِل فَامْتنعَ أَن يحدث بِهِ وَقَالَ اضربوا عَلَيْهِ 48 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن عَائِشَة عَن مُحَمَّد بن الْحَارِث

جَعْفَر ثِقَة وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن الزبير ثِقَة والْحَدِيث بِمُحَمد بن جَعْفَر بن الزبير أشبه 5 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَحْوَص بن حَكِيم عَن رشدين بن سعد قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = لَا ينجس المَاء إِلَّا مَا غلب عَلَيْهِ طعمه ولونه فَقَالَ أبي يوصله رشدين بن سعد يَقُول عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي ص = وَرشْدِين لَيْسَ بِقَوي وَالصَّحِيح مُرْسل 6 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عَن عَيَّاش عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر قَالَ كَانَ آخر الْأَمر من رَسُول الله ص = ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار فَسمِعت أبي يَقُول هَذَا حَدِيث مُضْطَرب الْمَتْن إِنَّمَا هُوَ أَن النَّبِي ص = أكل كَتفًا وَلم يتَوَضَّأ كَذَا رَوَاهُ الثِّقَات عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر وَيحْتَمل أَن يكون شُعَيْب حدث بِهِ من حفظه فَوَهم فِيهِ 7 - سَمِعت أبي وَذكر حَدِيثا رَوَاهُ مَرْوَان الْفَزارِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مهْرَان عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = لَوْلَا أَن يثقل على أمتِي لأخرت صَلَاة الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل قَالَ أبي إِنَّمَا هُوَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = 8 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ وَكِيع بن الْجراح عَن الْأَعْمَش عَن أبي إِسْحَاق عَن حَارِثَة عَن خباب شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله ص = الرمضاء فَلم يشكنا قَالَ أَبُو زرْعَة أَخطَأ فِيهِ وَكِيع إِنَّمَا هُوَ على مَا رَوَاهُ شُعْبَة وسُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن سعيد بن وهب عَن خباب عَن النَّبِي ص =

9 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ يحيى بن آدم عَن الْحسن بن عَيَّاش عَن ابْن أبجر عَن الْأسود عَن عمر أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي أول تَكْبِيرَة ثمَّ لَا يعود هَل هُوَ صَحِيح أَو يرفعهُ وَحَدِيث الثَّوْريّ عَن الزبير بَين عدي عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عمر أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي افْتِتَاح الصَّلَاة حَتَّى تبلغا مَنْكِبَيْه فَقَط فَقَالَا سُفْيَان أحفظ وَقَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا أصح يَعْنِي حَدِيث سُفْيَان عَن الزبير بن عدي عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عمر 10 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن أبي زَائِدَة عَن يحيى بن سعيد عَن مُسلم بن يسَار قَالَ رأى ابْن عمر رجلا يعبث فِي الصَّلَاة بالحصى فَقَالَ إِذا صليت فَلَا تعبث واصنع كَمَا صنع رَسُول الله ص = فَذكر الحَدِيث فَقَالَا هَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي زَائِدَة وَإِنَّمَا هُوَ مُسلم بن أبي مَرْيَم عَن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن المعاوي عَن ابْن عمر قلت لَهما الْوَهم مِمَّن هُوَ فَقَالَا من ابْن أبي زَائِدَة قَالَ أَبُو زرْعَة ابْن أبي زَائِدَة قَلما يُخطئ فَإِذا أَخطَأ أَتَى بالعظائم 11 - وسمعته وَذكر حَدِيثا رَوَاهُ مَرْوَان الْفَزارِيّ عَن سهل بن عبد الله الْمروزِي عَن عبد الْملك بن مهْرَان عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ من أكل الطين فَكَأَنَّمَا أعَان على قتل نَفسه قَالَ أبي هَذَا حَدِيث بَاطِل وَسَهل بن عبد الله وَعبد الْملك بن مهْرَان مَجْهُولَانِ

12 - وسمعته وَذكر حَدِيثا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عمر قَالَ أُتِي النَّبِي ص = فِي غَزْوَة تَبُوك بجبنة فَدَعَا بسكين فَسمى وَقطع قَالَ أبي جَابر الْجعْفِيّ يَقُول عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِصَحِيح وَهُوَ مُنكر 13 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ القعْنبِي عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي ص = سُئِلَ عَن السّمن الجامد تقع فِيهِ الْفَأْرَة فَقَالَ خذوها وَمَا حولهَا فألقوها قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا الحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله أَن النَّبِي ص = مُرْسل وَقَالَ أبي الصَّحِيح من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة عَن النَّبِي ص = 14 - وَسَأَلت أبي عَن الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ دَاوُد بن رشيد عَن سَلمَة بن بشر بن صَيْفِي عَن عباد بن بشر السَّامِي عَن أبي عقال عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي ص = قَالَ أثردوا وَلَو بِالْمَاءِ قَالَ أبي حَدثنَا النُّفَيْلِي بِهَذَا الحَدِيث عَن عباد بن كثير الرَّمْلِيّ عَن عبد الرَّحْمَن السندي عَن أنس بن مَالك قَالَ أبي عباد بن كثير الرَّمْلِيّ هَذَا مُضْطَرب الحَدِيث ظَنَنْت أَنه أحسن حَالا من عباد بن كثير الْبَصْرِيّ فَإِذا هُوَ قريب مِنْهُ 15 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث يحيى بن الْيَمَان عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن خَالِد بن سعد عَن أبي مَسْعُود أَن النَّبِي ص = عَطش حول الْكَعْبَة فَاسْتَسْقَى فَأتي بشراب من السِّقَايَة فشمه فقطب فَقَالَ عَليّ ذنوبا من زَمْزَم فَصَبَّهُ عَلَيْهِ ثمَّ شربه

علل أخبار رويت في الزهد

قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا إِسْنَاد بَاطِل عَن الثَّوْريّ عَن مَنْصُور وهم فِيهِ يحيى بن الْيَمَان وَإِنَّمَا ذاكرهم سُفْيَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة مُرْسل وَلَعَلَّ الثَّوْريّ إِنَّمَا ذكره تَعَجبا من الْكَلْبِيّ حِين حدث بِهَذَا الحَدِيث مستنكرا من الْكَلْبِيّ 16 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ هَيْثَم بن جميل عَن شريك عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نهى النَّبِي ص = أَن يتنفس فِي الْإِنَاء قَالَ أبي إِنَّمَا يَرْوُونَهُ عَن شريك عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي ص = 17 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن مُسلم بن زِيَاد عَن مَكْحُول قَالَ سَمِعت ابْن عمر يَقُول مَا أَمر عمر بن الْخطاب بِشرب الطلاء قطّ وَلَا سقَاهُ قطّ سَمِعت أبي يَقُول هَذَا وهم مَكْحُول لم يسمعهُ من ابْن عمر علل أَخْبَار رويت فِي الزّهْد 18 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة عَن يزِيد بن خمير عَن سُلَيْمَان بن مرْثَد عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي ص = قَالَ لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا قَالَ أبي كَذَا حَدثنَا مُسلم وَحدثنَا أَبُو عمر الحوضي عَن سُفْيَان عَن يزِيد بن خمير عَن سُلَيْمَان عَن ابْن ابْنة أبي الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ لَو تعلمُونَ مَوْقُوف قَالَ أبي وَهَذَا أشبه وَمَوْقُوف وَأَصْحَاب شُعْبَة لَا يرفعون هَذَا الحَدِيث

علل أخبار رويت في المناسك

19 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ سُوَيْد بن عبيد الْعَزِيز عَن زيد بن وَاقد عَن بسر بن عبيد الله عَن أبي إِدْرِيس عَن معَاذ عَن النَّبِي ص = قَالَ أَلا أخْبركُم بملوك أهل الْجنَّة كل ضَعِيف متضعف ذِي طمرين لَا يؤبه لَهُ لَو أقسم على الله لَأَبَره فَقَالَ أبي هَذَا حَدِيث خطأ إِنَّمَا يرْوى عَن أبي إِدْرِيس كَلَامه فَقَط 20 - سَمِعت أبي يَقُول كَانَ مُحَمَّد بن مَيْمُون الْمَكِّيّ أُمِّيا مغفلا قيل لأبي إِن مُحَمَّد بن مَيْمُون الْخياط الْمَكِّيّ روى عَن أبي سعيد مولى بني هَاشم عَن شُعْبَة عَن ابْن إِسْحَاق عَن قيس بن أبي حَازِم عَن عتبَة بن غَزوَان قَالَ لقد رَأَيْتنَا وَأَنا سَابِع سَبْعَة مَا لنا طَعَام إِلَّا الأسودين الحَدِيث بِطُولِهِ فَقَالَ أبي هَذَا حَدِيث بَاطِل بِهَذَا الْإِسْنَاد وَمَا أبعد أَن يكون قد وضع للشَّيْخ فَإِنَّهُ كَانَ أُمِّيا علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك 21 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم عَن ابْن جريج قَالَ أحسن مَا سَمِعت فِي بيض النعامة حَدِيث أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ فِي بيض النعام فِي كل بَيْضَة صِيَام يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين قَالَ أبي هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح عِنْدِي وَلم يسمع ابْن جريج من أبي الزِّنَاد شَيْئا يشبه أَن يكون ابْن جريج أَخذه من إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى 22 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ همام عَن قَتَادَة عَن عزراة عَن الشّعبِيّ أَن الْفضل بن عَبَّاس حَدثهُ وَأَن أُسَامَة بن زيد حَدثهُ أَن النَّبِي ص = كَانَ يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة هَل سمع الشّعبِيّ مِنْهُمَا فَقَالَ لَا يحْتَمل وَيَنْبَغِي أَن يكون بَينهمَا أحد وَلَكِن كَذَا حدث بِهِ همام فَلَا أَدْرِي مَا هَذَا الْأَمر

علل أخبار رويت في الغزو والسير

23 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ يَعْقُوب بن سُفْيَان عَن عَمْرو بن عَاصِم عَن عبيد الله بن الْوَازِع عَن لَيْث بن أبي سُلَيْمَان عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ أَنه كَانَ إِذا سَافر وَركب قَالَ الْحَمد لله الَّذِي سخر لنا هَذَا وَذكر الحَدِيث فَقَالَ هَذَا حَدِيث لَيْسَ لَهُ أصل بِهَذَا الْإِسْنَاد علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير 24 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم عَن عبد الله بن الْعَلَاء بن زبر أَنه سمع أَبَا سَلام الْأسود قَالَ سَمِعت عَمْرو بن عبسة قَالَ صلى بِنَا النَّبِي ص = إِلَى بعير من الْمغنم فَلَمَّا سلم أَخذ وبرة من جنب الْبَعِير فَقَالَ وَلَا يحل لي من غنائمكم هَذِه إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود فِيكُم قَالَ أبي مَا أَدْرِي مَا هَذَا لم يسمع أَبُو سَلام من عَمْرو بن عبسة شَيْئا إِنَّمَا يروي عَن أبي أُمَامَة عَنهُ 25 - سَمِعت أبي وَذكر حَدِيثا رَوَاهُ عبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن صَفْوَان بن يزِيد عَن أبي الْعَلَاء بن اللَّجْلَاج عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله لَا يجمع الله غبارا فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم فِي منخري عبد مُسلم الحَدِيث قَالَ أبي قَالَ لنا أَبُو صَالح عَن اللَّيْث وَإِنَّمَا هُوَ صَفْوَان بن أبي يزِيد وَأرى أَن بَين عبيد الله بن أبي جَعْفَر وَبَين صَفْوَان سُهَيْل بن أبي صَالح 26 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان عَن عَاصِم عَن أبي وَائِل عَن عبد الله عَن النَّبِي ص = أَنه قَالَ لرَسُول مُسَيْلمَة لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل لقتلتك وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم عَن أبي وَائِل عَن ابْن معِين السَّعْدِيّ عَن عبد الله عَن النَّبِي ص = قَالَ أبي الثَّوْريّ أحفظ من أبي بكر

27 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْفضل بن مُوسَى عَن شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن عمَارَة بن عبد عَن عَليّ عَن النَّبِي ص = قَالَ مَا من غادر إِلَّا وَله لِوَاء غدر يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أبي من رفع هَذَا الحَدِيث فقد غلط رَوَاهُ إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن عمَارَة عَن عَليّ مَوْقُوف وَرَوَاهُ زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق عَن هُبَيْرَة بن يريم عَن عَليّ قَالَ أبي عمَارَة أشبه 28 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن رجل من أهل الشَّام عَن أبي عُثْمَان عَن أبي خِدَاش قَالَ كُنَّا فِي غزَاة فَنزل النَّاس منزلا فَقطع النَّاس الطَّرِيق ومدوا الحبال على الْكلأ فَلَمَّا رأى مَا صَنَعُوا قَالَ سُبْحَانَ الله لقد غزوت مَعَ رَسُول الله ص = غزوات فَسَمعته يَقُول النَّاس شُرَكَاء فِي ثَلَاث فِي المَاء والكلأ وَالنَّار قَالَ أبي هَذَا الرجل من أهل الشَّام هُوَ عِنْدِي بَقِيَّة بن الْوَلِيد وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عِنْدِي حريز بن عُثْمَان وَأَبُو خِدَاش لم يدْرك النَّبِي ص = إِنَّمَا حكى عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي ص = وَكَذَلِكَ حَدثنَا أَبُو الْيَمَانِيّ وَعلي بن الْجَعْد عَن حريز كَمَا وصفت وَإِنَّمَا لم يسمه أَبُو إِسْحَاق لِأَنَّهُ كَانَ حَيا فِي ذَلِك الْوَقْت 29 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْمُبَارك الصُّورِي عَن

الْهَيْثَم بن حميد عَن حَفْص بن غيلَان عَن مَكْحُول قَالَ دخلت أَنا وَابْن أبي زَكَرِيَّا وَسليمَان بن حبيب على أبي أُمَامَة بحمص فسلمنا عَلَيْهِ فَقَالَ إِن رَسُول الله ص = قد بلغ مَا أَمر بِهِ فبلغوا عني مَا تَسْمَعُونَ سَمِعت النَّبِي ص = يَقُول من خرج فِي سَبِيل الله فَهُوَ ضَامِن على الله إِن توفاه الله أدخلهُ الْجنَّة وَإِن رده فبمَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة وَالْخَارِج من بَيته إِلَى الْمَسْجِد ضَامِن على الله تَعَالَى إِن توفاه الله أدخلهُ الْجنَّة وَإِن رده فبمَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة والداخل بَيته بِسَلام ضَامِن على الله قَالَ أبي هَذَا حَدِيث خطأ مَكْحُول لم ير أَبَا أُمَامَة 30 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ بشر بن الْمفضل عَن عمَارَة بن غزيَّة عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله ص = فِي غَزْوَة تَبُوك فَكَانَت تدعى غَزْوَة الْعسرَة فَبَيْنَمَا هُوَ يسير إِذا هُوَ بِجَمَاعَة فِي ظلّ شَجَرَة قَالَ مَا هَذِه الْجَمَاعَة قَالُوا يَا رَسُول الله رجل صَامَ فجهده الصَّوْم قَالَ لَيْسَ الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر قَالَ أبي روى هَذَا الحَدِيث شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن الْحسن عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي ص = 31 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث عَمْرو بن أبي قيس عَن مَنْصُور عَن أبي بكر بن حَفْص عَن أبي صَالح عَن عبَادَة عَن النَّبِي ص = أَنه عَاد عبد الله بن رَوَاحَة فَمَا تحول عبد الله عَن مَكَانَهُ فَقَالَ النَّبِي ص = من شُهَدَاء أمتِي قَالُوا الْقَتِيل فِي سَبِيل الله قَالَ الْقَتْل فِي سَبِيل الله شَهَادَة والبطن شَهَادَة وَالْغَرق شَهَادَة الحَدِيث

علل أخبار رويت في البيوع

قَالَ أبي وَرَوَاهُ سعيد عَن أبي بكر بن حَفْص عَن أبي الفصيح أَبُو أبي المصبح عَن ابْن السمط عَن عبَادَة عَن النَّبِي ص = قَالَ أبي وَهَذَا أشبه لَيْسَ لأبي صَالح معنى لم يضْبط عَمْرو وَضبط شُعْبَة وَهَذَا حَدِيث من حَدِيث أهل الشَّام وَهُوَ أَبُو المصبح المقرائي عَن شُرَحْبِيل بن السمط عَن عبَادَة 32 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ صَالح بن مُوسَى الطلحي عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = الزموا الْجِهَاد تصحوا وتستغنوا قَالَ أبي هَذَا حَدِيث بَاطِل وَصَالح الطلحي ضَعِيف الحَدِيث علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع 33 - سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي ص = أَنه نهى أَن يسْتَأْجر الْأَجِير حَتَّى يعلم أجره وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي سعيد مَوْقُوف قَالَ أَبُو زرْعَة الصَّحِيح مَوْقُوف عَن أبي سعيد لِأَن الثَّوْريّ أحفظ 34 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عَمْرو بن عون عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن جَابر قَالَ قضاني رَسُول الله ص = وَزَادَنِي قَالَ أبي كَذَا حَدثنَا عَمْرو بن عون وَأَحْسبهُ قد غلط إِنَّمَا يرْوى هَذَا الحَدِيث عَن مسعر عَن محَارب بن دثار عَن جَابر عَن النَّبِي ص = قَالَ أبي وَلَا يعرف هَذَا الحَدِيث من حَدِيث عَمْرو عَن جَابر وَلَا يحْتَمل أَن يكون عَن عَمْرو عَن جَابر

35 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن عباد عَن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي عَن حميد عَن أنس أَن النَّبِي ص = قَالَ إِن لم يثمرها الله فَبِمَ يسْتَحل أحدكُم مَال أَخِيه فَقَالَا هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ كَلَام أنس قَالَ أَبُو زرْعَة كَذَا يرويهِ الدَّرَاورْدِي وَمَالك بن أنس مَرْفُوعا وَالنَّاس يَرْوُونَهُ مَوْقُوفا من كَلَام أنس 36 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُسلم بن خَالِد عَن عَليّ بن يزِيد بن ركَانَة عَن دَاوُد بن حُصَيْن عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي ص = لما أَمر بِإِخْرَاج بني النَّضِير جَاءَ أنَاس مِنْهُم فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّمَا أمرت بإخراجنا وَلنَا على النَّاس دُيُون فَقَالَ النَّبِي ص = فضعوا وتعجلوا قَالَ أبي رَوَاهُ ابْن جريج عَن ابْن ركَانَة عَن عِكْرِمَة أَن النَّبِي ص = لم يذكر دَاوُد بن الْحصين وَلم يذكر ابْن عَبَّاس قَالَ أبي لَا يُمكن أَن يكون مثل الحَدِيث مُتَّصِلا 37 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عَبَّاس الْخلال عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن قَالَ حَدثنَا بشر بن عون قَالَ حَدثنَا بكار بن تَمِيم عَن مَكْحُول عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = عباد الله لَا تمنعوا فضل مَاء وَلَا نَار وَلَا كلأ فَإِن الله عز وَجل جعلهم مَتَاعا للمقوين وَقُوَّة للمستمتعين قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر 38 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن ابْن ثَوْبَان عَن أَبِيه عَن طَاوس عَن عبد الله بن عمر أَنه بَاعَ سرجا فَقدم الْمُبْتَاع فَرده ورد مَعَه دِرْهَمَيْنِ

أَو ثَلَاثَة فَقَالَ ابْن عمر لَو بَاعَ لَعَلَّه كَانَ يخسر فِيهِ أَكثر من ذَلِك قَالَ أبي هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ ثَوْبَان عَن لَيْث عَن طَاوس 39 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ عَمْرو بن عُثْمَان بن سعيد بن كثير بن دِينَار عَن الْيَمَان بن عدي الْحَضْرَمِيّ عَن الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي ص = أَيّمَا امْرِئ أفلس وَعِنْده مَال امْرِئ بِعَيْنِه لم يقبض مِنْهُ شَيْئا فَهُوَ أَحَق بِعَين مَاله فَإِن كَانَ قبض مِنْهُ شَيْئا فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء وَأَيّمَا امْرِئ مَاتَ وَعِنْده مَال امْرِئ بِعَيْنِه اقْتضى مِنْهُ شَيْئا أَو لم يقتض فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء قَالَ أبي هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ الزُّهْرِيّ عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن أَن النَّبِي ص = واليمان هَذَا شيخ ضَعِيف الحَدِيث 40 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن زرْعَة بن عبد الله الزبيدِيّ عَن عمرَان بن أبي الْفضل عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قيل يَا رَسُول الله مَا يجمل بالعرب من التِّجَارَة قَالَ بيع الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم قيل يَا رَسُول الله فَمَا يجمل بِالْمَوَالِي قَالَ بيع الْبَز وَإِقَامَة الحوانيت قَالَ أبي هَذَا حَدِيث بَاطِل وزرعة وَعمْرَان جَمِيعًا ضعيفان 41 - وَسَأَلت أبي فَقلت لَهُ فَإِن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش روى هَذَا الحَدِيث

عَن عمرَان بن أبي الْفضل عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = أَنه قيل لَهُ مَا يحسن بالعرب من التِّجَارَة قَالَ الْإِبِل قيل فَمَا يحسن بِالْمَوَالِي من التِّجَارَة قَالَ الْبَز والخز قَالَ أبي وَهَذَا الحَدِيث بَاطِل مَوْضُوع وَكَأن ذَلِك من عمرَان 42 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن حمير قَالَ حَدثنِي الْأَوْزَاعِيّ قَالَ حَدثنِي ثَابت بن ثَوْبَان قَالَ حَدثنِي مَكْحُول عَن أبي قَتَادَة قَالَ كَانَ عُثْمَان يَشْتَرِي الطَّعَام ويبيعه قبل أَن يقبضهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله ص = إِذا ابتعت فاكتل وَإِذا بِعْت فَكل قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد 43 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس قَالَ اسْتعَار بعض آل رَسُول الله ص = قَصْعَة فَضَاعَت فضمنها رَسُول اله ص = قَالَ أبي هَذَا حَدِيث بَاطِل لَيْسَ فِيهِ اسْتعَار وهم فِيهِ سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز وَلَفظ هَذَا الحَدِيث غير هَذَا اللَّفْظ شبه الْكَذِب إِنَّمَا الصَّحِيح مَا حدّثنَاهُ الْأنْصَارِيّ عَن حميد عَن أنس قَالَ كَانَ النَّبِي ص = عِنْد بعض أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فَأرْسلت أُخْرَى بقصعة فِيهَا طَعَام فَضربت يَد رَسُول الله فَسَقَطت الْقَصعَة فَانْكَسَرت فَأخذ النَّبِي ص = الكسرتين فضم إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى وَجعل يجمع فِيهِ الطَّعَام وَيَقُول غارت أمكُم كلوا وَحبس الرَّسُول حَتَّى جَاءَت بقصعتها الَّتِي فِي بَيتهَا وَدفع الْقَصعَة الصَّحِيحَة إِلَى الرَّسُول وَترك الْمَكْسُورَة فِي بَيت الَّتِي كسرتها

44 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ يَعْقُوب الزُّهْرِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن مسيح الْأَسدي أَخْبرنِي قَتَادَة عَن عُيَيْنَة بن عَاصِم بن سعر بن نقادة عَن أَبِيه حَدثنِي أبي وعمومتي عَن نقادة قَالَ قلت لرَسُول الله إِنِّي رجل مُغفل فَأَيْنَ أسم وَلم أرك تسم فِي الْوَجْه قَالَ فِي مَوضِع الْجَرِير من السالفة قَالَ فوسم نقادة هُنَاكَ حَلقَة هَدْيه فوسم بهَا رجل من بني يَرْبُوع فاستعدى عَلَيْهِ نقادة بعض الْخُلَفَاء فَقَالَ دخل معي فِي ميسم أَمرنِي بِهِ رَسُول الله ص = فَقضى عَلَيْهِ أَن لَا يسم ميسمه فَقطع الْحلقَة فسميت بتيراء بني يَرْبُوع قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر وَهَؤُلَاء مَجْهُولُونَ قَالَ أَبُو مُحَمَّد قَالَ بعض أهل الْعَرَبيَّة الْجَرِير من السالفة الزِّمَام والسالفة صفحة الْعُنُق والمغفل رجل لَهُ إبل أغفال وَهِي الَّتِي لَا سمات عَلَيْهَا وواحدها غفل 45 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر قَالَ إِنَّمَا جعل رَسُول الله ص = الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم فَإِذا قسم وَوَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة قَالَ أبي الَّذِي عِنْدِي أَن كَلَام النَّبِي ص = هَذَا الْقدر إِنَّمَا جعل النَّبِي ص = الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم قطّ وَيُشبه أَن يكون بَقِيَّة الْكَلَام هُوَ كَلَام جَابر فَإِذا قسم وَوَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة وَالله أعلم قلت لَهُ وَبِمَا استدللت على مَا تَقول قَالَ لأَنا وجدنَا فِي الحَدِيث إِنَّمَا جعل

النَّبِي ص = الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم تمّ الْمَعْنى فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَهُوَ كَلَام مُسْتَقْبل وَلَو كَانَ الْكَلَام الْأَخير عَن النَّبِي ص = كَانَ يَقُول إِنَّمَا جعل النَّبِي ص = الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم وَقَالَ إِذا وَقعت الْحُدُود فَلَمَّا لم نجد ذكر الْحِكَايَة عَن النَّبِي ص = فِي الْكَلَام الْأَخير استدللنا أَن اسْتِقْبَال الْكَلَام الْأَخير من جَابر لِأَنَّهُ هُوَ الرَّاوِي عَن رَسُول الله ص = هَذَا الحَدِيث وَكَذَلِكَ نَص حَدِيث مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد وَأبي سَلمَة أَن النَّبِي ص = قضى بِالشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم فَإِذا أوقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة فَيحْتَمل فِي هَذَا الحَدِيث أَن يكون الْكَلَام الْأَخير كَلَام سعيد وَأبي سَلمَة وَيحْتَمل أَن يكون كَلَام ابْن شهَاب وَقد ثَبت فِي الْجُمْلَة قَضَاء النَّبِي ص = بِالشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم فِي حَدِيث ابْن شهَاب وَعَلِيهِ الْعَمَل عندنَا 46 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن أبي اللَّيْث عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه وَعبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي ص = قَالَ الشُّفْعَة مَا لم تقع الْحُدُود فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث بَاطِل فَامْتنعَ أَن يحدث بِهِ وَقَالَ اضربوا عَلَيْهِ 47 - سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ عبيد الله بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ الْمَعْرُوف بِابْن عَائِشَة عَن مُحَمَّد بن الْحَارِث الْحَارِثِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي عَن أَبِيه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = قَالَ الشُّفْعَة كحل العقال قَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم يقرأه علينا فِي كتاب الشُّفْعَة وضربنا عَلَيْهِ 48 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ هِشَام بن عمار بِآخِرهِ عَن

إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي ص = فِي الضَّب وقصة خَالِد بن الْوَلِيد قَالَ أبي هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ الزُّهْرِيّ عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف عَن ابْن عَبَّاس عَن خَالِد بن الْوَلِيد عَن النَّبِي ص = قلت لأبي وَفِي حَدِيث إِسْمَاعِيل عَن ابْن جريج قَالَ فَأتي النَّبِي ص = بِإِنَاء فَشرب وَعَن يَمِينه ابْن عَبَّاس وَعَن يسَاره خَالِد بن الْوَلِيد فَقَالَ النَّبِي ص = لِابْنِ عَبَّاس أتأذن لي أَن أَسْقِي خَالِدا فَقَالَ ابْن عَبَّاس مَا أحب أَن أوثر بسور النَّبِي ص = على نَفسِي فَتَنَاول ابْن عَبَّاس فشربه قَالَ أبي هَذَا من حَدِيث عبيد الله بن عبد الله وَلَا من حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن أنس قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَفِي هَذَا الحَدِيث بعد هَذَا الْكَلَام فَقَالَ النَّبِي ص = من أطْعمهُ الله طَعَاما فَلْيقل اللَّهُمَّ بَارك لنا فِيهِ وارزقنا خيرا مِنْهُ وَمن سقَاهُ الله لَبَنًا فَلْيقل اللَّهُمَّ بَارك لنا فِيهِ وزدنا مِنْهُ فَإِنِّي لَا أعلم يَجْزِي من الطَّعَام وَالشرَاب إِلَّا اللَّبن قَالَ أبي لَيْسَ هَذَا من حَدِيث الزُّهْرِيّ إِنَّمَا هُوَ من حَدِيث عَليّ بن زيد بن جدعَان عَن عمر بن حَرْمَلَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي ص = قَالَ أبي وأخاف أَن يكون قد أَدخل على هِشَام بن عمار لِأَنَّهُ لما كبر تغير 49 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ تَمِيم بن زِيَاد عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن جَابر عَن النَّبِي ص = أَنه قَالَ نعم الإدام الْخلّ قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد 50 - سَمِعت أبي وَرَأى فِي كتابي عَن هَارُون بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن بشر عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = أَنه سُئِلَ عَن أكل الضَّب فَقَالَ مَا أَنا بآكله وَلَا محرمه فَسَمت أبي

يَقُول هَذَا حَدِيث فِيهِ وهم وَإِنَّمَا هُوَ عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار عَن أَبِيه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = 51 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْفضل بن دُكَيْن عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن مجمع عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة فَقَالَ هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة لَيْسَ لِلزهْرِيِّ معنى كَذَا رَوَاهُ الدَّرَاورْدِي وَهَذَا الصَّحِيح مَوْقُوف قيل قد رَفعه عبيد الله بن مُوسَى عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل فَقَالَ هُوَ خطأ إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف 52 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ أَبُو الرّبيع الزهْرَانِي عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر عَن النَّبِي ص = بَين العَبْد وَالْكفْر ترك الصَّلَاة فَقَالَ أَبُو زرْعَة هَذَا خطأ رَوَاهُ بعض الثِّقَات من أَصْحَاب حَمَّاد فَقَالَ حَدثنَا حَمَّاد قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار أَو حدثت عَنهُ عَن جَابر مَوْقُوف قلت لأبي زرْعَة الْوَهم مِمَّن هُوَ قَالَ مَا أَدْرِي يحْتَمل أَن يكون حدث حَمَّاد مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا قلت فبلغك أَنه توبع أَبُو الرّبيع فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ مَا بَلغنِي أَن أحدا تَابعه وَقَالَ أبي رَوَاهُ بَعضهم مَرْفُوعا بِلَا شكّ وَهُوَ أَبُو الرّبيع وَبَعْضهمْ بِالشَّكِّ غير مَرْفُوع وَكَأن بِالشَّكِّ غير مَرْفُوع أشبه 53 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان وَإِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي ليلى الْكِنْدِيّ عَن سلمَان قَالَ لَا نؤمكم وَلَا ننكح نساءكم قلت وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أَوْس بن ضمعج عَن سلمَان قلت أَيهمَا الصَّحِيح فَقَالَا سُفْيَان أحفظ من شُعْبَة وَحَدِيث الثَّوْريّ أصح 54 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ كَانَت عَامَّة وَصِيَّة رَسُول الله ص = حِين

حَضْرَة الْمَوْت الصَّلَاة وَمَا ملكت أَيْمَانكُم قَالَ أبي نرى أَن هَذَا خطأ وَالصَّحِيح حَدِيث همام عَن قَتَادَة عَن صَالح أبي الْخَلِيل عَن سفينة عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي ص = قَالَ أَبُو زرْعَة رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة فَقَالَ عَن قَتَادَة عَن سفينة عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي ص = وَقَالَ وَابْن أبي عُرْوَة أحفظ وَحَدِيث همام أشبه زَاد همام رجلا 55 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ أَبُو الطَّاهِر بن السَّرْح قَالَ حَدثنَا أَشْعَث بن شُعْبَة عَن حَنش بن الْحَارِث عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت رَأَيْت الطّيب فِي مفرق رَسُول الله ص = وَهُوَ محرم فَقَالَ حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ لنا حَنش عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن عَائِشَة عَن النَّبِي ص = وَلم يقل عَن أَبِيه قلت لأبي أَيهمَا أشبه قَالَ أَبُو نعيم أثبت وَلَا أبعد أَن يكون قَالَ لَهُم مرّة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي ص = 56 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن خثيم عَن حَنْظَلَة عَن سَالم عَن أَبِيه أَنه كَانَ إِذا نظر إِلَى رجل يُرِيد السّفر يَقُول أودعك كَمَا كَانَ رَسُول الله ص = يودع ثمَّ يَقُول أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم عَمَلك قَالَا وهم سعيد فِي هَذَا الحَدِيث وروى هَذَا الحَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم فَوَهم فِيهِ أَيْضا فَقَالَ عَن حَنْظَلَة عَن سَالم عَن الْقَاسِم عَن ابْن عمر وَالصَّحِيح عندنَا وَالله أعلم عَن حَنْظَلَة عَن عبد الْعَزِيز بن عمر عَن يحيى بن إِسْمَاعِيل بن جرير عَن قزعة عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = قَالَ أَبُو زرْعَة حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ لنا عبد الْعَزِيز بن عمر عَن يحيى بن

إِسْمَاعِيل بن جرير عَن قزعة عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = أَنه كَانَ إِذا ودع رجلا قَالَ أستودع الله دينك وأمانتك ذاكرت بِهِ أبي قَالَ حَدثنَا أَبُو نعيم عَن عبد الْعَزِيز هَذَا الحَدِيث 57 - سُئِلَ أبي عَن حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَبُو بكر للنَّبِي ص = مَا شيبك قَالَ شيبتني هود الحَدِيث مُتَّصِل أصح كَمَا رَوَاهُ شَيبَان أَو مُرْسل كَمَا رَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَص قَالَ مُرْسل أصح قلت لأبي روى بَقِيَّة عَن أبي الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي بكر عَن النَّبِي ص = فَقَالَ هَذَا خطأ لَيْسَ فِيهِ ابْن عَبَّاس 58 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ رواد بن الْجراح قَالَ حَدثنَا أَبُو سعد السَّاعِدِيّ قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك قَالَ سَمِعت رَسُول الله ص = يَقُول النَّاس مستوون كأسنان الْمشْط لَيْسَ لأحد على أحد فضل إِلَّا بتقوى الله قَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر وَأَبُو سعد مَجْهُول 59 - سَمِعت أبي وَذكر حَدِيثا حَدثنَا بِهِ عَن زَكَرِيَّاء بن يحيى الْوَقَّاد قَالَ قرئَ على عبد الله بن وهب قَالَ قَالَ الثَّوْريّ قَالَ مجَالد قَالَ أَبُو الوداك قَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ عمر بن الْخطاب قَالَ رَسُول الله ص = قَالَ أخي مُوسَى يَا رب أَرِنِي الَّذِي كنت أريتني فِي السَّفِينَة فَأوحى الله تبَارك وَتَعَالَى إِلَيْهِ يَا مُوسَى إِنَّك ستراه فَلم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أَتَاهُ الْخضر وَهُوَ فَتى طيب الرّيح حسن بَيَاض الثِّيَاب مشمرها فَقَالَ سَلام عَلَيْك وَرَحْمَة الله

يَا مُوسَى بن عمرَان إِن رَبك يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله فَقَالَ مُوسَى هُوَ السَّلَام وَمِنْه السَّلَام وَإِلَيْهِ السَّلَام وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الَّذِي لَا أحصي نعمه وَلَا أقدر على أَدَاء شكره إِلَّا بمعونته فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أُرِيد أَن توصيني بِوَصِيَّة يَنْفَعنِي الله بهَا بعْدك فَقَالَ الْخضر يَا طَالب الْعلم إِن الْقَائِل أقل ملالة من المستمع فَلَا تلم جلساءك إِذا حدثتهم وَاعْلَم أَن قَلْبك وعَاء فَانْظُر مَاذَا تحشو بِهِ وعاءك واعزف عَن الدُّنْيَا فانبذها وَرَاءَك فَإِنَّهَا لَيست لَك بدار وَلَا لَك فِيهَا مَحل قَرَار وَإِنَّمَا جعلت بلغَة للعباد ليتزودوا مِنْهَا للمعاد وَذكر الحَدِيث قَالَ أبي هَذَا حَدِيث بَاطِل كذب قلت وَذكرت هَذَا الحَدِيث لأبي الْجُنَيْد الْحَافِظ فَقَالَ هُوَ مَوْضُوع 60 - سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ بَقِيَّة عَن مُعَاوِيَة بن يحيى الطرابلسي عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ إِن المعونة تنزل من الله على قدر المؤونة وَإِن الصَّبْر ينزل من الله بِقدر الشُّكْر قَالَ أبي كنت معجبا بِهَذَا الحَدِيث حَتَّى ظَهرت لي عَوْرَته فَإِذا هُوَ مُعَاوِيَة عَن عباد بن كثير عَن أبي الزِّنَاد قَالَ أَبُو زرْعَة الصَّحِيح مَا رَوَاهُ الدَّرَاورْدِي عَن عباد بن كثير عَن أبي الزِّنَاد فَبين مُعَاوِيَة بن يحيى وَأبي الزِّنَاد عباد بن كثير وَعباد لَيْسَ بِالْقَوِيّ 61 - سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ إِسْحَاق بن خَالِد الأعسم عَن إِبْرَاهِيم بن رستم قَالَ حَدثنَا أَبُو حَفْص الْعَبْدي عَن إِسْمَاعِيل بن سميع عَن

أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = الْعلمَاء أُمَنَاء الرُّسُل على عباد الله مَا لم يخالطوا السُّلْطَان ويدخلوا فِي الدُّنْيَا فَإِذا خالطوا السُّلْطَان ودخلوا فِي الدُّنْيَا فقد خانوا الرُّسُل فاحذروهم واجتنبوهم فَقَالَ أبي هَذَا حَدِيث مُنكر يشبه أَن يكون فِي الْإِسْنَاد رجل لم يسم وَأسْقط ذَلِك الرجل وَهنا انْتهى مَا أردنَا إِيرَاده من كتاب علل الحَدِيث لِابْنِ أبي حَاتِم الرَّازِيّ وَهُوَ من الْأَئِمَّة الْمَشْهُورين قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ الْحَافِظ الثبت ابْن الْحَافِظ الثبت يروي عَن أبي سعيد الْأَشَج وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وطبقتهما وَكَانَ مِمَّن جمع بَين علو الرِّوَايَة وَمَعْرِفَة الْفَنّ وَله الْكتب النافعة ككتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَالتَّفْسِير الْكَبِير وَكتاب الْعِلَل وَمَا ذكرته لَوْلَا ذكر أبي الْفضل السُّلَيْمَانِي لَهُ وَبئسَ مَا صنع فَإِنَّهُ قَالَ ذكر أسامي الشِّيعَة من الْمُحدثين الَّذين يقدمُونَ عليا على عُثْمَان الْأَعْمَش النُّعْمَان شُعْبَة بن الْحجَّاج عبد الرَّزَّاق عبيد الله بن مُوسَى عبد الرَّحْمَن بِي أبي حَاتِم وَكَانَ وَالِده أَبُو حَاتِم من كبار الْحفاظ البارعين فِي معرفَة الْعِلَل وَيظْهر لَك ذَلِك من هَذَا الْكتاب فَإِن مَا ذكر فِيهِ إِلَّا قَلِيلا مَأْخُوذ عَنهُ ومقتبس مِنْهُ وَكَانَ جَارِيا فِي مضمار أبي زرْعَة وَالْبُخَارِيّ وَذكر بعض أهل الْأَثر أَن بعض الأجلاء من أهل الرَّأْي سَأَلَ أَبَا حَاتِم عَن أَحَادِيث فَقَالَ فِي بَعْضهَا هَذَا خطأ دخل لصَاحبه حَدِيث فِي حَدِيث وَهَذَا

بَاطِل وَهَذَا مُنكر وَهَذَا صَحِيح فَسَأَلَهُ من أَيْن علمت هَذَا هَل أخْبرك الرَّاوِي بِأَنَّهُ غلط أَو كذب فَقَالَ لَا وَلَكِنِّي علمت ذَلِك فَقَالَ لَهُ الرجل أتدعي الْغَيْب فَقَالَ مَا هَذَا ادِّعَاء غيب قَالَ فَمَا الدَّلِيل على قَوْلك فَقَالَ أَن تسْأَل غَيْرِي من أَصْحَابنَا فَإِن اتفقنا علمت أَنا لم نجازف فَذهب الرجل إِلَى أبي زرْعَة وَسَأَلَهُ عَن تِلْكَ الْأَحَادِيث بِعَينهَا فاتفقا فتعجب السَّائِل من اتِّفَاقهمَا من غير مواطأة فَقَالَ أَبُو حَاتِم أفعلمت أَنا لم نجازف ثمَّ قَالَ وَالدَّلِيل على صِحَة قَوْلنَا أَنَّك تحمل دِينَارا بهرجا إِلَى صيرفي فَإِن أخْبرك أَنه يهرج وَقلت لَهُ أَكنت حَاضرا حِين بهرج أَو هَل أخْبرك الَّذِي بهرجه بذلك يَقُول لَك لَا وَلَكِن علم رزقنا مَعْرفَته وَكَذَلِكَ إِذا حملت إِلَى جوهري فص ياقوت وفص زجاج يعرف ذَا من ذَا وَنحن نعلم صِحَة الحَدِيث بعدالة ناقليه وَأَن يكون كلَاما يصلح أَن يكون كَلَام النُّبُوَّة ونعرف سقمه ونكارته بتفرد من لم تصح عَدَالَته وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَيست من الْمسَائِل الغامضة فَإِن كل من اشْتغل بفن من الْفُنُون وتفرغ لَهُ وسلك مَسْلَك أَهله وَصرف عنايته إِلَيْهِ قد يحكم فِي مسَائِله بِحكم لَا يَتَيَسَّر لَهُ إِقَامَة الدَّلِيل الظَّاهِر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَهُ فِي نفس الْأَمر دَلِيل رُبمَا كَانَ أقوى من الْأَدِلَّة الظَّاهِرَة إِلَّا أَن الْعبارَة تقصر عَنهُ وَلذَلِك ترى المشاركين لَهُ فِي تِلْكَ الْحَال يحكمون بِمثل حكمه فِي الْغَالِب وَمن ثمَّ اتّفق الجهابذة من الْعلمَاء على أَنه يرجع فِي مسَائِل كل فن إِلَى أَهله الْمَعْنيين بأَمْره وعَلى ذَلِك فَلَا يستغرب أَن يُقَال إِنَّه يجب فِي الحَدِيث أَن يرجع فِيهِ إِلَى أَئِمَّة الْمَشْهُورين الَّذين تفرغوا لَهُ وصرفوا أعمارهم فِي تَحْصِيله والبحث عَن غوامضه وَعلله وأحوال رِجَاله فَإِذا ثَبت اتِّفَاقهم على شَيْء ثبوتا بَينا لم يسغْ الْعُدُول عَنهُ وَمن سلك مسلكهم تبين لَهُ مثل مَا تبين لَهُم (لَا تقل قد ذهبت أربابه ... كل من سَار على الدَّرْب وصل)

صلة تتعلق بالضعيف وهي تشتمل على ثلاث مسائل

صلَة تتَعَلَّق بالضعيف وَهِي تشْتَمل على ثَلَاث مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى اتّفق الْعلمَاء على أَنه لَا يجوز ذكر الْمَوْضُوع إِلَّا مَعَ بَيَان فِي أَي نوع كَانَ وَأما غير الْمَوْضُوع من الضَّعِيف فقد اخْتلفُوا فِيهِ 1 - فَذهب قوم إِلَى جَوَاز الْأَخْذ بِهِ والتساهل فِي أسانيده وَرِوَايَته من غير بَيَان لضَعْفه إِذا كَانَ من غير الْأَحْكَام والعقائد مثل فَضَائِل الْأَعْمَال والقصص وَمِمَّنْ نقل عَنهُ جَوَاز التساهل فِي ذَلِك عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَأحمد بن حَنْبَل أما ابْن مهْدي فَإِنَّهُ نقل عَنهُ أَنه قَالَ إِذا روينَا عَن رَسُول الله ص = فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام شددنا فِي الْأَسَانِيد وانتقدنا فِي الرِّجَال وَإِذا روينَا فِي الْفَضَائِل وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب تساهلنا فِي الْأَسَانِيد وتسامحنا فِي الرِّجَال وَأما أَحْمد بن حَنْبَل فقد نقل عَنهُ قَالَ الْأَحَادِيث الرَّقَائِق يحْتَمل أَن يتساهل فِيهَا حَتَّى تَجِيء شَيْء فِيهِ حكم وَقَالَ ابْن إِسْحَاق رجل تكْتب عَنهُ هَذِه الْأَحَادِيث يَعْنِي الْمَغَازِي وَنَحْوهَا وَإِذا جَاءَ الْحَلَال وَالْحرَام أردنَا قوما هَكَذَا وَقبض أَصَابِع يَدَيْهِ الْأَرْبَع وَقد ذكر الْحَافِظ ابْن حجر أَن للأخذ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي الْفَضَائِل وَنَحْوهَا عِنْد من سوغ ذَلِك ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن يكون الضَّعِيف غير شَدِيد الضعْف فَيخرج من انْفَرد من الْكَذَّابين والمتهمين بِالْكَذِبِ وَمن فحش غلطه وَقد نقل بَعضهم الِاتِّفَاق على ذَلِك الثَّانِي أَن ينْدَرج تَحت أصل مَعْمُول بِهِ الثَّالِث أَن لَا يعْتَقد عِنْد الْعَمَل بِهِ ثُبُوته بل يعْتَقد الِاحْتِيَاط وَقد ذكر هذَيْن الشَّرْطَيْنِ ابْن عبد السَّلَام وَابْن دَقِيق الْعِيد

وَيظْهر من الشَّرْط الثَّالِث أَنه يلْزم بَيَان ضعف الضَّعِيف الْوَارِد فِي الْفَضَائِل وَنَحْوهَا كي لَا يعْتَقد ثُبُوته فِي نفس الْأَمر مَعَ أَنه رُبمَا كَانَ غير ثَابت فِي نفس الْأَمر وَمن نظر فِي الْأَحَادِيث الضعيفة نظر إمعان وتدبر تبين لَهُ أَنَّهَا إِلَّا الْقَلِيل مِنْهَا يغلب على الظَّن أَنَّهَا غير ثَابِتَة فِي نفس الْأَمر وَقد ذكر ابْن حزم مَا يقرب من ذَلِك حَيْثُ قَالَ إننا قد أمنا وَللَّه الْحَمد أَن تكون شَرِيعَة أَمر بهَا رَسُول الله ص = أَو ندب إِلَيْهَا أَو فعلهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فتضيع وَلم تبلغ إِلَى أحد من أمته إِمَّا بتواتر أَو بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة حَتَّى تبلغ إِلَيْهِ وَأمنا أَيْضا قطعا أَن يكون الله تَعَالَى يفرج بنقلها من لَا تقوم الْحجَّة بنقله من الْعُدُول وَأمنا أَيْضا قطعا أَن تكون شَرِيعَة يُخطئ فِيهَا راويها الثِّقَة وَلَا يَأْتِي بَيَان جلي وَاضح بِصِحَّة خطئه فِيهِ وَأمنا أَيْضا قطعا أَن يُطلق الله عز وَجل من قد وَجَبت الْحجَّة علينا بنقله على وضع حَدِيث فِيهِ شرع يسْندهُ إِلَى من تجب الْحجَّة بنقله حَتَّى يبلغ بِهِ إِلَى رَسُول الله ص = وَكَذَلِكَ نقطع وَنبت بِأَن كل خبر لم يَأْتِ قطّ إِلَّا مُرْسلا أَو لم يروه قطّ إِلَّا مَجْهُول أَو مَجْرُوح ثَابت الجرحة فَإِنَّهُ خبر بالك بِلَا شكّ مَوْضُوع لم يقلهُ رَسُول الله ص = إِذْ لَو جَازَ أَن يكون حَقًا لَكَانَ ذَلِك شرعا صَحِيحا غير لَازم لنا لعدم قيام الْحجَّة علينا فِيهِ قَالَ عَليّ وَهَذَا الحكم الَّذِي قدمنَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا نَقله من اتّفق على عَدَالَته كالصحابة وثقات التَّابِعين ثمَّ كشعبة وسُفْيَان وَمَالك وَغَيرهم من الْأَئِمَّة فِي عصرهم وبعدهم إِلَيْنَا وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَفِي كل من ثبتَتْ جرحته كالحسن بن عمَارَة

وَجَابِر الْجعْفِيّ وَسَائِر الْمَجْرُوحين الثَّابِتَة جرحتهم وَأما من اخْتلف فِيهِ فعدله قوم وجرحه آخَرُونَ فَإِن ثبتَتْ عندنَا عَدَالَته قَطعنَا على صِحَة خَبره وَإِن ثبتَتْ عندنَا جرحته قَطعنَا على بطلَان خَبره وَإِن لم يثبت عندنَا شَيْء من ذَلِك وقفنا فِي ذَلِك وقطعنا وَلَا بُد حتما على أَن غَيرنَا لَا بُد أَن يثبت عِنْده أحد الْأَمريْنِ فِيهِ وَلَيْسَ خطؤنا نَحن إِن أَخْطَأنَا وجهلنا إِن جهلنا حجَّة على وجوب ضيَاع دين الله تَعَالَى بل الْحق ثَابت ومعروف عِنْد طَائِفَة وَإِن جهلته أُخْرَى وَالْبَاطِل كَذَلِك أَيْضا كَمَا يجهل قوم مَا نعلمهُ نَحن أَيْضا وَالْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَلَا يَصح الْخَطَأ فِي خبر الثِّقَة إِلَّا بِأحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا تبين الرَّاوِي واعترافه بِأَنَّهُ أَخطَأ فِيهِ وَإِمَّا شَهَادَة عدل على أَنه سمع الْخَبَر مَعَ رَاوِيه فَوَهم فِيهِ وَإِمَّا بِأَن توجب الْمُشَاهدَة بِأَنَّهُ خطأ هَذَا وَجزم ابْن حزم بِجرح الراويين الْمَذْكُورين إِنَّمَا هُوَ مَبْنِيّ على الْمَشْهُور من أَمرهمَا عِنْد جُمْهُور الْمُحدثين وَقد ترْجم كلا مِنْهُمَا الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان فَقَالَ فِي تَرْجَمَة الأول مِنْهُمَا الْحسن بن عمَارَة ت ق الْكُوفِي الْفَقِيه مولى بجيلة عَن ابْن أبي مليكَة وَعَمْرو بن مرّة وَخلق وَعنهُ السُّفْيانَانِ وَيحيى الْقطَّان وشبابة وَعبد الرَّزَّاق قَالَ ابْن عُيَيْنَة كَانَ لَهُ فضل وَغَيره أحفظ مِنْهُ وَقَالَ شُعْبَة روى الْحسن بن عمَارَة أَحَادِيث عَن الحكم فسألنا الحكم عَنْهَا فَقَالَ مَا سَمِعت مِنْهَا شَيْئا وَقَالَ النَّضر بَين شُمَيْل قَالَ الْحسن بن عمَارَة إِن النَّاس كلهم فِي حل مني مَا خلا شُعْبَة وَقَالَ الدولابي أَبُو بشر حَدثنِي أَبُو صَالح بن عِصَام بن رواد بن الْجراح الْعَسْقَلَانِي حَدثنَا أبي وَسَأَلته عَن قصَّة شُعْبَة وَالْحسن بن عمَارَة فَقَالَ كَانَ ابْن عمَارَة مُوسِرًا وَكَانَ الحكم بن عتيبة مقلا فضمه إِلَى نَفسه فَكَانَ الحكم يحدثه وَلَا يمنعهُ فحدثه بقريب من عشرَة آلَاف قَضِيَّة عَن شُرَيْح وَغَيره وَسمع شُعْبَة عَن

الحكم شَيْئا يَسِيرا فَلَمَّا توفّي الحكم قَالَ شُعْبَة لِلْحسنِ من رَأْيك أَن تحدث عَن الحكم بِكُل مَا سمعته قَالَ نعم مَا أكتم شَيْئا قَالَ فَقَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى أكذب النَّاس فَلْينْظر إِلَى الْحسن بن عمَارَة فَقبل النَّاس مِنْهُ وَتركُوا الْحسن بن عمَارَة قَالَ ابْن أبي رواد دخلت أَنا وَشعْبَة على الْحسن نعوده فِي مَرضه فدار شُعْبَة فَقعدَ وَرَاء الْحسن من حَيْثُ لَا يرَاهُ فَجعل الْحسن يَقُول النَّاس كلهم من قبلي فِي حل مَا خلا شُعْبَة ويومئ إِلَيْهِ توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين ومئة وَكَانَ من كبار الْفُقَهَاء فِي زَمَانه ولي قَضَاء بَغْدَاد وَقَالَ فِي تَرْجَمَة الثَّانِي مِنْهُمَا جَابر بن يزِيد د ت ق ابْن الْحَارِث الْجعْفِيّ الْكُوفِي أحد عُلَمَاء الشِّيعَة لَهُ عَن أبي الطُّفَيْل وَالشعْبِيّ وَخلق وَعنهُ شُعْبَة وَأَبُو عوانه وعدة قَالَ ابْن مهْدي عَن سُفْيَان كَانَ جَابر الْجعْفِيّ ورعا فِي الحَدِيث مَا رَأَيْت أورع مِنْهُ فِي الحَدِيث وَقَالَ شُعْبَة صَدُوق وَقَالَ يحيى بن أبي كثير عَن شعب كَانَ جَابر إِذا قَالَ أَنبأَنَا وَحدثنَا وَسمعت فَهُوَ من أوثق النَّاس وَقَالَ وَكِيع مَا شَكَكْتُمْ فِي شَيْء فَلَا تَشكوا أَن جَابِرا الْجعْفِيّ ثِقَة وَقَالَ ابْن عبد الحكم سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ لشعبة لَئِن تَكَلَّمت فِي جَابر الْجعْفِيّ لأتكلمن فِيك وَقَالَ جرير بن عبد الحميد لَا أستحل أَن يحدث عَن جَابر الْجعْفِيّ كَانَ مِمَّن يُؤمن بالرجعة وَقَالَ يحيى بن يعلى الْمحَاربي طرح زَائِدَة حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ وَقَالَ هُوَ كَذَّاب يُؤمن بالرجعة وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة أَنبأَنَا أبي عَن جدي قَالَ إِن كنت لآتي جَابِرا الْجعْفِيّ فِي وَقت لَيْسَ فِيهِ خِيَار وَلَا قثاء فيحول حول خوخة ثمَّ يخرج إِلَيّ بِخِيَار أَو ثقاء فَيَقُول هَذَا من بستاني وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ جَابر سبئيا من أَصْحَاب عبد الله بن سبأ كَانَ يَقُول إِن عليا يرجع إِلَى الدُّنْيَا وَقَالَ ابْن عدي حَدثنَا عَليّ بن الْحسن بن فديد أَنبأَنَا عبيد الله بن يزِيد بن الْعَوام سَمِعت إِسْحَاق بن مطهر سَمِعت الْحميدِي سَمِعت سُفْيَان سَمِعت جَابِرا الْجعْفِيّ يَقُول انْتقل الْعلم الَّذِي كَانَ فِي النَّبِي ص = إِلَى عَليّ ثمَّ انْتقل من عَليّ إِلَى الْحسن ثمَّ لم يزل حَتَّى بلغ جعفرا قَالَ

ابْن عدي وَعَامة مَا قَذَفُوهُ بِهِ أَنه كَانَ يُؤمن بالرجعة 2 - وَذهب قوم إِلَى عدم جَوَاز الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي أَي نوع كَانَ وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِأبي شامة فِي كتاب الْبَاعِث على إِنْكَار الْبدع والحوادث حَيْثُ قَالَ وَقد أمْلى فِي فضل رَجَب الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن يَعْنِي ابْن عَسَاكِر مَجْلِسا وَهُوَ السَّادِس بعد الْأَرْبَع مئة من أَمَالِيهِ وَقد سمعناه من غير وَاحِد مِمَّن سَمعه عَلَيْهِ ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث كلهَا مُنكرَة أَحدهَا حَدِيث صَلَاة الرغائب الَّذِي بَينا حَاله وَالثَّانِي حَدِيث زَائِدَة بن أبي الرقاد قَالَ حَدثنَا زِيَاد النميري عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله ص = إِذا دخل رَجَب قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي رَجَب وَشَعْبَان وبلغنا رَمَضَان قَالَ الْحَافِظ تفرد بِهِ زَائِدَة عَن زِيَاد بن مَأْمُون الْبَصْرِيّ عَن أنس قلت وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ زَائِدَة بن أبي الرقاد مُنكر الحَدِيث وَزِيَاد بن مَيْمُون الْبَصْرِيّ أَبُو عمار مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ الإِمَام زِيَاد بن مَيْمُون أَبُو عمار الْبَصْرِيّ صَاحب الْفَاكِه عَن أنس تَرَكُوهُ الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث مَنْصُور بن زيد بن زَائِدَة بن قدامَة الْأَسدي عَن مُوسَى بن عمرَان عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = إِن فِي الْجنَّة عينا أَو قَالَ نَهرا يُقَال لَهُ رَجَب مَاؤُهُ أحلى من الْعَسَل وأبيض من اللَّبن فَمن صَامَ يَوْمًا من رَجَب شرب من ذَلِك النَّهر قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم تفرد بِهِ مَنْصُور عَن مُوسَى ثمَّ قَالَ منتقدا على الْحَافِظ الْمَذْكُور وَكنت أود أَن الْحَافِظ لم يذكر ذَلِك فَإِن فِيهِ تقريرا لما فِيهِ من الْأَحَادِيث الْمُنكرَة فقدره كَانَ أجل من أَن يحدث عَن رَسُول الله ص = بِحَدِيث يرى أَنه كذب وَلكنه جرى فِي ذَلِك على عَادَة جمَاعَة من أهل الحَدِيث يتساهلون فِي أَحَادِيث فَضَائِل الْأَعْمَال وَهَذَا عِنْد الْمُحَقِّقين من أهل الحَدِيث وَعند عُلَمَاء الْأُصُول وَالْفِقْه خطأ بل يَنْبَغِي أَن يبين أمره إِن علم وَإِلَّا

دخل تَحت الْوَعيد فق قَوْله ص = من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين 3 - وَقد نقل فِي حكم الحَدِيث الضَّعِيف قَول ثَالِث وَهُوَ أَنه يُؤْخَذ بِهِ فِي الْأَحْكَام أَيْضا إِذا لم يُوجد فِي الْبَاب غَيره وَقد نسب ذَلِك إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل واشتهر عَنهُ غَايَة الاشتهار وَقد كَانَ أنَاس من الْمُتَكَلِّمين يتعجبون من هَذَا القَوْل غَايَة التَّعَجُّب بِنَاء على أَن أَحْكَام الدّين يَنْبَغِي أَن تكون مَبْنِيَّة على أساس متين وَكَانَ أنَاس من غَيرهم يعْجبُونَ بِهَذَا القَوْل ويعدونه أَمارَة على فرط الِاتِّبَاع والتباعد عَن الابتداع وَكَانَ بَينهمَا فريق آخر الْتزم فِي ذَلِك الصمت متمثلا بقول من قَالَ (فبعضنا قَائِل مَا قَالَه حسن ... وبعضنا سَاكِت لم يُؤْت من حصر) وَقد حاول الْعَلامَة ابْن تَيْمِية إِزَالَة الْإِشْكَال من أَصله فَقَالَ فِي كتاب منهاج السّنة النَّبَوِيَّة إِن قَوْلنَا إِن الحَدِيث الضَّعِيف خير من الرَّأْي لَيْسَ المُرَاد بِهِ الضَّعِيف الْمَتْرُوك لَكِن المُرَاد بِهِ الْحسن كَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَحَدِيث إِبْرَاهِيم الهجري مِمَّن يحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه أَو يُصَحِّحهُ وَكَانَ الحَدِيث فِي اصْطِلَاح من قبل التِّرْمِذِيّ إِمَّا صَحِيح وَإِمَّا ضَعِيف والضعيف نَوْعَانِ ضَعِيف مَتْرُوك وَضَعِيف لَيْسَ بمتروك فَتكلم أَئِمَّة الحَدِيث بذلك الِاصْطِلَاح فجَاء من لَا يعرف اصْطِلَاح التِّرْمِذِيّ فَسمع قَول بعض أَئِمَّة الحَدِيث الضَّعِيف أحب إِلَيّ من الْقيَاس فَظن انه يحْتَج بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُضعفهُ مثل التِّرْمِذِيّ وَأخذ يرجح طَريقَة من يرى أَنه أتبع للْحَدِيث الصَّحِيح وَهُوَ فِي ذَلِك من المتناقضين الَّذين يرجحون الشَّيْء على مَا هُوَ أولى بالرجحان مِنْهُ

وَقد ذكر كثير من المؤلفين مِمَّن كَانَ بعد الْعَلامَة الْمَذْكُور قَول الإِمَام أَحْمد من غير أَن يفسروه بِمَا فسره بِهِ فكأنهم لم يطلعوا على مَا قَالَه أَو لم يظْهر لَهُم ذَلِك فَإِن بَعضهم كَانَ يمِيل إِلَى إِثْبَات كل مَا رُوِيَ على أَي وَجه كَانَ ويدلك على ذَلِك قَول بَعضهم إِن الحَدِيث الضَّعِيف إِذا تلته الْأمة بِالْقبُولِ ينزل منزلَة الْمُتَوَاتر حَتَّى إِنَّه ينْسَخ بِهِ الْقُرْآن وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن حَدِيث لَا وَصِيَّة لوَارث قد جَعَلُوهُ نَاسِخا لآيَة الْوَصِيَّة مَعَ أَن بعض الْأَئِمَّة قَالَ إِن أهل الحَدِيث لَا تثبته لَكِن لما تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ صَار فِي حكم الْمُتَوَاتر وَلَا يخفى أَن هَذَا قَول مستغرب جدا وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام قَالَ إِن الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين إِنَّمَا نسختها آيَة الْمَوَارِيث كَمَا اتّفق على ذَلِك السّلف فَإِن الله تَعَالَى قَالَ بعد ذكر الْفَرَائِض {تِلْكَ حُدُود الله} الْآيَة فأبان أَنه لَا يجوز أَن يُزَاد أحد على مَا فرض الله لَهُ وَهَذَا معنى قَول النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث وَإِلَّا فَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَنَحْوه من أَصْحَاب السّنَن وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِذ كَانَ من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يجوز أَن يَجْعَل نَاسِخا لِلْقُرْآنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يثبت أَن شَيْئا من الْقُرْآن نسخ بِسنة بِلَا قُرْآن وَذكرنَا أَيْضا أَن ابْن حزم ذهب إِلَى أَن ذَلِك الحَدِيث متواتر فَإِنَّهُ قَالَ قد يرد خبر مُرْسل إِلَّا أَن الْإِجْمَاع قد صَحَّ بِمَا فِيهِ متيقنا مَنْقُولًا جيلا فجيلا فَإِذا كَانَ ذَلِك علمنَا أَنه مَنْقُول نقل كَافَّة كنقل الْقُرْآن فاستغني عَن ذكر السَّنَد فِيهِ وَكَانَ وُرُود ذَلِك الْمُرْسل وَعدم وُرُوده سَوَاء وَلَا فرق وَذَلِكَ نَحْو لَا وَصِيَّة لوَارث الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قد نَشأ من رِوَايَة الْأَحَادِيث الضعيفة من غير بَيَان لِضعْفِهَا ضَرَر عَظِيم عرفه من عرفه وجهله من جَهله وَقد شدد النكير مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه على من فعل ذَلِك وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَأَشْبَاه مَا ذكرنَا من كَلَام أهل الْعلم فِي متهمي رَوَاهُ الحَدِيث وإخبارهم عَن معايبهم كثير يطول الْكتاب بِذكرِهِ

على اسْتِقْصَائِهِ وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة لمن تفهم وعقل مَذْهَب الْقَوْم فِيمَا قَالُوا من ذَلِك وبينوا وَإِنَّمَا ألزموا أنفسهم الْكَشْف عَن معايب رُوَاة الحَدِيث وناقلي الْأَخْبَار وأفتوا بذلك حِين سئلوا لما فِيهِ من عَظِيم الْخطر إِذْ الْأَخْبَار فِي أَمر الدّين إِنَّمَا تَأتي بتحليل أَو تَحْرِيم أَو أَمر أَو نهي أَو ترغيب أَو ترهيب فَإِذا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بمعدن للصدق وَالْأَمَانَة ثمَّ أقدم على الرِّوَايَة عَنهُ من قد عرفه وَلم يبين مَا فِيهِ لغيره مِمَّن جهل مَعْرفَته كَانَ آثِما بِفِعْلِهِ ذَلِك عاشا لعوام الْمُسلمين إِذْ لَا يُؤمن على بعض من سمع تِلْكَ الْأَخْبَار أَن يستعملها أَو يسْتَعْمل بَعْضهَا ولعلها أَو أَكْثَرهَا أكاذيب لَا أصل لَهَا مَعَ أَن الْأَخْبَار الصَّحِيحَة من رِوَايَة الثِّقَات وَأهل القناعة أَكثر من أَن يضْطَر إِلَى نقل من لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مقنع وَلَا أَحسب كثيرا مِمَّن يعرج من النَّاس على مَا وَصفنَا من هَذِه الْأَحَادِيث الضِّعَاف والأسانيد المجهولة ويعتد بروايتها بعد مَعْرفَته بِمَا فِيهَا من التوهن والضعيف إِلَّا أَن الَّذِي يحملهُ على رِوَايَتهَا والاعتداد بهَا إِرَادَة التكثر بذلك عِنْد الْعَوام وَلِأَن يُقَال مَا أَكثر مَا جمع فلَان من الحَدِيث وَألف من الْعدَد وَمن ذهب فِي الْعلم هَذَا الْمَذْهَب وسلك هَذَا الطَّرِيق لَا نصيب لَهُ فِيهِ وَكَانَ بِأَن يُسمى جَاهِلا أولى من أَن ينْسب إِلَى علم انْتهى كَلَام الإِمَام مُسلم وَإِنَّمَا قصر مُسلم غشهم على عوام الْمُسلمين مَعَ أَن كثيرا من خواصهم قد لحقهم من ذَلِك مَا لحق عوامهم لِأَن الْخَواص كَانَ يُمكنهُم أَن يقفوا على حَقِيقَة الْأَمر وَلَكنهُمْ قصروا فَكَأَنَّهُ جعلهم هم الغاشين لأَنْفُسِهِمْ فَإِن كثيرا مِنْهُم كَانَ إِذا رأى حَدِيثا قد ذكره أحد أُولَئِكَ الغاشين للْأمة فِي دينهَا من غير بَيَان لحاله فَإِن كَانَ مُوَافقا لرأيه أَو لرأي من يهوى أَن ينتصر لَهُ كَيفَ مَا كَانَ الْحَال بَادر لنقله ونشره والاستشهاد بِهِ من غير بحث عَنهُ مَعَ مَعْرفَته بِأَن فِي كثير مِمَّا يرْوى الْمَوْضُوع والضعيف الَّذِي اشْتَدَّ ضعفه

وَإِن كَانَ مُخَالفا لرأيه من يحب أَن ينتصر لَهُ فَإِن وجده غير قَابل للتأويل على وَجه يُوَافق مَا يذهب إِلَيْهِ تَركه وَكَثِيرًا مَا يخْطر فِي باله أَن مخالفه رُبمَا وقف عَلَيْهِ واستند إِلَيْهِ فيعد لَهُ حِينَئِذٍ تَأْوِيلا رُبمَا كَانَ هُوَ أول الضاحكين على نَفسه مِنْهُ وَذَلِكَ اسْتِعْدَادًا لهجوم الْخصم قبل أَن يهجم عَلَيْهِ وَإِن وجده قَابلا للتأويل على وَجه يُوَافق مَا يهواه تساوى عِنْده الْحَالَات وسكنت نَفسه وَمن نظر فِي الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي تخرج الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي كثير من كتب الْكَلَام أَو الْفِقْه أَو الْأُصُول أَو التَّفْسِير رأى من كَثْرَة الْأَحَادِيث الضعيفة الْوَاهِيَة الَّتِي يوردونها للاحتجاج أمرا هائلا وَقد حكم أهل البصيرة من الْعلمَاء الْأَعْلَام بِأَن هَؤُلَاءِ الَّذين يوردونها للاستشهاد بهَا لَا يعذرُونَ إِلَّا من لم يقصر مِنْهُم فِي الْبَحْث وَالِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ إِذا أَخطَأ بعد ذَلِك لم يكن ملوما وَقد تعرض كثير من الْعلمَاء الَّذين وقفُوا على الضَّرَر الَّذِي نَشأ من نشر الْأَحَادِيث الضعيفة فِي الْأمة من غير إِشَارَة إِلَى ضعفها لبَيَان ذَلِك وَقد أَحْبَبْت أَن أورد شَيْئا من ذَلِك على طَرِيق التَّلْخِيص قَالَ الْحَكِيم الْمُحَقق أَبُو الريحان البيروني فِي الْكتاب الَّذِي أَلفه فِي تَحْقِيق مَا ينْسب لأهل الْهِنْد من مقَالَة فِي مَبْحَث صُورَة السَّمَاء وَالْأَرْض إِن الْقُرْآن لم ينْطق فِي هَذَا الْبَاب وَفِي كل شَيْء ضَرُورِيّ بِمَا يحوج إِلَى تعسف فِي تَأْوِيل وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَشْيَاء الضرورية مَعهَا حَذْو القذة بالقذة وبإحكام من غير تشابه وَلم يشْتَمل أَيْضا على شَيْء مِمَّا اخْتلف فِيهِ وأيس من الْوُصُول إِلَيْهِ وَإِن كَانَ الْإِسْلَام مكيدا فِي مبادئه بِقوم من مناوئيه أظهروه بانتحال وحكوا لِذَوي السَّلامَة فِي الْقُلُوب من كتبهمْ مَا لم يخلق الله مِنْهُ فِيهَا شَيْئا لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا فصدقوهم وكتبوها عَنْهُم مغترين بنفاقهم وَتركُوا مَا عِنْدهم من الْكتاب الْحق لِأَن قُلُوب الْعَامَّة إِلَى الخرافات أميل فتشوشت الْأَخْبَار لذَلِك ثمَّ جَاءَت طامة أُخْرَى من جِهَة الزَّنَادِقَة كأصحاب ماني كَعبد الْكَرِيم بن أبي العوجاء وَأَمْثَاله فشككوا ضِعَاف الغرائز فِي الْوَاحِد الأول من جِهَة التَّعْدِيل

والتجوير وأمالوهم إِلَى التَّثْنِيَة وزينوا عِنْدهم سيرة ماني حَتَّى اعتصموا بحبله وَهُوَ رجل غير مقتصر على جهالاته فِي مذْهبه دون الْكَلَام فِي هَيْئَة الْعَالم بِمَا يُنبئ عَن تمويهاته وانتشر ذَلِك فِي الْأَلْسِنَة وانضاف إِلَى مَا تقدم من المكايد الْيَهُودِيَّة فَصَارَ رَأيا مَنْسُوبا إِلَى الْإِسْلَام سُبْحَانَ الله عَن مثله وَالَّذِي يُخَالِفهُ ويتمسك بِالْحَقِّ المطابق لِلْقُرْآنِ فِيهِ موسوما بالْكفْر والإلحاد مَحْكُومًا على دَمه بالإراقة غير مرخص فِي سَماع كَلَامه وَهُوَ دون مَا يسمع من كَلَام فِرْعَوْن {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} {مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي} وتطاول العصبية رُبمَا يمِيل عَن الطَّرِيقَة المثلى للحمية وَالله يثبت قدم من يَقْصِدهُ ويقصد الْحق فِيهِ وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حزم فِي كتاب الْفَصْل فِي الْملَل والأهواء والنحل ذكر فُصُول يعْتَرض بهَا جهلة الْمُلْحِدِينَ على ضعفاء الْمُسلمين قَالَ أَبُو مُحَمَّد إِنَّا لما تدبرنا أَمر طائفتين مِمَّن شاهدنا فِي زَمَاننَا هَذَا وجدناهما قد تفاقم الدَّاء بهما فإمَّا إِحْدَاهمَا فقد جلت الْمُصِيبَة فِيهَا وَبهَا وهم قوم افتتحوا عنفوان فهمهم وابتدؤا دُخُولهمْ إِلَى المعارف بِطَلَب علم الْعدَد وبرهانه وطبائعه ثمَّ تدرجوا إِلَى تَعْدِيل الْكَوَاكِب وهيئة الأفلاك وَفِيمَا دون ذَلِك من الطبيعيات وعوارض الجو ومطالعة شَيْء من كتب الْأَوَائِل وحدودها الَّتِي نصبت فِي الْكَلَام وَمَا مازج بعض مَا ذكرنَا من آراء الفلاسفة فِي الْقَضَاء بالنجوم وَأَنَّهَا ناطقة مُدبرَة وَكَذَلِكَ الْفلك فأشرقت هَذِه الطَّائِفَة من أَكثر مَا طالعت مِمَّا ذكرنَا على أَشْيَاء صِحَاح يراهنها ضَرُورِيَّة لائحة وَلم يكن مَعهَا من جودة القريحة وصفاء النّظر مَا تعلم بِهِ أَن من أصَاب فِي عشرَة آلَاف مَسْأَلَة مثلا جَائِز أَن يُخطئ فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة لَعَلَّهَا أسهل من الْمسَائِل الَّتِي أصَاب فِيهَا فَلم تفرق هَذِه الطَّائِفَة بَين مَا صَحَّ مِمَّا طالعوه بِحجَّة برهانية وَبَين مَا فِي أثْنَاء ذَلِك وتضاعيفه مِمَّا لم يَأْتِ عَلَيْهِ من ذكره من الْأَوَائِل إِلَّا بإقناع أَو بشغب أَو بتقليد لَيْسَ مَعَه شَيْء مِمَّا ذكرنَا

فحملوا كل مَا أشرفوا عَلَيْهِ محملًا وَاحِدًا وقبلوه قبولا مستويا فسرى فيهم الْعجب وتداخلهم الزهو وظنوا أَنهم قد حصلوا على مباينة الْعَالم فِي ذَلِك وللشيطان موالج خُفْيَة ومداخل لَطِيفَة فتوصل إِلَيْهِم من بَاب غامض وَهُوَ إصغار كل شَيْء من عُلُوم الدّيانَة الَّتِي هِيَ الْغَرَض الْمَقْصُود من كل ذِي لب وَالَّتِي هِيَ نتيجة الْعُلُوم الَّتِي طالعوا لَو عقلوا سبلها ومقاصدها فَلم يعبأوا بِآيَة من كتاب الله الَّذِي هُوَ جَامع عُلُوم الْأَوَّلين والآخرين وَالَّذِي لم يفرط فِيهِ من شَيْء وَالَّذِي من فهمه كَفاهُ وَلَا بِسنة من سنَن رَسُول الله ص = الَّتِي هِيَ بَيَان الْحق وَنور الْأَلْبَاب وَلم تلق هَذِه الطَّائِفَة من حَملَة الدّين إِلَّا أَقْوَامًا لَا عناية عِنْدهم بِشَيْء مِمَّا قدمْنَاهُ وَإِنَّمَا عنيت من الشَّرِيعَة بِأحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا بِأَلْفَاظ ينقلون ظَاهرهَا وَلَا يعْرفُونَ مَعَانِيهَا وَلَا يهتمون بفهمها وَإِمَّا بمسائل من الْأَحْكَام لَا يشتغلون بدلائلها ومنبعثها وَإِنَّمَا حسبهم مِنْهَا مَا أَقَامُوا بِهِ 8 جاههم وحالهم وَإِمَّا بخرافات منقولة عَن كل ضَعِيف وَكَذَّاب وساقط لم يهتبلوا قطّ بِمَعْرِِفَة صَحِيح مِنْهَا من سقيم وَلَا مُرْسل من مُسْند وَلَا مَا نقل عَن النَّبِي ص = مِمَّا نقل عَن كَعْب الْأَحْبَار ووهب بن مُنَبّه عَن أهل الْكتاب فَنَظَرت الطَّائِفَة الأولى إِلَى هَذِه الْآخِرَة بِعَين الاستهجان والاحتقار والاستجهال فَتمكن الشَّيْطَان مِنْهُم وَحل فيهم حَيْثُ أحب فهلكوا وَضَلُّوا واعتقدوا أَن دين الله لَا يَصح مِنْهُ شَيْء وَلَا يقوم عَلَيْهِ دَلِيل فَاعْتقد أَكْثَرهم الْإِلْحَاد وَاسْتِعْمَال الْفَرَائِض والعبادات وآثروا الراحات وركوب اللَّذَّات وقصدوا كسب المَال كَيفَ تيَسّر وظلم الْعباد وَتَدين الْأَقَل مِنْهُم بتعظيم الْكَوَاكِب فأسفت نفس الْمُسلم الناصح لهَذِهِ الْملَّة وَأَهْلهَا على هَلَاك هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِين وخروجهم عَن جملَة الْمُؤمنِينَ بعد أَن غذوا بلبان الْإِسْلَام ونشئوا فِي حجور أَهله

وَأما الطَّائِفَة الثَّانِيَة فهم قوم ابتدؤا الطّلب بِحَدِيث النَّبِي ص = فَلم يزِيدُوا على طلب علو الْإِسْنَاد وَجمع الغرائب دون أَن يهتموا بِشَيْء مِمَّا كتبُوا ويعملوا بِهِ وَإِنَّمَا تَحملُوهُ حملا لَا يزِيد عَن قِرَاءَته دون تدبر مَعَانِيه وَدون أَن يعلمُوا أَنهم المخاطبون بِهِ وَأَنه لم يَأْتِي هملا وَلم يقلهُ رَسُول الله ص = عَبَثا بل أمرنَا بالتفقه فِيهِ وَالْعَمَل بِهِ بل أَكثر هَذِه الطَّائِفَة لَا يعْمل عِنْدهم إِلَّا بِمَا جَاءَ من طَرِيق مقَاتل بن سُلَيْمَان وَالضَّحَّاك بن مُزَاحم وَتَفْسِير الْكَلْبِيّ وَتلك الطَّبَقَة وَكتب البدء الَّتِي إِنَّمَا هِيَ خرافات مَوْضُوعَات وَلَدهَا الزَّنَادِقَة تدليسا على الْإِسْلَام وَأَهله فأطلقت هَذِه الطَّائِفَة كل اخْتِلَاط لَا يَصح مثل أَن الأَرْض على حوت والحوت على قرن ثَوْر والثور على الصَّخْرَة والصخرة على عاتق ملك وَالْملك على الظلمَة والظلمة على مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله عز وَجل فنافرت هَذِه الطَّائِفَة كل برهَان وَلم يكن عِنْدهم أَكثر من قَوْلهم نهينَا عَن الْجِدَال وليت شعري من نَهَاهُم عَنهُ وَالله يَقُول فِي كِتَابه الْمنزل على نبيه الْمُرْسل {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} وَأخْبر تَعَالَى عَن قوم نوح أَنهم قَالُوا {يَا نوح قد جادلتنا فَأَكْثَرت جدالنا} وَقد نَص الله تَعَالَى فِي غير مَوضِع من كِتَابه على أصُول الْبَرَاهِين وَقد نبهنا عَلَيْهَا فِي غير مَا مَوضِع من كتَابنَا هَذَا وحض تَعَالَى على التفكر فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَا يَصح الِاعْتِبَار فِي خلقهما إِلَّا بِمَعْرِِفَة هيآتهما وانتقال الْكَوَاكِب فِي أفلاكهما وَاخْتِلَاف حركاتها فِي التَّغْرِيب والتشريق وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ معرفَة الطبائع وامتزاج العناصر وعوارضها وتركيب أَعْضَاء الْحَيَوَان من عصبه وعضله وعظامه وعروقه وشرايينه واتصال أَعْضَائِهِ بَعْضهَا بِبَعْض وَقواهُ المركبة فَمن أشرف على ذَلِك وَعلمه رأى عَظِيم الْقُدْرَة وتيقن أَن كل ذَلِك صَنْعَة ظَاهِرَة وَإِرَادَة خَالق مُخْتَار

ثمَّ زَاد قوم مِنْهُم فَأتوا بالأفيكة الَّتِي يقشعر مِنْهَا وَهِي أَن أطْلقُوا أَن الدّين لَا يُؤْخَذ بِحجَّة فأقروا عُيُون الْمُلْحِدِينَ وشهدوا أَن الدّين لَا يثبت إِلَّا بالدعاوي وَالْغَلَبَة وَهَذَا خلاف قَول الله عز وَجل {قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين} هَذَا قَول الله عز وَجل وَمَا جَاءَ بِهِ نبيه ص = وَفِي تِلْكَ الْكِفَايَة والغناء عَن قَول كل قَائِل وَقد حَاج ابْن عَبَّاس الْخَوَارِج وَمَا علمنَا أحدا من الصَّحَابَة نهى عَن الِاحْتِجَاج فَلَا معنى لرأي من جَاءَ بعدهمْ فَكَانَ كَلَام هَذِه الطَّائِفَة مغريا للطائفة الأولى بكفرها إِذْ لم يرَوا فِي خصومهم فِي الْأَغْلَب إِلَّا من هَذِه صفته ثمَّ زَادَت هَذِه الثَّانِيَة غلوا فِي الْجُنُون فعابوا كتبا لَا علم لَهُم بهَا وَلَا طالعوها وَلَا رَأَوْا مِنْهَا كلمة وَلَا قرؤوها وَلَا أخْبرهُم عَمَّا فِيهَا ثِقَة كالكتب الَّتِي فِيهَا هَيْئَة الأفلاك ومجاري النُّجُوم والكتب الَّتِي جمعهَا أرسطاطاليس فِي حُدُود الْكَلَام قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذِه الْكتب كلهَا سَالِمَة مفيدة دَالَّة على تَوْحِيد الله عز وَجل وَقدرته عَظِيمَة الْمَنْفَعَة فِي انتقاد جَمِيع الْعُلُوم وعزم مَنْفَعَة الْكتب الَّتِي ذكرنَا فِي الْحُدُود فَفِي مسَائِل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بهَا يعْتَرف كَيفَ التَّوَصُّل إِلَى الاستنباط وَكَيف تُؤْخَذ الْأَلْفَاظ على مقتضاها وَكَيف يعرف الْخَاص من الْعَام والمجمل من الْمُفَسّر وَبِنَاء الْأَلْفَاظ بَعْضهَا على بعض وَكَيف تَقْدِيم الْمُقدمَات وإنتاج النتائج وَمَا يَصح من ذَلِك صِحَة ضَرُورِيَّة أبدا وَمَا يَصح مرّة وَيبْطل أُخْرَى وَمَا لَا يَصح الْبَتَّةَ وَضرب الْحُدُود الَّتِي من شَذَّ عَنْهَا كَانَ خَارِجا عَن أَصله وَدَلِيل الْخطاب وَدَلِيل الاستقراء وَغير ذَلِك مِمَّا لَا غناء بالفقيه الْمُجْتَهد لنَفسِهِ وَلأَهل مِلَّته عَنهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَلَمَّا رَأينَا عظم المحنة فِيمَا تولد فِي الطَّائِفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذكرنَا رَأينَا من عَظِيم الْأجر وَأفضل الْعَمَل بَيَان هَذَا الْبَاب الْمُشكل بحول الله تَعَالَى وَقدرته وتأييده فَنَقُول وَبِه عز وَجل نتأيد ونستعين إِن كل مَا صَحَّ ببرهان أَي شَيْء كَانَ فَهُوَ فِي الْقُرْآن وَكَلَام النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَنْصُوص مسطور يُعلمهُ كل

من أَحْكَام النّظر وأيده الله تَعَالَى بفهم وَأما كل مَا عدا ذَلِك مِمَّا لَا يَصح ببرهان وَإِنَّمَا هُوَ إقناع أَو شغب فالقرآن وَكَلَام النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْهُ خاليان وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين قَالَ أَبُو مُحَمَّد ومعاذ الله أَن يَأْتِي كَلَام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَو كَلَام نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا يُبطلهُ عيان أَو برهَان إِنَّمَا ينْسب هَذَا إِلَى الْقُرْآن وَالسّنة من لَا يُؤمن بهما وَيسْعَى فِي إبطالهما {ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ} ولسنا من تَفْسِير الْكَلْبِيّ وَمن جرى مجْرَاه فِي شَيْء وَلَا نَحن من نقل المتهمين فِي شَأْن إِنَّمَا نحتج بِمَا نَقله الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات من رُؤَسَاء الْمُحدثين مُسْندًا فَمن فتش الحَدِيث الصَّحِيح وجد فِيهِ كل مَا قُلْنَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين انْتهى مَا تعلق الْغَرَض بإيراده وَقد تعرض حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ لبَيَان عظم الضَّرَر الَّذِي نَشأ من هَاتين الطَّائِفَتَيْنِ فِي كتاب المنقذ من الضلال ونحا فِي كَلَامه قَرِيبا من منحى ابْن حزم فِي ذَلِك فَارْجِع إِلَيْهِ إِن شِئْت هَذَا وَمن شدد النكير على أُولَئِكَ الْمُحدثين الَّذين يروون الْأَحَادِيث الضعيفة من غير بَيَان ضعفها حَتَّى حصل من الضَّرَر مَا حصل جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين على الِاخْتِلَاف فرقهم وَقد ذكر ابْن قُتَيْبَة فِي مُقَدّمَة كتاب تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث مَا قَالَه المتكلمون من الْقَدَرِيَّة فِي ذَلِك فَإِن قيل إِن هَؤُلَاءِ لَا يَقُولُونَ بِالْحَدِيثِ فيكف يسمع كَلَامهم فِي أَهله وهم أَشد النَّاس عَدَاوَة لَهُم يُقَال بِأَن هَؤُلَاءِ لَا يتوقعون فِي وجوب الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ إِذا كَانَ متواترا أَو كَانَ غير متواتر إِلَّا أَنه احتف بِهِ من الْقَرَائِن مَا يدل على صِحَّته وَإِنَّمَا يتوقفون فِي الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ إِذا كَانَ مرويا من طَرِيق الْآحَاد وَلم تقم قرينَة على صِحَّته وَأما الْأَحَادِيث الضعيفة فَلَا يَقُولُونَ بهَا أصلا وَقد نحا منحاهم المتكلمون

منا وَمن نظر فِي كتب الْكَلَام أَو الْأُصُول تبين لَهُ أَنهم لَا يُنكرُونَ الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ مُطلقًا كَمَا توهمه عبارَة أنَاس يُرِيدُونَ التنفير مِنْهُم مَعَ أَن التنفير مِنْهُم يُمكن أَن يحصل بِغَيْر الافتراء عَلَيْهِم وَنسبَة مَا لَا يَقُولُونَ بهم إِلَيْهِم الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قد عرفت أَن الْعلمَاء الْأَعْلَام قد أَنْكَرُوا إنكارا شَدِيدا على الَّذين يروون الْأَحَادِيث الضعيفة من غير بَيَان لِضعْفِهَا وَأما من رَوَاهَا مَعَ بَيَان ضعفها فَلم ينكروا عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن رِوَايَة كثير من عُلَمَاء الحَدِيث للأحاديث الضعيفة لم تكن تَخْلُو عَن فَائِدَة مهمة قَالَ الْعَلامَة النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قد ذكر مُسلم فِي هَذَا الْبَاب أَن الشّعبِيّ روى عَن الْحَارِث الْأَعْوَر وَشهد أَنه كَاذِب وَعَن غَيره حَدثنِي فلَان وَكَانَ مُتَّهمًا وَعَن غَيره الرِّوَايَة عَن المغفلين والضعفاء والمتروكين فقد يُقَال لم حدث هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة عَن هَؤُلَاءِ مَعَ علمهمْ بِأَنَّهُم لَا يحْتَج بهم وَيُجَاب عَنهُ بأجوبة أَحدهَا أَنهم رووها ليعرفوها وليبينوا ضعفها لِئَلَّا يلتبس فِي وَقت عَلَيْهِم أَو على غَيرهم أَو يتشككوا فِي أمرهَا الثَّانِي أَن الضَّعِيف يكْتب حَدِيثه ليعتبر بِهِ أَو يستشهد كَمَا قدمْنَاهُ فِي فصل المتابعات وَلَا يحْتَج بِهِ على انْفِرَاده الثَّالِث أَن رِوَايَات الرَّاوِي الضَّعِيف يكون فِيهَا الصَّحِيح والضعيف وَالْبَاطِل فيكتبونها ثمَّ يُمَيّز أهل الحَدِيث والإتقان بعض ذَلِك من بعض وَذَلِكَ سهل عَلَيْهِم مَعْرُوف عِنْدهم وَبِهَذَا احْتج سُفْيَان الثَّوْريّ حِين نهى عَن الرِّوَايَة عَن الْكَلْبِيّ فَقيل لَهُ أَنْت تروي عَنهُ فَقَالَ أَنا أعلم صدقه من كذبه الرَّابِع أَنهم قد يروون عَنْهُم أَحَادِيث التَّرْغِيب والترهيب وفضائل الْأَعْمَال والقصص والزهد وَمَكَارِم الْأَخْلَاق وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يتَعَلَّق بالحلال وَالْحرَام وَسَائِر

الْأَحْكَام وَهَذَا الضَّرْب من الحَدِيث يجوز عِنْد أهل الحَدِيث وَغَيرهم التساهل فِيهِ وَرِوَايَة مَا سوى الْمَوْضُوع مِنْهُ وَالْعَمَل بِهِ لِأَن أصُول ذَلِك صَحِيحَة مقررة فِي الشَّرْع مَعْرُوفَة عِنْد أَهله وعَلى كل حَال فَإِن الْأَئِمَّة لَا يروون عَن الضُّعَفَاء شَيْئا يحتجون بِهِ على انْفِرَاده فِي الْأَحْكَام فَإِن هَذَا شَيْء لَا يَفْعَله إِمَام من أَئِمَّة الْمُحدثين وَلَا مُحَقّق من غَيرهم من الْعلمَاء وَأما فعل كثيرين من الْفُقَهَاء أَو أَكْثَرهم ذَلِك واعتمادهم عَلَيْهِ فَلَيْسَ بصواب بل قَبِيح جدا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِن كَانَ يعرف ضعفه لم يحل لَهُ أَن يحْتَج بِهِ فَإِنَّهُم متفقون على أَنه لَا يحْتَج بالضعيف فِي الْأَحْكَام وَإِن كَانَ لَا يعرف ضعفه لم يحل لَهُ أَن يهجم على الِاحْتِجَاج بِهِ من غير بحث عَلَيْهِ بالتفتيش عَنهُ إِن كَانَ عَارِفًا أَو بسؤال أهل الْعلم بِهِ إِن لم يكن عَارِفًا وَالله أعلم تَنْبِيه إِذا أردْت نقل الحَدِيث الضَّعِيف بِغَيْر إِسْنَاد فَلَا تقل فِيهِ قَالَ رَسُول الله كَذَا أَو فعل كَذَا لإشعار ذَلِك بِالْجَزْمِ بل قل فِيهِ رُوِيَ عَن رَسُول الله ص = أَنه قَالَ كَذَا أَو فعل كَذَا أَو بلغنَا عَنهُ كَذَا أَو جَاءَ عَنهُ كَذَا أَو روى بَعضهم عَنهُ كَذَا وَمَا أشبه ذَلِك من الصِّيَغ الَّتِي لَا تشعر بِالْجَزْمِ وَمثل الضَّعِيف مَا يشك فِي صِحَّته وَضَعفه وَخلاف ذَلِك مُنكر عِنْد الْقَوْم يسْتَحق صَاحبه اللوم قَالَ النَّوَوِيّ فِي مُقَدّمَة شرح صَحِيح البُخَارِيّ قَالَ الْعلمَاء الْمُحَقِّقُونَ من الْمُحدثين وَغَيرهم إِذا كَانَ الحَدِيث ضَعِيفا لَا يُقَال فِيهِ قَالَ رَسُول الله ص = أَو فعل أَو أَمر أَو نهى أَو حكم وَشبه ذَلِك من صِيغ الْجَزْم وَكَذَا لَا يُقَال روى أَبُو هُرَيْرَة أَو قَالَ أَو ذكر أَو أخبر أَو حدث أَو نقل أَو أفتى وَشبه ذَلِك وَكَذَا لَا يُقَال ذَلِك فِي التَّابِعين فَمن بعدهمْ فَمَا كَانَ ضَعِيفا فَلَا يُقَال فِيهِ شَيْء من ذَلِك بِصِيغَة الْجَزْم وَإِنَّمَا يُقَال فِي

الضَّعِيف بِصِيغَة التمريض فَيُقَال رُوِيَ عَنهُ أَو نقل أَو ذكر أَو حُكيَ أَو يُقَال أَو يرْوى أَو يحْكى أَو يعزى أَو جَاءَ عَنهُ أَو بلغنَا عَنهُ قَالُوا وَإِذا كَانَ الحَدِيث أَو غَيره صَحِيحا أَو حسنا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ فَيُقَال بِصِيغَة الْجَزْم وَدَلِيل هَذَا كُله أَن صِيغَة الْجَزْم تَقْتَضِي صِحَّته عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ فَلَا يُطلق إِلَّا فِيمَا صَحَّ وَإِلَّا فَيكون فِي معنى الْكَاذِب عَلَيْهِ وَهَذَا التَّفْصِيل مِمَّا تَركه كثير من النَّاس من المصنفين فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا وَمن غَيرهم وَقد اشْتَدَّ إِنْكَار الإِمَام الْحَافِظ أبي بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ الْبَيْهَقِيّ على من خَالف هَذَا من الْعلمَاء وَهَذَا التساهل من فَاعله قَبِيح جدا فَإِنَّهُم يَقُولُونَ فِي الصَّحِيح بِصِيغَة التمريض وَفِي الضَّعِيف بِالْجَزْمِ وَهَذَا خُرُوج عَن الصَّوَاب وقلب للمعاني وَالله الْمُسْتَعَان وَقد اعتنى البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ بِهَذَا التَّفْصِيل فِي صَحِيحه فَيَقُول فِي التَّرْجَمَة الْوَاحِدَة بعض الْكَلَام بتمريض وَبَعضه بجزم مراعيا مَا ذكرنَا وَهَذَا مَا يزيدك اعتقادا فِي جلالته وتحريه وروع واطلاعه وتحقيقه وإتقانه

الفصل السابع في رواية الحديث بالمعنى وما يتعلق بذلك

الْفَصْل السَّابِع فِي رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَمَا يتَعَلَّق بذلك اخْتلف الْعلمَاء فِي رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى فَذهب قوم إِلَى عدم جَوَاز ذَلِك مُطلقًا مِنْهُم ابْن سِيرِين وثعلب وَأَبُو بكر الرَّازِيّ وَغَيرهم ويروى ذَلِك عَن ابْن عمر وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَاز ذَلِك إِذا كَانَ الرَّاوِي عَارِفًا بدقائق الْأَلْفَاظ بَصيرًا بِمِقْدَار التَّفَاوُت بَينهَا خَبِيرا بِمَا يحِيل مَعَانِيهَا فَإِذا أبدل اللَّفْظ الَّذِي بلغه بِلَفْظ آخر يقوم مقَامه بِحَيْثُ يكون مَعْنَاهُ مطابقا لِمَعْنى اللَّفْظ الَّذِي بلغه جَازَ ذَلِك وَقد تعرض لهَذِهِ الْمَسْأَلَة عُلَمَاء الْأُصُول وَلما كَانَت من الْمسَائِل المهمة جدا أَحْبَبْت أَن أورد من عباراتهم هُنَا مَا يكون فِيهِ كِفَايَة لمطالع كتَابنَا قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي اللمع بَاب القَوْل فِي حَقِيقَة الرِّوَايَة وَمَا يتَّصل بهَا وَالِاخْتِيَار فِي الرِّوَايَة أَن يروي الْخَبَر بِلَفْظِهِ لقَوْله ص = نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها ثمَّ أَدَّاهَا كَمَا سمع قرب حَامِل فقه إِلَى مَا هُوَ أفقه مِنْهُ فَإِن أورد الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى نظر فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يعرف معنى الحَدِيث لم يجز لِأَنَّهُ لَا يُؤمن أَن يُغير معنى الحَدِيث وَإِن كَانَ مِمَّن يعرف معنى الحَدِيث نظر فَإِن كَانَ ذَلِك فِي خبر مُحْتَمل لم يجز أَن يروي بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ رُبمَا نَقله بِلَفْظ لَا يُؤَدِّي مُرَاد الرَّسُول ص = فَلَا يجوز أَن يتَصَرَّف فِيهِ وَإِن كَانَ خَبرا ظَاهرا فَفِيهِ وَجْهَان من أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجوز لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ التَّعَبُّد بِاللَّفْظِ كتكبير الصَّلَاة وَالثَّانِي أَنه يجوز وَهُوَ الْأَظْهر

لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ فَقَامَ مقَامه وَلِهَذَا رُوِيَ عَن النَّبِي ص = أَنه قَالَ إِذا أصبت الْمَعْنى فَلَا بَأْس وَهَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ ابْن مَنْدَه فِي معرفَة الصَّحَابَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير من حَدِيث عبد الله بن سُلَيْمَان بن أكيمَة اللَّيْثِيّ قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع مِنْك الحَدِيث لَا أَسْتَطِيع أَن أوديه كَمَا أسمعهُ مِنْك يزِيد حرفا أَو ينقص حرفا فَقَالَ إِذا لم تحلوا حَرَامًا وَلم تحرموا حَلَال وأصبتم الْمَعْنى فَلَا بَأْس فَذكر ذَلِك لِلْحسنِ فَقَالَ لَوْلَا هَذَا مَا حَدثنَا وَذكر بعض أهل الْأَثر أَن أُنَاسًا من المجوزين للرواية بِالْمَعْنَى استأنسوا بِحَدِيث مَرْفُوع فِيهِ قُلْنَا يَا رَسُول الله إِنَّا نسْمع مِنْك الحَدِيث فَلَا نقدر أَن نؤديه فَقَالَ إِذا لم تحلوا حَرَامًا وَلم تحرموا حَلَالا وأصبتم الْمَعْنى لَا بَأْس قَالَ وَهُوَ حَدِيث مُضْطَرب لَا يَصح بل ذكره الجوزقاني وَابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَفِي ذَلِك نظر وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى دون اللَّفْظ حرَام على الْجَاهِل بمواقع الْخطاب ودقائق الْأَلْفَاظ أما الْعَالم بِالْفرقِ بَين الْمُحْتَمل وَغير الْمُحْتَمل وَالظَّاهِر وَالْأَظْهَر وَالْعَام والأعم فقد جوز لَهُ الشَّافِعِي وَمَالك وَأَبُو حنيفَة وجماهير الْفُقَهَاء أَن يَنْقُلهُ على الْمَعْنى إِذا فهمه وَقَالَ فريق لَا يجوز لَهُ إِلَّا إِبْدَال اللَّفْظ بِمَا يرادفه ويساويه فِي الْمَعْنى كَمَا يُبدل الْقعُود بِالْجُلُوسِ وَالْعلم بالمعرفة والاستطاعة بِالْقُدْرَةِ والإبصار بالإحساس بالبصر والحظر بِالتَّحْرِيمِ وَسَائِر مَا لَا يشك فِيهِ وعَلى الْجُمْلَة مَا لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ

تفَاوت بالاستنباط والفهم وَإِنَّمَا ذَلِك فِيمَا فهمه قطعا لَا فِيمَا فهمه بِنَوْع استلال يخْتَلف فِيهِ الناظرون وَيدل على جَوَاز ذَلِك للْعَالم الْإِجْمَاع على جَوَاز شرح الشَّرْع للعجم بلسانهم إِذا جَازَ إِبْدَال الْعَرَبيَّة بعجمية ترادفها فَلِأَن يجوز إِبْدَال عَرَبِيَّة بعربية ترادفها وتساويها أولى وَكَانَ سفراء رَسُول الله ص = فِي الْبِلَاد يبلغونهم أوامره بلغتهم وَكَذَلِكَ من سمع شَهَادَة الرَّسُول ص = فَلهُ أَن يشْهد على شَهَادَته بلغَة أُخْرَى وَهَذَا لأَنا نعلم أَنه لَا تعبد فِي اللَّفْظ وَإِنَّمَا الْمَقْصُود فهم الْمَعْنى وإيصاله إِلَى الْحق وَلَيْسَ فِي ذَلِك كالتشهد وَالتَّكْبِير وَمَا تعبد فِيهِ بِاللَّفْظِ فَإِن قيل فقد قَالَ ص = نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها فأداها كَمَا سَمعهَا فَرب مبلغ أوعى من سامع وَرب حَامِل فقد لَيْسَ بفقيه وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ قُلْنَا هَذَا هُوَ الْحجَّة لِأَنَّهُ ذكر الْعلَّة وَهُوَ اخْتِلَاف النَّاس فِي الْفِقْه فَمَا لَا يخْتَلف النَّاس فِيهِ من الْأَلْفَاظ المترادفة فَلَا يمْنَع مِنْهُ وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه قد نقل بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَالْمعْنَى وَاحِد وَإِن أمكن أَن تكون جَمِيع تِلْكَ الْأَلْفَاظ قَول رَسُول الله ص = فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة لَكِن الْأَغْلَب أَنه حَدِيث وَاحِد وَنقل بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة فَإِنَّهُ رُوِيَ رجم الله امْرأ ونضر الله امْرأ وَرُوِيَ وَرب حَامِل فقه لَا فقه لَهُ وَرب حَامِل فقه غير فَقِيه وَكَذَلِكَ الْخطب المتحدة والوقائع المتحدة رَوَاهَا الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة فَدلَّ ذَلِك على الْجَوَاز وَقَالَ الْفَخر الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُول يجوز نقل الْخَبَر بِالْمَعْنَى وَهُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ وَأبي حنيفَة خلافًا لِابْنِ سِيرِين وَبَعض الْمُحدثين وَلَكِن بشرائط ثَلَاث إِحْدَاهَا أَن لَا تكون التَّرْجَمَة قَاصِرَة عَن الأَصْل فِي إِفَادَة الْمَعْنى وَثَانِيها أَن لَا يكون فِيهَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَثَالِثهَا أَن تكون التَّرْجَمَة مُسَاوِيَة للْأَصْل فِي الْجلاء

والخفاء لِأَن الْخطاب يَقع تَارَة بالمحكم وَتارَة بالمتشابه لحكم وأسرار اسْتَأْثر الله بعلمها فَلَا يجوز تغييرها عَن وصفهَا لنا وُجُوه الأول أَن الصَّحَابَة نقلوا قصَّة وَاحِدَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة مَذْكُورَة فِي مجْلِس وَاحِد وَلم يُنكر بَعضهم على بعض فِيهِ وَذَلِكَ يدل على قَوْلنَا الثَّانِي أَنه يجوز شرح الشَّرْع للعجم بلسانهم فَإِذا جَازَ إِبْدَال الْعَرَبيَّة بالعجمية فبأن يجوز إبدالها بعربية أُخْرَى أولى وَمن أنصف علم أَن التَّفَاوُت بَين الْعَرَبيَّة وترجمتها بِالْعَرَبِيَّةِ أقل مِمَّا بَينهَا وَبَين العجمية الثَّالِث أَنه رُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِذا أصبْتُم الْمَعْنى فَلَا بَأْس وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ إِذا حَدِيث قَالَ قَالَ رَسُول الله كَذَا أَو نَحوه الرَّابِع وَهُوَ الْأَقْوَى أَنا نعلم بِالضَّرُورَةِ أَن الصَّحَابَة الَّذين رووا عَن رَسُول الله ص = فِي ذَلِك الْمجْلس بل كَمَا سمعوها يذكرونها وَمَا ذكروها إِلَّا بعد الْأَعْصَار والسنين وَذَلِكَ يُوجب الْقطع بتعذر رِوَايَتهَا على تِلْكَ الْأَلْفَاظ احْتج الْمُخَالف بِالنَّصِّ والمعقول أما النَّص فَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رحم الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها ثمَّ أَدَّاهَا كَمَا سَمعهَا قَالُوا وأداؤه كَمَا سمع هُوَ أَدَاء اللَّفْظ المسموع وَنقل الْفَقِيه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ مَعْنَاهُ وَالله أعلم أَن الأفطن رُبمَا فطن بِفضل فقهه من فَوَائِد اللَّفْظ بِمَا لم يفْطن لَهُ الرَّاوِي لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ دونه فِي الْفِقْه وَأما الْمَعْقُول فِيمَن وَجْهَيْن الأول أَنا لما جربنَا رَأينَا أَن الْمُتَأَخر رُبمَا استنبط من فَوَائِد بِآيَة أَو خبر مَا لم يتَنَبَّه لَهُ أهل الْأَعْصَار السالفة من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين فَعلمنَا أَنه لَا يجب فِي كل مَا كَانَ من فَوَائِد اللَّفْظ أَن يتبنه لَهُ السَّامع فِي الْحَال وَإِن كَانَ فَقِيها ذكيا نَفسه فَلَو جَوَّزنَا النَّقْل بِالْمَعْنَى فَرُبمَا حصل التَّفَاوُت الْعَظِيم مَعَ أَن الرَّاوِي يظنّ أَن لَا تفَاوت

الثَّانِي أَنه لَو جَازَ للراوي تَبْدِيل لفظ الرَّسُول بِلَفْظ نَفسه كَانَ للراوي الثَّانِي تَبْدِيل اللَّفْظ الَّذِي سَمعه بِلَفْظ نَفسه بل هَذَا أولى لِأَن تَبْدِيل لفظ الرَّاوِي أولى بِالْجَوَازِ من تَبْدِيل لفظ الشَّارِع وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة فَذَلِك يقْضِي إِلَى سُقُوط الْكَلَام الأول لِأَن الْإِنْسَان وَإِن اجْتهد فِي تطبيق التَّرْجَمَة لَكِن لَا يَنْفَكّ عَن تفَاوت وَإِن قل فَإِذا توالت هَذِه التفاوتات كَانَ التَّفَاوُت الْأَخير تَفَاوتا فَاحِشا بِحَيْثُ لَا يبْقى بَين الْكَلَام الْأَخير وَبَين الأول نوع مُنَاسبَة وَالْجَوَاب عَن الأول أَن من أدّى كَلَام الرجل فَإِنَّهُ يُوصف بِأَنَّهُ أدّى كَمَا سمع وَإِن اخْتلف الْأَلْفَاظ وَهَكَذَا الشَّاهِد والترجمان يَقع عَلَيْهِمَا الْوَصْف بِأَنَّهُمَا أديا كَمَا سمعا وَإِن كَانَ لفظ الشَّاهِد خلاف لفظ الْمَشْهُود عَلَيْهِ ولغة المترجم غير لُغَة المترجم عَنهُ وَعَن الثَّانِي وَالثَّالِث مَا تقدم قبل وَقَالَ الْقَرَافِيّ فِي شرح تَنْقِيح الْفُصُول فِي الْأُصُول وَنقل الْخَبَر بِالْمَعْنَى عِنْد أبي الْحُسَيْن وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ جَائِز خلافًا لِابْنِ سِيرِين وَبَعض الْمُحدثين بِشُرُوط أَن لَا تزيد التَّرْجَمَة وَلَا تنقص وَلَا تكون أخْفى وَلَا أجلى لِأَن الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ إِيصَال الْمعَانِي فَلَا يضر فَوَات غَيرهَا وَمَتى زَادَت عبارَة الرَّاوِي أَو نقصت فقد زَاد فِي الشَّرْع أَو نقص وَذَلِكَ حرَام إِجْمَاعًا وَمَتى كَانَت عبارَة الحَدِيث جلية فغيرها بِعِبَارَة خُفْيَة فقد أوقع فِي الحَدِيث وهنأ يُوجب تَقْدِيم غَيره عَلَيْهِ بِسَبَب خفائه فَإِن الْأَحَادِيث إِذا تَعَارَضَت فِي الحكم الْوَاحِد يقدم أجلاها على أخفاها فَإِذا كَانَ أصل الحَدِيث جليا فأبدله بخفي فقد أبطل مِنْهُ مزية حَسَنَة تخل بِهِ عِنْد التَّعَارُض وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الحَدِيث خَفِي الْعبارَة فأبدلها بأجلى مِنْهَا فقد أوجب لَهُ حكم التَّقْدِيم على غَيره وَحكم الله لَا يقدم غَيره عَلَيْهِ عِنْد التَّعَارُض فقد تسبب بِهَذَا التَّغْيِير فِي الْعبارَة إِلَى تَغْيِير حكم الله تَعَالَى وَذَلِكَ لَا يجوز فَهَذَا هُوَ مُسْتَند هَذِه

الشُّرُوط فَإِذا حصلت هَذِه الشُّرُوط فَحِينَئِذٍ يجْرِي الْخلاف فِي الْجَوَاز أما عِنْد عدمهَا فَلَا يجوز إِجْمَاعًا حجَّة الْجَوَاز أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا يسمعُونَ الْأَحَادِيث وَلَا يكتبونها وَلَا يكررون عَلَيْهَا ثمَّ يروونها بعد السنين الْكَثِيرَة وَمثل هَذَا يجْزم الْإِنْسَان فِيهِ بِأَن نفس الْعبارَة لَا تنضبط بل الْمَعْنى فَقَط وَلِأَن أَحَادِيث كَثِيرَة وَقعت بعبارات مُخْتَلفَة وَذَلِكَ مَعَ اتِّحَاد الْقِصَّة وَهُوَ دَلِيل جَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى وَلِأَن لفظ السّنة لَيْسَ متعبدا بِهِ بِخِلَاف لفظ الْقُرْآن فَإِذا ضبط الْمَعْنى فَلَا يضر فَوَات مَا لَيْسَ بمقصود حجَّة الْمَنْع قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رحم الله أَو نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فأداها كَمَا سَمعهَا فَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ وَرب حَامِل فقه إِلَى من لَيْسَ بفقيه فَقَوله فأداها كَمَا سَمعهَا يَقْتَضِي أَن يكون اللَّفْظ الْمُؤَدى كاللفظ المسموع عملا بكاف التَّشْبِيه والمسموع فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ اللَّفْظ وَسَمَاع الْمَعْنى تبع لَهُ والتشبيه وَقع بالمسموع فَلَا يُشبههُ حِينَئِذٍ إِلَّا المسموع أما الْمَعْنى فَلَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أوجب نقل مثل مَا سَمعه لَا خِلَافه وَهُوَ الْمَطْلُوب قَالَ صَاحب ميزَان الْعُقُول فِي الْأُصُول مَسْأَلَة نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى هَل يجوز أم لَا أَجمعُوا أَنه إِذا كَانَ لفظا مُشْتَركا أَو مُجملا أَو مُشكلا فَإِنَّهُ لَا يجوز إِقَامَة لفظ آخر مقَامه أما إِذا كَانَ لفظا ظَاهرا مُفَسرًا فإقامة لفظ آخر مثله بِأَن قَالَ قعد رَسُول الله ص = على رَأس الرَّكْعَتَيْنِ فِي صَلَاة الظّهْر مَكَان مَا رُوِيَ أَنه جلس على رَأس الرَّكْعَتَيْنِ هَل يجوز فَعِنْدَ أَصْحَابنَا يجوز وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي وَقد رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ كَذَلِك وَقَالَ بعض أَصْحَاب الحَدِيث إِنَّه لَا يجوز وَقيل هُوَ اخْتِيَار ثَعْلَب من أَئِمَّة اللُّغَة وَحجَّة هَؤُلَاءِ حَدِيث رَسُول الله ص = فَإِنَّهُ قَالَ نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها وأداها كَمَا سَمعهَا وَلِأَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَخْصُوص بِكَمَال الفصاحة والبلاغة كَمَا رُوِيَ أَنه قَالَ أَنا أفْصح الْعَرَب وَلَا فَخر وَرُوِيَ

عَنهُ أَنه قَالَ أُوتيت خمْسا لم يُؤْتَهُنَّ أحدا قبلي وَذَلِكَ مِنْهَا وَأُوتِيت جَوَامِع الْكَلم وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلَا شكّ أَن فِي النَّقْل إِلَى لفظ آخر احْتِمَال الاختلال فِي الْمَعْنى فَيجب الِاقْتِصَار على اللَّفْظ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَلِهَذَا الطَّرِيق لَا يجوز نقل الْقُرْآن بِالْمَعْنَى فَكَذَا هَذَا وَوجه قَول الْعَامَّة مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود وَغَيره أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ هَكَذَا أَو نَحوا مِنْهُ أَو قَرِيبا مِنْهُ وَهَذَا نقل بِالْمَعْنَى وَقد اشْتهر عَن الصَّحَابَة أَنهم قَالُوا أمرنَا رَسُول الله ص = بِكَذَا ونهانا عَن كَذَا وَهَذَا نقل من حَيْثُ الْمَعْنى وَإِجْمَاع الصَّحَابَة حجَّة وَالْمعْنَى فِي الْمَسْأَلَة هُوَ أَن الِامْتِنَاع إِمَّا أَن يكون لأجل اللَّفْظ أَو لأجل الْمَعْنى وَالْأول فَاسد فَإِن سنة النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وضعت لبَيَان الْأَحْكَام وَهُوَ الْغَرَض وَهَذَا لَا يخْتَص بِلَفْظ دون لفظ وَلِأَنَّهُ لم يتَعَلَّق شَيْء من الْغَرَض بِلَفْظ الحَدِيث لِأَنَّهُ لَيْسَ بمعجز وَلَا يتَعَلَّق الثَّوَاب وَجَوَاز الصَّلَاة بِهِ بِخِلَاف الْقُرْآن فَإِنَّهُ معجز وَقد تعلق بتلاوته الثَّوَاب وَجَوَاز الصَّلَاة فلئن كَانَ لَا يجوز نقل الْقُرْآن من لفظ إِلَى لفظ فَلم ذَا لَا يجوز فِي الحَدِيث مَعَ أَن ثمَّ جَاءَ النَّقْل بطرِيق الرُّخْصَة أَيْضا كَمَا رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه سمع رجلا يَقُول طَعَام الْيَتِيم وَلم يُمكنهُ أَن يَقُول طَعَام الأثيم فَقَالَ لَهُ قل طَعَام الْفَاجِر فَلِأَن يجوز فِي الحَدِيث أولى وَإِن كَانَ لأجل الْمَعْنى فَالْمَعْنى لَا يخْتَلف وَلَا يخْتل بِالنَّقْلِ إِلَى لفظ مثله فِي الْمَعْنى نَحْو قَوْلهم قعد مَكَان جلس وَلِهَذَا كَانَ نقل كلمة الشَّهَادَة من اللَّفْظ الْمَرْوِيّ بِالْعَرَبِيَّةِ إِلَى كل لِسَان جَائِز لما كَانَ الْغَرَض هُوَ الْمَعْنى دون اللَّفْظ فَكَذَا هَذَا بِخِلَاف الْأَذَان وَالتَّشَهُّد حَيْثُ لَا يجوز النَّقْل عَن ألفاظهما إِلَى غَيرهمَا لِأَن الشَّرْع جَاءَ بِتِلَاوَة ألفاظهما وعلق بهما الثَّوَاب الْخَاص على أَن الْأَذَان شرع للإعلام وَإنَّهُ لَا يحصل إِلَّا بالألفاظ الْمَعْرُوفَة وَلِهَذَا لم يجوزوا النَّقْل من اللَّفْظ الْمُشْتَرك والمجمل إِلَى لفظ آخر لما فِيهِ من احْتِمَال الْإِخْلَال بِالْمَعْنَى

وَأما الحَدِيث فَنَقُول لَا حجَّة فِي الحَدِيث لِأَن من نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى من كل وَجه يُقَال إِنَّه أدّى كَمَا سمع فَإِنَّهُ يُقَال للمترجم من لُغَة إِلَى لُغَة قد أدّى كَمَا سمع على أَن المُرَاد بِالْحَدِيثِ إِذا كَانَ لفظ الحَدِيث مُشْتَركا أَو مُشكلا أَو مُجملا يُمكن احْتِمَال الْخلَل فِيهِ بِالنَّقْلِ إِلَى لفظ آخر وَنحن نمْنَع النَّقْل فِي مثل هَذَا الْموضع لهَذَا الْوَهم وَفِي الحَدِيث مَا يدل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ وَرب حَامِل فقه لَيْسَ بفقيه وَمَا لَا يشْتَبه من الْأَلْفَاظ وَلَا يخْتَلف اجْتِهَاد الْمُجْتَهدين فِيهِ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَقِيه وَغير الْفَقِيه والكامل فِي الْفَقِيه والناقص وَقَالَ بعض عُلَمَاء الْحَنَابِلَة تجوز رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى المطابق للفظ للعارف بمقتضيات الْأَلْفَاظ الْفَارِق بَينهَا وَمنع مِنْهُ ابْن سِيرِين لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فأداها كَمَا سَمعهَا وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للبراء حِين قَالَ وَرَسُولك الَّذِي أرْسلت قَالَ قل وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت وَلنَا جَوَاز شرح الحَدِيث وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة الْعَرَبيَّة بالعجمية وَعَكسه فَهَذَا أولى وَلِأَن التَّعَبُّد بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ بِخِلَاف الْقُرْآن وَلِأَنَّهُ جَائِز فِي غير السّنة فَكَذَا فِيهَا إِذْ الْكَذِب حرَام فيهمَا والراوي بِالْمَعْنَى المطابق مؤد كَمَا سمع ثمَّ المُرَاد مِنْهُ من لَا يفرق وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ وَفَائِدَة قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للبراء مَا ذكر عدم الالتباس بِجِبْرِيل أَو الْجمع بَين لفظتي النُّبُوَّة والرسالة قَالَ أَبُو الْخطاب وَلَا يُبدل لفظا بأظهر مِنْهُ إِذْ الشَّارِع رُبمَا قصد إِيصَال الحكم بِاللَّفْظِ الْجَلِيّ تَارَة وبالخفي أُخْرَى قلت وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَهُوَ أولى وَقد فهم هَذَا من قَوْلنَا الْمَعْنى المطابق وَالله أعلم وَقَالَ ابْن حزم فصل قَالَ عَليّ وَحكم الْخَبَر عَن النَّبِي ص = أَن يُورد بِنَصّ لَفظه لَا يُبدل وَلَا يُغير إِلَّا فِي حَال وَاحِدَة وَهِي أَن يكون الْمَرْء

قد تثبت فِيهِ وَعرف مَعْنَاهُ يَقِينا فَيسْأَل فيفتي بِمَعْنَاهُ وموجبه فَيَقُول حكم رَسُول الله بِكَذَا وَنهى عَن كَذَا وَحرم كَذَا وَالْوَاجِب فِي هَذِه الْقَضِيَّة مَا صَحَّ عَن النَّبِي ص = وَهُوَ كَذَا وَكَذَلِكَ الحكم فِيمَا جَاءَ من الحكم فِي الْقُرْآن وَلَا فرق وَجَائِز أَن يخبر الْمَرْء بِمُوجب الْآيَة وبحكمها بِغَيْر لَفظهَا وَهَذَا مَا لَا خلاف فِيهِ من أحد فِي أَن ذَلِك مُبَاح كَمَا ذكرنَا وَأما من حدث وَأسْندَ القَوْل إِلَى النَّبِي ص = وَقصد التَّبْلِيغ لما بلغه عَن النَّبِي ص = فَلَا يحل لَهُ إِلَّا تحري الْأَلْفَاظ كَمَا سَمعهَا لَا يُبدل حرفا مَكَان آخر وَإِن كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا وَلَا يقدم حرفا وَلَا يُؤَخر آخر وَكَذَلِكَ من قصد تِلَاوَة آيَة أَو تعلمهَا وَلَا فرق وبرهان ذَلِك أَن النَّبِي ص = علم الْبَراء بن عَازِب دُعَاء وَفِيه وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت فَلَمَّا أَرَادَ الْبَراء أَن يعرض ذَلِك الدُّعَاء على النَّبِي ص = قَالَ وبرسولك الَّذِي أرْسلت فَقَالَ النَّبِي ص = لَا وبنبيك الَّذِي أرْسلت فَأمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن لَا يضع لَفْظَة رَسُول فِي مَوضِع لَفْظَة نَبِي وَذَلِكَ حق لَا يحِيل معنى وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَام رَسُول وَنَبِي فَكيف يسوغ للجهال المغفلين أَن يَقُولُوا إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يُجِيز أَن يوضع فِي الْقُرْآن مَكَان عَزِيز حَكِيم غَفُور رَحِيم أَو سميع عليم وَهُوَ يمْنَع من ذَلِك فِي دُعَاء لَيْسَ قُرْآنًا وَالله يَقُول مخبرا عَن نبيه {مَا يكون لي أَن أبدله من تِلْقَاء نَفسِي} وَلَا تَبْدِيل أَكثر من وضع كلمة مَكَان أُخْرَى أم كَيفَ يسوغ إِبَاحَة الْقِرَاءَة الْمَفْرُوضَة فِي الصَّلَاة بالأعجمية مَعَ مَا ذكرنَا وَمَعَ إِجْمَاع الْأمة أَن إنْسَانا لَو قَرَأَ أم الْقُرْآن فَقدم آيَة على أُخْرَى أَو قَالَ الشُّكْر للصمد مولى الْخَلَائق وَزعم أَن ذَلِك فِي الْقُرْآن لعد مِمَّن يفتري على الله الْكَذِب وَمَعَ قَوْله تَعَالَى {لِسَان الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ أعجمي وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين} فَفرق تَعَالَى

بَينهمَا وَأخْبر أَن الْقُرْآن إِنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيّ لَا العجمي وَأمر بِقِرَاءَة الْقُرْآن فِي الصَّلَاة فَمن قَرَأَ بالأعجمية فَلم يقْرَأ الْقُرْآن بِلَا شكّ وَاحْتج بَعضهم فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} وبخطابه تَعَالَى لنا بِالْعَرَبِيَّةِ حاكيا كَلَام مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ عَليّ وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن الَّذِي فِي زبر الْأَوَّلين إِنَّمَا هُوَ معنى الْقُرْآن لَا الْقُرْآن وَلَو كَانَ الْقُرْآن فِي زبر الْأَوَّلين لما كَانَ مُحَمَّد ص = مَخْصُوصًا بِهِ وَلَا كَانَت لَهُ فِيهِ آيَة وَهَذَا خلاف النَّص وَأما حكايته تَعَالَى لنا كَلَام مُوسَى وَغَيره بلغتنا فَلم يلْزمنَا تَعَالَى بِقِرَاءَة ألفاظهم بنصها وَلَا نمْنَع نَحن تَفْسِير الْقُرْآن بالأعجمية لمن يترجم لَهُ وَإِنَّمَا نمْنَع من تِلَاوَته فِي الصَّلَاة أَو على سَبِيل التَّقَرُّب بتلاوته إِلَى الله تَعَالَى بِغَيْر اللَّفْظ الَّذِي أنزل بِهِ لَا بِكَلَام أعجمي وَلَا بِغَيْر تِلْكَ الْأَلْفَاظ وَإِن وافقتها فِي الْعَرَبيَّة وَلَا بِتَقْدِيم تِلْكَ الْأَلْفَاظ بِعَينهَا وَلَا بتأخيرها وَإِنَّمَا نجيز التَّرْجَمَة الَّتِي أجازها النَّص على سَبِيل التَّعْلِيم والإفهام فَقَط لَا على سَبِيل التِّلَاوَة الَّتِي يقْصد بهَا الْقرْبَة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَمن حدث بِحَدِيث فَبَلغهُ إِلَى غَيره كَمَا بلغه إِيَّاه غَيره وَأخذ عَنهُ فَلَيْسَ أَن يكرره أبدا فقد أدّى مَا عَلَيْهِ بتبليغه وَأما اللّحن فِي الحَدِيث فَإِن كَانَ شَيْئا لَهُ وَجه فِي لُغَة بعض الْعَرَب فليروه كَمَا سَمعه وَلَا يُبدلهُ وَلَا يردهُ إِلَى أفْصح مِنْهُ وَلَا إِلَى غَيره وَإِن كَانَ شَيْئا لَا وَجه لَهُ فِي لُغَة الْعَرَب الْبَتَّةَ فَحَرَام على كل مُسلم أَن يحدث باللحن عَن رَسُول الله ص = فَإِن فعل فَهُوَ كَاذِب عَلَيْهِ لأَنا قد أيقنا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يلحن قطّ وَفرض عَلَيْهِ أَن يصلحه ويبشره يكشطه من كِتَابه ويكتبه معربا وَيحدث بِهِ معربا وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا وجد فِي كِتَابه من لحن وَلَا إِلَى مَا حَدثهُ بِهِ شُيُوخه ملحونا وَلِهَذَا لزم من طلب الْفِقْه أَن يتَعَلَّم النَّحْو واللغة وَإِلَّا فَهُوَ نَاقص منحط

لَا تجوز لَهُ الْفتيا فِي دين الله عز وَجل وَكَانَ ابْن عمر يضْرب وَلَده على اللّحن وَقد رُوِيَ عَن شُعْبَة أَو عَن حَمَّاد بن سَلمَة الشَّك مني أَنه قَالَ من حدث عني بلحن فقد كذب عَليّ وَكَانَ شُعْبَة وَحَمَّاد وخَالِد بن الْحَارِث وَبشر بن الْمفضل وَالْحسن الْبَصْرِيّ لَا يلحنون الْبَتَّةَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقَالَ ابْن المطهر الْحلِيّ فِي نِهَايَة الْوُصُول فِي الْبَحْث الْحَادِي عشر فِي نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى اخْتلف النَّاس فِي أَنه هَل يجوز نقل الحَدِيث الْمَرْوِيّ عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْمَعْنَى فجوزه الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَأكْثر الْفُقَهَاء وَبَعض الْمُحدثين والمجوزون شرطُوا أمورا ثَلَاثَة الأول أَن لَا تكون التَّرْجَمَة قَاصِرَة عَن الأَصْل فِي إِفَادَة الْمَعْنى الثَّانِي أَن لَا يكون فِيهَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان الثَّالِث أَن تكون التَّرْجَمَة مُسَاوِيَة للْأَصْل فِي الْجلاء والخفاء لِأَن الْخطاب قد يَقع بالمحكم والمتشابه لحكمة خُفْيَة فَلَا يجوز تغييرها عَن وصفهَا والمانعون جوزوا إِبْدَال اللَّفْظ بمرادفه ومساويه فِي الْمَعْنى كَمَا يُبدل الْقعُود بِالْجُلُوسِ وَالْعلم بالمعرفة والاستطاعة بِالْقُدْرَةِ والحظر بِالتَّحْرِيمِ وَبِالْجُمْلَةِ مَا لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ تفَاوت فِي الاستنباط والفهم وَإِنَّمَا ذَلِك فِيمَا فهم قطعا لَا فِيمَا فهم بِنَوْع من الِاسْتِدْلَال الَّذِي يخْتَلف فِيهِ الناظرون وَاتَّفَقُوا على منع الْجَاهِل بمواقع الْخطاب ودقائق الْأَلْفَاظ وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْعَالم الْفَارِق بَين الْمُحْتَمل وَغَيره وَالظَّاهِر وَالْأَظْهَر وَالْعَام والأعم وَالْوَجْه الْجَوَاز لنا وُجُوه الأول الصَّحَابَة نقلوا قصَّة وَاحِدَة مَذْكُورَة فِي مجْلِس وَاحِد بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَلم يُنكر بَعضهم على بعض فِيهِ وَهُوَ يدل على قبُوله وَفِيه نظر لِأَنَّهُ حِكَايَة حَال فلعلهم عرفُوا أَن الرَّاوِي قصد نقل الْمَعْنى وَنبهَ بِمَا يدل عَلَيْهِ الثَّانِي يجوز شرح الشَّرْع للعجمي بِلِسَانِهِ وَهُوَ إِبْدَال الْعَرَبيَّة بالعجمية فبالعربية أولى وَمَعْلُوم أَن التَّفَاوُت بَين الْعَرَبيَّة وترجمتها أقل مِمَّا بَينهَا وَبَين العجمية

وَفِيه نظر فَإِن السَّامع للتَّرْجَمَة يعلم أَن المسموع لَيْسَ كَلَام النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الثَّالِث رُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا أصبْتُم الْمَعْنى فَلَا بَأْس وَفِيه نظر إِذْ المُرَاد نفي الْبَأْس فِي الْعَمَل بِمُقْتَضى مَا دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث لَا النَّقْل عَنهُ الرَّابِع كَانَ ابْن مَسْعُود إِذا حدث قَالَ قَالَ رَسُول الله كَذَا أَو نَحوه وَفِيه نظر إِذْ الْفرق وَاقع بَين مَا إِذا أطلق أَو قَالَ كَذَا أَو نَحوه فَإِن فِيهِ تَصْرِيحًا بِنَقْل الْمَعْنى وَأَن اللَّفْظ مِنْهُ الْخَامِس نعلم قطعا أَن الصَّحَابَة لم يكتبوا مَا نقلوه وَلَا كرروا عَلَيْهِ بل كَمَا سمعُوا أهملوا إِلَى وَقت الْحَاجة بعد مدد متباعدة وَذَلِكَ يُوجب الْقطع بِأَنَّهُم لم ينقلوا نقس اللَّفْظ بل الْمَعْنى السَّادِس اللَّفْظ غير مَقْصُود لذاته وَإِنَّمَا الْقَصْد الْمَعْنى وَاللَّفْظ أَدَاة فِي استعلامه فَلَا فرق لإِثْبَات ذَلِك الْمَعْنى بِأَيّ لفظ اتّفق وَاحْتج الْمُخَالف بِوُجُوه الأول قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها فأداها كَمَا سَمعهَا فَرب مبلغ أوعى من سامع وَرب حَامِل فقه لَيْسَ بفقيه وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ وأداؤه كَمَا سمع هُوَ أَدَاء اللَّفْظ المسموع وَنقل الْفِقْه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ مَعْنَاهُ أَن الأفقه قد يتفطن بِفضل مَعْرفَته من فَوَائِد اللَّفْظ لما لَا يتفطن إِلَيْهِ غير الْفَقِيه الَّذِي رَوَاهُ الثَّانِي التجربة دلّت على أَن الْمُتَأَخر يسْتَخْرج من فَوَائِد أَلْفَاظ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا لم يسْبقهُ الْمُتَقَدّم إِلَيْهِ فَعرفنَا أَن السَّامع لَا يجب أَن يتَنَبَّه لفوائد اللَّفْظ فِي الْحَال وَإِن كَانَ فَقِيها ذكيا فَجَاز أَن يتَوَهَّم فِي اللَّفْظ الْمُبدل أَنه مسَاوٍ للْآخر وَبَينهمَا تفَاوت لم يتفطن لَهُ الثَّالِث لَو جَازَ للراوي تَبْدِيل لفظ الرَّسُول بِلَفْظ من عِنْده لجَاز للراوي عَن الرَّاوِي تَبْدِيل لفظ الأَصْل بل هُوَ أولى فَإِن تَبْدِيل لفظ الرَّاوِي أولى من تَبْدِيل

لفظ الشَّارِع وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز للثَّالِث الرَّاوِي عَن الثَّانِي وللرابع الرَّاوِي عَن الثَّالِث وَهَكَذَا وَذَلِكَ يسْتَلْزم سُقُوط الْكَلَام الأول بِالْكُلِّيَّةِ فَإِن الْمعبر إِذا ترْجم وَبَالغ فِي الْمُطَابقَة تعذر عَلَيْهِ الْإِتْيَان بِلَفْظ لَيْسَ بَينه وَبَين اللَّفْظ الأول تفَاوت بِالْكُلِّيَّةِ فتنتفي الْمُنَاسبَة بَين كَلَام النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَلَام الرَّاوِي الْأَخير وَالْجَوَاب أَن من أدّى الْمَعْنى بِتَمَامِهِ يُوصف بِأَنَّهُ أدّى كَمَا سمع وَإِن اخْتلفت الْأَلْفَاظ وَلِهَذَا يُوصف الشَّاهِد والمترجم بأَدَاء مَا سمعا وَإِن عبرا بِلَفْظ مرادف على أَن هَذَا الحَدِيث حجَّة لنا فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذكر الْعلَّة وَهِي اخْتِلَاف النَّاس فِي الْفِقْه فَمَا لَا يخْتَلف فِيهِ النَّاس كالألفاظ المترادفة لَا يمْنَع مِنْهُ على أَن هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه قد نقل بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَالْمعْنَى وَاحِد يرْوى رحم الله امْرأ ونضر الله امْرأ وَرب حَامِل فقه لَا فقه لَهُ وَغير فَقِيه وَهَذِه الْأَلْفَاظ وَإِن أمكن أَن يكون جَمِيعهَا قَول الرَّسُول فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة لَكِن الْأَغْلَب أَنه حَدِيث وَاحِد وَقد رَأَيْت بعض من ألف فِي أصُول الحَدِيث أَو أصُول الْفِقْه قد أَطَالَ فِي بَيَان مَا قيل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَأَحْبَبْت أَن أورد من كَلَامهم هُنَا مَا يزِيد الْمَسْأَلَة جلاء فَأَقُول ذهبت طَائِفَة من الْعلمَاء إِلَى أَنه لَا تجوز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى مُطلقًا وَنقل ذَلِك عَن كثير من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء وَأهل الْأُصُول وَهُوَ مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة وَنقل عَن عبد الله بن عمر وَجَمَاعَة من التَّابِعين مِنْهُم ابْن سِيرِين وَبِه قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرائيني وَأَبُو بكر الرَّازِيّ قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب مَالك وَيدل على ذَلِك قَوْله لَا أكتب إِلَّا على رجل يعرف مَا يخرج من رَأسه وَذَلِكَ فِي جَوَاب من قَالَ لَهُ لم لم تكْتب عَن النَّاس وَقد أدركتهم متوافرين وَكَذَلِكَ تَركه الْأَخْذ عَمَّن لَهُم فضل وَصَلَاح إِذا كَانُوا لَا يعْرفُونَ مَا يحدثُونَ بِهِ قَالَ بعض الْعلمَاء وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى انتشار الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي عصره وَقد

كَانَ الحَدِيث فِي الصُّدُور فخشي مَالك أَن يخلطوا فِيمَا يحدثُونَ بِهِ فَترك الرِّوَايَة عَنْهُم لذَلِك وَلَو كَانُوا يحفظون لفظ الحَدِيث لم يتْرك الْأَخْذ عَنْهُم وَنقل الْبَيْهَقِيّ والخطيب وَغَيرهمَا عَن مَالك أَنه منع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي الحَدِيث وَأَجَازَ ذَلِك فِي غَيره وَقد شدد بعض المانعين من الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى أعظم تَشْدِيد حَتَّى لم يجيزوا أَن يُبدل حرف بآخر وَإِن كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا وَلَا أَن تقدم كلمة على أُخْرَى وَإِن كَانَ الْمَعْنى لَا يخْتَلف فِي ذَلِك بل زَاد بَعضهم فِي التَّشْدِيد فَمنع من تثقيل خَفِيف أَو تَخْفيف ثقيل وَنَحْو ذَلِك وَلَو خَالف اللُّغَة الفصحى وَذَلِكَ لما فِي تَبْدِيل اللَّفْظ الْمَرْوِيّ من خوف الدُّخُول فِي الْوَعيد حَيْثُ نسب إِلَى النَّبِي ص = لفظا لم يقلهُ وَلِأَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم وَاخْتصرَ لَهُ الْكَلَام اختصارا وَغَيره وَلَو كَانَ من أَرْبَاب الفصاحة والبلاغة لَا يبلغ دَرَجَته وَكَثِيرًا مَا يظنّ الرَّاوِي بِالْمَعْنَى أَنه قد أَتَى بِلَفْظ يقوم مقَام الآخر وَلَا يكون كَذَلِك فِي نفس الْأَمر كَمَا ظهر ذَلِك فِي كثير من الْأَحَادِيث وَانْظُر إِلَى مَا وَقع لشعبة مَعَ جلالته وإتقانه فَإِنَّهُ سمع عَن إِسْمَاعِيل بن علية حَدِيث النَّهْي عَن أَن يتزعفر الرجل فَرَوَاهُ عَنهُ بِالْمَعْنَى بِلَفْظ نهي عَن التزعفر فَأنْكر إِسْمَاعِيل ذَلِك عَلَيْهِ لدلَالَة رِوَايَته على الْعُمُوم مَعَ أَن الرِّوَايَة فِي الأَصْل إِنَّمَا تدل على اخْتِصَاص النَّهْي بِالرِّجَالِ فانتبه إِسْمَاعِيل لما لم يتَنَبَّه لَهُ شُعْبَة مَعَ أَن رِوَايَة شُعْبَة عَنهُ إِنَّمَا هِيَ من قبيل رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد رد على من علمه مَا يَقُول إِذا أَخذ مضجعه إِذْ قَالَ وَرَسُولك فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا وَنَبِيك وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ نضر الله امْرأ سمع منا حَدِيثا فأداه كَمَا سَمعه وَقد اعتنى مُسلم فِي صَحِيحه بِبَيَان اخْتِلَاف الروَاة حَتَّى فِي حرف من الْمَتْن رُبمَا لَا يتَغَيَّر بِهِ الْمَعْنى بِخِلَاف البُخَارِيّ وَقَالَ بَعضهم كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا الْمَذْهَب هُوَ الْوَاقِع وَلَكِن لم يتَّفق ذَلِك

وَذهب جُمْهُور الْعلمَاء إِلَى جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لمن يحسن ذَلِك بِشَرْط أَن يكون جَازِمًا بِأَنَّهُ أدّى معنى اللَّفْظ الَّذِي بلغه وَهَؤُلَاء المجيزون مِنْهُم من شَرط أَن يَأْتِي بِلَفْظ مرادف كالجلوس مَكَان الْقعُود أَو الْعَكْس وَمِنْهُم من شَرط أَن يكون مَا جَاءَ بِهِ مُسَاوِيا للْأَصْل فِي الْجلاء والخفاء وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي إِذا كَانَ الْمَعْنى مودعا فِي جملَة لَا يفهمها الْعَاميّ إِلَّا بأَدَاء تِلْكَ الْجُمْلَة فَلَا تجوز رِوَايَة تِلْكَ الْجُمْلَة إِلَّا بلفظها وَمِنْهُم من شَرط أَن لَا يكون الحَدِيث من قبيل الْمُتَشَابه كأحاديث الصِّفَات وَقد حكى بَعضهم الْإِجْمَاع على هَذَا وَذَلِكَ لِأَن اللَّفْظ الَّذِي تكلم بِهِ النَّبِي ص = لَا يدْرِي هَل يُسَاوِيه اللَّفْظ الَّذِي تكلم بِهِ الرَّاوِي وَيحْتَمل مَا يحْتَملهُ من وُجُوه التَّأْوِيل أم لَا وَمِنْهُم من شَرط أَن لَا يكون الحَدِيث من جَوَامِع الْكَلم كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَقَوله من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه وَقَوله الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَنَحْو ذَلِك وَقَالَ بعض الْعلمَاء للرواية بِالْمَعْنَى ثَلَاث صور أَحدهَا أَن يُبدل اللَّفْظ بمرادفه كالجلوس بالقعود وَهَذَا جَائِز بِلَا خلاف وَثَانِيها أَن يظنّ دلَالَته على مثل مَا دلّ عَلَيْهِ الأول من غير أَن يقطع بذلك فَهَذَا لَا خلاف فِي عدم جَوَاز التبديل فِيهِ وَثَالِثهَا أَن يقطع بفهم الْمَعْنى ويعبر عَمَّا فهم بِعِبَارَة يقطع بِأَنَّهَا تدل على ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي فهمه من غير أَن تكون الْأَلْفَاظ مترادفة فَهَذَا مَوضِع الْخلاف وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه مَتى حصل الْقطع بفهم الْمَعْنى مُسْتَندا إِلَى اللَّفْظ إِمَّا بِمُجَرَّدِهِ أَو إِلَيْهِ مَعَ الْقَرَائِن الْتحق بالمترادف

وَقد تبين من الْبَحْث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة والتتبع لما قيل فِيهَا أَن للمجيزين للرواية بِالْمَعْنَى ثَمَانِيَة أَقْوَال القَوْل الأول قَول من فرق بَين الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا مجَال للتأويل فِيهَا وَبَين الْأَلْفَاظ الَّتِي للتأويل فِيهَا مجَال فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي الأولى دون الثَّانِيَة نقل ذَلِك أَبُو الْحُسَيْن الْقطَّان عَن بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي وَيقرب من هَذَا القَوْل قَول من فرق بَين الْمُحكم وَغَيره كالمجمل والمشترك فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي الأول دون الثَّانِي القَوْل الثَّانِي قَول من فرق بَين الْأَوَامِر والنواهي وَبَين غَيرهمَا فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي الأولى دون الثَّانِيَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَشرط الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى أَن يكون مَا جَاءَ بِهِ مُسَاوِيا للْأَصْل فِي الْجلاء والخفاء وَإِلَّا فَيمْتَنع كَقَوْلِه ص = لَا طَلَاق فِي إغلاق فَلَا يجوز التَّعْبِير عَن الإغلاق بِالْإِكْرَاهِ وَإِن كَانَ هُوَ مَعْنَاهُ لِأَن الشَّارِع لم يذكرهُ كَذَلِك إِلَّا لمصْلحَة وَجعلا مَحل الْخلاف فِي غير الْأَوَامِر والنواهي وجزما بِالْجَوَازِ فيهمَا ومثلا الْأَمر بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اقْتُلُوا الأسودين الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فَيجوز أَن يُقَال أَمر بِقَتْلِهِمَا وَالنَّهْي بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء فَيجوز أَن يُقَال نهي عَن بيع الذَّهَب بِالذَّهَب إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء القَوْل الثَّالِث قَول من فرق بَين من يستحضر لفظ الحَدِيث وَبَين من لَا يستحضر لَفظه بل نَسيَه وَإِنَّمَا بَقِي فِي ذهنه مَعْنَاهُ فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى للثَّانِي دون الأول وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورا بأَدَاء الحَدِيث كَمَا سَمعه وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بروايته بِاللَّفْظِ فَلَمَّا عجز عَن ذَلِك بِسَبَب نسيانه لم يبْق فِي وَسعه إِلَّا رِوَايَته بِالْمَعْنَى فَإِذا أَتَى بِلَفْظ يُؤَدِّي ذَلِك الْمَعْنى فقد أَتَى بِمَا فِي وَسعه قَالَ تَعَالَى {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَهَذَا القَوْل أقوى الْأَقْوَال لِأَن الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى إِنَّمَا أجازها من أجازها من الْعلمَاء الْأَعْلَام للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة إِلَّا فِي هَذِه الصُّورَة وَإِلَّا فَلَا يظنّ بِذِي كَمَال

فِي الْعقل وَالدّين أَن يُجِيز تَبْدِيل الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي كَلَام النَّبِي ص = مَعَ استحضاره لَهَا بِأَلْفَاظ من عِنْده ثمَّ ينسبها إِلَى النَّبِي ص = بِلَفْظ صَرِيح فِي صدورها مِنْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي لَا تجوز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لمن يحفظ اللَّفْظ لزوَال الْعلَّة الَّتِي رخص فِيهَا بِسَبَبِهَا وَتجوز لغيره لِأَنَّهُ تحمل اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَعجز عَن أَحدهمَا فَلَزِمَهُ أَدَاء الآخر لَا سِيمَا إِن كَانَ فِي تَركه كتم للْأَحْكَام فَإِن لم ينسه لم يجز أَن يُورِدهُ بِغَيْرِهِ لِأَن فِي كَلَام النَّبِي ص = من الفصاحة مَا لَيْسَ فِي غَيره القَوْل الرَّابِع قَول من فرق بَينهمَا غير أَنه عكس الحكم فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لمن يستحضر اللَّفْظ لتمكنه حِينَئِذٍ من التَّصَرُّف فِيهِ بإيراد أَلْفَاظ تقوم مقَام تِلْكَ الْأَلْفَاظ فِي الْمَعْنى وَلم يجزها لمن لَا يستحضر اللَّفْظ لعدم تمكنه من ذَلِك وَلم يكتف بِوُجُود الْمَعْنى فِي الذِّهْن لاحْتِمَال أَن يكون ذَلِك الْمَعْنى أَزِيد مِمَّا يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ الَّذِي نَسيَه أَو أنقص مِنْهُ وَلذَا منع الْعلمَاء من وضع الْعَام فِي مَوضِع الْخَاص وَالْمُطلق فِي مَوضِع الْمُقَيد وَمن الْعَكْس وَذَلِكَ لاشتراطهم أَن يكون مَا جَاءَ الرَّاوِي مُسَاوِيا للْأَصْل القَوْل الْخَامِس قَول من أجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى بِشَرْط أَن يقْتَصر فِي ذَلِك على إِبْدَال اللَّفْظ بمرادفه مَعَ بَقَاء تركيب الْكَلَام على حَاله وَذَلِكَ لِأَن تَغْيِير تركيب الْكَلَام كثيرا مَا يخل بالمرام بِخِلَاف إِبْدَال اللَّفْظ بمرادفه فَإِنَّهُ يَفِي بِالْمَقْصُودِ من غير مَحْذُور فِيهِ وَهُوَ قَول قوي وَقد ادّعى بعض الْعلمَاء أَن هَذَا جَائِز بِلَا خلاف وَمِثَال ذَلِك إِبْدَال القَتَّات بالنمام وَالْعَكْس قَالَ مُسلم فِي صَحِيحه حَدثنَا شَيبَان بن فروخ وَعبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء الضبعِي قَالَا حَدثنَا مهْدي وَهُوَ ابْن مَيْمُون قَالَ حَدثنَا وَاصل الأحدب عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة أَنه بلغه أَن رجلا ينم الحَدِيث فَقَالَ حُذَيْفَة سَمِعت رَسُول الله ص = يَقُول لَا يدْخل الْجنَّة نمام

حَدثنَا عَليّ بن حجر السَّعْدِيّ وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَ إِسْحَاق أخبرنَا جرير عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن همام بن الْحَارِث قَالَ كَانَ رجل ينْقل الحَدِيث إِلَى الْأَمِير قَالَ فجَاء حَتَّى جلس إِلَيْنَا فَقَالَ حُذَيْفَة سَمِعت رَسُول الله ص = يَقُول لَا يدْخل الْجنَّة قَتَّات القَوْل السَّادِس قَول من فرق بَين من يُورد الحَدِيث على قصد الِاحْتِجَاج أَو الْفتيا وَبَين من يُورِدهُ لقصد الرِّوَايَة فَأجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى للْأولِ دون الثَّانِي القَوْل السَّابِع قَول من أجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى للصحابة خَاصَّة وَذَلِكَ لأمرين أَحدهمَا كَونهم من أَرْبَاب اللِّسَان الواقفين على مَا فِيهِ من أسرار الْبَيَان وَثَانِيهمَا سماعهم أَقْوَال النَّبِي ص = مَعَ مشاهدتهم لأفعاله ووقوفهم على أَحْوَاله بِحَيْثُ وقفوع على مقْصده جملَة فَإِذا رووا الحَدِيث بِالْمَعْنَى استوفوا الْمَقْصد كُله على أَنهم لم يَكُونُوا يروون بِالْمَعْنَى إِلَّا حَيْثُ لم يستحضروا اللَّفْظ وَإِذا رووا بِالْمَعْنَى أشاروا فِي أَكثر الأحيان إِلَى ذَلِك فَصَارَت النَّفس مطمئنة لما يَرْوُونَهُ بِالْمَعْنَى بِخِلَاف من بعدهمْ فَإِنَّهُم لم يَكُونُوا فِي درجتهم فِي معرفَة اللِّسَان وَالْوُقُوف بالطبع على أسرار الْبَيَان مَعَ عدم سماعهم لشَيْء من أَقْوَاله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا مشاهدتهم لشَيْء من أَفعاله وَلَا وقوفهم على حَال من أَحْوَاله وَقد حكى هَذَا القَوْل الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وجزما بِأَنَّهُ لَا يجوز لغير الصَّحَابِيّ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَجعلا الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة فِي الصَّحَابِيّ دون غَيره وَقد اسْتدلَّ على أَن بعض الصَّحَابَة كَانُوا يروون الْأَحَادِيث بِالْمَعْنَى كَمَا رُوِيَ عَن بعض التَّابِعين أَنه قَالَ لقِيت أُنَاسًا من الصَّحَابَة فَاجْتمعُوا فِي الْمَعْنى وَاخْتلفُوا عَليّ فِي اللَّفْظ فَقلت ذَلِك لبَعْضهِم فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ مَا لم يخل مَعْنَاهُ حَكَاهُ الشَّافِعِي وَبِمَا رُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ إِنَّا قوم عرب نورد الْأَحَادِيث فنقدم ونؤخر وَبِمَا رُوِيَ عَن بعض الصَّحَابَة كَابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يَقُول فِي بعض مَا يرويهِ قَالَ رَسُول الله ص = كَذَا أَو نَحوه

بِالْمَقْصُودِ فَكيف تسوغ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِيهِ مُطلقًا مَعَ أَن كثيرا من الْعلمَاء قد شَدَّدُوا فِي أَمر الْعلم يُرِيدُونَ بذلك مَا يتَعَلَّق بالاعتقاد مَا لم يشددوا فِي غَيره فَقَالُوا لَا يقبل فِيهِ إِلَّا الدَّلِيل الْقطعِي وَذَلِكَ إِمَّا آيَة صَرِيحَة فِيهِ أَو حَدِيث متواتر كَذَلِك أَو دَلِيل عَقْلِي لَيْسَ فِيهِ شُبْهَة وَقد تعرض الْأُسْتَاذ الْأَجَل أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس لأمر الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي رسَالَته الَّتِي سَمَّاهَا مَأْخَذ الْعلم فَقَالَ فِي بَاب القَوْل فِي اللّحن ذهب أنَاس إِلَى أَن الْمُحدث إِذا روى فلحن لم يجز للسامع أَن يحدث عَنهُ إِلَّا لحنا كَمَا سَمعه وَقَالَ آخَرُونَ بل على السَّامع أَن يرويهِ إِذا كَانَ عَالما بِالْعَرَبِيَّةِ معربا صَحِيحا مُقَومًا بِدَلِيل نقُوله وَهُوَ أَنه مَعْلُوم أَن رَسُول الله ص = كَانَ أفْصح الْعَرَب وأعربها وَقد نزهه الله عز وَجل عَن اللّحن وَإِذا كَانَ كَذَا فَالْوَجْه أَن يرْوى كَلَامه مهذبا من كل لحن وَكَانَ شَيخنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْقطَّان يكْتب الحَدِيث على مَا سَمعه لحنا وَيكْتب على حَاشِيَة كِتَابه كَذَا قَالَ يَعْنِي الَّذِي حَدثهُ وَالصَّوَاب كَذَا وَهَذَا أحسن مَا سَمِعت فِي هَذَا الْبَاب فَإِن قيل قَائِل فَمَا تَقول فِي الَّذِي حدثكموه عَليّ بن إِبْرَاهِيم عَن مُحَمَّد بن يزِيد حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير حَدثنَا أبي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد السَّلَام عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه قَالَ قَامَ رَسُول الله ص = بالخيف من منى فَقَالَ نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فبلغها كَمَا سمع فَرب حَامِل فقه غير فَقِيه وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ وَقد أَمر رَسُول الله ص = أَن يبلغ الْمبلغ كَمَا سمع قيل لَهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَن يبلغهُ فِي صِحَة الْمَعْنى واستقامة المُرَاد بِهِ من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان يغيران الْمَعْنى فَأَما أَن يسمع اللّحن فيؤديه فَلَا وَبعد فمعلوم أَن النَّبِي ص = كَانَ لَا يلحن فَيَنْبَغِي أَن تُؤَدّى مقَالَته عَنهُ فِي صِحَة كَمَا سمع مِنْهُ

وَقَالَ فِي بَاب الْإِجَازَة وَاعْلَم أَن جمَاعَة من النَّاس سلكوا فِيمَا تقدم ذكرنَا لَهُ مسلكا لَعَلَّ غَيره أسهل مِنْهُ وَأقرب من التعمق والتنطع فَقَالُوا إِن حدث الْمُحدث جَازَ أَن يُقَال حَدثنَا وَإِن قرئَ عَلَيْهِ لم يجز أَن يُقَال حَدثنَا وَلَا أخبرنَا وَإِن حدث جمَاعَة لم يجز للمحدث عَنهُ أَن يَقُول حَدثنِي وَإِن حدث بِلَفْظِهِ لم يجز أَن يتَعَدَّى ذَلِك اللَّفْظ وَإِن كَانَ قد أصَاب الْمَعْنى قَالَ أَحْمد بن فَارس وَهَذَا عندنَا شَدِيد لَا وَجه لَهُ لِأَن من الْعلمَاء من كَانَ يتبع اللَّفْظ فيؤديه وَمِنْهُم من كَانَ يحدث بِالْمَعْنَى وَإِن تغير اللَّفْظ وبلغنا أَن الْحسن كَانَ يحدث عَن الْمعَانِي والتثبت حسن لَكِن أهل الْعلم قد يتساهلون إِذا أَدّوا الْمَعْنى وَيَقُولُونَ لَو كَانَ أَدَاء اللَّفْظ وَاجِبا حَتَّى لَا يغْفل مِنْهُ حرف لأمرهم رَسُول الله ص = بِإِثْبَات مَا يسمعونه مِنْهُ كَمَا أَمرهم بِإِثْبَات الْوَحْي الَّذِي لَا يجوز تَغْيِير مَعْنَاهُ وَلَا لَفظه فَلَمَّا لم يَأْمُرهُم بِإِثْبَات ذَلِك دلّ على أَن الْأَمر بِالتَّحْدِيثِ أسهل وَإِن كَانَ أَدَاء ذَلِك بِاللَّفْظِ الَّذِي سَمعه أحسن وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقَالَ فِي بَاب الْفرق بَين قَول الْمُحدث حَدثنَا وَبَين قَوْله أخبرنَا ذهب أَكثر عُلَمَائِنَا إِلَى أَنه لَا فرق بَين قَول الْمُحدث حَدثنَا وَبَين قَوْله أَنبأَنَا وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن قَوْله حَدثنَا دَال على أَنه سَمعه لفظا وَأَن قَوْله أَنبأَنَا يدل على أَنه سَمعه قِرَاءَة عَلَيْهِ وَهَذَا عندنَا بَاب من التعمق وَالْأَمر فِي ذَلِك كُله وَاحِد سَمِعت عَليّ بن أبي خَالِد يَقُول مَا سَمِعت مُحَمَّد بن أَيُّوب يَقُول فِي حَدِيثه إِلَّا أَنبأَنَا وَمَا سمعناه يَقُول حَدثنَا وَابْن أَيُّوب عندنَا من كبار الْمُحدثين وَالَّذِي حكيناه عَنهُ دَلِيل على مَا قُلْنَاهُ من أَن التحديث والإخبار وَاحِد فَأَما الْعَرَب فَلَا فرق عِنْدهم بَين قَول الْقَائِل حَدثنِي وَبَين قَوْله أَخْبرنِي وَقد سمى الله تَعَالَى كِتَابه حَدِيثا مرّة ونبأ مرّة والنبأ هُوَ الْخَبَر ثمَّ عَن الشَّاعِر يَقُول مرّة هَذَا وَمرَّة هَذَا أَنْشدني أبي قَالَ أَنْشدني أَبُو إِسْحَاق الْخَطِيب (وخبرتماني أَن تيماء منزل ... لليلى إِذا مَا الصَّيف ألْقى المراسيا)

وأنشدنيه غَيره وحدثتماني وأنشدني الطّيب بن مُحَمَّد التَّمِيمِي قَالَ أنشدنا القصباني لكعب بن سعد الغنوي (وحدثتماني إِنَّمَا الْمَوْت بالقرى ... فَكيف وهاتا هضبة وقليب) وأنشدني غَيره وخبرتماني وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي شرح نخبة الْفِكر وَأما الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَالْخِلَاف فِيهَا شهير وَالْأَكْثَر على الْجَوَاز وَمن أقوى حججها الْإِجْمَاع على جَوَاز شرح الشَّرِيعَة للعجم بلسانهم للعارف بِهِ فَإِذا جَازَ الْإِبْدَال بلغَة أُخْرَى فجوازه باللغة الْعَرَبيَّة أولى وَقيل إِنَّمَا تجوز فِي الْمُفْردَات دون المركبات وَقيل إِنَّمَا تجوز لمن يستحضر اللَّفْظ ليتَمَكَّن من التَّصَرُّف فِيهِ وَقيل إِنَّمَا تجوز لمن كَانَ يحفظ الحَدِيث فنسي لَفظه وَبَقِي مَعْنَاهُ مرتسما فِي ذهنه فَلهُ أَن يرويهِ بِالْمَعْنَى لمصْلحَة تَحْصِيل الحكم مِنْهُ بِخِلَاف من كَانَ مستحضرا للفظه وَجَمِيع مَا تقدم يتَعَلَّق بِالْجَوَازِ وَعَدَمه وَلَا شكّ أَن الأولى إِيرَاد الحَدِيث بألفاظه دون التَّصَرُّف فِيهِ قَالَ القَاضِي عِيَاض يَنْبَغِي سد بَاب الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لِئَلَّا يتسلط من لَا يحسن مِمَّن يظنّ أَنه يحسن كَمَا وَقع لكثير من الروَاة قَدِيما وحديثا وَالله الْمُوفق وَأَشَارَ بعض من أمعن النّظر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَى أَن الْأَدِلَّة الَّتِي يوردها المجيزون للرواية بِالْمَعْنَى إِنَّمَا تدل على جَوَاز ذَلِك للضَّرُورَة وَذَلِكَ إِذا لم يستحضر الرَّاوِي لفظ الحَدِيث وَإِنَّمَا بَقِي فِي ذهنه مَعْنَاهُ وَمَعَ ذَلِك فقد كَانَ المحتاطون فِي الْأَمر يشيرون إِلَى أَن الرِّوَايَة إِنَّمَا كَانَت بِالْمَعْنَى قَالَ ابْن الصّلاح يَنْبَغِي لمن يروي حَدِيثا بِالْمَعْنَى أَن يتبعهُ بِأَن يَقُول أَو كَمَا قَالَ أَو نَحْو هَذَا وَمَا أشبه ذَلِك من الْأَلْفَاظ رُوِيَ ذَلِك من الصَّحَابَة عَن ابْن مَسْعُود وَأبي الدَّرْدَاء وَأنس

قَالَ الْخَطِيب وَالصَّحَابَة أَرْبَاب اللِّسَان وَأعلم الْخلق بمعاني الْكَلَام وَلم يَكُونُوا يَقُولُونَ ذَلِك إِلَّا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بِمَا فِي الرِّوَايَة على الْمَعْنى من الْخطر وَأما استدلالهم بِالْإِجْمَاع على جَوَاز شرح الشَّرِيعَة للعجم بلسانهم للعارف بِهِ وَأَنه إِذا جَازَ ذَلِك بلغَة أُخْرَى فجوازه بِالْعَرَبِيَّةِ أولى فَفِيهِ أَمْرَانِ الْأَمر الأول أَن ذَلِك إِنَّمَا أُجِيز للضَّرُورَة وَهُوَ شرح الشَّرْع لمن لَا يحسن الْعَرَبيَّة بِلِسَانِهِ الَّذِي يُحسنهُ لَا سِيمَا إِن كَانَ مِمَّن دخل فِي الدّين حَدِيثا وَلم يكن لَهُ إِلْمَام بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يعرف الدّين أَولا بلغته ثمَّ يُؤمر بِأَن يتَعَلَّم من الْعَرَبيَّة مَا يعرف بِهِ مَا يلْزمه من أَمر الدّين رَأْسا من غير احْتِيَاج إِلَى تَرْجَمَة وَذَلِكَ تَقْدِيمًا للأهم على المهم قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي الرسَالَة فِي أصُول الْفِقْه فَإِن قَالَ قَائِل مَا الْحجَّة فِي أَن كتاب الله مَحْض بِلِسَان الْعَرَب لَا يخالطه فِيهِ غَيره فالحجة فِيهِ كتاب الله قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم} فَإِن قَالَ قَائِل فَإِن الرُّسُل قبل مُحَمَّد ص = كَانُوا يرسلون إِلَى قَومهمْ خَاصَّة وَإِن مُحَمَّدًا ص = بعث إِلَى النَّاس كَافَّة فقد يحْتَمل أَن يكون بعث بِلِسَان قومه خَاصَّة وَيكون على النَّاس كَافَّة أَن يتعلموا لِسَانه أَو مَا أطاقوه مِنْهُ وَيحْتَمل أَن يكون بعث بألسنتهم فَإِن قَالَ قَائِل فَهَل من دَلِيل على أَنه بعث بِلِسَان قومه خَاصَّة دون أَلْسِنَة الْعَجم قَالَ الشَّافِعِي فالدلالة على ذَلِك بَيِّنَة فِي كتاب الله عز وَجل فِي غير مَوضِع فَإِذا كَانَت الْأَلْسِنَة مُخْتَلفَة بِمَا لَا يفهمهُ بَعضهم عَن بعض فَلَا بُد أَن يكون بَعضهم تبعا لبَعض وَأَن يكون الْفضل فِي اللِّسَان المتبع على التَّابِع وَأولى النَّاس بِالْفَضْلِ فِي اللِّسَان من لِسَانه لِسَان النَّبِي ص = وَلَا يجوز وَالله تَعَالَى أعلم أَن يكون أهل لِسَانه أتباعا لأهل لِسَان غير لِسَانه فِي

حرف وَاحِد بل كل لِسَان تبع لِلِسَانِهِ وكل أهل دين قبله فَعَلَيْهِم اتِّبَاع دينه وَقد بَين الله تَعَالَى ذَلِك فِي غير آيَة من كِتَابه قَالَ الله عز ذكره {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} وَقَالَ {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حكما عَرَبيا} وَقَالَ {وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيْك قُرْآنًا عَرَبيا لتنذر أم الْقرى وَمن حولهَا} وَقَالَ تَعَالَى {حم وَالْكتاب الْمُبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون} ثمَّ قَالَ فعلى كل مُسلم أَن يتَعَلَّم من لِسَان الْعَرَب مَا بلغه جهده حَتَّى يشْهد بِهِ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَيَتْلُو بِهِ كتاب الله تَعَالَى وينطق بِالذكر فِيمَا افْترض عَلَيْهِ من التَّكْبِير وَأمر بِهِ من التَّسْبِيح وَالتَّشَهُّد وَغير ذَلِك وَمَا ازْدَادَ من الْعلم بِاللِّسَانِ الَّذِي جعله الله لِسَان من ختم بِهِ نبوته وَأنزل بِهِ آخر كتبه كَانَ خيرا لَهُ كَمَا عَلَيْهِ أَن يتَعَلَّم الصَّلَاة وَالذكر فِيهَا وَيَأْتِي الْبَيْت وَمَا أَمر بإتيانه وَيتَوَجَّهُ لما وَجه لَهُ وَيكون تبعا فِيمَا افْترض عَلَيْهِ لَا متبوعا الْأَمر الثَّانِي أَن استدلالهم بِمَا ذكر غير ظَاهر وَذَلِكَ أَنهم إِن أَرَادوا أَن الحَدِيث حَيْثُ جَازَ إِبْدَال أَلْفَاظه بِأَلْفَاظ أُخْرَى من اللُّغَة الأعجمية على طَرِيق التَّرْجَمَة يكون إِبْدَال أَلْفَاظه بِأَلْفَاظ أُخْرَى من اللُّغَة الْعَرَبيَّة على طَرِيق الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى أولى بِالْجَوَازِ ورد عَلَيْهِم الْقُرْآن فَإِنَّهُم أَجَازُوا إِبْدَال أَلْفَاظه بِأَلْفَاظ أُخْرَى من اللُّغَة الأعجمية على طَرِيق التَّرْجَمَة وَلم يجز أحد إِبْدَال أَلْفَاظه بِأَلْفَاظ أُخْرَى من اللُّغَة الْعَرَبيَّة على طَرِيق الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَلَهُم أَن يَقُولُوا إِن بَينهمَا فرقا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْقُرْآن معجز والإعجاز فِيهِ يتَعَلَّق بِاللَّفْظِ وَالْمعْنَى فَإِذا أُجِيز إِبْدَال أَلْفَاظه بِأَلْفَاظ أُخْرَى من اللُّغَة الْعَرَبيَّة على طَرِيق الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَقع إخلال بِأَمْر الإعجاز من وَجه مَعَ حُصُول الالتباس على كثير من النَّاس مَعَ عدم الِاضْطِرَار إِلَى ذَلِك

فَإِن أشكل شَيْء مِنْهُ على من يعرف الْعَرَبيَّة أزيل إشكاله بطرِيق التَّفْسِير أَو التَّأْوِيل بِخِلَاف إِبْدَال أَلْفَاظه بِأَلْفَاظ أُخْرَى من اللُّغَة الأعجمية على طَرِيق التَّرْجَمَة لمن لَا يحسن الْعَرَبيَّة فَإِنَّهُ مَعَ الِاضْطِرَار إِلَى ذَلِك لَيْسَ فِيهِ مَا ذكر من الالتباس وَأما الحَدِيث فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك فَلَا مَحْذُور فِي إِبْدَال أَلْفَاظه بِأَلْفَاظ أُخْرَى سَوَاء كَانَت من اللُّغَة الْعَرَبيَّة أَو الأعجمية الثَّانِي أَن الْقُرْآن متواتر مَشْهُور عِنْد الْأمة بِحَيْثُ لَا يخفى أمره على أحد مِنْهُم فَلَا دَاعِي لروايته بِالْمَعْنَى لِأَنَّهَا إِنَّمَا أجيزت للضَّرُورَة وَإِن أطلق الْإِجَازَة أنَاس لم يمعنوا النّظر فِي الْمَسْأَلَة وَلَا ضَرُورَة تلجئ إِلَى ذَلِك فِي الْقُرْآن وَأما الحَدِيث فكثير مِنْهُ من قبيل أَخْبَار الْآحَاد الَّتِي يخْتَص بمعرفتها فَرد أَو بضع أَفْرَاد فَإِذا منع من لَا يستحضر اللَّفْظ من رِوَايَته بِالْمَعْنَى رُبمَا ضَاعَ كثير من الْأَحْكَام المهمة الَّتِي وَردت فِيهِ فسوغ الْجُمْهُور ذَلِك إِلَّا أَنه يُقَال إِن كثيرا مِمَّن منع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى كَأَهل الظَّاهِر قد جروا على طَريقَة قويمة لَا يضيع فِيهَا شَيْء من الْأَحْكَام وَقد سبق ذكرهَا فِي مقَالَة ابْن حزم وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي الْخُلَاصَة فِي أصُول الحَدِيث قَالَ فِي شرح السّنة ذهب قوم إِلَى اتِّبَاع لفظ الحَدِيث مِنْهُم ابْن عمر وَهُوَ قَول الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَابْن سِيرِين ورجاء بن حَيْوَة وَمَالك بن أنس وَابْن عُيَيْنَة وَعبد الْوَارِث وَيزِيد بن زُرَيْع ووهب وَبِه قَالَ أَحْمد وَيحيى وَذهب جمَاعَة إِلَى الرُّخْصَة فِي نَقله بِالْمَعْنَى مِنْهُم الْحسن وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ قَالَ ابْن سِيرِين كنت أسمع الحَدِيث من عشرَة اللَّفْظ مُخْتَلف وَالْمعْنَى وَاحِد وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِن قلت إِنِّي أحدثكُم كَمَا سَمِعت فَلَا تصدقوني فَإِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى وَقَالَ وَكِيع إِن لم يكن الْمَعْنى وَاسِعًا فقد هلك النَّاس

وَقَالَ ابْن الصّلاح من لَيْسَ عَالما بالألفاظ ومقاصدها وَلَا خَبِيرا بِمَا يخل بمعانيها لَا تجوز لَهُ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى بِالْإِجْمَاع بل يتَعَيَّن اللَّفْظ الَّذِي سَمعه وَإِن كَانَ عَالما بذلك فقد مَنعه قوم من أَصْحَاب الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَقَالُوا لَا يجوز إِلَّا بِلَفْظِهِ وَقَالَ قوم لَا تجوز فِي حَدِيث النَّبِي ص = وَتجوز فِي غَيره وَقَالَ جُمْهُور السّلف وَالْخلف من الطوائف تجوز فِي الْجَمِيع إِذا قطع بأَدَاء الْمَعْنى وَهَذَا فِي غير المصنفات أما المُصَنّف فَلَا يجوز تَغْيِير لَفظه أصلا وَإِن كَانَ بِمَعْنَاهُ أَقُول قَول من ذهب إِلَى التَّفْصِيل هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ أفْصح من نطق بالضاد وَفِي تراكيبه أسرار ودقائق لَا يُوقف عَلَيْهَا إِلَّا بهَا كَمَا هِيَ فَإِن لكل تركيب من التراكيب معنى بِحَسب الْفَصْل والوصل والتقديم وَالتَّأْخِير لَو لم يراع ذَلِك لذهب مقاصدها بل لكل كلمة مَعَ صاحبتها خاصية مُسْتَقلَّة كالتخصيص والإجمال وَغَيرهمَا وَكَذَا الْأَلْفَاظ الَّتِي ترى مُشْتَركَة أَو مترادفة إِذْ لَو وضع كل مَوضِع الآخر لفات الْمَعْنى الَّذِي قصد بِهِ وَمن ثمَّ قَالَ صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فحفظها ووعاها وأداها فَرب حَامِل فقه غير فَقِيه وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود

وَكفى بِهَذَا الحَدِيث لفظا وَمعنى شَاهد صدق على مَا نَحن بصدده فَإنَّك إِن أَقمت مقَام كل لَفْظَة مَا يشاكلها أَو يرادفها اخْتَلَّ الْمَعْنى وَفَسَد

فَإنَّك لَو وضعت مَوضِع نضر الله رحم الله أَو غفر الله وَمَا شاكلهما أبعدت المرمى فَإِن من حفظ مَا سَمعه وَأَدَّاهُ من غير تَغْيِير فَإِنَّهُ جعل الْمَعْنى غضا طريا وَمن بدل وَغير فقد جعله مبتذلا ذاويا وَكَذَا لَو أنبت امْرأ مناب العَبْد فَاتَ الْمَعْنى لِأَن الْعُبُودِيَّة هِيَ الاستكانة والمضي لأمر الله وَرَسُوله بِلَا امْتنَاع وَلَا استنكاف من أَدَاء مَا سمع إِلَى من هُوَ أعلم مِنْهُ وخصت الْمقَالة بِالذكر من بَين الْكَلَام وَالْخَبَر لِأَن حَقِيقَة القَوْل هُوَ الْمركب من الْحُرُوف المبرزة ليدل على وجوب أَدَاء اللَّفْظ المسموع وإرداف وعاها حفظهَا مشْعر بمزيد التَّقْرِير لِأَن الوعي إدامة الْحِفْظ وَعدم النسْيَان وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فأداها كَمَا سَمعهَا أوثر أَدَّاهَا على رَوَاهَا وَبَلغهَا وَنَحْوهمَا دلَالَة على أَن تِلْكَ الْمقَالة مستودعة عِنْده وَاجِب أَدَاؤُهَا إِلَى من هُوَ أَحَق بهَا وَأَهْلهَا غير مُغيرَة وَلَا متصرف فِيهَا وَكَذَا تَخْصِيص ذكر الْفِقْه دون الْعلم للإيذان بِأَن الْحَامِل غير عَار من الْعلم إِذْ الْفِقْه علم بدقائق مستنبطة من الأقيسة والنصوص وَلَو قيل غير عَالم لزم جَهله وَكَذَا تَكْرِير رب وإناطة كل بِمَعْنى يَخُصهَا فَإِن السَّامع أحد رجلَيْنِ إِمَّا أَن لَا يكون فَقِيها فَيجب عَلَيْهِ أَن لَا يغيرها لِأَنَّهُ غير عَارِف بالألفاظ المتشاكلة فيخطئ فِيهِ أَو يكون عَارِفًا بهَا لكنه غير بليغ فَرُبمَا يضع أحد المترادفين مَوضِع الآخر وَلَا يقف على رِعَايَة المناسبات بَين لفظ وَلَفظ فَإِن الْمُنَاسبَة لَهَا خَواص وَمَعَان لَا يقف عَلَيْهِمَا إِلَّا ذُو دربة بأساليب النّظم كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي شرح التِّبْيَان فِي قسم الفصاحة وَالله أعلم

وَاعْلَم أَن الحَدِيث الْمَرْوِيّ بِالْمَعْنَى إِنَّمَا يستشهد بِهِ فِيمَا يتَعَلَّق بِأَصْل الْمَعْنى فَقَط فاستدلال بَعضهم بِنَحْوِ تَقْدِيم كلمة على أُخْرَى فِيهِ أَو نَحْو وُرُود الْعَطف فِيهِ بِالْفَاءِ دون الْوَاو أَو بِالْعَكْسِ لَيْسَ فِي مَحَله وَكَذَلِكَ اسْتِدْلَال بَعضهم بِهِ فِي الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة بالألفاظ وتركيبها وَذَلِكَ لِأَن كثيرا مِمَّن كَانَ يروي بِالْمَعْنَى كَانَ لَا يهتم حِين الرِّوَايَة بمراعاة ذَلِك بل كَانَ بَعضهم لَيْسَ لَهُ وقُوف تَامّ على اللُّغَة الْعَرَبيَّة فضلا عَن أسرارها الَّتِي يخْتَص بمعرفتها أنَاس من أَئِمَّة اللِّسَان

وَقد ذكر الْعَلامَة جلال الدّين السُّيُوطِيّ حكم الْأَحَادِيث المروية بِالْمَعْنَى عِنْد عُلَمَاء الْعَرَبيَّة فِي كتاب الاقتراح فِي أصُول النَّحْو فَقَالَ فصل وَأما كَلَامه ص = فيستدل مِنْهُ بِمَا ثَبت أَنه قَالَه على اللَّفْظ الْمَرْوِيّ وَذَلِكَ نَادِر جدا وَإِنَّمَا يُوجد فِي الْأَحَادِيث الْقصار على قلَّة أَيْضا فَإِن غَالب الْأَحَادِيث مروية بِالْمَعْنَى وَقد تداولتها الْأَعَاجِم والمولدون قبل تدوينها فرووها بِمَا أدَّت إِلَيْهِ عبارتهم فزادوا ونقصوا وَقدمُوا وأخروا وأبدلوا ألفاظا بِأَلْفَاظ وَلِهَذَا ترى الحَدِيث الْوَاحِد فِي الْقِصَّة الْوَاحِدَة مرويا على أوجه شَتَّى بعبارات مُخْتَلفَة وَمن ثمَّ أنكر على ابْن مَالك إثْبَاته الْقَوَاعِد النحوية بالألفاظ الْوَارِدَة فِي الحَدِيث وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل قد أَكثر هَذَا المُصَنّف من الِاسْتِدْلَال بِمَا وَقع فِي الْأَحَادِيث على إِثْبَات الْقَوَاعِد الْكُلية فِي لِسَان الْعَرَب وَمَا رَأَيْت أحدا من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين سلك هَذِه الطَّرِيقَة غَيره على أَن الواضعين الْأَوَّلين لعلم النَّحْو المستقرئين للْأَحْكَام من لِسَان الْعَرَب كَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَعِيسَى بن عمر والخليل وسيبويه من أَئِمَّة الْبَصرِيين وَالْكسَائِيّ وَالْفراء وَعلي بن مبارك الْأَحْمَر وَهِشَام الضَّرِير من أَئِمَّة الْكُوفِيّين لم يَفْعَلُوا ذَلِك وتبعهم على هَذَا المسلك الْمُتَأَخّرُونَ من الْفَرِيقَيْنِ وَغَيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بَغْدَاد وَأهل الأندلس وَقد جرى الْكَلَام فِي ذَلِك مَعَ بعض الْمُتَأَخِّرين الأذكياء فَقَالَ إِنَّمَا ترك الْعلمَاء ذَلِك لعدم وثوقهم بِأَن ذَلِك لفظ الرَّسُول ص = إِذْ لَو وثقوا بذلك لجرى مجْرى الْقُرْآن فِي إِثْبَات الْقَوَاعِد الْكُلية وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لأمرين أَحدهمَا أَن الروَاة جوزوا النَّقْل بِالْمَعْنَى فتجد قصَّة وَاحِدَة قد جرت فِي زَمَانه ص = لم تنقل بِتِلْكَ الْأَلْفَاظ جَمِيعهَا نَحْو مَا رُوِيَ من قَوْله زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن ملكتكها بِمَا مَعَك خُذْهَا بِمَا مَعَك وَغير ذَلِك من الْأَلْفَاظ الْوَارِدَة فِي هَذِه الْقِصَّة فنعلم يَقِينا أَنه ص = لم يلفظ بِجَمِيعِ هَذِه الْأَلْفَاظ بل نجزم

بِأَنَّهُ قَالَ بَعْضهَا إِذْ يحْتَمل أَنه قَالَ لفظا مرادفا لهَذِهِ الْأَلْفَاظ غَيرهَا فَأَتَت الروَاة بالمرادف وَلم تأت بِلَفْظِهِ إِذْ الْمَعْنى هُوَ الْمَطْلُوب وَلَا سِيمَا مَعَ تقادم السماع وَعدم ضَبطه بِالْكِتَابَةِ والاتكال على الْحِفْظ وَالضَّابِط مِنْهُم من ضبط الْمَعْنى وَأما ضبط اللَّفْظ فبعيد جدا لَا سِيمَا فِي الْأَحَادِيث الطوَال وَقد قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِن قلت لكم إِنِّي أحدثكُم كَمَا سَمِعت فَلَا تصدقوني إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى وَمن نظر فِي الحَدِيث أدنى نظر علم الْعلم الْيَقِين أَنهم إِنَّمَا يروون بِالْمَعْنَى الْأَمر الثَّانِي أَنه وَقع اللّحن كثيرا فِيمَا رُوِيَ من الحَدِيث لِأَن كثيرا من الروَاة كَانُوا غير عرب بالطبع وَلَا يعلمُونَ لِسَان الْعَرَب بصناعة النَّحْو فَوَقع اللّحن فِي كَلَامهم وهم لَا يعلمُونَ ذَلِك وَقد وَقع فِي كَلَامهم وروايتهم غير الفصيح من لِسَان الْعَرَب ونعلم قطعا من غير شكّ أَن رَسُول الله ص = كَانَ أفْصح النَّاس فَلم يكن ليَتَكَلَّم لَا بأفصح اللُّغَات وَأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها وَإِذا تكلم بلغَة غير لغته فَإِنَّمَا يتَكَلَّم بذلك مَعَ أهل تِلْكَ اللُّغَة على طَرِيق الإعجاز وَتَعْلِيم الله ذَلِك لَهُ من غير معلم وَالْمُصَنّف قد أَكثر من الِاسْتِدْلَال بِمَا ورد فِي الْأَثر متعقبا بِزَعْمِهِ على النَّحْوِيين وَمَا أمعن النّظر فِي ذَلِك وَلَا صحب من لَهُ التَّمْيِيز وَقد قَالَ لنا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة وَكَانَ مِمَّن أَخذ عَن ابْن مَالك قلت لَهُ يَا سَيِّدي هَذَا الحَدِيث رِوَايَة الْأَعَاجِم وَوَقع فِيهِ من روايتهم مَا يعلم أَنه لَيْسَ من لفظ الرَّسُول ص = فَلم يجب بِشَيْء قَالَ أَبُو حَيَّان وَإِنَّمَا أمعنت الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِئَلَّا يَقُول الْمُبْتَدِئ مَا بَال النَّحْوِيين يستدلون بقول الْعَرَب وَفِيهِمْ الْمُسلم وَالْكَافِر وَلَا يستدلون بِمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث بِنَقْل الْعُدُول كالبخاري وَمُسلم وأضرابهما فَمن طالع مَا ذَكرْنَاهُ أدْرك السَّبَب الَّذِي لأَجله لم يسْتَدلّ النُّحَاة بِالْحَدِيثِ انْتهى كَلَام أبي حَيَّان بِلَفْظِهِ وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الضائع فِي شرح الْجمل تَجْوِيز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى هُوَ السَّبَب عِنْدِي فِي ترك الْأَئِمَّة كسيبويه وَغَيره الاستشهاد على إِثْبَات اللُّغَة بِالْحَدِيثِ واعتمدوا

فِي ذَلِك على الْقُرْآن وصريح النَّقْل عَن الْعَرَب وَلَوْلَا تَصْرِيح الْعلمَاء بِجَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى فِي الحَدِيث لَكَانَ الأولى فِي إِثْبَات فصيح اللُّغَة كَلَام النَّبِي ص = لِأَنَّهُ أفْصح الْعَرَب قَالَ وَكَانَ ابْن خروف يستشهد بِالْحَدِيثِ كثيرا فَإِن كَانَ على وَجه الِاسْتِظْهَار والتبرك بالمروي فَحسن وَإِن كَانَ يرى أَن من قبله أغفل شَيْئا وَجب عَلَيْهِ استدراكه فَلَيْسَ كَمَا رأى انْتهى وَمثل ذَلِك قَول صَاحب ثمار الصِّنَاعَة النَّحْو علم يستنبط بِالْقِيَاسِ والاستقراء من كتاب الله تَعَالَى وَكَلَام فصحاء الْعَرَب فَقَصره عَلَيْهِمَا وَلم يذكر الحَدِيث نعم اعْتمد عَلَيْهِ صَاحب البديع فَقَالَ فِي أفعل التَّفْضِيل لَا يلْتَفت إِلَى قَول من قَالَ إِنَّه لَا يعْمل لِأَن الْقُرْآن وَالْأَخْبَار والأشعار نطقت بِعَمَلِهِ ثمَّ أورد آيَات وَمن الْأَخْبَار حَدِيث مَا من أَيَّام أحب إِلَى الله فِيهَا الصَّوْم وَمِمَّا يدل على صِحَة مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الضائع وَأَبُو حَيَّان أَن ابْن مَالك اسْتشْهد على لُغَة أكلوني البراغيث بِحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ وَأكْثر من ذَلِك حَتَّى صَار يسميها لُغَة يتعاقبون وَقد اسْتدلَّ بِهِ السُّهيْلي ثمَّ قَالَ لكني أَقُول إِن الْوَاو فِيهِ عَلامَة إِضْمَار لِأَنَّهُ حَدِيث مُخْتَصر رَوَاهُ الْبَزَّار مطولا مجودا قَالَ فِيهِ إِن لله مَلَائِكَة يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف فِي منع أَن فِي خبر كَاد وَأما حَدِيث كَاد الْفقر أَن يكون كفرا فَإِنَّهُ من تغييرات الروَاة لِأَنَّهُ ص = أفْصح من نطق بالضاد انْتهى كَلَام السُّيُوطِيّ وَحَدِيث كَاد الْفقر أَن يكون كفرا ضَعِيف قَالَ بعض الْمُحدثين أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس مَرْفُوعا كَاد الْفقر أَن يكون كفرا وَكَاد الْحَسَد أَن يغلب الْقدر وَفِي لفظ أَن يسْبق الْقدر وَفِي سَنَده يزِيد الرقاشِي وَهُوَ ضَعِيف وَله شَوَاهِد ضَعِيفَة

فروع لها تعلق بالرواية بالمعنى

فروع لَهَا تعلق بالرواية بِالْمَعْنَى الْفَرْع الأول للْعُلَمَاء فِي اخْتِصَار الحَدِيث وَهُوَ حذف بعضه والاقتصار فِي الرِّوَايَة على بعضه أَقْوَال القَوْل الأول الْمَنْع من ذَلِك مُطلقًا بِنَاء على الْمَنْع من الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لِأَن حذف بعض الحَدِيث وَرِوَايَة بعضه رُبمَا أحدث الْخلَل فِيهِ والمختصر لَا يشْعر قَالَ عتبَة قلت لِابْنِ الْمُبَارك علمت أَن حَمَّاد بن سَلمَة كَانَ يُرِيد أَن يختصر الحَدِيث فينقلب مَعْنَاهُ قَالَ فَقَالَ لي أوفطنت لَهُ وروى يَعْقُوب بن شيبَة عَن مَالك أَنه كَانَ لَا يرى أَن يختصر الحَدِيث إِذا كَانَ عَن رَسُول الله ص = وَقَالَ أَشهب سَأَلت مَالِكًا عَن الْأَحَادِيث يقدم فِيهَا وَيُؤَخر وَالْمعْنَى وَاحِد قَالَ مَا كَانَ مِنْهَا من قَول رَسُول الله ص = فَإِنِّي أكره ذَلِك وأكره أَن يُزَاد فِيهَا وَينْقص مِنْهَا وَمَا كَانَ من قَول غير رَسُول الله ص = فَلَا أرى بذلك بَأْسا إِذا كَانَ الْمَعْنى وَاحِدًا وَكَانَ عبد الْملك بن عُمَيْر وَغَيره لَا يجيزون أَن يحذف مِنْهُ حرف وَاحِد فَإِن كَانَ لشك فَهُوَ سَائِغ كَانَ مَالك يَفْعَله كثيرا القَوْل الثَّانِي الْجَوَاز مُطلقًا وَيَنْبَغِي تَقْيِيد الْإِطْلَاق بِمَا إِذا لم يكن الْمَحْذُوف مُتَعَلقا بالمأتي بِهِ تعلقا يخل حذفه بِالْمَعْنَى كالاستثناء وَالشّرط فَإِن كَانَ كَذَلِك لم يجز بِلَا خلاف وَهُوَ ظَاهر القَوْل الثَّالِث أَنه إِن لم يكن رَوَاهُ التَّمام قبل ذَلِك هُوَ أَو غَيره لم يجز وَإِن كَانَ قد رَوَاهُ على التَّمام قبل ذَلِك هُوَ أَو غَيره جَازَ القَوْل الرَّابِع أَنه يجوز ذَلِك للْعَالم الْعَارِف إِذا كَانَ مَا تَركه متميزا عَمَّا نَقله غير مُتَعَلق بِهِ بِحَيْثُ لَا يخْتل الْبَيَان وَلَا تخْتَلف الدّلَالَة فِيمَا نَقله بترك مَا تَركه وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يجوز حَتَّى عِنْد من لم يجز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لِأَن الْمَحْذُوف والمروي حِينَئِذٍ يكونَانِ بِمَنْزِلَة خبرين منفصلين وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح وَلَا فرق

فِي هَذَا بَين أَن يكون قد رَوَاهُ قبل على التَّمام أَولا وَمحل جَوَاز رِوَايَته مُخْتَصرا مَا إِذا كَانَ الرَّاوِي رفيع الْمنزلَة مَشْهُورا بالضبط والإتقان بِحَيْثُ لَا يظنّ بِهِ زِيَادَة مَا لم يسمعهُ أَو نُقْصَان مَا سَمعه بِخِلَاف من لَيْسَ كَذَلِك قَالَ الْخَطِيب إِن من روى حَدِيثا على التَّمام وَخَافَ إِن رَوَاهُ مرّة أُخْرَى على النُّقْصَان أَن يتهم بِأَنَّهُ زَاد فِي أول مرّة مَا لم يكن سَمعه أَو أَنه نسي فِي الثَّانِي بَاقِي الحَدِيث لقلَّة ضَبطه وَكَثْرَة غلطه فَوَاجِب عَلَيْهِ أَن يَنْفِي هَذِه الظنة عَن نَفسه وَقَالَ سليم الرَّازِيّ إِن من روى بعض الْخَبَر ثمَّ أَرَادَ أَن ينْقل تَمَامه وَكَانَ مِمَّن يتهم بِأَنَّهُ زَاد فِي حَدِيثه كَانَ ذَلِك عذرا لَهُ فِي ترك الزِّيَادَة وكتمانها قَالَ ابْن الصّلاح من هَذَا حَاله فَلَيْسَ لَهُ من الِابْتِدَاء أَن يروي الحَدِيث غير تَامّ إِذا كَانَ قد تعين عَلَيْهِ أَدَاء تَمَامه لِأَنَّهُ إِذا رَوَاهُ أَولا نَاقِصا أخرج بَاقِيه عَن حيّز الِاحْتِجَاج بِهِ وَدَار بَين أَن لَا يرويهِ أصلا فيضيعه رَأْسا وَبَين أَن يرويهِ مُتَّهمًا فِيهِ فتضيع ثَمَرَته لسُقُوط الْحجَّة فِيهِ وَمِمَّنْ ذهب إِلَى جَوَاز اخْتِصَار الحَدِيث مُسلم وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي مُقَدّمَة صَحِيحه حَيْثُ قَالَ ثمَّ إِنَّا إِن شَاءَ الله مبتدئون فِي تَخْرِيج مَا سَأَلت عَنهُ وتأليفه على شريطة سَوف أذكرها وَهُوَ أَنا نعمد إِلَى جملَة مَا أسْند من الْأَخْبَار عَن رَسُول الله ص = فنقسمها على ثَلَاثَة أَقسَام وَثَلَاث طَبَقَات من النَّاس على غير تكْرَار إِلَّا أَن يَأْتِي مَوضِع لَا يسْتَغْنى فِيهِ عَن ترداد حَدِيث فِيهِ زِيَادَة معنى أَو إِسْنَاد يَقع إِلَى جنب إِسْنَاد لعِلَّة تكون هُنَاكَ لِأَن الْمَعْنى الزَّائِد فِي الحَدِيث الْمُحْتَاج إِلَيْهِ يَقُول مقَام حَدِيث تَامّ فَلَا بُد من إِعَادَة الحَدِيث الَّذِي فِيهِ مَا وَصفنَا من الزِّيَادَة أَو أَن يفصل ذَلِك الْمَعْنى من جملَة الحَدِيث على اختصاره إِذا أمكن وَلَكِن تَفْصِيله رُبمَا عسر من جملَته

فإعادته بهيئته إِذا ضَاقَ ذَلِك أسلم فَأَما مَا وَجَدْنَاهُ بدا من إِعَادَته بجملته من غير حَاجَة منا إِلَيْهِ فَلَا نتولى فَصله إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ بعض الشُّرَّاح عِنْد قَوْله أَو أَن يفصل ذَلِك الْمَعْنى من جملَة الحَدِيث هَذِه مَسْأَلَة اخْتلف الْعلمَاء فِيهَا وَهِي رِوَايَة بعض الحَدِيث فَمنهمْ من مَنعه مُطلقًا بِنَاء على منع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَمنعه بَعضهم وَإِن جَازَت الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى إِذا لم يكن رَوَاهُ هُوَ أَو غَيره بِتَمَامِهِ قبل هَذَا وَجوزهُ جمَاعَة مُطلقًا وَنسبه القَاضِي عِيَاض إِلَى مُسلم وَالصَّحِيح الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور والمحققون من أَصْحَاب الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول التَّفْصِيل وَجَوَاز ذَلِك من الْعَارِف إِذا كَانَ مَا تَركه غير مُتَعَلق بِمَا رَوَاهُ بِحَيْثُ لَا يخْتل الْبَيَان وَلَا تخْتَلف الدّلَالَة بِتَرْكِهِ سَوَاء جَوَّزنَا الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى أم لَا وَسَوَاء رَوَاهُ قبل تَاما أم لَا هَذَا إِن ارْتَفَعت مَنْزِلَته عَن التُّهْمَة فَأَما من رَوَاهُ تَاما ثمَّ خَافَ إِن رَوَاهُ ثَانِيًا نَاقِصا أَن يتهم بِزِيَادَة أَولا أَو نِسْيَان لغفلة وَقلة ضبط ثَانِيًا فَلَا يجوز النُّقْصَان ثَانِيًا وَلَا ابْتِدَاء إِن كَانَ قد تعين عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ وَأما تقطيع المصنفين الحَدِيث الْوَاحِد فِي الْأَبْوَاب فَهُوَ بِالْجَوَازِ أولى بل يبعد طرد الْخلاف فِيهِ وَقد اسْتمرّ عَلَيْهِ علم الْأَئِمَّة الْحفاظ الجلة من الْمُحدثين وَغَيرهم من أَصْنَاف الْعلمَاء وَهَذَا معنى قَول مُسلم أَو أَن يفصل ذَلِك الْمَعْنى من جملَة الحَدِيث على اختصاره إِذا أمكن وَقَوله إِذا أمكن يَعْنِي إِذا وجد الشَّرْط الَّذِي ذَكرْنَاهُ على مَذْهَب الْجُمْهُور من التَّفْصِيل وَقَوله وَلَكِن تَفْصِيله رُبمَا عسر من جملَته فإعادته بهيئته إِذا

ضَاقَ ذَلِك أسلم يَعْنِي مَا ذكرنَا وَهُوَ أَنه لَا يفصل إِلَّا مَا لَيْسَ مرتبطا بِالْبَاقِي وَقد يعسر هَذَا فِي بعض الْأَحَادِيث فَيكون كُله مرتبطا بِالْبَاقِي أَو يشك فِي ارتباطه فَفِي هَذِه الْحَالة يتَعَيَّن ذكره بِتَمَامِهِ وهيئته لكَون أسلم مَخَافَة من الْخَطَأ والزلل وَالله أعلم وَقد تعرض ابْن الصّلاح فِي مَبْحَث اخْتِصَار الحَدِيث لحكم تقطيعه فَقَالَ وَأما تقطيع المُصَنّف متن الحَدِيث الْوَاحِد وتفريقه فِي الْأَبْوَاب فَهُوَ إِلَى الْجَوَاز أقرب وَمن الْمَنْع أبعد وَقد فعله مَالك وَالْبُخَارِيّ وَغير وَاحِد من أَئِمَّة الحَدِيث وَلَا يَخْلُو من كَرَاهِيَة وَالله أعلم وَمِمَّنْ نسب إِلَيْهِ فعل ذَلِك أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقد أشكل نِسْبَة ذَلِك إِلَى مَالك وَأحمد أما مَالك فَلَمَّا نقل أَشهب عَنهُ أَنه كَانَ يكره النَّقْص من الحَدِيث وَقد ذكرنَا عِبَارَته بلفظها قَرِيبا وَأما أَحْمد فَلَمَّا نقل الْخلال عَنهُ أَنه قَالَ إِنَّه يَنْبَغِي أَن لَا يفعل وَقد يُجَاب عَن ذَلِك بِأَنَّهُمَا رُبمَا كَانَا يفرقان بَين الرِّوَايَة وَغَيرهَا فيمنعان ذَلِك فِي حَال الرِّوَايَة ويجيزانه فِي حَال الاستشهاد لَا سِيمَا إِن كَانَ الْمَعْنى المستنبط من الْقطعَة الَّتِي يُرَاد الاستشهاد بهَا مِمَّا يدق على الأفكار فَإِن إيرادها وَحدهَا أقرب إِلَى الْفَهم وَأبْعد من الْوَهم وَاخْتَارَ بعض الْمُحَقِّقين التَّفْصِيل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ إِن حصل الْقطع بِأَن الْمَحْذُوف لَا يخل بِالْبَاقِي فَلَا كَرَاهَة فِي ذَلِك وَإِن لم يحصل ذَلِك فَلَا يَخْلُو الْأَمر من كَرَاهَة إِلَّا أَن درجاتها تخْتَلف باخْتلَاف حَاله فِي ظُهُور ارتباط بعضه بِبَعْض وخفائه وَقد تبَاعد مُسلم عَن ذَلِك فَإِنَّهُ لكَونه لم يقْصد مَا قَصده البُخَارِيّ من استنباط الْأَحْكَام أورد كل حَدِيث بِتَمَامِهِ من غير تقطيع لَهُ وَلَا اخْتِصَار إِذا لم يقل فِيهِ مثل حَدِيث فلَان أَو نَحوه الْفَرْع الثَّانِي إِذا روى الْمُحدث الحَدِيث بِإِسْنَاد ثمَّ أتبعه بِإِسْنَاد آخر وَقَالَ عِنْد انتهائه مثله أَو نَحوه فَهَل للراوي عَنهُ أَن يقْتَصر على الْإِسْنَاد الثَّانِي ويسوق

لفظ الحَدِيث الْمَذْكُور عقيب الْإِسْنَاد الأول فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْمَنْع وَهُوَ قَول شُعْبَة فقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ فلَان عَن فلَان مثله لَا يُجزئ وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ قَول الرَّاوِي نَحوه شكّ وَالثَّانِي جَوَاز ذَلِك إِذا عرف أَن الرَّاوِي لذَلِك ضَابِط متحفظ يذهب إِلَى تَمْيِيز الْأَلْفَاظ وعد الْحُرُوف فَإِن لم يعرف مِنْهُ ذَلِك لم يجز وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ الثَّالِث جَوَاز ذَلِك فِي قَوْله مثله وَعدم جَوَاز ذَلِك فِي قَوْله نَحوه وَهُوَ قَول يحيى بن معِين وعَلى هَذَا يدل كَلَام الْحَاكِم حَيْثُ يَقُول إِن مِمَّا يلْزم الحديثي من الضَّبْط والإتقان أَن يفرق بَين أَن يَقُول مثله أَو يَقُول نَحوه فَلَا يحل لَهُ أَن يَقُول مثله إِلَّا بعد أَن يعلم أَنَّهُمَا على لفظ وَاحِد وَيحل لَهُ أَن يَقُول نَحوه إِذا كَانَ على مثل مَعَانِيه وَهَذَا على مَذْهَب من لَا يُجِيز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَأَما على مَذْهَب من يجيزها فَلَا فرق بَين مثله وَنَحْوه وَكَانَ غير وَاحِد من أهل الْعلم إِذا أَرَادَ رِوَايَة مثل هَذَا يُورد الْإِسْنَاد الثَّانِي ثمَّ يَقُول مثل حَدِيث قبله مَتنه كَذَا ثمَّ يَسُوقهُ وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْمُحدث قد قَالَ نَحوه وَإِذا ذكر الْمُحدث إِسْنَاد الحَدِيث وطرفا من الْمَتْن وَأَشَارَ إِلَى بَقِيَّته بقوله الحَدِيث أَو وَذكر الحَدِيث وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ للراوي عَنهُ أَن يروي الحَدِيث عَنهُ بِكَمَالِهِ بل يقْتَصر على مَا سمع مِنْهُ وَهَذَا أولى بِالْمَنْعِ من الْمَسْأَلَة الَّتِي قبلهَا لِأَن الْمَسْأَلَة الَّتِي قبلهَا قد سَاق فِيهَا جَمِيع الْمَتْن قبل ذَلِك بِإِسْنَاد آخر وَفِي هَذِه الصُّورَة لم يسْبق إِلَّا هَذَا الْقدر من الحَدِيث وَسَأَلَ بعض الْمُحدثين الْأُسْتَاذ الْمُقدم فِي الْفِقْه وَالْأُصُول أَبَا إِسْحَاق الإسفرائيني عَن ذَلِك فَقَالَ لَا يجوز لمن سمع على هَذَا الْوَصْف أَن يروي الحَدِيث بِمَا فِيهِ من الْأَلْفَاظ على التَّفْصِيل وَسَأَلَ البرقاني الْفَقِيه الْحَافِظ أَبَا بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ عَمَّن قَرَأَ إِسْنَاد حَدِيث على

الشَّيْخ ثمَّ قَالَ وَذكر الحَدِيث فَهَل يجوز أَن يحدث بِجَمِيعِ الحَدِيث فَقَالَ إِذا عرف الْمُحدث والقارئ ذَلِك الحَدِيث فأرجو أَن يجور ذَلِك وَالْبَيَان أولى أَن يَقُول كَمَا كَانَ والطريقة المثلى أَن يقْتَصّ مَا ذكره الشَّيْخ على وَجهه فَيَقُول قَالَ وَذَلِكَ الحَدِيث بِطُولِهِ ثمَّ يَقُول والْحَدِيث بِطُولِهِ هُوَ كَذَا وَكَذَا ويسوقه إِلَى آخِره وَهَذَا الْفَرْع مِمَّا تشتد إِلَى مَعْرفَته حَاجَة المعتنين بِصَحِيح مُسلم لِكَثْرَة تكَرر مثله وَنَحْوه وَنَحْو ذَلِك فِيهِ الْفَرْع الثَّالِث قَالَ ابْن الصّلاح إِذا كَانَ الحَدِيث عِنْد الرَّاوِي عَن اثْنَيْنِ أَو أَكثر وَبَين روايتيهما تفَاوت فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَاحِد كَانَ لَهُ أَن يجمع بَينهمَا فِي الْإِسْنَاد ثمَّ يَسُوق الحَدِيث على لفظ أَحدهمَا خَاصَّة وَيَقُول أخبرنَا فلَان وَفُلَان وَاللَّفْظ لفُلَان أَو وَهَذَا لفظ فلَان قَالَ أَو قَالَا أخبرنَا فلَان أَو مَا أشبه ذَلِك من الْعبارَات وَلمُسلم صَاحب الصَّحِيح مَعَ هَذَا فِي ذَلِك عبارَة أُخْرَى حَسَنَة مثل قَوْله حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو سعيد الْأَشَج كِلَاهُمَا عَن أبي خَالِد قَالَ أَبُو بكر حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن الْأَعْمَش وسَاق الحَدِيث فإعادته ثَانِيًا ذكر أَحدهمَا خَاصَّة إِشْعَار بِأَن اللَّفْظ الْمَذْكُور لَهُ فَأَما إِذا لم يخص لفظ أَحدهمَا بِالذكر بل أَخذ من لفظ هَذَا وَمن لفظ ذَاك وَقَالَ أخبرنَا فلَان وَفُلَان وتقاربا فِي الْمَعْنى قَالَا أخبرنَا فلَان فَهَذَا غير مُمْتَنع على مَذْهَب تَجْوِيز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَقَول أبي دَاوُد صَاحب السّنَن حَدثنَا مُسَدّد وَأَبُو تَوْبَة قَالَا حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص مَعَ أشباه لهَذَا فِي كِتَابه يحْتَمل أَن يكون من قبيل الأول فَيكون اللَّفْظ لمسدد وَيُوَافِقهُ أَبُو تَوْبَة فِي الْمَعْنى وَيحْتَمل أَن يكون من قبيل الثَّانِي فَلَا يكون قد أورد لفظ أَحدهمَا خَاصَّة بل رَوَاهُ بِالْمَعْنَى عَن كليهمَا وَهَذَا الِاحْتِمَال يقرب فِي قَوْله حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمَعْنى وَاحِد قَالَا حَدثنَا أبان

وَأما إِذا جمع بَين جمَاعَة رُوَاة قد اتَّفقُوا فِي الْمَعْنى وَلَيْسَ مَا أوردهُ لفظ كل وَاحِد مِنْهُم وَسكت عَن الْبَيَان لذَلِك فَهَذَا مِمَّا عيب بِهِ البُخَارِيّ أَو غَيره وَلَا بَأْس بِهِ على مَذْهَب تَجْوِيز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَإِذا سمع كتابا مصنفا من جمَاعَة ثمَّ قَابل نسخته بِأَصْل بَعضهم دون بعض وَأَرَادَ أَن يذكر جَمِيعهم فِي الْإِسْنَاد وَيَقُول وَاللَّفْظ لفُلَان كَمَا سبق فَهَذَا يحْتَمل أَن يجوز كَالْأولِ لِأَن مَا أوردهُ قد سَمعه بنصه مِمَّن ذكر أَنه بِلَفْظِهِ وَيحْتَمل أَن لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا علم عِنْده بكيفية رِوَايَة الآخرين حَتَّى يخبر عَنْهَا بِخِلَاف مَا سبق فَإِنَّهُ اطلع على رِوَايَة غير من نسب اللَّفْظ إِلَيْهِ وَهُوَ على موافقتهما من حَيْثُ الْمَعْنى فَأخْبر بذلك وَالله أعلم هَذَا وَمَا ذكره ابْن الصّلاح من أَن إِعَادَة مُسلم لذَلِك أحد الراويين خَاصَّة يشْعر بِأَن اللَّفْظ الْمَذْكُور لَهُ هُوَ الظَّاهِر الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن مَعَ احْتِمَال أَن تكون الْإِعَادَة لمُجَرّد بَيَان أَن الرَّاوِي الَّذِي أُعِيد ذكر اسْمه ثَانِيًا قد صرح بِالتَّحْدِيثِ دون الرَّاوِي الَّذِي لم يعد ذكر اسْمه فَيَنْبَغِي الانتباه لذَلِك وَقد استبعد بَعضهم مَا ذكره ابْن الصّلاح من أَن قَول أبي دَاوُد حَدثنَا مُسَدّد وأو تَوْبَة الْمَعْنى قَالَا حَدثنَا الْأَحْوَص فِيهِ احْتِمَال لِئَلَّا يكون قد أورد لفظ أَحدهمَا خَاصَّة بل رَوَاهُ بِالْمَعْنَى عَن كليهمَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يدل على أَن المأتي بِهِ حِينَئِذٍ هُوَ لفظ ثَالِث غير لَفْظِي من روى عَنْهُمَا مَعَ أَن الْغَالِب الْمَعْرُوف فِي مثل ذَلِك أَن الْمُحدث لَا بُد أَن يُورد الحَدِيث بِلَفْظ مَرْوِيّ لَهُ بِرِوَايَة وَاحِدَة وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَقَالَ بَعضهم هَذَا أَمر غير مستبعد وقصارى الْأَمر فِيهِ أَن يكون مُلَفقًا مِنْهُمَا والتلفيق قد جرى عَلَيْهِ كثير من الْمُحدثين وَمِنْه نوع قد ذكره الْقَوْم فِي آخر مَبْحَث صفة الرِّوَايَة كَمَا ذكرُوا الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي أَثْنَائِهِ ولنورد ذَلِك لمناسبته لما نَحن فِيهِ فَنَقُول قَالُوا وَإِذا سمع بعض حَدِيث من شيخ وَبَعضه من شيخ آخر فخلطه وَعَزاهُ جملَة إِلَيْهِمَا مُبينًا أَن بعضه عَن أَحدهمَا وَبَعضه عَن الآخر من غير تَمْيِيز لما سَمعه من كل شيخ من الآخر جَازَ

وَمن أَمْثِلَة ذَلِك حَدِيث الْإِفْك فِي الصَّحِيح من رِوَايَة الزُّهْرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ حَدثنِي عُرْوَة وَسَعِيد بن الْمسيب وعلقمة بن وَقاص وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن عَائِشَة قَالَ وكل قد حَدثنِي طَائِفَة من حَدِيثهَا وَدخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض وَأَنا أوعى لحَدِيث بَعضهم من بعض فَذكر الحَدِيث وَمَا من شَيْء من ذَلِك الحَدِيث الْمَرْوِيّ على تِلْكَ الصّفة إِلَّا وَهُوَ فِي الحكم كَأَنَّهُ رَوَاهُ عَن أحد الرجلَيْن على الْإِبْهَام حَتَّى إِذا كَانَ أَحدهمَا مجروحا لم يجز الِاحْتِجَاج بِشَيْء من ذَلِك الحَدِيث لِأَنَّهُ مَا قطعه مِنْهُ إِلَّا وَيجوز أَن تكون عَن ذَلِك الرَّاوِي الْمَجْرُوح وَلَا يجوز لأحد بعد اخْتِلَاط ذَلِك أَن يسْقط ذكر أحد الراويين ويروي الحَدِيث عَن الآخر وَحده بل يجب ذكرهمَا جَمِيعًا مَقْرُونا بالإفصاح وَكَثِيرًا مَا يسْتَعْمل التلفيق أَرْبَاب الْمَغَازِي وَالسير وَقد انتقدوا التلفيق على الزُّهْرِيّ وَهُوَ أول من فعل ذَلِك فَقَالُوا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يفرد حَدِيث كل وَاحِد مِنْهُم عَن الآخر وَالْأَمر فِيهِ سهل إِذا كَانَ الْكل ثِقَات وَأما مَا عيب بِهِ البُخَارِيّ فَلَيْسَ بِعَيْب عِنْد الْجُمْهُور الَّذِي يُجِيز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى هَذَا عبد الله بن وهب لم يتَأَخَّر البُخَارِيّ وَلَا غَيره من الْأَئِمَّة عَن التَّخْرِيج لَهُ مَعَ كَونه كَانَ يفعل ذَلِك وَأما حَمَّاد فَإِن البُخَارِيّ لم يتْرك الِاحْتِجَاج بِهِ لكَونه كَانَ يفعل ذَلِك بل لكَونه قد سَاءَ حفظه وَلذَا لم يخرج لَهُ فِي الْأُصُول وَاقْتصر مُسلم فِيمَا قَالَه الْحَاكِم على رِوَايَته عَن ثَابت مَعَ أَنه كَانَ من الْأَئِمَّة الْأَثْبَات الموصوفين بِأَنَّهُم بلغُوا دَرَجَة الأبدال فتفريق البُخَارِيّ بَينه وَبَين ابْن وهب إِنَّمَا يرجع لما يتَعَلَّق بالإتقان وَالْحِفْظ فَإِن ابْن وهب كَانَ أَشد إتقانا لما يرويهِ وأحفظ وَمَا قيل من أَن البُخَارِيّ كَانَ لَا يعرج على الْبَيَان وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ هُوَ مَبْنِيّ على الْغَالِب وَإِلَّا فقد عرج على الْبَيَان فِي بعض الأحيان كَقَوْلِه فِي تَفْسِير الْبَقَرَة حَدثنَا يُوسُف بن رَاشد حَدثنَا جرير وَأَبُو أُسَامَة وَاللَّفْظ لجرير فَذكر حَدِيثا وَفِي الصَّيْد والذبائح حَدثنَا يُوسُف بن رَاشد أخبرنَا وَكِيع وَيزِيد بن هَارُون وَاللَّفْظ ليزِيد وَقد رَأَيْت هُنَا أَن أستطرد لأَرْبَع مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى قد ذكرنَا فِيمَا سبق أَنه قد ثَبت تَرْجِيح صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم فِيمَا يتَعَلَّق بِأَمْر الصِّحَّة وَأما مَا يتَعَلَّق بِغَيْر ذَلِك فَرُبمَا كَانَ فِي صَحِيح مُسلم مَا يرجح بِهِ على صَحِيح البُخَارِيّ وَقد عرفت فِي هَذَا الْفَرْع أَن من روى عَن اثْنَيْنِ فَأكْثر وَكَانَ بَين روايتيهما تفَاوت فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَاحِد فَلهُ أَن يجمع بَينهمَا فِي الْإِسْنَاد ثمَّ يَسُوق الحَدِيث على لفظ أَحدهمَا غير أَن الأولى فِي ذَلِك أَن يعين صَاحب اللَّفْظ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ وَأَن مُسلما الْتزم ذَلِك بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ جرى على خلاف الأولى فِي ذَلِك فِي أَكثر الْمَوَاضِع وَقد ذكر بعض المعتنين بِصَحِيح مُسلم شَيْئا من هَذَا الْقَبِيل فَأَحْبَبْت إِيرَاده 1 - فَمن ذَلِك كَونه أسهل متناولا من حَيْثُ إِنَّه جعل لكل حَدِيث موضعا وَاحِدًا يَلِيق بِهِ وَجمع فِيهِ طرقه وَأورد أسانيده المتعددة وَأَلْفَاظه الْمُخْتَلفَة فَصَارَ اسْتِخْرَاج الحَدِيث مِنْهُ وَمَعْرِفَة طرقه المتعددة وَأَلْفَاظه الْمُخْتَلفَة سهلا بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ يذكر تِلْكَ الْوَجْه الْمُخْتَلفَة فِي أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة وَكثير مِنْهَا يذكرهُ فِي غير الْبَاب الَّذِي يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن أَنه أولى بِهِ لأمر مَا قَصده البُخَارِيّ فَصَارَ اسْتِخْرَاج الحَدِيث مِنْهُ فضلا عَن معرفَة طرقه المتعددة وَأَلْفَاظه الْمُخْتَلفَة صعبا حَتَّى إِن كثيرا من الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين قد نفوا رِوَايَة البُخَارِيّ لأحاديث هِيَ فِيهِ

حَيْثُ لم يجدوها فِي مظانها 2 - وَمن ذَلِك اعتناؤه بالتمييز بَين حَدثنَا وَأخْبرنَا وتقييده ذَلِك على مشايخه فِي رِوَايَته وَكَانَ من مذْهبه الْفرق بَينهمَا وَأَن حَدثنَا لَا يجوز إِطْلَاقه إِلَّا لما سَمعه من لفظ الشَّيْخ خَاصَّة وَأخْبرنَا لما قرئَ على الشَّيْخ وَهَذَا الْفرق هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وَجُمْهُور أهل الْعلم بالمشرق وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَب عَن ابْن جريج وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن وهب وَالنَّسَائِيّ وَصَارَ هُوَ الشَّائِع الْغَالِب على أهل الحَدِيث وَذَهَبت جمَاعَة إِلَى أَنه يجوز أَن يُقَال فِيمَا قرئَ على الشَّيْخ حَدثنَا وَأخْبرنَا وَهُوَ مَذْهَب الزُّهْرِيّ وَمَالك وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَهُوَ مَذْهَب البُخَارِيّ وَجَمَاعَة من الْمُحدثين وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه لَا يجوز إِطْلَاق حَدثنَا وَلَا أخبرنَا فِي الْقِرَاءَة وَيُقَال إِنَّه قَول ابْن الْمُبَارك وَيحيى بن يحيى التَّمِيمِي وَأحمد بن حَنْبَل وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم قَالَ بعض الْحفاظ أَجود الْعبارَات فِي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ أَن يُقَال قَرَأت على فلَان أَو قرئَ على فلَان وَأَنا أسمع فَأقر بِهِ وَيَتْلُو ذَلِك أَن يُقَال حَدثنَا فلَان قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأخْبرنَا قِرَاءَة عَلَيْهِ 3 - وَمن ذَلِك اعتناؤه بضبط اخْتِلَاف لفظ الروَاة فِي الحَدِيث كَقَوْلِه حَدثنَا فلَان وَفُلَان وَاللَّفْظ لفُلَان قَالَ أَو قَالَا حَدثنَا فلَان وَقد يكون الِاخْتِلَاف فِي حرف ثمَّ إِن الِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ قد يكون مِمَّا يتَغَيَّر بِهِ الْمَعْنى وَقد يكون مِمَّا لَا يتَغَيَّر بِهِ الْمَعْنى وَمَا يتَغَيَّر بِهِ الْمَعْنى قد يكون التَّغَيُّر فِيهِ خفِيا بِحَيْثُ لَا ينتبه لَهُ إِلَّا الجهبذ النحرير وَقد الْتزم الْبَيَان فِي جَمِيع ذَلِك بِقدر الْإِمْكَان 4 - وَمن ذَلِك تحريه فِي مثل قَوْله حَدثنَا عبد الله بن مسلمة حَدثنَا

سُلَيْمَان يَعْنِي ابْن بِلَال عَن يحيى وَهُوَ ابْن سعيد فَلم يستجز رَضِي الله عَنهُ أَن يَقُول سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد لكَونه لم يَقع فِي رِوَايَته مَنْسُوبا فَلَو قَالَه مَنْسُوبا لَكَانَ مخبرا عَن شَيْخه أَنه أخبرهُ بنسبته مَعَ أَنه لم يُخبرهُ بهَا وَهَذَا مِمَّا يُشَارِكهُ فِيهِ البُخَارِيّ كَمَا يظْهر من قَول بعض أهل الْأَثر لَيْسَ للراوي أَن يزِيد فِي نسب غير شَيْخه وَلَا صفته على مَا سَمعه من شَيْخه لِئَلَّا يكون كَاذِبًا على شَيْخه فَإِن أَرَادَ تَعْرِيفه وإيضاحه وَإِزَالَة اللّبْس المتطرق إِلَيْهِ لمشابهة غَيره فطريقه أَن يَقُول قَالَ حَدثنِي فلَان يَعْنِي ابْن فلَان أَو الْفُلَانِيّ أَو هُوَ ابْن فلَان أَو الْفُلَانِيّ أَو نَحْو ذَلِك فَهَذَا جَائِز حسن قد اسْتَعْملهُ الْأَئِمَّة وَقد أَكثر البُخَارِيّ وَمُسلم مِنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَايَة الْإِكْثَار حَتَّى إِن كثيرا من أسانيدهما يَقع فِي الْإِسْنَاد الْوَاحِد مِنْهَا موضعان أَو أَكثر من هَذَا الضَّرْب كَقَوْلِه فِي أول كتاب البُخَارِيّ فِي بَاب من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده قَالَ أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا دَاوُد هُوَ ابْن أبي هِنْد عَن عَامر قَالَ سَمِعت عبد الله هُوَ ابْن عَمْرو وَكَقَوْلِه فِي كتاب مُسلم فِي بَاب منع النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد حَدثنَا عبد الله بن مسلمة حَدثنَا سُلَيْمَان يَعْنِي ابْن بِلَال عَن يحيى وَهُوَ ابْن سعيد ونظائره كَثِيرَة

وَإِنَّمَا يقصدون بِهَذَا الْإِيضَاح كَمَا ذكرنَا أَولا فَإِنَّهُ لَو قَالَ حَدثنَا دَاوُد أَو عبد الله لم يعرف من هُوَ لِكَثْرَة المشاركين فِي هَذَا الِاسْم وَلَا يعرف ذَلِك فِي بعض المواطن إِلَّا الْخَواص والعارفون بِهَذِهِ الصّفة وبمراتب الرِّجَال فأوضحوه لغَيرهم وخففوا عَنْهُم مؤونة النّظر والتفتيش وَهَذَا الْفَصْل نَفِيس يعظم الِانْتِفَاع بِهِ فَإِن من لَا يعاني هَذَا الْفَنّ قد يتَوَهَّم أَن قَوْله يَعْنِي وَقَوله هُوَ زِيَادَة لَا حَاجَة إِلَيْهَا وَأَن الأولى حذفهَا وَهَذَا جهل قَبِيح وَالله أعلم 5 - وَمن ذَلِك سلوكه الطَّرِيقَة المثلى فِي رِوَايَة صحيفَة همام بن مُنَبّه نَحْو قَوْله حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ حَدثنَا معمر عَن همام قَالَ هَذَا مَا حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة عَن مُحَمَّد رَسُول الله ص = فَذكر أَحَادِيث مِنْهَا قَالَ رَسُول الله ص = إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فليستنشق الحَدِيث وَوجه ذَلِك يظْهر مِمَّا ذكره ابْن الصّلاح حَيْثُ قَالَ النّسخ الْمَشْهُورَة الْمُشْتَملَة على أَحَادِيث بِإِسْنَاد وَاحِد كنسخة همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَنهُ وَنَحْوهَا من النّسخ والأجزاء مِنْهُم من يجدد ذكر الْإِسْنَاد فِي أول كل حَدِيث مِنْهَا وَيُوجد هَذَا فِي كثير من الْأُصُول الْقَدِيمَة وَذَلِكَ أحوط وَمِنْهُم من يَكْتَفِي بِذكر الْإِسْنَاد فِي أَولهَا عِنْد أول حَدِيث مِنْهَا أَو فِي كل مجْلِس من مجَالِس سماعهَا ويدرج الْبَاقِي عَلَيْهِ وَيَقُول فِي كل حَدِيث بعده وَبِالْإِسْنَادِ أَو وَبِه وَذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَب الْأَكْثَر وَإِذا أَرَادَ من كَانَ سَمَاعه على هَذَا الْوَجْه تَفْرِيق تِلْكَ الْأَحَادِيث وَرِوَايَة كل حَدِيث مِنْهَا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور فِي أَولهَا جَازَ ذَلِك عِنْد الْأَكْثَرين مِنْهُم وَكِيع بن الْجراح وَيحيى بن معِين وَأَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَهَذَا لِأَن الْجَمِيع مَعْطُوف على الأول

فالإسناد الْمَذْكُور أَولا فِي حكم الْمَذْكُور فِي كل حَدِيث وَهُوَ بِمَثَابَة تقطيع الْمَتْن الْوَاحِد فِي أَبْوَاب بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُور فِي أَوله وَمن الْمُحدثين من أَبى إِفْرَاد شَيْء من تِلْكَ الْأَحَادِيث المدرجة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَرَآهُ تدليسا وَسَأَلَ بعض أهل الحَدِيث الْأُسْتَاذ أَبَا إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ الْفَقِيه الصولي عَن ذَلِك فَقَالَ لَا يجوز وعَلى هَذَا من كَانَ سَمَاعه على هَذَا الْوَجْه فطريقه أَن يبين ويحكي ذَلِك كَمَا جرى كَمَا فعله مُسلم فِي صَحِيحه فِي صحيفَة همام بن مُنَبّه نَحْو قَوْله حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن همام بن مُنَبّه قَالَ هَذَا مَا حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة وَذكر أَحَادِيث مِنْهَا وَقَالَ رَسُول الله ص = إِن أدنى مقْعد أحدكُم فِي الْجنَّة أَن يَقُول لَهُ تمن الحَدِيث وَهَكَذَا فعل كثير من المؤلفين وَالله أعلم وَاعْلَم أَنه لَا يظْهر وَجه لقَوْل من منع إِفْرَاد شَيْء من تِلْكَ الْأَحَادِيث المدرجة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَّا أَن يُقَال إِن بَاب الرِّوَايَة مُبين على الِاتِّبَاع وَهُوَ لم يرو على هَذَا الْوَجْه من التَّفْرِيق فَيكون ذَلِك من قبيل الابتداع وَهُوَ بعيد وَأما البُخَارِيّ فَإِنَّهُ سلك طَرِيقا آخر وَهُوَ أَنه يقدم أول حَدِيث من الصَّحِيفَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ حَدِيث نَحْو الْآخرُونَ السَّابِقُونَ ثمَّ يعْطف عَلَيْهِ الحَدِيث الَّذِي يُرِيد إِيرَاده وَطَرِيق مُسلم أوضح وَلذَا قل من اطلع على مقصد البُخَارِيّ فِي ذَلِك وَقد حمل ذَلِك بَعضهم على أَن يبحثوا على وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث الأول والترجمة فَلم يَأْتُوا بِمَا فِيهِ طائل على أَن البُخَارِيّ لم يطرد عمله فِي ذَلِك فَإِنَّهُ أورد فِي كثير من الْمَوَاضِع بَعْضًا من الْأَحَادِيث الْوَاقِعَة فِي الصَّحِيفَة الْمَذْكُورَة وَلم يصدر شَيْئا مِنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمشَار إِلَيْهِ

وَهَذَا الحَدِيث هُوَ أول حَدِيث فِي صحيفَة شُعَيْب أَيْضا وَيُشِير إِلَى ذَلِك قَول البُخَارِيّ فِي بَاب لَا تبولوا فِي المَاء الراكد حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج حَدثهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول إِنَّه سمع رَسُول الله ص = يَقُول نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ وبإسناده قَالَ لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم وَهَاتَانِ الصحيفتان قل أَن يُوجد فِي إِحْدَاهمَا حَدِيث إِلَّا وَهُوَ فِي الْأُخْرَى 6 - وَمن ذَلِك اعتناؤه فِي إِيرَاد الطّرق وتحويل الْأَسَانِيد بإيجاز الْعبارَة مَعَ حسن الْبَيَان 7 - وَمن ذَلِك ترتيبه للأحاديث على نسق يشْعر بِكَمَال مَعْرفَته بدقائق هَذَا الْعلم ووقوفه على أسراره وَهُوَ أَمر لَا يشْعر بِهِ إِلَّا من أمعن النّظر فِي كِتَابه مَعَ مَعْرفَته بأنواع الْعُلُوم الَّتِي يفْتَقر إِلَيْهَا صَاحب هَذِه الصِّنَاعَة كأصول الدّين وأصول التَّفْسِير وأصول الحَدِيث وأصول الْفِقْه وَنَحْو أصُول الْفِقْه الْفِقْه وعلوم الْعَرَبيَّة وَأَسْمَاء الرِّجَال ودقائق علم الْإِسْنَاد والتاريخ مَعَ الذكاء المفرط وجودة الْفِكر ومداومة الِاشْتِغَال بِهِ ومذاكرة المشتغلين بِهِ متحريا للإنصاف قَاصِدا للاستفادة والإفادة

وَقد أَشَارَ بعض الْعلمَاء إِلَى الْوُجُوه الَّتِي ظَهرت لَهُ فِي تَرْجِيح صَحِيح مُسلم فَقَالَ وَالَّذِي يظْهر لي من كَلَام أبي عَليّ أَنه إِنَّمَا قدم صَحِيح مُسلم لِمَعْنى آخر غير مَا نَحن بصدده من الشَّرَائِط الْمَطْلُوبَة فِي الصِّحَّة بل ذَلِك لِأَن مُسلما صنف كِتَابه فِي بَلَده بِحُضُور أُصُوله فِي حَيَاة كثير من مشايخه فَكَانَ يتحرز فِي الْأَلْفَاظ ويتحرى فِي السِّيَاق بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ رُبمَا كتب الحَدِيث من حفظه وَلم يُمَيّز أَلْفَاظ رُوَاته وَلِهَذَا رُبمَا يعرض لَهُ الشَّك وَقد صَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ رب حَدِيث سمعنه بِالْبَصْرَةِ فكتبته بِالشَّام وَلم يتصد لما تصدى لَهُ البُخَارِيّ من استنباط الْأَحْكَام ليبوب عَلَيْهَا حَتَّى لزم من ذَلِك تقطيعه للْحَدِيث فِي أبوابه بل جمع مُسلم الطّرق كلهَا فِي مَكَان وَاحِد وَاقْتصر على الْأَحَادِيث دون الْمَوْقُوفَات فَلم يعرج عَلَيْهَا إِلَّا فِي بعض الْمَوَاضِع على سَبِيل الندرة تبعا لَا مَقْصُودا فَلهَذَا قَالَ أَبُو عَليّ مَا قَالَ مَعَ أَنِّي رَأَيْت بعض أَئِمَّتنَا يجوز أَن يكون أَبُو عَليّ مَا رأى صَحِيح البُخَارِيّ وَعِنْدِي فِي ذَلِك بعد وَالْأَقْرَب مَا ذكرته وَأَبُو عَليّ الْمَذْكُور هُوَ أَبُو عَليّ النَّيْسَابُورِي شيخ الْحَاكِم وَقد نقل عَنهُ ابْن مندة أَنه قَالَ مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أصح من كتاب مُسلم وَقَالَ بعض شرَّاح كتاب البُخَارِيّ بعد أَن بَين رجحانه على مَا سواهُ من كتب الحَدِيث من جِهَة الصِّحَّة وَأكْثر مَا فضل بِهِ كتاب مُسلم عَلَيْهِ أَنه يجمع الْمُتُون فِي مَوضِع وَاحِد وَلَا يفرقها فِي الْأَبْوَاب ويسوقها تَامَّة وَلَا يقطعهَا فِي التراجم ويحافظ على الْإِتْيَان بألفاظها وَلَا يروي بِالْمَعْنَى ويفردها وَلَا يخلط مَعهَا شَيْئا من أَقْوَال الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ وَقد ذكرنَا ذَلِك فِيمَا سبق الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة جرت عَادَة كتبة الحَدِيث بِاخْتِصَار بعض أَلْفَاظ الْأَدَاء فِي الْخط دون النُّطْق

فَمن ذَلِك حَدثنَا فَإِنَّهُم يقتصرون فِي كتَابَتهَا على ثَنَا وَهِي الثَّاء وَالنُّون وَالْألف وَقد يحذفون الثَّاء ويقتصرون على الضَّمِير وَحده وَهُوَ نَا وَمن ذَلِك أخبرنَا فَإِنَّهُم يقتصرون فِي كتَابَتهَا على أَنا وَقد التزموا فِي الْغَالِب تَحْرِيف الْألف الْأَخِيرَة مِنْهُمَا إِلَى جِهَة الْيَمين ليحصل التَّمْيِيز بَينهَا وَبَين مَا يشابهها فِي الصُّورَة مِمَّا لَيْسَ برمز وَقد يزِيد بَعضهم الرَّاء فَتَصِير أرنا وَكَأن الَّذِي زَادهَا خشِي أَن يظنّ أَنَّهَا مختصرة من أَنبأَنَا وَإِن جرت عَادَتهم بِعَدَمِ اختصارها كَمَا يُشَاهد فِيمَا لَا يُحْصى من الْكتب وَمن ذَلِك قَالَ وَنَحْو فقد جرت الْعَادة بحذفه فِيمَا بَين رجال الْإِسْنَاد خطا وَذكره حَال الْقِرَاءَة لفظا مِثَال ذَلِك قَول البُخَارِيّ حَدثنَا صَالح بن حَيَّان قَالَ قَالَ عَامر الشّعبِيّ فَإِن الْكَاتِب يحذف أَحدهمَا وَأما الْقَارئ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن يلفظ بهما مَعًا وَلَو لم يلفظ الْقَارئ بِمَا تَركه الْكَاتِب يكون مخطئا غير أَن هَذَا الْخَطَأ لَا يُؤثر فِي صِحَة السماع فقد قَالَ بعض الْحفاظ إِن الظَّاهِر أَن السماع صَحِيح للْعلم بِالْمَقْصُودِ وَيكون هَذَا من قبيل الْحَذف لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ وَمِمَّا قد يغْفل عَنهُ من ذَلِك مَا إِذا كَانَ فِي الْإِسْنَاد قرئَ على فلَان أخْبرك فلَان فَيَنْبَغِي للقارئ أَن يَقُول فِيهِ قيل لَهُ أخْبرك فلَان وَقد وَقع فِي بعض ذَلِك قرئَ على فلَان حَدثنَا فلَان فَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ قرئَ على فلَان قَالَ حَدثنَا فلَان وَقد جَاءَ هَذَا مُصَرحًا بِهِ خطا فِي بعض الْكتب وَيصِح فِي الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يُقَال قرئَ على فلَان قيل لَهُ قلت حَدثنَا فلَان إِلَّا أَن مَا ذكر من قبل أخصر وَمن عرف اللُّغَة الْعَرَبيَّة لم يعسر عَلَيْهِ أَن يَأْتِي فِي كل مَوضِع بِمَا يَقْتَضِيهِ وَمن ذَلِك أَنه قد جرت الْعَادة بحذفه فِي الْخط دون اللَّفْظ وَذَلِكَ كَقَوْل البُخَارِيّ حَدثنَا الْحسن بن الصَّباح سمع جَعْفَر بن عون وَالأَصَح أَنه سمع وَإِذا كَانَ للْحَدِيث إسنادان أَو أَكثر وَأَرَادُوا أَن يجمعوا بَينهمَا فقد جرت عَادَة أهل الحَدِيث إِذا انتقلوا من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد أَن يكتبوا بَينهمَا ح وَهِي حاء مُفْردَة مهلمة وَهِي مَأْخُوذَة من التَّحَوُّل إِشَارَة إِلَى التَّحَوُّل من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد آخر

وَقد توهم بعض النَّاس أَنَّهَا خاء مُعْجمَة إِشَارَة إِلَى أَنه إِسْنَاد آخر أَو إِشَارَة إِلَى الْخُرُوج من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد وَسبب ذَلِك أَن الْمُتَقَدِّمين لم يتكلموا فِيهَا بِشَيْء وَأول من تكلم عَنْهَا ابْن الصّلاح وَاخْتَارَ بعض الْحفاظ كَونهَا مَأْخُوذَة من حَائِل لكَونهَا حائلة بَين الإسنادين وَأَنه لَا يتَلَفَّظ بهَا وَأنكر مَا قَالَه بَعضهم من كَونهَا مَأْخُوذَة من لفظ الحَدِيث وَكَانَ إِذا وصل إِلَيْهَا يَقُول الحَدِيث وَكَأن هَذَا الْإِنْكَار مَبْنِيّ على كَون الحَدِيث لم يذكر وَهَذِه الْحَاء الدَّالَّة على التَّحَوُّل من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد هِيَ فِي صَحِيح مُسلم أَكثر مِنْهَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَاخْتَارَ ابْن الصّلاح أَن يَقُول الْقَارئ عِنْد الِانْتِهَاء إِلَيْهَا حا وَيسْتَمر فِي قِرَاءَة مَا بعْدهَا وَهُوَ أحوط الْوُجُوه وأعدلها وعَلى ذَلِك جرى جلّ أهل الحَدِيث وَقد كتب بعض الْحفاظ فِي موضعهَا عوضا مِنْهَا صَحَّ وَحسن إِثْبَات صَحَّ هُنَا لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن حَدِيث هَذَا الْإِسْنَاد سقط وَلِئَلَّا يركب الْإِسْنَاد الثَّانِي على الْإِسْنَاد الأول فيجعلا إِسْنَادًا وَاحِدًا الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة علم الحَدِيث علم عَظِيم الشَّأْن يُنَاسب مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحاسن الشيم فَمن عزم على طلبه فليقدم إخلاص النِّيَّة وليسأل الله أَن يوفقه ويعينه عَلَيْهِ فَإِذا أَخذ فِيهِ فليجد فِي الطِّبّ وليحرص على التَّحْصِيل فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = أَنه قَالَ احرص على مَا ينفعك واستعن بِاللَّه وَلَا تعجز وَقَالَ يحيى بن أبي كثير لَا ينَال الْعلم براحة الْجِسْم وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يطْلب هَذَا الْعلم من يَطْلُبهُ بالتملل وغنى النَّفس فيفلح وَلَكِن من طلبه بذلة النَّفس وضيف الْعَيْش وخدمة الْعلمَاء أَفْلح وليبدأ بشيوخ بَلَده وَيَنْبَغِي أَن يتَخَيَّر الْمَشْهُور مِنْهُم بِطَلَب الحَدِيث الْمشَار إِلَيْهِ

بالإتقان لَهُ والمعرفة بِهِ وليأخذ المهم مِمَّا عِنْدهم فَقَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة من شغل نَفسه بِغَيْر المهم أضرّ بالمهم فَإِذا فرغ من ذَلِك فليرحل إِلَى غَيره من الْبِلَاد إِن ظهر لَهُ أَن فِي ذَلِك فَائِدَة فَإِن الْمَقْصُود بالرحلة أَمْرَانِ أَحدهمَا تَحْصِيل علو الْإِسْنَاد وَالثَّانِي لِقَاء الْحفاظ والمذاكرة لَهُم والاستفادة مِنْهُم فَإِذا كَانَ الْأَمْرَانِ موجودين فِي بَلَده ومعدومين فِي غَيره فَلَا فَائِدَة فِي الرحلة بِالنّظرِ إِلَى مَا يَقْصِدهُ وَإِذا كَانَا موجودين فِي بلد الطَّالِب وَفِي غَيره استحبت لَهُ الرحلة ليجمع الفائدتين من علو الإسنادين وَعلم الطَّائِفَتَيْنِ وَسَأَلَ عبد الله بن أَحْمد أَبَاهُ هَل ترى لطَالب الْعلم أَن يلْزم رجلا عِنْده علم فَيكْتب عَنهُ أَو يرحل إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الْعلم فَيسمع فِيهَا فَقَالَ يرحل فَيكْتب عَن الْكُوفِيّين والبصريين وَأهل الْمَدِينَة وَمَكَّة يشام النَّاس يسمع مِنْهُم وَالْأَصْل فِي الرحلة مَا رُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله أَنه قَالَ بَلغنِي حَدِيث عَن رَسُول الله ص = لم اسْمَعْهُ فابتعت بَعِيرًا فشددت عَلَيْهِ رجْلي وسرت شهرا حَتَّى قدمت الشَّام فَأتيت عبد الله بن أنيس فَقلت للبواب قل لَهُ جَابر على الْبَاب فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ جَابر بن عبد الله فَأَتَانِي فَقَالَ لي فَقلت نعم فَرجع فَأخْبرهُ فَقَامَ يطَأ ثَوْبه حَتَّى لَقِيَنِي فاعتنقني واعتنقته فَقلت حَدِيث بَلغنِي عَنْك سمعته من رَسُول الله ص = فِي الْقصاص وَلم أسمعهُ فَخَشِيت أَن تَمُوت أَو أَمُوت قبل أَن أسمعهُ

فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله ص = يَقُول يحْشر الله الْعباد أَو قَالَ النَّاس عُرَاة غرلًا بهما قُلْنَا مَا بهما قَالَ لَيْسَ مَعَهم شَيْء ثمَّ يناديهم رَبهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب أَنا الْملك أَنا الديَّان لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْجنَّة أَن يدْخل الْجنَّة ولأحد من أهل النَّار عِنْده مظْلمَة حَتَّى أقصه مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَة قُلْنَا كَيفَ وَإِنَّمَا نأتي الله عُرَاة غرلًا بهما قَالَ بِالْحَسَنَاتِ والسيئات ورحلة مُوسَى إِلَى الخضير مَعْرُوفَة وَهِي مَذْكُورَة على طَرِيق التَّفْصِيل فِي الصَّحِيح وَيَكْفِي فِي أَمر الرحلة قَوْله تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} وَلم يزل السّلف وَالْخلف من الْأَئِمَّة يعتنون بالرحلة قَالَ سعيد بن الْمسيب إِن كنت لأغيب اللَّيَالِي وَالْأَيَّام فِي طلب الحَدِيث الْوَاحِد وَقَالَ الشّعبِيّ فِي مَسْأَلَة كَانَ يرحل فِيمَا دونهَا إِلَى الْمَدِينَة وَقَالَ ابْن مَسْعُود لَو أعلم أحدا أعلم بِكِتَاب الله مني لرحلت إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة كُنَّا نسْمع عَن الصَّحَابَة فَلَا نرضى حَتَّى خرجنَا إِلَيْهِم فسمعنا مِنْهُم وليجل شَيْخه وَمن يسمع مِنْهُ فَذَلِك من إجلال الْعلم وَلَا يثقل عَلَيْهِ وَلَا يضجره فَإِن ذَلِك يُغير الأفهام وَيفْسد الْأَخْلَاق ويحيل الطباع وَمن فعل ذَلِك فَإِنَّهُ يخْشَى عَلَيْهِ أَن يحرم الِانْتِفَاع وَلَا يكن مِمَّن يمنعهُ الْحيَاء أَو الْكبر عَن كثير من الاستفادة والاستزادة فقد قَالَ مُجَاهِد لَا ينَال الْعلم مستحي وَلَا مستكبر وَقَالَ وَكِيع لَا ينبل الرجل من أَصْحَاب الحَدِيث حَتَّى يكْتب عَمَّن هُوَ فَوْقه وَعَمن هُوَ مثله وَعَمن هُوَ دونه

وليحذر من كتمان شَيْء لينفرد بِهِ عَن أضرابه فَإِن ذَلِك لؤم لَا يصدر إِلَّا من جهلة الطّلبَة الموصوفين بضعَة النَّفس وفاعل ذَلِك جدير بِأَن لَا ينْتَفع بِهِ قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قد رَأينَا أَقْوَامًا منعُوا هَذَا السماع فوَاللَّه مَا أفلحوا وَلَا نجحوا وَقَالَ ابْن عَبَّاس إخْوَانِي تناصحوا فِي الْعلم وَلَا يكتم بَعْضكُم بَعْضًا فَإِن خِيَانَة الرجل فِي علمه أَشد من خيانته فِي مَاله وَقد رُوِيَ عَن بعض الْأَئِمَّة أَنهم فعلوا ذَلِك وَهُوَ مَحْمُول على كتم ذَلِك عَمَّن لم يروه أَهلا لَا سِيمَا إِن كَانَ مِمَّن يحملهُ فرط التيه والإعجاب على المحاماة عَن الْخَطَأ والمماراة فِي الصَّوَاب فال الْخَلِيل بن أَحْمد لأبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى لَا تردن على معجب خطأ فيستفيد مِنْك علما ويتخذك بِهِ عدوا وَلَا يقْتَصر على سَماع الحَدِيث وكتابته دون مَعْرفَته وفهمه فَيكون مِمَّن أتعب نَفسه بِدُونِ أَن يظفر بطائل قَالَ الْخَطِيب وَلَو لم يكن فِي الِاقْتِصَار على سَماع الحَدِيث وتخليده الصُّحُف دون التَّمْيِيز بِمَعْرِِفَة صَحِيحه من فاسده وَالْوُقُوف على اخْتِلَاف وجوهه وَالتَّصَرُّف فِي أَنْوَاع علومه إِلَّا تلقيب الْمُعْتَزلَة الْقَدَرِيَّة من سلك تِلْكَ الطَّرِيقَة بالحشوية لوَجَبَ على الطَّالِب الأنفة لنَفسِهِ وَدفع ذَلِك عَنهُ وَعَن أَبنَاء جنسه وَمَا أحسن قَول الْقَائِل (إِن الَّذِي يروي وَلكنه ... يجهل مَا يروي وَمَا يكْتب) (كصخرة تنبع أمواهها ... تَسْقِي الأَرْض وَهِي لَا تشرب) وليقدم الْعِنَايَة أَولا بِمَعْرِِفَة مصطلح أهل الحَدِيث وَأحسن كتاب ألف فِي ذَلِك كتاب الْحَافِظ أبي عَمْرو عُثْمَان الْمَعْرُوف بِابْن الصّلاح قَالَ مُؤَلفه فِي آخر النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين فِي معرفَة آدَاب طَالب الحَدِيث ثمَّ إِن هَذَا الْكتاب مدْخل إِلَى هَذَا الشَّأْن مفصح عَن أُصُوله وفروعه شَارِح لمصطلحات أَهله ومقاصدهم

ومهماتهم الَّتِي ينقص الْمُحدث بِالْجَهْلِ بهَا نقصا فَاحِشا فَهُوَ إِن شَاءَ الله جدير بِأَن تقدم الْعِنَايَة بِهِ وَقد صَار معول كل من جَاءَ بعده وَقد جمع كثير من الْعلمَاء نكتا عَلَيْهِ تَتَضَمَّن إِمَّا تَقْيِيد مُطلق أَو إِيضَاح مغلق أَو غير ذَلِك من فَائِدَة مهمة فَيَنْبَغِي للمعنيين بِهَذَا الْأَمر الْوُقُوف عَلَيْهَا وتوجيه النّظر إِلَيْهَا ثمَّ ليبدأ بالصحيحين ثمَّ بسنن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ ثمَّ بِسَائِر مَا تمس حَاجَة صَاحب الحَدِيث إِلَيْهِ من كتب المساند وأهمها مُسْند أَحْمد وَمن كتب الْجَوَامِع المصنفة فِي الْأَحْكَام والمقدم مِنْهَا هُوَ موطأ مَالك وَمن كتب علل الحَدِيث وَمن أَجودهَا كتاب الْعِلَل عَن أَحْمد وَكتاب الْعِلَل عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَمن كتب معرفَة الرِّجَال وتواريخ الْمُحدثين وَمن أفضلهَا تَارِيخ البُخَارِيّ الْكَبِير وَكتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل لِابْنِ أبي حَاتِم وَقد اقتفى فِيهِ أثر البُخَارِيّ وَمن كتب الضَّبْط لمشكل الْأَسْمَاء وَمن أكملها كتاب الْإِكْمَال لأبي نصر بن مَاكُولَا وَلَا يجْهد نَفسه فِي الطّلب وَلَا يحملهَا مَا لَا تطِيق فَفِي الحَدِيث الصَّحِيح خُذُوا من الْأَعْمَال مَا تطيقون وَقَالَ الزُّهْرِيّ من طلب الْعلم جملَة فَاتَهُ جملَة وَقَالَ إِن هَذَا الْعلم إِن أَخَذته بالمكاثرة لَهُ غلبك وَلَكِن خُذْهُ مَعَ الْأَيَّام والليالي أخذا رَفِيقًا تظفر بِهِ وَلَا يغْفل عَن المذاكرة فَإِن لَهَا نفعا جزيلا قَالَ عَليّ بن أبي طَالب تَذَاكَرُوا هَذَا الحَدِيث وَإِلَّا تَفعلُوا يدرس وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود تَذَاكَرُوا الحَدِيث فَإِن حَيَاته مذاكرته وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ من سره أَن يحفظ الحَدِيث فليحدث بِهِ وَلَو أَن يحدث بِهِ من لَا يشتهيه وَقَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد ذَاكر بعلمك تذكر مَا عنْدك وتستفد مَا لَيْسَ عنْدك وليشتغل بالتخريج والتأليف والتصنيف إِذا استعد لذَلِك فقد قَالَ بعض الْعلمَاء قَلما يمهر فِي علم الحَدِيث وَيقف على غوامضه ويستبين الْخَفي من فَوَائده إِلَّا من جمع مُتَفَرِّقه وَألف متشتته وَضم بعضه إِلَى بعض واشتغل

بتصنيف أبوابه وترتيب أصنافه فَإِن ذَلِك الْفِعْل مِمَّا يُقَوي النَّفس وَيثبت الْحِفْظ ويذكي الْقلب ويشحذ الطَّبْع ويبسط اللِّسَان ويجيد الْبَيَان ويكشف المشتبه ويوضح الملتبس ويكسب أَيْضا جميل الذّكر ويخلده إِلَى آخر الدَّهْر كَمَا قَالَ الشَّاعِر (يَمُوت قوم فيحيي الْعلم ذكرهم ... وَالْجهل يلْحق أَمْوَاتًا بأموات) والتأليف أَعم من التَّخْرِيج والتصنيف والانتقاء إِذا التَّأْلِيف مُطلق الضَّم والتخريج إِخْرَاج الْمُحدث الْأَحَادِيث من الْكتب وسوقها بروايته أَو رِوَايَة بعض شُيُوخه أَو نَحْو ذَلِك وَالْكَلَام عَلَيْهَا وعزوها لمن رَوَاهَا من أَصْحَاب الْكتب والدواوين وَقد يُطلق على مُجَرّد الْإِخْرَاج والعزو والتصنيف جعل كل صنف على حِدة وَقد يُطلق على مُجَرّد الضَّم والانتقاء إِخْرَاج مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْكتب وللعلماء فِي تصنيف الحَدِيث وَجمعه طَرِيقَانِ إِحْدَاهمَا التصنيف على الْأَبْوَاب وَهُوَ تَخْرِيجه على أحكما الْفِقْه وَغَيره وتنويعه أنواعا وَجمع مَا ورد فِي كل حكم وكل نوع فِي بَاب بِحَيْثُ يتَمَيَّز مَا يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ مثلا عَمَّا يتَعَلَّق بالصيام وَأهل هَذِه الطَّرِيقَة مِنْهُم من اقْتصر على إِيرَاد مَا صَحَّ فَقَط كالشيخين وَمِنْهُم من لم يقْتَصر على ذَلِك كَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ الثَّانِيَة التصنيف على المساند وَهُوَ أَن يجمع فِي تَرْجَمَة كل صَحَابِيّ مَا عِنْده من حَدِيثه سَوَاء كَانَ صَحِيحا أَو غير صَحِيح ويجعله على حِدة وَإِن اخْتلفت أَنْوَاعه وَأهل هَذِه الطَّرِيقَة مِنْهُم من رتب أَسمَاء الصَّحَابَة على حُرُوف المعجم كالطبراني فِي المعجم الْكَبِير والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة الَّتِي لم تكمل وَهَذَا أسهل تناولا وَمِنْهُم من رتبها على الْقَبَائِل فَقدم بني هَاشم ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَى رَسُول الله ص = فِي النّسَب وَمِنْهُم من رتبها على السَّبق فِي الْإِسْلَام فَقدم الْعشْرَة ثمَّ أهل بدر ثمَّ أهل

الْحُدَيْبِيَة ثمَّ من أسلم وَهَاجَر بَين الْحُدَيْبِيَة وَالْفَتْح ثمَّ من أسلم يَوْم الْفَتْح ثمَّ أصاغر الصَّحَابَة سنا كالسائب بن يزِيد وَأبي الطُّفَيْل وَختم بِالنسَاء وَقد سلك ابْن حبَان فِي صَحِيحه طَريقَة ثَالِثَة فرتبه على خَمْسَة أَقسَام وَهِي الْأَوَامِر والنواهي وَالْأَخْبَار عَمَّا احْتِيجَ إِلَى مَعْرفَته كبدء الْوَحْي والإسراء وَمَا فضل بِهِ نَبينَا على سَائِر الْأَنْبِيَاء والإباحات وأفعال النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِمَّا اخْتصَّ بِهِ وَنَوع كل وَاحِد من هَذِه الْخَمْسَة إِلَى أَنْوَاع وَلَقَد أغرب فِي ذَلِك كَمَا أغرب بعض الْمُحدثين فِي بَيَان سَبَب إغرابه حَيْثُ قَالَ صَحِيح ابْن حبَان ترتيبه مخترع لَيْسَ على الْأَبْوَاب وَلَا على المساند وَلِهَذَا سَمَّاهُ التقاسيم والأنواع وَسَببه أَنه كَانَ عَارِفًا بالْكلَام والنجوم والفلسفة وَلِهَذَا تلكم فِيهِ وَنسب إِلَى الزندقة وكادوا يحكمون بقتْله ثمَّ نفي من سجستان إِلَى سَمَرْقَنْد والكشف من كِتَابه عسير جدا وَقد رتبه بعض الْمُتَأَخِّرين على الْأَبْوَاب وَعمل لَهُ الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْعِرَاقِيّ أطرافا وجرد الْحَافِظ أَبُو الْحسن الهيثمي زائده على الصَّحِيحَيْنِ فِي مُجَلد وَلَهُم فِي جمع الحَدِيث طرق أُخْرَى مِنْهَا جمعه على حُرُوف المعجم فَيجْعَل مثلا حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فِي حرف الْألف وَقد جرى على ذَلِك أَبُو مَنْصُور الديلمي فِي مُسْند الفردوس وَابْن طَاهِر فِي أَحَادِيث كتاب الْكَامِل لِابْنِ عدي وَمِنْهَا جمعه على الْأَطْرَاف وَذَلِكَ بِأَن يذكر طرف الحَدِيث ثمَّ يجمع أسانيده إِمَّا مَعَ عدم التقيد بكتب مَخْصُوصَة أَو مَعَ التقيد بهَا وَذَلِكَ مثل مَا فعل أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن ثَابت الْعِرَاقِيّ فِي أَطْرَاف الْكتب الْخَمْسَة والمزي فِي أَطْرَاف الْكتب السِّتَّة وَابْن حجر فِي أَطْرَاف الْكتب الْعشْرَة وَمن أَعلَى الْمَرَاتِب فِي تصنيف الحَدِيث تصنيفه مُعَللا بِأَن يجمع فِي كل حَدِيث طرقه وَاخْتِلَاف الروَاة فِيهِ فَإِن معرفَة الْعِلَل أجل أَنْوَاع الحَدِيث وَبهَا يظْهر إرْسَال مَا يكون مُتَّصِلا أَو وقف مَا يكون مَرْفُوعا وَغير ذَلِك من الْأُمُور المهمة

وَقَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بَاب إِذا أعتق عبدا مُشْتَركا بَين اثْنَيْنِ أَو أمة بَين الشُّرَكَاء حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي ص = قَالَ من أعتق عبدا بَين اثْنَيْنِ فَإِن كَانَ مُوسِرًا قوم عَلَيْهِ ثمَّ يعْتق حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله ص = قَالَ من أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد قوم العَبْد عَلَيْهِ قيمَة عدل فَأعْطى شركاءه حصصهم وَعتق عَلَيْهِ العَبْد وَإِلَّا فقد عتق مِنْهُ مَا عتق حَدثنَا عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن

وَالَّذين صنفوا فِي الْعِلَل مِنْهُم من رتب كِتَابه على الْأَبْوَاب كَابْن أبي حَاتِم وَهُوَ أحسن لسُهُولَة تنَاوله وَمِنْهُم من رتب كِتَابه على المساند كالحافظ الْكَبِير الْفَقِيه الْمَالِكِي يَعْقُوب بن شيبَة الْبَصْرِيّ نزيل بَغْدَاد أَخذ عَن أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَتُوفِّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ ومئتين فَإِنَّهُ ألف مُسْندًا مُعَللا غير أَنه لم يتم وَلَو تمّ لَكَانَ فِي نَحْو مئتي مُجَلد وَالَّذِي تمّ مِنْهُ هُوَ مُسْند الْعشْرَة وَالْعَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَعتبَة بن غَزوَان وَبَعض الموَالِي وعمار وَيُقَال إِن مُسْند عَليّ مِنْهُ فِي خمس مجلدات وَيُقَال إِنَّه كَانَ فِي منزله أَرْبَعُونَ لحافا أعدهَا لمن كَانَ يبيت عِنْده من الوراقين الَّذِي يبيضون الْمسند وَلَزِمَه على مَا خرج من الْمسند عشرَة آلَاف دِينَار قَالَ بعض الْمَشَايِخ إِنَّه لم يتم مُسْند مُعَلل قطّ هَذَا وَقد جرت عَادَة أهل الحَدِيث أَن يفردوا بِالْجمعِ والتأليف بعض الْأَبْوَاب والشيوخ والتراجم والطرق أما الْأَبْوَاب فقد أفرد بعض الْأَئِمَّة بَعْضهَا بالتصنيف وَذَلِكَ كباب رفع الْيَدَيْنِ فقد أفرده البُخَارِيّ بالتصنيف وَكَذَلِكَ بَاب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام وكباب الْقَضَاء بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد فقد أفرده الدَّارَقُطْنِيّ بالتصنيف وكباب الْقُنُوت فقد أفرده ابْن مندة بالتصنيف وكباب الْبَسْمَلَة فقد أفرده ابْن عبد الْبر وَغَيره بذلك وَغير ذَلِك وَأما الشُّيُوخ فقد جمع بعض الْعلمَاء حَدِيث شُيُوخ مخصوصين كل وَاحِد مِنْهُم على انْفِرَاده فَجمع الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدِيث الْأَعْمَش وَجمع النَّسَائِيّ حَدِيث الفضيل بن عِيَاض وَجمع غَيرهمَا غير ذَلِك وَأما التراجم فقد جمعُوا مَا جَاءَ بترجمة وَاحِدَة من الحَدِيث كمالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وكسهيل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وكهشام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَنَحْو ذَلِك

وَأما الطّرق فقد جمعُوا طرق بعض الْأَحَادِيث وَذَلِكَ كَحَدِيث قبض الْعلم فقد جمع طرقه الطوسي وَحَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا فقد جمع طرقه بعض الْمُحدثين وَغير ذَلِك الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قد ذكرنَا فِيمَا سبق أَن طَالب علم الحَدِيث يَنْبَغِي لَهُ أَن يقدم الْعِنَايَة أَولا بِمَعْرِِفَة مصطلح أَهله ثمَّ يَبْتَدِئ بالصحيحين ثمَّ بسنن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ ثمَّ بِسَائِر مَا تمس حَاجَة طَالب علم الحَدِيث إِلَيْهِ وَمن كتب المساند وَكتب الْجَوَامِع المصنفة فِي الْأَحْكَام وَكتب علل الحَدِيث وَكتب معرفَة الرِّجَال وتواريخ الْمُحدثين وَذكرنَا مَا يتَعَلَّق بالصحيحين على وَجه يشرف النَّاظر فِيهِ على حَقِيقَة أَمرهمَا وَيعرف أَن لصاحبيهما من الْفضل مَا لَا يقدر قدرَة إِلَّا من عرف مِقْدَار عنائهما فِيمَا تصديا لَهُ وعنايتهما بإفادة النَّاس وَقد أحببنا أَن ننبه الطَّالِب هُنَا على أُمُور يَنْبَغِي لَهُ أَن يقف عَلَيْهَا قبل الشُّرُوع فِيهَا ليَأْخُذ لِلْأَمْرِ عدته من قبل فَعَسَى أَن يصبح بذلك عَمَّا قريب معدودا من ذَوي الإتقان بل الإيقان عِنْد أهل هَذَا الشَّأْن الْأَمر الأول قد قسم الْعلمَاء الحَدِيث الصَّحِيح بِاعْتِبَار تفَاوت درجاته فِي الْقُوَّة إِلَى سَبْعَة أَقسَام وَفَائِدَة هَذَا التَّقْسِيم تظهر عِنْد التَّعَارُض والاضطرار إِلَى التَّرْجِيح الْقسم الأول مَا أحْرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم الْقسم الثَّانِي مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ عَن مُسلم الْقسم الثَّالِث مَا انْفَرد بِهِ مُسلم عَن البُخَارِيّ الْقسم الرَّابِع مَا هُوَ على شَرطهمَا وَلَكِن لم يُخرجهُ وَاحِد مِنْهُمَا

الْقسم الْخَامِس مَا هُوَ على شَرط البُخَارِيّ وَلَكِن لم يُخرجهُ الْقسم السَّادِس مَا هُوَ على شَرط مُسلم وَلَكِن لم يُخرجهُ الْقسم السَّابِع مَا لَيْسَ على شَرطهمَا وَلَا شَرط وَاحِد مِنْهُمَا وَلكنه صَحَّ عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث وكل قسم من هَذِه الْأَقْسَام يحكم لَهُ بالرجحان على مَا بعده وَهَذَا الحكم إِنَّمَا يُؤْخَذ بِهِ فِي الْجُمْلَة وَلذَا قَالَ إِنَّه يسوغ أَن يحكم برجحان حَدِيث على حَدِيث آخر يكون من الْقسم الَّذِي هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِي الدرجَة إِذا وجد لَهُ من زِيَادَة التَّمَكُّن من شُرُوط الصِّحَّة مَا يَجعله أرجح مِنْهُ وعَلى ذَلِك فيرجح مَا انْفَرد بِهِ مُسلم إِذا رُوِيَ من طرق مُخْتَلفَة على مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ إِذا لم يرو إِلَّا من طَرِيق وَاحِدَة ويرجح مَا أخرجه غَيرهمَا إِذا ورد بِإِسْنَاد يُقَال فِيهِ إِنَّه أصح إِسْنَادًا على مَا أخرجه أَحدهمَا لَا سِيمَا إِن كَانَ فِي إِسْنَاده من فِيهِ مقَال وَقَالَ بعض الْحفاظ مؤيدا لذَلِك قد يعرض للمفوق مَا يَجعله فائقا وَذَلِكَ كَأَن يتَّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاج حَدِيث غَرِيب وَيخرج مُسلم أَو غَيره حَدِيثا مَشْهُورا أَو مِمَّا وصفت تَرْجَمته بِكَوْنِهَا أصح الْأَسَانِيد وَبِذَلِك يعلم أَن مُرَادهم بترجيح صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم إِنَّمَا هُوَ تَرْجِيح الْجُمْلَة على الْجُمْلَة لَا تَرْجِيح كل فَرد من أَحَادِيثه على كل فَرد من أَحَادِيث الآخر وَهنا أَمر يَنْبَغِي الانتباه لَهُ وَهُوَ أَن بعض الْعلمَاء يظنون أَن صَاحِبي الصَّحِيحَيْنِ يكتفيان فِي التَّصْحِيح بِمُجَرَّد النّظر إِلَى حَال الرَّاوِي فِي الْعَدَالَة والضبط وَعدم الْإِرْسَال من يغر نظر إِلَى غير ذَلِك وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا يظنون بل ينظرُونَ مَعَ ذَلِك إِلَى حَال من روى عَنهُ فِي كَثْرَة ملازمته لَهُ أَو قلتهَا أَو كَونه من بَلَده ممارسا لحديثه أَو غَرِيبا عَن بلد من أَخذ عَنهُ إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور المهمة الغامضة الَّتِي لَا يشْعر بهَا إِلَّا من أمعن النّظر فِيهَا مَعَ البراعة فِي الحَدِيث وأصوله وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك بعض الْحفاظ حَيْثُ قَالَ مجيبا لمن سَأَلَهُ عَن شَرط البُخَارِيّ

وَمُسلم لهَذَا رجال يروي عَنْهُم يخْتَص بهم وَلِهَذَا رجال يروي عَنْهُم يخْتَص بهم وهما مشتركان فِي رجال آخَرين وَهَؤُلَاء الَّذين اتفقَا عَلَيْهِم عَلَيْهِم مدَار الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَقد يروي أحدهم عَن رجل فِي المتابعات والشواهد دون الأَصْل وَقد يروي عَنهُ مَا عرف من طَرِيق غَيره وَلَا يروي مَا انْفَرد بِهِ وَقد يتْرك من حَدِيث الثِّقَة مَا علم أَنه أَخطَأ فِيهِ فيظن من لَا خبْرَة لَهُ أَن لَك مَا رَوَاهُ ذَلِك الشَّخْص يحْتَج بِهِ أَرْبَاب الصَّحِيح وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَعلم علل الحَدِيث علم شرِيف يعرفهُ أَئِمَّة الْفَنّ كيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ صَاحب الصَّحِيح وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم وَهِي عُلُوم يعرفهَا أَصْحَابهَا الْأَمر الثَّانِي قد عرفت أَن الْخَبَر إِن كَانَ متواترا أَفَادَ الْعلم قطعا وَإِن كَانَ غير متواتر بل كَانَ خبر آحَاد لم يفد الْعلم قطعا غير أَن فِي أَخْبَار الْآحَاد مَا يرْوى على وَجه تسكن إِلَيْهِ النَّفس بِحَيْثُ يُفِيد غَلَبَة الظَّن وَهِي قد تسمى علما وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن أَخْبَار الْآحَاد إِذا كَانَت مخرجة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو فِي أَحدهمَا تفِيد الْعلم قطعا لتلقي الْأمة لَهما بِالْقبُولِ وَأنكر الْجُمْهُور ذَلِك وَقَالُوا إِن أَخْبَار الْآحَاد لَا تفِيد الْعلم قطعا وَلَو كَانَت مخرجة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا وتلقي الْأمة لَهما بِالْقبُولِ إِنَّمَا يُفِيد وجوب الْعَمَل بِمَا فيهمَا بِنَاء على أَن الْأمة مأمورة بِالْأَخْذِ بِكُل خبر يغلب على الظَّن صدقه وَلَا يُفِيد أَن مَا فيهمَا ثَابت فِي نفس الْأَمر قطعا وَذَلِكَ كَالْقَاضِي فَإِنَّهُ مَأْمُور بالحكم بِشَهَادَة من كَانَ عدلا فِي الظَّاهِر وَكَونه مَأْمُورا بذلك لَا يدل على أَن شَهَادَة الْعدْل لَا بُد أَن تكون مُطَابقَة للْوَاقِع وثابتة فِي نفس الْأَمر لاحْتِمَال أَن يكون قد شهد بِخِلَاف الْوَاقِع إِمَّا لوهم وَقع لَهُ إِذا كَانَ

عدلا فِي نفس الْأَمر أَو لكذب لم يتحرج مِنْهُ إِذا كَانَ عدلا فِيمَا يَبْدُو للنَّاس فَقَط وَالْقَاضِي على كل حَال قد قَامَ بِمَا وَجب عَلَيْهِ وَقد اسْتثْنى من ذهب إِلَى أَن أَخْبَار الْآحَاد إِذا كَانَت مخرجة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو فِي أَحدهمَا تفِيد الْعلم قطعا بعض الْأَحَادِيث من ذَلِك وَهِي الْأَحَادِيث الَّتِي تكلم فِيهَا بعض أهل النَّقْد من الْحفاظ كالدارقطني وَغَيره قَالَ وَهِي مَعْرُوفَة عِنْد أهل هَذَا الشَّأْن فَإِذا عرفت هَذَا ظهر لَك أَنه يجب على من أَرَادَ أَن يعرف الصَّحِيحَيْنِ على وَجه الإتقان أَن يعرف هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي انتقدت وَينظر فِيمَا أورد عَلَيْهَا فَمَا لم يجد عَنهُ جَوَابا سديدا غَادَرَهُ فِي الْمُسْتَثْنى وَمَا وجد عَنهُ جَوَابا سديدا أخرجه مِنْهُ وَحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ إِمَّا فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن إِن كَانَ مِمَّن يَأْخُذ بِهَذَا الْمَذْهَب أَو فِي الظَّاهِر فَقَط إِن كَانَ مِمَّن يَأْخُذ بِمذهب الْجُمْهُور وَقد قسموا الْأَحَادِيث الَّتِي انتقدت عَلَيْهِمَا سِتَّة أَقسَام الْقسم الأول مَا تخْتَلف الرِّوَايَة فِيهِ بِالزِّيَادَةِ أَو النَّقْص من رجال الْإِسْنَاد فَإِن أخرج صَاحب الصَّحِيح الطَّرِيق المزيدة وأعل المنتقد ذَلِك بِالطَّرِيقِ النَّاقِصَة ينظر فَإِن كَانَ الرَّاوِي قد سَمعه فَالزِّيَادَة لَا تضر لِأَنَّهُ يكون قد سَمعه بِوَاسِطَة عَن شَيْخه ثمَّ لقِيه فَسَمعهُ مِنْهُ وَإِن كَانَ لم يسمعهُ فِي الطَّرِيق النَّاقِصَة فَهُوَ مُنْقَطع والمنقطع من قسم الضَّعِيف والضعيف لَا يعل الصَّحِيح وَإِن أخرج صَاحب الصَّحِيح الطَّرِيق النَّاقِصَة وأعل المنتقد ذَلِك بِالطَّرِيقِ المزيدة ينظر فَإِن كَانَ ذَلِك الرَّاوِي صحابيا أَو ثِقَة غير مُدَلّس فقد أدْرك من روى عَنهُ إدراكا بَينا أَو صرح بِالسَّمَاعِ من طَرِيق أُخْرَى إِن كَانَ مدلسا انْدفع الِاعْتِرَاض وَثَبت عدم الِانْقِطَاع فِيمَا صَححهُ صَاحب الصَّحِيح وَإِلَّا ثَبت الِانْقِطَاع وَحِينَئِذٍ يُجَاب أَن صَاحب الصَّحِيح إِنَّمَا يخرج مثل ذَلِك إِذا كَانَ لَهُ متابع وعاضد وحفته قرينَة تقويه فَيكون التَّصْحِيح قد وَقع من حَيْثُ الْمَجْمُوع

وَقد وَقع فِي البُخَارِيّ وَمُسلم من ذَلِك حَدِيث الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس فِي قصَّة القبرين وَإِن أَحدهمَا كَانَ لَا يستبرئ من بَوْله قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ خَالف مَنْصُور فَقَالَ عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس وَأخرج البُخَارِيّ حَدِيث مَنْصُور على إِسْقَاط طَاوس وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرج الحَدِيث رَوَاهُ مَنْصُور عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس وَحَدِيث الْأَعْمَش أصح يَعْنِي المتضمن للزِّيَادَة قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَهَذَا فِي التَّحْقِيق لَيْسَ بعلة لِأَن مُجَاهدًا لم يُوصف بالتدليس وسماعه من ابْن عَبَّاس صَحِيح فِي جملَة الْأَحَادِيث وَمَنْصُور عِنْدهم أتقن من الْأَعْمَش مَعَ أَن الْأَعْمَش أَيْضا من الْحفاظ فَالْحَدِيث كَيْفَمَا دَار دَار على ثِقَة والإسناد كَيْفَمَا دَار كَانَ مُتَّصِلا فَمثل هَذَا لَا يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث إِذا لم يكن رَاوِيه مدلسا وَقد أَكثر الشَّيْخَانِ من تَخْرِيج مثل هَذَا وَلم يستوعب الدَّارَقُطْنِيّ انتقاده الْقسم الثَّانِي مَا تخْتَلف الروَاة فِيهِ بتغيير بعض الْإِسْنَاد فَإِن أمكن الْجمع وَلم يقْتَصر صَاحب الصَّحِيح على أحد الْوَجْهَيْنِ أَو الْأَوْجه لكَون الْمُخْتَلِفين متعادلين فِي الْحِفْظ وَنَحْوه لم يكن فِي ذَلِك شَيْء وَذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيث البُخَارِيّ فِي بَدْء الْخلق من حَدِيث إِسْرَائِيل عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور جَمِيعًا عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي ص = فِي غَار فَنزلت والمرسلات قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يُتَابع إِسْرَائِيل عَن الْأَعْمَش عَن عَلْقَمَة أما عَن مَنْصُور فتابعه شَيبَان عَنهُ وَكَذَا رَوَاهُ مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم عَنهُ وَقد حكى البُخَارِيّ الْخلاف فِي ذَلِك وَإِن لم يُمكن الْجمع وَكَانَ المختلفون متفاوتين فِي الْحِفْظ وَنَحْوه فَإِذا أخرج صَاحب الصَّحِيح الطَّرِيق الراجحة وَأعْرض عَن غَيرهَا أَو أَشَارَ إِلَيْهَا لم يكن فِي ذَلِك شَيْء أَيْضا فَإِن مُجَرّد الِاخْتِلَاف غير قَادِح إِذْ لَا يلْزم من مُجَرّد الِاخْتِلَاف اضْطِرَاب يُوجب الضعْف وَفِي البُخَارِيّ من هَذَا حَدِيث اللَّيْث عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب عَن جَابر أَن النَّبِي ص = كَانَ يجمع بَين قَتْلَى أحد وَيقدم أقرأهم

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا وَرَوَاهُ معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي صعير عَن جَابر وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن كثير عَن الزُّهْرِيّ حَدثنِي من سمع جَابِرا وَهُوَ حَدِيث مُضْطَرب قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر أطلق الدَّارَقُطْنِيّ القَوْل بِأَنَّهُ مُضْطَرب مَعَ إِمْكَان نفي الِاضْطِرَاب عَنهُ بِأَن يُفَسر الْمُبْهم بِالَّذِي فِي رِوَايَة اللَّيْث وَتحمل رِوَايَة معمر على أَنه سَمعه من شيخين وَأما رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ الْمُرْسلَة فقصر فِيهَا بِحَذْف الْوَاسِطَة فَهَذِهِ طَريقَة من يَنْفِي الِاضْطِرَاب عَنهُ وَقد سَاق البُخَارِيّ ذكر الْخلاف فِيهِ وَإِنَّمَا أخرج رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ مَعَ انقطاعها لِأَن الحَدِيث عِنْده عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ جَمِيعًا عَن الزُّهْرِيّ فأسقط الْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وأثبته اللَّيْث وهما فِي الزُّهْرِيّ سَوَاء وَقد صرحا بسماعهما لَهُ مِنْهُ فَقبل زِيَادَة اللَّيْث لِثِقَتِهِ ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن كثير عَن الزُّهْرِيّ عَمَّن سمع جَابِرا وَأَرَادَ بذلك إِثْبَات الْوَاسِطَة بَين الزُّهْرِيّ وَبَين جَابر فِيهِ فِي الْجُمْلَة وتأكيد رِوَايَة اللَّيْث بذلك وَلم يرهَا عِلّة توجب اضطرابا وَأما رِوَايَة معمر فقد وَافقه عَلَيْهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن أبي صعير وَقَالَ ثبتني فِيهِ معمر فَرَجَعت رِوَايَته إِلَى رِوَايَة معمر الْقسم الثَّالِث مَا تفرد بعض الروَاة بِزِيَادَة فِيهِ عَمَّن هُوَ أَكثر عددا أَو اضبط فَهَذَا لَا يُؤثر الإعلال بِهِ إِلَّا إِن كَانَت تِلْكَ الزِّيَادَة فِيهَا مُنَافَاة بِحَيْثُ يتَعَذَّر الْجمع أما إِن كَانَت تِلْكَ الزِّيَادَة لَا مُنَافَاة فِيهَا فَلَا إِذْ تكون كالحديث المستقل إِلَّا أَن يَتَّضِح بالدلائل أَن تِلْكَ الزِّيَادَة مدرجة من كَلَام بعض الروَاة وَمِثَال ذَلِك مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من طَرِيق ابْن أبي عرُوبَة وَجَرِير بن حَازِم عَن قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة من أعتق شِقْصا وذكرا فِيهِ الِاسْتِسْعَاء

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَا انتقده عَلَيْهِمَا قد رَوَاهُ شُعْبَة وَهِشَام وهما أثبت النَّاس فِي قَتَادَة فَلم يذكرَا الِاسْتِسْعَاء وَوَافَقَهُمَا همام وَفصل الِاسْتِسْعَاء من الحَدِيث وَجعله من قَول قَتَادَة وَهُوَ الصَّوَاب وَقَالَ الْأصيلِيّ وَابْن الْقطَّان وَغَيرهمَا من أسقط السّعَايَة فِي الحَدِيث أولى مِمَّن ذكرهَا لِأَنَّهَا لَيست فِي الْأَحَادِيث الْأُخَر من رِوَايَة ابْن عمر وَقَالَ ابْن عبد الْبر الَّذين لم يذكرُوا السّعَايَة أثبت مِمَّن ذكروها وَقَالَ غَيره وَقد اخْتلف فِيهَا عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة فَتَارَة ذكرهَا وَتارَة لم يذكرهَا فَدلَّ على أَنَّهَا لَيست من متن الحَدِيث كَمَا قَالَ غَيره قَالَ مُسلم فِي صَحِيحه فِي كتاب الْعتْق حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ قلت لمَالِك حَدثَك نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = من أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد قوم عَلَيْهِ قيمَة الْعدْل فَأعْطِي شركاؤه حصصهم وَعتق عَلَيْهِ العَبْد وَإِلَّا فقد عتق مِنْهُ مَا عتق وحدثناه قُتَيْبَة بن سعيد وَمُحَمّد بن رمح جَمِيعًا عَن اللَّيْث بن سعد ح وَحدثنَا شَيبَان بن فروخ حَدثنَا جرير بن حَازِم ح وَحدثنَا أَبُو الرّبيع وَأَبُو كَامِل قَالَا حَدثنَا حَمَّاد حَدثنَا أَيُّوب ح وَحدثنَا ابْن نمير حَدثنَا أبي حَدثنَا عبيد الله ح وَحدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا عبد الْوَهَّاب قَالَ سَمِعت يحيى بن سعيد

ح وحَدثني إِسْحَاق بن مَنْصُور أخبرنَا عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج أَخْبرنِي إِسْمَاعِيل بن أُميَّة ح وَحدثنَا هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي حَدثنَا ابْن وهب أَخْبرنِي أُسَامَة ح وَحدثنَا مُحَمَّد بن رَافع حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب كل هَؤُلَاءِ عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِمَعْنى حَدِيث مَالك عَن نَافِع وَحدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَابْن بشار وَاللَّفْظ لِابْنِ الْمثنى قَالَا حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ فِي الْمَمْلُوك بَين الرجلَيْن فَيعتق أَحدهمَا قَالَ يضمن وحَدثني عَمْرو النَّاقِد حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ من أعتق شِقْصا لَهُ فِي عبد فخلاصه فِي مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال فَإِن لم يكن لَهُ مَال استسعي العَبْد غير مشقوق عَلَيْهِ وحدثناه عَليّ بن خشرم أخبرنَا عِيسَى يَعْنِي ابْن يُونُس عَن سعيد بن أبي عرُوبَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَزَاد إِن لم يكن لَهُ مَال قوم عَلَيْهِ العَبْد قيمَة عدل ثمَّ يستسعى فِي نصيب الَّذِي لم يعْتق غير مشقوق عَلَيْهِ حَدثنِي هَارُون بن عبد الله حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا أبي قَالَ سَمِعت قَتَادَة يحدث بِهَذَا الْإِسْنَاد بِمَعْنى حَدِيث ابْن أبي عرُوبَة وَذكر فِي الحَدِيث قوم عَلَيْهِ قيمَة عدل

ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = من أعتق شركا لَهُ فِي مَمْلُوك فَعَلَيهِ عتقه كُله إِن كَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمنه فَإِن لم يكن لَهُ مَال يقوم عَلَيْهِ قيمَة عدل على الْمُعْتق فَأعتق مَا أعتق حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا بشر عَن عبيد الله اخْتَصَرَهُ حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = قَالَ (من أعتق نَصِيبا لَهُ فِي مَمْلُوك أَو شركا لَهُ فِي عبد وَكَانَ لَهُ من المَال مَا يبلغ قِيمَته بِقِيمَة الْعدْل فَهُوَ عَتيق) قَالَ نَافِع وَإِلَّا فقد عتق مِنْهُ مَا عتق قَالَ أَيُّوب لَا أَدْرِي أَشَيْء قَالَه نَافِع أَو شَيْء فِي الحَدِيث حَدثنَا أَحْمد بن مِقْدَام حَدثنَا الفضيل بن سُلَيْمَان حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة أَخْبرنِي نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُفْتِي فِي العَبْد أَو الْأمة يكون بَين الشُّرَكَاء فَيعتق أحدهم نصِيبه مِنْهُ يَقُول قد وَجب عَلَيْهِ عتقه كُله إِذا كَانَ للَّذي أعتق من المَال مَا يبلغ يقوم من مَاله قيمَة الْعدْل وَيدْفَع إِلَى الشُّرَكَاء أنصباؤهم ويخلى سَبِيل الْمُعْتق يخبر ذَلِك ابْن عمر عَن النَّبِي ص = وَرَوَاهُ اللَّيْث وَابْن أبي ذِئْب وَابْن إِسْحَاق وَجُوَيْرِية وَيحيى بن سعيد وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = مُخْتَصرا بَاب إِذا أعتق نَصِيبا فِي عبد وَلَيْسَ لَهُ مَال استسعي العَبْد غير مشقوق عَلَيْهِ على نَحْو الْكِتَابَة حَدثنَا أَحْمد بن أبي رَجَاء حَدثنَا يحيى بن آدم حَدثنَا جرير بن حَازِم قَالَ سَمِعت قَتَادَة قَالَ حَدثنِي النَّضر بن أنس بن مَالك عَن بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي ص = (من أعتق شقيصا من عبد)

وَحدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي ص = قَالَ (من أعتق نَصِيبا أَو شقيصا فِي مَمْلُوك فخلاصه عَلَيْهِ فِي مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال وَإِلَّا قوم عَلَيْهِ فاستسعي بِهِ غير مشقوق عَلَيْهِ) تَابعه حجاج بن حجاج وَأَبَان ومُوسَى بن خلف عَن قَتَادَة اخْتَصَرَهُ شُعْبَة قَالَ بعض شرَّاح البُخَارِيّ عِنْد ذكر قَوْله تَابعه حجاج بن حجاج وَأَبَان ومُوسَى بن خلف عَن قَتَادَة أَرَادَ الْمُؤلف بِهَذَا الرَّد على من زعم أَن الِاسْتِسْعَاء فِي هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ وَأَن سعيد بن أبي عرُوبَة تفرد بِهِ فاستظهر لَهُ بِرِوَايَة جرير بن حَازِم لموافقته ثمَّ ذكر ثَلَاثَة تابعوهما على ذكرهَا فنفى عَنهُ التفرد ثمَّ قَالَ وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَة وَكَأَنَّهُ جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر وَهُوَ أَن شُعْبَة أحفظ النَّاس لحَدِيث قَتَادَة فَكيف ترك ذكر الِاسْتِسْعَاء فَأجَاب بِأَن هَذَا لَا يُؤثر فِيهِ ضعفا لِأَنَّهُ أوردهُ مُخْتَصرا وَغَيره أوردهُ بِتَمَامِهِ وَالْعدَد الْكثير أولى بِالْحِفْظِ من الْوَاحِد وَرِوَايَة شُعْبَة أخرجهَا مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق غنْدر عَنهُ عَن قَتَادَة بِإِسْنَادِهِ وَلَفظه عَن النَّبِي ص = فِي الْمَمْلُوك بَين الرجلَيْن فَيعتق أَحدهمَا نصِيبه وَقَالَ يضمن وَمن طَرِيق معَاذ عَن شُعْبَة بِلَفْظ من أعتق شِقْصا من مَمْلُوك فَهُوَ حر من مَاله وَقد اختصر ذكر السّعَايَة هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة إِلَّا أَنه اخْتلف عَلَيْهِ فِي إِسْنَاده فَمنهمْ من ذكر فِيهِ النَّضر بن أنس وَمِنْهُم من لم يذكرهُ وَذهب جمَاعَة من الْعلمَاء إِلَى أَن الِاسْتِسْعَاء مدرج فِي الحَدِيث من كَلَام قَتَادَة

كَمَا رَوَاهُ همام بن يحيى عَن قَتَادَة بِلَفْظ أَن رجلا أعتق شِقْصا من مَمْلُوك فَأجَاز النَّبِي ص = عتقه وغرمه بَقِيَّة ثمنه قَالَ قَتَادَة إِن لم يكن لَهُ مَال استسعي العَبْد غير مشقوق عَلَيْهِ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ والخطابي وأبى ذَلِك جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخَانِ فصححوا كَون الْجمع مَرْفُوعا وَرجح ذَلِك ابْن دَقِيق الْعِيد وَذَلِكَ لِأَن سعيد بن أبي عرُوبَة أعرف بِحَدِيث قَتَادَة فَإِنَّهُ كَانَ أَكثر مُلَازمَة لَهُ وأخذا عَنهُ من همام وَغَيره وَهَمَّام وَشعْبَة وَإِن كَانَا أحفظ من سعيد لَكِن مَا روياه لَا يُنَافِي مَا رَوَاهُ وَإِنَّمَا اقتصرا من الحَدِيث على بعضه وَلَيْسَ الْمجْلس متحدا حَتَّى يتَوَقَّف فِي زِيَادَة سعيد فَإِن مُلَازمَة سعيد لِقَتَادَة كَانَت أَكثر مِنْهُمَا فَسمع مِنْهُ مَا لم يسمعهُ غَيره وَهَذَا كُله لَو انْفَرد سعيد وَهُوَ مَعَ ذَلِك لم ينْفَرد وَمَا أعل بِهِ حَدِيث سعيد من كَونه اخْتَلَط أَو تفرد بِهِ مَرْدُود لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من رِوَايَة من سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط كيزيد بن زُرَيْع وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْهُم أَرْبَعَة قد تقدم ذكرهم وَهَمَّام هُوَ الَّذِي انْفَرد بفصل الِاسْتِسْعَاء من الحَدِيث وَجعله من قَول قَتَادَة فَدلَّ على أَنه لم يضبطه كَمَا يَنْبَغِي وَقد احْتج من لَا يَقُول بالاستسعاء بِحَدِيث عمرَان بن حُصَيْن أَن رجلا أعتق سِتَّة مملوكين لَهُ عِنْد مَوته لم يكن لَهُ مَال غَيرهم فَدَعَاهُمْ رَسُول الله ص = فجزأهم أَثلَاثًا ثمَّ أَقرع بَينهم فَأعتق اثْنَيْنِ وأرق أَرْبَعَة أخرجه مُسلم وَوجه الدّلَالَة فِيهِ أَن الِاسْتِسْعَاء لَو كَانَ مَشْرُوعا لنجز من كل وَاحِد مِنْهُم عتق ثلثه وَأمره بالسعي فِي أَدَاء بَقِيَّة قِيمَته لوَرَثَة الْمَيِّت الْقسم الرَّابِع مَا تفرد بِهِ بعض الروَاة مِمَّن ضعف مِنْهُم وَفِي البُخَارِيّ من ذَلِك حديثان أَحدهمَا حَدِيث أبي بن عَبَّاس بن سهل بن سعد عَن أَبِيه عَن جده

قَالَ كَانَ للنَّبِي ص = فرس يُقَال لَهُ اللخيف قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا ضَعِيف وَقد ضعفه أَحْمد وَابْن معِين وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ لَكِن تَابعه عَلَيْهِ أَخُوهُ عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس قَالَ فِي الْمِيزَان أبي وَإِن لم ثبتا فَهُوَ حسن الحَدِيث وَأَخُوهُ عبد الْمُهَيْمِن واهي وَثَانِيهمَا فِي الْجِهَاد من البُخَارِيّ فِي بَاب إِذا أسلم قوم فِي دَار الْحَرْب حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه أَن عمر اسْتعْمل مولى لَهُ يُسمى هنيا على الْحمى الحَدِيث بِطُولِهِ قَالَ الدراقطني إِسْمَاعِيل ضَعِيف قَالَ فِي الْمِيزَان إِسْمَاعِيل مُحدث مكثر فِيهِ لين روى عَن خَاله مَالك وأخيه عبد الحميد وَأَبِيهِ وَعنهُ صاحبا الصَّحِيح وَإِسْمَاعِيل القَاضِي والكبار قَالَ أَحْمد لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة عَن يحيى صَدُوق ضَعِيف الْعقل لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ أَبُو حَاتِم مَحَله الصدْق مُغفل وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيف وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَا أختاره فِي الصَّحِيح وَقَالَ ابْن عدي روى عَن خَاله مَالك غرائب لَا يُتَابِعه عَلَيْهَا أحد قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر أَظن الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّمَا ذكر هَذَا الْموضع من حَدِيث إِسْمَاعِيل خَاصَّة وَأعْرض عَن الْكثير من حَدِيثه عِنْد البُخَارِيّ لكَون غَيره شَاركهُ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث وَتفرد بِهَذَا فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلم ينْفَرد بِهَذَا بل تَابعه عَلَيْهِ معن بن عِيسَى فَرَوَاهُ عَن مَالك كَرِوَايَة إِسْمَاعِيل سَوَاء الْقسم الْخَامِس مَا حكم فِيهِ بالوهم على بعض رُوَاته وَهَذَا الحكم إِنَّمَا يقبل إِذا ظهر دَلِيل يدل على وُقُوع الْوَهم وَإِلَّا نسب الْوَهم إِلَى من حكم بالوهم قَالَ بعض الْحفاظ قد وَقع فِي صَحِيح مُسلم أَلْفَاظ قَليلَة غلط فِيهَا الرَّاوِي مثل مَا رُوِيَ إِن الله خلق التربة يَوْم السبت وَجعل خلق الْمَخْلُوقَات فِي الْأَيَّام

السَّبْعَة فَإِن هَذَا الحَدِيث قد بَين أَئِمَّة الحَدِيث مثل يحيى بن معِين وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهم أَنه غلط وَأَنه لَيْسَ من كَلَام النَّبِي ص = بل صرح البُخَارِيّ أَنه من كَلَام كَعْب الْأَحْبَار وَالْقُرْآن قد بَين أَن الْخلق كَانَ فِي سِتَّة أَيَّام وَثَبت فِي الصَّحِيح أَن آخر الْخلق كَانَ يَوْم الْجُمُعَة فَيكون أول الْخلق يَوْم الْأَحَد وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ أَن النَّبِي ص = صلى الْكُسُوف بركوعين أَو ثَلَاثَة فَإِن الثَّابِت الْمَرْوِيّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو وَغَيرهم أَنه صلى كل رَكْعَة بركوعين وَلِهَذَا لم يخرج البُخَارِيّ غير ذَلِك وَضعف هُوَ وَغَيره من الْأَئِمَّة حَدِيث الثَّلَاثَة والأربع فَإِن النَّبِي ص = إِنَّمَا صلى الْكُسُوف مرّة وَاحِدَة وَفِي حَدِيث الثَّلَاث والأربع أَنه صلى صَلَاة الْكُسُوف يَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم ابْنه وَحَدِيث الركوعين كَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم فَمثل هَذَا الْغَلَط إِذا وَقع كَانَ فِي نفس الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مَا يبن أَنه غلط وَالْبُخَارِيّ إِذا روى الحَدِيث بطرق فِي بَعْضهَا غلط فِي بعض الْأَلْفَاظ ذكر مَعهَا الطّرق الَّتِي تبين ذَلِك الْغَلَط وَقَالَ وكما أَن أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يستشهدون ويعتبرون بِحَدِيث الَّذِي فِيهِ سوء حفظ فَإِنَّهُم يضعفون من حَدِيث الثِّقَة الصدوق الضَّابِط أَشْيَاء يتَبَيَّن لَهُم غلطه فِيهَا بِأُمُور يستدلون بهَا ويسمون هَذَا علم علل الحَدِيث وَهُوَ من أشرف علومهم وَغلط الثِّقَة الصدوق الضَّابِط قد يعرف بِسَبَب ظَاهر وَقد يعرف بِسَبَب خَفِي وَمِمَّا وَقع فِيهِ الْغَلَط مَا فِي بعض طرق البُخَارِيّ إِن النَّار لَا تمتلئ حَتَّى ينشئ الله لَهَا خلقا آخر وَهَذَا كثير وَالنَّاس فِي هَذَا الْبَاب طرفان طرف من أهل الْكَلَام وَنَحْوهم مِمَّن هُوَ بعيد عَن معرفَة الحَدِيث وَأَهله

لَا يُمَيّز بِي الصَّحِيح والضعيف فيشك فِي صِحَة أَحَادِيث أَو فِي الْقطع بهَا مَعَ كَونهَا مَعْلُومَة قطعا عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وطرف مِمَّن يَدعِي اتِّبَاع الحَدِيث وَالْعَمَل بِهِ كلما وجد لفظا فِي حَدِيث قد رَوَاهُ ثِقَة وَرَأى حَدِيثا بِإِسْنَاد ظَاهره الصِّحَّة يُرِيد أَن يَجْعَل ذَلِك من جنس مَا جزم أهل الْعلم بِصِحَّتِهِ حَتَّى إِذا عَارض الصَّحِيح الْمَعْرُوف أَخذ يتَكَلَّف لَهُ التأويلات الْبَارِدَة أَو يَجعله دَلِيلا فِي مسَائِل الْعلم مَعَ أَن أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يعْرفُونَ أَن مثل هَذَا غلط فَكَمَا أَن على الحَدِيث أَدِلَّة يعلم بهَا أَنه صدق وَقد يقطع بِهِ فَعَلَيهِ أَدِلَّة يعلم بهَا أَنه كذب وَقد يقطع بِهِ مثل مَا يقطع بكذب مَا يرويهِ الوضاعون من أهل الْبدع والغلو فِي الْفَضَائِل وَقَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر الْحميدِي بِبَغْدَاد يَقُول قَالَ لنا أَبُو مُحَمَّد بن حزم مَا وجدنَا للْبُخَارِيّ وَمُسلم فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئا لَا يحْتَمل مخرجا إِلَّا حديثين لكل وَاحِد مهما حَدِيث تمّ عَلَيْهِ فِي تَخْرِيجه الْوَهم مَعَ إتقانهما وحفظهما وَصِحَّة معرفتهما فَذكر من عبد البُخَارِيّ حَدِيث شريك عَن أنس فِي الْإِسْرَاء وَأَنه قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ وَفِيه شقّ صَدره قَالَ ابْن حزم والآفة من شريك والْحَدِيث الثَّانِي عِنْد مُسلم حَدِيث عِكْرِمَة بن عمار عَن أبي زميل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ للنَّبِي ص = ثَلَاث أعطنيهن قَالَ نعم الحَدِيث قَالَ ابْن حزم هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا شكّ فِي وَضعه والآفة فِيهِ من عِكْرِمَة بن عمار وَقد أَشَارَ شرَّاح صَحِيح مُسلم إِلَى أَن هَذَا الحَدِيث من الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة بالإشكال وَقد امتعض بَعضهم بِمَا قَالَه ابْن حزم فَبَالغ فِي التشنيع عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّه كَانَ هجاما على تخطئه الْأَئِمَّة الْكِبَار وَإِطْلَاق اللِّسَان فيهم وَلَا نعلم أحدا من أَئِمَّة الحَدِيث نسب عِكْرِمَة بن عمار إِلَى وضع الحَدِيث وَقد وَثَّقَهُ وَكِيع وَيحيى بن معِين وَغَيرهمَا وَكَانَ مستجاب الدعْوَة

وَقَالَ فِي الْمِيزَان عِكْرِمَة بن عمار الْعجلِيّ اليمامي لَهُ رِوَايَة عَن طَاوس وَسَالم وَعَطَاء وَيحيى بن كثير وَعنهُ يحيى الْقطَّان وَابْن مهْدي وَأَبُو الْوَلِيد وَخلق روى أَبُو حَاتِم عَن ابْن معِين أَنه قَالَ كَانَ أُمِّيا حَافِظًا وَقَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق رُبمَا يهم وَقَالَ عَاصِم بن عَليّ كَانَ مستجاب الدعْوَة وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل ضَعِيف الحَدِيث وَكَانَ حَدِيثه عَن إِيَاس بن سَلمَة صَالحا قَالَ الْحَاكِم أَكثر مُسلم الاستشهاد بِهِ وَقَالَ البُخَارِيّ لم يكن لَهُ كتاب فاضطرب حَدِيثه عَن يحيى وَقَالَ معَاذ بن معَاذ سَمِعت عِكْرِمَة بن عمار يَقُول أحرج على رجل يرى الْقدر إِلَّا قَامَ فَخرج عني فَإِنِّي لَا أحدثه وَكَانَت الْبَصْرَة عش الْقَدَرِيَّة وَفِي صَحِيح مُسلم قد سَاق لَهُ أصلا مُنْكرا عَن سماك الْحَنَفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي الثَّلَاثَة الَّتِي طلبَهَا أَبُو سُفْيَان وَثَلَاثَة أَحَادِيث أخر بِالْإِسْنَادِ وَأَبُو زميل بِضَم الزَّاي وَفتح الْمِيم واسْمه سماك بن الْوَلِيد الْحَنَفِيّ اليمامي ثمَّ الْكُوفِي الْقسم السَّادِس مَا اخْتلف فِيهِ بتغيير بعض أَلْفَاظ الْمَتْن وَهَذَا لَا يتعرتب عَلَيْهِ قدح فِي الْأَكْثَر وَذَلِكَ أَنه مِنْهُ مَا يُمكن الْجمع فِيهِ وَمَا يُمكن الْجمع فِيهِ هُوَ فِي الْحَقِيقَة غير مُخْتَلف بل هُوَ مؤتلف وَمَا لَا يُمكن الْجمع فِيهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذ فِيهِ بالراجح إِن تبين رُجْحَان بعض الرِّوَايَات على بعض وَيبقى الْإِشْكَال فِي نوع وَاحِد مِنْهُ وَهُوَ مَا لم يُمكن الْجمع فِيهِ وَلَا ظهر رُجْحَان بعض الرِّوَايَات فِيهِ على بعض وَهَذَا لَا سَبِيل فِيهِ إِلَّا التَّوَقُّف وَهَذَا فِيمَا يظْهر نَادِر جدا لِأَنَّهُ يبعد مَعَ كَثْرَة المرجحات أَن لَا يجد الْعَالم النحرير مرجحا لإحدى الرِّوَايَات على غَيرهَا لَا سِيمَا بعد الْمُبَالغَة فِي الْبَحْث والتتبع وَمن أَمْثِلَة الْقسم السَّادِس حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَحَدِيث جَابر فِي قصَّة الْجمل وَحَدِيثه فِي وَفَاء دين أَبِيه وَقد ذكرنَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَمَا يتَعَلَّق بذلك على وَجه التَّفْصِيل فِي بحث المضطرب

وَاعْلَم أَن الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من أَئِمَّة النَّقْد لم يتَعَرَّضُوا لِاسْتِيفَاء النَّقْد فِيمَا يتَعَلَّق بِالْمَتْنِ كَمَا تعرضوا لذَلِك فِي الْإِسْنَاد وَذَلِكَ لِأَن النَّقْد الْمُتَعَلّق بِالْإِسْنَادِ دَقِيق غامض لَا يُدْرِكهُ إِلَّا أَفْرَاد من أَئِمَّة الحَدِيث المعروفين بِمَعْرِِفَة علله بِخِلَاف النَّقْد الْمُتَعَلّق بِالْمَتْنِ فَإِنَّهُ يُدْرِكهُ كثير من الْعلمَاء الْأَعْلَام المشتغلين بالعلوم الشَّرْعِيَّة والباحثين عَن مسائلها الْأَصْلِيَّة والفرعية ككثير من الْمُفَسّرين وَالْفُقَهَاء وَأهل أصُول الْفِقْه وأصول الدّين وَقد وهم هُنَا أنَاس فَظن بَعضهم أَن الْمُحدث لَيْسَ لَهُ أَن يتَعَرَّض للنقد من جِهَة الْمَتْن فَكَأَنَّهُ توهم ذَلِك من جعلهم وَظِيفَة الْمُحدث التَّعَرُّض للنقد من جِهَة الْإِسْنَاد أَنه يمْنَع من التَّعَرُّض للنقد من جِهَة الْمَتْن مَعَ أَن مقصودهم بذلك بَيَان أَن النَّقْد من جِهَة الْإِسْنَاد هُوَ من خَصَائِصه لعدم اقتدار غَيره على ذَلِك فَيَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يقصر فِيمَا يطْلب مِنْهُ فَإِذا قُم بذلك فَلهُ أَن يتَعَرَّض للنقد من جِهَة الْمَتْن إِذا ظهر لَهُ فِي الْمَتْن عِلّة قادحة فِيهِ فَحكمه حكم غَيره فَكَمَا أَن غَيره لَهُ أَن يتَعَرَّض للنقد من جِهَة الْمَتْن إِذا ظهر لَهُ مَا يُوجِبهُ فَلهُ هُوَ ذَلِك إِذا ظهر لَهُ مَا يُوجِبهُ بل هُوَ أرجح من غَيره وَقد تعرض كثير من أَئِمَّة الحَدِيث للنقد من جِهَة الْمَتْن إِلَّا أَن ذَلِك قَلِيل جدا بِالنِّسْبَةِ لما تعرضوا لَهُ من النَّقْد من جِهَة الْإِسْنَاد لما عرفت فَمن ذَلِك قَول الْإِسْمَاعِيلِيّ بعد أَن أورد الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن أبي أويس عَن أَخِيه عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ يلقى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ آزر يَوْم الْقِيَامَة وعَلى وَجه آزر قترة الحَدِيث هَذَا خبر فِي صِحَّته نظر من جِهَة أَن إِبْرَاهِيم عَالم بِأَن الله لَا يخلف الميعاد فَكيف يَجْعَل مَا بِأَبِيهِ خزيا لَهُ مَعَ إخْبَاره بِأَن الله قد وعده أَن لَا يخزيه يَوْم يبعثون وأعلمه بِأَنَّهُ لَا خلف لوعده وَقد أعل الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث من جِهَة الْإِسْنَاد فَقَالَ هَذَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن

طهْمَان عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَأجِيب عَن ذَلِك بِأَن البُخَارِيّ قد علق حَدِيث إِبْرَاهِيم بن طهْمَان فِي التَّفْسِير فَلم يهمل حِكَايَة الْخلاف فِيهِ وَيَنْبَغِي للنَّاظِر فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن يبْحَث عَمَّا انتقد عَلَيْهِمَا من الْجِهَتَيْنِ فبذلك تتمّ لَهُ الدِّرَايَة فِيمَا يتَعَلَّق بالرواية الْأَمر الثَّالِث قد أَشَارَ مُسلم فِي أول مُقَدّمَة صَحِيحه إِلَى الْبَاعِث لَهُ على تأليفه وَإِلَى مَا يُرِيد أَن يُورِدهُ فِيهِ من أَقسَام الحَدِيث حَيْثُ قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَصلى الله على خَاتم النَّبِيين وعَلى جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ أما بعد فَإنَّك يَرْحَمك الله بِتَوْفِيق خالقك ذكرت أَنَّك هَمَمْت بالفحص عَن تعرف الْأَخْبَار المأثورة عَن رَسُول الله ص = فِي سنَن الدّين وَأَحْكَامه وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالتَّرْغِيب والترهيب وَغير ذَلِك من صنوف الْإِسْنَاد بِالْأَسَانِيدِ الَّتِي بهَا نقلت وتداولها أهل الْعلم فِيمَا بَينهم فَأَرَدْت أرشدك الله أَن توقف على جُمْلَتهَا مؤلفة محصاة وَسَأَلتنِي أَن ألخصها لَك فِي التَّأْلِيف بِلَا تكْرَار يكثر فَإِن ذَلِك زعمت يشغلك عَمَّا لَهُ قصدت من التفهم فِيهَا والاستنباط مِنْهَا وللذي سَأَلت أكرمك الله حِين رجعت إِلَى تدبره وَمَا يؤول إِلَيْهِ الْحَال إِن شَاءَ الله عَاقِبَة محمودة وَمَنْفَعَة مَوْجُودَة وظننت حِين سَأَلتنِي تجشم ذَلِك أَن لَو عزم لي عَلَيْهِ وَقضي لَهُ تَمَامه كَانَ أول من يُصِيبهُ نفع ذَلِك إيَّايَ خَاصَّة قبل غَيْرِي من النَّاس لأسباب كَثِيرَة يطول بذكرها الْوَصْف إِلَّا أَن جملَة ذَلِك أَن ضبط الْقَلِيل من هَذَا الشَّأْن وإتقانه أيسر على الْمَرْء من معالجة الْكثير مِنْهُ وَلَا سِيمَا عِنْد من لَا تَمْيِيز عِنْده من الْعَوام إِلَّا بِأَن يوقفه على التَّمْيِيز غَيره

وَإِذا كَانَ الْأَمر فِي هَذَا كَمَا وصفناه فالقصد مِنْهُ إِلَى الصَّحِيح الْقَلِيل أولى بهم من ازدياد السقيم وَإِنَّمَا يُرْجَى بعض الْمَنْفَعَة فِي الاستكثار من هَذَا الشَّأْن وَجمع المكررات مِنْهُ لخاصة من النَّاس من رزق فِيهِ بعض التيقظ والمعرفة بأسبابه وَعلله فَذَلِك إِن شَاءَ الله يهجم بِمَا أُوتِيَ من ذَلِك على الْفَائِدَة فِي الاستكثار من جمعه فإمَّا عوام النَّاس الَّذين هم بِخِلَاف مَعَاني الْخَاص من أهل التيقظ والمعرفة فَلَا معنى لَهُم فِي طلب الْكثير وَقد عجزوا عَن معرفَة الْقَلِيل ثمَّ إِنَّا إِن شَاءَ الله مبتدئون فِي تَخْرِيج مَا سَأَلت عَنهُ وتأليفه على شريطة سَوف أذكرها وَهُوَ أَنا نعمد إِلَى جملَة مَا أسْند من الْأَخْبَار عَن رَسُول الله ص = فنقسمها على ثَلَاثَة أَقسَام وَثَلَاث طَبَقَات من النَّاس على غير تكْرَار إِلَّا أَن يَأْتِي مَوضِع لَا يسْتَغْنى فِيهِ عَن ترداد حَدِيث فِيهِ زِيَادَة معنى أَو إِسْنَاد يَقع إِلَى جنب إِسْنَاد لعِلَّة تكون هُنَاكَ لِأَن الْمَعْنى الزَّائِد فِي الحَدِيث الْمُحْتَاج إِلَيْهِ يقوم مقَام حَدِيث تَامّ فَلَا بُد من إِعَادَة الحَدِيث الَّذِي فِيهِ مَا وَصفنَا من الزِّيَادَة أَو أَن يفصل ذَلِك الْمَعْنى من جملَة الحَدِيث على اختصاره إِذا أمكن وَلَكِن تَفْصِيله رُبمَا عسر من جملَته فإعادته بهيئته إِذا طاق ذَلِك أسلم فَأَما مَا وجدنَا بدا من إِعَادَته بجملته من غير حَاجَة منا إِلَيْهِ فَلَا نتولى فَصله إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَأَما الْقسم الأول فَإنَّا نتوخى أَن نقدم الْأَخْبَار الَّتِي هِيَ أسلم من الْعُيُوب من غَيرهَا وأنقى من أَن يكون ناقلها أهل استقامة فِي الحَدِيث وإتقان لما نقلوا لم يُوجد فِي روايتهم اخْتِلَاف شَدِيد وَلَا تَخْلِيط فَاحش كَمَا قد عثر فِيهِ على كثير من الْمُحدثين وَبَان ذَلِك فِي حَدِيثهمْ فَإِذا نَحن تقصينا أَخْبَار هَذَا الصِّنْف من النَّاس أتبعناها أَخْبَارًا يَقع فِي أسانيدها بعض من لَيْسَ بالموصوف بِالْحِفْظِ والإتقان كالصنف الْمُقدم قبلهم على أَنهم وَإِن كَانُوا فِيمَا وَصفنَا دونهم فَإِن اسْم السّتْر والصدق وتعاطي الْعلم يشملهم كعطاء بن السَّائِب وَيزِيد بن أبي زِيَاد وَلَيْث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال

الْآثَار ونقال الْأَخْبَار فهم وَإِن كَانُوا بِمَا وَصفنَا من الْعلم والستر عِنْد أهل الْعلم معروفين فغيرهم من أقرانهم مِمَّن عِنْدهم مَا ذكرنَا من الإتقان والاستقامة فِي الرِّوَايَة يفضلونهم فِي الْحَال والمرتبة ثمَّ ذكر أَنه لَا يخرج فِيهِ الْأَحَادِيث المروية عَن قوم هم عِنْد أهل الحَدِيث أَو عِنْد الْأَكْثَر مِنْهُم متهمون وَكَذَلِكَ من الْغَالِب على حَدِيثهمْ الْمُنكر أَو الْغَلَط وَأَن عَلامَة الْمُنكر فِي حَدِيث الْمُحدث أَن تخَالف رِوَايَته رِوَايَة غَيره من أهل الْحِفْظ أَو لَا تكَاد توافقها فَإِذا كَانَ الْأَغْلَب من حَدِيثه ذَلِك كَانَ مهجور الحَدِيث غير مقبوله ثمَّ قَالَ وَقد شرحنا من مَذْهَب الحَدِيث وَأَهله بعض مَا يتَوَجَّه بِهِ من أَرَادَ سَبِيل الْقَوْم ووفق لَهَا وسنزيد إِن شَاءَ الله تَعَالَى شرحا عِنْد ذكر الْأَخْبَار المعللة إِذا أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي الْأَمَاكِن الَّتِي يَلِيق بهَا الشَّرْح والإيضاح إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَبعد يَرْحَمك الله فلولا الَّذِي رَأينَا من سوء صنع كثير مِمَّن نصب نَفسه مُحدثا فِيمَا يلْزمهُم من طرح الْأَحَادِيث الضعيفة وَالرِّوَايَات الْمُنكرَة وتركهم الِاقْتِصَار على الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة مِمَّا نَقله الثِّقَات المعروفون بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أَن كثيرا مِمَّا يقذفون بِهِ إِلَى الأغبياء من النَّاس هُوَ مستنكر عَن قوم غير مرضيين مِمَّن ذمّ الرِّوَايَة عَنْهُم أَئِمَّة الحَدِيث مثل مَالك بن أنس وَشعْبَة بن الْحجَّاج وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَغَيرهم من الْأَئِمَّة لما سهل علينا الانتصاب لما سَأَلت من التَّمْيِيز والتحصيل وَلَكِن من أجل مَا أعلمناك من نشر الْقَوْم الْأَخْبَار الْمُنكرَة بِالْأَسَانِيدِ الضِّعَاف المجهولة وقذفهم بهَا إِلَى الْعَوام الَّذين لَا يعْرفُونَ عيوبها خف على قُلُوبنَا إجابتك على مَا سَأَلت وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا ذكره مُسلم هُنَا وَهُوَ أَنه يقسم الْأَحَادِيث ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا رَوَاهُ الْحفاظ المتقنون وَالثَّانِي مَا رَوَاهُ المستورون المتوسطون فِي

الْحِفْظ والإتقان وَالثَّالِث مَا رَوَاهُ الضُّعَفَاء والمتروكون وَأَنه إِذا فرغ من الْقسم الأول أتبعه الثَّانِي وَأما الثَّالِث فَلَا يتشاغل بِهِ وَلَا يعرج عَلَيْهِ فَقَالَ بَعضهم إِن مُسلما كَانَ أَرَادَ أَن يفرد لكل قسم من الْقسمَيْنِ كتابا فاخترمته الْمنية قبل إِخْرَاج الْقسم الثَّانِي وَإنَّهُ إِنَّمَا أَتَى بالقسم الأول وَقَالَ بَعضهم إِن مُسلما قد ذكر فِي كِتَابه حَدِيث الطبقتين الْأَوليين وأتى بِحَدِيث الثَّانِيَة مِنْهُمَا على طَرِيق الإتباع للأولى والاستشهاد أَو حَيْثُ لم يجد للطبقة الأولى شَيْئا وَذكر فِيهِ أَقْوَامًا تكلم فيهم قوم وزكاهم آخَرُونَ مِمَّن ضعف أَو اتهمَ ببدعة وَخرج حَدِيثهمْ وَكَذَلِكَ فعل البُخَارِيّ وَكَذَلِكَ علل الحَدِيث الَّتِي ذكر ووعد بِأَنَّهُ يَأْتِي بهَا فقد جَاءَ بهَا فِي موَاضعهَا من الْأَبْوَاب من اخْتلَافهمْ فِي الْأَسَانِيد كالإرسال والإسناد وَالنَّقْص وَالزِّيَادَة وَذكر تَصْحِيف المصحفين فَيكون مُسلم قد استوفى غَرَضه فِي تأليفه وَأدْخل فِي كِتَابه كل مَا وعد بِهِ وَهُوَ ظَاهر لمن تَأمل الْكتاب وأمعن النّظر فِي كثير من الْأَبْوَاب وعَلى هَذَا يَنْبَغِي لمن يشْتَغل بِصَحِيح مُسلم أَن ينتبه إِلَى ذَلِك ليَكُون على بَصِيرَة فِي أمره وَمن تدبر الْأُمُور الَّتِي ذكرنَا أَن من يُرِيد معرفَة الصَّحِيحَيْنِ كَمَا يَنْبَغِي يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَنَبَّه إِلَيْهَا ويبحث عَنْهَا تبين لَهُ أَنه لَا يُوجد فِي مَجْمُوع شروحهما الْمَشْهُورَة مَا يَفِي بذلك وَلم يستغرب قَول كثير من عُلَمَاء الْمغرب شرح كتاب البُخَارِيّ دين على الْأمة يعنون أَن عُلَمَاء الْأمة لم يفوا بِمَا يجب لَهُ من الشَّرْح على الْوَجْه الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ وَقد ذكر بعض أَرْبَاب الْأَخْبَار مِمَّن أشرف من كل فن من الْفُنُون الْمَشْهُورَة على طرف مِنْهَا أَن النَّاس إِنَّمَا استصعبوا شَرحه من أجل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من معرفَة

الطّرق المتعددة ورجالها من أهل الْحجاز وَالشَّام وَالْعراق وَمَعْرِفَة أَحْوَالهم وَاخْتِلَاف النَّاس فيهم وَكَذَلِكَ يحْتَاج إِلَى إمعان النّظر فِي تراجمه فَإِنَّهُ يترجم التَّرْجَمَة ويورد فِيهَا الحَدِيث بِسَنَد وَطَرِيق ثمَّ يترجم أُخْرَى وفيهَا ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه لما تضمنه من الْمَعْنى الَّذِي ترْجم بِهِ الْبَاب وَكَذَلِكَ فِي تَرْجَمَة وترجمة إِلَى أَن يتَكَرَّر الحَدِيث فِي أَبْوَاب كَثِيرَة بِحَسب مَعَانِيه واختلافها وَأَن من شَرحه وَلم يسْتَوْف هَذَا لم يقف بِحَق الشَّرْح وَأَن قَول من قَالُوا شرح البُخَارِيّ دين على الْأمة يعنون بِهِ أَن أحدا من عُلَمَاء الْأمة لم يَفِ بِمَا يجب لَهُ من الشَّرْح بِهَذَا الِاعْتِبَار وَلَا يخفى أَن معرفَة وَجه الْجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث لَيْسَ من الْأَعْرَاض الَّتِي تهم كثيرا طَالب علم الحَدِيث على أَن الْمَوَاضِع الَّتِي لم يظْهر فِيهَا وَجه الْجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث هِيَ قَليلَة جدا وَسبب ذَلِك يظْهر مِمَّا ذكره الْبَاجِيّ فِي مُقَدّمَة كِتَابه فِي أَسمَاء رجال البُخَارِيّ حَيْثُ قَالَ أَخْبرنِي الْحَافِظ أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد الْهَرَوِيّ قَالَ حَدثنَا الْحَافِظ

أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْمُسْتَمْلِي قَالَ انتسخت كتاب البُخَارِيّ من أَصله الَّذِي كَانَ عِنْد صَاحبه مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي فَرَأَيْت فِيهِ أَشْيَاء لم تتمّ وَأَشْيَاء مبيضة مِنْهَا تراجم لم يثبت بعْدهَا شَيْئا وَمِنْهَا أَحَادِيث لم يترجم لَهَا فأضفنا بعض ذَلِك إِلَى بعض قَالَ الْبَاجِيّ وَإِنَّمَا أوردت هَذَا هُنَا لما عني بِهِ أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث الَّذِي يَليهَا وتكلفهم من ذَلِك من تعسف التَّأْوِيل مَا لَا يسوغ قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر قلت هَذِه قَاعِدَة حَسَنَة يفزع إِلَيْهَا حَيْثُ يتعسر الْجمع بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث وَهِي مَوَاضِع قَليلَة جدا ستظهر كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَالَّذِي يهم طَالب علم الحَدِيث لذاته كثيرا فِي كل بَاب إِنَّمَا هُوَ معرفَة مَا صَحَّ فِيهِ من الحَدِيث وَمَعْرِفَة إِسْنَاده الَّذِي تتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَّته وَأما مَا ذكره من معرفَة الطّرق المتعددة ورجالها وَمَعْرِفَة أَحْوَالهم وَاخْتِلَاف النَّاس فيهم فَإِن هَذَا أَمر لَيْسَ بالصعب الوعر المسلك الْبعيد الْمدْرك بل كَثِيرُونَ مِمَّن هم دون شراحه فِي معرفَة عُلُوم الحَدِيث يحسنون ذَلِك ويقدرون على الْقيام بِمَا يلْزم من ذَلِك على أَن الشَّيْخَيْنِ لَا سِيمَا البُخَارِيّ لم يَكُونَا ينْظرَانِ فِي التَّصْحِيح والتضعيف إِلَى مُجَرّد الْإِسْنَاد بل ينْظرَانِ إِلَى أُمُور أُخْرَى كَمَا سبق بَيَانه فَالْوَاجِب فِي الشَّرْح الوافي بالمرام أَن يكون فِيهِ وَرَاء مَا ذكر بَيَان دَرَجَة كل حَدِيث فِيهِ وَبَيَان وَجه الْجمع بَينه وَبَين غَيره إِذا كَانَ مُعَارضا لَهُ عِنْد إِمْكَان الْجمع وَبَيَان الرَّاجِح من المتعارضين عِنْد عدم إِمْكَان الْجمع إِلَى غير ذَلِك من المطالب المهمة ولنرجع إِلَى الْمَقْصُود بِالذَّاتِ فِي هَذَا الْفَصْل وَهُوَ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَنَقُول لَا خلاف فِي أَن الأولى إِيرَاد الحَدِيث بِلَفْظِهِ دون التَّصَرُّف فِيهِ إِلَّا أَنه قد يضْطَر فِي بعض الْمَوَاضِع إِلَى الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَذَلِكَ فِيمَا إِذا لم يستحضر الرَّاوِي اللَّفْظ وَإِنَّمَا بَقِي مَعْنَاهُ فِي ذهنه فَلَو لم تجوز لَهُ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى ضَاعَ الحكم الْمُسْتَفَاد مِنْهُ فَكَانَ فِي ذَلِك مفْسدَة لَا سِيمَا إِن كَانَ الحكم من الْأَحْكَام المهمة الَّتِي تضطر إِلَى

مَعْرفَتهَا الْأمة فَلم يكن بُد من تَجْوِيز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي هَذِه الصُّورَة وشرطوا أَن يكون الرَّاوِي بِالْمَعْنَى من العارفين بمدلولات الْأَلْفَاظ الواقفين على مَا يحِيل مَعَانِيهَا بِحَيْثُ إِذا غير الْأَلْفَاظ لم يتَغَيَّر معنى الأَصْل بِوَجْه من الْوُجُوه وَشرط بَعضهم مَعَ ذَلِك أَن يُشِير إِلَى أَن رِوَايَته قد حصلت بِالْمَعْنَى إِلَّا أَنه بعد الْبَحْث والتتبع تبين أَن كثيرا مِمَّن روى بِالْمَعْنَى قد قصر فِي الْأَدَاء وَلذَلِك قَالَ بَعضهم يَنْبَغِي سد بَاب الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لِئَلَّا يتسلط من لَا يحسن مِمَّن يظنّ أَنه يحسن كَمَا وَقع لكثير من الروَاة قَدِيما وحديثا وَقد نَشأ عَن الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى ضَرَر عَظِيم حَتَّى عد من جملَة أَسبَاب اخْتِلَاف الْأمة قَالَ بعض المؤلفين فِي ذَلِك فِي مُقَدّمَة كِتَابه إِن الْخلاف قد عرض للْأمة من ثَمَانِيَة أوجه وَجَمِيع وُجُوه الْخلاف مُتَوَلّدَة مِنْهَا ومتفرعة عَنْهَا الأول مِنْهَا اشْتِرَاك الْأَلْفَاظ واحتمالها للتأويلات الْكَثِيرَة الثَّانِي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز الثَّالِث الْإِفْرَاد والتركيب الرَّابِع الْخُصُوص والعموم الْخَامِس الرِّوَايَة وَالنَّقْل السَّادِس الِاجْتِهَاد فِيمَا لَا نَص فِيهِ السَّابِع النَّاسِخ والمنسوخ الثَّامِن الْإِبَاحَة والتوسيع وَقَالَ فِي بَاب الْخلاف الْعَارِض من جِهَة الرِّوَايَة وَالنَّقْل هَذَا الْبَاب لَا تتمّ الْفَائِدَة الَّتِي قصدناها مِنْهُ إِلَّا بِمَعْرِِفَة الْعِلَل الَّتِي تعرض للْحَدِيث فتحيل مَعْنَاهُ فَرُبمَا أوهمت فِيهِ مُعَارضَة بعضه لبَعض وَرُبمَا ولدت فِيهِ إشْكَالًا يحوج الْعلمَاء إِلَى طلب التَّأْوِيل الْبعيد

فَاعْلَم أَن الحَدِيث الْمَأْثُور عَن رَسُول الله ص = وَعَن أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم تعرض لَهُ ثَمَانِي علل أولاها فَسَاد الْإِسْنَاد وَالثَّانيَِة من جِهَة نقل الحَدِيث على مَعْنَاهُ دون لَفظه وَالثَّالِثَة من جِهَة الْجَهْل بالإعراب وَالرَّابِعَة من جِهَة التَّصْحِيف وَالْخَامِسَة من جِهَة إِسْقَاط شَيْء من الحَدِيث لَا يتم الْمَعْنى إِلَّا بِهِ وَالسَّادِسَة أَن ينْقل الْمُحدث الحَدِيث ويغفل السَّبَب الْمُوجب لَهُ أَو بِسَاط الْأَمر الَّذِي جر ذكره السَّابِع أَن يسمع الْمُحدث بعض الحَدِيث ويفوته سَماع بعضه الثَّامِنَة نقل الحَدِيث من الصُّحُف دون لِقَاء الشُّيُوخ وَقد أحببنا أَن نقتصر مِمَّا ذكر على مَا هُوَ أمس بِمَا نَحن بصدده الْعلَّة الأولى وَهِي فَسَاد الْإِسْنَاد وَهَذِه الْعلَّة هِيَ أشهر الْعِلَل عِنْد النَّاس حَتَّى إِن كثيرا مِنْهُم يتَوَهَّم أَنه إِذا صَحَّ الْإِسْنَاد صَحَّ الحَدِيث وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ قد يتَّفق أَن يكون رُوَاة الحَدِيث مشهورين بِالْعَدَالَةِ معروفين بِصِحَّة الدّين وَالْأَمَانَة غير مطعون عَلَيْهِم وَلَا مستراب بنقلهم ويعرض مَعَ ذَلِك لأحاديثهم أَعْرَاض على وُجُوه شَتَّى من غير قصد مِنْهُم إِلَى ذَلِك والإسناد يعرض لَهُ الْفساد من أوجه مِنْهَا الْإِرْسَال وَعدم الِاتِّصَال وَمِنْهَا أَن يكون بعض رُوَاته صَاحب بِدعَة أَو مُتَّهمًا بكذب وَقلة ثِقَة أَو مَشْهُورا ببلة وغفلة أَو يكون متعصبا لبَعض الصَّحَابَة منحرفا عَن بَعضهم فَإِن من كَانَ مَشْهُورا بالتعصب ثمَّ روى حَدِيثا فِي تَفْضِيل من يتعصب لَهُ وَلم يرد من غير طَرِيقه لزم أَن يستراب بِهِ وَذَلِكَ أَن إفراط عصبية الْإِنْسَان لمن يتعصب لَهُ وَشدَّة محبته يحملهُ على افتعال الحَدِيث وَإِن لم يفتعله بدله وَغير بعض حُرُوفه وَمِمَّا يبْعَث على الاسترابة بِنَقْل النَّاقِل أَن يعلم مِنْهُ حرص على الدُّنْيَا وتهافت على الِاتِّصَال بالملوك ونيل المكانة والحظوة عِنْدهم فَإِن من كَانَ بِهَذِهِ الصّفة لم يُؤمن عَلَيْهِ التَّغْيِير والتبديل والافتعال للْحَدِيث وَالْكذب حرصا على مكسب يحصل عَلَيْهِ أَلا ترى قَول الْقَائِل (وَلست وَإِن قربت يَوْمًا ببائع ... خلاقي وَلَا ديني ابْتِغَاء التحبب)

(ويعتده قوم كثير تِجَارَة ... ويمنعني من ذَاك ديني ومنصبي) وَقد رُوِيَ أَن قوما من الْفرس وَالْيَهُود وَغَيرهم لما رَأَوْا الْإِسْلَام قد ظهر وَعم ودوخ وأذل جَمِيع الْأُمَم وَرَأَوا أَنه لَا سَبِيل إِلَى مناصبته رجعُوا إِلَى الْحِيلَة والمكيدة فأظهروا الْإِسْلَام من غير رَغْبَة فِيهِ وَأخذُوا أنفسهم بالتعبد والتقشف فَلَمَّا حمد النَّاس طريقتهم ولدُوا الْأَحَادِيث والمقالات وَفرقُوا النَّاس فرقا وَإِذا كَانَ عمر بن الْخطاب يتشدد فِي الحَدِيث ويتوعد عَلَيْهِ وَالزَّمَان زمَان وَالصَّحَابَة متوافرون والبدع لم تظهر وَالنَّاس فِي الْقرن الَّذِي أثنى عَلَيْهِ رَسُول الله ص = فَمَا ظَنك بِالْحَال فِي الْأَزْمِنَة الَّتِي ذمها وَقد كثرت الْبدع وَقلت الْأَمَانَة وللبخاري أبي عبد الله فِي هَذَا الْكتاب عناء مشكور وسعي مبرور وَكَذَلِكَ لمُسلم وَابْن معِين فَإِنَّهُم انتقدوا الحَدِيث وحرروه ونبهوا على ضعفاء الْمُحدثين والمتهمين بِالْكَذِبِ حَتَّى ضج من ذَلِك من كَانَ فِي عصرهم وَكَانَ ذَلِك أحد الْأَسْبَاب الَّتِي أوغرت صُدُور الْفُقَهَاء على البُخَارِيّ فَلم يزَالُوا يرصدون لَهُ المكاره حَتَّى أمكنتهم فِيهِ فرْصَة بِكَلِمَة قَالَهَا فكفروه بهَا وامتحنوه وطردوه من مَوضِع إِلَى مَوضِع

الْعلَّة الثَّانِيَة وَهِي نقل الحَدِيث على الْمَعْنى دون اللَّفْظ بِعَيْنِه وَهَذَا بَاب يعظم الْغَلَط فِيهِ جدا وَقد نشأت مِنْهُ بَين النَّاس شغوب شنيعة وَذَاكَ أَن أَكثر الْمُحدثين لَا يراعون أَلْفَاظ النَّبِي ص = الَّتِي نطق بهَا وَإِنَّمَا ينقلون إِلَى من بعدهمْ معنى مَا أَرَادَهُ بِأَلْفَاظ أُخْرَى وَلذَلِك نجد الحَدِيث الْوَاحِد فِي الْمَعْنى الْوَاحِد يرد بِأَلْفَاظ شَتَّى ولغات مُخْتَلفَة يزِيد بعض ألفاظها على بعض على أَن اخْتِلَاف أَلْفَاظ الحَدِيث قد يعرض من أجل تَكْرِير النَّبِي ص = لَهُ فِي مجَالِس مُخْتَلفَة وَمَا كَانَ من الحَدِيث بِهَذِهِ الصّفة فَلَيْسَ كلامنا فِيهِ وَإِنَّمَا كلامنا فِي اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ الَّذِي يعرض من أجل نقل الحَدِيث على الْمَعْنى وَوجه الْغَلَط الْوَاقِع من هَذِه الْجِهَة أَن النَّاس يتفاضلون فِي قرائحهم وأفهامهم كَمَا يتفاضلون فِي صورهم وألوانهم وَغير ذَلِك من أُمُورهم وأحوالهم فَرُبمَا اتّفق أَن يسمع الرَّاوِي الحَدِيث من النَّبِي ص = أَو من غَيره فيتصور مَعْنَاهُ فِي نَفسه على غير الْجِهَة الَّتِي أرادها وَإِن عبر عَن ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي

تصور فِي نَفسه بِأَلْفَاظ أخر كَانَ قد حدث بِخِلَاف مَا سمع من يغر قصد مِنْهُ إِلَى ذَلِك وَذَلِكَ أَن الْكَلَام الْوَاحِد قد يحْتَمل مَعْنيين وَثَلَاثَة وَقد يكون فِيهِ اللَّفْظَة الْمُشْتَركَة الَّتِي تقع على الشَّيْء وضده فَفِي مثل هَذَا يجوز أَن يذهب النَّبِي ص = إِلَى الْمَعْنى الْوَاحِد وَيذْهب الرَّاوِي عَنهُ إِلَى الْمَعْنى الآخر فَإِذا أدّى معنى مَا سمع دون لَفظه بِعَيْنِه كَانَ قد روى عَنهُ ضد مَا أَرَادَهُ غير عَامِد وَلَو أدّى لَفظه بِعَيْنِه لَأَوْشَكَ أَن يفهم مِنْهُ الآخر مَا لم يفهم الأول وَقد علم ص = أَن هَذَا سيعرض بعده فَقَالَ محذرا من ذَلِك (نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها وأداها كَمَا سَمعهَا فَرب مبلغ أوعى من سامع) وَإِن أَحْبَبْت أَن تعرف مِقْدَار مَا قد تُؤدِّي إِلَيْهِ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فيكفيك أَن تنظر فِي الحَدِيث الَّذِي انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ عَن قَتَادَة أَنه كتب إِلَيْهِ يُخبرهُ عَن أنس بن مَالك أَنه حَدثهُ فَقَالَ صليت خلف النَّبِي ص = وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَكَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا آخرهَا ثمَّ رَوَاهُ من رِوَايَة الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ أَخْبرنِي إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة أَنه سمع أنسا يذكر ذَلِك وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن حميد عَن أنس قَالَ صليت وَرَاء أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فكلهم كَانَ لَا يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَزَاد فِيهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن مَالك صليت خلف رَسُول الله ص = وَقد أعل بعض الْمُحدثين الحَدِيث الْمَذْكُور وَقَالُوا إِن من رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور قد رَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقع فِي نَفسه فَإِنَّهُ فهم من قَول أنس كَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين أَنهم كَانُوا لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَرَوَاهُ على مَا فهم وَأَخْطَأ لِأَن مُرَاد أنس بَيَان أَن السُّورَة الَّتِي كَانُوا يفتتحون بهَا من السُّور

هِيَ الْفَاتِحَة وَلَيْسَ مُرَاده بذلك أَنهم كَانُوا لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَانْظُر إِلَى مَا أدَّت إِلَيْهِ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى على قَول هَؤُلَاءِ حَتَّى نَشأ بذلك من الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الْأَمر المهم مَا لَا يخفى على ناظره وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصَّحِيح الْمُتَعَلّقَة بِدُخُول الْجنَّة بِمُجَرَّد الشَّهَادَة مثل حَدِيث من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَحَدِيث من شهد أَن لَا إِلَه إِلَى الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حرم الله عَلَيْهِ النَّار وَحَدِيث لَا يشْهد أحد أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَيدْخل النَّار أَو تطعمه يجوز أَن يكون ذَلِك اقتصارا من بعض الروَاة نَشأ من تَقْصِيره فِي الْحِفْظ والضبط لَا من رَسُول الله ص = بِدلَالَة مَجِيئه تَاما فِي رِوَايَة غَيره وَيجوز أَن يكون اختصارا من رَسُول الله فِيمَا خَاطب بِهِ الْكفَّار عَبدة الْأَوْثَان الَّذين كَانَ توحيدهم لله تَعَالَى مصحوبا بِسَائِر مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِسْلَام ومستلزما لَهُ وَاعْلَم أَن الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى قد أحسن بضررها كثير من الْعلمَاء وَشَكوا مِنْهَا على اخْتِلَاف علومهم غير أَن مُعظم ضررها كَانَ فِي الحَدِيث وَالْفِقْه لعظم أَمرهمَا وَقد نسب لكثير من الْعلمَاء الْأَعْلَام أَقْوَال بعيدَة عَن السداد جدا اتخذها كثير من خصومهم ذَرِيعَة لِلطَّعْنِ فيهم والازدراء بهم ثمَّ تبين بعد الْبَحْث الشَّديد والتتبع أَنهم لم يَقُولُوا بهَا وَإِنَّمَا نشأت نسبتها إِلَيْهِم من أَقْوَال رَوَاهَا الرَّاوِي عَنْهُم بِالْمَعْنَى فقصر فِي التَّعْبِير عَمَّا قَالُوهُ فَكَانَ من ذَلِك مَا كَانَ فَيَنْبَغِي لكل ذِي نباهة أَن لَا يُبَادر بالاعتراض على الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ والنبل بِمُجَرَّد أَن يبلغهُ قَول ينبو السّمع عَنهُ عَن أحد مِنْهُم وليتثبت فِي ذَلِك وَإِلَّا كَانَ جَدِيرًا بالملام هَذَا وَقد تعرض الْعَلامَة النحرير نجم الدّين أَحْمد بن حمدَان الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ للضَّرَر الَّذِي نَشأ من الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي مذْهبه فَقَالَ فِي آخر كتاب صفة الْمُفْتِي فِي بَاب جعله لبَيَان عُيُوب التَّأْلِيف وَغير ذَلِك ليعرف الْمُفْتِي كَيفَ يتَصَرَّف فِي الْمَنْقُول

وَيقف على مُرَاد الْقَائِل مَا يَقُول ليَصِح نَقله للْمَذْهَب وَعَزوه إِلَى الإِمَام أَو إِلَى بعض من إِلَيْهِ ينْسب اعْلَم أَن أعظم المحاذير فِي التَّأْلِيف النقلي إهمال نقل الْأَلْفَاظ بِأَعْيَانِهَا والاكتفاء بِنَقْل الْمعَانِي مَعَ قُصُور النَّاقِل عَن اسْتِيفَاء مُرَاد الْمُتَكَلّم الأول بِلَفْظِهِ وَرُبمَا كَانَت بَقِيَّة الْأَسْبَاب مفرعة عَنهُ لِأَن الْقطع بِحُصُول مُرَاد الْمُتَكَلّم بِكَلَامِهِ أَو الْكَاتِب بكتابه مَعَ ثِقَة الرَّاوِي تتَوَقَّف على انْتِفَاء الْإِضْمَار والتخصيص والنسخ والتقديم وَالتَّأْخِير والاشتراك والتجوز وَالتَّقْدِير وَالنَّقْل والمعارض الْعقلِيّ فَكل نقل لَا يُؤمن مَعَه حُصُول بعض الْأَسْبَاب لَا نقطع بانتفائها نَحن وَلَا النَّاقِل وَلَا نظن عدمهَا وَلَا قرينَة تنفيها وَلَا نجزم فِيهِ بِمُرَاد الْمُتَكَلّم بل رُبمَا ظنناه أَو توهمناه وَلَو نقل لَفظه بِعَيْنِه وقرائنه وتاريخه وأسبابه انْتَفَى هَذَا الْمَحْذُور أَو أَكْثَره وَهَذَا من حَيْثُ الْإِجْمَال وَإِنَّمَا يحصل الظَّن بِهِ حِينَئِذٍ بِنَقْل المتحري فيعذر تَارَة لدعوى الْحَاجة إِلَى التَّصَرُّف لأسباب ظَاهِرَة وَيَكْفِي ذَلِك فِي الْأُمُور الظنية وَأكْثر الْمسَائِل الفروعية وَأما التَّفْصِيل فَهُوَ أَنه لما ظهر التظاهر بمذاهب الْأَئِمَّة والتناصر لَهَا من عُلَمَاء الْأمة وَصَارَ لكل مَذْهَب مِنْهَا أحزاب وأنصار وَصَارَ دأب كل فريق نصر قَول صَاحبهمْ وَقد لَا يكون أحدهم اطلع على مَأْخَذ إِمَامه فِي ذَلِك الحكم فَتَارَة يُثبتهُ بِمَا أثْبته إِمَامه وَلَا يعلم بالموافقة وَتارَة يُثبتهُ بِغَيْرِهِ وَلَا يشْعر بالمخالفة ومحذور ذَلِك مَا يستجيزه فَاعل هَذَا من تَخْرِيج أقاويل إِمَامه فِي مَسْأَلَة إِلَى مَسْأَلَة أُخْرَى والتفريع على مَا اعتقده مذهبا لَهُ بِهَذَا التَّعْلِيل وَهُوَ لهَذَا الحكم غير دَلِيل وَنسبَة الْقَوْلَيْنِ إِلَيْهِ بتخريجه وَرُبمَا حمل كَلَام الإِمَام فِيمَا خَالف نَظِيره على مَا يُوَافقهُ استمرارا لقاعدة تَعْلِيله وسعيا فِي تَصْحِيح تَأْوِيله وَصَارَ كل مِنْهُم ينْقل عَن الإِمَام مَا سَمعه مِنْهُ أَو بلغه عَنهُ من غير ذكر سَبَب لَا تَارِيخ فَإِن الْعلم بذلك قرينَة فِي فهم مُرَاده من ذَلِك اللَّفْظ كَمَا سبق

فيكثر لذَلِك الْخبط لِأَن الْآتِي بعده يجد عَن الإِمَام اخْتِلَاف أَقْوَال وَاخْتِلَاف أَحْوَال فيتعذر عَلَيْهِ نِسْبَة أَحدهمَا إِلَيْهِ على أَنه مَذْهَب لَهُ يجب مصير مقلده إِلَيْهِ دون بَقِيَّة أقاويله إِن كَانَ النَّاظر مُجْتَهدا وَأما إِن كَانَ مُقَلدًا فغرضه معرفَة مَذْهَب إِمَامه بِالنَّقْلِ عَنهُ وَلَا يحصل غَرَضه من جِهَة نَفسه لِأَنَّهُ لَا يحسن الْجمع وَلَا يعلم التَّارِيخ لعدم ذكره وَلَا التَّرْجِيح عِنْد التَّعَارُض بَينهمَا لتعذره مِنْهُ وَهَذَا الْمَحْذُور إِنَّمَا لزم من الْإِخْلَال بِمَا ذَكرْنَاهُ فَيكون محذورا وَلَقَد اسْتمرّ كثير من المصنفين والحاكمين على قَوْلهم مَذْهَب فلَان كَذَا وَمذهب فلَان كَذَا فَإِن أَرَادوا بذلك أَنه نقل عَنهُ فَقَط فَلم يفتون بِهِ فِي وَقت مَا على أَنه مَذْهَب الإِمَام وَإِن أَرَادوا أَنه الْمعول عَلَيْهِ عِنْده وَيمْتَنع الْمصير إِلَى غَيره للمقلد فَلَا يَخْلُو حِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون التَّارِيخ مَعْلُوما أَو مَجْهُولا فَإِن كَانَ مَعْلُوما فَلَا يَخْلُو أَن يكون مَذْهَب إِمَامه أَن القَوْل الْأَخير ينْسَخ إِذا كَانَ مناقضا كالأخبار أَو لَيْسَ مذْهبه كَذَلِك بل يرى عدم نسخ الأول بِالثَّانِي أَو لم ينْقل عَنهُ شَيْء من ذَلِك فَإِن كَانَ مذْهبه اعْتِقَاد النّسخ فالأخير مذْهبه فَلَا يجوز الْفَتْوَى بِالْأولِ للمقلد وَلَا التَّخْرِيج مِنْهُ وَلَا النَّقْض بِهِ وَإِن كَانَ مذْهبه أَنه لَا ينْسَخ الأول بِالثَّانِي عِنْد التَّنَافِي فإمَّا أَن يكون الإِمَام يرى جَوَاز الْأَخْذ بِأَيِّهِمَا شَاءَ الْمُقَلّد إِذا أفتاه الْمُفْتِي أَو يكون مذْهبه الْوَقْف أَو شَيْئا آخر فَإِن كَانَ مذْهبه القَوْل بالتخيير كَانَ الحكم وَاحِدًا وَإِلَّا تعدد مَا هُوَ خلاف الْغَرَض وَإِن كَانَ مِمَّن يرى الْوَقْف تعطل الحكم حِينَئِذٍ وَلَا يكون لَهُ فِيهَا قَول يعْمل عَلَيْهِ سوى الِامْتِنَاع من الْعَمَل بِشَيْء من أَقْوَاله وَإِن لم ينْقل عَن إِمَامه شَيْء من ذَلِك فَهُوَ لَا يعرف حكم إِمَامه فِيهَا فَيكون شَبِيها بالْقَوْل بِالْوَقْفِ فِي أَنه يمْتَنع من الْعَمَل بِشَيْء مِنْهَا هَذَا كُله إِن علم التَّارِيخ وَأما إِن جهل فإمَّا أَن يُمكن الْجمع بَين الْقَوْلَيْنِ باخْتلَاف حَالين أَو محلين أَو لَيْسَ يُمكن

فَإِن أمكن فإمَّا أَن يكون مَذْهَب إِمَامه جَوَاز الْجمع حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْآثَار أَو وُجُوبه أَو التخير أَو الْوَقْف أَو لم ينْقل عَنهُ شَيْء من ذَلِك فَإِن كَانَ الأول أَو الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ إِلَّا قَول وَاحِد وَهُوَ مَا اجْتمع مِنْهُمَا فَلَا يحل حِينَئِذٍ الْفتيا بِأَحَدِهِمَا على ظَاهره على وَجه لَا يُمكن الْجمع وَإِن كَانَ الثَّالِث فمذهبه أَحدهمَا بِلَا تَرْجِيح وَهُوَ بعيد سِيمَا مَعَ تعذر تعادل الأمارات وَإِن كَانَ الرَّابِع وَالْخَامِس فَلَا عمل إِذا وَأما إِن لم يُمكن الْجمع مَعَ الْجَهْل بالتاريخ فإمَّا أَن يعْتَقد نسخ الأول بِالثَّانِي أَولا فَإِن كَانَ يعْتَقد ذَلِك وَجب الِامْتِنَاع عَن الْأَخْذ بِأَحَدِهِمَا لأَنا لَا نعلم أَيهمَا هُوَ الْمَنْسُوخ عِنْده وَإِن لم يعْتَقد النّسخ فإمَّا التَّخْيِير وَإِمَّا الْوَقْف أَو غَيرهمَا فَالْحكم فِي الْكل سبق وَمَعَ هَذَا كُله فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى استحضار مَا اطلع عَلَيْهِ من نُصُوص إِمَامه عِنْد حِكَايَة بَعْضهَا مذهبا لَهُ ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون إِمَامه يعْتَقد وجو تَجْدِيد الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك أَولا فَإِن اعتقده وَجب عَلَيْهِ تجديده فِي كل حِين أَرَادَ حِكَايَة مذْهبه وَهَذَا يتَعَذَّر فِي مقدرَة الْبشر إِلَّا أَنِّي شَاءَ الله تَعَالَى لِأَن ذَلِك يَسْتَدْعِي الْإِحَاطَة بِمَا نقل عَن الإِمَام فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة على جِهَته فِي كل وَقت يسْأَل وَمن لم يصنف كتبا فِي الْمَذْهَب بل أَخذ أَكثر مذْهبه من قَوْله وفتاويه كَيفَ يُمكن حصر ذَلِك عَنهُ هَذَا بعيد عَادَة وَإِن لم يكن مَذْهَب إِمَامه وجوب تَجْدِيد الِاجْتِهَاد عِنْد نِسْبَة بَعْضهَا إِلَيْهِ مذهبا لَهُ ينظر فَإِن قيل رُبمَا لَا يكون مَذْهَب أحد القَوْل بِشَيْء من ذَلِك فضلا عَن الإِمَام قُلْنَا نَحن لم نجزم بِحكم فِيهَا بل رددنا نقل هَذِه الْأَشْيَاء عَن الإِمَام وَقُلْنَا إِن كَانَ كَذَا لزم مِنْهُ كَذَا وَيَكْفِي فِي إيقاف إقدام هَؤُلَاءِ تكليفهم نقل هَذِه الْأَشْيَاء عَن الإِمَام وَمَعَ ذَلِك فكثير من هَذِه الْأَقْسَام قد ذهب إِلَيْهِ كثير من الْأَئِمَّة وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع بَيَانه فَلْينْظر من أماكنه وَإِنَّمَا يقابلون هَذَا التَّحْقِيق بِكَثْرَة نقل الرِّوَايَات وَالْأَوْجه والاحتمالات

والتهجم على التَّخْرِيج والتفريع حَتَّى لقد صَار هَذَا عَادَة وفضيلة فَمن لم يَأْتِ بذلك لم يكن عِنْدهم بِمَنْزِلَة فالتزموا للحمية نقل مَا لَا يجوز نَقله لما عَلمته آنِفا ثمَّ قد عَم أَكْثَرهم بل كلهم نقل أقاويل يجب الْإِعْرَاض عَنْهَا فِي نظرهم بِنَاء على كَونهَا قولا ثَالِثا وَهُوَ بَاطِل عِنْدهم أَو لِأَنَّهَا مُرْسلَة فِي سندها عَن قائها وَخَرجُوا مَا يكون بِمَنْزِلَة قَول ثَالِث بِنَاء على مَا يظْهر لَهُم من الدَّلِيل فَمَا هَؤُلَاءِ بمقلدين حِينَئِذٍ وَقد يَحْكِي أحدهم فِي كِتَابه أَشْيَاء يتَوَهَّم المسترشد أَنَّهَا إِمَّا مَأْخُوذَة من نُصُوص الإِمَام أَو مِمَّا اتّفق الْأَصْحَاب على نسبتها إِلَى الإِمَام مذهبا لَهُ وَلَا يذكر الحاكي لَهُ مَا يدل على ذَلِك وَلَا أَنه اخْتِيَار لَهُ وَلَعَلَّه يكون قد استنبطه أَو رَآهُ وَجها لبَعض الْأَصْحَاب أَو احْتِمَال فَهَذَا أشبه بالتدليس فَإِن قَصده فَشبه المين وَإِن وَقع سَهوا أَو جهلا فَهُوَ أَعلَى مَرَاتِب البلادة والشين كَمَا قيل (فَإِن كنت لَا تَدْرِي فَتلك مُصِيبَة ... وَإِن كنت تَدْرِي فالمصيبة أعظم) وَقد يحكون فِي كتبهمْ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّته وَلَا يجوز عِنْدهم الْعَمَل بِهِ ويدفعهم إِلَى ذَلِك تَكْثِير الْأَقَاوِيل لِأَن من يَحْكِي عَن الإِمَام أقوالا متناقضة أَو يخرج خلاف الْمَنْقُول عَن الإِمَام فَإِنَّهُ لَا يعْتَقد الْجمع بَينهمَا على وَجه الْجمع بل إِمَّا التَّخْيِير أَو الْوَقْف أَو الْبَدَل أَو الْجمع بَينهَا على وَجه يلْزم عَنْهَا قَول وَاحِد بِاعْتِبَار حَالين أَو محلين وكل وَاحِد من هَذِه الْأَقْسَام حكمه خلاف حكم هَذِه الْحِكَايَة عِنْد تعريها عَن قرينَة مفيدة لذَلِك وَالْغَرَض كَذَلِك وَقد يشْرَح أحدهم كتابا وَيجْعَل مَا يَقُوله صَاحب الْكتاب المشروح رِوَايَة أَو وَجها أَو اخْتِيَارا لصَاحب الْكتاب وَلم يكن ذكره عَن نَفسه أَو أَنه ظَاهر الْمَذْهَب من غير أَن يبين سَبَب شَيْء من ذَلِك وَهَذَا إِجْمَال وإهمال وَقد يَقُول أحدهم الصَّحِيح من الْمَذْهَب أَو ظَاهر الْمَذْهَب كَذَا وَلَا يَقُول وَعِنْدِي وَيَقُول غَيره خلاف ذَلِك فَلَيْسَ يُقَلّد الْعَاميّ إِذا فَإِن كلا مِنْهُم يعْمل بِمَا يرى فالتقليد إِذا لَيْسَ للْإِمَام بل للأصحاب فِي أَن هَذَا مَذْهَب الإِمَام

ثمَّ إِن أَكثر المصنفين والحاكمين قد يفهمون معنى ويعبرون عَنهُ بِلَفْظ يتوهمون أَنه واف بالغرض وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِذا نظر أحد فِيهِ وَفِي قَول من أَتَى بِلَفْظ واف بالغرض رُبمَا يتَوَهَّم أَنَّهَا مَسْأَلَة خلاف لِأَن بَعضهم قد يفهم من عبارَة من يَثِق بِهِ معنى قد يكون على وفْق مُرَاد المُصَنّف وَقد لَا يكون فيحصر ذَلِك الْمَعْنى فِي لفظ وجيز فبالضرورة يصير مَفْهُوم كل وَاحِد من اللَّفْظَيْنِ من جِهَة التَّنْبِيه وَغَيره وَغير مَفْهُوم الآخر وَقد يذكر أحدهم فِي مَسْأَلَة إِجْمَاعًا بِنَاء على عدم علمه بقول يُخَالف مَا يُعلمهُ وَمن تتبع حِكَايَة الإجماعات مِمَّن يحكيها وطالبه بمستنداتها علم صِحَة مَا ادعيناه وَرُبمَا أَتَى بعض النَّاس بِلَفْظ يشبه قَول من قبله وَلم يكن أَخذه مِنْهُ فيظن أَنه قد أَخذه مِنْهُ فَيحمل كَلَامه على محمل كَلَام من قبله فَإِن رُؤِيَ مغايرا لَهُ نسب إِلَى السَّهْو أَو الْجَهْل أَو تعمد الْكَذِب أَو يكون قد أَخذ مِنْهُ وأتى بِلَفْظ يغاير مَدْلُول كَلَام من أَخذ مِنْهُ فيظن أَنه لم يَأْخُذ مِنْهُ فَيحمل كَلَامه على غير محمل كَلَام من أَخذ مِنْهُ فَيجْعَل الْخلاف فِيمَا لَا خلاف فِيهِ أَو الْوِفَاق فِيمَا فِيهِ خلاف وَقد يقْصد أحدهم حِكَايَة معنى أَلْفَاظ الْغَيْر وَرُبمَا كَانُوا مِمَّن لَا يرى جَوَاز نقل الْمَعْنى دون اللَّفْظ وَقد يكون فَاعل ذَلِك مِمَّن يُعلل الْمَنْع فِي صُورَة الْغَرَض بِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ من التحريف غَالِبا وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي أَكثر أَلْفَاظ الْأَئِمَّة وَمن عرف حَقِيقَة هَذِه الْأَسْبَاب رُبمَا رأى ترك التصنيف أولى إِن لم يحْتَرز عَنْهَا لما يلْزم من هَذِه المحاذير وَغَيرهَا غَالِبا فَإِن قيل يرد هَذَا فعل القدماء وَإِلَى الْآن من غير نَكِير وَهُوَ دَلِيل الْجَوَاز وَإِلَّا امْتنع على الْأمة ترك الْإِنْكَار إِذا لقَوْله تَعَالَى {وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} وَنَحْوه من الْكتاب وَالسّنة قُلْنَا الْأَولونَ لم يَفْعَلُوا شَيْئا مِمَّا عبناه فَإِن الصَّحَابَة لم ينْقل عَن أحد مِنْهُم تأليف فضلا عَن أَن يكون على هَذِه الصّفة وفعلهم غير مُلْزم لمن لَا يَعْتَقِدهُ حجَّة

بل لَا يكون ملزما لبَعض الْعَوام عِنْد من لَا يرى أَن الْعَاميّ مُلْزم بِالْتِزَام مَذْهَب إِمَام معِين فَإِن قيل إِنَّمَا فعلوا ذَلِك ليحفظوا الشَّرِيعَة من الإغفال والإهمال قُلْنَا قد كَانَ أحسن من هَذَا فِي حفظهَا أَن يدونوا الوقائع والألفاظ النَّبَوِيَّة وفتاوى الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ على جهاتها مَعَ ذكر أَسبَابهَا كَمَا ذكرنَا سَابِقًا حَتَّى يسهل على الْمُجْتَهد معرفَة مُرَاد كل إِنْسَان بِحَسبِهِ فيقلده على بَيَان وإيضاح وَإِنَّمَا عبنا مَا وَقع فِي التَّأْلِيف من هَذِه المحاذير لَا مُطلق التَّأْلِيف وَكَيف يعاب مُطلقًا وَقد قَالَ النَّبِي ص = قيدوا الْعلم بِالْكِتَابَةِ فَلَمَّا لم يميزوا فِي الْغَالِب مَا نقلوه مِمَّا خرجوه وَلَا مَا عللوه مِمَّا أهملوه وَغير ذَلِك مِمَّا سبق بَان الْفرق بَين مَا عبناه وَبَين مَا صنفناه وَأكْثر هَذِه الْأُمُور الْمَذْكُورَة يُمكن أَن أذكرها من كتب الْمَذْهَب مَسْأَلَة مَسْأَلَة لَكِن يطول هُنَا وَإِذا علمت عذر اعتذارنا وخيرة اختيارنا فَنَقُول الْأَحْكَام المستفادة فِي مَذْهَبنَا وَغَيره من اللَّفْظ أَقسَام كَثِيرَة مِنْهَا أَن يكون لفظ الإِمَام بِعَيْنِه أَو إيمائه أَو تَعْلِيله أَو سِيَاق كَلَامه وَمِنْهَا أَن يكون مستنبطا من لَفظه إِمَّا اجْتِهَادًا من الْأَصْحَاب أَو بَعضهم وَمِنْهَا مَا قيل إِنَّه الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَمِنْهَا مَا قيل إِنَّه ظَاهر الْمَذْهَب وَمِنْهَا مَا قيل إِنَّه الْمَشْهُور من الْمَذْهَب وَمِنْهَا مَا قيل فِيهِ نَص عَلَيْهِ يَعْنِي الإِمَام أَحْمد وَلم يتَعَيَّن لَفظه وَمِنْهَا مَا قيل إِنَّه ظَاهر كَلَام الإِمَام وَلم يعين قَائِله لفظ الإِمَام وَمِنْهَا مَا قيل وَيحْتَمل كَذَا وَلم يذكر أَنه يُرِيد بذلك كَلَام الإِمَام أَو غَيره

وَمِنْهَا مَا ذكر من الْأَحْكَام سردا وَلم يُوصف بِشَيْء أصلا فيظن سامعه أَنه مَذْهَب الإِمَام وَرُبمَا كَانَ بعض الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة آنِفا وَمِنْهَا مَا قيل إِنَّه مَشْكُوك فِيهِ وَمِنْهَا مَا قيل إِنَّه توقف فِيهِ الإِمَام وَلم يذكر لَفظه فِيهِ وَمِنْهَا مَا قَالَ فِيهِ بَعضهم اخْتِيَاري وَلم يذكر لَهُ أصلا من كَلَام أَحْمد أَو غَيره وَمِنْهَا مَا قيل إِنَّه خرج على رِوَايَة كَذَا أَو على قَول كَذَا وَلم يذكر لفظ الإِمَام فِيهِ وَلَا تَعْلِيله لَهُ وَمِنْهَا أَن يكون مذهبا لغير الإِمَام وَلم يعين ربه وَمِنْهَا أَن يكون لم يعْمل بِهِ أحد لَكِن القَوْل بِهِ لَا يكون خرقا لإجماعهم وَمِنْهَا أَن يكون بِحَيْثُ يَصح تخرجه على وفْق مذاهبهم لكنه لم يتَعَرَّضُوا لَهُ بِنَفْي وَلَا إِثْبَات ثمَّ قَالَ ثمَّ الرِّوَايَة قد تكون نصا أَو إِيمَاء أَو تخريجا من الْأَصْحَاب وَاخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِي ذَلِك وَنَحْوه كثير لَا طائل فِيهِ إِذْ اعْتِمَاد الْمُفْتِي على الدَّلِيل مَا لم يخرج عَن أَقْوَال الإِمَام وَصَحبه وَمَا قَالَ بهَا أَو ناسيها إِلَّا أَن يكون مُجْتَهدا مُطلقًا أَو فِي مَذْهَب إِمَامه ويروي فِي مَسْأَلَة خلاف قَول إِمَامه وَأَصْحَابه لدَلِيل ظهر لَهُ وَقَوي عِنْده وَهُوَ أهل لذَلِك انْتهى مَا ذكره الْعَلامَة ابْن حمدَان وَمِمَّا يُنَاسب مَا نَحن فِيهِ مَا ذكره بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام وَهُوَ يَنْبَغِي لمن شرح الله صَدره إِذا بلغته مقَالَة عَن بعض الْأَئِمَّة أَن لَا يحكيها لمن يتقلد بهَا بل يسكت عَن ذكرهَا إِن تَيَقّن صِحَّتهَا وَإِلَّا توقف فِي قبُولهَا فَمَا أَكثر مَا يحْكى عَن الْأَئِمَّة مِمَّا لَا حَقِيقَة لَهُ وَكثير من الْمسَائِل يُخرجهَا بعض الأتباع على قَاعِدَة متبوعة مَعَ أَن ذَلِك الإِمَام لَو رأى أَنَّهَا تُفْضِي لما تُفْضِي إِلَيْهِ لما التزمها وَالشَّاهِد يرى مَا لَا يرى الْغَائِب

فوائد شتى الفائدة الأولى

وَمن الْغَرِيب أَن بعض النَّاس ينْسب إِلَى بعض الْأَئِمَّة قَوَاعِد لم يذكرهَا وَإِنَّمَا استخرجها من بعض الْفُرُوع المنقولة عَنهُ ثمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا مَا رَآهُ مناسبا لَهَا من الْمسَائِل وَلذَا قَالَ بعض الْعلمَاء فِي الرَّد على من نسب إِلَى بعض الْأَئِمَّة أَنهم يَقُولُونَ إِن الْخَاص لَا يلْحقهُ الْبَيَان وَإِن الْعَام قَطْعِيّ كالخاص وَإنَّهُ لَا تَرْجِيح بِكَثْرَة الروَاة وَإنَّهُ لَا عِبْرَة بِمَفْهُوم الشَّرْط وَالْوَصْف وَنَحْو ذَلِك أصلا إِن هَذِه أصُول مخرجة على كَلَامهم وَلَا تصح بهَا رِوَايَة عَنْهُم وَلَيْسَت الْمُحَافظَة عَلَيْهَا والتكلف فِي الْجَواب عَمَّا يرد عَلَيْهَا بِأَحَق من الْمُحَافظَة على من يُخَالِفهَا وَالْجَوَاب عَمَّا يرد عَلَيْهِ وَقد اخْتلف المخرجون فِي كثير من التخريجات ورد بَعضهم على بعض فَيَنْبَغِي التَّفْرِيق بَين الْأَقْوَال الَّتِي هِيَ أَقْوَالهم فِي الْحَقِيقَة وَبَين الْأَقْوَال الَّتِي هِيَ مخرجة على أَقْوَالهم كَمَا يَفْعَله الْمُحَقِّقُونَ من الْعلمَاء وَبِذَلِك ينْحل كثير من الشبة الَّتِي تعرض فِي كثير من الْمَوَاضِع وَالله الْمُوفق فَوَائِد شَتَّى الْفَائِدَة الأولى قد ذكر الْحَافِظ ابْن الصّلاح طَرِيق نقل الحَدِيث من الْكتب الْمُعْتَمدَة الَّتِي صحت نسبتها إِلَى مصنفيها فَقَالَ فِي آخر النَّوْع الأول إِذا ظهر بِمَا قدمْنَاهُ انحصار طَرِيق معرفَة الصَّحِيح وَالْحسن الْآن فِي مُرَاجعَة الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من الْكتب الْمُعْتَمدَة فسبيل من أَرَادَ الْعَمَل أَو الِاحْتِجَاج بذلك إِذا كَانَ مِمَّن يسوغ لَهُ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ أَو الِاحْتِجَاج بِهِ لذِي مَذْهَب أَن يرجع إِلَى أصل قد قابله هُوَ أَو ثِقَة أَو غَيره بأصول صَحِيحَة مُتعَدِّدَة مروية بروايات متنوعة ليحصل لَهُ بذلك مَعَ اشتهار هَذِه الْكتب وَبعدهَا عَن أَن تقصد بالتبديل والتحريف الثِّقَة بِصِحَّة مَا اتّفقت عَلَيْهِ تِلْكَ الْأُصُول وَالله أعلم وَقَالَ بَعضهم وَمن أَرَادَ أَخذ الحَدِيث من كتاب من الْكتب الْمُعْتَمدَة للْعَمَل

بِهِ أَو الِاحْتِجَاج بِهِ إِن كَانَ أَهلا لذَلِك والأهلية فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ فسبيله كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح أَن يَأْخُذهُ من نُسْخَة مُعْتَمدَة قد قابلها هُوَ أَو ثِقَة أَو غَيره بأصول صَحِيحَة مُعْتَمدَة مروية بروايات متنوعة يَعْنِي فِيمَا تكْثر الرِّوَايَات فِيهِ كالفربري والنسفي وَحَمَّاد بن شَاكر بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَحِيح البُخَارِيّ أَو أصُول مُتعَدِّدَة فِيمَا مَدَاره على رِوَايَة وَاحِدَة كأكثر الْكتب وَقد فهم جمَاعَة من عِبَارَته اشْتِرَاط التَّعَدُّد وَقَالَ بَعضهم لَيْسَ فِي عِبَارَته مَا يَقْتَضِي ذَلِك فَيَنْبَغِي حمل كَلَامه هُنَا على كَون التَّعَدُّد مُسْتَحبا لَا وَاجِبا ليَكُون مُوَافقا لما ذكره بعد فِي مَبْحَث الْحسن حَيْثُ قَالَ وتختلف النّسخ من كتاب التِّرْمِذِيّ فِي قَوْله هَذَا حَدِيث حسن أَو هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَنَحْو ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن تصحح أصلك بِجَمَاعَة أصُول وتعتمد على مَا اتّفقت عَلَيْهِ فَقَوله هُنَا فَيَنْبَغِي قد يُشِير إِلَى عدم اشْتِرَاط ذَلِك وَأَنه إِنَّمَا هُوَ مُسْتَحبّ وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَن يُقَال إِن مَا ذكر هُنَا إِنَّمَا هُوَ فِي مُقَابلَة الْمَرْوِيّ وَمَا ذكر سَابِقًا إِنَّمَا هُوَ فِي مُقَابلَة مَا يُرَاد أَخذه للْعَمَل بِهِ أَو الِاحْتِجَاج بِهِ وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي زِيَادَة الِاحْتِيَاط فِيهِ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو عَمْرو بن الصّلاح اعْلَم أَن الرِّوَايَة بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَة لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهَا فِي عصرنا وَكثير من الْأَعْصَار قبله إِثْبَات مَا يرْوى إِذْ لَا يَخْلُو إِسْنَاد مِنْهَا عَن شيخ لَا يدْرِي مَا يرويهِ وَلَا يضْبط مَا فِي كِتَابه ضبطا يصلح لِأَن يعْتَمد عَلَيْهِ فِي ثُبُوته وَإِنَّمَا الْمَقْصُود بهَا بَقَاء سلسلة الْإِسْنَاد الَّتِي خصت بهَا هَذِه الْأمة زَادهَا الله كَرَامَة وَإِذا كَانَ ذَلِك فسبيل من أَرَادَ الِاحْتِجَاج بِحَدِيث من صَحِيح مُسلم وأشباهه أَن يَنْقُلهُ من أصل مُقَابل على يَدي ثقتين بأصول صَحِيحَة مُتعَدِّدَة مروية بروايات متنوعة ليحص لَهُ بذلك مَعَ اشتهار هَذِه الْكتب وَبعدهَا عَن أَن تقصد

بالتحريف والتبديل الثِّقَة بِصِحَّة مَا اتّفقت عَلَيْهِ تِلْكَ الْأُصُول فقد تكْثر تِلْكَ الْأُصُول الْمُقَابل بهَا كَثْرَة تتنزل منزلَة التَّوَاتُر ومنزلة الاستفاضة هَذَا كَلَام الشَّيْخ وَهَذَا الَّذِي قَالَه مَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب والاستظهار وَإِلَّا فَلَا يشْتَرط تعدد الْأُصُول وَالرِّوَايَات فَإِن الأَصْل الصَّحِيح الْمُعْتَمد يَكْفِي وتكفي الْمُقَابلَة بِهِ وَالله أعلم ثمَّ هَل يشْتَرط فِي نقل الحَدِيث للْعَمَل بِهِ أَو للاحتجاج بِهِ أَن تكون لَهُ بِهِ رِوَايَة فَالظَّاهِر مِمَّا تقدم عدم اشْتِرَاط ذَلِك وَذكر الْعِرَاقِيّ أَن بعض الْأَئِمَّة حكى الْإِجْمَاع على أَنه لَا يحل الْجَزْم بِنَقْل الحَدِيث إِلَّا لمن لَهُ بِهِ رِوَايَة وَهُوَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن خير الْأمَوِي بِفَتْح الْهمزَة الإشبيلي وَهُوَ خَال أبي الْقَاسِم السُّهيْلي فَقَالَ فِي برنامجه الْمَشْهُور وَقد اتّفق الْعلمَاء على أَنه لَا يَصح لمُسلم أَن يَقُول قَالَ رَسُول الله ص = كَذَا حَتَّى يكون عِنْده ذَلِك القَوْل مرويا وَلَو على أقل وُجُوه الرِّوَايَات لقَوْل رَسُول الله ص = (من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار) وَفِي بعض الرِّوَايَات من كذب عَليّ مُطلقًا دون تَقْيِيد قَالَ فِي تدريب الرَّاوِي وَقد تعقب الزَّرْكَشِيّ فِي جُزْء لَهُ فَقَالَ فِيمَا قرأته بِخَطِّهِ نقل الْإِجْمَاع عَجِيب وإ مَا حُكيَ ذَلِك عَن بعض الْمُحدثين ثمَّ هُوَ معَارض بِنَقْل ابْن برهَان إِجْمَاع الْفُقَهَاء على الْجَوَاز فَقَالَ فِي الْأَوْسَط ذهب الْفُقَهَاء كَافَّة إِلَى أَنه لَا يتَوَقَّف الْعَمَل بِالْحَدِيثِ على سَمَاعه بل إِذا صَحَّ عِنْده النُّسْخَة جَازَ لَهُ الْعَمَل بهَا وَإِن لم يسمع وَحكى الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرائيني الْإِجْمَاع على جَوَاز النَّقْل من الْكتب الْمُعْتَمدَة وَلَا يشْتَرط اتِّصَال السَّنَد إِلَى مصنفيها وَذَلِكَ شَامِل لكتب الحَدِيث

وَالْفِقْه وَقَالَ إِلْكيَا الطَّبَرِيّ فِي تَعْلِيقه من وجد حَدِيثا فِي كتاب صَحِيح جَازَ لَهُ أَن يرويهِ ويحتج بِهِ وَقَالَ قوم من أَصْحَاب الحَدِيث لَا يجوز لَهُ أَن يرويهِ لِأَنَّهُ لم يسمعهُ وَهَذَا غلط وَكَذَا حَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان عَن بعض الْمُحدثين وَقَالَ هم عصبَة لَا مبالاة بهم فِي حقائق الْأُصُول يَعْنِي المقتصرين على السماع لَا أَئِمَّة الحَدِيث وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام فِي جَوَاب سُؤال كتبه إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد بن عبد الحميد وَأما الِاعْتِمَاد على كتب الْفِقْه الصَّحِيحَة الموثوق بهَا فقد اتّفق الْعلمَاء فِي هَذَا الْعَصْر على جَوَاز الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا والاستناد إِلَيْهَا لِأَن الثِّقَة قد حصلت بهَا كَمَا تحصل بالروايات وَلذَلِك اعْتمد النَّاس على الْكتب الْمَشْهُورَة فِي النَّحْو واللغة والطب وَسَائِر الْعُلُوم لحُصُول الثِّقَة بهَا وَبعد التَّدْلِيس وَمن اعْتقد أَن النَّاس قد اتَّفقُوا على الْخَطَأ فِي ذَلِك فَهُوَ أولى بالْخَطَأ مِنْهُم وَلَوْلَا جَوَاز الِاعْتِمَاد على ذَلِك لتعطل كثير من الْمصَالح الْمُتَعَلّقَة بهَا وَقد رَجَعَ الشَّارِع إِلَى قَول الْأَطِبَّاء فِي صور وَلَيْسَت كتبهمْ مَأْخُوذَة فِي الأَصْل إِلَى عَن قوم كفار وَلَكِن لما بعد التَّدْلِيس فِيهَا اعْتمد عَلَيْهَا كَمَا اعْتمد فِي اللُّغَة على أشعار الْعَرَب وَأَكْثَرهم كفار لبعد التَّدْلِيس قَالَ وَكتب الحَدِيث أولى بذلك من كتب الْفِقْه وَغَيرهَا لاعتنائهم بضبط النّسخ وتحريرها فَمن قَالَ إِن شَرط التَّخْرِيج من كتاب يتَوَقَّف على اتِّصَال السَّنَد إِلَيْهِ فقد خرق الْإِجْمَاع وَغَايَة الْمخْرج أَن ينْقل الحَدِيث من أصل موثوق بِصِحَّتِهِ وينسبه إِلَى من رَوَاهُ وَيتَكَلَّم على علته وغريبه وفقهه قَالَ وَلَيْسَ النَّاقِل للْإِجْمَاع مَشْهُورا بِالْعلمِ مثل اشتهار هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة قَالَ بل نَص الشَّافِعِي فِي الرسَالَة على أَنه يجوز أَن يحدث بالْخبر وَإِن لم يعلم أَنه سَمعه فليت شعري أَي إِجْمَاع بعد ذَلِك

قَالَ واستدلاله على الْمَنْع بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور أعجب وأعجب إِذْ لَيْسَ فِي الحَدِيث اشْتِرَاط ذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ تَحْرِيم القَوْل بِنِسْبَة الحَدِيث إِلَيْهِ حَتَّى يتَحَقَّق أَنه قَالَه وَهَذَا لَا يتَوَقَّف على رِوَايَته بل يَكْفِي فِي ذَلِك علمه بِوُجُودِهِ فِي كتب من خرج الصَّحِيح أَو كَونه نَص على صِحَّته إِمَام وعَلى ذَلِك عمل النَّاس وَعبارَة الْبُرْهَان فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هِيَ وَإِذا وجد النَّاظر حَدِيثا مُسْندًا فِي كتاب صَحِيح وَلم يسترب فِي ثُبُوته واستبان انْتِفَاء اللّبْس والريب عَنهُ وَلم يسمع الْكتاب من شيخ فَهَذَا رجل لَا يروي مَا رَآهُ وَالَّذِي أرَاهُ أَنه يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ وَلَا يتَوَقَّف وجوب الْعَمَل على الْمُجْتَهدين بموجبات الْأَخْبَار على أَن تنتظم لَهُم الْأَسَانِيد فِي جَمِيعهَا وَالْمُعْتَمد فِي ذَلِك إِن روجعنا فِيهِ الثِّقَة وَالشَّاهِد لَهُ أَن الَّذين كَانُوا يرد عَلَيْهِم كتاب رَسُول الله ص = على أَيدي نقلة ثِقَات كَانَ يتَعَيَّن عَلَيْهِم الِانْتِهَاء إِلَيْهِ وَالْعَمَل بِمُوجبِه وَمن بلغه ذَلِك الْكتاب وَلم يكن مُخَاطبا بمضمونه وَلم يسمعهُ من مسمع كَانَ الَّذين قصدُوا بمضمون الْكتاب ومقصود الْخطاب وَلَو قَالَ هَذَا الرجل رَأَيْته فِي صَحِيح مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَقد وثقت باشتمال الْكتاب عَلَيْهِ فعلى الَّذِي سَمعه يذكر ذَلِك أَن يَثِق بِهِ ويلحقه بِمَا يلقاه بِنَفسِهِ وَرَآهُ أَو رَوَاهُ من الشَّيْخ المسمع وَلَو عرض مَا ذَكرْنَاهُ على جملَة الْمُحدثين لأبوه فَإِن فِيهِ سُقُوط منصب الرِّوَايَة عِنْد ظُهُور الثِّقَة وَصِحَّة الرِّوَايَة وهم عصبَة لَا مبالاة بهم فِي حقائق الْأُصُول وَإِذا نظر النَّاظر فِي تفاصيل هَذِه الْمسَائِل وجدهَا جَارِيَة فِي الرَّد وَالْقَبُول على ظُهُور الثِّقَة وانخرامها وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد الأصولي فَإِذا صادفناه لزمناه وَتَركنَا وَرَاءَنَا الْمُحدثين ينقطعون فِي وضع ألقاب وترتيب أَبْوَاب

وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء وَإِذا أَرَادَ الْمُفْتِي الْمُقَلّد أَن ينْقل عَن الْمُجْتَهد فَلهُ فِي ذَلِك طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن يكون لَهُ إِمَامه فِي ذَلِك سَنَد صَحِيح يعْتَمد عَلَيْهِ الثَّانِي أَن يَأْخُذهُ عَن كتاب مَعْرُوف قد تداولته الْأَيْدِي لَا سِيمَا إِن كَانَ من الْكتب الَّتِي ثبتَتْ بالتواتر أَو الشُّهْرَة نسبتها إِلَى مصنفيها الَّذين يعْتَمد عَلَيْهِم فِي النَّقْل فَإِن لم يجد إِلَّا فِي كتاب لم يشْتَهر فِي عصره أَو اشْتهر فِيهِ وَلَكِن لم يشْتَهر فِي دياره لم يسغْ لَهُ النَّقْل عَنهُ إِلَّا أَن يكون مَا يُرِيد نَقله عَنهُ قد نَقله عَنهُ كتاب مَشْهُور فَيكون التعويل فِي النَّقْل عَلَيْهِ لَا على الْكتاب الآخر الَّذِي لم يشْتَهر وَقَالَ بَعضهم مَا يُوجد من كَلَام رجل أَو مذْهبه فِي كتاب مَشْهُور مُعْتَمد عَلَيْهِ يجوز للنَّاظِر فِيهِ أَن يَقُول قَالَ فلَان كَذَا وَإِن لم يسمعهُ من أحد لِأَن وجود ذَلِك على هَذِه الصّفة بِمَنْزِلَة الْخَبَر الْمُتَوَاتر أَو المستفيض فَلَا يحْتَاج فِي مثله إِلَى إِسْنَاد وَقد بحث جمَاعَة فِي عبارَة ابْن خير الْمَذْكُورَة فَقَالَ بَعضهم إِنَّه لَو لم يُورد الحَدِيث الدَّال على تَحْرِيم نِسْبَة الحَدِيث إِلَى النَّبِي ص = حَتَّى يتَحَقَّق أَنه قَالَ لَكَانَ مُقْتَضى كَلَامه منع إِيرَاد مَا يكون فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا حَيْثُ لَا رِوَايَة لَهُ بِهِ وَجَوَاز نقل مَا لَهُ بِهِ رِوَايَة وَلَو كَانَ ضَعِيفا وَأما مَا ادَّعَاهُ من الْإِجْمَاع فَيمكن حمله على إِجْمَاع مَخْصُوص وَهُوَ إِجْمَاع الْمُحدثين وَإِن قَالَ كثير من الْعلمَاء إِنَّه لم يقل بِهِ إِلَّا بعض الْمُحدثين وَقَالَ بَعضهم إِن كَلَامه لَيْسَ على ظَاهره وَإنَّهُ إِنَّمَا قصد بِهِ ردع الْعَامَّة وَمن لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ عَن الْإِقْدَام على الرِّوَايَة عَن النَّبِي ص = بِغَيْر سَنَد وَأما جلة الْعلمَاء الَّذين يُمكنهُم مُرَاجعَة الْكتب وَالنَّقْل مِنْهَا فَلم يقْصد مَنعهم من ذَلِك وَيكون مستندهم فِي ذَلِك الوجادة وَهِي إِحْدَى وُجُوه الرِّوَايَات وَإِن كَانَت من أدناها وَإِنَّمَا قَالَ حَتَّى يكون ذَلِك القَوْل عِنْده مرويا وَلم يقل حَتَّى يكون مرويا لَهُ لِأَن الْعبارَة الثَّانِيَة تشعر بِأَن يكون لَهُ بِهِ رِوَايَة بِخِلَاف الأولى فنه لَا تدل على

الفائدة الثانية

ذَلِك بل تدل على أَنه قد ثَبت عِنْده أهـ رُوِيَ عَن النَّبِي ص = وَإِن لم يتَّصل السَّنَد إِلَيْهِ بِأَن يرويهِ غَيره ويتحقق هُوَ ذَلِك الْفَائِدَة الثَّانِيَة الوجادة بِالْكَسْرِ هِيَ قسم من أَقسَام أَخذ الحَدِيث وَنَقله وَهِي ثَمَانِيَة السماع من الشَّيْخ وَالْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَالْإِجَازَة والمناولة وَالْمُكَاتبَة وإعلام الشَّيْخ وَالْوَصِيَّة الْكتاب والوجادة وَذكر ابْن الصّلاح الوجادة فَقَالَ الثَّامِن الوجادة وَهِي مصدر لوجد يجد مولد غير مسموع من الْعَرَب روينَا عَن الْمعَافى بن زَكَرِيَّا النهرواني الْعَلامَة فِي الْعُلُوم أَن المولدين فرعوا قَوْلهم وجادة فِيمَا أَخذ من الْعلم من صحيفَة من غير سَماع وَلَا إجَازَة وَلَا مناولة من تَفْرِيق الْعَرَب بَين مصَادر وجد للتمييز بَين الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة يَعْنِي قَوْلهم وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وَفِي الْغَضَب موجدة وَفِي الْغنى وجدا وَفِي الْحبّ وجدا وَمِثَال الوجادة أَن يقف على كتاب شخص فِيهِ أَحَادِيث يَرْوِيهَا بِخَطِّهِ وَلم يلقه أَو لقِيه وَلَكِن لم يسمع مِنْهُ ذَلِك الَّذِي وجده بِخَطِّهِ وَلَا لَهُ مِنْهُ إجَازَة وَلَا نَحْوهَا فَلهُ أَن يَقُول وجدت بِخَط فلَان أَو فِي كتاب فلَان بِخَطِّهِ أخبرنَا فلَان بن فلَان وَيذكر شَيْخه ويسوق سَائِر الْإِسْنَاد والمتن أَو يَقُول وجدت أَو قَرَأت بِخَط فلَان عَن فلَان وَيذكر الَّذِي حَدثهُ وَمن فَوْقه وَهُوَ الَّذِي اسْتمرّ عَلَيْهِ الْعَمَل قَدِيما وحديثا وَهُوَ من بَاب الْمُنْقَطع والمرسل غير أَنه أَخذ شوبا من الِاتِّصَال لقَوْله وجدت بِخَط فلَان وَرُبمَا دلّس بَعضهم فَذكر الَّذِي وجد خطه وَقَالَ فِيهِ عَن فلَان أَو قَالَ فلَان وَذَلِكَ تَدْلِيس قَبِيح إِذا كَانَ بِحَيْثُ يُوهم سَمَاعه مِنْهُ على مَا سبق فِي نوع التَّدْلِيس وجازف بَعضهم فَأطلق فِيهِ حَدثنَا وَأخْبرنَا وانتقد ذَلِك على فَاعله

وَإِذا وجد حَدِيثا فِي تأليف شخص وَلَيْسَ بِخَطِّهِ فَلهُ أَن يَقُول ذكر فلَان أَو قَالَ فلَان أخبرنَا فلَان أَو ذكر فلَان عَن فلَان وَهَذَا مُنْقَطع لم يَأْخُذ شوبا من الِاتِّصَال وَهَذَا كُله إِذا وثق بِأَنَّهُ خطّ الْمَذْكُور أَو كِتَابه فَإِن لم يكن كَذَلِك فَلْيقل بَلغنِي عَن فلَان أَو وجدت عَن فلَان أَو نَحْو ذَلِك من الْعبارَات أَو ليفصح بالمستند فِيهِ بِأَن يَقُول كَمَا قَالَه بعض من تقدم قَرَأت فِي كتاب فلَان وَأَخْبرنِي فلَان أَنه بِخَطِّهِ أَو يَقُول وجدت فِي كتاب ظَنَنْت أَنه بِخَط فلَان أَو فِي كتاب ذكر كَاتبه أَنه فلَان بن فلَان أَو فِي كتاب قيل إِنَّه بِخَط فلَان وَإِذا أَرَادَ أَن ينْقل عَن كتاب مَنْسُوب إِلَى مُصَنف فَلَا يقل قَالَ فلَان كَذَا وَكَذَا إِلَّا إِذا وثق بِصِحَّة النُّسْخَة بِأَن قابلها هُوَ أَو ثِقَة غَيره بأصول مُتعَدِّدَة كَمَا نبهنا عَلَيْهِ فِي آخر النَّوْع الأول وَإِذا لم يُوجد ذَلِك وَنَحْوه فَلْيقل بَلغنِي عَن فلَان أَنه ذكر كَذَا وَكَذَا وَوجدت فِي نُسْخَة من الْكتاب الْفُلَانِيّ وَمَا أشبه هَذَا من الْعبارَات وَقد تسَامح أَكثر النَّاس فِي هَذِه الْأَزْمَان بِإِطْلَاق اللَّفْظ الْجَازِم فِي ذَلِك من غير تحر وَتثبت فيطالع أحدهم كتابا مَنْسُوبا إِلَى مُصَنف معِين وينقل مِنْهُ عَنهُ من غير أَن يَثِق بِصِحَّة النُّسْخَة قَائِلا قَالَ فلَان كَذَا وَكَذَا أَو ذكر فلَان كَذَا وَكَذَا وَالصَّوَاب مَا قدمْنَاهُ فَإِن كَانَ الْمطَالع عَالما فطنا بِحَيْثُ لَا يخفى عَلَيْهِ فِي الْغَالِب مَوَاضِع الْإِسْقَاط والسقط وَمَا أُحِيل من جِهَته إِلَى غَيرهَا رجونا أَن يجوز لَهُ إِطْلَاق اللَّفْظ الْجَازِم فِيمَا يحكيه من ذَلِك وَإِلَى هَذَا فِيمَا أَحسب استروح كثير من المصنفين فِيمَا نقلوه من كتب النَّاس وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى هَذَا كُله كَلَام فِي كَيْفيَّة النَّقْل بطرِيق الوجادة وَأما جَوَاز الْعَمَل اعْتِمَادًا على مَا يوثق بِهِ مِنْهَا فقد روينَا عَن بعض الْمَالِكِيَّة أَن مُعظم الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء من المالكيين وَغَيرهم لَا يرَوْنَ الْعَمَل بذلك وَحكي عَن الشَّافِعِي وَطَائِفَة من نظار أَصْحَابه جَوَاز الْعَمَل بذلك

قلت قطع بعض الْمُحَقِّقين من أَصْحَابه فِي أصُول الْفِقْه بِوُجُوب الْعَمَل بِهِ عِنْد حُصُول الثِّقَة بِهِ وَقَالَ لَو عرض مَا ذَكرْنَاهُ على جملَة الْمُحدثين لأبوه وَمَا قطع بِهِ هُوَ الَّذِي لَا يتَّجه غَيره فِي الْأَعْصَار الْمُتَأَخِّرَة فَإِنَّهُ لَو توقف الْعَمَل فِيهَا على الرِّوَايَة لانسد بَاب الْعَمَل بالمنقول لتعذر شَرط الرِّوَايَة فِيهَا على مَا تقدم فِي النَّوْع الأول وَالله أعلم قَالَ بعض الْعلمَاء قد ذكر ابْن الصّلاح حكم الوجادة الْمُجَرَّدَة وَهِي مَا لَا يكون فِيهَا للواجد إجَازَة مِمَّن وجد ذَلِك بِخَطِّهِ وَلم يتَعَرَّض لحكم الوجادة مَعَ الْإِجَازَة وَقد اسْتعْمل ذَلِك غير وَاحِد من أهل الحَدِيث كَقَوْل بَعضهم وجدت بِخَط فلَان وَأَجَازَهُ لي وَقد لَا يُصَرح بِالْإِجَازَةِ كَقَوْل عبد الله بن أَحْمد وجدت بِخَط أبي حَدثنَا فلَان وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْء والمروي بالوجادة الْمُجَرَّدَة فِي حكم الْمُنْقَطع والمرسل وَقَالَ بَعضهم الأولى جعله فِي حكم الْمُعَلق وَأَجَازَ جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين الرِّوَايَة بالوجادة مِمَّا لَيْسَ لَهُم بِهِ سَماع وَلَا إجَازَة ويروى عَن ابْن عمر أَنه قَالَ إِنَّه وجد فِي قَائِم سيف أَبِيه صحيفَة فِيهَا كَذَا وَعَن يحيى ين سعيد الْقطَّان أَنه قَالَ رَأَيْت فِي كتاب عِنْدِي عَتيق لِسُفْيَان الثَّوْريّ حَدثنِي عبد الله بن ذكْوَان وَذكر حَدِيثا وَعَن يزِيد بن أبي حبيب أَنه قَالَ أودعني فلَان كتابا أَو كلمة تشبه هَذِه فَوجدت فِيهِ عَن الْأَعْرَج وَكَانَ يحدث بأَشْيَاء مِمَّا فِي الْكتاب وَلَا يَقُول أخبرنَا وَلَا حَدثنَا وَالظَّاهِر أَنهم اقتصروا فِي ذَلِك على من سمعُوا مِنْهُ فِي الْجُمْلَة وَعرفُوا حَدِيثه مَعَ إيرادهم لَهُ بوجدت أَو رَأَيْت وَنَحْوهَا وَقد كره الرِّوَايَة عَن الصُّحُف غير المسموعة غير وَاحِد من السّلف وَمنعُوا النَّقْل وَالرِّوَايَة بالوجادة الْمُجَرَّدَة وَلذَا قَالَ بَعضهم إِن مَا وَقع من ذَلِك لَيْسَ من

الفائدة الثالثة

بَاب الرِّوَايَة وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب الْحِكَايَة عَمَّا وجده وَقَالَ بَعضهم قَول الْقَائِل وجدت بِخَط فلَان إِذا وثق بِأَنَّهُ خطّ أقوى من قَوْله قَالَ فلَان وَذَلِكَ لِأَن القَوْل يقبل الزِّيَادَة وَالنَّقْص والتغيير لَا سِيمَا عِنْد من يُجِيز النَّقْل بِالْمَعْنَى بِخِلَاف الْخط وَقد اسْتدلَّ بَعضهم للْعَمَل بالوجادة بِحَدِيث أَي الْخلق أعجب إِيمَانًا قَالُوا الْمَلَائِكَة قَالَ كَيفَ لَا يُؤمنُونَ وهم عِنْد رَبهم قَالُوا الْأَنْبِيَاء قَالَ كَيفَ لَا يُؤمنُونَ وهم يَأْتِيهم الْوَحْي قَالُوا نَحن قَالَ كَيفَ لَا تؤمنون وَأَنا بَين أظْهركُم قَالُوا فَمن يَا رَسُول الله قَالَ قوم يأْتونَ من بعدكم يَجدونَ صحفا يُؤمنُونَ بِمَا فِيهَا روى هَذَا الحَدِيث الْحسن بن عَرَفَة فِي جزئه من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَله طرق كَثِيرَة وَفِي بَعْضهَا بل قوم من بعدكم يَأْتِيهم كتاب بَين لوحين يُؤمنُونَ بِهِ ويعملون بِمَا فِيهِ أُولَئِكَ أعظم مِنْكُم أجرا أخرجه أَحْمد والدارمي وَالْحَاكِم وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَال نظر لِأَن تِلْكَ الصُّحُف لم يَأْخُذُوا بهَا لمُجَرّد الوجدان بل لوصولها إِلَيْهِم على وَجه يُوجب الإيقان الْفَائِدَة الثَّالِثَة قد ذكرنَا سَابِقًا أَن سَبِيل من أَرَادَ الْعَمَل أَو الِاحْتِجَاج بِالْحَدِيثِ أَن يرجع إِلَى أصل قد قابله هُوَ أَو ثِقَة غَيره بأصول صَحِيحَة وَقد تعرض أهل الْفَنّ لأمر الْمُقَابلَة فِي مَبْحَث كِتَابه الحَدِيث وَضَبطه وَقد أحببنا ذكر ذَلِك فَنَقُول ذكرُوا أَن على الطَّالِب مُقَابلَة كِتَابه بِكِتَاب شَيْخه الَّذِي يرويهِ عَنهُ سَمَاعا أَو إجَازَة أَو بِأَصْل أصل شَيْخه الْمُقَابل بِهِ أصل شَيْخه أَو بفرع مُقَابل بِأَصْل السماع الْمُقَابل بِالشُّرُوطِ أَو بفرع مُقَابل بفرع قوبل كَذَلِك وَالْغَرَض أَن يكون كتاب الطَّالِب مطابقا لكتاب شَيْخه الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ

وَإِنَّمَا قيدوا أصل الأَصْل بِكَوْنِهِ قد قوبل عَلَيْهِ الأَصْل لِأَنَّهُ قد يكون لشيخه عدَّة أصُول قد قوبل أصل شَيْخه بأحدها فَإِنَّهَا لَا تَكْفِي الْمُقَابلَة بِغَيْرِهِ لاحْتِمَال أَن تكون فِيهِ زِيَادَة أَو نقص فَيكون قد أَتَى بِشَيْء لم يروه شَيْخه لَهُ أَو حذف شَيْئا مِمَّا رَوَاهُ شَيْخه لَهُ وَيُقَال للمقابلة الْمُعَارضَة تَقول قابلت الْكتاب بِالْكتاب مُقَابلَة إِذا جعلته قبالة الآخر وصيرت فِيهِ مثل مَا فِي الآخر وعارضت الْكتاب بِالْكتاب مُعَارضَة إِذا عرضته على الآخر وصيرت مَا فِيهِ مثل مَا فِي الآخر وَقد تسمى الْمُعَارضَة عرضا والمقابلة متعينة لَا بُد مِنْهَا قَالَ هِشَام بن عُرْوَة قَالَ لي أبي أكتبت قلت نعم قَالَ عارضت قلت لَا قَالَ لم تكْتب وَقَالَ أَفْلح بن بسام كنت عِنْد القعْنبِي فَقَالَ لي كتبت قلت نعم قَالَ عارضت قلت لَا قَالَ لم تصنع شَيْئا وَقَالَ الْأَخْفَش إِذا نسخ الْكتاب وَلم يُعَارض ثمَّ نسخ مِنْهُ وَلم يُعَارض خرج أعجميا وَقَالَ بَعضهم من كتب وَلم يُقَابل فَهُوَ كمن غزا وَلم يُقَاتل وَأفضل الْمُعَارضَة أَن يُعَارض الطَّالِب كِتَابه بِنَفسِهِ مَعَ شَيْخه بكتابه فِي حَال تحديثه بِهِ فَإِنَّهُ يحصل فِي ذَلِك غَالِبا من وُجُوه الِاحْتِيَاط من الْجَانِبَيْنِ مَا لَا يحصل فِي غَيره هَذَا إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا أَهلا لهَذَا الْأَمر وَذَا عناية بِهِ فَإِن لم تَجْتَمِع هَذِه الْأَوْصَاف نقص من مرتبته بِقدر مَا فَاتَهُ مِنْهَا وَقيد ابْن دَقِيق الْعِيد الْأَفْضَلِيَّة بتمكن الطَّالِب مَعَ ذَلِك من التثبت فِي الْقِرَاءَة وَالسَّمَاع وَإِلَّا فتقديم الْمُقَابلَة حِينَئِذٍ أولى بل قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّه أولى مُطلقًا لِأَنَّهُ إِذا قوبل أَولا كَانَ فِي حَال السماع أيسر وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذا وَقع إِشْكَال كشف عَنهُ وَضبط فقرئ على الصِّحَّة فكم من جُزْء قرئَ بَغْتَة فَوَقع فِيهِ أغاليط وتصحيفات لم يتَبَيَّن صوابها إِلَّا بعد الْفَرَاغ فأصلحت وَرُبمَا كَانَ ذَلِك على خلاف مَا وَقعت الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فَكَانَ كذبا إِن قَالَ قَرَأت لِأَنَّهُ لم يقْرَأ على ذَلِك الْوَجْه وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل الجارودي أصدق الْمُعَارضَة مَعَ نَفسك وَقَالَ

بَعضهم لَا تصح مُقَابلَته مَعَ أحد غير نَفسه وَلَا يُقَلّد غَيره وَلَا يكون بَينه وَبَين كتاب الشَّيْخ وَاسِطَة بل يُقَابل نسخته بِالْأَصْلِ حرفا حرفا حَتَّى يكون على ثِقَة ويقين من مطابقتها لَهُ قَالَ ابْن الصّلاح وَهَذَا مَذْهَب مَتْرُوك وَهُوَ من مَذَاهِب أهل التَّشْدِيد المرفوضة فِي أعصارنا وَلَا يخفى أَن الْفِكر يتشعب بِالنّظرِ فِي النسختين بِخِلَاف الأول وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد هَذَا يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس فَمن عَادَته عدم السَّهْو عِنْد النّظر فيهمَا فَهَذَا مُقَابلَته بِنَفسِهِ أولى وَمن عَادَته السَّهْو فَهَذَا مُقَابلَته مَعَ غَيره أولى وَيسْتَحب أَن ينظر مَعَه فِي نسخته من حضر من السامعين مِمَّن لَيْسَ مَعَه نُسْخَة لَا سِيمَا إِن أَرَادَ النَّقْل مِنْهَا وَقد رُوِيَ عَن يحيى بن معِين أَنه سُئِلَ عَمَّن لم ينظر فِي الْكتاب والمحدث يقْرَأ هَل يجوز أَن يحدث بذلك عَنهُ فَقَالَ أَنا عِنْدِي فَلَا يجوز وَلَكِن عَامَّة الشُّيُوخ هَكَذَا سماعهم وَهَذَا من مَذَاهِب أهل التَّشْدِيد فِي الرِّوَايَة وَالصَّحِيح أَن ذَلِك لَا يشْتَرط وَأَنه يَصح السماع وَإِن لم ينظر أصلا فِي الْكتاب حَالَة الْقِرَاءَة وَأَنه لَا يشْتَرط أَن يُقَابله بِنَفسِهِ بل يَكْفِيهِ مُقَابلَة نسخته بِأَصْل الرَّاوِي وَإِن لم يكن ذَلِك حَالَة الْقِرَاءَة وَإِن كَانَت الْمُقَابلَة على يَدي غَيره إِذا كَانَ ثِقَة موثوقا بضبطه وَأما من لم يُعَارض كِتَابه بِالْأَصْلِ وَنَحْوه أصلا فقد اخْتلف فِي جَوَاز رِوَايَته مِنْهُ فَمنع من ذَلِك بَعضهم وَقَالَ لَا يحل لمُسلم التقي الرِّوَايَة مِمَّا لم يُقَابل بِأَصْل شَيْخه أَو نُسْخَة تحقق ووثق بمقابلتها بِالْأَصْلِ وَتَكون مُقَابلَته لذَلِك مَعَ الثِّقَة الْمَأْمُون على مَا ينظر فِيهِ فَإِذا وَقع مُشكل نظر مَعَه حَتَّى يتَبَيَّن ذَلِك وَقد نحا قريا من منحاه من قَالَ لَا يجوز للراوي أَن يروي عَن شَيْخه شَيْئا سَمعه عَلَيْهِ من كتاب لَا يعلم هَل هُوَ كل الَّذِي سَمعه أَو بضعه وَهل هُوَ على وَجهه أم لَا

الفائدة الرابعة

وَأَجَازَ ذَلِك الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ وَجَمَاعَة مِنْهُم أَبُو بكر الْخَطِيب غير أَن الْخَطِيب ذكر أَنه يشْتَرط أَن تكون نسخته نقلت من الأَصْل وَأَن يبين عِنْد الرِّوَايَة أَنه لم يُعَارض وَحكى عَن شَيْخه أبي بكر البرقاني أَنه سَأَلَ أَبَا بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ هَل للرجل أَن يحدث بِمَا كتب عَن الشَّيْخ وَلم يُعَارض بِأَصْلِهِ فَقَالَ نعم وَلَكِن لَا بُد أَن يبن أَنه لم يُعَارض قَالَ وَهَذَا هُوَ مَذْهَب أبي بكر البرقاني فَإِنَّهُ روى لنا أَحَادِيث كَثِيرَة قَالَ فِيهَا أخبرنَا فلَان وَلم أعارض بِالْأَصْلِ قَالَ ابْن الصّلاح وَلَا بُد من شَرط ثَالِث وَهُوَ أَن يكون ناقل النُّسْخَة من الأَصْل غير سقيم النَّقْل بل صَحِيح النَّقْل قَلِيل السقط ثمَّ إِنَّه يَنْبَغِي أَن يُرَاعِي فِي كتاب شَيْخه بِالنِّسْبَةِ إِلَى من فَوْقه مثل مَا ذكرنَا أَنه يراعيه فِي كِتَابه وَلَا يكونن كطائفة من الطّلبَة إِذا رَأَوْا سَماع شيخ لكتاب قرؤوه عَلَيْهِ من أَي نُسْخَة اتّفقت الْفَائِدَة الرَّابِعَة قد ذكر أهل الْفَنّ فِي مَبْحَث كِتَابَة الحَدِيث وَضَبطه أمورا مهمة لَا يسع الطَّالِب جهلها الْأَمر الأول يَنْبَغِي لكاتب الحَدِيث أَن يَجْعَل بَين كل حديثين دارة تفصل بَينهمَا وتميز أَحدهمَا عَن الآخر والدارة حَلقَة منفرجة أَو منطبقة وَمِمَّنْ جَاءَ عَنهُ الْفَصْل بَين الْحَدِيثين بالدارة أَو الزِّنَاد وَأحمد بن حَنْبَل وَإِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَمن الْمُحدثين من لَا يقْتَصر عَلَيْهَا بل يتْرك بَقِيَّة السطر خَالِيا عَن الْكِتَابَة مُبَالغَة فِي الْفَصْل والتمييز وَكَذَا يفعل فِي التراجم ورؤوس الْمسَائِل وَمَا أشبه ذَلِك وَاسْتحبَّ الْخَطِيب أَن تكون الدارات غفلا فَإِذا عَارض فَكل حَدِيث يفرغ من عرضه ينقط فِي الدارة الَّتِي تليه نقطة أَو يخط فِي وَسطهَا خطا قَالَ وَقد كَانَ بعض أهل الْعلم لَا يعْتد من سَمَاعه إِلَّا بِمَا كَانَ كَذَلِك أَو فِي مَعْنَاهُ الْأَمر الثَّانِي يَنْبَغِي لِلْكَاتِبِ أَن يحافظ على كِتَابَة الثَّنَاء على الله تَعَالَى عِنْد ذكر

اسْمه نَحْو عز وَجل وتبارك وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ كِتَابَة الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم على النَّبِي ص = عِنْد ذكره وَلَا يسأم من تكَرر ذَلِك فَأَجره عَظِيم فَإِن كَانَ الثَّنَاء وَالصَّلَاة وَالتَّسْلِيم ثَابتا فِي أصل سَمَاعه أَو أصل الشَّيْخ فَالْأَمْر وَاضح وَإِن لم يكن فِي الأَصْل فَلَا يتَقَيَّد بِهِ وليكتبه وليتلفظ بِهِ عِنْد الْقِرَاءَة لِأَنَّهُ ثَنَاء وَدُعَاء يُثبتهُ لَا كَلَام يرويهِ قَالَ ابْن الصّلاح وَمَا وجد فِي خطّ أبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل من إغفال ذَلِك عِنْد ذكر اسْم النَّبِي ص = فَلَعَلَّ سَببه أَنه كَانَ يرى التقيد فِي ذَلِك بالرواية وَعز عَلَيْهِ اتصالها فِي ذَلِك فِي جَمِيع من فَوْقه من الروَاة قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر وَبَلغنِي أَنه كَانَ يُصَلِّي على النَّبِي ص = نطقا لَا خطأ قَالَ وَقد خَالفه غَيره من الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين فِي ذَلِك وَرَوَاهُ عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ وعباس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري قَالَا مَا تركنَا الصَّلَاة على النَّبِي ص = فِي كل حَدِيث سمعناه وَرُبمَا عجلنا فنبيض الْكتاب فِي كل حَدِيث حَتَّى يرجع إِلَيْهِ قَالَ بَعضهم يُريدَان أَنَّهُمَا لم يتركا الصَّلَاة على النَّبِي ص = فِي كل حَدِيث سمعاه سَوَاء وَقعت الصَّلَاة فِي الرِّوَايَة أم لَا وَإِذا دعاهما الاستعجال إِلَى ترك كتَابَتهَا بيضًا لَهَا فِي الْكتاب ليتيسر لَهما كتَابَتهَا فِيمَا بعد وَيحْتَمل أَن يكون إغفال أَحْمد بن حَنْبَل لَهُ للاستعجال إِمَّا لكَونه فِي حَال الرحلة أَو لنَحْو ذَلِك وَالظَّاهِر مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الصّلاح من أَنه كَانَ يرى التقيد بِمَا فِي الرِّوَايَة وَيُؤَيّد ذَلِك مَا ذكره فِي مَبْحَث صفة الرِّوَايَة حَيْثُ قَالَ ثَبت عَن عبد الله بِهِ أَحْمد بن حَنْبَل أَنه رأى أَبَاهُ إِذا كَانَ فِي الْكتاب عَن النَّبِي فَقَالَ الْمُحدث عَن رَسُول الله ضرب وَكتب عَن رَسُول الله وَقَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر هَذَا غير لَازم وَإِنَّمَا اسْتحبَّ أَحْمد اتِّبَاع الْمُحدث فِي لَفظه وَإِلَّا فمذهبه الترخيص فِي ذَلِك ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ عَن صَالح بن أَحْمد بن

حَنْبَل قَالَ قلت لأبي يكون فِي الحَدِيث قَالَ رَسُول الله فَيَجْعَلهُ الْإِنْسَان قَالَ النَّبِي فَقَالَ أَرْجُو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس وَذكر الْخَطِيب بِسَنَدِهِ عَن حَمَّاد بن سَلمَة أَنه كَانَ يحدث وَبَين يَدَيْهِ عَفَّان وبهز فَجعلَا يغيران النَّبِي إِلَى رَسُول الله فَقَالَ لَهما حَمَّاد أما أَنْتُمَا فَلَا تفقهان أبدا وَمَال ابْن دَقِيق الْعِيد إِلَى مَا جرى عَلَيْهِ أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ فِي الاقتراح وَالَّذِي نَمِيل إِلَيْهِ أَن تتبع الْأُصُول وَالرِّوَايَات فَإِن الْعُمْدَة فِي هَذَا الْبَاب هُوَ أَن يكون الْإِخْبَار مطابقا لما فِي الْوَاقِع فَإِذا دلّ اللَّفْظ على أَن الرِّوَايَة هَكَذَا وَلم يكن الْأَمر كَذَلِك لم تكن الرِّوَايَة مُطَابقَة لما فِي الْوَاقِع وَلِهَذَا أَقُول إِذا ذكرت الصَّلَاة لفظا من غير أَن تكون فِي الأَصْل فَيَنْبَغِي أَن تصحبها قرينَة تدل على ذَلِك مثل كَونه يرفع رَأسه عَن النّظر فِي الْكتاب بعد أَن كَانَ يقْرَأ فِيهِ وَيَنْوِي بِقَلْبِه أَنه هُوَ الْمُصَلِّي لَا حاكيا عَن غَيره وعَلى هَذَا فَمن كتبهَا وَلم تكن فِي الرِّوَايَة فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُنَبه على ذَلِك وَعَلِيهِ جرى الإِمَام الْحَافِظ شرف الدّين أَبُو الْحُسَيْن عَليّ بن مُحَمَّد اليونيني فِي نُسْخَة صَحِيح البُخَارِيّ الَّتِي جمع فِيهَا بَين الرِّوَايَات فَإِنَّهُ يُشِير بالرمز إِلَيْهَا إِثْبَاتًا ونفيا وَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب فِي أَمر الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَن يجعلهما منقوصين فِي الْخط بِأَن يرمز إِلَيْهِمَا بحرفين أَو أَكثر نَحْو ص ل كَمَا يَفْعَله الْكسَائي من النساخ قَالَ بَعضهم وَقد وجد بِخَط الذَّهَبِيّ وَبَعض الْحفاظ كتابتهما هَكَذَا صلى الله علم وَالْأولَى خِلَافه وَقد وجدتهما بِخَطِّهِ كَمَا ذكر وَلم يكتبهما على أَصلهمَا فِي مَوضِع وَسبب ذَلِك فِيمَا يظْهر هُوَ الاستعجال والحرص على إِكْمَال مَا هُوَ بصدده وَيُؤَيّد ذَلِك أَنه لم يكْتب عِنْد ذكر أحد من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم رَضِي الله

عَنهُ مَعَ أَنه من المعروفين بالحرص على ذَلِك وَلَا يخفى أَن مثل هَذَا يُمكن تَدَارُكه فِيمَا بعد بِوَاسِطَة النَّاسِخ بِأَن يُقَال لَهُ اكْتُبْ عَلَيْهِ وَسلم على أَصلهمَا واكتب رَضِي الله عَنهُ عِنْد ذكر اسْم كل صَحَابِيّ فَإِن كَانَ ذَلِك من جِهَة الْمُؤلف لم يكن من قبيل التَّصَرُّف فِي الأَصْل أصلا وَالثَّانِي أَن يجعلهما منقوصين فِي اللَّفْظ بِأَن يقْتَصر على أَحدهمَا كَأَن يَقُول صلى الله عَلَيْهِ أَو عَلَيْهِ السَّلَام فَإِن الْأَمر قد ورد بِالْأَمر بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيم مَعًا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} وَقَالَ بعض الْعلمَاء إِنَّمَا تظهر الْكَرَاهَة فِيمَا إِذا اقْتصر الْمَرْء على أَحدهمَا دَائِما وَأما من كَانَ يَأْتِي بِالصَّلَاةِ تَارَة وبالتسليم تَارَة من غير إخلال بِوَاحِد مِنْهُمَا فَلَا تظهر الْكَرَاهَة فِيمَا أَتَى بِهِ وَلكنه خلاف الأولى إِذْ لَا يزاع فِي كَون الْجمع بَينهمَا مُسْتَحبا وَيُؤَيّد ذَلِك وُقُوع الصَّلَاة مُفْردَة فِي رِسَالَة الإِمَام الشَّافِعِي وصحيح مُسلم والتنبيه لأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَغير ذَلِك من كتب الْعلمَاء الْأَعْلَام الْأَمر الثَّالِث يَنْبَغِي لطَالب الْعلم ضبط كِتَابه بالنقط والشكل ليؤديه كَمَا سَمعه فقد قيل إعجام الْمَكْتُوب يمْنَع من استعجامه وشكله يمْنَع من إشكاله والإعجام هُوَ النقط تَقول أعجمت الْحَرْف إِذا أزلت عجمته وميزته عَن غَيره بالنقط والاستعجام الاستغلاق يُقَال استعجم عَلَيْهِ الْكَلَام واستعلق واستبهم إِذا أريج عَلَيْهِ فَلم يقدر أَن يتَكَلَّم والشكل هُوَ إِعْلَام الْحَرْف بالحركة تَقول شكلت الْكتاب شكلا إِذا أعلمته بعلامات الْإِعْرَاب والإشكال الالتباس تَقول أشكل الْأَمر إِذا الْتبس

وَقد اتّفق الْعلمَاء على اسْتِحْسَان الضَّبْط إِلَّا أَنهم اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يَنْبَغِي أَن يقْتَصر على ضبط الْمُشكل أَو يَنْبَغِي أَن يضْبط هُوَ وَغَيره فَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا يشكل مَا يشكل وَلَا حَاجَة إِلَى الشكل مَعَ عدم الْإِشْكَال قَالَ عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب سمات الْخط ورقومه إِن أهل الْعلم يكْرهُونَ الإعجام وَالْإِعْرَاب إِلَّا فِي الملتبس وَقَالَ بَعضهم يَنْبَغِي أَن يشكل مَا يشكل وَمَا لَا يشكل وَذَلِكَ لِأَن الْمُبْتَدِئ وَغير المتبحر فِي الْعلم لَا يُمَيّز مَا يشكل مِمَّا لَا يشكل على أَنه قد يظنّ أَن الشَّيْء غير مُشكل لوضوحه فِي بادئ الرَّأْي وَهُوَ عِنْد التَّأَمُّل وإمعان النّظر يكون مُشكلا وَكَثِيرًا مَا يتهاون الطَّالِب الواثق بمعرفته فَيتْرك الضَّبْط فِي بعض الْمَوَاضِع لاعْتِقَاده أَنَّهَا وَاضِحَة ثمَّ يَبْدُو لَهُ بعد حِين إِشْكَال فِيهَا فيندم على تفريطه والتهاون وخيم الْعَاقِبَة وَالْإِنْسَان معرض للنسيان وَأول نَاس أول النَّاس فالاحتياط إِنَّمَا هُوَ فِي شكل مَا يشكل وَمَا لَا يشكل وَفِي ذَلِك عُمُوم النَّفْع لجَمِيع الطَّبَقَات وَيَنْبَغِي للطَّالِب أَن لَا يغْفل عَن ضبط الْأَسْمَاء فقد قَالَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم النجيرمي أولى الْأَشْيَاء بالضبط أَسمَاء الرِّجَال لِأَنَّهَا لَا يدخلهَا الْقيَاس وَلَا قبلهَا وَلَا بعْدهَا شَيْء يدل عَلَيْهَا وَذكر أَبُو عَليّ الغساني أَن عبد الله بن إِدْرِيس قَالَ لما حَدثنِي شُعْبَة بِحَدِيث أبي الْحَوْرَاء السَّعْدِيّ عَن الْحسن بن عَليّ كتبت تَحْتَهُ {وحور عين} لِئَلَّا أغلط يَعْنِي فيقرأه أَبَا الجوزاء بِالْجِيم وَالزَّاي

وَيسْتَحب فِي الْأَلْفَاظ المشكلة أَن يُكَرر ضَبطهَا بِأَن يضبطها فِي متن الْكتاب ثمَّ يَكْتُبهَا قبالة ذَلِك فِي الْحَاشِيَة مُفْردَة مضبوطة فَإِن ذَلِك أبلغ فِي الْحَاشِيَة مُفْردَة مضبوطة فَإِن ذَلِك أبلغ فِي إبانتها وَأبْعد من التباسها لِأَن المضبوط فِي أثْنَاء الأسطر رُبمَا دَاخله نقط غَيره وشكله مِمَّا فَوْقه أَو تَحْتَهُ لَا سِيمَا عِنْد ضيقها ودقة الْخط وأوضح من ذَلِك أَن يقطع حُرُوف الْكَلِمَة المشكلة فِي الْهَامِش لِأَنَّهُ يظْهر شكل الْحَرْف بكتابته مُفردا وَذَلِكَ فِي بعض الْحُرُوف كالباء وَالْيَاء بِخِلَاف مَا إِذا كتبت الْكَلِمَة مجتمعة والحرف الْمَذْكُور فِي أَولهَا أَو وَسطهَا قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد فِي الاقتراح وَمن عَادَة المتقنين أَن يبالغوا فِي إِيضَاح الْمُشكل فيفرقوا حُرُوف الْكَلِمَة فِي الْحَاشِيَة ويضبطوها حرفا حرفا فَلَا يبْقى بعده إِشْكَال وَيَنْبَغِي التنبه لما يَقع من الضَّبْط نقطا أَو شكلا فِي خطّ الْعلمَاء الْأَعْلَام من جِهَة غَيرهم فَإِنَّهُ قد يخفى حَتَّى على الحذاق وَمن الْقَبِيح مَا يَفْعَله بَعضهم من ذَلِك قصدا لرفع نِسْبَة الْخَطَأ إِلَيْهِ فِيمَا وَقع مِنْهُ من قبل وأقبح من ذَلِك من يَفْعَله قصدا لنسبة الْخَطَأ إِلَيْهِم الْأَمر الرَّابِع وكما يَنْبَغِي أَن تضبط الْحُرُوف الْمُعْجَمَة بالنقط يَنْبَغِي أَن نضبط الْحُرُوف الْمُهْملَة بعلامة تدل على عدم إعجامها وسبيل النَّاس فِي ذَلِك مُخْتَلف فَمنهمْ من يقلب النقط فَيجْعَل النقط الَّتِي فَوق المعجمات تَحت مَا يشاكلها من المهملات فينقط تَحت الرَّاء وَالصَّاد والطاء وَالْعين وَنَحْوهَا من المهملات وَقد اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة نقط السِّين الْمُهْملَة فَقَالَ بَعضهم يَنْبَغِي أَن تكون النقط الَّتِي تَحت السِّين الْمُهْملَة مبسوطة صفا وَالَّتِي فَوق الشين الْمُعْجَمَة كالأثافي هَكَذَا وَقَالَ بَعضهم يَنْبَغِي أَن تكون النقط الَّتِي تُوضَع تَحت السِّين على صُورَة النقط الَّتِي تُوضَع فَوق الشين وَالْأولَى أَن تكون مَقْلُوبَة هَكَذَا وَيسْتَثْنى من هَذَا

الْأَمر الْحَاء فَإِنَّهَا لَو نقطت من تَحت لالتبست بِالْجِيم وَمن النَّاس من يَجْعَل عَلامَة الإهمال فَوق الْحُرُوف الْمُهْملَة كقلامة ظفر مضجعة على قفاها لتَكون فرجتها إِلَى فَوق وَمِنْهُم من يَجْعَل عَلامَة الإهمال أَن يكْتب تَحت الْحَرْف المهمل مثله مُفردا فَيجْعَل تَحت الْحَاء الْمُهْملَة حاء مُهْملَة صَغِيرَة وَتَحْت الصَّاد صادا مُهْملَة صَغِيرَة وَكَذَا تَحت سَائِر الْحُرُوف الْمُهْملَة الملتبسة مثل ذَلِك فَهَذِهِ العلامات الثَّلَاثَة شائعة مَعْرُوفَة وَهُنَاكَ من العلامات مَا هُوَ مَوْجُود فِي كثير من الْكتب الْقَدِيمَة وَلَا يفْطن لَهُ كَثِيرُونَ كعلامة من يَجْعَل فَوق الْحَرْف المهمل خطا صَغِيرا قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ سَمِعت بعض أهل الحَدِيث يفتح الرَّاء من رضوَان فَقلت لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ لَيْسَ لَهُم رضوَان بِالْكَسْرِ فَقلت إِنَّمَا سمي بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ بِالْكَسْرِ فَقَالَ وجدته بِخَط فلَان بِالْفَتْح وَسمي من لَا يحضرني ذكره الْآن ثمَّ إِنِّي وجدت بعد ذَلِك فِي الْكتب الْقَدِيمَة هَذَا الِاسْم وفوقه فَتْحة فتأملت الْكتاب فَإِذا هُوَ يخط فَوق الْحَرْف المهمل خطا صَغِيرا فَعلمت أَنه عَلامَة الإهمال وَأَن الَّذِي قَالَه بِالْفَتْح من هَا هُنَا أُتِي

وَمن العلامات الَّتِي لم تشع عَلامَة من يَجْعَل تَحت الْحَرْف المهمل مثل النبرة والنبرة هِيَ كَمَا ذكر الْجَوْهَرِي وَابْن سَيّده الْهمزَة وَمِنْهُم من يَجْعَل ذَلِك فَوق الْحَرْف المهمل وَمن النَّاس وهم الْأَكْثَر من يقْتَصر فِي بَيَان الْحُرُوف الْمُهْملَة على مَا هُوَ الأَصْل فِيهَا وَهُوَ إخلاؤها عَن الْعَلامَة وَلَا يخفى أَن مخلفة مَا هُوَ الأَصْل لَا تنبغي إِلَّا إِذا دَعَا إِلَى ذَلِك دَاع وَهُوَ الْخَوْف من وُقُوع الِاشْتِبَاه فِي مَوضِع لَا يستبعد فِيهِ ذَلِك فَوضع عَلامَة الإهمال على مثل الرَّاء من رضوَان من قبيل وضع الشَّيْء فِي غير مَحَله وَلم يتَعَرَّض أهل هَذَا الْفَنّ للكاف وَاللَّام وذكرهما المصنفون فِي الْخط فَقَالُوا إِ الْكَاف إِذا لم تكْتب مبسوطة يَجْعَل فِي وَسطهَا كَاف صَغِيرَة وَقد يختصرها بَعضهم حَتَّى تكون كالهمزة وَاللَّام يَجْعَل فِي وَسطهَا لَام أَي هَذِه الْكَلِمَة بِتَمَامِهَا لَا صُورَة ل وَالْهَاء إِذا وَقعت فِي آخر الْكَلِمَة وَخيف اشتباهها بهاء التَّأْنِيث جعل فَوْقهَا هَاء مشقوقة الْأَمر الْخَامِس قَالَ ابْن الصّلاح من شَأْن الحذاق المتقنين الْعِنَايَة بالتصحيح والتضبيب والتمريض أما التَّصْحِيح فَهُوَ كِتَابَة صَحَّ على الْكَلَام أَو عِنْده وَلَا يفعل ذَلِك إِلَّا فِيمَا صَحَّ رِوَايَة وَمعنى غير أَنه عرضة للشَّكّ أَو للْخلاف فَيكْتب عَلَيْهِ صَحَّ ليعرف أَنه لم يغْفل عَنهُ وَأَنه قد ضبط وَصَحَّ على ذَلِك الْوَجْه وَأما التضبيب وَيُسمى أَيْضا التمريض فَيجْعَل على مَا صَحَّ ورده كَذَلِك من جِهَة النَّقْل غير أَنه فَاسد لفظا أَو معنى أَو ضَعِيف أَو نَاقص مثل أَن يكون غير جَائِز من جِهَة الْعَرَبيَّة أَو يكون شاذا عِنْد أَهلهَا يأباه أَكْثَرهم أَو مُصحفا أَو ينقص

من جملَة الْكَلَام كلمة أَو أَكثر وَمَا أشبه ذَلِك فيمد على مثل هَذَا خطّ أَوله مثل الصَّاد وَلَا يلزق بِالْكَلِمَةِ الْمعلم عَلَيْهَا كَيْلا يظنّ ضربا وَكَأَنَّهُ صَاد التَّصْحِيح بمدتها دون حائها كتبت كَذَلِك ليفرق بَين مَا صَحَّ مُطلقًا من جِهَة الرِّوَايَة وَغَيرهَا وَبَين مَا صَحَّ من جِهَة الرِّوَايَة دون غَيرهَا فَلم يكمل عَلَيْهِ التَّصْحِيح وَكتب حرف نَاقص على حرف نَاقص إشعارا بنقصه ومرضه مَعَ صِحَة نَقله وَرِوَايَته وتنبيها بذلك لمن ينظر فِي كِتَابه على أَنه قد وقف عَلَيْهِ وَنَقله على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ غَيره قد يخرج لَهُ وَجها صَحِيحا أَو يظْهر لَهُ بعد ذَلِك فِي صِحَّته مَا لم يظْهر لَهُ الْآن وَلَو غير ذَلِك وَأَصْلحهُ على مَا عِنْده لَكَانَ متعرضا لما وَقع فِيهِ غير وَاحِد من المتجاسرين الَّذين غيروا ثمَّ ظهر الصَّوَاب فِيمَا أنكروه وَالْفساد فِيمَا أصلحوه وَأما تَسْمِيَة ذَلِك ضبة فقد بلغنَا عَن أبي الْقَاسِم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد اللّغَوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الإفليلي أَن ذَلِك لكَون الْحَرْف مقفلا بهَا لَا يتَّجه لقِرَاءَة كَمَا أَن الضبة مقفل بهَا قَالَ الْمُؤلف وَلِأَنَّهَا لما كَانَت على كَلَام فِيهِ خلل أشبهت الضبة الَّتِي تجْعَل على كسر أَو خلل فاستعير لَهَا اسْمهَا وَمثل ذَلِك غير مستنكر فِي بَاب الاستعارات وَمن مَوَاضِع التضبيب أَن يَقع فِي الْإِسْنَاد إرْسَال أَو انْقِطَاع فَمن عَادَتهم تضبيب مَوضِع الْإِرْسَال والانقطاع وَذَلِكَ من قبيل مَا سبق ذكره من التضبيب على الْكَلَام النَّاقِص وَيُوجد فِي بعض أصُول الحَدِيث الْقَدِيمَة فِي الْإِسْنَاد الَّذِي تَجْتَمِع فِيهِ جمَاعَة معطوفة أَسمَاؤُهُم بَعْضهَا على بعض عَلامَة تشبه الضبة فِيمَا بَين أسمائهم فيتوهم

من لَا خبْرَة لَهُ أَنَّهَا ضبة وَلَيْسَت بضبة وَكَأَنَّهَا عَلامَة وصل فِيمَا بَينهَا أَثْبَتَت تَأْكِيدًا للْعَطْف خوفًا أَن تجْعَل عَن مَكَان الْوَاو وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى ثمَّ إِن بَعضهم رُبمَا اختصر عَلامَة التَّصْحِيح فَجَاءَت صُورَة تشبه صُورَة التضبيب والفطنة من خير مَا أوتيه الْإِنْسَان وَالله أعلم وَقد اعْترض بَعضهم على مَا ذكره ابْن الصّلاح من أَن الضبة سميت بِهَذَا الِاسْم لِأَنَّهَا لما كَانَت على كَلَام فِيهِ خلل أشبهت الضبة الَّتِي تجْعَل على كسر أَو خلل فاستعير لَهَا اسْمهَا فَقَالَ هَذَا بعيد لِأَن ضبة الْقدح جعلت للجبر وَهَذِه لَيست جابرة وَإِنَّمَا هِيَ عَلامَة لكَون الرِّوَايَة هَكَذَا وَلم يتَّجه وَجههَا أَي عَلامَة لصِحَّة وُرُودهَا لِئَلَّا يظنّ الرَّائِي أَنَّهَا غلط فيصلحها وَقد يَأْتِي من بعد ذَلِك من يظْهر لَهُ وَجه ذَلِك وَقد غير بعض المتجاسرين مَا الصَّوَاب إبقاؤه وَأجِيب عَن ذَلِك بِأَن وَجه الشّبَه بَينهمَا كَونهمَا مَوْضُوعَيْنِ على مَا فِيهِ خلل وَهَذَا كَاف فِي صِحَة التَّشْبِيه وَفِي صِحَة الِاسْتِعَارَة على أَن فِي الْإِشَارَة إِلَى أَن فِي ذَلِك الْموضع خللا مَا نوعا من أَنْوَاع الْجَبْر وَإِن لم يكن خَبرا تَاما وَقَالَ بعض الْعلمَاء التضبيب هُوَ كِتَابَة صُورَة ضَب فَوق مَا هُوَ ثَابت من جِهَة النَّقْل غير أَن فِيهِ خللا مَا وَقد أشكل ذَلِك على بعض الباحثين فَقَالَ إِن الْمَعْرُوف أَن الضبة خطّ يكون أَوله مثل الصَّاد الْمُهْملَة وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون أَوله مثل الضَّاد الْمُعْجَمَة وعَلى هَذَا يجب أَن تُوضَع نقطة فَوْقه أَوله وَلم تجر عَادَتهم بذلك ويرتفع الْإِشْكَال إِذا علم أَن واضعي العلائم التزموا أَن يجردوها مَا لَهُ نقطة عَن نقطته اختصارا من جِهَة ودفعا للالتباس من جِهَة أُخْرَى أَلا ترى أَن النُّحَاة جعلُوا عَلامَة السّكُون الْخَاء الْمَأْخُوذَة من أول خَفِيف وَلما لم ينقطوها صَارَت هَكَذَا (ح) وعلامة الْحَرْف المشدد الشين الْمَأْخُوذَة من أول شَدِيد وَلما لم ينقطوها صَارَت

هَكَذَا (س) وعلامة الكسرة الْيَاء وَلما لم ينقطوها صَارَت هَكَذَا (ى) غير أَن أَكثر العلائم يلْحقهَا فِيمَا بعد تغير حَتَّى إِنَّه رُبمَا بَعدت عَن أَصْلهَا بعدا شَدِيدا وَقد أَشَارَ سِيبَوَيْهٍ إِلَى شَيْء من ذَلِك فِي بَاب الْوَقْف حَيْثُ قَالَ وَلِهَذَا عَلَامَات فللإشمام نقطة وللذي أجري مجْرى الْجَزْم والإسكان الْخَاء ولروم الْحَرَكَة خطّ بَين يَدي الْحَرْف وللتضعيف الشين وَقَالَ بعض الْكتاب التَّصْحِيح هُوَ وضع صَحَّ فَوق مَا صَحَّ من جِهَة الرِّوَايَة وَغَيرهَا وَهُوَ عرضة للشَّكّ إِشَارَة إِلَى أَنه كَانَ شاكا فِيهِ فبحث عَنهُ إِلَى أَن صَحَّ فخشي أَن يعاوده الشَّك فكتبها ليزول عَنهُ الشَّك فِيمَا بعد والتضبيب هُوَ وضع الضبة وَهِي بعض صَحَّ تكْتب على شَيْء فِيهِ شكّ ليبحث عَنهُ فَإِذا تبين لَهُ صِحَّته أتمهَا بِضَم الْحَاء إِلَيْهَا فَتَصِير صَحَّ وَلَو جعل لَهَا عَلامَة غَيرهَا لتكلف الكشط لَهَا وَكتب صَحَّ مَكَانهَا وَإِن وَقع فِي الرِّوَايَة خطأ مَحْض لَا شكّ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَن يكْتب فَوْقه كَذَا بِخَط دَقِيق وَيبين الصَّوَاب فِي الْهَامِش الْأَمر السَّادِس يَنْبَغِي الاعتناء بِأَمْر اللحق واللحق فِي اصْطِلَاح أهل الحَدِيث وَالْكِتَابَة مَا سقط من أصل الْكتاب فَألْحق بالحاشية وَهُوَ بِفَتْح اللَّام والحاء وَيجوز بِسُكُون الْحَاء وَهُوَ فِي اللُّغَة الشَّيْء الرائد وكل شَيْء لحق شَيْئا وَقد اسْتعْمل اللحق بِالْمَعْنَى الاصطلاحي بعض الشُّعَرَاء فَقَالَ كَأَنَّهُ بَين أسطر لحق وَالْمُخْتَار فِي تَخْرِيج السَّاقِط فِي الْحَوَاشِي أَن يخط الْكَاتِب من مَوضِع سُقُوطه من السطر خطا صاعدا إِلَى فَوق ثمَّ يعطفه بَين السطرين عطفة يسيرَة إِلَى جِهَة الْحَاشِيَة الَّتِي يكْتب فِيهَا اللحق وَيبدأ فِي الْحَاشِيَة بكتبه اللحق مُقَابلا لِلْخَطِّ المنعطف وَليكن ذَلِك فِي الْحَاشِيَة ذَات الْيَمين وَإِن كَانَت تلِي وسط ورقة إِن اتسعت لَهُ فليكتبه صاعدا إِلَى أَعلَى الورقة لَا نازلا بِهِ إِلَى أَسْفَل وَإِنَّمَا اختير كِتَابَة اللحق صاعدا إِلَى أَعلَى الورقة لِئَلَّا يخرج بعده نقص آخر فَلَا يجد مَا يُقَابله من الْحَاشِيَة فَارغًا لَهُ لَو كتب الأول نازلا إِلَى أَسْفَل وَإِذا كتب الأول صاعدا فَمَا يجد بعد ذَلِك من نقص يجد مَا يُقَابله من الْحَاشِيَة فَارغًا لَهُ

وَهَذَا إِن لم يزدْ اللحق على سطر فَإِن كَانَ اللحق سطرين أَو سطورا فَلَا يَبْتَدِئ بسطوره من أَسْفَل إِلَى أَعلَى بل يَبْتَدِئ بهَا من أَعلَى إِلَى أَسْفَل بِحَيْثُ يكون مُنْتَهَاهَا إِلَى جِهَة بَاطِن الورقة إِذا كَانَ التَّخْرِيج فِي جِهَة الْيَمين وَإِذا كَانَ فِي جِهَة الشمَال وَقع مُنْتَهَاهَا إِلَى جِهَة طرف الورقة وَإِنَّمَا اختير تخرج اللحق فِي جِهَة الْيَمين لِأَنَّهُ لَو خرجه إِلَى جِهَة الشمَال فَرُبمَا ظهر بعده فِي السطر نَفسه نقص آخر فَإِن خرجه قدامه إِلَى جِهَة الشمَال أَيْضا وَقع بَين التخريجين إِشْكَال حَيْثُ يشْتَبه مَوضِع هَذَا السقط بِموضع ذَاك السقط وَإِن خرج الثَّانِي إِلَى جِهَة الْيَمين تقابلت عطفة التَّخْرِيج إِلَى جِهَة الشمَال وعطفة التَّخْرِيج إِلَى جِهَة الْيَمين وَرُبمَا تلاقتا فَأشبه ذَلِك الضَّرْب على مَا بَينهمَا بِخِلَاف مَا إِذا خرج الأول إِلَى جِهَة الْيَمين فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يخرج الثَّانِي إِلَى جِهَة الشمَال فَلَا يَلْتَقِيَانِ وَلَا يلْزم إِشْكَال إِلَّا أَن يتَأَخَّر النَّقْص إِلَى آخر السطر فَلَا وَجه حِينَئِذٍ إِلَّا تَخْرِيجه إِلَى جِهَة الشمَال لقرب التَّخْرِيج من اللحق وَسُرْعَة لحاق النَّاظر بِهِ وللأمن من نقص يحدث بعده نعم إِن ضَاقَ مَا بعد آخر السطر لقرب الْكِتَابَة من طرف الْوَرق لضيقه أَو لضيقه بالتجليد بِأَن يكون السقط فِي الصَّحِيفَة الْيُمْنَى فَلَا بَأْس حِينَئِذٍ بالتخريج إِلَى جِهَة الْيَمين وَقد وَقع ذَلِك فِي خطّ غير وَاحِد من أهل الْعلم وَيَنْبَغِي أَن يكْتب عِنْد انْتِهَاء اللحق صَحَّ وَمِنْهُم من يكْتب مَعَ صَحَّ رَجَعَ وَمِنْهُم من يكْتب انْتهى اللحق وَمِنْهُم من يكْتب فِي آخر اللحق الْكَلِمَة الْمُتَّصِلَة بِهِ دَاخل الْكتاب فِي مَوضِع التَّخْرِيج ليؤذن باتصال الْكَلَام وَهَذَا اخْتِيَار بعض أهل الصَّنْعَة من أهل الْمغرب وَاخْتِيَار القَاضِي أبي مُحَمَّد بن خَلاد صَاحب كتاب الْفَاصِل بَين الرَّاوِي والواعي من أهل الْمشرق مَعَ طَائِفَة وَلَيْسَ ذَلِك بمرضى إِذْ قد يَقع فِي الْكَلَام مَا هُوَ مُكَرر مرَّتَيْنِ فَأكْثر لِمَعْنى صَحِيح فَإِذا كررت الْكَلِمَة لم يُؤمن أَن توَافق مَا يتَكَرَّر حَقِيقَة أَو يشكل

أمرهَا فَيحصل بذلك ارتياب وَزِيَادَة إِشْكَال فَالْأولى الِاقْتِصَار على كِتَابَة صَحَّ وَذكر بعض أَرْبَاب النكت أَن كلمة صَحَّ قد يَنْتَظِم بهَا الْكَلَام بعْدهَا فيظن أَنَّهَا من أصل الْكتاب وَأجِيب بِأَن هَذَا نَادِر بِالنِّسْبَةِ لما قبله على أَن الحذاق من الكتبة يكتبونها صَغِيرَة وَبَعْضهمْ يَكْتُبهَا بمداد أَحْمَر وَبَعْضهمْ لَا يتم كِتَابَة الْحَاء مِنْهَا وَقَالَ بَعضهم الْأَحْسَن الرَّمْز لذَلِك بِشَيْء لَا يقْرَأ وَيحصل ذَلِك بطمس صَاد صَحَّ وَعدم تَعْرِيف حائها وَاخْتَارَ ابْن خَلاد أَيْضا فِي عطفه خطّ التَّخْرِيج أَن تمد حَتَّى تلْحق بِأول اللحق فِي الْحَاشِيَة وَهَذَا غير مرضِي لِأَن فِيهِ تسويدا للْكتاب لَا سِيمَا عِنْد كَثْرَة الإلحاقات مَعَ عدم الِاضْطِرَار لذَلِك فَإِن العطفة الْيَسِيرَة إِلَى جِهَة الْحَاشِيَة الَّتِي يكْتب فِيهَا اللحق كَافِيَة فِي رفع اللّبْس وَإِن كَانَ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من مدها إِلَى أول اللحق زِيَادَة فِي رَفعه قَالَ الْعِرَاقِيّ فَإِن لم يكن اللحق قبالة مَوضِع السُّقُوط بِأَن لَا يكون مَا يُقَابله خَالِيا وَكتب اللحق بِموضع آخر فَيتَعَيَّن حِينَئِذٍ جر الْخط إِلَى أول اللحق أَو يكْتب قبالته يتلوه كَذَا وَكَذَا فِي الْموضع الْفُلَانِيّ وَنَحْو ذَلِك لزوَال اللّبْس وَقد رَأَيْت فِي خطّ غير وَاحِد مِمَّن يعْتَمد عَلَيْهِ اتِّصَال الْخط إِذا بعد اللحق عَن مُقَابل مَوضِع النَّقْص وَهُوَ حِينَئِذٍ حسن وَالْأَصْل فِي التَّخْرِيج قَول زيد بن ثَابت فِي نزُول قَوْله تَعَالَى {غير أولي الضَّرَر} بعد نزُول {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ} كَمَا فِي سنَن أبي دَاوُد فَأَلْحَقْتهَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ولكأني أنظر إِلَى مُلْحَقهَا عِنْد صدع فِي كتف وَأما مَا يكْتب فِي حَاشِيَة الْكتاب من غير أصل الْكتاب فِي شرح أَو تَنْبِيه

على غلط أَو اخْتِلَاف رِوَايَة أَو نُسْخَة أَو نَحْو ذَلِك فَقَالَ بَعضهم إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يخرج لَهُ لِئَلَّا يدْخل اللّبْس ويحسب من الأَصْل وَإنَّهُ لَا يخرج إِلَّا لما هُوَ من نفس الأَصْل لَكِن يَجْعَل على ذَلِك الْحَرْف الْمَقْصُود عَلامَة كالضبة والتصحيح لتدل عَلَيْهِ وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن كلا من الضبة والتصحيح اصْطلحَ بِهِ لغير ذَلِك فخوف اللّبْس أَيْضا حَاصِل بل هُوَ فِيهِ أقرب وَقَالَ بَعضهم يَنْبَغِي أَن يخرج لَهُ لَكِن على نفس الْكَلِمَة الَّتِي من أجلهَا كتبت الْحَاشِيَة لَا بَين الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ ابْن الصّلاح التَّخْرِيج أولى وأدل وَفِي نفس هَذَا الْمخْرج مَا يمْنَع الالتباس ثمَّ هَذَا التَّخْرِيج يُخَالف التَّخْرِيج لما هُوَ من نفس الأَصْل فِي أَن خطّ ذَاك الخريج يَقع بَين الْكَلِمَتَيْنِ بَينهمَا سقط السَّاقِط وَخط هَذَا التَّخْرِيج يَقع على نفس الْكَلِمَة الَّتِي من أجلهَا خرج الْمخْرج فِي الْحَاشِيَة وَالله أعلم وَقد جرت عَادَة كثير من الْكتاب أَن يشيروا إِلَى الْحَاشِيَة بِالْحَاء الْمُهْملَة مُفْردَة وَقد يمدونها وَقد يَكْتُبُونَ لفظ حَاشِيَة بِدُونِ نقط وَإِلَى النُّسْخَة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة مُفْردَة ويلتزمون نقطها لِئَلَّا تشتبه بالحاشية وَقد يَكْتُبُونَ لفظ نُسْخَة وَالْأَكْثَر كتَابَتهَا على صُورَة غير وَاضِحَة مَعَ عدم النقط لتَكون كالرمز وَيَنْبَغِي أَن يُلَاحظ فِي الْحَوَاشِي عدم كتَابَتهَا بَين السطور لَا سِيمَا إِن كَانَت ضيقَة وَترك شَيْء من جَوَانِب الورقة وَنَحْو ذَلِك وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي الْحَث على اقتناء الْكتب الجيدة الْخط والضبط (خير مَا يقتني اللبيب كتاب ... مُحكم النَّقْل متقن التَّقْيِيد) (خطه عَارِف نبيل وعاناه ... فصح التبييض بالتسويد) (لم يخفه إتقان نقط وشكل ... لَا وَلَا عابه لحاق الْمَزِيد) (فَكَأَن التَّخْرِيج فِي طرتيه ... طرر صففت ببيض الخدود)

القَوْل الثَّامِن قَول من أجَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى للصحابة وَالتَّابِعِينَ فَقَط وَمنع من ذَلِك غَيرهم قَالَ لِأَن الحَدِيث إِذا قَيده الْإِسْنَاد وَجب أَن لَا يخْتَلف لَفظه فيدخله الْكَذِب وَذَلِكَ لِأَن الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لَا سِيمَا إِن تعدد الراوون بهَا توجب رِوَايَة الحَدِيث على وُجُوه شَتَّى مُخْتَلفَة فِي اللَّفْظ وَالِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ كثيرا مَا يُوجب الِاخْتِلَاف فِي الْمَعْنى وَإِن كَانَ يَسِيرا بِحَيْثُ لَا يشْعر بِهِ إِلَّا قَلِيل من أهل الْفضل والنبل وَالِاخْتِلَاف فِي الْمَعْنى يدل على أَن ذَلِك الحَدِيث لم يرو كَمَا يَنْبَغِي بل وَقع خطأ فِي بعض رواياته أَو فِي جَمِيعهَا فَيكون فِيهَا مَا لم يقلهُ النَّبِي ص = وَهَذَا الْمَحْذُور إِنَّمَا يظْهر بعد تدوين الحَدِيث وتقييده بِالْإِسْنَادِ فَإِذا منع أَتبَاع التَّابِعين فَمن بعدهمْ من الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لم يظْهر ذَلِك الْمَحْذُور هَذَا فحوى كَلَامه هَذَا وَقد كَانَ التابعون فريقين فريق يُورد الْأَحَادِيث بألفاظها وفريق يوردها بمعانيها رُوِيَ عَن ابْن عون أَنه قَالَ كَانَ الْحسن وَإِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ يأْتونَ بِالْحَدِيثِ على الْمعَانِي وَكَانَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَابْن سِيرِين ورجاء بن حَيْوَة يعيدون الحَدِيث على حُرُوفه وَرُوِيَ عَن سُفْيَان أَنه قَالَ كَانَ عَمْرو بن دِينَار يحدث الحَدِيث على الْمَعْنى وَكَانَ إِبْرَاهِيم بن ميسرَة لَا يحدث إِلَّا على مَا سمع وَهنا تمت الْأَقْوَال الثَّمَانِية الَّتِي قيلت فِي أَمر الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَقد ذكر بَعضهم قولا تاسعا وَهُوَ قَول من قَالَ تجوز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى إِن كَانَ مُوجب الحَدِيث علما فَإِن كَانَ مُوجبه عملا لم تجز فِي بعض كَحَدِيث أبي دَاوُد وَغَيره مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وتحليلها التَّسْلِيم وَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ خمس من الدَّوَابّ كُلهنَّ فواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم الْغُرَاب والحدأة وَالْعَقْرَب والفأرة وَالْكَلب الْعَقُور وَتجوز فِي بعض وَقد أشكل هَذَا القَوْل على كثير من الباحثين وَذَلِكَ لِأَن مُوجب الحَدِيث كَانَ علما يجب الِاحْتِيَاط فِيهِ كثيرا لِأَن الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى كثيرا مَا لَا تكون وافية

(فيناجيك شخصه من قريب ... وينايك نَصه من بعيد) (فاصحبنه تَجدهُ خير جليس ... واختبره تَجدهُ أنس الفريد) وَقَالَ بَعضهم فِي الْحَث على نسخ الْكتب النافعة (فَوَائِد نسخ الْكتب شَتَّى كَثِيرَة ... وكل على نهج السداد يُعينهُ) (فَلَو لم يكن مِنْهَا سوى ترك غيبَة ... وصحبة من يردي الْفَتى ويشينه) (لَكَانَ جَدِيرًا باللبيب الْتِزَامه ... وَإِن سئمت فِي الطرس مِنْهُ يَمِينه) (وَمِنْهَا اكْتِسَاب الْقُوت من وَجه حلّه ... وغنيته عَن ذِي نوال يمونه) (وَمِنْهَا اكْتِسَاب الْعلم وَهُوَ أجلهَا ... وَعلم الْفَتى يسمو بِهِ ويزينه) (وَمِنْهَا بَقَاء الذّكر بعد وَفَاته ... إِذا نسياه إلفه وقرينه) (وَهَذَا إِذا مَا كَانَ فِي الْخَيْر خطه ... وَإِلَّا فَفِي يَوْم الْمعَاد يخونه) الْأَمر السَّابِع إِذا وَقع فِي الْكتاب مَا لَيْسَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن ينفى عَنهُ ذَلِك إِمَّا بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ والحك لَهُ أَو المحو وَالضَّرْب خير من الحك والمحو قَالَ ابْن خَلاد قَالَ أَصْحَابنَا الحك تُهْمَة وَقَالَ غَيره كَانَ الشُّيُوخ يكْرهُونَ حُضُور السكين مجْلِس السماع حَتَّى لَا يبشر شَيْء لِأَن مَا يبشر مِنْهُ رُبمَا يَصح فِي رِوَايَة أُخْرَى وَقد يسمع الْكتاب مرّة أُخْرَى على شيخ آخر يكون مَا بشر وحك من رِوَايَة هَذَا صَحِيحا فِي رِوَايَة الآخر فَيحْتَاج إِلَى إِلْحَاقه بعد أَن بشر وحك وَهُوَ إِذا خطّ عَلَيْهِ من رِوَايَة الأول وَصَحَّ عِنْد الآخر اكْتفى بعلامة الآخر عَلَيْهِ بِصِحَّتِهِ وَقَالَ بعض الْعلمَاء إِن تحقق كَون غَلطا سبق إِلَيْهِ الْقَلَم فالكشط أولى لِئَلَّا يتَوَهَّم بِالضَّرْبِ أَن لَهُ أصلا وَإِلَّا فَلَا على أَن الكشط فِيهِ مزِيد تَعب مَعَ إِضَاعَة الْوَقْت وَرُبمَا أفسد الورقة وَمَا تنفذ إِلَيْهِ وَكثير من الْوَرق يُفْسِدهُ الكشط

والكشط مَأْخُوذ من قَوْلهم كشط الْبَعِير إِذا نزع جلده وَلَا يُقَال فِيهِ سلخ وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِك فِي الشَّاة تَقول سلخ الشَّاة إِذا نزع جلدهَا ومرادهم بالكشط هُنَا الحك والبشر والبشر مَأْخُوذ من قَوْلهم بشرت الْأَدِيم إِذا قشرت وَجهه وَالْأَكْثَر من الِاسْتِعْمَال لفظ الحك لإشعاره بالرفق بالقرطاس وَقد وَقع الكشط فِي قَول الشَّاعِر فِي ذمّ كَاتب (حذقك فِي الكشط دَلِيل على ... أَنَّك فِي الْخط كثير الْغَلَط) وَأما المحو فَإِنَّهُ يسود غَالِبا القرطاس وَهُوَ لَا يُمكن إِلَّا إِذا كَانَت الْكِتَابَة فِي لوح أَو رق أَو ورق صقيل جدا وَكَانَ الْمَكْتُوب فِي حَال الطراوة وتتنوع طرق المحو فَتَارَة يكون بالإصبع وَتارَة يكون بخرقه وَمن أغربها مَعَ أَنه أسلمها مَا رُوِيَ عَن سَحْنُون بن سعد أحد الْأَئِمَّة من فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة أَنه كَانَ رُبمَا كتب الشَّيْء ثمَّ لعقه وَهَذَا يُومِئ إِلَى مَا رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يَقُول من الْمُرُوءَة أَن يرى فِي ثوب الرجل وشفتيه مداد وَذكر عَن أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ أَن ثِيَابه كَانَت كَأَنَّمَا أمْطرت مدادا وَكَانَ لَا يأنف من ذَلِك وَذكر عَن عبيد الله بن سُلَيْمَان أَنه رأى على ثَوْبه أثر صفرَة فَأخذ من مداد الدواة وطلاه بِهِ ثمَّ قَالَ المداد بِنَا أحسن من الزَّعْفَرَان وَأنْشد (إِنَّمَا الزَّعْفَرَان عطر العذارى ... ومداد الدوي عطر الرِّجَال) ويحكى عَن بعض الْفُضَلَاء أَنه كَانَ يَأْكُل طَعَاما فَوَقع مِنْهُ على ثَوْبه فَكَسَاهُ حبرًا وَقَالَ هَذَا أثر علم وَذَاكَ أثر شَره وللأديب أبي الْحسن الفنجكردي

(مداد الْفَقِيه على ثَوْبه ... أحب إِلَيْنَا من الغالية) (وَمن طلب الْفِقْه ثمَّ الحَدِيث ... فَإِن لَهُ همة عالية) (وَلَو تشتري النَّاس هذي الْعُلُوم ... بأرواحهم لم تكن غَالِيَة) (رُوَاة الْأَحَادِيث فِي عصرنا ... نُجُوم وَفِي الأعصر الخالية) وَأما الضَّرْب فَلَا مَحْذُور فِيهِ وَهُوَ عَلامَة بَيِّنَة فِي إِلْغَاء الْمَضْرُوب عَلَيْهِ مَعَ السَّلامَة من التُّهْمَة لِإِمْكَان قِرَاءَته بعد الضَّرْب وَلذَلِك قَالُوا أَجود الضَّرْب أَن لَا يطمس الْمَضْرُوب عَلَيْهِ بل يخط من فَوْقه خطا جيدا بَينا يدل على إِبْطَاله وَيقْرَأ من تَحْتَهُ مَا خطّ عَلَيْهِ وَقد اخْتلفُوا فِي الضَّرْب على خَمْسَة أَقْوَال القَوْل الأول أَن يخط فَوق الْمَضْرُوب عَلَيْهِ خطا مختلطا بالكلمات الْمَضْرُوب عَلَيْهَا وَيُسمى هَذَا الضَّرْب عِنْد أهل الْمشرق والشق عِنْد أهل الْمغرب وَمِثَال ذَلِك على هَذَا القَوْل القَوْل الثَّانِي أَن يخط فَوق الْمَضْرُوب عَلَيْهِ خطا لَا يكون مختلطا بالكلمات الْمَضْرُوب عَلَيْهَا بل يكون فَوْقهَا مُنْفَصِلا عَنْهَا لكنه يعْطف طرفِي الْخط على أول الْمَضْرُوب عَلَيْهِ وَآخره بِحَيْثُ يكون كالباء المقلوبة وَمِثَال ذَلِك على هَذَا القَوْل القَوْل الثَّالِث أَن يكْتب فِي أول الزَّائِد لَا وَفِي آخِره إِلَى وَقد يكْتب عوضا من لفظ لَا لفظ من أَو لفظ زَائِد وَقد يقْتَصر بَعضهم على الزَّاي مِنْهَا قَالَ بعض الْعلمَاء وَمثل هَذَا يحسن فِيمَا صَحَّ فِي رِوَايَة وَسقط فِي رِوَايَة أُخْرَى وَقد يُضَاف إِلَيْهِ الرَّمْز لمن أثْبته أَو لمن نَفَاهُ من الروَاة وَقد يقْتَصر على الرَّمْز لَكِن حَيْثُ يكون الزَّائِد كلمة أَو نَحْوهَا

القَوْل الرَّابِع أَن يحوق على أول الْكَلَام الْمَضْرُوب عَلَيْهِ بِنصْف دَائِرَة كالهلال وَكَذَلِكَ على آخِره (وَمِثَال ذَلِك على هَذَا القَوْل) القَوْل الْخَامِس أَن تكْتب أول الزِّيَادَة دَائِرَة صَغِيرَة وَكَذَلِكَ فِي آخرهَا وَقد سَمَّاهَا واضعها صفرا لخلو مَا أُشير إِلَيْهِ بهَا من الصِّحَّة كَمَا سَمَّاهَا الْحساب بذلك لخلو موضعهَا من الْعدَد وَمِثَال ذَلِك على هَذَا القَوْل ثمَّ إِذا أُشير إِلَى الزَّائِد بِنصْف دَائِرَة أَو بصفر فَلْيَكُن ذَلِك فِي كل جَانب فِي أصل الْكتاب فَإِن ضَاقَ الْمحل فلتجعل فِي الْأَعْلَى مِثَال ذَلِك فِي نصف الدائرة مِثَال ذَلِك فِي الصفر وَإِذا كثرت سطور الزَّائِد فلك على هَذِه القوال الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة أَن تكَرر عَلامَة الْإِبْطَال بِأَن تضعها فِي أول كل سطر وَآخره لما فِي ذَلِك من زِيَادَة الْبَيَان وَلَك أَن لَا تكررها بِأَن تكتفي بوضعها فِي أول الزَّائِد وَآخره وَقد اخْتلفُوا فِي الضَّرْب على الْحَرْف المكرر فَقَالَ بَعضهم أولاهما بالإبطال الثَّانِي لِأَن الأول كتب على الصَّوَاب وَالثَّانِي كتب على الْخَطَأ وَالْخَطَأ أولى بالإبطال وَقَالَ بَعضهم أولاهما بالإبقاء أجودهما صُورَة وأدلهما على قِرَاءَته وَفصل بَعضهم تَفْصِيلًا حسنا فَقَالَ إِن تكَرر الْحَرْف فِي أول السطر فَيَنْبَغِي أَن يضْرب على الثَّانِي صِيَانة لأوّل السطر عَن التسويد والتشويه وَإِن تكَرر فِي آخر السطر فَيَنْبَغِي أَن يضْرب على أَولهمَا صِيَانة لآخر السطر عَن ذَلِك فَإِن أَوَائِل السطور وأواخرها أولى بالصيانة عَن ذَلِك فَإِن اتّفق أَن يكون أَحدهمَا فِي آخر السطر وَالْآخر فِي أول السطر الآخر فَيَنْبَغِي أَن يضْرب على الَّذِي يكون فِي آخر السطر فَإِن أول السطر أولى بالمراعاة فَإِن كَانَ التكرر فِي الْمُضَاف أَو فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ أَو فِي الصّفة أَو فِي الْمَوْصُوف أَو نَحْو ذَلِك لم يراع حِينَئِذٍ أول السطر وَآخره بل يُرَاعى الِاتِّصَال بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَنَحْوهمَا فِي الْخط فَلَا يفصل بِالضَّرْبِ بَينهمَا وَيضْرب على الْحَرْف المتطرف من المتكرر دون الْمُتَوَسّط وَإِذا وَقع فِي الْكتاب تَقْدِيم وَتَأْخِير فَيَنْبَغِي أَن

يشار إِلَى ذَلِك فَمنهمْ من يكْتب أول الْمُتَقَدّم كِتَابَة يُؤَخر وَأول الْمُتَأَخر يقدم كل ذَلِك بِأَصْل الْكتاب إِذا اتَّسع وَإِلَّا فبالهامش وَمِنْهُم من يرمز إِلَى ذَلِك بِصُورَة م وَهَذَا حسن إِن لم يكن الْمحل قَابلا لتوهم أَن الْمِيم رمز لكتاب مُسلم الْأَمر الثَّامِن يَنْبَغِي للطَّالِب إِذا كَانَ الْكتاب مرويا بروايتين أَو أَكثر وَوَقع فِي بَعْضهَا اخْتِلَاف وَأَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك أَن يحْتَرز مِمَّا يُوقع فِي اللّبْس قَالَ ابْن الصّلاح فِي الْأَمر الرَّابِع عشر من الْأُمُور المفيدة فِي كِتَابَة الحَدِيث وَضَبطه ليكن فِيمَا تخْتَلف فِيهِ الرِّوَايَات قَائِما بضبط مَا يخْتَلف فِيهِ فِي كِتَابه جيد التَّمْيِيز كَيْلا تختلط وتشتبه فَيفْسد عَلَيْهِ أمرهَا وسبيله أَن يَجْعَل أَولا متن كِتَابه على رِوَايَة خَاصَّة ثمَّ مَا كَانَت من زِيَادَة لرِوَايَة أُخْرَى ألحقها أَو من نقص أعلم عَلَيْهِ أَو من خلاف كتبه إِمَّا فِي الْحَاشِيَة وَإِمَّا فِي غَيرهَا معينا فِي كل ذَلِك من رَوَاهُ ذَاكِرًا اسْمه بِتَمَامِهِ فَإِن رمز إِلَيْهِ بِحرف أَو أَكثر فَعَلَيهِ مَا قدمنَا ذكره من أَنه يبين المُرَاد بذلك فِي أول كِتَابه أَو آخِره كَيْلا يطول عَهده بِهِ فينساه أَو يَقع كِتَابه إِلَى غَيره فَيَقَع من رموزه فِي حيرة وعمى وَقد يدْفع إِلَى الِاقْتِصَار على الرموز عِنْد كَثْرَة الرِّوَايَات الْمُخْتَلفَة وَاكْتفى بَعضهم فِي التَّمْيِيز بِأَن خص الرِّوَايَة الملحقة بالحمرة فعل ذَلِك أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ من المشارقة وَأَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ من المغاربة مَعَ كثير من الْمَشَايِخ وَأهل التَّقْيِيد فَإِذا كَانَ فِي الرِّوَايَة الملحقة زِيَادَة على الَّتِي فِي متن الْكتاب كتبهَا بالحمرة وَإِن كَانَ فِيهَا نقص وَالزِّيَادَة فِي الرِّوَايَة الَّتِي فِي متن الْكتاب حوق عَلَيْهَا بالحمرة ثمَّ على فَاعل ذَلِك تبين من لَهُ الرِّوَايَة المعلمة بالحمرة فِي أول الْكتاب أَو آخِره على مَا سبق وَالله أعلم وَالَّذِي سبق هُوَ مَا ذكره فِي الْأَمر الرَّابِع حَيْثُ قَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يصطلح مَعَ نَفسه فِي كِتَابه بِمَا لَا يفهمهُ غَيره فيوقع غَيره فِي حيرة كَفعل من يجمع فِي كِتَابه بَين

رِوَايَات مُخْتَلفَة ويرمز إِلَى رِوَايَة كل راو بِحرف وَاحِد من اسْمه أَو حرفين وَمَا أشبه ذَلِك فَإِن بَين فِي أول كِتَابه أَو آخِره مُرَاده بِتِلْكَ العلامات والرموز فَلَا بَأْس وَمَعَ ذَلِك الأولى أَن يتَجَنَّب الرَّمْز وَيكْتب عِنْد كل رِوَايَة اسْم راويها بِكَمَالِهِ مُخْتَصرا وَلَا يقْتَصر على الْعَلامَة بِبَعْضِهَا وَالله أعلم تَنْبِيه لَا يسوغ لِلْكَاتِبِ أَن يكْتب الْحَوَاشِي فِي كتاب لَا يملكهُ إِلَّا بِإِذن مَالِكه فَإِن قيل فَهَل يسوغ ذَلِك وجود عبارَة فِي الأَصْل تخَالف معتقده ويخشى إِذا لم يكْتب حَاشِيَة تَتَضَمَّن الْإِشَارَة إِلَيْهَا أَو الرَّد عَلَيْهَا أَن تضر بعض المطالعين يُقَال لَا فَإِن لَهُ مندوحة عَن كِتَابَة الْحَاشِيَة فِي نفس الْكتاب بكتابتها فِي فرخة تُوضَع هُنَاكَ على أَنه كثيرا مَا تصدى لمثل هَذَا الْأَمر من لَيْسَ لَهُ بِأَهْل مِمَّن يظنّ أَنه لَهُ أهل حَتَّى رُبمَا كَانَ إفساده أكبر من إِصْلَاحه حَتَّى صَحَّ أَن يُقَال كم حَاشِيَة أَتَت بغاشية وَقد وَقع فِي ذَلِك الْقَدِيم والْحَدِيث الْأَمر التَّاسِع يَنْبَغِي لكاتب الحَدِيث تَحْقِيق الْخط وتجويده دون الْمشق وَالتَّعْلِيق قَالَ بعض الْأَئِمَّة شَرّ الْكِتَابَة الْمشق وَشر الْقِرَاءَة الْهَذْرَمَةُ وأجود الْخط أبينه وَقَالَ بَعضهم الْخط عَلامَة فَكلما كَانَ أبين كَانَ أحسن وَقَالَ بَعضهم وزن الْخط وزن الْقِرَاءَة وأجود الْقِرَاءَة أبينها وأجود الْخط أبينه والمشق سرعَة الْكِتَابَة قَالَه الْجَوْهَرِي وَقَالَ بَعضهم الْمشق خفَّة الْيَد وإرسالها مَعَ بعثرة الْحُرُوف وَعدم إِقَامَة الْأَسْنَان وَالتَّعْلِيق خلط الْحُرُوف الَّتِي يَنْبَغِي تفرقها وإذهاب أَسْنَان مَا يَنْبَغِي إِقَامَة أَسْنَانه وطمس مَا يَنْبَغِي إِظْهَار بياضه فيجتمعان فِي عدم إِقَامَة الْأَسْنَان وينفرد التَّعْلِيق بخلط الْحُرُوف وَضمّهَا والمشق ببعثرتها وإيضاحها بِدُونِ القانون المألوف وَهُوَ مُفسد لخط الْمُبْتَدِي وَدَلِيل على تهاون غَيره وَأهل الْعلم وَإِن لم يستقبحوا الْمشق وَالتَّعْلِيق وإغفال النقط والشكل فِي

المكاتبات إِذا كَانَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ مِمَّن لَا يستعجم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يعدون ذَلِك فِي كتب الْعلم مستقبحا وَتَحْقِيق الْخط هُوَ أَن تميز كل حرف بصورته المميزة لَهُ وتجويد الْخط تحسينه وَالْحسن فِي أَي شي كَانَ مِمَّا تميل إِلَيْهِ النَّفس طبعا وَكَثِيرًا مَا دَعَا حسن الْخط إِلَى المطالعة فِي كتاب لَا يمِيل الْمطَالع إِلَيْهِ وَسَأَلَ الصُّوفِي بعض الْكتاب عَن الْخط مَتى يسْتَحق أَن يُوصف بالجودة فَقَالَ إِذا اعتدلت أقسامه وطالت أَلفه ولامه واستقامت سطوره وضاهى صُعُوده حدوره وتفتحت عيونه وَلم تشتبه راؤه ونونه وأشرق قرطاسه وأظلمت أنقاسه وأسرع إِلَى الْعُيُون تصَوره وَإِلَى الْقُلُوب تنوره وقدرت فصوله واندمجت أُصُوله وتناسب دقيقه وجليله وتساوت أطنابه واستدارت أهدابه وصغرت نَوَاجِذه وانفتحت محاجره وَخرج عَن نمط الوراقين وَبعد عَن تصنع المحررين وخيل إِلَيْك أَنه يَتَحَرَّك وَهُوَ سَاكن وَلَا تحصل جودة الْخط إِلَّا بِإِعْطَاء كل حرف مَا يسْتَحقّهُ من التقوس والانحناء والانبطاح وَغير ذَلِك من الطول أَو الْقصر والرقة أَو الغلظة ومراعاة الْمُنَاسبَة بَين الْحُرُوف بَعْضهَا مَعَ بعض وَبَين الْكَلِمَات كَذَلِك إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أَهله وَمن تَتِمَّة ذَلِك مُرَاعَاة الفواصل وَحسن التدبر فِي فصل الْكَلِمَات قَالَ عُلَمَاء الْأَثر يكره فِي مثل عبد الله بن فلَان أَن يكْتب عبد فِي آخر

السطر وَالْبَاقِي فِي أول السطر الآخر وَمثل ذَلِك مَا أشبهه مِمَّا يستقبح صُورَة وَإِن كَانَ غير مَقْصُود نَحْو قَاتل فلَان فِي النَّار فَلَا يكْتب قَاتل فِي آخر سطر وَمَا بعده فِي أول السطر الآخر وتشتد الْكَرَاهَة إِن وَقع عبد وَنَحْوه فِي آخر الصَّحِيفَة الْيُسْرَى وَمَا بعده فِي أول الصَّحِيفَة الْيُمْنَى الَّتِي تَلِيهَا فَإِن النَّاظر فِيهَا رُبمَا يَبْتَدِئ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا كَذَلِك من غير تَأمل وَإِذا انتبه لذَلِك احْتَاجَ إِلَى قلب الورقة ليرى مَا كتب فِي الصَّحِيفَة الْيُسْرَى السَّابِقَة وَجعل ذَلِك ابْن دَقِيق الْعِيد من بَاب الْأَدَب لَا من بَاب الْوُجُوب وَحسن الْخط تَتَفَاوَت درجاته تَفَاوتا شَدِيدا وَذَلِكَ على حس تفَاوت رِعَايَة النِّسْبَة الْمَطْلُوبَة فِيهِ وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك بَعضهم فِي أثْنَاء الْبَحْث عَن فن تركيب الْحُرُوف حَيْثُ قَالَ كَمَا أَن للحروف حسنا مَخْصُوصًا فِي حَال إفرادها كَذَلِك لَهَا حسن مَخْصُوص فِي حَال تركيبها من تناسب الشكل وَنَحْوه ومبادئ ذَلِك أُمُور استحسانية ترجع إِلَى رِعَايَة النِّسْبَة الطبيعية فِي الأشكال وَله استمداد من الهندسة وَلذَلِك قَالَ بعض الْحُكَمَاء الْخط هندسة روحانية وَإِن ظَهرت بِآلَة جسمانية وَالنَّاس كثيرا مَا يختلون فِي تَرْجِيح بعض الخطوط على بعض فِي الْحسن وَهُوَ غير مستغرب فَإِنَّهُ نَظِير اخْتلَافهمْ فِي تَرْجِيح بعض النَّاس على بعض فِي ذَلِك وَالِاسْتِحْسَان كثيرا مَا يخْتَلف باخْتلَاف الإلف وَالْعَادَة والمزاج إِلَّا أَن الْمرجع فِي ذَلِك إِلَى أَرْبَاب الْفَنّ مِمَّن عرف بسلامة الطَّبْع ودقة النّظر وفرط البراعة فِيهِ وَاعْلَم أَن الْخط الْعَرَبِيّ يُمكن فِيهِ من السرعة مَا لَا يُمكن فِي غَيره وَيحْتَمل من تَكْبِير الْحُرُوف وتصغيرها مَا لَا يحْتَمل غَيره وَيقبل من النَّوْع مَا لَا يقبله غَيره وَلذَلِك كثرت أَنْوَاع الْخط الْعَرَبِيّ وَالْمَشْهُور مِنْهَا عِنْد الْمُتَأَخِّرين سِتَّة أَنْوَاع وَهِي الثُّلُث والنسخ وَالتَّعْلِيق وَالريحَان والمحقق والرقاع وَالْمرَاد بِالتَّعْلِيقِ هُنَا خطّ وَضعه بعض الْفرس ثمَّ عنوا بِهِ عناية شَدِيدَة حَتَّى

صَار يُقَال لَهُ الْخط الْفَارِسِي وَيُقَال لَهُ أَيْضا الْخط الْمُعَلق وَهُوَ خطّ تعصب الإجادة فِيهِ وَهُوَ غير قديم الْعَهْد فَلَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم من قَول الْمُتَقَدِّمين بِكَرَاهَة الْخط الْمُعَلق أَنهم يعنون هَذَا بل مُرَادهم بِهِ الْخط الَّذِي أذهبت أَسْنَانه وخلط فِيهِ بَين الْحُرُوف الَّتِي يَنْبَغِي تفرقها وطمس فِيهِ بَيَاض مَا يَنْبَغِي إِظْهَار بياضه وَيُشبه هَذَا الْخط من وَجه الْخط المسلسل وَهُوَ خطّ مُتَّصِل الْحُرُوف لَيْسَ فِي حُرُوفه شَيْء مُنْفَصِل وَأما المتقدمون فقد اشْتهر عِنْدهم أَنْوَاع كَثِيرَة من أَنْوَاع الْخط الْعَرَبِيّ وَقد تصدى لذكرها أَبُو الْفرج مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن النديم فِي كتاب الفهرست وَقد أَحْبَبْت إِيرَاد شَيْء مِمَّا ذكره على طَرِيق التَّلْخِيص قَالَ فِي الْمقَالة الأولى فِي وصف لُغَات الْأُمَم من الْعَرَب والعجم ونعوت أقلامها وأنواع خطوطها وأشكال كتاباتها أول الخطوط الْعَرَبيَّة الْخط الْمَكِّيّ وَبعده الْمدنِي ثمَّ الْبَصْرِيّ ثمَّ الْكُوفِي فَأَما الْمَكِّيّ وَالْمَدَنِي فَفِي ألفاته تعويج إِلَى يمنة الْيَد وَأَعْلَى الْأَصَابِع وَفِي شكله إضجاع يسير ثمَّ استخرج الأقلام الْأَرْبَعَة واشتق بَعْضهَا من بعض قُطْبَة وَكَانَ أكتب النَّاس على الأَرْض بِالْعَرَبِيَّةِ وَكَانَ فِي أَيَّام بني أُميَّة ثمَّ جَاءَ الضَّحَّاك بعده فَزَاد على قُطْبَة وَكَانَ أكتب الْخلق بعده وَكَانَ فِي أول خلَافَة بني الْعَبَّاس ثمَّ ذكر من جَاءَ بعدهمَا وأتبع ذَلِك بِذكر أَرْبَعَة وَعشْرين قَلما وَذكر أَن مخرجها كلهَا من أَرْبَعَة أَقْلَام قلم الْجَلِيل وقلم الطومار الْكَبِير وقلم النّصْف الثقيل وقلم الثُّلُث الْكَبِير الثقيل وَأَن مخرج هَذِه الأقلام الْأَرْبَعَة من الْقَلَم الْجَلِيل وَهُوَ أَبُو الأقلام نقل ذَلِك من خطّ أبي الْعَبَّاس بن ثوابة ثمَّ نقل عَن غَيره أَنه قَالَ وَلم يزل النَّاس يَكْتُبُونَ على مِثَال الْخط الْقَدِيم الَّذِي ذَكرْنَاهُ إِلَى أول الدولة العباسية فحين ظهر الهاشميون اخْتصّت الْمَصَاحِف بِهَذِهِ

الخطوط وَحدث خطّ يُسمى الْعِرَاقِيّ وَهُوَ الْمُحَقق الَّذِي يُسمى الوراقي وَلم يزل يزِيد وَيحسن حَتَّى انْتهى الْأَمر إِلَى الْمَأْمُون فَأخذ أَصْحَابه وَكتابه بتجويد خطوطهم فتفاخر النَّاس فِي ذَلِك وَظهر رجل يعرف بالأحوال الْمُحَرر من صنائع البرامكة عَارِف بمعاني الْخط وأشكاله فَتكلم على رسومه وقوانينه وَجعله أنواعا وَكَانَ هَذَا الرجل يحرر الْكتب النافذة من السُّلْطَان إِلَى مُلُوك الْأَطْرَاف فِي الطوامير وَكَانَ فِي نِهَايَة الحرفة والوسخ وَكَانَ مَعَ ذَلِك سَمحا لَا يَلِيق على شَيْء فَلَمَّا نَشأ ذُو الرياستين الْفضل بن سهل اخترع قَلما وَهُوَ أحسن الأقلام وَيعرف بالرياسي وَيتَفَرَّع إِلَى عدَّة أَقْلَام وَفِي أَيَّام المقتدر ظهر إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم التَّمِيمِي ويكنى بِأبي الْحُسَيْن وَكَانَ يعلم المقتدر وَأَوْلَاده وَله رِسَالَة فِي الْخط سَمَّاهَا تحفة الوامق وَلم ير فِي زَمَانه أحسن مِنْهُ خطا وَلَا أعرف بِالْكِتَابَةِ وَأَخُوهُ أَبُو الْحسن نَظِيره ويسلك طَرِيقَته وَابْنه إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق وَابْنه الْقَاسِم بن إِسْمَاعِيل وَمن وَلَده أَبُو الْعَبَّاس عبد الله بن أبي إِسْحَاق وَهَؤُلَاء كَانُوا فِي نِهَايَة حسن الْخط والمعرفة بِالْكِتَابَةِ وَمِمَّنْ كتب بالمداد من الوزراء الْكتاب أَبُو أَحْمد الْعَبَّاس بن الْحسن وَأَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى وَأَبُو عَليّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مقلة ولد سنة 272 وَتُوفِّي سنة 328

وَمِمَّنْ كتب بالحبر أَخُوهُ أَبُو عبد الله الْحسن بن عَليّ ولد سنة 278 وَتُوفِّي سنة 338 وَهَذَانِ رجلَانِ لم ير مثلهمَا فِي الْمَاضِي إِلَى وقتنا هَذَا وعَلى خطّ أَبِيهِمَا مقلة كتبا وَاسم مقلة عَليّ بن الْحسن بن عبد الله ومقلة لقب وَقد كتب فِي زمانهما جمَاعَة وبعدهما من ألهما وأولادهما فَلم يقاربوهما وَإِنَّمَا ينْدر من الْوَاحِد مِنْهُم الْحَرْف بعد الْحَرْف والكلمة بعد الْكَلِمَة وَإِنَّمَا الْكَمَال كَانَ لأبي عَليّ وَأبي عبد الله وَقد رَأَيْت مُصحفا بِخَط مقلة قَالَ بعض الْكتاب يظنّ كثير من النَّاس أَن الْوَزير أَبَا عَليّ هُوَ أول من ابتدع هَذَا الْخط الْمَعْرُوف وَلَيْسَ كَذَلِك فقد وجد من الْكتب فِيمَا قبل المئتين مَا لَيْسَ على صُورَة الْكُوفِي بل يبعد عَنهُ إِلَى بعض هَذِه الأوضاع المتداولة الْآن وَإِن كَانَ هُوَ إِلَى الْكُوفِي أقرب مِنْهَا وأميل لقُرْبه من أَصله الْمَنْقُول عَنهُ نعم إِن ابْن مقلة قد زَاد فِي التأنق فِي هندسة الْحُرُوف وَفِي إجادة تحريرها وَمِنْه انْتَشَر الْخط ثمَّ جَاءَ بعده عَليّ بن هِلَال الْمَعْرُوف بِابْن البواب فَزَاد فِي التأنق

فازداد الْخط بهجة وطلاوة ولشهرة خطه بالْحسنِ الباهر قَالَ أَبُو الْعَلَاء المعري (ولاح هِلَال مثل نون أجادها ... يجاري النضار الْكَاتِب بن هِلَال) وَقد اخترع كثيرا من الأقلام وَكَانَت وَفَاته سنة 413 ورثاه بعض الشُّعَرَاء فَقَالَ (استشعر الْكتاب فقدك سالفا ... وقضت بِصِحَّة ذَلِك الْأَيَّام) (فلذاك سودت الدوي وجوهها ... أسفا عَلَيْك وَشقت الأقلام) ثمَّ جَاءَ بعدهمَا كثير مِمَّن اتبعهما بِإِحْسَان وهم مذكورون فِي طَبَقَات الخطاطين وَقد تعرض بعض الْمُتَأَخِّرين من الْكتاب لذكر الأقلام على حسب مَا وقف عَلَيْهِ فَقَالَ اعْلَم أَن أصل الأقلام اثْنَان ومنهما تستنبط بَقِيَّة الأقلام الأول الْمُحَقق وَهُوَ أصل بِذَاتِهِ وَيُقَال إِنَّه أول قلم وضع وَالريحَان مستنبط مِنْهُ ويكتبان بالقلم المحرف وَهُوَ مَا كَانَ ذَا سنّ مُرْتَفعَة من الْجِهَة الْيُمْنَى ارتفاعا كثيرا إِذا كَانَ مكبوبا وَذَلِكَ لِأَن الفركات وَهِي رقة الزوايا تظهر بِهِ أَكثر ويرقق المنتصبات كالألف وَرَأس اللَّام كَمَا أَن المدور يثخنها والمدور هُوَ مَا اسْتَوَى سناه وخصا بِأَن لَا يطمس فيهمَا عين وَلَا فَاء وَلَا قَاف وَلَا مِيم وَلَا وَاو وَأَن يَكُونَا منيرين وَالْفرق بَينهمَا أالريحان بقلمه مفتح الْأَعْين والمحقق بِغَيْرِهِ وَقَالَ ابْن البواب نِسْبَة الريحان إِلَى الْمُحَقق كنسبة الْحَوَاشِي إِلَى النّسخ والنسخ مستنبط من الريحان وَالْفرق بَينهمَا أَن النّسخ إعرابه أقل من الريحان وَفِيه تَعْلِيق وطمس فَقرب من الرّقاع وَيكْتب النّسخ بالقلم المدور وَكَذَلِكَ التواقيع الصغار والمراسلات وَالثَّانِي الثُّلُث هُوَ أصل بِذَاتِهِ وقلم التوقيع مستنبط مِنْهُ والرقاع مستنبط من التوقيع فحد التوقيع أَن لَا يحْتَمل الْإِعْرَاب وَإِلَّا فَهُوَ ثلث خَفِيف وَلعدم

استدعائه الْإِعْرَاب قصرت أَلفه فَإِن قيل لم وفرت شحمته قيل ليزِيد مَعَ تدويره فِي تثخين منتصباته وإخفاء فركاته والمؤنق وَهُوَ قلم الْأَشْعَار مستنبط من الْمُحَقق وَالثلث على رَأْي جمَاعَة فلك إِذا أَن تكتبه بقطة قلم الْمُحَقق وَإِن شِئْت بقطة قلم الثُّلُث لتركبه مِنْهُمَا وَالثلث يكْتب بالقلم الَّذِي يكون بَين التحريف والتدوير وَهُوَ مَا كَانَ ذَا سنّ مُرْتَفعَة من الْجِهَة الْيُمْنَى ارتفاعا يَسِيرا إِذا كَانَ مكبوبا وَيكْتب بِهَذَا الْقَلَم أَيْضا التواقيع الشبيهة بِالثُّلثِ وَقَالَ ابْن البواب هُوَ أصل بِذَاتِهِ وَأنكر على من جعله مركبا مِنْهُمَا فَقَالَ المؤنق وَهُوَ قلم الْأَشْعَار لَيْسَ مركبا من الْمُحَقق وَالثلث كَمَا يخيل لبَعض المبتدئين وَإِنَّمَا وَقع الِاشْتِبَاه لمشاكلة بعض حُرُوفه حُرُوف الْمُحَقق وَبَعضهَا حُرُوف الثُّلُث لَكِن بَينهمَا مباينة يُدْرِكهَا حذاق هَذِه الصِّنَاعَة والمحقق من أحسن الخطوط وأصعبها على الْكتاب وَقل من يقدر على كِتَابَته بِحَيْثُ لَا يمزج شَيْئا من حُرُوفه بحروف المؤنق وَالثلث مِمَّا تقَوِّي المداومة عَلَيْهِ الْيَد وتعينها على بَقِيَّة الأقلام وَمِمَّا يبين الْفرق أَن الرَّاء وَالنُّون وَالْوَاو وَالْيَاء الْمُفْردَات إِذا كَانَت فِي المؤنق لم تخل عَن قصر وعماقة والمحقق بِالْعَكْسِ فِي هَذِه الْحُرُوف الْأَرْبَعَة وَإِذا كَانَت فِي الثُّلُث كَانَت أعمق وأقصر فَتبين بِمَا ذكر أَن المؤنق لَيْسَ مركبا من الْمُحَقق وَالثلث فَمن قَامَ فِي هَذِه الثَّلَاثَة على الصِّرَاط وجانب طرفِي التَّفْرِيط والإفراط فَهُوَ الْكَامِل فِي علم الْكِتَابَة الْمشَار إِلَيْهِ بالإصابة وَاعْلَم أَن لكل قلم من السَّبْعَة شَيْئا يخْتَص بِهِ فالمحقق وَالريحَان بالمصاحف والأدعية والنسخ بالتفسير والْحَدِيث وَنَحْوهمَا وَالثلث بالتعليم والتوقيع بالتواقيع الْكِبَار الَّتِي لِلْأُمَرَاءِ والقضاة والأكابر والرقاع بالتواقيع الصغار والمراسلات والمؤنق بِكِتَابَة الشّعْر ولنرجع إِلَى ذكر مَا يكره فِي الْخط فَنَقُول قد عرفت أَنهم يكْرهُونَ فِيهِ التَّعْلِيق والمشق وكما يكْرهُونَ فِيهِ ذَلِك يكْرهُونَ فِيهِ التدقيق لِأَن الْخط الدَّقِيق لَا ينْتَفع بِهِ

من فِي نظره ضعف وَرُبمَا ضعف نظر كَاتبه بعد ذَلِك فَلَا ينْتَفع بِهِ قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لِابْنِ عَمه حَنْبَل بن إِسْحَاق وَقد رَآهُ يكْتب خطا دَقِيقًا لَا تفعل فَإِنَّهُ يخونك أحْوج مَا تكون إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حكيمة كُنَّا نكتب الْمَصَاحِف بِالْكُوفَةِ فيمر بِنَا عَليّ بن أبي طَالب فَيقوم علينا فَيَقُول اجل قلمك قَالَ فقططت مِنْهُ ثمَّ كتبت فَقَالَ هَكَذَا نوروا مَا نور الله عز وَجل وَكَانَ بعض الْمَشَايِخ إِذا رأى خطا دَقِيقًا قَالَ هَذَا خطّ لَا يُوقن بالخلف من الله يُرِيد أَنه لَو يعلم أَن مَا عِنْده من الْوَرق لَو توسع فِيهِ لأتاه الْخلف من الله لم يحرص عَلَيْهِ ذَلِك الْحِرْص فَكَأَن تَدْقِيقه الْخط لعدم إيقانه بالخلف من الله تَعَالَى وَقَالَ بعض الْعلمَاء إِن الَّذِي يكْتب الْخط الدَّقِيق رُبمَا يكون قصير الأمل لَا يؤمل أَن يعِيش طَويلا وَقد يُقَال إِنَّه قد يكون طَوِيل الأمل غير أَنه لَا يخْطر بِبَالِهِ ضعف الْبَصَر فِي الْكبر وَقد كَانَ أنَاس مولعين بتدقيق الْخط حَتَّى بعد تقدمهم فِي السن مِنْهُم الْحَافِظ شمس الدّين ابْن الْجَزرِي وَمِنْهُم من الْمُتَقَدِّمين أَبُو عبد الله الصُّورِي فَإِنَّهُ كتب صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم فِي مُجَلد لطيف وَبيع بِعشْرين دِينَارا

وَذكر بَعضهم أَن فِي تدقيق الْخط رياضة لِلْبَصَرِ كَمَا يراض كل عُضْو بِمَا يَخُصُّهُ وَأَن من لم يفعل ذَلِك وأدمن على سواهُ رُبمَا تصعب عَلَيْهِ معاناته فِيمَا بعد إِذا دَعَاهُ إِلَى ذَلِك دَاع فَيكون كمن ترك الرياضة بِالْمَشْيِ فَإِنَّهُ يحصل لَهُ مشقة فِيهِ فِيمَا بعد بِخِلَاف من اعتاده أَحْيَانًا وَهَذِه الْكَرَاهَة إِنَّمَا تكون فِيمَا إِذا كَانَ ذَلِك بِغَيْر عذر فَإِن كَانَ ثمَّ عذر كَأَن لَا يكون فِي الْوَرق سَعَة أَو يكون رحالا يُرِيد حمل كتبه مَعَه لتَكون خَفِيفَة الْمحمل لم يكره ذَلِك قَالَ مُحَمَّد بن الْمسيب الأرغياني كنت أَمْشِي فِي مصر وَفِي كمي مئة جُزْء فِي كل جُزْء ألف حَدِيث وَقيل لأبي بكر عبد الله الْفَارِسِي وَكَانَ يكْتب خطا دَقِيقًا لم تفعل هَذَا فَقَالَ لقلَّة الْوَرق وَالْوَرق وخفة الْحمل على الْعُنُق

الْأَمر الْعَاشِر كَمَا وَقع التَّصْحِيف فِي غير الحَدِيث وَقع التَّصْحِيف فِي الحَدِيث وَقد عرفت أَن التَّصْحِيف الْمُتَعَلّق بِالْحَدِيثِ مِنْهُ مَا يتَعَلَّق بِالْمَتْنِ وَمِنْه مَا يتَعَلَّق بِالْإِسْنَادِ وَقد ألف كثير من الْعلمَاء الْأَعْلَام كتبا فِي ذَلِك فَمنهمْ من تعرض لبَيَان التَّصْحِيف مُطلقًا وَمِنْهُم من اقْتصر على بَيَان التَّصْحِيف الَّذِي وَقع فِي غير الحَدِيث من كتب الْأَدَب وَنَحْوهَا وَمِنْهُم من اقْتصر على بَيَان التَّصْحِيف الَّذِي وَقع فِي كتب الحَدِيث فَقَط وَلَيْسَ مُرَاد من ألف فِي ذَلِك الطعْن فِي المصحفين والوضع من قدرهم فَإِن فيهم من وَقع ذَلِك مِنْهُ نَادرا وَهُوَ من أهل التثبت لَا سِيمَا إِن كَانَ فِي مَوضِع تعسر فِيهِ السَّلامَة من الْخَطَأ وَلذَا قَالَ بعض الْحفاظ إِن كثيرا من التَّصْحِيف الْمَنْقُول عَن الأكابر الجلة لَهُم فِيهِ أعذار لم ينقلها ناقلوه وَمن يعرى عَن الْخَطَأ والنبيل من عدت غلطاته بل مُرَادهم بَيَان الصَّوَاب والتنبيه على مَا يخْشَى أَن يزل فِيهِ من لم ينتبه لَهُ من الطلاب والتصحيف قِسْمَانِ تَصْحِيف بصر وَهُوَ الْأَكْثَر وَذَلِكَ كتصحيف بشر ببسر وتصحيف سمع كتصحيف عَاصِم الْأَحول بواصل الأحدب قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيث لعاصم الْأَحول رَوَاهُ بَعضهم فَقَالَ عَن وَاصل الأحدب هَذَا من تَصْحِيف السّمع لَا من تَصْحِيف الْبَصَر يُرِيد أَن ذَلِك مِمَّا لَا يشْتَبه من حَيْثُ الْكِتَابَة وَإِنَّمَا أَخطَأ فِيهِ سمع من رَوَاهُ والتصحيف ينشأ غَالِبا من الْأَخْذ من الصُّحُف من غير تدريب الأساتذة حَتَّى قيل إِنَّه مَأْخُوذ مِنْهَا فَإِذا قيل صحف كَذَا فَكَأَنَّهُ قيل أَخذه من الصَّحِيفَة وَيُقَال لَهُ الصحفي قَالَ بعض اللغويين الصَّحِيفَة قِطْعَة من جلد أَو قرطاس كتب فِيهِ وَإِذا نسب إِلَيْهَا قيل رجل صحفي بِفتْحَتَيْنِ يُرِيدُونَ أَنه يَأْخُذ الْعلم مِنْهَا دون الْمَشَايِخ

والتصحيف تَغْيِير اللَّفْظ حَتَّى يتَغَيَّر الْمَعْنى المُرَاد من الْموضع يُقَال صحفه فتصحف أَي غَيره فَتغير حَتَّى الْتبس وَنقل عَن الْحَافِظ الْمزي وَكَانَ من أبعد النَّاس عَن التَّصْحِيف وَمن أحْسنهم أَدَاء للإسناد والمتن أَنه كَانَ يَقُول إِذا أغرب عَلَيْهِ أحد بِرِوَايَة مِمَّا يذكرهُ بعض شرَّاح الحَدِيث وَكَانَ ذَلِك على خلاف الْمَشْهُور عِنْده هَذَا من التَّصْحِيف الَّذِي لم يقف صَاحبه إِلَّا على مُجَرّد الصُّحُف وَلم يَأْخُذ إِلَّا مِنْهَا وَقد ذكر بعض من تعرض لبَيَان علل الحَدِيث الَّتِي تعرض لَهُ فتحيل مَعْنَاهُ أَن من جملَة ذَلِك نقل الحَدِيث من الصُّحُف دون السماع من أئمته وَأَن كثيرا من النَّاس يعول على إجَازَة الشَّيْخ لَهُ دون لِقَائِه والتلقي مِنْهُ ثمَّ يَأْخُذ بعد ذَلِك علمه من الصُّحُف والكتب الَّتِي لَا يعلم صِحَّتهَا من سقمها وَرُبمَا كَانَت مُخَالفَة لرِوَايَة شَيْخه فيصحف الْحُرُوف ويبدل الْأَلْفَاظ وينسب جَمِيع ذَلِك إِلَى شَيْخه وَهُوَ لَهُ ظَالِم وَمن ثمَّ وَجب على النقاد المليين بِمَعْرِِفَة الصَّحِيح من السقيم إِذا ورد عَلَيْهِم حَدِيث يُخَالف الْمَشْهُور لَا سِيمَا إِن كَانَ مِمَّا ينبو عَنهُ السّمع أَن ينْظرُوا أَولا فِي سَنَده فَإِن وجدوا فِي رُوَاته من لَا يوثق بِهِ لم يعولوا عَلَيْهِ وَإِن لم يَجدوا ذَلِك رجعُوا إِلَى التَّأْوِيل فَإِن أمكن تَأْوِيله بِغَيْر تعسف قبلوه وَلم ينكروه وَإِلَّا ردُّوهُ وحملوا مَا وَقع فِيهِ على وهم عرض لبَعض الروَاة والتحريف الْعُدُول بالشَّيْء من جِهَته وحرف الْكَلَام تحريفا عدل بِهِ عَن جِهَته وَهُوَ قد يكون بِالزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنَّقْص مِنْهُ وَقد يكون بتبديل بعض كَلِمَاته وَقد يكون بِحمْلِهِ على غير المُرَاد مِنْهُ فالتحريف أَعم من التَّصْحِيف وَخص الأدباء التَّصْحِيف بتبديل الْكَلِمَة بِكَلِمَة أُخْرَى تشابهها فِي الْخط وتخالفها فِي النقط وَذَلِكَ كتبديل العذل بِالْعَدْلِ والغدر بالعذر وَالْعَيْب بالعتب والتحريف بتبديل الْكَلِمَة بِكَلِمَة أُخْرَى تشابهها فِي الْخط والنقط مَعًا وتخالفها فِي الحركات كتبديل الْخلق بالخلق والفلك بالفلك والقدم بالقدم

وَقد كَانَ الْخط الْعَرَبِيّ فِي أول الْأَمر خَالِيا من النقط والشكل فَكَانَ لَا يُؤمن فِيهِ التَّصْحِيف والتحريف على كل قَارِئ ثمَّ وضع بعد ذَلِك النقط والشكل أما النقط فللتمييز بَين بعض الْحُرُوف الْمُشْتَركَة فِي صُورَة وَاحِدَة فأمن بذلك من التَّصْحِيف وَأما الشكل فلبيان الحركات الَّتِي للحروف فأمن بذلك من التحريف فَصَارَ الْخط الْعَرَبِيّ مَعَ حسن الصُّورَة وافيا بالغرض الْمَطْلُوب من الْخط وَإِنَّمَا اخْتَارُوا جعل الشكل مُسْتقِلّا لما أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي بعض رسائلنا فِي الْخط حَيْثُ قُلْنَا قد اخْتلفت مناهج أَرْبَاب الْكِتَابَة فِي أَمر الحركات فَمنهمْ من لم يتَّخذ لَهَا علائم فِي الْخط كالسامرة وَمِنْهُم من اتخذ لَهَا علائم وَهَؤُلَاء أَقسَام مِنْهُم من اتخذ لَهَا علائم مُتَّصِلَة بالحروف حَتَّى تَتَغَيَّر صُورَة الْحَرْف بِتَغَيُّر حركته كَأَهل الْحَبَشَة فَإِن لكل حرف عِنْدهم صورا شَتَّى تخْتَلف باخْتلَاف حركته وَمِنْهُم من اتخذ لَهَا علائم لَا تَتَغَيَّر صُورَة الْحَرْف بتغيرها وَهَؤُلَاء قِسْمَانِ قسم اخْتَارُوا أَن تكون علائم الحركات فِي أثْنَاء الْكَلِمَة فرسموا حَرَكَة كل حرف متحرك بعده فِي أثْنَاء السطر كاليونانيين واللاتينيين وَكَأن هَؤُلَاءِ جعلُوا الْحَرَكَة جزأ من الْكَلِمَة فِي الْكِتَابَة وَبِذَلِك سهلت الْقِرَاءَة وصعبت الْكِتَابَة وَذَلِكَ أَن الكابت بهَا يَغْدُو كَأَنَّهُ يكْتب الْكَلِمَة مرَّتَيْنِ وَقسم اخْتَارُوا أَن تجْعَل علائم الحركات مُسْتَقلَّة خَارِجَة عَن السطر فتوضع عَلامَة الْحَرَكَة فَوق الْحَرْف المحرك بهَا أَو تَحْتَهُ كالعرب والعبرانيين والسريانيين وَهَؤُلَاء قد جعلُوا زِمَام الحركات فِي أَيْديهم وَبِذَلِك يَتَيَسَّر لَهُم أَن يجروا على مُقْتَضى الْحَال من الشكل عِنْد الْإِشْكَال وَتَركه عِنْد عدم الْإِشْكَال وَتَركه أَو شدَّة الاستعجال وَقد بلغ الْخط الْعَرَبِيّ من الْكَمَال مَا لَا يخفى على من نظر فِي الْكتب الَّتِي غفل عَنْهَا الزَّمَان فَلم يصبهَا بِآفَة فَبَقيت إِلَى هَذَا الْعَهْد فَإِن كثيرا مِنْهَا كتب بِخَط يروق الطّرف مَعَ حسن الضَّبْط وَوضع علائم الْوَقْف بِحَيْثُ يقْرَأ فِيهَا كل قَارِئ بِدُونِ أدنى توقف

وَقد توهم بعض أهل الْأَدَب من أهل الأندلس أَن فِي الْخط الْعَرَبِيّ من الْأَشْيَاء مَا لَا يُوجد فِي غَيره من الخطوط متلقفا ذَلِك من أنَاس لم يقفوا على حَقِيقَة الْأَمر ثمَّ ظهر بعد أعصر أنَاس من غير أهل الْأَدَب فزعموا ذَلِك وَقد شعروا بِشَيْء يُقَال فِي الْخط الْعَرَبِيّ فبادروا للاعتراض عَلَيْهِ والإزراء بِهِ وظنوا أَن ذَلِك يشْعر بنباهتهم ويقربهم عِنْد الْأُمَم الْأُخْرَى وهم فِي الْأَكْثَر لَا يحسنون خطوطهم وبينما هم ينتظرون الشُّكْر وَحسن الذّكر عِنْدهم إِذا بِكَثِير من أَرْبَاب تِلْكَ الخطوط والمهيمنين عَلَيْهَا قد ردوا عَلَيْهِم وسددوا سِهَام اللوم إِلَيْهِم وَقَالُوا لَهُم قفوا مَكَانكُمْ فَمَا لكم ولأمر لم تخبروه وأبانوا أَن شكايتهم لَيست من نفس الْخط الْعَرَبِيّ كَمَا فعل أُولَئِكَ الأغمار بل من بعض أَنْوَاع السقيمة الشَّدِيدَة الِاشْتِبَاه الَّتِي ألفها كثير من النَّاس وحثوا على الاعتناء بالخط الْمُحَقق والتزام الشكل وَلَو يما يشكل فَقَط وَوضع العلائم الدَّالَّة على الْوَقْف وَنَحْوه وَلَا يخفى أَنه يُوجد فِي بعض أَنْوَاع الْخط الْعَرَبِيّ مَا تعسر قِرَاءَته حَتَّى على كثير من الحذاق كالخط المسلسل وَهُوَ الَّذِي تتصل حُرُوفه وَلَا ينْفَصل مِنْهَا شَيْء وَكَأن وَاضعه قصد بِهِ أَن يَجعله من قبيل الإلغاز فِي الْخط فَلَا يَنْبَغِي أَن تكْتب بِهِ وَبِمَا شابهه فِي عسر الْحل إِلَّا المذكرات الَّتِي يحب صَاحبهَا أَن لَا يطلع عَلَيْهَا غَيره ويسوغ أَن تكْتب بِهِ المراسلات الْخَاصَّة إِذا كَانَ الْمُرْسل إِلَيْهِ من العارفين بِهِ لَا سِيمَا إِن كَانَا يُحِبَّانِ أَن لَا يطلع عَلَيْهَا غَيرهمَا والحكيم من وضع كل شَيْء فِي مَوْضِعه وَلَيْسَ الِاعْتِرَاض على الْخط واللغة وَنَحْوهمَا مُنْكرا بل هُوَ مَطْلُوب إِذا كَانَ على وَجهه فَإِن بَيَان النَّقْص فِي الشَّيْء رُبمَا دَعَا إِلَى إِزَالَته فَيكون من مُوجبَات الْكَمَال وَإِنَّمَا الْمُنكر التهافت عل الِاعْتِرَاض من غير معرفَة وَلَا اختبار كَمَا يَفْعَله كثير من الأغمار وَقد وقفت على مقالات فِيهَا بَيَان حَال الْخط الْعَرَبِيّ وَمَا قَالَه أهل الْمعرفَة فِيهِ وَهِي صادرة مِمَّن خبر كَمَا خبر غَيره من خطوط الْأُمَم الْمَشْهُورَة وَقد أَحْبَبْت أَن أورد هُنَا مَا ذكر فِيهَا بعد الْجمع بَينهَا مَعَ الِاخْتِصَار والتنقيح وَهَا هُوَ ذَلِك

رَأَوْا أَن صور الْحُرُوف اللاتينية لَا تشْتَمل على جَمِيع حروفهم فَجعلُوا لكل حرف من الْحُرُوف المختصة بهم صُورَتَيْنِ أَو أَكثر من صور الْحُرُوف اللاتينية انْظُر إِلَى الشين مثلا وَهِي مِمَّا لَا يُوجد فِي اللاتينية فترى بَعضهم يصورها بِالسِّين وَالْهَاء وَبَعْضهمْ بِالسِّين وَالزَّاي وَبَعْضهمْ بِالْكَاف وَالْهَاء وَبَعْضهمْ بِالسِّين وَالْكَاف وَالْهَاء وَبَعْضهمْ بِغَيْر ذَلِك وَقس عَلَيْهِ سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تُوجد فِي لغتهم وَلَا تُوجد فِي لُغَة اللاتين وليتهم كَانُوا سلكوا فِي ذَلِك مسلكا وَاحِدًا حَتَّى لَا يَقع الْمطَالع فِي كثير من الْمَوَاضِع فِي الْحيرَة وَقد أظهر الْعَرَب فِيمَا استعاروه لهَذِهِ الأحرف من الصُّور حِكْمَة بَالِغَة تظهر مِمَّا قَرَّرَهُ العارفون باللغات السامية وَهُوَ أَن اللُّغَة الْعَرَبيَّة والسريانية والعبرانية قد نشأت من أصل وَاحِد هُوَ لَهُنَّ بِمَنْزِلَة الْأُم وَهِي اللُّغَة الآرامية نِسْبَة إِلَى آرام أحد أَبنَاء سَام وَهَذِه اللُّغَات الثَّلَاث بِمَنْزِلَة الْأَخَوَات وَمِمَّا يدل على ذَلِك كَثْرَة التشابه بَينهُنَّ وَلما كَانَ الْأَمر كَذَلِك أَحبُّوا أَن يراعوا فِي أَمر تَصْوِير هَذِه الْحُرُوف جَانب الْأُخْتَيْنِ إِلَّا أَن مُرَاعَاتهمْ لجَانب السريانية الَّتِي أخذُوا هَذَا الْخط من أَرْبَابهَا كَانَ أَكثر وَذَلِكَ أَن الْأَلْفَاظ الْعَرَبيَّة الَّتِي فِيهَا صَاد وَهِي مَوْجُودَة فِي السريانية والعبرانية تجْعَل السريانيون ضادها عينا والعبرانيون صادا نَحْو أَرض وضان وضاق وَقبض فَإِنَّهَا فِي السريانية أرع وعان وعاق وقبع والعبرانية أرص وصان وصاق وقبص فاستعاروا للضاد صُورَة للصاد مجاراة للعبرانيين الَّذين يجْعَلُونَ الضَّاد صادا وَلم يستعيروا لَهَا صُورَة الْعين مجاراة للسريانيين الَّذين يجْعَلُونَ الضَّاد عينا لما بَين الضَّاد وَالْعين من الْبعد فِي اللَّفْظ وَقد فعلوا عكس ذَلِك فِي الظَّاء فَإِنَّهُم لم يصوروها بالصَّاد كَمَا يلفظها العبرانيون وَلَكِن صورها بِالطَّاءِ كَمَا يلفظها السريانيون وَذَلِكَ لِأَن الْبعد مَا بَين الظَّاء وَالصَّاد أَكثر من الْبعد مَا بَين الظَّاء والطاء وَلِأَن صُورَة الصَّاد قد استعيرت لصورة الضَّاد وَلِأَن مجاراة من أخذُوا عَنْهُم الْخط أولى

والألفاظ الْعَرَبيَّة الَّتِي فِيهَا ذال وَهِي مَوْجُودَة فيهمَا يَجْعَل السريانيون ذالها دَالا والعبرانيون زايا نَحْو ذكر وَذهب وذراع فَإِنَّهَا فِي السريانية دكر ودهب ودراع وَفِي العبرانية زكر وزهب وزراع والألفاظ الْعَرَبيَّة الَّتِي فِيهَا ثاء وَهِي مَوْجُودَة فيهمَا يَجْعَل السريانيون ثاءها تَاء والعبرانيون شينا نَحْو ثلج وثعلب وَثقل وثور ووثب وَاثْنَانِ وَثَلَاثَة وَقد نَشأ من الِاسْتِعَارَة الْمَذْكُورَة أَن صَار لاثني عشر حرفا سِتّ صور يشْتَرك فِي كل صُورَة مِنْهَا حرفان فَحصل بذلك التباس وَزَاد بِجعْل الْحَاء كالجيم وَالزَّاي كالراء والشين كالسين وَالْقَاف كالفاء مَعَ التَّشْرِيك بَين التَّاء وَالْبَاء وَالْيَاء وَالنُّون فِي صُورَة وَاحِدَة إِذا كن فِي غير آخر الْكَلِمَة فَصَارَ الالتباس شَدِيدا وَكَيف لَا والحروف الْعَرَبيَّة ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ والصور الدَّالَّة عَلَيْهَا فِي الْكِتَابَة سَبْعَة عشر وبقوا على ذَلِك حينا من الدَّهْر ثمَّ حزبهم الْأَمر إِلَى ربع الالتباس فاخترعوا طَريقَة النقط فامتاز كل حرف بِصُورَة لَا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره إِلَّا أَنه بعد اختراع هَذِه الطَّرِيقَة قد كتبت كتب كَثِيرَة بِدُونِ نقط جَريا على الطَّرِيقَة الْقَدِيمَة إِلَّا أَنهم الْآن قَلما يَكْتُبُونَ شَيْئا بِغَيْر نقط إِلَّا أَسْمَاءَهُم فِي بعض الْمَوَاضِع كالرسائل وَنَحْوهَا فَإِن أحدهم إِذا كتب رِسَالَة إِلَى غَيره أَو كتبت من طرفه فَإِنَّهُ يضع اسْمه فِي آخرهَا بِغَيْر نقط وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي الشَّهَادَات والصكوك وَيُسمى ذَلِك عِنْدهم بالإمضاء وَهُوَ من الْأُمُور الَّتِي تنكر عَلَيْهِم وَقد جرى الْعَرَب فِي أول الْأَمر على مَا جرى عَلَيْهِ الْأُمَم السامية من عدم وضع علائم للحركات فَكَانُوا يَكْتُبُونَ الْحُرُوف فَقَط ثمَّ بعد حِين اخترعوا لَهَا عَلَامَات وجعلوها فَوق الْحُرُوف أَو تحتهَا وَلم يدخلوها فِي صفها كَمَا فعل كثير من الْأُمَم غير السامية إِلَّا أَنهم انتبهوا من أول الْأَمر لأمر الْمَدّ فَجعلُوا لَهُ عَلامَة تدل عَلَيْهِ واعتنوا بِهِ حَتَّى جعلُوا الْعَلامَة حرفا من الْحُرُوف يوضع بعد الْحَرْف الْمَمْدُود دَاخِلا مَعَه فِي الصَّفّ فَإِن كَانَ الْمَمْدُود مَفْتُوحًا جعلُوا عَلامَة مده الْألف وَإِن كَانَ

مضموما جعلُوا عَلامَة مده الْوَاو وَإِن كَانَ مكسورا جعلُوا عَلامَة مده الْيَاء وَقد غفل عَن هَذَا الْأَمر الَّذِي انتبه لَهُ الْعَرَب من أول الْأَمر كثير من الْأُمَم الَّتِي لَهَا عناية شَدِيدَة بِأَمْر الْكِتَابَة حَتَّى إِنَّهُم لم يضعوا لَهُ عَلامَة أصلا وَقد أصبح الْخط الْعَرَبِيّ بعد وضع علائم الحركات مَعَ النقط وافيا بِتمَام الْغَرَض بِحَيْثُ صَارَت الْكَلِمَات الْعَرَبيَّة يقْرؤهَا الْوَاقِف على حروفها وحركاتها من غير توقف وَهَذِه المزية قَلما تُوجد فِي خطّ أمة من الْأُمَم حَتَّى إِن بعض الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة فِي الْعُلُوم والمعارف يحْتَاج الْمَرْء بعد تعلم خطها أَن يتَعَلَّم قِرَاءَة جلّ الْكَلِمَات الَّتِي فِي لغتهم كلمة كلمة حَتَّى يَتَيَسَّر لَهُ بعد ذَلِك أَن يقْرَأ فِي كتبهمْ قِرَاءَة خَالِيَة من الشوائب إِلَّا أَن كِتَابَة مثل اللُّغَة الفارسية بهَا لَا يَخْلُو من إِشْكَال لمُخَالفَة طباع اللُّغَات السامية لطباع غَيرهَا من سَائِر اللُّغَات وَمِمَّا يستغرب أَن الْأُمَم الغربية مَعَ اتِّفَاقهم فِي صور الْحُرُوف الهجائية قد اخْتلفُوا فِي لفظ كثير مِنْهَا فترى كثيرا من الْأَلْفَاظ إِذا كتبت بحروفهم يقْرؤهَا كل فريق مِنْهُم على وَجه يُخَالف غَيره وعَلى ذَلِك فَلَا تستغرب اخْتلَافهمْ فِي أَسمَاء كثير من المدن وَنَحْوهَا وَقد نَشأ من ذَلِك أَن صَار أغلب الْأَلْفَاظ المصورة بحررفهم إِذا كَانَ من اللُّغَات الغربية عِنْدهم كالصينية والهندية والفارسية مَجْهُولا لَا يعرف كَيفَ يلفظ بِهِ عِنْد أَهله وَذَلِكَ أَن الَّذين تلقوا أَولا تِلْكَ الْأَلْفَاظ من العارفين بهَا قد كتبوها على مُقْتَضى اصطلاحهم فَإِذا قَرَأَهَا غَيرهم من الْأُمَم الْأُخْرَى قَرَأَهَا كل فريق مِنْهُم على مُقْتَضى اصْطِلَاحه فَنَشَأَ من ذَلِك اخْتِلَاف فِي اللَّفْظ وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِم كَمَا اتَّفقُوا فِي صور الْحُرُوف مَعَ اخْتِلَاف لغاتهم أَن يتفقوا على مَا تدل عَلَيْهِ بِحَيْثُ إِنَّه إِذا كتبت كلمة بحروفهم أَن تكون قراءتهم لَهَا على وَجه وَاحِد واتفاقهم فِي هَذَا الْأَمر أهم من

اتِّفَاقهم فِي أُمُور تتَعَلَّق بِالْأَكْلِ وَالشرب واللباس وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يتَعَلَّق ضَرَر عَظِيم باختلافه وَقد نَشأ من اخْتلَافهمْ اخْتِلَاف كتبة الْعَرَب فِي هَذَا الْعَصْر فِي بعض الْأَلْفَاظ الأعجمية الْمَأْخُوذَة من اللاتينية أَو اليونانية فَإِن كل فريق مِنْهُم ينْطق بهَا كَمَا ينْطق بهَا الْقَوْم الَّذين تلقى عَنْهُم ذَلِك وَهُوَ مُخْتَلفُونَ فِيهِ وَقد تصدى بَعضهم لتغيير بعض الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة فِي الْكتب الْعَرَبيَّة الْقَدِيمَة مَعَ أَنَّهَا أقرب إِلَى الأَصْل فليحذر من ذَلِك وليترك الْقَدِيم على حَاله ولينتبه إِلَى غَيره حَتَّى لَا يبعد عَن أَصله بعدا شاسعا ولنذكر لَك أمرا رُبمَا تستغربه جدا وَهُوَ أَن اللُّغَة اللاتينية وَهِي اللُّغَة العلمية الْمُتَّفق عَلَيْهَا بَينهم لَا يتفقون فِي أَمر التَّلَفُّظ بهَا حَتَّى إِنَّه قد يتكالم بهَا اثْنَان مِنْهُم فَلَا يفهم أَحدهمَا مَا يَقُول لَهُ الآخر وَهَذِه عَثْرَة لَا تقال وَقد وَقع فِي خطّ السريانيين شَيْء من الشوائب توجب الْإِشْكَال فِيهِ فِي كثير من الْمَوَاضِع وَهُوَ أَنهم كثيرا مَا يَكْتُبُونَ من الْحُرُوف مَا لَا يقْرَأ وَذَلِكَ أَن لغتهم كَانَ قد أَصَابَهَا مَعَ طول الْعَهْد بعض تغير فَسقط بعض الْحُرُوف من بعض الْكَلِمَات غير أَن الكتبة لم يُحِبُّوا أَن يسقطوا تِلْكَ الْحُرُوف من الْكِتَابَة لِئَلَّا يخالفوا من كَانَ قبلهم من أسلافهم فِي كتَابَتهَا فأبقوها على حَالهَا غير أَنهم يسقطونها حَال الْقِرَاءَة وَلَا يلفظون بهَا وَهَذَا يدل على أَنهم كَانُوا يَكْتُبُونَ قبل سُقُوط تِلْكَ الْحُرُوف فَيكون أَمر الْكِتَابَة عِنْدهم قديم الْعَهْد وَأما العبرانيون فَإِنَّهُم كالعرب لَا يَكْتُبُونَ إِلَّا مَا يلفظون بِهِ وَمَا وَقع من الْعَرَب على خلاف ذَلِك فَإِنَّهُ قَلِيل لَا يذكر وَذَلِكَ كواو أُولَئِكَ وَألف مائَة وَأما الْأُمَم الْأُخْرَى فقد أفرطت فِي ذَلِك فَكَأَنَّهَا جعلت الأَصْل فِي الْكِتَابَة تَصْوِير اللَّفْظ بصورته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا من قبل فَصَارَ من يُرِيد أَن يتَعَلَّم الْقِرَاءَة فِي لغتهم يحْتَاج بعد إتقان مبادئ الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة أَن يتَعَلَّم قِرَاءَة مَا لَا يُحْصى من الْكَلِمَات كلمة كلمة حَتَّى تتيسر لَهُ الْقِرَاءَة على وَجه لَا شَائِبَة فِيهِ فحاكوا بذلك

أهل الصين وَقد سعت فِئَة من عُلَمَائهمْ فِي إصْلَاح هَذَا الْخلَل الْعَظِيم فَلم يجد سَعْيهمْ شَيْئا وَقد اعْترض كثير من عُلَمَاء الْآثَار على الْمُتَأَخِّرين من كتاب اللُّغَة الْعَرَبيَّة من ثَلَاثَة أوجه الأول تصرفهم فِي الْخط الْقَدِيم الَّذِي كَانَ يكْتب بِهِ على وَجه جعله أدنى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي التناسب والوضوح حَتَّى إِن حُرُوف خطهم أمست غير متناسبة فِي الْمِقْدَار والشكل وَصَارَ كثير مِنْهَا شَدِيد الِاشْتِبَاه بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ إِن الْقَارئ يحْتَاج إِلَى إمعان النّظر فِي كثير من الْحُرُوف حَتَّى يَهْتَدِي إِلَى قرَاءَتهَا الثَّانِي تَركهم الشكل إِلَّا قَلِيلا جدا وَنَشَأ من ذَلِك أَن يصير الْقَارئ إِن لم يكن بارعا فِي الْعَرَبيَّة لَا سِيمَا إِن لم يكن من أَهلهَا فِي اضْطِرَاب شَدِيد حِين الْقِرَاءَة لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يقْرَأ الْكَلِمَات المحتملة لوجوه شَتَّى بِأَيّ وَجه اتّفق لَهُ فَيكون خَطؤُهُ أَكثر من صَوَابه وَإِمَّا أَن يقف وَهُوَ حائر حَتَّى يجد من يزِيل حيرته إِن تيَسّر ذَلِك الثَّالِث تَركهم علائم الْفَصْل بَين الْجمل حَتَّى صَار الْقَارئ لَا سِيمَا إِن كَانَ يقْرَأ بِسُرْعَة لَا يدْرِي أَن يقف وَرُبمَا وقف فِي مَوضِع لَيْسَ مَوضِع الْوَقْف فيضطر حِينَئِذٍ إِلَى الْبَحْث عَن مَوضِع الْوَقْف فِيمَا مضى أَو فِيمَا يَأْتِي وَكَثِيرًا مَا يحِيل ذَلِك الْمَعْنى وَكَثِيرًا مَا يضْطَر الْمطَالع إِلَى قِرَاءَة الصَّحِيفَة كلهَا أَو الْفَصْل كُله حَتَّى يجد مَا يَطْلُبهُ هُنَاكَ من المطالب وَقد جرى على آثَارهم فِي هَذَا الْأَمر الْمُنكر أَرْبَاب المطابع عِنْدهم بل زادوا عَلَيْهِم فِي ذَلِك فَإِن النساخ فِي كثير من الأحيان يعلمُونَ بحبر أَحْمَر أَو بِغَيْرِهِ على مَا يرونه جَدِيرًا بِأَن ينتبه إِلَيْهِ أَو يُوقف عَلَيْهِ وَذكر بَعضهم وَجها آخر وَهُوَ أَنهم لم يضعوا لإحدى الحركات وَهِي الفتحة الممالة إِلَى الكسرة عَلامَة مَعَ قلَّة الحركات عِنْدهم بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْد غَيرهم

وَقد نسب بَعضهم النَّقْص إِلَى لغتهم من هَذِه الْجِهَة وَإِن كَانَ هَذَا النَّقْص لَيْسَ بِشَيْء يذكر بِالنّظرِ إِلَى مَا لَهَا من المحاسن الوافرة فَإِنَّهُ لَا يُوجد شَيْء وَلَو كَانَ جم المزايا فائقا على غَيره فِي ذَلِك إِلَّا وَفِيه نقص من جِهَة وَذَلِكَ أَن الحركات عِنْد الْعَرَب أَرْبَعَة الضمة والكسرة والفتحة الْخَالِصَة والفتحة المشوبة وَهِي الممالة إِلَى الكسرة إِلَّا أَن أَكثر النُّحَاة يَجْعَلهَا ثَلَاثَة وَيسْقط الفتحة الممالة لعدم وجودهَا عِنْد جَمِيع قبائل الْعَرَب وَلعدم وُقُوعهَا فِي كَلَام الفصحاء مِنْهُم والحركات عِنْد العبرانيين والسريانيين وَالْفرس خَمْسَة وَهِي الْأَرْبَعَة السَّابِقَة مَعَ الضمة الممالة إِلَى الفتحة وَقد تبين من الْبَحْث والتتبع أَن هَذِه الْحَرَكَة كَانَت فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة قَدِيما وَمن الْغَرِيب أَن الضمة الممالة إِلَى الفتحة والفتحة الممالة إِلَى الكسرة قد رَجعْنَا إِلَى لِسَان جَمِيع أَبنَاء الْعَرَب فِي أَكثر الأقطار بِحَيْثُ ينْدر من يَخْلُو كَلَامه عَنْهُمَا وَسبب ذَلِك سهولتهما مَعَ تَأْثِير اللُّغَات الْأُخْرَى وتأثير اللُّغَات بَعْضهَا فِي بعض مِمَّا لَا يُنكر والحركات عِنْد غير الساميين قد تبلغ إِلَى ثَمَانِيَة انْتهى مَا أردنَا إِيرَاده من تِلْكَ المقالات وَقد وَقع فِيهَا مَا لَا يَخْلُو عَن شَيْء مِمَّا لَا تَخْلُو عَنهُ مقَالَة وَإِن عني صَاحبهَا بأمرها كثيرا فَمن ذَلِك مَا ذكر فِيهَا من أَن كِتَابَة الفارسية وَنَحْوهَا بالخط الْعَرَبِيّ لَا يَخْلُو عَن إِشْكَال فَإِن الاختبار دلّ على خلاف ذَلِك وَقد علمنَا ذَلِك علم الْيَقِين لوقوفنا عَلَيْهَا وعَلى أَحْوَال كثير مِمَّن يقْرَأ بهَا على اخْتِلَاف درجاتهم ولفرط استسهالهم الْقِرَاءَة بهَا ترك أَكْثَرهم الشكل حَتَّى إِنَّه ينْدر أَن يُوجد ذَلِك فِي كتبهمْ وَقد استعاروا للحروف الَّتِي تُوجد عِنْدهم وَلَا تُوجد فِي الْعَرَبيَّة صُورَة أقرب الْحُرُوف إِلَيْهَا مخرجا وَجعلُوا لَهَا عَلامَة تميزها وَهِي أَرْبَعَة

الْبَاء المشوبة بِالْفَاءِ وتكتب على صُورَة الْبَاء وَيُوضَع تحتهَا ثَلَاث نقط وَالْجِيم المشوبة بالشين وتكتب على صُورَة الْجِيم وَيُوضَع تحتهَا ثَلَاث نقط وَالزَّاي المشوبة بالصَّاد وتكتب على صُورَة الزَّاي وَيُوضَع فَوْقهَا ثَلَاث نقط وَالْكَاف المتولدة بَين الْغَيْن وَالْقَاف وَهِي الْمَعْرُوفَة بِالْجِيم المصرية وتكتب على صُورَة الْكَاف وَيُوضَع فَوْقهَا نقطة وَإِنَّمَا لم يكتبوها بِصُورَة الْغَيْن لكَون الْغَيْن منقوطة فيحتاجون للتمييز بَينهمَا إِلَى زِيَادَة النقط وَهِي كَثِيرَة الْوُجُود عِنْدهم فَيكون فِي ذَلِك كلفة وَمِنْهَا مَا ذكر فِيهَا من نِسْبَة النَّقْص إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة من جِهَة قلَّة الحركات فِيهَا بِالنّظرِ إِلَى غَيرهَا من اللُّغَات فَإِن مُجَرّد قلَّة الحركات فِي لُغَة لَا يُوجب نقصا فِيهَا لَا سِيمَا إِن كَانَت الحركات الْوَاقِعَة فِيهَا هِيَ أحسن الحركات بل رُبمَا جعلت كَثْرَة الحركات هِيَ الْمُوجبَة للنقص لَا سِيمَا إِن وَقعت فِيهَا حركات ثَقيلَة منصبة على أَن اللُّغَة الْعَرَبيَّة يُوجد فِيهَا جلّ الحركات الْمَعْرُوفَة فِي اللُّغَات الْمَشْهُورَة وَإِن كَانَ بَعْضهَا خَاصّا بِبَعْض الْقَبَائِل إِلَّا أَن ذَلِك أَمر خَفِي لم يقف عَلَيْهِ إِلَّا قَلِيل من أَئِمَّة اللُّغَة الَّذين صرفُوا عمرهم فِي التنقيب عَنْهَا والبحث فِي أسرارها ولنذكر لَك مِمَّا يتَعَلَّق بالحركات مَا يُمكن إِيرَاده فِي مثل هَذَا الْوَضع فَنَقُول الْكَلَام هُوَ اللَّفْظ الْمُفِيد ويتركب من الْكَلِمَات والكلمات تتركب من الْحُرُوف وَقد تكون الْكَلِمَة على حرف واحدث مثل ق وَهَذِه الْحُرُوف الَّتِي تتركب مِنْهَا الْكَلِمَات تسمى حُرُوف المباني وحروف الهجاء ثمَّ إِن الْحَرْف لَا يَخْلُو من حَرَكَة أَو سُكُون فالحركة هِيَ كَيْفيَّة عارضة للحرف يُمكن مَعهَا أَن يُوجد عقبَة حرف من حُرُوف الْمجد وَذَلِكَ كَمَا فِي الْمِيم من من فَإِنَّهُ يُمكن مدها فَيُقَال فِي حَال فتحهَا مان وَفِي حَال ضمهَا مون وَفِي حَال كسرهَا مين وَبِهَذَا يظْهر أَن الْحَرَكَة ثَلَاثَة أَنْوَاع فَتْحة وضمة وكسرة فالفتحة هِيَ الْحَرَكَة الَّتِي إِذا مدت تولد مِنْهَا الْألف والضمة هِيَ الْحَرَكَة الَّتِي إِذا مدت تولد

مِنْهَا الْوَاو والكسرة هِيَ الْحَرَكَة الَّتِي إِذا مدت تولد مِنْهَا الْيَاء وَيُقَال لهَذِهِ الْحُرُوف الثَّلَاثَة فِي مثل هَذَا الْموضع حُرُوف الْمَدّ والسكون هُوَ كَيْفيَّة عارضة للحرف يمْتَنع مَعهَا أَن يُوجد عقبه أحد حُرُوف الْمَدّ وَذَلِكَ كَمَا فِي النُّون من من فَإِنَّهُ وَهُوَ على حَاله من السّكُون لَا يُمكن أَن يحدث بعده حرف من حُرُوف الْمَدّ قَالَ بعض الْحُكَمَاء إِن الَّذِي تدل عَلَيْهِ الْجِيم أَو الْمِيم مثلا لَا يُمكن أَن ينْطق بِهِ مُفردا وَكَذَلِكَ مَا تدل عَلَيْهِ الضمة أَو الفتحة أَو الكسرة وَإِنَّمَا يحدث الصَّوْت بمجموعهما وَذَلِكَ أَن الصَّوْت المتميز فِي السّمع يحدث من شَيْئَيْنِ أَحدهمَا يتنزل مِنْهُ منزلَة الْمَادَّة وَهُوَ الَّذِي يُسمى حرفا غير مصوت وَالثَّانِي يتنزل مِنْهُ منزلَة الصُّورَة وَهُوَ الَّذِي يُسمى حرفا مصوتا ويسميه أهل لساننا حَرَكَة وَالْحَرَكَة قِسْمَانِ مُفْردَة وَغير مُفْردَة فالمفردة هِيَ مَا كَانَت خَالِصَة غير مشوبة بغَيْرهَا وَهِي ثَلَاثَة الضمة والفتحة والكسرة وَغير المفردة هِيَ مَا كَانَت مشوبة بغَيْرهَا بِأَن تكون بَين حركتين غير خَالِصَة إِلَى إِحْدَاهمَا وَتسَمى بالحركة المشوبة كَمَا تسمى الأولى بالحركة الْمَحْضَة وَهِي أَيْضا ثَلَاثَة وَحَيْثُ كَانَ الْمرجع بالحركات إِلَى أصوات مَخْصُوصَة لم يَنْبغ الْقطع بانحصارها مُطلقًا فِي عدد وَإِنَّمَا نقُول إِن الَّذين بحثوا عَن اللُّغَات الْمَشْهُورَة قد استقرؤوا الحركات فوجدوها تبلغ ثَمَانِيَة وَقد أوردناها فِي رسائلنا فِي الْخط على طَرِيق التَّفْصِيل إِلَّا أَنه لغموض هَذَا المبحث رُبمَا لم يهتد لفهم مَا هُنَالك كثير من المطالعين لذكر الْعبارَات الْمُخْتَلفَة فِي الظَّاهِر فأحببنا إِيرَاد ذَلِك هُنَا على طَرِيق الْإِجْمَال وَهَا هُوَ ذَلِك الحركات فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة تبلغ سِتا قَالَ الْعَلامَة ابْن جني إِن مَا فِي أَيدي النَّاس فِي ظَاهر الْأَمر ثَلَاث وَهِي الضمة والكسرة والفتحة ومحصولها فِي الْحَقِيقَة

سِتّ وَذَلِكَ أَن بَين كل حركتين حَرَكَة فالتي بَين الفتحة والكسرة هِيَ الفتحة قبل الْألف الممالة نَحْو فَتْحة عين عَالم وَكَاتب وكما أَن الْألف الَّتِي بعْدهَا بَين الْألف وَالْيَاء وَالَّتِي بَين الفتحة والضمة هِيَ الَّتِي قبل ألف التفخيم نَحْو الفتحة الَّتِي قبل الْألف فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة والحياة وَكَذَلِكَ قَالَ وَعَاد الَّتِي بَين الكسرة والضمة ككسرة قَاف قيل وسين سير هَذِه الكسرة المشمة ضما وَمثلهَا الضمة المشمة كسرا نَحْو ضمة قَاف فِي المنقر وضمة عين ابْن مذعور وباء ابْن بور فَهَذِهِ ضمة أشربت كسرة كَمَا أَنَّهَا فِي قيل وسير كسرة أشربت ضما فهما لذَلِك كالصوت الْوَاحِد لَكِن لَيْسَ فِي كَلَامهم ضمة مشربَة فَتْحة وَلَا كسرة مشربَة فَتْحة وَيدل على أَن هَذِه الحركات مُعْتَد بهَا اعْتِدَاد سِيبَوَيْهٍ بِأَلف الإمالة والتفخيم وَقد عد الكسرة المشمة ضما والضمة المشمة كسرا شَيْئا وَاحِدًا لكَونهَا كالصوت الْوَاحِد وَلم يذكر فَتْحة الإمالة الصُّغْرَى إِلْحَاقًا لَهَا بِإِحْدَى الحركتين الْوَاقِعَة هِيَ بَينهمَا فَإِذا زِدْنَا مَا ذكر كَانَت الحركات ثَمَانِيَة وَقد أحببنا ذكرهَا على طَرِيق التَّفْصِيل فَنَقُول الْحَرَكَة الأولى الضمة الْمَحْضَة وَهِي الْحَرَكَة الَّتِي تحدث عِنْد ضم الضفتين ضما شَدِيدا وَهِي الْمَعْرُوفَة باسم الضمة عِنْد الْعَرَب بِحَيْثُ إِذا ذكرت لم يخْطر فِي بالهم غَيرهَا

الْحَرَكَة الثَّانِيَة الضمة المشوبة بالفتحة وَهِي حَرَكَة خَفِيفَة شائعة فِي اللُّغَات الْمَشْهُورَة ولخفتها وشيوعها كثر نطلق الْعَرَب بهَا حَتَّى كَادُوا ينسون الضمة الْمَحْضَة الَّتِي هِيَ الضمة الْعَرَبيَّة وَمن الْغَرِيب أَن جلّ من تُؤْخَذ عَنْهُم الْعَرَبيَّة ينطقون بهَا كَذَلِك حِين تلقي النَّاس عَنْهُم فَيَقُولُونَ خُذ وكل وَقل بضمة مشوبة بالفتحة غير أَن الْقُرَّاء لما وجدوا أَن الْأَمر قد تفاقم شَدَّدُوا الْإِنْكَار فِي ذَلِك ففازوا بعد عناء وَشدَّة وَصَارَ كثير من النَّاس يتَنَبَّه لذَلِك وَيَأْتِي بالضمة الْمَحْضَة حِين الْقِرَاءَة وَهَذِه الضمة مَوْجُودَة فِي بعض لُغَات الْعَرَب قَالَ الْعَلامَة ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَأما الفتحة الممالة نَحْو الضمة فالتي تكون قبل ألف التفخيم وَذَلِكَ نَحْو الصَّلَاة وَالزَّكَاة ودعا وَعزا وَقَامَ وصاغ وكما أَن الْحَرَكَة هُنَا قبل الْألف لَيست فَتْحة مَحْضَة بل هِيَ مشوبة بِشَيْء من الضمة فَكَذَلِك الْألف الَّتِي بعْدهَا لَيست ألفا مَحْضَة لِأَنَّهَا تَابِعَة لحركة هَذِه صفتهَا فَجرى عَلَيْهِ حكمهَا وَقَالَ الْعَلامَة السكاكي فِي الْمِفْتَاح التفخيم هُوَ أَن تكسي الفتحة ضمة فَتخرج بَين بَين إِذا كَانَ بعْدهَا ألف منقلبة عَن الْوَاو لتميل تِلْكَ الْألف إِلَى الأَصْل كَقَوْلِك الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَقد سمى سِيبَوَيْهٍ الْألف الَّتِي هُنَا بِأَلف التفخيم كَمَا سمى ألف الإمالة بِأَلف التَّرْخِيم والترخيم تليين الصَّوْت وَهَذِه الْحَرَكَة وَاقعَة فِي كَلَام الفصحاء ذكر ذَلِك الْعَلامَة عبد القاهر الْجِرْجَانِيّ فِي شرح الْإِيضَاح حَيْثُ قَالَ فِي بَاب مخارج الْحُرُوف اعْلَم أَن هَذِه الْحُرُوف يَأْخُذ بَعْضهَا شبه بعض ويكتسي طرفا من مذاقته فيتولد من ذَلِك فروع وَتلك

الْفُرُوع أَرْبَعَة عشر سِتَّة مِنْهَا مستحسنة يُؤْخَذ بهَا فِي التَّنْزِيل وَالشعر وَالْكَلَام الفصيح أَولهَا ألف الأمالة نَحْو عَالم وعابد جنحت إِلَى الْيَاء وتشبهت بهَا فَصَارَت كَأَنَّهَا حرف آخر الثَّانِي ألف التفخيم وَهِي الْألف الَّتِي يسري فِيهَا شَيْء من الضمة كَقَوْلِهِم الصَّلَاة وَالزَّكَاة ولميلها إِلَى الْوَاو كتبت بِالْوَاو كَمَا كتبت ألف الإمالة فِي نَحْو فقضيهن بِالْيَاءِ لميلها إِلَيْهِ وَقد وجدت هَذِه الضمة فِي لُغَة الْفرس وَذَلِكَ فِي نَحْو بِمَعْنى الْقُوَّة وَقد أَشَارَ إِلَيْهَا سِيبَوَيْهٍ حَيْثُ قَالَ فِي بَاب اضطراد الْإِبْدَال فِي الفارسية الْبَدَل مضطرد فِي كل حرف لَيْسَ من حروفهم يُبدل مِنْهُ مَا قرب مِنْهُ من حُرُوف الأعجمية وَمثل ذَلِك تغييرهم الْحَرَكَة فِي مثل زور وآشوب فَيَقُولُونَ زور وآشوب وَهُوَ التَّخْلِيط لِأَن هَذَا لَيْسَ من كَلَامهم وَتسَمى هَذِه الضمة عِنْدهم بالضمة المجهولة وَالْوَاو الَّتِي بعْدهَا بِالْوَاو المجهولة وَقد يزِيدُونَ بعد الْوَاو ألفا إِشَارَة إِلَى كَون الضمة هُنَا مشوبة بالفتحة وَذَلِكَ فِي نَحْو خواجه وخواب وَكَأَنَّهُم جروا فِي هَذِه على مَنْهَج من يكْتب الرِّبَا بواو وَيجْعَل بعْدهَا ألفا قَالَ بعض الأفاضل وَكِتَابَة الْألف بعد الْوَاو فِي الرِّبَا جَار على مَذْهَب من يكْتب زيد يَدْعُو بِالْألف فَإِن فِي كتَابَتهَا ثَلَاثَة مَذَاهِب تكْتب مُطلقًا وَلَا تكْتب مُطلقًا تكْتب فِي الْجمع وَلَا تكْتب فِي الْفَرد وَالْمذهب الثَّالِث هُوَ الْمَشْهُور وكتبت فِي الْمُصحف بواو بعده ألف على لغتين يَقُول ربوا وهم أهل الْحيرَة الَّذين تعلمت الْعَرَب الْكِتَابَة مِنْهُم وَكَانَ أُولَئِكَ يَكْتُبُونَ هَكَذَا على لغتهم فَتَبِعهُمْ

الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فِي كِتَابَته كَذَلِك وَإِن لم يكن ذَلِك لغتهم ذكره الْفراء وَحَكَاهُ عَن النَّوَوِيّ فِي التَّحْرِير وَيكْتب فِي الرَّسْم الاصطلاحي بِالْألف وَمن قبيل خواجه لفظ خوارزم فِي لُغَة أَهلهَا قَالَ فِي مُعْجم الْبلدَانِ هِيَ محركة الأول بحركة بَين الضمة والفتحة وَالْألف مسترقة مختلسة لَيست بِأَلف صَحِيحَة هَكَذَا يتلفظون بِهِ قَالَ الْخَطِيب الْمُوفق الْمَكِّيّ ثمَّ الْخَوَارِزْمِيّ يتشوق إِلَيْهَا (أأبكاك لما أَن بَكَى فِي رَبًّا نجد ... سَحَاب ضحوك الْبَرْق منتحب الرَّعْد) (لَهُ قطات كاللآلئ فِي الثرى ... ولي عبرات كالعقيق على خدي) (تلفت مِنْهَا نَحْو خوارزم والها ... حَزينًا وَلَكِن أَيْن خوارزم من نجد) وَالْأولَى فِي مثل هَذَا الْموضع أَن تكْتب بِدُونِ وَاو هَكَذَا خارزم وَعَلِيهِ جرى المراعون للْقِيَاس وَأما من كتبهَا بواو بعْدهَا ألف فغالبهم مِمَّن يَقُول خوارزم بواو مَفْتُوحَة بعْدهَا ألف فَلَا يكون فِيمَا فعلوا مُخَالفَة للْقِيَاس الْحَرَكَة الثَّالِثَة الضمة المشوبة بالكسرة وَهِي الضمة الَّتِي قد أشمت شَيْئا من الكسرة قَالَ فِي سر الصِّنَاعَة وَأما الضمة المشوبة بالكسرة فنحو قَوْلك فِي الإمالة مَرَرْت بمذعور وَهَذَا ابْن بور نحوت بضمة الْعين وَالْبَاء نَحْو كسرة الرَّاء فأشممتها شَيْئا من الكسرة وكما أَن هَذِه الْحَرَكَة قبل هَذِه الْوَاو لَيست ضمة مَحْضَة وَلَا كسرة مُرْسلَة فَكَذَلِك الْوَاو أَيْضا بعْدهَا هِيَ مشوبة بروائح الْيَاء وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ الصَّوَاب لِأَن هَذِه الْحُرُوف تتبع الحركات قبلهَا فَكَمَا أَن الْحَرَكَة مشوبة غير مخلصة فالحرف اللَّاحِق بهَا أَيْضا فِي حكمهَا وَأما أَبُو الْحسن فَكَانَ يَقُول مَرَرْت بمذعور وَهَذَا ابْن بور فيشم الضمة قبل الْوَاو رَائِحَة الكسرة ويخلص الْوَاو واوا مَحْضَة الْبَتَّةَ وَهَذَا تكلّف فِيهِ شدَّة فِي

النُّطْق وَهُوَ مَعَ ذَلِك ضَعِيف فِي الْقيَاس فَهَذَا وَنَحْوه مِمَّا لَا بُد فِي أَدَائِهِ وتصحيحه للسمع من مشافهة توضحه وَتكشف عَن غامض سره فَإِن قيل فَلم جَازَ فِي الفتحة أَن ينحى بهَا نَحْو الكسرة والضمة وَفِي الكسرة أَن ينحى بهَا نَحْو الضمة وَفِي الضمة أَن ينحى بهَا نَحْو الكسرة على مَا قدمت ومثلت وَلم يجز فِي وَاحِدَة من الكسرة والضمة أَن ينحى بهَا نَحْو الفتحة فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الفتحة أول الحركات وأدخلها فِي الْحلق والكسرة بعْدهَا والضمة بعد الكسرة فَإِذا بدأت بالفتحة وتصعدت تطلب صدر الْفَم والشفتين اجتازت فِي مرورها بمخرج الْيَاء وَالْوَاو فَجَاز أَن تشمها شَيْئا من الكسرة أَو الضمة لتطرقها إيَّاهُمَا وَلَو تكلفت أَن تشم الكسرة أَو الضمة رَائِحَة من الفتحة لاحتجت إِلَى الرُّجُوع إِلَى أول الْحلق فَكَانَ فِي ذَلِك انْتِقَاض عَادَة الصَّوْت بتراجعه إِلَى وَرَاءه وَتَركه التَّقَدُّم إِلَى صدر الْفَم والنفوذ بَين الشفتين فَلَمَّا كَانَ فِي إشمام الكسرة أَو الضمة رَائِحَة الفتحة هَذَا الانقلاب والنقض ترك ذَلِك فَلم يتَكَلَّف الْبَتَّةَ فَإِن قلت فقد نراهم نَحوا بالضمة نَحْو الكسرة فِي مذعور وَابْن بور وَنَحْوهمَا والضمة كَمَا تعلم فَوق الكسرة فَكَمَا جَازَ لَهُم التراجع فِي هَذَا فَهَلا جَازَ أَيْضا فِي الكسرة والضمة أَن ينحى بهما نَحْو الفتحة فَالْجَوَاب أَن بَين الضمة الكسرة من الْقرب والتناسب مَا لَيْسَ بَينهمَا وَبَين الفتحة فَجَاز أَن يتَكَلَّف نَحْو ذَلِك بَين الضمة والكسرة لما بَينهمَا من التجانس فِيمَا قد تقدم ذكره فِي صدر هَذَا الْكتاب وَفِيمَا سَنذكرُهُ أَيْضا فِي أماكنه وَهُوَ مَعَ ذَلِك قَلِيل مستكره أَلا ترى إِلَى كَثْرَة قيل وَبيع وغيض وَقلة نَحْو مَرَرْت بمذعور وَابْن بور

وَلَعَلَّ أَبَا الْحسن أَيْضا إِلَى هَذَا نظر فِي امْتِنَاعه من إعلال الْوَاو فِي نَحْو مذعور وَتركهَا واوا مَحْضَة لِأَن لَهُ أَن يَقُول إِن الْحَرَكَة الَّتِي قبل الْوَاو لم تتمكن فِي الإعلال والإشمام تمكن الفتحة فِي الإشمام فِي نَحْو عَالم وَقَامَ وَلَا تمكن الكسرة فِي قيل وَبيع فَلَمَّا كَانَ الإشمام فِي مذعور وَنَحْوه عِنْده خلسا خفِيا لم يقوا عل إعلال الْوَاو بعده كَمَا أعلت الْألف فِي نَحْو عَالم وَقَامَ والكسرة فِي نَحْو قيل وغيض فَلذَلِك لم تعتل عِنْده الْوَاو فِي مذعور وَابْن بور وأخلصها واوا مَحْضَة فَهَذَا قَول من الْقُوَّة على مَا ترَاهُ ثمَّ قَالَ وَقد كَانَ يجب على أَصْحَابنَا إِذْ ذكرُوا فروع الْحُرُوف نَحْو ألف الإمالة وَألف التفخيم وهمزة بَين بَين أَن يذكرُوا أَيْضا الْيَاء فِي نَحْو قيل وَبيع وَالْوَاو فِي نَحْو مذعور وَابْن وبور على أَنه قد يُمكن الْفَصْل بَين الْيَاء وَالْوَاو وَبَين الْألف بِأَنَّهَا لَا بُد أَن تكون تَابِعَة وأنهما قد لَا يتبعان مَا قبلهمَا وَمَا علمت أَن أحدا من أَصْحَابنَا خَاضَ فِي هَذَا الْفَنّ هَذَا الْخَوْض وَلَا أشبعه هَذَا الإشباع وَمن وجد قولا قَالَه وَالله يعين على الصَّوَاب بقدرته الْحَرَكَة الرَّابِعَة الكسرة المشوبة بالضمة وَهِي الكسرة الَّتِي قد أشمت شَيْئا من الضمة قَالَ فِي سر الصِّنَاعَة وَأما الكسرة المشوبة بالضمة فنحو قيل وَبيع وغيض وسيق وكما أَن الْحَرَكَة قبل هَذِه الْيَاء مشوبة بالضمة فالياء بعْدهَا مشوبة بروائح الْوَاو على مَا تقدم فِي الْألف قَالَ بعض الْمُحَقِّقين تشم الكسرة ضمة فِي نَحْو قيل وَجِيء وسيء فِي لُغَة أَسد وَقيس وَعقيل فَإِنَّهُم يقربون كسرة الأول من الضمة إِشَارَة إِلَى الأَصْل والإشمام فِي مثل هبت يَا زيد إِذا أُرِيد أَنه صَار مهيبا أحسن من الإشمام فِي هيب لفصله بَين

الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْفَاعِل من الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول وَقد أشمت الكسرة ضمة فِي مثل تغزين إِشَارَة إِلَى الأَصْل فَإِنَّهُ كَانَ تغزوين وَقَالَ بعض الْقُرَّاء حَقِيقَة الإشمام فِي نَحْو سيء وسيئت وَقيل وغيض وسيق وحيل أَن ينحى بكسرة أَوَائِل هَذِه الْأَفْعَال نَحْو الضمة يَسِيرا ليدل بذلك على أَن الضَّم الْخَالِص أَصْلهَا كَمَا ينحى بالفتحة الممالة نَحْو الكسرة قَلِيلا ليدل بذلك أَيْضا على انقلاب الْألف عَن الْيَاء أَو لتقرب بذلك من كسرة قبلهَا أَو بعْدهَا وَقَالَ بعض عُلَمَاء الْعَرَبيَّة للْعَرَب فِي الْفِعْل الْمَجْهُول من نَحْو قَالَ وَبَاعَ ثَلَاث لُغَات الأولى قيل وَبيع بالكسرة وَهِي فِي اللُّغَات أشهر وورودها فِي الْآثَار أَكثر الثَّانِيَة قيل وَبيع بالإشمام وَهِي وَإِن كَانَت قَليلَة فَهِيَ فصيحة الثَّالِثَة قَول وبوع بِالضَّمِّ وَهِي لُغَة غير فصيحة وَحَقِيقَة الإشمام هُنَا هُوَ أَن تنحو بالكسرة نَحْو الضمة فتميل الْيَاء الساكنة بعْدهَا نَحْو الْوَاو قَلِيلا إِذْ هِيَ تَابِعَة لحركة مَا قبلهَا هَذَا هُوَ مُرَاد الْقُرَّاء والنحاة بالإشمام فِي هَذَا الْموضع وَقَالَ بَعضهم الإشمام هُنَا كالإشمام فِي حَالَة الْوَقْف يعنون ضم الشفتين فَقَط مَعَ بَقَاء الْكسر على حَاله غير مشوب بِشَيْء من الضَّم وَهَذَا خلاف الْمَشْهُور عِنْد الْفَرِيقَيْنِ وَقَالَ بَعضهم هُوَ أَن تَأتي بضمة خَالِصَة بعْدهَا يَاء سَاكِنة وَهَذَا أَيْضا غير مَشْهُور عِنْدهم لِأَن الإشمام عِنْدهم هُنَا هُوَ حَرَكَة بَين حركتي الضَّم وَالْكَسْر بعْدهَا حرف بَين الْوَاو وَالْيَاء وَقَالَ فِي الْجَوْهَر الزَّاهِر قرأن ابْن عمر سيق وحيل وسيء وسيئت بإشمام الضَّم على اللُّغَة الأَسدِية وروى عَنهُ هِشَام الإشمام فِي قيل وَجِيء وغيض عَلَيْهَا

لاتباع الْأَثر وروى عَنهُ ابْن ذكْوَان إخلاص الْكسر فِيهَا لاتباع الْأَثر وَفِي ذَلِك الْجمع بَين اللُّغَة القرشية والأسدية وَكَيْفِيَّة التَّلَفُّظ بالإشمام أَن تلفظ فَاء الْكَلِمَة بحركة تَامَّة مركبة من حركتين إفرازا لَا شيوعا بِحَيْثُ يكون جُزْء الضمة وَهُوَ الْأَقَل مقدما وجزء الكسرة وَهُوَ الْأَكْثَر تاليا لَهُ وتنظير بَعضهم لَهُ بالإمالة يُوهم الشُّيُوع وَقيل يشار بِالضَّمِّ مَعَ الْفَاء أَو قبلهَا أَو بعْدهَا وكل ذَلِك بَاطِل أما الأول فَلِأَن الْكسر يَقْتَضِي التسفل وَالضَّم يَقْتَضِي الانطباق فَكيف يَجْتَمِعَانِ مَعًا وَأما الثَّانِي وَهُوَ الْإِشَارَة بِالضَّمِّ قبل الْفَاء فَإِنَّهُ لم يسمع وَلَا قَارِئ بِهِ وَأما الثَّالِث فَإِن الْيَاء تمنع من ذَلِك وَقيل الإشمام هُنَا صَرِيح الضَّم وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ إِن كَانَ مَعَ الْوَاو فلغة لم يقْرَأ بهَا وَإِن كَانَ مَعَ الْيَاء فخروج عَن كَلَام الْعَرَب فَإِن قيل هَل تسمع الْإِشَارَة إِلَى الضَّم أَو ترى وَهل يحكم على الْحَرْف الَّذِي أشمت حركته بِالضَّمِّ أَو بِالْكَسْرِ فَإِن قيل هَل تسمع الْإِشَارَة إِلَى الضَّم أَو ترى وَهل يحكم على الْحَرْف الَّذِي أشمت حركته بِالضَّمِّ أَو بِالْكَسْرِ يُقَال إِن الْإِشَارَة إِلَى الضَّم تسمع وَترى فِي نفس الْحَرْف الأول هُنَا والحرف الأول مَحْكُوم عَلَيْهِ بِالْكَسْرِ مَعَ الْإِشَارَة إِلَى الضَّم وَمَا ذكر من كَون الإشمام هُوَ الْإِتْيَان بحركة تَامَّة مركبة من حركتين على طَرِيق الْإِفْرَاز هُوَ قَول بعض الْمُتَأَخِّرين وَظَاهر كَلَام الْفراء والنحويين أَنه الْإِتْيَان بحركة تَامَّة ممتزجة من حركتين وهما الكسرة والضمة على طَرِيق الشُّيُوع وَإِذا أمعن النّظر وجد هَذَا من قبيل اخْتِلَاف الْعبارَات لاخْتِلَاف الاعتبارات قَالَ الإِمَام أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي كتاب حجج الْقرَاءَات حجَّة من أَشمّ الضَّم الْكسر وَمَال بِهِ نَحوه فِي هَذِه الْأَفْعَال وَهِي قيل وغيض وسيء وحيل وسيق وَجِيء أَن ذَلِك أدل على فعل أَلا تراهم قَالُوا كيد زيد يفعل وَمَا زيل زيد يفعل فَإِذا حركوا الْفَاء بِهَذِهِ الْحَرَكَة أمنُوا التباس الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْفَاعِل بِالْفِعْلِ الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول وانفصل مِنْهُ وَكَانَ أَشد إبانة للمعنى الْمَقْصُود

وَمن الْحجَّة فِيهِ أَنهم قد أشموا رد وَشد وشبهة من المضعف الْمَبْنِيّ على فعل مَعَ أَن الضمة تلْحق فاءه فَإِذا كَانُوا قد تركُوا الضَّم الْخَالِص إِلَى هَذِه فِي الْمَوَاضِع الَّذِي يَصح فِيهَا الضَّم فلزومها حَيْثُ يلْزم الْكسر فِيهِ فِي أَكثر اللُّغَات أَجْدَر وَدلّ استعمالهم هَذِه الْحَرَكَة فِي رد وَنَحْوه من المضعف على تمكنها فِي قيل وَشبهه وَكَونهَا أَمارَة للْفِعْل وَلَوْلَا ذَلِك لم تتْرك الضمة الْخَالِصَة إِلَيْهَا فِي رد وَشبهه وَمن الْحجَّة فِي ذَلِك أَنهم قَالُوا أَنْت تغزين فأشموا الزَّاي الضَّم وزاي تغزين كقاف قيل فَكَمَا الْتزم الإشمام هُنَاكَ الْتزم فِي قيل وَكَذَا فِي اختير أشمت التَّاء مِنْهُ لما كَانَت كقاف قيل وكما أَشمّ تغزين لينفصل من بَاب ترمين أَشمّ قيل وَنَحْوه ليمتاز من الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْفَاعِل نَحْو كيد وزيل وليكون أدل على فعل وَمِمَّا يُقَوي قَول من أَشمّ قيل أَن هَذِه الضمة المنحو بهَا محو الكسرة قد جَاءَت فِي قَوْلهم شربت من المنقر وَهَذَا ابْن مذعور فأمالوا هَذِه الضمات نَحْو الكسرة لتَكون أَشد مشاكلة لما بعْدهَا وأشبه بِهِ وَهُوَ كسر الرَّاء فَإِذا أخذُوا بِهَذَا لتشاكل الْأَلْفَاظ وَحَيْثُ لَا يُمَيّز معنى من معنى آخر فَأن يلتزموا ذَلِك حَيْثُ يزِيل ويخلص معنى من معنى أَجْدَر وَأولى الْحَرَكَة الْخَامِسَة الكسرة الْمَحْضَة وَهِي الكسرة الْخَالِصَة الَّتِي لَا يشوبها شَيْء من غَيرهَا وَذَلِكَ كحركة من وَفِي وحركة أَوَائِل قيل وَبيع وهيب إِذا لم تشم الْحَرَكَة السَّادِسَة الفتحة الْمَحْضَة وَهِي الفتحة الْخَالِصَة الَّتِي لَا يشوبها شَيْء من غَيرهَا كفتحة مَا وَمن وَقد شَاب أَكثر النَّاس الفتحة الْمَحْضَة إِمَّا بالكسرة وَذَلِكَ فِي نَحْو خيل وليل وسيل وميل وَإِمَّا بالضمة وَذَلِكَ فِي نَحْو يَوْم وَقوم ونوم كَمَا شابوا الكسرة الْمَحْضَة بالفتحة وَذَلِكَ فِي نَحْو صل وَأحسن وأنعم وأبشر وَبشر

من ضمة أَو فَتْحة أَو كسرة بغَيْرهَا فِي كثير من الْمَوَاضِع فَيَنْبَغِي الانتباه لذَلِك الْحَرَكَة السَّابِعَة الفتحة الممالة وَهِي حَرَكَة بَين الفتحة الْمَحْضَة والكسرة الْمَحْضَة والإمالة عِنْدهم هُوَ أَن ينحى بالفتحة نَحْو الكسرة وَذَلِكَ مثل فَتْحة النُّون فِي النَّاس وَالْبَاء فِي الْكبر عِنْد من أمال ذَلِك وَلَيْسَت الإمالة لُغَة جَمِيع الْعَرَب فَإِن أهل الْحجاز لَا يميلون وَلَكِن يفخمون إِلَّا أَنه قد تقع مِنْهُم الإمالة قَلِيلا وأرباب الإمالة هم تَمِيم وَمن جاورهم من سَائِر أهل نجد كأسد وَقيس وَلَا يُقَال إمالة إِلَّا إِذا بولغ فِي إمالة الفتحة نَحْو الكسرة وَمَا لم يُبَالغ فِيهِ يُقَال الترقيق والإمالة بَين بَين وَقد يُسَمِّي بَعضهم الترقيق إمالة صغرى وَمَا بولغ فِيهِ إمالة كبرى وَهَذِه الْحَرَكَة مَوْجُودَة فِي اللُّغَة الفارسية وَتسَمى عِنْد أَهلهَا بالكسرة المجهولة وَإِذا مدت ظهر بعْدهَا حرف هُوَ إِلَى الْيَاء أقرب مِنْهُ إِلَى الْألف وَيُسمى بِالْيَاءِ المجهولة وَيكْتب بِالْيَاءِ وَذَلِكَ نَحْو سير بإمالة كسرة السِّين وَهُوَ بِمَعْنى الشبعان والنطق بِهِ كالنطق بِلَفْظ سَار فِي الْعَرَبيَّة إِذا أميل إمالة كبرى فَإِن كَانَ بإخلاص كسرة السِّين كَانَ بِمَعْنى الثوم لِأَن الإمالة فِي الْعَرَبيَّة طارئة والتفخيم هُوَ الأَصْل قَالُوا وَيدل على ذَلِك أَن كل مَا يمال لَو فخمته لم تكن لاحنا فَإِنَّهُ مَا من كلمة تمال إِلَّا وَفِي الْعَرَب من يفخمها فَدلَّ اطراد الْفَتْح على أصالته وفرعيتها وَلَو أملت كل مفخم كنت لاحنا فَإِن الإمالة لَا تكون إِلَّا بِسَبَب فَإِن فقد امْتنعت الإمالة وَتعين الْفَتْح على أَنه يُمكن أَن يُقَال إِنَّمَا كتبوها بِالْألف رِعَايَة للغة قُرَيْش الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودَة بِالْأَصَالَةِ وَكَثِيرًا مَا يفرق الْفرس بَين معنى الْكَلِمَة بِمثل ذَلِك نَحْو شير فَإِنَّهُ بِالْكَسْرِ الْمَحْض بِمَعْنى اللَّبن وبالكسر الممال إِلَى الْفَتْح بِمَعْنى الْأسد وَنَظِير ذَلِك رُوِيَ فَإِنَّهُ بِالضَّمِّ الْمَحْض بِمَعْنى الْوَجْه وبالضم المشوب بِالْفَتْح بِمَعْنى الصفر وَهُوَ نوع من

النّحاس وَإِنَّمَا لم تكْتب أَلفه الإمالة فِي الْعَرَبيَّة بِالْيَاءِ مَعَ أَنَّهَا إِلَى الْيَاء أقرب مِنْهَا إِلَى الْألف وَمِمَّا جَاءَ بالإمالة فِي لُغَة قُرَيْش لَا فِي إمالا قَالَ فِي النِّهَايَة جَاءَ فِي حَدِيث بيع الثَّمر إمالا فَلَا تبايعوا حَتَّى يَبْدُو صَلَاح الثَّمَرَة هَذِه الْكَلِمَة ترد فِي المحاورات كثيرا وَقد جَاءَت فِي غير مَوضِع من الحَدِيث وَأَصلهَا إِن وَمَا وَلَا فأدغمت النُّون فِي الْمِيم وَمَا زَائِدَة فِي اللَّفْظ لَا حكم لَهَا وَقد أمالت الْعَرَب لَا إمالة خَفِيفَة والعوام يشبعون إمالتها فَتَصِير ألفها يَاء وَهُوَ خطأ وَمَعْنَاهَا إِن لم تَفعلُوا هَذَا فَلْيَكُن هَذَا وَأما الفتحة المشوبة بالضمة فَهِيَ الفتحة الَّتِي تكون قبل ألف التفخيم وَذَلِكَ نَحْو فَتْحة اللَّام فِي الصَّلَاة وَالْكَافِي فِي الزَّكَاة عِنْد من يشوبها بِشَيْء من الضمة وَقد سبق ذكرهَا فَإِنَّهَا عين الْحَرَكَة الثَّانِيَة الْمُسَمَّاة بالضمة المشوبة بالفتحة وَالْمَشْهُور عِنْد الْجُمْهُور تَسْمِيَتهَا بالفتحة المشوبة بالضمة وَذَلِكَ أَنهم لاحظوا أَن الأَصْل فِيهَا أَن تكون فَتْحة بِدَلِيل أَنَّهَا فِي أَكثر لُغَات الْعَرَب هِيَ كَذَلِك فَيكون شوبها بالضمة أمرا طارئا عَلَيْهَا وَلم يلتفتوا إِلَى أَن الضَّم صَار فِيهَا أظهر من الْفَتْح وَلَا إِلَى أَن الشائبين لَهَا بِالضَّمِّ قد كتبُوا بعْدهَا الْوَاو دون الْألف فَيَنْبَغِي الانتباه لمثل ذَلِك فقد وَقع فِي مَبْحَث الحركات مَعَ شدَّة غموضه من اخْتِلَاف الْعبارَات إِمَّا لاخْتِلَاف الاعتبارات أَو لغير ذَلِك مَا رُبمَا يُوقع النبيه فِي حيرة شَدِيدَة هَذَا وَقد ذكر سِيبَوَيْهٍ ألف التفخيم وَالْألف الَّتِي تمال إمالة شَدِيدَة فِي الْحُرُوف الفرعية الَّتِي تستحسن الْحَرَكَة الثَّامِنَة الفتحة المرققة وَهِي المتوسطة بَين الفتحة الْمَحْضَة والفتحة الممالة قَالَ بعض الْقُرَّاء الإمالة قِسْمَانِ شَدِيدَة ومتوسطة والمتوسطة هِيَ الَّتِي

تكون بَين الْفَتْح الْمُتَوَسّط والإمالة الشَّدِيدَة وَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب فِي الشَّدِيدَة الْقلب الْخَالِص والإشباع المبالغ فِيهِ وكلا الإمالتين جَائِز فِي الْقِرَاءَة غير أَنِّي أخْتَار الإمالة الْوُسْطَى الَّتِي هِيَ بَين بَين لِأَن الْغَرَض من الإمالة حَاصِل بهَا وَقَالَ بعض عُلَمَاء الرَّسْم الإمالة هِيَ أَن ينحى بالفتحة نَحْو الكسرة وبالألف إِن كَانَت بعْدهَا نَحْو الْيَاء فَإِن كَانَ جُزْء الكسرة أَكثر سميت مَحْضَة وَرُبمَا عبر عَنْهَا بِالْكَسْرِ وَإِن كَانَ جُزْء الكسرة أقل سميت تقليلا وَإِن تَسَاويا سميت بَين بَين وَهَذَا يدل على أَن بَين الفتحة والكسرة ثَلَاثَة حركات وَمَا سبق يدل على أَن بَينهمَا حركتين وَإِذا أمعنت النّظر تبين لَك أَن هَذَا من قبيل اخْتِلَاف الْعبارَات لاخْتِلَاف الاعتبارات وَالْمرَاد بالفتحة الْمَحْضَة الفتحة الَّتِي تنشأ عَن فتح الْفَم بِلَا تكلّف قَالَ بعض الْقُرَّاء الْفَتْح وَيُقَال لَهُ التفخيم يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ فتح شَدِيد وَفتح متوسط فالفتح الشَّديد هُوَ نِهَايَة فتح الْقَارئ فَمه بِلَفْظ الْحَرْف المفتوح وَهُوَ مَعْدُوم فِي لُغَة الْعَرَب والقراء يعدلُونَ عَنهُ وَأكْثر مَا يُوجد فِي أَلْفَاظ أهل خُرَاسَان وَمن قرب مِنْهُم فِيمَا إِذا كَانَ بعد الْفَتْح ألف وَهُوَ مَكْرُوه عِنْد الْقُرَّاء معيب فِي الْقِرَاءَة غير أَن الْكَرَاهَة فِي ذَلِك أخف من الْكَرَاهَة فِيمَا لَيْسَ بعده ألف وَذَلِكَ مثل مَا يَفْعَله بعض النَّاس فِي لَام عَلَيْهِم ودال لديهم وَالْفَتْح الْمُتَوَسّط هُوَ مَا يكون بَين الْفَتْح الشَّديد والإمالة الصُّغْرَى وَهُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ أهل الْفَتْح من الْقُرَّاء وَإِنَّمَا نبهنا عل هَذِه لما ذكره بعض الجهابذة من أَن بعض من يسْتَعْمل الْفَتْح الشَّديد يزْعم أَنه الْفَتْح الْمُتَوَسّط وينسب من اسْتعْمل الْفَتْح الْمُتَوَسّط إِلَى الإمالة وَقد حذر بعض أَرْبَاب الْفَنّ من تفخيم الْعَجم وترقيق الْعَرَب وَالْمرَاد بتفخيم الْعَجم الْفَتْح الشَّديد الَّذِي اعتاده أهل التفخيم مِنْهُم وَالْمرَاد بترقيق الْعَرَب

الإمالة الصُّغْرَى الَّتِي هِيَ لُغَة لبَعض قبائل الْعَرَب فَإِن من الْعَرَب من لَا يمِيل أصلا وَمِنْهُم من يمِيل فِي بعض الْمَوَاضِع إمالة كبرى وَمِنْهُم من يسْتَعْمل فِي موضعهَا الإمالة الصُّغْرَى وَأما الْحَرَكَة المختلسة فَهِيَ حَرَكَة غير متميزة فِي الْحس وَتسَمى الْحَرَكَة المجهولة وَبهَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو {فتوبوا إِلَى بارئكم} قَالَ ابْن جني وَأما الْحَرَكَة الضعيفة المختلسة كحركة همزَة بَين بَين وَغَيرهَا من الْحُرُوف الَّتِي يُرَاد اختلاس حركاتها تَخْفِيفًا فَلَيْسَتْ حَرَكَة مشمة شَيْئا من غَيرهَا من الحركتين وَإِنَّمَا أَضْعَف اعتمادها فأخفيت لضرب من التَّخْفِيف وَهِي بزنتها إِذا وفت وَلم تختلس وَقد تقدّمت الدّلَالَة على أَن همزَة بَين بَين كَغَيْرِهَا من سَائِر المتحركات فِي ميزَان الْعرُوض الَّذِي هُوَ حَاكم وعيار على السَّاكِن والمتحرك وَكَذَلِكَ غير هَذِه الْهمزَة من الْحُرُوف المخفاة الحركات نَحْو قَوْله عز اسْمه {مَا لَك لَا تأمنا} وَغير ذَلِك كُله محرك وَإِن كَانَ مختلسا وَيدل على حركته قَوْله تَعَالَى {شهر رَمَضَان} فِيمَن أخْفى فَلَو كَانَت الرَّاء الأولى سَاكِنة وَالْهَاء قبلهَا سَاكِنة لاجتمع ساكنان فِي الأَصْل لَيْسَ الأول مِنْهُمَا حرف لين وَالثَّانِي مدغما نَحْو دَابَّة وشابة وَقَالَ أَبُو عَليّ حَرَكَة الْبناء وَالْإِعْرَاب يسْتَعْمل فِي الضمة والكسرة مِنْهُمَا وَجْهَان الإشباع والاختلاس وَلَيْسَ فِي الفتحة إِلَّا الإشباع والاختلاس وَإِن كَانَ صَوته أَضْعَف من الإشباع وأخفى فالحرف المختلس حركته بزنة المتحرك فَمن روى الإسكان عَن أبي عَمْرو فِي {بارئكم} فَلَعَلَّهُ سَمعه يختلس فطنة لضعف الصَّوْت وَالْحَرَكَة أَنه سكن وعَلى هَذَا يَأْمُركُمْ ويشعركم وَنَحْوه كُله على الاختلاس مُسْتَقِيم حسن وَقد جَاءَ إسكان مثل هَذَا فِي الشّعْر وَقَالَ بعض الْقُرَّاء إِذا كَانَت الْقِرَاءَة بِشَيْء مِمَّا شاع وذاع وَقد تَلَقَّتْهُ الْأَئِمَّة بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيح الَّذِي هُوَ الرُّكْن الْأَعْظَم فِي ذَلِك لم يضر خلاف مُخَالف فكم من

الفائدة الخامسة

قِرَاءَة أنكرها بعض أهل النَّحْو أَو كثير مِنْهُم وَلم يعْتَبر إنكارهم كإسكان بارئكم ويأمركم وأئمة الْقُرَّاء لَا تجْرِي على الأفشى فِي اللُّغَة والأقيس فِي الْعَرَبيَّة بل على الأثبت فِي الرِّوَايَة الْفَائِدَة الْخَامِسَة رأى كَثِيرُونَ من أهل النبل المولعين بِالْعَرَبِيَّةِ وَمَا يتَعَلَّق بهَا من خطّ وَنَحْوه أَنه يَنْبَغِي أَن يوضع فِي هَذَا الْعَصْر علائم للحركات المشوبة ليَكُون الْخط الْعَرَبِيّ وافيا بالغرض فِيهِ فَإنَّا كثيرا مَا نحتاج إِلَى كِتَابَة كَلِمَات فِيهَا شَيْء من تِلْكَ الحركات فَإِن كتبناها بِمَا يقرب مِنْهَا من الحركات الْمَحْضَة كَانَ تحريفا لَهَا وَرُبمَا كَانَ مغيرا لمعناها مَعَ أَن الْأَمر فِي ذَلِك سهل إِذْ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِير لشَيْء من الْخط وَإِن الْحَاجة ماسة إِلَيْهِ جدا فنكون قد أجبنا دَاعِي الزَّمَان على أَنه يَنْبَغِي لنا أَن نراعي شَأْن سَائِر الْأُمَم الَّتِي كتبت لغاتها بالخط الْعَرَبِيّ كالفرس وَمن نحا نحوهم فَإِنَّهُم كثيرا مَا يَحْتَاجُونَ إِلَى العلائم الْأُخْرَى فَإِذا وضعت كَانَ الْخط الْعَرَبِيّ وافيا بحاجتهم وَفَاء تَاما وَلَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَى قَول من يَقُول إِن هَذَا نقص لَا يذكر بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا وَقع فِي الخطوط الْأُخْرَى فَإِن هَذَا قَول من يرض بِالنَّقْصِ مَعَ إِمْكَان الْكَمَال وَلَقَد أحسن من قَالَ (وَلم أر فِي عُيُوب النَّاس عَيْبا ... كنقص القادرين على التَّمام) وَلَو دَعَا الدَّاعِي إِلَى ذَلِك فِي عصر الْخَلِيل لبادر هُوَ أَو أحد مِمَّن ينتمي إِلَيْهِ إِلَى إِجَابَة الدَّاعِي وَأما عدم وضعهم قَدِيما عَلامَة للحركات المشوبة كالإمامة والإشمام مَعَ وجود ذَلِك فِي لُغَة الْعَرَب فَيمكن أَن يكون سَببه كَون ذَلِك لَيْسَ فِي لُغَة قُرَيْش الَّتِي هِيَ الْمَقْصُود الأول وَعَلَيْهَا عِنْد اخْتِلَاف اللُّغَات الْمعول وَيضم إِلَى هَذَا مَا كَانَ لَهُم من شدَّة الْعِنَايَة بالرواية والتلقي من الأفواه هَذَا لباب مَا يُقَال فِي هَذِه الْقَضِيَّة على كثرته وتشعبه وَلَا يخفى أَن هَذَا كَلَام صادر عَن أخلاء لَا يشوب صفاءهم كدر فَيَنْبَغِي أَن يصفى إِلَيْهِ وَيقبل عَلَيْهِ وَلَا يحْسب لَغوا كَمَا يفهم من لحن كَلَام بعض اللغاة

وَقيل الْخَوْض فِي غمار هَذَا الْبَحْث نذْكر هُنَا شَيْئا وَهُوَ أَن مَا ظن من عدم وضع الْقَوْم عَلامَة للإمالة والإشمام لَيْسَ كَذَلِك فقد تبين من الْبَحْث والتتبع أَنهم وضعُوا لَهما عَلامَة بل زادوا فوضعوا عَلامَة لاختلاس الْحَرَكَة ولزيادة الْحَرْف وحذفه وَغير ذَلِك مِمَّا رُبمَا لَا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ كثيرا كالروم والإشمام وَالنَّقْل فِي حَال الْوَقْف قَالَ بعض النُّحَاة فِي الْوَقْف على المتحرك خَمْسَة أوجه الإسكان وَالروم والإشمام والتضعيف وَالنَّقْل وَلكُل مِنْهَا عَلامَة وَقد ذكر سِيبَوَيْهٍ هَذِه العلائم فِي كِتَابه وَهُوَ تلميذ الْخَلِيل بن أَحْمد مخترع هَذَا الشكل المزيل للإشكال وَله فِي ذَلِك كتاب وَمن أَرَادَ الْبَحْث عَن العلائم الْمَذْكُورَة فَعَلَيهِ بِكِتَاب الْمُحكم فِي نقط الْمَصَاحِف وَكَيْفِيَّة ضَبطهَا على مَذْهَب الْقُرَّاء وَسنَن النَّحْوِيين لأبي عَمْرو الداني وَقد كَانَ لأهل الْمغرب عناية شَدِيدَة بذلك وَهُوَ أم يتَوَقَّف إتقانه والبراعة فِيهِ على علم وَعمل وَقد أدركنا أُنَاسًا لَهُم فِي ذَلِك يَد بَيْضَاء مِنْهُم الْعَلامَة الْوَالِد غير أه قد كَاد هَذَا الْأَمر أَن ينسى وَعَسَى أَن يتَنَبَّه بعض نبهائهم لدرسه وإحيائه قبل أَن يدرس والكمال يَدْعُو بعضه بَعْضًا كَمَا أَن النَّقْص كَذَلِك وَقد اعْترض بعض من ألف فِي علم الْخط على المؤلفين فِي أصُول الحَدِيث لذكرهم مسَائِل كَثِيرَة تتَعَلَّق بِعلم الْخط فِي فنهم وَإِن كَانَ لَهَا فِيهِ مُنَاسبَة وَجعل الأول بهم أَن يكتفوا بذكرها فِي الْكتب الْمَوْضُوعَة فِي علم الْخط فَإِنَّهَا بِهِ أَجْدَر وَيُمكن أَن يُقَال إِن كتب الْخط لما كَانَت فِي الْغَالِب لَا تقْرَأ اضطروا إِلَى ذكرهَا على أَن الْخط أَمر ذُو بَال والتساهل فِيهِ رُبمَا أوقع خللا عَظِيما فِي الحَدِيث والْحَدِيث ذُو شجون وَأكْثر الْمسَائِل إِذا لم تذكر أطرافها لَا يكون فِيهَا كَبِير طائل وَهَذَا لَيْسَ شَيْئا بِالنّظرِ لما فعله كثير مِمَّن ألف فِي أصُول الْفِقْه فَإِنَّهُم ذكرُوا فِيهِ مسَائِل كَثِيرَة من فنون شَتَّى حَتَّى وصل الْحَال ببعضهم إِلَى أَن ذكر فِيهِ فن الْمنطق وَفِي مقدمتهم الْغَزالِيّ

قَالَ فِي مُقَدّمَة الْمُسْتَصْفى نذْكر فِي هَذِه الْمُقدمَة مدارك الْعُقُول وانحصارها فِي الْحَد والبرهان وَنَذْكُر شَرط الْحَد الْحَقِيقِيّ وَشرط الْبُرْهَان الْحَقِيقِيّ وأقسامهما على منهاج أوجز مِمَّا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب محك النّظر وَكتاب معيار الْعلم وَلَيْسَت هَذِه الْمُقدمَة من جملَة علم الْأُصُول وَلَا من مقدماته الْخَاصَّة بِهِ بل هِيَ مُقَدّمَة الْعُلُوم كلهَا وكل من لَا يُحِيط بهَا فَلَا ثِقَة بِعُلُومِهِ أصلا فَمن شَاءَ أَن لَا يكْتب هَذِه الْمُقدمَة فليبدأ بِالْكتاب من القطب الأول فَإِن ذَلِك أول أصُول الْفِقْه وحاجة جَمِيع الْعُلُوم النظرية إِلَى هَذِه الْمُقدمَة كحاجة أصُول الْفِقْه إِلَيْهَا ولنرجع إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول حَيْثُ لم يكن بُد من وضع علائم للحركات الفرعية يَنْبَغِي أَن تكون سهلة قريبَة من أَصْلهَا فِي الصُّورَة وَلذَا اسْتحْسنَ بَعضهم جعل عَلامَة الفتحة الممالة الفتحة بِعَينهَا إِلَّا أَنه قَلبهَا فَجعل طرفها متجها إِلَى الْجِهَة الْيُمْنَى هَكَذَا - قَالَ بعض شرَّاح الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيث إمالا فَاصْبِرُوا وَحَدِيث وإمالا فَلَا تبايعوا إِنَّه بإمالة لَام لَا إِلَى الْكسر وَلَا يكْتب بياء بل يوضع فَوق اللَّام شكْلَة منحرفة عَلامَة على الإمالة وَإِنَّمَا جعل هَؤُلَاءِ هَذِه الْعَلامَة فَوق الْحَرْف نظرا إِلَى أَن الأَصْل فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة عدم الإمالة فَإِذا لم ينتبه الْقَارئ وظنها فَتْحة لم يعد بذلك لاحنا بِخِلَاف مَا لَو جعلت تَحت الْحَرْف فَإِن الْقَارئ إِذا لم ينتبه وظنها كسرة وأتى بالحرف مكسورا عد لاحنا وقوى هَذَا الظَّن فِي مثل مُوسَى وَعِيسَى وذكرى وبشرى وَقد جعل بَعضهم هَذِه الْعَلامَة مُشْتَركَة بَين الإمالة الصُّغْرَى والكبرى إِلَّا أَنه فرق بَينهمَا فَجَعلهَا فِي الإمالة الْكُبْرَى تَحت الْحَرْف وَرُبمَا زَاد بَعضهم على ذَلِك فَوضع فَوق الْألف نقطتين هَكَذَا وَجعلهَا فِي الإمالة الصُّغْرَى فَوق الْحَرْف وَقد الْتزم هَؤُلَاءِ أَن يكتبوا ذَلِك بالمداد الْأَحْمَر

وَأما الْفرس وَنَحْوهم فَإِن الأولى لَهُم أَن يضعوا عَلامَة الإمالة تَحت الْحَرْف وَذَلِكَ لأمرين أَحدهمَا أَن الإمالة لَيست من الْأُمُور الطارئة فِي لغتهم وَلذَا كتبُوا حرف الْمَدّ الَّذِي بعْدهَا بِصُورَة الْيَاء الثَّانِي أَنهم وَإِن عدوا أَن من كسر نَحْو سير وشير مِمَّا أمالوه لاحنا فَإِنَّهُم يعدون أَن من فَتْحة أَشد لحنا وَالظَّاهِر أَنه يَنْبَغِي لمن أَرَادَ أَن يكْتب نَحْو قيس وزن وكل بالإمالة كَمَا ينطبق بِهِ الْعَامَّة وَهُوَ فِي الأَصْل مكسور أَن يَجْعَل عَلامَة الإمالة تَحت الْحَرْف رِعَايَة لما ذكر وَقد الْتزم بعض الْكتاب أَن يَجْعَل الفتحة إِذا تَلَاهَا مد قَائِمَة وَبَعْضهمْ لم يلْتَزم ذَلِك إِلَّا فِي بعض الْمَوَاضِع نَحْو يرقى ويروى ويهوى والمرتقى والمنتقى وَنَحْو راس وياس وَاسْتَأْذَنَ إِذا خففت فِيهِ الْهمزَة بِخِلَاف مثل كَاتب وَكِتَابَة حَتَّى إِن بالمواضع الَّتِي حذف فِيهَا حرف الْمَدّ نَحْو هَذَا وَهَؤُلَاء وَهَهُنَا وإلاله والرحمن وَالسَّمَوَات وَلَكِن نَحْو ذَلِك وكما الْتزم بَعضهم أَن يَجْعَل الفتحة إِذا تَلَاهَا مد قَائِمَة الْتزم بَعضهم ذَلِك فِي الكسرة فَجَعلهَا قَائِمَة إِذا تَلَاهَا مد سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي مَوَاضِع لَا يخْشَى فِيهِ الِاشْتِبَاه نَحْو كريم وحليم وكبير وجليل أَو كَانَ فِي مَوَاضِع يخْشَى فِيهِ الِاشْتِبَاه نَحْو أدنى وأقصى وَأعْطى وأولي وأبدي وأخفي فَإِنَّهَا أَفعَال مضارعة للمتكلم وَهِي إِذا فتحت ياؤها صَارَت أفعالا مَاضِيَة للْغَائِب إِلَّا أَن الدَّاعِي هُنَا أَضْعَف من الدَّاعِي فِيمَا قبله وَالْأولَى لِلْكَاتِبِ أَن لَا يلْتَزم خشيَة أَن لَا يقوم بِحقِّهِ هَذَا وَقد يظنّ أَن الفتحة والكسرة قد وضعتا من أول الْأَمر على صُورَة وَاحِدَة غير أَنه فرق بَينهمَا بِجعْل الفتحة من فَوق والكسرة من تَحت وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِن الْخَلِيل لما وضع العلائم جعل عَلامَة الضمة واوا صَغِيرَة تُوضَع فَوق الْحَرْف وعلامة الفتحة ألفا صَغِيرَة فَوق الْحَرْف إِلَّا أَنه جعلهَا مضجعة وعلامة الكسرة يَاء تُوضَع تَحت الحرق وَاخْتَارَ لذَلِك الْيَاء الْمَرْدُودَة وَهِي الَّتِي يرجع بهَا إِلَى

الْجِهَة الْيُمْنَى هَكَذَا إِلَّا أَنَّهَا تَغَيَّرت فِيمَا بعد حَتَّى صَارَت كالفتحة وَقد اخْتَار بعض الْعَجم وَضعهَا فَوق الْحَرْف عَلامَة على الإمالة إِلَّا أَنه اختصر فِيهَا حَتَّى صَارَت هَكَذَا ومناسبة الْيَاء للإمالة لَا تخفي وَلَو وضعت تَحت الْحَرْف لم يكن فِي ذَلِك بَأْس لتميزها بصورتها وَيُمكن التَّصَرُّف فِيهَا على أوجه شَتَّى مُخْتَلفَة الْوَضع هَكَذَا وَيَنْبَغِي لمن أَرَادَ ذَلِك اخْتِيَار أسهلها عَلَيْهِ أما الضمة المشوبة بالفتحة فَالْأولى أَن تجْعَل علامتها نفس الضمة الْمَشْهُورَة بِدُونِ زِيَادَة شَيْء عَلَيْهَا إِلَّا أَنَّهَا تجْعَل مَقْلُوبَة بِأَن يكون طرفها متجها إِلَى الْأَعْلَى هَكَذَا وَذَلِكَ مثل الصلوة والزكوة والحيوة فِي الْعَرَبيَّة عِنْد من يَكْتُبهَا بِالْوَاو وَيجْعَل حَرَكَة مَا قبلهَا ضمة مشوبة بالفتحة وَمثل زور وآشوب فِي الفارسية وَيَنْبَغِي تَسْمِيَة هَذِه الْحَرَكَة بالضمة المشوبة وَبِزِيَادَة هَاتين العلامتين يَتَيَسَّر كِتَابَة الفارسية بِدُونِ إخلال بِشَيْء من حركاتها وَذَلِكَ أَن الْفرس وَكَثِيرًا من الْأُمَم لَا يُوجد فِي لغتهم إِلَّا خمس حركات وَهِي الضمة والفتحة والكسرة والفتحة الممالة إِلَى الكسرة والضمة المشوبة بالفتحة وَأما الضمة المشوبة بالكسرة فَالْأولى أَن تجْعَل علامتها نفس الضمة الْمَشْهُورَة بِزِيَادَة خطّ تحتهَا مُتَّصِل بهَا هَكَذَا (_) وَهَذِه الصُّورَة مُنَاسبَة لما وضعت لَهُ لِأَن وضع شبه الكسرة تَحت الضمة يشْعر بِأَن هُنَا حَرَكَة ممتزجة من حركتين هما الضمة والكسرة وَأَن الضمة مُتَقَدّمَة على الكسرة وعالية عَلَيْهَا وَإِن كَانَ التَّقَدُّم هُنَا والسبق على طَرِيق الْمجَاز وَمِثَال ذَلِك مَرَرْت بمذعور وَابْن بور وَهَذِه الْحَرَكَة وَإِن كَانَت قَليلَة فِي الْعَرَبيَّة فَهِيَ كَثِيرَة فِي بعض اللُّغَات الْمَشْهُورَة وَيَنْبَغِي تَسْمِيَتهَا بالضمة الممالة لِأَن فِي لفظ الإمالة بِحَسب الْعرف إشعارا بِوُجُود الْميل إِلَى الكسرة وَمِمَّا يُحَرك لهَذَا الْحَرَكَة رد نَحوه من المضاعف الْمَبْنِيّ لما لم يسم فَاعله وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك سِيبَوَيْهٍ حَيْثُ قَالَ أما مَا كَانَ من بَنَات الْيَاء فتمال أَلفه

لِأَنَّهَا فِي مَوضِع يَاء وَبدل مِنْهَا ففنحوا نَحْوهَا كَمَا أَن بَعضهم يَقُول قد رد وَقَالَ الفرزدق (وَمَا حل من جهل حبى حلمائنا ... وَلَا قَائِل الْمَعْرُوف فِينَا يعنف) فيشم كَأَنَّهُ ينحو نَحْو فعل فَكَذَا نَحْو الْيَاء وَأما الكسرة المشوبة بالضمة فَالْأولى أَن يَجْعَل علامتها نفس عَلامَة مقابلتها وَهِي الضمة المشوبة بالكسرة لكَونهَا أشبه الحركات بهَا إِلَّا أَنَّهَا تُوضَع مَقْلُوبَة هَكَذَا وَمِثَال ذَلِك قيل وَجِيء وَخيف وهيب وانقيد واختير وَخفت وهبت وَيَنْبَغِي أَن يكْتب مثل قيل وَجِيء على هَذِه اللُّغَة الْيَاء دون الْوَاو وَذَلِكَ لن الْحَرْف الَّذِي ينشأ عَن هَذِه الْحَرَكَة هُوَ إِلَى الْيَاء أقرب مِنْهُ إِلَى الْوَاو وَقد ذهب بعض النَّاس إِلَى كِتَابَته فِي غير الْعَرَبيَّة بِصُورَة الْوَاو وَذَلِكَ لكَونه مشوبا بِهِ وَجعل الْحَرَكَة الَّتِي نَشأ عَنْهَا نوعا من أَنْوَاع الضمة لكَونهَا مشوبة بهَا وَهُوَ مُخَالف للظَّاهِر فَإِن الظَّاهِر كَون هَذِه الْحَرَكَة نوعا من أَنْوَاع الكسرة لكَون الْكسر أغلب عَلَيْهَا وَكِتَابَة الْحَرْف نَشأ بِصُورَة الْيَاء لكَونه أشبه بهَا وَمَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة فَيتَعَيَّن كِتَابَته بِالْيَاءِ لثَلَاثَة أُمُور أَحدهمَا مَا ذكر وَهُوَ كَونه أشبه بهَا الثَّانِي أَن أشهر اللُّغَات فِيهِ هِيَ لُغَة من يلفظ بِهِ بِالْيَاءِ الثَّالِث رِعَايَة الِاحْتِيَاط فَإِنَّهُ إِذا كتب على هَذِه اللُّغَة بِالْوَاو وَلم ينتبه الْقَارئ للإشمام وأتى بِالضَّمِّ الْخَالِص يكون قد ترك اللُّغَة الفصيحة وَهِي لُغَة من يشم الكسرة ضمة إِلَى لُغَة غير فصيحة وَهِي لُغَة من يَقُول فِيهِ قَول وجوء بِالضَّمِّ الْخَالِص وَأما إِذا كتب بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ إِذا لم ينتبه للإشمام وأتى بالكسرة الْخَالِص يكون قد ترك اللُّغَة الفصيحة وَهِي لُغَة من يشم الكسرة ضمة إِلَى اللُّغَة الَّتِي هِيَ أفْصح مِنْهَا وَهِي لُغَة من يَقُول قيل وَجِيء بالكسرة الْخَالِص وَأكْثر النَّاس فِي أَمر العلائم أما مفرط فَمن المفرطين فِي ذَلِك من

لَا يكَاد يضع عَلامَة فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع وَمن المفرطين فِيهِ من لَا يكَاد يتْرك موضعا بِغَيْر عَلامَة وَقد رَأَيْت بعض قراء الْفرس جعل ل (مَا) وَنَحْوهَا علائم فَجعل ل (مَا) الشّرطِيَّة الطَّاء واللاستفهامية الْمِيم وللموصولة الْخَاء إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا خبرية لَا إنشائية وللزائدة الصَّاد إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا صلَة فِي الْكَلَام وللكافة الْكَاف وَجعل ذَلِك فَوق الْمِيم مَا وَكتبه بأحرف صَغِيرَة بمداد أَحْمَر وَجرى على مثل ذَلِك فِي كثر من الْأَشْيَاء وَالْأولَى فِي أَمر العلائم أَن لَا تُوضَع إِلَّا حَيْثُ يضْطَر إِلَيْهَا أَو يبْعَث عَلَيْهَا باعث / وهاك جدولا فِي الحركات وَمَا يتَعَلَّق بهَا أَسمَاء الحركات العلامات مثالها بِالْعَرَبِيَّةِ مثالها بِالْفَارِسِيَّةِ مَعْنَاهَا الضمة جد بر ملآن الضمة المشوبة صلوة خود نَفسه الضمة الممالة رد الكسرة صل أَي شَيْء الكسرة المشمة هبت جه الفتحة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَب رَأس الفتحة الممالة دَرَجَة سه ثَلَاثَة وَهَذَا المبحث وَاسِط الْأَطْرَاف جدا وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة للطَّالِب المنتهية وَالله الْمُوفق

وَقد عرفت أَنه قد انتقد على أَكثر كتاب الْعَرَبيَّة عدم وضعهم علائم للْوَقْف فِي أَكثر الإحيان حَتَّى صَار القارىء لَا سِيمَا إِن كَانَ يقْرَأ بِسُرْعَة لَا يدْرِي أَيْن يقف وَإِذا وقف فَرُبمَا وقف فِي مَوضِع لَيْسَ من مَوَاضِع الْوَقْف فيضطر حِينَئِذٍ إِلَى الْبَحْث معرفَة مَوَاضِع الْوَقْف ومراعاتها فِي حَال الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة وَأعظم النَّاس اعتناء بِأَمْر الْوَقْف كتاب الْكتاب الْعَزِيز والتالون لَهُ حق تِلَاوَته وَذَلِكَ لما ورد عَن السّلف من الْأَمر بمعرفته ومراعاته رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {ورتل الْقُرْآن ترتيلا} فَقَالَ الترتيل تجويد الْحُرُوف وَمَعْرِفَة الْوَقْف وَقَالَ بعض الْقُرَّاء بَاب الْوَقْف جليل الْقدر عَظِيم الْخطر لَا يَتَأَتَّى لأحد معرفَة مَعَاني الْقُرْآن وَلَا استنباط الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة مِنْهُ إِلَّا بِمَعْرِِفَة الفواصل وَقَالَ بَعضهم لما لم يُمكن الْقَارئ أَن يقْرَأ السُّورَة فِي نفس وَاحِد وَجب اخْتِيَار مَوضِع يسوغ الْوُقُوف عَلَيْهِ والابتداء بِمَا بعده ويتحتم أَن يكون موضعا لَا يحِيل الْوُقُوف عَلَيْهِ الْمَعْنى وَلَا يخل بالفهم وَبِذَلِك يحصل الْقَصْد وَتظهر دَلَائِل الإعجاز وَقد حث كثير من السّلف عَلَيْهِ وَاشْترط كثير من الْخلف على الْمُجِيز أَن لَا يُجِيز أحدا إِلَّا بعد مَعْرفَته بِالْوَقْفِ والابتداء فَإِذا عرف ذَلِك سَاغَ لَهُ أَن يصل فِي مَوَاضِع الْوَقْف عِنْد امتداد النَّفس فَإِن التَّالِي كالضارب فِي الأَرْض / ومواضع الْوَقْف بَين يَدَيْهِ كالمنازل فالعارف لَا يتَعَدَّى منزلا إِلَّا إِذا أَيقَن أَنه يصل إِلَى الْمنزل الَّذِي بَين يَدَيْهِ وَالنَّهَار قَائِم وَالْجَاهِل بالمنازل يعرس حَيْثُ أجنه اللَّيْل وَقد يكون فِي مَوضِع يلْحقهُ فِيهِ ضَرَر من تلف نفس أَو مَال أَو غير ذَلِك فالقارئ الْعَارِف بالمقاطع يقف حَيْثُ لَا يلْحقهُ لوم وَالْجَاهِل يقف عِنْد انْتِهَاء نَفسه فقد يقف فِي مَوضِع يضر الْوُقُوف بِهِ لإحالته الْمَعْنى أَو إخلاله بالفهم وَقد

حذر الْعلمَاء من الْوَقْف على الْمَوَاضِع الَّتِي لم يتم فِيهَا الْكَلَام وحثوا على تجنبها وَقد قسم بَعضهم الْوَقْف إِلَى قسمَيْنِ تَامّ وقبيح قَالُوا وَلَو قَالَ جَائِز وقبيح أَو حسن وقبيح لَكَانَ أقرب إِلَى التقابل بَين الْقسمَيْنِ وَكَأن صَاحب هَذَا التَّقْسِيم جعل مَا يُقَابل الْقَبِيح قسما وَاحِدًا وَهُوَ قَول غَرِيب وقسمه بَعضهم إِلَى قسمَيْنِ تَامّ وَحسن فالتام عِنْده هُوَ الَّذِي يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ والابتداء بِمَا بعده وَالْحسن هُوَ الَّذِي يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَالْمَشْهُور تَقْسِيم الْوَقْف إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام تَامّ وكاف وَحسن وَوجه الْحصْر فِي ذَلِك أم يُقَال إِن الْقَارئ إِذا وقف على كَلَام تَامّ فَإِن انْقَطع عَمَّا بعده لفظا وَمعنى فَهُوَ التَّام وَإِن تعلق بِمَا بعده فَإِن كَانَ من جِهَة الْمَعْنى دون اللَّفْظ فَهُوَ الْكَافِي وَإِن كَانَ التَّعَلُّق من جِهَة اللَّفْظ فَهُوَ الْحسن فالوقف التَّام هُوَ الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِهِ مَا بعده لَا من جِهَة اللَّفْظ وَلَا من جِهَة الْمَعْنى وَأكْثر مَا يكون عِنْد انْتِهَاء الْقَصَص وَعند رُؤُوس الْآي نَحْو الْوَقْف على {مَالك يَوْم الدّين} فَإِنَّهُ يَلِيهِ {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} وَنَحْو الْوَقْف على نستعين فَإِنَّهُ يَلِيهِ {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} وَنَحْو {وَأُولَئِكَ هم المفلحون} فَإِنَّهُ يَلِيهِ {إِن الَّذين كفرُوا} وَالْكَافِي هُوَ الَّذِي يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ والابتداء بِمَا بعده لَا أَن مَا بعده لَهُ تعلق بِهِ من جِهَة الْمَعْنى وَلذَلِك كَانَ دون التَّام وَيكون الْكَافِي فِي رُؤُوس الْآي وَفِي غَيرهَا وَقد يكون بعضه أكفى من بعض وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا وَمَا يذكر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب} فالوقف على (من يَشَاء) كَاف وَالْوَقْف على (كثيرا) أكفى مِنْهُ وَالْحسن هُوَ الَّذِي يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده لتَعَلُّقه بِهِ من جِهَة اللَّفْظ وَيُسمى أَيْضا الصَّالح لصلوح الْوَقْف عَلَيْهِ وَذَلِكَ نَحْو (الْحَمد لله)

فَإِن الْوَقْف عَلَيْهِ الْحسن لِأَن المُرَاد مَعْقُول غير أَنه لَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده فَلَا بُد من أَن يُعِيد مَا قبله ليتسق بذلك الْكَلَام وَنَحْو الْوَقْف على {رب الْعَالمين} فَإِنَّهُ يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده إِلَّا عِنْد أنَاس قَالُوا إِذا كَانَ رَأس آيَة كَمَا هُنَا جَازَ ذَلِك بل قَالَ بَعضهم إِن الْأَفْضَل الْوَقْف على رُؤُوس الْآيَات وَإِن تعلّقت بِمَا بعْدهَا اتبَاعا لهدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استدلوا على ذَلِك بِمَا رُوِيَ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَرَأَ قطع آيَة آيَة يَقُول {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} ثمَّ يقف ثمَّ يَقُول {الْحَمد لله رب الْعَالمين} ثمَّ يقف ثمَّ يَقُول {الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ساكتا عَلَيْهِ وَالتِّرْمِذِيّ وَأحمد وَغَيرهم وَهُوَ حَدِيث حسن وَسَنَده صَحِيح وَالَّذِي مَال إِلَيْهِ أَكثر الباحثين فِي الْوَقْف أَن كل مَوضِع يتَعَلَّق بِهِ مَا بعده من جِهَة اللَّفْظ لَا يسوغ إِن وقف عَلَيْهِ أَن يبتدأ بِمَا بعده وَلَو كَانَ رَأس آيَة قَالَ الْعمانِي النَّاس مُخْتَلفُونَ فِي الْوَقْف فَمنهمْ من قَالَ هُوَ على الأنفاس فَإِذا انْقَطع النَّفس فِي التِّلَاوَة فَعنده الْوَقْف فكأنهم جعلُوا الْوَقْف تَابعا لمقطع الأنفاس / وجعلوها الأَصْل وَالْوُقُوف مبنيه عَلَيْهَا وَقَالَ آخَرُونَ الفواصل كلهَا مقاطع فَكل رَأس هُوَ وقف وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقطع قِرَاءَته آيَة آيَة وَبِمَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو وَعَامة الْأَئِمَّة أَن الْوَقْف على رَأس الْآيَة تَامّ وكاف وَحسن ثمَّ قَالَ وَأَعْدل الْأَقْوَال عندنَا أَن الْوَقْف قد يكون فِي أوساط الْآي وَقد يكون فِي أواخرها والأغلب فِي رُؤُوس الْآي أَنَّهَا وقف عِنْدهَا وأكثرها فِي السُّور ذَوَات الْآي الْقصار كسورة مَرْيَم وطه وَالشعرَاء وَالصَّافَّات وَنَحْوهَا أَلا ترى أَن

قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة وَالصِّفَات {أَلا إِنَّهُم من إفكهم ليقولون} هُوَ رَأس آيَة وَمَعَ ذَلِك لَا يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ لِأَن الِابْتِدَاء بِمَا بعده يُؤَدِّي إِلَى قبح فَاحش وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الزخرف {أبوابا وسررا عَلَيْهَا يتكؤون} هُوَ رَأس آيَة وَلَيْسَ بوقف لِأَن قَوْله {وزخرفا} مَعْطُوف على مَا قبله وَلم تكْثر المعطوفات هَا هُنَا فَيجوز لطول الْكَلَام فَإِن وقف على قَوْله {وزخرفا} تمّ الْكَلَام وَحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَمن هَذَا فِي الْقُرْآن كثير ذكرت نبذا مِنْهُ ليقاس عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَاتِم أَكثر أَوَاخِر الْآي من أول الْقُرْآن إِلَى أَخّرهُ تَامّ أَو كَاف أَو صَالح أَو مَفْهُوم إِلَّا الشَّيْء بعد الشَّيْء وَهَذَا الَّذِي اسْتَثْنَاهُ هُوَ مَا ذكرته لَك وَلذَلِك قلت كتب الْوَقْف فَلم تكْثر كَثْرَة كتب الْقِرَاءَة لأَنهم اقتصروا على غير الفواصل الَّتِي اعتقدوا فِيهَا أَنَّهَا مقاطع فَكل من عمل من الْمُتَقَدِّمين كتابا فِي الْوَقْف فَإِنَّمَا أورد فِيهِ الْوُقُوف الَّتِي فِي أواسط الْآي وَلم يتَعَرَّضُوا لغَيْرهَا من الفواصل إِلَّا الْيَسِير أَرَادوا أَن يرخصوا للقارئ الْوَقْف فِي أواسط الْآي كَمَا جَازَ لَهُ الْوَقْف على أواخرها لِأَن الْآيَة رُبمَا طَالَتْ فَلم يبلغ النَّفس آخرهَا وَلِئَلَّا يتَوَهَّم أَن انْقِطَاع الأنفاس إِنَّمَا يكون عِنْد أَوَاخِر الْآيَات دون أواسطها فيضيق الْأَمر بِهِ عِنْد الْقَارئ 1 هـ وَمِمَّنْ جرى على هَذَا القَوْل الْعَلامَة السجاوندي وَلذَا كتب فَوق كثير من الفواصل لَا قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَزرِي فِي النشر قَول أَئِمَّة الْوَقْف لَا يُوقف على كَذَا مَعْنَاهُ أَنه لَا يبتدأ بِمَا بعده إِذْ كل مَا أَجَازُوا الْوَقْف عَلَيْهِ أَجَازُوا الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَقد أَكثر السجاوندي من هَذَا الْقسم وَبَالغ فِي كِتَابَة لَا وَالْمعْنَى عِنْده لَا تقف وَكثير مِنْهُ يجوز الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَأكْثر يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ وَقد توهم من لَا معرفَة لَهُ من مقلدي السجاوندي أَن منهعه من الْوَقْف على ذَلِك يَقْتَضِي أَن الْوَقْف عَلَيْهِ قَبِيح ي لَا يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من الْحسن يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده

فصاروا إِذا اضطرهم ضيق النَّفس يتركون الْوَقْف على الْحسن الْجَائِز ويتعمدون الْوَقْف على الْقَبِيح الْمَمْنُوع فتراهم يَقُولُونَ (صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير) ثمَّ يَقُولُونَ (غير المغضوب عَلَيْهِم) وَيَقُولُونَ (هدى لِلْمُتقين الَّذين) ثمَّ يبتدئون فَيَقُولُونَ (الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ) ويتركون الْوَقْف على (عَلَيْهِم) وعَلى الْمُتَّقِينَ الجائزين قطعا ويقفون على غير وَالَّذين اللَّذين تعمد الْوَقْف عَلَيْهِمَا قَبِيح بِالْإِجْمَاع لِأَن الأول مُضَاف وَالثَّانِي مَوْصُول وَكِلَاهُمَا مَمْنُوع من تعمد الْوَقْف عَلَيْهِ وحجتهم فِي ذَلِك قَول السجاوندي لَا قلت لَيْت شعري إِذْ منع من الْوَقْف عَلَيْهِ هَل أجَاز الْوَقْف على غير أَو الَّذين فَيعلم أَن مُرَاد السجاوندي بقوله لَا أَي لَا يُوقف عَلَيْهِ على أَن يبْدَأ بِمَا بعده كَغَيْرِهِ من الْأَوْقَاف ثمَّ ذكر بعض / وقُوف انتقدها عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَمثل ذَلِك كثير فِي وقُوف السجاوندي فَلَا يتَغَيَّر بِكُل مَا فِيهِ بل يتبع فِيهِ الأصوب ويختار مِنْهُ الْأَقْرَب وَهَذَا وَقد قسم بَعضهم حَيْثُ قَالَ وَالْوُقُوف على خمس دَرَجَات فأعلاها رُتْبَة التَّام ثمَّ الْحسن ثمَّ الْكَافِي ثمَّ الصَّالح ثمَّ الْمَفْهُوم وَهَذِه الْعبارَات قد استعملها أَبُو حَاتِم فِي كِتَابه وَهِي وَإِن كَانَت كَثِيرَة فَهِيَ مُتَقَارِبَة فالحسن وَالْكَافِي يتقاربان والتام فَوْقهمَا وَالْحسن يُقَارب التَّام والصالح وَالْمَفْهُوم يتقاربان أَيْضا والجائز دونهمَا فِي الرُّتْبَة وَالْمُسْتَحب للقارئ أَن يقف على التَّام فَإِن لم يجد إِلَيْهِ سَبِيلا فالحسن فَإِن لم يُمكن فالكافي وَكَذَلِكَ الصَّالح وَالْمَفْهُوم أَنه مَا دَامَ يقدر على الْوَقْف فِي الْمَوَاضِع الْمَنْصُوص عَلَيْهَا لَا يعدل عَنْهَا إِلَى الْجَائِز وَلَا يعدل عَن الْجَائِز إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يكره قطع النَّفس عِنْدهَا وَالْحسن الْمَذْكُور هُنَا أَعلَى دَرَجَة من الْحسن الْمَذْكُور سَابِقًا فَإِنَّهُ هُنَا يُقَارب

التَّام وَكَأَنَّهُ أحد نَوْعَيْنِ وَلكنه أدناهما قَالَ بَعضهم قد يتَفَاوَت التَّام فِي التَّمام وَذَلِكَ نَحْو {لقد أضلني عَن الذّكر بعد إِذْ جَاءَنِي} فَإِن الْوَقْف عَلَيْهِ تَامّ وَلَكِن الْوَقْف على بعده وَهُوَ {وَكَانَ الشَّيْطَان للْإنْسَان خذولا} أتم لتَعَلُّقه بِهِ تعلقا خفِيا وَلِأَنَّهُ آخر الْآيَة وَقد سمى بَعضهم هَذَا النَّوْع الشبيه بالتمام وَيَنْبَغِي لمن أَرَادَ الْمُرَاجَعَة فِي كتاب من كتب هَذَا الْفَنّ أَن يعرف أَولا حد كل قسم من الْأَقْسَام عِنْد مؤلف ذَلِك الْكتاب ليَكُون على بَصِيرَة فِي أمره وَقد وضعُوا علائم لهَذِهِ الْأَقْسَام فَجعلُوا التَّاء أَو الْمِيم للتام والحاء لِلْحسنِ وَالْكَاف للكافي وَالصَّاد للصالح وَالْجِيم للجائز وَقد التزموا كِتَابَة هَذِه العلائم بالأحمر ووضعها فَوق مَوضِع الْوَقْف وَقد تُوضَع فِي بعض الْمَوَاضِع علامتان إِمَّا للْإِشَارَة بِأَنَّهُ من الْمَوَاضِع المحتملة لوَجْهَيْنِ وَإِمَّا للْإِشَارَة إِلَى أَن ثمَّ قَوْلَيْنِ لأرباب الْفَنّ لم يظْهر للواضع رُجْحَان أَحدهمَا على الآخر إِلَّا أَن هُنَا أمرا يجب الانتباه لَهُ وَهُوَ أَنه كثيرا مَا يرى النَّاظر فِي عباراتهم اخْتِلَافا مُبينًا على الآخر إِلَّا أَن هُنَا أَمر يجب الانتباه لَهُ وَهُوَ أَنه كثيرا مَا يرى النَّاظر فِي الْحَقِيقَة فَيحكم بِهِ مَعَ أَنه رُبمَا لم يكن هُنَاكَ اخْتِلَاف وكما يَقع هَذَا بِسَبَب الِاخْتِلَاف فِي الِاصْطِلَاح قد يَقع عَكسه وَهُوَ أَن يظنّ بِسَبَب اتِّفَاق عباراتهم فِي الظَّاهِر أَن لَا خلاف هُنَاكَ مَعَ أَنه قد يكون هُنَاكَ خلاف وَأما السجاوندي فَإِنَّهُ قسم الْوَقْف إِلَى خَمْسَة أَقسَام لكل قسم مِنْهَا عَلامَة تُوضَع فَوق مَحل الْوَقْف وَتَكون بالمداد الْأَحْمَر والأقسام الْخَمْسَة هِيَ اللَّازِم وَالْمُطلق والجائز والمحجوز لوجه والمرخص للضَّرُورَة وَقد تبع أَثَره فِي ذَلِك جلّ كتاب الْكتاب الْعَزِيز من بعده وَلذَلِك انتشرت طَرِيقَته فِي الْبِلَاد وَقد أحببنا بَيَان مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ ليَكُون التَّالِي فِي الْمَصَاحِف الَّتِي جرى كتابها على طَرِيقَته على بَصِيرَة فِي الْوَقْف والابتداء فَنَقُول فالوقف اللَّازِم عِنْده هُوَ مَا قد يُوهم غير المُرَاد إِذا وصل بِمَا بعده نَحْو قَوْله

تَعَالَى فِي صفة الْمُنَافِقين {وَمَا هم بمؤمنين} فالوقف هُنَا عِنْده لَازم إِذْ لَو وصل بقوله {يخادعون الله} لتوهم قبل التدبر أَن الْجُمْلَة صفة لقَوْله (بمؤمنين) فَيَنْتَفِي بذلك الخداع عَنْهُم ويتقرر الْإِيمَان خَالِصا عَن الخداع خَالِصا عَن الخداع كَمَا يكون ذَلِك فِي قَوْلك مَا هَؤُلَاءِ بمؤمنين مخادعين مَعَ أَن الْمَقْصُود هُوَ نفي الْإِيمَان عَنْهُم وَإِثْبَات الخداع لَهُم وَنَحْو قَوْله تَعَالَى {وَلَا يحزنك قَوْلهم إِن الْعِزَّة لله} وَنَحْو قَوْله تَعَالَى {فَلَا يحزنك قَوْلهم إِنَّا نعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون} فالوقف عِنْد قَوْلهم لَازم فَإِنَّهُ لَو وصل لتوهم أَن مَا بعده هُوَ الْمَقُول وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ جملَة مستأنفة وَردت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتهديدا لَهُم وعلامة الْوَقْف اللَّازِم الْمِيم وَالْوَقْف الْمُطلق هُوَ مَا يكون مَا بعده مِمَّا يحسن الِابْتِدَاء بِهِ وَذَلِكَ كالاسم الْمُبْتَدَأ بِهِ نَحْو {الله يجتبي} وَالْفِعْل المستأنف نَحْو {سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} وَالشّرط نَحْو {إِن أَحْسَنْتُم أَحْسَنْتُم لأنفسكم} والاستفهام نَحْو {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} وَالنَّفْي نَحْو {مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة} {إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} وَنَحْو ذَلِك حَيْثُ لم يكن ذَلِك مقولا لقَوْل سَابق وعلامة الْوَقْف الْمُطلق الطَّاء وَالْوَقْف الْجَائِز مَا يجوز فِيهِ الْوَصْل والفصل لتجاذب الموجبين نَحْو {وَمَا أنزل من قبلك} فَإِن وَاو الْعَطف فِي الْجُمْلَة التالية لَهَا وَهِي {وبالآخرة هم يوقنون} يرجح الْوَصْل وَتَقْدِيم الْمَفْعُول على الْفِعْل وَوُجُود الضَّمِير يرجح الْوَقْف فتساويا وَإِن كَانَ الْوَصْل هُنَا أرجح من جِهَة وَمثل ذَلِك {إِن هَذَا كَانَ لكم جَزَاء وَكَانَ سعيكم مشكورا} فالوقف على جَزَاء وَإِن كَانَ جَائِزا إِلَّا أَن الْوَصْل هُنَا أحسن رِعَايَة للفواصل وعلامة الْوَقْف الْجَائِز الْجِيم

وَالْوَقْف المحجوز لوجه هُوَ مَا يكون للْوَقْف فِيهِ وَجه إِلَّا أَن الْوَصْل فِيهِ يكون أولى نَحْو {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة} فَإِن مَجِيء مَا بعده وَهُوَ {فَلَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب} فالفاء المشعرة بِالسَّبَبِ يَقْتَضِي الْوَصْل ومجيء هَذِه الْجُمْلَة على هَذِه الهيءة يَجْعَل للفصل وَجها وعلامة الْوَقْف المجوز الزَّاي وَالْوَقْف المرخص فِيهِ للضَّرُورَة هُوَ الَّذِي لَا يرخص فِيهِ فِي حَال الِاخْتِيَار الِاضْطِرَار وَذَلِكَ مَا بعده لَا يَسْتَغْنِي عَمَّا قبله وَإِن كَانَ مفهوما فِي الْجُمْلَة ويرخص فِيهِ فِي حَال الِاضْطِرَار وَذَلِكَ إِمَّا لانْقِطَاع النَّفس أَو لطول الْكَلَام غير أَنه إِذا وقف عَلَيْهِ ابْتَدَأَ بِمَا بعده من غير أَن يعود وَذَلِكَ نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاء بِنَاء} فَإِن مَا بعده وَهُوَ {وَأنزل من السَّمَاء مَاء} وَإِن كَانَ غير مُسْتَقل لوُجُود ضمير فِيهِ يعود على مَا قبله إِلَّا أَنه جملَة مفهومة وَنَحْو كل من فواصل {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} إِلَى قَوْله {هم فِيهَا خَالدُونَ} وعلامة الْوَقْف المرخص فِيهِ الصَّاد وَأما الْوَقْف الْقَبِيح فَهُوَ الْوَقْف فِي مَوضِع لم يتم فِيهِ الْكَلَام وَذَلِكَ كالوقف على الشَّرْط دون جَزَائِهِ والمبتدأ دون خَبره وعَلى ذِي الْحَال دون الْحَال وعَلى الْمُسْتَثْنى مِنْهُ دون الْمُسْتَثْنى وعَلى أحد مفعولي بَاب ظَنَنْت دون الآخر وعَلى الْمَوْصُوف دون الصّفة وعَلى الْمُؤَكّد دون الْمُؤَكّد وعَلى الْمُبدل مِنْهُ دون الْبَدَل وعَلى ذَلِك بِسَبَب عطاس أَو انْقِطَاع نفس لزمَه أَن يعود إِلَى مَا قبله ويبتدىء مِنْهُ حَتَّى يتسق الْكَلَام والقبيح تَتَفَاوَت درجاته فِي الْقبْح فبعضه أقبح من بعض فَفِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} يقبح الْوُقُوف على سكارى وأقبح مِنْهُ الْوُقُوف هُنَا على الصَّلَاة وَأما الِابْتِدَاء فَلَا يكون إِلَّا اختياريا إِذْ لَيْسَ كالوقف قد تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَة فَلَا يجوز إِلَّا بمستقبل بِالْمَعْنَى واف بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ مَا يَنْقَسِم إِلَيْهِ الْوَقْف وتتفاوت درجاته فِي التَّمام والكفاية وَالْحسن والقبح كَمَا تَتَفَاوَت دَرَجَات الْوَقْف

وَقد يكون الْوَقْف قبيحا والابتداء حسنا نَحْو {من بعثنَا من مرقدنا هَذَا} الْوَقْف على هَذَا قَبِيح للفصل فِيهِ بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره وَلِأَنَّهُ يُوهم أَن الْإِشَارَة إِلَى المرقد والابتداء بهَا كَاف أَو تَامّ لاستئنافه وَأما الِابْتِدَاء بِمَا بعده فَهُوَ قَبِيح شَدِيد الْقبْح وعلامة الْوَقْف الْقَبِيح لَا فَإِذا وضعت فَوق مَوضِع علم أَنه لَا وقف هُنَاكَ وَأَنه يَنْبَغِي للقارىء الْوَصْل إِلَّا أَن يكون تَحْتَهُ عَلامَة رُؤُوس الْآيَات فَلهُ أَن يقف هُنَاكَ من غير إِعَادَة بِنَاء على قَول من أجَاز الْوُقُوف على رُؤُوس الْآي مُطلقًا كَأبي عَمْرو فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يتَعَمَّد رُؤُوس الْآي وَهُوَ أحب إِلَيّ إِلَّا أَن كل ذِي طبع سليم يحكم بِأَن إجازتهم لذَلِك مَشْرُوطَة بِعَدَمِ وُقُوع مَانع خَاص وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة وَالصَّافَّات {أَلا إِنَّهُم من إفكهم ليقولون ولد الله وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ} فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر أَن يُجِيز أحد الْوَقْف على ليقولون على أَن يبتدأ بِمَا بعده قَالَ بعض الْمُفَسّرين كل مَا فِي الْقُرْآن من القَوْل لَا يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ لِأَن مَا بعده حكايته وَهَا هُنَا علائم أُخْرَى قد يَضَعهَا بعض الْكتاب فَمن ذَلِك الْقَاف وَهِي عَلامَة الْوَقْف الَّذِي قَالَ بِهِ بعض الْعلمَاء وَلم يقل بِهِ أَكْثَرهم وَمن ذَلِك قف وَهِي عَلامَة على أَن الْوَقْف هُنَالك يُؤمر بِهِ الْقَارئ على طَرِيق الِاسْتِحْبَاب بِحَيْثُ إِنَّه إِذا لم يقف وَوصل لم يكن عَلَيْهِ شي وَمن ذَلِك السِّين وَهِي عَلامَة على السكتة وَهِي وَقْفَة من غير تنفس قَالَ بعض أهل الْفَنّ الْوَقْف وَالْقطع والسكت عِبَارَات يطلقهَا المتقدمون مريدين بهَا فِي الْغَالِب الْوَقْف وَقد فرق الْمُتَأَخّرُونَ بَينهَا فَقَالُوا الْقطع عبارَة عَن ترك الْقِرَاءَة فَيكون الْقَارئ كالمعرض عَنْهَا والمتنقل إِلَى حَالَة أُخْرَى غَيرهَا وَهُوَ مشْعر بالانتهاء وَلذَا يطْلب مِنْهُ الِاسْتِعَاذَة للْقِرَاءَة المستأنفة وَيَنْبَغِي أَن يكون الْقطع عِنْد رَأس آيَة قَالَ سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه

حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي سِنَان عَن ابْن أبي الْهُذيْل أَنه كَانُوا يكْرهُونَ أَن يقرؤوا بعض الْآيَة ويدعوا بَعْضهَا وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَابْن الْهُذيْل تَابِعِيّ كَبِير وَقَوله كَانُوا يُرِيد بِهِ الصَّحَابَة الْوَقْف عبارَة عَن قطع الصَّوْت على الْكَلِمَة زَمنا يتنفس فِيهِ عَادَة بنية تنفس وَقد سكت حَمْزَة على السَّاكِن قبل الْهمزَة سكتة يسيرَة وَقد اخْتلفت أَلْفَاظ أهل الْفَنّ فِي التَّعْبِير عَنْهَا فَقيل هِيَ سكتة قَصِيرَة وَقيل هِيَ سكتة مختلسة من غير إشباع وَقيل هِيَ وَقْفَة يسيرَة وَقيل هِيَ وَقْفَة خَفِيفَة وَقيل هِيَ سكتة لَطِيفَة من غير قطع وَقيل هِيَ وقيفة قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي حجيج الْقِرَاءَة يسكت حَمْزَة على يَاء شَيْء قبل الْهمزَة سكتة خَفِيفَة ثمَّ يهمز وَكَذَلِكَ يسكت على لَام الْمعرفَة فِي الأَرْض وَفِي الْأَسْمَاء وَالْآخِرَة وَنَحْوهَا وَكَأَنَّهُ راد بِهَذِهِ الوقيفة الَّتِي وَقفهَا تَحْقِيق الْهمزَة وتبيينها فَجعل الْهمزَة بِهَذِهِ الوقيفة قبلهَا فِي حَال لَا يجوز مَعهَا إِلَّا التَّحْقِيق لِأَن الْهمزَة قد صَارَت مضارعة للمبتدأ بهَا والمبتدأ بهَا لَا تخفف أَلا ترى أَن أهل التَّخْفِيف لَا يخففونها مُبتَدأَة فَهَذِهِ الوقيفة آذَنت بتحقيقها إِذْ صيرتها فِي حَال مَا لَا يُخَفف من الْهَمْز وَمِمَّا يُقَوي ذَلِك مدهم الْألف إِذا كَانَت الْهمزَة بعْدهَا نَحْو السَّمَاء وَمَاء إِلَّا ترى أَن مد الْألف إِذْ كَانَت الْهمزَة بعْدهَا أطول مِنْهُ فِيهَا إِذا لَك يكن بعْدهَا همزَة نَحْو {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} ليَكُون ذَلِك أبين للهمزة فَكَذَلِك وقف حَمْزَة هَذِه الوقيفة لتَكون أبين للهمزة اه وَاخْتلف فِي السكت فَقيل يجوز فِي رُؤُوس الْآيَات مُطلقًا فِي حَالَة الْوَصْل لقصد الْبَيَان وَحمل بَعضهم الحَدِيث الْوَارِد على ذَلِك وَالْمَشْهُور أَنه مُقَيّد بِالسَّمَاعِ

وَالنَّقْل وَأَنه لَا يسوغ إِلَّا فِيمَا صحت بِهِ الرِّوَايَة لِمَعْنى مَقْصُود بِذَاتِهِ وَقد رووا عَن حَفْص أَنه كَانَ يسكت فِي الْكَهْف على عوجا وَفِي يس على مرقدنا وَفِي الْقِيَامَة على النُّون من من راق وَفِي المطففين على اللَّام من بل ران وَقَالَ بعض عُلَمَاء الْعَرَبيَّة بعد أَن ذكر أَنهم نقلوا عَن حَمْزَة أَنه قَرَأَ ومكر السيء بِإِسْكَان الْهمزَة لعِلَّة اختلس فَظن سكونا أَو وقف وَقْفَة خَفِيفَة ثمَّ الْمُبْتَدَأ وَقد أوضح بعض الْمُفَسّرين هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ عِنْد ذكر قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِير إِلَّا بأَهْله قَرَأَ الْجُمْهُور استكبار فِي الأَرْض ومكر السيء وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله) قَرَأَ الْجُمْهُور ومكر السيء بِكَسْر الْهمزَة وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة بإسكانها إِمَّا إِجْرَاء للوصل مجْرى الْوَقْف وَإِمَّا إسكانا لتوالي الحركات وإجراء للمنفصل مجْرى الْمُتَّصِل كإبل وَزعم الْمبرد أَن هَذَا لَا يجوز فِي كَلَام منثور وَلَا شعر لِأَن الحركات الْإِعْرَاب دخلا للْفرق بَين الْمعَانِي وَقد اعظم بعض النَّحْوِيين أَن يكون الْأَعْمَش يقْرَأ بِهَذَا وَقَالَ إِنَّمَا وقف وَالدَّلِيل على هَذَا أَنه تَمام الْكَلَام وَأَن الثَّانِي لما لم يكن تَمام الْكَلَام أعربه وَالْحَرَكَة فِي الثَّانِي أثقل مِنْهَا فِي الأول لِأَنَّهَا ضمة بَين كسرتين وَقَالَ الزّجاج قِرَاءَة حَمْزَة مَوْقُوفا عِنْد الحذاق بيائين لحن لَا يجوز وَإِنَّمَا يجوز فِي الشّعْر للاضطرار وَقَالَ أَبُو عَليّ إِن قِرَاءَة حَمْزَة بِإِسْكَان الْهمزَة فِي الْوَصْل مَبْنِيّ على إجرائها فِي الْوَصْل مجْرى الْوَقْف وَيحْتَمل وَجها آخر وَهُوَ أَن يَجْعَل (ئ وَلَا) من قَوْله (مكر السيء وَلَا) بِمَنْزِلَة إبل فأسكن الْحَرْف الثَّانِي كَمَا يسكن من إبل فَيُقَال إبل لتوالي الكسرتين لَا سِيمَا والكسرة الأولى هُنَا فِي يَاء فَخفف بِإِسْكَان لِاجْتِمَاع الياآت والكسرات كَمَا خففت الْعَرَب مثل ذَلِك بالحذف وبالقلب وَنزلت حَرَكَة الْإِعْرَاب فِي هَذَا بِمَنْزِلَة حَرَكَة غير الْإِعْرَاب وَلَا تختل بذلك دلَالَة الْإِعْرَاب لِأَن الحكم بمواضعها مَعْلُوم كَمَا كَانَ مَعْلُوما فِي المعتل والإسكان للْوَقْف فَإِذا سَاغَ فِي

تنبيهات

قِرَاءَته مَا ذكر من التَّأْوِيل لم يسغْ لقَائِل أَن يَقُول إِنَّه لحن وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ لَعَلَّه اختلس فَظن سكونا أَو وقف وَقْفَة خَفِيفَة ثمَّ ابْتَدَأَ تَنْبِيهَات التَّنْبِيه الأول يغْتَفر فِي طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة وَنَحْو ذَلِك مَا لَا يغْتَفر فِي غَيرهَا فَرُبمَا أُجِيز الْوَقْف والابتداء لشَيْء مِمَّا ذكر ولولاه لم يجز وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيه السجاوندي المرخص فِيهِ للضَّرُورَة وَذَلِكَ نَحْو الْوَقْف على الْمغرب فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا وُجُوهكُم قبل الْمشرق وَالْمغْرب} وعَلى {النَّبِيين} وعَلى {عَاهَدُوا} وَنَحْو كل من فواصل {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} إِلَى قَوْله {هم فِيهَا خَالدُونَ} وَقد ذكر النحويون أَنه يكره الْوَقْف النَّاقِص فِي التَّنْزِيل مَعَ إِمْكَان التَّام فَإِن لم يُمكن بِأَن طَال الْكَلَام وَلم يُوجد فِي أَثْنَائِهِ وقف تَامّ حسن الْأَخْذ بِالْوَقْفِ النَّاقِص وَقد يحسن الْوَقْف هُنَا يشْعر بِأَن {قيمًا} / نفصل عَنهُ وَمِنْهَا أَن يكون الْكَلَام مَبْنِيا على الْوَقْف نَحْو {يَا لَيْتَني لم أوت كِتَابيه وَلم أدر مَا حسابيه} وَأما مَا قصر من الْجمل فَإِنَّهُم لم يسوغوا فِيهَا مَا سوغوا فِي غَيرهَا وَإِن لم يكن هُنَاكَ تعلق لَفْظِي وَلذَا لم يذكرُوا الْوَقْف على {وآتينا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَينَات} لقرب الْوَقْف على {الْقُدس} وَلم يجز كثير مِنْهُم الْوَقْف على {وتعز من تشَاء} لقُرْبه من {وتذل من تشَاء} لوُجُود الازدواج بَين الجملتين وَهُوَ وَحده كَاف فِي توكيد الْوَصْل فقد ذكرُوا أَنه يَنْبَغِي فِي الْوَقْف مُرَاعَاة أَمر الازدواج فيوصل مَا يُوقف على نَظِيره مِمَّا يُوجد التَّمام عَلَيْهِ من أجل الازدواج نَحْو {يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل} وَنَحْو {من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا} التَّنْبِيه الثَّانِي قد يخْتَلف الْوَقْف باخْتلَاف الْإِعْرَاب أَو الْقِرَاءَة مِثَال اخْتِلَاف الْوَقْف الْإِعْرَاب نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله}

فَإِنَّهُ تَامّ عِنْد من جعل مَا بعده مستأنفا وَهُوَ الرَّاجِح وَغير تَامّ عِنْد من جعله مَعْطُوفًا فَيكون الْوَقْف التَّام عِنْد {الراسخون فِي الْعلم} وَبَين الوقفين هَا مراقبة وَنَحْو قَوْله تَعَالَى {هدى لِلْمُتقين} فَإِن الْوَقْف فِيهِ حسن إِن جعلته {الَّذين} فِي {الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} مجرورا على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره هم وتام إِن جعلته مَرْفُوعا على أَنه مُبْتَدأ وَخَبره {أُولَئِكَ على هدى من رَبهم} مِثَال اخْتِلَاف الْوَقْف باخْتلَاف الْقِرَاءَة نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا} فَإِن الْوَقْف فِيهِ تَامّ على قِرَاءَة من كسر الْخَاء من {وَاتَّخذُوا} وَغير تَامّ بل كَاف على قِرَاءَة من فتحهَا وَنَحْو قَوْله تَعَالَى {يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} فَإِنَّهُ كَاف على قِرَاءَة من رفع {فَيغْفر} {ويعذب} وَحسن على قِرَاءَة من جزم وَقد يخْتَلف الْوَقْف باخْتلَاف الْمَذْهَب نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} فَإِن الْوَقْف هُنَا لَازم عِنْد من ذهب إِلَى أَن شَهَادَة القاذفين لَا تقبل وَإِن تَابُوا غير لَازم عِنْد من ذهب إِلَى أَن شَهَادَتهم تقبل إِذا تَابُوا وَقد سبق ذكر المراقبة ومرادهم بهَا أَن يكون فِي الْآيَة وقفان لَا يسوغ للقارىء أَن يجمع بَينهمَا لتنافيهما وَإِنَّمَا يسوغ لَهُ أَن يَأْتِي بِأَحَدِهِمَا دون الآخر وَقد جعل بعض الْكتاب عَلامَة المراقبة بَين الوقفين واوين مقلوبين متقابلتين وَجعل من أمثله ذَلِك قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} التَّنْبِيه الثَّالِث لَا يقوم بِأَمْر الْوَقْف حق الْقيام إِلَّا نحوي بارع فِي علم التَّفْسِير وَاقِف على أسرار البلاغة وَقد تصدى لهَذَا الْأَمر الْعَظِيم أنَاس مِمَّن لَا يحسنونه فخبطوا فِيهِ خبط عشواء فِي لَيْلَة ظلماء فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَمد على كل قَول يذكر فِيهِ كَقَوْل من أجَاز أَن يقف الْقَارئ على قَوْله تَعَالَى {فانتقمنا من الَّذين أجرموا وَكَانَ حَقًا}

) ثمَّ يَبْتَدِئ وَيَقُول {علينا نصر الْمُؤمنِينَ} وقج حذر الْمُحَقِّقُونَ من مثل ذَلِك قَالَ ابْن الْجَزرِي لَيْسَ كل مَا يتعسفه بعض المعربين أَو يتكلفه بعض الْقِرَاءَة أَو يتأوله بعض أهل الْأَهْوَاء مِمَّا يَقْتَضِي وَقفا وَقفا أَو ابْتِدَاء يَنْبَغِي أَن يتَعَمَّد الْوُقُوف عَلَيْهِ بل يَنْبَغِي تحري الْمَعْنى الأتم وَالْوَقْف الْأَوْجه وَمن ثمَّ لم يسغْ أَن يقف على {وارحمنا أَنْت} ثمَّ يَبْتَدِئ فَيَقُول {بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم} على معنى الْقسم وَلَا على {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء} ثمَّ يبتدىء فَيَقُول {الله رب الْعَالمين} فَإِن هَذَا وَمَا أشبهه تعسف وتمحل وتحريف للكلم عَن موَاضعه وَقَالَ بعض الْعلمَاء يَنْبَغِي لمن عرف الْعَرَبيَّة وَنظر فِي كتب التَّفْسِير وَكَانَ من أولي الْفَهم أَن ينظر فِي الْمَوَاضِع الَّتِي اخْتلف الْعلمَاء فِي أَمر الْوَقْف فِيهَا فَإِن ترجح عِنْده شَيْء أَخذ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يقف هُنَالك وليتجاوزه إِلَى غَيره من الْمَوَاضِع الَّتِي يحسن الْوُقُوف عَلَيْهَا والابتداء بِمَا بعْدهَا بِلَا خلاف بَين الْمُحَقِّقين فَهُوَ أسلم التَّنْبِيه الرَّابِع قد عرفت أَن الْمُحدثين يجْعَلُونَ بَين الْحَدِيثين دارة للفصل بَينهمَا وَأَن بَعضهم كَانَ يخلي بَقِيَّة السطر من الْكِتَابَة ليَكُون الْبيَاض الَّذِي فِيهِ مُؤَكد اللفصل فَإِن الْبيَاض فِي جَمِيع الْمَوَاضِع وَاحِدًا والحذاق مِنْهُم يجعلونه مُخْتَلفا باخْتلَاف الْمَوَاضِع مراعين فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ الْموضع وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك ابْن السَّيِّد حَيْثُ قَالَ والفصل إِنَّمَا يكون بعد تَمام الْكَلَام الَّذِي ابتدىء بِهِ واستئناف كَلَام غَيره وسعة الْفُصُول وضيقها على مِقْدَار تناسب الْكَلَام فَإِن كَانَ القَوْل المستأنف مشاكلا لِلْقَوْلِ الأول بِمَعْنى مِنْهُ جعل الفص صَغِيرا وَإِن كَانَ مباينا لَهُ

بِالْكُلِّيَّةِ جعل الْفَصْل أكبر من ذَلِك فَأَما الْفَصْل قبل تَمام القَوْل فَهُوَ أعيب الْعُيُوب على الْكَاتِب والوراق جَمِيعًا وَترك الْفُصُول عِنْد تَمام الْكَلَام عيب أَيْضا إِلَّا أَنه دون الأول وَقد أورد صَاحب الصناعتين كثيرا مِمَّا قيل فِي الْوَصْل والفصل وَقد أَحْبَبْت أَن أورد من ذَلِك شَيْئا ليعلم المعرضون عَن مراعاتها مَا كَانَ لَهما قَدِيما من حسن الرِّعَايَة قَالَ قيل للفارسي مَا البلاغة فَقَالَ معرفَة الْفَصْل من الْوَصْل وَقَالَ الْمَأْمُون لبَعْضهِم من أبلغ النَّاس فَقَالَ من قرب الْأَمر الْبعيد المتناول الصعب الدَّرك بالألفاظ الْيَسِيرَة فَقَالَ مَا عدل سهمك عَن الْغَرَض وَلَكِن البليغ من كَانَ كَلَامه فِي مِقْدَار حَاجته وَلَا يجيل الْفِكر فِي اجتلاب الْغَرِيب الوحشي وَلَا السَّاقِط السوقي وَإِن البلاغة إِذا اعتزلتها الْمعرفَة بمواضع الْفَصْل والوصل كَانَت كاللآلئ بِلَا نظام وَقَالَ الْمَأْمُون مَا أعجب بِكَلَام أحد كإعجابي بِكِتَاب الْقَاسِم بن عِيسَى فَإِنَّهُ يوجز فِي غير عجز ويصيب مفاصل الْكَلَام وَلَا تَدعُوهُ الْمقدرَة إِلَى الإطناب وَلَا تميل بِهِ الغزارة إِلَى الإسهاب ويجلي عَن مُرَاده فِي كتبه ويصيب المغزي فِي أَلْفَاظه وَكَانَ أَكْثَم بن صَيْفِي إِذا كَاتب مُلُوك الْجَاهِلِيَّة يَقُول لكتابه افصلوا بَين منقضي كل معنى وصُولا إِذا كَانَ الْكَلَام معجونا بعضه بِبَعْض وَكَانَ الْحَارِث بن شمر الغساني يَقُول لكَاتبه المرقش إِذا نزع بك الْكَلَام إِلَى الِابْتِدَاء بِمَعْنى غير مَا أَنْت فِيهِ فافصل بَينه وَبَين تبيعته من الْأَلْفَاظ فَإنَّك إِن مذقت ألفاظك بِغَيْر مَا يحسن أَن يمذق نفرت الْقُلُوب عو وعيها وملته الأسماع واستثقلته الروَاة

وَكَانَ صَالح بن عبد الرَّحْمَن التَّمِيمِي الْكَاتِب يفصل بَين الْآيَات كلهَا وَبَين تبيعتها من الْكتاب كَيفَ وَقعت وَكَانَ يَقُول مَا استؤنف إِن إِلَّا وَقع الْفَصْل وَكَانَ جبل يفصل بَين الفاءات كلهَا وَقد كره بعض الكتبة ذَلِك وأحبه يَأْمر كِتَابه بِالْفَصْلِ بَين بل وبلى وَلَيْسَ وَقَالَ الْمَأْمُون مَا أتفحص من رجل شَيْئا كتفحصي عَن الْوَصْل وَالْفضل فِي كِتَابه وَأمر الْفَصْل فِي الْخط أَمر ذُو بَال وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ بعض الجهابذة فِي مقَالَة لَهُ فِي الْبَسْمَلَة حَيْثُ قَالَ وَالْقَوْل الْفَصْل فِيهَا من الْقُرْآن حَيْثُ كتبت فِي الْمُصحف بالقلم الَّذِي كتب بِهِ سَائِر الْقُرْآن وَأَنَّهَا لَيست من السُّور حَيْثُ كتبت وَحدهَا فِي سطر مفصولة عَن السُّور وَيُؤَيّد ذَلِك أَن الصَّحَابَة ق بالغوا فِي تَجْرِيد الْقُرْآن فَلم يكتبوا فِي الْمُصحف شَيْئا مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ وَلذَلِك لم يكتبوا أَسمَاء السُّور وَنَحْو ذَلِك وَلَا آمين فِي آخر الْفَاتِحَة وَلذَا كره كثير من الْعلمَاء كِتَابَة أَسمَاء السُّور وَنَحْو ذَلِك لمُخَالفَته لما جرى عَلَيْهِ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم رُوِيَ عَن النَّخعِيّ أَنه أُتِي بمصحف مَكْتُوب فِيهِ سُورَة كَذَا وَهِي كَذَا آيَة فَقَالَ آمح هَذَا فَإِن ابْن مَسْعُود كَانَ يكرههُ وَرُوِيَ عَن ابْن سِيرِين أَنه كره النقط والفواتح والخواتم وَرُوِيَ عَنهُ وَعَن الْحسن أَنَّهُمَا قَالَا لَا بَأْس بنقط الْمَصَاحِف وَرُوِيَ عَن أبي الْعَالِيَة أَنه كَانَ يكره الْجمل فِي الْمُصحف وفاتحة سُورَة كَذَا وخاتمة سُورَة كَذَا وَكَانَ يَقُول جردوا الْقُرْآن

وَرُوِيَ عَن يحيى بن أبي كثير أَنه قَالَ مَا كَانُوا يعْرفُونَ شَيْئا مِمَّا أحدث فِي الْمَصَاحِف إِلَّا النقط الثَّلَاث على رُؤُوس الْآي وَقَالَ غَيره أول مَا أَحْدَثُوا النقط عِنْد آخر الْآي ثمَّ الفواتح والخواتم وَقَالَ قَتَادَة بدؤوا فنقطوا ثمَّ خمسوا ثمَّ عشروا وَأخرج أَبُو عبيد وَغَيره عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ جردوا الْقُرْآن وَلَا تخلطوه بِشَيْء قَالَ الإِمَام الْحَلِيمِيّ تكر كِتَابَة الأعشار والأخماس وَأَسْمَاء السُّور وَعدد الْآيَات فِيهِ لقَوْله جردوا الْقُرْآن وَأما النقط فَيجوز لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صُورَة فيتوهم لأَجلهَا مَا لَيْسَ بقرآن قُرْآنًا وَإِنَّمَا هِيَ دلالات على هَيْئَة المقروء فَلَا يضر إِثْبَاتهَا لمن يحْتَاج إِلَيْهَا وَقَالَ بعض الْعلمَاء يَنْبَغِي أَن لَا يخلط بِالْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ كعدد الْآيَات والسجدات والعشرات وَالْوُقُوف وَاخْتِلَاف الْقرَاءَات ومعاني الْآيَات وَقَالَ بعض المقرئين لَا أستجيز النقط بِالسَّوَادِ لما فِيهِ من التَّغْيِير لصورة الرَّسْم وَلَا أستجيز جمع قراءآت شَتَّى فِي مصحف وَاحِد بألوان مُخْتَلفَة لِأَنَّهُ من أعظم التَّخْلِيط والتغيير للمرسوم وَأرى أَن تكون الحركات والتنوين وَالتَّشْدِيد والسكون وَالْمدّ بالحمرة والهمزات بالصفرة وَالْمرَاد بالنقط الْمَذْكُور فِي كَلَام بعض التَّابِعين هُوَ النقط الَّذِي أحدث فِي عصرهم للدلالة على الحركات قَالَ بعض الْعلمَاء كَانَ الشكل فِي الصَّدْر الأول

بطري النقط وَأول من فعل ذَلِك الإِمَام الْأَجَل أَبُو الْأسود الدؤَلِي وَذَلِكَ أَنه كَانَ أَرَادَ أَن يعْمل كتابا فِي النَّحْو يفقوم النَّاس بِهِ مَا فسد من لسانهم فَقَالَ أرى أَن ابتدئ بإعراب الْقُرْآن أَولا فأحضر من يمسك الْمُصحف وأحضر صبغا يُخَالف لون المداد وَقَالَ للَّذي يمسك الْمُصحف إِذا فتحت شفتي فَاجْعَلْ نقطة فَوق الْحَرْف وَإِذا كسرتهما فَاجْعَلْ النقطة تَحت الْحَرْف وَإِذا ضممتهما فَاجْعَلْ فعل ذَلِك حَتَّى أَتَى على ى خر الْمُصحف وَيُقَال إِن أول من فعل ذَلِك هُوَ نصر بن عَاصِم اللَّيْثِيّ وَيُقَال يحيى بن يعسر وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة من أَجله تَابِعِيّ الْبَصْرَة وَالْمَعْرُوف عِنْد أَكثر الْعلمَاء أَن أول من فعل ذَلِك هُوَ أَبُو الْأسود وَأما الشكل المتداول الْآن فَهُوَ من وضع الْخَلِيل بن أَحْمد وَهُوَ أوضح فالفتحة عِنْده ألف صَغِيرَة تُوضَع فَوق الْحَرْف والضمة وَاو صَغِيرَة تُوضَع فَوق الْحَرْف والكسرة يَاء صَغِيرَة مَرْدُودَة تُوضَع تَحْتَهُ والتنوين زِيَادَة مثلهَا فَإِن كَانَ مظْهرا وَذَلِكَ قبل حرف الْحلق ركبت فَوْقهَا وَإِلَّا أتبعت بهَا وتكتب الْألف المحذوفة والمبدل مِنْهَا فِي محلهَا حَمْرَاء والهمزة المحذوفة تكْتب همزَة بِلَا حرف وَهِي حَمْرَاء أَيْضا وَيُوضَع على النُّون قبل الْبَاء مِيم حَمْرَاء عَلامَة على الْقلب وَقبل الْحلق سُكُون وتعرى عِنْد الْإِدْغَام والإخفاء ويسكن كل مسكن ويعرى المدغم ويشدد مَا بعده إِلَّا الطَّاء قبل التَّاء فَيكْتب عَلَيْهَا السّكُون نَحْو فرطت وَمُدَّة الْمَمْدُود لَا تجاوزه وَكَانَ أَبُو الْأسود قد اقْتصر على وضع علائم للحركات الثَّلَاث والتنوين فَوضع الْخَلِيل لذَلِك علائم على طَرِيقَته وَزَاد على ذَلِك فَوضع لكل من الْهَمْز وَالتَّشْدِيد وَالروم والإشمام والسكون عَلامَة رَضِي الله عَنْهُم وَعَمن سعى سَعْيهمْ قَاصِدا نفع النَّاس غير مُرِيد بذلك مِنْهُم أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْعلم

الفائدة السابعة

الْفَائِدَة السَّابِعَة يَنْبَغِي أَن يتَّخذ لأجل الْوَقْف أَربع علائم وَهِي كَافِيَة بِالنّظرِ إِلَى أَكثر الْكتب الْعَلامَة الأولى عَلامَة السكت وَهِي خطّ كالفتحة يوضع بَين يَدي الْحَرْف المسكون عَلَيْهِ هَكَذَا وَهَذِه الْعَلامَة كَانَ الْخَلِيل جعلهَا عَلامَة الرّوم وَالروم عِنْدهم هُوَ الْإِتْيَان بحركة آخر الْكَلِمَة فِي حَال الْوَقْف خُفْيَة حرصا على بَيَان حركتها الَّتِي تحرّك بهَا حَال الْوَصْل قَالَ بعض الْعلمَاء للْعَرَب فِي الْوَقْف على أَوَاخِر الْكَلم أوجه مُتعَدِّدَة والمستعمل مِنْهَا عِنْد أَئِمَّة الْقِرَاءَة تِسْعَة وَهِي السّكُون وَالروم والإشمام والإبدال وَالنَّقْل والإدغام والحذف وَالْإِثْبَات والإلحاق وَالروم عِنْدهم هُوَ النُّطْق بِبَعْض الْحَرَكَة وَسمي روما تروم الْحَرَكَة وتريدها حَيْثُ لم تسقطها بِالْكُلِّيَّةِ وَيدْرك ذَلِك الْقوي السّمع إِذا كَانَ منتهبا لِأَن فِي آخر الْكَلِمَة صوتيا خَفِيفا ويشارك الرّوم الاختلاس فِي كَون كل مِنْهُمَا غير تَامَّة إِلَّا أَن بَينهمَا فرقا وَهُوَ أَن الرّوم لَا يكون فِي الْفَتْح وَالنّصب وَيكون فِي الْوَقْف دون الْوَصْل وَالثَّابِت فِيهِ من الْحَرَكَة أقل من الذَّاهِب والاختلاس يدْخل فِي الحركات الثَّلَاث كَمَا فِي {لَا يهدي} و {نعما} {يَأْمُركُمْ} عِنْد من اسْتعْمل الاختلاس فِيهَا وَلَا يخْتَص بِمحل الْوَقْف وَهُوَ الآخر وَالثَّابِت فِيهِ من الْحَرَكَة أَكثر من الذَّاهِب فَإِن المأتي بِهِ من الْحَرَكَة فِي الاختلاس نَحْو الثُّلثَيْنِ وَلما ترك النَّاس الْبَحْث عَن الرّوم وَمَا أشبهه لم تبْق لَهُم حَاجَة فِي علامتها فنسيت أَو كَادَت تنسى وَلما كُنَّا الْآن مُحْتَاجين للسكت أَكثر من احتياجنا للروم رَأينَا جعلهَا عَلامَة عَلَيْهِ وَلَا يخفي أَن بَين مَا وضعت لَهُ فِي الأَصْل وَمَا نقلت إِلَيْهِ الْآن شَيْئا من الْمُنَاسبَة وَكَانَ بعض كتاب الأندلس يَضَعهَا فِي آخر السطر إِذا بقيت لَا تتسع

لكتابة الْكَلِمَة المروم كتَابَتهَا وَهَذَا من الْوَاضِع الَّتِي حيرت الْكتاب حَتَّى اخْتلفُوا فِيهَا فَإِن بَعضهم يرى أَن يكْتب بَعْضهَا فِي آخر السطر وبقيتها فِي أول السطر الآخر وَلَا يرى بتجزئة الْكَلِمَة بَأْسا للضَّرُورَة وَخص بَعضهم ذَلِك بالكلمات الْقَابِلَة للفصل فِي الْكِتَابَة مثل الْإِرْسَال والمراسلة والتراسل والاسترسال وَهَذَا معيب عِنْد أهل الصِّنَاعَة لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك وَبَعْضهمْ يرى أَن يكْتب بَعْضهَا فِي آخر السطر ثمَّ يبعد عَنهُ قَلِيلا وَيكْتب بقيتها وَهَؤُلَاء يرَوْنَ أولى لِأَنَّهُ بذلك يُمكن للقارىء أَن يقْرَأ الْكَلِمَة بِتَمَامِهَا من غير انْتِقَال إِلَى سطر آخر وَغَايَة مَا فِيهِ أَنه يجد بَين الْكَلِمَة وتتمتها فاصلا ألجأ إِلَيْهِ مُرَاعَاة التناسب بَين أَوَاخِر الأسطر وَبَعْضهمْ يرى مَا رأى الْكَاتِب الأندلسي وَهُوَ أَن تكْتب الْكَلِمَة بِتَمَامِهَا فِي أول السطر الآخر وَبِذَلِك يخلص من تجزئة الْكَلِمَة الْوَاحِدَة غير أَن الْبيَاض الَّذِي يبْقى فِي آخر السطر لما كَانَ موهما لِأَنَّهُ قد ترك عَلامَة للفصل اقْتضى رَفعه بِوَضْع هَذِه الْعَلامَة دفعا لهَذَا الْوَهم فَكَأَن هَذِه الْعَلامَة تَقول لناظرها صل وَلَا تقف وَقد رَأَيْت بَعضهم يضع هَذِه الْعَلامَة فِي أثْنَاء السطر ذَا وَقع فِيهِ بَيَاض بطرِيق السَّهْو لِئَلَّا يظنّ النَّاظر أَن ذَلِك الْبيَاض قد ترك بطرِيق الْقَصْد لكتابة شَيْء فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يَقع كثيرا وعلامة السكت إِنَّمَا تُوضَع فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يكون مَا بعْدهَا مُتَّصِلا بِمَا قبلهَا اتِّصَالًا شَدِيدا غير أَنه لَا يبلغ فِي الشدَّة دَرَجَة الِاتِّصَال الَّذِي بَين الْفِعْل وفاعله والمبتدأ وَخَبره والموصول وصلته وَنَحْو ذَلِك فَإِن الِاتِّصَال إِذا بلغ مثل هَذِه الدرجَة لم يسغْ وضع عَلامَة السكت فَإِذا رأى الْقَارئ عَلامَة السكت سَاغَ لَهُ أَن يقف هُنَاكَ وَقْفَة خَفِيفَة لَا يكَاد السَّامع يشْعر بهَا فمما فِيهِ يسوغ السكت عَلَيْهِ قَول بعض أَرْبَاب الحكم المأثورة على الْعَاقِل أَن لَا يكون رَاغِبًا إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاث خِصَال تزَود لِمَعَاد أَو مرمة لِمَعَاش أَو لَذَّة

فِي غير محرم وَقَوله ثَلَاث خِصَال من أفضل أَعمال الْبر - الصدْق فِي الْغَضَب والجود فِي الْعسرَة وَالْعَفو عِنْد الْمقدرَة وَقَوله ثَلَاث خِصَال لَيْسَ مَعَهُنَّ غربَة - كف الْأَذَى وَحسن الْأَدَب ومجانبة الريب وَقَوله السُّكُوت فِي مَوْضِعه من صِفَات صفوة الرِّجَال - كَمَا أَن النُّطْق فِي مَوْضِعه من أشرف الْخلال وَقَوله مِمَّا يدل على علم الْعَالم مَعْرفَته بِمَا يدْرك من الْأُمُور - وإمساكه عَمَّا لَا يدْرك - وتزيينه نَفسه بالمكارم وَظُهُور علمه للنَّاس من غير أَن يظْهر مِنْهُ فَخر لَا عجب - ومعرفته بِزَمَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ - وبصره بِالنَّاسِ وَأَخذه بِالْقِسْطِ - وإرشاده المسترشد - وَحسن مخالقته خلطاءه - وتسويته بَين قلبه وَلسَانه - وتحريه الْعدْل فِي كل أَمر - ورحب ذرعه فِيمَا نابه - واحتجاجه بالحجج فِيمَا عمل - وَحسن تبصره وَقَوله حبب إِلَى نَفسك الْعلم حَتَّى تألفه وَتلْزَمهُ - وَيكون هُوَ لهوك ولذتك وسلوتك وبلغتك وَقَوله إِن اسْتَطَعْت أَن لَا تخبر بِشَيْء إِلَّا وَأَنت بِهِ مُصدق - وَألا يكون تصديقك إِلَّا ببرهان فافعل وَقَوله لَا يصلح الْعلم بِغَيْر حلم - وَلَا الْحِفْظ بِغَيْر فهم - وَلَا الْحسب بِغَيْر أدب - وَلَا الْغنى بِغَيْر كرم - وَلَا الْجد بِغَيْر جد وَلَا بَأْس بِوَضْع هَذِه الْعَلامَة فِي آخر السطر إِذا بَقِي فِيهِ بَيَاض لَا يَتَّسِع لكتابة الْكَلِمَة المروم كتَابَتهَا على مَا جرى عَلَيْهِ بعض كتاب الأندلس ويسوغ وَضعهَا فِي مثل قَول بعض عُلَمَاء الْأُصُول فِي الْكَلَام على اللُّغَات وَأَنَّهَا هَل هِيَ توقيفية أم اصطلاحية وَالْجَوَاب عَن التَّمَسُّك بقوله تَعَالَى {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} أَن يَقُول لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد من التَّعْلِيم أَنه ألهمه الِاحْتِيَاج إِلَى هَذِه الْأَلْفَاظ وَأَعْطَاهُ مَا لأَجله قدر على الْوَضع مَعَ أَن هَذَا الْموضع لَيْسَ من مَوَاضِع الْفَصْل أصلا لَكِن تُوضَع الْعَلامَة لمُجَرّد التَّمْيِيز بَين الْكَلَامَيْنِ وَمثل قَوْله والأثارة فِي قَوْله تَعَالَى {أَو أثارة من علم} هُوَ مَا يرْوى

ويستغنى عَن وضع هَذِه الْعَلامَة بِوُجُود عَلامَة أُخْرَى لحُصُول الْمَقْصُود وَذَلِكَ فِي مثل قَول بعض أَرْبَاب / التجويد قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى - {ورتل الْقُرْآن ترتيلا} الترتيل هُوَ أَن تَأتي بِالْقِرَاءَةِ على ترسل وتؤدة بتبيين الْحُرُوف والحركات وَقد كَانَ الْكتاب قَدِيما يَكْتُبُونَ الْآيَات فِي مثل هَذِه الْمَوَاضِع إِمَّا بمداد يُخَالف فِي اللَّوْن مَا يكْتب بِهِ غَيرهَا أَو بقلم أدق مِنْهُ أَو بِخَط مُخَالف فِي النَّوْع لَهُ فَكَانَ الْمَقْصُود حَاصِلا بذلك وَهنا أَمر يَنْبَغِي الانتباه لَهُ وَهُوَ أَن السكت كالوقف لَهُ دَرَجَات مُتَفَاوِتَة فِي الْمِقْدَار حَتَّى إِنَّه فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يكَاد يشْعر بِهِ لشدَّة خفائه وَذَلِكَ فِي مثل قَوْلك جاد لنا فلَان فَإِنَّهُ إِذا كَانَ من الْجُود تَجِد نَفسك مسوغة إِلَى السكت على الدَّال سكتة خَفِيفَة خُفْيَة بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ من الْجِدَال وَنَحْو قَوْلك مَا سعى أحد فِي فَسَاد فَسَاد فَإِن الْفَاء الثَّانِيَة لَا بُد فِيهَا من سكتة خُفْيَة وَنَحْو قَوْلك مَا لَك لَا تجْعَل مَالك دون مَالك وَأَنت تعلم أَنه سَيكون لَهُ دُونك مَالك وَانْظُر إِلَى لفظ قد رشاني فِي قَول بعض الْقُضَاة مفتخرا بِالْعَدْلِ (فَمَا خفض الأعادي قدر شاني ... وَلَا قَالُوا فلَان قد رشاني) فَإنَّك لَا تشك أَنه لابد من سكت فِيهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أما فِي الأول فعلى الرَّاء وَأما فِي الثَّانِي فعلى الدَّال وَقد أَشَارَ إِلَى وُقُوع السكت فِي الشّعْر السَّيِّد المرتضى فَإِنَّهُ قَالَ عِنْد ذكر قَول الْكُمَيْت (وَمَا أَنا مِمَّن يزْجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثَعْلَب) يجب الْوُقُوف على الطير ثمَّ يبْدَأ بهمه ليفهم الْغَرَض وَلَا يخفى أَن المُرَاد بِالْوَقْفِ هُنَا السكتة الْخَفِيفَة لَا الْوَقْف بِالْمَعْنَى الْمَشْهُور فَإِنَّهُ يُوجب إسكان الرَّاء فيختل الْوَزْن على أَن هُنَا أمرا آخر وَهُوَ أَن الْوَقْف فِيهِ يُوجب التقاء الساكنين وَقد تقرر أَنه لَا يَقع الساكنين فِي الشّعْر إِلَّا فِي الآخر وَأما فِي غَيره فَلَا يَقع نعم

أجَاز بَعضهم وُقُوع ذَلِك فِي المتقارب وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بقول الشَّاعِر (فَذَاك الْقصاص وَكَانَ التَّقَاصّ ... فرضا وحتما على المسلمينا) أجَاز ذَلِك فِي عرُوض هَذَا الضَّرْب من الشّعْر وَلم يجزه فِي غَيرهَا وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَمَا شاكلها من متعلقات علم قوانين الْقِرَاءَة وَهُوَ علم يعرف عَنهُ العلامات المميزة بَين الْحُرُوف الْمُشْتَركَة فِي الصُّور والعلامات الدَّالَّة على الْإِدْغَام وَالْمدّ وَالْقصر والفصل والوصل والمقاطع وأحوال هَذِه العلامات وأحكامها وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا الْعلم وَعلم قوانين الْكِتَابَة متلازمان لغاية وَاحِدَة وَهُوَ معرفَة دلَالَة الْخط على اللَّفْظ وَذكر بَعضهم أَن شدَّة الِاحْتِيَاج إِلَى هذَيْن الفنين وفرط عناية النُّفُوس الإنسانية بمعرفتهما وتعلمهما أغنت عَن التصنيف فيهمَا الْعَلامَة الثَّانِيَة الْوَقْف الْحسن اعْلَم أَن الْقَوْم قرروا أَن معرفَة مَوَاضِع الْوَقْف متوقفة على معرفَة الْمَعْنى وَهُوَ أَمر بَين بِنَفسِهِ والتجربة تعضده فَإنَّك إِذا راقبت من يقرأه وَهُوَ عَارِف بِمَعْنى مَا يقرأه تَجدهُ لَا يقف إِلَّا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يسوغ الْوَقْف عَلَيْهَا مَعَ إِعْطَاء كل مَوضِع مَا يسْتَحقّهُ من الْمِقْدَار وَيقف فَتَارَة ترَاهُ يقف وَقْفَة قَصِيرَة جدا بِحَيْثُ تقَارب الوقفة الْمُسَمَّاة بالسكتة وَذَلِكَ حَيْثُ يكون مَا بعد ذَلِك الْكَلَام مُتَّصِلا بِمَا قبله اتِّصَالًا فِيهِ قُوَّة غير أَن ذَلِك الْكَلَام مَفْهُوم فِي الْجُمْلَة وَهَذَا الْموضع هُوَ الْموضع الَّذِي يُسمى الْوَقْف عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ الْحسن وَتارَة ترَاهُ يقف وَقْفَة أطول مِنْهَا وَذَلِكَ حَيْثُ يكون مَا بعد ذَلِك الْكَلَام / مُتَّصِلا بِمَا قبله اتِّصَالًا أدنى فِي الْقُوَّة من الِاتِّصَال الْمَذْكُور وَهَذَا الْموضع هُوَ الَّذِي يُسمى الْوَقْف التَّام عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ الْكَافِي وَتارَة ترَاهُ يقف وَقْفَة طَوِيلَة تكَاد توهم السَّامع أَنه يُرِيد قطع الْقِرَاءَة وَذَلِكَ حَيْثُ يكون ذَلِك الْموضع قد تمّ فِيهِ الْكَلَام وَهَذَا الْموضع هُوَ الْموضع الَّذِي يُسمى الْوَقْف عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ التَّام

ومواضع الْوَقْف التَّام ظَاهِرَة بَيِّنَة فِي الْغَالِب وَلذَلِك ينْدر الِاخْتِلَاف فِيهَا وَقد تكون متعينة وَذَلِكَ إِذا وَقعت فِي آخر الْكَلَام وَذَلِكَ كَمَا فِي الحكم الْآتِيَة قَالَ عبد الله الْمَأْمُون خير الْكَلَام مَا شكل الزَّمَان وَقَالَ أَحْمد بن أبي دؤاد الاستصلاح خير من الاجتياح وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء لَا تكن تلميذا لمن يُبَادر إِلَى الْأَجْوِبَة قبل أَن يتدبرها ويتفكر فِيمَا يتفرغ عَنْهَا وَأما مَوَاضِع الْوَقْف الْحسن أَو الْكَافِي فقد تكون غير بَيِّنَة وَلذَا لم ينْدر وُقُوع الِاخْتِلَاف فِيهَا فكثير مَا يحكم بعض الناظرين على وقف بِأَنَّهُ حسن وَيحكم غَيره بِأَنَّهُ كَاف وَذَلِكَ لاخْتِلَاف نظرهم فِي دَرَجَة التَّعَلُّق بَين الْكَلَام الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَبَين مَا بعده وَكَثِيرًا مَا يكون الْمُخْتَلف فِيهِ فِي الدرجَة الْوُسْطَى بَين النَّوْعَيْنِ فَيكون الِاخْتِلَاف هُنَاكَ غير مستغرب وَالظَّاهِر أَن الْمَوَاضِع الَّتِي يخْتَلف فِي كَون الْوَقْف فِيهَا حسنا أَو كَافِيا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل الْوَقْف فِيهَا من قبيل الْحسن احْتِيَاطًا وَنِهَايَة مَا فِي ذَلِك أَن يَجْعَل الْوَقْف فِيهَا أقصر وَهُوَ لَو لم يقف أصلا لم يكن عَلَيْهِ شَيْء بل رُبمَا كَانَ أحسن لم يؤد ذَلِك إِلَى الِاضْطِرَار إِلَى الْوُقُوف فِي موقف غير مستحسن وَقد عرفت أَنهم ذكرُوا أَن النَّاظر فِي كتب الْقَوْم إِذا وجدهم قد اخْتلفُوا فِي الْوَقْف فِي مَوضِع فَقَالَ بَعضهم يحسن الْوَقْف فِيهِ وَقَالَ بَعضهم بِخِلَافِهِ وَلم يتَرَجَّح عِنْده أحد الْوَجْهَيْنِ أَن الأولى أَن لَا يقف فِي غير مَوَاضِع الْوَقْف كَانَ ملوما وَمن أحكم مَا ذَكرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَحْث اكْتفى بِهِ فِي أَكثر الْمَوَاضِع وَمن أَرَادَ الزِّيَادَة فَعَلَيهِ بمطالعة كتاب من الْكتب المبسوطة فِيهِ الْمَذْكُور فِيهَا الْأَسْبَاب والعلل وَقد نظرت فِي كثير من الْكتب فَوجدت مناهج الْكتاب فِيهَا مُخْتَلفَة من جِهَة الْوَقْف وَذَلِكَ أَن مِنْهُم من اقْتصر على قسم وَاحِد مِنْهُ وَهُوَ الْوَقْف التَّام الَّذِي هُوَ أحسن

الْأَوْقَاف وَجعل لَهُ عَلامَة وأغفل مَا عداهُ إِلَّا أَن فِي هَذَا نوع تَقْصِير لِأَنَّهُ يتعب القارىء لَا سِيمَا عِنْد طول الْكَلَام فيضطر إِلَى الْوُقُوف قبل الْوُصُول إِلَيْهِ فَإِذا لم يجد موقفا قَرِيبا مِنْهُ وقف كَيفَ مَا كَانَ وَكثير مَا يكون الْوُقُوف هُنَاكَ غير حسن فَنَشَأَ من ذَلِك أَن صَار فِي كثير من الْمَوَاضِع لَا يصل إِلَى الْأَحْسَن مَعَ انْقِطَاعه عَن الْحسن وَمِنْهُم من اقْتصر من ذَلِك على قسمَيْنِ وهما الْوَقْف التَّام وَالْوَقْف الْكَاف ي الشبيه بالتام وَجعلُوا لكل وَاحِد مِنْهَا عَلامَة وَهَؤُلَاء لَا يلحقهم ملام لحُصُول الْمَقْصُود بذلك فِي جلّ الْكتب وَمِنْهُم من أَتَى بالأقسام الثَّلَاثَة إِلَّا أَنهم اقتصروا على علامتين إِحْدَاهمَا للْوَقْف التَّام وَالْأُخْرَى للْوَقْف الْكَافِي وَالْحسن وَجعلُوا الْعَلامَة مُشْتَركَة بَينهمَا وَيُمكن أَن يُقَال إِن هَؤُلَاءِ كَالَّذِين قبلهم قد اعتبروا الْوَقْف قسمَيْنِ تَاما وكافيا غير أَنهم قد ألْحقُوا بالكافي قسما من الْحسن وَهُوَ مَا لَا ريب فِي حسنه وَلذَلِك اقتصروا على عَلامَة وَاحِدَة وَهَؤُلَاء مِنْهُم من يَجْعَل عَلامَة الْكَافِي وَالْحسن كِتَابَة الْكَلِمَة الأولى أَو الْحَرْف الأول مِنْهَا لَا سِيمَا إِن كَانَ الْوَاو بالحبر الْأَحْمَر أَو يَجْعَل فَوْقهَا خطا / كَذَلِك إِشَارَة إِلَى أَن تِلْكَ الْكَلِمَة مِمَّا يسوغ الِابْتِدَاء بهَا وَأَن مَا قبلهَا يسوغ الْوَقْف عَلَيْهِ وَمِنْهُم من يَجْعَل الْعَلامَة نقطة صَغِيرَة وَمِنْهُم من يَجْعَل الْعَلامَة واوا مَقْلُوبَة هَكَذَا وَهَذَا الَّذِي اخترناه لأمرين أَحدهمَا أَن هَذِه الْعَلامَة هِيَ أَكثر شيوعا عِنْدهم الثَّانِي أَنَّهَا لما كَانَت فِي صُورَة الْوَاو كَانَت مذكرة بِالْوَقْفِ غير أَنا رَأينَا ان تبقى هَذِه الْوَاو المقلوبة على حَالهَا عِنْد قصد الدّلَالَة بهَا على الْوَقْف الْحسن وَأَن يُزَاد فِيهَا شَيْء كنقطة أَو خطّ عِنْد قصد الدّلَالَة بهَا على الْوَقْف الْكَافِي الَّذِي هُوَ أطول مِمَّا قبله فِي الْمدَّة وأهم مِنْهُ وَمِمَّا فِيهِ مَا يحسن الْوُقُوف عَلَيْهِ قَول بعض أَرْبَاب الحكم المأثورة الْعلم زين

لصَاحبه فِي الرخَاء ومنجاة لَهُ فِي الشدَّة وَقَوله حق الْعَاقِل أَن يتَّخذ مرآتين ينظر من إِحْدَاهمَا فِي مساوي نَفسه فيتصاغر بهَا وَينظر من الْأُخْرَى فِي محَاسِن النَّاس فيحليهم بهَا وَيَأْخُذ مَا اسْتَطَاعَ مِنْهَا وَقَوله لَا تكونن على الْإِسَاءَة أقوى مِنْك على الْإِحْسَان وَلَا إِلَى الْبُخْل أسْرع مِنْك إِلَى الْجُود وَقَوله سوسوا أَحْرَار النَّاس بمحض الْمَوَدَّة والعامة بالرغبة والرهبة والأسافل بالمخافة وَقَوله لَا تعد الْغنم غنما إِذا سَاق غرما وَلَا الْغرم غرما إِذا سَاق غنما الْعَلامَة الثَّالِثَة عَلامَة الْوَقْف الْكَافِي وَهِي الْوَاو المقلوبة غير أَنه يُزَاد فِيهَا شَيْء كنقطة أَو خطّ تمييزا بَينهَا وَبَين عَلامَة الْوَقْف الْحسن وَمِمَّا فِيهِ مَا يكون الْوُقُوف عَلَيْهِ كَافِيا قَول بعض أَرْبَاب الحكم المأثورة لَا تقدم على أَمر حَتَّى تنظر فِي عاقبته وَلَا ترد حَتَّى ترى وَجه الْمصدر وَقَوله من ورع الرجل أَن لَا يقوم مَا لَا يعلم وَمن أربه أَن يتثبت فِيمَا يعلم وَقَوله كن فِي جَمِيع الْأُمُور فِي أوسطها فَإِن خير الْأُمُور أوساطها وَقَوله الْعَاقِل لَا يعادي مَا وجد إِلَى الْمحبَّة سَبِيلا وَلَا يعادي من لَيْسَ لَهُ مِنْهُ بُد وَقَوله من أحسن ذَوي الْعُقُول عقلا من أحسن تَقْدِير أَمر معاشه ومعاده تَقْديرا لَا يفْسد عَلَيْهِ وَاحِد مِنْهُمَا الآخر فَإِن أعياه ذَلِك رفض الْأَدْنَى وآثر عَلَيْهِ الْأَعْظَم وَقَوله تحفظ فِي مجلسك وكلامك من التطاول على الْأَصْحَاب وطب نفسا عَن كثير مِمَّا يعرض لَك فِيهِ صَوَاب القَوْل والرأي مداراة لِئَلَّا يظنّ أَصْحَابك أَن مَا بك التطاول عَلَيْهِم الْعَلامَة الرَّابِعَة عَلامَة الْوَقْف التَّام اعْلَم أَن الْكتاب قد اخْتلفت مناهجهم فِي ذَلِك فَمنهمْ من كَانَ يضع نقطة إِلَّا أَن بَعضهم كَانَ يَجْعَلهَا كَبِيرَة لِئَلَّا تشتبه بالنقطة الَّتِي كَانَ يَضَعهَا للْوَقْف الَّذِي لَيْسَ بتام وَمِنْهُم من كَانَ يضع ثَلَاث نقط على

هَيْئَة الأثافي كَمَا فِي نقط الشين وَمِنْهُم من كَانَ يضع واوا مَقْلُوبَة وَمِنْهُم من كَانَ يَجْعَلهَا ثَلَاثًا على الْهَيْئَة الْمَذْكُورَة وَمِنْهُم من كَانَ يضع دارة إِمَّا مطبقة أَو منفرجة وَمِنْهُم من كَانَ يضع هَاء لَهَا عينان وَهِي ذَات طرف مَرْدُود إِلَى الْجَانِب الْأَيْمن هَكَذَا هـ وَكَأَنَّهَا رمز إِلَى لفظ انْتهى وَمن الْكتاب من لم يقْتَصر على وَاحِدَة مِمَّا ذكر فَرُبمَا وضع فِي وضع دارة وَفِي مَوضِع آخر نقطا وَنَحْو ذَلِك وَلما كَانَ الْوَقْف التَّام متفاوت الدَّرَجَات فِي التَّمام يَنْبَغِي لمن جعل لَهُ عَلَامَات أَن يخص كل وَاحِدَة مِنْهَا بِنَوْع مِنْهُ غير أَن الدارة لَا يَنْبَغِي أَن تُوضَع إِلَّا لأتم أَنْوَاعه كَأَن يكون الْموضع آخر قصَّة وَنَحْو ذَلِك وَفِي هَذَا المبحث شَيْء وَهُوَ أَن يُقَال قد ذكرْتُمْ أَن بعض الْمَوَاضِع قد يتجاذبه أَمْرَانِ أَحدهمَا يَقْتَضِي الْوَصْل وَالْآخر يَقْتَضِي الْفَصْل وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام فَهَل يُمكن أَن يَجْعَل لكل قسم مِنْهَا / عَلامَة يعرف بهَا فَيُقَال نعم وَذَلِكَ بِالْجمعِ بَين الْخط الَّذِي هُوَ عَلامَة الْوَصْل والنقطة الَّتِي هِيَ عَلامَة الْفَصْل فَإِذا كَانَ الْموضع مِمَّا يرجح فِيهِ جَانب الْوَصْل على الْفَصْل وضع فِيهِ خطّ بعده نقطة هَكَذَا - وَإِذا كَانَ الْموضع مِمَّا يرجح فِيهِ جَانب الْفَصْل على الْوَصْل وضعت فِيهِ نقطة بعْدهَا خطّ هَكَذَا - وَإِذا كَانَ الْموضع مِمَّا لم يرجح فِيهِ أَحدهمَا على الآخر وضع الْخط بَين نقطتين هَكَذَا - هَذَا وَمَا يذكر من العلائم الْمُخْتَلفَة الَّتِي تدل كل وَاحِدَة مِنْهَا على قسم من أقسامه إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْكَلَام المنثور الَّذِي لم يُقيد بسجع وَأما الْكَلَام المنثور الْمُقَيد بالسجع فَيَكْفِي فِيهِ علامتان تُوضَع إِحْدَاهمَا فِي آخر الْفَقْرَة الأولى للدلالة على مَوضِع الْوَقْف وعَلى أَن السجعة لم تتمّ بعد وَالْأُخْرَى فِي آخر الْفَقْرَة الثَّانِيَة للدلالة على الْوَقْف وعَلى أَن السجعة قد تمت إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن تكون أقوى فِي الدّلَالَة على الْوَقْف من الَّتِي قبلهَا وعَلى ذَلِك يسوغ أَن تكون الأولى عَلامَة الْوَصْل وَالثَّانيَِة نقطة أَو الأولى

نقطة صَغِيرَة وَالثَّانيَِة نقطة كَبِيرَة أَو الأولى واوا مَقْلُوبَة وَالثَّانيَِة واوا مَقْلُوبَة متميزة بِزِيَادَة فِيهَا وَمن أَمْثِلَة السجع قَول بعض أَرْبَاب البلاغة إيَّاكُمْ ومقابلة النِّعْمَة بالكفران - واذْكُرُوا هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان وأبرزوها فِي معرض من حسن الذّكر - وقابلوها بِمَا يَلِيق بهَا من الشُّكْر وَقَوله بَلغنِي أَن فلَانا نَاظر فَلَمَّا تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْحجَّة كَابر وَقد كنت أَحسب أَنه أعرف بِالْحَقِّ من أَن يعقه وأهيب لحجاب الْعدْل والإنصاف من أَن يشقه أَو لم يعلم أَن الكابرة تشعر بِضعْف الْحس ومهانة النَّفس وَقَوله اعتذر الْأُسْتَاذ من صغر الْكتاب واختصاره وَقد أغناه الله عَمَّا تكلفه من اعتذاره وَإِنَّمَا الصَّغِير مَا صغر قدره لَا مَا صغر حجمه فَأَما مَا أَفَادَ وَجَاوَزَ المُرَاد فَلَيْسَ بصغير بل هُوَ أكبر من كل كَبِير وَقد يعرض فِي السجع فِي بعض الْمَوَاضِع أُمُور توجب الْإِشْكَال فِي وضع العلائم فَمن الْمَوَاضِع المشكلة أَن تكون السجعة مركبة من ثَلَاث فقر وَيَنْبَغِي هُنَا أَن تُوضَع الْعَلامَة المشعرة بانتهاء السجعة عِنْد الْفَقْرَة الثَّالِثَة وَيُوضَع عِنْد الثَّانِيَة عَلامَة مثل الْعَلامَة الَّتِي تُوضَع عِنْد الأولى مثل ذَلِك قَوْله جزى الله الْأُسْتَاذ عَن الْجُود خيرا فقد أَقَامَ لَهُ سوقا كَانَت كاسدة واهب مِنْهُ ريحًا كَانَت راكدة وَأَحْيَا مِنْهُ أَرضًا كَانَت هامدة وَعمر للمعروف دَارا طالما تيه فِي قفارها لَا ندراس آثارها وانهدام منارها وَقَوله يعز علينا أَن يكثر بَين تلاقينا عدد الْأَيَّام وتعبر عَن ضمائرنا ألسن الأقلام ونتناجى فِي الْكتب بصور الْكَلَام وَكَثِيرًا مَا يعرض فِي بعض الْمَوَاضِع هُنَا مَا يَجْعَل وضع عَلامَة الْوَصْل إِمَّا فِي الأولى أَو فِي الثَّانِيَة أولى من غَيرهَا وَإِن كَانَت الْعَلامَة المتخذة فِي الأَصْل غَيرهَا فعلامة الْوَصْل يحْتَاج إِلَيْهَا فِي كثير من الْمَوَاضِع الَّتِي جعل غَيرهَا عَلامَة فِيهِ وَمِثَال

ذَلِك قَوْله الظنون - أَمر لَا يعول عَلَيْهِ المتقون وَلَا يخلطون مَا كَانَ بِمَا لَعَلَّه لَا يكون وَمن الْمَوَاضِع المشكلة أَن تُوجد فقرة لَيْسَ لَهَا أُخْت وَيَنْبَغِي هُنَا أَن تُعْطى حكمهَا فِي حد ذَاتهَا نَحْو قَوْله إِن للعقول مغارس كمغارس الْأَشْجَار فَإِذا طابت بقاع الأَرْض للشجر زكا ثَمَرهَا وَإِذا كرمت النُّفُوس للعقول حسن نظرها وَمن الْمَوَاضِع المشكلة الْمَوَاضِع الَّتِي يكون فِيهَا سجع فِي سجع وَيَنْبَغِي هُنَا أَن تُوضَع عَلامَة الْوَصْل فِي السجع الَّذِي يكون فِي السجع وَمِثَال ذَلِك قَول بَعضهم / فِي علم الْبَيَان وَهُوَ فن قد نضب مَاؤُهُ فَلم يظْهر لَهُ ثَمَر وَذهب رواؤه فَلم يُؤثر فِيهِ غير الْأَثر وَقَول بَعضهم هَذَا كتاب قد أودع من جَوَاهِر الْكَلم - مَا يفوق قلائد العقيان - وعقود الدُّرَر وَمن زواهر الحكم - مَا يروق الْجنان - ويجلو الْبَصَر وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي أَنه هَل يجوز أَن يُقَال إِن فِي الْقُرْآن سجعا أم لَا فَقَالَ قوم إِنَّه لَا يجوز وَوَافَقَهُمْ على ذَلِك الرماني وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي إعجاز الْقُرْآن حَيْثُ قَالَ إِن السجع هُوَ الَّذِي يقْصد فِي نَفسه ثمَّ يُحَال الْمَعْنى عَلَيْهِ والفواصل هِيَ الَّتِي تتبع الْمعَانِي وَلَا تكون مَقْصُودَة فِي نَفسهَا وَلذَلِك كَانَت الفواصل بلاغة والسجع عَيْبا وَقَالَ قوم إِنَّه يجوز ذَلِك قَالَ بَعضهم لَيْسَ كل السجع يقْصد فِي نَفسه ثمَّ يُحَال الْمَعْنى عَلَيْهِ بل مِنْهُ مَا يتبع الْمَعْنى وَهُوَ غير مَقْصُود فِي نَفسه وَهَذَا مِمَّا لَا يعاب بل مِمَّا يستحسن وَالظَّاهِر أَن الَّذِي دَعَا قوما إِلَى تَسْمِيَة جَمِيع مَا فِي الْقُرْآن فواصل مَعَ الِامْتِنَاع عَن تَسْمِيَة مَا تماثلت حُرُوفه مِنْهُ سجعا رغبتهم فِي تَنْزِيه الْقُرْآن عَن الْوَصْف اللَّاحِق بِغَيْرِهِ من الْكَلَام الْمَرْوِيّ عَن الكهنة وَغَيرهم لَا كَون السجع فِي نَفسه معيبا فَإِن السجع فِي نَفسه يرجع إِلَى تماثل الْحُرُوف أَو تقاربها فِي مقاطع الفواصل وَإِنَّمَا لم يجىء فِي الْقُرْآن كُله وَلَا أَكْثَره سجع لِأَنَّهُ نزل بلغَة الْعَرَب وعَلى

عرفهم وعادتهم وَكَانَ البليغ مِنْهُم لَا يكون فِي كَلَامه كُله وَلَا أَكْثَره سجع لما فِيهِ من أَمَارَات التَّكَلُّف لَا سِيمَا مَعَ طول الْكَلَام وَلم يخل من السجع لِأَنَّهُ يحسن فِي بعض الْكَلَام لَا سِيمَا اقْتَضَاهُ الْمقَام قَالَ حَازِم (1) من النَّاس من يكره تقطيع الْكَلَام إِلَى مقادير متناسبة الْأَطْرَاف مُتَقَارِبَة فِي الطول وَالْقصر (2) لما فِيهِ من التَّكَلُّف وَمِنْهُم من يرى أَن التناسب الْوَاقِع بإفراغ الْكَلَام فِي قالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا وَمِنْهُم - وَهُوَ الْوسط - من يرى أَن السجع وَإِن كَانَ زِينَة للْكَلَام فقد يَدْعُو إِلَى التَّكَلُّف فرأيي أَن لَا يسْتَعْمل فِي جملَة الْكَلَام (3) وَأَن لَا يخلى الْكَلَام مِنْهُ جملَة وَأَنه يقبل مِنْهُ مَا اجتلبه الخاطر عفوا بِلَا تكلّف قَالَ وَكَيف يعاب السجع على الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا نزل الْقُرْآن على أساليب الفصيح من كَلَام الْعَرَب فوردت الفواصل فِيهِ بِإِزَاءِ وُرُود الأسجاع فِي كَلَامهم وَإِنَّمَا لم يجىء على أسلوب وَاحِد لِأَنَّهُ لَا يحسن فِي الْكَلَام جَمِيعًا أَن يكون مستمرا على نمط وَاحِد لما فِيهِ من التَّكَلُّف وَلما فِي الطَّبْع من الْملَل وَلِأَن الارفتنان فِي ضروب

الفصاحة أَعلَى من الِاسْتِمْرَار على ضرب وَاحِد فَلهَذَا وَردت بعض الْآي متماثلة المقاطع وَبَعضهَا غير متماثلة تَنْبِيهَات مهمة تتَعَلَّق بالسجع أوردهَا صاحبالإتقان (1) الأول قَالَ أهل البديع أحسن السجع وَنَحْوه مَا تَسَاوَت قرائنه نَحْو {فِي سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود} ويليه مَا طَالَتْ قرينته الثَّانِيَة نَحْو {والنجم إِذا هوى مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى} أَو الثَّالِثَة نَحْو {خذوه فغلوه ثمَّ الْجَحِيم صلوه ثمَّ فِي سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسلكوه} وَقَالَ ابْن الْأَثِير الْأَحْسَن فِي الثَّانِيَة الْمُسَاوَاة وَإِلَّا فأطول قَلِيلا وَفِي الثَّالِثَة أَن تكون أطول وَقَالَ الخفاجي لَا يجوز أَن تكون الثَّانِيَة أقصر من الأولى الثَّانِي قَالُوا أحسن السجع مَا كَانَ قَصِيرا لدلالته على قُوَّة المنشىء وَأقله كلمتان نَحْو {يَا أَيهَا المدثر قُم فَأَنْذر} الْآيَات {والمرسلات عرفا} الْآيَات {والذاريات ذَروا} الْآيَات {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} والآيات والطويل مَا زَاد عَن الْعشْر وَمَا / بَينهَا متوسط كآيات سُورَة الْقَمَر الثَّالِث قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فيكشافة الْقَدِيم لَا تحسن الْمُحَافظَة على الفواصل لمجردها إِلَّا مَعَ بَقَاء الْمعَانِي على سردها على الْمنْهَج الَّذِي يَقْتَضِيهِ حسن النّظم والتئامه فَأَما أَن تهمل الْمعَانِي ويهتم بتحسين اللَّفْظ وَحده غير مَنْظُور فِيهِ إِلَى مورده فَلَيْسَ من قبيل البلاغة وَبنى على ذَلِك أَن التَّقْدِيم فِي {وبالآخرة هم يوقنون} لَيْسَ لمُجَرّد الفاصلة بل لرعاية الِاخْتِصَاص الرَّابِع مبْنى الفواصل على الْوَقْف وَلِهَذَا سَاغَ مُقَابلَة الْمَرْفُوع بالمجرور وَبِالْعَكْسِ كَقَوْلِه {إِنَّا خلقناهم من طين لازب} مَعَ قَوْله {عَذَاب واصب} و {شهَاب ثاقب}

وَقَوله {بِمَاء منهمر} مَعَ قَوْله {قد قدر} و {سحر مُسْتَمر} وَقَوله {وَمَا لَهُم من دونه من وَال} مَعَ قَوْله {وينشئ السَّحَاب الثقال} الْخَامِس كثر فِي الْقُرْآن ختم الفواصل بحروف الْمَدّ واللين وإلحاق النُّون وحكمته وجود التَّمَكُّن من التطريب بذلك كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّهُم إِذا تمنوا يلحقون الْألف وَالْيَاء وَالْوَاو وَالنُّون لأَنهم أَرَادوا مد الصَّوْت ويتركون ذَلِك إِذا لم يترنموا وَجَاء الْقُرْآن على أسهل موقف وأعذب مقطع السَّادِس حُرُوف الفواصل إِمَّا متماثلة وَإِمَّا مُتَقَارِبَة فَالْأولى مثل {وَالطور وَكتاب مسطور فِي رق منشور وَالْبَيْت الْمَعْمُور} وَالثَّانِي مثل {الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين} {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد بل عجبوا أَن جَاءَهُم مُنْذر مِنْهُم فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْء عَجِيب} قَالَ الإِمَام فَخر الدّين وَغَيره وفواصل الْقُرْآن لَا تخرج عَن هذَيْن الْقسمَيْنِ بل تَنْحَصِر فِي المتماثلة والمتقاربة ورعاية التشابه فِي الفواصل لَازِمَة السَّابِع كثر فِي الفواصل التَّضْمِين والإيطاء لِأَنَّهُمَا ليسَا معيبين فِي النثر إِن كَانَا معيبين فِي النّظم فالتضمين أَن يكون مَا بعد الفاصلة مُتَعَلقا بهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم مصبحين وبالليل} والأيطاء تكَرر الفاصلة بلفظها كَقَوْلِه تَعَالَى فِي (الْإِسْرَاء) {هَل كنت إِلَّا بشرا رَسُولا} وَختم بذلك الْآيَتَيْنِ بعْدهَا اه فَإِن قيل هَل يسوغ وضع عَلامَة تشعر بالتضمين يُقَال أما فِي السجع فَإِن ذَلِك يسوغ فِيهِ بل يسْتَحبّ وَمِثَال ذَلِك مَا كتبه بعض البلغاء موقعا بِهِ على كتاب ورد بمدح رجل وذم آخر إِذا كَانَ للمحسن من الْجَزَاء مَا يقنعه وللمسيء من النكال مَا يقمعه بذل المحسن مَا يجب عَلَيْهِ رَغْبَة وانقاد الْمُسِيء لما يكلفه رهبة وَأما فِي الشّعْر فَلَا يسوغ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوجب عدم التناسب فِي أَوَاخِر السطور

وَهُوَ مُهِمّ عِنْدهم مَعَ قلته فِي نَفسه وَقلة الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ نعم لَو قيل إِنَّه يسوغ وَضعهَا إِذا بعد عَن آخر السطر قَلِيلا مَعَ حفظ التناسب بَينهَا إِذا تَكَرَّرت لم يستبعد قَالَ فيالعمدة فِي بَاب أَحْكَام القوافي فِي الْخط (1) إِذا صَارَت الْوَاو الْأَصْلِيَّة وصلا للقافية سَقَطت فِي الْخط كَمَا تسْقط وَاو الْوَصْل وياؤه وَذَلِكَ مثل وَاو يَغْزُو للْوَاحِد وَلم يغزوا للْجَمَاعَة إِذا كَانَت القافية على الزَّاي وَمثل وَاو يَغْزُو يَاء يقْضِي للْغَائِب وتقضي للمؤنثة الغائبة والمذكر الْمُخَاطب وَكَذَلِكَ يَاء القَاضِي والغازي إِذا كَانَا معرفين بِالْألف وَاللَّام هَذَا هُوَ الْوَجْه فَإِن كتب بِإِثْبَات الْوَاو وَالْيَاء فعلى بَاب الْمُسَامحَة والأجود أَن تكون الْوَاو وَالْيَاء خَارِجا فِي الْغَرَض وَكَذَلِكَ يَاء الضَّمِير نَحْو غلامي إِذا كنت القافية الْمِيم فَالْوَجْه سُقُوط الْيَاء فَإِن كتبت الْمُسَامحَة فَفِي الْغَرَض كَمَا قدمت ق (2) وَمن الْعَرَب من يَقُول هَذَا الْغَاز ومررت بالقاض بِغَيْر يَاء وَهَذَا تَقْوِيَة لمَذْهَب من حذفهَا فِي الْخط إِذا كَانَت وصلا للقافية وَإِن كَانَ فِي قوافي القصيدة مَا يكْتب بِالْيَاءِ وَمَا يكْتب بِالْألف كتبا / جَمِيعًا بِالْألف لتستوي القوافي وتشتبه صورتهَا فِي الْخط اه ولفرط عناية الْكتاب برعاية التناسب بَين أَوَائِل السطور بَعْضهَا مَعَ بعض وَكَذَلِكَ أواخرها قَالَ بعض الأدباء فِي وصف المسطرة عَن لسانها (أَنا لِلْكَاتِبِ اللبيب إِمَام ... وَلما تبتغي يَدَاهُ قوام) (فإذاما حددت للكتب حدا ... وقفت عِنْد حدي الأقلام) فَإِذا قيل هَل يسوغ أَن يوضع فِي أثْنَاء أَبْيَات الشّعْر علائم لوقف القارىء على مَوَاضِع الْوَقْف لَا ليقف عِنْدهَا بل لِئَلَّا يَقع لَهُ فِي بعض الْمَوَاضِع وهم يَحْجُبهُ عَن

الْفَهم فقد ذكرْتُمْ (1) أَن السَّيِّد المرتضى قَالَ فِي بَيت الْكُمَيْت الْمَذْكُور آنِفا إِنَّه يجب الْوُقُوف على الطير ثمَّ يبْدَأ بهمه يُقَال إِنَّا لم نصادف فِيمَا رَأينَا من الدَّوَاوِين وضع علائم لذَلِك وَمن أهمه هَذَا الْأَمر يَتَيَسَّر لَهُ أَن يُشِير إِلَى ذَلِك فِي الْحَاشِيَة ويخشى من فتح هَذَا الْبَاب أَن يدْخل فِي هَذَا الْأَمر الدَّقِيق من لَيْسَ لَهُ أَهلا فَيَضَع العلائم فِي غير موَاضعهَا فَيكون الضَّرَر أكبر من النَّفْع لَكِن لَو قَامَ بِهِ من يحسن لم يكن فِي ذَلِك شَيْء وعَلى ذَلِك يكْتب الْبَيْت هَكَذَا (وَمَا أَنا مِمَّن يزْجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثَعْلَب) فَإِن قيل هَل يسوغ وضع عَلامَة فِي آخر الشّطْر الأول إِذا وجد فِيهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِك لَا سِيمَا إِن وضعت بَعيدا عَنهُ قَلِيلا بِحَيْثُ لَا تخل بالتناسب بَين أَوَاخِر الشّطْر الأول وَلَا أَوَائِل الشّطْر الثَّانِي يُقَال إِنَّه لَا يظْهر ملجىء إِلَى ذَلِك إِلَّا إِذا وَقع فِي الْبَيْت إدماج وَنَشَأ مِنْهُ التباس والإدماج هُوَ أَن يَأْتِي الشَّاعِر بِكَلِمَة يكون بَعْضهَا جُزْءا من الشّطْر الأول وَبَعضهَا جُزْءا من الشّطْر الثَّانِي وَقد قصر بعض شراحالحماسة فِي تَعْرِيفه حَيْثُ قَالَ عِنْد ذكر قَول الشَّاعِر (وَمَا غَمَرَات الْمَوْت إِلَّا نزالك الكمي على لحم الكمي المقطر ... ) فِي هَذَا الْبَيْت إدماج والإدماج أَن تكون عَلامَة التَّعْرِيف فِي النّصْف الأول من الْبَيْت والمعرف فِي النّصْف الثَّانِي وَهُوَ يقل فِي الأوزان الطوَال وَيكثر فِي الْقصار كَقَوْل الْأَعْشَى (اسْتَأْثر الله بالمكارم والع ... دلّ وَولى الْمَلَامَة الرجلا) (وَالشعر قلدته سَلامَة ذَا ال ... إفضال وَالشَّيْء حَيْثُمَا جعلا)

فَإِذا وَقع فِي الْبَيْت إدماج اضْطر الْكَاتِب فِي الْغَالِب إِلَى تجزئة الْكَلِمَة إِلَى جزئين وَوضع كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَوْضِعه فَإِذا نَشأ من ذَلِك إِشْكَال تعيّنت إِزَالَته فَإِذا كَانَت الْعَلامَة وافية بالغرض لم يكن بُد مِنْهَا والكلمات من جِهَة التجزئة أَقسَام فَمِنْهَا مَا تسهل فِيهِ التجزئة وَمِنْهَا مَا تعسر فِيهِ وَمِنْهَا مَا تكَاد تتعذر فِيهِ ولبعض الْكتاب مهارة فِي أَمر التجزئة حَتَّى إِن بَعضهم لَا يكَاد يَقع اشْتِبَاه فِيمَا جزأه وَقد أحببنا أَن نورد من هَذَا النَّوْع أَمْثِلَة كَثِيرَة لشدَّة الْحَاجة إِلَيْهِ وَتَركنَا تَمْيِيز كل قسم مِنْهُ من غَيره للمطالعين فمما وَقع فِيهِ الإدماج قَول بعض الشُّعَرَاء فِي وصف الْقَلَم (ناحل الْجِسْم لَيْسَ يعرف مذكا ... ن نعيما وَلَيْسَ يعرف ضرا) / وَقَول بَعضهم (إِن حَشْو الْكَلَام من لكنة المر 00 ... 00 ء وإيجازه من التَّقْوِيم) وَقَول بَعضهم - وَكَانَ بعض الْأَئِمَّة الْعِظَام يكثر إنشاده وَقد ينْسب إِلَيْهِ - (فَلَا تفش سرك إِلَّا إِلَيْك ... فَإِن لكل نصيح نصيحا) (وَإِنِّي رَأَيْت غواة الرجا 00 ... 00 ل لَا يتركون أديما صَحِيحا) وَمِمَّا وَقع فِيهِ الإدماج قَول بَعضهم الإِمَام الزكي والفارس المع 00 ... 00 تَحت العجاج غير الكهام (1)) (رَاعيا كَانَ مسجحا (29 ففقدنا ... هـ وفقد المسيم فقد المسام (3))

وَقَول بَعضهم (إِن شرخ الشَّبَاب وَالشعر الأس 00 ... 00 ود مالم يعاص كَانَ جنونا) وَقَول بَعضهم (وأزجر الْكَاشِح الْعَدو إِذا اغ 00 ... 00 تابك عِنْدِي زجرا على أضم) وَمِمَّا وَقع فِيهِ الإدماج قَول بَعضهم (أحل وامرر وضر وانفع وَلم وَأَخ 00 ... 00 شن ورش وَابْن وانتدب للمعالي) وَقَول بَعضهم (فوحق الْبَيَان يعضده الْبر 00 ... 00 هان فِي مأقط (2) أَلد الْخِصَام) (مَا رَأينَا سوى السماحة شَيْئا ... جمع الْحسن كُله فِي نظام) (هِيَ تجْرِي مجْرى الإ صابة فِي الرأ 00 ... 00 ي ومجرى الْأَرْوَاح فِي الْأَجْسَام) وَمِمَّا وَقع فِيهِ الإدماج قَول بَعضهم (الألمعي الَّذِي يظنّ بك الظ 00 ... 00 ن كَأَن قد رأى وَقد سمعا) وَقَول بَعضهم (خير إخوانك المشارك فِي الضّر 00 ... 00 وَأَيْنَ الشَّرِيك فِي الضّر أَيّنَا وَقَول بَعضهم (قربا مربط النعامة مني ... لقحت حَرْب وَائِل عَن حِيَال) (لَا بجير أغْنى فتيلا وَلَا ره 00 ... 00 ط كُلَيْب تزاجروا عَن ضلال) (لم أكن من جناتها علم الل ... هـ وَإِنِّي بحرها الْيَوْم صالي) وَقَول بَعضهم (احذر مَوَدَّة ماذق ... مزج المرارة بالحلاوة)

/ يحصي الذُّنُوب عَلَيْك أَيَّام الصداقة للعداوة وَيَنْبَغِي الانتباه هُنَا لأمرين أَحدهمَا أَن بَعْضًا من الْمَوَاضِع قد يظنّ فهيا إدماج فيجزىء الْكَاتِب الْكَلِمَة مَعَ أَنه لَا إدماج هُنَالك وَذَلِكَ مثل قَول بَعضهم (بنى عَلَيْك بتقوى الْإِلَه ... فَإِن العواقب للمتقي) (وَإنَّك مَا تأت من وَجهه ... تَجِد بَابه غير مستغلق) (عَدوك ذُو الْعقل أبقى عَلَيْك ... من الصاحب الْجَاهِل الأخرق) وَقد يعرض الْوَهم لِلْكَاتِبِ الشَّاعِر فِي بعض الْمَوَاضِع وَلَا يَزُول عَنهُ ذَلِك إِلَّا إِذا وزن الْبَيْت بميزانه الثَّانِي أَن بعض الكتبة قد يَقع لَهُم بِسَبَب الذهول أَو عدم الْمعرفَة أَن يجزئوا الْكَلِمَة فِي الأبيات الَّتِي وَقع فِيهَا إدماج تجزئة غير صَحِيحَة فَيَنْبَغِي الانتباه إِلَى ذَلِك وَانْظُر إِلَى لفظ (النَّاس) مثلا فَإِنَّهُ قد يكون آخر جزئها الأول هِيَ النُّون الأولى وَهِي النُّون الساكنة المنقلبة عَن لَام التَّعْرِيف وَأول جزئها الثَّانِي هِيَ النُّون المتحركة وَهِي النُّون الْأَصْلِيَّة وَقد يكون آخر جزئها الأول هِيَ الْألف وَأول جزئها الثَّانِي هِيَ السِّين فَمن الأول قَول بَعضهم (أَيهَا الفارغ المريد لعيب ال ... نَاس مهلا عَن المغيبة مهلا) (إِن فِي نَفسك الَّتِي بَين جَنْبي ... ك عَن النَّاس لَو تفكرت شغلا) وَمن الثَّانِي قَول بَعضهم (تَرَكتنِي صُحْبَة النا ... س وَمَالِي من رَفِيق) (لم أجد إشفاق ندما ... ني كإشفاق الصّديق) وَمِمَّا يعد من علائم الْوَقْف الْألف وَالْهَاء فقد جرت عَادَة كثير من الْمُتَأَخِّرين أَنهم إِذا نقلوا عبارَة عَن أحد أَن يكتبوا فِي آخرهَا ألفا وَرَأس هَاء إِشَارَة إِلَى لفظ

انْتهى وَكَانَ حَقهم أَن يكتفوا بِرَأْس الْهَاء فَقَط لِأَن قَاعِدَة أَرْبَاب العلائم أَنهم يكتفون بِأَقَلّ مَا يحصل بِهِ الْمَقْصُود وَلَا يسوغون الزِّيَادَة عَلَيْهِ فَلَو كَانَ رَأس الْهَاء قد جعل عَلامَة على شَيْء آخر واضطروا إِلَيْهَا ساع لَهُم أَن يزِيدُوا الْألف للتمييز بَينهمَا وَلم يَقع ذَلِك وَلذَا ذهب أنَاس الْآن إِلَى الرُّجُوع إِلَى مُقْتَضى الْقَاعِدَة فاقتصروا على رَأس الْهَاء وَرُبمَا وضع بَعضهم قبلهَا نقطة وَأما المتقدمون فقد كَانُوا يصرحون بِمَا يدل على الِانْتِهَاء فَيَقُولُونَ انْتهى مَا ذكره فلَان أَو هَذَا آخر كَلَام فلَان أَو نَحْو ذَلِك وَلَا يكتفون بقَوْلهمْ انْتهى مَا ذكره من غير تَصْرِيح بِالِاسْمِ وَالظَّاهِر أَن الدَّاعِي لَهُم إِلَى ذَلِك أَنه قد يكون فِي الْعبارَة المنقولة عبارَة أُخْرَى نقلهَا الْمَنْقُول عَنهُ عَن غَيره فَلَو اكتفوا بذلك من غير تَصْرِيح بِالِاسْمِ حصل اشْتِبَاه فِي كثير من الْمَوَاضِع وَلم يدر الْمطَالع لمن يرجع الضَّمِير فالتزموا التَّصْرِيح دفعا لذَلِك وَلذَلِك قد يتركونه فِي مَوَاضِع لَا يَقع فِيهَا اشْتِبَاه بل قد يتركون الْإِشَارَة إِلَى انْتِهَاء الْعبارَة فِي مثل ذَلِك والاختصار وَمِنْه الْإِضْمَار إِنَّمَا يستجيزه البلغاء فِي الْمَوَاضِع الَّتِي لَا يَقع فِيهَا اشْتِبَاه وَلَا إخلال بالفهم إِلَّا إِذا كَانَ الْمقَام يَقْتَضِي ذَلِك لنكتة مهمة وَاعْلَم أَنه قد جرت عَادَة النقلَة أَنهم إِذا نقلوا عبارَة من الْعبارَات غير أَنه دعاهم الْحَال إِلَى حذف شَيْء مِنْهَا مِمَّا وَقع فِي أَثْنَائِهَا لعدم تعلق الْغَرَض بِهِ أَن يشيروا إِلَى ذَلِك بقَوْلهمْ ثمَّ قَالَ ثمَّ يَأْتُوا بتتمة الْعبارَة المروم نقلهَا مِمَّا تعلق بِهِ غرضهم وَبِذَلِك يعلم الْمطَالع أَنه قد طوي شَيْء فِيمَا بَين مَا قبل ثمَّ قَالَ وَبَين مَا بعده وَقد يحذفون ثمَّ ويقتصرون على قَالَ وَهَذَا أَمر يلام من أخل بِهِ عِنْدهم إِلَّا أَن يُصَرح بِأَنَّهُ قد تصرف فِي الْعبارَة

وَالظَّاهِر أَن تصريحه بذلك لَا يرفع عَنهُ اللوم فِي كثير من الْمَوَاضِع مَعَ إِمْكَان الْإِشَارَة إِلَى مَوَاضِع الْحَذف وَأرى أَن المختصرين الَّذين يحبونَ أَن يحافظوا على الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي الأَصْل وَلم يبدلونها بِأَلْفَاظ من عِنْدهم غير أَنهم يرَوْنَ حذف بعض الْعبارَات الَّتِي لَا يتَعَلَّق بهَا غرضهم أَن يضعوا فِي مَوَاضِع الْحَذف رَأس الْقَاف إِشَارَة إِلَى ذَلِك وَهِي مذكرة بِلَفْظ قَالَ الَّتِي جرت عَادَتهم باستعمالها فِي مثل هَذَا الْموضع وَكنت قَدِيما أَضَع رَأس الْفَاء إِشَارَة للفظ الْحَذف على أَنه لَو لم تُوضَع نقطة أصلا لم يكن بَأْس لامتياز هَذِه الصُّورَة بِنَفسِهَا وَهَذِه الْعَلامَة مهمة فَإِنَّهُ قد يعرض فِي بعض الْمَوَاضِع إِشْكَال للمطالع فَلَا يدْرِي هَل هُوَ ناشيء من حذف شَيْء هُنَاكَ لَو بَقِي لم يكن ثمَّ إِشْكَال أَو ناشيء من الأَصْل وَالْغَالِب أَنه ينْسبهُ للمختصر فَيتْرك السَّعْي فِي حلّه لتصوره أَن ذَلِك نَشأ من إخلال الْمُخْتَصر مَعَ أَن ذَلِك الْموضع رُبمَا كَانَ من الْمَوَاضِع الَّتِي لم يحذف فِيهَا شَيْء بل قد يعرض الْإِشْكَال للمختصر فِي وَقت لَا يَتَيَسَّر لَهُ فِيهِ الرُّجُوع إِلَى الأَصْل فيندم على تَقْصِيره حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ ندمه فَإِذا وضعت هَذِه الْعَلامَة كَانَ الْخطب أسهل وهاك مِثَال ذَلِك قَالَ أوحد عصره أَبُو عُثْمَان عَمْرو بن بَحر الجاحظ فِي أول الْبَيَان والتبيين اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من فتْنَة القَوْل كَمَا نَعُوذ بك من فتْنَة الْعَمَل ونعوذ بك من التَّكَلُّف لما لَا نحسن كَمَا نَعُوذ بك من العجببما نحسن ونعوذ بك من السلاطة والهذر كَمَا نَعُوذ بك من العي والحصر وقديما تعوذوا بِاللَّه من شرهما وَتَضَرَّعُوا إِلَى الله فِي السَّلامَة مِنْهُمَا قَالَ النمر بن تولب (أعذني رب من حصر وعي ... وَمن نفس أعالجها علاجا) وَقد ذكر الله جميل بلائه فِي تَعْلِيم الْبَيَان وعظيم نعْمَته فِي تَقْوِيم اللِّسَان فَقَالَ {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} وَقَالَ {هَذَا بَيَان للنَّاس}

) ومدح الْقُرْآن بِالْبَيَانِ والإفصاح وَبِحسن التَّفْصِيل والإيضاح وبجودة الإفهام وَحِكْمَة الإبلاغ وَسَماهُ فرقانا وَقَالَ {عَرَبِيّ مُبين} وَقَالَ {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} وَقَالَ {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء} وَقَالَ {وكل شَيْء فصلناه تَفْصِيلًا} ومدار الْأَمر على الْبَيَان والتبيين وعَلى الإفهام والتفهيم وَكلما كَانَ اللِّسَان أبين كَانَ أَحْمد كَمَا أَنه كلما كَانَ الْقلب أَشد استبانة كَانَ أَحْمد وَمن أجل الْحَاجة إِلَى حسن الْبَيَان وَإِعْطَاء الْحُرُوف حُقُوقهَا من الفصاحة رام أَبُو حُذَيْفَة وَاصل بن عَطاء وَكَانَ ألثغ إِسْقَاط الرَّاء من كَلَامه وإخراجها من حُرُوف مَنْطِقه فَلم يزل يكابد ذَلِك ويغالبه حَتَّى صَار لغرابته مثلا ولظرافته معلما إرشاد لَا يَنْبَغِي أَن تُوضَع عَلامَة من العلائم فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع إِلَّا بعد أَن يَدْعُو إِلَيْهَا دَاع مُهِمّ ويتحقق أَن ذَلِك الْموضع من موَاضعهَا وَقد جرت عَادَة بعض الْكتاب أَن يضعوا كثيرا من العلائم مَعَ عدم الدَّاعِي إِلَيْهَا فكأنهم يظنون أَن فِيهِ وَأما الَّذين يضعونها فِي غير موَاضعهَا فهم مسيئون جدا لإيقاعهم القاريء فِي شرك الْوَهم المبعد لَهُ عَن الْفَهم وَكَأن هَؤُلَاءِ يظنون أَن العلائم من قبيل الزِّينَة فِي الْخط وَقد وَقع هَذَا الظَّن لكثير مِمَّن عني بالخط من الْمُتَأَخِّرين من غير بحث عَمَّا يتَعَلَّق بِهِ فَكَانُوا يرَوْنَ فِي كثير من الخطوط علائم وضعت لأمر خَاص فظنوها من قبيل الزِّينَة فصاروا يضعونها كَيفَ مَا اتّفق وَإِذا سئلوا عَن ذَلِك قَالُوا إِن هَذَا من

تَتِمَّة الصِّنَاعَة وَقد رَأينَا أساتذتنا يَفْعَلُونَهُ وَلَا يسعنا إِلَّا اتباعهم فَكل خير فِي اتِّبَاع من سلف فَإِن قلت إِنَّهُم كثيرا مَا يضعون عَلامَة للاستفهام وعلامة للتعجب فَهَل يحسن ذَلِك يُقَال يحسن ذَلِك إِذا كَانَ فِي الْعبارَة احْتِمَال لغَيْرِهِمَا أما فِي الِاسْتِفْهَام فَفِي نَحْو مَا يكْتب زيد وَأما فِي التَّعَجُّب فَفِي نَحْو مَا أحسن هَذَا الْفَتى غير أَن كثيرا مِنْهُم يضعون عَلامَة الِاسْتِفْهَام فِي مثل أأسيء إِلَيْهِ وَقد أحسن إِلَيّ مَعَ أَنه لَا اسْتِفْهَام هُنَا فِي الْحَقِيقَة ويضعون عَلامَة التَّعَجُّب فِي مَوَاضِع لَا يجد النَّاظر فِيهَا شَيْئا يتعجب مِنْهُ غير وضع تِلْكَ الْعَلامَة وَأما وضع عَلامَة قبل مقول القَوْل للدلالة عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يحسن فِي بعض الْمَوَاضِع بِسَبَب دَاع يَدْعُو إِلَيْهِ كَأَن يفصل بَين القَوْل وَالْمقول شَيْء رُبمَا ينشأ عَنهُ التباس ومبحث العلامات وَمَا يتَعَلَّق بهَا مَبْحَث وَاسع الْأَطْرَاف جدير بِأَن يفرد بالتأليف وَقد دللناك على الطَّرِيق فاسلك فِيهِ أَن شِئْت حَتَّى تصل إِلَى الْغَايَة

الفائدة الثامنة

الْفَائِدَة الثَّامِنَة قَلما يَخْلُو كتاب ألف فِي فن من الْفُنُون من ذكر مسَائِل لَيست من على سَبِيل الاستطراد وَقد اخْتلفت أَحْوَال المؤلفين فِيهِ فَمنهمْ من كَانَ يُؤثر الإقلال مِنْهُ وَمِنْهُم من كَانَ يرى الْإِكْثَار مِنْهُ وَمن المقلين مِنْهُ المؤلفون فِي أصُول الْأَثر لما أَن لَهُم فِيهِ عَمَّا سواهُ شغلا شاغلا وَأما ترك بعض مبَاحث من الْفَنّ اعْتِمَادًا على أَنَّهَا قد ذكرت فِي فن آخر فَهُوَ قَلِيل وَقد وَقع ذَلِك لَهُم فَإِن أَكْثَرهم لم يذكر مَبْحَث التَّرْجِيح وَمن ذكره مِنْهُم اكْتفى ببيانه على طَرِيق الإيجاز بِحَيْثُ لَا يتَجَاوَز مَا كتب فِيهِ ورقتين مَعَ أَن مَبْحَث التَّرْجِيح مُهِمّ جدا لِأَنَّهُ الَّذِي يفزع إِلَيْهِ عِنْد اخْتِلَاف الرِّوَايَات مَعَ عدم إِمْكَان الْجمع بَينهَا ووجوه التَّرْجِيح كَثِيرَة يصعب حصرها وَقد قسمهَا بَعضهم بَعضهم إِلَى سَبْعَة أَقسَام الْقسم الأول التَّرْجِيح بِحَال الرَّاوِي كَأَن يكون أَحدهمَا أَكثر ضبطا أَو اشد ورعا من الآخر فَإِنَّهُ يرجح عَلَيْهِ الْقسم الثَّانِي التَّرْجِيح بالتحمل كَأَن يكون أَحدهمَا تحمل جَمِيع مَا يرويهِ بعد الْبلُوغ فَإِنَّهُ يرجح على الآخر الَّذِي تحمل بعض مَا يرويهِ قبل الْبلُوغ وَبَعضه بعده الْقسم الثَّالِث التَّرْجِيح بكيفية الرِّوَايَة كَأَن يكون أَحدهمَا مِمَّن لَا يروي فيرجح الْمدنِي لدلالته على التَّأْخِير الْقسم الْخَامِس التَّرْجِيح بِلَفْظ الْخَبَر كَأَن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ فصيحا دون الآخر فَيقدم عَلَيْهِ لِأَن الفصيح أقرب إِلَى أَن يكون هُوَ الصَّحِيح وَكَأن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ قد ورد بلغَة قُرَيْش دون الآخر فَإِن مَا ورد بلغَة قُرَيْش أشبه بِأَن يكون

لفظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَأن يكون حكم أحد الْخَبَرَيْنِ مَعْقُول الْمَعْنى دون الآخر الْقسم السَّادِس التَّرْجِيح بالحكم كترجيح النَّاقِل عَن الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة على الْمُقَرّر لَهَا وَقيل الْأَمر بِالْعَكْسِ وكترجيح الدَّال على الْخطر على الدَّال على الْإِبَاحَة وَقيل لَا تَرْجِيح فِي ذَلِك لِأَن الْحَظْر وَالْإِبَاحَة حكمان شرعيان وَصدق الرَّاوِي فيهمَا وتيرة وَاحِدَة الْقسم السَّابِع التَّرْجِيح بِأَمْر خارجي كَأَن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ يشْهد لَهُ الْقُرْآن أَو الحَدِيث الْمَشْهُور أَو الْإِجْمَاع أَو دَلِيل الْعقل دون الآخر فيرجح عَلَيْهِ لمعاضدة الدَّلِيل لَهُ وَالَّذِي حملهمْ على ترك هَذَا المبحث أَو عدم التَّوَسُّع فِيهِ أَنهم رَأَوْا أَن وُجُوه التَّرْجِيح كَثِيرَة وَقد أبلغهَا بَعضهم إِلَى أَكثر من مئة وَجه فَإِذا ذكرُوا ذَلِك مُسْتَوفى موضحا بالأمثلة لم يكف فِيهِ نَحْو مئة ورقة فَإِن ذكرُوا مسائلة خَالِيَة عَن الْمِثَال كَانَت شَبيهَة بالمسائل الَّتِي لَا تخرج عَن دَائِرَة الخيال على أَن كثيرا من وُجُوه التَّرْجِيح قد اخْتلف فِيهِ حَتَّى صَار بَعضهم يرجح وَجها ويرجح الآخر مُقَابلَة الآخر مُقَابلَة وَرُبمَا نفى بَعضهم رُجْحَان أحد المتقابلين فَإِذا حاول الْمُؤلف بَيَان دَلِيل كل فريق ثمَّ بَيَان الرَّاجِح مِنْهُمَا بِمُقْتَضى مَا تبين لَهُ بِالدَّلِيلِ طَال الْأَمر جدا فتركوا هَذَا المبحث المهم لعلماء أصُول الْفِقْه لما بَين الفنين من التناسب مَعَ مَا بَين أَهلهَا من التقارب وَمَا ذكر هُنَا لَا يستغرب أصلا بِالنّظرِ إِلَى مَا ذكره الْعَلامَة السكاكي فِي حَال علم الْمعَانِي وَالْبَيَان قبل أَن يكْتب فِيهِ مَا كتب فَإِنَّهُ قَالَ بعد أَن أبان فضل ذَلِك وَأَنه لَا علم بعد علم الْأُصُول الْمَشْهُورَة بِعلم الْكَلَام أعون على معرفَة

المشتبهات من الْكتاب الْعَزِيز وَلَا أَنْفَع فِي در لطائف نكته وأسراره مِنْهُ وَأَن كثيرا من الْآيَات قد تصدى لَهَا من لَيْسُوا من أهل هَذَا الْعلم فَأخذُوا بهَا من مآخذ مَرْدُودَة وَحملُوهَا على محامل غير مَقْصُودَة وهم لَا يَدْرُونَ وَلَا يَدْرُونَ أَنهم لَا يَدْرُونَ - ثمَّ مَعَ مَا لهَذَا الْعلم من الشّرف الظَّاهِر وَالْفضل الباهر لَا ترى علما من الضيم مَا لَقِي وَلَا مني من سوم الْخَسْف بِمَا مني أَيْن الَّذِي مهد لَهُ قَوَاعِد ورتب لَهُ شَوَاهِد وَبَين لَهُ حدودا يرجع إِلَيْهَا وَعين لَهُ رسوما يعرج عَلَيْهَا وَوضع لَهُ أصولا وقوانين وَجمع لَهُ حجَجًا وبراهين وشمر لضبط متفرقاته ذيله واستنهض فِي استخلاصها من الْأَيْدِي رجله وخيله (علم ترَاهُ أيادي سبّ ... ) (فجزء حوته الدبور ... وجزء حوته الصِّبَا) انْظُر بَاب التَّحْدِيد فَإِنَّهُ جُزْء مِنْهُ فِي أَيدي من هُوَ انْظُر بَاب الِاسْتِدْلَال فَإِنَّهُ جُزْء مِنْهُ فِي أَيدي من هُوَ بل تصفح مُعظم أَبْوَاب أصُول الْفِقْه من أَي علم هِيَ وَمن يتولاها وَتَأمل فِي مودعات من مباني الْإِيمَان مَا ترى من تمناها سوى الَّذِي تمناها وعد وعد وَلَكِن الله جلت حكمته إِذْ وفْق لتحريك الْقَلَم فِيهِ عَسى ان يعْطى الْقوس باريها بحول مِنْهُ عز سُلْطَانه وقوته فَمَا الْحول وَالْقُوَّة إِلَّا بِهِ وَقد تدارك مَا رُبمَا يُوهِمهُ هَذَا الْكَلَام من نِسْبَة التَّقْصِير الشَّديد إِلَى من تقدمه من أهل هَذَا الْعلم الَّذين عنوا بِشَأْنِهِ فَيكون من قبيل الْإِسَاءَة إِلَى الْمُحْسِنِينَ كَمَا يَفْعَله كثير من الأغمار الَّذين يظنون أَن فِي إِنْكَار فضل غَيرهم دلَالَة قَوِيَّة على فَضلهمْ فَقَالَ من قبل ذَلِك دفعا لهَذَا الْوَهم هَذَا مَا أمكن من تَقْرِير كَلَام

الفائدة التاسعة

السّلف رَحِمهم الله فِي هذَيْن الْأَصْلَيْنِ وَمن تَرْتِيب الْأَنْوَاع فيهمَا وتذييلها بِمَا كَانَ يَلِيق بهَا وتطبق الْبَعْض مِنْهَا بِالْبَعْضِ وتوفيه كل من ذَلِك حَقه على مُوجب مُقْتَضى الصِّنَاعَة ن وسيحمد مَا أوردت ذَوُو البصائر وَإِنِّي أوصيهم / إِن أورثهم كَلَامي نوع استماله أَو فضلا لي عَلَيْهِم فَغير مستبدع فِي أَي مَا نوع فرض أَن يزل عَن أَصْحَابه مَا هُوَ أشبه بذلك النَّوْع فِي بعض الْأُصُول أَو الْفُرُوع أَو التطبيق للْبَعْض بِالْبَعْضِ مَتى كَانُوا المخترعين لَهُ وَإِنَّمَا يستبدع ذَلِك مِمَّن زجى عمره راتعا فِي مائدتهم تِلْكَ ثمَّ لم يقوا أَن يتَنَبَّه وعلماء هَذَا الْفَنّ وَقَلِيل مَا هم كَانُوا - فِي اختراعه واستخراج أُصُوله وتمهيد قواعدها وإحكام أَبْوَابهَا وفصولها وَالنَّظَر فِي تفاريعها واستقراء أمثلتها اللائقة بهَا وتلقطها من حَيْثُ يجب تلقطها وإتعاب الخاطر فِي التفتيش والتنقير عَن ملاقطها وَكَذَا النَّفس وَالروح فِي ركُوب المسالك المتوعرة إِلَى الظفر بهَا مَعَ تشعب هَذَا النَّوْع إِلَى شعب بَعْضهَا أدق من الْبَعْض وتفننها أفانين بَعْضهَا أغمض من بعض - كَمَا عَسى أَن يقرع سَمعك طرف من ذَاك فعلوا مَا وفت بِهِ الْقُوَّة البشرية إِذْ ذَاك ثمَّ وَقع فتورها مِنْهُم مَا هُوَ لَازم الفتور الْفَائِدَة التَّاسِعَة قد أشكل على بعض الباحثين قَول بعض أَرْبَاب هَذَا الْفَنّ يشْتَرط فِي رَاوِي الصَّحِيح أَن يكون تَامّ الضَّبْط مَعَ قَوْله بتفاوت دَرَجَات الصَّحِيح بِسَبَب تفَاوت دَرَجَات الْعَدَالَة والضبط فِي رُوَاته وَقَالَ إِن تَمام الضَّبْط لَا يتَصَوَّر فِيهِ تفَاوت

فَكيف يَصح أَن يُقَال إِن رُوَاة الصَّحِيح تَتَفَاوَت درجاتهم فِي الْعَدَالَة والضبط بِحَيْثُ يكون بَعضهم أدنى من بعض ف ذَلِك وَقد توهم أَنه إِذا قيل هَذَا الرَّاوِي أدنى من ذَاك الرَّاوِي فِي الضَّبْط لم يسغْ أَن يُقَال عَنهُ إِنَّه تَامّ الضَّبْط بل يُقَال عَنهُ حِينَئِذٍ سيء الْحِفْظ أَو ضعيفه وسيء الْحِفْظ أَو ضعيفه لَا يعد من رُوَاة الصَّحِيح وَطلب تَصْوِير هَذِه الْمَسْأَلَة من الْقَائِلين بهَا وَقد رَأينَا من الْحِكْمَة الْإِجَابَة إِلَى مَا طلب لإِزَالَة مَا نَشأ من كَلَامه من الشُّبْهَة الَّتِي علقت بأذهان كثير من الناظرين فِيهِ مَعَ أَن هَذِه الْمَسْأَلَة من أهم مسَائِل الْفَنّ وَهِي مِمَّا لَا رب فِيهِ عِنْد أربابه وَعند من أمعن النّظر فِيهَا كثيرا من غَيرهم وَلما فِي ذَلِك من زِيَادَة الْبَيَان - وَهِي مَطْلُوبَة فِي مثل ذَلِك - فَنَقُول لنفرض ان جمَاعَة من الراغبين فِي معرفَة أشعار من يستشهد بكلامهم من الشُّعَرَاء قصدُوا أحد أَئِمَّة أهل الْأَدَب البارعين فِي ذَلِك للأخذ عَنهُ فأجابهم إِلَى مَا طلبُوا مِنْهُ واعتنى بأمرهم وَصَارَ فِي كل يَوْم يروي لَهُم شَيْئا مِمَّا عِنْده ليحفظوه ثمَّ يختبرهم فِي كل مُدَّة وَلم يزل الْأَمر كَذَلِك حَتَّى أخذُوا عَنهُ نَحْو ألف بَيت فَأحب أَن يختبرهم اختبارا تَاما يعرف بِهِ درجاتهم فِي الْحِفْظ والإتقان ليجعلهم أقساما يلقى على كل قسم مِنْهُم مِقْدَار مَا يَقْتَضِيهِ استعداده رِعَايَة للحكمة وَكَانُوا سِتِّينَ فَنظر أَولا فِي ضعيفي الْحِفْظ فَرَأى فِي أَرْبَعَة وَعشْرين مِنْهُم ضعفا شَدِيدا فِي الْحِفْظ بِحَيْثُ إِنَّهُم كَانُوا يخلون فِي كل مئة بَيت بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ بَيْتا إِلَى نَحْو خمسين بَيْتا فَجعل هَؤُلَاءِ قسما وَاحِدًا ووسمهم فِي نَفسه بِسوء الْحِفْظ وَقلة الإتقان وَلم يهمه أَمر تقسيمهم إِلَى أَقسَام بل أهمه أَمر الْعِنَايَة بهم بِسوء الْحِفْظ وَقلة الإتقان وَلم يهمه أَمر تقسيمهم إِلَى أَقسَام بل أهمه أَمر الْعِنَايَة بهم إشفاقا عَلَيْهِم فَإِن قُوَّة العناة كثير مَا تجْعَل مثلهم من أهل الدِّرَايَة ثمَّ نظر فِي بَقِيَّتهمْ وهم سِتَّة وَثَلَاثُونَ فَرَآهُمْ ثَلَاثَة أَقسَام كل قسم مِنْهُم يبلغ اثْنَي عشر وهم متقاربون فِي أَمرهم فأمعن النّظر فِي أعرهم وَهُوَ الْقسم الأول

فَوَجَدَهُ يخل فِي كل مئة بَيت بِمَا دون الْعشْر إِلَّا أَن أَفْرَاده مُخْتَلفَة فِي ذَلِك فَمنهمْ من يخل مِنْهَا بِنَحْوِ / الثَّلَاثَة أَو الْأَرْبَعَة فَقَط وَمِنْهُم من يخل مِنْهَا بِنَحْوِ الْخَمْسَة والستة وَمِنْهُم من يخل مِنْهَا بالسبعة إِلَى التِّسْعَة فَتبين أَن هَذَا الْقسم وَهُوَ الدرجَة الْعليا فِي الْحِفْظ والإتقان يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاث دَرَجَات عليا وَهِي الَّتِي لَا تخل بِأَكْثَرَ من نَحْو أَرْبَعَة أَبْيَات فِي المئة ووسطى وَهِي الَّتِي لَا تخل بِأَكْثَرَ من نَحْو سِتَّة فِيهَا وَدُنْيا وَهِي الَّتِي تخل بِنَحْوِ السَّبْعَة وَالثَّمَانِيَة والتسعة وَبِهَذَا تعلم أَن من لَا يخل فِي المئة بِأَكْثَرَ من نَحْو أَرْبَعَة أَبْيَات يعد من أهل الدرجَة الْعليا من الدرجَة الْعليا فِي الْحِفْظ والإتقان وبينما اللبيب يكبر شَأْن أنَاس من الْعلمَاء الْأَعْلَام يكَاد الْوَاحِد مِنْهُم لَا يُخطئ فِي كل ألف مَسْأَلَة إِلَّا بِنَحْوِ عشر عشرهَا وَرُبمَا كَانَ مدرك الْخَطَأ فِيهَا خفِيا ويعجب مِمَّا أُوتُوا من فرط النباهة والذكاء إِذا بالغبي يزري بهم ويستعظم ذَلِك الْخَطَأ إِن كَانَ مِنْهُم وَذَلِكَ لعدم مَعْرفَته بِلُزُوم مُلَاحظَة النِّسْبَة وَأَن الْإِنْسَان لَا يَخْلُو من الْخَطَأ والسهو وَالنِّسْيَان ثمَّ أمعن النّظر فِي أوسطهم وَهُوَ الْقسم الثَّانِي فَوَجَدَهُ يخل فِي كل مئة بَيت بِمَا دون الْعشْرين وَلَا ينقص عَن الْعشْر ثمَّ أمعن النّظر فِي أَدْنَاهُم وَهُوَ الْقسم الثَّالِث فَوَجَدَهُ يخل فِي كل مئة بَيت بِمَا دون الثَّلَاثِينَ وَلَا ينقص عَن الْعشْرين ثمَّ فعل فِي هذَيْن الْقسمَيْنِ مثل مَا فعل فِي الْقسم الأول وَقد أوردنا هَذَا الْمِثَال على طَرِيق التَّقْرِيب وَمن فهم هَذَا الْمِثَال انحل عَنهُ الْإِشْكَال فِي هَذَا الْموضع وَفِي غَيره مِمَّا يشاكله قَالَ بعض الْمُحَقِّقين اعْلَم أَن مدَار الرِّوَايَة على عَدَالَة الرَّاوِي وَضَبطه فَإِن كَانَ مبرزا فيهمَا فَحَدِيثه صَحِيح وَإِن كَانَ دون المبرز فيهمَا أَو فِي أَحدهمَا لكنه عدل ضَابِط بِالْجُمْلَةِ فَحَدِيثه حسن ثمَّ الْعَدَالَة والضبط إِمَّا أَن يوجدا فِي الرَّاوِي أَو ينتفيا أَو يُوجد أَحدهمَا دون الآخر فَإِن وجدا فِي الرَّاوِي قبل حَدِيثه وَإِن انتفيا فِيهِ لم يقبل حَدِيثه

وَإِن وجدت فِيهِ الْعَدَالَة دون الضَّبْط لم يرد حَدِيثه لعدالته وَلم يقبل لعدم ضَبطه بل يتَوَقَّف فِيهِ إِلَّا أَن يظْهر مَا يُوجب رُجْحَان جَانب الرَّد فَيرد أَو رُجْحَان جَانب الْقبُول فَيقبل ومنن ذَلِك أَن يُوقف لَهُ على شَاهد يحصل بِهِ جبر الضعْف الَّذِي فِي راوية من جِهَة الضَّبْط وَإِن وجد فِيهِ الضَّبْط دون الْعَدَالَة لم يقبل حَدِيثه لِأَن الْعَدَالَة هِيَ الرُّكْن الْأَكْبَر فِي الرِّوَايَة ثمَّ كل وَاحِد من الْعَدَالَة والضبط لَهُ مَرَاتِب عليا ووسطى وَدُنْيا وَيحصل من تركيب بَعْضهَا مَعَ بعض مَرَاتِب للْحَدِيث مُخْتَلفَة فِي الْقُوَّة والضعف وَهنا أَمر مُهِمّ يعد عِنْد العارفين من أهل هَذَا الْفَنّ من قبيل المضنون بِهِ على غير أَهله وَهُوَ أَنه لَا يَنْبَغِي ترك الرِّوَايَة عَن الموسومين بِسوء الْحِفْظ وَقلة الإتقان كَمَا يتوهمه غير الْعَارِف بل فِي الرِّوَايَة عَنْهُم فَائِدَة عَظِيمَة عِنْد الجهابذة النقاد وَلذَلِك كَانُوا حريصين على ذَلِك وتتبين لَك الْفَائِدَة فِيمَا نَحن فِيهِ من أوجه أَحدهَا أَن نفرض أَن اثْنَيْنِ من الْقسم الأول وَهِي الدرجَة الْعليا فِي الْحِفْظ والإتقان اخْتلفَا فِي بَيت فَرَوَاهُ أَحدهمَا على وَجه وَالْآخر على وَجه آخر فَإِنَّهُ يعترينا حيرة فِي الْأَمر فَإِذا رَأينَا بعد ذَلِك أحدا مِمَّن شاركهما فِي الْأَخْذ عَن ذَلِك الإِمَام - وَإِن كَانَ موسوما بِسوء الْحِفْظ والإتقان - قد رَوَاهُ على الْوَجْه الَّذِي رَوَاهُ احدهما فَإِنَّهَا تترجح رِوَايَته على رِوَايَة الآخر فِي الْغَالِب وينسب الْمُنْفَرد بالرواية الْأُخْرَى للوهم فِي هَذَا الْموضع فقد أفادت رِوَايَة هَذَا الضَّعِيف تَقْوِيَة أحد القوتين على الآخر بل لَو فَرضنَا أَن أحد الراويين من الْقسم الأول وَهِي الدرجَة الْعليا وَالْآخر من الْقسم الثَّالِث وَهِي الدرجَة الدُّنْيَا ورأينا هَذَا / الرَّاوِي الضَّعِيف قد وَافَقت رِوَايَته نرجحها فِي الْغَالِب على الرِّوَايَة الَّتِي انْفَرد بهَا من كَانَ فِي الدرجَة الْعليا فَيكون من قبيل قَوْلهم وضعيفان يغلبان قَوِيا وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْغَالِب لِأَنَّهُ قد تقع مَوَانِع من ذَلِك وَلَا يُدْرِكهَا إِلَّا الجهابذة

الفائدة العاشرة

وَقَلِيل مَا هم فَيَنْبَغِي لغَيرهم أَن لَا يزاحموهم فِي هَذَا الْموضع فَإِنَّهُ من مزال الْأَقْدَام الْوَجْه الثَّانِي ان نفرض أَن وَاحِدًا من أحد الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الموصوفة بالضبط - وَإِن كَانَ مُخْتَلفَة الدَّرَجَات فِيهِ - قد روى قصيدة خَالِيَة من بَيت يرويهِ فِيهَا اثْنَان من الموصوفين بِعَدَمِ الضَّبْط على وَجه وَاحِد وَهُوَ مِمَّا يشاكل تِلْكَ القصيدة وَلَيْسَ فِي الأبيات الَّتِي تعزى لغَيْرهَا من القصائد فَإِن اتِّفَاق اثْنَيْنِ مِنْهُمَا إِذا كَانَ من غير تواطؤ يقوى صِحَة روايتهما على مَا فيهمَا من الضعْف وَيكون هَذَا مِمَّا حفظه الضعيفان ونسيه الْقوي وَلَو كَانَ من الدرجَة الأولى فِي الضَّبْط ومبنى هَذَا على أَن لَيْسَ كل مَا يرويهِ الْحَافِظ المتقن صَوَابا لاحْتِمَال ان يكون قد زل فِي بعض الْمَوَاضِع وَإِن كَانَ ذَلِك مِنْهُ قَلِيلا وَلَيْسَ كل مَا يرويهِ غير الْحَافِظ المتقن خطأ لإصابته فِي كثير من الْمَوَاضِع والعاقل اللبيب هُوَ الَّذِي يسْعَى لمعْرِفَة صَوَاب كل فريق ليَأْخُذ بِهِ وَقد بلغت البراعة بِبَعْض الجهابذة إِلَى أَن كَانُوا يعْرفُونَ صدق الرَّاوِي من كذبه وَلِهَذَا كَانَ بَعضهم يروي عَن بعض من يتهم بِالْكَذِبِ وَكَانَ ينْهَى النَّاس عَن الرِّوَايَة عَنهُ وَلما اسْتغْرب ذَلِك مِنْهُ وَقيل لَهُ أَنْت تروي عَنهُ قَالَ أَنا اعرف صدقه من كذبه اه إِلَّا أَن هَذَا أَمر لَا يَخْلُو عَن غرر وَرُبمَا كَانَ فِيهِ خطر الْوَجْه الثَّالِث أَن يروي كثير من غير أَرْبَاب الضَّبْط بَيْتا على وَجه وَاحِد لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَيَرْوِيه وَاحِد من الضابطين على غير ذَلِك الْوَجْه فَالظَّاهِر تَرْجِيح رِوَايَة الْكثير لِأَن عرُوض الْوَهم للْوَاحِد أَكثر من عروضه للعدد الْكثير لَا سِيمَا إِن كَانَ مَا رَوَوْهُ أرجح فِي الظَّاهِر عِنْد العارفين بذلك الْفَائِدَة الْعَاشِرَة قد ذكرنَا فِيمَا مضى حكم الرِّوَايَة عَمَّن وسم بسمة الدبعة إِلَّا أَنه لَيْسَ كَافِيا فِي مثل هَذِه الْمَسْأَلَة المهمة فَاقْتضى الْحَال زِيَادَة الْبَيَان فَنَقُول قَالَ الْحَافِظ

ابْن حجر فِي شرح نخبة الْفِكر الْبِدْعَة إِمَّا أَن تكون بمكفر كَأَن يعْتَقد مَا يسْتَلْزم الْكفْر أَو مفسق فَالْأول لَا يقبل صَاحبهَا الْجُمْهُور وَقيل يقبل مُطلقًا وَقيل إِن كَانَ لَا يعْتَقد حل الْكَذِب لنصرة مقَالَته قبل وَالتَّحْقِيق أَنه لَا يرد كل مكفر ببدعته لِأَن كل طَائِفَة تَدعِي أَن مخالفيها مبتدعة وَقد تبالغ فتكفر مخالفيها فَلَو أَخذ ذَلِك على الْإِطْلَاق لاستلزم تَكْفِير جَمِيع الطوائف فَالْمُعْتَمَد أَن الَّذِي ترد رِوَايَته من أنكر أمرا متواترا من الشَّرْع مَعْلُوما من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَكَذَا من اعْتقد عَكسه فَأَما من لم يكن بِهَذِهِ الصّفة وانضم إِلَى ذَلِك ضَبطه لما يرويهِ مَعَ ورعه وتقواه فَلَا مَانع من قبُوله وَالثَّانِي هُوَ من لَا تَقْتَضِي بدعته التَّكْفِير أصلا وَقد اخْتلف فِي قبُوله ورده فَقيل يرد مُطلقًا وَهُوَ بعيد وَأكْثر مَا علل بِهِ أَن فِي الرِّوَايَة عَنهُ ترويحا لأَمره وتنويها بِذكرِهِ وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يروي عَن مُبْتَدع شَيْء يُشَارِكهُ فِيهِ غير مُبْتَدع وَقيل يقبل مُطلقًا إِلَّا ان اعْتقد حل الْكَذِب كَمَا تقدم وَقيل يقبل من لم يكن دَاعِيَة إِلَى بدعته لِأَن تَزْيِين بدعته قد يحملهُ على تَحْرِيف الرِّوَايَات وتسويتها على مَا يَقْتَضِيهِ مذْهبه وَهَذَا فِي الْأَصَح وَأغْرب ابْن حبَان فَادّعى الِاتِّفَاق على قبُول غير الداعية من غير / تَفْصِيل إِلَّا أَن روى مَا يقوى بدعته فَيرد على الْمَذْهَب الْمُخْتَار وَبِه صرح الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الْجوزجَاني شيخ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي كِتَابه معرفَة الرِّجَال فَقَالَ فِي وصف الروَاة وَمِنْهُم زائغ عَن الْحق أَي عَن السّنة صَادِق اللهجة فَلَيْسَ فِيهِ حِيلَة إِلَّا ن يُؤْخَذ من حَدِيثه مَا لَا يكون مُنْكرا إِذا لم يقو بِهِ بدعته 1 هـ وَمَا قَالَه مُتَّجه لِأَن الْعلَّة الَّتِي لَهَا رد حَدِيث الداعية وارده فِيمَا إِذا كَانَ ظَاهر الْمَرْوِيّ يُوَافق مَذْهَب المبتدع وَلَو لم يكن دَاعِيَة وَالله اعْلَم 1 هـ

وَظَاهر هَذِه الْعبارَة يدل على قبُول رِوَايَة المبتدع إِذا كَانَ عدلا ضابطا سَوَاء كَانَ دَاعِيَة أَو غير دَاعِيَة إِلَّا فِيمَا يتَعَلَّق ببدعته وَقَالَ بعض الْعلمَاء لَا تقبل رِوَايَة المبتدع الَّذِي يكفر ببدعته وَأما الَّذِي لَا يكفر بهَا فقد اخْتلف الْعلمَاء فِي رِوَايَته فَمنهمْ من ردهَا مُطلقًا وَمِنْهُم من قبلهَا مُطلقًا إِذا لم يكن مِمَّن يسْتَحل الْكَذِب فِي نصْرَة مذْهبه أَو لأهل مذْهبه سَوَاء كَانَ دَاعِيَة إِلَى بدعته أَو غير دَاعِيَة وَمِنْهُم من قَالَ تقبل إِذا لم يكن دَاعِيَة إِلَى بدعته وَلَا تقبل إِذا كَانَ دَاعِيَة إِلَيْهَا وَهَذَا مَذْهَب كثيرين من الْعلمَاء أَو أَكْثَرهم وَالْقَوْل برد روايتهم مُطلقًا ضَعِيف جدا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من كتب أَئِمَّة الحَدِيث الِاحْتِجَاج بِكَثِير من المبتدعة غير الدعاة وَلم يزل السّلف وَالْخلف على قبُول الرِّوَايَة مِنْهُم والاحتجاج بهَا وَالسَّمَاع مِنْهُم وإسماعهم من غير إِنْكَار مِنْهُم قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ وَقد احْتج الشَّيْخَانِ بالدعاة أَيْضا وَقد وَقع لِأُنَاس مِمَّن يفرقون بَين الداعية وَغَيره حيرة فِي ذَلِك وَقد أَشَارَ إِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة الْحَافِظ ابْن حزم فِي مَبْحَث الْإِجْمَاع فِي فصل أفرده لحكم أهل الْأَهْوَاء وَقد أحببنا إِيرَاد نبذ مِنْهُ هُنَا قَالَ فصل فِي أهل الْأَهْوَاء هَل يدْخلُونَ فِي الْإِجْمَاع أم لَا قَالَ قوم لَا يدْخلُونَ فِي جملَة من يعْتد بقوله وَقَالَت طَائِفَة هم داخلون فِي جُمْلَتهمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَالَّذين قَالُوا لَا يدْخلُونَ فِي جُمْلَتهمْ قد تناقضوا فأدخلوا فِي مسَائِل الْخلاف قَول قَتَادَة وَهُوَ قدري مَشْهُور وأدخلوا الْحسن بن عَليّ وَهُوَ رَأس من رُؤُوس الزيدية وأدخلوا

عِكْرِمَة وَهُوَ صفري وأدخلوا جَابر بن زيد وَهُوَ إباضي ق وَالَّذِي نقُول بِهِ وَالله تَعَالَى التَّوْفِيق إِن إِجْمَاع الْأمة كلهَا بِلَا خلاف مِنْهَا على الاعتداء بِمن ذكرنَا فِي الْخلاف وَالْإِجْمَاع برهَان ضَرُورِيّ كَاف فِي فَسَاد قَول من قَالَ لَا يدْخلُونَ فِي الْإِجْمَاع وَبَيَان لتناقضهم قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد فرق جَمَاهِير أسلافنا من أَصْحَاب الحَدِيث بَين الداعية من أهل الْأَهْوَاء وَغير الداعية فَقَالُوا إِن الداعية مطرح وَغير الداعية مَقْبُول وَهَذَا قَول فِي غَايَة الْفساد لِأَنَّهُ تحكم بِغَيْر دَلِيل ق وَلِأَن الداعية أولى بِالْخَيرِ وَحسن الظَّن لِأَنَّهُ ينصر مَا يعْتَقد أَنه حق عِنْده وَغير الداعية كاتم للَّذي يعْتَقد أَنه حق وَهَذَا لَا يجوز لِأَنَّهُ مقدم على كتمان الْحق أَو يكون مُعْتَقدًا لشَيْء لم يتَيَقَّن أَنه حق فَذَلِك أَسْوَأ وأقبح ق فَسقط الْفرق الْمَذْكُور وَصَحَّ أَن الداعية وَغير الداعية سَوَاء ق وكل من لم يكن مرتكبا لشَيْء مِمَّا أوجع على تَحْرِيمه وَلم يكن مَعَ ذَلِك مقدما على مَا يَعْتَقِدهُ حَرَامًا وَإِن كَانَ مِمَّا اخْتلف فِيهِ وَكَانَ معنيا بِأَحْكَام الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْإِجْمَاع وَالِاخْتِلَاف فَهُوَ مِمَّن يعْتد بقوله فِي الْخلاف مَا لم يُفَارق مَا قد صَحَّ فِيهِ الْإِجْمَاع وَسَوَاء كَانَ مرجئا أَو قدريا أَو شِيعِيًّا أَو إباضيا أَو صفريا أَو سنيا صَاحب / رَأْي أَو قِيَاس أَو صَاحب حَدِيث وكل من كَانَ فَاسِقًا سَوَاء كَانَ منا أَو من مخالفينا لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَإِن كَانَ عَالما وَكَانَ قد نفر ليتفقه لِأَنَّهُ من الْفُسَّاق الَّذين أمرنَا أَن نتثبت فِي خبرهم

وكل من كَانَ فَاضلا مُسلما سَوَاء كَانَ منا أَو من غَيرنَا من الْفرق إِلَّا أَنه لم ينفر ليتفقه فِي الدّين وَلَيْسَ عَالما بِالْكتاب والْحَدِيث وَالْإِجْمَاع وَالِاخْتِلَاف لكنه مشتغل إِمَّا بِعبَادة أَو بِعلم من الْعُلُوم المحمودة كَالْكَلَامِ فِي أصُول الاعتقادات أَو القراآت أَو النَّحْو أَو اللُّغَة أَو رِوَايَة الحَدِيث فَقَط دون تفقه فِي أَحْكَامه أَو التواريخ أَو الأخيار أَو الشّعْر أَو النّسَب أَو الطِّبّ أَو الْحساب أَو الهندسة أَو الفلسفة أَو علم الْهَيْئَة أَو كَانَ مَشْغُولًا بِمَا أبيج لَهُ من أُمُور دُنْيَاهُ ومكاسبه فَلَيْسَ يعْتد بِهِ فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي الشَّرِيعَة لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّن أمرنَا بِقبُول نذارته فِي الْأَحْكَام والعبادات لكنه محسن فِيمَا عني بِهِ من الْعُلُوم الْمَذْكُورَة وَيلْزم أَن يرجع إِلَى نَقله فِي ذَلِك الْعلم الَّذِي عني بِهِ أَو الْعُلُوم الَّتِي عني بهَا إِن كَانَ جَامعا لعلوم شَتَّى فيحتج بنقله فِيمَا اعْترض فِي خلال أَحْكَام الْفِقْه من لُغَة أَو نَحْو أَو حكم فِي عيب أَو جِنَايَة أَو حِسَاب دُخُول شهر أَو مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ من الاعتقادات وَفِي الْقِسْمَة للمواريث والغنائم وَبَين الشُّرَكَاء وَفِي تَعْدِيل الروَاة وتخريجهم وَفِي أزمان الروَاة ولقاء بَعضهم بَعْضًا وَالرّق بَين أسمائهم وأنسابهم المفرقة بَين أشخاصهم وَإِذا أَقَامَ الدَّلِيل من أصُول علمه على صِحَة قَوْله قبل وَلَا فرق فِي كل ذَلِك بَين كل من كَانَ من أهل نحلتنا وَبَين من كَانَ مُخَالفا لنا مَا لم يخرج من قبَّة الْإِسْلَام وَعَن حَظِيرَة الْإِيمَان وَلم يسْتَحق عِنْد جَمِيع عُلَمَائِنَا الْكفْر وَقد بَينا من يكفر وَمن لَا يكفر فِي كتَابنَا الموسوم بِكِتَاب الْفَصْل لِأَنَّهُ أملك بِهَذَا الْمَعْنى وَللَّه الْحَمد ولعلماء الْأُصُول من الْمُتَكَلِّمين هُنَا قَول مستغرب عِنْد غَيرهم ق ذكره الإِمَام الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى حَيْثُ قَالَ المبتدع إِذا خَالف لم ينْعَقد الْإِجْمَاع دونه إِذا لم يكفر بل هُوَ كمجتهد فَاسق وَخلاف الْمُجْتَهد الْفَاسِق مُعْتَبر

فَإِن قيل لَعَلَّه يكذب فِي إِظْهَار الْخلاف وَهُوَ لَا يَعْتَقِدهُ قُلْنَا لَعَلَّه يصدق وَلَا بُد من مُوَافَقَته كَيفَ وَقد نعلم اعْتِقَاد الْفَاسِق بقرائن أَحْوَاله فِي مناظراته واستدلالاته والمبتدع ثِقَة يقبل قَوْله فَإِنَّهُ لَيْسَ يدْرِي أَنه فَاسق أما إِذا كفر ببدعته فَعِنْدَ ذَلِك لَا يعْتَبر خِلَافه وَإِن كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْقبْلَة ويعتقد نَفسه مُسلما لِأَن الْأمة لَيست عبارَة عَن الْمُصَلِّين إِلَى الْقبْلَة بل عَن الْمُؤمنِينَ وَهُوَ كَافِر وَإِن كَانَ لَا يدْرِي أَنه كَافِر نعم لَو قَالَ بالتشبيه والتجسيم وكفرناه فَلَا يسْتَدلّ على بطلَان مذْهبه بِإِجْمَاع مخالفيه على بطلَان التجسيم مصيرا إِلَى أَنهم كل الْأمة دونه لِأَن كَونهم كل الْأمة مَوْقُوف على إِخْرَاج هَذَا من الْأمة والإخراج من الْأمة مَوْقُوف على دَلِيل التَّكْفِير فَلَا يجوز أَن يكون دَلِيل تكفيره مَا هُوَ مَوْقُوف على تكفيره فَيُؤَدِّي إِلَى إِثْبَات الشَّيْء بِنَفسِهِ نعم بعد أَن كفرناه بِدَلِيل عَقْلِي لَو خَالف فِي مَسْأَلَة أُخْرَى لم يلْتَفت إِلَيْهِ فَلَو تَابَ وَهُوَ مصر على الْمُخَالفَة فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة الَّتِي أَجمعُوا عَلَيْهَا فِي حَال كفره فَلَا يلْتَفت إِلَى خِلَافه بعد الإسم لِأَنَّهُ مَسْبُوق بِإِجْمَاع كل الْأمة وَكَانَ المجمعون فِي ذَلِك الْوَقْت كل الْأمة دونه فَصَارَ كَمَا لَو خَالف كَافِر كَافَّة الْأمة ثمَّ أسلم وَهُوَ مصر على ذَلِك الْخلاف فَإِن ذَلِك لَا يلْتَفت إِلَيْهِ / إِلَّا على قَول من يشْتَرط انْقِرَاض الْعَصْر فِي الْإِجْمَاع فَإِن قيل لَو ترك بعض الْفُقَهَاء الْإِجْمَاع بِخِلَاف المبتدع الْمُكَفّر إِذا لم يعلم أَن بدعته توجل الْكفْر وَظن أَن الْإِجْمَاع لَا ينْعَقد دونه فَهَل يعْذر من حَيْثُ أَن الْفُقَهَاء لَا يطلعون على معرفَة مَا يكفر بِهِ من التأويلات قُلْنَا للمسألة صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يَقُول الْفُقَهَاء نَحن لَا نَدْرِي أَن بدعته توجب الْكفْر أم لَا فَفِي هَذِه الصُّورَة لَا يعذرُونَ فِيهِ إِذْ يلْزمهُم مُرَاجعَة عُلَمَاء الْأُصُول وَيجب على الْعلمَاء تعريفهم فَإِذا أفتوا بِكُفْرِهِ فَعَلَيْهِم التَّقْلِيد فَإِن لم يقنعهم التَّقْلِيد فَعَلَيْهِم السُّؤَال عَن الدَّلِيل حَتَّى إِذا ذكر لَهُم دَلِيله قَاطع فَإِن لم يُدْرِكهُ فَلَا

الفائدة الحادية عشرة

يكون مَعْذُورًا كمن لَا يدْرك دَلِيل صدق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ لَا عذر مَعَ نصب الله تَعَالَى الْأَدِلَّة القاطعة الصُّورَة الثَّانِيَة أَن لَا يكون قد بلغته بدعته وعقيدته فَترك الْإِجْمَاع لمُخَالفَته فَهُوَ مَعْذُور فِي خطئه وَغير مؤاخذ بِهِ وَكَأن الْإِجْمَاع لم ينتهض فِي حَقه كَمَا إِذا لم يبلغهُ الدَّلِيل النَّاسِخ لِأَنَّهُ غير مَنْسُوب إِلَى تَقْصِير بِخِلَاف الصُّورَة الأولى فَإِنَّهُ قَادر على الْمُرَاجَعَة والبحث فَلَا عذر لَهُ فِي تَركه ثمَّ ذكر أَن للمرء طَرِيقا لمعْرِفَة مَا يكفر بِهِ غير أَن الْخطب فِي ذَلِك طَوِيل وَأَنه قد أَشَارَ إِلَى شَيْء مِنْهُ فِي كِتَابه فيصل التَّفْرِقَة بَين الْإِسْلَام والزندقة الْفَائِدَة الْحَادِيَة عشرَة الْقُرْآن هُوَ الإِمَام الْمُبين الَّذِي لَا تنزل بِأحد فِي الدّين نازلة إِلَّا وَفِيه الدَّلِيل على سَبِيل الْهدى فِيهِ قَالَ تَعَالَى {مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء} وَقَالَ تَعَالَى {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم ولعلهم يتفكرون} قَالَ بعض الْأَئِمَّة جَمِيع مَا حكم بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ مِمَّا فهمه من الْقُرْآن وَقَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول مَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شَيْء فَهُوَ فِي الْقُرْآن أَو فِيهِ أَصله قرب أَو بعد فهمه من فهمه وَعَمه عَنهُ من عَمه وَكَذَا كل مَا حكم بِهِ أَو قضي بِهِ وَإِنَّمَا يدْرك الطَّالِب من ذَلِك بِقدر اجْتِهَاده وبذل وَسعه وَمِقْدَار فهمه وَقَالَ سعيد بن جُبَير مَا بَلغنِي حَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على وَجهه إِلَّا وجدت مصداقة فِي كتاب الله

وَقد اتّفقت الْفرق المتتمية إِلَى الْإِسْلَام على وجوب الْأَخْذ بِالْكتاب وَالسّنة وَنقل عَن الْخَوَارِج أَنهم لَا يَأْخُذُونَ من السّنة بِمَا يكون مُخَالفا مَا لظَاهِر الْقُرْآن كَأَن يكون فِيهَا تَخْصِيص لما فِيهِ من الْعُمُوم وَنَحْو ذَلِك وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْهَا بِمَا كَانَ فِيهِ بَيَان لما أجمل فِي الْقُرْآن وَذَلِكَ كأوقات الصَّلَاة وَعدد ركعاتها وَنَحْو ذَلِك وَقد توقف بعض الْمُحَقِّقين فِي هَذَا النَّقْل حَيْثُ أَن الموردين لَهُ لم يذكرُوا أَنهم نقلوه من كتبهمْ على أَن الْفرق كلهَا قَلما يطمأن لما يَنْقُلهُ بَعضهم عَن بعض لِأَن كثيرا مِنْهُم قد يغلب عَلَيْهِ التعصب فَلَا ينْقل مَذْهَب الْمُخَالفين لَهُ على وَجهه بل رُبمَا كَانَ جلّ قَصده إِظْهَار الْفرق بَين الْفرق وَلَو كَانَ بِأَمْر مُخْتَلف وَلذَا قل الاطمئنان لى كثير مِمَّا يذكر فِي كتب الْملَل والنحل حَتَّى إِن بعض من ألفوا فِيهَا مَعَ كَونهم فِي أنفسهم ثِقَات لما اعتمدوا فِي بعض الْمَوَاضِع على مَا نَقله غَيرهم مِمَّن كَانَ من أهل التعصب وَلم يشعروا بحالهم وَقع فِي كَلَامهم هُنَاكَ زلل فَيَنْبَغِي الانتباه لمثل هَذَا الْأَمر وَكَيف يتَوَقَّف عَن الْأَخْذ بِسنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُطلقًا من يَأْخُذ بِالْكتاب / الْمنزل عَلَيْهِ وَهُوَ يَتْلُو مَا فِيهِ من الْآيَات الدَّالَّة على وجوب اتِّبَاعه قَالَ الله تَعَالَى {والنجم إِذا هوى مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} وَقَالَ تَعَالَى {من يطع الرَّسُول فقد أطَاع الله} وَقَالَ عز وَجل (فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا) والآيات فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة وَهِي صَرِيحَة ظَاهِرَة الدّلَالَة وَمن ثمَّ ترى كل فرقة تَدعِي أَنَّهَا آخذة بِالْكتاب وَالسّنة وَأَشد الْفرق ادِّعَاء

لذَلِك الظاهرون غير أَنهم لم يقتصروا على ذَلِك بل نسبوا غَيرهم من الْفرق إِلَى الْإِعْرَاض عَن السّنة حَتَّى لم ينج مِنْهُم كثير مِمَّن يرجع إِلَيْهِ فِي علم الحَدِيث وَأَكْثرُوا من التشنيع وَأعظم الْأَسْبَاب قَول مخالفيهم بِالْقِيَاسِ وهم ينكرونه إنكارا شَدِيدا وَأَشد الْقَوْم إفراطا فِي ذمّ الْمُخَالفين لَهُم ابْن حزم فَإِن لَهُ فيهم أقوالا تستك مِنْهَا المسامع وَقد امتعض من ذَلِك من ذَلِك مخالفوهم فوصفوهم بالجمود وجعلوهم فِي بَاب الْإِجْمَاع بِمَنْزِلَة الْعَوام الَّذين لَا يعْتد بخرفهم حَتَّى إِن بَعضهم لم يسْتَثْن من ذَلِك من ينْسب إِلَيْهِ هَذَا الْمَذْهَب وَهُوَ الإِمَام الْمَشْهُور أَبُو سُلَيْمَان دَاوُد بن عَليّ الْأَصْفَهَانِي الْمَعْرُوف بالظاهري قَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول لَا يعْتد بِخِلَاف من أنكر الْقيَاس لِأَن من أنكرهُ لَا يعرف طرق الِاجْتِهَاد وَإِنَّمَا هُوَ ممتسك بالظواهر فَهُوَ كالعامي الَّذِي لَا معرفَة لَهُ وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء إِن مُخَالفَة دَاوُد لَا تقدح فِي انْعِقَاد الْإِجْمَاع على الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ والمحققون وَقَالَ صَاحب الْمُفْهم قَالَ جلّ الْفُقَهَاء والأصوليين إِنَّه لَا يعْتد بخلافهم بل هم جملَة الْعَوام وَإِن من اعْتد بهم فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَن مذْهبه يعْتَبر خلاف الْعَوام فِي انْعِقَاد الْإِجْمَاع وَالْحق خِلَافه وَقد استنكر بعض أهل الْأُصُول القَوْل بِعَدَمِ الِاعْتِدَاد بقول دَاوُد فِي الْإِجْمَاع مَعَ أَنه كَانَ فِي الدرجَة الْعليا فِي سَعَة الْعلم وسداد النّظر وَمَعْرِفَة أَقْوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْقُدْرَة على الاستنباط مَعَ الزّهْد والورع وَقد دونت كتبه وَكَثُرت أَتْبَاعه وَقد بلغ مَا أَلفه ثَمَانِيَة عشر ألف ورقة وَكَانَ مولده بِالْكُوفَةِ ومنشأه بِبَغْدَاد وَبهَا توفّي سنة 270 وَقد تصدى ابْن حزم لبَيَان من يعْذر فِي الْخَطَأ فِي هَذَا الْموضع وَمن لَا يعْذر وَقد أحببنا أَن نورد نبذا مِمَّا ذكره ليطلع عَلَيْهِ من يُرِيد الْوَقْف على رَأْيه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة المهعمة وَهَا هُوَ ذَلِك

قَالَ فِي الْبَاب الموفي أَرْبَعِينَ من كتاب الإحكام لأصول الْأَحْكَام وَهُوَ آخر الْكتاب إِن أَحْكَام الشَّرِيعَة كلهَا قد بَينهَا الله تَعَالَى بِلَا خلاف فَهِيَ كلهَا مَضْمُونَة الْوُجُود لعامة الْعلمَاء وَإِن تعذر وجود بَعْضهَا على بعض النَّاس فمحال أَن يتَعَذَّر وجوده على كلهم لِأَن الله لَا يكلفنا مَا لَيْسَ فِي وسعنا قَالَ تَعَالَى {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وتكليف إِصَابَة مَا لَا سَبِيل إِلَى وجود حرج وَقد اتّفق الْعلمَاء على أَن الْقُرْآن وَالسّنَن مَوَاضِع لوُجُود أَحْكَام النَّوَازِل ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت طَائِفَة لَا مَوضِع آلبته لطلب حكم النَّوَازِل من الشَّرِيعَة وَلَا لوُجُوده غير ذَلِك وَقَالَ آخَرُونَ بل هَا هُنَا مَوَاضِع أخر يطْلب فِيهَا حكم النَّازِلَة وَهِي دَلِيل الْخطاب وَالْقِيَاس وَقَول أَكثر / الْعلمَاء وَعمل أهل الْمَدِينَة وَغير ذَلِك مِمَّا شرحناه وَبينا حكمه فِيمَا سلف من كتَابنَا هَذَا وَقد كَانَت فِي ذَلِك أَقْوَال لقوم من أهل الْكَلَام قد درست مثل قَول بَعضهم الْوَاجِب أَن يُقَال بِأول مَا يَقع فِي النَّفس فِي أول الْفِكر وَقَول بَعضهم الْوَاجِب أَن يُقَال بالأثقل لِأَنَّهُ خلاف الْهوى وَقَول بَعضهم الْوَاجِب أَن يُقَال بالأخف لقَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} وَهَذِه أَقْوَال فَاسِدَة يُعَارض بَعْضهَا بَعْضًا وكل مَا ألزمنا الله فَهُوَ يسر وَإِن ثقل علينا وكل شَرِيعَة نكلف بهَا فَهِيَ خلاف الْهوى لِأَن تَركهَا كَانَ مُوَافقا للهوى وَمَا يَقع فِي أَوَائِل الْفِكر قد يكون من قبيل الوسواس فَلَا لَازم لنا إِلَّا مَا ألزمنا الله تَعَالَى سَوَاء وَقع فِي النَّفس أَو لم يَقع وساء كَانَ أخف أَو أثقل وَقد أوضحنا فِيمَا سلف الْبَرَاهِين الضرورية على ان الْحق لَا يكون فِي قَوْلَيْنِ مُخْتَلفين فِي حكم وَاحِد فِي وَقت وَاحِد فِي إِنْسَان وَاحِد فِي وَجه وَاحِد ونتوقف

فِيمَا لم يقم على حكمه عندنَا دَلِيل وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصّفة فَلَا تحل الْفتيا فِيهِ لمن لم يلح لَهُ وَجهه وَلَا شكّ أَن عِنْد غَيرنَا بَيَان مَا جهلناه كَمَا ان عندنَا بَيَان كثير مِمَّا جَهله غَيرنَا وَلم يعر بشر من نقص أَو نِسْيَان أَو غَفلَة وَإِذا قَامَ الْبُرْهَان عِنْد الْمَرْء على صِحَة قَول مَا قيَاما صَحِيحا فحقه التدين بِهِ والفتيا بِهِ وَالْعَمَل بِهِ وَالدُّعَاء إِلَيْهِ وَالْقطع بِأَنَّهُ الْحق عِنْد الله عز وَجل وَلَيْسَ من هَذَا الحكم بِشَهَادَة العدلين وهما قد يكونَانِ فِي بَاطِن أَمرهمَا عِنْد الله كاذبين أَو مغفلين إِذْ لم يكلفنا الله تَعَالَى معرفَة بَاطِن مَا سهدا بِهِ لَكِن كلفنا الحكم بِشَهَادَتِهِمَا وَقد علمنَا أَنه لَا يُمكن أَن يخفى الْحق فِي الدّين على جَمِيع الْمُسلمين بل لَا بُد أَن يَقع طَائِفَة من الْعلمَاء على صِحَة حكمه بِيَقِين لما قدمنَا من أَن الدّين مَضْمُون بَيَانه وَرفع الْإِشْكَال عَنهُ بقول الله تَعَالَى {تبيانا لكل شَيْء} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} وَلَكِن قد قَالَ الله تَعَالَى (وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ وَلَكِن مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ) فصح بِالنَّصِّ أَن الْخَطَأ مَرْفُوع عَنَّا فَمن حكم بقول وَلم يعرف أَنه خطأ وَهُوَ عِنْد الله تَعَالَى خطأ فقد أَخطَأ وَلم يتَعَمَّد الحكم بِمَا يدْرِي أَنه خطأ فَهَذَا لَا جنَاح عَلَيْهِ فِي ذَلِك عِنْد الله تَعَالَى {تبيانا لكل شَيْء} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى [لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم) وَلَكِن قد قَالَ الله تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ وَلَكِن مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ} فصح بِالنَّصِّ أَن الْخَطَأ مَرْفُوع عَنَّا فَمن حكم بقول وَلم يعرف أَنه خطأ وَهُوَ عِنْد الله تَعَالَى خطأ فقد أَخطَأ وَلم يتَعَمَّد الحكم بِمَا يدْرِي أَنه خطأ فَهَذَا لَا جنَاح عَلَيْهِ فِي ذَلِك عِنْد الله تَعَالَى وَهَذِه الْآيَة عُمُوم دخل فِيهِ الْمفْتُون والحكام والعاملون والمعتقدون فارتفع الْجنَاح عَن هَؤُلَاءِ بِنَصّ الْقُرْآن فِيمَا قَالُوهُ أَو علمُوا بِهِ مِمَّا هم مخطئون فِيهِ وَصَحَّ أَن الْجنَاح إِنَّمَا هُوَ على من تعمد بِقَلْبِه الْفتيا أَو التدين أَو الحكم أَو الْعَمَل بِمَا يدْرِي أَنه لَيْسَ حَقًا أَو بِمَا لم يقدره إِلَيْهِ دَلِيل أصلا وَمن جَاءَهُ من ربه الْهدى وَهُوَ الْبُرْهَان الْحق فَلَا يحل لَهُ تَركه وَاتِّبَاع مَا هويت نَفسه وَظن أَنه الْحق وَسَوَاء فِي هَذَا الْمقَام عَلَيْهِ الْبُرْهَان فِي فتياه أَو فِي معتقده فِي

اعتزاله أَو تشيعه أَو إرجائه أَو شرايته وَمن جوز الشَّك فِي الْبُرْهَان وَتَمَادَى على مُخَالفَته وَقطع بظنه فِي أَنه لَعَلَّ هُنَا برهانا آخر يبطل هَذَا الْبُرْهَان الَّذِي أقيم عَلَيْهِ فَهَذَا مُبْطل للحقائق كلهَا وَقَوله يَقُود إِلَى ان لَا يُحَقّق شَيْئا من الشَّرَائِع إِلَّا بِالظَّنِّ فَقَط وَأما من اعْتقد قولا اتبَاعا لمن نَشأ بَينهم فَهُوَ مَذْمُوم صَادف الْحق أَو لم يصادفه لِأَنَّهُ لم يَقْصِدهُ من حَيْثُ أَمر من اتِّبَاع النُّصُوص وَمن قَالَ إِن هَذِه الْآيَة أَو الْخَبَر قد نسخهما الله عز وَجل أَو خصهما أَو خص مِنْهُمَا أَو لم يلْزمنَا أَو أَرَادَ بهما غير مَا يفهم مِنْهُمَا وَلم يَأْتِ على دَعْوَاهُ بِنَصّ صَحِيح فقد قَالَ على الله مَا لم يعلم وَلَيْسَ هُوَ كمن تعلق بِنَصّ لم يبلغهُ ناسخة وَلَا مَا خصّه وَلَا مَا زيد / بِهِ عَلَيْهِ لِأَن هَذَا قد أحسن وَلزِمَ مَا بلغه وَلَيْسَ عَلَيْهِ غير ذَلِك حَتَّى يبلغهُ خِلَافه من نَص آخر فَمن لم يتَعَلَّق بِشَيْء أصلا بل تحكم فِي الدّين فَهُوَ على خطر عَظِيم جدا وَمن قَالَ بِهَذَا مِمَّن نشاهده وهلا سَاهِيا غير عَارِف بِمَا اقتحم فِيهِ من الدَّعْوَى فَهُوَ مَعْذُور بجهله مَا لم يُنَبه على خطئه فَإِن نبه عَلَيْهِ فَثَبت على خلاف مَا بلغه عَامِدًا فَهَذَا غير مَعْذُور لِأَنَّهُ خَالف الْحق بعد بُلُوغه إِلَيْهِ وَأما من رُوِيَ عَنهُ شَيْء من ذَلِك مِمَّن سلف مِمَّن كَانَ أَن يظنّ بِهِ أَنه سمع فِي ذَلِك نصا لَهُ فِيهِ وَهُوَ مِمَّن يظنّ بِهِ أحسن الظَّن فَهُوَ مَعْذُور وَلَا يَقِين عندنَا أَنه تحكم فِي الدّين بِلَا شُبْهَة دخلت عَلَيْهِ وَأما من شَاهَدْنَاهُ أَو لم نشاهده مِمَّن صَحَّ عندنَا يَقِين حَاله فَنحْن على يَقِين أَنه لَيْسَ عِنْده فِي ذَلِك أَكثر من الدَّعْوَى وَالْقَوْل على الله تَعَالَى بِمَا لَا يعلم وَمن ادّعى فِي حَدِيث صَحِيح قد أقرّ بِصِحَّتِهِ أَو بِصِحَّة مثله فِي إِسْنَاده نسخا أَو تَخْصِيصًا أَو تَخْصِيصًا مِنْهُ أَو ندبا فَكَمَا قُلْنَا فِي مدعي ذَلِك فِي الْآيَات وَلَا فرق وَمن تعلق بقول لم يجد فِيهِ مُخَالفا وَلم يقطع بِأَنَّهُ إِجْمَاع فَهَذَا إِن ترك لذَلِك

عُمُوم نَص صَحِيح أَو خُصُوص نَص صَحِيح فمعذور مأجور مرّة وَإِن خطأ مَا لم يُوقف على ذَلِك النَّص فَإِن وقف عَلَيْهِ فتمادى على خِلَافه فَهُوَ مِمَّن تَمَادى على مُخَالفَة أَمر الله تَعَالَى وَمن تعلق بِدَلِيل الْحطاب أَو الْقيَاس فَهُوَ مخطيء يَقِينا إِلَّا انه مَعْذُور مأجور مرّة مَا لم تقم الْحجَّة عَلَيْهِ فِي بطلانهما وَمن تعلق بِالرَّأْيِ فَظن أَنه مُصِيب فِي ذَلِك فَهُوَ مَعْذُور مأجور مرّة إِلَّا أَن تقوم عَلَيْهِ الْحجَّة بِبُطْلَانِهِ فَإِن قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة بِبُطْلَانِهِ فَثَبت على القَوْل بِهِ فَهُوَ مِمَّن يحكم فِي الدّين بِمَا لم يَأْذَن بِهِ الله تَعَالَى وَالْحكم بِالرَّأْيِ أَضْعَف من كل مَا تقدم وَقد تعلق الْقَائِلُونَ بِهِ بِالْحَدِيثِ الْمَنْسُوب إِلَى معَاذ وَهُوَ حَدِيث واه سَاقِط وَأما الْوُجُوه الَّتِي لَا نقطع فِيهَا بخطأ مخالفنا بل نقُول نَحن على الْحق عِنْد أَنْفُسنَا ومخالفنا عندنَا مخطيء مأجور فَثَلَاثَة الْوَجْه الأول وَهُوَ أدق ذَلِك وأغمضه ان ترد آيتان عامتان أَو حديثان صَحِيحَانِ عامان أَو آيَة عَامَّة وَحَدِيث صَحِيح عَام وَفِي كل وَاحِدَة من الْآيَتَيْنِ أَو فِي كل وَاحِد من الْحَدِيثين أَو فِي كل وَاحِد من الْآيَة والْحَدِيث تَخْصِيص لبَعض مَا فِي عُمُوم النَّص الآخر مِنْهُمَا وَذَلِكَ كَقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِأم الْقُرْآن مَعَ قَوْله وَقد ذكر الإِمَام وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا الْوَجْه الثَّانِي أَن يرد حديثان صَحِيحَانِ متعارضان أَو آيتان متعارضتان أَو آيَة مُعَارضَة لحَدِيث صَحِيح تَعَارضا متقاوما فِي أحد النصين منع وَفِي الثَّانِي إِيجَاب فِي ذَلِك الشَّيْء بِعَيْنِه لَا زِيَادَة فِي أحد النصين منع وَفِي الثَّانِي إِيجَاب فِي ذَلِك الشَّيْء بِعَيْنِه لَا زِيَادَة فِي أحد النصين على الآخر وَلَا بَيَان فِي أَيهمَا

النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ كالنص الْوَارِد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرب قَائِما وَالنَّص الْوَارِد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى عَن الشّرْب قَائِما فَإِن من ترك الْخَبَرَيْنِ مَعًا وَرجع إِلَى الأَصْل الَّذِي كَانَ يجب لَو لم يرد ذَلِك الخبران أَو رجح أحد الْخَبَرَيْنِ على الْمعَارض لَهُ بِكَثْرَة رُوَاته أَو بِأَنَّهُ رَوَاهُ من هُوَ أعدل مِمَّن روى الآخر وأحفظ وَمَا أشبه هَذَا من وُجُوه الترجيحات الَّتِي أوردناها فِي بَاب الْكَلَام فِي الْأَخْبَار / من ديواننا هَذَا وَبَيَان وُجُوه الصَّوَاب مِنْهَا من الْخَطَأ فَإِن هَذَا أَيْضا مَكَان يخفى بَيَان الْخَطَأ فِيهِ جدا وَأما نَحن فَنَقُول بِالْأَخْذِ بِالزَّائِدِ شرعا إِلَّا أننا نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن من مَال إِلَى أحد هَذِه الْوُجُوه فِي مَكَان م تَركه فِي مثل ذَلِك الْمَكَان واخذ بِالْوَجْهِ الآخر مُقَلدًا أَو مستحسنا فَمَا دَامَ لم يُوقف على تناقضه وَفَسَاد حكمه فمعذور مأجور حَتَّى إِذا وقف على ذَلِك فتمادى فَهُوَ مُتبع لهواه الْوَجْه الثَّالِث ان يتَعَلَّق بِحَدِيث ضَعِيف لم يتَبَيَّن لَهُ ضعفه أَو بِحَدِيث مُرْسل أَو ادّعى تجريحا فِي رَاوِي حَدِيث صَحِيح إِمَّا بتدليس أَو نَحوه أَو ادّعى أَن النَّاقِل أَخطَأ فِيهِ فَمن اعْتقد صِحَة مَا ذكر من ذَلِك فَهُوَ مَعْذُور مأجور فَإِذا ترك فِي مَكَان آخر مثل ذَلِك الحَدِيث أَو رد مُرْسلا آخر إرْسَاله فَقَط وَأخذ بِحَدِيث آخر فِيهِ من التَّعْلِيل كَمَا فِي الَّذِي قد رده فِي مَكَان آخر ووقف على ذَلِك - فتمادى - فَهُوَ مُتبع لهواه لإقدامه على الحكم فِي الدّين بِمَا قد سهد لِسَانه بِبُطْلَانِهِ وَإِن لم نقطع بِأَنَّهُ مخطيء لِإِمْكَان أَن يكون قد صَادف الْحق فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ تَقولُونَ فِيمَن بلغه نَص قُرْآن أَو سنة صَحِيحَة بِخَبَر لَيْسَ من بَاب الْأَمر إِلَّا أَنه قد جَاءَ ذَلِك الْخَبَر فِي نَص آخر باستثناء مِنْهُ أَو زِيَادَة عَلَيْهِ وَلم يبلغهُ النَّص الثَّانِي فجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أَن هَذَا بِخِلَاف الْأَمر لِأَن الْأَوَامِر قد ترد نَاسِخا

الفائدة الثانية عشرة

بَعْضهَا بَعْضًا فَيلْزمهُ مَا بلغه حَتَّى بلغه مَا نسخه وَلَيْسَ الْخَبَر كَذَلِك بل يلْزمنَا تَصْدِيق مَا بلغنَا من ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى لَا يَقُول إِلَّا الْحق وَكَذَلِكَ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ أَن يعْتَقد مَعَ ذَلِك أَن مَا كَانَ فِي ذَلِك الْخَبَر من تَخْصِيص لم يبلغهُ أَو زِيَادَة لم تبلغه فَهِيَ حق وَلَا نقطع بتكذيب مَا لَيْسَ فِي ذَلِك الْخَبَر أصلا وَكَذَلِكَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ لَا تصدقوا أهل الْكتاب إِذا حدثوكم وَلَا تكذبوهم فتكذبوا بِحَق أَو تصدقوا بباطل أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ فَهَذَا حكم الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي الْوَعْظ وَغَيره وَمَا كَانَ من الْأَخْبَار لَا يحْتَمل خلاف نَصه صدق كَمَا هُوَ وَلزِمَ تَكْذِيب كل ظن خَالف نَص ذَلِك الْخَبَر وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل والْحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ أهل الْكتاب يقرأون التَّوْرَاة بالعبرانية ويفسرونها بِالْعَرَبِيَّةِ لأهل الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تصدقوا أهل الْكتاب وَلَا تكذبوهم وَقُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل الْآيَة قَالَ الشُّرَّاح يَعْنِي إِذا كَانَ مَا يخبرونهم بِهِ مُحْتملا لِئَلَّا يكون فِي نفس الْأَمر صدقا فيكذبوه أَو كذبا فيصدقوه فيقعوا فِي الْحَرج الْفَائِدَة الثَّانِيَة عشرَة قد بَينا فِيمَا سبق الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وأقسامها وحد كل وَاحِد مِنْهَا وَذكرنَا فِيهِ

أَن علم الحَدِيث يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ قسم يتَعَلَّق بروايته وَقسم يتَعَلَّق بدرايته وَأَن الْعلمَاء قسموا كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى أَقسَام سموا كل وَاحِد مِنْهَا باسم وَقد أحببنا الزِّيَادَة هُنَا على مَا ذكر هُنَاكَ فَنَقُول قَالَ بعض الْمُحدثين تَنْقَسِم عُلُوم الحَدِيث الْآن إِلَّا ثَلَاثَة أَقسَام الأول حفظ متون الحَدِيث وَمَعْرِفَة غريبها وفقهها وَهَذَا أشرفها وَالثَّانِي حفظ أسانيدها وَمَعْرِفَة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها وَهَذَا كَانَ مهما وَقد كفيه المشتغل بِالْعلمِ بِمَا صنف فِيهِ وَألف من الْكتب فَلَا فَائِدَة فِي تَحْصِيل / مَا هُوَ حَاصِل وَالثَّالِث جمعه وكتابته وسماعه والبحث عَن طرقه وَطلب الْعُلُوّ فِيهِ والرحلة إِلَى الْبلدَانِ لأجل ذَلِك والمشتغل بِهَذَا مشتغل عَمَّا هُوَ الأهم من الْعُلُوم النافعة فضلا عَن الْعَمَل بِهِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب الْأَصْلِيّ إِلَّا أَنه لَا بَأْس بِهِ لأهل البطالة لما فِيهِ من بَقَاء سلسلة الْإِسْنَاد الْمُتَّصِلَة بِسَيِّد الْبشر وَقد اعْترض عَلَيْهِ بعض الْعلمَاء فِي قَوْله وَهَذَا قد كفيه المشتغل بِالْعلمِ بِمَا صنف فِيهِ وَألف من الْكتب فَقَالَ وَيُقَال عَلَيْهِ إِن كَانَ التصنيف فِي هَذَا الْفَنّ يُوجب الاتكال على ذَلِك وَعدم الِاشْتِغَال بِهِ فَالْقَوْل كَذَلِك فِي الْفَنّ الأول فَإِن فقه الحَدِيث وغربيه لَا يُحْصى كم صنف فِيهِ بل لَو ادّعى مُدع أَن التصانيف فِيهِ أَكثر من التصانيف فِي تَمْيِيز الرِّجَال وَالصَّحِيح من السقيم لما كَانَ قَوْله غير صَحِيح بل ذَلِك هُوَ الْوَاقِع فَإِن كَانَ الِاشْتِغَال بِالْأولِ مهما فالاشتغال بِالثَّانِي أهم لِأَنَّهُ الْمرقاة إِلَى الأول فَمن أخل بِهِ خلط السقيم بِالصَّحِيحِ والمجرح بالمعدل وَهُوَ لَا يشْعر

فَالْحق أَن كلا مِنْهُمَا فِي علم الحَدِيث مُهِمّ وَلَا شكّ أَن من جَمعهمَا حَاز الْقدح الْمُعَلَّى مَعَ قصوره فِيهِ إِن أخل بالثالث وَمن أخل بهما فَلَا حَظّ لَهُ فِي اسْم الْحَافِظ وَمن أحرز الأول وأخل بِالثَّانِي كَانَ بَعيدا من اسْم الْمُحدث عرفا وَمن أحرز الثَّانِي وأخل الأول لم يبعد عَنهُ أسم الْمُحدث لَكِن فِيهِ نقص بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأول وَمن جمع الثَّلَاث كَانَ فَقِيها مُحدثا كَامِلا وَمن انْفَرد بِاثْنَيْنِ مِنْهُمَا كَانَ دونه إِلَّا أَن من اقْتصر على الثَّانِي وَالثَّالِث فَهُوَ مُحدث صرف لاحظ لَهُ فِي اسْم الْفَقِيه كَمَا أَن من انْفَرد بِالْأولِ فلاحظ لَهُ فِي اسْم الْمُحدث وَمن انْفَرد بِالْأولِ وَالثَّانِي فَهَل يُسمى مُحدثا فِيهِ بحث اه فَإِن قيل هَل يُمكن الْجمع بَين قَول هَذَا النَّاقِد وَمن نحا نَحوه وَقَول من قَالَ الْعُلُوم ثَلَاثَة علم نضج وَمَا احْتَرَقَ وَهُوَ علم النَّحْو وَالْأُصُول وَعلم لَا نضج وَلَا احْتَرَقَ وَهُوَ علم الْبَيَان وَالتَّفْسِير وَعلم نضج وَاحْتَرَقَ وَهُوَ علم الحَدِيث وَالْفِقْه يُقَال نعم يُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن يُرَاد بنضج الْعلم كَونه قد بَين بَيَانا كَافِيا بِحَيْثُ لَا يحْتَاج طَالبه إِلَى فرط عناء فِي تَحْصِيل مطلبه وباحتراقه كَونه قد استقصي الْبَحْث فِيهِ ثمَّ تجوز بِهِ الْحَد فأفضى ذَلِك إِلَى ذكر كثير مِمَّا لَا تمس إِلَيْهِ الْحَاجة إِمَّا لكَونه مِمَّا يفْرض فرضا أَو لنَحْو ذَلِك حَتَّى يصير الطَّالِب لِكَثْرَة المباحث مَعَ عدم مَعْرفَته مَا يلْزم مِنْهَا مِمَّا لَا يلْزم حائرا فِي أمره وَهَذَا الْمَعْنى لَا يظْهر بتمامة فِي علم الحَدِيث وَإِنَّمَا يظْهر فِي نَحْو النَّحْو فَإِن فِيهِ كثيرا مِمَّا لَا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ لَا سِيمَا الْحجَج الَّتِي لَا يدل عَلَيْهَا نقل وَلَا عقل وَالْأولَى إِخْرَاج علم الحَدِيث من هَذَا الْقسم وَهَذَا الْعبارَة وَإِن كَانَت من قبيل الْملح الَّتِي تستحسن فِي المحاضرة وَلَا يستقصى الْبَحْث فِيهَا إِلَّا أَن فِيهَا إِشَارَة إِلَى أَمر يَنْبَغِي الانتباه إِلَيْهِ وَهُوَ أَن مَا نضج وَاحْتَرَقَ من الْعُلُوم يَنْبَغِي السَّعْي فِي تنقيحه ليسهل على الطَّالِب تنَاوله

وَالِانْتِفَاع بِهِ وَمَا لم ينضج مِنْهَا السَّعْي فِي إِكْمَال مباحثه لينضج أَو يقرب من النضج وَمن أمعن النّظر فِي هَذَا الْأَمر تبين لَهُ أَن فرط النضج فِي علم من الْعُلُوم لَا يُفْضِي إِلَى احتراقه وَإِنَّمَا يُفْضِي فِي الْغَالِب إِلَى إِفْرَاد بعض مباحثه بالبحث فَإِذا اتَّسع الْأَمر فِي مَبْحَث مِنْهَا صَار فَنًّا مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ وَإِن كَانَ متفرعا عَن غَيره وَكَثِيرًا مَا يكون الْفَنّ المتفرع من غَيره وَاسع الْأَطْرَاف جدا قَالَ بعض الْمُحدثين علم الحَدِيث يشْتَمل على أَنْوَاع كَثِيرَة كل نوع مِنْهَا علم مُسْتَقل لَو / أنْفق الطَّالِب فِيهِ عمره لما أدْرك نهايته وَلما كَانَ الِاسْتِقْصَاء فِي الْعُلُوم غير مُمكن حث الْعلمَاء طلابها على الِاقْتِصَار فِيهَا أَو الاقتصاد وَقد ذكر فِي أَوَائِل الْإِحْيَاء مَا يتَعَلَّق بِهَذَا الْأَمر فأحببنا إِيرَاد ذَلِك قَالَ وَإِن تفرعت من نَفسك وتطهيرها وقدرت على ترك ظَاهر الْإِثْم وباطنه وَصَارَ ذَلِك ديدنا لَك وَعَادَة متيسرة فِيك وَمَا أبعد ذَلِك مِنْك فاشتغل بفروض الكفايات وراع التدريج فِيهَا فابتدئ بِكِتَاب الله تَعَالَى ثمَّ بِسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بِعلم التَّفْسِير وَسَائِر عُلُوم الْقُرْآن من علم النَّاسِخ والمنسوخ والمفصول والموصول والمحكم والمتشابه وَكَذَلِكَ فِي السّنة ثمَّ اشْتغل بالفروع وَهُوَ علم الْمَذْهَب من علم الْفِقْه دون الْخلاف ثمَّ بأصول الْفِقْه وَهَكَذَا إِلَى بَقِيَّة الْعُلُوم على مَا يَتَّسِع لَهُ الْعُمر ويساعد فِيهِ الْوَقْت وَلَا تستغرق عمرك فِي فن وَاحِد مِنْهَا طلبا للاستقصاء فَإِن الْعلم كثير والعمر قصير وَهَذِه الْعُلُوم آلَات ومقدمات وَلَيْسَت مَطْلُوبَة لعينها بل لغَيْرهَا وكل مَا يطْلب لغيره فَلَا يَنْبَغِي أَن ينسى فِيهِ الْمَطْلُوب ويستكثر مِنْهُ فاقتصر من شَائِع علم اللُّغَة على مَا تفهم بِهِ كَلَام الْعَرَب وتنطق بِهِ وَمن

غَرِيبه على غَرِيب الْقُرْآن وغريب الحَدِيث ودع التعمق فِيهِ وَاقْتصر من علم النَّحْو على مَا يتَعَلَّق بالمتاب وَالسّنة فملا من علم إِلَّا وَله اقْتِصَار واقتصاد واستصقاء وَنحن نشِير إِلَيْهَا فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْكَلَام لتقيس بهَا غَيرهَا فالاقتصار فِي التَّفْسِير مَا يبلغ ضعف الْقُرْآن كَمَا صنفه الواحدي النَّيْسَابُورِي وَهُوَ الْوَجِيز والاقتصاد مَا يبلغ ثَلَاثَة أَضْعَاف الْقُرْآن كَمَا صنفه من الْوَسِيط فِيهِ وَمَا وَرَاء ذَلِك استصقاء مُسْتَغْنى عَنهُ فَلَا مرد لَهُ إِلَى إنتهاء الْعُمر وَأما الحَدِيث فالاقتصار فِيهِ تَحْصِيل مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بتصحيح نُسْخَة على رجل خَبِير بِعلم متن الحَدِيث وَأما حفظ أسامي الرِّجَال فقد كفيت فِيهِ بِمَا تحمله عَنْك من قبلك وَلَك أَن تعول على كتبهمْ وَلَيْسَ يلزمك حفظ متون الصَّحِيحَيْنِ وَلَكِن تحصله تحصيلا تقدر مِنْهُ على طلب مَا تحْتَاج إِلَيْهِ عِنْد الْحَاجة وَأما الاقتصاد فِيهِ فَأن تضيف إِلَيْهِمَا مَا خرج عَنْهُمَا مِمَّا ورد فِي المسندات الصَّحِيحَة وَأما الِاسْتِقْصَاء فَمَا وَرَاء ذَلِك إِلَى اسْتِيعَاب كل مَا نقل من الضَّعِيف وَالْقَوِي وَالصَّحِيح والسقيم مَعَ معرفَة الطّرق الْكَثِيرَة فِي النَّقْل وَمَعْرِفَة أَحْوَال الرِّجَال وأسمائهم واوصافهم وَأما الْفِقْه فالاقتصار فِيهِ على مَا يحويه مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَهُوَ الَّذِي رتبناه فِي خُلَاصَة الْمُخْتَصر والاقتصاد يه مَا يبلغ ثَلَاثَة أَمْثَاله وَهُوَ الْقدر الَّذِي أوردناه فِي الْوَسِيط من الْمَذْهَب والاسقصاء مَا أوردناه فِي الْبَسِيط إِلَى مَا وَرَاء ذَلِك من المطولات وَأما الْكَرم فالمقصود فِيهِ حماية المعتقدات الَّتِي نقلهَا أهل السّنة عَن السّلف الصَّالح لَا غير وَمَا وَرَاء ذَلِك لكشف حقائق الْأُمُور من غير طريقها ومقصود حفظ السّنة تحصل رُتْبَة الِاقْتِصَار مِنْهُ بمعتقد وجيز وَهُوَ اقدر الَّذِي أوردناه فِي كتاب قَوَاعِد العقائد من جملَة هَذَا الْكتاب

والاقتصاد فِيهِ مَا يبلغ قدر مئة ورقة وَهُوَ الَّذِي أوردناه فِي كتاب الاقتصاد فِي الِاعْتِقَاد وَيحْتَاج إِلَيْهِ لمناظرة مُبْتَدع ومعارضة بدعته بِمَا يُفْسِدهَا وينزعها عَن قلب الْعَاميّ وَذَلِكَ لَا ينفع إِلَّا مَعَ الْعَوام قبل اشتداد تعصبهم وَأما المبتدع بعد ان يعلم من الجدل وَلَو شَاءَ يَسِيرا فقلما ينفع مَعَه الْكَلَام 1 هـ وَمن فروع علم الحَدِيث علم نَاسخ / الحَدِيث ومنسوخه وَهُوَ دَاخل فِي علم تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث وأفردوه عَنهُ لفرط الْعِنَايَة بِهِ فَإِنَّهُم اتَّفقُوا على أَنه من اهم عُلُوم الحَدِيث وَالْمَشْهُور أَنه فن وعر المسلك وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْخطب فِي مَعْرفَته سهل وَمَا وَقع لكثير مِمَّن ألف فِيهِ إِدْخَال كثير مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ يه لَيْسَ ناشئا من وعورة مسلكه بل لعدم وقوفهم على جَمِيع مَا يلْزم فِي مَعْرفَته قَالَ بعض الْمُحدثين هَذَا النَّوْع وَإِن تعلق بِعلم الحَدِيث فَهُوَ بأصول الْفِقْه أشبه وَمن فروع علم الحَدِيث معرفَة أَسبَاب وُرُود الحَدِيث وَقد صنف فِيهِ بعض الْعلمَاء وَقد جرت عَادَة اكثر شرَّاح الحَدِيث التَّعَرُّض لذَلِك إِذا كَانَ للْحَدِيث سَبَب ووقفوا عَلَيْهِ كَمَا انهم كثيرا مَا يتعرضون لغير ذَلِك مِمَّا يهم الطَّالِب مَعْرفَته غير أَنه ينْتَقد على كثير مِنْهُم أَمر وَهُوَ أَنهم كثيرا مَا يدْخلُونَ فِي معنى الحَدِيث مَالا يدل عَلَيْهِ الحَدِيث وَقد وَقع مثل ذَلِك لكثير من الْمُفَسّرين أَيْضا وَقد حذر من ذَلِك بعض الْمُحَقِّقين مِنْهُم فَقَالَ يَنْبَغِي للمفسر أَن لَا يحمل لفظ الْكتاب الْعَزِيز مَا لَا يحْتَملهُ لِئَلَّا ينْسب إِلَى الله سُبْحَانَهُ أَشْيَاء لم يلقها وَلَا دلّ لفظ كِتَابه عَلَيْهَا فالتفسير فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ شرح الْفظ المستغلق عِنْد السَّامع بِمَا هُوَ وَاضح عِنْده مِمَّا يرادفه أَو يُقَارِبه أَو لَهُ دلَالَة عَلَيْهِ بِإِحْدَى طرق الدلالات هَذَا وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة لمن أَرَادَ الِاقْتِصَار والاقتصاد فِي هَذَا الْفَنّ وَقد أحببنا أَن نختم هَذَا الْكتاب بمقالة متممة لما نَحن فِيهِ الْآن ومذكرة بِمَا سلف من قبل وَهِي للعلامة مجد الدّين الْمُبَارك بن الْأَثِير وَقد أوردهَا فِي خطْبَة كِتَابه جَامع الْأُصُول

لأحاديث الرَّسُول فَقَالَ وَبعد فَإِن شرف الْعُلُوم يتَفَاوَت بشرف مدلولها وقدرها يعظم بِعظم محصولها وَلَا خلاف عِنْد ذَوي البصائر أَن أجلهَا مَا كَانَت الْفَائِدَة فِيهِ اعم والنفع بِهِ أتم والسعادة باقتنائه أدوم وَالْإِنْسَان بتحصيله ألزم كعلم الشَّرِيعَة الَّذِي هُوَ طَرِيق السُّعَدَاء إِلَى دَار الْبَقَاء مَا سلكه أحد إِلَّا اهْتَدَى وَلَا استمسك بِهِ من خَابَ وَلَا تجنبه من رشد فَمَا امْنَعْ جناب من احتمى بحماه وأرغد مآب من ازدان بحلاه وعلوم الشَّرِيعَة على اختلافها تَنْقَسِم إِلَى فرض وَنفل وَالْفَرْض يَنْقَسِم إِلَى فرض عين وَفرض كِفَايَة وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَقسَام وأنواع بعصها أصُول وَبَعضهَا فروع وَبَعضهَا مُقَدمَات وَبَعضهَا متممات وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع تفصيلها إِذْ لَيْسَ لنا بغرض إِلَّا أَن من أصُول فروض الكفايات علم أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وآثار أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم الَّتِي هِيَ ثَانِي أَدِلَّة الْأَحْكَام ومعرفتها أَمر شرِيف وشأن جليل لَا يحبط بِهِ إِلَّا من هذب نَفسه بمتابعة أوَامِر الشَّرْع ونواهيه وأزاح الزيغ عَن قلبه وَلسَانه وَله أصُول وَأَحْكَام وقواعد وأوضاع واصطلاحات ذكرهَا الْعلمَاء وَشَرحهَا المحدثون وَالْفُقَهَاء يحْتَاج طَالبه إِلَى مَعْرفَتهَا وَالْوَقْف عَلَيْهَا بعد تَقْدِيم معرفَة اللُّغَة وَالْإِعْرَاب اللَّذين هما أصل لمعْرِفَة الحَدِيث وَغَيره لوُرُود الشَّرِيعَة المطهرة بِلِسَان الْعَرَب وتبك الْأَشْيَاء كَالْعلمِ بِالرِّجَالِ وأساميهم وأنسابهم وأعمارهم وَوقت وفاتهم وَالْعلم بِصِفَات الروَاة وشرائطهم الَّتِي يجوز مَعهَا قبُول روايتهم

وَالْعلم بمستند الروَاة وَكَيْفِيَّة أَخذهم الحَدِيث وتقسيم طرقه وَالْعلم بِلَفْظ الروَاة وإيرادهم مَا سَمِعُوهُ وإيصاله إِلَى من يَأْخُذهُ عَنْهُم وَذكر مراتبه وَالْعلم بِجَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى / وَرِوَايَة بعضه وَالزِّيَادَة فِيهِ وَإِضَافَة مَا لَيْسَ مِنْهُ إِلَيْهِ وانفراد الثِّقَة بِزِيَادَة فِيهِ وَالْعلم بالسند وشرائطه والعالي مِنْهُ والنازل وَالْعلم بالحرج وَالتَّعْدِيل وجوازهما ووقوعهما وَبَيَان طَبَقَات الْمَجْرُوحين وَالْعلم بأقسام الصَّحِيح من الحَدِيث وَالْكذب وانقسام الْخَبَر إِلَيْهِمَا وَإِلَى الْغَرِيب وَالْحسن وَغَيرهمَا وَالْعلم بأخبار الْمُتَوَاتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وَغير لَك مِمَّا تواضع عَلَيْهِ أَئِمَّة الحَدِيث وَهُوَ بَينهم مُتَعَارَف فَمن أتقنها أَتَى دَار هَذَا الْعلم من بَابهَا وأحاط بهَا من جَمِيع جهاتها وبقدر مَا يفوتهُ مِنْهَا تنزل عَن الْغَايَة دَرَجَته وتنحط عَن النِّهَايَة رتبته إِلَّا أَن معرفَة الْمُتَوَاتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وَإِن تعلّقت بِعلم الحَدِيث فَإِن الْمُحدث لَا يفْتَقر إِلَيْهَا لِأَن ذَلِك من وَظِيفَة الْفَقِيه لِأَنَّهُ يستنبط الْأَحْكَام من الْأَحَادِيث فَيحْتَاج إِلَى معرفَة الْمُتَوَاتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وَأما الْمُحدث فوظيفته أَن ينْقل ويروي مَا سَمعه من الْأَحَادِيث كَمَا سَمعه فَإِن

تصدى لما رَوَاهُ فَزِيَادَة فِي الْفضل وَكَمَال فِي الِاخْتِيَار جَمعنَا الله وَإِيَّاكُم معشر الطالبين على قبُول الدَّلَائِل وألهمنا وَإِيَّاكُم الِاقْتِدَاء بالسلف الصَّالح من الْأَئِمَّة الْأَوَائِل وأحلنا وَإِيَّاكُم من الْعلم النافع أَعلَى الْمنَازل ووفقنا إيَّاكُمْ للْعَمَل بالعالي من الحَدِيث والنازل إِنَّه سميع الدُّعَاء حقيق بالإجابة

مِمَّا لَا شكّ فِيهِ عِنْد الباحثين فِي أَمر الخطوط وتولد بَعْضهَا من بعض أَن الْخط الْعَرَبِيّ الْمَعْرُوف بالخط الْكُوفِي قد تولد من الْخط السرياني الْمَعْرُوف بالخط السرتجيلي وَيدل على ذَلِك أُمُور الأول شدَّة التشابه بَين الخطين بِحَيْثُ يظنّ النَّاظر فِي أول الْأَمر أَنَّهُمَا من نوع وَاحِد الثَّانِي أَن الْحُرُوف المفصولة عَمَّا بعْدهَا فِي الْخط السرياني وَهِي الْألف وَالدَّال وَالرَّاء وَالزَّاي وَالْوَاو وَالتَّاء وَالصَّاد وَالْهَاء هِيَ الْحُرُوف المفصولة عَمَّا بعْدهَا فِي الْخط الْعَرَبِيّ وَيسْتَثْنى من ذَلِك التَّاء وَالصَّاد وَالْهَاء فَإِن الْعَرَب التزمت وَصلهَا الثَّالِث أَن الْعَرَب كَانُوا كالسريانيين يعدون حُرُوف الهجاء على نسق أبجد فَيَقُولُونَ أبجد هوز خطي كلمن سعفص قرشت وَلما رَأَوْا أَن فِي لغتهم سِتَّة أحرف لم تُوجد فِيهَا زادوا لفظتين وهما ثخذ ضظغ فَاجْتمع بذلك شَمل الْحُرُوف الْعَرَبيَّة وَلما رأى الْعَرَب أَن هَذِه الْحُرُوف السِّتَّة لَيْسَ فِيهَا صور فِي الْخط السرياني لعدم الِاحْتِيَاج فِيهِ إِلَى ذَلِك عَمدُوا إِلَى كل حرف مِنْهَا فنظروا إِلَى الْحَرْف الَّذِي يُنَاسِبه فجعلوه على صورته فَنَشَأَ من ذَلِك أَن صَارَت الثَّاء مَعَ التَّاء وَالْخَاء مَعَ الْحَاء والذال مَعَ الدَّال وَالضَّاد مَعَ الصَّاد والظاء مَعَ الطَّاء والغين مَعَ الْعين على صُورَة وَاحِدَة وَقد اسْتحْسنَ ذَلِك مِنْهُم بعض الْمُحَقِّقين فِي اللُّغَات السامية ووصفهم بالبراعة حَيْثُ قَالَ إِن الْعَرَب لما رَأَوْا أَن صور الْحُرُوف فِي الْخط السرياني اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ والحروف الْعَرَبيَّة ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ لم يخترعوا صورا جَدِيدَة للحروف المختصة بهم كَمَا فعل بعض الْأُمَم الغربية الشمالية وَلَا اتَّخذُوا طَريقَة وضع صُورَتَيْنِ أَو أَكثر لكل حرف من الْحُرُوف المختصة بهم كَمَا فعل اللاتين فِي الْفَاء وَالْخَاء والثاء وَالرَّاء اليونانيات وكما فعل من اقتفى من الْأُمَم الغربية حِين

§1/1