توجيه اللمع

ابن الْخَبَّاز

الدراسة

الفصل الأول: ابن جني وكتابه «اللمع» ابن جني: اسمه ونسبه: هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي, وكان أبوه «جني» مملوكًا روميًا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي. مولده: ولد رحمه الله بالموصل قبل الثلاثين والثلاثمائة للهجرة النبوية الشريفة. ثقافته: إن القارئ لمؤلفات هذا العالم ليدرك من أول وهلة ويفهم من أول نظرة أنه إمام عالم واسع الثقافة طويل الباع, كثير الاطلاع, غزير العلم, كتب في النحو والتصريف, ودرس الأصوات والحروف دراسة «وألف كتبًا كثيرة أبر بها على المتقدمين وأعجز المتأخرين, ولم يتكلم أحد في التصرف أدق كلامًا منه». وذكر أبو الفتح رحمه الله أنه أخذ عن شيوخ كثيرين, فقد ذكر في إجازته لأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن نصر أنه سمع شيوخًا وقرأ عليهم بالعراق والموصل والشام وغير هذه البلاد التي أتاها وأقام بها. مكانته العلمية: لقد بلغ أبو الفتح مكانه علمية راقية اعترف له بها المتقدمون والمتأخرون على السواء. قال الثعالبي فيه: «هو القطب في لسان العرب, وإليه انتهت الرياسة في الأدب ... وكان الشعر أقل خلاله لعظم قدره وارتفاع حاله» وقال ياقوت: «عثمان بن جني النحوي ... من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف». شيوخه: سمع ابن جني عن كثير من علماء العراق والموصل والشام, واغترف من منهلهم

العذب, حتى تكونت شخصيته العلمية, وأهم هؤلاء الشيوخ الذين أخذ عنهم واستفاد منهم ما يلي: 1 - أبو علي الفارسي: هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الفسوي, وهو أعظم أستاذ تخرج عليه ابن جني وتأثر به, مات سنة (377 هـ). 2 - أبو بكر محمد بن الحسن بن يعقوب المعروف بابن مقسم, وهو أحد القراء ببغداد, وكان عالمًا باللغة والشعر, ومن أحفظ الناس لنحو الكوفيين مات رحمه الله سنة (354 هـ). 3 - أبو الفرج الأصفهاني: هو علي بن الحسين بن الهيثم القرشي من ولد هشام ابن عبد الملك, وكان شاعرًا مصنفًا أديبًا, مات سنة نيف وستين وثلاثمائة. 4 - أحمد بن محمد أبو العباس الموصلي النحوي, ويعرف بالأخفش, قال ابن النجار: «كان إمامًا في النحو, فقيهًا فاضلًا, عارفًا بمذهب الشافعي». وغير هؤلاء كثير ممن استفاد منهم ابن جني ونقل عنهم. تلاميذه: لما ذاع صيت ابن جني وطبقت شهرته الآفاق أقبل عليه الناس يأخذون عنه وينهلون من مورده, ومن أشهر هؤلاء ما يأتي: 1 - الشريف الرضي: هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الشاعر المشهور وقد تلقى دروس اللغة على أبي الفتح. مات ببغداد سنة (406 هـ). 2 - الثمانيني: هو أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانيني النحوي الضرير, أخذ عن أبي الفتح, وشرح كتابه «اللمع» مات سنة (442 هـ). 3 - أبو أحمد عبد السلام البصري: هو عبد السلام بن الحسين بن محمد أبو أحمد البصري اللغوي, قرأ على الفارسي والسيرافي وابن جني وغيرهم, مات سنة (405 هـ).

4 - أبو الحسن السمسمي: هو علي بن عبيد الله بن عبد الغفار السمسمي اللغوي كان لغويًا بارعًا, أخذ عن أبي الفتح, مات سنة (415 هـ). 5 - ثابت بن محمد أبو الفتوح الجرجاني الأندلسي النحوي, كان من أئمة اللغة العربية البارزين, وقد روى ببغداد عن ابن جني وعلي بن عيسى الربعي وعبد السلام بن الحسين البصري مات سنة (431 هـ). *** كتاب اللمع لأبي الفتح ابن جني: لقد ترك لنا ابن جني رحمه الله ثروة تأليفية ضخمة ذات قيمة علمية عظيمة في النحو والتصريف واللغة والعروض والقراءات وغير ذلك من الفنون, ومن هذه الثروة كتاب اللمع في النحو, جمع فيه صاحبه بين النحو والتصريف, وقد ضمنه الكلام على الأبواب التالية: الكلام, المعرب والمبني, الإعراب والبناء, إعراب الاسم الواحد, إعراب الاسم المعتل, التثنية, جمع التذكير, جمع التأنيث, جمع التكسير, الأفعال معرفة الأسماء المرفوعة, المبتدأ, الخبر, الفاعل, المفعول الذي لم يسم فاعله, كان وأخواتها, إن وأخواتها, باب «لا» في النفي, معرفة الأسماء المنصوبة المفعول المطلق, المفعول به, المفعول فيه, ظروف الزمان, ظروف المكان, المفعول له, المفعول معه, المشبه بالمفعول في اللفظ, الحال, التمييز, الاستثناء, معرفة الأسماء المجرورة, حروف الجرو مذ ومنذ, حتى, الإضافة, معرفة ما يتبع الاسم في إعرابه, الوصف, التوكيد, البدل, عطف البيان, عطف النسق, النكرة والمعرفة, النداء, الترخيم, الندبة, إعراب الأفعال وبناؤها الحروف التي تنصب الفعل, حروف الجزم, الشرط وجوابه, التعجب, نعم وبئس, حبذا, عسى, كم, معرفة ما ينصرف وما لا ينصرف, العدد, الجمع, القسم, الموصول والصلة, النونين, النسب التصغير, ألفات القطع وألفات الوصل, الاستفهام, ما يدخل على الكلام فلا يغيره, الحكاية, الخطاب, الإمالة. تلك هي الأبواب التي اشتمل عليها كتاب «اللمع» في النحو لابن جني, وهي كما نرى موزعة بين النحو والتصريف, وإن كان النحو قد نال حظه موفورًا منها,

إذا لم يشمل التصريف سوى ستة أبواب هي باب جمع التكسير, وباب النسب, وباب التصغير, وباب ألفات القطع وألفات الوصل, وباب الخطاب, وباب الإمالة, وشمل النحو باقيها. وبالنظر في كتاب «اللمع» نجد أن أبواب التصريف قد أخذت مكانها في آخر الكتاب, كما هو شأن كتب النحو جميعها, قال ابن جني: «لا تجد كتابًا في النحو إلا والتصريف في آخره» غير أن ابن جني لم يذكر أبواب التصريف متوالية كما هي عادة النحاة جميعًا وإنما ذكرها متداخلة مع بعض أبواب النحو, كما هي واضح من العرض السابق. ويذكر لنا ابن جني رحمه الله العلاقة بين النحو والتصريف مبينًا السبب الذي دعا إلى تقديم النحو في الذكر مع أن التصريف أحق منه بذلك, فيقول: «فالتصريف إنما هو لمعرفة أنفس الكلم الثابتة, والنحو إنما هو لمعرفة أحواله المتنقلة ... وإذا كان ذلك كذلك فد كان من الواجب على من أراد معرفة النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف, لأن معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن يكون أصلًا لمعرفة حاله المتنقلة, إلا أن هذا الضرب من العلم لما كان عويصًا صعبًا بدئ قبله بمعرفة النحو, ثم جيء به بعد ليكون الارتياض في النحو موطئًا للدخول فيه, ومعينا على معرفة أغراضه ومعانيه». وبالنظر فيما استعمله ابن جني في كتابه من شواهد نجد أنها متنوعة فتارة يستشهد بالقرآن المجيد, وتارة بالشعر العربي وفصيح كلام العرب. أما استشهاده بالقرآن فواضح في كتابه, حيث استشهد باثنين وأربعين آية منه, إذ هو ممن يقول: بجواز الاحتجاج بمتواتر القرآن وشاذه. وأما شواهده الشعرية فقد بلغت في كتابه ثمانية وسبعين شاهدًا نسب بعضها وأغفل نسبة الباقي. وقد وقع من ابن جني خطأ في نسبة شاهدين من شواهده الشعرية المنسوبة أولهما: قول الشاعر: بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير فقد نسب ابن جني هذا البيت في كتابيه «اللمع والخصائص» إلى أمية بن أبي

الصلت والصحيح أن هذا البيت للفرزدق, فإنه ذكر في ديوانه ولم تعثر عليه في ديوان أمية بن أبي الصلت وقد نبه على هذا الخطأ ابن الخباز في «توجيه اللمع» فقال وقوله: أي ابن جنى في البيت الثاني لأمية تخليط, وقد رأيت البيت في شعر الفرزدق ثانيهما: قول الشاعر: * يا حكم الوارث عن عبد الملك * نسب ابن جني هذا البيت إلى العجاج, وتبعه في هذه النسبة الخاطئة ابن الخباز في كتابه «توجيه اللمع» ولكنه في كتابه «الغرة المخفية» قد صحح هذا الخطأ, وأثبت أن البيت لرؤبة بن العجاج, وتلك هي النسبة الصحيحة. ومما يلاحظ على ابن جني أيضًا أنه ذكر شاهدًا شعريًا مركبًا من شطري يتبين وهو كما ذكره ابن جني: حاشا أبي ثوبان أن به ... ضنا على الملحاة والشتم وقد تنبه ابن الخباز في كتابه «توجيه اللمع» إلى هذا الخلط, فقال: «والبيت الذي أنشده أبو الفتح رحمه الله أنشده المفضل, وقد حرفه فجعل صدر غيره له, والصواب ما أذكره لك, قال: حاشا أبي ثوبان أن أبا ... ثوبان ليس بزمل قدم عمرو بن عبد الله أنه به ... ضنًا على الملحاة والشتم وقد استشهد ابن جني كذلك بالنثر العربي في كتابه «اللمع» ومن ذلك استشهاده على زيادة الألف بين النونات تخفيفًا بكلام أبي مهدية, وهو قوله: «اخسأنان عني». شروح كتاب اللمع وجد كتاب اللمع لابن جني اهتمامًا بالغًا لدى كثير من علماء العربية, فقد

حفظ لنا التاريخ منذ القرن الخامس الهجري حتى القرن الثامن أسماء نخبة ممتازة من جلة وكبار العلماء الذين عكفوا على دراسة هذا الكتاب, وبذلوا ما في وسعهم من جهد في شرحه أو تخريج شواهده, وجعلوا منه مدرسة نحوية في مصر والشام والعراق وجزيرة العرب. وإليك ما أمكن التعرف عليه من هذه الشروح التي حظى بها كتاب اللمع لابن جني: 1 - شرح أبي القاسم عمر بن ثابت الثمانيني النحوي الضرير المتوفى سنة (442 هـ). 2 - شرح أبي نصر الحسن بن أسد بن الحسن الفارقي المتوفى سنة (482 هـ) وأسماء صاحبه بالتصنيف البديع في شرح اللمع. 3 - شرح الحسن بن علي بن محمد بن عبد العزيز الطائي من أهل مرسية ويكنى أبا بكر, توفي سنة (498 هـ). 4 - شرح أبي نصر القاسم بن محمد بن مناذر الواسطي النحوي الضرير. 5 - النظامي في النحو, وهو لمحمود بن حمزة بن نصر الكرماني النحوي المتوفى بعد الخمسمائة اختصره من كتاب اللمع لابن جني. 6 - شرح أبي القاسم ناصر بن أحمد بن بكر الخويي النحوي الأديب توفي سنة (507 هـ). 7 - شرح أبي البركات عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد العلوي الزيدي الكوفي توفي عام (593 هـ). 8 - شرح أبي السعادات هبة الله بن علي عبد الله العلوي المعروف بابن الشجري البغدادي المتوفي سنة (542 هـ). 9 - شرح أبي عبد الله محمد بن علي بن أحمد الحلي المعروف بابن حميدة

النحوي المتوفي سنة (550 هـ). 10 - شرح أبي محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب النحوي المتوفى سنة (567 هـ). 11 - شرح أبي محمد سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله بن سعيد بن محمد ابن نصر بن عاصم المعروف بابن الدهان, المتوفى بالموصل سنة (569 هـ). 12 - شرح أسعد بن نصر بن أسعد أبي منصور العبرتي المتوفى سنة (589 هـ). 13 - شرح أبي الحسن الباقولي علي بن الحسين بن علي الضرير الأصفهاني النحوي المتوفى سنة (543 هـ). 14 - شرح أبي الحسن علي بن الحسن بن عنتر بن ثابت الحلي الأديب المعروف بشميم المتوفى سنة (601 هـ) وهذا الشرح قد سماه مؤلفه بالمخترع في شرح اللمع. 15 - شرح أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله النحوي الضرير العكبري الأصلي البغدادي المولد والدار المتوفى سنة (616 هـ). 16 - شرح أبي محمد القاسم بن القاسم بن عمر بن منصور الواسطي النحوي اللغوي المتوفى سنة (626 هـ). 17 - شرح أبي بكر بن يحيى بن عبد الله الجذامي المالقي النحوي المعروف بالخفاف, المتوفى سنة (657 هـ). 18 - شرح أحمد بن عبد الله المهابا ذي الضرير, قال ياقوت: «من تلاميذ عبد القاهر الجرجاني من مصنفاته: شرح اللمع».

19 - شرح اللمع ليحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن بسطام الشيباني أبي زكريا ابن الخطيب التبريزي المتوفي سنة (502 هـ). 20 - هناك نسخة لأحد شروح اللمع غير منسوبة إلى معين, وهي بدار الكتب تحت رقم (5351 هـ) وكتبت سنة (659 هـ) بخط أبي بكر بن عثمان بن أبي بكر. 21 - أشار بروكلمان في تاريخ الأدب العربي (2/ 247) إلى وجود نسخة غير منسوبة من شرح اللمع لابن جني بمكتبة بايزيد تحت رقم (1992). 22 - شرح شواهد اللمع لابن هشام الأنصاري, وقد سماه مؤلفه «بالروضة الأدبية في شواهد علوم العربية». 23 - شرح اللمع لابن الخباز وقد أسماه «بالإلماع في شرح اللمع» وهذا الشرح قد أشار إليه العلامة ابن الخباز في ثناينا كتابه «توجيه اللمع» حيث قال عند الكلام على نون الوقاية وفي هذه النون مسائل كثيرة استقصيتها في كتاب «الإلماع في شرح اللمع». 24 - ولعل من أهم هذه الشروح «شرح اللمع» لابن الخباز أبي العباس أحمد ابن الحسين بن أحمد بن معالي بن منصور بن علي الشيخ شمس الدين, المتوفى بالموصل عاشر رجب سنة تسع وثلاثين وستمائة. وهذا الشرح أسماه ابن الخباز في مقدمة كتابه «بتوجيه اللمع» وهو موضوع دراستنا, ويوجد منه نسخة وحيدة بمكتبة الأزهر الشرف تحت رقم (2348 السقا) (28676 نحو) , والنسخة في مجلد واحد ومكتوبة في سنة (786 هـ) بقلم نسخ قديم وتقع في (208 ورقة) , والشرح من الشروح المختصرة. وسوف أبسط الكلام على هذا الشرح في الفصل الثالث من هذه الدراسة إن شاء الله. ***

الفصل الثاني: ابن الخباز عصره ونشأته

الفصل الثاني: ابن الخباز عصره ونشأته عاش ابن الخباز أحمد بن الحسين بين القرنين السادس والسابع الهجريين. الحالة السياسية في عصره: ضعفت الدولة العباسية الثانية ضعفًا شديدًا أدى إلى انفصال كثير من ولاياتها عنها, واستقلالها استقلالًا تامًا, مما كان له أكبر الأثر في تمزق أواصر هذه الدولة وانفراط عقدها, وكان من نتائج ذلك أن عاشت هذه الدولة في بؤرة من الفساد الداخلي والنزاع الخارجي, فكان ولاة الأقاليم في نزاع مستمر, واحتكاك دائم, حيث كان كل منهم يود أن يفوز - بطريقة أو بأخرى - بأكبر عدد من الألوية والقطاعات ليسيطر عليها ويتولى مقاليد أمورها. الحالة الاجتماعية في عصره: بالنظر إلى المجتمع الإسلامي في القرن السابع الهجري نجده قد تألف من عناصر بشرية متباينة الأشكال والألوان مختلفة الأجناس, والطباع, فقد كان منهم العربي, والفارسي, والتركي, والأرمني, بالإضافة إلى طائفة الرقيق. وكان الناس في هذا العصر يكونون طبقتين: طبقة الخاصة, وطبقة العامة. أما طبقة الخاصة: فكانت تضم الخليفة وأهله ورجال دولته, ورجال البيوتات, وتضم كذلك توابع الخاصة من الجند والأعوان, والموالي والخدم. أما طبقة العامة وهم السواد الأعظم من الأمة: فكانت تشمل الزراع, والصناع, والعيارين, والشطار واللصوص, والمخنثين, والصعاليك, وغيرهم ممن لا يحصى. وكان المجتمع الإسلامي حيننذاك غير قاصر على المسلمين, بل كان يضم بجانبهم المسيحيين واليهود, وكانوا يؤدون شعائرهم الدينية في حرية تامة, لأن التسامح الديني كان صفة غالبة على المسلمين, فكانوا يعاملون غيرهم من أهل, الديانات الأخرى معاملة حسنة, وأكثر من ذلك كانوا يتيحون لهم فرص العمل في أجهزة الدولة المختلفة. وكان المسلمون وأهل الذمة يرتعون في بحبوحة من العيش في ظل المحبة والمعاملة الطيبة, ولكن هذه الحالة لم تدم طويلًا فقد عصفت بها أعاصير التعصب الممقوت الذي

ظهر بين المسلمين وأهل الذمة. وكلما كانت الخلافة العباسية تتقدم نحو الشيخوخة, كان هذا التعصب يشتد لهيبة ويستعر أواره. الحالة العلمية: رغم الحروب والفتن التي سادت العراق إبان ذلك القرن, فقد كانت الحياة العلمية قائمة, ومزدهرة, وكان العلماء يمارسون نشاطهم العلمي ويؤدون مهامهم الثقافية والدينية, وكان من نتائج ذلك: أن ظلت المعارف رائجة والعلوم منتشرة وبخاصة علوم اللغة العربية, فإنها لقيت عناية كبيرة باعتبارها لغة القرآن المجيد والسنة النبوية الشريفة, وأنها اللغة الرسمية للدولة. ومن أوضح مظاهر ازدهار المعارف وانتشار العلوم في هذه الفترة: بقاء المدارس تؤدي أغراضها العلمية مثل: المدرسة المستنصرية التي أنشأها الخليفة العباسي المستنصر بالله جعفر المنصور بن الظاهر بأمر الله, فقد بدأ في تشييد هذا الصرح عام (625 هـ) أي بعد تولية الخلافة بسنتين وهذه المدرسة قد احتضنت النحو واحتفت به أيما احتفاء, وإن كان لم يجعل له فيها جناح خاص به كبقية علوم تلك المدرسة, وما ذلك إلا لأنه كان قاسمًا مشتركًا بين جميع الفروع والأقسام العلمية فيها دون استثناء. وهذا يترجم عن مدى العناية به ومبلغ الاهتمام بدراسته. ومن هذه المدارس أيضًا: المدرسة النظامية, والمدرسة البشرية, ومدرسة القلعة بأربل, وغير هذه المدارس كثير, وكانت هناك أيضًا الرباطات ومشيخاتها. ومن المدن العراقية التي راجت فيها الحركة العلمية رغم ما كان ينزل بها من زوابع ويحل بها من اضطرابات وعوائل: إربل, والموصل, وسوف نورد تعريفًا موجزًا عن هاتين المدينتين, وقد خصصتهما بالذكر دون غيرهما باعتبارهما مولد ومنشأ ابن الخباز موضوع دراستنا. إربل: قال ياقوت: قال الأصمعي: الربل ضرب من الشجر إذا برد الزمان عليه وأدبر

الصيف تفطر بورق أخضر من غير مطر, ويقال: تربلت الأرض: لا يزال بها ربل, فيجوز أن تكون إربل مشتقة من ذلك, وقال الفراء: الريبال: النبات الكثير الملتف الطويل, فيجوز أن تكون هذه الأرض اتفق فيها في بعض الأحيان من الخصب وسعة النبت ما دعاهم إلى تسميتها بذلك, ثم استمر, كما فعلوا بأسماء الشهور. وإربل هذه قلعة حصينة ومدينة كبيرة في فضاء من الأرض واسع بسيط, ولقلعتها خندق عميق, وهي في طرف من المدينة, وسور المدينة ينقطع في نصفها, وهي على تل عال من التراب عظيم واسع الرأس. وفي هذه القلعة أسواق ومنازل للرعية وجامع للصلاة وهي شبيهة بقلعة حلب إلا أنها أكبر وأوسع رقعة ... ومع سعة هذه المدينة فبنيانها وطباعها بالقرى أشبه منها بالمدينة, وأكثر أهلها أكراد قد استعربوا ... وبينها وبين بغداد مسيرة سبعة أيام للقوافل, وليس حولها بستان ولا فيها نهر جار على وجه الأرض, وأكثر زروعها على القنى المستنبطة تحت الأرض وشربهم من آبارهم العذبة الطيبة المرئية, التي لا فرق بين مائها وماء دجلة في العذوبة والخفة. الموصل: بفتح الميم وكسر الصاد «المدينة المشهورة العظيمة, إحدى قواعد بلاد الإسلام, قليلة النظير كبرًا وعظمًا, وكثرة خلق, وسعة رقعة, فهي محط رحال الركبان, ومنها يقصد إلى جميع البلدان» وهو بلد جليل حسن البناء, طيب الهواء, صحيح الماء, كبير الاسم, قديم الرسم, حسن الأسواق والفنادق, كثير الملوك والمشايخ, لا يخلو من إسناد عال وفقيه مذكور وقال ياقوت: «وكثيرًا ما وجدت العلماء يذكرون في كتبهم أن الغريب إذا أقام بالموصل سنة تبين في بدنه فضل قوة وما نعلم لذلك سببًا إلا صحة هواء الموصل وعذوبة مائها». ابن الخباز اسمه ونسبه: هو أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي بن منصور بن علي

المعروف بابن الخباز الإربلي الموصلي النحوي الضرير أبو العباس شمس الدين. شهرته: اشتهر هذا العالم الفذ النحوي البارع بلقلب «ابن الخباز» وشاع ذلك في كتب النحاة والمترجمين. كنيته: من اطلاعي على كتب التراجم التي اهتمت بالتعريف بابن الخباز وجدت أنه كان يكنى بإحدى كنيتين: إما بأبي العباس كما في (هدية العارفين) , (الفلاكة والمفلوكين) , وكما في مقدمة كتابه (شرح اللمع) وإما بأبي عبد الله كما في (شذرات الذهب) و (تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب) , (نكت الهميان في نكت العميان) و (الأعلام). مولده: لم تشر كتب التراجم إلى السنة التي ولد فيها ابن الخباز, ولكن ابن العماد ذكر في كتابه (شذرات الذهب) أنه مات وله من العمر خمسون سنة وأشار إلى ذلك أيضًا ابن شهبة الأسدي في كتابه (طبقات النحاة) وبما أن معظم المترجمين له ذكروا أنه قد توفي سنة (639 هـ) فتكون سنة ولادته (589 هـ) , ويغلب على الظن أنه قد ولد في هذه السنة أو قريبًا منها ليتهيأ له السن المناسبة والعقل الكبير للأخذ عن أستاذه الذي طالما نقل عنه في كتابه «توجيه اللمع» وقد مات أستاذه هذا في سنة (613 هـ) فيكون لابن الخباز من العمر أربعة وعشرون عامًا, وهي سن مناسبة للأخذ والتلقي. نشأته: يبدو أن أن ابن الخباز (أحمد بن الحسين) قد ولد بأريل, وسكن الموصل ونشأ بها وتلقى علومه فيها, وتخرج على شيوخها وعاش فيها إلى أن وافاه الأجل بها أيضًا, وقد كانت كتب التراجم تنسبه دائمًا إلى إربل فالموصل فتقول: ابن الخباز الإربلي الموصلي. ويبدو أنه عاش حياته رغم علمه وفضله فقيرًا مغمورًا غير منصف من أهل

زمانه كثير العناء مغمورًا بالهموم والأوجال, فتراه دائمًا يندب حظه, ويرثي حاله ويشكو من أهل بلدته, وكثيرًا ما كان يعتذر عن الخطأ الذي عساه يقع في مؤلفاته بما كان يعانيه من الهموم والأوصاب, قال صاحب إشارة التعيين: «وكان كثير العتب على الزمان مستحضر الجمل من الأشعار والنوادر» وقد نقل صاحب كتاب «الفلاكة والمفلوكين» عن ابن هشام قوله في ابن الخباز: «وكأنه كان غير منصف من أهل زمانه, وقد وقفت له على عدة تآليف, يشكو فيها حاله, فمن ذلك قوله في خطبة كتابه الذي سماه «الفريدة في شرح القصيدة» وهي قصيدة أبي عثمان سعيد بن المبارك الشهير بابن الدهان: «فإن أصبت فمن فضل الله الرحيم, وإن أخطأت فمن الشيطان الرجيم, ومن علم حقيقة حالي عذرني إذا قصرت بأن عندي من الهموم ما يزع الجنان عن حفظه, ويكف اللسان عن لفظه, ولو أن ما بي بالجبال لهدها, وبالنار أطفأها, وبالماء لم يجز, وبالناس لم يحيوا, وبالدهر لم يكن, وبالشمس لم تطلع, وبالنجم لم يسر». فيبدو من هذه العبارة أن الهموم قد تزاحمت عليه, وأن المشاكل قد تسابقت إليه, والأوجال تطرق أبوباه والمتاعب تقف على أعتابه, تريد أن تقيم في رحابه وتسير في ركابه, فهو في ظلمات بعضها فوق بعض. وقال يشكو أهل بلدته: «وأنا مع ذلك بين أهل بلدة تجعل رؤيتهم الذكي بليدًا, ينفرون من الفضائل وأهلها نفور الضب من البحار, والنون من البيد القفار, كلما زاد المرء بينهم فضلًا زاد عندهم نقصًا ... يبتغون الشكر على الأذى وتنوير العيون بالقذى, والموت دون الحكم بذا, واللائق أن تطوى أحوالهم على غرها خوفًا من عدوى عرها». ولعل فقر هذا الرجل وعماه كانا من الأسباب التي جعلته يعيش حياته مغمورًا منعزلًا, فلم ينل حظه من الترجمة الموسعة, التي توضح لنا جوانب حياته المختلفة, وقد حاولت جهدي في هذا المقام أن أتلمس الخيوط التي تشير من بعيد أو قريب إلى ملامح شخصيته, وأستشف من النصوص التي وردت عنه طرفًا من نشأته وأخلاقه وسيرته. أخلاقه: لم تنص كتب التراجم على ما يقيد في هذا الموضوع, ولكن يبدو من

النظر في بعض النصوص التي وردت عنه أنه كان عارفًا بربه حق المعرفة, ويثق بما عنده ويلجأ إليه في كل الأمور, ويجأر إليه بالدعاء كلما حزبه أمرٌ أو نزل به مكروه, فتراه يقول: «وأنا أسأل الله العظيم أن يكفيني شر شكواي, وأن لا يزيدني على بلواي, فإني كلما أردت خفض العيش صار مرفوعًا, وعاد بالحزن سبب المسرة مقطوعًا, والله المستعان في كل حال, ومنه المبدأ وإليه المآل» وكان معتزًا بكرامته يصون وجهه عن الخضوع لغير الله, فيقول في خاتمة كتابه «شرح اللمع»: فأسأل الذي صان أوجهنا عن السجود لغيره أن يصون ألسنتنا عن السؤال لغيره, وأن يعرفنا عيوب أنفسنا, ويشغلنا بسترها, وأن يفتح علينا أبواب رزقه العميم ومنه الجسيم, وأن يجمع لنا بين العلم والعمل, وإن يحقق لنا هذا الأم, وأن يصلي على نبيه محمد الذي أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا وعلى آله الهادين, وأصحابه المهديين, وأن يجعل ما أمليته خالصًا لوجهه الكريم, إنه أكرم مسئول, ولديه تحقيق كل مأمول, فهو حسبي ونعم الوكيل». فمثل هذه العبارات لا تنبع إلا من قلب صاف عمر بالإيمان, وأضار بنور اليقين, ولا تجري إلا على لسان رطب بذكر الله, ومن هنا يمكن القول بأنه كان عالمًا بارعًا متدينًا صالحًا, وكان رحمه الله متمتعًا بخلق العلماء من تواضع ووفاء, فكان إذا تعرض لذكر شيخه الذي أخذ عنه كثيرًا في كتابه ترفع عن ذكره باسمه إجلالًا له وتقديرًا وذكره يلقب الشيخ, ثم يتبع هذا اللقب بالترحم عليه أو الترضي عنه. قال ابن الخباز (باب الحال): وقال لنا الشيخ رحمه الله: إذا كان اسم الفاعل والمفعول صلة للام, لم يجز تقديم الحال عليه تقول: زيد المنطلق مسرعًا, ولا يجوز زيد مسرعًا المنطلق, لتقديمك بعض الصلة على الموصول «وقال في (باب التصغير) معللًا تصغير وراء وقدام وأمام, مع إلحاقها تاء التأنيث: قال الشيخ رحمه لله: لأن الغالب على الظروف التذكير, وهذه مؤنثات, فلو صغرت بغير تاء لألحقت بالغالب. «وأيضًا كان وفيًا لمن استفاد من علمهم ونهل من موردهم فلا يذكر أحدهم إلا ويتبع اسمه بالترحم عليه مثل قوله: أنشد يعقوب رحمه الله, وأنشد ابن فارس رحمه الله, وأنشد سيبويه رحمه الله وهكذا كان يأبى عليه وفاؤه إلا أن يكرم أهل الفضل, ويعترف بأياديهم عليه, شكرًا وامتنانًا, وتلك هي أخلاق العلماء وصفات الصالحين الفضلاء.

ثقافته: لم تكن ثقافة ابن الخباز محصورة في فن بعينه, أو مقصورة على لون من ألوان المعرفة, ولكنها تعدت هذا النطاق الضيق, وتجاوزت ذلك القدر المحدود, وشملت عدة فروع من المعرفة, شملت: النحو, والصرف, واللغة, والعروض, والفقه, والفرائض, والأدب والحساب, فقد أشار ابن العماد إلى أن له تصانيف أدبية وذكر ابن تعرى بردي أنه كان أديبًا وشاعرًا وأورد له يتبين من الشعر في العناق هما: كأنني عانقت ريحانة ... تنفست في ليلها البارد فلو ترانا في قميص الدجى ... حسبتنا في جسد واحد وذكر له أبو المحاسن في كتابه (إشارة التعيين) يتبين من الشعر في ذم أهل الزمان هما: أعراضهم لو تزل مسودة فإذا ... قدحت فيهم أصاب القدح إحراقًا بلوتهم وطعمت السم في عسل ... وما وجدت سوى الهجران ترياقا وأوضح صاحب (إشارة التعيين) وابن شهبة الأسدي إلى أنه كان له معرفة بالحساب وأنه كان مستحضر الجمل من الأشعار والنوادر, وكان من جملة محفوظة: الإيضاح, والتكملة, والمفصل, ومجمل اللغة لابن فارس. ويتضح من كتابه «توجيه اللمع» أنه كان يجيد حفظ القرآن الكريم وعلى معرفة بقراءته القرآنية, وكان أيضًا حافظًا للجيد الكثير من أشعار العرب كما هي عادة الدارسين في عصره, فإملاؤه هذا يدل بوضوح على أنه كان حسن النظر واسع الإطلاع. *** مكانته العلمية: يبدو أن ابن الخباز (أحمد بن الحسين بن أحمد) كان ذا منزلة علمية عالية ومكانة رفيعة بين أقرانه من العلماء فقد كان رحمه الله عالمًا فاضلًا مجيدًا لفنون النحو والصرف واللغة والفقه والعروض والفرائض والأدب والحساب, وشخصيته تجيد كل

هذه الفنون جديرة بالإجلال والتقدير, قال صاحب (إشارة التعيين) في حق ابن الخباز «وجلس مكان شيخه يقرئ النحو واللغة والعروض والقوافي والفرائض والحساب, وتزاحم الناس عليه, ولم ير في زمانه أسرع حفظًا منه». وقال السيوطي: وكان أستاذًا بارعًا علامة زمانه في النحو واللغة, والفقه والعروض والفرائض» وقال ابن تغرى بردي مشيدًا بابن الخباز: «كان إمامًا بارعًا مفتيًا عالمًا بالنحو واللغة والأدب» وقال شهاب الملة والدين الدلجي في الحديث عن ابن الخباز: «أنه كان من علماء النحو وفرسانه, أدبيًا لطيف الروح عذب العبارة». ومما يبرز لنا مقدرته العلمية أنه أملى كتابه «توجيه اللمع» من محفوظه, ولم يستعن في مدة إملائه عليه بمطالعة كتاب» فالسيوطي قد وصفه بالأستاذية وهي لقب علمي مرموق, ووصفه كذلك بالبراعة, وهي صفة تشير إلى مدى رسوخ قدمه وطول باعه وقال: إنه علامة زمانه, وابن تغرى بردي خلع عليه وصفي الإمامة والبراعة, والدلجي وصفه بأنه فارس من فرسان النحو, وأجدر بمن يوسم بكل هذه السمات ويوصف بكل تلك الصفات, أن يكون علامة عصره وإمام دهره ذا علم جم وأدب رفيع وذكاء خارق وعقل راجح وحافظة قوية. *** شخصيته وأمانته العلمية: تبدو شخصية ابن الخباز واضحة في ثنايا كتابه «توجيه اللمع» وذلك بما يسوق من تعليل للأحكام النحوية وبما يستدركه على ابن جني من أمور, وهاتان الناحيتان سوف نتكلم عنهما فيما بعد, وتبدو شخصيته كذلك بتعقيبه على النحاة مبينًا صحتها أو بطلانها, وتتضح كذلك في طريقة عرضه للمادة العلمية, وذلك بما يبرزه لنا من تقسيم للقضايا وتفريع للمسائل, فتبدو واضحة المعالم سهلة التناول, مما ييسر على الباحث استيعابها وضبطها. وكان لديه أمانة عليمة, فغالبًا ما ينسب الآراء إلى أصحابها والنقول إلى ذويها.

من اشتهروا بلقب ابن الخباز: 1 - أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي بن منصور بن علي الشيخ شمس الدين ابن الخباز الأربلي الموصلي النحوي الضرير, توفي سنة (639 هـ). 2 - محمد بن أبي بكر بن علي الموصلي الشافعي المعروف بابن الخباز نجم الدين نحوي, قدم مصر ثم عاد إلى حلب, من تصانيفه: شرح ألفية ابن معطي في النحو مات في السابع من ذي الحجة سنة (631 هـ). 3 - محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب العامري المعروف بابن الخباز أبو بكر, من تصانيفه شرح الشهاب, مات سنة (530 هـ). 4 - محمد بن عبد الله المعروف باتمكجي زاده, أي ابن الخباز الرومي «محيي الدين» وهي صوفي. من تصانيفه: أخلاق الكرام, وحق اليقين, والرسالة الشمسية, والرسالة العينية, والمصادر السنية, مات سنة (1014 هـ). 5 - أبو عبد الله محمد بن مبارك, ويعرف بابن الخباز, أديب لغوي إخباري من أهل سرقسطة, له تآليف, مات سنة (483 هـ). *** شيوخه: لم تسعفنا كتب التراجم بشيء عن أساتذة وشيوخ ابن الخباز, ولكنه صرح في خاتمة كتابة «توجيه اللمع» بأستاذه الذي اغترف من بحره ونهل من مورده, واستفاد منه الكثير, ونقل عنه الجم الغفير من النصوص في كتابه هذا, وسوف نورد طرفًا من هذه النقول عقب ذكر ترجمة قصيرة له فنقول: شيخ ابن الخباز: هو عمر ابن أحمد ابن أبي بكر بن أحمد بن مهران العراقي النحوي مجد الدين أبو حفص الضرير. كان رحمه الله بارعًا في علم النحو, وله ذكاء وفكرة حسنة, وكان في لسانه حبسة

عظيمة, وعنده ثقل في كلامه فلا يكاد يبين, أراد مناظرة محمود بن الأرملة فلم يجبه خوفًا منه, وتخرج على مكي بن ريان بن شبة بن صالح الماكسيني الضرير وتصدر بعده لإقراء علم النحو, وصار أنحى أهل عصره, وأتقن العروض والنحو واللغة والشعر, وكان مفرط الذكاء تخرج به أئمة, ومنهم ابن الخباز, توفي يوم عيد الفطر سنة (613 هـ). وقد ظهر أثره واضحًا في كتاب ابن الخباز, قال ابن الخباز: وحكى له شيخنا رحمه الله أن بعض العصريين من أهل بلدنا تخيل أن المراد بتغيير الآخر تنحية حرف ووضع حرف مكانه. وقال ابن الخباز: من الناس من يرى تقديم الفاعل على سائر المرفوعات, قال شيخنا رحمه الله: لأن عامله لفظي وهو فعل. وقال: وسألت شيخنا رحمه الله فقلت له: هلا اكتفوا بتأنيث الفاعل فقال: هذا لا يستقيم, لأن المذكر قد يسمى بالمؤنث. وقال: وسألت شيخنا رحمه الله لم لم تصغر (يعني عند) فقال: لأن تصغير الظروف يفيد التعريف, وعند مستغنية عنه. ويذكر العلماء أنه روى عن محمد بن أحمد بن محمد المعروف بالشريشي المالكي النحوي, وزين الدين أبي العباس أحمد بن عبد الدايم بن إبراهيم

والجمال البغدادي عبد الرحمن بن سليمان ومحب الدين أبي العباس أحمد بن عبد الله شيخ الحرم الطبري المكي, ومجد الدين محمد بن الظهير الأربلي ورشيد الدين البصروي الحنفي النحوي مع أنهم جميعًا قد ماتوا بعده بزمن طويل حيث إن ابن الخباز قد توفي سنة (639 هـ) على الأرجح, وهم قد عاشوا بعده فترة تتراوح بين الثلاثين والخمسين عامًا. ولكن بالتأمل في سني ميلادهم نجد أنهم قد عاصروه وإن كانت قد طالت أعمارهم بعده فلا مانع من أن يكون روى عنهم أثناء حياته. ويحتمل أن يكون ابن الخباز الراوي عنهم هو غير صاحبنا. والله أعلم. من تلاميذه: 1 - محمد بن ميكال بن أحمد بن راشد مجد الدين الموصلي الفرضي النحوي, وقد استملى على ابن الخباز كتاب «التوجيه في العربية» ومات في شوال سنة ثمانين وستمائة عن ثمان وسبعين سنة. 2 - عز الدين أبو محمد عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد الزنجاني الأديب الفاضل نزيل تبريز. كان فاضلًا عالمًا أديبًا حكيمًا عارفًا بالمنقول والمعقول, واستوطن تبريز, وكان قد

أقام بالموصل, واستملى من الشيخ شمس الدين ابن الخباز تصنيفه وكان عالمًا بالنحو واللغة والتصريف وعلم المعاني والبيان. من مؤلفاته: الهادي في علم النحو والصرف, وشرحه شرحًا وافيًا بسيطًا سماه: الكافي, وكتاب معيار النظار في علوم الأشعار في علم العروض, والتصريف العزي المطبوع المشهور. مات سنة (660 هـ). آثاره العلمية: ترك ابن الخباز - بعد حياة علمية حافلة بالنشاط - آثارًا علمية وافرة منها: 1 - شرح اللمع وهو المسمى «بتوجيه اللمع» وهو موضوع دراستنا ومنه نسخة وحيدة بمكتبة الأزهر تحت رقم «2348 السقا 28676) وهي نسخة كاملة تبتدأ بمقدمة وتنتهي بخاتمة. 2 - الإلماع في شرح اللمع لابن جني, وهذا الكتاب - وإن كان لم تشر إليه كتب التراجم أو فهارس المكتبات - أشار إليه ابن الخباز في ثنايا كتابه توجيه اللمع حين قال - في معرض الحديث عن نون الوقاية: «وفي هذه النون مسائل كثيرة, استقصيتها في كتاب الإلماع في شرح اللمع». 3 - الغرة المخفية في شرح الدرة الألفية لابن معطي ومنه نسخة بمكتبة الأزهر تحت رقم (3286 عروس 42613) وهي في مجلد واحد وكتبت بقلم معتاد, وتقع في (157) ورقة, ونسخة أخرى نفيسة بالإسكوريال تحت رقم (22) وكتبت سنة (644 هـ) ومنها ميكروفيلم بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية تحت رقم (117) وهي تقع في (150 ورقة) , وقد كتبها عبد الله بن محمد الزرندي الساوي بالمدرسة القاهرية بالموصل, وقدمها لحاكم أربل محمد بن سعيد بن محمد سنة (647 هـ) وعليها خط الصفدي. 4 - الكفاية في النحو - وهو وإن لم تشر إليه الفهارس التي أمكنني الاطلاع

عليها قد أشار إليه ابن الخباز في كتابه «الغرة المخفية» حيث قال: «وقد ذكرت هذه الأبواب في النحو مسرودة المسائل في كتاب الكفاية. 5 - شرح ميزان العربية للأنباري. 6 - النظم الفريد في نثر التقييد. 7 - النهاية في النحو وقد نقل ابن هشام في مغني اللبيب نصوصًا عن هذا الكتاب في (1/ 179 و 2/ 488) ويقول خبراء المكتبات: إن هذا كان ضمن مخطوطات برنستن بولاية نيوجرسي بأمريكا. 8 - شرح الجزولية وأشار إليه أيضًا ابن هشام في مغني اللبيب (2/ 343) , والمرادي في شرح التسهيل (ق 105) , والسيوطي في الأشباه والنظائر (2/ 66, 108). 9 - شرح الإيضاح للفارسي, وقد أشار إليه ابن هشام في مغني اللبيب (1/ 191, 307, 2/ 494). 10 - الفريدة في شرح القصيدة, وهي قصيدة أبي عثمان سعيد بن المبارك الشهير بابن الدهان, وأشار إلى هذا الكتاب نقلًا عن ابن هشام شهاب الملة والدين أحمد بن علي الدلجي في كتابه المسمى «بالفلاكة والمفلوكين». 11 - التوجيه في النحو. هكذا ذكروا كتاب التوجيه في النحو بين مؤلفات ابن الخباز, فهل هل كتاب توجيه اللمع الذي بأيدينا؟ أو هو كتاب آخر؟ لم نجد ما يبين هذا بيانًا شافيًا.

12 - مناقب الشيخ ابن قدامة (إبراهيم بن عبد الله الحنبلي) المتوفى سنة 666 هـ وهذا الكتاب يقع في مجلد واحد كما أشار إلى ذلك صاحب كشف الظنون. 13 - الفصول الخمسون في النحو, وهو بمكتبة برلين. مذهبه النحوي: إذا ما تأملنا مناقشات ابن الخباز للمسائل النحوية ومواقفه من آراء النحاة بصريين وكوفيين, أدركنا بوضوح ميوله للمذهب البصري, إذ كثيرًا ما كان يبطل المذهب الكوفي, ويدمغه بالفساد, مبينًا أسباب ذلك, وأيضًا مما يقوي لدينا الحكم بميله البصري: أنه كثيرًا ما يعبر عن البصريين بقوله: «هذا عندنا» أو «ومذهب أصحابنا» كذلك إذا نظرنا إلى الاصطلاحات التي استعملها في أسلوبه وجدنا أنها اصطلاحات بصرية غالبًا, ويتضح ذلك بالنماذج الآتية: قال ابن الخباز: (باب الإعراب والبناء): وبنى خذ وكل, لأنهما فعلان, وسكنًا لأنه الأصل, وذهب الكوفيون إلى أن الأمر معرب مجزوم بلام الأمر المحذوفة, فالأصل عندهم: لتأخذ ولتأكل, فحذف اللام والتاء, والسكون جزم لا وقف, وهذا عندنا فاسد, لأنه لما حذف منه حرف المضارعة جرى مجرى الماضي في التعري منه, فعاد إلى البناء. وقال: (باب الأفعال) «الأفعال مشتقة من المصادر». وقال: (باب المفعول المطلق) «وإنما سمي مصدرًا, لأن الفعل يصدر عنه من حيث إنه مشتق عنه». ونحن ندرك جيدًا أن البصريين هم الذين يقولون: إن الأفعال مشتقة من المصادر, فإطلاقه هذا القول دليل اتباعه مذهبهم واعتناقه نزعتهم. وقال: (باب المفعول به): واختلف النحويون في ناصب المفعول الثاني, فقال البصريون: إذا قلت: أعطيت زيدًا درهمًا, فناصب درهمًا أعطيت, لأنه اقتضاه فعمل فيه, وقال الكوفيون: هو منصوب بفعل محذوف, دل عليه أعطيت, كأنه

قال: أعطيت زيدًا, فأخذ درهمًا لأن الإعطاء يدل على الأخذ وهذا عندنا فاسد, لأنا نقول: أعطيت زيدًا درهمًا فلم يأخذه, فلو كان التقدير كما زغموا, لصار معنى الكلام: أعطيت زيدًا فأخذ درهمًا فلم يأخذه, وتلك مناقضة ظاهرة. وقال: (باب عطف النسق): ولا يجوز أن تقول: قام زيد لكن عمرو, وأجازه الكوفيون, واحتج أصحابنا بأن «بل» أغنت عنها, واحتج الكوفيون بقياسها على «بل» وأجاب أصحابنا بأن لكن تزول عن العطف إذا دخلت الواو عليها. وقال: (باب إعراب الاسم الواحد): «وتوهم بعض العصريين أن قسمة الصحيح إلى المنصرف وغير المنصرف مؤذنة بأن المعتل ليس كذلك وهذا توهم باطل». وقال: (باب خبر المبتدأ): وإنما أخبر عن المبتدأ بالجملة لوجهين: أحدهما: التوسع في العبارة, لأن الجملة تتضمن ضميرًا يعود على المبتدأ والضمير هو المبتدأ في المعنى. فتعبيره عن نحاة البصرة بقوله: «أصحابنا» وقوله: «وهذا عندنا» واستعماله اصطلاحات المدرسة البصرية كالمنصرف والضمير, دليل قاطع على نزعته البصرية, وإن كان من متأخري النحاة. *** وفاته: اختلفت كلمة المترجمين له في تحديد سنة وفاته, فيرى صاحب النجوم الزاهرة وصاحب كتاب الذيل على الروضتين, وابن العماد في شذرات الذهب, وابن الفوطي في تلخيص مجمع الآداب, وكحالة في معجم المؤلفين, والزركلي في الأعلام, واليافعي في مرآة الجنان, وابن شهبة الأسدي في طبقات النحاة, وأبو المحاسن في إشارة التعيين أنه مات في سنة (639 هـ) , ويرى صاحب هدية العارفين وصاحب كشف الظنون والسيوطي في البغية أنه توفي سنة (637 هـ). وكانت وفاته رحمه الله بالموصل في شهر رجب, وذكر المقدسي أنه توفى في السابع من رجب, أما السيوطي وابن شهبة فيقولان: إنه مات في العاشر من ذلك الشهر ودفن رحمه الله بظاهر الموصل.

الفصل الثالث: كتاب «توجيه اللمع» ومنهج ابن الخباز فيه

الفصل الثالث: كتاب «توجيه اللمع» ومنهج ابن الخباز فيه كتاب «توجيه اللمع»: هو كتاب في النحو, يشرح به مؤلفه كتاب «اللمع لابن جني» بأسلوب سهل وعبارة واضحة سلسة, مع تعليل النحوية وإظهار الأسرار التي تنطوي عليها قضاياها, ويبين لنا ابن الخباز في مقدمة كتاب الأسباب والدواعي التي حفزته إلى تأليف هذا الكتاب فيقول: أما بعد: فإن جماعة من حفظة كتاب «اللمع» في النحو لأبي الفتح عثمان بن جني رحمه لله أطمعهم فيه صغر حجمه, وآيسهم منه عدم فهمه, وذلك لأن الكتب المصنوعة لتفسيره منها الكبير الممل, ومنها الصغير المخل, والمتوسط بينهما إما يفقد, وإما يقل, فضمنت لهم إملاء مختصرًا. وهذا الكتاب يشتمل على كل الأبواب التي اشتمل عليها كتاب «اللمع» لأنه شرح له. وقد التزم ابن الخباز في كتابه الترتيب الذي وردت عليه أبواب «اللمع» فلم يقد فيه ولم يؤخر, بل ابتدأ بما ابتدأ به ابن جني, وتتبع أبوابه شرحًا وتعليلًا وعرضًا لآراء النحاة في القضايا الخلافية, ثم اختتم كتابه بالأبواب التي أنهى بها ابن جني كتابه. وينهي ابن الخباز شرحه هذا بخاتمة يقول في مستهلها: «هذا آخر ما عمدت لإملائه من شرح كتاب «اللمع» وقد جئت به كما ضمنت في خطبته ومن تصفحه وتأمله علم صدق دعواي, ولم أستعن في مدة إملائه عليه بمطالعة كتاب, وقد أودعته نبذًا مما رويته عن شيخي مجد الدين أبي حفص عمر بن أحمد بن أبي بكر ابن مهران, يرد الله مضجعه, وطيب مهجه, ومن عثر لي في هذا الإملاء على عثرة, فليكن العاثر غادرًا لزللها, وسادًا لخللها, فإن السعيد من عدت سقطاته. مصادره: بالتأمل في كتاب «توجيه اللمع» لابن الخباز نستطيع التعرف بوضوح على المصادر التي استقى منها الشارح مادة كتابته العلمية, فقد كان رحمه الله يشير إلى من روى عنهم أو نقل من كتبهم أو استعان بآرائهم المثبوتة في كتب غيرهم, ومن أبرز

من استفاد منهم ابن الخباز في كتابه هو شيخه مجد الدين بن أبي حفص عمر بن أحمد, فكثيرًا ما كان يصنع معه صنيع سيبويه مع الخليل, وابن جني مع الفارسي, فكان يقول: وسألت شيخنا رحمه الله أو وحدثنا رحمه الله, أو قال شيخنا رحمه الله, وقد ذكرت نبذا مما نقله عنه ابن الخباز في كتابه, عندما تحدثت عنه في الفصل الثاني ومن أهم هذه المصادر أيضًا ما يأتي. (1) البصريون. ... (2) الكوفيون. (3) البغداديون ومن تلاهم. أولًا - البصريون: يعد سيبويه شيخ المدرسة البصرية في مقدمة البصريين الذين أفاد منهم ابن الخباز في كتابه هذا, فكتاب سيبويه كان ولا يزال موردًا عذبًا ومنهلًا فريدًا, لطالبي علم العربية أو راغبي التعمق فيه, حيث إنه بلغ من الشمول والسعة درجة كبيرة, فحق على من أراد التأليف في هذا الفن أن يرد حياضه, ويرشف من رحقيقه, ويعب من سلافه, ولهذا فقد صح إلى حد بعيد القول المشهور الذي يقول: «من أراد أن يعمل كتابًا كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي» فلا عجب إذن أن يغترف من بحره كل نحوي يأتي بعده, فما من كتاب في النحو إلا واسم سيبويه يرتدد بين جنباته أكثر من غيره, فالنحاة جميعًا عيال عليه. والقارئ لكتاب «توجيه اللمع» يدرك بوضوح مدى الأثر الكبير الذي تركه سيبويه عليه, فاسم سيبويه يتردد في ثنايا الكتاب أكثر من غيره من أعلام النحو واللغة وهذا لأثر بدأ في كتاب ابن الخباز متخذًا أشكالًا متنوعة, منها: أولًا - إفادته الكثير من آراء سيبويه, ونجدها منتشرة في معظم أبوابه. ثانيًا - إفادته كثيرًا من الشواهد الشعرية, فكان كثيرًا ما يقول: أنشد سيبويه. ثالثًا - أفاد ابن الخباز من كتاب سيبويه بنقل آراء بعض النحويين الذين وردت لهم آراء فيه كالخليل بن أحمد ويونس. ومن البصريين الذين استعان ابن الخباز في كتابه بآرائهم: الأصمعي, وعيسى بن عمر والأخفش ويونس وأبو محمد اليزيدي وأبو عثمان المازني والمبرد.

ثانيًا الكوفيون: أما الكوفيون فقد كان ابن الخباز يذكر رأيهم في المسائل الخلافية, وبناقشه مناقشة حرة, بعيدة عن العصبية الممقوتة التي تجافي العلم, ولا تتفق وطبع العلماء. علمًا بأن ميله إلى المذهب البصري كان واضحًا, لكن ولاءه للمدرسة البصرية لم يمنعه من عرض آراء رجل المدرسة الكوفية, وبيان موقفهم من قضايا النحو المختلفة, مما يشعر بأنه قرأ كتبهم وتفهم أسرارها بدقة, وكان رحمه الله ذا عقلية ناقدة فاحصة, فكان يقبل ما يراه صحيحًا- وإن كان من غير المدرسة التي ينتمي إليها - ويرد ما يراه فاسدًا - وإن كان من رجال مدرسته - ومن الكوفيين الذين ذكر لهم آراء فردية الكسائي وثعلب والفراء. ثالثًا: البغداديون ومن تلاهم: وهم من استفاد ابن الخباز من آرائهم أو كتبهم ولم يشملهم إصطلاح بصري أو كوفي, وقد كونوا لهم آراء خاصة بهم في المسائل النحوية, تتفق أو تختلف عن مذهب المدرستين التقليديتين: البصرية, والكوفية, وفي مقدمة من استفاد منهم من رجال هذه المدرسة: أبو سعيد السيرافي وأبو علي الفارسي فآراؤهما تنتشر في كتابه بكثرة, ومن هؤلاء أيضًا: الزجاج وابن السراج والزجاجي والزمخشري والرماني, وابن الدهان وغيرهم, ولست أراني بحاجة إلى ذكر النماذج هنا لكثرتها ووضحوها في كتابه. توثيق نسبة كتاب «توجيه اللمع» إلى ابن الخباز: يمكن أن نثبت بما لا يدع مجالًا للشك - أن كتاب «توجيه اللمع» لأحمد بن الحسين المعروف بابن الخباز بثلاثة أدلة: الأول: إشارة كتب التراجم إلى أن لابن الخباز شرحًا على كتاب «اللمع» لابن جني ومن هذه الكتب معجم المؤلفين, وهدية العارفين, وكشف الظنون. الثاني: اتفاق كتابي ابن الخباز (توجيه اللمع) و (الغرة المخفية) في الأسلوب وعرض بعض المسائل التي ينقلها العلماء منسوبة لابن الخباز كقول السيوطي في (الأشباه والنظائر) (2/ 14): قال ابن الخباز في شرح (الدرة الألفية): الحروف العاملة أربعة أقسام: قسم يرفع وينصب, وهو أن وأخواتها, ولا المشبهة بأن وما ولا المشبهات بليس, وقسم ينصب فقط, وذلك حروف النداء ونواصب الفعل المضارع ... وقسم يجر فقط

وهي حروف الجر. وقسم يجزم فقط وهي حروف الجزم. فهذا النص ثابت في (الغرة المخفية) لابن الخباز ق 7 - و (توجيه اللمع) (باب أن وأخواتها). وكذلك اتفاق الكتابين في نقل ابن الخباز عن شيخه أبي حفص الضرير نقلًا كثيرًا لا يوجد في غير تأليف ابن الخباز. والثالث: أني وجدت كثيرًا من النصوص والآراء التي نقلها عنه المتأخرون في كتبهم موجودة في كتاب «توجيه اللمع» وهذا دليل قاطع على إثبات إن الكتاب له وليس لغيره, ومن هذه النصوص ما يأتي: قال ابن باز: «اختلف النحاة في تعريف العامل, فقال المطرزي: هو ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب, وقال ابن الخباز: هو ما أحدث في آخر الكلمة رفعًا أو جرًا أو جزمًا وكلام ابن الخباز موجود في كتاب «توجيه اللمع» ونصبه: والعامل كل ما أثر في كلمة رفعًا أو نصبًا أو جرًا أو جزمًا». قال ابن إياز أيضًا عند الكلام على «ما دام»: فسرها الجزولي وابن عصفور أنها لمقارنة الصفة الموصوف في الحال, إذا كانت ناصبة كقولك: أزورك ما دمت محسنًا, وقال ابن الخباز: فيه خلل, وذلك لأن معناها التأييد ورأى ابن الخباز هذا في (توجيه اللمع) ونصه: وما دام للتأييد. وقال المرادي في «الجني الداني» (الواو) قال ابن الخباز: وذهب الشافعي إلى إنها للترتيب وقول ابن الخباز هذا في «توجيه اللمع» أيضًا ونصه: وحكوا عن الشافعي أنه ذهب إلى أنها تفيد الترتيب. وقال المرادي أيضًا (قد): قال ابن الخباز: إذا دخل «قد» على الماضي أثر فيه معنيين: تقريبه من زمن الحال, وجعله خبرًا منتظرًا. وكلام ابن الخباز هنا موجود في (توجيه اللمع) أقال: «قد» تلى المضارع والماضي فمعناها في الماضي تقريبه من الحال.

وقال المرادي في (حتى): إذا عطف بحتى على مجرور, قال ابن عصفور: الأحسن إعادة الجار, ليقع الفرق بين العاطفة والجارة. وقال ابن الخباز: لزم إعادة الجار فرقًا بينها وبين الجارة, وقال ابن الخباز في (توجيه اللمع): «وإذا قلت: مررت بهم حتى بزيد, وجب إعادة الجار, لأن المعطوف عليه مضمر مجرور, وقد حصل من ذلك الفرق بين العاطفة والجارة» فمضمون كلامه في توجيه اللمع هو ما نص عليه المرادي في الجني الداني. وقال السيوطي: «قال ابن الخباز: إن قلت ما الفرق بين: زيد أخوك وأخوك زيد؟ قلت: من وجهين: أحدهما: أن زيدًا أخوك, تعريف للقرابة, وأخوك زيد, تعريف للاسم. والثاني: أن زيدًا أخوك, لا ينفي أن يكون له أخ غيره, لأنك أخبرت بالعام عن الخاص, وأخوك زيد, ينفي أن يكون له أخ غيره, لأنك أخبرت بالخاص عن العام, وهذا ما يشير إليه الفقهاء في قولهم: زيد صديقي وصديقي زيد, نقله ابن هشام في تذكرته وهذا النص وجد بحروفه في (توجيه اللمع) لابن الخباز (باب خبر المبتدأ) وقال السيوطي: قال ابن الخباز: إنما لم يبنوا «اثني عشر» لأنه لا نظير له, إذ ليس لهم مركب صدره مثنى وهذا النص بعينه ذكره ابن الخباز في (باب العدد) قال: أما اثنا عشر فإن شطره الأول معرف, لأنهم لو بنوه للتركيب لم يكن له في كلامهم نظير, لأنه ليس في كلامهم مركب أول شطريه مثنى. وقال السيوطي أيضًا: قال ابن الخباز: الاثنان هجر جانبة في موضعين: الأول: أن الأعداد من الثلاثة إلى العشرة بنوا منها صيغ الجمع من ثلاثين إلى تسعين, ولم يقولوا من الاثنين: ثنيين. والثاني: أن من الثلاثة إلى العشرة اشتقت من ألفاظها الكسور, فقيل: ثلث وربع إلى العشر, ولم يقل في الاثنين: ثني, بل نصف وهذا النص كذلك في توجيه اللمع (باب العدد). فهذه النصوص التي نقلها العلماء بعده عنه وأودعوها بطون كتبهم والتي ثبت أنها موجودة في ثنايا كتاب «توجيه اللمع» تدل دلالة قاطعة على صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن الخباز.

منهج ابن الخباز في «توجيه اللمع» لقد ألمح ابن الخباز في مقدمة كتابه «توجيه اللمع» إلى بعض خصائص منهجه حين قال في شأن كتابه هذا: فضمنت لهم إملاء مختصرًا أقتصر به على توجيه مسائله وتبليغ وسائله, وكلما مررت ببيت ذكرت إعرابه, أو بلفظ لغوي جليته تجلية تزيل استغرابه, ونحن في هذا المجال نبرز أهم السمات المنهجية التي وضحت في كتابه, فنقول: 1 - التقسيمات: إن القارئ لكتاب «توجيه اللمع» ليدرك بوضوح مدى حرص ابن الخباز وولعه بتقسيم الفكرة نظرًا لاعتبار معين فلا يكاد يخلو منها باب من أبواب كتابه, وهو يفعل ذلك سواء بالنسبة للمسائل العامة, أو بالنسبة لتفريعاتها وإليك بعض النماذج التي توضح لنا هذه الناحية. قال ابن الخباز (باب معرفة الأسماء المرفوعة): وانقسم المرفوع إلى هذه الأقسام الخمسة, لأن عامل الرفع لا يخلو من أن يكون معنويًا أو لفظيًا, فإن كان معنويًا: فهو عامل الابتداء والخبر, وإن كان لفظيًا: لم يخل من أن يكون فعلًا أو حرفًا, فإن كان فعلًا: لم يخل من أن يكون حقيقيًا أو غير حقيقي, فإن كان حقيقيًا: لم يخل من أن يكون مسمى الفاعل أو غير مسمى الفاعل, فإن كان مسمى الفاعل: فالمرفوع به فاعل, وإن لم يكن مسمى الفاعل: فالمرفوع به مفعول لم يسم فاعله, وإن كان غير حقيقي: فهو باب (كان وأخواتها) والمرفوع به مشبه بالفاعل وإن حرفًا فهو (باب إن وأخواتها) والمرفوع به مشبه بالفاعل أيضًا. وقال (باب خبر المبتدأ): وإذا أردت الإخبار عن المبتدأ بالظرف نشأ للمبتدأ تقسيم إلى الجثة والحدث, فالجثة: الجسم كزيد وفرس وحجر, والحدث: المصدر كالقيام والقعود والأكل والشرب, وإنما انقسم المبتدأ إلى هذين مع الظرف, لأن حكمهما مختلف مع الأخبار بالظرف. وغير ذلك كثير من نماذج التقسيم التي انتشرت في ثنايا كتابه, وهذا يدل على أنه

كان متمتعًا بذكاء مفرط, وقريحة وقادة, وبصيرة نافذة, ودقة بالغة في تصوير المعاني التي يريد إبرازها, وقدرة فائقة في حصر مسائل الموضوع الذي يريد الحديث عنه. ومن الملاحظ أن نظرته هذه إلى التقسيم تجعله يري في بعض المسائل التي يبحثها قسمين أو أكثر تتفرع عليهما, ولذلك فهو يشطر المسألة بينهما, ويضع قوله: لا يخلو أو لا تخلو, أو إما أن يكون كذا وإما أن يكون كذا, فاصلًا بين هذه الأقسام. 2 - التعريفات: من الملاحظ أن ابن الخباز في كتابه «توجيه اللمع» يبدأ أكثر أبوابه بالتعريفات, وهي أقرب إلى روح اللغة والنحو, وفي بعض الأحيان يقف بعضها عند حدود المعنى اللغوي, وإليك بعض هذه التعريفات. قال ابن الخباز: (باب الاستثناء) هو استفعال من ثنيت أثنى إذا عطفت, وذلك أنك إذا ذكرت المستثنى فقد عطفته عن الحكم الذي لغيره وثنيته عنه. وقال: (باب الإضافة) للإضافة معنيان: لغوي, وصناعي, فاللغوي: الإسناد, تقول: أضفت ظهري إلى الحائط أي: أسندته إليه ... وأما الصناعي: فهو ضم اسم أول إلى اسم ثان ليس بخبر ولا تابع ولا حال من غير فاصل بينهما. وقال: (باب الوصف) يقال: وصف, وصفة, ونعت, فالوصف: المصدر والصفة: اللفظ الجاري على الموصوف. وقال: (باب الندبة): الندبة مصدر قولك: ندبت الميت أندبه ندبًا وندبة إذا بكيت عليه وعددت محاسنه. وقال: (باب العدد): العدد: مصدر قولك: عددت الشيء أعده عدا والعدد بمعنى المعدود كما أن القبض بمعنى المقبوض. ومما تقدم ندرك بجلاء أن ابن الخباز كان في تعريفاته يميل إلى اللغة أكثر منه إلى الحدود النحوية, وهذه ظاهرة واضحة في كتابه مما يجعلنا نوقن أنه كان عالمًا باللغة كما كان عالمًا بالنحو. 3 - المصطلحات: يغلب على ابن الخباز - كما هو واضح من كتابه - استعمال المصطلحات

البصرية, أما المصطلحات الكوفية فقليلة جدًا في كتابه. وإليك بعض النصوص التي تبرز لنا هذه الحقيقة. قال ابن الخباز: (باب الإعراب والبناء) والجر اختصاص الآخر بالكسرة التي يحدها العامل. وقال في (الباب السابق): ويدخل حرف الجر على أين ولا يدخل على كيف. وقال: (باب إعراب الاسم الواحد) وتوهم بعض العصريين أن قسمة الصحيح إلى المنصرف وغير المنصرف مؤذنة بأن المعتل ليس كذلك وهذا توهم باطل. وقال: (باب خبر المبتدأ): «إنما أخبر عن المبتدأ بالجملة لوجهين: أحدهما: التوسع في العبارة, لأن الجملة تتضمن ضميرًا يعود على المبتدأ والضمير هو المبتدأ في المعنى». وقال: (باب إن وأخواتها): «فإن كان الخبر ظرفًا أو حرف جر, جاز تقديمه على الاسم». فهذه المصطلحات التي استعملها ابن الخباز وهي الجر, والمنصرف, والضمير والمضمر, والظرف, كلها مصطلحات بصرية, ومع ذلك لم يمتنع عن استعمال بعض المصطلحات الكوفية كالصفة والموصوف. 4 - القياس: القياس اللغوي: هو عملية فكرية يقوم بها الإنسان الذي ينتمي إلى جماعة لغوية, ويجري بمقتضاها على الاستعمال المطرد في هذه الجماعة. وقد عرفه النحويون بتعريفات كثيرة متقاربة, أهمها: أنه حمل غير المنقول على المنقول في حكم لعلة جامعة, ففي عملية القياس أصل هو المنقول, وفرع هو غير المنقول, وعلة تجمع بينهما, وحكم يحكم به لغير المنقول بواسطة العلة. وإذا استقرأنا المؤلفات النحوية المتقدمة منها والمتأخرة أدركنا بوضوح مدى مواكبة فكرة القياس لفكرة التأليف النحوي, فلقد وصف عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي بأنه أول من بعج النحو ومد القياس ووصف الخليل بن أحمد بأنه

كاشف قناع القياس. وقال الكسائي: إنما النحو قياس يتبع وقال المازني رحمه الله: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب وقد بالغ النحويون في اهتمامهم بالقياس حتى كأنه هو النحو, وكان في طليعتهم أبو علي الفارسي وابن جني وقسموا الكلام على مطرد في القياس والاستعمال, ومطرد في القياس شاذ في الاستعمال, ومطر في الاستعمال وشاذ في القياس, وشاذ في القياس والاستعمال وغير ذلك من التقسيمات. والحقيقة أن للغة منطقها الخاص بها, قال أبو الفتح: على أن الفصيح من العرب قد يتكلم باللغة غيرها أقوى في القياس عنده منها. وقال ابن الأنباري: إن العربي قد يتكلم بالكلمة إذا استهواه ضرب من الغلط فيعدل عن قياس كلامه, وينحرف عن سنن أصوله, وذلك ما لا يجوز القياس عليه. وحينما عالج ابن الخباز قضايا هذا السفر موضوع دراستنا كانت نظرية القياس نصب عينيه, فكان يبين وجه القياس في كثير من المسائل ويشير إلى ما هو غير قياسي فيها, بل أكثر من ذلك كان يشير إلى رأي العامة فيها إن وجد. وإليك طرفًا من النصوص التي توضح لنا هذه القضية. قال ابن الخباز: (العلم المرتجل): وينقسم إلى معدول وغير معدول, فالمعدول: مذكر كعمر, ومؤنث كحذام, وغير المعدول: قياسي وشاذ, فالقياسي: ما وافق نظيره في النكرات, كغطفان وعمران اللذين هما كنزوان وسرحان, والشاذ: ما خالف نظيره في النكرات, وذلك إما بفك إدغام كمحبب, وإما بفتح ما حقه الكسر كموهب, وإما بتصحيح ما حقه الإعلال كمكورة. وقال: (باب كم): والقياس في الخبرية أن تبين بالواحد, لأنهما عدد كثير, فهي كالمائة والألف, ولا يبينان إلا بالواحد كقولك: مائة رجل وألف دينار. وقال: (في باب العدد) مبينًا كيفية تعريف العدد المركب: وأنه يعرف بدخول الألف واللام على الاسم الأول قال: وقد روي أن قومًا من العرب يقولون: الخمسة

العشر, وليس له في القياس وجه, لأن المركب إنما يعرف أو شطريه. وقال: (باب النسب) وقد شذت ألفاظ من النسب عما ذكرنا من المقاييس, وسبيلها أن تحفظ, قالوا في «الحيرة»: «حاري» والقياس «حيرى» وقالوا في «طيئ»: «طائى» كطاعي والقياس «طيئي» كطيعي, وقالوا في «زينية»: زباني «والقياس» «زبني» كحنفي, وقالوا في «أمسى» «إمسي» بكسر الهمزة, والقياس «أمسي كعمرى». وهو كثير في كتابه مما يدل بوضوح على تمام عنايته ببيان ما هو قياسي وما هو غير قياسي من اللغة العربية. 5 - التعليل: العلل النحوية هي الأسباب الداعية إلى الأحكام, وكانت العلة دائمًا تعين النحاة وتساعدهم على بناء قواعدهم, ولذلك صاحبت النحو منذ نشأته إلى أن تم واكتمل بنياته. ومن استقراء كتاب «توجيه اللمع» ندرك أن ابن الخباز قد أبدى عنايته الفائقة واهتمامه البالغ بالعلل النحوية, فلا يدرس مسألة إلا ويعلل أحكامها ويوضح أسرارها, وبالتأمل في عنوان كتابه نجد أنه يشير إلى ذلك حيث أسماه «بتوجيه اللمع» وأيضًا أشار ابن الخباز إلى هذه الناحية في مقدمة كتابه فقال: «وقد سميته توجيه اللمع وعللت فيه المسائل جميع» ولكي ينجلي الأمر نذكر بعض النصوص التي توضح لنا هذه القضية. قال ابن الخباز (مبينًا سبب إعراب الأسماء الستة بالحروف) وإنما أعربت بالحروف. لأنها أشبهت المثنى والمجموع, وذلك أن منها ما يلزم الإضافة, وهو فوك وذو مال, ومنها ما تغلب عليه الإضافة وهو باقيها, والإضافة فرع على الإفراد كما أن التثنية والجمع فرعان عليه, وإنما أعربت بحروف العلة لأنها مشابهة الحركات. وقال: (باب التثنية): وإنما لم تثن الأفعال, لأن حق المثنى أن يدل على شيئين, ولو ثنى الفعل لدل على أربعة أشياء حدثين وزمانين, ولم تثن الحروف, لأن التثنية ضرب من التصريف, والحروف جوامد لا تصرف. وقال: (باب أن وأخواتها) وإنما أعملت أن وأخواتها لأنها أشبهت الأفعال من أربعة أوجه, الأول: أنها مختصة بالأسماء كالأفعال, الثاني: أنها تدخل على المبتدأ والخبر ككان وظننت وأخواتهما, الثالث: أنها مبنيات على الفتح كالأفعال الماضية.

الرابع: أن نون الوقاية تتصل بها كقولك: إنني كما تقول: ضربني. وقال: (باب معرفة الأسماء المنصوبة) وإنما ذكر المنصوب بعد المرفوع لوجهين: أحدهما: أن المنصوب والمرفوع يعملان لعامل واحد كالفاعل والمفعول والاسم والخبر - والثاني: أن كل واحد من المرفوع والمنصوب يكون صاحبه في المعنى في باب المفاعلة كقولك: ضارب زيد عمرًا. وأكتفى بهذا القدر من النماذج التي توضح لنا مدى اهتمام ابن الخباز بتعليل الأحكام وتوجيه المسائل, وهي كثيرة جدًا في كتابه, وهذا بحق اتجاه حسن يمكن الأحكام من الأذهان, ويزيل الغموض الذي يكتنفها, ويكشف الإبهام الذي يحيط بها, وبذلك يسهل استيعاب المعلومات وإدراك كنه الحقائق. 6 - الاستشهاد بالقرآن وقراءته: ما من نحوي إلا وله باع طويل في التزود بالقرآن والارتشاف من رحيقه والاقتطاف من شهي ثماره, وآية ذلك احتجاجهم على القواعد النحوية والأحكام العربية بالكثير من الآيات القرآنية, ومؤلفاتهم بين أيدينا شاهد عدل على ذلك ... ولكن موقفهم من قراءات القرآن كان موقفًا عكسيًا, حيث إنهم كانوا يحتجون بها إذا وافت قواعدهم, وتطابقت مع أحكامهم, أما إذا خالفتها وانفردت بحكم جديد, رموها بالشذوذ, مع أن قراءات القرآن كلها حتى ما يعتبرونه شاذًا في نظرهم أقوى سندًا من كل ما يحتجون به من كلام العرب. وقد أجمع الناس على الاحتجاج بالقراءات الشاذة في العربية إذا لم تخالف قياسًا معروفًا, بل ولو خالفته يحتج بها في مثل ذلك الحرف بعينه, وإن لم يجز القياس عليه, كما يحتج بالمجمع على وروده ومخالفته للقياس في ذلك الوارد بعينه ولا يقاس عليه نحو: استحوذ. ولقد كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وابن عامر قراءات بعيدة في العربية, وينسبونهم إلى اللحن, والحقيقة أنهم مخطئون في ذلك, لأن قراءات هؤلاء ثابتة بالأسانيد الصحيحة المتواترة التي لا مطعن فيها, وثبوت ذلك دليل جوازه في العربية, وقد رد المتأخرون ومنهم ابن مالك على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رد. ومن النظر في كتاب «توجيه اللمع» ندرك من أول وهلة أن ابن الخباز قد استشهد - كغيره من النحاة - بكثير من الآيات القرآنية وقراءتها بغية دعم الأحكام النحوية وتصويرها

في واقع اللغة واضحة جلية. وإليك بعض النصوص من احتاجه بالقرآن وقراءاته. قال ابن الخباز: (باب الأفعال): والأصل في «الآن» أن يطلق على زمان الحال, ويجوز إطلاقه على الماضي والمستقبل القريبين من الحال كقوله سبحانه وتعالى: {آلن خفف الله عنكم} وقوله: {فمن يستمع الآن} واللفظية المخصصة بالاستقبال كقوله تعالى: {سيقولون ثلثة}. وقد يستشهد بالآية من القرآن المجيد على معنى لغوي يتعرض له في ثنايا كلامه, ومن ذلك قوله: (باب خبر المبتدأ) وسمى جملة لضم بعضه إلى بعض والتئامه, وفي التنزيل: {لولا نزل عليه القرءان جملة واحدة}. وربما يستشهد بأكثر من آية على حكم يقرره دون اللجوء إلى مصدر آخر ومن ذلك قوله: (رب الأفعال): والمستقبل يكون من الصيغ الثلاث, فكونه من الماضي إذا دخل عليه «إن» إن كقولك: إن قام زيد ذهب عمرو, وكونه من المضارع إذا دخل عليه بعض المخصصات المذكورة كقوله تعالى: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} , و {لن يخلف الله وعده} , {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} , وقوله: {وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا}. وقد استشهد أيضًا بالكثير من القراءات القرآنية منها: قال ابن الخباز: (باب كان وأخواتها): والمعرفتان كقولنا: كان زيد أخاك, ويجوز: كان أخوك زيدًا .. قال الله سبحانه وتعالى: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا} يقرأ برفع الجواب ونصبه. وقال: (باب إعراب الاسم المعتل) مبينًا حكم الوقف على المنقوص والثاني وهو اختيار يونس أن تثبت الياء كقولك: هذا قاضي ومررت بقاضي وبه قرئ في إحدى الروايتين عن ابن كثير {وما عند الله باق}.

وقال: (باب حروف الجر) ويقال: رب بضم الراء وتشديد الباء وفتحها, ورب بضم الراء وتخفيف الباء وفتحها, وقرئ بهما قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا}. هذا قليل من كثير مما ورد ذكره في صفحات هذا الكتاب من الآيات القرآنية وقراءتها إلى حد فاقت به غيرها من الشواهد كثرة, وعددًا. 7 - الاستشهاد بالشعر: إذا ما استقرأنا كتاب «توجيه اللمع» لابن الخباز وقفنا على مجموعة كبير من الشواهد الشعرية, تربوا على خمسمائة شاهد مع أن الكتاب مسوق في أخصر أسلوب وأوجر عبارة, فما بالنا لو كان شرحًا مبسوطًا؟ إذًا لوقفنا على أضعاف ما بين أيدينا من الشواهد الشعرية, التي هي أكبر دليل وأسطع برهان على سعة محفوظه, وغزارة مادته, وحسن نظره, ومشاركته للمتقدمين من اللغويين بما أضافه من شواهد جديدة, وكتاباه اللذان بين أيدينا وهما «توجيه اللمع, وشرح الدرة الألفية» يفصحان عن هذه الإضافات, ويدلان بوضوح على مبلغ ثقافته اللغوية والأدبية تلك الثقافة التي تضعه في مكانته بين الباحثين الذين كانوا يداومون النظر ويتابعون الدرس لنصوص اللغة محاولين جهدهم التعرف على ظواهرها وما تشير إليه من قواعد وأحكام. ومن الملاحظ أن ابن الخباز في استشهاده بالشعر لم يقتصر على فترة أدبية معينة, بل تناول بالاستشهاد شعر كل العصور التي يحتج بأشعار رجالها, فبالنسبة للعصر الجاهلي نجده قد استشهد بأبيات لمعظم أصحاب المعلقات العشر, أمثال: امرئ القيس الكندي, وطرفة بن العبد, وزهير بن أبي سلمى, ولبيد بن ربيعة العامري, وعمرو بن كلثوم التغلبي, وعنترة العبسي, والأعشى, والنابغة الذيباني, وعبيد بن الأبرص الأسدي, وغيرهم من شعراء العصر الجاهلي. واستشهد أيضًا بشعر مشاهير شعراء العصر الأموي كجرير والفرزدق, كما استشهد بشعر الهذليين إذا جاز لنا أن تعتبرهم يمثلون مجموعة لغوية متجانسة, واستشهد كذلك بشعر ذي الرمة, وكعب بن زهير, ومتمم بن نويرة, والكميت

وحميد بن ثور, وتأبط شرًا, والأخطل وغيرهم. واستشهد أيضًا بأشعار مشاهير الرجاز: كالعجاج ورؤبة وأبي النجم, مما يدل على سعة اطلاعه على أشعار العرب وإفادته منها في تقرير مسائله النحوية. ونلاحظ أن ابن الخباز في كتابه ينقل كثيرًا من الشواهد الشعرية عن سيبويه والسيرافي وأبي علي الفارسي وابن جني والمبرد ويعقوب بن السكيت وأحمد بن فارس والجوهري وعبد القاهر وأبي إسحاق الزجاج وابن الشجري وثعلب وحمزة الأصفهاني والاشنانداني وابن السراج والواحدي وأبي محمد والزجاج وابن قتيبة وغيرهم. ومن الملاحظ أن ابن الخباز في كتابه «توجيه اللمع» لم ينسب جميع شواهده الشعرية إلى أصحابها, بل قد نسب البعض وأغفل نسبة الباقي, وما ذلك إلا جريًا على سنن الأقدمين, أمثال سيبويه وغيرهم من فحول العربية وأئمتها, ولعلهم سلكوا هذا النهج حرصًا على تحقيق الأمانة العلمية وخوفًا من نسبة أبيات لغير قائليها, وأحيانًا كان يكتفي ببيان المنشد للبيت من النحويين أو اللغويين أو غيرهم ممن يتعرضون للشعر العربي بالنقد والدرس, وأحيانًا أخرى يذكر الكتاب الذي أنشد فيه الشعر الذي هو بصدد الاستشهاد به. ويتخذ استشهاده بالشعر صورًا متعددة, فأحيانًا يستشهد بنصف البيت أو بالبيت كاملًا, كما في معظم شواهده, وأحيانًا يستشهد بالبيتين أو الثلاثة وربما كرر الشاهد الواحد مرة أو مرتين. وقد يذكر أكثر من شاهد للاحتجاج على ظاهرة لغوية أو نحوية واحدة كما في استشهاده (باب ألفات القطع وألفات الوصل) على أن النون من «ابنم» تتبع الميم في الإعراب: قال: السابع «ابنم» وهو بمعنى «ابن» والميم زائدة, وتتبع نونه ميمه في الإعراب قال النمر بن تولب: لقيم بن لقمان من أخته ... فكان ابن أخت له وابنما وقال أبو كبير الهذلي: أخلي وإن الدهر مهلك من ترى ... من ذى بنين وأمهم وابنم وقال: (باب النسب) إن بعض العرب يقول في النسب إلى قريش وهذيل:

قريشي وهذيلي, واستشهادًا على ذلك ذكر ثلاثة أبيات, موطن الشاهد في ثالثهم وهو: بحي قريشي عليه مهابة ... سريع إلى داعي الندى والتكرم ثم قال: وقال الآخر: هذيلية تدعو إذا هي فاخرت ... أبا هذليًا من غطارفة نجد أما ما وجد في كتابه من شعر «أبي تمام والبحتري» وهما شاعران محدثان, فهذا لا يعاب عليه, لأنه ذكر لأبي تمام بيتين: أحدهما: في باب التصغير وأعتقد أنه ذكره لمجرد التمثيل والائتناس لا للاحتجاج. والثاني ذكره في خاتمة كتابه استشهادًا على معنى لغوي. أما بيت البحتري فقد ذكره في باب الإمالة واستشهد به على معنى لغوي أيضًا. وبعد ما تقدم ما يمكن أن نقول: إن ابن الخباز كان واسع الفكر دائم البحث فيما خلفه المتقدمون من تراث أدبي عريض, جدير بالتنقيب عن لآلئه والغوص في أعماقه, لاستخراج درره, مما يشعر بأنه كان قوي الحافظة, حاد الذهن نادر الذكاء. 8 - الاستشهاد بالحديث: الاستشهاد بالحديث ظاهرة واضحة في مؤلفات ابن مالك رحمه الله قال السيوطي: قال أبو حيان في شرح التسهيل: قد أكثر هذا المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب, وما رأيت أحدًا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره. ومنع الاستشهاد بالحديث ابن الضائع وأبو حيان, قال السيوطي: قال أبو حيان: «وإنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية, وإنما ذلك لأمرين: أحدهما: أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى ... الثاني: أنه وقع اللحن كثيرًا فيما روي من الحديث, لأن كثيرًا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع. وقال السيوطي أيضًا: قال أبو الحسن بن الضائع في شرح الجمل: تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث, واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب, ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان

الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أفصح العرب. وبالنظر في كتاب «توجيه اللمع» نجد أن ابن الخباز قد استشهد بالأحاديث النبوية لكن معظم الأحاديث التي ذكرها استشهد بها على معان لغوية, إذ لم يذكر في الاستشهاد على الأحكام النحوية إلا حديثًا واحدًا, وهو: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل» احتج به في باب (نعم وبئس) على أن «نعم» فعل بدليل اتصال تاء التأنيث بها, وهو مذهب البصريين. ومن استشهاده بالأحاديث على المعاني اللغوية ما يأتي: قال ابن الخباز (باب الحروف التي تنصب الفعل): وزعموا أن في بعض المصاحف (تقاتلونهم أو يسلموا) فمعنى هذه الآية على هذه القراءة كمعنى قوله صلوات الله عليه: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله». وفي (باب الجمع) استشهد بحديث: «من استمع إلى قينة صب في أذنيه الآنك» على أن الآنك معناه الرصاص. وقال في: (باب التصغير): والمنقلبة عن ياء ألف عاب وناب وتقول في تحقيره: عييب ونييب, لأنهم قالوا: عيب في معنى عاب وفي الحديث: «لا تكونوا عيايين». وقال في: (باب القسم): وصناعة الإعراب تسوغ الحلف بكل اسم يجوز دخول حروف القسم عليه كقولك: والله, وأبيك, وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تحلفوا بأبائكم وأمهاتكم, ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون». تلك هي بعض الأحاديث التي استشهد بها في كتابه وتبلغ تسعة أحاديث أردت أن أضعها بين يدي القارئ ليدرك بوضوح أن ابن الخباز كان يعتد بالأحاديث النبوية كمصدر من مصادر اللغة.

9 - الاستشهاد بالنثر: جرت عادة علماء العربية على الاعتماد على المنثور من فصيح كلام العرب وبخاصة الأمثال في الاحتجاج على اللغة وأحكامها العامة, ومن هؤلاء ابن الخباز, فقد ذكر في كتابه «توجيه اللمع» جملة من أمثال العرب استشهادًا على بعض قواعد اللغة, ومنها ما يأتي: قال ابن الخباز في (باب المعرب والمبني في معرض الحديث عن قد) ومعناها في المضارع تقيله كقولهم: إن الكذوب قد يصدق وقال في (باب المفعول به) ويجوز تقديمه على الفعل أيضًا ... وفي مثل: * إياك أعني فاسمعي يا جارة * وقال في (الباب السابق أيضًا) ويجوز في ظننت وأخواتها الاقتصار على الفاعل, لأن فيه فائدة, قال أكثم بن صيفي: من يسمع يخل وقال في (باب الترخيم) ومن قال يا حار فضم الراء قلت على قوله: يا كرا وياصحا, لأنك جعلت الواو والياء نهايتين للاسم, فقلبتهما ألفًا, ومن أمثالهم: «طرق كرا إن النعام في الغرى». ويتضح مما سبق أن ابن الخباز قد اعتد - كغيره من النحاة - بالنثر العربي واعتبره مصدرًا من مصادر استشهاده. 10 - الإشارة إلى مذاهب النحاة في المسائل الخلافية: تناول ابن الخباز في كتابه «توجيه اللمع» كتاب اللمع لابن جني بالشرح والتفصيل والتعليل, وكان إذا عرض لبعض المسائل الخلافية ذكر آراء النحاة فيها مع تعيين أصحاب هذه الآراء حينًا, وعدم تعيينهم أحيانًا أخرى فمن النوع الأول قوله في (باب خبر المبتدأ): واختلف النحويون في قولنا: «زيد خلفك» فذهب أبو العباس الشيباني إلى أن الظرف خبر عن المبتدأ ولا يتعلق بشيء وأنشد أصحابنا بأن الظرف منصوب فلابد له من ناصب, الذين قدروا ناصبًا اختلفوا, فذهب ابن

السراج وابن جني إلى أن التقدير: زيد مستقر خلفك, فقدروا اسم الفاعل, وذلك لأن المفرد أصل الجملة, ولأن في تقديره تقليلًا للحذف, وذهب أبو علي الفارسي إلى أن التقدير: زيد استقر خلفك, فقدر الفعل, لأنه الأصل في العمل. ومن النوع الثاني قوله في (باب الفاعل): وقال بعض العرب: قاما أخواك, وقاموا إخوتك, وقمن جواريك, وفي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن المضمرات ملحقات وما بعدها بدل منها. الثاني: أن المظهرات مبتدآت والأفعال أخبار مقدمات, والثالث: أن الألف والواو والنون أدلة على التثنية والجمع كالتاء في قامت هند. ولم يكن ابن الخباز - تجاه هذه الآراء المتعارضة والخلافات النحوية الحادة ليقف موقفًا سلبيًا, ويكتفي بترديد هذه الآراء وعرضها, بل كان يقتحم ميدان هذه المعارك, ويقيم من نفسه قاضيًا عادلًا, ويعرض على مخيلته القضايا النحوية, ويتولى الفصل فيها موضحًا وجهة نظره, ومبينًا سبب حكمه, ومن ذلك قوله في (باب المفعول معه): مذهب سيبويه وأكثر البصريين أنه منصوب بالفعل الذي قبله بتوسط الواو بينهما. وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن الأصل في قولك: قمت وزيدًا, قمت مع زيد, وأقيمت الواو مقام مع ونقل نصب مع إلى ما بعد الواو, وهذا فاسد, لأن مع ظرف وزيدًا ليس بظرف, وذهب أبو إسحاق, إلى أنه منصوب بفعل محذوف تقديره: قمت ولابست زيدًا, فعلى قول أبي إسحاق فقد ناصب المفعول معه من الكلام, وذهب الكوفيون إلى أن المفعول معه انتصب على الخلاف, قالوا: إذا قلت: استوى الماء والخشية, لم يكن العطف جائزًا, لأن الخشية لم تكن معوجة فتستوي, فلما خالفت الفاعل نصبت, ويفسد ما قالوه أن الخلاف مشترك بين الماء والخشبة, فإذا وجب نصب الخشبة لأنها مخالفة للماء, وجب نصب الماء لأنه مخالف للخشبة ولا قائل به, وقول أبي إسحاق لا ينفك من ضعف لما فيه من حذف الفعل, فبان أن المعتمد عليه مذهب سيبويه. ويتضح من استعراض كلامه في «توجيه اللمع» أنه كان يُعنى كثيرًا بعرض آراء سيبويه, ويغلب عليه متابعة جمهور النحاة. 11 - الإشارة إلى معاني بعض الألفاظ الغريبة: لقد وضع ابن الخباز هذا الأمر في اعتباره حينما أقدم على شرح هذا الكتاب

وأشار إليه في مقدمة كتابه: «وكلما مررت ببيت ذكرت إعرابه أو بلفظ لغوي جليته تجلية تزيل استغرابه» ومن أمثلة ذلك: قوله في (باب الاستثناء) قال النابغة: وقفت فيها أصيلالًا أسائلها ... عبت جوابًا وما بالربع من أحد إلا أواري لأيامًا أبينها ... والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد أصيلال: جمع أصيل, والأصيل: بعد العشي, وعبت: أصله عييت, فأدغمت, وجوابًا: منصوب على حذف حرف الجرو أي: عيت بجواب, ويجوز أن يكون تمييزًا, والربع: منزل القوم في الربيع, استعمل في كل منزل, والأواري: واحدها أري. واللأى: البطء, يقال: ألأى أمره أي: أبطأ, و «ما» زائدة, والنؤى: حفيرة تحفر حول البيت تمنع المطر منه, والمظلومة: الأرض المحفورة, والجلد: الصلبة. وقال في (باب حروف الجر) وأما قوله: * لواحق الأقراب فيها كالمقق* فإنه يصف حميرًا, واللواحق: الضوامر, والأقراب: جمع قرب وهي الخواصر, والمقق: الطول, وإنما يريد فيها مقق. تلك بعض النصوص التي توضح لنا اهتمام ابن الخباز بتفسير بعض الألفاظ الغربية وهي كثيرة في كتابه مما يشعر بأنه كان لغويًا بارعًا. 12 - استخدام أسلوب التساؤل: كثيرًا ما يستعمل ابن الخباز في كتابه أسلوب التساؤل متمثلًا في قوله: «فإن قلت ... قلت» وذلك ليوضح لنا بعض العلل والأحكام النحوية, ومن أمثلة ذلك قوله في (باب إن وأخواتها) فإن قلت: فهلا نصبتهما؟ قلت: إن غير فعل, ولو نصبتها لخلا الكلام من المرفوع. فإن قلت: فهلا رفعتهما؟ قلت: لو رفعتهما لزادت على الفعل بشيء لا يكون فيه, وذلك أن الفعل لا يكون له فاعلان, فكيف يكون لأن مشبهان بالفاعل؟ فإن قلت: فلم قدم المنصوب على المرفوع؟ قلت: لوجهين: أحدهما: أن الخبر قد يكون مضمرًا, فلو قدم لاتصل بإن

وتغيرت صيغتها, تقول: إن الكرام أنتم, فلو قدم المرفوع لقلت: إن أنتم الكرام. والثاني: أن إن حرف وهي أضعف من الفعل, فأعطيت أضعف أحواله وهو لزوم تقديم المنصوب, لأن الأصل في الفعل تقديم المرفوع. وهكذا يتنبه ابن الخباز إلى ما عساه يدور في عقول الناس من أسئلة فيبرزها وبتولى الإجابة عنها, وهذا إن دل فإنما يدل على أن مؤلفه هذا تعليمي, حيث إن أسلوب التساؤل يستعمل كثيرًا لإفهام الطلاب وتثبيت المعلومات في أذهانهم. 13 - الإشارة إلى لغة العامة: يعرض ابن الخباز كثيرًا إلى اللغة التي تجري على لسان العامة وذلك ليبين لنا مدى مطابقتها أو مخالفتها لقوانين اللغة الفصحى, وهذا يشعر بحسن نظره, وقوة ملاحظته, وسعة فكره, وتمكنه من اللغة, ومن أمثلة ذلك قوله في (باب ظرف المكان): وعندك جهة مبهمة, تقول: زيد عندك, وفي أي جهة كان من جهاتك جاز فيها ثلاث لغات: ضم العين, وفتحها, وكسرها, ولها حكمان تخالفهما العامة, الأول: أنها لا تجر بغير «من» وفي التنزيل {قل كل من عند الله} ولا تقول: جئت إلى عندك. الثاني: أنها لا تصغر ويجري ذلك في لسان أهل الشام كثيرًا. وقال في (الباب السابق): وإزاء وتلقاء بمعنى حذاء, يقال آزيته أي: حازيته, وهما متآزيان متحازيان, والعامة تقول: متوازيان. وقال في (باب العدد) ومن المعرب من يسكن العين فيقول أحد عشر وهي لغة العامة, وذلك لكثرة المتحركات. وقال في (باب التصغير) تقول في مرآة: مريئية بوزن مريعية, والعامة تقول: مرية وهو خطأ. تلك بعض النصوص التي توضح لنا اهتمام ابن الخباز بدراسة لغة العامة, وبيان ما انطوى تحتها من أخطاء لغوية, أو نحوية, مما يدل على أنه لم يكن حابسًا عقله وفكره في نطاق ما خلفه السابقون, بل كان رحمه الله مفكرًا مجددًا كثير البحث والنظر.

14 - الاختصار: بنى ابن الخباز منهجه في كتابه «توجيه اللمع» على الاختصار, وقد نبه على ذلك في مقدمة كتابه فقال: «فإن جماعة من حفظة «كتاب اللمع» أطمعهم فيه صغر حجمه وآيسهم منه عدم فهمه, فضمنت لهم إملاء مختصرًا, أقتصر به على توجيه مسائله وتبليغ وسائله» وأشار إلى ذلك أيضًا في ثنايا كتابه في عدة مواضع منها ما يأتي: قال ابن الخباز في (باب المفعول الذي لم يسم فاعله) ويتعلق بالفعل الذي لم يسم فاعله مباحث من علم التصريف, لولا أني بنيت كتابي على الاختصار لذكرتها. وقال في (بعد أن ذكر مذاهب العلماء في ناصب المستثنى): وتحتمل هذه المذاهب أكثر من هذا القول, ولكن لا يليق بهذا المختصر وقال في (باب مذ ومنذ): ولولا اغترار كثير من العامة بزخارف الحمقى لاقتضى اختصار هذا الكتاب الإضراب عن الإطالة. وقال في (عند حديثه عن الضمائر): وتحت هذه الأحكام كلها مباحث يطول ذكرها, والإملاء مبني على الاختصار وغير ذلك كثير من أمارات التزامه بالاختصار في منهجه. تلك هي أهم خصائص المنهج الذي اتبعه ابن الخباز في معالجة كتابه «توجيه اللمع» وقفت عليها بكثرة النظر فيه. تعقب ابن الخباز لابن جني: لم تكن شخصية ابن الخباز شخصية تقليدية, تكتفي بترديد ما أقره المتقدمون, بل كان رحمه الله يتمتع بشخصية ناقدة, لها آراؤها الخاصة ووجهة نظرها المستقلة, فكان لا يلتزم التسليم بما سبق به, بل كان يدرس وينقد ويعترض إذا وجد لذلك سبيلًا, ويبطل رأى غيره إذا وجد أسباب الفساد محطية به, وبالتأمل في كتابه «توجيه اللمع» نجد أنه لم يكن على اتفاق تام مع ابن جني, بل كان يختلف معه ويستدرك عليه, فكثيرًا ما كان يرى أن الصواب في غير ما قال. وإليك بعض النصوص التي توضح ذلك: لم يختلف ابن الخباز مع ابن جني في الناحية المنهجية إلا في باب: (المعرب

والمبني) فقال: وعيب عليه تقديم هذا الباب على باب الإعراب والبناء, لأن المعرب والمبني مشتقان منهما, ومعرفة المشتق منه متقدمة على معرفة المشتق. أما في الناحية العلمية فقد اختلف معه في مواضع كثيرة, منها ما يأتي: قال ابن جني (باب الكلمة والكلام) مبينًا علامات الحرف: والحرف ما لم يحسن فيه علامات الأسماء ولا علامات الأفعال. وقال ابن الخباز معقبًا على ذلك: وقوله: (ما لم يحسن فيه إلخ) فيه نظر من وجهين: أحدهما: أنه جعل حقيقة الحرف سلبًا, والسلب لا يكون حقيقة. والثاني: أن من علامات الأسماء والأفعال الحروف فصار التقدير: والحروف ما لم يحسن فيه الحرف, فيلزم من هذا أن يكون الشيء معروفًا قبل معرفته. قال ابن جني في (الباب السابق, عند حديثه عن علامات الفعل) وكونه أمرًا, وقال ابن الخباز معلقًا عليه: وقوله (وكونه أمرًا) لا يستقيم, لأن «مه» أمر وليس بفعل, وينبغي له أن يقول: وكونه أمرًا مشتقًا جاريًا على المضارع. قال ابن جني مبينًا حد الاسم المتمكن: ما تغير آخره لتغير العوامل فيه ولم يشابه الحرف. وقال ابن الخباز معلقًا عليه: «وقوله: ولم يشابه الحرف غير محتاج إليه في حد المتمكن, لأنه متى ثبت له تغير آخره لتغير العوامل لزم من ذلك عدم مشابهة الحرف». قال ابن جني (باب الإعراب والبناء) والفرق بينهما زوال الإعراب لتغير العامل وانتقاله, ولزوم البناء الحادث من غير عامل وثباته وقد عقب على ذلك ابن الخباز بقوله: وقوله (الحادث) في صفة البناء فيه نظر, لأنه إن أراد به بناء الأفعال والحروف فهو أصلي, وإن أراد به بناء الأسماء فلا معنى للفرق بين الإعراب وبعض البناء. وهكذا يقف ابن الخباز من ابن جني موقف الناقد البصير الخبير بأساليب العربية, وما تدل عليه من معان, فيقدر كل كلمة قدرها بحسه المرهف وذوقه السليم. ***

وصف نسخة الكتاب المحققة اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسخة وحيدة منه توجد بمكتبة الأزهر وهي تحت رقم (2348 السقا) باسم «توجيه اللمع» ولم أتمكن من العثور على غيرها مع طول البحث ومداومة التفتيش, وقد كدت أول الأمر أن أعدل عنها لا لشيء إلا لأنها وحيدة, ولكن بعد أن أعدت النظر فيها كثيرًا, وقلبت صفحاتها طويلًا اتضح لي أن النسخة كاملة غير منقوصة واضحة المبدأ والمنتهي ثابتة النسب إلى صاحبها, عند ذلك لم أجد حرجًا في اختيارها والإقدام على تحقيق نصها. أما عنوان الكتاب فكتب في الصفحة الأولى على النحو التالي: «كتاب شرح لمع ابن جني» للشيخ أبي العباس أحمد بن الحسين المعروف بابن الخباز الموصلي, وفي مقدمة الكتاب أشار ابن الخباز إلى أنه أسماه «بتوجيه اللمع» فقال: وقد سميته «توجيه اللمع» وعللت فيه «المسائل جمع» وقد آثرت هذه التسمية واعتمدت عليها, لأنها تسمية صاحب الكتاب, وهو في جملته يشير إليها, وكذلك أشار ابن الخباز في خاتمة كتابه إلى التسمية المذكورة في الصفحة الأولى, فقال: هذا آخر ما عمدت لإملائه من شرح كتاب اللمع. وهذه النسخة في مجلد, وتقع في مائتين وثمانية أوراق من القطع الكبير ومسطرتها ثلاثة وعشرون سطرًا. أما الصفحة الأولى فعليها عنوان الكتاب واسم المؤلف, وقد كتبا بخط قريب من خط سائر النسخة, ويوجد على الصفحة الأولى ختمان: أحدهما في أعلى الصفحة من جهة اليمين وبه توقيف نصه: «وقف محمد عبد العظيم السقا وأخيه محمد إمام» والختم الثاني في أعلى النصف الأسفل من الصفحة الأولى أيضًا وكتبت فيه «الكتبخانة الأزهرية» وعلى الصفحة الأولى أيضًا كتب أسفل عنوان الكتاب توقيف آخر نصه: وقف هذا الكتاب الحسيب النسيب السيد محمد المؤيد الشهير بالخطيب على طلبة العلم بالأزهر وغيره, كبقية ما ملكه من الكتب. وتوجد مجموعة من الأختام في الأوراق الآتية من النسخة 3, 7, 9, 11, 21, 29, 31, 208, وفي هذه الأختام جميعها كتب توقيف باسم محمد عبد العظيم السقا وأخيه محمد إمام.

وأما خط النسخة فواضح وعادي, حيث إنها مكتوبة بقلم نسخ قديم وهي مشكولة غالبًا, وإن كان الشكل أحيانًا خطأ. وأما الإعجام فليس ملتزمًا في جميع ألفاظ النسخة وإن كان غالبًا عليها. سمات عامة على المخطوطة: 1 - هناك بعض الكلمات لم تكتب على ما نعرفه اليوم من قواعد الإملاء فمثلًا كلمة «مسألة» تكتب فيها «مسئلة» وكلمة «هؤلاء» تكتب «هاؤلاء» على حسب نطقها, وكلمة «ثلاثين» تكتب في النسخة «تلتين» وهكذا. 2 - توضع الهمزة المتطرفة المسبوقة بالألف فوق الألف كثيرًا. 3 - غالبًا ما تكتب الألف الممدودة مقصورة. 4 - تكتب الضاد ظاء كثيرًا كما هو معروف في لهجة أهل الموصل. 5 - تكتب ألف المد - أحيانًا - ألفين. 6 - هناك تصويبات في الهامش, وإحالات إليها مما يدل على أن النسخة مراجعة. 7 - تمتاز هذه النسخة بوجود التعقبية في آخر الصفحة اليمنى غالبًا. 8 - كثيرًا ما تكتب الهمزة المتطرفة المسبوقة بالألف مدًا فوق الألف مثل «جاء» يكتبها «جآ». وليس في النسخة ما يدل على اسم كاتبها ولا على الأصل الذي نسخت عنه. وقد تمت كتابتها في القرن الثامن الهجري, وناسخها أشار إلى ذلك بقوله: وافق الفراغ من نسخ هذا الكتاب يوم الخميس سادس عشر المحرم سنة ست وثمانين وسبع مائة. ***

منهج تحقيق الكتاب لما كان الهدف من تحقيق النصوص إنما هو إخراجها صحيحة سليمة كما سبق أن وضعها أصحابها, فقد بذلت كل ما في وسعي من جهد وقدمت كل ما لدي من طاقة في هذا السبيل, واضعًا في اعتباري ما تحتاجه إعادة النص إلى طبيعته الأولى من حيطة وحذر ودقة وأمانة, حيث إن إعادة النص إلى أصله السابق أصعب بكثير من إنشاء أصل جديد, وقد كان لا يغادر مخيلتي منذ - اللحظة الأولى التي عزمت فيها على انتهاج هذا السبيل - قول الجاحظ: لربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفًا أو كلمة ساقطة, فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعاني أيسر عليه من إتمام ذلك النص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام وقد التزمت في تحقيق نص الكتاب الأمور الآتية: 1 - احترمت نص الكتاب فلم أتدخل فيه إلا بالقدر الذي لا يمس جوهره ككتابته وفق القواعد الإملائية المعروفة لنا اليوم. 2 - وجددت في النص جملًا قليلة وغير مستقيمة, فحاولت تقويمها بما يناسب السياق من زيادة حرف أو كلمة أو جملة, ونبهت على ذلك بوضع الزائد بين قوسين معقوفين, وأشرت إلى هذه الزيادة في الهامش. 3 - وجدت في النص بعض العبارات المرتبكة بتقديم الجمل على بعضها الآخر فحاولت تقديم ذلك بما يناسب المعنى والسياق, وأشرت إلى ذلك في الهامش. 4 - وجدت في النص ألفاظًا وردت مخالفة للقواعد النحوية والأوزان الصرفية فصححتها ونبهت على ذلك في الهامش. 5 - ترجمت لبعض الأعلام الذين وردت أسماؤهم في الكتاب ولما كان الاسم يتكرر أكثر من مرة فقد اكتفيت بترجمته في المرة الأولى. 6 - خرجت الشواهد القرآنية والشعرية والنثرية من حديث أو أثر ما استطعت إلى ذلك سبيلًا. 7 - وثقت كثيرًا من النصوص والآراء النحوية التي نقلها عن غيره من النحاة,

وذلك بالرجوع إلى مؤلفات أصحابها - إن وجدت - أو إلى أمهات الكتب النحوية. 8 - فسرت بعض الألفاظ الغربية لغويًا. 9 - أعجبت الحروف التي لم تكن معجمة. ***

كتاب توجيه اللمع للعلامة أحمد بن الحسين بن الخباز شرح كتاب اللمع لأبي الفتح ابن جني القسم الثاني: التحقيق

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي قال الشيخ الإمام العالم حجة العرب شمس الدين أبو العباس أحمد بن الحسين بن أحمد النحوي المعروف بائن الخباز أدام الله توفيقه وأطال بقاءه: أحمد الله على توفيقه وتشديده ومنه علينا بأن جعلنا من أهل توحيده, وأسأله من فضله الجزيل أبلغ مزيده, وأصلي على نبيه محمد الصادق في وعوده, والناطق بجامع الكلم وسديده, وعلى آله المجتهدين في بناء الدين وتشييده, صلاة دائمة ما تلفع عارض ببروده, واختال بين بروقه ورعوده, وسبح لله ملك في ركوعه وسجوده. أما بعد: فإن جماعة من حفظه كتاب اللمع في النحو لأبي الفتح عثمان بن جني رحمه الله أطمعهم فيه صغر حجمه, وآيسهم منه عدم فهمه, وذلك لأن الكتب المصنوعة لتفسير منها الكبير الممل, ومنها الصغير المخل, والمتوسط بينهما إما يفقد وإما يقل, فضمنت لهم إملاء مختصرًا أقتصر به على توجيه مسائله, وتبليغ وسائله, وكلما مررت ببيت ذكرت إعرابه, أو بلفظ لغوي جليته تجلية تزيل استغرابه, وقد سميته «توجيه اللمع» وعللت فيه المسائل جمع, نفعنا الله وإياهم بالعلم والعمل, ووفقنا لما يرضيه ويزلفنا عنده إنه الجواد الكريم.

قال ابن جني: الكلام كله ثلاثة أضرب: اسم, وفعل, وحرف جاء لمعنى. فالاسم: ما حسن فيه حرف من حروف الجر, أو كان عبارة عن شخص, فحرف الجر نحو قولك: من زيد وإلى عمرو, وكونه عبارة عن شخص نحو قولك: هذا رجل وهذه امرأة. والفعل ما حسن فيه قد أو كان أمرًا, فأما قد: فنحو قولك: قد قام وقد قعد وقد تقوم وقد يقعد. وكونه أمرًا نحو قولك: قم واقعد. والحرف: ما لم يحسن فيه علامات الأسماء ولا علامات الأفعال, وإنما جاء لمعنى في غيره نحو هل, وبل, وقد, لا تقول: من هل, ولا قد هل, ولا تأمر به. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: (الكلام) في أصل الوضع مصدر, أنشد أبو علي رحمه الله. 1 - فإن تمس ابنه الشهمي منا ... بعيدًا ما تكلمنا كلاما وهو عند النحويين عبارة عن الجملة المفيدة فائدة يحسن السكوت عليها, وهي مؤتلفة من اسمين كقولك: زيد ذاهب, أو من فعل واشم كقولك: ذهب عمرو, ولا يحتاج في التأليف إلى الثلاثة/. وقوله: (الكلام كله ثلاثة أضرب) يصح بتقدير مضاف أي: مادة الكلام والأضرب جمع ضرب, وهو القسم, وإنما انقسم إلى الثلاثة, لأن هذه الأقسام يعبر بها المتخاطبون عن جميع ما يخطر في أنفسهم من المغاني, فلو كان ثم قسم رابع متروك لبقى في النفوس معان لا يمكن التعبير عنها بإزاء القسم الساقط, ألا ترى أنه لو سقط بعض هذه الثلاثة لسقط معناه؟ ! وقوله: (جاء لمعنى) يريد به معنى غير منصرف, ومعنى ذلك أن معنى الاسم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والفعل متصرفان. فالاسم يكون فاعلًا ومفعولًا ومضافًا إليه, والفعل يكون ماضيًا ومضارعًا وأمرًا, والحرف لا يعرض له شيء من ذلك, وبدأ بالاسم لأنه الأصل في التأليف, لأنه يقوم بنفسه كقولك: زيد قائم, والفعل والحرف يحتاجان إليه, وذكر له علامتين عامتين: إحداهما: حرف الجر: وهي تدخل على أكثر أنواعه من المفرد والمثنى والمجموع وغيرها. والثانية: كونه عبارة عن شخص, وهذه ينحاز إليها شطر الأسماء, والعبارة: اللفظ الدال على المعنى والشخص والجثة والعين بمعنى واحد, ومثل برجل وامرأة تبنيها على أن الشخص مذكر ومؤنث, ويجوز في (نحو قولك) و (نحو): الرفع بأنه خبر, والنصب بأنه ظرف, وثنى بالفعل, لأنه يأتلف منه ومن الاسم كلام وذكر له علامتين عامتين أيضًا: الأولى: (قد) وتلي المضارع والماضي, فمعناها في الماضي تقريبه من الحال كقولك: قد فعل, ومعناها في المضارع تقليله كقولهم: إن الكذوب قد يصدق. وقوله: (وكونه أمرًا) لا يستقيم لأن «مه» أمر وليس بفعل, وينبغي له أن يقول: وكونه أمرًا مشتقًا جاريًا على المضارع, وهذه العلامة / الثانية, وحقيقة الأمر طلب الفعل مما هو دونك والرغبة طلبة من مثلك, والدعاء طلبه ممن فوقك. ولم يبق إلا ذكر الحروف فلأجل ذلك كان أخيرًا. وقوله: (ما لم يحسن فيه علامات الأسماء ولا علامات الأفعال) فيه نظر من وجهين: أحدهما: أنه جعل حقيقة الحرف سلبًا والسلب لا يكون حقيقة, والثاني: أن من علامات الأسماء والأفعال الحروف, فصار التقدير: والحرف ما لم يحسن فيه الحرف, فيلزم من هذا أن يكون الشيء معروفًا قبل معرفته, ويكثر في عبارة النحويين قولهم: معنى في غيره ومعنى في نفسه, وبيان ذلك أن معنى الكلمة لا يخلو من أن يتوقف فهمه على غير أو لا, فإن توقف فهمه على غيره فهو معنى الحرف, ألا ترى أن «من» تدل =

باب: (المعرب والمبني)

باب: (المعرب والمبني) قال ابن جني: الكلام في الإعراب والبناء على ضربين: معرب ومبني, والمعرب على ضربين: أحدهما: الاسم المتمكن, والآخر: الفعل المضارع, وما عداهما من سائر الكلام فمبني من غير معرب. فالاسم المتمكن: ما تغير آخره لتغير العامل فيه, ولم يشابه الحرف نحو قولك: هذا زيد, ورأيت زيدًا, ومررت بزيد. والفعل المضارع: ما كانت في أوله إحدى الزوائد الأربع وهي: الهمزة والنون والتاء والياء, فالهمزة للمتكلم وحده نحو: أقوم أنا. والنون للمتكلم إذا / كان معه غيره نحو: نقوم نحن. والتاء للمذكر الحاضر نحو: تقوم أنت. والمؤنث الغائب نحو: تقوم هي, والياء للمذكر الغائب نحو: يقوم هو. وحرف الإعراب من كل معرب آخره نحو: الدال من زيد والميم من يقوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ = على التبعيض, والتبعيض لا يفهم إلا بعد فهم الكل والجزء, وإن لم يتوقف فهمه على شيء آخر فهو معنى الاسم والفعل, وقيل: المراد بقولهم في الحرف: دل على معنى في غيره أنه لابد من اسم أو فعل يصحبه. ومثل دخول «من, وقد» على الحرف, وإن كان ذلك لا يقال, لأن التمثيل يقصد به أحد أمرين: إما صواب ليرتكب, وإما خطأ ليجتنب. وقوله: (ولا تأمر به) أي: لا تأمر بهل, لأنه لا معنى للأمر به, إما لأن معناه الاستفهام, وإما أنها ليست بمشتقة ولا في معنى المشتق. (باب المعرب والمبني) قال ابن الخباز: (الكلام) مبتدأ, و (على ضربين) خبره و (في الإعراب) متعلق بما في (على) من معنى الفعل, وعيب عليه تقديم هذا الباب على باب الإعراب والبناء, لأن المعرب والمبني مشتقان منهما, ومعرفة المشتق منه متقدمة على معرفة المشتق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3/أ= ... / وانقسام الكلم إلى المعرب والمبني ضروري, لأنه دائر بين النفي والإثبات, لأن المعرب ما تغير آخره لتغير العوامل. والمبني ما ثبت آخره على صورة واحدة, وإن اختلفت العوامل. وبدأ بتعريف المعرب لوجهين: أحدهما: أنه قسمان, والمبني ثلاثة أقسام, والاثنان قبل الثلاثة, والثاني: أن الاسم مقدم على الفعل والحرف, والإعراب أصل فيه. فإن قلت: فلم لم يذكر المبني في هذا الباب؟ قلت: ذكره فيه على سبيل الإجمال, وفي الباب الذي يتلوه على سبيل التفصيل. وقوله: (وما عداهما) معناه ما تجاوزهما, يقال: عداك الذم أي: تجاوزك والسائر: البقية, واشتقاقه من السؤر وهي الفضلة في الإناء. يقال: أشار إذا بقى ونقل عن أبي زكريا أن السائر يجيء بمعنى الجميع. قال الراجز: 2 - لو أن من يزجر بالحمام ... يقوم يوم وردها مقامي * إذن أصل سائر الأحكام * وقوله: (غير معرب) توكيد, لأن قوله: (مبني) يغني عنه, وليس كذلك قوله سبحانه: {أموات غير أحياء} فإن معنى قوله: {غير أحياء} لا تجوز عليها الحياة, لأنها أحجار. ومعنى المتمكن في اللغة ظاهر, يقال: تمكن فلان عند السلطان واستمكن, إذا نفذت أقواله وأفعاله, وسمى النحويون به الاسم المعرب, لأن الأصل في الأسماء الإعراب, فما كان منها معربًا فهو باق على أصله, وذلك هو المتمكن, ويطلقون المتمكن على الظرف, ويعنون به الظرف الذي يجوز نقله عن الظرفية كيوم وليلة, تقول: سرت اليوم, فتجعله ظرفًا, ومضى اليوم, فتجعله غير ظرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والعامل: كل ما / أثر في كلمة رفعًا أو نصبًا أو جرًا أو جزمًا, ويجمع على 3/ب عوامل, لأنه ليس من صفات ذوي العلم كقولك: سيوف قواطع, وهو أربعة أقسام: معنى واسم وفعل وحرف. وقوله: (ولم يشابه الحرف) غير محتاج إليه في حد المتمكن, لأنه متى ثبت له تغير آخره لتغير العوامل لزم من ذلك عدم مشابهة الحرف. والمراد بتغير الآخر: بروزه في حركات مختلفة, ومثل في الاختلاف يزيد, وأبو على مثل برجل, وتثمل أبي علي أحسن, لأنه مثل بنكرة, وهو الأصل. وحكى لي شيخنا رحمه الله: أن بعض العصريين من أهل بلدنا تخيل أن المراد بتغير الآخر تنحية حرف ووضع حرف مكانه, وجواب هذا القول السكوت. وبدأ بتعريف الاسم, لأنه الأصل في الإعراب. ومعنى المضارع: المشابه, وسمى ما في أوله إحدى الزوائد الأربع مضارعًا لأنه شابه الأسماء, ولتلك المشابهة أعرب, وشبهه من ثلاثة أوجه: الأول: أنه مشترك بين زماني الحال والاستقبال تقول: يفعل وهو في الفعل, ويفعل غدًا, فجرى مجرى النكرة كرجل, لأنها شائعة. والثاني: أنه يختص بأي الزمانين شئت, تقول: يفعل الآن سوف يفعل فجري مجرى النكرة إذا عرفت باللام, كالرجل. والثالث: أنه على زنة أسماء الفاعلين والمفعولين في الحركات والسكنات, فيكرم كمكرم ويدحرج كمدحرج. وتسمية الهمزة والنون والتاء والياء زوائد, لأنها ليست من أصل الفعل, لأن الاشتقاق يسقطها, والتصريف شاهد عدل, وزيدت دون غيرها من الحروف, لأن أولى الحروف العشرة بالزيادة في مذهب التصريف حروف العلة, فالألف لا يمكن زيادتها أولًا / لسكونها فأبدلت منها الهمزة, والواو لا تزاد أولًا, لأنها أثقل حروف العلة فأبدلت منها التاء, والياء قريب في الخفة من الألف فزيدت أولًا, والنون تشبه حروف العلة, لأن فيها غنة, كما أن =

باب: (الإعراب والبناء)

باب: (الإعراب والبناء) قال ابن جني: الإعراب ضد البناء في المعنى, ومثله في اللفظ, والفرق بينهما: زوال الإعراب لتغير العامل وانتقاله, ولزوم البناء الحادث من غير عامل وثباته. فالإعراب أربعة أضرب: رفع, ونصب, وجر, وجزم, فالرفع والنصب: يشترك فيهما الاسم والفعل, والجر: يختص بالأسماء, ولا يدخل الأفعال, والجزم يختص بالأفعال ولا يدخل الأسماء. ـــــــــــــــــــــــــــــ = فيهن مدًا فزيدت, وخصت الهمزة بالمتكلم لأنه أول, والهمزة أول الحروف مخرجًا وخصت التاء بالمذكر الحاضر والمؤنثة الغائبة, لأنها تكون للخطاب كقولك: أنت, وللتأنيث كقولك: فعلت. وخصت النون بأكثر من المتكلم, لأنها ذات مخرجين: تارة تخرج من الخيشوم وتارة من الفم, وخصت الياء بالغائب, لأنها خفية فهي تناسب حالة, وإنما كان حرف الإعراب أخيرًا, لأنه تعذر أن يكون أولًا, من حيث إن حركة الأول واجبة وحركة الإعراب جائزة فتدافعنا, وتعذر أن يكون أولًا, من حيث إن حركة الأول واجبة وحركة الإعراب جائزة فتدافعنا, وتعذر أن تكون وسطًا, لأن من الكلم ما لا وسط له كيد وجعفر ومستخرج. فإن قلت: أجعله حرفًا بين الطرفين؟ فليس على التخصيص دليل. وأدل «من» على يقوم, لأن النحويين إذا ترجموا عن الأحكام الإعرابية لم يكن لهم بد من إدخال العوامل على الأفعال والحروف والجمل, لأن العبارة غير ممكنة بغير ذلك. فإن قلت: فلم لا يجوز إدخال الألف واللام على ما ذكرت؟ . قلت: الفرق بين حرف الجر وبين الألف واللام: أن حرف الجر لا يغير معنى ما يدخل عليه والألف واللام تغيره من التنكير إلى التعريف. (باب الإعراب والبناء) قال ابن الخباز: (الإعراب ضد البناء في المعنى) , لأن حقيقة الإعراب اختلاف أواخر الكلم لاختلاف العوامل كقولك: جاء رجل, ورأيت رجلًا, ومررت برجل. وهو في اللغة عبارة عن البيان. يقال: أعربت عن الأمر إذا بينته, أنشد يعقوب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في الإصلاح: 1 - وقد كنت أكنو عن قذور بغيرها ... وأعرب أحيانًا بها فأصارح فسمى به اختلاف أواخر الكلم لاختلاف العوامل, لأنه يبين المعاني. وحقيقة البناء: ثبوت أواخر الكلم على صورة واحدة - وإن اختلفت العوامل - كقولك: جاءت حذام, ورأيت حذام, ومررت بحذام, وهو في اللغة: عبارة عن وضع الشيء على الشيء على صفة يراد بها الثبوت كبناء الجدار, وسمى به ثبوت أواخر الكلم للزومه, وإنما كان مثله في اللفظ, لأن آخر الكلمة لا يخلو من الحركة والسكون, فالحركات ثلاث: ضمة وفتحة وكسرة. والسكون خلو الحرف من إحدى هذه الثلاث, وقد اشترك الإعراب والبناء في الحركة والسكون, كقولك في الضمة: الليث حيث زيد قائم, وفي الفتحة: أين رأيت الحسين. وفي الكسرة: مررت بهؤلاء العلماء. وفي السكون: لم أكرمك. والفرق بينهما, أي: بين الإعراب والبناء: زوال الإعراب لتغير العامل وانتقاله, لأن حركة الإعراب حدثت بدخول العامل, نزول بزواله (وانتقاله) لأنه معطوف على زوال. وقوله: (الحادث) في صفة البناء فيه نظر, لأنه إن أراد به بناء الأفعال والحروف فهو أصلي, وإن أراد به بناء الأسماء فلا معنى للفرق بين الإعراب وبعض البناء, والذي يعتذر به عنه أن يقال: وصف البناء بالحادث لأنه يكون بالحركة والسكون لأنهما حادثان في الحرف, والجيد أن يعلق (من) باللزوم, لأن لزوم البناء (من) غير عامل, وقد ثبت أن الحر ثلاث والسكون واحد, وأن ذلك =

قال ابن جني: والبناء أربعة أضرب: ضم, وفتح, وكسر, ووقف. فالضم يكون في الاسم نحو حيث, ومن قبل, ومن بعد. وفي الحرف في «منذ «في لغة جربها. ولا ضم في الفعل. والفتح يكون في الاسم نحو أين وكيف, وفي الفعل نحو قام وقعد, وفي الحرف نحو إن وثم. والكسر يكون في الاسم نحو أمس وهؤلاء. وفي الحرف في «جير». ـــــــــــــــــــــــــــــ = يقع في الإعراب والبناء ففرقوا بين أسمائها لاختلاف صفاتها فسموا حركات الإعراب رفعًا ونصبًا وجرًا وسكونه جزمًا. وحركات / البناء ضمًا وفتحًا وكسرًا, وسكونه وقفًا. فالرفع: عبارة عن اختصاص الآخر بالضمة التي يحدثها العامل. [والنصب: اختصاص الآخر بالفتحة التي يحدثها العامل] والجر: اختصاص الآخر بالكسرة التي يحدثها العامل. والجزم: اختصاص الآخر بالسكون والحذف اللذين يحدثهما العامل. واشترك الاسم والفعل في الرفع والنصب, لأن الأصل في الأسماء أن تكون معربة وإعراب الأفعال لمشابهتها, وإعراب الأسماء ثلاثة أنواع: رفع ونصب وجر. فأعربت الأفعال بالرفع والنصب قضاء من حق المشابهة. وانفرد الاسم بالجر, لأن عامله لا يصح دخوله على الفعل. وانفرد الفعل بالجزم, لأن عامله لا يصح دخوله على الاسم. قال ابن الخباز: وكما كان الإعراب أربعة أضرب يكون البناء أربعة أضرب: لحصول الحركات الثلاث والسكون فيه. والأصل في الإعراب الحركة, للفرق بين المعاني من الفاعلية والمفعولية والإضافة. والأصل في البناء السكون, لأن حركته لا تفيد معنى. وإنما بنيت (حيث) لأنها تفتقر إلى الإضافة في فهم معناها, فجرت مجرى الحرف الذي لابد له من غيره, وحرك آخرها لالتقاء الساكنين, وضمت ضبيها بقبل وبعد, لأنها تلزم الإضافة, ومن العرب من يفتحها طلبًا للخفة, ومنهم من يكسرها على أصل التقاء الساكنين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وبنيت قبل وبعد: لأنهما قطعتا عن الإضافة, ونوي معهما ما تضافان إليه, فصارتا كبعض الكلمة, وذلك لا يستحق إعرابًا, وحرك آخرهما, لأن بناءهما عارض, وضمتا لأنه جعل ذلك جبرًا للوهن اللاحق بحذف المضاف إليه. وفيما بعد «منذ» لغتان: الرفع والجر تقول: «ما رأيته منذ البارحة ومنذ البارحة فإذا جررت كانت حرفًا فبناؤها لأنها حرف وتحريك الآخر لالتقاء الساكنين, والضم / إتباع الذال الميم, ولا عبرة بالحاجز الذي هو النون, لأنه ساكن, وهو حاجز غير حصين. وقد قالوا: منتن فضموا التاء. وقرئ: (وإنه في إم الكتاب) بكسر الهمزة إتباعًا للفاء. وإذا رفعت ما بعد «منذ» فهي اسم, فبناؤها لأنها لا تخلو من أن تكون بمعنى الأمد أو لأول الوقت, فإن كانت لأول الوقت فهي بمنزلة «من» التي لابتداء الغاية. وقد ذكرنا علتي تحريك آخرها وضمها. ولم يبن الفعل على الضم, لأنه ثلاثة أقسام: الأمر: وسندل على وجوب السكون له, والماضي: وسندل على وجوب الفتح له, والمضارع: وقد وجب إعرابه. ولما كانت الفتحة أخف من الضمة بنوا عليها أشياء من الكلم الثلاث: فمن الأسماء «أين وكيف» فبنيت أين, لأنها تكون استفهامية كقولك: أين جلست؟ وشرطية كقولك: أين تجلس أجلس, فهي في الأول: واقعة موقع حرف الاستفهام. وفي الثاني: واقعة موقع حرف الشرط, وحرك آخرها لالتقاء الساكنين, وفتحت, لأنها كثيرة الاستعمال والفتحة خفيفة. وبنيت كيف, لوقوعها موقع الاستفهام كقولك: كيف زيد؟ وتحريك آخرها وفتحه كتحريك أين وفتحه. ويدخل حرف الجر على (أين) ولا يدخل على «كيف» , وشذ قول الشاعر: 4 - هلا سألت بنا والدهر ذو غير ... عن كيف صعقتنا ذهل بن شيبانا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومن الأفعال الفعل الماضي نحو: قام وقعد, وبناؤه, لأنه فعل, والأصل في الأفعال البناء, لأنها تدل بالصيغ المختلفة على المعاني المختلفة, وحرك آخره, لأنه ضارع الأسماء مضارعة ناقصة حيث وقع صفة, وبعد حرف الشرط كقولك: مررت برجل قام, وإن ذهب زيد جلس عمرو وبني على الفتحة, لأن الأصل فيه أن يبنى / على السكون فلما تعذر لمضارعة الأسماء بني على أقرب الحركات إلى السكون, وتلك الفتحة. وبنيت إن وثم, لأنهما حرفان, وحركتهما, لالتقاء الساكنين, وفتحهما, طلب للخفة, وقال أبو سعيد: لو ضمتا لتوالت في ثم ضمتان وفي إن كسرة وضمة, ولو كسرتا لتوالت في إن كسرتان, وفي ثم ضمة وكثرة فلم تبق إلا الفتحة. والكسرة أثقل من الفتحة فقل البناء عليها, كما قال البناء على الضمة. وبنيت «أولاء» , لأنهما تضمنت معنى حرف الإشارة, وحركت, لالتقاء الساكنين, وكسرت, على أصله, وها حرف تنبيه, وليست من الاسم ومنهم من يقصرها فيقول: «أولاً» وهي مبنية على السكون, لأن آخرها ألف. قال الكميت: 5 - وكنت لهم من هؤلاء وهؤلا ... مجنًا على أني أدم وأقصب وبنيت «أمس» , لأنها تضمنت لام التعريف, والدليل على ذلك وجهان: أحدهما: صحة ظهورها معها, كقول ذي الرمة: 6 - أو مقحم أضعف الأبطان حادجه ... بالأمس فاستأخر العدلان والقتب والثاني: صفتها بالألف واللام, كقول يزيد بن الصعق: =

قال ابن جني: وفي لام الإضافة وبائها / نحو لزيد وبزيد. ولا كسر في الفعل. والوقف يكون في الاسم نحو: «من وكم» وفي الفعل نحو: خذ وكل, وفي الحرف نحو: هل وبل. ـــــــــــــــــــــــــــــ = 7 - أبني عبيد إن ظلم صديقكم ... والبغي تارككم كأمس الدابر وحركتها لالتقاء الساكنين, وكسرتها على أصله, فإن أضفته أو أدخلت عليه الألف واللام أو جمعته أعربته, تقول: كان أمسنا طيبًا ومضى الأمس وجئت أول من أموس. وبنيت «جير» , لأنها حرف, وحركتها, لالتقاء الساكنين, وكسرتها, على أصله. ومعناها التصديق, قال الراجز: أنشده أبو الفتح في الخصائص: 8 - إني أراك هاربًا من جور ... من هذه السلطان قلت: جير ومن العرب من يفتحها طلبًا للخفة. قال ابن الخباز: وبنيت «اللام والتاء» , لأنهما / حرفان, وحركا, تقوية لهما لكونهما على حرف واحد, وكسرا, لأن الكسرة من جنس عملهما, وهذا تعليل المبرد. ومن العرب من يفتح اللام والباء وهو قلل, وحكيك «لحق جئناك به» وإنما قال: (لام الإضافة وبائها) لأنهما حرفا جر, وحروف الجر تسمى حروف الإضافة, لأنهما تضيف معاني الأفعال إلى الأسماء. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولم يبن الفعل على الكسر, لما ذكرناه في الضم فأما قوله تعالى: {خذ الكتاب} , {وقل اعلموا} , و {قم الليل} فكسر لالتقاء الساكنين, وذلك عارض لزواله في الوقف. ولا خفاء في أن السكون أخف من الحركة, فلأجل ذلك كثرت المبنيات عليه, فمن الأسماء «من وكم» فبناء «من» لأنها تكون استفهامية, كقولك: «من عندك؟ » وبناؤها, لوقوعها موقع حرف الاستفهام. وشرطية, كقولك: «من تكرم أكرم» [وبناؤها, لوقوعها موقع حرف الشرط. وموصولة كقولك: مررت بمن أهواه] وبناؤها, لافتقارها إلى الصلة. ونكرة موصوفة, كقولك: «مررت بمن صالح» أي: بإنسان صالح, وبناؤها, لافتقارها إلى الصفة. وأما «كم» فبنيت لأنها تكون استفهامية كقولك: كم ثوبك؟ وبناؤها, لوقوعها موقع حرف الاستفهام. وخبرية, كقولك: «كم رجل أفضل منك» وبناؤها, لافتقارها إلى الإضافة أو إلى الصفة, وسكون «من وكم» على أصل البناء. وبيني «خذ وكل» لأنهما فعلان, وسكنا لأنه الأصل, وذهب الكوفيون إلى أن الأمر معرب مجزوم بلام الأمر المحذوفة, فالأصل عندهم: لتأخذ ولتأكل, فحذفت اللام والتاء والسكون جزم لا وقف, وهذا عندنا فاسد, لأنه لما حذف منه حرف المضارعة جرى مجرى الماضي في التعري منه فعاد إلى البناء. وبناء «هل وبل» لأنهما حرفان, وسكونهما لأنه الأصل في البناء /. وجميع ما ذكرناه من السواكن تعرض له الحركة لالتقاء الساكنين كقولك: من الرجل. وكم المال؟ ولا عبرة بهذا الكسر, لأنه عارض يزيله الوقف, فاعرف الفرق بين الكسرة في قولك: من الرجل, وبين الكسرة في قولك: «أمس» فإن هذه إذا لاقت متحركًا زالت, وتلك إذا لاقت متحركًا ثبتت كقولك: كم درهمك؟ وأمس قدمت. =

باب: (إعراب الاسم الواحد)

باب: (إعراب الاسم الواحد) قال ابن جني: الاسم المعرب على ضربين: صحيح ومعتل. فالصحيح: ما لم يكن حرف إعرابه ألفًا, ولا ياء قبلها كسرة, نحو: زيد وعمرو, وهو على ضربين: منصرف, وغير منصرف, فالمنصرف: ما لم يشابه الفعل من وجهين, وتدخله الحركات الثلاث: الضمة, والفتحة, والكسرة, والتنوين, ويكون آخره في الرفع مضمومًا, وفي النصب مفتوحًا, وفي الجر مكسورًا. تقول في الرفع: قام زيد يا فتى, وفي النصب: رأيت زيدًا يا فتى, وفي الجر: مررت بزيد يا فتى, فضمة الدال علامة الرفع, وفتحتها علامة النصب, وكسرتها علامة الجر. ودخل التنوين الكلام علامة للأخف عليهم, والأمكن عندهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب إعراب الاسم الواحد) قال ابن الخباز: (الواحد) احترازًا من التثنية والجمع, لأن حكمهما يأتي بعد ذلك. والصحيح والمعتل إنما ينقسم إليهما الاسم المعرب, لأن تقسيم المبني إلى الصحيح والمعتل معدوم الأثر, لأن حكم ذلك راجع إلى حرف الإعراب. فالصحيح: ما لم يكن حرف إعرابه ألفًا ولا ياءً قبلها كسرة, ذكر حرف الإعراب, لأنه لا يكون إلا للمعرب, فإن سمي آخر المبني حرف إعراب فلذلك مجاز. والذي حرف إعرابه ألف هو المقصور, والذي حرف إعرابه ياء قبلها كسرة هو المنقوص. وبدأ بذكر الصحيح لأنه الأصل في احتمال حركات الإعراب, وتوهم بعض العصريين أن قشمة الصحيح إلى المنصرف وغير المنصرف مؤذنة بأن المعتل ليس كذلك, وهذا توهم باطل, ألا ترى أن قولنا: «الاسم معرب ومبني» لا ينفي انقسام الفعل إلى المعرب والمبني. واختلف النحويون في حد المنصرف, فقال قوم: المنصرف ما دخله التنوين وحجتهم من وجهين: أحدهما: أن التنوين زيادة دالة على خفة الاسم ومكانته. الثاني: أن الشاعر إذا اضطر إلى تنوين ما لا ينصرف في موضع الجر نون وجر, ولو =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = كان الجر من الصرف لم يجرر, لأنه لا يزيد على قدر الضرورة. وقال قوم: المنصرف: ما دخله الجر والتنوين, وحجتهم من وجهين: أحدهما: أن المنصرف من التصرف وهو مع الجر أكثر. / والثاني: أن الجر من خصائص الأسماء, فكان من الصرف كالتنوين. وأدخل أبو الفتح في حد المنصرف ما ليس منه بقوله: (وتدخله الحركات الثلاث) والمراد بنفى مشابهة الفعل عدم الوجهين, والمراد بالوجهين: أن يكونا سببين من أسباب تسعة يأتي ذكرها في موضعها من الكتاب بحول الله تعالى. وجمعها بعض المولدين في بيتين تسهيلًا لحفظها فقال: إذا اثنان من تسع ألما بلفظة ... فدع صرفها وهي الزيادة والصفه ووزن وتأنيث وعدل وعجمة ... وجمع وتركيب ووجدان معرفه وسميت الحركة حركة لإقلاقها الحرف عن مخرجه, والحركات قسمان: خالصات, ومشوبات, فالخالصات ثلاث: الضمة, ومنشأها من بين الشفتين, وهي أثقلها, والكسرة, ومنشأها من وسط اللسان وما يحاذيه من الحنك الأعلى, وهي أخف منها, والفتحة, ومنشأها من أقصى الحلق, وهي أخف منهما. والمشوبات: كسرة ممالة إلى الضمة نحو: قيل, وضمة ممالة إلى الكسرة نحو: منصور, وفتحة ممالة إلى الضمة نحو: الصلاة, وفتحة ممالة إلى الكسرة نحو: عالم. والتنوين: نون ساكنة تلحق الاسم بعد حركة الإعراب, وهو مصدر قولك: «نؤنث الحرف» أي: ألحقته النون, كما تقول: «كوفت تكويفًا» أي: كتبت كافًا. والاسم الصحيح لا مانع من ظهور الحركة في آخره, لأن الحروف الصحيحة بعيدة من مشابهة الحركات, فتقول في الرفع: جاء زيد, فتضمه, وفي النصب: رأيت زيدًا, فتفتحه, وفي الجر: مررت بزيد, فتكسره, وزاد قوله: (يا فتى) ليجعل الكلام وصلًا =

قال ابن جني: وهو الواحد النكرة, والمضاف كالمفرد فيما ذكرنا, تغرب الأول بما يستحقه من الإعراب إلا أنك تحذف منه التنوين للإضافة, وتجر الثاني بإضافة الأول إليه على كل حال, تقول: هذا غلام زيد, ورأيت غلام زيد, ومررت بغلام زيد. وغير المنصرف ما شابه الفعل من وجهين: وتدخله الضمة والفتحة ولا يدخله جر ولا تنوين, ويكون آخره في الجر مفتوحًا. فإن أضف أو دخلته الألف واللام فأمن فيه التنوين دخله الجر في موضع الجر, تقول في الرفع: هذا أحمد وعمر, وفي النصب: رأيت أحمد وعمر, وفي الجر: مررت بأحمد وعمر, وتقول مع الإضافة: عجبت من أحمدكم وعمركم, ومع الألف, واللام: عجبت من الفرس الأشقر, ونظرت إلى الرجل الأسمر. ـــــــــــــــــــــــــــــ = واختلف النحويون في علة دخول التنوين الأسماء, والأقوال في ذلك أربعة: الأول: أنه علامة للأخف الأمكن, وذلك لأنهم فرقوا بين ما أشبه الفعل وبين ما لم يشبه الفعل / لأنه أخف وأحمل للزيادة. والثاني: أنه فارق بين الاسم والفعل, وهذا باطل, لأنه الاسم والفعل معروفان بدون التنوين. والثالث: أنه فارق بين المنصرف وغير المنصرف, وهذا باطل, لأن المنصرف هو المنون, وغير المنصرف هو غير المنون, فصار المعنى أن التنوين فارق بين المنون وغير المنون. والرابع: أنه فارق بين المفرد والمضاف, وهذا باطل, لأن ما فيه الألف واللام مفرد ولا يدخله التنوين. قال ابن الخباز: وقوله: (وهو الواحد النكرة) هو يعود إلى الأخف الأمكن, وإنما كان كذلك, لأن الواحد أخف من الجمع ومن المركب, والنكرة أخف من المعرفة. واعلم أن الأمكن أخص من المتمكن, لأن المتمكن هو المعرب, والأمكن هو المنصرف. وقوله: (فيما ذكرنا) يعني في دخول الحركات في مواضعها والتنوين. والأول هو المضاف. وقوله: (إلا أنك) استثناء من الإجمال في قوله: (والمضاف كالمفرد) , وإنما حذف التنوين من الإضافة, لأن التنوين بدل على الانفصال, والإضافة تدل على الاتصال فتناقضا. وقال الكوفيون: لم يجتمعا لأنهما من خصائص الأسماء, ولا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يجمع بين التنوين والألف واللام, لأن التنوين دليل التنكير [والألف] واللام دليل التعريف. ولا يجمع بين الإضافة والألف واللام, لأن الإضافة للتعريف [والألف] واللام للتعريف فتساويا. فإن كان المضاف إليه نكرة, فالإضافة للتخصيص, فيتكون الجمع بينهما نقضًا لمعنى [الألف] واللام. واختلف النحويون في جر المضاف إليه, فقيل: إنه بحرف جر مقدر, لأن الجر في الأصل للحروف. وقيل: إنه بالمضاف, لأنه أقيم مقام الحرف حيث فهم معناه منه. وغير المنصرف يسمى متمكنًا, ولا يسمى بالأمكن, ولابد من أن يشبه الفعل من وجهين من تلك الوجوه. ويباين المنصرف بأمرين: أحدهما: طرح التنوين, لأنه أشبه الفعل / والفعل لا ينون. والثاني: إزالة الكسرة من الجر لأنه أشبه الفعل, والفعل لا يعرب بالكسرة, ولم يجعل آخره ساكنًا في موضع الجر, لئلا يكون المعرب على لفظ المبني, وإنما فتحوه في موضع الجر, لأن الجر يشارك النصب في كونهما فضلتين فاستعيرت له حركته. وإنما أعرب بالكسرة مع [الألف و] اللام والإضافة لأنهما يبعدانه من شبه الفعل, لأن الفعل لا يضاف, ولا تدخله الألف واللام. وقوله: (وأمن فيه التنوين) مؤذن بأن ترك الكسرة [مع غير المعرف] باللام والإضافة بعدم الأمن من دخول التنوين, لأنه ليس في كلامهم معرب مكسور الآخر إلا وفيه تنوين أو ما يعاقب من اللام والإضافة. «وأحمد» أشبه الفعل بالوزن والتعريف, «وعمر» أشبه الفعل بالتعريف والعدل, وإنما جاء مع الأشقر والأشمر بالفرس, والرجل توفية للصناعة, لأن الأشقر والأسمر صفتان فلابد من ذكر الموصوف معهما.

قال ابن جني: فإن وقفت على المرفوع والمجرور حذفت التنوين, لأنه زائد لا يوقف عليه, وأسكنت آخرهما, لأن المعرب تبتدئ بالمتحرك وتقف على الساكن, تقول في الوقف: هذا زيد, ومررت يزيد, فإذا وقفت على المنصوب المنون أبدلت من تنوينه في الوقف ألفا تقول في الوقف: رأيت زيدًا, فإن لم يكن المنصوب منونًا كان الوقف عليه ساكنًا كالمرفوع والمجرور, تقول في الوقف: ضربت عمر, وأكرمت الرجل. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: واعلم أن ذكر أحكام الوقف في أوائل كتب النحو مستهجن, لأن أوائلها مبنية على مقدمات الإعراب, ثم إن سيبويه الذي لم يرتب النحو ذكر الوقف في الأواخر مجاورًا للتصريف, فما ظنك بمن رتب. وإنما جيء بالوقف في الكلام لراحة المتكلم, وحذف التنوين من الموقوف عليه, لأنه لو أثبت لالتبس بالنون الأصيلة, هذا قول سيبويه. وحذف الحركة, لأن السكون أشد تحصيلًا لراحة المتكلم, وإنما ابتدأوا بالمتحرك, لأن المبتدأ بالحرف لا يأتي قبله بما يعتمد عليه ويبينه, فلو رام إسكانه لأخفاه عن السميع, والابتداء بالساكن متعذر, وقيل: إنه ممكن في اللغة الفارسية, واللغة الشائعة إسكان المرفوع والمجرور / في الوقف, لأنهم لو أبدلوا من تنوين المرفوع واواً لثقل عليهم, ولو أبدلوا من تنوين المجرور ياء لالتبس بالمضاف إلى ياء المتكلم, وإنما أبدلوا من تنوين المنصوب ألفًا, لأن الألف أخف من الواو والياء. وإنما كان غير المنون ساكنًا في الأحوال الثلاث, لأنه ليس ثم تنوين فيبدل منه. ومثل: بعمر والرجل, لأن عمر غير منصرف, والرجل لا يدخله التنوين من أجل لام التعريف. وقوله: (كان الوقف عليه ساكنًا) ساكن فيه حال من الهاء, ولا يكون خبر كان, لأن الوقف ليس بتساكن, إنما الساكن الموقوف عليه.

باب: (إعراب الاسم المعتل)

باب: (إعراب الاسم المعتل) قال ابن جني: وهو على ضربين: منقوص, ومقصور. فالمنقوص: كل اسم وقعت في آخره / ياء قبلها كسرة نحو: القاضي والداعي, فهذه الياء لا تدخلها ضمة ولا كسرة وإن لقيها ساكن بعدها حذفت لالتقاء الساكنين, تقول في الرفع: هذا قاضٍ يا فتى, وفي الجر: مررت بقاض يا فتى, وكان الأصل فيه: هذا قاضي, ومررت بقاضي, فأسكنت الياء استثقالًا للضمة والكسرة عليها. وكان التنوين بعدها ساكنًا فحذفت الياء لالتقاء الساكنين, وبقيت الكسرة قبلها تدل عليها, فإن نصبت المنقوص جرى مجرى الصحيح لخفة الفتحة تقول في النصب: رأيت قاضيًا يا فتى, ففتحة الياء علامة النصب. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب إعراب الاسم المعتل) قال ابن الخباز: انقسام المعتل إلى المنقوص والمقصور, لأن أخر الاسم إن كان ألفًا فهو مقصور. وإن كان واواً أو ياء فإن كان قبلهما ساكن كدلو وظبي فهو في حكم الصحيح, وسيأتي ذكره بتوفيق الله تعالى. وإن كان قبلهما فتحة انقلبتا ألفا نحو عصا ورحا, وهو مقصور. وإن كان قبلهما كسرة انقلبت الواو ياء وسلمت الياء نحو: الداعي والقاضي, وذلك منقوص. وإن قبلهما ضمة أبدلت من الضمة كسرة ومن الواو ياءً وسلمت الياء, وذلك نحو قولك في جمع جرو وظبي: «أجر وأظب» وأصلهما أجرو وأظبي, فأبدلت من ضمة الراء والباء كسرة, فانقلبت الواو بعد الراء ياءً, وسلمت الياء بعد الباء فصارا: أجريا وأظبيا وهو منقوص. قال مالك الخناعي: 9 - ليث هزير مدل عند خيسته ... بالرقمتين له أجر وأعراس =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الكميت: 10 - والأظبي البارحات هل كان ... للأقرن منها أم لم يكن عضب (فالمنقوص كل اسم) إنما بدأ بالمنقوص لأنه يحتمل حركات الإعراب / إلا أن الضمة والكسرة تركتا للاستثقال. وقوله: (كل اسم) احترازًا من الفعل, لأن نحو: يقضي, لا يسمى منقوصاً. وقوله: (قبلها كسرة) احتراز من الياء التي هي قبلها ساكن نحو: ظبي, وإنما سمي منقوصًا لأمرين: أحدهما: أن الحذف يلحق آخره نحو: قاض فجرى مجرى يد ودم, وذلك منقوص بحذف لامه. والثاني: أنه نقص حركتي الرفع والجر, لأن الضمة والكسرة لا تدخلانه ومثل بالداعي والقاضي, لأن ياء «الداعي» منقلبة عن الواو, لأنه من دعوت, وياء «القاضي» أصل, لأنه من قضيت. ولا يخلو المنقوص من أن يكون منونا أو غير منون. وبدأ بالمنون لأنه نكرة, والنقص معه أكثر تبيينًا لما فيه من حذف حركة الإعراب وحرف الإعراب تقول في الرفع: «هذا قاض يا فتى» وفي الجر: مررت بقاضٍ يا فتى. وكان الأصل فيه: هذا قاضي, ومررت بقاضي, بإثبات الياء فيهما كما تقول: هذا ضارب, ومررت بضارب, فأسكنت الياء استثقالًا للضمة والكسرة عليها. وإنما استثقلت الضمة والكسرة على الياء, لأن الحركات مجانسة لحروف العلة, لأن الفتحة والألف من مخرج [والكسرة والياء من مخرج] والضمة والواو من مخرج, والألف بمنزلة فتحتين, والياء بمنزلة كسرتين, والواو بمنزلة ضمتين, فلو ضممت ياء المنقوص لكنت جامعًا بين ثلاث كسرات وضمة, ولو كسرتها لكنت جامعًا بين أربع كسرت, فلما أسكنت حذفت. وكانت أولى بالحذف من التنوين لوجهتين: أحدهما: أن قبلها كسرة تدل عليها. والثاني: أن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = التنوين يدل على الخفة والمكانة فكان أولى بالبقاء. ويجري المنقوص في النصب مجرى الصحيح كقولك: رأيت قاضيًا, لأن 10/أالفتحة أخف من أختيها, ويجوز للشاعر ضم المنقوص / في حالة الرفع وكسرة في حالة الجر للضرورة, قال الشاعر: 11 - نراه وقد فات الرماه كأنه ... أمام الكلاب مصغي الحد أصلم وقال في الجر: 12 - لا بارك الله في الغواني ... هل يصحبن إلا لهن مطلب ويجوز له إسكان المنصوب, وعن المبرد أنه من أحسن الضرورات. قال الشاعر. 13 - فسكون غاري جنبه فتركته ... جذلان جاد قميصه ورداؤه

قال ابن جني: فإن وقفت على المرفوع والمجرور من هذا الباب حذفت الياء, ووقفت على ما قبلها ساكنًا تقول في الوقف: هذا قاض, ومررت بالقاضي. ويجوز أن تقف بالياء فتقول: هذا قاضي ومررت بقاضي, وتقول في النصب: رأيت قاضيًا نقف بالألف, كما تقول: رأيت زيدًا, فإن زال التنوين عن هذه الأسماء بالألف واللام أو الإضافة كانت الياء ساكنة في الرفع والجر, ومفتوحة في النصب, تقول في الرفع: هذا القاضي, وهذا قاضيك, وفي الجر: مررت بالقاضي, ومررت بقاضيك, وكان الأصل فيه: هذا القاضي, ومررت / بالقاضي, وهذا قاضيك, ومررت بقاضيك فأسكنت 4/ب الياء استثقالا للضمة والكسرة عليها, وبقيت ساكنة وتقول في النصب: رأيت القاضي, ورأيت قاضيك ففتحة الياء علامة النصب. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: فإذا وقفت على المنقوص مرفوعًا أو مجرورًا للعرب فيه مذهبان: الأول: - وهو أكثر وأقيس واختيار سيبويه حذف الياء كقولك: هذا قاض ومررت بقاض, وإياه روى أكثر القراء, وحجته أن الوقف موضع حذف, والوصل موضع إثبات, فإذا حذفت الياء في الأول فالأولى أن تحذف في الوقف. والثاني وهو اختيار يونس: أن تثبت الياء. كقولك: هذا قاضي, ومررت بقاضي, وبه قرئ في إحدى الروايتين عن ابن كثير {وما عند الله خير وأبقى} وحجته: أن الياء حذفت في الوصل لملاقاتها التنوين, وقد زال في الوقف فعادت. وتقول في النصب: رأيت قاضيًا فتبدل من تنوينه ألفًا كما تقول رأيت زيدًا, لأنه يجري في الوصل مجرى الصحيح فجرى في الوقف مجراه. وإنما قال: (عن هذه الأسماء) ولم يذكر إلا اسمًا واحدًا مكررًا وهو «القاضي» , =

قال ابن جني: فإذا وقفت على ما لا تنوين فيه وقفت بالياء ساكنة, تقول في الوقف: هذا القاضي, ومررت بالقاضي, ويجوز أن تقف بلا ياء فتقول: هذا القاض, ومررت بالقاض, وتقول في النصب: رأيت القاضي, تقف بالياء لا غير. ـــــــــــــــــــــــــــــ = لأن حكم الواحد من المنقوص كحكم جميعه فذكر بعضه كذكر كله. وإذا قلت: هذا القاضي, ومررت بالقاضي, فالأصل ضم الياء وكسرها, فزالت الحركتان 10/ب لاستثقالهما, وبقيت الياء ساكنة, لأنه لا موجب لحذفها وقد تحذف / في الشعر ضرورة. أنشد سيبويه للأعشى: 14 - وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه ... ويصرن أعداء بعيد وداد وأنشد لخفاف: 15 - كنواح ريش حمامة نجدية ... ومسحت باللثتين عصف الأثمد وتقول: رأيت القاضي, ورأيت قاضيك, فتفتح الياء لخفة الفتحة. ولا يجوز حذفها في حال, لتحركها في الوصل فهي كالحرف الصحيح. قال ابن الخباز: وإذا وقفت على غير المنون مرفوعًا ومجرورًا فللعرب فيه مذهبان: أحدهما: وهو الأكثر إثبات الياء كقولك: (هذا القاضي, ومررت بالقاضي) لأن الياء حرف إعراب ثبت في الوصل فثبت في الوقف كالدال من زيد. والثاني: وهو قلل: حذف الياء, لأنهم قصدوا الفرق بين الوصل والوقف, وكان الوقف أولى بالحذف, لأنه من مواضع التغيير, وتقول في النصب: (رأيت القاضي) تقف بالياء لا غير, لأن الياء متحركة في الوصل فسكونها في الوقف يفرق بينهما وقد تحصنت بالحركة فلم تحذف القسم الثاني: المقصور وسمي بذلك لوجهين: أحدهما: أن إعرابه مقدر في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = آخره لا يظهر, فهو كالمحبوس فيه, ومعنى القصر الحبس. والثاني: أنه قصر عن غاية الممدود, لأنه بناءه أطول من بنائه, وسيبويه يسميه المنقوص. وإنما قال: (كل اسم وقعت في آخره ألف مفردة) احترازًا من نحو: حمراء وصحراء فإن في آخره ألفين قلبت الثانية منهما همزة. وقوله: (لا يدخله شيء من الإعراب) أي: الإعراب اللفظي, وإنما لم تقبل الألف الحركات, لأنها حرف هوائي يخرج من أقصى الحلق يتسع له الحلق / والفم 11/أأشد من اتساعهما مع غيره, فلو حرك لقطعت الحركة امتداده, والامتداد طبيعة فيه فلا سبيل إلى الحركة.

قال ابن جني: وأما المقصور فكل اسم وقعت في آخره ألف مفردة نحو عصا ورحا, والمقصور كله لا يدخله شيء من الإعراب, لأن في آخره ألفًا, والألف لا تكون إلا ساكنة, تقول في الرفع: هذه عصا يا فتى, وفي النصب: رأيت عصا يا فتى. وفي الجر: مررت بعصا يا فتى, كله بلفظ واحد, وسقطت الألف من اللفظ لسكونها وسكون التنوين بعدها, وبقيت الفتحة قبلها تدل على الألف المحذوفة. فإن وقفت على المرفوع من هذا أو المجرور حذفت التنوين كما فعلت في الصحيح, ووقفت على الألف التي هي حرف الإعراب, تقول في الوقف: 11/ب هذه عصا, ومررت بعصا, فإن وقفت على المنصوب المنون /: أبدلت من تنوينه ألفا. وحذفت الألف الأولى التي هي حرف الإعراب لسكونها وسكون الألف التي هي عوض من التنوين بعدها, تقول في الوقف: رأيت عصا, فإن لم يكن المقصور منونًا كانت ألفه ثابتة على كل حال ما لم يلقها ساكن من كلمة بعدها تقول: هذه حبلى, ورأيت حبلى, ومررت بحبلى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: والمقصور قسمان: منون, وغير منون كالمنقوص, فالمنون: تحذف ألفه لالتقاء الساكنين تقولك «هذه عصا يا فتى» , «ورأيت عصا يا فتى» , «ومررت بعصا يا فتى» والتنوين بعد الصاد في اللفظ وبعد الألف في التقدير, لأن التنوين لحق الاسم بعد آخره والوجهان اللذان ذكرناهما في اختصاص ياء المنقوص بالحذف مطردان في اختصاص الألف بالحذف دون التنوينز وإذا وقفت على المقصور المرفوع أو المجرور أو المنصوب في حال تنوينه كقولك: «هذه عصا» «ورأيت عصا ومررت بعصا» ففية للنحويين ثلاثة أقوال: أحدها: وهو قول سيبويه: وهو أنك تجري المعتل مجرى الصحيح. ومعنى ذلك أن الوقف على الصحيح في حالتي الرفع والجر على حرف الإعراب, وفي النصب على الألف التي هي يدل من التنوين كقولك: هذا زيد, ومررت بزيد, ورأيت زيدًا. فإذا قلت: هذه عصا, ومررت بعصا حكمت بأن الألف حرف الإعراب, وهي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = التي حذفت لملاقاة التنوين, فلما زال عادت. وإذا قلت: رأيت عصا حكمت بأن الألف يدل من التنوين لاقت الألف التي [هي] حرف الإعراب فحذفت أولاهما. وبقيت التي هي بدل. والقول الثاني قول أبي عثمان المازني: وهو أن الألف في الأحوال الثلاث بدل من التنوين, لأن قبل التنوين فتحة في كل حال فأبدل منه الألف. والقول الثالث قول أبي سعيد السيرافي: وهو أن الألف في الأحوال الثلاث / حرف 12/ب إعرابه, وحجته: أن القراء أمالوها في النصب كوله تعالى: {أو أجد على النار هدى} فلو كانت بدلا من التنوين لم تمل. وإذا كان المقصور غير منون ثبتت ألفه في الوصل, لأنه لا موجب لحذفها كقوله تعالى: {هدى وبشرى للمؤمنين} , {يبشرك بيحيى مصدقا} فإذا وقفت فالألف في الوقف هي التي كانت في الوصل, لأنه ليس ثم تنوين تبدل منه, ومن العرب من يبدلها ياء فيقول: هذه حبلي. قال الراجز: 16 - تبشري بالريف والماء الروي ... وفرج منك قريبًا قد أتى وإنما قصد بالإبدال البيان, لأن الياء أظهر من الألف. وإذا لقى ألف المقصور غير المنون ساكن من كلمة أخرى حذفت لالتقاء الساكنين كقوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر} وقوله: {بخالصة ذكرى الدار}.

قال ابن جني: وأما الممدود فكل اسم وقعت في آخره همزة قبلها ألف نحو: كساء ورداء, والإعراب جار عليه تقول: هذا كساء ورداء, ورأيت كساء ورداء, ومررت بكساء ورداء. والمهموز كله يجري عليه ما يجري على الصحيح تقول: هذا قارئ ومنشئ ومبتدئ. ورأيت قارئًا ومنشئًا ومبتدئًا, ومررت بقارئ ومنشئ ومبتدئ, وإذا أسكن ما قبل الياء جرت مجرى الصحيح, تقول: هذا ظبي ونحي, ورأيت ظبيًا ونحيًا, ومررت بظبي ونحي, وكذلك الياء المشددة, تقول: هذا صبي وكرسي, ورأيت صبيًا وكرسيًا, ومررت بصبي وكرسي. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: والممدود والمهموز وما آخره ياء قبلاه ساكن أو آخره ياء مشددة ليس بمنقوص, ولا مقصور, وإنما ذكره في الباب, لأنه يشبه المعتل, فالممدود: ما كان آخره همزة قبلها ألف نحو: كساء ورداء, وشبهه بالمعتل أن همزته منقلبة عن واو أو ياء, فأصل كساء كساو, لأنه من الكسوة. وأصل رداء رداي من الردية, والإعراب جار عليه, لأن الهمزة حرف صحيح تقول: هذا كساء, ورأيت كساء, ومررت بكساء. ولم يذكر أبو الفتح الوقف عليه, ونحن نذكره فنقول: إذا وقفت عليه في حال الرفع والجر أسكنت فقلت: هذا كساء ومررت بكساء, وفي بيان الهمزة للسامع عسر لبعد مخرجها, وتبدل من التنوين في النصب ألفًا كقولك: لبست رداءًا, وقال بعض العرب: «شربت مايا» فأبدل من الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين وهذا قليل وإذا كان غير منون فهو ساكن في الأحوال الثلاث. تقول: رأيت الكساء فتسكن, لأنه لا تنوين. والمهموز ما آخره, همزة, وهو أربعة أقسام: الأول: ما قبل همزته حرف ساكن كدفء وجزءٍ خبء وهذا في الوقف والوصل كالصحيح تقول في الوصل هذا دفء, ورأيت دفأ ومررت بدفء, وتقول في الوقف: هذا دفء, ومررت بدفء, ورأيت دفأ. الثاني: ما قبل همزته فتحة كرشأ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وفرأ فهذا كالصحيح في الحالين أيضًا تقول: هذا رشأ, ورأيت رشأ, ومررت برشأ, وهذا رشأ, ومررت برشأ, ورأيت رشأ, ومثل رشع, ولك أن تقف عليه في حالتي الرفع والجر بالألف أو الهمزة, فالألف لغة أهل الحجاز, والهمزة لغة بني تميم. الثالث: ما آخره همزة قبلها كسرة: فهذا كالصحيح في الحالين أيضًا, تقول: هذا قارئ, ورأيت قارئًا ومررت بقارئ, وهذا قارئ ومررت بقارئ, ورأيت قارئًا, مثل قارعًا, ولك أن تقف عليه في الأحوال الثلاثة بالياء وبالهمزة, فالياء حجازية والهمزة تميمية. الرابع: ما آخره همزة قبلها ضمة: كأكمؤ, فهذا كالصحيح في الحالين أيضًا تقول: هذه أكمؤ, ورأيت أكمؤا, ومررت بأكمؤ, وهذه أكمؤ, ومررت بأكمؤ, ورأيت أكمؤا, مثل أكمعا, ولك الوقف عليه في الأحوال الثلاث بالواو وبالهمزة كما ذكرنا في الياء, وشبه المهموز بالمعتل أن همزته عرضة للحذف والإبدال, وقد بان ذلك في تضاعيف كلامنا. وما آخره حرف علة قبله ساكن فلا يخلو الساكن من أن يكون مثلًا أو غير مثل والآخر لا يخلو من أن يكون واواً أو ياءً, فحصل من ذلك أربعة / أمثلة: ياء قبلها 12/ب ساكن غير مثل نحو: ظبي ونحي, والنحى: زق السمن, وياء قبلها ساكن مثل نحو: صبي وكرسي, وواو قبله ساكن هو مثل نحو: عدو ومغزو, فهذا كله تجري عليه حركات الإعراب تقول: هذا دلو وظبي وعدو وصبي, ورأيت دلوًا وظبيًا وعدوًا وصبيًا, ومررت بدلو وظبي وعدو وصبي. وإنما جرت عليه الحركات, لأن ما قبل آخره ساكن فلم يستثقل جريها لضعف ما قبله بالسكون, وليس كذلك القاضي.

قال ابن جني: واعلم أن في الأسماء الآحاد ستة أسماء تكون في الرفع بالواو, وفي النصب بالألف, وفي الجر بالياء, وهي: أبوك, وأخوك, وحموك, 5/ب وهنوك / وفوك وذو مالٍ, تقول في الرفع: هذا أبوك وأخوك وحموك وهنوك وفوك وذو مال, وفي النصب: رأيت أباك وأخاك وحماك وهناك وفاك وذا مال. وفي الجر: مررت بأبيك وأخيك وحميك وهنيك وفيك وذي مال. فالواو حرف الإعراب, وهي علامة الرفع, والألف حرف الإعراب وهي علامة النصب, والياء حرف الإعراب وهي علامة الجر. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما الأسماء الستة التي هي: أبوك, وأخوك, وحموك, وهنوك, وفوك, وذو مالك فرفعها بالواو, ونصبها بالألف, وجرها بالياء, وذلك منوط بشرطين: أحدهما: أن تكون مضافة إلى غير ياء المتكلم. والثاني: أن تكون مكبرة تقول: جاءني أبوك, ورأيت أباك, ومررت بأبيك, وكذلك سائرها. وإنما أعربت بالحروف, لأنها أشبهت المثنى والمجموع, وذلك أن منها ما يلزم الإضافة وهو فوك وذو مال, ومنه ما تغلب عليه الإضافة وهو باقيها, والإضافة فرع على الإفراد كما أن التثنية والجمع فرعان عليه. وإنما أعربت بحروف العلة, لأنها مشابهة الحركات, وقد ذكرناه, فالواو كالضمة, والألف كالفتحة, والياء كالكسرة, واختلفوا في هذه الحروف ما هي؟ وجملة الأقوال في ذلك ثمانية, ولولا أني ضمنت الاختصار لذكرتها, والذي يليق بهذا الكتاب ذكر قول ابن جني وبه قال أبو علي وكان ابن جني من أصحابه, قالوا: إذا قلت: جاءني أبوك فالواو بمنزلة الدال والضمة في قولك: جاءني زيد, فالواو 5/أحرف الإعراب وعلامة الإعراب, وكذلك الألف / في قولك: رأيت أباك بمنزلة الدال والفتحة في قولك: رأيت زيدًا. والياء في قولك: مررت بأبيك بمنزلة الدال والكسرة في قولك: مررت بزيد, وإنما حكموا بذلك, لأن حروف العلة لو سقطت لاختلفت معاني هذه الأسماء فهي كحروف الإعراب, وتوجد بوجود العامل وتزول بزواله فهي كعلاماته, فهذا معنى قوله: (فالواو حرف الإعراب وهي علامة الرفع) ولا خفاء في مشابهة باب «ظبي وصبي» والأسماء الستة للمعتلات, لأن آخرها حرف علة.

باب: (التثنية)

باب: (التثنية) قال ابن جني: اعلم أن التثنية للأسماء دون الأفعال والحروف, فإذا ثنيت الاسم المرفوع زدت في آخره ألفًا ونونًا تقول في الرفع: قام الزيدان والعمران, فالألف حرف الإعراب, وهي علامة التثنية وعلامة الرفع, ودخلت النون عوضًا مما منع الاسم من الحركة والتنوين, وكسرت لسكونها وسكون الألف قبلها, فإن جررت أو نصبت جعلت مكان الألف ياء مفتوحًا ما قبلها تقول: مررت بالزيدين, وضربت الزيدين, فالياء حرف الإعراب, وهي علامة التثنية, وعلامة الجر والنصب, والنون مكسورة بحالها في الرفع, والمؤنث كالمذكر في التثنية تقول: / قامت الهندان, ومررت بالهندين, وضربت 13/ب الهندين, فإن أضفت المثنى أسقطت نونه للإضافة تقول: قام غلامًا زيد, ورأيت غلامي زيد, ومررت بغلامي زيد, وكان الأصل غلامان وغلامين, فسقطت النون للإضافة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب التثنية) قال ابن الخباز: إنما جيء بها في الكلام للإيجاز والاختصار, لأن قولك: زيدان, يغني عن زيد وزيد. وإنما اختصت بالأسماء, لأنها محتاجة إلى التثنية, لأن رجلًا ونحوه لا يدل على غير الواحد, فإذا أردنا الدلالة على اثنين قلنا: رجلان. وإنما لم تثن الأفعال, لأن حق المثنى أن يدل على شيئين, ولو ثني الفعل لدل على أربعة أشياء: حدثين وزمانين. ولم تثن الحروف, لأن التثنية ضرب من التصريف, والحروف جوامد لا تصرف, وإنما كانت علامات التثنية من حروف العلة, لأنها أولى الحروف العشرة بالزيادة. وخصوا التثنية بالألف, لأنها تكون ضمير الاثنين في قولك: «ضربا» وخصوها بالرفع, لأن حق التثنية أن تكون في الرفع بالواو, فطرحوا الواو لثقلها ولم يجيئوا بالياء, لأنها ياء الجر, فلم يبق [إلا] الألف, جروا التثنية بالياء, لأن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الياء أخت الكسرة التي هي علامة الجر في الواحد وفتحوا ما قبلها تشبيهًا بالألف, لأنها أفادت التثنية مثلها, وحملوا النصب على الجر, لأنهما مشتركان في وقوعهما 13/أفضلتين / وبين النحويين خلاف في حروف العلة في التثنية والجمع, ومذهب ابن جني فيها كمذهبه في الأسماء الستة, فإذا قلت: قام الزيدان فالألف حرف الإعراب وعلامة التثنية وعلامة الرفع. وإذا قلت: مررت بالزيدين فالياء حرف الإعراب وعلامة التثنية وعلامة الجر. وإذا قلت: رأيت الزيدين فالياء حرف الإعراب, وعلامة التثنية وعلامة النصب, وذلك معلل بما ذكرنا في الأسماء الستة. وبين النحويين خلاف في العلة التي زيدت من أجلها النون, ومذهب ابن جني وهو مذهب سيبويه: أنها زيدت عوضًا من الحركة والتنوين اللذين كانا في المفرد, لأن المفرد يستحق الحركة للإعراب, والتنوين, لأنه منصرف في الأصل, والألف والياء في التثنية يمنعان لحاقهما فعوض النون, وتحريكها لالتقاء الساكنين, وكسرها على أصله, وهذه النون تثبت مع الألف واللام ثبوت الحركة كقولك: الزيدان, وتسقط مع الإضافة سقوط التنوين كقولك: غلامي زيد, ولهذا حكم بأنها عوض منها, وإنما استوى المذكر والمؤنث في التثنية كالزيدين والهندين, لأن عدد التثنية لا يختلف, لأنها ضم مفرد إلى مثله. ولا يخلو المؤنث من أن يكون بعلامة أو بغير علامة, فذو العلامة مؤنث بالتاء أو الألف أو الهمزة, فالتاء ثبتت كقولك: تمرتان, وقالوا في خصية والية: خصيان وإليان وهو شاذ. والمؤنث بالألف ينقلب ألفه ياءً كقولك في حبلى: حبليان. والمؤنث بالهمزة تقلب همزته واوًا كقولك في صحراء: صحراوان. أما ثبوت التاء: فلأن المقصود تثنية المؤنث, وأما قلب الألف ياء: فلأن إقرارها غير ممكن, 14/ب فقلبت إلى / حرف يكون علامة للتأنيث. وأما قلب الهمزة واوًا: فإنا (لو) أثبتنا الهمزة لجمعنا بين الأمثال بإيقاعها بين ألفين أو بين ألف وياء, فأبدلنا منها حرفًا بعيدًا منهما وهو الواو, وإنما سقطت نون التثنية في الإضافة, لأنها زيادة تفصل المثنى عما بعده ولفظها لفظ التنوين.

باب: (ذكر الجمع)

باب: (ذكر الجمع) قال ابن جني: اعلم أن الجمع للأسماء دون الأفعال والحروف, وهو على ضربين: جمع تصحيح, وجمع تكسير. فجمع التصحيح, ما سلم فيه نظم الواحد وبناؤه, وهو على ضربين: جمع تذكير, وجمع تأنيث. ـــــــــــــــــــــــــــــ = وللمثنى في الإضافة أربعة أحوال: الأولى: ثبوت ألفه إذا كان بعدها متحرك كقولك: قام غلاما زيد, الثانية: حذفها إذا كان بعدها ساكن كقولك: قام غلاما لأمير. الثالثة: إثبات الياء إذا كان بعدها متحرك كقولك: رأيت غلامي زيد. الرابعة: كسرها إذا لقيها ساكن كقوله تعالى: {يصحبي السجن} وتشديد الياء لحن. (ذكر الجمع) قال ابن الخباز: (الجمع): عبارة عن ضم مفرد إلى أكثر منه, وهو أولى بالمجيء في الكلام من التثنية, لأن عدته أكثر من عدتها فلو لم تجئ بصيغته لافتقرت إلى ذكره ثلاثة مرات وأكثر من ذلك, ألا ترى أنك لو قلت: قبضت دراهم, وكانت عشرة فلم تأت بصيغة الجمع احتجت إلى المفرد عشر مرات؟ . وإنما اختص بالأسماء, لأنها محتاجة إليه, لأن الاسم المفرد لا يدل على أكثر من نفسه كرجل وفرس. ولم تجمع الأفعال, لأن فائدة الجمع التكثير, وذلك حاصل من الفعل تقول: قام زيد وإن كان قد قام ألف مرة. ولم تجمع الحروف, لأن الجمع ضرب من التصريف, والحروف لا تصرف, وإن شئت قلت: الحروف نائبة عن الأفعال, والأفعال لا تجمع فكذلك نائبها. وانقسامه إلى جمع تصحيح, وجمع تكسير ضروري, لأن بناء الواحد ونظمه إن بقيا / في الجمع فهو التصحيح, وأن لم يبقيا فهو التكسير. ومعنى النظم: أن نظم 14/أجعفر: جيم وعين وفاء وراء, وبناؤه فعلل, فالجيم مفتوحة, والعين ساكنة, والفاء مفتوحة, والراء حرف إعراب لا عبرة بحركتها, فإذا قلت: جعفرون أو جعفرين, فالنظم والبناء باقيان, وإذا قلت: جعافر, فقد زال النظم لفصل الألف بين العين والفاء, وزال البناء, لأن العين صارت مفتوحة والفاء صارت مكسورة.

باب: (جمع التذكير)

باب: (جمع التذكير) قال ابن جني: وهو الذي يكون في الرفع بالواو والنون, وفي الجر والنصب بالياء والنون, وإنما يكون هذا الجمع للمذكرين ممن يعقل نحو: زيد وعمرو, تقول في الرفع: قام الزيدون والعمرون, فالواو حرف الإعراب, وهي علامة الجمع وعلامة الرفع, وفتحت النون لسكونها وسكون الواو قبلها, فإن جررت أو نصبت جعلت مكان الواو ياءً مكسورًا ما قبلها: تقول: مررت بالزيدين, وضربت الزيدين, فالياء حرف الإعراب, وهي علامة الجمع وعلامة الجر 6/ ب والنصب, والنون مفتوحة بحالها في الرفع / فإن أضفت هذا الجمع أسقطت نونه للإضافة تقول: هؤلاء مشلمو زيد, ومررت بمشلمي زيد, ورأيت مشلمي زيد, وكان الأصل مسلمون ومسلمين فسقطت النون للإضافة. ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولا يخلو جمع التصحيح من أن يكون مذكرًا أو مؤنثًا, وهذا الانقسام ضروري, ولتقسيمه إلى هذين فائدة, لأن حكمي المذكر والمؤنث في التصحيح مختلفان. (باب جمع التذكير) قال ابن الخباز: هذا الجمع معرب بالحروف بمنزلة التثنية, ويسمى ذا الهجائين, لأن هجاءه في الجر والنصب غير هجائه في الرفع, ألا ترى أن زيدين غير زيدون؟ . ولا يخلو الاسم المجموع هذا الجمع من أن يكون جامدًا أو مشتقًا, فإن كان جامدًا فله خمس شرائط: إحداها: أن يكون مذكرًا احترازًا من هند ونحوه. والثانية: أن يكون مذكرًا حقيقيًا احترازًا من حجر ونحوه. والثالثة: أن يكون علمًا احترازًا من رجل ونحوه. والرابعة: أن يكون من ذوي العلم احترازًا من «لاحق» وهو اسم فرس ونحوه. والخامسة: أن يكون خاليًا من هاء التأنيث احترازًا من طلحة ونحوه. وإن كان مشتقًا فالشرائط معتبرة ما خلا العلية, ولم يأت في القرآن على كثرة الجموع فيه علم مجموع. ولا يخلو هذا الجمع من أن يكون مرفوعًا, أو منصوبًا, أو مجرورًا, فإن كان مرفوعًا: ألحق الواو المضموم ما قبلها, أما إلحاق الواو, فلأنها أخت الضمة التي هي 6/أرفع في الواحد. / وأما ضم ما قبلها, فليدلوا على امتزاج الجمع بالاسم. وإن كان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مجرورًا: ألحق ياء مكسورًا ما قبلها, أما الياء, فلأنها أخت الكسرة التي هي جر في الواحد. وأما كسر ما قبلها, فللدلالة على شدة الامتزاج, وقيل: للفرق بين التثنية والجمع, وقد ذكرنا أولولية التثنية بالفتح فيما قبل الياء. وإن كان منصوبًا فعلامته الياء, لأنه لم يبق للنصب علامة فحمل على الجر, وكان حمله عليه أولى لاشتراكهما في وقوعهما فضلتين وتلحقه بعد الواو والياء نون مفتوحة, وهي عوض من الحركة والتنوين اللذين كانا في الواحد كما ذكرنا في التثنية, وتحريكها لالتقاء الساكنين, وفتحها لمعادلة اللفظ, لأن قبلها واو قبلها ضمة, وياء قبلها كسرة فلو كسرت لثقل اللفظ, وحكمهما في الثبوت مع الألف واللام والسقوط في الإضافة حكم نون التثنية. وللواو والياء مع الإضافة أربع صور: الأولى: واو مضموم ما قبلها ثابتة كقولك: هؤلاء مسلمو زيد. الثانية: واو مضموم ما قبلها محذوفة كقولك: هؤلاء مسلموا الأمير. الثالثة: ياء مكسور ما قبلها ثابتة كقولك: مررت بمسلمي زيد. الرابعة: ياء مكسور ما قبلها محذوفة كقوله تعالى: {والمقيمي الصلاة} فإن قلت: «هؤلاء مسلمون زيدًا» نصبت, لأنه اسم فاعل ثبتت نونه, فأما ما أنشده أبو علي رحمه الله من قول الشاعر: 17 - رب حى عرندس ذي طلال ... لا يزالون ضاربين القباب فإنما جر القباب, لأنه جعل النون معتقب الإعراب, فلذلك أثبتها في الإضافة كما قالت المرأة:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ... 18 - إن حري أضيق من تسعين 13/أ /فأما «غسلين وزيتون» فاسمان مفردان في آخرهما زيادتان وافقتا زيادتي (الإعراب) في الجمع, وكما لا يقال: إن سكران تثنية لموافقته لفظ «زيدان» كذلك لا يقال: إن غسلين «وزيتون جمع لموافقته لفظ زيدين وزيدون». وإنما خص ذوو العلم بهذا الجمع, لأنهم مفضلون على سائر المخلوقات إلا الملائكة, فإنه قد اختلف في الأفضل منهم ومن البشر, قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فاحترموا اللفظ كما احترموا المعنى فصححوه, وقد جاء هذا الجمع في صفات القديم سبحانه: {والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون} وقوله تعالى: {وإنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون} وهو قليل. ***

باب: (جمع التأنيث)

باب: (جمع التأنيث) قال ابن جني: إذا جمعت الاسم المؤنث زدت في آخره ألفًا وتاء, وتكون التاء مضمومة في الرفع, ومكسورة في الجر والنصب, تقول في الرفع: هؤلاء الهندات, وفي الجر: مررت بالهندات, وفي النصب: رأيت الهندات, فالألف والتاء علامة الجمع والتأنيث, والتاء حرف الإعراب وضمتها علامة الرفع, وكسرتها علامة الجر والنصب. فإن كان في الاسم المؤنث هاء التأنيث حذفتها في الجمع, تقول في جمع قائمة: قائمات, وفي جمع مسلمة: مسلمات, وكان الأصل قائمتات ومسلمتات فحذفت التاء الأولى: لئلا يجتمع في الاسم المؤنث علامتا تأنيث. فإن كانت فيه ألف التأنيث المقصورة قلبت في الجمع ياء, تقول في جمع سعدى: سعديات, وفي جمع حبارى: حباريات, فإن كانت فيه ألف التأنيث الممدودة قلبت الهمزة في الجمع واواً تقول في جمع صحراء صحراوات / وفي جمع خنفساء: خفنساوات. ... 15/ب ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب جمع التأنيث) قال ابن الخباز: وإنما أخر ذكره, لأن المذكر هو الأصل والمؤنث فرع عليه, وافتقر إلى زيادتين, لأن الغرض الدلالة على الجمع والتأنيث, وهما فرعان, وكانت الزيادتان الألف والتاء دون غيرهما, لأنهما تكونان للتأنيث, وهما فرعان, وكانت الزيادتان الألف والتاء دون غيرهما, لأنهما تكونان للتأنيث في الواحد كحبلى وثمرة, وتكونان فيما يراد به الجمع «كالشقارى واللصيقي, والمروانية والزبيرية» وقدمت الألف على التاء, لأنه لو قدمت التاء وأخرت الألف لالتبس في نحو قولك: «مسلمتا زيد» بالمثنى المضاف. وإنما ضمت تاؤه في الرفع وكسرت في الجر, لأنها حرف صحيح يقبل الحركات فجرت عليه كالدال من «زيد» وإنما كسرت في النصب, لأن جمع التأنيث جمع تصحيح, فحمل نصبه على جره =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = كما حمل نصب جمع التذكير على جره, فجرى الفرع مجرى الأصل, وقيل: لو 16/أأعرب جمع التأنيث بثلاث حركات لكان الفرع أوسع مجالًا من الأصل / وذلك كقولك: هؤلاء هندات, ومررت بهندات, ورأيت هندات. واختلفوا في الألف والتاء وفي التنوين. أما الألف والتاء: فقيل: إنهما كلتاهما علامتان لمجموع الجمع والتأنيث, فأيتهما سقطت زال مجموع المعنيين, وهذا هو الصحيح, وقيل: إن الألف تدل على الجمع والتاء تدل على التأنيث, وقيل بالعكس. وأما التنوين: فقيل: إنه للخفة والمكانة كتنوين «رجل» , وقيل: إنه للمقابلة, وحقيقة ذلك أنه بإزاء النون في الزيدين والدليل عليه قوله تعالى: {فإذا أفضتم عرفات عرفات} فإدخاله في المؤنث المعرفة يوجب أنه للمقابلة, ولو كان للصرف لم يدخل, وقيل فيه غير هذا. ولا يخلو المجموع هذا الجمع من أن يكون مؤنثًا بعلامة أو بغير علامة. فالذي بغير العلامة: لا تصنع فيه شيئًا غير أن تزيد الألف والتاء وقد ذكر. والمؤنث بالعلامة ثلاثة أقسام: القسم الأول: المؤنث بالتاء, كمسلمة وقائمة تقول في جمعه: مسلمات وقائمات, وكان أصله مسلمتات وقائمتات, وإنما حذفت إحدى التائين, لئلا يجتمع في الاسم الواحد علامتنا تأنيث, وإنما خصت الأولى بالحذف, لأن الثانية طارئة والطارئ يزيل حكم الثابت, وقيل: لأن التاء الثانية والألف تدلان على الجمع والتأنيث فلا تحذف. القسم الثاني: المؤنث بالألف المقصورة, كحبلى وحبارى تقول في جمعه: حبليات وحباريات وإنما لم يحذفوا الألف لسكونها, لأنهم لو حذفوها لالتبس عليهم بناء الجميع ببناء الواحد فصار حبلات كبهماة وحبارات كشكاعاة, وإنما قلبوها حرف علة, لأن حروف العلة متجانسة فقلب بعضها إلى بعض كلا قلب, وإنما =

باب: (جمع التكسير)

باب: (جمع التكسير) قال ابن جني: وهو كل جمع تغير فيه نظم الواحد وبناؤه, وإعرابه جار على آخره كما يجري على الواحد. تقول: هذه دور وقصور, ورأيت دورًا وقصورًا, ومررت بدور وقصور. ـــــــــــــــــــــــــــــ = قلبوها ياء, لأن الياء علامة تأنيث في نحو: تفعلين, فقلبت / الألف إليها. 16/ب القسم الثالث: المؤنث بالألف الممدودة, وذلك نحو: صحراء وخنفساء, تقول في جمعها: صحراوات وخنفساوات, وإنما لم يقولوا: صحراءات فيقروا الهمزة, لئلا تقع علامة التأنيث حشوا في الكلمة, وإنما قلبوها حرف علة, لأن حروف العلة تقلب إلى الهمزة كثيرًا, فقلوبها إليها معاوضة, وكانت الواو أولى بذلك, لأن الواو تقلب إلى الهمزة كثيرًا, وقيل: لو قلبوها ياء لاجتمع ألفان وياء فيكون كالجمع بين ثلاث ألفات. قال جرير في جمع المقصور: 19 - إذا اجتمعوا على فحل عنهم ... وعن باز يصك جباريات وقال الشاعر في جمع الممدود: 20 - أتاني وعيد الحوفزان ودونه ... من الأرض صحراوات فلج وقورها *** (باب جمع التكسير) قال ابن الخباز: قوله: (هل كل جمع تغير فيه نظم الواحد وبناؤه) بناه على =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الغالب. وهذا الجمع في تغير النظم والبناء على قسمين: قسم يتغير نظمه وبناؤه, كبيت وبنيوت. وقسم يتغير بناؤه دون نظمه, كسقف وسُقف. وينقسم بعبرة أخرى إلى أربعة أقسام: قسم أكثر من الواحد كبيت وأبيات. وقسم أقل من الواحد كحمار وحمر, وقسم مثل الواحد في النظم لا في البناء كسقف وسقف, وقسم مثل الواحد نظمًا وبناءً في الظاهر لا في التقدير, وجاء ذلك في أربعة أسماء لا غير, قالوا في جمع فلك للسفينة, وهجان للناقة البيضاء, ودلاص للدرع البراقة, وشمال للخليقة: فلك وهجان ودلاص وشمال, والفرق بين المفرد والجمع حكمي لا لفظي ولا ينكر في العربية اتفاق الألفاظ واختلاف 17/أالتقديرات, ومن تتبع مسائل الأبنية في التصريف / وجد من ذلك شيئًا كثيرًا, ويسمى جمع التكسير العام, لأنه يكون في ذوي العلم وفي غيرهم. قال طرفة: 21 - رأيت سعودًا في شعوب كثيرة ... ولم أر مثل سعد بن مالك وسمي بجمع التكسير تشبيهًا لتكسير الآنية: وهو عبارة عن إزالة التئام أجسامها بمصادمة جسم صلب, فكذلك هذا الجمع لما تغير نظمه وبناؤه انفصل بعض أجزائه من بعض. وإنما أعرب إعراب المفرد لأن بناءه مخترع فجرى مجراه, وقيل: لأنه وارد على صيغة المفرد, فدور كقفل, وقصور كسدوس: وهو الطيلسان. وحكمه حكم المفرد في انقسامه إلى الصحيح والمعتل والمنصرف وغير المنصرف, والمنقوص والمقصور والممدود والمهموز, ونحن نمثل ذلك ليستبين, فالصحيح المنصرف: كدور, وغير المنصرف: كمساجد, والمعتل المنقوص: كأيد, والمقصور: كخطا, والمقصور غير المنون: كجرحي, والممدود: كظباء, والمهموز: كأكمؤ, وذو الياء المشددة: كدلي. وقد ذكرنا أحكام هذه الأقسام وهذه مثلها.

باب: (الأفعال)

باب: (الأفعال) قال ابن جني: وهو ثلاثة أضرب تنقسم بأقسام الزمان: ماض, وحاضر, مستقبل. فالماضي: ما قرن به الماضي من الأزمنة نحو قولك: قام أمس وقعد أول من أمس, والحاضر: ما قرن به الحاضر من الأزمنة نحو قولك: هو يقرأ الآن, وهو يصلي الساعة. وهذا اللفظ قد يصلح أيضًا للمتسقبل مجازًا واتساعًا إلا أن الحال أولى به من الاستقبال تقول: هو يقرأ غدًا, ويصلي بعد غد, فإن أردت إخلاصه للمستقبل أدخلت في أوله السين أو سوف فقلت: سيقرأ غدًا, وسوف يصلي بعد غد. والمستقبل: ما قرن به المستقبل من الأزمنة نحو قولك: سينطلق غدًا, وسوف يقوم غدًا, وكذلك جميع أفعال الأمر والنهي: قم غدًا ولا تقعد غدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب الأفعال) قال ابن الخباز: الأفعال مشتقة من المصادر, وفائدة الاشتقاق: الدلالة على اقتران الأحداث بالأزمنة المحصلة من ماض وحاضر ومستقبل. وانقسامها إلى ثلاثة أقسام ضروري, وذلك لأن الفعل لا يخلو من أن يكون زمان الإخبار به زمان وجوده أو غير زمان وجوده, فإن كان الأول: فهو الحال. وإن كان الثاني: فلا يخلو زمان وجوده من أن يكون وجوده مترقبًا أو متقضيا, فالأول /: المستقبل, 17/ب والثاني: الماضي. وهذا الحصر ضروري, لأنه دائر بين النفي والإثبات. واختلف النحويون في الأصل من الأقسام الثلاثة, فقال قوم: الماضي هو الأصل, لأنه يكون مجردًا من الزيادة ثم تلحقه زيادات المضارعة, والأصل عدم الزيادة. وقال قوم: الأصل فعل الحال, لأنه موجود والماضي والمستقبل معدومان, ولا شبهة في أن الموجود أقوى من المعدوم. وقال قومك المستقبل هو الأصل, لأن العدات به تكون وهو يصير إلى الحال ثم إلى الماضي. والماضي ثلاثة أقسام: ماضٍ في اللفظ والمعنى: وهو الفعل المبني على الفتح المجرد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من الزيادة, الذي لم تلحقه قرينة تخرجه عن موضوعه كقولك: قام وجلس, وتعرف بقاءه على أصله بصحة اقتران الزمان الماضي به, كقولك: قام أمس وقعد أول من أمس. وماض في اللفظ دون المعنى: وهو هذا الفعل إذا لحقه حرف الشرط كقولك: إن قام زيد جلس عمرو, فاللفظ (ماض) والمعنى مستقبل, لأنه يصح أن يقول: إن قام زيدًا غدا جلس عمرو بعد غد, فتقرن به الزمان المستقبل. وماض في المعنى دون اللفظ: وهو المضارع الذي دخلت لم كقولك: لم يفعل, ويدلك على أنه ماض في المعنى أنك تقول: لم يقم زيد أمس, فتقرن به (الزمان) الماضي. قال أبو علي: ولو كان المعنى كاللفظ لم يجز هذا كما لا يجوز تقوم زيد أمس. والحاضر هو الفعل الذي في أوله زيادة المضارعة, وكان زمان الإخبار به زمان وجوده كقولك: يصلي ويقوم ويقرأ, تقول ذلك وهو في الصلاة والقيام والقراءة. وأكثر ما يمثل النحويون بالأفعال التي لها أجزاء متصلة كالأفعال الثلاثة التي ذكرناها, لأنهم 18/أيقصدون / بيان الحال, وذلك لا يبين إلا بالأفعال المتصلة الأجزاء. والمضارع مشترك بين زماني الحال والاستقبال, فإن تجرد من القرائن اللفظية والمعنوية حمل على الحال, لأن الفعل خبر, والأصل في الخبر أن يكون صدقًا, وذلك إنما يتحقق في الحال وإن عرضت له قرينة لفظية أو معنوية تخصصه بأحد الزمانين تخصص به, فالقرينة المعنوية المخصصة بالحال كقولك مخبرًا عن نفسك: أجلس وأنت في الجلوس, والقرينة المعنوية المخصصة بالاستقبال كقولك: يقدم زيد وهو غائب, واللفظية المخصصة بالحال كقولك: يقوم الآن ويصلي الساعة, والأصل في «الآن» أن يطلق على زمان الحال, ويجوز إطلاقه على الماضي والمستقبل القريبين من الحال كقوله سبحانه: {الآن خفف الله عنكم}. وقوله: {فمن يستمع الآن} واللفظية المخصصة بالاستقبال كقوله تعالى: {سيقولون ثلاثة} والقرائن اللفظية المخصصة بالحال: «ما» النافية, والساعة والآن, ولام الابتداء والمخصصة بالاستقبال: السين وسوف وأن ولن وكي وإذن=

باب: (معرفة الأسماء المرفوعة)

باب: (معرفة الأسماء المرفوعة) قال ابن جني: / وهي خمسة أضرب: مبتدأ, وخبر مبتدأ, وفاعل, ومفعول 7/أجعل الفعل حديثًا عنه, ومشتبه بالفاعل في اللفظ وهو اسم كان وخبر إن. ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإن الشرطية والأسماء التي تضمنت معناها. والمستقبل يكون من الصيغ الثلاث, فكونه من الماضي إذا دخل عليه «إن» كقولك: إن قام زيد ذهب عمرو, وكونه من المضارع إذا دخل عليه بعض المخصصات المذكورة كقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} , {ولن يخلف الله وعده} , {لكيلا تاسوا على فاتكم} , {وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا}. وصيغ الأمر كلها مستقبلات كقولك: قم واجلس وفعل النهي كذلك كقولك: لا تذهب ولا تأكل, وإنما كان فعلًا الأمر والنهي مستقبلين لأنك لا تأمر إنسانًا بما فعله, ولا تنهاه إلا عما لم يفعله, ويجيء الماضي والمضارع / والأمر دعاء كقولك: 18/ب رجم الله زيدًا و {يغفر الله لكم} , {وقل رب اغفر وارحم}. (معرفة الأسماء المرفوعة) قال ابن الخباز: إذا عرفت أن المعرب اسم متمكن وفعل مضارع, وأن الإعراب رفع ونصب وجر وجزم, وأن الاسم والفعل يشتركان في الرفع والنصب, وأن الاسم يختص بالجر, والفعل يختص بالجزم حصل من مجموع ذلك أن العرب على جهة البسيط ستة أقسام: أسماء مرفوعة, وأسماء منصوبة, وأسماء مجرورة. وأفعال مرفوعة, وأفعال منصوبة, وأفعال مجزومة. ولكن واحد من هذه عامل يؤثر فيه على وجه مخصوص, ويشمل قوله: (معرفة الأسماء المرفوعة) إلى باب «كم» على ذكر الأقسام الستة وعواملها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإنما بدأ بالأسماء, لأنها الأصل في الإعراب, وكانت الأصل في الإعراب, لأنها تدل بصيغة واحدة على معان مختلفة كقولك: ما أحسن زيد, فلولا الإعراب لتردد فهم السامع بين ثلاثة معان من هذا الكلام, لا يدري إلى أيها يذهب, وهي التعجب, والنفي, والاستفهام, فإذا قلت: ما أحسن زيدًا, فهم التعجب, وإذا قلت: ما أحسن زيد, فهم النفي, وإذا قلت: ما أحسن زيد, فهم الاستفهام. وإنما بدأ بالمرفوعة, لأن المرفوع يستغني عن المنصوب والمجرور, ولا يكونان حتى يتقدم المرفوع, ألا ترى أنك تقول: قام زيد, وعمرو منطلق, وضرب عبد الله, فيستغني الكلام عن المنصوب والمجرور, فإذا احتجت إلى فضلة بيان جئت بهما كقولك: قام زيد قيامًا, وعمرو منطلق إلى زيد, وضرب عبد الله بالسوط. وانقسم المرفوع إلى هذه الأقسام الخمسة, لأن عامل الرفع لا يخلو من أن يكون معنويًا أو لفظيًا, فإن كان معنويًا فهو عامل الابتداء والخبر. وإن كان لفظيًا لم يخل 19/أمن أن يكون / فعلًا أو حرفًا, فإن كان فعلًا لم يخل من أن يكون حقيقيًا أو غير حقيقي, فإن كان حقيقيًا لم يخل من أن يكون مسمى الفاعل أو غير مسمى الفاعل, فإن كان مسمى الفاعل فالمرفوع به فاعل, وإن لم يكن مسمى الفاعل فالمرفوع به مفعول لم يسم فاعله, وإن كان غير حقيقي فهو باب (كان وأخواتها) , والمرفوع به مشبه بالفاعل. وإن كان حرفًا فهو باب (إن وأخواتها) والمرفوع به مشبه بالفاعل أيضًا. واختلف النحويون في كون المرفوعات خمسة أذلك قسمة أم عدة؟ فمن قال: هي قسمة قال: لا يمكن أن يكون لها سادس. ومن قال: هي عدة قال: يمكن أن يكون لها سادس وكونها خمسة أمر اتفاقي لا ضروري. ***

باب: (المبتدأ)

باب: (المبتدأ) قال ابن جني: اعلم أن المبتدأ كل اسم ابتدأته, وعربته من العوامل اللفظية, وعرضته لها وجعلته أولًا لثان يكون الثاني خبرًا عن الأول ومسندًا إليه. وهو مرفوع بالابتداء تقول: زيد قائم, ومحمد منطلق, فزيد ومحمد مرفوعان بالابتداء وما بعدهما خبر عنهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب المبتدأ) قال ابن الخباز: من الناس من يرى تقديم الفاعل على سائر المرفوعات, قال شيخنا رحمه الله: لأن عامله لفظي [وهو] فعل. وأكثرهم يرى تقديم المبتدأ, لأن المبتدأ أول الجملة والفاعل ثاني الجملة. وإنما سمي مبتدأ: لأنه يكون صدر الجملة كقولك: زيد قائم وهذا معنى قوله: ابتدأته. ويريد بالعوامل اللفظية «كان وأخواتها» , «وإن وأخواتها» وظننت وأخواتها. وقوله: (وعرضته لها) أي: جعلته بحيث يصح دخولها عليه, وقوله: (وجعلته أولًا لثان) أي: جئت له بخير. وقوله: (مرفوعان بالابتداء) الابتداء عنده مجموع الأوصاف الثلاثة التي هي تعريه من العوامل اللفظية, وتعريضه لها, وإسناد الخبر إليه. فإن قلت: [لم] لم يكن المبتدأ إلا اسمًا؟ قلت: لأنه مخبر عنه ولا يخبر إلا عن الاسم. فإن قلت: فما رافعه؟ قلت: اختلف النحويون في ذلك. والأقوال فيه خمسة, والذي يقول ابن جني / إنه ارتفع بمجموع الأوصاف الثلاثة. ... 19/ب فإن قلت: ولم كان مجموع هذه رافعًا؟ قلت: لأن مجموعها وصف اختص بالأسماء, وكل مختص عامل. وإنما افتقر المبتدأ إلى الخبر, لأنه لو جرد من العوامل اللفظية ولم يخبر عنه لم =

باب: (خبر المبتدأ)

باب: (خبر المبتدأ) قال ابن جني: وهو كل ما أسندته إلى المبتدأ حدثت به عنه, وهو على ضربين: مفرد وجملة, فإذا كان الخبر مفردًا فهو المبتدأ في المعنى, وهو مرفوع بالمبتدأ, تقول: زيد أخوك, ومحمد صاحبك, فزيد هو الأخ, ومحمد هو الصاحب. فإن اجتمع في الكلام معرفة ونكرة جعلت المبتدأ هو المعرفة, والخبر هو النكرة 7/ب تقول: زيد جالس, فزيد هو المبتدأ, لأنه معرفة / وجالس هو الخبر, لأنه نكرة. فإن كانا جميعًا معرفتين كنت فيهما مخبرًا, أيهما شئت جعلته المبتدأ, وجعلت الآخر الخبر تقول: زيد أخوك, وإن شئت قلت: أخوك زيد. ـــــــــــــــــــــــــــــ = يستحق إعرابًا, لأن الاسم لا يستحق الإعراب إلا بعد العقد والتركيب. ويدلك على ذلك: أن أسماء العدد وأسماء حروف التهجي إذا سردت متوالية من غير أن تعقد بشيء جاءت موقوفات الأعجاز كقولك واحد, اثنان, ثلاثة, أربعة, ونحو قوله تعالى: {كهيعص} , {حم} , {عسق} , فلأجل ذلك افتقر إلى الخبر, لأنه إذا ركب معه استحق الإعراب. واعلم أن الجملة من المبتدأ والخبر تسمى «جملة اسمية» , لأن أولها اسم. والجملة من الفعل والفاعل «تسمى فعلية» , لأن أولها فعل, وأما ذكر المبتدأ من جهة التعريف والتنكير فسيأتي ذكره في باب خبر المبتدأ. واعلم أن من أسماء الشرط والاستفهام ما يقع مبتدأ, كقولك: من يقم أقم معه. ومن أبوك؟ ولا يقع غيره من المرفوعات, لأن عامل المبتدأ معنوي, وعامل غيره من المرفوعات لفظي. (باب خبر المبتدأ) قال ابن الخباز: (وهو كل ما أسندته إلى المبتدأ وحدثت [به] عنه والظاهر أن قوله: (وحدثت به عنه) تكرير, لأنه لا يسند إليه إلا وهو حديث عنه, واعلم أن الإسناد أعم من الإخبار, لأن الإسناد يكون إخبارًا وغير إخبار, أمرًا أو نهيًا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أو استفهامًا والإخبار على قسمين: نفي وإيجاب, فكل إخبار إسناد, وليس كل إسناد إخبارًا. ولا يخلو خبر المبتدأ من أن يكون مفردًا أو جملة, لأن الكلم لا تخلو من هذين, وبدأ بذكر المفرد لأنه / أصل الجملة, وإن شئت قلت: يتبين فيه الإعراب, 20/ أوالجملة لا يتبين فيها, فإذا كان مفردًا لم يكن إلا اسما, وذلك لأن الفعل وحده لا يكون خبرًا, والحرف لا يخبر به, فإذا كان مفردًا فهو المبتدأ في المعنى, كقولك: زيد أخوك, فأخوك في المعنى هو زيد, وكذلك إذا قلت: زيد قائم, فالقائم في المعنى هو زيد, وإنما قلنا ذلك, لأنه إن كان إياه في المعنى فهو المطلوب, وإن لم يكن إياه فهو كذب, ولا يعني بقولنا: إن قائمًا هو زيد في المعنى أن حقيقة قائم من حيث هو هو حقيقة زيد من حيث هو هو هذا محال, لأن قائمًا عبارة عن شيء ذي قيام, وزيدًا دال على رجل معين, فكيف يكون هذا ذاك؟ وإنما تعني به أن الشيء الذي يصدق عليه أنه زيد يصدق عليه بعينه أنه قائم. وقوله: (وهو مرفوع بالمبتدأ) وفي رافع [الخبر] خمسة أقوال, ومذهب أبي علي وابن جني أن رافع الخبر هو المبتدأ بعد أن رفع المبتدأ الابتداء, وذلك لأن الابتداء لما عمل في المبتدأ صار مقتضيًا للخبر, فلما اقتضاه عمل فيه. ولا يخلو المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير من أربع صور: الأولى: أن يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة كقولك: زيد جالس وهذه الصورة هي الواردة على نمط الإخبار, لأن حق المخبر عنه أن يكون معرفة لكونه أتم فائدة. وحق الخبر أن يكون نكرة, لأنه مجهول, ولأن المخبر به شبيه بالفعل والفعل نكرة. الصورة الثانية عكس هذه: وهو أن يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة كقولك: جالس زيد, إذا جعلت جالسًا مبتدأ وزيدًا خبره, وذلك لا يجوز, لأنه لا يصح =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 20/ب = معنى, في نثر, ولا تقود إليه ضرورة في شعر, ولأن الخبر / المفرد هو المبتدأ في المعنى, فإذا فسرت المعرفة بالنكرة أخرجتها من الوضوح إلى الخفاء, وذلك فاسد. ويجيء في الشعر في باب (كان وأخواتها) الاسم نكرة والخبر معرفة, وذلك على القلب وسيذكر في موضعه. الصورة الثالثة: أن يكونا معرفتين, والجيد أن تخبر بالأضعف تعريفًا عن الأقوى تعريفًا, فإذا اجتمع المضمر وغيره, جعلت المبتدأ هو المضمر كقولك: أنت زيد. وإذا اجتمع العلم وغيره, جعلت المبتدأ هو العلم كقولك: زيد أخوك, والأمر مسوق على هذا. فإن قلت: فما الفائدة في الإخبار بالمعرفة عن المعرفة؟ قلت: هي نسبة الخبر إلى المبتدأ وكان ذلك مجهولًا قبل الإخبار. فإن قلت: فما الفرق بين قولنا: زيد أخوك وقولنا: أخوك زيد؟ قلت: الفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن قولناك زيد أخوك تعريف للقرابة وأخوك زيد تعريف للاسم. الثاني: أن قولنا: زيد أخوك لا ينفى أن يكون له أخ غير زيد, لأنك أخبرت بالعام عن الخاص, وقولنا: أخوك زيد ينفى أن يكون له أخ غير زيد, لأنك أخبرت بالخاص عن العام, وهذا ما يشير إليه الفقهاء من الفرق بين قولهم: زيد صديقي وقولهم: صديقي زيد. الصورة الرابعة: أن يكون المبتدأ والخبر نكرتين, ومتى كانا نكرتين محضتين لم يجز ذلك, لأنه لا فائدة فيه, ألا ترى أنك إذا قلت: رجل قائم, وجعلت رجلًا مبتدأ وقائمًا خبره لم تفد المخاطبة شيئًا, لأنه لا ينكر أن يكون رجل من الرجال قائمًا فصار كقولك: الثلج بارد, والنار حارة, وكل أحد يعلم هذا؟ ! . وقوله: (جعلت المبتدأ هو المعرفة والخبر هو النكرة) المعرفة والنكرة منصوبان, 21/ألأنهما ثانيا مفعولي جعلت / «وهو» فصل كقوله سبحانه: {وجعلنا ذريته هم الباقين} , ولو رفعا لجاز.

قال ابن جني: وأما الجملة فهي كل كلام مفيد مستقل بنفسه, وهي على ضربين: جملة مركبة من مبتدأ وخبر, وجملة مركبة من فعل وفاعل, ولابد لكل واحدة من هاتين الجملتين إذا وقعت خبرًا عن المبتدأ من ضمير يعود إليه منها, تقول: زيد قام أخوه, فزيد مرفوع بالابتداء, والجملة بعده خبر عنه, وهي مركبة من فعل وفاعل. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: القسم الثاني من خبر المبتدأ: الجملة, والكلام والجملة بمعنى واحد, قال الرماني في حده: هو ما دل بالتأليف من الحروف على معنى يحسن السكوت عليه, وسمى كلامًا, لأنه يؤثر في نفس السامع, واشتقاه من الكلم, وهو الجرح, لأن له تأثيرًا في الجسم. قال الشاعر: 22 - حتى اتقوني فهم منى على حذر ... والقول ينفذ ما لا ينفذ الإبر وسمي جملة, لضم بعضه إلى بعض والتئامه وفي التنزيل: {لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة}. وائتلافه من اسمين, كقولك: زيد ذاهب, أو من فعل واسم, كقولك: ذهب زيد ولابد في الجملتين من إفادة معنى يمكن جهله. وجملة الأمر: أن المعنى لا يخلو من أن يكون واجبًا أو ممكنًا أو ممتنعًا, فالواجب: هو الذي لابد من وجوده كقولك: الثلج بارد, والممتنع: الذي يستحيل وجوده, كقولك الحجر إنسان, والممكن: الذي يجوز وجوده, وعدمه, كقولك: زيد ذاهب. فالواجب لا يخبر به لأنه معلوم, والممتنع لا يخبر به لأنه كذب, والثالث: يخبر به, فإن عرض فيه كذب أو صدق فذلك بالنسبة إلى القائل أو إلى شيء من علق المعنى.

قال ابن جني: فالفعل قام, والفاعل أخوه, والهاء عائدة على «زيد» ولولا هي لما صحت المسألة, وموضع لجملة رفع بالمبتدأ. وتقول: زيد أخوه منطلق, فزيد مرفوع بالابتداء, والجملة بعده خبر عنه, وهي مركبة من مبتدأ وخبر, فالمبتدأ أخوه, والخبر منطلق والهاء عائدة إلى زيد أيضًا. ولو قلت: زيد قام عمرو, لم يجز, لأنه ليس في الجملة إلى المبتدأ, فإن قلت: إليه أو معه أو نحو ذلك صحت المسألة لأجل الهاء العائدة, فأما قولهم: السمن 8/أمنوان بدرهم, فإنما تقديره السمن / منوان منه بدرهم , ولكنهم حذفوا منه للعم به وكذلك قولهم: البر الكر بستين, أي: الكر منه بستين. ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإنما أخبر عن المبتدأ بالجملة لوجهين: أحدهما: التوسع في العبارة, لأن الجملة تتضمن ضميرًا يعود على المبتدأ, والضمير هو المبتدأ في المعنى, فيكون قد ذكر مرتين, فيكون في الإخبار بالجملة توكيد. وإنما وجب أن يكون في كل واحدة من الجملتين ضمير يعود على المبتدأ, لأن الجملة مستقلة بنفسها فولا الضمير لم ترتبط بالمبتدأ, وأما المفرد فلا يفتقر إلى ضمير, لأنه لا يستقل بنفسه فهو محتاج إلى 21/ب المبتدأ ليرتبط / به, فإن كان مشتقًا كذاهب وجالس تضمن ضميرًا يعود على المبتدأ, فإذا قلت: زيد ذاهب, ففي ذاهب ضمير مرتفع به, والمشتق تضمن الضمير, لأنه اسم جار مجرى الفعل, والفعل يتضمن الضمير, تقول في الإخبار بالجملة الفعلية: زيد قام أخوه فالعائد إلى زيد الهاء في أخوه. وموضع الجملة من الإعراب الرفع, ورافعها المبتدأ في قوله. قال ابن الخباز: وتفرق بين الجملة التي لها موضع من الإعراب, وبين الجملة التي لا موضع لها من الإعراب بأن كل جملة وقعت موقع مفرد فلها موضع من الإعراب, وكل جملة لم تقع موقع المفرد فلا موضع لها من الإعراب, فلزم من ذلك أن يكون لقولك: قام أخوه, موضع من الإعراب, لأنها قد وقعت موقع خبر المبتدأ, وهو مفرد في الأصل. وتقول في الإخبار بالجملة الاسمية: زيد أبوه منطلق فزيد مبتدأ أول وأبوه مبتدأ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثانٍ, ومنطلق خبر المبتدأ الثاني, والمبتدأ الثاني وخبره جميعًا في موضع رفع لوقوعهما موقع خبر المبتدأ الأول كما كان قولك: قام أخوه في المسألة الأولى. ولابد للجملة الاسمية من العائد كما لابد للجملة الفعلية منه, فلا يجوز أن تقول: زيد قام عمرو, ولا زيد عبد الله ذاهب, لخلوهما من العائد إلى المبتدأ, فإن جئت بعائد بعد الجملتين صحت المسألتان كقولك: زيد قام عمرو في داره, وزيد عبد الله ذاهب إليه. ولا يشترط أن يكون العائد أحد جزئي الجملة, بل يجوز أن يكون أحد جزئيها وأن يكون فضلة, فالذي هو أحد جزئيها كقولك: زيد هو أبوك, والفضلة كقولك: زيد ضربته, وزيد مررت به, ورأيت من ينكر على ابن جني قوله: (ولولا هي) ما علم الجاهل بكلام العرب, إن هذا هو الجيد الموافق لمقايستها, لأن «لولا» يقع بعدها المظهر مبتدأ كقوله: لولا علي لهلك عمرو فإذا وقع المضمر بعدها وجب أن يكون منفصلًا كقوله / تعالى: {لولا أنتم لكنا مؤمنين} وأما قولهم: السمن منوان بدرهم والبر الكر بستين: فأنما أورده على أن الجملة لا تخلو من العائد, وهاتان جملتان قد خلتا منه, وذلك لأن السمن والبر مبتدآن, ومنوان والكر مبتدآن آخران وبدرهم وبستين خبرًا المبتدأين الثانيين, ولم يعد ضمير إلى السمن والبر, والتقدير في المسألتين: منوان منه بدرهم, والكر منه بستين, ولابد من تقدير هذا ليعود الضمير إلى المبتدأ, ومسوغ الحذف: أن قولك: منوان بدرهم والكر بستين تسعير, ولابد للتسعير من مسعر ينصرف إليه ويحمل عليه, وإلا فذكره كلا ذكر. ألا ترى أنك لو قلت: ذراعان بدينار ورطلان بدرهم, ولم يجر ذكر مسعر لم تكن في الكلام فائدة؟ أنشد الجوهري رحمه الله للأخطل: 23 - الخبر كالعنبر الهندي عندهم ... والقمح سبعون إردبًا بدينار

قال ابن جني: واعلم أن الظرف قد يقع خبرًا عن المبتدأ, وهو على ضربين: ظرف زمان, وظرف مكان, والمبتدأ على ضربين: جثة, وحدث, فالجثة: ما كان عبارة عن شخص نحو: زيد وعمرو والحدث: هو المصدر نحو: القيام والقعود. فإذا كان المبتدأ جثة ووقع الظرف خبرًا عنه, لم يكن ذلك الظرف إلا من ظروف المكان تقول: زيد خلفك, فزيد مرفوع بالابتداء, والظرف بعده خبر عنه, والتقدير: زيد مستقر خلفك, فحذف اسم الفاعل تخفيفًا للعلم به, وأقيم الظرف مقامه, فانتقل الضمير الذي كان في اسم الفاعل إلى الظرف, وارتفع ذلك الضمير بالظرف كما كان يرتفع باسم الفاعل, وموضع الظرف رفع المبتدأ. ولو قلت: زيد يوم الجمعة أو نحو ذلك لم يجز, لأن ظروف الزمان لا تكون أخبارًا عن الجثث, لأنه لا فائدة في ذلك, فأما قولهم: الليلة الهلال, فإنما تقديره الليلة حدوث الهلال أو طلوع الهلال, فحذف المضاف 8/ب وأقيم المضاف إليه مقامه / قال الله تعالى: {وسئل القرية التي كنا فيها} أي: أهل القرية, ومثله قول الشاعر: أكل عام نعم نحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه = أي: أكل عام حدوث نعم أو إحراز نعم. ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد سبعون إردبًا منه بدينار. قال ابن الخباز: وإنما جاز وقوع الظرف خبرًا عن المبتدأ, لأن الظرف ضربان: ظرف زمان, وظرف مكان, والحاجة داعية إلى معرفة زمان الشيء ومكانه كما تدعو إلى معرفة صفته, لأن ذلك يجوز أن يجهل, ويدلك على دعاء الحاجة إليه أنهم وضعوا للسؤال عن الزمان والمكان «متى, وأيان, وأنى» كما وضعوا للسؤال عن الصفة كيف وما ذلك إلا لطلب العلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإذا أردت الإخبار عن المبتدأ بالظرف نشأ للمبتدأ تقسيم إلى الجثة, والحدث فالجثة: الجسم كزيد وفرس وحجر. والحدث: المصدر كالقيام والقعود والأكل والشرب, وإنما قسم المبتدأ إلى هذين مع الظرف, لأن حكمها مختلف مع الإخبار بالظرف, فإن كان المبتدأ إلى هذين مع الظرف, لأن حكمها مختلف مع الإخبار بالظرف, فإن كان المبتدأ جثة لم يخبر عنه إلا بظرف المكان كقولك: /زيد 22/ب خلفك, لأن مكانه يجوز أن يجهل وحكم المكان أن يكون خاصًا إما بكونه معرفة كمثالنا, أو بكونه موصوفًا كقولك: زيد مكانًا صالحًا, فإن كان باقيا على عمومه لم يكن في الإخبار فائدة كقولك: زيد مكانًا, لأنه لا يجهل أنه في مكان. واختلف النوحيون في قولنا: زيد خلفك: فذهب أبو العباس الشيباني إلى أن الظرف خبر عن المبتدأ [و] لا يتعلق بشيء, وأنشد أصحابنا بأن الظرف منصوب فلابد له من ناصب. والذين قدروا ناصبًا اختلفوا, فذهب ابن السراج وابن جني إلى أن التقدير: زيد مستقر خلفك, فقدروا اسم الفاعل, وذلك لأن المفرد أصل للجملة, ولأن في تقديره تقليلًا للحذف. وذهب أبو علي الفارسي إلى أن التقدير: زيد استقر خلفك فقدر الفعل, لأنه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأصل في العمل, ويظهر أثر الخلاف في أن الظرف في القول الأول مفرد, لأنه نائب عن مفرد وفي القول الثاني جملة, لأنه نائب عن جملة, وعلى كلا التقديرين في المحذوف ضمير, واختلفوا بعد الحذف في الضمير, فمنهم من قال: هو داخل في الحذف, لأنه لما حذف رافعه حذف معه. وقال قوم: نقل الضمير إلى الظرف فصار مرتفعًا على جهة النيابة عن المحذوف. واحتج هذا القائل بقول الشاعر: 24 - فإن يك جثماني بأرض سواكم ... فإن فؤادي عندك الدهر أجمع فرفع أجمع لابد أن يستند إلى مؤكد مرفوع, وليس في الكلام شيء غير الضمير, المستكن في «عندك» وروى سيبويه عن العرب: «مررت بقوم مع فلان أجمعون» وهو مثل البيت. 23/أولا يجوز حذف ما يتعلق به الظرف / إلا إذا كان حالة عامة للاستقرار والكون. فإن كان حالة خاصة كالقيام والقعود لم يجز حذفها فلا تقول: زيد خلفك وأنت تريد قائم خلفك, لأنه لا يلزم من استقراره خلفه قيامه. ولا يجوز الإخبار عن الجثة بظرف الزمان فلا تقول: زيد يوم الجمعة, لأنه لا فائدة فيه, وذلك لأن يوم الجمعة متى وجد لم يخل زيد منه, فحاصل الفرق بين الزمان والمكان: أن الجثث لا تشترك في المكان الواحد, ولكن تشترك في الزمان الواحد, فلذلك أخبر عنها بظرف المكان ولم يخبر بظرف الزمان, فأما قولهم: «الليلة الهلال» فوجه إيراده أن الهلال جثة, وقد أخبر عنها بظرف الزمان, والقول في ذلك أن التقدير: الليلة طلوع الهلال وحدوث الهلال, فالظرف خبر عن المصدر لا عن الجثة, والذي سوغ حذف المضاف: أن قولهم «الليلة الهلال» لا يقال في الليلة التاسعة والعشرين, لأن الشهر لا يكون ثمانية وعشرين, ولا في الليلة الحادية والثلاثين, لأنه لابد من طلوعه, وإنما يقال في الليلة الثلاثين, لأنه يجوز طلوعه وعدم طلوعه, ففي الإخبار به فائدة.

قال ابن جني: فإن كان المبتدأ حدثًا جاز وقوع كل واحد من الظرفين خبرًا عنه, تقول: قيامك خلف زيد, وقعودك يوم الجمعة, والتقدير: قيامك كائن خلف زيد, وقعودك كائن يوم الجمعة. فحذف أسماء الفاعلين وأقيم الظرفان مقامها, فانتقل الضميران إليهما. وتقام حروف الجر مقام الظروف وذلك قولهم: زيد من الكرام, وقفيز البُر بدرهمين, والتقدير: زيد كائن من الكرام, وقفيز البر كائن بدرهمين, ثم عمل فيهما كما عمل في الظرف, والظرفان وما أقيم مقامهما جاريان مجرى المفرد الذي تقدم ذكره. ويجوز تقديم خبر المبتدأ عليه تقول: قائم زيد, وخلفك بكر, والتقدير: زيد قائم, وبكر خلفك, فقدم الخبران اتساعًا, وفيهما ضمير, لأن النية فيهما التأخير. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وقد أجازوا أن تقول إذا كان زيد غائبا: زيد يوم الجمعة, تريد قدوم زيد يوم الجمعة واستشهاده بقوله تعالى: {وسئل القرية} على حذف المضاف فقط فالتقدير: واسأل أهل القرية, والضمير في قوله: «ومثله قول الشاعر يعود إلى قولهم: «الليلة الهلال» وتوهم بعض الجهال على أن الضمير يعود إلى الآية, وهذا البيت من أبيات الكتاب وهو قولهك 25 - أكل عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه وبعده / ... 23/ب أربابه نوكى فلا يحمونه ... ولا يلاقون طعامًا دونه هيهات هيهات لما ترجونه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فكل عام زمان مثل الليلة, ونعم مثل الهلال, والتقدير: حدوث نعم وإحراز نعم, والحذف في البيت أحسن منه في المسألة لوجهين: أحدهما: أن قوله (تحوونه) يشعر بالمحذوف. والثاني: أن طول الكلام بصفة المبتدأ يسد مسده, والنعم: الإبل خاصة, والأنعام: الإبل والبقر والغنم, وبذلك استدل أنه ليس بجمع له. قال أبو علي: وقد حكي تأنيث النعم عن يونس, والتذكير أعرف, فمن التذكير هذا البيت, ومن التأنيث: هذه نعم واردة, والإلقاح من قولهم: «لقحت الناقة» إذا حملت, وتنتجونه أي: تستولدونه عندكم, يقال: نتجت الناقة ونتجها أهلها. وإن كان المبتدأ مصدرًا كالقيام والقعود جاز أن يخبر عنه بكل واحد من الظرفين تقول: قيامك خلف زيد وجلوسك يوم الجمعة, أما جواز الإخبار عنه بظرف المكان: فلأن فيه فائدة, لأن قيام المخاطب لا يكون وجوده خلف زيد ضروريًا فيجب علمه. وأما جواز الإخبار عنه بظرف الزمان: فلأن المصادر أمور متجددة يجوز اختصاص وجودها بزمان دون زمان, فإذا قلت: جلوسك يوم الجمعة فقد خصصت وجود جلوسه بيوم الجمعة مع أنه يجوز أن لا يوجد فيه, وليست كذلك الجثث, فإنها أمور ثابتة لا تخلو من كل زمان, فمتى وجد يوم الجمعة كانت الجثث, فإنها أمور ثابتة لا تخلو من كل زمان, فمتى وجد يوم الجمعة كانت كلها فيه متساوية. والكلام في المقدر مع الظرفين في المسألتين كالكلام في المقدر في قولنا: زيد خلفك وقد ذكر. ويجوز الإخبار بحرف الجر, كما يجوز / بالظرف, لأن فيه فائدة على حسب معنى الحرف الجار, ألا ترى أن قولك: «زيد من الكرام» يفيد التبعيض «وقفيز البر بدرهمين» يفيد المقابلة في البيع, وحرف لجر يجري مجرى الظرف في الخلاف في المقدر معه وقد ذكر, واختيار أبي الفتح أن المقدر في هذه المواضع كلها مفرد. فإن دخل حرف الجر على زمان لم يجز الإخبار به عن الجثة فكما لا تقول: عبد الله يوم الخميس لا تقول: عبد الله في يوم الخميس, لأن الظرف مقدر بفي, وإذا لم يجز الإخبار مع حذفها لم يجز مع إثباتها, فأما قول الشاعر: 26 - لعمرك إنا والأحابيش كلهم ... لفي حقبة أظفارها لم تقلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإنما إخباره عن الجثة بحرف الجر الداخل على ظرف الزمان, لأنه وصفه, فبعد عن الظرفية, وصارت فيه فائدة زائدة. ويجوز: زيد في الدار, لأنها مكان, وزيد جثة ويجوز: قيامك في اليوم, وذهابك إلى السوق, وهذا كله ظاهر. وأما تقديم خبر المبتدأ عليه ففيه تفصيل, وأبو الفتح أطلق فيه, فنقول: لا يخلو خبر المبتدأ من أن يكون مفردًا أو جملة, فإن كان مفردًا: لم يخل من أن يكون معرفة أو نكرة, فإن كان معرفة: كان المبتدأ معرفة, لأن الخبر لا يكون معرفة والمبتدأة نكرة, وحينئذ لا يجوز تقديمه على المبتدأ, فإذا قلت: «زيد أخوك» لم يجز أن تقول: «أخوك زيد» معتقدا أنه خبر مبتدأ, مقدم لأنه صالح لأن يبتدأ به من أجل التعريف ولو جعلته خبرًا لانقلب المعنى, وقد أشرت إلى ذلك, فإن أمن اللبس جاز التقديم كقول الشاعر: 27 - بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد / فالمعنى: بنو أبنائنا وبناتنا, لأن المعنى على جعل بني بينهم كبنيهم وتمام البيت 24/ب يدل عليه. وإن كان نكرة وكان المبتدأ معرفة: جاز تقديمه عليه, فيجوز في قولك: «زيد غلام رجل» أن تقول: «غلام رجل زيد» لأنه قد علم أنه لا يبتدأ بالنكرة مع وجود المعرفة ومن كلامهم: تميمي أنا, ومشنؤ من يشنؤوك وقال الهذلي: 28 - فتى ما ابن الأغر إذا شتونا ... وحب الزاد في شهري قماح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإن كان المبتدأ والخبر نكرتين كقولك: إلام رجل أفضل منك, فينبغي أن لا يجوز التقديم: لأن كل واحد منهما صالح أن يبتدأ به لاختصاصه. وإن كان الخبر جملة, فإن كانت اسمية جاز تقديمها عند البصريين كقولك: أبوه منطلق زيد, وكذلك الفعلية, إذا كان العائد على المبتدأ ضميرا منصوبًا كقولك: ضربته عمرو, وكذلك إذا كان العائد ضمير تثنية أو جمع, كقوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} في أحد الأقوال. فإن كان العائد ضميرا مفردا: كقولك: «زيد قام» لم يجز التقديم, لأنك لو قلت: قام زيد, لصار فاعلا. والظرف وحرف الجر والمشتق عند أكثر البصريين يكون خبرا مقدمًا, كقولك: خلفك زيد, وفي الدار عمرو, وقائم عبد الله. وذهب الكوفيون إلى أن هذه الأسماء في هذه المواضع كلها مرفوعة بما تقدم عليها, ووافقهم أبو الحسن الأخفش ويبطل مذهبهم أنا نقول: «إن خلفك زيدا» «وإن في الدار عمراً» والعامل لا يدخل على العامل, وأما قولنا: «قائم عبد الله» فلا يجوز أن يرتفع عبد الله بقائم, لأنه لم يعتمد, وقول أبي الفتح: (وفيهما ضمير) يؤكد أنهما خبران مقدمان, لأنهما لو رفعا ما بعدهما لم يكن فيهما ضمير.

قال ابن جني: واعلم أن المبتدأ قد يحذف تارة, ويحذف الخبر أخرى, وذلك إذا كان في الكلام / دليل على المحذوف, فإذا قال لك القائل: من عندك؟ 9/أقلت: زيد, أي: عندي زيد, فحذفت عندي وهو الخبر. وإذا قال لك: كيف أنت؟ قلت: صالح, أي: أنا صالح, فحذفت «أنا» وهو المبتدأ. قال الله سبحانه جل من قائل: {طاعة وقول معروف} أي: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما, وإن شئت كان التقدير: أمرنا طاعة وقول معروف, قال الشاعر: فقالت: على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلفت ما لم أعود ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وحذف / المبتدأ على ثلاثة أقسام: ممتنع: وهو ما ليس في 25/أالكلام دليل عليه فلا تقول: ذاهب, وأنت تريد عمرو, لأنه لا دليل عليه. وواجب: وهو في قولهم: «لا سواء» وتأويله عندهم: هذان لا سواء, والتعويل في ذلك على الاستعمال. وجائز: وهو أن يجري له ذكر فيجوز حذفه كقولك: «صالح» لمن قال: كيف أنت؟ لأن جري ذكره في السؤال مغن عن جرى ذكره في الجواب, ولو قلت: أنا صالح لكان إثباته توكيدًا. وحذف الخبر ثلاثة أقسام: ممتنع: وهو ما لا دليل عليه كقولك: زيد وأنت تريد: ذاهب, وواجبك وذلك مع الظرفين وحرف الجرز قال أبو علي الفارسي: «إظهار العامل في الظرف شريعة منسوخة» وجائز: وهو ما في الكلام دليل عليه كقولك: زيد, لمن قال: من عندك؟ ولو قلتك زيد عندي لكان توكيدًا. وأما قوله تعالى: {طاعة وقول معروف} فمحمول على حذف الخبر وحذف المبتدأ, فإن حذفت الخبر كان التقدير: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما, وأمثل بمعنى أجود وأصلح, قال امرؤ القيس: 29 - ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل

باب: (الفاعل)

باب: (الفاعل) قال ابن جني: اعلم أن الفاعل عند أهل العربية كل اسم ذكرته بعد فعل, وأسندته, ونسبت ذلك الفعل إلى ذلك الاسم. وهو مرفوع بفعله, وحقيقة رفعه بإسناد الفعل إليه, والواجب وغير الواجب في ذلك سواء, تقول في الواجب: قام زيد, وفي غير الواجب: ما قام زيد, وهل يقوم زيد. واعلم أن الفعل لابد له من الفاعل. ـــــــــــــــــــــــــــــ = وحمله على حذف الخبر أحسن, لأن الاتساع في الخبر أكثر من الاتساع في المبتدأ وإن حذفت المبتدأ كان التقدير: أمرنا طاعة. وأما البيت الذي أنشده وهو قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: 30 - فقالت على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلفت ما لم أعود فلم يستشهد به على الحذف, وإنما استشهد به على صحة تقدير «أمرنا» في الآية والإخبار عنه بطاعة, والجار في قوله: «على اسم الله» متعلق بمحذوف, أي: أفعل ذلك على اسم الله. وطاعة بمعنى مطاع, وكذلك في الآية, أي: أمرك مطاع, كما يقال: هذا 25/ب الثوب نسج/ اليمن, أي: منسوج اليمن. (باب الفاعل) قال ابن الخباز: (اعلم أن الفاعل عند أهل العربية كل اسم ذكرته بعد فعل) , وإنما قال: (عند أهل العربية) لأن غيرهم يخالفهم في معناه, فمذهب الفلاسفة: أن الفاعل عبارة عن المؤثر كالنار التي تؤثر الإحراق وغير ذلك. ومذهب علماء الكلام: أن الفاعل عبارة عن المؤثر القادر الذي يصح منه الفعل والترك, ومذهب اللغويين: أن الفاعل عبارة عن الذي يوجد الفعل, وهو عند النحويين: كل اسم أسند إليه فعل حقيقي غير معير الصيغة أو شبهه مقدما عليه أبدا, وفي هذا الحد احترازات نحن نبينها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأول: كونه اسما, وإنما لزم ذلك, لأنه مخبر عنه والفعل والحرف غير مخبر عنهما فلا يكونان فاعلين. الثاني: حقيقي, وذلك احتراز من كان وأخواتها, لأنها أفعال غير حقيقة, فالمرفوع منها مشبه بالفاعل. الثالث: قولنا: «غير مغير الصيغة» احتراز من الفعل المبني للمفعول به كقولنا: ضرب زيد. ويريد بشبهه الأسماء العاملة ما خلا أسماء المفعولين: لأن المرفوع بها مفعول غير مسمى الفاعل, وذلك اسم الفاعل, والصفة, والمصدر, واسم الفعل كقولك: مررت برجل قائم أبوه, وزيد حسن وجهه, وسرني ذهاب أخوك, وشتان ما زيد وعمرو. والرابع: قولنا: مقدم عليه أبدًا, وذلك احترازًا من مثل قولنا: زيد قام, فإن الفاعل لا يقدم على الفعل, وسنذكر علته. ويلزم من وجوب تقديم الفعل على الفاعل أن لا يكون الفاعل شرطًا ولا استفهامًا: لأنهما لا يعمل فيهما ما قبلهما, وإذا عرفت حد الفاعل فلا فرق بين الواجب وغيره, تقول في الواجب: /قام زيد, وفي غير الواجب: ما قام زيد, 26/أوهل يقوم زيد, وليقيم زيد, والواجب الخبر الثابت. وقوله: (وحقيقة رفعه بإسناد الفعل إليه) فيه نظر, لأن الفاعل لم يرتفع بنفس الإسناد, وإنما ارتفع بالمسند, والإسناد شرط في وجود الرفع, وإنما جعلنا المسند هو الرافع, لأن الفعل هو المقتضي للفاعل فكان هو العامل فيه. وذهب قوم إلى أن رافعه الفاعلية وهذا باطل لثلاثة أوجه: الأول: أنه يرتفع في النفي ولا فاعلية. والثاني: تقول: رخص السعر, وانقض الجدار, ومات زيد ولا فاعلية. والثالث: أن اسم كان مرتفع بها بلا خلاف, وهي فعل غير حقيقي

قال ابن جني: ولا يجوز تقديم الفاعل على الفعل. فإن لم يكن مظهرًا بعده, 9/ب فهو مضمر فيه / لا محالة, تقول: زيد قام, فزيد مرفوع بالابتداء, وفي قام ضمير زيد, وهو مرفوع بفعله. فإن خلا الفعل من ضمير لم تأت فيه بعلامة تثنية ولا جمع, لأنه لا ضمير فيه تقول: قام زيد, وقام الزيدون كله بلفظ واحد في قام. فإن كان فيه ضمير جئت فيه بعلامة التثنية والجمع تقول: الزيدان قاما, والزيديون قاموا فالألف في قاما علامة التثنية والضمير والواو في قاموا علامة الجمع والضمير. ـــــــــــــــــــــــــــــ = فلا يقصر باع الفعل الحقيقي عنها, ولا فرق بين المضارع والماضي والأمر في اقتضاء الفاعل وعملها فيه كقولك: قام زيد, ويذهب عمرو واجلس. وليس للفعل بد من الفاعل لوجهين: أحدهما: أن الفعل حديث, والحديث عن غير محدث عنه معدوم الفائدة. والثاني: أنك لو ذكرت الفعل بغير فاعل لكان مفردًا, والمخاطب لا يستفيد من المفرد شيئًا لأنه يساويك في معرفة معناه. قال ابن الخباز: وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل, فلا تقول: زيد ضرب معتقدًا أنه فاعل مقدم, واحتجوا في ذلك بثلاثة أوجه: الأول: أن الفاعل كالجزء من الفعل وجزء الشيء لا يقدم عليه. والثاني: أن الفاعل يلزم ذكره فجيء به بعد الفعل إشعارًا باللزوم. والثالث: أن الفاعل لو ذكر قبل الفعل لم يشعر اللفظ بأنه فاعل. 26/ب ... وذهب الكوفيون إلى جواز تقديمه, فمما احتجوا به / قول الراجز: 31 - لسن بأنياب ولا حقائق ... ولا ضعاف مخهن زاهق أراد زاهق مخهن, واحتجوا بقول الشاعر:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 32 - ولابد من وجناء تشري براكبٍ ... إلى ابن الجلاح سيرها الليل قاصد أراد: قاصد سيرها الليل, والجواب: عن البيت الأول: أن مخهن بدل من الضمير في ضعاف. وعن البيت الثاني: أن قاصدًا صفة لراكب. وقوله: (لا محالة) كقوله: (لابد) وهي في الأصل مصدر حال يحول أي: لا تحول عن ذلك, وأما قوله: (زيد قام) فزيد فيه مبتدأ, وفاعل في المعنى, أما الأول فلأن العوامل تدخل عليه كقولك: إن زيدًا قام وظننت زيدًا قام. وأما الثاني: فلأن في قام ضميرًا يعود عليه وهو هو في المعنى, وإنما استكن في قام ضمير لوجهين: أحدهما: أن زيدًا لا يجوز أن يكون فاعلًا, ولابد للفعل من فاعل. والثاني: أنك تقول في التثنية والجمع الزيدان قاما, والزيدون قاموا, فبروزه في التثنية والجمع دليل على استكنانه في الواحد. وإنما أكنوه, لإحاطة العلم بأن الفعل لا يخلو من الفاعل الواحد, وإنما برزوه في التثنية والجمع, لأنه يجوز أن يخلو منهما. وإذا كان الفاعل مفردًا مذكرًا لم يؤت في الفعل بعلامة كقولك: قام زيد, لأن الإفراد والتذكير أصلان فلا يحتاجان إلى دليل. وإن كان مثنى أو مجموعًا كقولك: قام أخواك, وقام الزيدون, فاللغة الشائعة الفصيحة إخلاؤه من العلامة, لأن وجود التثنية والجمع في الفاعل مغن عن إلحاقهما الفعل, وفي التنزيل: {وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله} وقال بعض العرب: قاما أخواك, وقاموا / إخوتك, وقمن جواريك, وفي ذلك ثلاثة أقوال: 27/أأحدها: أن المضمرات ملحقات وما بعدها بدل منها. والثاني: أن المظهرات مبتدآت, والأفعال أخبار مقدمات. والثالث: أن الألف والواو والنون أدلة على التثنية والجمع كالتاء في قامت هند. وأما قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} ففي الذين أقوال كثيرة, فقيل: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بدل من الناس, وقيل: بدل من الضمير في حسابهم, وقيل: يدل من هم. وقيل: بدل من معرضون, وقيل: بدل من الضمير فيه, وقيل: بدل من الضمير في يأتيهم, وقيل: بدل من الضمير في ربهم. [و] قيل: بدل من الضمير في استمعوه. وقيل: بدل من هم. وقيل: بدل من الواو في يلعبون. وقيل: بدل من الهاء والميم في قلوبهم. وقيل: بدل من الواو في أسروا. وقيل: فاعل النجوى. وقيل: فاعل أسروا. وقيل: مبتدأ, أسروا خبره. وقيل: خبر مبتدأ محذوف. فإن أسندت الفعل إلى ضمير المثنى والمجموع كقولك: الزيدان قاما والزيدون قاموا, والهندان قامتا, والهندات قمن, وجب إبراز الضمير لما ذكرنا. ومذهب سيبويه أن الألف والواو والنون أسماء مرتفعات بأفعالها, وحجته: أنها حلت محل المظهرات فكانت أسماء, ألا ترى أن الأصل: الزيدان قام الزيدان: والزيدون قام الزيدون؟ كقوله تعالى: {الحاقة} , {ما الحاقة} و {القارعة} , {ما القارعة} فالألف حالة محل الزيدان, والواو حالة محل الزيدون. ومذهب أبي الحسن أنها أدلة على تثنية الضمير المستكن وجمعه, وحجته أنه ضمير غائب فكان مستكنًا قياسًا على ضمير الواحد.

قال ابن جني: فإن كان الفاعل مؤنثًا جئت في الفعل بعلامة التأنيث, تقول: قامت هند, وقعدت جمل, فالتاء علامة التأنيث, فإن كان التأنيث غير حقيقي كنت في إلحاق العلامة وتركها مخيرًا, تقول, حسنت دارك, واضطرمت نارك, وإن شئت حسن واضطرم, إلا أن إلحاقها أحسن من حذفها, فإن فصلت بين الفعل والفاعل ازداد ترك العلامة حسنًا, تقول: حسن اليوم دارك, واضطرم الليلة نارك, وقد يجوز مع الفصل تذكير الفعل مع التأنيث الحقيقي قال الشاعر: إن أمرأ غره منكن واحدة ... بعدي وبعدك في الدنيا المغرور / ولم يقل: غرته, ولك في كل جماعة تذكير فعلها وتأنيثه, تقول: قام الرجال, 10/أوقامت الرجال, وقام النساء, فمن ذكر أراد الجمع, ومن أنث أراد الجماعة. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وإن كان الفاعل مؤنثًا لم يخل من أن يكون حقيقيًا أو غير حقيقي, والمذكر كذلك أيضًا حقيقي وغير حقيقي / فالمذكر الحقيقي: ما كان يازائه 27/ب أنثى من الحيوان كالرجل والحمار والجمل والحمل. والمذكر غير الحقيقي: ما لم يكن حيوانًا كحجر وثوب. والمؤنث الحقيقي: ما كان يازائه مذكر من الحيوان كالمرأة, والأتان, والناقة, والرحل والحقيقي أقوى, لأنه خلقى, فإن كان الفاعل مؤنثًا حقيقيًا وجب إلحاق التاء بالفعل الماضي المسند إليه, كقولك: قامت هند وقعدت جمل. وإن كان الفعل مضارعًا وجب مجيء التاء في أوله, كقولك: تقوم هند وتقعد جمل, وأصل إلحاق التاء إرادة الدلالة على تأنيث الفاعل, وعلة وجوبها: كون التأنيث حقيقًا غير زائل. وسألت شيخنا رحمه الله فقلت له: هلا اكتفوا بتأنيث الفاعل؟ فقال: هذا لا يستقيم, لأن المذكر قد يسمى بالمؤنث. قال الشاعر: 23 - تجاوزت هندًا رغبة عن قالته ... إلى مالك أغشو إلى ذكر مالك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والمؤنث قد يسمى بالمذكر كجعفر, أنشد المبرد في الكامل: 34 - يا جعفر يا جعفر يا جعفر ... إن أك دحداحًا فأتت أقصر ومثناه بمنزلة مفرده, تقول: قامت الهندان وقعدت الزينبان, لأن صيغة المفرد باقية, فإن كان المؤنث غير حقيقي: لم يخل من أن يفصل بينه وبين الفعل أولًا, فإن لم يفصل بينهما فإلحاق العلامة أحسن كقولك: حسنت دارك, واضطرمت نارك, وذلك لأن علامة التأنيث فيه مقدره فروعي لفظه, والدار والنار مؤنثتان, ومن كلامهم: هذه الدار ونعمت البلد, وفي التنزيل: {النار وعدها الله الذين كفروا} فإن فصل بينهما حسن ترك العلامة كقولك: حسن اليوم دارك, لأن 28/أتاء التأنيث ألحقت بالفعل لما بينه / وبين الفاعل من الجزئية, والفصل يضعف هذه الجزئية وإلحاق العلامة أحسن, لأن الفصل لا يزيل التأنيث. فإن أسندت الفعل إلى مضمر المؤنث غير الحقيقي, وجب إلحاق العلامة كقولك: الأرض أعشبت, لأن اتصال الفعل بالمضمر أشد (من) اتصاله بالمظهر, وأما ما أنشده أبو علي رحمه الله: 35 - تجوب بنا الفلاة إلى سعيد ... إذا ما الشاة في الأرطاة قالا فإنما طرح العلامة, لأنه عنى بالشاة الثور الوحشي. وقال ابن القابلة: ويجوز للشاعر طرح التاء من الفعل المسند إلى المؤنث الحقيقي إذا فصل بينهما, =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وذلك محمول على الضرورة لإقامة الوزن. وأما ما أنشده أبو الفتح رحمه الله, وهو: 36 - إن امرأ غره منكن واحدة ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور فلا حجة فيه, لأنه يجوز أن يريد بواحدة خصلة أو فعلة. والجيد ما أنشده أبو علي, وهو قول جرير: 37 - لقد ولد الأخيطل أم سوء ... على قمع استها صلب وشام وأما الفعل المسند إلى الجماعة ففيه مسائل تبنيه: المسألة الأولى: جمع التصحيح بالواو والنون لا يؤنث فعله كقولك: قام الزيدون, لأن لفظ المذكر الحقيقي باق. وذهب ابن بابشاذ إلى جوازه حملًا على أنه جماعة. ويجوز تأنيث فعل. بنين, قال النابغة: 38 - قالت بنو عامر, خالوا بني أسد ... يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام وعلة جوازه أن بنين مبني على واحد غير مستعمل. المسألة الثانية: جمع التأنيث بالألف والتاء, إن كان للمؤنث كالهندات, جاز إلحاق / العلامة وتركها. فالتذكير نظر إلى أنه جمع, والتأنيث نظر إلى أنه جماعة. 28/ب وإن كان للمذكر كالطلحات فهو كذلك, فالتذكير (نظر) إلى أن وجدانه =

باب: (المفعول الذي جعل الفعل حديثا عنه وهو ما لم يسم فاعله)

باب: (المفعول الذي جعل الفعل حديثا عنه وهو ما لم يسم فاعله) قال ابن جني: اعلم أن المفعول في هذا الباب يرتفع من حيث يرتفع الفاعل, لأن الفعل قبل كل واحد منهم حديث عنه ومسند إليه, وذلك قولك: ضرب زيد, وشتم بكر, فإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين أقمت الأول منهما مقام الفاعل, فرفعته وتركت الثاني منصوبًا بحاله, تقول: أعطيت زيدًا درهمًا, فإن لم تسم الفاعل قلت: أعطي زيد درهمًا, فإن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولين أقمت الأول منهما مقام الفاعل ونصبت المفعولين بعده, تقول: أعلم الله زيدًا عمرًا خير الناس, فإن لم تسم الفاعل قلت: أعلم زيد عمرًا خير الناس, فإن لم يكن 10/ب الفعل متعديًا, لم يجز ألا تذكر الفعل, لئلا يكون / الفعل حديثًا عن غير محدث عنه, وذلك نحو: قام زيد وقعد عمرو, ولا تقول: قيم, ولا قعد لما ذكرت لك. ـــــــــــــــــــــــــــــ = مذكر, والتأنيث نظر إلى أن فيه الألف والتاء. والمسألة الثالثة: جمع التكسير للمذكر والمؤنث من ذوي العلم وغيرهم كزيود وهنود وثياب وجفان. يجوز إلحاق العلامة بفعله وحذفها, قال أبو علي: «لأن هذه الجموع كما يعبر عنها بالجماعة, فقد يعبر عنها بالجمع والجميع». (باب المفعول الذي جعل الفعل حديثا عنه وهو ما لم يسم فاعله) قال ابن الخباز: الأصل في المجيء بهذا المفعول الاختصار, لأن الفعل والمفعول أقل منهما ومن الفاعل وتناط بذلك أغراض أخر. منها: الجهل به: كقولك: سرق المتاع. ومنها التعظيم: كقولك: قطع اللص ولا يذكر الأمير, ومنها التحقير: (كقولك) شتم الأمير. ومنها العلم به: كقولك: أنزل المطر. ومنها إيثار غرض السامع: لأنه ربما لم يشته ذكر الفاعل أما حبا له وإما بغضه. وهذا المفعول مرفوع, لأنه لما حذف الفاعل أعرب إعرابه لئلا يخلو الكلام من المرفوع. ومن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال: إن الفعل رافع الفاعل قال هنا: إن الفعل رافع المفعول, لأنه أسند إليهما وجعل حديثًا عنهما. ومن قال: إن الرافع الفاعلية لم يطرد قوله ها هنا, لأنه لا فاعلية. ولابد في هذا الباب من ثلاثة أشياء, الأول: حذف الفاعل لأجل الأغراض التي ذكرناها. الثاني: رفع المفعول لما ذكرناه. الثالث: تغيير صيغة / الفعل ولا 29/أيخلو من أن يكون ماضيًا أو مضارعًا, فإن كان ماضيًا ضم أوله وكسر ما قبل آخره كقولك: ضرب وشتم. أما ضرب الأول: فهو جبر للوهن الحادث بحذف الفاعل, وأما كسر ما قبل آخره: فللفرق بينه وبين المضارع, وسنذكر علة التخصيص فإن المضارع بفتح ما قبل آخره. وإن كان مضارعًا ضم أوله وفتح ما قبل آخره: كقولك: يضرب. وإنما فتح ما قبل آخره: لأن في الضم ثقلًا, وفي الكسر التباسًا بالفعل المسمى بالفاعل نحو يكرم. ولا يكون ما لم يسم فاعله أمرًا إلا مع اللام: كقولك: لتعن بحاجتي ولتزة علينا يا رجل, ويتعلق بالفعل الذي لم يسم فاعله مباحث من علم التصريف, لولا أني بنيت كتابي على الاختصار لذكرتها. ولا يخلو الفعل في هذا الباب من أن يكون متعديًا أو غير متعد, والمتعدي ما نصب المفعول به كقولك: ضربت زيدًا, وهو ثلاثة أقسام: الأول: ما ينصب مفعولا واحدًا: كقولك: ضربت زيدًا وشتمت عمرًا فإذا بنيته للمفعول به حذفت الفاعل ورفعت المفعول, فقلت: ضرب زيد وشتم [عمرو] وفي التنزيل: {كتب عليكم القصاص} و {كتب عليكم الصيام} فهذا مفعول به في المعنى فاعل في اللفظ, أما الأول: فلأن الفعل لا ينصب غيره. وأما الثاني: فلأنه مرفوع يستغنى به الكلام. الثاني: ما ينصب مفعولين, وهو قسمان: أحدهما: ما ينصب مفعولين ثانيهما غير الأول في المعنى, كقولك: أعطيت زيدًا درهمًا وكسوت بكرًا ثوبًا, فإذا بنيته =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 29/ب = للمفعول به رفعت الأول وتركت / الثاني منصوبًا كقولك: أعطي زيد درهمًا, لأن الفعل لا يكون له فاعلان, ويجوز أن تقلب, فتقيم الدرهم مقام الفاعل فتقول: أعطي الدرهم زيدًا, لأن اللبس مأمون. ومن كلامهم: «عرضت الناقة على الحوض» فإن قلت: فما ناصب الثاني؟ قلت: فيه خلاف مبني على الخلاف في ناصبه قبل ترك تسمية الفاعل, فمن قال في قولك: أعطيت زيدًا درهمًا: إن ناصب درهم هو أعطيت فهو ناصبه هاهنا, ومن قال: إن ناصبه فعل محذوف فكذلك يقول ها هنا. الثاني: ما ينصب مفعولين ثانيهما هو الأول في المعنى: كقولك: ظننت زيدًا قائمًا فإذا بنيته للمفعول رفعت زيدًا ونصبت قائمًا, فقلت: ظن زيد قائمًا, ويجوز أن تقلب فتقول: ظن قائم زيدًا, لأن اللبس مأمون أيضًا. وأما قوله سبحانه وتعالى: {فلم تظلم نفس شيئًا} فشيء فيه مصدر, وهو من وضع العام موضع الخاص, أي: فلا تظلم نفس ظلما. الثالث: ما ينصب ثلاثة مفعولين: وذلك نحو قولك: أعلم الله زيدًا عمرًا خير الناس, فها هنا لا يجوز أن تقيم مقام الفاعل إلا المفعول الأول فتقول: أعلم زيد عمروًا خير الناس, ولو أقمت الثاني أو الثالث لصار في الكلام ليس, فلو قلت: أعلم عمرو زيدًا خير الناس, لصار عمرو هو المعلم بأن زيدًا خير الناس. ولو قلت: أعلم خير الناس زيدًا عمرًا, لصار خير الناس معلمًا بأن زيدًا مثل عمرو. فإن أمن اللبس جاز العكس. تقول: أعلمت يعقوب يوسف أحسن الإخوة, فإن لم تسم الفاعل جاز أن تقيم الأول / أو الثاني أو الثالث, لأن اللبس مأمون, وأمر التمثيل ظاهر 300/أوأما غير المتعدي: فنحو قام وقعد وجلس وذهب, وغير المتعدي ما لم ينصب المفعول به. فإذا قلت: قام زيد وقعد عمرو, لم يجز أن تبنيه للمفعول به, لأنك إذا حذفت الفاعل [و] لم يكن في اللفظ مفعول به تقيمه مقامه خلا الفعل من المرفوع, فلذلك لم تقل: فيم ولا قعد. وأجازه قوم على إضمار المصدر, أي: قيم القيام وقعد القعود, لأن الفعل يدل على المصدر, ولذلك إذا =

قال ابن جني: فإن اتصل حرف جر, أو ظرف, أو مصدر, جاز أن تقيم كل واحد منهما مقام الفاعل, تقول: سرت بزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا, فإن أقمت الباء وما عملت فيه مقام الفاعل قلت: سير بزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا, فالياء وما عملت فيه في موضع رفع, فإن أقمت الفرسخين مقام الفاعل, قلت: سير بزيد فرسخان يومين سيرًا شديدًا, فإن أقمت اليومين مقام الفاعل, قلت: سير بزيد فرسخين يومان سيرًا شديدًا, فإن أقمت المصدر مقام الفاعل, قلت: سير بزيد فرسخين يومين سير شديد, ترفع الذي تقيمه مقام الفاعل بفعله لا غير, فإن كان هناك مفعول به صحيح لم تقم مقام الفاعل غيره, تقول: ضربت زيدًا يوم الجمعة ضربًا شديدًا, فإن لم تسم الفاعل, قلت: ضرب زيد يوم الجمعة ضربًا شديدًا ترفع, زيدًا في هذه المسألة لا غير. ـــــــــــــــــــــــــــــ = ذكر الفعل جاز إضمار المصدر والإشارة إليه, فمن الإضمار قوله تعالى: {ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانًا كبيرًا} أي: فما يزيدهم التخويف. ومن الإشارة قوله تعالى: {قال لا يأتكما طعام ترزقانه إلا نبأنكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي} أي: ذلكما التنبيء, والصواب عندي في هذه المسألة أن يكون أصل الكلام مع الفاعل: قامه زيد وقعده عمرو بإضمار المصدرين, فلما بنيا للمفعول صار البارز المنصوب مستكنًا مرفوعًا. قال ابن الخباز: واعلم أن الفعل غير المتعدى يتعدي إلى المصدر, وإلى ظرفي الزمان والمكان, وإلى الاسم بحرف الجر, كقولك: سرت بزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا, فإذا تعدى إلى أحد هذه الأِشياء أو إلى جميعها, جاز بناؤه لما لم يسم فاعله, لأن معك ما تقيمه مقام الفاعل, فإن أقمت حرف الجر مقام الفاعل: قلت: سير بزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا, فالباء وما عملت فيه في موضع رفع, والدليل على ذلك وجهان: / أحدهما: أن تقديمه لا يجوز فلا تقول: بزيد سير. والثاني: أنك لو 30/ب عطفت عليه اسمًا لجاز رفعه, كقولك: سير بزيد وعمرو. ومن أبيات الكتاب: 39 - جئنا بمثل بني بدر لقومهم ... أو مثل أسره منظور بن سيار =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هكذا أنشد بنصب مثل, لأن قوله: «بمثل بني بدر» في موضع نصب. وإن أقمت الفرسخين مقام الفاعل, قلت: سير بزيد فرسخان يومين سيرًا شديدًا. وحكم طرف المكان الذي يقع في هذا الباب أن يكون متصرفًا, فلو كان مكان الفرسخين عندك لم ترفعه, لأنه لا يتصرف - وإن أقمت اليومين مقام الفاعل, قلت: سير بزيد فرسخين يومان سيرًا شديدًا. وحكم ظرف الزمان التصرف أيضًا, فلما كان مكان اليومين سحر لم يجز رفعه, لأنه لا يتصرف, وروى سيبويه عنهم: «صيد عليه يومان, وولد له ستون عامًا». وإن أقمت المصدر مقام الفاعل قلت: سير بزيد فرسخين يومين سير شديد. وحكم المصدر الواقع في هذا الباب أن يكون موصوفًا كهذه المسألة أو محدودًا كقولك: ضرب بالسوط ضربة, أو معدودًا: كقولك: سير عليه سيران, لتكون فيه فائدة, وضعف أبو علي قولهم: «سير به سير» , لأنه لا يزيد على ما يفهم من الفعل. وأي هذه الأشياء أقمت مقام الفاعل كانت البواقي منصوبة, لأن الفعل لا يكون له فاعلان, وقال قوم: الأولى بالإقامة حرف الجر, لأنه مفعول به في المعنى وقال قوم: الأولى بالإقامة غيره, لأن الإعراب يستبين فيه. 31/أوالفعل المتعدى يتعدي إلى هذه الأشياء الأربعة /, لأنه أقوى من غير المتعدي كقولك: ضربت بالسوط اليوم خلفك ضربًا شديدًا وحكمها في الإقامة مقام الفاعل معه كحكمها مع «سرت» في ذلك, فإن ذكرت المفعول به معها كقولك: ضربت زيدًا بالسوط اليوم خلفك ضربًا شديدًا. فجمهور النحويين يذهبون إلى أن الأولى بالإقامة مقام الفاعل المفعول به, فتقول: ضربت زيد بالسوط [اليوم]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = خلفك ضربًا شديدًا, كما قال تعالى: {كتب عليكم القصاص} و {كتب عليكم الصيام} وذلك لثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن الفعل يعمل في المفعول به بغير واسطة كما يعمل في الفاعل بغير واسطة. الوجه الثاني: أن المفعول به يكون فاعلًا في المعنى, والفاعل يكون مفعولًا به في المعنى كقولك: ضارب زيد عمرًا فكل واحد منهما ضارب ومضروب. الوجه الثالث: أنه قد جاءت عنهم أفعال كثيرة هجر فاعلها, ولم يستغن فيها بغير المفعول به فجرى عندهم مجرى الفاعل كقولك: عنيت بحاجتك وسل وركم وجن وورد وحم. وفي سيبويه منه باب. وفي الباب الرابع من الفصيح منه كلمة صالحة. وذهب قوم إلى أنه يجوز إقامة المصدر مقام الفاعل إذا كان في اللفظ مفعول به, واحتجوا على ذلك بقوله تعالى: {وكذلك ننجي المؤمنين} أي: نجي النجاء, وبقراءة أبي جعفر {ليجزى قومًا بما كانوا يكسبون} [أي] ليجزي الجزاء قومًا. ويقول جرير: 40 - لقد ولدت فقيرة جرو كلب ... فسب بذلك الجرو الكلابا والذي احتجو به مخرج على غير ما فهموه, أما قوله: {ننجي المؤمنين} /31/ب فلو كان كما قالوا لكان فعلًا ماضيًا قد أسكنت ياؤه من غير الضرورة, وذلك إنما يجيء في الشعر, وهو محمول على أن الأصل: ننجي, فأبدل من النون الثانية =

باب: (المشبه بالفاعل في اللفظ)

باب: (المشبه بالفاعل في اللفظ) قال ابن جني: وهو على ضربين: اسم كان (وخبر إن). ـــــــــــــــــــــــــــــ = جيم كما قالوا في إنجاص وإنجانة: إجاص وإجانه, ذكرهما ابن أسد في الإفصاح. وأما قوله: {ليجزى قومًا} ففي يجزى ضمير الغفران الذي دل عليه يغفر, وذلك ليس مصدر يجزى, والنزاع إنما وقع في مصدر الفعل المبني للمفعول. وأما قول جرير, فمن رواه: 41 - ولو ولدت فقيرة جرو كلب ... لسب .......... فيجوز أن يكون «سب» محكيًا بقول هو جواب «لو» , أي: لقلنا: سب أو لقيل: سب, ويكون سب فعل أمر, وحذف القول كثير في كلامهم, فمن ذلك قوله تعالى: {فأما الذين أسودت وجوههم أكفرتم} أي: فيقال لهم: أكفرتم. ومن ذلك قوله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا} أي: فيقولون. قال أبو علي: ولو قلت: ضرب زيد الضرب, لم يستقم أن ترفع الضرب وتنصب زيدًا, لأن الضرب مصدر, وليس مفعول به كالدرهم, وذلك لما ذكرناه من الفرق بين المفعول به وغيره بالأوجه الثلاثة. (المشبه بالفاعل في اللفظ وهو اسم (كان وخبر إن) قال ابن الخباز: إنما كان هذان القسمان مشبهين بالفاعل, ولم يكونا فاعلين, لأن كان وأخواتها ليست بأفعال حقيقية. وإن وأخواتها حروف, فلذلك كان المرفوع بهما مشبهًا بالفاعل: وقوله: (في اللفظ) متعلق بالمشبه. أي: أن لفظه لفظ الفاعل, وليس معناه معناه, وحال اسم كان وخبر إن كحال ما لم يسم فاعله 32/أ, في أن / لفظه لفظ الفاعل, وهو في المعنى غير فاعل.

باب: (كان وأخواتها)

باب: (كان وأخواتها) قال ابن جني: وهو كان وصار وأمسى وأصبح وظل وبات وأضحى, وما دام, وما زال, وما انفك, وما فتئ, وما برح, وليس, وما تصرف منهن, وما كان في معناهن مما يدل على الزمان المجرد من الحدث, فهذه الأفعال كلها تدخل على المبتدأ والخبر فترفع المبتدأ ويصير اسمها, وتنصب الخبر ويصير خبرها, واسمها مشبه بالفاعل, وخبرها مشبه بالمفعول تقول: كان زيد قائمًا, وصار محمد كاتبًا, وأصبح الأمير مسرورًا, وظل جعفر جالسًا, وبات أخوك لاهيًا, وما دام سعيد كريمًا, وما زال أبوك عاقلًا, وما أنفك قاسم مقيمًا, وما فتئ عمرو جاهلًا, وليس الرجل حاضرًا. وكذلك ما تصرف منها, تقول: يكون أخوك. منطلقًا, وليصبحن الحديث شائعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب كان وأخواتها) قال ابن الخباز: إنما قدم باب كان, لأنها أفعال, وهي أقوى من إن وأخواتها في العمل, لأن تلك حروف. والدليل على أنهن أفعال حسن علامات الأفعال فيها تقول: قد كان وسيكون, وسوف يكون ولم يكن, وتصرف منها المضارع والأمر واسم الفاعل, كقولك: أصبح يصبح, وأصبح, مصبح, وعبر الزجاجي عنها بالحروف, وذلك يجوز, لأن الحرف في الأصل قطعة من الشيء, وهذه طائفة من الكلم. وإنما بدأ بكان لأنها أعم الأفعال, لأن كل شيء داخل تحت الكون, وإنما عملت هذه الأفعال, لأنها أشبهت الأفعال الحقيقية بالفعلية. وتسمى هذه الأفعال ناقصة, لأنها لا تستغنى بالمرفوع. وفائدة دخولها على الجملة (أنها) تضمنها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = معانيها التي تدل عليها, فكان لمضي مضمون الجملة وصار للانتقال, وأصبح لاقتران المضمون بالصباح وأمسى لاقترانه بالمساء, وأضحى لاقترانه بالضحى, وظل لاقترانه بالنهار, وبات لاقترانه بالليل. وما دام للتأبيد, وما زال وما برح وما فتئ وما أنفك لاستمرار وجود الخبر بالمبتدأ. وليس: لنفي مضموم الجملة في الحال. تقول: كان زيد قائمًا, فزيد مرفوع بكان موجبة كانت أو غير موجبة كقولك: ما كان زيد قائمًا. ولا يجوز تقديمه عليها كما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل. فإن قلت: زيد كان قائمًا, فهو مبتدأ, وفي كان ضمير, ولابد من الإتيان بالخبر, وذلك لأن 32/ب الاسمين في الأصل مبتدأ وخبر, ولابد لأحدهما من الآخر, ولا يجوز أن / يكون قائمًا مفعولًا به, لأن ذلك يجوز حذفه, وهذا لا يجوز حذفه, ولأنه يلزم من تثنية المرفوع وجمعه تثنيته وجمعه, وذلك لا لزم في المفعول به. ولا يجوز أن يكون حالًا, لأنه يقع معرفة كقولك: كان زيد أباك, والحال لا يكون إلا نكرة. وكان وأخواتها متصرفات إلا فعلين, وهما: ليس, وما دام, فامتناع ليس من التصرف, لأن الغرض من المضارع حاصل منها, ألا ترى أنك إذا قلت: «أزورك ما دمت مقيمًا» فإنما تشترط اتصال الزيارة ودوامها, وموضع «ما دمت» نصب على أنه ظرف زمان والعامل فيه «أزورك» فالماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل فوضى في رفع الأول ونصب الثاني كقولك: يكون أخوك منطلقًا, وأصبح الأمير سائرًا, وعبد الله كائن مقيمًا. ويسمى المرفوع اسم كان, لأنه اسم عملت فيه فأضيف إليها للملابسة, ويسمى المنصوب خبر كان, لهذه العلة. ومن ظن الأمر غير ذلك فقد أخطأ. وقوله: (على الزمان المجرد من الحدث) يعني به أن كان وأخواتها لا مصادر له, لأنهم أجروها مجرى الحروف, وألزموا مرفوعها المنصوب, ومثل هذا لا يكون في الفعل الحقيقي. والخبر عوض عن المصدر.

قال ابن جني: فإذا اجتمع في الكلام معرفة ونكرة جعلت اسم كان المعرفة وخبرها النكرة تقول: كان عمرو كريمًا, ولا يجوز كان كريم عمرًا إلا في ضرورة الشعر, قال القطامي: ففي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا فجعل موقفًا وهو نكرة اسمها والوداع - وهو معرفة - خبرها. فإن كانا جميعًا معرفتين / كنت فيهما مخيرًا أيهما شئت جعلته اسم كان, وجعلت 11/ب الآخر الخبر تقول: كان زيد أخاك, وإن شئت كان أخوك زيدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقوله: (وما كان في معناهن) قد جاءت ستة أفعال أجرتها العرب مجرى كان في رفع الاسم ونصب الخبر, وهي بمعنى صار, وهي: آض, وعاد, وغدا, وراح, وجاءت, وقعدت, قال الله عز وجل: {فتقعد مذمومًا مخذولا} أي: تصير. وقالت الخوارج لابن عباس: «ما جاءت حاجتك» تقديره: أية حاجة صارت حاجتك. / وقال المرقش الأكبر: ... 33/أ 42 - فاض به جذلان ينقص رأسه ... كما آض بالنهب الكمي المحالس وقال ربيعة بن مقروم الصبي: 43 - فدارت رحانا بفرسانهم ... فعادوا - كأن لم يكونوا - رميما فرميما خبر عادوا, ويكونوا تامة, والمعنى عليه. قال ابن الخباز: وحال الاسم والخبر في التقسيم إلى المعرفة والنكرة في هذا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الباب كحالهما في باب المبتدأ والخبر, فالأعدل أن يكون الاسم معرفة والخبر نكرة كقولك: كان عمرو كريمًا, وقد يجيء في الشعر للاضطرار الاسم نكرة والخبر معرفة, والمقصود منه إقامة القافية كقول القطامي, وهو شاعر من تغلب يسمى عمير بن شييم, قال الجوهري: هو القطامي بالضم. فأما الصقر فيقال له: قطامي وقطامي. وقال: 44 - قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا أراد: ضباعة فرخم, والألف للإطلاق, «وموقف» اسم «كان» وهو نكرة. والوداع خبرها وهو معرفة, ولو أعطاه حقه في الكلام لنسب «موقفًا» ورفع «الوداع» ولكنه نكب عن ذلك, لأنه عيب في القافية شديد القبح, وهو اجتماع الرفع والنصب في قصيدة وهذه القصيدة منصوبة وبعد هذا البيت: 45 - ففي فأفدي أسيرك إن قومي ... وقومك لا أرى لهم اجتماعا وقيل: لا حجة لابن جني في هذا البيت من وجوه: أحدها: أن «موقفًا» نكرة موصوفة. وتعريف الوداع جنسي وذلك قريب من المعرفة, وهذا قريب من النكرة. 33/ب الثاني: أن كان تامة / وموقفًا فاعل, والوداع منصوب بموقف, لأنه مصدر. الثالث: أن الوداع يجوز أن يكون منصوبًا بقفى, أي: قفى الوداع. والمعرفتان: كقولنا: كان زيد أخاك, ويجوز كان أخوك زيدًا, وقد ذكرت الفرق بين الكلامين في باب خبر المبتدأ, قال الله عز وجلك {فما كان جواب قومه إلا أن

قال ابن جني: ويجوز تقديم أخبار كان وأخواتها على أسمائها وعليها أنفسها تقول: كان قائمًا زيد, وقائمًا كان زيد, وكذلك ليس قائمًا زيد, وقائمًا ليس زيد. وتكون كان دالة على الحدث فتسعفني عن الخبر المنصوب. تقول: قد كان زيد أي: قد حدث وخلق كما تقول: أنا مذ كنت صديقك, أي: أنا صديقك مذ كنت وخلقت. قال الشاعر: إذا كان الشتاء فأدفئوني ... فإن الشيخ يهدمه الشتاء أي: إذا حدث الشتاء ووقع, وكذلك أمسى زيد, وأصبح عمرو كقولك: أمسينا وأصبحنا, وقد يضمر فيها اسمها, وهو ضمير الشأن والحديث, فتقع الجمل بعدها أخبارًا عنها تقول: كان زيد قائم, أي: كان الشأن والحديث زيد قائم. قال الشاعر: إذا مت كان الناس صنفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع أي: كان الشأن, والحديث: الناس صنفان. ـــــــــــــــــــــــــــــ = قالوا} يقرأ برفع الجواب ونصبه. والنكرتان إن كانتا خاليتين من التخصيص أو أحدها لم يجز, فال تقول: كان إنسان حليمًا. قال سيبويه: لأن المخاطب لا يستنكر أن يكون في الدنيا إنسان هكذا. فإن وصفت النكرة كقولك: كان رجل عالم خيرًا منك, وما كان رجل (عجول) مصيبًا, أو كانت النكرة عامة كمسألتي الكتاب: ما كان أحد مثلك, وما كان أحد مجترئًا عليك جاز, لأن فيه فائدة. قال ابن الخباز: ويجوز تقديم أخبار كان وأخواتها على أسمائها لأنها أخبار, والأخبار مشبهات بالمفعول, فكما يجوز تقديم [المفعول] على الفاعل يجوز تقديم الخبر على الاسم قال الله تعالى: {أكان للناس عجبًا أن أوحينا} وقال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = {وكان حقًا علينا نصر المؤمنين}. وقوله: (وعليها أنفسها) غير مستقيم, لأنه لا يجوز تقديم الخبر على العامل في هذا الباب مطلقًا, وفيه تفصيل. أما كان وصار وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات, فيجوز تقديم أخبارها عليها: قال الله تعالى: {كذلك كنتم من قبل} وقال: {وأنفسهم كانوا يظلمون} لأنها أفعال متصرفات واجبة, وأما ما زال, وما برح, وما فتئ, وما انفك: فمذهب البصريين أنه لا يجوز تقديم أخبارها عليها فلا تقول: قائمًا ما زال زيد. لأن في أوائلها «ما» النافية, وما في حيزها لا يتقدمها. ومذهب الكوفيين جواز التقديم, لأن معاني هذه الأفعال النفي قبل دخول «ما» فلما 34/أدخلت «ما» قلبت المعنى إيجابًا / فصار ما زال زيد قائمًا بمنزلة كان زيد قائمًا, وثم يقدم الخبر فكذلك هنا. وأما «ما دام» فلا يجوز تقديم خبرها عليها, فلا تقول: أزورك مقيمًا ما دام زيد لأن «ما» في أولها مصدرية, وصلة المصدر لا تقدم عليه. وأما ليس فالمتقدمون من البصريين يجيزون تقديم خبرها عليها فيقولون: قائمًا ليس زيد واحتجوا بقوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم} والمتأخرون من البصريين والكوفيين يمنعون تقديم الخبر عليها, واحتجوا بأنها فعل غير متصرف جرى مجرى الحرف. واعلم أن لكان موضعًا آخر تكون فيه دالة على الحدث وتستغني بالمرفوع, تقول «كان الأمر» أي: وجد, وهذه ذات مصدر تقول: كان الأمر كونًا, وفي التنزيل: {وإن كان ذو عسرة} وقراءة عثمان بن عفان بالنصب, ومن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ذلك قولهم: «أنا مذ كنت صديقك» أنا مبتدأ, وصديقك خبره, ومن نصبه فقد أخطأ لبقاء المبتدأ بلا خبر, والبيت الذي أنشده للربيع بن ضبع الفزاري وهو: 46 - إذا كان الشتاء فأدفئوني ... فإن الشيخ يهدمه الشتاء وبعده: 47 - فإما حين يذهب كل فر ... فسربال خفيف أو رداء فإذا قلت في التامة: كان زيد قائمًا, فانتصابه على الحال, وكذلك أمسى وأصبح تستعملان تامتين أيضًا, فتستغنيان بالفاعل, قال الله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} أي: تدخلون في المساء والصباح, وهما ذواتا مصدرين قال الشاعر: / ... 34/ب 48 - كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الإصباح والإمساء واعلم أنهم يقدمون على الجملة ضميرًا يعود إلى غير مذكور يسميه البصريون ضمير شأن ويسميه الكوفيون مجهولًا, فتعليل الأول أنه كناية عن الأمر والحديث. وهما شأن ويسميه الكوفيون مجهولًا, فتعليل الأول أنه كناية عن الأمر والحديث. وهما الشأن بمعنى, وتعليل الثاني أنه يعود إلى غير مذكور, وذلك قولك: هو زيد قائم, فهو مبتدأ أول, وزيد مبتدأ ثان, وقائم خبر زيد, وهما خبر هو, وموضع الجملة الرفع, فإذا دخل على هذا الكلام كان انتقل ضمير الشأن من البروز إلى الاستكنان, ومن الانفصال إلى الاتصال وصار موضع الجملة التي بعده نصبًا, لأنها خبر كان, ولا تغيرها كان, لأنها (لا) تؤثر في لفظ الجملة بل في موضعها, كقولك: كان زيد قائم, والبيت الذي أنشده للعجير السلولي من أبيات الكتاب. 49 - إذا مت كان الناس صنفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتوهم الزمخشري أن كان المستكن فيها ضمير الشأن قسم من أقسامها, وليس الأمر كذلك, لأن كان وأخواتها يدخلن على الجملة التي صدرها ضمير الشأن: قال هشام أخو ذي الرمة: 50 - هي الشفاء لدئي لو ظفرت بها ... وليس منها شفاء الداء مبذول ولا يجوز تقديم الخبر على كان في هذا الموضع, لأنها مفسرة لضمير الشأن, وكذلك قبل دخول كان لا تقدم على «هو» لهذه العلة. ويجوز تأنيث هذا الضمير إذا كان في الكلام مؤنث. قال الله تعالى: {فإنها لا تعمي الأبصار} ويسمى ضمير القصة. وأجاز أبو سعيد إضمارها مع المذكر, فتقول: كانت عمرو ذاهب. 35/أفالتأنيث / للقصة, وأصل الكلام قبل دخول كان هي عمرو ذاهب, أي: القصة هذا.

قال ابن جني: وقد تزاد كان مؤكدة للكلام, فلا تحتاج إلى خبر منصوب تقول: مررت برجل كان قائم, أي مررت برجل قائم, وكان زائدة / لا اسم 12/ألها ولا خبر تقولك زيد كان قائم. قال الشاعر: سراة بنى أبي بكر تسامى ... على كان المسومة العراب أراد على المسومة العراب, وألغى كان. وأخبار كان وأخواتها كأخبار المبتدأ من المفرد والجملة والظرف, تقول في المفرد: كان زيد قائمًا, وفي الجملة: كان زيد وجهة حسن. وفي الظرف: كان زيد في الدار. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: ولكان موضع آخر تكون فيه زائدة, ولزيادتها شرطان: أحدهما: أن تكون ماضية فلا تزاد مضارعة. والثاني: أن تكون متوسطة أو متأخرة, فلا تزاد متقدمة تقول: زيد كان قائم, وزيد قائم كان, ومررت برجل كان قائم, ومررت برجل قائم كان. وعند ابن السراج أنه ليس في كلام العرب زائد, لأنه تكلم لغير فائدة, وما جاء من ذلك حمله على التوكيد وهو أمر مطلوب بدليل أنهم وضعوا له ألفاظًا تخضه وستذكر في بابها. واختلف النحويون في معنى زيادة كان, فذهب أبو علي الفارسي إلى أن زيادتها عبارة عن دخولها في الكلام مجردة من الفاعل, وحجته أنا لو جعلنا لها فاعلًا لكانت معه جملة, والجملة لا تزاد. وذهب أبو سعيد السيرافي إلى أن معنى زيادتها عدم اختلال الكلام بسقوطها, ولابد لها من الفاعل عنده, لأنها فعل, وكلا القولين حسن موافق لأصول كلام العرب, وأنشد أبو الفتح في زيادتها: 51 - سراة بني أبي بكر تسامى ... على كان المسومة العراب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = السراة جمع سري وهم السادة, وقوله: «تسامى» أراد تنسامى. وهذا البيت يقوي قول أبي علي, لأنها زيدت بين الجار والمجرور, فلو كان لها فاعل لكثر الفصل بينهما, والأصل عدمه, وجميع ما وقع خبرًا عن المبتدأ يخبر به عن كان وأخواتها. وجملة الأمر أن أحكام الخبر ها هنا أحكام الخبر ثم, إلا في أشياء, ونحن نفرع مسائله ليبين منها القوي والضعيف, والجائز والممتنع تقول: كان زيد منطلقًا, فتخبر بالمفرد المشتق, وكان زيد أخاك, فتخبر بالمفرد غير المشتق. ويجوز في باب كان: كان أخاك زيد, فقدم الخبر المعرفة. وإن كان لا يجوز 35/ب تقديمه ثم, والفرق بينهما / أن إعراب الاسمين هناك متفق, فلو قدم الخبر لالتبس بالمبتدأ, وإعراب الاسمين ها هنا مختلف فإذا قدم الخبر لم يلتبس. ويقبح أن تقول: كان زيد قام أبوه, لأن كان تدل على مضي مضمون الجملة وكون الخبر فعلًا ماضيًا يغني عنها, فإن جئت بقد حسن, لأنها تقربه من الحال. قال الأعشى: 52 - فأصبحت قد ودعت ما كان قد مضى ... وقبلي قد مات ابن ساسان ومورق وتقول: كان زيد أبوه منطلق, وموضع الجملة النصب, لأنها حلت محل المفرد المنصوب, ولا يجوز: كان زيد يذهب عمرو لخلو الجملة من العائد, ويجوز: كان البر الكر بستين, لتقدير العائد, ويجوزك كان زيد خلفك, ولا يجوز: كان زيد يوم الجمعة فإن جعلت كان تامة جاز, ويجوز: كان قيامك خلف زيد, وكان جلوسك يوم الجمعة, وكان زيد من الكرام, ويجوز: كان خلفك زيد وكان قائمًا زيد وقد ذكر, وإذا قال: كيف كنت؟ فالجيد أن تقول: صالحًا بالنصب, لأن خبرها في السؤال في موضع نصب؟ ويجوز أن تقول: صالح. وإذا قلت: =

قال ابن جني: وتزاد الباء في خبر ليس مؤكدًا فتقول: ليس زيد بقائم, أي: ليس زيد قائمًا, وليس محمد بمنطلق, أي: ليس محمد منطلقًا, وتشبه «ما» بليس في لغة أهل الحجاز, فيقولون: ما زيد قائمًا, وما عمرو جالسًا, وأما بنو تميم فيجرونها مجرى «هل, وبل» ولا يعملونها, فيقولون: ما زيد قائم. فإن قدمت الخبر, أو نقضت النفي بإلا, لم يجز فيه إلا الرفع تقول: ما قائم زيد, وما زيد إلا قائم, فترفع في اللغتين جميعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ = كان زيد وجهه حسن, جاز أن ترفع وجهه مبتدأ وبدلًا, فإن كان مبتدأ رفعت حسنًا, وإن كان بدلًا نصبته, وعلى الوجهين قول عبدة بن الطبيب: 53 - وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما يروى «هلك واحد» بالرفع والنصب. ويجوز زيادة الباء في خبر ليس, كقولك: ليس زيد بقائم, قال الشاعر: 54 - ولست بهياب لمن يهابني ... ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا قال ابن الخباز: وموضع الباء وما بعدها النصب, لأنها لو سقطت لكان منصوبًا, ولو عطفت عليه اسمًا, لجاز جره حملًا على اللفظ / ونصبه حملًا على 36/أالموضع, تقول: ليس زيد بجبان ولا بخيل, ولا بخيلًا, وأنشد سيبويه لعقبة الأسدي: 55 - معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا وإنما زيدت الباء دون غيرها, لأن معناها الإلصاق, وإنما زيدت في الخبر, لأنه مشبه بالمفعول, وهي تزاد معه كقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وأما «ما» =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = النافية للحال فحكمها أن لا تعمل, لأنها حرف يلي الأسماء والأفعال كقولك: ما قام زيد وما زيد قائم, فجرى مجرى حرفي الاستفهام, ألا تراك تقول: هل قمت, وهل أنت قائم؟ وإهمالها لغة بني تميم, قال سيبويه: ويقرأون: (ما هذا بشر) إلا من درى كيف هي في المصحف؟ ومن لغة بني تميم قول جحيش الهمداني: 56 - أرى الطير تخبرني أنني ... جحيش وأن أبي حرشف وأنى لهمدان في عزها ... وما أن جاف ولا أهيف وقول جرير: وهو تميمي ثم يربوعي - أنشده الزجاج في المعاني: 57 - أتيما تجعلون إلى ندا ... وما تيم لذي حسب نديد وأما أهل الحجاز فتعمل عندهم عمل ليس, لأنها أشبهتها من وجهين: أحدهما: أنها تنفي ما في الحال. والثاني: أنها تدخل على المبتدأ والخبر, فيقولون: ما عبد الله ذاهبًا, كم يقولون: ليس عبد الله ذاهبًا, وفي التنزيل: {ما هذا بشر} {ما هن أمهاتهم} وأنشد أبو عثمان سعيد بن هارون الإشنانداني في كتاب المعاني:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 58 - وأنا النذير بحرة مسودة ... تصل الجيوش إليكم أقوادها أبناؤها متكنفون أباهم ... حنقوا الصدور وما هم أولادها ويجوز: ما زيد بجبان ولا بخل بجر بخيل ونصبه كما جاز في / ليس, والمعنى 36/ب لا يختلف, وتقول: ما أنت كزيد ولا شبيه به, فتجر شبيهًا وتنصبه, والمعنى مختلف. ويبطل عمل «ما» بأمرين: أحدهما: دخول إلا في الخبر. وتقول: ما زيد إلا قائم, وفي التنزيل: {وما أمرنا إلا واحدة} وذلك لأن إلا قلبت الكلام إيجابًا فزال النفي الذي أشبهت به «ما» ليس, فأما قول الشاعر: 59 - وما الدهر إلا منجنونًا بأهله ... وما طالب الحاجات إلا معذبًا فإنه نصبهما مصدرين. الثاني: تقديم الخبر, كقولك: ما قائم زيد, وذلك لأن «ما» حرف, وليس للحرف من التصرف ما للفعل, فأما قول الفرزدق: 60 - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر ففيه أربعة أوجه: أحدها: أن مثلهم مبني كقوله تعالى: {لقد تقطع بينكم} والثاني: أنه صفة نكرة تقدم عليها فنصب على الحال والخبر محذوف. والثالث: أنه على لغة أهل الحجاز, والفرزدق غلط بتقديم الخبر. والرابع: أن مثلهم ظرف فكأنه قال: وإذ ما إزاءهم بشرُ. وهذا قول الكوفيين.

باب: (إن وأخواتها)

باب: (إن وأخواتها) قال ابن جني: وهي إن, وأن, وكأن, ولكن, وليت, ولعل, فهذه الحروف كلها تدخل على المبتدأ والخبر, فتنصب المبتدأ ويصير اسمها, وترفع 12/ب الخبر ويصير خبرها. واسمها / مشبه بالمفعول, وخبرها مشبه بالفاعل تقول: إن زيدًا قائم, وبلغني أن عمرًا منطلق, وكأن أباك الأسد, وما قام زيد لكن جعفرًا قائم, وليت أباك قادم, ولعل أخاك واقف, ومعاني هذه الحروف مختلفة. فمعنى إن وأن جميعًا التحقيق, ومعنى كأن التشبيه, ومعنى لكن الاستدراك, ومعنى ليت التمني, ومعنى لعل التوقع والرجاء. وأخبار إن وأخواتها كأخبار المبتدأ من المفرد والجملة والظرف. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب إن وأخواتها) قال ابن الخباز: وهي: إن, وأن [وكأن] ولكن, وليت, ولعل. اعلم أن الحروف العاملة أربعة أقسام: جار كحروف الجر, وجازم كحروف الجزم, وناصب كحروف النداء, وناصب رافع وهي ثمانية أحرف. هذه الستة, «وما» المشبهة بليس و «لا» المشبهة بإن. وإنما أعملت إن وأخواتها, لأنها أشبهت الأفعال من أربعة أوجه: الأول: أنها مختصة بالأسماء كالأفعال. الثاني: أنها تدخل على المبتدأ والخبر ككان وظننت 37/أوأخواتهما. الثالث: أنها مبنيات على الفتح كالأفعال الماضية / الرابع: أن نون الوقاية تتصل كقولك: إنني كما تقول: ضربني, وهذا الوجه ذكره جماعة وهو فاسد, لأن اتصال نون الوقاية بها لم يكن إلا عند اتصالها بياء المتكلم, وذلك لم يحصل لها إلا بعد الشبه بالفعل, لأنها عاملة في الياء النصب, وليست كذلك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأوجه التي ذكرناها فإنها تعقد مع إن غير داخلة على الأسماء. وإنما عملت في المبتدأ والخبر, لأنها لا تدخل إلا عليهما فلا تعمل إلا فيهما. وإنما عملت الرفع والنصب, لأنها أشبهت الفعل وهو يعمل الرفع والنصب, وإذا ثبت أنها مشبهة بالفعل فاسمها مشبه بالمفعول, لأنه نصبه عامل مشبه بالفعل. وخبرها مشبه بالفاعل, لأنه رفعه عامل مشبه بالفعل. ويسمى المنصوب اسم إن والمرفوع خبر إن, لأنهما معمولاها فأضيفا إليها للملابسة. فإن قلت: فهلا نصبتهما؟ قلت: إن غير فعل, ولو نصبتهما لخلا الكلام من المرفوع. فإن قلت: فهلا رفعتهما؟ قلت: لو رفعتهما لزادت على الفعل بشيء لا يكون فيه, وذلك أن الفعل لا يكون له فاعلان, فكيف يكون لإن مشبهان بالفاعل؟ فإن قلت: فلم قدم المنصوب على المرفوع؟ قلت: لوجهين: أحدهما: أن الخبر قد يكون مضمرًا, فلو قدم لاتصل بإن وتغيرت صيغتها تقول: إن الكرام أنتم, فلو قدم المرفوع لقلت: [إن] أنتم الكرام. والثاني: [أن] «إن» حرف, وهي أضعف من الفعل, فأعطيت أضعف أحواله وهو لزوم تقديم المنصوب, لأن الأصل في الفعل تقديم المرفوع. واختلف النحويون في رفع خبر إن, فذهب البصريون إلى أنه مرتفع بها وحجتهم من وجهين: أحدهما: أن إن تقتضي الاسمين فتعمل فيهما, والثاني: أن رافع الخبر عند البصريين قبل دخول إن قد زال بدخولها. وذهب الكوفيون / إلى 37/ب أنه [مرفوع] باسم إن, وبنوه على مسألة وذلك أنهم قالوا: في قولنا: زيد قائم إن قائمًا مرفوع بزيد, وزيدًا مرفوع بقائم. فإذا قلت: إن زيدًا قائم, فرافع قائم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = باقٍ. وإبطال هذا الاحتجاج بأنا نلزمهم رفع «زيد» لوجود «قائم» ونمنع جواز دخول إن, لأن عاملًا لا يدخل على عاملو واستغرق الستة بالتمثيل كما فعل في باب كان. وفي ذكر ذلك إطالة, ومثال واحد يكفي أو مثالان. وينبغي أن تعرف معاني هذه الأحرف لتعلم ما تؤثره في الجملة. أما إن وأن فمعناهما التوكيد, وسيأتي ذكر الفرق بينهما: تقول: زيد قائم فإذا قلت: إن زيدًا قائم صار كذكر الجملة مرتين كأنك قلت: زيد قائم زيد قائم. وأما «كأن» فمعناها التشبيه تقول: كأن زيدًا الأسد, فتشبه زيدًا بالأسد في الشجاعة, وهي مركبة من كاف التشبيه وإن المكسورة فالأصل: إن زيدًا كالأسد, فقدمت الكاف ليبنى الكلام على التشبيه, وفتحت همزة إن, لأن الحرف قد صار مركبًا فخفف بالفتح. ومعنى لكن الاستدراك, وحقها أن تتوسط بين جملتين: إحداهما: موجبة, والأخرى: منفية بشرط توارد النفي والإيجاب على حكم واحد, تقول: لم يقم زيد لكن عمرًا قام, وقام زيد لكن عمرًا لم يقم, ولا يجوز قام زيد لكن عمرًا لم يأكل, لأن القيام وعدم الأكل غير متنافيين. وذهب البصريون إلى أنها مفردة, لأن الإفراد هو الأصل. وذهب الكوفيون إلى أنها مركبة من «لا» و «الكاف» و «إن» فطرحت الهمزة وكسرت الكاف, وهذا تحكم يعسر إقامة دليله. وأما «ليت» فمعناها التمني, وأما «لعل» فمعناها التوقع, وذلك إما لمرجو 38/أكقولك: لعل زيدًا يكرمنا. وإما لمخوف كقوله: لعل الأمير / يشتمك. فإن قلت: فما الفرق بين التمني والرجاء؟ قلتك الفرق بينهما: أن التمني يكون للممكن والممتنع, تقول في الممكن: ليت زيدًا يقدم, وفي الممتنع: {ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانًا خليلًا} ولذلك يكون التمني في الماضي كقولك: ليت زيدًا قام, ورد الماضي محال. أما الرجاء =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فلا يكون إلا للممكن]. فإن قلت: فقد حكى الله تعالى عن فرعون قوله: {لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى} وهذا محال. قلت: الجواب من وجهين: أحدهما: لا نسلم أنه محال وبيانه أن الرقى في السماء ممكن ولكن الناس مصدفون عنه, والثاني: سلمنا أنه محال, وفرعون قال ذلك معتقدًا أنه ممكن. وجميع ما أخبر به عن المبتدأ يكون خبرًا عن إن وأخواتها تقول: إن زيدًا قائم, وإن زيدًا أخوك, وإن زيدًا قام أبوه, ولا يجوز: إن زيدًا قام عمرو, ويجوز إن السمن منوان بدرهم, وإن زيدًا خلفك. ولا يجوز: إن زيدًا يوم الجمعة وعلل ذلك كله بينة. ويجوز حذف خبر إن إذا دل الدليل عليه, كما يجوز حذف خبر المبتدأ كذلك. يقول القائل: هل لكم أحد إن الناس عليكم؟ فنقول: إن زيدًا وإن عمرًا تريد. إن لنا. قال الفرزدق: 61 - فلو كنت ضبيًا عرفت قرابتى ... ولكن زنجيا غليظ المشافر أراد لا يعرف قرابتي, ويروى ولكن زنجي على حذف الاسم أي: ولكنك زنجي.

قال ابن جني: ولا يجوز تقديم أخبارها على أسمائها إلا أن يكون الخبر ظرفًا, أو حرف جر, تقول: إن في الدار زيدًا, ولعل عندك عمرًا. وتدخل اللام المفتوحة في خبر إن المكسورة دون سائر أخواتها زائدة مؤكدة تقول: إن زيدًا لقائم, ولو قلت: ليت زيدًا لقائم أو نحو ذلك, لم يجز. وتكسر إن في كل موضع لو طرحتها منه كان ما بعدها مرفوعًا بالابتداء تقول: إن أخاك قائم فتكسر إن, لأنك لو طرحتها من هناك لقلتك أخوك قائم. وتفتح إن في كل موضع لو طرحتها منه وما عملت فيه لصلح في موضع الجميع ذاك. ومعنى الكلام معنى المصدر تقول: بلغني أن زيدًا قائم فتفتح أن لأنك لو 13/أطرحتها وما عملت فيه لقلت: بلغني / ذاك ومعنى الكلام بلغني قيام زيد. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: ولا يجوز تقديم أخبارها على أسمائها فلا تقول: إن قائم زيدًا للوجهين الذين ذكرناهما. فإن كان الخبر ظرفًا أو حرف جر كقولك: إن زيدًا في الدار, ولعل عمرًا عندك, جاز ت قديمه على الاسم تقول: إن في الدار زيدًا, ولعل عندك عمرًا, وإنما جاز ذلك, لأنهما ليسا بالخبرين في 38/ب الحقيقة. / ألا ترى أن الخبر هو الاستقرار المقدر؟ وها هنا لطيفة, اعلم أن مستقرًا لا يقدر قبل الاسم لئلا يقدم الخبر الحقيقي عليه, ولكنك تقدره بعده فتقول: تقديره: إن في الدار زيدًا مستقر. وللعرب اتساع في الظروف وحروف الجر كفصلهم بين المضاف والمضاف إليه. وتدخل اللام المفتوحة, اعلم أن هذه اللام لام توكيد, وتسمى لام الابتداء لدخولها على المبتدأ والخبر كقوله تعالى: {لأنتم أشد رهبة} وكقول الأعشى: 62 - ولأنت أحيا من مخذرة ... عذراء تسكن جانب الخدر فإذا قلت: لزيد قائم, فهي للتوكيد مثل إن, فإذا دخلت إن على هذا الكلام لم يجز وقوعها قبل اللام, لأنه لا يبقى لها سبيل على العمل, ولا يجوز إيقاعها بعدها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لئلا يجمع بين حرفين متفقين في المعنى, ففصل بينهما فجعلت إن مع أحد الجزأين واللام مع الآخر. وتدخل اللام مع إن على ثلاثة أشياء: الأول: دخولها على الخبر, وذلك جائز كقوله تعالى: {إن الله لغفور رحيم} والفعل المضارع بمنزلة الاسم الصريح كقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم} لأنه مضارع للاسم فهو بمنزلته, وكذلك الجملة الاسمية كقوله تعالى: {إنك لأنت الحليم الرشيد} فإن كان الفعل ماضيًا, لم يجز دخولها فلا تقول: إن زيدًا لقام, لأنه بعيد من الاسم, وفعل الأمر أولى بامتناعها من الماضي. الثاني: أن تدخل على اسم إن, وذلك إذا فصل بينهما بظرف أو حرف جر تقول: إن عندك لعمرًا, وفي التنزيل: {إن في ذلك لآية}. الثالث: أن تدخل على معمول خبر إن إذا تقدم عليه كقولك: إن زيدًا لطعامك آكل. وفي التنزيل: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم / يعمهون} ولا يجوز إن 39/أزيدًا آكل لطعامك, لأنها دخلت على شيء خارج عن الجملة, وإنما لم تدخل مع غير إن, لأنهما مشتركان في التوكيد والتحقيق, فلذلك تلقى بهما القسم كقولك: أحلف إن زيدًا قائم, وأقسمت لزيد أفضل من عمرو. وأما فرقه بين إن وأن: فاعلم أنهما يتفقان عملًا وتركيبًا ومعنى, ويختلفان صيغة وموضعًا, ما اتفاقهما في العمل: فإنهما ينصبان الاسم ويرفعان الخبر, وأما اتفاقهما في التركيب: فلأن كل واحدة منها من همزة ونونين. وأما اتفاقهما في المعنى: فلأنهما يؤكدان الجملة. وأما اختلافهما في الصيغة: فلأن أول إحداهما مكسور وأول الأخرى مفتوح, وذلك للفرق. وإنما خصوا بالفتح المصدرية: لأنها واسمها وخبرها في موضع اسم مفرد. وأما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = اختلافهما في الموضع: فلأن إن المكسورة وما بعدها في موضع الجملة, وأن المفتوحة وما بعدها في موضع المفردز وجملة الأمر أن المواضع ثلاثة: الأول: موضع لا تقع فيه إلا المكسورة, وذلك خمسة أقسام: الأول: الابتداء كقوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} الثاني: وقوع اللام في الخبر كقوله تعالى: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * إن ربهم بهم يومئذ لخبير}. الثالث: ما بعد القول كقوله تعالى: {قال رب إني وهن العظم مني} الرابع: جواب اليمين كقوله تعالى: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} الخامس: أن تكون صلة للذي وأخواتها كقوله تعالى: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} , وعلة ذلك كله أنك لو طرحت إن من هذه المواضع كلها لكان ما بعدها مرفوعًا بالابتداء وصح وقوع المبتدأ والخبر حيث وقعت 39/ب/ ألا ترى أنك إذا قلت «جاءني الذي إن أباه خير منك» صح أن تطرحها فتقول: «جاءني الذي أبوه منك». الثاني: موضع لا تقع فيه إلا المفتوحة: وهو كل موضع لا يقع فيه إلا الاسم المفرد مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا تقول: بلغني أن زيدًا قائم, فأن وما بعدها في موضع رفع, لأنها فاعل, وتسمى مصدرية, لأنها ومعمولها في معنى المصدر كأنك قلتك بلغني قيام زيد, وتقول: عرفت أن عمرًا جالس فتفتحها, لأنها في موضع المفعول أي: عرفت جلوس عمرو وتقول: عجبت من أنك منطلق فتفتحها, لأنها في موضع المجرور, أي: عجبت من انطلاقك, ومن كسرها بعد شيء من ذلك فقد لحن. وقوله: (لصلح في موضع الجميع ذاك) يعني هذا الاسم, لأنه يصح أن يقول: بلغني ذاك, وعرفت ذاك, وعجبت من ذاك, وإنما اختاره, لأنه اسم إشارة إلى =

قال ابن جني: وتكون إن بمعنى «نعم» فلا تقتضي اسمًا ولا خبرًا. قال الشاعر: بكر العوازل في الصبوح ... يلمنني وألومهنة ويقلن شيبٌ قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنه أي: نعم هو كذلك, والهاء لبيان الحركة وليست باسم, فإن عطفت على اسم إن ولكن بعد خبرهما, جاز لك النصب على اللفظ, والرفع على موضع الابتداء. تقول: إن زيدًا لقائم وعمرًا, وإن شئت وعمرو, وكذلك لكن جعفرًا منطلق وبشرًا, وإن شئت قلت: وبشر, ولا يجوز العطف على معنى الابتداء مع بقية أخواتهما لزوال معنى الابتداء وتشبه «لا» بإن. ـــــــــــــــــــــــــــــ = الواحد المذكر من ذوي العلم وغيرهم, والمصادر تصح الإشارة به إليها. الثالث: ما يحتمل المكسورة والمفتوحة كقولك: عندي أنك شجاع وأنك شاعر, فيجوز في إن الثانية الكسر والفتح, وليس في الأولى الفتح, لأنها في موضع المبتدأ. أي عندي شجاعتك, فإذا كسرت الثانية جعلت المعطوف جملة مستقلة. وإذا فتحتها عطفتها على الأولى فكانت في موضع المفرد, وقرأت القراء: {وإن الله مع المؤمنين} بالكسر والفتح, فالكسر على الابتداء, وهو عطف جملة على جملة. والفتح على حذف اللام والتعلق بفعل محذوف, أي: ولأن الله مع المؤمنين فتح عليكم. قال ابن الخباز: وتكون «إن» بمعنى «نعم» فتكون حرف تصديق مثلها, فلا تقتضي اسمًا ولا خبرًا, وفي حديث ابن الزبير الأسدي أنه قال / لعبد الله بن الزبير: = 40/أ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = «لعن الله ناقة حملتني إليك» فقال له ابن الزبير: «إن وراكبتها». وقال عبد الله بن قيس الرقيات: 63 - بكر العواذل في الصبوح ... يلمنني وألومهنه ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنه ويروى: بكرت على عواذلي ... يلحينني وألومهنه الصبوح: شرب الغداة, ويليحننى: يلمنني. والهاء في «إنه» تحتمل وجهين أحدهما: أن تكون للسكت, وهي الهاء التي يجاء بها في الوقف على المبنى الذي حركته لازمة ولم تكن لمضارعة المتمكن كقولك: إنه وهوه وهيه, أنشد أبو زكريا. 64 - إيه جاراتك تلك الموصية ... قائلة لا تسقني بحبليه لو كنت حبلًا لسقيتها بيته ... أو قاصرًا أوصلته بثوبيه ويجوز أن تكون الهاء ضمير الشيب والخبر محذوف, تقديره: إن الشيب علانى ومثله في حذف الخبر قول الأخطل: 65 - خلا أن حيا من قريش تفضلوا ... على الناس أو أن المكارم نهشلا أراد: أو أن المكارم نهشلا تفضلوا. فإن عطفت على [اسم] إن بعد خبرها كقولك: إن زيدًا قائم وعمرًا, جاز لك نصب المعطوف ورفعه, والنصب بالعطف على اسم «إن» , قال رؤبة:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 66 - إن الربيع الجود والخريفا ... يدا أبي العباس والصيوفا والرفع بالابتداء, والخبر محذوف, قال جرير: 67 - إن الخلافة والنبوة فيهم ... والمكرمات وسادة أطهار والنصب مشترك بين إن وبين سائر الحروف كقولك: / ليت زيدًا قائم وعمرًا. 40/ب وكأن أباك الأسد وعبد الله. وأما الرفع بالابتداء: فهو مختص بإن, لأنها تؤكد الجملة ولا تغير معناها, وأكثر النحويون يلحق بها لكن فتقول: لم يقم زيد لكن جعفرًا قام وبشر وبشرًا, لأن لكن لا تغير معنى الجملة, ومنهم من أخرج «لكن» من هذا الحكم, لأنها تؤثر في الكلام معنى الاستدراك, فصار بدخولها محتاجًا إلى غيره. ولا خفاء في أن ليت وكأن ولعل يزلن من الجملة معنى الابتداء, لمعانيهن التي ذكرناها, ونوضح ذلك بمثال فنقول: لو قلت: ليت زيدًا قائم وعمرو فرفعت عمرًا بالابتداء لكان التقدير: وعمرو قائم, وهذا كلام خبري, والكلام الذي قبله تمن, فقد عطفت الخبر على غير الخبر, ألا ترى أنهم لا يجيزون: قم ويذهب عمرو إذا جعلت الواو عاطفة؟ . وأما شبه «لا» بإن فمن أربعة أوجه أحدها: أن «لا» للنفي المؤكد كما أن إن للإثبات المؤكد. الثاني: أنها مختصة بالأسماء مثلها. الثالث: أنها تدخل على المبتدأ والخبر مثلها. الرابع: لها صدر الكلام مثلها. وإنما أضاف الشبه إلى أن المكسورة, لأنها أصل الحروف الواقعة في هذا الباب من حيث إنها للتوكيد, والجملة معها باقية على معناها.

باب: (لا في النفي)

باب: (لا في النفي) قال ابن جني: اعلم أن لا تنصب النكرة بغير تنوين ما دامت تليها, وتبنى معها على الفتح كخمسة عشر تقول: لا رجل في الدار, ولا غلام لك, ولا جارية لك. فإن فصلت بينهما بطل عملها تقول: لا لك غلام ولا عندك جارية. فإن عطفت وكررت «لا» جاز لك فيه عدة أوجه. تقول: لا حول ولا 13/ب قوة إلا بالله / قال الله عز وجل: {لا بيع فيه ولا خلال} ويجوز: لا حول ولا قوة إلا بالله: قال الشاعر: لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع ويجوز: «لا حول ولا قوة إلا بالله». قال الشاعر: وما هجرتك حتى قلت معلنة ... لا ناقة لي في هذا ولا جمل ويجوز: لا حول ولا قوة إلا بالله. قال الشاعر: هذا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب لا في النفي) قال ابن الخباز: إنما قال: (في النفي) لأن للا في الكلام ثلاثة مواضع: الزيادة: كقوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} وهذه غير عاملة. والنهي: كقوله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك} وهذه 41/أتعمل الجزم وسنذكر/ علته. والنفي: وهي فيه عاملة وغير عاملة فالعاملة قسمان: عاملة عمل ليس: كقولهم: لا رجل أفضل منكو وعاملة عمل إن: كقولهم: لا رجل أفضل منك وقد ذكرنا شبهها بإن. وقوله: (اعلم أن «لا» تنصب النكرة بغير تنوين ما دامت تليها, وتبنى معها على الفتح كخمسة عشر): يعطي ظاهرة مناقضة, لأنه سمى عمل «لا» نصبًا وبناءً والنصب من ألقاب الإعراب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واختلف النحويون في النكرة المفتوحة المفردة بعد «لا» كقولنا: لا رجل في الدار, ولا غلام لك, فذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو سعيد السيرافي والكوفيون إلى أنها معربة منصوبة بغير تنوين, وزعم أبو سعيد أنه مذهب سيبويه والظاهر معه, لأن سيبويه قال: «هذا باب النفي بلا: ... ولا تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين» وترك التنوين لما تعمل فيه لازم, وحجة هذا القول أن «لا» عاملة في النكرة, فلو كانت حركتها بناء, لكان العامل قد عمل في المعمول البناء, وليس في العربية معمول بني مع عامل. وأما ترك التنوين فلثلاثة أوجه" أحدها: أن «لا» لا يُفصل بينها وبين معمولها فجريا مجرى الاسم المركب فترك التنوين تخفيفًا. الثاني: أن «لا» ضعيفة جدًا, لأنها فرع فرع فلم ينون اسمها. الثالث: أن ترك التنوين إيذان بالتركيب مع «لا» لأنه لو أثبت لجاز أن يتوهم أن النصب بفعل محذوف كقولك: وعدتني بدرهم ودينار فلا درهم ولا دينار. وذهب جمهور البصريين إلى أن النكرة مبنية: وحجتهم في ذلك أنها تضمنت معنى الحرف, فبنيت كأمس, وبيانه أنك إذا قلت: «لا رجل في الدار» فأصله لا من رجل في الدار, فحذفت «من» وضمنت النكرة معناها, فبنيت. وإنما قلنا ذلك, لأن هذا نفي عام / وهو جواب لمن قال: هل من رجل في الدار وإنما قلنا: إنه جواب له لأنه إخبار, فكل إخبار يصح أن يكون جوابًا عن مسألة, وإنما بنيت على الحركة, لأن بناءها عارض, وإنما كانت فتحة لأنها أخف الحركات ولطول الكلام بالتركيب. وأما تشبيهه بخمسة عشر قلعتين: إحداهما: أن بناء الاسم الثاني من خمسة عشر حدث بالتركيب كبناء النكرة المركبة مع «لا». والثاني: أن أصل خمسة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عشر خمسة وعشرة [فحذف] حرف العطف مع الاسم الثاني, وقد تضمن معناه, كما أن من مقدرة مع النكرة وقد تضمنت معناه. فإن فصلت بين النكرة و «لا» بطل عملها, كقولك: لا لك غلام ولا عندك جارية ويجب التكرير كقوله تعالى: {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون}. أما بطلان العمل: فلما بينا من ضعفها, فلم تبلغ أن تعمل مع الفصل, وإن تعمل مع الفصل كقولك: إن فيها زيدًا, لأنها تشبه الفعل الصريح. وأما وجوب التكرير: فإنه جواب لسؤال مكرر كأن قائلًا قال: أله غلام أم جارية؟ فقلت: لا له غلام ولا جارية. وإذا دخلت على المعرفة لا تعمل, لأنها لا يصح أن تنفي نفيًا عامًا لخصوصيتها ويجب التكرير أيضًا لأنه جواب لسؤال مكرر في التقدير تقول: لا زيد فيها ولا عمرو, قال أبو ذؤيب: 68 - هنالك لا إتلاف مالي ضرني ... ولا وارثي إن ثمر المال حامدي ويجوز للشاعر ترك التكرير, وهو ضرورة كقوله: 69 - فلا أنا منه ما أفاد ذو والغنى ... أفدت وأعداني فأتلفت ما عندي 42/أفإن عطفت وكررت «لا» جازت لك فيه خمسة أوجه: الوجه / الأول: «لا حول ولا قوة إلا بالله» تفتحهما غير منونين, قال الله عز وجل: {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة}. وقال: (لا بيع فيه ولا خلال). وقد ذكرنا الخلاف في الفتحة. الوجه الثاني: لا حول ولا قوة إلا بالله, فتفتح الأول بغير تنوين, وتفتح الثاني =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بتنوين, وعليه قول الشاعر: 70 - لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع قال أبو سعيد السيرافي: «ويروى: اتسع الفتق على الراتق» والأول من قصيدة عينية, والثاني من قصيدة قافية. واختلف النحويون في تنوين خلة, فمن قال: إن اسم لا معرب, جعل التنوين للضرورة, لأن «لا» تنصب عنده بغير تنوين, ويحكى عن يونس. ومن قال: إن اسم «لا» مبني على الفتح, نصب الثاني حملًا على لفظ الأول كما تقولك يا زيد العاقل, فترفعه حملًا على لفظ زيد. الوجه الثالث: لا حول ولا قوة إلا بالله برفعهما وهما مبتدآن, ويجوز أن تكون «لا» فيهما بمعنى ليس, والخبر في الحالين محذوف, فإن جعلتهما مبتدأين وجب التكرير, وإن جعلت «لا» بمعنى ليس لم يجب, وقرئ: {فلا رفث ولا فسوق} وقال الراعي النميري: 7 - وما هجرتك حتى قلت معلنة ... لا ناقة لي في هذا ولا جمل ويروى: * وما صرمتك حتى قلت *

قال ابن جني: ويجوز: لا حول ولا قوة إلا بالله. قال الشاعر: فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبدًا مقيم ويجوز: لا غلام وجارية لك بالتنوين لا غير. قال الشاعر: فلا أب وابنا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا فإن وصفت اسم «لا» كانت لك فيه ثلاثة أوجه: النصب بالتنوين, تقول: لا رجل ظريفًا عندك, وبغير تنوين, تقول: لا رجل ظريف عندك, والرفع بالتنوين لا غير, تقول: لا غلام ظريف عندك, وتثنى بالنون, فتقول: لا غلامين ولا جاريتين عندك. وتقول: لا رجل أفضل منك, ترفع أفضل, لأنه خبر «لا» كما يرتفع خبر إن. ـــــــــــــــــــــــــــــ = وشطر البيت الأخير مثل ذكره الميداني. الوجه الرابع: لا حول ولا قوة إلا بالله بفتح لام الأول بلا تنوين, وترفع الثاني, قال الشارع: 72 - وإذا تكون شديدة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس تدعى جندب هذا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب وأنشدت ما قبله ليعلم أن القوافي مرفوعة. 42 - ب قال ابن الخباز: ولك في رفع أب وجهان / أحدهما: أن تجعله مبتدأ وقد رفعت ما بعد «لا» من غير تكرير. والثاني: أن تجعلها بمعنى ليس. الوجه الخامس: لا حول ولا قوة إلا بالله, ترفع الأول وتفتح الثاني بلا تنوين, =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال أمية بن أبي الصلت: 730 - فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبدًا مقيم الضمير من قوله: «فيها» يعود إلى الجنة. وقوله: «وما فاهوا» أي: وما نطقوا أي: ما أخبروا به من النعيم والخلود باق, فرفع لغو على الوجهين في رافع أب وفتح تأثيم قد ذكر في أول الباب. وإن لم تتكرر «لا» جاز لك فيه وجهان: نصب المعطوف ورفعه, تقول: لا غلام وجارية لك, ولا غلام وجارية لك, فالنصب حمل على اللفظ والرفع بالابتداء قال الفرزدق: 74 - فلا أب وابنًا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا فإن وصفت اسم «لا» كانت لك فيه ثلاثة أوجه: أحدها: النصب بالتنوين تقول: لا رجل ظريفًا عندك, وإنما نونته لأن اسم «لا» إن كان معربًا فمنع التنوين لتركيبه مع «لا» وإن كان مبنيًا فبناؤه لتضمن معنى «من» وكلا الأمرين ليسا في صفته. الثاني: الفتح بغير تنوين تقول: لا رجل ظريف عندك, واستضعفه أبو إسحاق الزجاجي وقال: فيه نظر. وذكر أبو سعيد له تأويلين: أحدهما: أنهم ركبوا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = رجلًا وظريفًا وأدخلوا بعد ذلك «لا». والثاني: أن ظريفًا منع التنوين لمشاكلة رجل, لأنه صفته, وهو هو في المعنى. الثالث: الرفع تقول: لا رجل ظريف عندك, وهو صفة محمولة على محل (اسم) «لا» مع النفي. فإن قيل: لم تجيزوا إن زيدًا الظريف عندك يرفع الظريف حملا على الموضع 43/أ (و) أجزتم / لا رجل ظريف عندك حملًا عليه. فما الفرق بينهما؟ فقد قال أبو سعيد: إن المبتدأ والخبر قبل أن تعمل فيهما «لا» منفيان بها, وكذلك بعد عملها, ألا ترى أنك إذا قلت: لا رجل في الدار, أصله لا في الدار رجل, وإن وأخواتها يغيرن المبتدأ والخبر, ولا يوجدن معهما إلا علامات. (و) تثني بالنون فتقول: لا غلامين لك ولا جاريتين عندك, وكذلك إذا جمعت أثبت النون فتقول: لا بنين لك, ولا مسلمين عندك. وإنما أثبت النون في المثنى والمجموع ولا يثبت التنوين في الواحد, لأن النون قوية بحركتها, والتنوين ضعيف, ألا ترى أنك تقول: الرجلان والرجل فتثبتها وتحذفه؟ . واختلف النحويون في المثنى والمجموع المنفيين «بلا» , فذهب الخليل وسيبويه إلى أنهما مبنيان, لأن تضمن معنى الحرف قائم بهما قيامه في المفرد و (ذهب) أبو إسحاق إلى أنهما مبنيان قبل دخول «لا» فلم يؤثر فيهما دخولها شيئًا, وذهب المبرد إلى أنهما معربان, وحجته أنه ليس في كلام العرب =

باب: (معرفة الأسماء المنصوبة)

باب: (معرفة الأسماء المنصوبة) قال ابن جني: وهي على ضربين: مفعول, ومشبه بالمفعول, والمفعول خمسة أضرب: مفعول مطلق, ومفعول به, ومفعول فيه, ومفعول له, ومفعول معه. ـــــــــــــــــــــــــــــ = مركب شطره الثاني مثني أو مجموع. (وتقول: لا رجل أفضل منك, ترفع أفضل لأنه خبر «لا» كما يرتفع خبر إن) قال يونس: سمعت أهل الحجاز يقولون: لا رجل أفضل منك بالرفع. واختلف النحويون في رافع خبر «لا»: فذهب سيبويه إلى أنه يرتفع بأنه خبر مبتدأ لأن «لا» وما بعدها في موضع اسم مرفوع هذا خبره. وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنه يرتفع «بلا» , لأنها اقتضت اسمًا وخبرًا, فعملت في كل واحد منهما, ويظهر أثر الخلاف في قول أمية بن أبي الصلت: 75 - * فلا لغو ولا تأثيم فيها * فمذهب سيبويه أنه خبر عنهما. ومذهب أبي الحسن أنه خبر عن أحدهما وخبر الآخر محذوف, لئلا يعمل في الخبر الواحد رافعان كقولك: إن زيدًا وعمرو ذاهبان. والبصريون لا يجيزونه, لأنك / جعلت ذاهبين خبرًا عن زيد 43/ب المنصوب بإن وعمرو المرفوع بالابتداء, فقد رفعته من وجهين, وذلك لا يجوز. (معرفة الأسماء المنصوبة) قال ابن الخباز: إنما ذكر المنصوب بعد المرفوع لوجهين: أحدهما: أن المنصوب والمرفوع يعملان لعامل واحد كالفاعل والمفعول والاسم والخبر. والثاني: =

باب: (المفعول المطلق وهو المصدر)

باب: (المفعول المطلق وهو المصدر) قال ابن جني: اعلم أن المصدر كل اسم دل على حدث وزمان مجهول, وهو وفعله من لفظ واحد, والفعل مشتق من المصدر, فإذا ذكرت المصدر مع فعله فضلة فهو منصوب به, تقول: قمت قيامًا, وقعدت قعودًا, وإنما يذكر المصدر مع فعله لأحد ثلاثة أشياء: وهي توكيد الفعل, وبيان النوع, وعدد المرات, تقول في توكيد الفعل: قمت قيامًا وجلست جلوسًا. وتقول في التبيين: قمت قيامًا حسنًا, وجلست جلوسًا طويلًا, وتقول في عدد المرات: قمت قومتين, وجلست جلستين, وضربت ثلاث ضربات. ـــــــــــــــــــــــــــــ = أن كل واحد من المرفوع والمنصوب يكون صاحبه في المعنى في باب المفاعلة كقولك: ضارب زيد عمرًا. والمفعول خمسة أضرب: مفعول مطلق, ومفعول به ومفعول فيه, ومفعول له, ومفعول معه, وأما المشبهة بالمفعول فسيأتي ذكرها. وما سمعته للنحويين حدًا للمفعول من حيث إنه مفعول ولكنهم حدوه مع التنوين؟ وإنما بدأ بالمفعول, لأنه أقوى من المشبه به, وزاد بعض النحويين مفعولًا منه ومثله بقوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلا} أي: من قومه. وأسقط أبو إسحاق الزجاج المفعول معه, وذكر في المعاني أن المفعول له ينتصب انتصاب المصادر, فصارت المفاعيل عنده ثلاثة, ومن أثبت المفعول منه صارت عنده ستة, وهي في قول الجمهور خمسة, فهذه ثلاثة أقوال. (باب المفعول المطلق) قال ابن الخباز: وهو المصدر. ذكر أبو بكر بن السراج المصدر في أول المنصوبات, وتلاوة النحويون. وإنما بدأوا به لأنه هو المفعول الحقيقي, لأن فاعله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يخرجه من العدم إلى الوجود. وكان أبو العباس المبرد يرى البداء بالمفعول به, لأن عامله أقوى من عامل غيره. وإنما سمي مطلقًا, لأنه لم يقيد بحرف جر, وحقيقة ذلك أنك / تسميه مفعولًا, وغيره يقيد في التسمية فيقال: مفعول به وكذلك 44/أسائرها. وإنما سمي مصدرًا, لأن الفعل يصدر عنه من حيث إنه مشتق منه, يقال: وردت الإبل الماء, وصدرت عنه إذا تركته, فقد بان (أن) المصدر ضد المورد. قال تأبط شرًا: 76 - وأخرى أصادي النفس عنها وإنها ... لمورد حزم إن عزمت ومصدر وقوله (اعلم أن المصدر كل اسم دل على حدث وزمان مجهول) الحدث: اسم لجميع الأعراض القائمة بالجواهر إما قيامًا ذهبيًا كالإضافيات, وإما قيامًا خارجيًا كالألوان. وسميت بذلك لأنها حادثة متجددة. وقوله: (وزمان مجهول) لا يحتاج إليه, لأن دلالة المصدر على الزمان المجهول دلالة التزامية, وتلك لا مدخل لها في مفهوم اللفظ, ولو أجزنا ذلك في تحديد المصدر لأجزنا في تحديد الجواهر أن يقال: الجوهر: كل مشار إليه بالجهة دال على مكان, ولقلنا في حد الجسم: هو كل مؤلف دال على حيز. وقال بعضهم: إنما أتى بقوله: (وزمان مجهول) ليفصل المصادر من الأفعال, لأن النوعين مشتر كان في الدلالة على الحدث, وينفصل الفعل بأن زمان الحدث معه محصل, وينفصل المصدر بأن زمان الحدث معه مجهول, ولا خفاء في أن الفعل والمصدر من لفظ واحد, ألا ترى أن ضربًا وضرب كليهما مركبان من الضاد والراء والباء, وهذا لا يؤذن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = باشتقاق أحدهما من الآخر, لأن اسم الفاعل واسم المفعول كضارب ومضروب مشتركان في التركيب من الضاد والراء والباء, وليس أحدهما بمشتق من الآخر. واختلف النحويون في الفعل والمصدر من جهة الاشتقاق, فذهب البصريون إلى أن الفعل مشتق من المصدر, واحتجوا على ذلك بثلاثة أوجه: / الأول: أن زمان المصدر 44/ب مطلق وزمان الفعل مقيد, والمطلق قبل المقيد. الثاني: أن المصدر يدل على معنى واحد وهو الحدث, والفعل يدل على معنيين: وهما: الحدث والزمان والواحد قبل الاثنين. الثالث: أن المصدر اسم, وهو أولى بأن يكون أصلًا للفعل منه بأن يكون أصلًا له. وذهب الكوفيون إلى أن المصدر مشتق من الفعل, واحتجوا على ذلك من ثلاثة أوجه, الأول: أن الأفعال عاملة في المصادر والعامل أصل المعمول, والجواب: أن حروف الجر تعمل في الأسماء وليست بأصل لها. الثاني: أن المصدر يؤكد به الفعل, والمؤكد أصل المؤكد. والجواب: أن تقول: قام القوم كلهم وليس أحدهم أصلًا للآخر. الثالث: أن المصدر يصح بصحة الفعل ويعتل باعتلاله كقولك: عور عورًا وقام قيامًا, فدل على أنه مشتق منه. والجواب. أن المضارع يصح بصحة الماضي ويعتل باعتلاله كصد يصد وهاب يهاب, وليس أحدهما مشتقًا من لآخر. وقوله: (فإذا ذكرت المصدر مع فعله فضلة) يحترز من ذكره معه غير فضلة, وذلك في باب ما لم يسم فاعله كقولك: سير سير شديد. وإنما كان منصوبًا [به] لأنه هو المقتضي له, وذلك كقولك: قمت قيامًا وقعدت قعودًا, وفي التنزيل: {وكلم الله موسى تكليما} وفيه: {صلوا عليه وسلموا تسليما}. وإنما يذكر المصدر مع فعله لأحد ثلاثة أشياء: وذلك لأن المصدر مفعول وهو فضلة ولابد للفضلة من فائدة, الأول: توكيد الفعل, وذلك حاصل بذكر المصدر وحده في التنزيل: {ثم نعيدكم فيها ونخرجكم إخراجا} فإخراج بمنزلة تكرير =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يخرجكم كأنه قال: ويخرجكم / يخرجكم, وعلة ذلك أن الفعل يدل على 13/أالمصدر, والمصدر يدل على الفعل, فذكر الفعل كذكر مصدرين, وذكر المصدر كذكر فعلين. الثاني: بيان النوع, وذلك حاصل بصفة المصدر كقولك: قمت قيامًا طويلًا, وفي التنزيل {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا}. وفي المصدر الموصوف زيادة على مفهوم الفعل, لأنه خرج بالصفة من الجنس العام إلى النوع الخاص, ولا يفهم من الفعل إلا المصدر المطلق. الثالث: عدد المرات, وذلك حاصل بثلاثة أشياء: الأول: إدخال التاء على بناء المصدر طلبًا للتوحيد كقولك: قمت قومة وجلست جلسة فقومة من قيام كثمرة من ثمر, وفي التنزيل: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة} وفيه {فدكتا دكة واحدة} الثاني: التثنية كقولك: ضربت ضربتين. الثالث: مجيئة مميزًا للعدد كقوله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} وقال تعالى: {فاجلدوا كل واحد منهم مائة جلدة} وفائدة هذا زائدة على ما يفهم من الفعل, لأن هذا يفهم منه العدد, وأضافوا إلى ذلك فائدتين أخريين: إحداهما: مجيء المصدر لبيان الحالة كالركبة والقعدة والجلسة, وهي الهيئات التي يفعل عليها الركوب والقعود والجلوس, والثانية: مجيء المصدر حالًا كقولك: آتيته ركضًا أي: راكضًا.

قال ابن جني: ولا يجوز تثنية المصدر ولا جمعه, لأنه اسم جنس, ويقع بلفظه على القليل والكثير, فجرى لذلك مجرى الماء والزيت والتراب, وإن 14/ب اختلفت أنواعه جازت تثنيته وجمعه / تقول: قمت قيامين, وقعدت قعودين. واعلم أن الفعل يعمل في جميع ضروب المصادر من المبهم والمختص, تقول في المبهم: قمت قيامًا, وانطلقت انطلاقًا, وتقول في المختص: قمت القيام الذي تعلم, وذهبت الذهاب الذي تعرف, ويعمل أيضًا فيما كان ضربًا من فعله الذي أخذ منه تقول: قعد القرفصاء, واشتمل الصماء, ورجع القهقرى, وسار الجمزى, وعدا البشكى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: ولا يجوز تثنية المصدر ولا جمعه, لأن الغرض منهما التكثير في الواحد, وذلك حاصل بدونهما, وهذا معنى قوله: (ويقع بلفظه على القليل والكثير). ويوضحه أنك إذا قلت: قمت قيامًا, صح أن تريد بالقيام مرة منه وأكثر, وجريه مجرى الماء والزيت والتراب من حيث أن هذه أجناس تقع على القليل والكثير 45/ب مما وضعت له / تقول: رأيت ماء وزيتًا وترابًا رأيت قطرة منهما [أ] ودرة أو أكثر. وفي التنزيل: {فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر}. ويجوز صفة أسماء الأجناس كما جازت صفة أسماء المصادر, لأن الحاجة تدعو إلى تفصيل أنواعها. وفي التنزيل: {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر}. فإن اختلفت أنواعه [جازت] تثنيته وجمعه, لأن اسم المصدر المفرد لا بدل على اختلاف الأنواع, ومثل التثنية بقيامين وقعودين, ولم يذكر الجمع, فإذا قلت: قمت قيامين فكأنه أراد: قمت قيامًا حسنًا, وقيامًا قبيحًا أو قيامًا ما في مكان كذا, وقيامًا في مكان كذا. وأسماء الأجناس تجري هذا المجرى فتثنى وتجمع لاختلاف أنواعها: وقرئ: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = {فالتقى الماءان} وقال الراجز: 77 - * وبلدة قالصة أمواؤها* وجمع المصادر قليل جدًا, قالوا: عقل وعقول, وعلم وعلوم, وحلم وحلوم وأحلام, قال الهذلي: 78 - ولقد نقيم إذا الخصوم تناقدوا ... أحلامهم صعر الخصيم المجنف وقالوا: لب وألباب. وفي التنزيل: {وما يذكر إلا أولوا الألباب} وقالوا: شغل وأشغال. قال الأعشى: 79 - فاذهبي ما إليك أدركتي الحلم ... عداني عن هيجكم أشغالي ولا فرق في المصدر بين أن يكون معرفة أو نكرة, تقول: قمت قيامًا, وقمت القيام الذي تعلم, لأن الفعل قد تعدى إلى مصدر الذي اشتق منه, وهو موجود أنشده عبد القاهر:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 80 - لعمري لقد أحببتك الحب كله ... وزدتك حبًا لم يكن قط يعرف وأما الأسماء الموضوعة لهيئات خاصة من الأفعال فتفسير ألفاظها: أن القرفصاء: أن يقعد الإنسان مقيمًا رجليه وملصقًا فخذيه إلى جوفه. والصماء: اشتماله القصارين. والقهقرى: الرجوع إلى وراء. ومنه قيل للحجر المتدحرج: قهقر. والبشكي: ضرب من العدو سريع, يقال: ناقة بشكى أي: سريعة. والجمرى: ضرب من السير سريع. يقال: حمار جمرى. قال أمية الهذلي: 81 - كأني ورحلي إذا رعتها ... على جمرى جازي بالرمال فإذا قلت: قعد القرفصاء. فللنحويين في نصبه ونصب بقية الأمثلة ثلاثة أقوال: الأول: أنه منصوب بقعد, قال أبو علي: «لأن قعد إذا تعدى إلى القعود الذي يشمل القرفصاء [وغيره فقد تعدى إلى القرفصاء] في الجملة, إذا كان ضربًا من القعود, وكذلك الرجوع والاشتمال. وذهب قوم إلى أنها صفات مصادر محذوفة, كأنك قلت: قعد القعدة القرفصاء كما تقول: سرت سريعًا أي: سيرًا سريعًا, وذلك لأن قعد غير مشتق من لفظ القرفصاء فلا يقتضيه ولا يدل عليه. وذهب قوم إلى أنه منصوب بفعل من لفظه - وإن لم يستعمل - كأنك قلت: تقرفص القرفصاء, وذلك لأن الأصل في المصدر أن يعمل فيه الفعل المشتق منه.

قال ابن جني: وما أُضف إلى المصدر مما هو وصف له في المعنى بمنزلة المصدر تقول: سرت أشد السير, وصمت أحسن الصوم, فتنصب أشد وأحسن نصب المصادر, وتقول: إنه ليعجبني حبًا شديدًا, لأن أعجبني وأحببته في معنى واحد. قال الشاعر: يعجبني السخون والبرود ... والتمر حبًا ما له مزيد فتنصب حبًا على المصدر بما دل عليه يعجبني, وكذلك إني لأبغضه كراهية, وإني لأشنؤه بغضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وإذا أضفت أفعل التفضيل إلى المصدر انتصب انتصاب المصادر كقولك: سرت أشد السير, لأن أفعل التفضيل بعض مما يضاف إليه. وكذلك إذا قلت: سرت أشد من سيرك, لأنك تفاضل بين سيرين. وفي التنزيل: {وعمروها أكثر مما عمروها} أي: وعمروها أكثر من عمارتهم. وإذا كان الفعلان موضوعين لمعنى واحد كأعجبني وأحببته وشنأنه [وأبغضته جاز أن يتعدى أحدهما إلى مصدر الآخر كقولك: أحببته إعجابًا]. / وشأنه 46/ب بغضًا, وأبغضته كراهية, وذلك لأنهما دالان على معنى واحد. قال الراجز: أنشده الجوهري رحمه الله: 82 - يعجبه السخون والبرود ... والتمر حبًا ماله مزيد السخون: ما يسخن من الطعام, والبرود منه: البارد. ويروى:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 82 - * حتى ماله مزيد* فعلى هذا [لا] دليل فيه. واختلف الخليل وسيبويه في ناصب المصدر ها هنا, فذهب الخليل إلى أن ناصبه الفعل المذكور, لأنه في معنى فعله المشتق منه, فإذا قلت: أبغضته كراهية, فكأنك قلت: كرهته كراهية. وذهب سيبويه إلى أن ناصبه فعل من لفظه حذف للدلالة عليه, لأنك لما قلت: أبغضته دل على أنك تكرهه, لأن الأصل في المصدر أن ينصبه فعله, ويقوي قول سيبويه رحمه الله قول المتنخل الهذلي: 83 - السالك الثغرة اليقظان كالئها ... مشى الهلوك عليها الحيعل الفضل قاليقظان صفة للسالك, فلو كان مشى الهلوك منصوبًا (به) لكان الموصول موصوفًا قبل تمامه. ولا يجوز: مررت بالمضاربين الظرفين زيدًا, وإنما يجوز: مررت بالضربين زيدًا الظريفين. ***

باب: (المفعول به)

باب: (المفعول به) قال ابن جني: الفعل في التعدي إلى المفعول به على ضربين: فعل متعد بنفسه, وفعل متعد بحرف جر. فالمتعدي بحرف الجر نحو قولك: مررت بزيد, ونظرت إلى عمرو / وعجبت من بكر, ولو قلت: مررت زيدًا, 15/أوعجبت بكرًا فحذفت حرف الجر, لم يجز ذلك إلا في ضرورة الشعر. غير أن الجار والمجرور جميعًا في موضع نصب بالفعل قبلهما. والمتعدي بنفسه على ثلاثة أضرب: متعد إلى مفعول واحد, ومتعد إلى مفعولين, ومتعد إلى ثلاثة مفعولين. فالمتعدي إلى مفعول واحد نحو: ضربت زيدًا وكلمت عمرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب المفعول به) قال ابن الخباز: المفعول به: هو الذي يقع عليه فعل الفاعل, وإنما ذكر بعد المصدر, لأن الفعل يؤثر فيه في مواضع كثيرة تأثيرًا ظاهريًا كقولك: كسرت الإناء, وأكلت الطعام, فهو أشبه بالمصدر من غيره. وتقسيمه الفعل المتعدي إلى المفعول به إلى متعد بنفسه / وإلى متعد بحر الجر 47/أغير مستقيم, لأن ما تعدى إليه الفعل بحرف الجر نحو قولك: مررت بزيد, لا يسمى مفعولًا به على حد تسمية زيد في قولك: ضربت زيدًا. ويكثر في عبارات النحويين تسمية المجرور مفعولًا به, وفيه نظر, لأنهم إذا أرادوا أنه على حد ما تعدى إليه الفعل بنفسه فهذا خطأ, وإن أرادوا بالتسمية مراعاة معنى حرف الجر, فذلك يختلف باختلاف حروفه, فما تعدى إليه باللام يسمى مفعولًا له, وما تعدى [إليه] بإلى يسمى مفعولًا إليه, وهم لا يقولون: مفعول إليه, ولا مفعول منه. واعلم أن فائدة حروف الجر تعدية معاني الأفعال القاصرة إلى الأسماء على حسب معانيها الدالة عليها, نحو قولك: سرت من البصرة, وخرجت إلى بغداد. ولا يجوز حذف حر الجر, فلا تقول: سرت البصرة, وذلك لوجهين: أحدهما: أن حرف الجر بعبرة كالجزء من الاسم, لأنه متصل به, ولا يجوز الفصل بينهما. وبعبرة كالجزء من الفعل, لأن به تعدى إلى الاسم, فلو حذف لكان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إجحافًا بالفعل والاسم. الثاني: أنه عدى الفعل إلى الاسم, فلو حذف ونصب ما بعده لم يدر أي حرف جر تريد, ولو جر ما بعده لم يجز, لأنه ليس من القوة ما يعمل معه محذوفًا. ويجوز للشاعر حذف حرف الجر, وذلك ضرورة, وأنشد الجوهري رحمه الله: 84 - تمرون الديار ولم تعوجوا ... كلامكم علي إذا حرام أراد: تمرون بالديار, وقال ابن زهير الهذلي: 85 - فإن التي فينا زعمت ومثلها ... لفيك ولكني أراك تجورها 47/ب أراد: تجور عنها, أي: تعدل. / وأما ما أنشده الجوهري: 86 - وكريمة من آل قيس ألفته ... حتى نبرخ فارتقى الأعلام فإن الجوهري زعم أنه أراد: فارتقى إلى الأعلام, فحذف حرف الجر وأبقى عمله. وأسهل منه عندي أن يقال: إن الأعلام صفة لآل قيس. والمتعدي بنفسه ثلاثة أضرب: الأول: المتعدي إلى مفعول واحد, وذلك نحو قولك ضربت زيدًا, ولا يخلو من أن يكون علاجًا: وهو ما أعملت فيه الجوارح الظاهرة, كنقلت المتاع, وقطعت الحبل, أو غير علاج: وهو مالم تعمل فيه الجوارح الظاهرة, كقولك: عرفت خبرك, وفهمت حديثك. واختلف =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = النحويون في ناصبه, والقول المنصور منها أن ناصبه الفعل, وذلك لأن الفعل هو المقتضي للمفعول, فكان هو العامل فيه. ويجوز تقديم المفعول على الفاعل, وفي التنزيل: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} وفيه: {لا ينفع نفسًا إيمانها}. قال سيبويه: «كأنهم [إنما] يقدمون الذي بيانه أهم لهم, وهم بشأنه أعنى, وإن كانا جميعًا يهمانهم وبعنيانهم». ويجوز تقديمه على الفعل أيضًا, كقوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} وفي مثل: «إياك أعني فاسمعي يا جارة» وحرف الجر كالاسم الصريح, وفي التنزيل: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} وفيه {عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}.

قال ابن جني: والمتعدي إلى مفعولين على ضربين أيضًا: متعد إلى مفعولين ولك الاقتصار على أحدهما دون الآخر. ومتعد إلى مفعولين, وليس لك الاقتصار على أحدهما. الأول: نحو قولك: أعطيت زيدًا درهمًا, وكسوت بكرًا ثوبًا, لك أن تقول: أعطيت زيدًا, وكسوت بكرًا. الثاني منهما: أفعال الشك واليقين مما كان داخلًا على المبتدأ وخبره, فكما لابد للمبتدأ من خبره, فكذلك لابد للمفعول الأول من الثاني, وتلك الأفعال: ظننت, وحسبت, وخلت, وزعمت, ووجدت, وعلمت, ورأيت بمعنى علمت, تقول: ظننت زيدًا قائمًا, وحسبت محمدًا 15/أجالسًا, وخلت أباك كريمًا, وزعمت أباك عاقلًا, ووجدت الله تعالى غالبًا. / وعلمت أبا الحسن عفيفًا ورأيت محمدًا ذا مالٍ, وكذلك ما تصرف من هذه الأفعال نحو: أظن, ويحسب, ويخال, ويعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: الثاني: ما يتعدى إلى مفعولين, وذلك قسمان: أحدهما: ما ثاني مفعولية عبارة عن غير الأول نحو قولك: كسوت بكرًا ثوبًا, وأعطيت عمرًا 48/أدرهمًا, فالثوب غير بكر, والدرهم / غير عمرو, فهذا يجوز فيه الاقتصار على أحد المفعولين تقول: كسوت زيدًا, وإن شئت: كسوت ثوبًا, قال الشاعر: 87 - فكسوت عاري جنبه فتركته ... جذلان جاد قميصه ورداؤه والإتيان بالمفعولين أتم بيانًا كقوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا} ويجوز ترك المفعولين, وفي التنزيل: {وجد عليه أمة من الناس يسقون} وفيه: {أجر ما سقيت لنا}.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واختلف النحويين في ناصب المفعولين الثاني فقال البصريون: إذا قلت: أعطيت زيدًا درهمًا, فناصب درهمًا أعطيت, لأنه اقتضاه فعمل فيه - وقال الكوفيون: هو منصوب بفعل محذوف دل عليه أعطيت كأنه قال: أعطيت زيدًا فأخذ درهمًا, لأن الإعطاء يدل على الأخذ وهذا عندنا فاسد, لأننا نقول: أعطيت زيدًا درهمًا فلم يأخذه, فلو كان التقدير كما زعموا, لصار معنى الكلام أعطيت زيدًا فأخذ درهمًا فلم يأخذه, وتلك مناقضة ظاهرة. ويجوز تقديم المفعولين على الفاعل, كقولك: سأل الله المغفرة زيد. ويجوز تقديمهما على الفعل, (كقولك): زيدًا بئرًا أحفرت. وللتقديم فائدة في الشعر عظيمة وهي إقامة الأوزان والقوافي, ومن ذلك قوله: 88 - إني حمدت ني شيبان إذا خمدت ... نيران قومي وفيهم شبت النار ألا ترى أنه لو قال: وسبب النار [فيهم] لفسد الوزن والقافية؟ ! وقال مالك الخناعي: 89 - يامي لن يعجز الأيام مبترك ... في حومة الموت رزام وفراس ألا ترى أنه لو قال: لن يعجز مبترك الأيام, لأفسد الوزن؟ ! وكذلك قول الساجع - والسجع بمنزلة الشعر في مراعاة القوفي -: «إذا طلع سعد السعود, أورق العود, وكرة في الشمس القعود». ألا ترى أنه لو قال: وكره القعود في الشمس لفسد السجع؟ .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = القسم الثاني: من قسمي المتعدي إلى مفعولين ما ينصب المبتدأ والخبر, وهو سبعة أفعال: ظننت, وحسبت, وخلت, وزعمت, ووجدت, ورأيت, وعلمت أما كونها أفعالًا, فظاهر, وهي أفعال حقيقة لأنها ذوات مصادر, وإنما قال: (أفعال الشك واليقين) لأن منها ما هو للشك: وهي: ظننت, وحسبت, وخلت. ومنها ما هو لليقين وهو: رأيت, وعلمت, ووجدت. وأما زعمت: فقال أبو سعيد السيرافي: «هو قول مقرون باعتقاد» ويكون ذلك في الحق والباطل, كقولك: زعمت الخلق لا يبعث, وزعمت الله قديرا, أي: قلت: ذلك معتقدًا. وقال عبد القاهر: «زعمت قول مع علم» وروى لي شيخنا عن الأنباري أنه قال: «زعمت تستعمل في البول عن غير صحة» ويؤيد ما قاله قوله تعالى: {أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون} وقوله عليه السلام: «زعموا مطية الكذب» وتجيء ظننت بمعنى أيقنت قال دريد بن الصمة: 90 - فقلت لهم: ظنوا بالفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد معناه: أيقنوا. وتجيء رأيت بمعنى الشك, وفي التنزيل: {إنهم يرونه بعيدًا} وتجيء ظننت أيضًا بمعنى اتهمت, وفي التنزيل: {وما هو على الغيب بظنين} فمن قرأ بالظاء (جعل معناه منهما و) تقول: ظننت زيدًا قائمًا فتنصبهما بظننت لأنه =

قال ابن جني: والمفعول الثاني من ظننت وأخواتها كأخبار المبتدأ من المفرد والجملة والظرف, تقول في المفرد: ظننت زيدًا قائمًا, وفي الجملة: ظننت زيدًا يقوم أخوه, وفي الظرف: ظننت زيدًا في الدار, وكما لا تقول: زيد قام عمرو, فكذلك لا تقول: ظننت زيدًا قام عمرو حتى تقول: في داره أو عنده, أو نحو ذلك. فإذا تقدمت هذه الأفعال لم يكن بد من إعمالها, تقول: ظننت زيدًا كريمًا, فإذا توسطت بين المبتدأ والخبر كنت في إعمالها وإلغائها مخيرًا, تقول في الإعمال: زيدًا أظن قائمًا, وفي الإلغاء: زيد أظن قائم. قال الشاعر: أبا لأراجيز يا ابن اللؤم توعدني ... وفي الأراجيز - خلت - اللؤم والخور ـــــــــــــــــــــــــــــ = اقتضاهما. وعن هشام بن معاوية صاحب الكسائي أن زيدًا منصوب بظن, وقائمًا منصوب بالتاء. قال ابن الخباز: ولا / بد لهذه الأفعال من المفعول الثاني, فلا يجوز أن تقولك 49/أظننت زيدًا, ولا ظننت قائمًا, وذلك لوجهين: أحدهما: أن المفعولين في الأصل مبتدأ وخبر وكما لابد للمبتدأ من الخبر كذلك لابد للمفعول الأول من المفعول الثاني. والثاني: أنك لو قلت: ظننت زيدًا, لم تعلم القصة التي هي متعلق الظن, ولو قلت: ظننت قائمًا, لم يعلم صاحب القصة المظنونة. والذي يصرف من هذه الأفعال ويعمل عملها المضارع, والأمر, والمصدر, واسم الفاعل, تقول في المضارع: أظن عبد الله جالسًا, وفي الأمر: خل أباه كريمًا, وفي المصدر: متى علمك محمدًا ذا مالٍ. وفي اسم الفاعل: زيد ظان أباك مقيمًا, ولم أذكر اسم المفعول, لأنه لا ينصب مفعولين. ويقال في مضارع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حسب: يحسب ويحسب, وقد قرئ بهما والكسر لغة النبي صلى الله عليه وسلم. والمفعول الثاني كخبر المبتدأ من المفرد والجملة والظرف, فالمفرد يستبين نصبه هاهنا كما يستبين رفعه, والجملة والظرف لا يستبين إعرابهما في الموضعين, بل الحكم على المحل, تقول: ظننت زيدًا أبوه منطلق, وحسبت أخاك في الدار, فموضع الجملة, والجار النصب, لوقوعهما في موضع المفعول الثاني. أنشد أبو علي لأبي ذؤيب. 91 - فإن تزعميني كنت أجهل فيكم ... فإني شربت الحلم بعدك بالجهل ولابد للجملة من العائد مثلها في خبر المبتدأ, فكما لا يجوز: زيد قام عمرو, لا يجوز, ظننت زيدًا قام عمرو, وكما يجوز: السمن منوان بدرهم, يجوز: ظننت 49/ب السمن منوان بدرهم, ولا يجوز: ظننت زيدًا / يوم الجمعة, ويجوز: ظننت قيامك يوم الجمعة, وعلل ذلك كله ظاهرة. ولهذه الأفعال مع المفعولين ثلاث مراتب: الأولى: أن تتقدم عليهما فيجب إعمالهما فيهما كقولك: ظننت زيدًا كريمًا, وذلك لأن تقديمها يدل على العناية بها وإلغاؤها يدل على اطراحها, فلو ألغيت مع التقديم لكانت معنيًا بها مطرحة في حال واحد. فأما قول كعب بن زهير: 92 - أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإنه حذف ضمير الشأن, [والتقدير] وما إخاله, والجملة في موضع نصبو لأنها مفعول ثان. الثانية: أن تتوسط بين المفعولين, كقولك: زيدًا ظننت قائمًا, فيجوز إعمالها كمثالنا, وإلغاؤها كقولك: زيد ظننت قائم, ويرجع الكلام إلى المبتدأ والخبر. أما إعمالها فلأنها أفعال. وأمنا إلغاؤها: فلأنها ضعفت بالتوسط. قال الشاعر: 93 - أبا لأراجيز يا ابن اللؤم توعدني ... وفي الأراجيز - خلت - اللؤم والحور فاللوم مبتدأ, وفي الأراجيز خبره, وخلت متوسط غير عامل, وكثيرون ينشدون هذا البيت: والحور. وصوابه والفشل, لأن قبله: 94 - إني أنا ابن جلا إن كنت تعرفني ... يا رؤب والصخرة والصماء والجبل وقوله: «أبا لأراجيز» هي همزة الاستفهام وليست باء الجرو وقلت ذلك: لأني رأيت من يظنه أبا لأراجيز منادى / والأراجيز: جمع أرجوزة, وهو نوع من الشعر 50/أمن الدائرة الثالثة كقول رؤبة: 95 - كنتم كمن أدخل في جحر بدا ... فأخطأ الأفعى ولاقى الأسودا واللؤم من قولك: رجل لئيم, إذا كان خسيس النفس مهين الآباء, والخور الضعف.

قال ابن جني: فإن تأخرت أُختير إلغاؤها, وجاز إعمالها تقول: زيد قائم ظننت. وإن قلت: زيدًا قائمًا ظننت جاز. والمتعدي إلى ثلاثة مفعولين نحو قولك: أعلم الله زيدًا عمرًا عاقلًا, وأنبأ 16/أالله بشرًا بكرًا كريمًا, ورأى الله أباك أخاك ذا مال / ومعنى الكلام: أعلم الله زيدًا أن عمرًا عاقل. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: الثالثة: أن تتأخر عن المفعولين, فالجيد إلغاؤها, كقولك: زيد قائم ظننت, ولو أعملت فقيل: زيدًا قائمًا ظننت, جاز, أما جودة إلغائها: فلشدة ضعفها في التأخر. وأما إعمالها: فإن لها تعلقًا بالجملة. القسم الثالث: المتعدى إلى ثلاثة مفعولين, وهو قسمان: قسم كان في الأصل متعديًا إلى مفعولين فنقل بالهمزة, فتعدى إلى ثلاثة مفعولين, وهو فعلان: علمت ورأيت, تقول: علمت أباك ذاهبًا, وريت أخاك ذا مال, فتعدية إلى مفعولين وتنقله بالهمزة فتقول: أعلم الله زيدًا عمرًا خير الناس. وأرأيت أباك أخاك ذا مال, بمعنى أعلمت. وأما قوله تعالى: {وأرنا مناسكنا} معناه بصرنا. القسم الثاني: أفعال هي في الأصل متعدية إلى مفعول واحد بنفسها وإلى آخر بحرف جر شبهت بأعلمت, فعديت إلى ثلاثة مفعولين وهي: أنبأت, ونبأت, وأخبرت, وخبرت, وحدثت, قل الله عز وجل: {قد نبأنا الله من أخباركم} وقال: {نبأني العليم الخبير} ووجه الشبه: أن النبأ الخبر, والإخبار إعلام, فأجري مجرى أعلمت في التعدي. قال عنترة العبسي: 96 - نبئت عمرًا غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثة لنفس المنعم وأنشد سيبويه للفرزدق: 94 - نبئت عبد الله بالجو أصبحت ... كراما مواليها لئيما صميمها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = / ومن أبيات الحماسة: 98 - وإن التي حدثتها في أنوفنا ... وأعناقنا فيها الإباء كما هيا مسألة: يجوز في ظننت وأخواتها الاقتصار على الفاعل, لأن فيه فائدة قال أكثر بن صيفي: «من يسمع يخل» وقال الله تعالى: {وظننتم ظن السوء}. ويجوز في هذه الأفعال السبعة الاقتصار على الفاعل وعلى المفعول الأول. ولا يجوز الاقتصار على المفعول الثاني, فيجوز: أعلم الله, وأعلم الله زيدًا, ولا يجوز: أعلم (الله) زيدًا عمرًا, لأن الثاني والثالث في باب أعلمت هما الأول والثاني في باب ظننت. مسألة: إذا بنيت هذه الأفعال السبعة لما لم يسم فاعله صارت متعدية إلى مفعولين, لا يجوز الاقتصار على أحدهما كقولك: حدث عبد الله زيدًا كريمًا, لأنهما في الأصل مفعولًا طننت. ولا يجوز إلغاؤها بعد البناء للمفعول به, لأنها في الأصل متعدية إلى ثلاثة. وهذا ذكره الوراق في علله. ***

باب: (المفعول فيه وهو الظرف)

باب: (المفعول فيه وهو الظرف) قال ابن جني: اعلم أن الظرف: كل اسم من أسماء الزمان أو المكان يراد فيه معنى «في» وليست في لفظه كقولكك قمت اليوم, وجلست مكانك, ومعناه: قمت في اليوم, وجلست في مكانك. فإن ظهرت «في» في اللفظ كان ما بعدها اسمًا صريحًا, وصار التضمين لفي تقول: سرت في يوم الجمعة, وجلست في الكوفة, والظرف على ضربين: ظرف زمان, وظرف مكان. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب المفعول فيه وهو الظرف) قال ابن الخباز: (اعلم أن الظرف: كل اسم من أسماء الزمان أو المكان يراد فيه معنى في وليست في لفظه) وإنما لزم أن يكون اسمًا, لأنه مفعول, والمفعول لا يكون إلا اسمًا. وإنما لزمه أن يكون زمانًا أو مكانًا, لوجهتين: أحدهما: أنهما عامان للأشياء من الأعيان والأحداث. والثاني: أن الفعل يدل على الزمان بصيغته, وعلى المكان بالالتزام. وإنما اعتبر بفي, لأنها الحرف الموضوع للظرفية. وإنما لزم سقوطها من اللفظ, لأنها لو ظهرت لجرت ما بعدها فصار بمنزلة غيره مما تعدى إليه الفعل بحرف الجر. 51/أوالبصريون/ يسمون أسماء الزمان والمكان ظروفًا, قال الأصمعي: أنا نبهت الخليل على تسمية هذه الأسماء ظروفًا, لأني قلت له: إذا كان الشيء وعاء لغيره فما يسمى؟ 'فقال: طرفًا. ويسميها الكوفيون: المحال والأوعية. وهذا النزاع اصطلاحي ولا منافاة بين التسميتين. وقد جاءت ظروف من غير أسماء الزمان والمكان, كقولهم: حقًا أنك ذاهب, =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وجهد رأيي أنك ذاهب. أي: في حق أنك ذاهب, وفي جهد رأيي أنك ذاهب. قال الشاعر: 99 - أفي الحق أني مغرم بك هائم ... وأنك لا خل هواك ولا خمر (فإن ظهرت في «في» اللفظ) بطلت الظرفية كقولك: سرت في اليوم, وجلست في مكانك, وذلك لأنها هي الدالة على معنى الظرفية بظهورها, ولا يستقيم أن تقدرها وهي موجودة, لأن التقدير إنما يكون للمحذوف كقول طرفة: 100 - ألا أبهذا اللائمي أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟ فأحضر, «أن» معه مقدرة كأنه قال: في أن أحضر, وهي مع أشهد غير مقدرة لأنها موجودة, فإن قلتك فإذا زعمت أن في مقدرة في قولك: سرت اليوم وجلست مكانك, فهلا بنيت الاسمين لأنهما تضمنتا معنى الحرف؟ قلت: أجابوا عن هذه بأن الحرف ها هنا يصح ظهوره مع الاسم كقولك: سرت في اليوم, وجلست في مكانك. وحق الاسم المتضمن معنى الحرف أن لا يظهر معه لقيامه مقامه, وهذا الجواب عندي باطل, لأنهم يقولون: بني أمس, لتضمنه لام التعريف, ويجوز ظهورها معه كقوله تعالى: {وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} وقال تعالى: {كما قتلت نفسًا بالأمس} وقال تعالى: {كأن لم تغن بالأمس} والجواب / الصحيح: أن الظروف كثيرة فلو بنيت 51/ب لتضمنها معنى في, لكان البناء غالبًا على الأسماء, وهو خلاف الأصل.

باب: (ظرف الزمان)

باب: (ظرف الزمان) قال ابن جني: اعلم أن الزمان مرور الليل والنهار, نحو: اليوم, والليلة, والساعة, والشهر, والسنة, قال أبو ذؤيب: هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها وجميع أسماء الزمان من المبهم والمختص يجوز أن يكون ظرفًا, تقول: صمت يومًا, وسرت شهرًا, وأقمت عندك حولًا, وصمت الشهر الذي تعرف, وزرتك صفرًا. 16/ب ولقيتك / يوم الجمعة, تنصب هذا كله على الظرف بالفعل الذي تبعه, فإن قلت: يوم الجمعة مبارك رفعته, لأنه ليس فيه معنى «في» فقس عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ظروف الزمان) قال ابن الخباز: وإنما قدمها على ظروف المكان لوجهين: أحدهما: أن كل أسماء الزمان تكون ظروفًا وليست كذلك أسماء المكان, لأن مختصها لا يكون ظرفًا كالدار والمسجد, والثاني: أن الزمان يضارع المصدر, لأنه مفهوم من صيغة الفعل كما أن المصدر مفهوم من لفظه. وقوله: (اعلم أن الزمان مرور الليل والنهار) فيه نظر, لأنه قد عرف الزمان بشيء لا يعرف إلا بعد معرفته, لأن الليل والنهار هما الزمان, فكأنه قال: اعلم أن الزمان مرور الزمان, وفيه نظر من وجه آخر, وهو أن الليل والنهار ليسا - على قوله - زمانًا, لأنه قال: (مرور الليل والنهار) فيجعل الزمان المرور لا المار, ولم يقل أحد إن الليل والنهار ليسا من الزمان. ثم إن بيت أبي ذؤيب الهذلي وهو: 101 - هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها ينافي قول أبي الفتح في الظاهر, لأنه قال: (الزمان مرور الليل والنهار) وقال أبو ذؤيب:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ... 101 - * هل الدهر إلا ليلة ونهارها * وله أن يصححه بتقدير مضاف, كأنه قال: هل الدهر إلا مرور ليلة ونهارها, والغيار: الغروب, والدهر والزمان بمعنى واحد, وهو عند الفقهاء يطلق على أقل شيء من الوقت, والقرآن ينافي قولهم, لأن الله تعالى قال: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} فجعل الحين بعض الدهر, والحين ها هنا أربعون سنة, وبعض الشيء أقل منه, فدل على أن الدهر يراد به الزمان المتطاول. وأما اليوم /: فهو مقدار انبساط الشمس على الأرض مذ طلوعها إلى غروبها. 53/أوقد يسمى العرب الوقائع [أيامًا] ومنه أيام العرب. وأما الليلة: فهو في التقدير من ليل كتمرة من تمر, وهي مقدار مدة خفاء الشمس عن الأرض. وأما الساعة: فهي معروفة وقسم النهار إلى أربعة وعشرين جزءًا, سمي كل جزء ساعة, ويقال في جمعها: ساع, وقال القطامي: 102 - وكنا كالحريق أصاب غابًا ... فيخبو ساعة ويهب ساعا وأما الشهر: فهو معروف, وهو مقدار حلول القمر الثماني والعشرين منزلة التي ذكرها الله تعالى في كتابه, وقد يسمى الهلال شهرًا, لأنه يكون في أول الشهر قال الشاعر: 103 - فأصبح أجلى الطرف ما تستزيده ... يرى الشهر قبل الناس وهو نحيل وأما السنة: فمعروفة: وهي مقدار قطع البروج الاثنى عشر التي ذكرها الله تعالى في كتابه. فإن قلت: فما الفرق بين السنة والعام؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قلت: العام: مذ أول المحرم إلى آخر ذي الحجة. والسنة: كل يوم إلى مثله من القابل. ذكر ذلك أبو منصور في تهذيب أدب الكاتب. وإنما كانت جميع أسماء الزمان ظروفًا, لأنها أشبهت المصادر بما ذكرته, فتعدى الفعل إلى جميع ضروبها, كما تعدى إلى جميع ضروب المصادر, ولا فرق بين ذلك أن يكون الزمان معرفة [ونكرة. ومؤقتًا] ومبهما, فالمعرفة: كأسماء الشهور وأسماء أيام الأسبوع كقولك: قدمت شعبان, وصمت الخميس. 52/ب والنكرة كقوله تعالى: {تؤتي أكلها كل حين} وقول النابغة يصف حية 105 تناذرها الراقون من سوء سمها ... تطلقه حينًا وحينًا تراجع والمؤقت: ما دل على مقدار محصور - وإن كان نكرة - كيوم وليلة وأسبوع وشهر وسنة, لأن مقادير هذه الأشياء كلها محدودة. والمبهم: ما لم يوضع لمقدار محدود - وإن كان معرفة - كالليل والنهار, فجميع ذلك ينتصب على أنه ظرف, قال الله عز وجل: {أتاها أمرنا ليلًا أو نهارًا} قال الشاعر: 106 - جعلت وما بي من جفاء ولا قلى ... أزوركم يومًا وأهجركم شهرًا وكل ذلك «في» معه مقدرة, لأنها الحرف الدال على الظرفية. وقال الشاعر في المخصوص:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 107 - ها إن ذا ظالم الدين متكئًا ... على أسرته يشقى الكوانينا أراد: يشقى في الكوانين, وهو جمع كانون, وهو الشهر المعروف, وهما اثنان الأول: يسمى ملخان. والثاني: يسمى شيبان, ويسميان أيضًا شهري قماح. وها هنا تقسيم لا بأس بذكره, وهو يشتمل على تتمة الباب, وهو أن أسماء الزمان أربعة أقسام: الأول: ما كان متصرفًا منصرفًا, فالمتصرف: ما جاز نقله عن الظرفية, والمنصرف: ما دخله التنوين, وذلك نحو: يوم وليلة. تقول: مضى يوم, ويوم الجمعة مبارك, فتجعله فاعلًا ومبتدأ. الثاني: ما لم يكن متصرفًا ولا منصرفًا, وذلك سحر إذا أردته من يوم معين كقولك: جئت اليوم سحر, فهذا لا يتصرف, لأنك أخرجته عن موضوعه, لأن أصله أن تريد به كل سحر, ولا يتصرف للتعريف والعدل عن الألف واللام, كذا قالوا, وفيه نظر. الثالث: ما تصرف ولم ينصرف, كقولك: جئت اليوم غدوة, وقدمت أمس بكرة, فهذا يتصرف, ومنه مسألة الكتاب (صيد عليه يوم /53/أالجمعة غدوة) , ولا يتصرف للتعريف والتأنيث. الرابع: ما انصرف ولم يتصرف, وذلك كقوله: خرجت ضحى وضحيًا, وأنت تعنى ضحى يومك, وأزورك عتمة ومساء, وأنت تعني عتمة ليلتك ومساءها, فهذا يتصرف لأنه نكرة, ولا يتصرف, لأنك أخرجته عن موضوعه =

باب: (ظروف المكان)

باب: (ظروف المكان) قال ابن جني: المكان: ما استقر فيه أو تصرف عليه. وإنما الظرف منه ما كان منهما غير مختص مما فل الفعل دلالة عليه, والمبهم: ما لم يكن له أقطار تحصره, ولا نهايات تحيط به نحو أمامك, ووراءك, وإزاءك, وتلقاءك. تقول: جلست عندك, وسرت أمامك ووراءك, وأنا قريبًا منك, وزيد دونك, ومحمد حيالك. وتنصب هذا كله على أنه ظرف, والعامل فيه ما قبله من الأفعال المظهرة أو المقدرة, وكذلك ما أشبهه. وكذلك: سرت فرسخًا, وشيعتك ميلًا, ولو قلت: سرت البصرة, وجلست الكوفة, لم يجز لأنهما مخصوصتان, وليس في الفعل دليل عليهما, فإن قلت: سرت إلى البصرة, وجلست في الكوفة, صحت المسألة, لأجل دخول «في» فيها. ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأول بتخصيصه بزمان معين. ولا يجوز تعديه الفعل إلى زمانين إلا إذا كان الثاني بدلًا من الأول. كقولك: سرت اليوم نصف النهار. (باب ظرف المكان) قال ابن الخباز: [المكان]: (ما استقر فيه وتصرف عليه) , والمكن فعال من التمكن, لأن الجسم يتمكن بحلوله فيه. وقوله: (ما استقر فيه) أي: ما وجد فيه الاستقرار وهو السكون من قوله تعالى: {فلما رآه مستقرًا عنده} , أي: ساكنًا. وقوله: (وتصرف عليه) أي: وجدت فيه حركة واضطراب, ولعلماء الطبيعة في المكان مباحث, ومن الناس من أنكره, وكل جسم هو مفتقر إلى المكان, وليس =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المكان في الظرفية كالزمان, لأن أسماء الزمان كلها ظروف, وليست أسماء المكان كلها ظروف. وها هنا تقسيم يتبين به أمر المكان فنقول: إن المكان ثلاثة أقسام: الأول: المجهول القدر والصورة, كالجهات الست التي لابد لكل متحيز منها وهي: خلف, وأمام, وفوق, وتحت, ويمين, وشمال, فهذه ظروف, وذلك لأنها أشبهت الزمان من وجهين: الأول: أنها تنتقل, ألا ترى أن خلفك يكون أمامك, لأنه كان خلفك حين استدبرته, فصار أمامك حين استقبلته [كالزمان يكون مستقبلًا, والمستقبل] يصير حالًا, والحال يصير ماضيًا؟ . والوجه الثاني: أنها عامة, ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد, تناول الزمان الماضي منذ خلق الله الدنيا إلى وقت حديثك؟ . القسم الثاني: ما كان معلوم القدر مجهول الصورة نحو: الفرسخ والميل / 53/ب والبريد فهذا يكون ظرفً, لأنه أشبه الجهات الست في التنقل. الثالث: ما كان معلوم القدر والصورة, كالدار والمسجد, وهذا لا يكون ظرفًا, لأنه اسم لمكان مخصوص كزيد وعمرو, فكما لا تقول: جلست زيدًا, لا تقول: جلست المسجد, ونعود إلى الباب فنسوقه على ما ذكر. قوله: (والمبهم ما لم تكن له أقطار تحصره) مؤذن بأنه لا يريد بالمبهم النكرة, وإنما يرد به ما كان مجهول الصورة. والأقطار جمع قطر, يقال: قطر وقتر, والقطر جانب الشيء. وقوله: (مما في الفعل دلالة عليه) غير مستقيم, لأن الفعل لا يدل على المكان بالصيغة كما يدل على الزمان, ولذلك لم يكن كل أسماء المكان ظروفًا. وخلف الأكثر فيها الإعراب, وقد جاءت مبنية, أنشدني بعض الأدباء: 108 - من خلف تطمح عنه عين ناظره ... والنصر يقدمه قدام قدام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقدام: مؤنثة, وهي فعال من التقدم, وهي اسم مفرد على هذا الوزن كطباق وجاءت مبنية, أنشد المبرد رحمه الله: 109 - لعن الإله تعلة بن مسافر ... لعنا يشن عليه من قدام ووراء: مؤنثة, وجاءت مبنية أيضًا, وجاءت بمعنى أمام, وفي التنزيل: {من ورائهم جهنم} أي: فيما يستقبلونه. قال الشاعر: 110 - إني وإن كان ابن عمي واغرًا ... لمقاذف من خلفه وورائه وعندك: جهة مبهمة تقول: زيد عندك, وفي أي جهة كان من جهاتك جاز فيها ثلاث لغات: ضم العين, وفتحها, وكسرها, ولها حكمان تخالفهما العامة: الأول: أنها لا تجر بغير من, وفي التنزيل: {قل كان من عند الله} ولا تقول: جئت إلى عندك. 54/أالثاني: أنها لا تصغر, ويجري ذلك في لسان أهل الشام / كثيرًا. وسألت شيخنا رحمه الله لم لم تصغر؟ فقال: لأن تصغير الظروف يفيد التعريف وعند مستغنية عنه. ودونك: تستعمل على وجهتين: اسم فعل في باب الإغراء, كقولك: دونك زيدًا, وظرف: وهي إما للمكان الحقيقي فتقول: زيد دونك, أي: مكانه أسفل من مكانك, أو للرتبة في الشيء كقولك: الناس دون الخليفة, أي: شرفهم دون شرفه, وتجر بمن كقوله تعالى: {وادعوا من استطعتم من دون الله}. وتجيء دون غير ظرف, يقال: طعام دون, أي: رديء, وأنشد الجوهري: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 111 - إذا ما علا المرء رام العلاء ... وبالدون يقنع من كان دونا وحيال الشيء: بمعنى حذائه, وياؤه مبدلة من الواو, لأنه فعال من التحول, وقبلك وبعدك: هما على حسب ما يضافان إليه. إن أضيفا إلى الزمان كانا زمانًا, كقولك: قدمت قبل, وأسافر بعد العصر, وإذا أضيفا إلى المصدر فهما زمانان أيضًا, كقولك: قمت قبل قيامك. قال الهذلي في إضافتها إلى الزمان: 112 - يا قوم من لبلابل الصدر ... ولقاتل في ليلة النحر ولقبلها ما قد رمى أصلًا ... في مسجد الأحزاب في العصر وإن أضيفا إلى المكان فهما مكانان كقولك: داري قبل دارك وبعد المسجد. وإزاء وتلقاء: بمعنى حذاء, يقال: آريته, أي: حازيته, وهما متآزيان متحازيان, والعامة تقول: متوازيان, وفي التنزيل: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} وتجيء تلقاء بمعنى لقاء, وأنشدوا: 113 - أملت خيرك أن تدنوا مواعده ... فاليوم قصر عن تلقائك الأمل /أي: عن لقائك, فأقول: إن هذا يجوز أن يحمل على الجهة. ... 54/ب وتجاه الشيء بمعنى حذائه أيضًا, وفيه أربع لغات: تجاه, وتجاه بضم التاء وكسرها, ووجاه, ووجاه بضم الواو وكسرها, حكاهن الجوهري. وقرب: في الأصل مصدر. وقريب: في الأصل صفة, وفي التنزيل: {قل عسى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أن يكون قريبًا} فجعلا ظرفين, ولم يجعلا إلا ظرفي مكان, ومن مسائل الكتاب: إن قريبًا منك زيدًا, فهذا كقولك: إن عندك زيدًا. وصدد وصقب بمعنى قرب, يقال: صاقبه أي: قاربه, وفي الحديث: «الجار أحق بصقبه» أي: بقربه. ومن ظروف المكان: الفرسخ, والميل, والبريد, فالفرسخ: اثنتا عشرة ألف خطوة, والميل: ثلث الفرسخ, وهو أربعة آلاف خطوة. والبريد: أربعة فراسخ, وهو ثمانية وأربعون ألف خطوة, ومسافة قصر الصلاة في السفر أربعة برد, وهي ستة عشر فرسخًا, وهي مائة ألف واثنان وتسعون ألف خطوة, فهذه الأسماء وما أشبهها تتعدى إليها الأفعال المتعدية وغير المتعدية, لأنها ظروف. وها هنا تقسيم: اعلم أن ناصب الظرف لا يخلو من أن يكون ثابتًا, أو محذوفًا, فالثابت: هو الأصل كقولك: سرت أمامك, وغدوت فرسخًا, والمحذوف نوعان: أحدهما: ما جرى ذكره فحذف للدلالة عليه, وذلك في السؤال, يقول القائل: متى سرت؟ فتقول: يوم الجمعة, وأين تجلس؟ فتقول: خلفك أي: سرت يوم الجمعة وجلست خلفك فتحذفه, لجري ذكره في السؤال, ويجوز إظهاره توكيدًا, وفي التنزيل: {قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام} , والثاني: ما لم يجز له ذكر, وذلك في مواضع 55/أخبر المبتدأ كقولك: زيد عندك, وأخبار كان وأخواتها /, وإن وأخواتها, وثاني مفعولي ظننت وأخواتها, وثالث مفعولي أعلمت وأخواتها في الأصل خبر مبتدأ. والحال كقولك: رأيت زيدًا عندك, إذا كان من رؤية العين, والصفة كقولك: مررت برجل أمامك. والصلة كقولنا: الذي خلفك زيد. والمقدرة في هذه المواضع كلها استقر, وحذف للعلم به, وظروف الزمان والمكان في ذلك فوضى, وما كان من الأمكنة المخصوصة كالبصرة والكوفة والدار =

باب: (المفعول له)

باب: (المفعول له) قال ابن جني: /اعلم أن المفعول له لا يكون إلا مصدرًا, ويكون العامل فيه 17/أفعلًا من غير لفظه وإنما يذكر المفعول له, لأنه عذر وعلة لوقوع الفعل, تقول: زرتك طعمًا في برك. وقصدتك ابتغاء لمعروفك, أي: للطمع وللابتغاء, قال الله تعالى: {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت} أي: لحذر الموت. وقال حاتم الطائي: وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرمًا أي: لادخاره, فلما حذف اللام نصبه بالفعل الذي قبله. ـــــــــــــــــــــــــــــ = والمسجد, فإن الفعل الذي لا يتعدى يتعدى إليه بحرف الجر, تقول: جلست في البصرة, ومررت على الكوفة, ولا يجوز جلست البصرة, لأن هذه الأمكنة مخصوصة فينفصل بعضها من بعض, فهي كالأناسي. ويجوز للشاعر حذف الجر, وذلك ضرورة, قال ساعدة الهذلي: 114 - لدن يهز الكف يعسل منه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب أي: في الطرق. (باب المفعول له) قال ابن الخباز: حد المفعول له: العلة التي تدعو إلى الإقدام على الفعل, ألا ترى أنك إذا قلت: زرتك إكرامًا لك, فالإكرام هو الذي دعاك إلى الإقدام على الزيارة؟ . وله أربع شرائط: الشرط الأولى: أن يكون مصدرًا كقولك: قصدتك ابتغاء لمعروفك, فالابتغاء مصدر, وإنما لزم ذلك, لأن الجواهر المجردة لا يقعل لها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = معنى يعلل به الفعل, ولذلك قال الفقهاء: إن الأحكام لا تتعلق بالذوات وإنما تتعلق بالصفات كقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} والمراد النكاح. الشرط الثاني: أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلل كقولك: «قعدت عن الحرب جبنًا» فالجبن من فعل فاعل القعود المعلل بالجبن, وإنما لزم ذلك, لأن العلة إذا كانت فعله دعته إلى إيجاد الفعل ا {خر. 55/ب الشرط الثالث: أن يكون مقارنًا له في / الوجود كقولك: أطعت الله رجاء المثوبة, فالطاعة وطئت عقب الرجاء, وإنما لزم ذلك لأنه علة فلا يتأخر المعلل عنها. الشرط الرابع: أن يكون العامل فيه من غير لفظه كأمثلتنا, لأنه لو كان العامل فيه من لفظه لعللت الشيء بنفسه. ومن أحكامه: أنه جواب لم؟ لأنه سؤال عن العلة, يقول القائل: كففت عن شتم زيد, فتقول له لمه؟ فيقول: خيفه شره, ومما جاء في التنزيل من المفعول له قوله تعالى: {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت}. قال حاتم: 115 - وعوراء قد أعرضت عنها فلم تضر ... وذي أود قومته فتقوما وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما وهذا البيت يدل على جواز المفعول له معرفة ونكرة, لأن ادخاره معرفة بالإضافة وتكرمًا نكرة. والأصل: يجعلون لحذر الموت, وكذلك سائر الباب, وذلك لأنه =

باب: (المفعول معه)

باب: (المفعول معه) قال ابن جني: وهو كل ما فعلت معه فعلًا, وجاز أن يكون معطوفًا, وذلك قولك: قمت وزيدًا, أي: مع زيد, وجاء البرد والطيالسة, أي: مع الطيالسة. وما زلت أسير والنيل, أي: مع النيل, ولو تركت الناقة وفصليها لرضعها, أي: مع فصيلها, ولو خليت والأسد لأكلك, أي: مع الأسد. وكيف تكون وقصعة من تريد, أي: مع قصعة, قال الشاعر / ... 17/ب فكونوا أنتم وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطحال أي: مع بني أبيكم, فلما حذف مع, أقام الواو مقامها. وأوصل الفعل الذي قبلها إلى الاسم الذي بعدها فتنصبه, لأنها قوته فأوصلته إليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ = يسأل عنه لم؟ فحق اللام أن تجيء في الجواب, فحذفت اللام, لأن المعنى معلوم كما قلوا: ذهبت الشام: أي: ذهبت إلى الشام, فلما حذفت اللام, لم يجز إعمالها لأنه ليس لحرف الجر من القوة ما يعمل مضمرًا, والذي جاء من ذلك منزور, فتعدى الفعل الذي كان عاملًا في موضع الجار والمجرور وإلى الاسم فنصبه. وذهب بعض النحويين إلى أن المفعول له ينتصب انتصاب المصادر التي تلاقي الفعل في اشتقاقه كقولك: حبست منعًا, لأنك إذا قلت: قعدت عن الحرب فقد فهم منه الجبن, والمنصور هو الأول, لأنه لو كان مصدرًا لم تظهر معه اللام, ويسوغ لك أن تقول: قعدت عن الحرب للجبن, ولا يسوغ أن تقول: حبست للمنع. ويجوز / تقديم المفعول له على الفاعل والفعل كقولك: زارك رجاء الخير 56/أزيد, وخيفة الموت فر عمرو, لأن العامل فعل متصرف. (باب المفعول معه) قال ابن الخباز: قوله: (وهو كل ما فعلت معه فعلًا) فيه نظر, لأن «ما» لغير ذوي العلم, والمفعول معه قد يكون من ذوي العلم كقولك: قمت وعبد الله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإن قلت: إن «ما» لم يستقم أيضًا, لأن المفعول معه لا ينحصر في غير ذوي العلم ولا في ذوي العلم, بل يجوز أن يكون من كل واحد من النوعين والذي يقال: إنه جعل «ما» مرادفة لشيء, فكأنه قال: وهو كل شيء. واعلم أن المفعول معه ليس من ضرورات الفعل كما أن المفعول له ضرورة من ضروراته, والفرق بينهما: أن المفعول له علة للفعل فلابد منه, والمفعول معه مصاحب, وقد تفعل الفعل منفردًا. ويجوز أن يكون المفعول معه مصاحبًا للفاعل كقولك: قمت وزيدًا, ومصاحبا للمفعول كقولك: ضربت عبد الله وأباه. والواو الواقعة في هذا الباب أصلها الواو العاطفة في قولك: قام زيد وعمرو فصيرت هاهنا بمعنى «مع» والفرق بينهما: [أنك] إذا قلت: قام زيد وعمرًا وجب أن يكونا متصاحبين, كما قلت: قام زيد مع عمرو. وشرطوا في المفعول معه أن يكون بحيث تصح شركته للفاعل في فعله, ألا ترى أن عمرًا يصح أن يشارك في القيام, فعلى هذا لا يصح أن تقول: تكلم زيد والحجر, كما لا يصح أن يرفع, لأن الحجر لا يتكلم. وذكر أبو الفتح أمثلة, منها: استوى الماء والخشبة, والمعنى: أن الماء علا بزيادته حتى ساواها. ومنها: جاء البرد والطيالسة. والطيالسة: جمع طيلسان وهي ثياب 56/ب تلبس في الشتاء. ومنها: ما زلت أسير والنيل, وفي النيل ما شرطنا من صحة المشاركة / لأ [نه] يصح منه السير بالجري. ومنها: لو خليت والأسد لأكلك. والرفع هاهنا قبيح من جهة العربية, لأنك لا تعطف على المضر المرفوع من غير توكيد, وضعيف من جهة المعنى, لأن المعنى لو خليت مع الأسد لأكلك, ولو رفعت لكان المعنى: لو خليت أنت وخلي الأسد, ويجوز أن يخلى كل واحد منهما وحده. [ومنها ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها] يقال: رضعها ورضعها لغتان, ويقال في المصدر: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = رضاع ورضاعة ورضاع ورضاعة, والبيت الذي أنشده من أبيات الكتاب وهو قوله: 116 - فكونوا أنتم وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطحال يأمرهم بالتلاؤم والتناصر. ومما جاء من ذلك في التنزيل قوله تعالى: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} وحملوه على المفعول معه, لأنه لا يصح عطفه على أمركم, وقيل: إنه معطوف عليه, لأن أجمعت قد استعمل في الأشخاص, قال [أبو] ذؤيب: 117 - فكأنها بالجزع جزع ينابع ... وأولات ذي العرجاء نهب يجمع والأكثر استعماله في المعاني. واختلف النحويون في ناصب المفعول معه, فمذهب سيبويه وأكثر البصريين أنه منصوب بالفعل الذي قبله بتوسط الواو بينهما, فالواو وكحرف الجر في تعدية الفعل إلى الاسم. وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن الأصل في قولك: قمت وزيدًا (قمت مع زيد فحذفت مع) وأقيمت الواو مقام «مع» , ونقل نصب «مع» إلى ما بعد الواو وهذا فاسد, لأن مع ظرف وزيدًا ليس بظرف. وذهب أبو إسحاق إلى أنه منصوب بفعل محذوف تقديره: قمت ولا بشت زيدًا, فعلى =

باب: (المشبه بالمفعول)

باب: (المشبه بالمفعول) قال ابن جني: وهو خمسة أضرب: حال, وتمييز, واستثناء, وأسماء إن وأخواتها, وأخبار كان وأخواتها وقد مضى ذكرهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ = قول أبي إسحاق فقد (ناصب) المفعول معه من الكلام, وذهب الكوفيون إلى 57/أأن المفعول معه انتصب على الخلاف, قالوا: إذا قلت: استوى / الماء والخشبة, لم يكن العطف (جائزًا) , لأن الخشبة لم تكن معوجة فتستوي, فلما خالفت الفاعل نصبت. ويفسد ما قالوه أن الخلاف مشترك بين الماء والخشبة, فإذا وجب نصب الخشبة لأنها مخالفة للماء, وجب نصب الماء لأ (نه) مخالف للخشبة, ولا قائل به. وقول أبي إسحاق لا ينفك من ضعف لما فيه من حذف الفعل, فبان أن المعتمد عليه مذهب سيبويه. والمفعول معه قليل في الكلام جدًا ويصدقه الاستقراء, ولذلك ذهب بعض النحويين إلى أنه مقصور على السماع. (المشبه بالمفعول في اللفظ) قال ابن الخباز: هذا هو القسم الثاني من المنصوبات, وأخر لأنه فرع على المفعول, وهو قسمان أحدهما: ما كان المنصوب فيه بعض المرفوع, وذلك إما تمييز كقولك: طاب زيد نفسًا, فإن النفس بعض زيد, وإما استثناء كقولك: قام القوم إلا زيدًا. والثاني: ما كان المنصوب فيه نفس المرفوع, وذلك خبر كان كقوك: =

باب: (الحال)

باب: (الحال) قال ابن جني: الحال: وصف هيئة الفاعل أو المفعول به, وأما لفظها: فإنها نكرة تأتي بعد معرفة, قد تم عليها الكلام, وتلك النكرة هي المعرفة في المعنى, والعامل في الحال على ضربين: متصرف, وغير متصرف, فإذا كان العامل متصرفًا, جاز تقديم الحال عليه وتأخرها عنه. تقول في المتصرف: جاء زيد راكبًا, وجاء راكبًا زيد, وراكبًا جاء زيد, كل ذلك جائز, لأن جاء متصرف, والتصرف: هو التنقل في الأزمنة تقول: جاء يجيء مجيئًا فهو جاء, وكذلك أقبل محمد مسرعًا, وأقبل مسرعًا محمد, ومسرعًا أقبل محمد, لأن أقبل متصرف. ـــــــــــــــــــــــــــــ = كان زيد قائمًا, واسم إن كقولك: إن زيدًا قائم, وحال كقولك: جاء زيد راكبا, فهذه المنصوبات هي المرفوعات في المعنى, وتنقسم بعبارة أخرى إلى قسمين: إلى فضلة, وإلى عمدة, فالفضلة ما يجوز تركه, وهو الحال, والتمييز, والمستثنى, والعمدة: ما لا يجوز تركه وهو خبر كان واسم إن (وخبر كان في الأصل خبر المبتدأ, واسم إن) في الأصل المبتدأ, وكل واحد منهما أحد جزائي الجملة. (باب الحال) قال ابن الخباز: الحال: عبارة عن وصف هيئة الفاعل عند صدور الفعل عنه, أو المفعول عند وقوع الفعل به, فالأول: كقولك: جاء زيد راكبًا, والثاني: كقولك: كلمت هندًا جالسة/ ويجوز وقوعها منهما لجواز اشتراكهما في الحال 75/ب الواحدة, وهي إما مجموعة: كقولك: لقيتك راكبين ومنه قول عنترة: 118 - متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف إليتيك وتستطارا وإما مفرقة: كقول العرب: لقيته مصعدًا منحدرًا, فمصعد للهاء, ومنحدر للتاء. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإعراب الحال النصب, لأنها أشبهت المفعول بوقوعها فضلة في الكلام, ولذلك لزم أن تكون فضلة, لأنها لو كانت غير فضلة لم تستحق النصب. وإنما وجب تنكيرها, لأنها تشبه التمييز, ألا ترى أنك إذا قلت: جاء زيد, احتمل المجيء أن يكون على ضروب وصفات مختلفة؟ ! فإذا قال: راكبًا, بين هيئة المجيء, كما أنه إذا قال: لي عشرون, احتمل أجناسًا من المعدودات, فإذا قال: درهمًا, فقد بين ما وقع عليه العشرون. وإنما لزم تعريف صاحبها, لأنه لو كان نكرة لكان الاتباع أولى كقولك: جاءني رجل راكب, وأما في الحديث من قوله عليه السلام: «فجاء على فرس سائقًا» فسائقا حال من فاعل جاء. ويجوز تنكير صاحبها إذا قدمت عليه, أنشد سيبويه رحمه الله: 119 - وبالجسم مني بينا لو علمته ... سحوب وإن تستشهدي العين تشهد وإذا قلت: جاء زيد راكبًا, فالراكب هو زيد في المعنى, فهذا معنى قوله: (وتلك النكرة هي المعرفة في المعنى). ولا يخلو العامل فيها من أن يكون متصرفًا أو غير متصرف, فالمتصرف من صفات الفعل, لأن الفعل بني من المصدر ليدل على الحدث والزمان مقترنين, 58/أفلذلك من صيغة إلى صيغة كقولك: /ضرب يضرب اضرب, فإن كان العامل فعلًا متصرفًا, جاز تقديمها عليه قياسًا على المفعول, تقول: راكبًا جاء =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = زيد, ومسرعًا أقبل محمد, كما تقول: عمرًا ضرب زيد, لأنها أفعال متصرفات, قال سويد بن أبي كاهل: 120 - مزيدًا يخطر ما لم يرنين ... فإذا أسمعته صوتي انقمع ومن كلامهم: شتى تؤوب الحلبة. ويجري مجرى الفعل أسماء الفاعلين والمفعولين كقولك: أضحاكين قائم أخوك؟ وما مسرعتين مذهبة أختاك, وأبتسمين حسن وجوهكما, لأنها أسماء تشارك الفعل في الاشتقاق, وتجري عليه. وقال لنا الشيخ رحمه الله: إذا كان اسم الفاعل والمفعول صلة للام لم يجز تقديم الحال عليه تقول: زيد المنطلق مسرعًا, ولا يجوز زيد مسرعًا المنطلق, لتقديمك بعض الصلة على الموصول.

18/أقال ابن جني: فإن لم يكن / العامل متصرفًا, لم يجز تقديم الحال عليه. تقول في غير المتصرف: هذا زيد قائمًا, فتنصب قائمًا على الحال بما في هذا من معنى الفعل, لأن ها للتنبيه, و «ذا» للإشارة, فكأنك قلت: أنبه عليه قائمًا, وأشير إليه قائمًا. ولو قلت: قائمًا هذا زيد, لم يجز, لأن هذا لا ينصرف, قال جرير: هذا ابن عمي في دمشق خليفةً ... لو شئت ساقكم إلى قطينا فتنصب خليفة بهذا أو بالظرف, وتقول: زيد في الدار قائمًا, فتنتصب قائمًا على الحال بالظرف, ولو قلت: زيد قائمًا في الدار لم يجز, لأن الظرف لا يتصرف. وتقول: مررت بزيد جالسًا, ولو قلت: مررت جالسًا بزيد, والحال لزيد لم يجز, لأن حال المجرور لا يتقدم عليه, وتقول: مررت بهند جالسة, ولا يجوز: مررت جالسة بهند, لأن حال المجرور لا يتقدم عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وإن لم يكن العامل متصرفًا لم يجز تقديم الحال عليه, لأنه بعد من الفعل أيما بعد لفقد التصرف, فمن ذلك قولنا: هذا زيد قائمًا يجوز رفع قائم ونصبه, فرفعه من خمسة أوجه: الأول: أن يكون «هذا» مبتدأ وزيد مبتدأ ثانيًا, وقائم خبر زيد, والجملة خبر هذا. (الثاني: أن يكون «هذا» مبتدأ وقائم خبره, وزيد خبر مبتدأ محذوف) الثالث: أن يكون هذا مبتدأ وزيد خبره, وقائم خبر مبتدأ محذوف. الرابع: أن يكون هذا مبتدأ, وزيد بدلًا منه, وقائم خبر هذا. الخامس: أن يكون هذا مبتدأ وزيد خبره, وقائم بدلًا منه. وأما النصب فعلى الحال, وفي العامل ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون «ذا» , لأن فيه معنى أشير. الثاني: أن يكون «ها» لأن فيه معنى أنبه. الثالث: أن يكونا كلاهما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عاملين. وفيه نظر, وما ذكرته إلا بعد أن سمعته, ووجه / ضعفه عندي ترادف 58/ب العاملين على معمول واحد. ولا خلاف في جواز تقديم قائم على زيد تقول: هذا قائمًا زيد, وكذلك كل حال يجوز تقديمها على صاحبها, أنشد أبو سعيد: 121 - أترضى بأنا لم تجف دماؤنا ... وهذا عروسًا باليمامة خالد ولا يجوز تقديمها على «هذا» , لأنه غير متصرف, فإن أعملت «ها» فيها جاز أن تقول: ها قائمًا ذا زيد, لأنك لم تقدمها على العامل. ومن ذلك زيد في الدار قائمًا, يجوز رفع قائم ونصبه, فالرفع على أن يكون خبر زيد, وفي الدار متعلق به. والنصب على الحال, والعامل فيه الاستقرار الذي يتعلق به الجار, ويجوز: في الدار زيد قائمًا, وفي الدار قائمًا زيد, لأنك لم تقدمها على العامل. ولا يجوز: قائمًا زيد في الدار, ولا قائمًا في الدار زيد, لأنك قد قدمتها على العامل. واختلفوا في قولنا: زيد قائمًا في الدار, فسيبويه لا يجيزه, لأن العامل غير متصرف وأبو الحسن يجيزه, لأن الحال وقعت بين جزءين, أحدهما محتاج إلى الآخر, فتقديمها كلا تقديم, وينصر قوله بيت الفرزدق: 122 - أبنو كليب في الفخار كدارم ... أم هل أبوك مدعدعا لعقال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتقول: مررت بزيد جالسًا, [فجالس] حال من زيد. واختلفوا في جواز تقديمها عليه كقولك: مررت جالسًا بزيد, فمنهم من لم يجزه, لأن العامل في زيد «الباء» , وهي غير متصرفة. ومنهم من أجاز, واحتج بقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافلة للناس} وأجاب المانعون بأن كافة حال من الكاف, وكذلك قولنا: مررت بهند جالسة. 59/أوقلت للشيخ / رحمه الله: أيجوز مررت جالسًا بزيد, على أن يكون جالس حالًا من التاء؟ فقال: نعم. على أن يكون جالس بمعنى منجد, وأنشدنا: 123 - قل للفرزدق والشفاهة كاسمها ... إن كنت كارة ما أمرتك فاجلس

(باب التمييز)

باب: (باب التمييز) قال ابن جني: ومعنى التمييز: تخليص الأجناس بعضها من بعض, ولفظ المميز اسم نكرة يأتي بعد الكلام التام, يراد به تبيين الجنس. وأكثر ما يأتي 18/ب بعد الأعداد / والمقادير, فالأعداد: من أحد عشر إلى تسعة وتسعين. نحو قولك: عندي أحد عشر رجلًا, واثنا عشر غلامًا, وثلاثون جارية, وخمسون درهمًا, وأما المقادير: فعلى ثلاثة أضرب: ممسوح, ومكيل, وموزون, فالممسوح نحو قولك: ما في السماء قدر راحة سحابًا, ولا في الثوب مقر درهم نسيجًا, والمكيل نحو قولك: عندي قفيزان برًا, وجريتان شعيرًا, ومكوكان دقيقًا. والموزون نحو قولك: عندي منوان سمنًا, واشتريت رطلين زيتًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب التمييز) قال ابن الخباز: ويسمي التبيين والتفسير, وهي في الأصل مصادر. وقوله في تفسيره: (تخليص الأجناس بعضها من بعض) الأمر كما ذكر, لأنك إذا قلت: له عشرون, احتمل كل جنس يصلح أن يدخل عليه العدد, فإذا قلت: درهمًا, فقد خلصت هذا الجنس من سائر الأجناس, هذا معنى قول أبي علي: «جملة التمييز أن يحتمل الشيء وجوهًا فتبيينه بأحدها». ويجوز في (بعضها) الجر والرفع والنصب, فالجر: على أنه يدل من لفظ الأجناس, والرفع: على أنه بدل من موضعها إذا قدر تخليصها بأن تخلص, وهو فعل غير مسمى الفاعل. وإنما كان التمييز اسمًا, لأنه أشبه المفعول الذي لا يكون إلا اسمًا, وها هنا علة أدق من هذه, وهو أن التمييز إما أن يكون فاعلًا في المعنى, كقولك: طاب زيد نفسًا, أي: طابت نفسه, أو مفعولًا في المعنى, كقوله تعالى: {وفجرنا الأرض عيونًا} أي: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فجرنا (عيون الأرض) , أو معرضا لدخول من عليه, كقولك: «له عشرون درهمًا» أي: من الدراهم, وهذا كله لا يصح إلا في الأسماء. وإنما كان نكرة, لأن الغرض بيان الجنس, والنكرة أخف من المعرفة. والمميز نوعان: أحدهما: ما يكون بعد تمام الكلام وهو الذي يجيء بعد الجملة والثاني: ما يكون بعد تمام الاسم. 59/ب والبداءة بما يأتي بعد تمام الكلام أولى, لقوة عامله, لأن العامل فيه فعل / وأبو الفتح أخره, وما أراه قدم الثاني إلا لكثرته وأخر الأول لقلته, فنسلك منهاجه. اعلم أن المميز الذي ينتصب عن تمام الاسم خمسة أقسام: الأول: مميز العدد: وذلك من أحد عشر إلى تسعة وتسعين. وفي التنزيل: {أحد عشر كوكبًا} و {اثني عشر نقيبًا} و {أربعين ليلة} و {سبعين مرة} و {تسع وتسعون نعجة} والإفراد فيه لازم, لأن العدد قد بين الكمية, فهو جمع في المعنى وإن كان مفردًا في اللفظ. الثاني: مميز المساحة, قال أبو بكر بن محمد الحاسب الكرجي رحمه الله: المساحة: تقدير المبسوطات بسطح مربع مجعول مقدارًا معلومًا يقدر به. والمساحة للسطوح كالكيل للمكيلات, والوزن للموزونات, والذرع للأشياء الطويلة, هذا كلامه. وقال أبو علي: قولنا: «ما في السماء قدر راحة سحابًا» فقدر الراحة مقدار يجوز أن يكون من السحاب ومن غيره, فإذا قال: سحابًا «بين به ذلك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المبهم» وكذلك قولك: له جريب نخلًا, والجريب: ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسرة من ستين في ستين, كل ذراع ذراع وثلث بذراع اليد فيصير ذلك (ستة آلاف وأربعمائة ذراع). الثالث: المكيل: كقولك: عندي قفيزان برًا. والقفيز (ثمانية) مكاكيك. والمكوك: خمسة عشر رطلًا, وكل واحد من هذه المقادير يحتمل أجناسًا, فقد بين ببر القفازين كما بين بالشحاب قدر الراحة. الرابع: الموزون: كقولك: عندي منوان سمنًا, وهو تثنية منًا, وهو مائة وثمانون مثقالًا, والرطل نصفه, وهو تسعون مثالًا, كل مثقال درهم وثلاثة أسباع, وجملته مائة درهم وثمانية وعشرون درهمًا, وأربعة أسباع درهم. فالمناة مائتا درهم وسبعة وخمسون درهمًا وسبع. الخامس: المقاييس: وهي / أشياء ليست بمقادير معلومة بين الناس يتعامل بها, 54/أولكنها أشياء موثلت أبها أشياء أخر فمن ذلك: هذا راقود خلا, والراقود: الدن, فموثل به من لخل ما يملأه ويحاذي حجمه, ومن ذلك: على التمرة مثلها زبدًا, فالثمرة قد موثلت من الزائد بما يحيط بحجمها ويحاذيه. والراقود ومثلها يحتملان أشياء, فتبينا بالخل والزبد. ويجوز في هذه المسألة أوجه ثلاثة: أحدهما: رفع مثلها ونصب زيد على التمييز والثاني: رفعهما على أن يكون زبد بدلا أو عطف بيان. والثالث: رفع زبد بالابتداء ونصب مثلها على الحال, ومن ذلك: لله درك شجاعًا, الدر في الأصل: در اللبن فسمى به الخير وهذا كلام مورده التعجب والاستعظام, فإذا قلت: شجاعًا فقد بينت من أي وجه تعجبت من المخاطب. وأما قوله: (حسبك به فارسًا) فحسبك مبتدأ, «وبه» في موضع رفع به, كأنك =

قال ابن جني: ومن المنصوب على التمييز قولك: طبت به نفسًا وضقت به ذرعًا, وعلى التمرة مثلها زبدًا, وهذا راقود خلا. وحسبك به فارسًا, والله درك شجاعًا, فلابد في جميع التمييز من معنى من أي: من شجاع, ومن فارس, ونحو ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ = قلت: يكفيك, وفارسا إن شئت جعلته حالًا, وإن شئت جعلته تمييزًا, فإن كان حالًا فالمعنى: يكفيك في حال فروسيته, وإن كان تمييزًا فالتقدير: يكفيك من فارس. قال ابن الخباز: وأما قوله: (طبت به نفسًا وضقت به ذرعًا) فمن مميز الجملة, وهو كما ذكرنا فاعل (في) المعنى, والأصل: طابت نفسي وضاق ذرعي, فجعل الفعل للمتكلم, فصار في الكلام إبهام, فميز. ويدلك على أنه فاعل في الأصل: ما أنشده المبرد رحمه الله في الكلام وهو" 124 - ولكن نفسي لم تطب لعشيرتي ... وطابت له نفسي بأبناء قحطان وأجمع النحويون على أن مميز المفرد لا يتقدم عليه فلا تقول: له درهما عشرون لأن العامل ضعيف, والأصل عدم التقديم. 53/ب واختلفوا في تقديم مميز الجملة: فسيبويه لا يجيزه, فلا يقول: نفسًا طاب / زيد, وحجته: أنه فاعل في المعنى والفاعل لا يتقدم, وأجاز المبرد تقديمه وزعم أنه رأي المازني وأنشد: 125 - أتهجر سلمى للفراق حببيها ... وما كان نفسًا بالفراق تطيب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال أبو إسحاق: الرواية: وما كان نفسي, فلا حجة إذن, وإن صحت الأولى: فنفسًا خبر كان. وقوله: (ولابد في جميع التمييز من معنى من) خطأ, لأنا لا نقول: طاب زيد من نفسي, ولا هو أحسن الناس من وجه, وقد صرح ابن السراج بامتناع ذلك في ثلاثة مواضع من كتاب الأصول. واستهوى قول ابن جني بعض الحمقى, فزعم أن مميز أفعل التفضيل يصح دخول من عليه, وقول ابن السراج متعين لاعتضاده بأن مميز الجملة وأفعل التفضيل لا يصح دخول «من» عليه, لأنه فاعل في المعنى. والحق ما قاله أبو علي وجميع ما يفسر من المقادير والأعداد فمن تدخل عليه نحو قولك: ما في السماء قدر راحة من السحاب, ولي عشرون من الدراهم, ولله دره من الرجال, هذا كلامه. وإنما جاز دخول «من» على ما ذكر, لأنها أجناس مبينة لمقادير مجملة, والتبيين بعض معاني «من».

باب: (الاستثناء)

باب: (الاستثناء) قال ابن جني: ومعنى الاستثناء: أن تخرج شيئًا مما أدخلت فيه غيره, أو تدخله فيما أخرجت منه غيره, وحرفه المستولى عليه إلا, وتشبه به أسماء وأفعال وحروف. فالأسماء: غير, وسوى. والأفعال: ليس, ولا يكون, وعدا, وحاشى, 19/أوخلا /. والحروف: حاشا, وخلا, فإذا استثنيت بإلا من موجب, كان ما بعدها منصوبًا على كل حال, تقول: قام القوم إلا زيدًا, ورأيتهم إلا زيدًا, ومررت بهم إلا زيدًا, فإن كان ما قبلها غير موجب, أبدلت ما بعدها منه تقول: ما قام أحد إلا زيد, وما رأيت أحدًا إلا زيدًا, وما مررت بأحد إلا زيد. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب الاستثناء) قال ابن الخباز: وهو استفعال من ثنيت أثني إذا عطفت, وذلك لأنك إذا ذكرت المستثنى فقد عطفته عن الحكم الذي لغيره وتثنيته عنه. وقوله: (ومعنى الاستثناء أن تخرج شيئًا مما أدخلت فيه غيره أو تدخله فيما أخرجت منه غيره) يوجب دخول الاستثناء المتصل والاستثناء المنقطع تحته, ويكون في كليهما حقيقة. فالمتصل: كقولك: قام القوم إلا زيدًا, ومعنى المتصل: 61/أأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه. والمنقطع: كقولك / ما فيها أحد إلا حمارًا, ومعنى المنقطع: أن لا يكون المستثنى من جنس المستثنى منه, وكل واحد من المستثنيين في المسألتين يصدق عليه أنه غير ما استثنى منه, فبان أن معنى الاستثناء عنده يشمل النوعين. ومن قال في حد الاستثناء: إنه إخراج بعض من كل بمعنى إلا أو ما أقم مقامها, كان الاستثناء المنقطع عنده مجازًا, لأن المستثنى ليس بعض المستثنى منه, فإخراجك الشيء مما دخل فيه غيره كقولك: قام القوم إلا زيدًا, أخرجت زيدًا من القيام الذي حكمت به على القوم لا من القوم, ومن توهم ذلك فقد أخطأ. ألا ترى أنك لو قلت: قصدت العرب إلا قريشًا, لم تخرج قريش باستثنائها من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = العرب عن أن تكون منها, فبان أن الإخراج من الحكم لا من المحكوم. ومثال إدخال الشيء فيما خرج منه غيره: قولك: (ما) قام القوم إلا زيدًا أخرجت زيدًا من الحكم بنفي القيام المحكوم به على القوم. والاستثناء معنى فلابد له من لفظ يدل به عليه, ولو كلم من الأسماء والأفعال والحروف, فأصل كلمة «إلا» , وذلك لوجهين: أحدهما: أنها تقع حيث لا يقع غيرها فتكون في المتصل والمنقطع, وقد مثلناهما. و (الثاني: أنها) تجيء في تفريغ العامل كقولك: ما قام إلا زيد, ويظهر فيما بعدها عمل الفعل الذي قبلها وغير وسوى محمولتان عليها لما فيهما من معنى النفي, وكذلك «ليس» لأنها تنفي ما في الحال. وكذلك: لا يكون, لأنها مشفوعة بلا, ولو أسقطت «لا» منها لم يجز الاستثناء بها. «وعدا وحاشا وخلا» وإن كن واجبات في الظاهر معناهن المجاوزه, وذلك من انواع النفي فلأجل ذلك دخلن في باب الاستثناء. / ... 61/ب ولما كانت «إلا» هي الأصل وجب أن تقدم فنقول: إذا استثنيت بإلا فلا (يخلو) من أن يكون ما قبلها محتاجًا إلى ما بعدها أو غير محتاج, فإن كان محتاجًا, فسيأتي ذكره, وهو المسمى بتفريغ العامل. وإن كان غير محتاج, فلا يخلو من أن يكون الكلام موجبًا أو غير موجب, فالموجب: الخبر الثابت كقولك: قام القوم, وانطلق الناس, فإذا استثنيت من هذا اسمًا لم يكن إلا منصوبًا, متصلًا كان المستثنى أو منقطعًا, كقولك قام القوم إلا زيدًا, وذهب الحي إلا إبلهم.

قال ابن جني: ويجوز النصب على أصل الباب فتقول: ما قام أحد إلا زيدًا, فإن كان ما بعدها ليس من جنس ما قبلها, فالنصب هو الباب على كل حال. تقول: ما بالدار أحد إلا وتدًا, وما مررت بأحد إلا حمارًا. قال النابغة: وقفت فيها أصيلالًا أسائلها ... أعيت جوابًا وما بالربع من أحد إلا أواري لأيامًا أبينها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد فنصب أواري لما ذكرنا, وقد يجوز البدل. وإن لم يكن الثاني من جنس الأول فتقول: ما بالدار أحد إلا وتد, وذلك في لغة بني تميم, وينشدون قول النابغة: «إلا أواري» بالرفع. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: واختلف في ناصبه, فذهب سيبويه ومن تابعه من البصريين إلى أنه منصوب بالفعل الذي قبله أو معنى الفعل بتوسط إلا, وهي والواو التي في باب المفعول معه نظيرتان, لأن كل واحدة منهما تعدى الفعل الذي قبلها إلى الاسم الذي بعدها مع ظهور النصب فيه, وحجة سيبويه أنك لو أسقطت إلا لكان الفعل غير مقتض للاسم ولا واصلا إليه. وذهب أبو العباس المبرد إلى أن «إلا» بمعنى استثنى, ويفسد قوله أن معاني الحروف لا تعمل. وذهب الفراء إلى أن الأصل: قام القوم إن لا زيدًا, فالنصب بإن, والنفي «بلا» وهذا تحكم, ويفسده أن الإفراد أصل التركيب. وذهب الكسائي إلى أن الأصل: قام القوم إلا أن زيدًا لم يقم, ويفسده ثلاثة أوجه: الإضمار: وهو على خلاف الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإعمال أن مضمرة وهي عامل ضعيف. وحذف الحرف وهو على خلاف الأصل. وتحتمل هذه المذاهب أكثر من هذا القول, ولكن لا يليق بهذا المختصر. فأما ما أنشد أبو علي من قول الشاعر: / ... 62/أ 126 - وبالصريمة منهم منزل خلق ... عاف تغير إلا النؤى والوتد فإنما رفعه, لأنه حمله على المعنى, لأنه لما استثناه من ضمير المنزل في تغير دل على أنه لم يتغير فكأنه قال: لم يتغير النؤي والوتد. فإن قلت: فلم لا يجوز الإبدال في الموجب فتقول: قام القوم إلا زيد؟ قلت: لفساد لمعنى, لأن قولك: قام القوم إلا زيد نقيض قولك: ما قام القوم إلا زيد, والنفي يدل على نفي القيام عن القوم مجتمعين ومفترقين, فينبغي أن يكون نقيضه إثباتُا لقيامهم مجتمعين ومفترقين وهو محال, لأنه جمع بين ضدين, وفي النفي لا يلزم ذلك, ألا ترى أنك تقول: هذا الثوب لا أسود ولا أبيض, لجواز أن يكون أحمر, ولا تقول: هذا الثوب أسود وأبيض, لأنه جمع بين السواد والبياض, وهو محال؟ . ولا فرق بين أن يكون المستثنى منه في الواجب مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا كقولك: قام القوم إلا زيدًا, ورأيتهم إلا زيدًا, ومررت بهم إلا زيدًا, ينصب المستثنى على كل حال, لأن البدل ممتنع لما ذكرنا. فإن كان ما قبلها غير موجب وهو استفهام أو نهي أو نفي, فلا يخلو المستثنى [من] أن يكون من جنس المستثنى منه, أو من غير جنسه, فإن كان من جنسه: أبدلته من المستثنى منه, فرفعته بعد المرفوع كقولك: ما قام أحد إلا زيد, =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ونصبته بعد المنصوب كقولك: ما رأيت أحدًا إلا زيدًا, وجررته بعد المجرور, كقولك: ما مررت بأحد إلا زيد, فهذا بدل بعض من كل, والدليل على أنه بدل صحة وقوعه موقع الأول, لأنه يصح أن تقول: ما قام إلا زيد وما رأيت إلا زيدًا, وما مررت إلا بزيد. 55/ب ورد الفراء والكسائي على سيبويه تسمية هذا / بدلًا, قالوا: إذا قلنا: ما قام أحد إلا زيد فالفعل منفي عن أحد, ومثبت لزيد, فكيف يكون بدلًا منه؟ وأجاب أصحابنا: بأنه يجوز أن يختلف التابع والمتبوع في الإثبات والنفي كقولنا: مررت برجل لا كريم ولا شجاع, ويجوز النصب, فتقول: ما قام أحد إلا زيدًا, وما مررت بأحد إلا زيدًا, فإذا قلت: ما رأيت أحد إلا زيدًا, كان نصبه من وجهين: البدل, والاستثناء, ويظهر أثر الوجهين في مسألة, وهي: ما أعطيت الناس درهمًا إلا زيدًا دانقًا, تجوز في البدل وتمتنع في الاستثناء. قال أبو علي في تعليل النصب: «لأن الكلام قد تم هاهنا في النفي كما تم في الإيجاب». والإبدال أجود من النصب لوجهين: أحدهما: أن المعنى واحد في النصب والبدل, وفي الإبدال مشاكلة بين إعراب المستثنى وإعراب المستثنى منه. الثاني: أن سنة من القراء قرأوا: {ما فعلوه إلا قليل منهم} بالرفع ولم يقرأ بالنصب إلا عبد الله ابن عامر. وإن كان ما بعدها ليس من جنس ما قبلها فللعرب فيه لغتان: أما أهل الحجاز فينصبون =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لا غير, فيقولون: ما بالدار أحد إلا وتدا, وما مررت بأحد إلا حمارًا. قال النابغة: 127 - وقفت فيها أصيلالا أسائلها ... عيت جوابًا وما بالربع من أحد إلا أوارى لأياما أبينها ... والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد أصيلال: جمع أصيل, والأصيل بعد العشى, وعيت أصله عييت. فأدغمت, وجوابًا: منصوب على حذف الجر, أي: عيت بجواب, ويجوز أن يكون تمييزًا. والربع: منزل القوم في / الربيع, استعمال في كل منزل, والأواري: واحدها 63/أآري, واللأى: البطء يقال: التأى أمره: أي أبطأ, وما: زائدة, والنؤى: حفيره تحفر حول البيت تمنع المطر منه, والمظلومة: الأرض المحفورة, والجلد: الصلبة. والمراد: أنه نصب الأوارى, لأنها ليست من جنس أحد. فإن قلت: فإذا كان المستثنى ليس من جنس الأول فما فائدة ذكره؟ قلت: فائدته إثبات معنى ممكن الوجود, تذهب نفس السامع إلى تجويزه, ألا ترى أنه إذا قال: ما مررت بأحد أجاز السامع أن يكون قد مر بحمار, لأنه لا يلزم من نفي مروره عن الأحدين نفيه عن الحمير. وقال عبد القاهر: الاستثناء المنقطع مشبه بالعطف, لأن لك عطف الشيء على ما ليس من جنسه, كقولك: جاءني رجل لا حمار, فشبهت إلا بلا, لأن الاستثناء والنفي متقاربان. ويجوز البدل في لغة بني تميم فقيل: ما مررت بأحد إلا حمار وينشدون بيت النابغة: «إلا أواري» بالرفع. قال الراجز:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 129 - وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيش ومسوغ الإبدال أمران نوعان: أحدهما: قاله أبو عثمان المازني: وهو أنه إذا قال ما مررت بأحد إلا حمار قصد نفي المرور عن النوعين, فغلب الأحدين فعبر بلفظهم عنهم وعن غيرهم, كما قال تعالى: {فمنهم من يمشي على بطنه} فعبر بلفظ العقلاء عنهم وعن غيرهم. والثاني أن الحمار بالنسبة إلى غيره [من الأحدين مثلهم في الحكم] وهذا كقول العرب: «عتابك السيف» ومنه قول أبي ذؤيب: 130 - فإن تمس في قبر برهوه ثاويًا ... أنيسك أصداء القبور تصيح جعل الأصداء أنيسة, لأنهن أنيس الموتى, كما أن الأحياء أنيس الأحياء.

قال ابن جني: فإن تقدم المستثنى, لم يكن فيه إلا النصب, تقول: ما قام إلا زيدًا أحد, وما مررت إلا زيدًا بأحد, قال الكميت/: ... 19/ب فمالي إلا آل أحمد شيعة ... ومالي إلا مذهب الحق مذهب فإن فرعت العامل قبل إلا عمل فيما بعدها لا غير, تقول: ما قام إلا زيد, وما رأيت إلا زيدًا, فترفعه بفعله, وتنصبه بوقوع الفعل عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: ويجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه, كما / جاز تقديم 63/ب المفعول على الفاعل, لأن التقديم توسع في الكلام, وسبب لإقامة الأوزان والقوافي والأسجاع, تقول: ما قام أحد إلا زيد, فيجوز فيه الإبدال والنصب كما ذكرنا, فإذا قدمته فقلت: ما قام إلا زيدًا أحد, لم يكن فيه إلا النصب, مرفوعًا كان مع التأخير أو منصوبًا أو مجرورًا: قال أبو علي رحمه الله في تعليل ذلك: «لأن البدل الذي كان يجوز في قولك: ما قام أحد إلا زيد, قد بطل بتقديم الذي كان يكون بدلا على المبدل منه, فبقي النصب على أصل الاستثناء, ولم يجز غيره» قال الكميت: 131 - فمالي إلا آل أحمد شيعة ... ومالي إلا مذهب الحق مذهب والأصل: مالي شيعة إلا آل أحمد, ومالي مذهب إلا مذهب الحق, فلما قدمته نصبته. وقال الشاعر: 132 - بقبر امرئ تقري المئين عظامه ... ولم يك إلا غالبًا ميت يقري

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مسألة: تقول: ما قام إلا زيدًا أحد إلا أخوك, فتنصب زيدًا, لأنه مستثنى مقدم, وترفع أخوك, لأنك تجعله بدلًا, فإذا قدمته نصبته, تقول: ما قام إلا زيدًا إلا أخاك أحد. فإن عطفت على المستثنى المتقدم اسما قبل المستثنى منه وجب نصبه, كقولك مالي إلا أباك وبشرًا صديق, فإن كان المعطوف بعد المستثنى منه جاز فيه الرفع والنصب تقول: مالي إلا أباك صديق وبشر وبشرًا, فالرفع: لأنه قد وقع في موضع لو كان فيه ما عطف عليه لكان مرفوعًا. والنصب: لأن الذي عطف عليه منصوب. فإن فرغت العامل قبل إلا كان عاملًا فيما بعدها معها كما يعمل فيه لو 64/أسقطت, وهذه حقيقة التفريغ / وهو أن تجعل إلا سبيلا لما فبلها على ما بعدها. ولك أن توسطها بين شيئين أحدهما: مفتقر للآخر, قال الله عز وجل: {وما أمرنا إلا واحدة} فوسطها بين المبتدأ والخبر, وقال تعالى: {هل يهلك إلا القوم الظالمون} فوسطها بين الذي لم يسم فاعله وبين المفعول. وقال تعالى: {ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا} فوسطها بين خبر كان واسمها. وقال تعالى: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} فوسطها بين الحال وصاحبها. وقال ذو الرمة: 133 - كأنها جمل وهم وما بقيت ... إلا النحيرة والألواح والعصب وهذا كثير. وإذا لت: ما قام إلا زيد, وما رأيت إلا زيدًا, فزيد في الموضعين مرفوع =

قال ابن جني: وأما غير فإعرابها في نفسها إعراب الاسم الواقع بعد «إلا» وما بعدها مجرور بإضافتها إليه, تقول: قام القوم غير زيد. كما تقول: إلا زيدًا, وما قام أحد غير زيد, كما تقول: إلا زيد, وما بالدار أحذ غير زيد كما تقول: إلا زيدًا. وأما سوى: فمنصوبة على الظرف, وما بعدها مجرور بإضافتها إليه تقول: قام القوم سوى أبيك, وما رأيت أحدًا سوى أخيك. وأما ليس, ولا يكون, وعدًا: فما بعدهن منصوب أبدًا تقول: قام القوم ليس زيدًا. وانطلقوا لا يكون بكرًا, وذهبوا عدا جعفرا. ـــــــــــــــــــــــــــــ = بالفعل الذي قبله, ومنصوب به, ولا يكون بدلًا, لأنك لم تذكر اسمًا غير زيد فتبدله منه, وإذا قلت: ما مررت إلا بزيد, فالباء متعلقة بمررت. ولا يجوز ما قام إلا زيدًا, بالنصب, لأن الفعل لم يستوف الفاعل, وجاء منصوبًا في الشعر وهو رديء قال: 134 - يطالبني عمي ثمانين ناقة ... وما لي يا عفراء إلا ثمانيا وهذا على حذف المستثنى منه, أي: وما لي يا عفراء إبل أو نوق, لأن سياق الكلام يدل عليه. قال ابن الخباز: وأما غير: فقد ذكرنا وجه شبهها بإلا فإذا استثنيت بها جررت ما بعدها بإضافتها إليه, فلم يبق سبيل إلى ظهور الإعراب فيه كما ظهر في المستثنى بإلا, فأقاموا غيرا مقامه, فحيث يجب نصب المستثنى يجب نصب غير, وحيث يجوز الإبدال والنصب فيه يجوزان فيها, وحيث يفرغ العامل ويعمل فيما بعد إلا يعمل في غير, تقول: قام القوم / غير زيد, فتنصب, لأنك لو جئت بإلا لقلت: 64/ب قام القوم إلا زيدًا, والفرق بين النصبين: أن زيدًا منتصب بتوسط إلا بينه وبين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الفعل, وغير منصوبة بالفعل بلا متوسط. وسألت شيخنا رحمه الله من أي المنصوبات هي؟ فقال: مشتبهة بالظرف, لإبهامها فلذلك عمل فيها الفعل غير المتعدي. ولا يجوز أن تقول: غير زيد قام القوم كما (لا) تقول: إلا زيدًا قام القوم, لتقديم المستثنى على العامل. وتقول: ما قام أحد غير زيد وغير زيد, كما تقول: ما قام أحد إلا زيدًا وإلا زيد, لأنه موضع يجوز فيه الأمران. وتقول: ما بالدار أحد غير وتد, فتنصبها في لغة أهل الحجاز لا غير, ويجوز البدل في لغة بني تميم, لأن المستثنى منقطع. وتقول: ما قام غير زيد, وما رأيت غير زيد, كما تقول: ما قام إلا زيد, وما رأيت إلا زيدًا. وليس من ضرورة غير أن تكون للاستثناء في كل موضع, لأنها تقع حيث لا تقع «إلا» ولو كانت استثناء لم تقع إلا حيث تقع إلا, ألا ترى أنك تقول: جاءني غير زيد, ورأيت غير زيد ومررت برجل غيرك, وهذا كله ليس من مواضع «إلا»؟ فإذا قلت: جاءني غير زيد, فالمتعارف في مخاطبات الناس أن زيدًا قد امتنع من المجيء لذكر غير, والذي تقتضيه اللغة عدم الامتناع, لأن إثبات الحكم لشيء لا يوجب نفيه عما عداه, ألا ترى أنك إذا قلت: أهل مكة يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق, لم يوجب ذلك الإثبات نفي الحكم بالأمرين عن أهل بغداد؟ ثم أبلغ ما في غير أن تكون بمعنى ضد. وأنت لو قلت: جاءني ضد زيد لم يوجب ذلك عدم مجيء زيد. وأما سوى ففيها أربع لغات: سوى كمعًا, وسوى كهدى, وسواء كبقاء, 65/أوسواء كجدار وهي منصوبة / على الظرفية. والعامل فيها ما قبلها, واستدل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = النحويون على ظرفيتها بأن الموصول يوصل بها كقولك: الذي سوى زيد عندك, والنصب يستبين في الممدودتين, لا المقصورتين. والبصريون لا يجيزون نقلها عن الظرفية إلا في الشعر, كقول الأعشى: 135 - تجانف عن جو اليمامة ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائيكا وأجازه الكوفيون في غير الشعر. والفرق بين قولك: مررت برجل غيرك, وبين قولك: مررت برجل سواك: أن غيرًا تفيد أن الممرور به ليس المخاطب, وأن سواء تفيد أن الممرور به يغني معناه المخاطب ويسد مسده, ذكره أبو سعيد. وأما ليس ولا تكون وعدا: فما بعدهن منصوب على كل حال, تقول: قام القوم ليس زيدًا, وانطلقوا لا يكون بكرًا, وذهبوا عدا جعفرًا. والفرق بين عدا وبينهما: أن المنصوب بعد عدا مفعول به, والمنصوب بعدهما خبر من باب كان, وفي عدا فاعل مضمر, وفي ليس ولا تكون اسم مضمر, والمعنى: عدا بعضهم وليس بعضهم ولا تكون بعضهم, وهذا الضمير لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث, لأنه كناية عن بعض وهو مذكر مفرد. مسألة: لا يجوز تقديم المستثنى على ليس ولا يكون ولا عدا, لأنهن جرين مجرى إلا ولا يقدم المستثنى به عليها. ولا يجوز طرح «لا» من لا يكون لذهاب النفي, وإذا قلت: انطلقوا لا يكون =

قال ابن جني: وأما خلا وحاشا: فيكونان فعلين فينصبان, ويكونان حرفين فيجران تقول: قام القوم خلا زيد, وخلا زيد, وحاشى عمرو, وحاشى عمرًا. قال الشاعر: حاشى أبي ثوبان إن به ... ضنا على الملحاة والشتم 20/أفإن قلت: ما خلا زيدًا / نصبت مع «ما» لا غير. قال الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل ـــــــــــــــــــــــــــــ = بكرًا, فموضع قولك: لا يكون بكرًا نصب على الحال, والكلام مع عدا وليس ولا 65 - ب يكون جملتان, ومع إلا وغير وسوى جملة. قال الشاعر في الاستثناء بليس /. 136 - وأصبح ما في الأرض مني بقية ... لناظرها ليس العظام البواليا قال ابن الخباز: (وأما حاشى وخلا: فيكونان فعلين فينصبان, ويكونان حرفين فيجران). أما حاشى: فذهب الكوفيون إلى أنها فعل لا غير, واستدلوا على ذلك بتصرفها, قالوا: حاشى يحاشي مثل نادى ينادي. قال النابغة: 137 - ول أرى فاعلًا في الناس يشبهه ... ولا أحاشى من الأقوام من أحد وحكى الزجاج في كتاب المعاني: «اللهم اغفر لي ولمن سمع حاشى الشيطان وأبا الأصبع» بالنصب. وذهب أبو العباس المبرد إلا أنها تكون حرف جر وفعلًا, فلك أن تجر مستثناها وتنصبه تقول: قام القوم حاشى زيد, فموضع الجار والمجرور نصب والكلام جملة. وقام القوم حاشى زيدًا, فالكلام جملتان, وفيها فاعل مضمر, أي: حاشى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بعضهم زيدًا, وذهب سائر البصريين إلى أنها حرف جر لا غير واستدلوا على ذلك بقول الشاعر أنشده الجوهري رحمه الله: 138 - في فتية جعلوا الصليب إلاههم ... حاشاي إني مسلم معذور فلو كانت فعلًا لقال: حاشاني, لأنك تقول زماني, ولا تقول: رماى, والبيت الذي أنشده أبو الفتح رحمه الله أنشده المفضل, وقد حرفه فجعل صدر غيره له, والصواب ما أذكره لك قال: وبنوا رواحة ينظرون كما ... نظر الندي بانف خثم حاشى أبي ثوبان إن أبا ... ثوبان ليس بزمل فدم عمرو بن عبد الله إن به ... ضنا على الملحاة والشتم رواه الكسائي: حاشى أبا ثوبان. الندي: الجماعة. وآنف خثم, أي: غلاظ, والزمل الضعيف. والفدم الثقيل, والضن: البخل. والملحاة: الملامة. وأما خلا: فروى سيبويه أن من / العرب من يجر بها فيقول: ما أتاني القوم = 66/أ

باب: (معرفة الأسماء المجرورة)

باب: (معرفة الأسماء المجرورة) قال ابن جني: وهو على ضربين: مجرور بحرف جر, ومجرور بإضافة اسم مثله إليه. (باب حروف الجر) وهي من, وإلى, وعن, وعلى, وفي, ورب, والباء, واللام, والكاف الزوائد, والواو, والتاء - وتذكران في باب القسم - وحاشى, وخلا - وقد مضى ذكرها - ومذ, ومنذ - ولهما باب - وحتى - ولها باب, فهذه الحروف كلها تجر ما بعدها تتصل به, وتضاف إليه تقول: عجبت من زيد, ونظرت إلى عمرو, ورغبت في محمد, وانصرفت عن جعفر, وزيد على الفرس, ورب رجل رأيت, ومررت بسعيد والمال لقاسم, وأنت كعمرو, ومعانيها مختلفة. فمعنى من: الابتداء تقول: سرت من البصرة إلى بغداد, أي ابتداء السير من البصرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ = خلا عبد الله. ومنهم من ينصب وهو الأكثر. فإذا أدخلت ما على خلا فقلت: قام القوم ما خلال زيدًا [فزيد منصوب] بالفعل لا بالاستثناء. (باب حروف الجر) قل ابن الخباز: قال ابن بابشاذ: «الجر من عبارة البصريين, والخفض من عبارة الكوفيين» وإنما عملت هذه الحروف الجر, لأنها توسطت بين الأسماء والأفعال في إضافة معاني الأفعال إلى الأسماء فعملت عملًا متوسطًا, وقال الوراق: =

قال ابن جني: وتكون تبعيضًا كقولك: أخذت من المال أي: بعضه, وشربت. / من الماء أي: بعضه. وتكون زائدة وهي للتوكيد, قال الله عز وجل: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} أي: خير, دخولها كخروجها نحو قولك: ما جاءني من أحد أي: أحد, وما رأيت من أحد, أي: أحدًا. ومعنى إلى: الانتهاء. تقول: خرجت من الكوفة إلى بغداد أي انتهيت السير إلى بغداد. ـــــــــــــــــــــــــــــ = «لو عملت حروف الجر رفعًا أو نصبًا لم يبن لها أثر, لأن الفعل يعمل ذلك دونها» وهذه الحروف ثلاثة أقسام: الأول: ما يلزمه الحرفية, وهو تسعة أحرف: , من, وإلى, وفى, ورب, والباء, واللام, والواو, والتاء, وحتى. وقسم يكون اسمًا وحرفًا, وهو خمسة: على, وعن, وكاف التشبيه, ومذ, ومنذ. وقسم يكون حرفًا وفعلًا, وهو ثلاثة: حاشا, وخلا, وعدا: ولم يذكر عدا أبو الفتح, وقد روى الجر بها أبو الحسن. وأنا أسوق إليك هذه الحروف واحدًا واحدًا, واذكر نبذًا من أحكامها ومعانيها تفيد الناظر فيها, والله الموفق. أما من: فالمعنى الذي يعمها هو ابتداء الغاية تقول: سرت من البصرة, أي: كان ابتداء مسيري منها, إما من وسطها وإما من ناحية من نواحيها. وإذا قلت: أخذت من زيد, فقد جعلته مبتدأ غاية الأخذ. قل ابن الخباز: وتكون للتبعيض, نحو أخذت من الدراهم, وتعرفها بأنك لو أسقطها. لتناول الفعل جميع الشيء كقولك: أخذت الدراهم. وقال أبو العباس =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = «إنها لابتداء الغاية أيضًا» لأنه جعل الدراهم ابتداء غاية الأخذ. 66/ب وتكون زائدة, وهي على قسمين أحدهما: أن يكون/ دخولها كخروجها, وذلك نحو قولك: ما جاءني من أحد وقوله: 140 - * وما بالربع من أحد * فلو أسقطها لبقي العموم, لأن أحدًا لا يستعمل في الواجب. الثاني: أن تزاد في غير أحد, كقولك: ما جاءني من رجل, إذا نفيت قليل الجنس, وكثيره, فإن أسقطها كان نفيًا للواحد, وتقول الفقهاء: [النكرة] في سياق النفي تعم, ويطلقون هذا القول, والصواب ما ذكرته من التفصيل. ولو كان كما قالوا لامتنع أن تقول: ما جاءني رجل بلا رجلان, لأن المعطوف والمعطوف عليه متناقضان. فلما صح ذلك دل على أن قولهم لا يؤخذ به على الظاهر. ولها موضع رابع لم يذكره أبو الفتح: وهي التبيين كقوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} لأن الرجس يحتمل الأوثان وغيرها, فيبين أي شيء يريد من الرجس المجتنب, لأنه ليس كل الأرجاس تجتنب, ألا ترى أن البول والعذرة رجسان, ومع ذلك يلابسان في وقت الحاجة؟ وتعرفها بصحة وقوع الذي معها كقولك: فاجتنبوا الرجس الذي من الأوثان. وأما إلى: فمعارضة لمن, لأن معناها انتهاء الغاية, والذي تدخل عليه لا يخلو من أحد قسمين: إما أن يكون الشيء منتهيا به, أو لا, فالأول: كقولك: قلبته من رأسه إلى قدمه. والثاني: إما أن يكون قبل آخر الشيء كقولك: أكلت السمكة إلى نصفها. وإما أن يكون الشيء منتهيًا بدونه كقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} وأما قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} فقيل: إنها بمعنى مع, وقيل: التقدير: مضافة إلى أموالكم. وذكر ابن قتيبة في قول النابغة: =

قال ابن جني: ومعنى في: الوعاء والظرفية, تقول: زيد في الدار, والمال في الكيس, أي: هو وعاء له. ومعنى عن: المجاوزة: تقول: انصرفت عن زيد, أي: جاوزته إلى غيره. ومعنى على: الاستعلاء تقول: زيد على الفرس أي: قد ركبه وعلاه. ومعنى رب: التقليل وهي مختصة بالنكرات دون المعارف, والمفرد بعدها في معنى الجماعة تقول: رب رجل لقيته. أي: ذلك قليل. وضدها كم تقول, كم عبد ملكت, أي: ذلك كثير. ومعنى الباء: الإلصاق تقول: أمسكت الحبل بيدي أي: ألصقتها به, وتكون الباء زائدة كقولك: ليس زيد بقائم, أي: ليس زيد قائمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ 141 - فلا تتركني بالوعيد كأنني ... إلى الناس مطلي به القار أجرب أن إلى بمعنى في, ومن أن حكم ألفها إذا دخلت على المظهر / لا تغير 67/أكقولك سرت إلى زيد, وإذا دخلت على المضمر قلبت ياء كقوله تعالى: {والأمر إليك}. قال ابن الخباز: وأما في: فحرف معناه الوعاء والظرفية. وتدخل على الزمان كقولك: القيام في اليوم, وعلى المكان كقولك: زيد في الدار, وعلى ما يجري مجرى الأمكنة من الجثث المحيطة بالأجسام الحالة فيها كقولك: الماء في القدح, والمال في الكيس, ودخولها على المعاني مجاز كقولك: أنا في حاجتك, وقوله تعالى: {يدخل من يشاء في رحمته}. وإذا دخلت على ياء المتكلم فتحت, كقولك: في مودة, وقد روي الكسر وأنشدوا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 142 - قال لها هل لك يا تافي ... قالت له ما أنت بالمرضي أنشده الزجاج في المعاني. وقيل: إنها تجيء بمعنى على كقوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} وقيل: إنها على بابها, قال الزمخشري: لتمكن المصلوب في الجذع تمكن الكائن في الظرف فيه. وأما رب: فحرف معناه التقليل. وقال بعد القاهر: إنها تجيء للتكثير, وأنشد لأبي عطاء السندي: 143 - فإن تمس مهجور الفناء فربما ... أقام به بعد الوفود وفود ومعنى التكثير في البيت ظاهر. ويقال: رب بضم الراء وتشديد الباء وفتحها. ورب بضم الراء وتخفيف الباء وفتحها, وقرئ بهما قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا} وربت بالتاء, وأنشد أبو زيد في نوادره: 144 - ماوي يا ربت (ما غارة) ... شعواء كاللذعة بالميسم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهذه اللغات الثلاث هن المشهورات. ولرب خمس خصائص: الأولى: أن مجرورها لا يكون إلا نكرة, وذلك لأن معناها التقليل / والمعرفة لا تحتمله لتعيينها. 67/ب الثانية: أن الفعل الذي تعديه إلى الاسم لا يجيء إلا بعدها, لأن التقليل مقارب النفي والنفي لا يعمل فيه ما قبله. الثالثة: أن الفعل لا يكون إلا ماضيًا, وذلك أنك إذا قلت: رب رجل كريم رأيت, فهو جواب لمن قال: هل رأيت رجلًا كريمًا؟ الرابعة: أن الفعل يكون محذوفًا في الغالب, لأنها تستعمل جوابًا فحذف لدلالة السؤال. الخامسة: أن النكرة تكون موصوفة كمثالنا, لأن الصفة جعلت عوضًا من الفعل. وذهب الكوفيون إلى أن رب اسم, واستدلوا على ذلك بخصائصها المذكورة, وحاصل دليلهم: أن رب تفارق حروف الجر, وفراقها حروف الجر ليس من علامات الاسمية, ألا ترى أن «ما» تفارق حروف النفي بإعمال أهل الحجاز إياها رفع الاسم ونصب الخبر, ولا يوجب ذلك اسميتها؟ . وأما الباء فلها معان: منها: الإلصاق كقولك: بزيد مرض, أي: قد لصق به ومازجه, ومنها: أن تكون بمعنى «في» , كقوله تعالى: {مصبحين * وبالليل} أي: في الليل ومنها الاستعانة كقولك: كتبت بالقلم. ومنها المقابلة, كقولك: بعت هذا بردهم, واشتريت العبد بدينارين. ومنها: السببية, كقولك: بتوفيق الله حججت: ومنها الزيادة كقوله تعالى: {وكفى بالله نصيرًا} ومنها المصاحبة., كقولك: دخل علينا بثياب السفر ومنه: {تنبت بالدهن} ومن قرأ: {تنبت بالدهن} , فإنه يحتمل الزيادة أي: تنبت الدهن, ويحتمل المصاحبة, أي: تنبت الزيتون وفيها الدهن. =

قال ابن جني: ومعنى اللام: الملك والاستحقاق. تقول: المال لزيد, أي: هو مالكه ومستحقه. ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومن مواضع زيادتها ورودها في خبر ليس, كقولك: ليس زيد بقائم وموضعها نصب فلو عطفت اسمًا جاز جره حملًا على لفظ مجرورها, ونصبه حملًا على موضعها تقول: ليس زيد بجبان ولا بخيل, وإن شئت ولا بخيلًا, وأنشد سيبويه 68/أرحمه الله / لعقبة الأسدي: 145 - معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا وأما اللام: فمعناها الاختصاص, كقولك: المال لزيد, أي: هو المختص به. وقال أبو علي: معناها التخصيص والملك, فالملك كقولنا: العبد لزيد, والاختصاص كقولنا: السرج للفرس. وقال الزمخشري: «معنى اللام الاختصاص» وقد فسرناه. وقال ابن الخباز: (ومعنى اللام الملك والاستحقاق) والفرق بينهما: خصوص الملك وعموم الاستحقاق, فكل مالك مستحق, وليس كل مستحق مالكًا. ألا ترى أنك إذا قلت: المال لزيد, فزيد مالك المال ومستحقه, وإذا قلت: السرج للفرس, فالفرس يستحق السرج ولا يملكه؟ والجيد أن تفسر اللام بالاختصاص, لأنه معنى عام في جميع مواضعها قال الله تعالى: {وأنزل لكم من السماء ماء} فهذه للاختصاص. ويجوز أن تكون للتعليل, وأظهر منه في الاختصاص قوله تعالى: {وجعلنا لكم فيها معايش}. وتكون زائدة كقوله تعالى: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأحكام اللام كثيرة, وقد صنف النحاس فيها كتابًا. وأما الواو والتاء: فيأتي ذكرهما في القسم, وأما «حتى»: فلها باب مفرد فهذه الكلم اللواتي لا تكن إلا حروفًا. وأما «على»: فتكون حرفًا واسمًا, فمثال كونها حرفًا كقولك: على زيد ثوب, ألا ترى أنها أضافت معنى الاستقرار إلى زيد كما تفعل الباء ذلك في قولك: مررت بزيد؟ وقد استعملت اسمًا في قول الصمة بن عبد الله القشيري. قال: 146 - غدت من عليه تنقض الطل بعدما ... رأت حاجب الشمس ارتقى وترفعا فدخول من عليها يدلك على أنها اسم, وأنشدوا /: ... 68/ب 147 - باتت تنوش الحوض نوشًا من علا ... نوشًا به تقطع أجواز الفلا ومعناها الاستعلاء كقولك: زيد على الفرس, وأنت على الدار, فهذا حقيقة. وتستعمل مجازًا فيما كان الشيء داخلًا تحت حكمه ومتصرفًا بتصريفه كقولك: عليك دين, لأن الغريم يصرفك. وعلى وجهه كآبة, لأنه خاضع لها, وفي التنزيل: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = {أولئك على هدى من ربهم} لما وصفهم بالتقى, والإيمان بالغيب, وإقامة الصلاة, والإنفاق مما رزقهم الله, والإيمان بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم, وما أنزل من قبله واختصاص إيقانهم بالآخرة, دل ذلك على أنهم مستعلون على الهدى يصرفونه كيف شاءوا لإكمالهم خصاله. وتجيء على بمعنى مع قال: 148 - الموت أحلى عندنا من العسل ... لا جزع اليوم على قرب الأجل وإنما يريد لا جزع اليوم مع قرب الأجل. وقد استعملت علا فعلًا وليست من هذا الباب, لأنها ترفع ما بعدها وتنصبهز قال دريد بن الصمة الجشمي: 149 - صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال اللباطل: ابعد وأما عن: فتستعمل حرفًا واسمًا, فاستعمالها حرفًا: كقولك: رميت عن القوس, لأنها قد أضافت الرمي إلى القوس كما أضافت الباء المرور إلى زيد في قولك: مررت بزيد - واستعمالها اسمًا: كقول قطري بن الفجاءة المازني: 150 - فلقد أراني للرماح رديئة ... من عن يميني مرة وأمامي فدخول من عليها يدلك [على] أنها اسم, ومعناها المجاوزة, تقول: انصرفت عن جعفر أي: تركته. وصرف الله عنك الأذى, أي: جعله مجاوزًا 69/ألك. ومنه: أطعمته عن الجوع, وصرفته عن العيمة / لأن الإطعام والسقي =

قال ابن جني: ومعنى الكاف: التشبيه / تقول: زيد كعمرو, أي: هو يشبهه. وقد تكون الكاف زائدة, قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء} أي: ليس مثله شيء. قال رؤبة: * لواحق الأقرب فيها كالمقق* المقق: الطول, أي: فيها طول. ـــــــــــــــــــــــــــــ = يجعلان الجوع والعيمة مجاوزين له, وكذلك إذا قلت: نقلت الحديث عنه, فالحديث والعلم قد جاوزاه إليك, وأما قولك سبحانه: {الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} فيجوز أن تكون من لابتداء الغاية, ويجوز أن تكون للتعليل. وعن ها هنا أظهر معنى, لأن الإطعام يزيح الجوع, ولأمان يزيح الخوف. قال ابن الخباز: وأما كاف التشبيه فتستعمل حرفًا واسمًا, فاستعمالها حرفًا: كقولهم: جاءني الذي كزيد, ولو كانت اسمًا بمنزلة مثل لكان الجيد أن تقول: جاءني الذي هو كزيد, كما أن الجيد: جاءني الذي هو مثل زيد. وقولهم. جاءني الذي مثل زيد قليل. فلما اطرد قولهم: جاءني الذي [كزيد] دل على أنه بمنزلة قولهم: جاءني الذي في الدار. واستعمالها اسمًا كقول امرئ القيس. 151 - فرحنا بكابن الماء ينفض رأسه ... تصوب فيه العين طورًا وترتقي وأنشدوا أيضًا: 152 - * يضحكن عن كالبرد المنهم * المنهم: الذائب, يقال: هممت الشحم أهمه, إذا أذبته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأما قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} ففيه قولان: أحدهما: أن الكاف زائدة أي: ليس مثله شيء, لأنها لو كانت غير زائدة لكان التقدير ليس مثل مثله شيء, وفي هذا نوعان من الكفر نعوذ بالله منهما, أحدهما: إثبات مثل لله, لأنه إذا كان التقدير ليس شيء مثل مثله دل على أن له مثيلًا. والثاني: أنه نفي عن الله أن يكون مثلًا لمثله, وهو محال, لأن الشيء إذا كان له مثل, فهو مثل مثله كما أن مثله مثله. والقول الثاني: أن الكاف غير زائدة, إنما مثل هو الزائد, كأنه قال: ليس 69/ب كهو شيء. وهذا كما تقول: مثلك ما يفعل هذا, أي: أنت لا تفعل هذا, وأنشدوا لرؤبة: / 153 - يا عاذلي دعني من عذلكا ... مثلي لا يقبل من مثلكا أي: إني لا أقبل منك. وأما قوله: 154 - *لواحق الأقراب فيها كالمقق * فإنه يصف فيها حميرًا, واللواحق: الضوامر, والأقراب: جمع قرب: وهي الخاصرة. والمقق: الطول, وإنما يريد فيها مقق. وفي هذا النظم قول لبيد: 155 - قد تعاللت وتحتى جشرة ... حرج في مرفقيها كالفتل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أراد: في مرفقيها فتل. ومما جاءت فيه الكاف زائدة: قول الشاعر: أنشده أبو على في كتاب الشعر: 156 - بينا كذاك رأيتني متلفعًا ... بالبرد فوق جلالة سرداح وإنما يريد: بينا ذاك فعلهن. مسألة: من أحكام الكاف أن لا تدخل على المضمر استغناء عنها بمث, وقال شيخنا رحمه الله: لو أدخلوها على المضمر لجمعوا بين كافين إذا دخلت على المضمر المخاطب كقولهم: زيد كك, وقد دخلت في ضرورة الشعر على المضمر, أنشد سيبويه رحمه الله: 157 - فلا ترى بعلًا ولا حلائلاً ... كه ولا كهن إلا حاظلًا وبنى أبو محمد اليزيدي شعرًا أدخل فيه الكاف على المضمر وهو إمام كبير في العربية, وما فعل ذلك إلا قياسًا على الشاذ: 158 - شكوتم إلينا مجانينكم ... ونشكوا إليكم مجانيننا فلولا المعافاة كنا كهم ... ولولا البلاء لكانوا كنا وأما حاشى وعدا وخلا: فيكن أفعالا وحروفًا, فإذا كن أفعالا نصبن =

باب: (مذ ومنذ)

باب: (مذ ومنذ) قال ابن جني: اعلم أن كل واحدة منهما تصلح أن تكون اسمًا رافعًا, وأن تكون حرفًا جارًا, والأغلب على مذ أن تكون اسمًا رافعًا, والأغلب على منذ أن تكون حرفًا جارًا. فإذا كان معنى الكلام بيني وبينه كذا وكذا فارفع بهما تقول: ما رأيته مذ يومان وما زارنا مذ ليلتان, فترفع, لأن معنى الكلام بيني وبين الرؤية يومان, وبيني وبين الزيادة ليلتان. وإذا كانتا بمعنى في جرتا تقول: أنت عندنا منذ اليوم, وما فارقتنا منذ الليلة فتجر, لأن معناه في اليوم, وفي الليلة. ومنذ مبنية على الضم ومذ مبنية على الوقف, فإن لقيها ساكن بعدها, ضمت الذال لالتقاء الساكنين, تقول: مذ اليوم ومذ الليلة, وأصل مذ منذ 21/ب فحذفت النون تخفيفاً/. ـــــــــــــــــــــــــــــ = المستثنى, وإذا كن حروفًا جررنه, ولم يرو الجر بعد [عدا] إلا الأخفش. وروى سيبويه بخلا الجر والنصب, وقد ذكرن في الاستثناء. 70/أوأما «حتى»: لإلها باب مفرد, وأما مذ/ ومنذ فلهما باب يطأ عقب هذا الباب. (باب مذ ومنذ) قال ابن الخباز: أما مذ ففيها ثلاث لغات, يقال: مذ بضم الميم وسكون الذال, ومذ بكسر الميم وسكون الذال أيضًا, ومذ بضمهما, واللغة الأول هي الشائعة. وأما منذ ففيها لغتان: منذ بضم الميم والذال, ومنذ بكسر الميم وضم الذال, والأولى هي الكثيرة. وهما من الكلم المشتركة بين الأسماء والحروف. وتستبين حرفيتها من اسميتها بجر ما بعدهما ورفعه, فمن جر ما بعدهما جعلهما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حرفين, ومن رفعه جعلهما اسمين. وقيل: إنهما اسمان على كل حال جر ما بعدهما أو رفع. والأغلب على مذ أن تكون اسمًا, وذلك لأنه قد دخلها الحذف, لأن أصلها منذ, فحذفت النون تخفيفًا, والحذف تصرف, وذلك لا يكون في الحرف. (والأغلب) على منذ أن تكون حرفًا, لسلامتها من الحذف, فالرفع بعد مذ أكثر من الرفع بعد منذ, والجر بعدها أقل من الجر بعدها, والجر بعد منذ أكثر من الجر بعد مذ, والرفع بعده أقل من الرفع بعدها. فإذا رفعت ما بعدهما فلهما معنيان ذكرهما أبو علي في الإيضاح وحكاهما عن أبي بكر. المعنى الأول: الأمد كقولك: ما رأيته مذ يومان, وما زارنا منذ ليلتان, كأنك قلت: أمد انقطاع الرؤية يومان, وأمد انقطاع الزيارة ليلتان. ولا يقع في هذا الموضع إلا النكرة, لأن الغرض السؤال عن عدة المدة التي انقطعت الرؤية فيها, هذا قول أبي علي ثم قال: فإن خصص لم يمتنع. يعني أنك إذا قلت: ما رأيته مذ اليومان, جاز, لأن التخصيص فيه ليس يخرجه بأن يكون عدة. وإذا قلت: ما رأيته مذ اليومان, جاز, لأن التخصيص فيه ليس يخرجه بأن يكون عدة. وإذا قلت: ما رأيته مذ يومان [فمذ يومان] جملة من مبتدأ وخبر /. ... 70/ب ومذهب أبي علي أن مذ مبتدأ, ويومان خبره, ومذهب أبي الفتح العكس, لأنه قدره بما يومان فيه مبتدأ, ويومان خبره, ومذهب أبي الفتح العكس, لأنه قدره بما يومان فيه مبتدأ وما قبله خبر حيث قال: بيني وبين الرؤية يومان. المعنى الثاني: ابتداء المدة كقولك: ما رأيته مذ يوم الخميس, أي: أول المدة التي انقطعت الرؤية فيها يوم الخميس, والفصل بين هذا والذي قبله: أن ذلك بيان العدة, وهذا بيان أول المدة, وأن هذا لا يقع فيه النكرة فلا يجوز: ما رأيته مذ يوم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولا مذ أسبوع, ولا مذ سنة, لأن علم السامع محيط بأن هذه الأوقات كلها لابتداء مدة الانقطاع. ويجوز إذا قصدت العدة: ما رأيته مذ أسبوع, لأنه يفيد العدد, وهذا قول عبد القاهر. ومثال كونهما حرفي جر: قولك: أنت عندنا مذ اليوم, وما فارقتنا مذ الليلة. وجر [مذ للحاضر] الذي أنت فيه أكثر [من] جرها لما مضى, لأن حرفيتها [ضعيفة] ومنذ يكثر جرها للزمانين كقولك: أنت عندنا منذ البارحة وأنت عندنا منذ الليلة, فقولك: أنت عندنا منذ البارحة بالرفع أحسن. واستدل أبو علي بأنهما يكونان حرفين بقولنا: منذ كم سرت؟ لأنهما قد أوصلا الفعل إلى كم [كما] أن الباء في قولك: [بمن] تمر كذلك. وإذا كانا حرفين وجررت بهما ما مضى: فهما لابتداء غاية الزمان كمن في ابتداء غاية المكان. وإذا جررت بهما الحاضر: فهما بمعنى «في» وإذا كانا اسمين بمعنى الأمد: فبناؤهما لأنهما استغرقا الوقت فأشبها لام التعريف. وإذا كانا لأول المدة: فباؤهما لأنهما أشبها من في ابتداء الغاية. وإذا كانا حرفين: فبناؤهما ظاهر لأن الأصل في الحروف البناء. وحركت منذ لالتقاء الساكنين واختير لها الضم إتباعًا للميم, لأن الحاجز ساكن 71/أخفي, وهو غير حصين, كما قالوا: منتن / فضموا التاء اتباعًا للميم وسكنت مذ: لأنه لم يلتق فيها ساكنان, والأصل في البناء السكون, ومنهم من يقول: مذ فيضم الذال, لأن أصلها منذ, فأبقاها بعد الحذف على حالها قبل الحذف, لأنه طارئ, فإن لقيها ساكن ضمت الذال كقولك: مذ اليوم, ردا إلى الأصل كقولهم: ذهبتم الآن, ومنهم من ينظر إلى الظاهر فيكسرها لالتقاء الساكنين فيقول: مذ اليوم, كما أن بعضهم يقول: أعطيتكم اليوم, فيكسر الميم حكاه سيبويه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال النحويون: إن أصل مذ منذ فحذفت النون تخفيفًا, ثم فرعوا على ذلك مسألة فقالوا: لو سميت رجلًا بمذ لقلت في تحقيره: منيذ, وفي جمعه: أمناذ فتعيد النون. وسألت بعض من يدعي علم الإعراب وهو عنه بمعزلة فقلت له: لم حكم النحويون بأن أصل مذ منذ؟ فكان قصارى جوابه أنه قال: هذا قول سيبويه ومن رد عليه فقد جعله مفتريًا للغة, وهذا جواب لا يرضى به إلا المقلد الذي لا نظر له في فنه, فإن سيبويه لمي ذهب إلى هذا إلا لدليل, وإن لم يكن كذلك جعل متحكمًا. والجواب المفيد أن يقال: لما رأينا مذ ومنذ بمعنى واحد, وإن الثنائية توافق الثلاثية في حرفين, ورأينا بعض العرب قد قال: مذ بالضم, حكمنا بأن أصل مذ منذ. ومن تأمل ما ذكرته علم بأنه موافق لمذاهب النحويين وسائل من ينابيع أقوالهم. هذا وقد خولف سيبويه, والذي خالفه يعتد بقوله عند أهل هذه الصناعة وإن كان متأخرًا, فإن الذي ذهب إليه أسنده إلى دليل قوي. قال سعيد بن المبارك المعروف بابن الدهان في كتابه الموسوم بالغرة في شرح اللمع: «إنه لا يمتنع أن يكون المحذوف من مذ / حرف علة يكون اللام فتكون من 71/ب باب غدٍ ويدٍ ودمٍ, لأن ما جاء على حرفين من الأسماء المتمكنة لم يجئ إلا محذوف اللام ما خلا اسمين, قالوا: غد ويد ودم وأب وأخ وحم وهن وذو واسم وابن واشت, وثنان واثنتان وحر وايم الله فيمن حذف النون, ودد وشاة واللات من قوله تعالى: {أفرأيتم اللات} فقد رأيتم كثرة ذلك أعني المحذوف اللام وقلة ما حذفت عينه. والحمل على الأكثر متعين لاطراده» ولولا اغترار كثير من العامة برخارف =

باب: (حتى)

باب: (حتى) قال ابن جني: اعلم أن حتى في الكلام على أربعة أضرب: تكون غاية فتجر الأسماء على معنى إلى, وتكون عاطفة كالواو ويبتدأ بعها الكلام. ويضمر بعدها أن فتنصب الفعل المستقبل على أحد معنيين: معنى «كي» ومعنى إلى أن, تقول إذا كانت غاية: قام القوم حتى زيد, ورأيت القوم حتى بكر. ومررت بالقوم حتى جعفر. وإذا كانت عاطفة قلت: قام القوم حتى زيد, ورأيت القوم حتى زيدًا, ومررت بالقوم حتى زيد. ـــــــــــــــــــــــــــــ = الحمقى لاقتضى اختصار هذا الكتاب الإضراب عن الإطالة - والله أعلم. (باب حتى) قال ابن الخباز: كل العرب يقول: حتى بالحاء إلا هذيلًا فإنهم يقولون: [عتى] و [كان] ابن مسعود يقرأ: {عتى حين} فنهاه عمر رضي الله عنه. وذكر أبو الفتح أنها تستعمل في الكلام على أربعة أضرب: حرف جر, وعاطفة, وحرف ابتداء, وناصبة للفعل المضارع, وهذا التقسيم بناء على الظاهر, لأن ناصبة الفعل المضارع جارة على مذهبه, ومذهب سائر البصريين. والقول أنها على ثلاثة أضرب: جارة, وعاطفة, وحرف ابتداء, وكذلك قسمها أبو علي في الإيضاح. ومعناها انتهاء الغاية. وهي من الكلم اللوازم للحرفية. واعلم أنها غير أصلية في الجر, لأنها تدخل على المفردات, وعلى الجمل, وشأن حرف الجر أن يلزم المفردات. وإنما جرت الأسماء تشبيها بإلى, لأنها مثلها في المعنى. ولا يخلو المجرور بها من قسمين: أحدهما: أن يكون آخر جزء مما قبلها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = كقولك: «أكلت السمكة حتى رأسها» فالرأس آخر السمكة. والثاني: أن يكون مجاورًا لآخر جزء مما قبلها / كقولك: «صمت رمضان حتى 19/ب يوم العيد» وإنما كان الأمر كذلك, لأن الغرض منها تعدية الفعل المتعلقة هي به إلى المجرور بها شيئًا فشيئًا حتى يأتي على آخره. وذكر الزمخشري أن المجاورة لآخر جزء مما قبلها داخل في الفعل, وهذا يبطله تمثيل ابن السراج في الجارة بقوله: صمت الأيام حتى يوم العيد, لأن يوم العيد غير داخل في الصوم. ومن أحكام الجارة: أنها لا تدخل على المضمر فلا تقول: قام القوم حتاك استغناء عنها بإلى, وفي التنزيل: {والأمر إليك} وأجازه المبرد. وإذا كانت عاطفة شرك ما بعدها ما قبلها في الإعراب كقولك: قام القوم حتى زيد بالرفع, ورأيت القوم حتى زيدًا, بالنصب, ومررت بالقوم حتى زيد بالجر. وقال ابن السراج: إذا كانت عاطفة في الجر فالجيد إعادة الجار, فعلى هذا تقول: مررت بالقوم حتى يزيد, لئلا تلتبس بالجارة, وإذا [قلت]: مررت بهم حتى يزيد, وجب إعادة الجار لأن المعطوف عليه مضمر مجرور, وقد حصل من ذلك الفرق بين العاطفة والجارة. وإذا كانت حرف ابتداء وقعت بعدها الجملتان الاسمية والفعلية, فالاسمية: كقولك: قام القوم حتى زيد قائم, هذه بمنزلة أما. وذكر أبو إسحاق الزجاج أنها حرف جر, ورده عليه أبو علي بأن حروف الجر لا تعلق عن العمل, وأما قول جرير:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 159 - فما زالت القتلى تمج دماءها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل فقد دخل فيه حتى على الجملة الاسمية. ولا يجوز في «ماء دجلة» إلا الرفع, [لأن] أشكل خبره, تمج: تقذف, ودجلة: علم لهذا النهر. الأشكل: الذي في لونه اختلاف كحمرة وبياض وسواد وبياض, وأما قول الشاعر: 160 - ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها 22/أ ... / فمبني على مسألة: وهي أكلت السمكة حتى رأسها أكلته, ويجوز في رأسها الرفع والنصب والجر, فالرفع بالابتداء, وأكلت خبره, وكذلك نعله ألقاها. والنصب على وجهين: أحدهما: أن تكون حتى عاطفة, وأكلته توكيدًا, لأنه قد دخل الرأس في الأكل بالعطف. والثاني: أن تكون حتى حرف ابتداء فينتصب رأسها بفعل مضمر دل عليه أكلته, وكذلك نعله ألقاها. والجر بحتى, وأكلته توكيدًا أيضًا, لأنه قد دخل الرأس في الأكل لما ذكرنا في المجرور بحتى, وكذلك حتى نعله ألقاها.

قال ابن جني: وإذا ابتدئ بعدها الكلام, قلت: قام القوم حتى زيد قائم, ومررت بهم حتى جعفر ممرور به, ويروى هذا البيت على ثلاثة أوجه: ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها برفع النعل, ونصبها, وجرها, فمن رفعها فبالابتداء, وجعل ألقاها خبرًا عنها, ومن نصبها عطفها على الزاد, وجعل ألقاها توكيدًا, وإن شاء نصبها بفعل مضمر يكون ألقاها تفسيرًا له, ومن جرها فبحتى, وجعل / ألقاها 22/ أتوكيدًا أيضًا قال جرير: فما زالت القتلى تمج دماءها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل فصرف ما بعدها إلى الابتداء. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وإذا دخلت حتى [التي] هي حرف ابتداء على الفعل, فلا يخلو من أن يكون ماضيًا أو مضارعًا, فإن كان ماضيًا, كان مجاورًا لآخر جزء من الفعل الذي قبلها كقولك: وقفت حتى وصلت إلى الأمير. وقضية قول أبي إسحاق: أن يكون الفعل في موضع جر, وهذا فاسد, لأن حرف الجر لا يدخل على الفعل, وإذا دخلت على المضارع فإنه يرتفع كقول الشاعر: 161 - أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب وإذا ارتفع [ما] بعدها كان على معنيين: أحدهما: أن يكون السبب والمسبب جميعًا قد مضيا كقولك: سرت حتى أدخل المدينة. المعنى: سرت حتى دخلتها فإن قلت: كيف يكون ماضيًا, ولفظه لفظ المضارع, قلت: هذا على حكاية الحال, كأنه يمثلها موجودة كقوله تعالى: {فوجد فيها رجلين يقتتلان} وإن كانا حين إنزال الآية معدومين, وأنشد الواحدي رحمه الله: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 162 - جارية في رمضان الماضي ... تقطع الحديث بالإيماض 73/أوالمعنى الثاني: أن يكون السبب قد مضى وقد تراخى وجود / المسبب إلى وقت حديثك, ثم أخذ في الوجود, وذلك كقولك: لقد رأى مني عامًا أول شيئًا حتى لا أستطيع أن أكلمه الآن بشيء أي حتى هذه حالي, وعلى كل حال لا تعمل حتى فيهما, أما في الأول: فلأنه ماض, والماضي غير معمول. وأما الثاني: فلأنه فعل حال, وفعل الحال لا تعمل فيه عوامل الأفعال. وينتصب الفعل بعد حتى, كقولك: سرت حتى أدخلها, وليس النصب بها, وإنما النصب بأن المضمرة بعدها كأنك قلت: سرت حتى أن أدخلها, هذا مذهب البصريين وحجتهم: أن حتى حرف جر كقوله تعالى: {سلام هي حتى مطلع الفجر} وإذا ثبت أنها الجارة للاسم لم تعمل في الفعل, لأن عوامل الاسم لا تعمل في الفعل, وإذا لم تعمل في الفعل - والنصب يقتضي عاملًا له - ثبت أنه بأن المضمرة, لأن المعنى: سرت إلى دخولها, فكون حتى حرف جر يوجب للفعل إضمار ناصب, وكون الفعل منصوبًا مقدرًا بمصدر يوجب تعيين أن في الإضمار, لأنها ناصبة مصدرية. وإذا انتصب الفعل بعد حتى (فهي) على ضربين: أحدهما: أن تكون بمعنى الغاية كقولك: سرت حتى تطلع الشمس, وسرت حتى يؤذن المؤذن, وفي =

قال ابن جني: وتقول: إذا كانت بمعنى «كي» أطع الله حتى يدخلك الجنة, معناه: كي يدخلك الجنة. وإذا كانت بمعنى إلى أن, قلت: لانتظرنه حتى يقدم, معناه: إلى أن يقدم. وتقديرهما في الإعراب: حتى أن يدخلك الجنة, وحتى أن يقدم, إلا أنه, لا يجوز إظهار أن ها هنا, لأنه أصل مرفوض. ـــــــــــــــــــــــــــــ = التنزيل: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} فقد جعل ولوج الجمل في السم غاية لنفي دخولهم الجنة, وتلك غاية لا توجد, فلا يزال دخولهم الجنة منفيًا, وغالى بعض الشعراء في صفة جسمه بالنحول فجاء بما يناقض الآية, فقال: 163 - ولو أن ما بي من جوى وصبابة ... على جمل لم يتق في النار خالد غفر الله له, لأن معارضات مبالغات القرآن لا تجوز, ولذلك أنهم الحريري حيث قال: «وأوهن من بيت العنكبوت» فأتى / بمعنى أبلغ من معنى أكده الله 73/ب من ستة أوجه, قال الله تعالى: {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} فأدخل إن, وبنى أفعل التفضيل, وبناه من الوهن, وأضافه إلى الجمع, وعرف الجمع باللام, وأتى في خبر إن باللام, وقد قال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا} فكان اللائق بالحريري أن لا يتجاوز هذه المبالغة. قال ابن الخباز: المعنى الثاني: أن ينتصب الفعل على معنى «كي» , وذلك كقولك: كلمته حتى تأمر لي بشيء, وأسلمت حتى أدخل الجنة, ولا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يجوز أن تكون ها هنا بمعنى الغاية, لأنه لا يجعل دخول الجنة غاية الإسلام. وأما قوله تعالى: {وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها} فحتى فيه للغاية, ولا يجوز جعلها للتعليل, لأنهم لا يمتنعون من دخوله الأجل خروج أولئك منها, وإذا لم يدخلوها فأولئك لا يخرجون منها, وإذا قلت: شتمته حتى يغضب, فحتى يجوز أن تكون غاية, أي اشتمه إلى الغضب. ويجوز أن تكون تعليلًا, أي: أشتمه ليغضب, فبان أن لحتى ثلاثة مواضع للنصب: موضع تكون فيه غاية لا غير, وموضع تكون فيه تعليلًا لا غير, وموضع يحتمل المعنيين. فإن قيل: لم لا يجيزون سرت حتى أن أدخلها بالإظهار؟ فالجواب: أن حتى في حالة نصب الفعل مثلها في حالة رفعه, فقد صار بمنزلة الابتداء به في تأديتها معنى الغاية وتلك لا تظهر بعدها أن فكذلك هذه, والفرق بينهما التقدير مع الجارة وعدم التقدير مع تلك. وذهب الكوفيون إلى أن النصب بحتى نفسها. وذهب الفراء إلى أنها تكون جارة وناصبة, فإذا قلت: سرت حتى أدخلها, فالنصب بها. وإذا قلت: سرت حتى مطلع الفجر, فالجر بها. وذهب الكسائي: إلى أن حتى لا تكون 74/أحرف جر, فإذا قلت: ضربت القوم حتى زيد فالتقدير عنده / حتى انتهى ضربي إلى زيد, ومذهب البصريين أنها لا تكون ناصبة, وقد جاء بيت يدل على مذهبهم دلالة صريحة أنشده عبد القاهر الجرجاني في شرح الإيضاح وهو: 164 - داوبت عين أبي الدهيق بمطله ... حتى المصيف وتغلو القعدان موضع الاستدلال: أنه جر المصيف ونصب تغلو, فإن كانت حتى هي الجارة =

باب: (الإضافة)

باب: (الإضافة) قال ابن جني: وهي في الكلام على ضربين أحدهما: ضم اسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام. والآخر: ضم اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى من. الأول منهما, نحو قولك: هذا غلام زيد: أي, غلام له, وهذه دار عبد الله,' أي: در له. والثاني نحو قولك: هذا ثوب خز, والثوب بعض الخز, أي: ثوب من خز, وهذه جبة صوف, أي: جبة من صوف. واعلم أن المضاف قد يكتسي من المضاف إليه كثيرًا من أحكامه نحو التعريف والاستفهام والإشاعة / والجزاء ومعنى العموم, ويأتي هذا في أماكنه إن 22/ب شاء الله تعالى. ـــــــــــــــــــــــــــــ = عند الفراء فقد بقي تغلو بلا ناصب, وإن كان الجر عند الكسائي بإضمار إلى, فهو يقدر الفعل الماضي بعد حتى فقد بقي تغلو بلا ناصب فبان أن الصواب ما قاله البصريون: وهو أن التقدير وأن تغلو, والفعل في موضع المصدر, وهو اسم معطوف على المصيف, كأنه قال: حتى المصيف وغلاء القعدان. (باب الإضافة) قال ابن الخباز: للإضافة معنيان: لغوي, وصناعي, فاللغوي: الإسناد تقول: أضفت ظهري إلى الحائط, أي: أسندته إليه. قال امرؤ القيس: 165 - فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري فشيب مشطب وأما الصناعي: فهو ضم اسم أول إلى اسم ثانٍ ليس بخبر ولا تابع ولا حال من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = غير فاصل بينهما, فإذا وجد الضم على هذه الصفة, فإن الثاني مجرور, كما يرتفع الفاعل وينتصب المفعول, والأول يسمى مضافًا, والثاني مضافًا إليه. ولا يجوز تنوين المضاف, واختلف النحويون في علة ذلك, فذهب الكوفيون إلى امتناعه, لأن التنوين والإضافة خصيصتان فلم يجتمعا, وهذا باطل بقولنا: «قريشي, فإن قد جمعنا بين التصغير وياء النسب وهما خصيصتان. وذهب البصريون إلى أنهما لم يجتمعا, لأن التنوين يوجب الانفصال, والإضافة 74/ب توجب الاتصال فتناقضا / وقيل: إن المضاف إليه يعرف المضاف, فجرى مجرى اللام فلم يفصل بينهما. واختلف النحويين في جر المضاف إليه, فقال عبد القاهر: إنه بالمضاف, لأنه فهم منه معنى الحرف الذي جيء بالإضافة مبنية على معناه, فلما قام مقام حرف الجر جر الاسم. وذهب قوم إلى أنه مجرور بحرف مقدر بين الاسمين, إما اللام, وإما من. وأبطل عبد القاهر هذا القول بأنه لو كان كذلك لجاز أن يقال: غلام زيد, وثوب خز بالتنوين, لأن التقدير: غلام لزيد, وثوب من خز, ولو ظهر الحرفان, لم يكن في إظهار التنوين منازعة, وعلى كلا القولين لابد من النظر إلى حرف الجر لأنه هو الأصل في الجر. ولا بأس بفصل الألف واللام, كقولك: غلام الأمير, وخيل إلى بعض الحمقى من أهل عصرنا أن الإعراب فاصل بين المضاف والمضاف إليه [ولو فكر فيما قال] [لتبرقع] لأنا إذا أنزلنا الإعراب لكونه فاصلًا, فينبغي أن يكون تأليف الأسماء غير محدث للإعراب, وهو إنما يحدث لها مع التأليف, وما هذا إلا كما قال أبو الأسود الدؤلي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 166 - يقولون أقوالًا ولا يعملونها ... ولو قيل هاتوا خققوا لم يحققوا والإضافة قسمان: معنوية, ولفظية, فالمعنوية تسمى المحضة, واللفظية تسمى غير المحضة وأبو الفتح رحمه الله لم يذكر الثانية. وأنا أذكر القسمين لتكمل الفائدة. أما المحضة: فهي التي لا ينوي بها انفصال المضاف من المضاف إليه, وهي بمعنيين: معنى اللام, ومعنى من فالأول: كقولك: غلام رجل ودار زيد أي: غلام لرجل ودار لزيد. والثاني: كقولك: باب مباح / وثوب كتان. أي: باب من ساج 75/ أوثوب من كتاب, ويفصل بين النوعين: أن المضاف بمعنى اللام لا يسمى باسم المضاف إليه, فالدار لا تسمى زيدًا, والمضاف بمعنى «من» يسمى باسم المضاف إليه, فالباب من الساج ساج, أورده أبو علي في الإيضاح. وذكر عبد القاهر أن من الإضافة المحضة ما يكون بمعنى «في» قولهم: فلان ثبت الغدر ولا يمتنع حمله على اللام بأن تكون صفته بالثبوت مختصة بهذا المكان. وخيل إلى بعض الحمقى من أهل زماننا أن للإضافة قسمًا ثالثًا يكون بمعنى اللام وبمعنى من, وقال: هي المترددة, فقيل له: ما مثالها؟ فقال: يد زيد, وحال هذا كحال الأول في عمل التخييل فيه, والذي غره أن اليد جزء من زيد, فلذلك حمله على من, ولو فكر في الفصل بين قولنا: يد زيد وثوب خز لما عده قسمًا ثالثًا, لأن قولنا: يد زيد, تبين للكل الذي منه هذا الجزء (و) جزء الشيء غير كله, قولنا: ثوب خز, تبيين للجنس الذي منه هذا الشخص. فقولنا: يد زيد كقولنا: دار زيد, لأن اليد لا تسمى زيدًا كما أن الدار لا تسمى زيدًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واعلم أن الإضافة المحضة لما لم تكن في نية الانفصال اكتسى المضاف فيها كثيرًا من أحكام المضاف إليه, وجملة ذلك سبعة ذكر أبو الفتح منها أربعة ولم يمثل, وأنا أسوقها ممثلة, الأول: التنكير فإذا أضفت معرفة إلى نكرة تنكرت كقولكك زيد رجل فهو قبل الإضافة معرفة, ولما أضفته ميزته عن زيد امرأة. الثاني: التخصيص, وهو في إضافة النكرة كقولك: غلام رجل لأن غلام رجل أخص من غلام. الثالث: التأنيث, كقولهم: ذهبت بعض أصابعه, لأن بعضا مذكر, فلما أضافوه إلى الأصابع أنث لأنه أصبع. قال الأعشى: 167 - وتشرق بالقول الذي قد أذعته ... كما شرقت صدر القناة من الدم 75/ب / والصدر مذكر فلما أضافوه إلى [القناة] لأنته, لأنه يسمى قناة, فهذه الثلاثة الفائتة. وأما الأربعة الباقية: فالأول: التعريف, وذلك كقولك: إلام زيد, وكل نكرة أضيفت إلى معرفة تعرفت إلا أسماء أوغلت في الإبهام نذكرها في باب الوصل إن شاء الله. الثاني: الاستفهام, وذلك كقولك: رزق كم رجلًا أطلقت؟ وغلام من أنت؟ يدلك على أنه اكتسى معنى الاستفهام أنك لو جئت بالألف أدخلتها على الاسم فكنت تقول: أرزق عشرين رجلًا أطلقت؟ وأغلام زيد أنت. الثالث: المجازاة, وذلك كقولك, غلام من تضرب أضرب, يدلك على أنه اكتسى معنى الجزاء أنك لو جئت بحرف الشرط لوليه فعله, فكنت تقول: إن تضرب غلام زيد أضرب. الرابع: العموم, وذلك كقولك: عندي غلام كل رجل, لأن كلا معناها العموم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأما الإضافة غير المحضة فأربعة أضرب: الأول: إضافة اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال, كقولك: هذا ضارب زيد الآن, وهذا شاتم عمرو غدًا والتقدير فيه الانفصال, ولذلك سميت غير محضه كأنك قلت: ضارب زيدًا, وشاتم عمرا, ويدلك على أن التقدير فيها الانفصال أنها تكون صفة للنكرة, وموصوفة بالنكرة فالأول: كقوله عز وجل: {فلما رأوه مستقبل أدويتهم قالوا هذا عارض ممطرنا} فوصف عارضًا في الموضعين بالمضاف فدل على أن الإضافة في تقدير الانفصال, وكونه موصوفًا بالنكرة ما أنشده, سيبويه رحمه الله لذي الرمة: 168 - سرت تخيط الظلماء من جانبي نسا ... وحب بها من خابط / الليل زائر ... 76/أ الثاني: إضافة الصفة المشبهة باسم الفاعل كقولك: حسن الوجه وشديد الساعد وهذه أيضًا في تقدير الانفصال, لأنك تصف بها النكرة كقولك: مررت برجل حسن الوجه. الثالث: إضافة أفعل التفضيل إلى ما هو بعض له, نحو قولن: زيد أفضل القوم, واختلف النحويون في هذه الإضافة, فذهب الأكثرون إلى أنها في تقدير الانفصال وهو قول عبد القاهر, لأنك تصف بها النكرة كقولك: مررت برجل أفضل القوم. وقال قوم: إنها ليست في تقدير الانفصال, لأنها قد أثرت معنى البعضية وبيان ذلك أنك إذا قلت: زيد أفضل من لقوم لم يجب أن يكون من القوم. فإذا أضفت وجب أن يكون منهم, ويدلك على صحة ذلك أنك تقول: الملائكة أفضل من البشر, ولا تقول: الملائكة أفضل البشر, لأنهم ليسوا بشرًا, وتقول: الحرير ألين من الكتان, ولا تقول: الحرير ألين الكتان, ولا يجوز أن تضيف أفعل التفضيل =

باب: (معرفة ما يتبع الاسم في إعرابه)

باب: (معرفة ما يتبع الاسم في إعرابه) قال ابن جني: وهو خمسة أضرب: وصف, وتوكيد, وبدل, وعطف بيان, وعطف بحرف. فأربعة من هذه تتبع الأول بلا توسط حرف, وواجد منها يتبع الأول بتوسط حرف وهو العطف المسمى نسقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ = إلى اسم مضاف إلى ما أفعل التفضيل له فلا يجوز زيد أفضل إخوته, لأن إضافته إليه تجعله منهم وإضافتهم إليه تخرجه عنهم فيفضي إلى تفضيله على نفسه وتفضيله على من هو غير جنسه. الرابع: إضافة الاسم إلى الصفة, وذلك نحو قولك: صلاة الأولى, ومسجد الجامع, وفي هذا خلاف بين النحويين, فمذهب الكوفيين: أن الأصل الصلاة الأولى والمسجد الجامع, فأضيف الموصوف إلى الصفة وهذا عند البصريين لا يجوز لوجهين: أحدهما: أن الصفة في المعنى هو الموصوف, وإضافة الشيء إلى نفسه غير جائزة. الثاني: أن أحكام المضاف والمضاف إليه وأحكام الصفة والموصوف متناقضة, ومذهب البصريين أنك إذا قلت: صلاة الأولى فالأولى 76/ب عندهم غير الصلاة, لأن المعنى صلاة الساعة الأولى / من زوال الشمس, وإذا قلت: مسجد الجامع فمعناه: مسجد اليوم الجامع, فالجامع غير المسجد, وكذلك: بقلة الحمقاء, تقديره: بقلة الحبة الحمقاء, فالحمقاء صفة للحبة ووصفت بالحمق, لأنها تنبت في مجاري السيول فتقلعها. وأحكام الإضافة كثيرة, وقد ذكرت ما يشتمل عليه الباب وزدت عليه ما لابد من إثباته. (معرفة ما يتبع الاسم في إعرابه) قال ابن الخباز: قد ذكرنا أن الإعراب أربعة أضرب: رفع ونصب وجر وجزم ولكل واحد منها عامل وكل عامل استوفى مقتضاه لم يكن له سبيل على سواه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فالفعل لا يرفع فاعلين, وما تعدى إلى مفعول لا ينصب مفعولين ولا يجر حرف الجر اسمين, ولا يجزم حرف الجزم فعلين إلا إن وما ضمن معناها. ولهذه المعمولات توابع, جرت مجراها في الإعراب, لأنها مثلها في المعنى أو لرابط بين الأول والثاني, فلذلك عمل عامل المتبوع في التابع, وهذه التوابع خمسة: توكيد, وصفة, وبدل, وعطف بيان, وعطف بحرف, وإنما كانت خمسة, لأن الثاني لا يخلو من أن يتبع الأول بواسطة أو بغير واسطة, فإن تبعه بواسطة فهو العطف بالحرف, وإن لم يتبعه بواسطة فلا يخلو من أن يكون هو المعتمد بالحديث أو لا, فإن كان هو المعتمد بالحديث فهو البدل, وإن لم يكن المعتمد بالحديث لم يخل من أن يكون مشروط الاشتقاق, أو غير مشروط الاشتقاق, فإن كان مشروط الاشتقاق فهو الوصف. وإن لم [يكن] مشروط الاشتقاق لم يخل من أن يكون بمنزلة الوصف في إزالة الاشتراك من الأول أو لا, فإن كان بمنزلة الوصف في إزالة الاشتراك فهو عطف البيان, وإن لم يكن كذلك فهو التوكيد, وابن السراج / وأبو علي بدأ بالتوكيد ثم بالصفة, وأبو 77/ أالفتح بدأ بالوصف وجعل عطف البيان إلى جانب العطف بالحرف لتسميته عطفًا, وأبو على جعل البدل إلى جانب النسق, لأن من أقسام البدل ما يكون غير الأول كقولك: ضربت زيدًا رأسه فهو بمنزلة العطف بالحرف, وأبو القاسم =

باب: (الوصف)

باب: (الوصف) قال ابن جني: اعلم أن الوصف لفظ يتبع الموصوف تحلية وتخصيصًا ممن له مثل اسمه بذكر معنى في الموصوف أو في شيء من سببه, ولا يكون الوصف إلا من فعل أو راجعًا إلى معنى الفعل. والمعرفة توصف بالمعرفة, والنكرة توصف بالنكرة, ولا توصف معرفة بنكرة ولا نكرة بمعرفة, والأسماء المضمرة لا توصف لأنها إذا أضمرت فقد عرفت. فلم تحتج إلى الوصف لذلك تقول في النكرة: جاءني رجل عاقل, ورأيت رجلًا عاقلًا ومررت برجل عاقل. ـــــــــــــــــــــــــــــ = الزجاجي أخل بالترتيب فبدأ بالنعت ثم بالعطف ثم بالتوكيد ثم بالبدل, وأغفل عطف البيان. فإن قيل: فمن التوابع ما يكون مشتركًا بين الأسماء والأفعال وذلك التوكيد اللفظي والبدل, فالتوكيد اللفظي كقولك: زيد يجلس يجلس والبدل كقولك: إن تأتني تمشي أمش معك, فلماذا قال: معرفة ما يتبع الاسم في إعرابه؟ فخص الاسم بالذكر. قلت: التوابع الخمسة تحقق بأسرها في الأسماء دون الأفعال, فلأجل ذلك خصها بالذكر, وقد قال أبو علي: باب توابع الأسماء في إعرابها. وجملة الأمر: أن الأسماء تصح فيها التوابع الخمسة, والفعل يصح فيه: التوكيد اللفظي, والبدل, والعطف, والحرف يصح فيه: التوكيد اللفظي, كقولك: إن إن زيدًا منطلق. (باب الوصف) قال ابن الخباز: يقال: وصف وصفة ونعت, فالوصف: المصدر, والصفة: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = اللفظ الجاري على الموصوف. وسألت شيخنا رحمه الله عن الفرق بين الوصف والنعت فقال: النعت يستعمل فيما يتغير والوصف يستعمل فيما يتغير وفيما لا يتغير, ولذلك يقال: صفات الله ولا يقال: نعوت الله, ولم تستعمل العرب النعت إلا في غير الله. قال الراجز / أنشده أبو سعيد: 77/ب 169 - أنعت أعيارًا رعين الخنزرا ... أنعتهن أيرًا وكمرًا وأما حد الصفة, فقال ابن جني: (إنه لفظ يتبع الموصوف تحلية وتخصيصًا ممن له مثل اسمه بذكر معنى في الموصوف أو في شيء من سببه) فهذا الحد مؤذن بأمور. الأول: أنه قال: (لفظ) فهذا دليل على أن الوصف يكون اسمًا وغير اسم فالاسم كقولك: جاءني رجل عاقل, وغير الاسم كقولك: مررت برجل في الدار, ورأيت رجلًا أبوه راكب. الثاني: أن هذا اللفظ يتبع الموصوف, ومعنى كونه تابعًا له مساواته إياه في عشرة أمور: التعريف والتنكير والتأنيث والتذكير, والإفراد والتثنية والجمع, والرفع والنصب والجر, فلا يجوز وصف واحد من هذه بما ليس مثله فيها (فلا) توصف معرفة بنكرة بل معرفة, ولا توصف نكرة بمعرفة بل نكرة, ولا يوصف مفرد بتثنية ولا يجمع بل بمفرد, وكذلك البواقي, ولست أعني بقولي: «إنه يساويه في عشرة أمور» أن الأمور العشرة متى ثبت شيء منها للموصوف وجب ثبوته للصفة. الثالث: قوله (تحلية) والتحلية تفعلة من الحلية, وهو الأمر الظاهر على الموصوف كالطول والقصر والسواد والبياض والعمى والحول والعور. الرابع: قوله: (تخصيصًا ممن له مثل اسمه) وهذا يؤذن بأن الصفة إنما تجيء مزيلة للاشتراك, والاشتراك على قسمين: وضعي واتفاقي, فالوضعي كاشتراك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = النكرة نحو رجل وفرس فإنهما لا يخصان واحدًا من أمتهما فإذا قلت: مررت 78/أبرجل عالم وشريت فرسًا أشقر فصلت نوعًا من نوع, لأن كل / رجل عالم رجل وكل فرس أشقر فرس ولا ينعكس. الخامس: قوله: (بذكر معنى في الموصوف أو في شيء من سببه) هذا اللفظ يؤذن بأن الصفة قسمان: أحدهما: أن تكون للأول كقولك: مررت برجل عالم فالعالم هو الرجل الممرور [به] والثاني: أن تكون لشيء مضاف إلى ضميره وهو السببي كقولك: مررت برجل ذاهبة جاريته «فالذهاب للجارية, وإنما جازت صفته بصفة غيره, لأنه مضاف إلى ضميره فصار له تعلق به, ألا ترى أنك لو قلت: لعن الله ذاهبة جاريته» كان اللعن على صاحب الجارية لا عليها, وهذا بين, فهذا تحرير الحد. فإذ كانت الصفة للأول وافقته في الأمور المذكورة, وإن كانت لسببية وافقته في خمسة دون خمسة, وهي الرفع, والنصب, والجر, والتعريف, والتنكير, كقولك: جاءني رجل عاقل أبوه, ومررت بزيد الكريم غلامه, ولا توافقه في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث, لأنها في الحقيقة للسببي لا للأول. تقول: مررت برجل ذاهبة جاريته فتؤنث والموصوف مذكر, ومررت بامرأة ذاهب أبوها فتذكر والموصوف مؤنث ومررت برجلين كثير مالهما فتفرد والموصوف مثنى وفروع المسائل كثيرة, وقال أبو علي في تعليل كون الصفة تابعة للموصوف في ما ذكرنا من الأمور العشرة: لأن الصفة ينبغي أن تكون (على) وفق الموصوف في المعنى فمن حيث لم يجز أن يكون الجميع واحدًا والواحد جميعًا لم يجز أن يوصف كل واحد منهما إلا بما يلائمه وما هو وفقه هذا كلامه. والدليل على أن الصفة هي الموصوف في المعنى أنك إذا قلت: جاءني رجل, طلب في الرجال, فإن قلت: جاءني رجل فقيه طلب في الرجال الفقهاء, وكلما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = زدت صفة قل العموم, وقد تبلغ / بالاسم كثرة الصفات إلى أن يكون لا شريك له 78/ب كقولك: رأيت رجلًا فقيهًا شاعرًا أعور بزازًا كاتبًا, فإن هذه الصفات لا يكاد يوجد اثنان مشتركان في جملتها. وقوله: (ولا يكون الوصف إلا من فعل أو راجعًا إلى معنى الفعل) يعني به أن الصفة إما مشتقة أو في تأويل المشتق, لابد من ذلك. فالأول كراكب وقائم. والثاني: كمثلك وغيرك يتأولان: مماثل ومغاير. وإنما لزم الاشتقاق أو تأويله, لأن المقصود من الصفة الفرق بين المشتركين في الاسم, وذلك لا يحصل إلا بذكر المعاني العارضة القائمة بالذوات التي تدل عليها الأسماء المشتقة. وبقية باب الوصف أتى على ما فيه من الأحكام بذكر ثلاثة فصول. الفصل الأول في صفات النكرات: اعلم أن النكرة توصف بخمسة أنواع, الأول: ما كان حلية وقد فسرتها, تقول فيما كان للموصوف: مررت برجل أسود, وفيما كان لسببه: مررت برجل عالية داره. الثاني: ما كان فعلًا علاجيًا, فما كان للأول فنحو قولك: مررت برجل ذاهب وما كان للسببي فنحو قولك: مررت برجل قائمة جاريته. الثالث: ما كان غريزة, فما كان للأول قولك: مررت برجل شريف, وما كان للسببي قولك: مررت برجل كريم أبوه. الرابع: النسب فما كان للأول قولك: مررت برجل هاشمي وما كان للسببي: مررت برجل مصري حماره. الخامس: ذو التي بمعنى صاحب, تقول: مررت برجل ذي مال, وتذكر تثنيتها وجمعها وتأنيثها, لأنه قل أن يعرف تقول: مررت برجلين ذوي مال, وبرجال ذوي مال وبامرأة ذات مال, وبامرأتين ذواتي مال وبنساء ذوات مال, وفي التنزيل: {ذواتي أكل} و {ذواتا أفنان} و {ذوي عدل / منكم}. ولا يجوز أن تصف بذي سببًا, فلا تقول: مررت برجل ذي مال أبوه, وذلك =

23/أقال ابن جني: وتقول: في المعرفة: هذا زيد العاقل, ورأيت زيدًا العاقل / ومررت بزيد العاقل وتقول فيما تصفه بشيء من سببه: هذا رجل عاقل أخوه, ومررت بزيد الكريم أبوه, ولو قلت: مررت بزيد ظريف على الوصف لم يجز, لأن المعرفة لا توصف بالنكرة: وتقول: هذا رجل مثلك ونظرت إلى رجل شبهك وشرعك من رجل, وهذا رجل ضارب زيد وشاتم بكر فتجري هذه الألفاظ أوصافًا على النكرات. وإن كن مضافات إلى المعارف لتقديرك فيهن الانفصال, وأنهن لا يخصصن شيئًا بعينه. ـــــــــــــــــــــــــــــ = لثلاثة أوجه: أحدهما: أنها غير مشتقة. والثاني: أنها تلزم الإضافة. والثالث: أنها على حرفين فبعدت بذلك كله عن مذهب الفعل, ومن قال: مررت بسرج خز صفته ومررت برجل فضة حلية سيفه لم يبعد أن يقول: مررت برجل ذي مال أبوه, لأنها متأولة بمالك وصاحب. ويجوز وصف النكرة بالجملة التي يدخلها الصدق والكذب اسمية كانت أو فعلية, تقول: جاءني رجل أبوه قائم ومررت برجل يذهب علامه, وشريت جارية مات أبوها. والجملة لا يستبين إعرابها, بل يحكم به على موضعها, فإن كانت صفة لمرفوع فموضعها رفع, وإن كانت صفة لمنصوب فموضعها نصب, وإن كانت صفة لمجرور فموضعها جر, وقد مثلت ذلك. وإذا جمعت بين الجملة والمفرد فالجيد تقديم المفرد كقوله تعالى: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} , لأن المفرد هو الأصل, وقال الشنفرى: 170 - ووراء الثأر مني ابن أخت ... مصع عقدته ما تحل قال ابن الخباز: الفصل الثاني: في صفة المعرفة, والمعارف خمسة أنواع: الأول: المضمر, ولا يقع موصوفًا ولا صفة, أما كونه لا يوصف فلأنه إن كان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = متكلمًا أو مخاطبًا فقد استغنى عن الصفة بحضوره, وإن كان غائبًا فلا يذكر إلا بعد ظاهر, وأما كونه لا يقع صفة فلأنه بعيد من لفظ الفعل ألا ترى أنهم لم يجيزوا: مروري يزيد حسن وهو بعمر وقبيح, وإن كان هو ضمير مروري, فلا تعلق به الباء, لأنه لا يدل على لفظ الفعل. النوع الثاني: العلم, يوصف بسائر المعارف, بالمبهم كقولك: مررت بزيد هذا فإن ثنيته أو / جمعته لم تصفه بالمبهم فلا تقول: مررت بالزيدين هذين, ولا 79/ب بالزيدين هؤلاء, لأن التثنية والجمع يخرجانه عن العلمية. [و] بالألف واللام كقولك: مررت بزيد الطويل, وبالمضاف إلى المعرفة كقولك: مررت بزيد صاحبك, ولا يقع العلم صفة, لأنه لما سمي به أخرج عن معنى الفعل. الثالث: المبهم, ويوصف بالألف واللام كقوله تعالى: {إن هذا القرآن} وخيل إلى بعض الحمقى من أهل عصرنا أن هذا زائدة, والقرآن اسم إن. الرابع: الألف واللام, ويوصف بالألف واللام, وبالمضاف إلى ما هما فيه كقولك: مررت بالرجل الجميل وبالغلام صاحب القوم. الخامس: المضاف إلى المعرفة, ويوصف بما أضيف كإضافته كقولك: مررت بأخيك: صاحب عمرو, وبالمبهم كقولك: مررت بأخيك هذا وبالألف واللام كقولك: [مررت] بأخيك الظريف, فهذا تفصيل المعرفة. وكل ما كان صفة للنكرة كان بعد المعرفة حالًا تقول: مررت برجل قائم, فإن جئت به بعد زيد قلت: مررت بزيد قائمًا, ولا يشرك بين النكرة والمعرفة في الوصف الواحد, فلا تقول: مررت برجل وزيد ضاحكين ولا الضاحكين لأنك إن عرفته فأحدهما نكرة, وإن نكرته فأحدهما معرفة. الفصل الثالث: أسماء أضيفت إلى المعارف ولم تتعرف بذلك: اعلم أن حكم كل ما أضيف إلى معرفة أن يتعرف كقولك: غلامي وصاحبك وجاريته, ودار زيد, وكتاب هذا وعبد الرجل, وطرف رداء عمرو, إلا أسماء أضيفت ولم تؤثر فيها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإضافة تعريفًا, وهي قسمان أحدهما: إضافة عامل إلى معمول لو لم تضفه إليه 80/ألعمل فيه غير الجر, وذلك: أسماء الفاعلين, والمفعولين /, والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين, فالأول: كقولك: هذا رجل ضارب زيد وشاتم عمرو, والتقدير: ضارب زيدًا, وشاتم عمرًا فقد أضفت الناصب إلى المنصوب. والثاني: كقولك: هذا رجل معطى الدرهم ومكسو الجبة, والتقدير معطي الدرهم, ومكسور الجبة, فهذا مثل الأول. الثالث: كقولك: مررت برجل حسن الوجه كريم الأب والتقدير: حسن وجهه وكريم أبوه فقد أضفت الرافع إلى المرفوع, وهذا كله تصف به النكرة, لأن إضافته في تقدير الانفصال, فهو باق على تنكيره, ومن أدل دليل على تنكيره [و] أنه نكرة قول جرير: 171 - يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدة منكم وحرمانا فدخلت رب عليه, ولا تدخل إلا على النكرة. الثاني: ما أضيف ولم يتعرف, وهي أسماء اقتضت معانيها العموم, منها, مثل: تقول مررت برجل مثلك, وإنما لم يتعرف لأن مماثلة المخاطب لا تختص بالمرورية لأنه ما من شيء إلا وهو يماثله في شيء, ويدلك على أن نكرة قول أبي محجن: 172 - يا رب مثلك في النساء غريزة ... بيضاء قد متعتها بطلاق الثاني: غير, تقول: مررت برجل غيرك, فلا يتعرف لأن مغايرة المخاطب لا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تختص بالرجل المذكور, لأن كل شيء ليس إياه هو غيره, وفي التنزيل: {ما لكم من إله غيره} و {هل من خالق غير الله} فأجري صفة على النكرة. الثالث: شبه, تقول: مررت برجل شبهك وحكمه حكم مثل. فأما شبيه فيتعرف بالإضافة وتصف به المعرفة تقول: مررت بزيد شبيهك, وذلك لأن معنى شبه ما يشابهك في معنى ما, ومعنى شبيه / ما يغلب عليه شبهك, فإذا قلت: مررت 80/ب بزيد شبيهك فكأنك قلت: مررت بزيد المعروف بمشابهتك, ويقال: مثيل في معنى مثل, وحكمه حكم شبيه تقول: مررت بزيد مثلك. وشرعك بمعنى شبهك وقد ذكر. ويقال: الناس في هذا الأمر شرع وشرع بفتح الراء وإسكانها أي: سواء, فقد أتى هذا التفسير على ما ذكره أبو الفتح رحمه الله. ومسائل الصفة كثيرة. ونحن نذكر منها خمس مسائل أجنبية من الباب نجعل كل مسألة علما على نوعها. المسألة لأولى: إذا اختلف إعراب الأسماء الموصوفة أو العامل فيها لم يجز الجمع بين صفاتها بل يفرد كل واحد بصفته, فمثال اختلاف إعرابها أن يكون أحد الاسمين مرفوعًا والآخر منصوبًا أو مجرورًا كقولك: قام زيد ورأيت عمرًا, فلا يجوز: قام زيد ورأيت عمرًا الكريمين ولا الكريمان, لأن الكريمين اسم حله إعراب واحد فلو جعلته صفة لهما لم يستقم حتى ترفعه وتنصبه ليكون صفة لهم, لأنه لم يتبعهما في الإعراب, وأجازوا قام زيد ورأيت عمرًا الكريمين والكريمان على غير وجه الصفة, وهو أن تنصبه بإضمار أعني, وترفعه بإضمار المبتدأ, ومثال اختلاف العامل فيها قولك: هذا زيد وقام عمرو الكريمان. وكان زيد أخاك ورأيت أباك العاقلين, لا تجوز المسألتان على الصفة, لأن الأولى ارتفع فيها زيد بأنه خبر المبتدأ وعمرو بأنه فاعل. والثانية انتصبت فيها أخوك بأنه خبر كان, وأبوك بأنه مفعول, فلو جعلت الكريمين والعاقلين صفة لرفعت الكريمين برافعين ونصبت العاقلين بناصبين / واختلاف الجرين 81/أكاختلاف الرفعين والنصبين كقولك: مررت بزيد وسرت إلى عمرو الكريمين وهذه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المسائل جائزة بأن تنصب بإضمار أعني وأن ترفع على إضمار المبتدأ. المسألة الثانية: يجوز تفريق الموصوف وجمع الصفة, وجمع الموصوف وتفريق الصفة فالأول: كقولك: مررت برجل وامرأة وحمار قيام, وهذا لا يصح إلا إذا اشتركت فلا يجوز مررت برجل وحمار مصليين, لأن الحمار لا يصلي. والثاني كقولك: مررت برجلين مسلم وكافر, ومررت برجال قائم وقاعد ومضطجع ولك القطع والرفع في مثل هذا, كأنك قلت: أحدهما مسلم والآخر كافر. والمسألة الثالثة: لا يجوز عطف الصفة على الموصوف, فلا ت قول: مررت بزيد والظريف لأنه زيد في المعنى. ويجوز عطف بعض الصفات على بعض كقولك: مررت بزيد الظريف والكاتب لتغايرهما في المعنى. فإن قلت: فما الفرق بين قولك: مررت بزيد الظريف الكاتب وبين قولك: مررت بزيد الظريف والكاتب؟ قلت: الفرق أن إثبات الواو يدل على إثبات شهرة زيد بكل واحدة من الصفتين وحذفها يدل على شهرته بمجموعها. المسألة الرابعة: لا يجوز تقديم الصفة على الموصوف, لأن إعرابها فرع على إعرابه وهي أيضًا فرع عليه في الوجود, وأما قول النابغة: 173 - والمؤمن العائذات الطير يمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسند فليس العائذات صفة مقدمة, وإنما الطير بدل أو عطف بيان. المسألة الخامسة: اختلف سيبويه وأبو الحسن في عامل الصفة, فذهب سيبويه 81/ب إلى أن العامل فيها العامل / في موصوفها, لأنها هي هو في المعنى, وقد بين ذلك, فكان العامل فيه عاملا فيها, ولو جئت بصفات كثيرة كان حكمها حكم الصفة =

باب: (التوكيد)

باب: (التوكيد) قال ابن جني: اعلم أن التوكيد لفظ يتبع الاسم المؤكد لرفع اللبس وإزالة الاتساع, وإنما تؤكد المعارف دون النكرات مظهرها ومضمرها, والأسماء المؤكد بها تسعة وهي: نفسه, وعينه, وكله, وأجمع, وأجمعون, وجمعاء, وجمع, وكلا, وكلتا. تقول: قام زيد نفسه ورأيت زيدًا نفسه, ومررت بزيد نفسه, وكذلك: قام أخوك عينه, ورأيته عينه ومررت به عينه. وتقول: جاء الجيش كله أجمع ورأيته كله أجمع / ومررت به كله أجمع وجاء 23/ب القوم كلهم أجمعون, ورأيتهم كلهم أجمعين, ومررت بهم كلهم أجمعين. وجاءت القبيلة كلها جمعاء, ورأيتها كلها جمعاء, ومررت بها كلها جمعاء, وجاء النساء كلهن جمع, ورأيتهن كلهن جمع, ومررت بهن كلهن جمع. ـــــــــــــــــــــــــــــ = الواحدة وينبغي أن تعلم أن عمل عامل الصفة فيها أضعف من عمله في موصوفها. وبيانه أن الموصوف لا يجوز أن يخالف به عن عامله, والصفة يجوز أن تقطع فتنصب أو ترفع وذهب أبو الحسن إلى أن عامل الرفع في الصفة كونها صفة لمرفوع, وكذلك عامل النصب والجر فيها, وفي الذي قاله نظر, لأن حق العامل أن يكون متحققًا بدون المعمول, وهذا لا يتحقق إلا به ومعه. ولم أذكر هذه المسائل إلا تكملة لفائدة الباب, وحاجته إليها ضرورية. (باب التوكيد) قال ابن الخباز: يقال: توكيد وتأكيد, والأولى لغة القرآن, وفيه: {توكيدها} وله معنيان: لغوي وصناعي, فمعناه في اللغة: إحكام الشيء, وفي الاصطلاح: أوكدت الحبل والسرج وأكدته, أي: أحكمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومعناه الصناعي: تمكين المعنى في النفس بذكر لفظه ثانيًا أو مثله دلالة عليه وهو ينقسم قسمين: أحدها: أن تكرر اللفظ بعينه, ويسمى التوكيد الصريح, والتوكيد اللفظي, وهذا لا يختص بشيء, يكون في الاسم والفعل والحرف والجملة والمعرفة والنكرة, فمثال الاسم قولك: قام زيد زيد, وأكلت خبزًا خبزًا, فهذان, مثال المعرفة والنكرة, قال الراجز: 174 - كم نعمة أسديتها ... كم كم كم ومثال الفعل: قام قام زيد, وأنشد ابن الشجري في الأمالي: 175 - فأين إلى أين النجاة ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس 82/أ / ومثاله في الحرف: إن إن زيدًا منطلق, ولا يجوز تكرير الحرف الواحد لما فيه من توالي الأمثال, فلا تقول: الدار للزيد. ومثاله في الجملة قولك: ذهب عمرو ذهب عمرو, وأما قوله سبحانه: {ويل يومئذ للمكذبين} فليس بتوكيد لأن كل مرة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ذكرت فيها الجملة تتناول قضية مخصوصة, فالأولى تتناول المكذبين بيوم الفصل, والثانية تتناول المكذبين بالإهلاك, وهلم جرا إلى آخر السورة, وكذلك قوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} لاختلاف المواضع التي تطأ الآية عقبها. الثاني: التكرير المعنوي, ويسمى التكرير غير الصحيح, ويكون بتسعة أسماء: نفس, وعين, وكل, وأجمع, وأجمعون, وجمعاء, وجمع, وكلا, وكلتا, وكل واحد من هذه يحتاج إلى كشف. أما النفس: فهي عبارة في الأصل عن حقيقة الشيء, المراد منها في التوكيد إثبات الحقيقة تقول: قام زيد نفسه, ورأيت زيدًا نفسه ومررت بزيد نفسه, يرد أن الحكم [تعلق]. بزيد لا بغيره وتؤكد بها التثنية والجمع فتقول: قام الزيدان أنفسهما, ورأيت الزيدين أنفسهم, وكذلك: قامت هند نفسها, والهندان أنفسهما والهندات أنفسهن, والأصل أن تقول: نفساهما فجمعت المثنى كقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما}. وأما العين: فهي عبارة عن العضو المعروف في الأصل فأجريت مجرى النفس في التوكيد, كأنهم جعلوا المذكور كله عينًا, لأنها ذريعة إلى معظم المصالح كما سموا الرجل الحافظ لأصحابه على الأماكن المشرفة عينًا, لأنه لولا العين لبطلت الخصلة المرادة منه, فكأنه قد صار كله ذلك العضو, ويقارب هذا قوله تعالى: {ذلك بما قدمت يداك} نسب العمل إلى اليدين, لأن أكثر / ما يتولاه, الإنسان يعمله 82/ب بيديه. وتقول قام الزيدان أعينهما فتجمع. وللنفس والعين شأن ليس لغيرهما, وهو إذا أكدت بهما ضميرًا مرفوعًا متصلًا أكدته قبلهما بضمير منفصل كقولك زيد ذهب هو نفسه, وإخوتك سادوا هم أعينهم, وإنما فعلوا ذلك, لأن النفس والعين اسمان يليان العوامل فلو لو تؤكد الضمير المتصل بالضمير المنفصل لتوهم أنهما مرفوعان بالفعل الذي قبلهما. وأما كل: فمعناه الشمول والإحاطة وتؤكد بها كل ما يجوز وقوع الحكم ببعض =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أجزائه تقول: جاء الجيش كله, وأكلت الرغيف كله, وبعت العبد كله, ولا يجوز: جاء زيد كله, لأنه لا يجيء بعضه, ولا تقول أيضًا: خاطبت زيدًا كله, لأنك لا تخاطب بعضه, وتقول: رأيت الثوب كله لجواز رؤية بعضه, وتضيف كلا إلى ضمير المؤكد أي شيء كان, وفي التنزيل: {فسجد الملائكة كلهم} وفيه: {ويرضين بما آتيتهن كلهن} يقرأ بالرفع توكيدًا للنون وبالنصب توكيدًا للمفعول. وأما أجمع: فمعناها معنى كل ومذهبها كمذهبها تقول: جاء الجيش أجمع ولا تقول: جاء زيد أجمع. وقال الكحلبة الغرني أنشده المفضل: 176 - ونادى منادى الحي أن قد أتيتم ... وقد شربت ماء المزادة أجمعا وأجمع معرفة, لأنه يجري على المعرفة. فإن قلت: من أي أقسام المعارف هو؟ قلت: هو علم موضوع لمعنى, وهو العموم, والدليل على أنه علم أنه ليس بمضمر ولا اسم إشارة, ولا معرفًا باللام, ولا مضافًا فلم يبق إلا أن يكون علمًا, لأن المعارف منحصرة, فإذا انتفت أربعة منها لم يبق إلا الخامس. وكذلك القول في تعريف أجمعين وجمعاء وجمع. 83/ب وأما أجمعون: فيؤكد بها الذكور من ذوي العلم / كقولك: جاء القوم أجمعون, وفي التنزيل: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} وقال بعض المتأخرين: هو حال, وهذا مستطرف. ولا يجوز اشتريت الثياب أجمعين. وأما جمعاء: فمثل أجمع في توكيد المفرد المحتمل للتجزئة تقول: جاءت القبيلة =

قال ابن جني: ويتبع أجمع أكتع أبصع, ويتبع أجمعين أكتعون أبصعون, ويتبع جمعاء كتعاء بصعاء, ويتبع جمع كتع بصع, ومعنى هذه التوابع كلها شدة التوكيد. ولا يجوز تقديم بعضها على بعض, لو قلت: جاء القوم أجمعون كلهم, لم يجز أن تقدم أجمعون على كل لضعفها وقوة كل عليها, وتقول في التثنية: قام الرجلان كلاهما, ورأيتهما كليهما, ومررت بهما كليهما, وقامت المرأتان كلتاهما, ورأيتهما كليتهما, ومررت بهما كلتيهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ = جمعاء, وبعت الدار جمعاء ولا يجوز جاءت هند جمعاء, لأنه لا تجيء بعضها وجمع جمع جمعاء في المعنى كما أن أجمعين جمع أجمع في المعنى, وإنما قلنا: إن أجمعين جمع أجمع في المعنى لا في اللفظ, لأنه لو كان جمعه على حد زيد وزيدين لتنكر, فدل على أنه صبغة مرتجلة, وكذلك جمع لو كان جمع جمعاء لتنكر, ولا تصرف جمع, لأنه معرفة معدول عن جماعي الذي هو في الأصل جمع جمعاء كصحراء وصحارى, ولا تؤكد بشيء من هذه الأسماء النكرات, لأنها معارف لا تتبعها وهذا معنى قوله: (وإنما تؤكد المعارف دون النكرات مظهرها ومضمرها) ويؤكد المضمر بهذه الأسماء كما يؤكد المظهر, وفي التنزيل: {لأغوينهم أجمعين} وقد ذكرت حكم نفس وعين في تأكيد المرفوع المتصل. قال ابن الخباز: وأما أكتع وأبصع: فتابع لأجمع, وأكتعون وأبصعون تابع لأجمعون, وكتعاء وبصعاء تابع لجمعاء, وكتع وبصع تابع لجمع, وحكم كل تابع حكم متبوعه في التعريف العلمي والجمع والمثنى على غير واحده, والتأنيث والتعريف والعدل المانعين من الصرف. ولم يذهب أبو الفتح إلى اشتقاق, بل قال: (ومعنى هذه التوابع كلها شدة التوكيد) وذهب غيره إلى أنها مشتقة, وأخذ أكتع من قولهم: [حول كتيع أي تام وأبصع من قولهم] تبصع العرق أي: سال. قال أبو ذؤيب:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 177 - تأبى بدرتها إذا ما استغضبت ... إلا الحميم فإنه يتبصع ونقل شيخنا رحمه الله عن الزجاجي أنه قال: قام القوم كلهم, فمعناه عموم القيام لهم مجتمعين كانوا أو مفترقين, وإذا قال: قام القوم كلهم أجمعون فمعناه اجتماعهم في القيام في زمان واحد ولا شك أن هذا مستمد من قوله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} , لأن الله تعالى لما أمرهم بالسجود سجدوا في زمان واحد مرة واحدة. وأما كلا وكلتا: فاسمان يراد بهما عموم الاثنين والاثنين كما أن كلام لعموم الجمع, وكلا اسم على زنة معا وكلتا اسم على زنة ذكرى فألفه للتأنيث, وتاؤه كتاء بنت وأخت في أنها بدل من الواو التي هي لام الفعل ووزنه فعلا. وقال الجرمي: وزنه فعتل, وهذا لم يجئ ثبتًا. واختلف النحويين في كلا وكلتا, فقال البصريون: هو مفرد اللفظ مثنى 83/ب المعنى / واحتجوا على ذلك بوجهين: أحدهما: أنه لا يخبر عنهما (إلا) بالمفرد قال الله عز وجل: {كلتا الجنتين آتت أكلها} وقال الشاعر: 178 - كلا أخوينا إن يرع يدع قومه ... ذوي جامل دثر وجمع عرمرم كلا أخوينا ذو رجال كأنهم ... أسود الشرى من كل أغلب ضيغم

قال ابن جني: فكلا وكلتا متى أضيفتا إلى المضمر كانتا في الرفع بالألف وفي النصب والجر بالياء على, ما مضى, وإن أضيفتا إلى المظهر كانتا بالألف على كل حال تقول: جاءني كلا أخويك, ورأيت كلا أخويك, وجاءتني كلتا أختيك, لأن كلا وكلتا اسمان / مفردان غير مثنيين, وإن أفادا معنى التثنية. 24/أ ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولو كان مثنى لثنى الخبر. الوجه الثاني: أنهما يضافان إلى ضمير التثنية كقولك: كلاهما وكلتاهما, ولو كانا مثنيين ما أضيفا, ألا ترى أنك لا تقول: اثناهما ولا اثنتاهما وذهب الكوفيون إلى أنه مثنى اللفظ واحتجوا على ذلك من وجهين: أحدهما: أن الشاعر قد استعمل مفردها, قال الراجز: 179 - في كلت رجليها سلامى واحدة ... كلتاهما مقرونة بزائدة فإن كان للمؤنث مفرد فالمذكر كذلك, لأنه فرعه. قال ابن الخباز: الوجه الثاني: أنهما يكونان في الرفع بالألف وفي الجر والنصب بالياء يقول: / جاءني كلاهما وكلتاهما ورأيت كليهما وكلتيهما ومررت بكليهما 84/أوكلتيهما, وهذه طريقة التثنية, والجواب أن قوله: 180 - في كلت رجليها (179) أراد في كلتا رجليها, فحذف الألف - وهو يريدها - ضرورة, قال رؤبة: 181 - وصاني العجاج فيما وصني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أراد فيما وصاني. والجواب عن الثاني أنهما لو كانا مثنيين لرفعا بالألف ولجرا ونصبا بالياء في كل حال, وذلك لا يكون إلا إذا أضيفا إلى المضمر. فإن أضيفا إلى الظاهر كانا بالألف في كل حال تقول: جاءني كلا أخويك وكلتا أختيك, ورأيت كلا أخويك وكلتا أختيك, ومررت بكلا أخويك وكلتا أختيك, وإنما كان ذلك في الإضافة إلى المضر, لأنهما أشبهتا إلى وعلى ولدى بلزوم الإضافة, وأولئك تقلب ألفاتها ياءات إذا ولين المضمر كقولك: إليكما وعليكما ولديكم, وتبقى ألفاتها إذا ولين الظاهر كقولك: إلى زيد ولدى بكر وعلى عمرو, واختص القلب بالجر والنصب, لأنهما مثنيان في المعنى, فكان القلب في موضع تقلب فيه ألف التثنية ياء. ويجوز تثنية خبرها حملًا على المعنى, قال الفرزدق: 182 - كلاهما حين جد الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابى فقال: أقلعا, حملًا على المعنى, وقال: «رابي» حملًا على اللفظ, وتقول: كلتا أختيك ذاهبة, وكلتا أختيك ذاهبتان, والحمل على اللفظ أولى, لأنه الظاهر ولم يأت في التنزيل إلا هو في قوله تعالى: {كلتا الجنتين آتت أكلها}.

باب: (البدل)

باب: (البدل) قال ابن جني: اعلم أن البدل يجري مجرى التوكيد في التحقيق والتشديد ومجرى الوصف في الإيضاح والتخصيص, وهو في الكلام على أربعة أضرب: بدل الكل وبدل البعض وبدل الاشتمال, وبدل الغلط والنسيان, ويجوز أن تبدل المعرفة من المعرفة والنكرة من النكرة, والمعرفة من النكرة, والنكرة من المعرفة والمظهر من المضمر, والمضمر من المظهر, والمضمر من المضمر. فبدل المعرفة من المعرفة: أقام أخوك زيد, وبدل النكرة من النكرة: مررت برجل غلام رجل. والمعرفة من النكرة: مررت برجل زيد, والنكرة من المعرفة: ضربت زيدًا رجلًا صالحًا والمظهر من المضمر نحو قولك: مررت به أبي محمد. قال الشاعر: على حالة لو أن في القوم خاتمًا ... على جوده لضن بالماء حاتم جر حاتمًا لأنه بدل من الهاء في جوده, والمضمر من المظهر نحو قولك: رأيت زيدًا / إياه والمضمر من المضمر نحو قولك: رأيته إياه. ... 24/ب وعبرة البدل أن يصلح الكلام بحذف الأول وإقامة الثاني مقامة تقول في بدل الكل: قام زيد أخوك, ورأيت أخاك جعفرًا, وتقول في بدل البعض: ضربت زيدًا رأسه. ومررت بقومك ناس منهم, وتقول في بدل الاشتمال: يعجبني زيد عقله, وعجبت من جعفر جهله وغباوته, وتقول في بدل الغلط: عجبت من زيد عمرو وأكلت خبزًا تمرًا, غلطت فأبدلت الثاني من الأول, ولا يقع مثله في قرآن ولا شعر, قال الله عز وجل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} فهذا بدل البعض, وقال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} فهذا بدل الاشتمال. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب البدل) قال ابن الخباز: يقال: بدل وبدل وبديل كعدل وجمل وقتيل, والبدل في اللغة /: كل شيء قام مقام غيره, ومنه قولهم: إن بدلك زيد, أي: إن القائم = 84/ب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مقامك زيد, وقال ذو الرمة: 183 - فيا كرم السكن الذين تحملوا ... من الدار والمستخلف المتبدل وهو عند النحويين عبارة عن كل اسم يعتمده الحديث. وأما جريه مجرى التوكيد في التحقيق والتشديد فلأنك إذا قلت: قام أخوك زيد, فالبدل والمبدل منه عبارتان عن معنى واحد, فكأنك قلت: قام أخوك أخوك. أو قام زيد زيد, وكذلك إذا قلت: ضربت زيدًا رأسه, فقد ذكرت الرأس مرتين, الأولى بذكرك ما هو جزء منه أعني زيدًا, والثانية: بذكرك اسمه وكذلك إذا قلت: أعجبني زيد عقله, فقد ذكرت العقل مرتين: إحداهما: بذكر محله المشعر به. والثانية بذكر اسمه, ولا يتجه في بدل الغلط, لأنك إذا قلت: ركبت فرسًا حمارًا لم تذكر الحمار مرتين, ولا الفرس مرتين, لأن أحدهما غير الآخر من كل وجه, فذكر أحدهما لا يدل على ذكر الآخر. وأما جريه مجرى الوصف في الإيضاح والتخصيص, فلأنك إذا قلت: قام أخوك زيد لم يخل بعض من يسمع ذلك من أن يكون غير عارف بالمذكور من كلتا جهتيه اسمه وقرابته فإذا قلت: قام أخوك وهو لا يعرف أن اسمه زيد, وقام زيد وهو لا يعرف أنه أخوك ثم جمعت بين الاسمين, أفدت بمجموعها بيانًا لا يحصل بأحدهما. والبدل أربعة أقسام: أحدهما: أن تبدل الاسم من الاسم, وهما دالان على معنى واحد, وهذا يسمى بدل كل من كل, لأن الثاني دال على جميع ما يدل عليه الأول. الثاني: أن تبدل الاسم من الاسم والثاني دل على بعض ما يدل عليه الأول, وهذا يسمى بدل بعض. الثالث: أن تبدل الاسم من الاسم والثاني دال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على معنى يوصف به الأول, وهذا يسمى بدل المصدر / وبدل الاشتمال أيضًا. 85/ب لأن الأول اشتمل على الثاني. الرابع: بدل الغلط: وهو أن يكون الثاني خارجًا في الدلالة عن الأقسام الثلاثة وإنما انحصر في ذلك, لأن كل شيء ضام شيئًا لم يخل من أن يكون دالًا على ما يدل عليه أو لا, فالأول: البدل الأول, والثاني: لا يخلو من أن يدل على جزئه أولا فالأول: البدل الثاني والثاني إما أن (يدل) على معنى فيه أو خارج عنه, فالأول البدل الثالث, والثاني: مهدر مطرح, لأنه لا فائدة فيه فثبت أن الأبدال المستعملة ثلاثة أقسام. واعلم أن أكثر الناس يمنعون أن يقال: الكل والبعض, لأنهما في نية الإضافة فلا يدخلهما اللام, ومنهم من أجاز ذلك, ومنعه ظاهر كلام سيبويه. وجملة مسائل البدل عشرون, أنا أسوقها إليك واحدة واحدة إن شاء الله. أما بدل الشيء من الشيء وهما لمعنى واحد فمسائله ثمان: الأولى: بدل المعرفة من المعرفة كقولك: قام أخوك زيد, وفي التنزيل: {أهدنا الصراط المستقيم} {صراط الذين أنعمت عليهم} والآية تدل على جواز إبدال الضعيفة من القوية, لأن الثانية مضافة, والأولى معرفة باللام قال الراجز. 184 - عش كعش الطائر الكركي فالكركي بدل من الطائر. الثانية: بدل النكرة من النكرة كقولك: مررت برجل غلام رجل, ويجوز أن يكون وصفا. الثالثة: بدل المعرفة من النكرة كقولك: مررت برجل زيد, وهذا حسن, لأن الثاني واضح, وفي التنزيل: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} {صراط الله} الرابع: بدل النكرة من المعرفة كقولك: ضربت زيدًا رجلًا صالحًا وهذا يجوز أن يكون حالًا, ولو مثل بغير النصب لكان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أحسن كقولك: مررت بزيد رجل صالح, وفي التنزيل: {لنسعفًا بالناصية} , 85/ب {ناصية / كاذبة خاطئة} وقالوا إن كانت لفظ المعرفة ينبغي أن توصف كالآية, وإن لم تكن من لفظها لم تلزم الصفة وتجوز, قال الشاعر فلم يصف: 185 - فلا وأبيك خير منك إني ... ليؤذيني التحمحم والصهيل الخامسة: بدل المظهر من المضمر, وقد انطوى عليه التمثيل. السادسة: بدل المضمر من المضمر كقولك: جئت أنت, ويجوز أن يكون توكيدا ورأيتك إياك, ومررت بك بك. السابعة: بدل المضمر من المظهر كقولك: جاء زيد أنا ورأيت زيدًا إياي, ومررت بزيد يي. الثامنة: بدل المظهر من المضمر, ولا يجوز إلا كان المضمر غائبًا كقول الشاعر: وهو الفرزدق: 186 - على حالة لو أن في القوم حاتمًا ... على جوده لضن بالمال حاتم ورأيت في معاني الإشنانداني:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ... 187 - * على جوده ضنت به نفس حاتم * وأجلى من هذا البيت للاتفاق على روايته قول حاتم: 188 - فنتجت ميتة جنينًا معجلًا ... عندي قوابله الرجال مستر مستر بدل من الهاء في قوابله, وقالوا: لا يجوز إبدال الظاهر من ضميري المتكلم والمخاطب, لأنهما في غاية البيان فلا بينهما الظاهر الذي هو أنقص منهما فلا تقول: أكرمتني زيدًا, ولا مررت بكم بني تميم. وأجاز الأخفش المسألة الثانية واحتج بقوله تعالى: {ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم}. وقال: الذين بدل من الكاف والميم, ورد عليه بأن الذين مبتدأ, و {فهم لا يؤمنون} خبره. وأما بدل بعض الشيء من جميعه فمسائله ست: الأولى: بدل المعرفة من المعرفة / كقولك: ضربت زيدًا رأسه, وفي التنزيل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} وقيل: إن من فاعل حج. الثانية: بدل النكرة من النكرة كقولك: ضربت رجلًا يدًا له, وفي التنزيل: {إن للمتقين مفازًا} , {حدائق وأعنابا} , {وكواعب أترابا} , {وكأسًا دهاقًا}. الثالث: بدل المعرفة من النكرة كقولك: ضربت رجلًا يده. الرابعة: بدل النكرة من المعرفة كقولك: ضربت زيدًا يدًا له, ورجلًا, ومنه: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مررت بقومك ناس منهم. الخامسة: بدل المظهر من المظهر, وقد انطوى عليه التمثيل. السادسة: بدل المظهر من المضمر كقولك: أعجبني وجهك, وسقط منه مسألتان: بدل المضمر من المضمر, وبدل المضمر من المظهر, فلا يجيزون: رأيت زيدًا إياه ولا رأيته إياه لأن الإضمار لا يدل على الجزئية, ومن النحويين من تكلف إجازته بتمثيل عسير, فقال: أقول: نصف الرغيف أكلته إياه فالهاء للرغيف, وإياه للنصف فهذا يدل مضمر من مضمر, وقال: أقول: نصف الرغيف أكلت الرغيف إياه, فإياه للنصف فهذا بدل مضمر من مظهر, وهذا الذي ذكرته لك لا تكاد تجده في كتاب. وأما بدل الاشتمال فمسائله ست: الأولى: بدل المعرفة من المعرفة كقولك: أعجبني زيد عقله. الثانية: بدل النكرة من النكرة كقولك: أعجبني جارية حسن لها, الثالثة: بدل النكرة من المعرفة كقولك: طاب عبد الله خبر بلغني عنه, وفي التنزيل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} وقال أبو عبيدة: قتال مجرور على الجوار. الرابعة: بدل المعرفة من النكرة كقولك: اشتهيت طعامًا طيبه. الخامسة: بدل المظهر من المظهر وقد انطوى عليه التمثيل. الساسة: بدل المظهر من المضمر كقولك: أعجبني حلمك وأنشد / سيبويه رحمه الله: 189 - ذرينى إن أمرك لن يطاعا ... وما ألفيتني حلمي مضاعا وسقطت منه مسألتان: بدل المضمر من المضمر, وبدل المضمر من المظهر, ومن تكلف إجازة هاتين المسألتين في بدل بعض الشيء من جميعه تكلف إجازتهما ها هنا. فإبدال المضمر من المضمر كقولك: «حسن الجارية الجارية أعجبتني هو» =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإبدال المضمر من المظهر كقولك: الجارية حسنها أعجبتني الجارية هو, فهذه أربع وعشرون مسألة, ولابد من ختم الباب بثلاث مسائل. المسألة الأولى: أن يقال: إذا كان معنى قولك: ضربت زيدًا رأسه ضربت رأس زيد, فهلا قيل: ضربت رأس زيد؟ قلت بينهما فرق من وجهين: أحدهما: أن قولك ضربت زيدًا رأسه يفيد التوكيد. والثاني: أنه يفيد ضرب الرأس متصلًا بزيد, لأنك ذكرت زيدًا ولو قلت: ضربت رأس زيد لجاز أن يكون متصلا به ومنفصلا عنه. المسألة الثانية: اختلف النحويون في العامل في البدل, فذهب قوم إلى أن العامل فيه العامل في المبدل منه, والمبدل منه كالشرط لنفوذه إليه, وهذا قول مهجور. والقول الثاني - وهو الصحيح -: أن العامل فيه محذوف دل عليه الأول, ويدلك على ذلك مجيئه صريحًا في قوله سبحانه: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم} فمن بدل من الذين بتكرير اللام. وقال تعالى: {ومن النخل من طعامها قنوان} فالطلع بدل من النخل بتكرير من, قال عبد القاهر رحمه الله: حق عامل البدل أن لا يظهر, لأنه مدلول عليه, وفي الإبدال اختصار فإن ظهر فإنما يكون حرفًا, يريد أن الفعل لا يظهر, فأما قوله: / سبحانه: {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون} , {أمدكم بأنعام وبنين} فالجملة الثانية شارحة للأولى كقولك: ضربت رأس زيد قذفته بالحجر. المسألة الثالثة: اختلفوا في المبدل منه, أهو مطرح أم مراد؟ فمنهم من قال: إنه مطرح, لأن الثاني سمي بدلا لقيامه مقامه, ومنهم من قال: إنه مراد واحتج بقول الشاعر: 190 - إن السيوف غدوها ورواحها ... تركت قزارة مثل قرن الأعضب

باب: (عطف البيان)

باب: (عطف البيان) قال ابن جني: ومعنى عطف البيان: أن تقيم الأسماء الصريحة غير المأخوذة من الفعل مقام الأوصاف المأخوذة من الفعل تقول: قام أخوك محمد كقولك: قام أخوك الظريف, وكذلك: رأيت أخاك محمدًا, ومررت بأخيك / محمد. ـــــــــــــــــــــــــــــ = فقال: تركت لأنه عنى السيوف. وأما بدل الغلط فلا معنى للتفريع عليه, لأنه خطأ في اللفظ, ولكن فيه نكتة ينبغي أن تذكر. اعلم أنك إذا قلت: رأيت رجلًا حمارًا فهو على وجهين: الغلط والبداء, أما الغلط فإن تقصد ذكر الحمار فيسبقك لساني إلى رجل وأنت غير مريد ذكره كما قال الأعرابي «يبصرني لا أحسبه» وإنما يريد يحسبني لا أبصره. وأما البداء: فهو أن تذكر الرجل أولا ثم يبدو لك بداء في تركه وذكر الحمار, قال أبو علي: «وحق هذا أن يستعمل فيه بل, فيقال: مررت برجل بل حمار» لأن معنى بل الإضراب عن الأول والإثبات للثاني. (باب عطف البيان) قال ابن الخباز: إنما سمي هذا عطفًا, لأن الاسم الثاني في معنى الأول فكأنه عطف عليه تقول: عطفت العود إذا جمعت بين طرفيه, وسمي عطف بيان, لأن الاسم الثاني مبين للأول. وقال أبو الفتح في حده: هو (أن تقيم الأسماء الصريحة غير المأخوذة من الفعل مقام الأوصاف المأخوذة من الفعل) وإنما يقصد بذلك الفرق بين الصفة وبينه, لأن الصفة لا تكون إلا مشتقة أو في معنى المشتق, وعطف البيان إنما يكون بالجامد وهو مع ذلك قد لمثل بقوله: (قام أخوك / محمد) ومحمد مع ذلك مشتق, والمعذرة عنه أن العلمية أخرجت محمدًا عن مذهب الفعل. ولعطف البيان موردان: أحدهما: أن يجيء بعد اسم غير كاشف للمعنى, ويكون عطف البيان أشهر من المتبوع فيتنزل منه (منزلة) الكلمة الجلية من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الكلمة الخفية إذا ترجمتها بها, وذلك نحو العقار والخمر, والسرحان والذئب, وذلك مثل قول الأعرابي: أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما مسها من نقبٍ ولا دبر وإنما يعني عمر بن الخطاب, وكان اسمه أشهر من كنيته. والمورد الثاني: أن يكون في الاسم الأول اشتراك, والاسم الثاني مختصًا, وذلك كقولك: ضربت صاحبك بكرًا, إذا كان له أصحاب. وقال لنا الشيخ رحمه الله: يجوز مجيء عطف البيان في النكرة كقولك: مررت بثلاثة رجال إذا نونت ثلاثة لأن في الثلاثة اشتراكا, فيكون رجال عطف بيان. والفرق بينه وبين البدل: أن العامل في البدل غير العامل في المبدل منه والعامل في عطف البيان هو العامل في الأول. والفرق بينهما في النداء: تقول: يا أخانا زيدًا فتنصبه إن كان عطف بيان ويا أخانا زيد فتضمه إن كان بدلًا, لأن التقدير: يا أخانا [يا] زيد.

باب: (العطف وهو النسق)

باب: (العطف وهو النسق) قال ابن جني: وحروفه عشرة: وهي: الواو, والفاء, وثم, وأو, ولا, وبل, ولكن الخفيفة, وأم, وإما مكسورة مكررة, وحتى وقد مضى ذكرها, فهذه الحروف كلها تجتمع في إدخال الثاني في إعراب الأول: ومعانيها مختلفة, فمعنى الواو الاجتماع, ولا دلالة فيها على المبدوء تقول: قام زيد وعمرو أي: اجتمع لهما القيام, لا يدرى كيف ترتيب حالهما فيه ومعنى الفاء التفرق مع مواصلة, أي: الثاني يتبع الأول بلا مهلة تقول: قام زيد فعمر أي: يليه لم يتأخر عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب عطف النسق) قال ابن الخباز: النسق بمعنى المنسوق وهو المنظوم, تقول: نسقت العقد أي: نظمته. ولما كان التابع في هذا الباب غير المتبوع احتاجا إلى رابط, وكان الحرف أولى, لأن الحروف نوائب عن الأفعال. وفي حروف العطف اختصار بديع وهو أنها تكفي مؤونة تكرير العامل, والعطف في المختلفين نظير التثنية في المتفقين. وحروف العطف عشرة, وحكي عن ابن درستويه أنها ثلاثة الواو والفاء وثم, وأسقط الفارسي والزجاجي إما المكسورة, وسنذكر الحجة عند / ذكرها. وقال بعض المتأخرين عد إما في حروف العطف سهو ظاهر. وحروف العطف أربعة أقسام: قسم يشترك بين الأول والثاني في الإعراب والحكم وهو الواو, والفاء, وثم, وحتى, وقسم يجعل الحكم للأول دون الثاني =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهو «لا» وقسم يجعل الحكم للثاني دون الأول وهو بل ولكن, وقسم, يجعل الحكم لأحدهما لا يعنيه وهو «أو» و «إما» و «أم». وقبل تفسير الحروف نذكر العامل في المعطوف, وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن العامل الأول بتوسط الحرف, وحجة هذا القائل أنك تقول: اختصم زيد وعمرو ولا يجوز تكرير العامل. الثاني: أن العامل حرف العطف, وحجته أنه لو سقط لاختل الكلام والعامل لا يقتضيه. الثالث: أن العامل محذوف دل عليه العامل المذكور وحجته تكرير العامل كقولك: مررت بزيد وبعمرو, وفي التنزيل: {إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} وهو كثير في القرآن. أما الواو فإنما بدأنا بها, لأن معناها الجمع المطلق, فنسبتها إلى غيرها نسبة العام إلى الخاص, وقال أبو سعيد رحمه الله في شرح الكتاب: «أجمع النحويون واللغويون من البصريين والكوفيين على أن الواو ليست للترتيب» ويدل عليه أربعة أوجه: الأول: أن تقول: اختصم زيد وعمرو, فلو كانت للترتيب لانفرد الأول وهو محال. الثاني قوله عز وجل: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلًا هدينا ونوحًا هدينا من قبل} فلو كانت للترتيب لكان نوح موجودًا بعد إبراهيم وقبل إبراهيم وهذا محال. الثالث: أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصفا والمروة: بم نبدأ؟ قال: ابدأوا بما بدأ الله به «فلو فهم أهل اللسان منها الترتيب لما / سألوا». الرابع: أن ابن عباس كان يأمر بالبداءة بالعمرة قبل الحج, وهي مؤخرة في اللفظ فلو أفادت الترتيب كان ابن عباس عاصيًا, وحكوا عن الشافعي أنه ذهب

قال ابن جني: ومعنى ثم المهلة والتراخي تقول: قام زيد ثم عمرو أي: بينهما مهلة ومعنى أو الشك تقول: قام زيد أو عمرو, ويكون تخيرًا تقول: اضرب زيدًا أو عمرًا أي: أحدهما. وتكون إباحة تقول: جالس الحسن أو ابن سيرين, أي: قد أبحتك مجالسة هذا الضرب من الناس, وأين وقعت أو فهي لأحد الشيئين. ومعنى لا التحقيق للأول والنفي عن الثاني تقول: قام زيد لا عمرو. ومعنى بل: الإضراب عن الأول / والإثبات للثاني تقول: قام زيد بل عمرو. ـــــــــــــــــــــــــــــ = إلى أنها تفيد الترتيب, ولذلك ذهب إلى ترتيب الأعضاء في الوضوء. وذكر أنه يحكيه عن الفراء, ولا شبهة في أن الشافعي ليس أعلم بالنحو من أبي سعيد, وقد قال: ما سمعته. ثم إن الحجج التي أوردناها ظاهرة الدلالة وما الأمر بعد ذلك كله إلا كما قال أبو الفتح بن جني: «وما يحكى عن بعض الأئمة فإني أعيذه منه». وأما الفاء فقال: (معناها التفرق على مواصلة) وهذا تفسير حسن, فمعنى التفرق أن كل واحد من المعطوف والمعطوف عليه منفرد. ومعنى المواصلة: أن الثاني بعد الأول بلا مهلة, فإذا قلت: مررت بزيد فعمرو, فهذا يسميه سيبويه مرورين, وإذا قلت: مررت بزيد وعمرو فهذا يسميه مرورا. فإن قلت: فما تصنع بقولهم: «دخلت البصرة فالكوفة» وبين المدينتين مسافة طويلة؟ قلت: معناه أن المتكلم بعد دخوله البصرة لم يشتغل بشيء غير الدخول إلى الكوفة. قال ابن الخباز: وأما [ثم] فمعناها المهلة والتراخي, فإذا قلت: مررت بزيد ثم عمر فهذا مروران بينهما فاصل, وسألت شيخنا رحمه الله عن قوله تعالى في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = آخر سورة البلد: {ثم كان من الذين آمنوا} أين المهملة؟ وقد علم أنه إذا أطعم اليتيم وفك الرقبة كان من الذين آمنوا, فقال: ثم إذا دخلت على الجمل لا تفيد الترتيب, وأما قول الهذلي: 192 - فرأيت ما فيه فثم رزئته ... فلبثت بعدك غير راضٍ معمري فإن رويته بضم الثاء زدت أحد الحرفين, لئلا تجمع بين حرفي عطف. وإن رويته بفتح الثاء فالفاء هي العاطفة. وأما أو / فلها ثلاثة معان: الشك والتخيير والإباحة, أما الشك: فعلى وجهين أحدهما: أن تقول: قام زيد أو عمرو وأنت جاهل بالقائم فيصير السامع مثلك. والثاني: أن تقول: قام زيد أو عمرو, وأنت عالم بالقائم لكنك تقصد الإبهام, وفي التنزيل: {أتاها أمرنا ليلًا أو نهارًا}. وأما التخيير: فكقولك: كن عدوي أو صديقي, وتزوج زينب أو أختها. وأما الإباحة: فكقولك: كل الخبز أو اللحم, وجالس الحسن أو ابن سيرين, والفرق بين التخيير والإباحة: أنك في التخيير لا تجمع بين الشيئين, وفي الإباحة يجوز لك الجمع, والفرق بين أول في الإباحة وبين الواو أنه إذا قال: كل خبزًا أو تمرًا فأكل واحدًا من هذه الأشياء كان متمثلًا الأمر, ولو كانت كالواو لم يمتثل حتى يجمع بينهما كلهما. وقوله: (وأين وقعت «أو» فهي لأحد الشيئين) يشير به إلى الخلاف, لأن الكوفيين يذهبون إلى أنها تكون بمعنى الواو أو بمعنى بل, أما الأول فكقول الشاعر: 193 - فلو كان البكاء يرد شيئًا ... بكيت على بجير أو عفاق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أراد على بجير وعفاق. وأما الثاني فكقوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} معناه: بل يزيدون, والجواب: أما البيت فمحمول على أنه كان يبكي على بجير في وقت وعلى عفاق في وقت آخر, فتكون لأحد الشيئين. وأما الآية فجاءت على الحزر أي: أن الرائي إذا رأهم قال: هم مائة ألف أو أكثر. وأما «لا» فمعناها: إخراج الثاني مما دخل فيه الأول تقول: قام زيد لا عمرو ولا يجوز تكرير العامل بعدها فلا تقول: قام زيد لا قام عمرو / لأنه يلتبس بالدعاء قال ابن السراج رحمه الله: فإن لم يلتبس جاز. ولا يجوز العطف بها بعد النفي فلا تقول: ما قام زيد لا عمرو فأما قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} فلا غير عاطفة, لأنها جاءت بعد النفي, ولأن الواو دخلت عليها. وأما بل فمعناها الإضراب عن الأول والإثبات للثاني, ويجوز العطف بها بعد النفي والإيجاب تقول: قام زيد بل عمرو, وما جاءني عبد الله بل محمد ونص أبو سعيد على أن المضرب عنه لا يستدعي تركه بطوله بدليل قوله تعالى: {أتأتون الذكران من العالمين} , {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}.

قال ابن جني: ومعنى لكن الاستدراك تقول: ما قام زيد لكن عمرو, وما رأيت أحدًا لكن جعفرًا. إلا أنها لا تستعمل في العطف إلا بعد النفي, ولو قلت: قام زيد لكن عمرو, لم يجز, فإن جاءت بعد الواجب لزم أن تكون بعدها الجملة, تقول: قام زيد لكن عمرو لم يقم, ومررت بمحمد لكن جعفرًا لم أمرر به. ومعنى أم الاستفهام ولها فيه موضعان: أحدهما: أن تقع معادلة متصلة لهمزة الاستفهام على معنى أي. والآخر: أن تقع منقطعة مما قبلها على معنى بل. الأول نحو قولك: أزيد عندك أم عمرو. معناه: أيهما عندك؟ وأزيدًا أم عمرًا, معناه: أيهما رأيت. الثاني نحو قولك: هل زيد عندك أم عندك عمرو, معناه: بل أعندك عمرو تركت السؤال الأول, وأخذت في الثاني, وقد تقع في هذا الوجه بعد الخبر. تقول: قام زيد أم قعد عمرو, ومعناه: بل أقعد عمرو, ومثله من كلامهم: إنها لأبل أم شاء, مضى صدر الكلام على اليقين ثم أدركه الشك فاستثبت فيما بعد / فقال: أم شاء, إلا أن ما بعد بل متحقق, وما بعد أم مشكوك فيه مسئول عنه. قال علقمة بن عبدة: هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبة يوم البين مشكوم ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما لكن: فهي للاستدراك بعد النفي تقول: (ما) قام زيد لكن عمرو والنهي بمنزلته تقول: لا تأخذ درهمًا لكن دينارًا, ولا يجوز أن تقول: قام زيد لكن عمرو وأجازه الكوفيون, واحتج أصحابنا بأن بل أعنت عنها. واحتج الكوفيون بقياسها على بل, وأجاب أصحابنا بأن لكن تزول عن العطف إذا دخلت الواو عليها كقوله تعالى: {ولكن لا يعلمون} فإذا أردت =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = العطف بها في الإيجاب جئت بجملتين إحداهما منافية للأخرى كقولك: قام زيد لكن عمرو لم يقم, ولم يقم زيد لكن عمرو قام, وحق الجملتين نوارد النفي والإيجاب على حكم واحد, فلا يجوز: قام زيد لكن عبد الله لم يأكل, لأن الحكمين كليهما يجوز أن يجتمعا لزيد ولعبد الله. وأما «أم» فليست من حروف الاستفهام, كالهمزة وهل ولكنك تعطف بها في الاستفهام وهي على وجهين: أحدهما: أن تكون معادلة لهمزة الاستفهام على معنى أي, وحقيقة هذا اللفظ أنك إذا / أسقطها والهمزة والمعطوف والمعطوف عليه جاز أن تقيم أيا مقام الجميع تقول في معنى قولك: أزيدًا ضربت أم عمرًا؟ أيهما ضربت. وفي معنى قولك: أبزيد مررت أم عمرو؟ بأيهما مررت, فهذا معنى المعادلة. وهي على وجهين: أحدهما: أن يتعدد الحكم ويتحد المحكوم عليه كقولك: أقام زيد أم قعد وأتضرب زيدًا أم تحبسه كأنك قلت: أيهما تفعل بزيد. والثاني: أن يتعدد المحكوم عليه ويتحد الحكم كقولنا: أزيدًا ضربت أم عمرًا, فإن قلت: فما جواب هذا؟ قلت: جوابه بتعيين أحد الشيئين. وهاهنا مسألة يحتاج إلى ذكرها: إذا قلت: أضربت زيدًا أو عمرًا. فجوابه نعم أو لا, (لأن) المعنى أضربت أحدهما, فإذا قلت له: نعم علم به كون أحدهما مضروبًا لا بعينه فيسأل بأم, فتقول: أزيدًا ضربت أم عمرًا فيكون الجواب بذكر أحدهما زيدًا إن كان المضروب زيدًا, وعمرًا إن كان المضروب عمرًا, فأما قول ذي الرمة: 194 - أذو زوجة في المصر أم ذو خصومة ... أراك بها بالبصرة العام ثاويًا فقلت لها: لا إن أهلي جيرة ... لأكثبة الدهنا جميعًا وماليًا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإنما أجابها بلا, لأنه جعلها منقطعة كأنها قالت: أذو زوجة بالمصر بل أنت ذو خصومة. وأما المنقطعة: فتستعمل بعد الخبر والاستفهام جميعًا, تقول في الاستفهام هل عندك زيد أم (عندك عمرو, بدأت السؤال) بالاستفهام عن استقرار زيد عنده ثم (تركت السؤال الأول وأخذت في الثاني) بالاستفهام عن عمرو. وجوابه نعم أو لا. (ومعناه: بل أعندك عمرو) لأن في أم إضرابًا واستفهامًا فجيء ببل والهمزة في التفسير. وتقول في الخبر وهو من كلامهم: «إنها لأبل أم شاء» هذا القائل رأى أشخاصًا من بعد فسبق إلى نفسه برؤيتها أنها إبل, فأخبرنا على اعتقاده, فلما قرب منها تجلت له فنقض اعتقاده أنها إبل وتردد في أنها شاء, فلذلك استثبت فكأنه في التمثيل: بل أهي شاء وجوابه نعم أم لا. / قال علقمة بن عبدة وهو شاعر من تميم, عبدة بفتح الباء, وعبدة بن الطبيب بسكونها, وهذا البيتان أنشدهما المفضل: 195 - هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليم مصروم أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبة يوم البين مشكوم وقوله: أم هل كبير يوجب تقدير أم ببل وحدها, لأنك لو قدرته ببل والهمزة =

قال ابن جني: ومعنى إما كمعنى أو في الشك والإباحة والتخيير تقول: اضرب إما زيدًا وإما عمرًا, وكل إما سمكًا وإما تمرًا, إلا أنها أقعد في لفظ الشك من أو. ألا ترى أنك تبتدئ بها شاكًا فتقول: قام إما زيد وإما عمرو, وتقول: قام زيد أو عمرو, تمضي صدر كلامك على اليقين ثم تأتي بأو فيما بعد فيعود الشك ساريًا من آخر كلامك إلى أوله. واعلم أنك تعطف الاسم على الاسم إذا اتفقا في الحال, والفعل على الفعل إذا اتفقا في الزمان تقول: قام زيد وعمرو, لأن القيام يصح من كل واحد منهما, ولا تقول: مات زيد والشمس, لأن الشمس لا يصح موتها, وتقول: قام زيد وقعد, لاتفاق زمانيهما. ولا تقول: يقوم زيد وقعد لاختلاف زمانيهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ = لأدخلت الهمزة على هل, وفي سورة الطور اثنتا عشرة آية مصدرة بأم كل واحدة فيها إضراب عما قبلها من القصة. قال ابن الخباز: وأما إما فبمنزلة أو في الشك والتخيير والإباحة, تقول في الشك: قام إما زيد وإما عمرو, وتقول في التخيير: خذ إما درهمًا وإما دينارًا, وتقول في الإباحة: جالس إما الفقهاء وإما المحدثين, وهي أبلغ في الشك من أو لأنك تقول: قام إما زيد وإما عمرو فتبني كلامك معها على الشك, وإذا قلت: قام زيد أو عمرو احتمل وجهين: أحدها: أن تقول: قام زيد, شاكًا ولكن الشك لا يتبين للسامع إلا بأو ومع إما يتبين من أول الأمر. والثاني: أن تقول: قام زيد متيقنًا ثم يدركك الشك, فتقول: أبو عمرو. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واحتج أبو علي على أن إما ليست بحرف عطف من وجهين: أحدهما: أنك تقول ضربت إما زيدًا وإما عمرًا, / فتقدمها على المعطوف عليه, وهذا لا يكون في حروف العطف والثاني: أنك تقول: وإما عمرًا فتدخل عليها الواو, ولا يجتمع حرفان بمعنى. وأما حتى فقد ذكرت في بابها. فهذه الحروف تعطف بها الأسماء على الأسماء, والأفعال على الأفعال, والمفرد على المفرد, والجملة على الجملة تقول: قام زيد وعمرو, وزيد يقوم ويقعد, وزيد قائم وعمرو جالس, ولك أن تغاير بين الأسماء المعطوفة فتعطف المعرفة على المعرفة وعلى النكرة, والنكرة على النكرة وعلى المعرفة. والمذكر على المذكر وعلى المؤنث, والمؤنث على المؤنث, وعلى المذكر, وكذلك المفرد والمثنى والمجموع, وفي التنزيل: {إن المسلمين والمسلمات} وفيه {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة}. وإذا عطفت المرفوع على المرفوع, والمنصوب على المنصوب والمجرور على المجرور, والمجزوم على المجزوم وجب أن يشتركا في عامل واحد, فإذا [قلت] قام زيد والعبد تبع, كان العبد مبتدأ. ولا يعطف على زيد مع جعله مبتدأ, لأنه لا يرتفع من وجهين. وكذلك إذا قلت إن زيدًا أكرمته وعمرًا شتمته إن نصبت عمرًا بفعل محذوف لم يكون لك أن تعطفه على زيد ولا على الهاء في أكرمته. وإذا لم يمكن اتفاق الاسمين في الحكم, لم يجز العطف فلا تقول: مات زيد والشمس, ولا كلمت زيدًا والحجر, لأن الشمس لا تموت والحجر لا يتكلم. وكذلك سائر حروف العطف. وإذا لم يتفق الفعلان في الزمان لم يجز العطف فلا تقول: قام زيد ويقعد ولا يقوم زيد وقعد, لأن الذي يدل عليه الفعل الزمان المحصل والحدث, فإذا نافيت بين الزمانين زالت الشركة. وليس في عطف الظاهر على الظاهر إشكال.

قال ابن جني: وتعطف المظهر / على المظهر, والمضمر على المضمر, والمظهر على المضمر, والمضمر على المظهر. تقول في عطف المظهر على المظهر: قام زيد وعمرو, وفي عطف المضمر على المضمر رأيتك وإياه, وفي عطف المظهر على المضمر: رأيتك وزيدًا, وفي عطف المضمر على المظهر: قام زيد وأنت, فإن كان المضمر مرفوعًا متصلًا لم تعطف عليه حتى تؤكده فتقول: قمت أنت وزيد, ولو قلت: قمت وزيد من غير توكيد لم يحسن, قال الله عز وجل: {أسكن أنت وزوجك الجنة} وربما جاء في الشعر غير مؤكد, قال عمر ابن أبي ربيعة: قلت إذا أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الفلا تعسفن رملا فإن كان المضمر منصوبًا حسن العطف عليه تقول: رأيتك وزيدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وها هنا تقسيم في المظهر والمضمر, فتقول: إذا كان المعطوف عليه مظهرًا, والمعطوف مضمرًا, فإن كان مرفوعًا وجب أن يكون منفصلا كقولك: قام زيد وأنت, وكذلك إن كانا منصوبين كقولك: دعوت عمرًا وإياك, وفي التنزيل: {يخرجون الرسول وإياكم} وإن كانا مجرورين فلابد من ذكر العامل كقولك: مررت بزيد وبك وعلة ذلك كله أن حرف العطف ليس بعامل فلا يتصل به المرفوع والمنصوب والمجرور. وإن كان المعطوف عليه مضمرًا والمعطوف مظهر فإن كان الأول مرفوعًا أو منصوبًا منفصلًا فهو كالظاهر كقولك: (أنت) قائم وزيد, وإياك دعوت وعمرًا, وإن كان المعطوف عليه متصلا فإن كان مرفوعًا لم يعطف عليه حتى يؤكد بمرفوع منفصل كقوله تعالى: {أسكن أنت وزوجك الجنة} , {فاذهب أنت وربك} وعلته أن المتصل المرفوع اشتد اتصاله بالفعل فلو عطف عليه من غير =

قال ابن جني: فإن كان المضمر مجرورًا لم تعطف عليه إلا بإعادة الجار تقول: مررت بك وبزيد, ونزلت عليك وعلى عمرو, ولو قلت: مررت بك وزيد كان لحنًا على أنهم قد أنشدوا: فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب ـــــــــــــــــــــــــــــ = توكيد لكان في الظاهر كعطف الاسم على الفعل. وذهب الكوفيون إلى جواز ترك التوكيد, واحتجوا بقوله تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آبناؤنا} وبقول عمر بن أبي ربيعة: 196 - قلت إذا أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الفلا تعسفن رملًا والجواب عن الآية أن الفصل بلا قام مقام التوكيد, وعن البيت أنه ضرورة. قال ابن الخباز: وإن كان المعطوف عليه مجرورًا وجبت إعادة الجار كقولك: مررت بك وبزيد. وسرت إليك وإلى عمرو, وكذلك المعطوف على المجرور بالإضافة كقولك: بينك وبين زيد درهم. قال أبو علي: لأن المضمر المجرور أشبه التنوين حيث كان على حرف واحد, ولم يجز الفصل بينه وبين ما هو معه, فلذلك أعيد الجار. وذهب الكوفيون إلى جواز ترك الإعادة, واحتجوا بقوله: {وصد عن سبيل الله وكفروا به والمسجد الحرام} وبقوله تعالى: {تساءلون به والأرحام}. ويقول الشاعر: 197 - فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والجواب عن الآية الأولى: أن جر المسجد بالعطف على سبيل الله أو على الشهر وعن الآية الثانية: أن الواو للقسم, وعن البيت: أنه ضرورة. ولا إشكال في العطف على المنصوب كقولك: دعوتك وزيدًا, لأن المنصوب منفصل في الحكم, وإن كان متصلا في اللفظ فلذلك لا تعيد عامله. والجواب غير ممنوع. وأما الألفاظ التي في الأبيات المنشدة, فنأتك: أبعدتك. أو يكون التقدير نأت عنك, والمصروم: المقطوع, والحبل: العهد, والعبرة: الدمعة. ويقال إثر وأثر, والبين: الوصل والفراق, ومنه: {لقد تقطع بينكم} أي: وصلكم والمشكوم: المجزي. وأما بيت عمر فالزهر جمع زهراء, وهي البيضاء, وتهادى تمشي مشيا رويدًا, والنعاج: جمع نعجة: وهي البقرة الوحشية. الفلاة: الصحراء وتعسفن: سلكنه على غير قصد.

باب: (النكرة والمعرفة)

باب: (النكرة والمعرفة) قال ابن جني: / فالنكرة مالم تخص الواحد من جنسه نحو رجل وغلام. وتعتبر النكرة بالألف واللام ورب نحو الرجل والغلام ورب رجل ورب غلام واعلم أن النكرات أعم وأشيع من بعض. فأعم الأسماء وأبهمهما شيء, وهو يقع على الموجود والمعدوم جميعًا قال الله تعالى: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} فسماها شيئًا - وإن كانت معدومة. فموجود إذا أخص من شيء, لأنك تقول: كل موجود, شيء وليس كل شيء موجودًا ومحدث أخص من موجود, لأنك تقول: كل محدث موجود وليس كل موجود محدثًا, وجسم أخص من محدث, لأنك تقول: كل جسم محدث, وليس لمحدث جسمًا, فعلى هذا مراتب النكرة في إيغالها في الإبهام, ومقارنتها في الاختصاص. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب النكرة والمعرفة) قال ابن الخباز: المعرفة والنكرة في الأصل مصدران, يقال: عرفت الشيء أعرفه معرفة وعرفانا, وأنكرت الشيء إنكارًا ونكرته أنكره نكرة قال الأعشى: 198 - وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا ويقال: إن أبا عمرو وضع هذا البيت, وعلى كل حال يستشهد به, لأن أبا عمرو لا يتقاعد عن الحسين بن مطير الأسدي الذي كان زمان المهدي فنقل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = النحويون المعرفة والنكرة وسموا بهما نوعي الأسماء. والأصل النكرة ولذلك بدأ بها, فكانت الأصل لوجهين: أحدهما: أنك لا تجد معرفة إلا وله اسم نكرة وتجد كثيرًا من النكرات لا معرفة لها والمستقل أولى أن يكون أصلا من المحتاج. الثاني: / أن الشيء المتداول وجوده تلزمه الأسماء العامة, ثم تعرض له بعد ذلك الأسماء الخاصة, ألا ترى أن الآدمي إذا ولد سمي ذكرًا أو أنثى وإنسانًا ومولودًا ورضيعًا وشيئًا وموجودًا, وهذه الأسماء مشتركة المعاني ثم يعرض بعد ذلك اللقب والكنية والاسم كعبد الله وأبي عمرو وبطة. وقد اختلفت عبارات النحويين في حد النكرة, وهي راجعة إلى معنى واحد قال: أبو الفتح: (النكرة مالم تخص الواحد من جنسه). وقال غيره: النكرة ما شاع في أمته. وقال غيره: النكرة ما دل على شيء لا بعينه. واعلم أنه لا يشترط في النكرة كثرة المعاني الموجودة تحتها بل العبرة أن يكون وضعها على الاشتراك, ألا ترى أن شمسًا وقمرًا نكرتان, وإن لم يكن إلا شمس واحدة وقمر واحد, ويدلك على أنهما نكرتان دخول اللام عليهما. فإن قلت: فقد جمعت الشمس والقمر, قال الأشتر النخعي: 199 - حمي الحديد عليهم فكأنه ... ومضان برق أو شعاع شموس وقال الراجز: 200 - * وجوههم كأنها أقمار* ففي ذلك جوابان: أحدهما: أن الشمس والقمر يتجددان, فالشمس في كل يوم والقمر في كل شهر, فجمعها نظرًا إلى هذا, ألا ترى أنك تقول: شمس اليوم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أحر من شمس أمس. والثاني: أن الجمع على تسمية الضوأين باسم النيرين, وأضواءهما كثيرة. وللنكرة علامات تعتبر بها, منها دخول رب, كقولك: رب رجل, فأما قول العرب ربه رجلًا, فقد دخلت فيه على الضمير, وذلك لأنه ضمير غائب يرمى به من غير قصد إلى مظهر, فجرى مجرى النكرة. / ومنها: اللام نحو الرجل والغلام, لأنه لو لم يكن نكرة لم يصح دخول الألف واللام عليه. والفرق بين العلامتين: أن رب يستدل بها على وجود التنكير قبلها وسنذكر شرح الألف واللام. واعلم أن مراتب النكرات متفاضلات في العموم والخصوص, والأصل في ذلك أن المشتركات في المعنى متى كثرت اشتد عموم النكرة, ومتى قلت قل العموم, والقلة والكثرة صفتان إضافيتان, فقد يكون الشيء قليلا بالنسبة إلى ما فوقه كثيرًا بالنسبة إلى ما تحته وكلما علت مرتبة المنسوب إليه ظهرت قلته, وإذا نسبته إلى ما دونه ظهرت كثرته فإن العشرة نصف العشرين, وعشر المائة, وخمس الخمسين, وهي مثل الثمانية مرة وربعًا, ومثل السنة مرة وثلثين, ومثل الأربعة مرتين ونصفًا, وإذا تأملت ما ذكرته من هذا المثال قويت به على ما أسوقه من النكرات المرتبة في العموم والخصوص, ولها مراتب, قال أبو الفتح: (فأعم الأسماء وأبهمها شيء) اختلف الناس في شيء: فقال أرباب اللغة: لا اسم أعم منه, والدليل على ذلك أن الموجودات لا تخلو من أن تكون موجودات ذهنية أو موجودات خارجية, وعلى كل حال يطلق عليها لفظ شيء قال عز وجل في إطلاقه على الموجود: {كل شيء هالك إلا وجهه} ألا ترى أن الحكم بالهلاك إنما يصح على الموجود, وقال تعالى في إطلاقه على =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المعدوم: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} وقال تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله} ولا خفاء في أن الزلزلة معدومة, والموعود بفعله غير موجود حين الوعد. وأما علماء الكلام فاتفقوا على أن الموجود يسمى شيئًا, واختلفوا في المعدوم فمنهم من قال: إنه لا يطلق / عليه اسم الشيء, لأن المعدوم لا حقيقة له ممتازة عن غيرها ومنهم من قال: إنه يطلق عليه اسم الشيء, لأن المعدومات ذوات قائمة بأنفسها قيامًا هيولانيا, وتأثير الصانع في إيجاد الأمور العرضية كالصورة والطول والعرض والعمق, ولولا أن هذا إملاء عربية لبينت حقيقة هذا الاحتجاج ومن قال: إن الشيء لا يطلق إلا على الموجود وجب أن لا يجيز: الشيء موجود, لأنه لم يستفد من المبتدأ. فإن قلت: فمن قال: إنه مرادف للموجود فهل اسم أعم منهما؟ قلت: نعم معلوم ومفهوم ومذكور ومتصور, ولم يختلفوا في أن هذه تتناول الموجود والمعدوم. وأما الموجود فهو أخص من شيء, إن قلنا: إنه يطلق على المعدوم فهو داخل تحته لأنك تقول كل موجود شيء, وليس كل شيء موجودًا, لأن المعدوم, شيء, وليس بموجود, ومحدث أخص من موجود, لأنك تقول: كل محدث موجود, وليس كل موجود محدثًا, لأن الباري سبحانه وتعالى موجود وليس بمحدث. والموجود قسمان: محدث وقديم, فالمحدث: هو الكائن بعد أن لم يكن, فالمحدث يقتضي المسبوقية بالعدم. والقديم هو الذي لا أول لوجوده, فالقديم يقتضي عدم المسبوقية. وجوهر أخص من محدث, لأنك تقول: كل جوهر محدث وليس كل محدث جوهرًا, لأن العرض مُحدث. والجوهر عبارة عن المتحيز, وحقيقته أنه الذي يمكن أن يشار إليه إشارة حسية بأنه هنا أو هناك. والغرض عبارة عما لا يتقى زمانين, وقيل: هو القائم بالمتحيز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وجسم أخص من جوهر, لأنك تقول: كل جسم جوهر وليس كل جوهر جسمًا. لأن الجوهر الفرد ليس بجسم. واختلفوا في حد الجسم: فقالت الحكماء والمعتزلة: / هو ما كان ذا ثلاثة أبعاد طول وعرض وسمك. وقالت الأشاعرة: ما كان مؤلفًا من جوهرين فصاعدًا, ونام أخص من جسم, لأنك تقول: كل نام جسم, وليس كل جسم ناميًا, لأن الحجر جسم وليس بنام, والنبات والحيوان جسم وهما ناميان, وحيوان أخص من نام, لأنك تقول: كل حيوان نام, وليس كل نام حيونا, لأن النبات نام وليس بحيوان. وإنسان أخص من حيوان, لأنك تقول: كل إنسان حيوان, وليس كل حيوان إنسانًا, ورجل أخص من إنسان, لأنك تقول: كل رجل إنسان, وليس كل إنسان رجلا, وهذا دليل على (أن) الإنسان يطلق على الذكر والأنثى, فهذا سياقها على المراتب الطبيعية. واعلم أن هذا يفيد في التقاسيم ومعرفة التخصيص والتعميم في النحو وغيره. وأنا أذكر لك مثالًا من النحو لتعلم دخول هذا فيه: اعلم أن الصوت أعم من اللفظ, واللفظ أعم من الكلمة, والكلمة أعم من الاسم, والاسم أعم من المعرب, والمعرب أعم من المعتل, والمعتل أعم من المنقوص, وتقول: الكلمة أعم من الفعل, والفعل أعم من المتصل والمتصل أعم من المستكن, فعرفت أن لذكر هذا الفصل فائدة.

قال ابن جني: وأما المعرفة فما خص الواحد من جنسه, وهي خمسة أضرب: الأسماء المضمرة, والأسماء الأعلام, وأسماء الإشارة, وما تعرف باللام, وما أضيف إلى واحد من هذه المعارف. فالأسماء المضمرة على ضربين: منفصل ومتصل, فالمنفصل على ضربين مرفوع / ومنصوب, فالمرفوع للمتكلم ذكرًا كان أو أنثى أنا. وللتثنية والجمع جميعًا نحن وللمخاطب أنت, والتثنية أنتما, والجمع أنتم وللمخاطبة أنت, والتثنية أنتما, والجمع أنتن, وللغائب هو وهما وهم, وللغائبة هي وهما وهن. وأما الضمير المنصوب المنفصل فإياي للمتكلم, والتثنية والجمع جميعًا إيانا, وللمخاطب إياك. والتثنية إياكما, والجمع إياكم, وللمخاطبة إياك, والتثنية إياكما, والجمع إياكن. وإياه وإياهما, وإياهم للغائب, وإياها, وإياهما, وإياهن للغائبة. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما المعرفة فقيل: (ما خص الواحد من جنسه) وقيل: ما دل على شيء بعينه وهي خمسة أقسام: المضمر والعلم والمبهم والمعرف باللام, والمضاف إلى أحد هؤلاء إضافة حقيقة, وليس قسم إلا وقد عرض التنكير في شيء منه, أما الضمير: فقالوا فيه: ربه رجلًا فلم تدخل رب إلا والهاء نكرة وأما المبهم: فقد روى الكسائي منه: هو أحسن الناس هاتين. وأما العلم: فيعرض فيه التنكير / بالشركة. وأما الألف واللام: فقد قالوا: إني لأمر بالرجل مثلك فأسلم عليه, فوصفوه بالنكرة. وأما المضاف إلى أحد هؤلاء: فهو أنك تقول: مررت بغلام زيد, وله غلامان, فلا يدل على شيء بعينه. الأول: المضمر: وحده: ما كني به عن الاسم الظاهر, فإذا قلت: فعلت. واسمك زيد, فالتاء كناية عن زيد, وسمي مضمرًا لوجهين: أحدهما: أنه مفتقر إلى التفسير. والثاني: أن الظاهر يخفى معه, والإضمار: الإخفاء والستر, قال الشاعر: 201 - سألتكما أن تضمراني ساعة ... لعلي أرى النار التي تريان وإنما جيء بالمضمر للاختصار, ورفع اللبس. أما الاختصار فمن أدل دليل عليه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} فذكر عشرين جمعًا ثم قال: {أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا} فكنى عن عشرين اسمًا بحرفين وهما الهاء والميم. وأما رفع اللبس فلو قلت مكان فعلت: فعل زيد, لتوهم أنك تخبر عن غائب. وهو ضربان: منفصل ومتصل, فالمنفصل: ما جرى مجرى المظهر في استبداده بنفسه نحو أنا وأنت, ألا ترى أنه إذا قيل لك: من فعل؟ قلت: أنا فجئت به غير متصل بعامل كما تقول: زيد في الجواب. ولما كان الاسم الظاهر لا يخلو من أن يكون مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا جاء الاسم المضمر على طريقته, فضيغ للمنفصل مرفوع ومنصوب ولم يضع له مجرور, لأن المجرور لابد له من الاتصال بالجار والمرفوع والمنصوب يجوز أن ينفصلا عن عامليهما كقولك: قام اليوم زيد, وإن عندك زيدًا, ولا تقول: مررت باليوم زيد. وإنما بدأ بالمنفصل, لأنه أشبه بالظاهر الذي هو الأصل. وإنما بدأ بالمضمر, لأنه أقوى تعريفًا من غيره/. وإنما بدأ بالمرفوع من المنفصل, لأن المرفوع هو الأصل, حيث يستغني بنفسه. والمرفوع اثنا عشر ضميرًا, الأول: أنا, وهو كناية عن المتكلم مذكرًا كان أو مؤنثًا. تقول في الوصل: أنا فعلت, فإذا وقفت قلت: أنا بالألف, وإن شئت أنه بالهاء قال الشاعر: 202 - إن كنت أدري فعلي بدنه ... من كثرة التخليط أني من أنه الثاني: نحن, وهو للمتكلمين والمتكلمات ويكون للواحد العظيم كقوله تعالى: {نحن نقص}. الثالث: أنت, وهو أنا, ضمت إليه التاء للمخاطب, وفتحت علامة للمذكر. الرابع: أنت, وهو مثل أنت إلا أن التاء مكسورة, ليكون الكسر علامة للتأنيث. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الخامس: أنتما: وهو كناية عن المخاطبين والمخاطبتين, والألف علامة التثنية, ولا يجوز إسقاطها فيلتبس بالجمع. السادس: أنتم, وهو للمذكرين, وأصله أن يقال: أنتمو بواو بعد الميم, فأسقطت تخفيفًا. السابع: أنتن, وزادوا بعد التاء نونين, وهو لجماعة الإناث. الثامن: هو, وهو للغائب المذكر ويجوز تشديد واوه, ويجوز إسكانها والمشهور فتحها وتخفيفها. التاسع: هي, للغائبة المؤنثة كما أن هو للغائب المذكر وفي يائها من اللغات ما في واو هو. العاشر: هما, هو كناية عن الاثنين والاثنين تقول: هما قائمان, وهما قائمتان, ولا يجوز إسقاط الألف فيلتبس بالجمع. الحادي عشر: هم, وهو للغائبين, وأصله: همو بواو بعد الميم فأسقطت تخفيفًا. الثاني عشر: هن, وهو لجماعة الإناث كما أن هم لجماعة الذكور. فهذه الضمائر لها في الكلام مواضع: الأول: أن تكون مبتدأة كقولك: هو قائم. الثاني: أن تكون خبرًا كقولك: القائم أنت. الثالث: أن تكون بعد حرف الاستثناء كقولك: ما تكلم إلا نحن: الرابع: أن تكون بعد حرف العطف كقولك: جاء زيد وأنا. الخامس: أن تقع فصلا بين المبتدأ وخبره كقوله تعالى: {تجدوه عند الله هو خيرًا} , ويدلك على أنه فصل لا موضع له من الإعراب أنه نصب خيرًا, ولو كان له موضع لكان مبتدأ وخيرًا خبره. وأما المنصوب المنفصل فهو اثنا عشر ضميرًا, والأصل في هذه الاثنى عشر «إيا وفيها للنحويين خلاف كثير, والذي قاله ابن جني هو مذهب أبي الحسن, وبه قال أبو علي, وهو أن إيا ضمير منصوب, وهذه اللواحق التي تلحق من الياء والكاف والهاء, وتثنيتها وجمعها أدلة على أحوال المرجوع إليه. قال ابن جني: قلت لأبي علي: ما الدليل على أن إيا مضمر؟ فقال: لأنه لزم النصب, وليس باسم متمكن فدل على أنه مضمر, كأن وأنت وللنحويين فيه كلام كثير وفيما يوزن به من الفعل احتمالات يطول ذكرها. الأول: إياي, هذا للمتكلم وعلامته الياء (و) لا فرق بين المذكر والمؤنث, ولا يجوز إشكال الياء لئلا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يجتمع ساكنان. الثاني: إيانا, هذا بمنزلة نحن, لأنه يراد به الاثنان والاثنتان والجمع والجماعة. الثالث: إياك, هذا للمخاطب, والكاف مفتوحة للدلالة على المذكر. الرابع: إياك, هذا للمخاطبة, والكاف مكسورة للتأنيث. الخامس: إياكما, هذا لتثنية المذكر والمؤنث, وضمت الكاف كما ضمت التاء من أنتما, لأنها حركة لم توجد في الواحد. السادس: إياكم, وأصله إياكمو, لأن الواو بإزاء الألف, إلا أنهم يجيزون حذف الواو, ومنهم من يثبتها في الوصل, ولا يجيزون حذف الألف. السابع: إياكن, وهذا لجماعة الإناث. الثامن: إياه, وهذا للغائب, ويجوز إياه وإياهو. التاسع: إياها, ولا يجوز حذف الألف لئلا يلتبس المؤنث بالمذكر. العاشر: إياهما, / وهذا لتثنية المذكر والمؤنث. الحادي عشر: إياهم. وهذا لجمع المذكر من ذوي العلم. الثاني عشر: إياهن, وهذا لجمع المؤنث من ذوات العلم وغيرهن. واعلم أن هذه اللواحق لا محل لها من الإعراب, لأنها لو كان لها محل لوقع الاسم الظاهر في موقعها, ولا يقع الظاهر في موقعها وأنشد بعض العلماء: 203 - دعني وإيا خالد ... فلأقطعن عرانياطه وذلك غير معرف. واعلم أن لإيا في الكلام مواضع: الأول: أن يكون مفعولًا مقدمًا. كقوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} الثاني: أن يكون بعد حرف العطف كقوله تعالى: {يخرجون الرسول وإياكم}. الثالث: أن يكون بعد حرف الاستثناء كقوله تعالى: {أمر ألا تعبدوا إلا إياه} والرابع: أن يكون مفعولًا (معه) كقول أبي ذويب:

قال ابن جني: وأما الضمير المتصل فثلاثة أضرب: مرفوع, ومنصوب, ومجرور. فالمرفوع للمتكلم التاء نحو قمت, والتثنية والجمع قمنا, وللمخاطب قمت وقمتما وقمتم. وللمخاطبة: قمت وقمتما وقمتن, والضمير للغائب في: قام وقاما وقاموا, وللغائبة في قامت وقامتا وقمن, وكذلك الضمير في اسم الفاعل والمفعول نحو ضارب ومضروب وفي الظرف نحو قولك: زيد عندك, وما جرى هذا المجرى. وأما الضمير المنصوب المتصل فالياء في كلمني, والتثنية والجمع / جميعًا: كلمنا, والكاف للمخاطب نحو قولك: رأيتك ورأيتكما, والجمع رأيتكم. وللمخاطبة: رأيتك, ورأيتكما, ورأيتكن. وللغائب: رأيته, ورأيتهما, ورأيتهم, وللغائبة: رأيتها ورأيتهما ورأيتهن. ـــــــــــــــــــــــــــــ = 204 - فآليت لا أنفك أحذو قصيدة ... تكون وإياها بها مثلًا بعدي الخامس: أن يكون خبر كان, كقولك: كنت إياك. السادس: أن يكون مفعولًا ثابتًا لظننت كقولك: ظننت زيدًا إياك. السابع: أن يكون مفعولًا ثالثًا لأعلمت كقولك: أعلمت زيدًا عمرًا إياك. الثامن: أن يكون بدلا كقولك: رأيتك إياك, فلا يقع في الكلام إلا على أحد هذه الأوجه الثمانية. قال ابن الخباز: القسم الثاني من المضمر: المتصل, وحده: مالا ينفك عن اتصاله بكلمة. ولا يخلو من أن يلي العامل, كضربت, أو يلي ما يليه كالكاف في ضربتك. وينقسم إلى بارز ومستكن, فالبارز: ما لفظ به كالكاف في ضربك, والمستكن: ما نوى في النفس كالمستكن في الفعل من قولنا: زيد ضرب, وهو مرفوع ومنصوب ومجرور, فالمرفوع اثنا عشر ضميرًا: الأول: التاء للمتكلم في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فعلت / يستوي فيها المذكر والمؤنث وضمت لأن المتكلم أقوى من غيره, فأعطي أقوى الحركات. الثاني: النون والألف في فعلنا, وتكون للمذكرين وللمؤنثين, والذكور والإناث من المتكلم. الثالث: التاء في فعلت, وهي مفتوحة للمخاطب, وفتحت لأن المخاطب كالمفعول من حيث أنه مخاطب. الرابع: التاء في فعلت, وهي مكسورة للمخاطبة, لأن الكسرة والتاء يؤنث بهما. الخامس: فعلتما, والألف للتثنية, والتاء للمخاطب والميم لمجاوزة الواحد. السادس: فعلتم, وأصله فعلتمو, ويجوز حذف الواو ولا يجوز حذف الألف في فعلتما, وقد ذكر مثل هذا. السابع: فعلتن, وهو لجماعة الإناث, وهو نقيض فعلتم. الثامن: المستكن في: زيد فعل. التاسع: الألف في فعلا. العاشر: الواو في فعلوا. واختلف في الألف والواو: فقال سيبويه إذا جاءا بد ظاهر كقولك الزيدان قاما والزيدون قاموا فهما اسمان. وإذا تقدما كقولك: قاما أخواك, وأكلوني البراغيث فهما حرفان. وقال أبو الحسن: هما حرفان يدلان على تثنية المستكن وجمعه. الحادي عشر: المستكن في فعلت, وأما فعلتا فهو بمنزلة فعلا والتاء للتأنيث. الثاني عشر: النون في فعلن. واعلم أن الضمائر المرفوعة المتصلة كلها تتصل بالأفعال إلا المستكن في فعل وفعلت, فإنهما يستكنان في أسماء الفاعلين كقولك: زيد ضارب وهند قائمة وبأسماء المفعولين كقولك: زيد مضروب, وهند مكرمة, وبالظرف وحرف الجر كقولك: زيد خلفك, والمال في الكيس وبالصفة المشبهة باسم الفاعل كقولك: وجهك حسن وزيد أحسن منك. وأما المنصوب فاثنا عشر ضميرًا: الأول: الياء للمتكلم كقولك: أكرمني, فإذا اتصلت بالفعل زدت قبلها نونًا تسمى نون الوقاية لتقي آخر الفعل من / الكسر وتحمل على الفعل إن وأخواتها في ذلك, فيقال: إنني, ويجوز حذفها من إن لاجتماع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = النونات, فيقال: إني ولا يجوز ليتي إلا في الشعر, لأنه لم يجتمع نونات. وجاء في القرآن: {لعلي} وإن لم تجتمع النونات, لأن اللام والنون من مخرج واحد. وفي هذه النون مسائل كثيرة استقصيتها في الكتاب «الإلماع في شرح اللمع». الثاني: النون والألف كقولك: أكرمنا, وهما بمنزلتهما في فعلنا من جهة المعنى. والفرق بين كونها فاعلة وكونها مفعولة سكون ما قبلها وحركته كقولك: أكرمنا أباك وأكرمنا أبوك. الثالث: الكاف في أكرمك, وهي مفتوحة للمخاطب. الرابع: الكاف في أكرمك, وهي مكسورة للمخاطبة. الخامس: أكرمكما وهي تثنية للمذكر والمؤنث. السادس: أكرمكم وأصله: أكرمكمو وهو لجماعة الذكور. السابع: أكرمكن, وهي لجماعة الإناث. الثامن: الهاء في أكرمه, وهي للمذكر فإن كان ما قبلها متحركا مضمومًا أو مفتوحًا قويت بإلحاق الواو كقولك: أكرمهو ويكرمهو. وإن كان قبلها كسرة كقولك: أعطه ألحقت ياء وأجازوا حذف الواو في ضرورة الشعر. وإن كان ما قبلها ساكنًا فإن كان حرفًا صحيحًا أو ألفًا, أو واوًا كنت في إلحاق الواو وحذفها مخيرًا كقولك: أكرمه ويغزوه ودعاه وقرئ: (خذوهو) و (خذوه) وإن كان ياء كسرت, وأنت في إلحاق الياء وحذفها مخير كقولك: يعطيهي ويعطيه, وبكل قرئ, وتحت هذه الأحكام كلها مباحث كثيرة يطول ذكرها, والإملاء مبني على الاختصار. التاسع: الهاء والألف في أكرمها. العاشر: هما في أكرمهما, وهو لتثنية النوعين. الحادي عشر: الهاء والميم في أكرمهم, وأصله: أكرمهمو. الثاني عشر: هن في / أكرمهن. وكل هذه الضمائر تتصل بإن وأخواتها, لأنها مشبهات بالفعل, وفي التنزيل: {أئنا لمخرجون} , {إنكم أنتم الظالمون} و {إنهم كانوا قومًا فاسقين} و {إنا لله وإنا إليه راجعون}.

قال ابن جني: والضمير المجرور لا يكون إلا متصلًا, وهو الياء للمتكلم نحو مررت بي, والتثنية والجمع جميعًا: مررت بنا, وللمخاطب: مررت بك وبكما وبكم, وللمخاطبة: مررت بك وبكما وبكن وللغائب: مررت به وبهما, وبهم, وللغائبة: مررت بها وبهما وبهن, وإذا قدرت على الضمير المتصل لم تأت بالمنفصل تقول: قمت, ولا تقول: قام أنا, لأنك تقدر على التاء, وتقول: رأيتك ولا تقول: رأيت إياك, لأنك تقدر على الكاف, وربما جاء ذلك لضرورة الشعر, قال الراجز: * إليك حتى بلغت إباكا * يريد: حتى بلغتك, وقال أمية: بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير أي: قد ضمنتهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإن قلت: فما بال الفعل يسكن لضمير الفاعل دون ضمير المفعول؟ قلت: لأن ضمير الفاعل متصل لفظًا وحكمًا, وضمير المفعول متصل لفظًا ومنفصل حكمًا. سمعت هذه العبارة من الشيخ رحمه الله. قال ابن الخباز: وأما المجرور فهو اثنا عشر ضميرًا, وجملة ذلك أنه كل ضمير مجرور متصل كقولك: {لي عملي} , ولنا عملنا ولك عملك, ولك عملك, ولكما عملكما, {ولكم عملكم} , ولكن عملكن. وله عمله ولها عملها, ولهما عملهما, ولهم عملهم ولهن عملهن, فانظر هذا التمثيل فإنه جامع للضمائر المجرورة ومبين جهتي جر المضمر من حرف جر ومضاف. واعلم أن المتصل أخصر لفظًا من المنفصل, والمضمر إنما جيء به للاختصار فإذا قدرت على المتصل لم تأت بالمنفصل, وجملة الأمر أن المواضع ثلاثة: موضع لا يصلح فيه إلا المنفصل كقولك: إن الكريم أنت, فلا تقول: إن الكريم ت لأنه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لم يتصل برافعه. وموضع لا يصلح فيه إلا المتصل كقولك: مررت بك, ورأيتك لا تقول: رأيت إياك, لأن الكاف أخصر, وهي إلى جانب العامل, وموضع يصلح فيه المتصل والمنفصل, كقولك: عجبت من ضربيك, ومن ضربي إياك, والمنفصل أولى عند سيبويه, لأن علامات الإضمار لم تستحكم في الأسماء استحكامها في الأفعال, وقد يضطر الشاعر فيضع المتصل موضع المنفصل والمنفصل موضع المتصل. فمن الأول ما أنشده ثعلب رحمه الله: 205 - وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلا ك ديار وإنما أراد إلا إياك كقوله تعالى: {ألا تعبدوا إلا إياه}. ومن الثاني: قول حميد الأرقط: * إليك حتى بلغت إياكا * أي: بلغتك. وقال أبو إسحاق (أراد) بلغتك إياك. وقوله في البت الثاني لأمية تخليط, وقد رأيت البيت في شعر الفرزدققال: 207 - إني حلفت فلم أحلف على فندٍ ... فناء بيت من الساعين معمور بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير يجوز الأموات بالجر والنصب. والدهارير: جمع دهر على غير بنائه, وواحده في التقدير: دهور أو دهرير أو دهرار, وكل ذلك غير منطوق به.

قال ابن جني: وأما الأعلام: فما خص به الواحد من جنسه فجعل / علمًا له نحو عبد الله وزيد وعمرو, وكذلك الكنى نحو أبي محمد وأبي علي, وكذلك الألقاب نحو أنف الناقة وعائد الكلب. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: القسم الثاني: العلم, وهو ما علق على شيء بعينه غير متناول ما أشبهه, وإنما سمي علمًا بشهرته, مأخوذ من العلم, وهو ما يهتدى به على الطريق من المنارة. والعلم الجبل. قال: 208 - * إذا قطعنا علمًا يدا علم * وأنشد الغانمي: 209 - دار لمهدد دارس أعلامها ... طمس المعالم مورها ورهامها وهذا بيت بلا نقطة. وفائدة وضع الأعلام الاختصار, لأن الشيء لا يمتاز عن شركائه في الحقيقة إلا بذكر صفاته التي لا يوجد مجموعها إلا فيه كقولك: جاءني الرجل الطويل الفقه الشاعر الكاتب, فمجموع الرجولية والطول والكتابة والشعر يجب أن يكون مخصوصًا به المذكور ليعلم المخاطب من تريد, فإن كان له شريك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في المجموع لم يعلم فإذا سميته باسم يخصه كفيت مؤونة ذكر هذه الصفات. ولعلك تحتاج إلى ذكر أكثر منها, وللعلم انقسامات كثيرة, وله أحكام كثيرة. وذكر أبو الفتح من انقساماته انقسامًا واحدًا / وأنا أذكره, وأضيف إليه انقسامًا آخر تدعوا الحاجة إلى معرفته. قسم أبو الفتح العلم إلى اسم ولقب وكنية, فالاسم: ما وضع على المسمى من أول أحواله كزيد وعمرو وعبد الله. واللقب: ما وضع على المسمى لمعنى فيه كأنف الناقة وعائد الكلب. وأخبرنا الشيخ رحمه الله: أن رجلًا نحر جزورًا وفرقها, فجاء رجل فلم ير شيئًا يعطيه إلا أنفها فأخذه, وولد لذلك الرجل قبيلة من ولده فكان يقال لهم: بنو أنف الناقة, وكانت العرب تعيرهم بذلك فجاء الحطيئة فمدحهم فقلب هذا الذم مدحًا, قال: 210 - قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا وأما عائد الكلب فلقب به لقوله: 211 - مالي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود وأشد من مرضي علي صدودكم ... فصدود كلبكم علي شديد الانقسام الثاني: أن العلم ينقسم إلى منقول ومرتجل, أما المنقول: فهو ما وضع في أول أحواله نكرة ثم سمي به, ولا يشترط مراعاة المعنى الأصلي, بل العلمية تزيله وما نسوقه من انقسام المنقول يدلك على ما ذكرناه, وأقسام المنقولة ستة. الأول: المنقول عن اسم العين كثورٍ وأسدٍ ويربوع وحنظلة وهود وحمزة وثعلبة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وطلحة وهو كثير. الثاني: المنقول عن اسم معنى كفضل وفهم وسعد وإياس. الثالث: المنقول عن الصفة, وهي فاعل مذكر كصالح ومالك وحارث, وعلى فاعله كنائلة وفاطمة وآمنة وعائشة, ومفعول كمحمد ومنصور ومفضل. ويجوز أن يسمى بالمؤنث من المفعول, وهو قليل. قال الجوهري: «أنشدتني محمودة الكلابية». الرابع: المنقول عن الفعل وهو إما ماض كشمر اسم فرس / ومن أبيات الحماسة: 212 - أبو حباب سارق (الضيف) برده ... وجدي يا حجاج فارس شمرا وإما مضارع كتغلب ويشكر في اسمي رجلين. ويجوز أن يكون أحمد من هذا. وإما أمر كاصمت, يقال: لقيته ببلدة إصمت, وبوحش إصمت, أي: بالبلدة القفز. الخامس: المنقول عن صوت كببه, قال الجوهري: هو نبر عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب, وأنشد للفرزدق: 213 - وبايعت أقوامًا وفيت بعهدهم ... وببة قد بايعته غير نادم السادس: المنقول عن المركب, وذلك أربعة أقسام: الأول: المضاف والمضاف إليه كعبد عمرو, وتدخل في ذلك الكنى: وهي كل اسمين مضاف ومضاف إليه أولهما أب أو أم كأبي بكر وأبي برزة, وأم سعد وأم طلحة. الثاني: المركب المبني الشطر الأول نحو: معدي كرب. الثالث: المركب المبني الشطرين نحو سيبويه. الرابع: الجملة, أنشدني بعض الأدباء:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 214 - عاري الأشاجع من ثقيف أصله ... عبد ويزعم أنه من يقدم فيقدم أبو قبيلة, ولم يؤثر فيه حرف الجر, لأنه من فعل وفاعل سمي بهما وجميع ما ذكرته لك من أقسام المنقول كان في الأصل غير علم, ثم جعل علمًا, وحدثت عن بعض الحمقى أنه زعم أن محمدًا غير منقول, وهذا زعم باطل بوجهين: أحدهما: أن محمدًا اسم مشتق من المصدر, ولا خلاف بينهم أن هذه الأسماء تكون في الأصل نكرة - الثاني: ما أنشد في كتاب الترقيص من قول بعض الرجاز: 215 - بذكر من خيرة الذكور ... محمد في فعله مشكور 99/ب / فإجراؤه صفة على النكرة يدل على أنه نكرة. الثاني: المرتجل: وهو كل اسم وضع علمًا من أول أمره, وينقسم إلى معدول وغير معدول, فالمعدول: مذكر كعمر, ومؤنث كحذام, وغير المعدول: قياسي, وشاذ, فالقياسي: ما وافق نظيره في النكرات كغطفان وعمران الذين هما كنزوان وسرحان والشاذ: ما خالف نظيره في النكرات, وذلك إما بفك إدغام كمحبب وإما بفتح ما حقه الكسر كموهب, وإما بتصحيح ما حقه الإعلال كمكورة.

قال ابن جني: وما أسماء الإشارة: فهذا للحاضر, والتثنية في الرفع هذان, وفي النصب والجر هذين. وذلك للغائب, والتثنية ذانك وذنيك, وهذه, وهاتان وهاتين, وتلك وتيك وتانك وتينك, والجمع: هؤلاء وهؤلا ممدود ومقصور. وأولئك وأولاك ممدود ومقصور, وها في جميع هذا حرف معناه التنبيه 290/أوإنما الاسم ما بعده, والكاف في جميع ذلك للخطاب, وهي حرف لا اسم. وأما ما تعرف باللام: فنحو الرجل والغلام والطويل والقصير. وأما ما أضيف إلى واحد من هذه المعارف: فنحو غلامي وصاحب زيد وجارية هذا ودار الرجل وطرف رداء عمرو. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: القسم الثالث: أسماء الإشارة: وهي خمسة: ذا, وتا, وذان, وتان, وأولاء, ولبنائها علتان: أحدهما: أنها لا تلزم مسمياتها. والثاني: أنها تضمنت معنى حرف الإشارة, وما ذكرها أبو الفتح بعد العلم إلا وهو يرى أن العلم أعرف منها, وهذه مسألة خلافية, قال: ابن السراج والكوفيون (يقولون إن) أسماء الإشارة أعرف من الأعلام وذلك لخمسة أوجه: الأول: أن اسم الإشارة يعرف بالعين والقلب, والعلم يعرف بالقلب فتعريفها من وجهين, وتعريفه من وجه. الثاني: أن العلم تدخله الألف واللام كالحارث والعباس, وتلك لا تدخلها. الثالث: أن العلم يضاف, قال: 216 - علا زيدنا يوم النفا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يماني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتلك لا تضاف. الرابع: أن العلم يعرض له التنكير بالشركة وتلك لا تتنكر. الخامس: أن الأصل في الإشارة أن تستعمل للحاضر, والأصل في العلم أن يستعمل للغائب فينهما بون. وذهب سائر البصريين إلى أن العلم أقوى تعريفًا لوجهين: أحدهما: أن العلم وصف باسم الإشارة كقولك: مررت بزيد هذا. والصفة أضعف تعريفًا من 100/أالموصوف. الثاني: أن العلم يلزم مسماه, والإشارة لا تلزم مسماها /. ونعود إلى تفصيل الأسماء الخمسة, أما «ذا»: فيشار به إلى الواحد المذكر من ذوي العلم وغيرهم, كقولك: لبس هذا الرجل هذا الثوب. وأما «تا»: فكذلك كقولك: رأيت هاتا الجارية في هاتا الدار. وأما «ذان»: فكذلك كقولك: هذان الرجلان, وهذان الثوبان. وأما «تان»: فكذلك تقول: هاتان الجاريتان, وهاتان الداران. وذان وتان معربان قال الله تعالى: {فذلك برهان} وقال تعالى: {إحدى ابنتي هاتين} ومنهم من يجعل الألف على كل حال وهي لغة بلحرث بن كعب وكنانة, وأما أولاء: فتمد وتقصر, قال الكميت: 217 - وكنت لهم من هؤلاء وهؤلا ... مجنًا على أني أذم وأقصب وقال الشاعر في المد: 218 - أولئك لو جزعت لهم لكانوا ... أعز علي من أهلي ومالي ويشار بها إلى ذوي العلم وغيرهم, قال ذو الرمة:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 219 - أولاك كأنهن أولاك إلا ... شوى لصواحب الأرطى ضئالا ولأسماء الإشارة في الاستعمال أربعة أنحاء: الأول: تقرن بها حرف التنبيه تقول: هذان وهذان. الثاني: أن تقرن بها حرف الخطاب تقول: ذاك وذلك. الثالث: أن تجمع بينهما كبيت الكميت: الرابع: أن (لا) يؤتى بواحد منها كقولك: ذا. والإشارة على ثلاثة أقسام: إشارة إلى القريب كذا, وإلى البعد كذلك, وإلى المتوسط كذاك. القسم الرابع: المعرف باللام. ولا يخلو الألف واللام من أن يكون اسمًا أو حرفًا, فالاسم: هي الموصولة باسم الفاعل, واسم المفعول كقولك: الضارب أباه زيد, والمذهوب إليها هند, فعود / الضمير يدلك على الاسمية. وإن كانت حرفًا: لم يخل من أن تكون زائدة أو غير زائدة, فالزائدة: في الذي والتي (و) تثنيتهما وجمعهما, ويدلك على زيادتهما أن الموصول مستغن عنهما, لأن صلته توضحه. وإن كانت غير زائدة: فهي إما لتعريف العهد كقوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا * فعصى فرعون الرسول}. وإما لتعريف الجنس كقولك: أهلك الناس الدينار والدرهم, وإما للعموم كقوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء} , وإما لتعريف الحضور كقولك: مررت بهذا الرجل, و {يا أيتها النفس المطمئنة}.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واختلف الخليل وسيبويه في الألف واللام: فذهب سيبويه إلى أن التعريف باللام, والهمزة قبلها زائدة للوصل, والدليل على ذلك من وجهين: أحدهما: أن الهمزة مستمرة الحذف. والثاني: أن حرف التعريف ممتزج بما يعرفه, فإذا كان ساكنًا كان أشد امتزاجًا. واحتج الخليل: بأنهم قالوا: أل, ففتحوا الهمزة كما في قاف قد, وحق همزة الوصل الكسر. الثاني: أنهم قالوا: ألي كما قالوا: قدي, فألحقوها ياء التذكير. القسم الخامس: المعرف بالإضافة إلى بعض المعارف الأربعة, فإن كانت إضافة غير محضة لم يتعرف, وإن كانت إضافته محضة تعرف, واعتبر حاله بما يضاف إليه, فالمضاف إلى ضمير المتكلم أقوى تعريفًا من المضاف إلى ضمير المخاطب والمضاف إلى ضمير المخاطب أقوى تعريفًا من المضاف إلى ضمير الغائب. والمضاف إلى ضمير الغائب أقوى تعريفًا من المضاف إلى المبهم, والأمر مبني على الخلاف والمضاف إلى المبهم أقوى من المضاف إلى المعرف باللام, والمضاف إلى المعرف باللام أقوى من المضاف إلى المضاف. وأمثله ذلك: غلامي, جاريتك, دارها, عبد عمرو, وكتاب هذا دار الرجل, طرف رداء عمرو. 101/أواختلفوا / في المعرف باللام والمضاف, فقال قوم: المعرف باللام أقوى تعريفًا, لأن تعريفه بالحرف الذي هو شديد الامتزاج به. وقال قوم: المضاف أقوى تعريفًا, لأن المضاف يوصف باللام كقولك: مررت بغلام زيد الظريف. ***

باب: (النداء)

باب: (النداء) قال ابن جني: الأسماء المناداة على ثلاثة أضرب: مفرد, ومضاف, ومشابه, للمضاف / لأجل طوله: والمفرد على ضربين: معرفة, ونكرة, والمعرفة أيضًا 29/ب على ضربين: أحدهما: ما كان معرفة قبل النداء ثم نودي فبقي على تعريفه نحو يا زيد ويا عمرو. والثاني: ما كان نكرة ثم نودي فحدث فيه التعريف بحرف الإشارة والقصد نحو: يا رجل كلاهما مبني على الضم كما ترى, وأما النكرة: فمنصوبة بيا, لأنها نابت عن الفعل, ألا ترى أن معناها أدعو زيدًا وأنادي زيدًا, كذلك المضاف منصوب نحو: يا عبد الله, ويا أبا الحسن وكذلك المشابه للمضاف من أجل طوله, وهو كل ما كان عاملًا فيما بعده نصبًا أو رفعًا, فالنصب نحو: يا ضاربًا زيدًا, ويا خيرًا من عمرو, ويا عشرين رجلًا. والرفع نحو قولك: يا حسنًا وجهه, ويا قائمًا أخوه, وكذلك العطف نحو رجل سميته: زيدًا وعمرًا تقول إذا ناديته: يا زيدًا وعمرًا أقبل. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب النداء) قال ابن الخباز: يقال: نداء ونداء, فمن كسر قال: هو مصدر فاعل, ومن ضم قال: هو صوت ولا يكون المنادى إلا اسمًا, لأنه مفعول, فإن وجدت بعد حرف النداء فعلًا أو حرفًا فهو على حذف المنادى كقوله تعالى: {ياليتني كنت ترابًا} وكقوله في قراءة الكسائي: {ألا يا اسجدوا}. والأسماء المناداة ثلاثة أقسام: الأول: المفرد, وهو ضربان: معرفة ونكرة, والمعرفة ضربان: أحدهما: العلم نحو زيد وعمرو, فهذا إذا ناديته بنيته على الضم كقوله تعالى: {يا صالح} و {يا إبراهيم} وإنما بُني, لأنه وقع موقع أسماء الخطاب التي تغلب عليها معاني الحروف, إذ الأصل أن نقول: ادعوك وأناديك, =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإنما بني على الحركة, لأنه كان متمكنًا قبل النداء, وإنما بني على الضم لأن الفتحة حركته لو أعرب, والكسرة تجعل في الكلام لبسًا بالمضاف إلى ياء المتكلم. واختلفوا في زوال تعريف العلم فمنهم من قال: لا يزول لأننا ننادي من لا شريك له في اسمه كقولنا: يا فرزدق, ومنهم من قال: يزول لئلا يجتمع تعريفان. الثاني: من قسمي المعرفة: النكرة المقصودة, كقولك: يا رجل ويا غلام وقصتها كقصة العلم في البنا على الضم. فإن قيل: فبأي شيء عرفت؟ قلت: عرفت بالقصد بشرط حرف النداء. وقوله: (إن التعريف حدث فيها بحرف النداء) غير مستقيم, لأننا ننادي النكرة الصريحة, بقولك: يا رجلا, فلو كان حرف النداء هو المعرف لتعرفت. الثاني / من قسمي المفرد: النكرة, وهي منصوبة كقولك: يا رجلا ويا غلاما, لأنه لم يعرض فيها ما يدعوا إلى بنائها, لأنها باقية شياعها. وأما المضاف فنحو قولك: يا عبد الله ويا أبا الحسن, وهو منصوب, وإنما لم بين, لأن تعريفه بالمضاف إليه دون الوقوع موقع حرف الخطاب. وأما المشابه للمضاف: فهو كل اسم عمل فيما بعده رفعًا أو نصبًا, فالرفع كقولك: يا حسنًا وجهه, ويا مضروبًا غلامه, ويا قائمة جاريته, والنصب إما لفظي كقولك: يا ضاربًا زيدًا, ويا عشرين رجلًا, وإما محلي كقولك: يا خيرًا من زيد, ويا سائرًا إلى الشام ويا لطيفًا بالعباد, وإنما سمي هذا مشابهًا للمضاف, لأنه عامل فيما بعده كما أن المضاف عامل في المضاف إليه ولم يبن, لأنه عامل فيما يعده فجرى مجرى المضاف. وإذا قلت: يا ضاربًا زيدًا فلك فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون علمًا والثاني: أن يكون نكرة شائعة. والثالث: أن يكون نكرة مقصودة. وفي ناصب النكرة والمضاف والمشابه له قولان: أحدهما: أنه فعل مقدر لأن العمل في الأصل للأفعال, كأنك قلت: أنادي أو أدعوا. الثاني: أنه منصوب بيا, =

قال ابن جني: والحروف التي ينبه بها المدعو خمسة وهي: يا وأيا وهيا, وأي والألف, تقول: يا زيد وأيا زيد, وهيا زيد وأي زيد, وأزيد قال ذو الرمة: هيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا أأنت أم أم سالم وقال الآخر: أريد أخا ورقاء إن كنت ثائرًا ... فقد حصرت أحناء حق فخاصم يريد: يا زيد. ويجوز أن تحذف حرف النداء مع كل اسم لا يجوز أن تكون وصفًا لأي, تقول: زيد أقبل, لأنه لا يجوز أن تقول: يا أيها زيد, ولا تقول: رجل أقبل, لأنه يجوز أن تقول: يا أيها الرجل أقبل, ولا تقول أيضًا: هذا أقبل, لأنه يجوز أن تقول: يا أبهذا أقبل, قال الله عز وجل: {ويوسف أعرض عن هذا} أي يا يوسف. ـــــــــــــــــــــــــــــ = لأن لها نفس العمل, وإذا عمل أنادي الذي هو عبارة عنها فهي أولى. ومن المشابه للمضاف الاسمان المعطوف والمعطوف عليه إذا جعلا علمًا, كتسميتك رجلًا بزيد وعمرو, وإذا ناديته (قلت) يا زيدًا وعمرًا أقبل بالنصب, لأنه طال بالعطف, ولا يجوز بقاء واحد من الاسمين, لأنكلواحد منهما بعض العلم, ألا ترى أنك لو سميت امرأة بضاربة زيدًا لكنت تصرفها فتقول: جاءت ضاربة وحده. قال ابن الخباز: وحروف النداء خمسة: الأول: يا, ومجالها أوسع من غيرها, لأن القرآن كثر النداء فيه, ولم يأت إلا بها. الثاني: / أيا, ولا يقال إن 102/أأن الهمزة زائدة, لأن الحروف لا يزاد فيها, أنشد سيبويه: 220 - أيا شاعرًا لا شاعر اليوم مثله ... جريرًا ولكن في كليب تواضع الثالث: هيا, وقيل: إن الهاء بدل من الهمزة, قال ذو الرمة:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 221 - هيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين (النقا) أأنت أم أم سالم الوعساء: الرملة اللينة, وجلاجل بضم الجيم وفتحها موضع, ويقال: حلاحل بالحاء المهملة, وهذه الثلاثة ينادي بها البعيد والنائم والساهي لما فيهن من مد الصوت بالألف والطول, وينادى بها القريب توكيدًا. الرابع: أي: أنشد أبو القاسم رحمه الله: 222 - ألم تسمعي أي عبد في رونق الضحى ... بكاء حمامات لهن هديل الخامس: الهمزة, وأنشد: 223 - أزيد أخا ورقاء إن كنت ثاثرًا ... فقد عرضت أحناء حق فخاصم ثائرًا: طالبًا للثأر, والأحناء جمع حنو, وهي عيدان الرحل, ولعله يعني هنا الأحقاد, والهمزة وأي ينادى بهما القريب. واعلم أن حق حرف النداء أن لا يحذف, لأن الغرض منه إفادة معناه وقد يحذفونه, قال شيخنا رحمه الله: شبهوه بالفعل, لأنهم يحذفونه ويبقون عمله. والأسماء في حذفه على قسمين: قسم يحذف معها وهو العلم كقوله تعالى: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = {يوسف أعرض عن هذا} والمضاف كقوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا}. وسوغ الحذف أن المعنى معلوم بدليل الحال. وقسم لا يجوز معه حذف, وهو النكرة المقصودة, فلا تقول: رجل أقبل, وذلك أن الأصل في النكرة المقصودة أن تنادي بأي, فيقال: يا أيها الرجل, فلو قيل: رجل أقبل لحذفت منه أربعة أشياء: يا وأي وها واللام, وقد يحذفونه في ضرورة الشعر, قال الأعشى /: 224 - وحتى يبيت القوم في الصيف ليلة ... يقولون نور صبح والليل عاتم وكذلك المبهم, فلا تقول: هذا أقبل, لأن يا تنقله من تعريف الإشارة إلى تعريف الخطاب فلم يجز حذفها, ويجوز حذف يا مع أي, قال عدي بن زيد: 225 - أيها القلب تعلل بددن ... إنما همى سماع وأذن وأما قوله: (إن حرف النداء يحذف مع ما لا يكون صفة لأي, ولا يحذف مع ما يكون صفة لأي). فهو إشارة إلى ما ذكرناه من العلة.

قال ابن جني: فإن نعت الاسم المفرد المضموم بمفرد جاز لك في وصفه وجهان: الرفع, والنصب جميعًا تقول: يا زيد الطويل, وإن شئت: الطويل, فمن رفع فعلى اللفظ, ومن نصب فعلى الموضع, قال العجاج: * يا احكم الوارث عن عبد الملك * وقال جرير: فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك يا عمرو الجوادا فإن نعته بالمضاف نصبته لا غير تقول: يا زيد أخا عمرو, ويا زيد ذا الحمة, وكذلك التوكيد جار مجرى الوصف تقول: يا تميم أجمعون, وإن 30/أشئت أجمعين / وتقول: يا تميم كلكم وكلهم بالنصب لا غير. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: ويجوز وصف المنادى المفرد المضموم, لأنه يجوز إذا قلت: يا زيد أن يحضرك مسمون بهذا الاسم فإن وصفته بمفرد مثله (جاز لك فيه الرفع) كقولك: يا زيد الطويل, والنصب كقولك: يا زيد الطويل. أما الرفع: فبالحمل على لفظ المنادى, لأنه مضموم وجاز حمل ضمة الإعراب على ضمة البناء الكائنة في النداء, لأنها مطردة لأن كل اسم ناديته لك أن تضمه فهي كضمة الإعراب في الاطراد. وأما النصب: فبالحمل على المحل, لأنه منصوب الموضع, لأنه مفعول به والعامل ما ذكرناه على الخلاف فلما عرض فيه ما يوجب بناءه بقي على حكمه في المحل قال العجاج: 226 - * يا حكم الوارث عن عبد الملك * فرفع, وقال جرير:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 227 - فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك يا عمر الجوادا والقوافي منصوبة, وكعب بن مامة بن الأجواد المشهورين, وكان سبب وفاته إيثاره بالماء رفيقه على نفسه, وابن سعدي: هو أوس بن حارثة بن لأم, مدحه بشر فقال: 228 - إلى أوس بن حارثة بن لأم ... ليقضي حاجتي فيمن قضاها فما وطئ الحصا مثل ابن سعدى ... ولا لبس النعال ولا احتذاها / وإن وصفته بمضاف لم يكن إلا منصوبًا فتقول: يا زيد أخا عمرو, ويا زيد ذا الجمة قال الخليل رحمه الله: جعلوا وصف المنادى بمنزلته إذا كان مضافًا: 229 - * أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائرًا * (223) والتوكيد كالوصف, فإن كان غير مضاف رفعته ونصبته تقول: يا تميم أجمعون كما تقول: يا زيد الطويل, وتقول: يا تميم كلكم وكلهم بالنصب لا غير, لأنه توكيد مضاف كما تقول: يا زيد (ذا) الجمة.

قال ابن جني: فإن عطفت على المضموم اسمًا فيه ألف ولام كنت مخيرًا, إن شئت رفعته, وإن شئت نصبته تقول: يا زيد والحارث, وإن شئت والحارث, قال الله عز وجل: {يا جبال أوبي معه والطير} والطير يقرأن بالرفع والنصب قال الشاعر: ألا يا زيد والضحاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطريق يروى: الضحاك والضحاك, بالرفع والنصب, فإن لم يكن فيه لام التعريف كان له حكمه لو ابتدئ به تقول: يا زيد وعمرو, ويا زيد وعبد الله. فإن كان المنادى منصوبًا لم يجز في وصفه وتوكيده إلا النصب تقول: يا عبد الله الظريف. ويا غلمان زيد أجمعين, وتقول: يا أخانا زيدًا أقبل. إذا جعلته بدلًا ضممته, وإن جعلته عطف بيان نصبته, وتقول: يا أيها الرجل فتبنى أي على الضم, لأنها في اللفظ مناداة, وها للتنبيه, والرجل مرفوع, لأنه وصف أي, ولا يجوز فيه غير الرفع. ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقوله: يا تميم كلكم بالكاف حملا على المعنى لأنه مخاطب كما أنشد أبو سعيد رحمه الله: 230 - يا أيها الذكر الذي قد سودنني ... وفضحتني وطردت أم عياليا ويا تميم كلهم حملًا على اللفظ, لأن تميمًا موضوع للغيبة. قال ابن الخباز: فإن عطفت على المنادى اسمًا فيه الألف واللام, كقولك: يا زيد والحارث, فالخليل وسيبويه والجرمي يختارون الرفع, لأنه معرفة منادى تعذر بناؤه للألف واللام فأجري مجرى الأول في اختيار الضم. وأبو عمرو وعيسى بن عمر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يختاران النصب لأنه تعذر بناؤه فعدل به (إلى) الأصل. وأبو العباس المبرد يفرق بين العلم والجنس فيختار في العلم الرفع كقولك: يا زيد والحارث تشبيهًا له بالأول, ويختار في الجنس النصب كقولك: يا زيد والرجل, لأنه لم يجر مجرى الأول. وأما قوله تعالى: {يا جبال أوبي معه والطير} فيقرأ برفع الطير ونصبه, فالرفع من وجهين: أحدهما: العطف على جبال. الثاني: العطف على الياء في أوبي. والنصب من ثلاثة أوجه: أحدها العطف على موضع المنادى, والثاني: أن يكون مفعولًا معه. والثالث: أن يكون محمولًا على فعل: أي سخرنا الطير. وقال الشاعر: 231 - ألا يا زيد والضحاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطريق / يروى الضحاك بالرفع والنصب, والخمر: ما واراك من بنيتان أو جبل أو شجر 103/ب وأما قولك: يا أيها الرجل, فإنما بنيت أيا - وإن كانت غير مقصود قصدها - لأنها مناداة في اللفظ, واللفظ حصة في المراعاة, ألا ترى أنا نقول: ألست بقائم, فندخل الباء - وإن زال النفي لوجود لفظ ليس. «وأما» «ها» ففيها وجهان: أحدهما: أنها عوض من دخول يا على ما فيه الألف واللام. والثاني: أنها معاضدة لحرف النداء. وأما الرجل فلا يجوز فيه إلا الرفع وهو صفة لأي, قال أبو علي: «لأن الرجل ها هنا هو المقصود بالنداء» وليس بمنزلة يا زيد الظريف, ولك أن تصف الرجل, فإن وصفته بالمضاف لم يكن إلا مرفوعًا تقول:

قال ابن جني: واعلم أنك لا تنادي اسمًا فيه الألف واللام لا تقول يا الرجل, 30/ب ولا يا الغلام لأن الألف واللام / للتعريف, ويا تحدث في الاسم ضربًا من التخصيص فلم يجتمعا لذلك إلا أنهم قد قالوا: يا ألله اغفر لي, بقطع الهمزة ووصلها فجاء هذا في اسم الله تعالى خاصة لكثرة استعماله, ولأن الألف واللام فيه صارتا بدلاً من همزة إله في الأصل فإن ناديت المضاف إليك كانت لك فيه أربعة أوجه: تقول: يا غلام بحذف الياء ويا غلامي بإسكانها, ويا غلامي بفتحها, ويا غلاما تقلبها للتخفيف ألفا. قال الراجز: * فهي ترثا بأبا وابناما * وتقول في النداء: اللهم اغفر لي, وأصله: يا ألله, فحذفت يا من أوله, وجعلت الميم في آخره عوضًا من يا في أوله, ولا يجوز الجمع بينهما إلا أن يضطر إليه شاعر قال: إني إذا ما حدث ألما ... أقول: يا للهم يا للهما ـــــــــــــــــــــــــــــ = يا أيها (الرجل) ذو المال, لأنه مرفوع رفعًا صحيحًا. قال ابن الخباز: واختلف النحويون في نداء ما فيه الألف واللام, فذهب الكوفيون إلى إجازته واحتجوا بقول الشاعر: 232 - فيا الغلامان اللذان فرا ... إيكما أن تكسبانا شرًا وبقول العرب: يا ألله, وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز, واحتجوا بأنك لو ناديت ما فيه الألف واللام لجمعت على الاسم بين تعريفين, وما أنشده الكوفيون =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = محمول على الضرورة, وأما نداء اسم الله تعالى فلا حجة فيه لثلاثة أوجه: أحدها: أن نداءه, ضرورة لأنه منتهى كل رغبة, فالعباد محتاجون إلى ندائه. الثاني: أن من العرب من يقول: يا ألله بقطع الهمزة وهذا في التقدير كالواقف على يا والمبتدئ باسم الله فكأنه لم يدخلها عليه. الثالث: أن الألف واللام فيه بدل من همزة إلاه التي هي فاء الفعل, وكما لا يمتنع أن تقول: يا إلاه لا يمتنع أن تقول: يا ألله وأما همزة إلاه, فالجيد أن تكون أصلًا لا بدلًا, يقال: ألة إلا هة / 104/ أأي: عبد عبادة, وقرأ ابن عباس {ونذرك وإلاهتك} أي: عبادتك. فإن أضفت المنادى الصحيح الآخر إلى ياء المتكلم ففيه خمس لغات: الأولى: وهي الكسرة يا غلام حذفت الياء لأن كسرة الميم تدل عليها. الثانية: يا غلامى بإثبات الياء, وإسكانها, فالإثبات الأصل, والإسكان للخفة وقرئ: {يا عباد فاتقون} الثالثة: يا غلامي بالفتح, لأنه الأصل. الرابعة: يا غلاما بفتح الميم وقلب الياء ألفا, وقول الراجز: 233 - * فهي ترثى بأبا وابناما * حكى فيه قول النادبة, وما زائدة, والشعر: 234 - * فهي ترثا بأبا وابنيما (233) * وأول القصيدة: 235 - * بات الهوى يستصحب الهموما *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأبو الفتح سلك طريق سيبويه في الإنشاد واحتجوا بأنه يجوز أن يكون قد سمعه من عربي ينشده هكذا. الخامسة: يا غلام بالضم, وهذا يفعلونه في كل اسم تغلب عليه الإضافة كقولهم: يا رب ويا قوم. وتقول: «اللهم اغفر» واختلف في الميم اللاحقة بآخره, فزعم الفراء أن أصله يا الله أمنا بخير, أي: اقصدنا فخفف بالحذف. قال: ولا يجوز أن يقال: إنها عوض من يا, لأن الشاعر قد جمع بينهما, قال: 236 - إني إذا ما حدث ألما ... أقول يا للهم ياللهما وقال البصريون: إنها ميم زيدت مثقلة, وهي عوض من يا لأنها على حرفين مثلها ولم يأت في اختيار الكلام الجمع بينهما, وما جاء في الشعر ضرورة, واحتج أبو علي الفارسي بقوله تعالى: {وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} ووجه الاحتجاج أن قوله: {فأمطر} جواب الشرط فلو كان كما زعم الفراء لم يأت للشرط بجواب,

باب: (الترخيم)

باب: (الترخيم) قال ابن جني: اعلم أن الترخيم: حذف يلحق أواخر الأسماء المضمومة في النداء تخفيفًا. وهو في الكلام على ضربين: أحدهما - وهو الأكثر - أن تحذف آخر الاسم وتدع ما قبله على ما كان عليه من الحركة والسكون. والآخر: أن تحذف ما تحذف وتجعل / ما بقي بعد الحذف اسمًا قائمًا بنفسه كأن لم تحذف منه شيئًا, الأول منهما نحو قولك في حارث: يا حار, وفي مالك: يا مال وفي جعفر: يا جعف, وفي برثن يا برث, وفي قمطر: يا قمط, قال زهير: يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقه قبلي ولا ملك الثاني نحو قولك في حارث: يا حار, وفي جعفر: يا جعف. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما يحتج به عليه أن هذا الكلام يستعمل في موضع لو كان فيه كما زعم الفراء لكان فيه من المنافرة مالا يخفى كقوله تعالى: {قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون} فلو كان الأصل أمنا بخير لكان التقدير: قل: الله أمنا بخير أنت تحكم بين عبادك, وهذا كلام لا يأخذ بعضه بحجز بعض. والله أعلم. (باب الترخيم) قال ابن الخباز: وله معنيان: لغوي وصناعي, فاللغوي: التليين, ومنه قولهم: كلام رخيم أي: لين, قال جحيش الهمداني: 237 - يا حبذا قرينتي رعوم ... وحبذا منطقها الرخيم ومنه قولهم: رحمه أي: رحمه, قال أبو النجم: 238 - * مدلل يشتمنا ونرخمه *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو عند النحويين عبارة عن حذف أواخر الأسماء المفردة المضمومة في النداء ففي هذا قيود, الأول: الأواخر, وإنما اختص بالآخر لوجهين: أحدهما: أن الأواخر محال التغيير. والثاني: أن معظم الاسم إذا مضى على السلامة كان أدل على باقيه. الثاني: المفردة, وإنما لم ترخم المضاف والمشابه له, لأنهما في النداء مثلهما في غير النداء حيث كانا معربين, فلا أثر للنداء فيهما. الثالث: المضمومة, فلا يجوز ترخيم, النكرة المحضة, لأن النداء لم يغيرها. الرابع: قولنا: في النداء, وإنما اختص ذلك بالنداء, لأن النداء كثير في كلامهم فخففوا فيه الأسماء وأجازوا للشاعر الترخيم في غير النداء / أنشد سيبويه رحمه الله: 239 - فإن ابن حارث إن اشتق لرؤيته ... أو امتدحه فإن الناس قد علموا أراد ابن حارثة, فأما ما أنشده ابن الأعرابي من قوله: 240 - وضمرة سدى للخطيم بطعنةٍ ... أرته صغيرات الكواكي نهارا فليس ذلك بترخيم, وإنما أبدل الياء من الباء, لأن الياء في هذا الموضع لا تحرك والباء تحرك, فكره أن يسكن في الوصل ما يحتمل الحركة. وللعرب في الترخيم مذهبان: أحدهما: أن يحذفوا آخر الاسم ويدعوا الباقي قبل المحذوف على ما كان عليه من ضمة أو فتحة أو كسرة أو سكون, تقول في حارث: يا حار, وفي جعفر: يا جعف, وفي برثن إذا شئت: يا برث, وفي هرقل: يا هرق فتبقى الراء على كسرها, والفاء على فتحها, والثاء على ضمها, والقاف على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سكونها. وهذا هو الأكثر في كلامهم, لأ (نه) أدل على المحذوف. وأنشد أبو الفتح رحمه الله لزهير: 241 - يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك وقال النابغة: 242 - فصالحونا جميعًا إن بدالكم ... ولا تقولوا لنا أمثالها عام أراد: يا عامر, وقد رخمت العرب حارثًا ومالكًا وعامرًا كثيرًا, لأنهم كثيرًا ما يسمون بها وخالف الفراء البصريين في ترخيم هرقل على القول الأول, فقال: أقول: ياهر بحذف القاف واللام, لأني لو أبقيت القاف ساكنة لصار آخره كآخر الحروف, ويقال للمحتج عنه: أخبرنا عن وزن المرخم في قولك: يا حار ما هو؟ فإن قال: هو فعل فقد أخطأ, لأنه فاعل من الحرث. وإن قال: وزنه فاع فيقال له: أهذا وزن موجود في الكلام أم غير موجود؟ فإن قال: موجود فقد أخطأ, وإن قال: غير موجود, فيقال له: لماذا فررت من قولك / يا هرق لئلا يشبه الحروف ولم تفر من قولك يا حار, لأنه على وزن معدوم, والإلزامات في هذا كثيرة. والمذهب الثاني: تنزيل الاسم المرخم منزلة ما لم يحذف منه شيء, لأنهم كرهوا أن يكون النداء لبعض الاسم, فيضمون المكسور والمفتوح والساكن, فيقولون: ياحار ويا جعف ويا هرق, وأما المضموم نحو برثن, فإنك تقول فيه على القولين: يا برث فضمة الثاء في القول الأول هي الضمة التي كانت في حشو الكلمة نحو برثن. وهي في القول الثاني ضمة مستأنفة بمنزلة الضمة في قولك: يا حار.

قال ابن جني: فإن كان في الاسم زائدتان زيدتا معًا, حذفتا للترخيم معًا, وذلك قولك في حمراء يا حمر أقبل, وفي عثمان: يا عثم أقبل, وفي مروان: يا مرو أقبل. قال الفرزدق: يا مرو إن مطيتي محبوسة ... ترجو الحياء وربها لم ييأس وفي زيدون اسم رجل: يا زيد أقبل, وفي بصري علمًا: يا بصر أقبل, وفي زيدي علمًا: يا زيد هلم, وفي هندات علمًا: يا هند. فإن كان آخر الاسم أصلًا إلا أن قبله حرف مد زائد حذفتهما جميعًا, لأنهما أشبها الزائدين اللذين زيدا معًا فحدفا معًا, وذلك إذا كان يبقى بعد حذفهما ثلاثة أحرف فصاعدا تقول في ترخيم منصور: يا منص, وفي عمار: يا عم, وفي زحليل يا زحل, فتحذف الطرف / وما قبله لما ذكرت لك, وتقول في ترخيم عماد وعجوز وسعيد: يا عما ويا عجو ويا سعي. ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولا تستنكر مثل هذا فإنه كثيرًا ما تتفق الألفاظ وتختلف التقديرات, ولا ينكر ذلك إلا الجاهل بمذاهب كلام العرب. وقال عبد القاهر: العجب ممن يرد على الأئمة وهو لا يعرف مقاصدهم. والحذف من المرخم قسمان: أحدهما: حذف حرف كما مثلنا. والثاني: حذف حرفين وذلك على قسمين: أحدهما: أن يكونا زائدين, والآخر: أن يكونا زائدًا وأصلًا. فالأول سبعة أقسام: الأول: أن تكون الزائدتان للتأنيث, وذلك نحو أسماء وحمراء تقول فيهما علمين: يا أسم ويا حمر, ويا أسم ويا حمر على المذهبين قال لبيد: 243 - يا أسم صبرًا على ما كان من حدث ... إن الحوادث ملقي ومنتظر قال ابن الخباز: الثاني: الألف والنون المزيدتان في فعلان وما جرى مجراه من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأوزان, تقول في ترخيم مروان. يا مرو وفي نعمان: يا نعم, قال الفرزدق: 244 - يا مرو إن مطيتي محبوسة ... ترجو الحياء وربها لم ييأس الحباء: العطية, وأنشد سيبويه: 245 - * يا نعم هل تحلف لا تدينها * الثالث: الياءان المزيدتان للنسب كبصري ومكي, فإذا / رخمتهما علمين قلت: يا بصر ويامك. الرابع: الزائدتان للإلحاق, وذلك نحو علباء وحرباء تقول في ترخيمهما علمين: يا علب ويا حرب. الخامس: الألف والتاء في جمع التأنيث, تقول في ترخيم هندات ومسلمات علمين: يا هند, ويا مسلم. السادس: الزائدان في التثنية نحو: زيدان وعمران تقول في ترخيمهما علمين: يا زيد ويا عمر. السابع: الزائدتان في جمع التذكير نحو زيدين وعمرين تقول في ترخيمهما علمين: يا زيد ويا عمرو, ولك أن تضم ذلك كله,. وعلة حذف الزائدتين معا أنهما زيدا معًا, فلما لم يكن الزائد الأول منفصلًا عن الثاني جريا مجرى الزائد الوحد. وأما ما آخره حرف أصلي وقبله زائد فهو على قسمين: أحدهما: أن يكون على أكثر من أربعة أحرف, والآخر: أن يكون على أربعة أحرف, الأول: نحو منصور وعمار ومسكين, وفي تمثيله بزحليل نظر, لأن اللام الأخيرة مكررة مزيدة, ولعله

قال ابن جني: ولا تحذف حرف اللين لئلا يبقى الاسم على حرفين. فإن كان الاسم على ثلاثة أحرف لم يجز أن ترخمه, لأنه أقل الأصول, فلم يحتمل الحذف لئلا يلحقه الإجحاف به. فإن كان الثالث هاء التأنيث جاز ترخيمه, تقول في ترخيم ثبة: ياثب أقبل, ومن قال: يا حار, قال: ياثب أقبل. ـــــــــــــــــــــــــــــ = يرى أن المزيد في المكرر الأول, فإذا رخمتها حذفت الآخر وأتبعته الزائد تقول: يا منص ويا عم ويا مسك, لأنهم إذا حذفوا الأصلي فالزائد أولى, لأن الأصلي الذي قبله الزائد كالزائد حيث حذف فجرى الزائد الذي قبله مجرى الزائد قبل الزائد وإنما اشترط في المزيد أن يكون مدة, لأنه لو كانت الياء والواو غير مدتين لم تحذفا وإن كانتا مدتين (حذفتا) تقول في ترخيم قنور وهبيخ: يا قنو ويا هبي لتحصنها بالحركة ولو كان قبل الآخر ألف منقلبة عن ياء أو واو هما عينان لم تحذف الألف لأنها بدل من أصل, تقول في ترخيم منقاد ومختار: يا منقا ويا مختا بالألف, ولو كانت الياء والواو ساكنتين وقبلهما فتحة لم تحذفا, فلو سميته بفردوس وغرنيق قلت في قول من قال يا حار بالكسر: يا فردو ويا غرني. ومن قال: يا حار بالضم, قال: يا فردا ويا غرنا فيقلب الياء والواو ألفين لتحركهما وانفتاح ما قبلهما. قال ابن الخباز: والثاني نحو /: عماد وسعيد وثمود, تقول في ترخيمه: يا عما ويا سعي ويا ثمو فتبقى حرف اللين, لأنك لو حذفته لبقي الاسم على حرفين, فنقص على أقل الأصول أنشد سيبويه لأوس بن حجر: 246 - تنكرت منا بعد معرفة لمي ... وبعد التصافي والشباب المكرم يريد بها لميس, وتقول في ترخيم يزيد: يا يزي, فلا تحذف الياء لعلتين: أحدهما: النقص على أقل الأصول. والثاني: أن الياء عين الفعل, ومن قال: يا حار فضم قال: يا ثمي, فقلت الواو ياء بعد أن أبدل من ضمة الميم كسرة, لأنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ليس في (الأسماء اسم في آخره, واو قبلها ضمة. وتقول في ترخيم يغوث ويعوق: يا يغو (ويا يعو) فثبت الواو للعلتين المذكورتين في إثبات ياء يزيد. ومن قال: يا حار, قال: يا بغي ويا يعي. ولا خلاف بين النحويين في ترخيم ما زاد على ثلاثة أحرف, إن انضمت إليه الشرائط. فإن كان على ثلاثة أحرف فهو قسمان: الأول: الخالي من تاء التأنيث, وهو قسمان: متحرك العين كعمر وساكن العين كعمرو, فالبصريون يمنعون ترخيمه على كل حال لأن أقل عدد تكون عليه الأسماء المتمكنة ثلاثة أحرف مبتدأ به (و) موقوف عليه ووصل بينهما, وما جاء على حرفين قليل جدًا, فلو رخم لعدل به عن الأكثر الغالب إلى الأقل النادر. وذهب الفراء إلى جواز ترخيم ما كان على ثلاثة أحرف متحرك الأوس فتقول في عمر: يا عم وفي عتق وكبد علمين: يا عن ويا كب, واحتج بأنه إذا رخم كان له نظيره من الأسماء, لأنه قد جاء فيه ما هو على حرفين متحرك الثاني / كيد ودم. وبنى المتبني على ذلك بيتًا من شعره فقال: 237 - لعمرك ما تنفك عان تفكه ... عم بين سليمان ومالا يقسم أراد عمر بن سليمان, وهذه القصيدة يمدح بها عمر بن سليمان. وحدثت عن بعض الحمقى أنه ترخيم عمران, وقد جمع هذا بين جهلين: جهلًا بالعربية وجهلًا باسم الممدوح. وأما ما فيه هاء التأنيث نحو قبة وهبة فإنه يمتاز على غيره في الترخيم بحكمين: أحدهما: أنه يجوز ترخيمه وإن كان غير علم, فمن ترخيم العلم قول سحبان:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 248 - يا طلح أكرم من مشى ... حسبًا وأعطاهم لتالد ومن ترخيم غير العلم قول أبي ذويب: 249 - أعاذل إن الرزء مثل ابن مالك ... زهير وأمثال ابن نضرة واقد أراد عاذلة, وإنما جاز ذلك لأنهم ينادون ما يه تاء التأنيث كثيرًا وهي مع ما قبلها بمنزلة اسم ضم إلى اسم. الحكم الثاني: أنه يرخم كثيرًا - وإن كان على ثلاثة أحرف قالوا: يا شا ادجني أراد: يا شاة ادجني أي: أقيمي, يقال: جن أي: أقام قال الأعشى: 250 - وأدجن بالريف حتى يقال ... ألا طال بالريف ما قد دجن وإنما جاز ذلك لأن تاء التأنيث بمنزلة اسم ضم إلى اسم. ولا يجوز ترخيم النكرة, لأنها لا تخلو من أن تكون شائعة أو مقصودة, فإن كانت شائعة: فهي معربة فلم يؤثر فيها النداء, وإن كانت مقصودة: فلا يعتد بتعريفها لأنها إذا فارقت النداء تنكرت.

قال ابن جني: واعلم أنك لا ترخم مضافًا ولا مشابهًا للمضاف من أجل طوله, ولا جميع ما كان معربًا من النداء, لأنه لم يكن مبنيًا على الضم فيتسلط عليه الحذف, وتقول في ترخيم كروان: يا كرو أقبل, ومن قال: يا حار قال: يا كرا أقبل بقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها, وكذلك الياء في نحو صميان. وتقول في ترخيم ترقوة وعرقوة: يا ترقو ويا عرقو, ومن قال: يا حار قال: يا ترقي ويا عرقي بقلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة, لأنه ليس في الكلام اسم في آخره واو قبلها ضمة, ومثله قولهم: دلو وأدل وحقو وأحق, والأصل: أدلو وأحقو. ففعل بهما من القلب والتغيير ما ذكرت لك /. 32/أ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: ولا يجوز ترخيم المضاف ولا المضاف إله, أما امتناع ترخيم المضاف فلأنه معرب والمضاف إليه حال محل التنوين, وأما امتناع ترخيم المضاف فلأنه معرف والمضاف إليه حال التنوين, وأما امتناع ترخيم المضاف إليه فلأنه معرب ولأنه غير منادى, وقد جاء ترخيم المضاف إليه في ضرورة الشعر, قال الشاعر: 251 - خذوا حظكم يا آل عكرم واذكروا ... أواصرنا والرحم بالغيب تذكر / أراد يا آل عكرمة, ولا ترخم مستغاثا به, لأنه معرب, ولا ترخم مندوبًا 107/ب لأن المقصود من الندبة شهرة المصيبة, فإذا وفرت حروف الاسم كان أدل على المعنى. ولا يجوز ترخيم المشابه للمضاف, لأنه معرب منون, وجملة الأمر أن مالم يؤثر فيه البناء النداء لم يرخم, لأنه إذا كان معربًا فهو مثله في غير النداء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واعلم أن أبا الفتح ذكر في آخر الباب أربع مسائل يفرق بها بين مذهبي الترخيم وكل مسألة أصل من أصول التصريف هي مبنية عليه, وأنا أذكر أصل كل مسألة وأفرعها عليه. الأصل الأول: اعلم أن الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفا عينين كانا أو لامين, والعين نحو قال وباع, واللام نحو غزى ورمى, فإذا كانتا لامين ولاقتا ألفًا هي ضمير أو ألف تثنية أو كانت في بناء المفرد صحتا, فالضمير نحو غزوًا ورميًا, وألف التثنية نحو عصوان ورحيان, والتي في حشو البناء ككروان وصميان, وإنما لم تقلبا ألفا لأنهما لو قلبتا لاجتمع ألفان, وحذف إحداهما واجب فيختل البناء. والكروان: طائر, والصميان: الماضي في الأمور. فإذا سميت بهما قلت في قول من قال: يا حار بكسر الراء: يا كرو ويا صمي فتصحح الواو والياء, وإن تحركتا (وفتح) ما قبلهما, لأنهما حشوان في التقدير, وإن كانتا طرفين في اللفظ, فالألف منوية بعدهما, ولو ثبتت الألف لم تقلبا, فكذلك إذا نويت. ومن قال: يا حار فضم الراء قلت على قوله: يا كرا ويا صما, لأنك جعلت الواو والياء نهاتين للاسم فقلبتهما ألفًا, ومن أمثالهم: «أطرق كرا إن النعام في القرى». والأصل الثاني: أنه ليس في كلامهم اسم معرب في آخره واو أو ياء قبلها ضمة. فقولنا: اسم احترازًا من الفعل فقد جاء فيه يغزو ويدعو, وقولنا: «قبلها ضمة» 108/أاحترازًا مما قبلها ساكن نحو غزو ورمي / وقولنا: «معرب» احتراز من المبني منه المضمرات هو, ومن الموصلات ذو في اللغة الطائية. فإذا أدى فيها قياس تصريفي إلى أن تقع واو أو ياء في آخر الاسم وقبلها ضمة أبدلت من الضمة كسرة, فإن كان بعدها ياء سلمت كياء القاضي, وإن كان بعدها واو قلبت ياء كياء الداعي, والذي يؤدي إلى ذلك ثلاثة أشياء: الأول: أن يكون الجمع بينه وبين واحده تاء التأنيث, وذلك نحو قلنسوة ورقوة, فإذا جمعته أسقطت التاء, فاللفظ حينئذ قلنسو وعرقو فقد وقعت الواو طرفًا وقبلها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ضمة. الثاني: أن تسمى بنحو قنسوه وعرقوة وترخم على قول من قال: يا حار بالضم فتقول: يا قلنسو ويا عرقو. الثالث: أن يكون الاسم على فعل ولامه واو نحو حقو ودلو, فإذا جمعته على أفعل ككلب وأكلب قلت: أحقو وأدلو, فأنت في هذه الأحوال كلها تبدل من الضمة كسرة, ومن الواو ياء, فتقول في الأول: رأيت قلنسيا وفي الثاني: يا قلنسي وفي الثالث: رأيت أحقيا, فيصير بمنزلة المنقوص وقد تقدم حكمه. قال الراجز: 252 - لا صبر حتى تلحقي بعنس ... أهل الرباط البيض والقلنسي وقال: 253 - حتى تقضي عرقي الدلي وأنشدني الشيخ رحمه الله لذي الرمة: 254 - تلوي الثنايا بأحقبها حواشيه ... لي الملاء بأبواب التفاريج =

قال ابن جني: وتقول في ترخيم شقاوة وعباية: يا شقاو ويا عباي, ومن قال: يا حار قال: يا شقاء ويا عباء أبدل الواو والياء همزة لوقوعهما طرفًا بعد ألف زائدة. فإن سميت رجلًا بحبليان تثنية حبلى قلت على يا حار: يا حبلي أقبل. تحذف الألف والنون وتدع الياء مفتوحة بحالها. ومن قال يا حار لم يجز على قوله ترخيم حبليان, لئلا تنقلب الياء ألفا, فتقول: يا حبلي, وهذا فاسد, لأن ألف فعلى لا تكون أبدًا منقلبة, إنما هي أبدًا زائدة, فعلى هذا فقس, فإن في المسائل طولًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: الأصل الثالث: إذا وقعت الواو والياء طرفين بعد ألف زائدة قلبتهما همزة, فمن الواو: كساء وشقاء, وأصلهما كساو وشقاو, لأنهما من الكسوة والشقوة. ومن الياء: سقاء وقضاء, لأنك تقول في الفعل: سقيت وقضيت, وللتصريفين في ذلك قولان: أحدهما: أن الواو والياء قلبتا همزتين من أول الأمر. 108/ب والثاني: أن الواو / والياء قلبتا ألفين, لأن الألف التي قبلها زائدة ساكنة, فصارت الواو والياء في التقدير إلى جانب فتحة العين فقلبا ألفًا فاجتمع ألفان, فأبدلت الثانية همزة, فإذا كان بعد الواو والياء تاء التأنيث فمنهم من يجعل وجودها كعدمها, فيقلب معها كما يقلب مع طرحها فيقول: عباءة كما يقول عباء. قال كعب بن زهير: 225 - ألما على رسم بذات المزاهر ... سحيق كأخلاف العباءة داثر ومنهم من يبني الكلمة على التاء فلا يعل, فيقول: عباية وعضاية وغباوة وشقاوة قال امرؤ القيس:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 256 - كأن سراته لدى البيت قائما ... مداك عروس أو صلاية حنظل فإذا سميته بعباية وشقاوة, فإن رخمت على قول من قال: يا حار بالكسر قلت: يا عباي ويا شقاو, فلا تقلب الياء والواو, لأنك تنوي التاء, وإن رخمته على قول من قال: يا حار بالضم قلت: يا عباء ويا شقاء, قلبتهما همزتين, لأنهما صارا طرفين. الأصل الرابع: أن الاسم (الذي) على أربعة أحرف إذا كان آخره ألفًا وثنيته رددت ألفه إلى الياء, تستوي في ذلك المبدلة والزائدة, فالمبدلة: كقولك في أعمى: أعميان, وفي أعشى: أعشيان, فالأولى من الياء, والثانية من الواو لقولهم: عمياء وعشواء. والزائدة: إما للإلحاق كقولك في أرطى: أرطيان, وإما للتأنيث: كقولك في حبلى: حبليان. فإن سميته بأعميان جاز ترخيمه على المذهبين فمن قال: يا حار بضم الراء قال: يا أعمي, فقلب الياء ألفًا, وهذا صحيح, لأن ألف أفعل لا تكون إلا منقلبة, وإن سميته بحبليان جاز ترخيمه على قول من قال: يا حار بالكسر, لأنك تقول: يا حبلي فتصح الياء, ومن قال: يا حار بالضم فقد منع المبرد ترخيم حبليان على هذا القول وبه قال أبو الفتح, لأنك / تقول: يا حبلي فتقلب الياء ألفًا, فتصير ألف فعلى منقلبة, وهي إنما تكون 109/أزائدة ومن لنحويين من يجيزه, لأن هذا تغيير عارض. وها هنا لطيفة فتأملها, اعلم أن إذا قلبنا ياء حبلي فقلنا: يا حبلى, فينبغي لحبلى هذه أن تنون, لأن الألف لا يجوز أن يحكم عليها بأنها للتأنيث, لأنها قد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صارت منقلبة, وألف التأنيث لا تكون إلا زائدة. ومما يجرى مجرى التثنية حبلوي, تقول في ترخيمه على قول من قال: يا حار بالكسر يا حبلو بكسر الواو ومن أجاز ترخيمه على المذهب الثاني قال: يا حبلي, فتكون ألف فعلى ها هنا منقلبة عن واو, والواو منقلبة عن ألف التأنيث, ولا خفاء في أن هذه ليست ألف تأنيث وهذه المسائل الأربع تفرق بين مذهبي الترخيم. وأن أضيف إليها ثلاث مسائل: المسألة الأولى: (إذا سميته) بتمرتان قلت في قول من قال: يا حار بالكسر يا تمرت أقبل بفتح التاء, فإذا وقفت قلت: يا تمرت فلا تبدلها هاء, لأنها في حشو الكلمة. ومن قال يا حار بالضم قال: يا تمرت, فإذا وقف قال: يا تمره. المسألة الثانية: إذا سميته بفاضون قلت في قول من قال: يا حار بالكسر: يا قاض أقبل بضم الضاد. ومن قال: يا حار بالضم قال: يا قاضي فرد الياء المحذوفة, لأنها قد صارت طرفًا. المسألة الثانية: لو سميته بأبيلي قلت في ترخيمه على قول من اقل: يا خار بالكسر: يا أبيل. والمبرد لا يجيز ترخيمه على القول الثاني, لأنه ليس في الأسماء فيعل بضم العين. ومن أجاز ترخيم حبليان في القول الثاني أجاز ترخيم أيبلي. ***

باب: (الندبة)

باب: (الندبة) قال ابن جني: اعلم أن الندبة إنما وقعت في الكلام تفجعًا على المندوب وإعلامًا من النادب أنه قد وقع في أمر عظيم وخطب جسيم, وأكثر من يتكلم بها النساء, وعلامتها ياووا لابد من أحدهما, وتزيد ألفًا في آخر الاسم لمد الصوت, فإذا وقفت ألحقتها هاء, وإذا وصلت حذفت الهاء, وإن شئت لم تلحق الألف, وذلك قولك: وازيداه واعمراه, وإن شئت / قلت: وازيد 32/ب ووا عمرو. وتقول: وازيدًا واعمراه تلحق الهاء في الذي تقف عليه. واعلم أنك لا تندب إلا بأشهر أسماء المندوب ليكون ذلك عذرًا لك في تفجك عليه, ولا تندب نكرة ولا مبهما فلا تقول: واهذاه ولا واتلكاه, وكذلك لا تقول: وامن لا يعنيني أمر هوه, لما قدمنا. ولكن تقول: وامن حفر بئر زماماه, لأنه معروف. وإذا ندبت مضافًا أوقعت المد على آخر المضاف إليه تقول: واعبد الملكاه ويا أبا الحسناه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب الندبة) قال ابن الخباز: الندبة مصدر قولك: ندبت الميت أندبه ندبًا وندبةً إذا بكيت عليه وعددت محاسنه وذلك لأن الإنسان إذا / فقد من يعز عليه أحب أن يسعد 109/ب على ما نزل به من المصيبة, فإذا ندب الفقيد عرف بفقده من لم يعرف, فكان ذلك ذريعة إلى إسعاده. والخطب الأمر العظيم, والجسيم بمعنى العظيم, وأصله من قولهم للعظيم الجسم: جسيم. قال أبو الحسن الأخفش: وأكثر من يتكلم بها النساء, لأنها ضعيفات عن احتمال المصائب, وكذلك قال أبو تمام رحمه الله: 257 - خلقنا رجالًا للتجلد والأسى ... وتلك الغواني للبكا والمآتم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وللندبة حرفان: حرف مشترك بينها وبين غيرها وهو «يا» وحرف مختص بها وهو «وا» ولابد من أحدهما, ولا يجوز حذف الحرف, لأن الندبة يمد فيها الصوت لاشتهار المصيبة, فالأليق بها إثبات حرف النداء, لأنه يناسب ما وضعت له, ولك أن تلحق في آخر المندوب ألفًا لمد الصوت, (و) إذا وقفت ألحقتها هاء تبيينًا لها, لأنها خفية, فإذا وصلت أسقطت الهاء, لأن ما بعد الألف يقوم مقام الهاء في بيانها, تقول في الوصل: وازيدا يا قوم, فإذا وقفت قلت: وازيداه - وإنما خصوا الألف بالإلحاق, لأنها أبلغ في المد من أختيها. ولا يكون المندوب إلا أحد شيئين: إما الاسم العلم كقولك: واعمراه. وإما الصفة الغالبة التي يعرف بها كقولك: وامطعم الضيفاه, وذلك (لأنك) إذا ندبته بأحد هذين عرف فعذرت في تفجعك عليه. ولا يجوز ندب النكرة الشائعة ولا المقصودة فلا تقول: وارجلاه, لأنه ليس باسم خاص به الميت. ولا يجوز ندب المبهم, لأنه صالح بأن تشير به إلى جميع من يحضرك, فليس في أصل وضعه مختصًا بواحد, وكذلك الموصول لأنه غير موضوع لمعين وإنما الصلة تخصصه, فلا تقول: واهذاه ولا وامن هزم 110/أالحيشاه. وذهب الكوفيون إلى جواز ندبة / الموصول. واحتجوا على ذلك بقول العرب: (وا) من حفر بئر زمزماه, ولا حجة في هذا, لأنه معروف عندهم لأنه عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم فكأن النادب قال: واعبد المطلباه. وأما قوله: (وامن لا يغنيني أمر هوه) ففيه نكتة: وهي أنك لو ندبت النكرة لم تعذر في التفجع, لأن المندوب غير معروف, فهو كما تقول: «وامن لا يعنيني أمر هوه» فإنك لا تعذر في تفجعك عليه, ولما فيه من المناقضة, لأن ندبتك إياه تؤذن بعنايتك به, فإذا قلت: «لا يعنيني أمر هوه» فقد ناقضت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا ندبت مضافًا أوقعت المدة في آخر المضاف إليه, لأنه نهاية الاسم ولأنه المضاف جريا مجرى الكلمة الواحدة حيث لم يجز الفصل بينهما, فتقول: واعبد الملكاه وواأبا الحسناه, وأجاز قوم واعبد الملكيه فقلبوا الألف ياء للكسرة قبلها. وإن كان المضاف إليه منونًا كغلام زيد فلك في الندبة أوجه: أحدها: أن تقول: واغلام زيداه فتحذف التنوين, لأنه لاقى ألف الندبة, وكلاهما ساكن. الثاني: أن تقول: واغلام زيدناه, فتحرك التنوين بالفتح ليسلم لفظ الألف. الثالث: أن تقول: واغلام زيدنيه, فتكسر النون لالتقاء الساكنين. وتقلب الألف ياء للكسرة قبلها. الرابع: أن تقول: واغلام زيديه فتحذف التنوين لالتقاء الساكنين, وتقلب الألف ياء, والجيد سلامة ألف الندبة لمد الصوت أنشد أبو الفتح في المعرب: 258 - واعمرو واعمراه ... وعمرو ابن الزبيراه فإذا ندبت موصوفًا ألحقت الموصوف علامة الندبة, لأن الموصوف يجوز الفصل بينه وبين صفته كقولك: هذا رجل زيدًا ضارب فتقول: وازيدا ذا الفضل. وأجاز يونس والكوفيون إلحاق الصفة علامة الندب فتقول: وازيد الظريفاه واحتج بقول العرب: واجمجمتي «الشاميتيناه».

قال ابن جني: واعلم أن ألف الندبة يفتح أبدًا ما قبلها كما تقدم إلا أن تخاف اللبس فإنك تتبعها إياه, تقول إذا ندبت غلام امرأة: واغلامكيه, تقلب الألف ياء للكسرة قبلها, ولم تقل: واغلامكاه لئلا يلتبس بالمذكر وتقول إذا ندبت غلامه: واغلامهوه, تقلب الألف واوًا, لانضمام ما قبلها, ولم تقل: واغلامهاه, لئلا يلتبس بالمؤنث. وتقول إذا ندبت غلامهم: واغلامهموه, فتبدل أيضًا الألف واوًا. ولم تقل: 33/أواغلامهماه لئلا يلتبس بالتثنية. وتقول إذا ندبت / غلامك في قول من قال: يا غلام: واغلاماه تفتح الميم للألف, ومن قال: يا غلامي بإسكانها فله وجهان: إن شاء حذفها لالتقاء الساكنين فقال: واغلاماه, وإن شاء حركها للألف فقال: واغلامياه. ومن قال: يا غلامي بتحريكها لم يقل إلا واغلامياه بإثباتها. فإن قال: واغلام علامياه أثبت الياء لا غير. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وحق ألف الندبة أن نتبعها ما قبلها ليسلم لفظه لمد الصوت, ولا يستثنى من ذلك إلا ثلاثة مواضع: الأول: إذا اندبت المضاف إلى ضمير المخاطبة أبقيت الكسرة, وقلبت الألف ياء فقلت: واغلامكيه لأنك لو أتبعت الكاف الألف فقلت: واغلامكاه لالتبس بالمضاف إلى الضمير المذكر. فإن قلت: كيف جازت ندبة المضاف إلى المخاطب, ولم يجز نداؤه؟ قلت: لأن المندوب لا ينادى ليجيب (ولكن) ليشهر النادب مصيبته. الثاني: إذا ندبت المضاف إلى ضمير المذكر الغائب أثبت الضمة وقلبت الألف واوا فقلت: واغلامهوه, لأنك لو أتبعت الهاء الألف فقلت: واغلامهاه لالتبس بالمضاف إلى ضمر المؤنثة. الثالث: إذا ندبت المضاف إلى ضمير المخاطبين أو الغائبين بقيت ضمة الميم فقلبت الألف واوًا فقلت: واغلامكموه, وواغلامهموه, لأنك لو أتبعت الميم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الألف فقلت: واغلامكماه وواغلامهماه لالتبس بالمضاف إلى ضمير الاثنين, وتقول إذا ندبت غلام الاثنين: واغلامهماه وواغلامكماه. وإذا ندبت غلام المؤنث (قلت) واغلامهاه فتحذف الألف الأولى لأجل الندبة. وتقول إذا ندبت غلام جماعة الإناث: واغلامهماه وواغلامكناه. لو سميت رجلًا بجملة أوقعت علامة الندبة على آخرها فتقول في ندبة تأبط شرًا: وا تأبط شراه. وإذا ندبت المضاف إلى ضميرك, فمن قال: يا غلام بكسر الميم قال: واغلاماه بفتحها لأجل الألف. ومن قال: يا غلامي بإسكان الياء فله وجهان: أحدهما: حذفها لالتقاء الساكنين فتقول: واغلاماه, وهذا ضعيف, لأنها / ليست عريقة في 111/أالسكون, ألا ترى أنها تفتح إذا وقعت بعد ساكن ألبته كقولك: عصاي وبشراي والثاني: أن تحركها لالتقاء الساكنين فتقول: واغلامياه. ومن قال: يا غلامي بفتح الياء وجب عليه إثباتها فيقول: واغلامياه, ومن قال: يا غلاما بقلبها ألفا قال واغلاماه, فحذف الأولى لالتقاء الساكنين. وإن لم تلحق علامة الندبة قلت: واغلاميه في الوقف, ولك أن تسكن الياء, قال ابن اقيس الرقيات: 259 - تبكيهم دهماء معولة ... وتقول سلمى يا رزيتيه وإن أضفت إلى الياء مقصورًا أو منقوصًا أثبتها على كل حال تقول واقاضي ووا موساي فإن ندبت قلت: واقضياه ووا موساياه, وإن لم تلحق علامة الندبة فوقفت جاز أن تقول: وامواساي وواموسايه, وهو أجود للبيان. قال الراجز: 260 - أنا سحيم ومعي مدرايه

باب: (إعراب الأفعال وبنائها)

باب: (إعراب الأفعال وبنائها) قال ابن جني: وهو على ضربين: مبني, ومعرب, والمبني على ضربين: مبني على الفتحة وهو جميع أمثلة الماضي قلت حروفه أو كثرت نحو: قام وجلس وذهب وظرف واستتخرج. ومبني على السكون, وهو جميع أمثلة الأمر للمواجه مما لا حرف مضارعة فيه, وذلك نحو قولك: قم وخذ واضرب وانطلق واستخرج. وأما المعرب: فهو الذي في أوله إحدى الزوائد الأربع وهي الهمزة والنون والتاء والياء, وقد تقدم ذكره, وهذا الفعل المضارع إنما أعرب لماضرعته 33/ب الأسماء, وهو مرفوع أبدًا بوقوعه / موقع الاسم حتى يدخل عليه ما ينصبه أو يجزمه, ويكون في الرفع مضمومًا, وفي النصب مفتوحًا, وفي الجزم ساكنًا تقول: هو يضرب, ولن يضرب, ولم يضرب, هذا الصحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب إعراب الأفعال وبنائها) قال ابن الخباز: الأصل في الأفعال أن تكون مبنية, لأنها تدل بصيغ مختلفة على معان مختلفة فلا حاجة إلى إعرابها, والمبني منها نوعان: أحدهما: الفعل الماضي وقد ذكرنا علة تحريكه وفتحه في باب الإعراب والبناء, ونزيدها هنا ثلاث مسائل: الأولى أنه يسكن إذا اتصل بضمير الفاعل كقولك: ضربت, وإنما أسكن لأن الفعل والفاعل بمنزلة الكلمة الواحدة فكرهوا أن يوالوا بين أربع متحركات وخصوا الآخر بالإسكان لأن الأول لا يسكن, لأنه مبتدأ به, والثاني عين الفعل فبناؤه معروف منه والضمير على حرف واحد فكرهوا الإجحاف به فلم يبق إلا 111/ب الآخر / الثانية: أنه يضم إذا اتصل بواو الضمير, كقولك ضربوا, وذلك ليدلوا على شدة امتزاج الفعل بالفاعل. الثالثة: أنهم يسكنونه في ضرورة الشعر, قال كعب ابن زهير:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 261 - أقول مقالات كما قال عالم ... بهن ومن أشبه أباه فما ظلم وقال شيخنا رحمه الله: هذه ضرورة حسنة, لأن الأصل في الفعل أن يكون ساكنًا الثاني: فعل الأمر إذا لم يكن في أوله حرف المضارعة, كقولك: قم وانطلق واذهب وقد ذكرنا بناءه, ونزيدها هنا مسألتين: إحداهما: أن ثاني المضارع لا يخلو من أن يكون متحركًا أو ساكنًا, فإن كان متحركًا لم يحتج إلى إلحاق شيء في الأمر كقولك: دحرج, وإن كان ساكنًا ألحقت همزة تكون وصلة إلى النطق بالساكن تكسر إذا ما كان (ما قبل) آخر المضارع مفتوحًا أو مكسورًا كقولك: اذهب واضرب, وتضم إذا كان مضمومًا كقولك: أقتل. الثانية: إذا كان قبل آخر الفعل واو أو ياء أو ألف كقولك: يقوم ويبيع ويخاف فأمرت حذفتهن لالتقاء الساكنين, فقلت: قم وبع وخف, وكان حذف حروف اللين أولى لأن الحركات التي قبلها تدل عليها, وقد تقدم ذكر المضارع وتفسير حروف المضارعة. وإنما أعرب المضارع لأنه شابه الأسماء من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه تدخل عليه لام الابتداء, تقول: إن عبد الله ليفعل كما تقول: إن عبد الله لفاعل. والثاني: أنه يكون شائعًا بين زماني الحال والاستقبال فأشبه النكرة. الثالث: أنه يختصر بأحدهما فأشبه المعرف باللام, وإعرابه: رفع ونصب وجزم ولا يعرب بالجر لثلاثة أوجه: أحدها: أن عامل الجر لا يصح دخوله / عليه 112/أوالثاني: أنه فرع على الاسم في الإعراب فينبغي أن يعرب بحركتين. والثالث: أن أن الجزم عوض عن الجر فلو أعرب به لجمعت بين العوض والمعوض. وينقسم إلى قسمين: إلى صحيح وإلى معتل, فأما الصحيح: فهو ما لم يكن آخره ألفًا ولا واوًا ولا ياء, كيضرب وينطلق ويستخرج, وحقه أن يكون في الرفع مضمومًا وفي النصب مفتوحًا, وفي الجزم ساكنًا, تقول: زيد يضرب وعبد الله لن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يخرج وعمرو لم يقدم, لأن آخره حرف صحيح فصار كزيد في الأسماء, وقد يسكن المرفوع ضرورة كقول امرئ القيس: 262 - فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثمًا من الله ولا اغل ولا يجوز إسكان المنصوب, لأن الفتحة حركة خفيفة. واختلف النحويون في رافعه: فذهب سيبويه إلى أن رفعه بعامل معنوي وحقيقته: وقوعه بحيث يصح وقوع الاسم كقولك: مررت برجل يكتب, لأنه قد وقع صفة, وهي من مظان صحة وقوع الاسم, وذهب الكسائي إلى أنه يرتفع بالزائد الذي في أوله فإذا قلت: يقوم فرفعه بالياء, وذهب الكسائي إلى أنه يرتفع بالزائد الذي في أوله فإذا قلت: يقوم فرفعه بالياء, وكذلك البواقي, وهذا باطل لوجهين: أحدهما: أن الزائد بعض الكلمة فلا يعمل فيها. والثاني: أن العوامل تدخل عليه فتغيره كقولك: لن يقوم ولم يقم, فلو كان الزائد عاملًا لم يدخل عليه عامل. وذهب الفراء إلى أن رفعه لخلوه عن الناصب والجازم, وضعفوا هذا القول بأنه يستدعى تقدم الجزم والنصب على الرفع, لأن قوله: «لخلوه عن الناصب والجازم» يستدعي تقدمهما.

قال ابن جني: وأما المعتل: فهو كل فعل وقعت في آخره ألف أو ياء أو واو نحو يخشى ويسعى ويقضي ويرمي ويغزو ويدعو, وهذه الأحرف الثلاثة تكون في الرفع ساكنة. فأما في النصب فتفتح الياء والواو, وتبقى الألف على سكونها, لأنه لا سبيل إلى حركتها, تقول: لن يقضي ولن يرمي ولن يدعو ولن يخلو, فإذا صرت إلى الجزم حذفت الأحرف الثلاثة كلها تقول: لم يخش ولم يسع, ولم يرم, ويم تغز, ولم يخل. فإن ثنيت الضمير في الفعل وجمعته للمذكر أو خاطبت المؤنث كان رفعه بثبات النون وجزمه ونصبه بحذفها, تقول: أنتما تقومان وهما يقومان وأنتم تنطلقون, وهم ينطلقون, وأنت تذهبين وتنطلقين, ولم يقوما, ولن ينطلقا, ولم يذهبوا, ولن ينطلقوا, ولم تفعلي, وأحب أن تتفضلي, وكذلك المعتل أيضًا تقول: أنتما ترميان ولا ترميا, وأنتم تخشون / ولن تخشوا, وأنت تغزين, وأحب 34/أأن تعزي ولم لم ترضى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: والمعتل: ما كان آخره ألفًا أو ياء أو واوًا, كيخشى ويسعى ويرمي ويقضي ويغزو ويدعو ويعلو, وهو كثير. وإنما وقعت الواو المضموم ما قبلها / آخرًا في الفعل, لأن الفعل لا يعتقب على آخره الأشياء التي تعتقب على آخر 112/ب الاسم. وهذه الحروف تسكن كلها في الرفع كقولك: زيد يخشى ويقضي ويغزو. أما سكون الألف: فلامتناع حركتها, وأما سكون الواو والياء: فلاستثقال الحركة فيهما, فالأصل يقضي ويدعو فأسكنت الياء والواو استثقالًا للضمة عليهما كما أسكنت ياء المنقوص ولو اضطر شاعر إلى تحريكه لجاز. وأما النصب فتبقى الألف (لإيه) على سكونها لأنه لا سبيل إلى حركتها, كما سكنت في الرفع, لأنها في نفسها ممتنعة من الحركة فجرى يخشى مجرى ألف العصا والرحا تقول: لن يخشى كما تقول: رأيت العصا وأما الياء والواو فتفتحان كما تفتح ياء المنقوص =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تقول: لن يغزو ولن يرمي كما تقول: رأيت القاضي, ويجوز إسكانهما في ضرورة الشعر كما تسكن ياء المنقوص, قال عامر بن الطفيل: 263 - وما سودتني عامر عن وراثة ... أتى الله أن أسموا بأم ولا أب وقال الأعشى: 264 - فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفا حتى تلاقي محمدًا وأما الجزم فإنهن يحذفن فيه, تقول: لم يخش ولم يغز ولم يرم, وفي ذلك وجهان: أحدهما: أن علامة الرفع لا تدخلهن فجرين مجرى الحركات, لأن الحركات لا تدخلهن. والثاني: أن الجازم لابد له من الحذف فلما لم يصادف حركة حذف من نفس الفعل, ولذلك شبهة ابن السراج بالدواء لأنه إن صادف خلطأ فاضلًا أسهله, وإن لم يصادف خلطأ فاضلًا أسهل خلطًا طبيعيًا, فأما قوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} فيجوز أن تكون لا نافية, ويجوز أن تكون ناهية, وقد أثبت الألف لموافقة رؤوس الآي. 113/أوإذا لحق الفعل / ضمير الاثنين المخاطبين كقولك: تفعلان, أو ضمير الاثنين الغائبين كقولك: يفعلان, أو ضمير الجماعة المخاطبين كقولك: تفعلون, أو ضمير الجماعة الغائبين كقولك: يفعلون, أو ضمير الواحدة المخاطبة كقولك: تفعلين, لم يجز الفصل بينه وبين هذه الضمائر, ولم يكن له حرف إعراب, لأن حرف إعرابه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = صار حشوًا, ولا يكون الضمير حرف إعرابه, لأنه أجنبي منه في الأصل, ولا يكون النون حرف إعرابه, لأنه يسقط, ولما اتصل الضمير به اتصالا شديدًا جعلوا إعرابه بعده, فأثبتوا النون في موضع الرفع تقول: أنتما تذهبان كما تقول: أنت تذهب فتثبتها كما تثبتها, وقد جاء حذفها في ضرورة الشعر كما جاء حذفها (قال الشاعر): 265 - أبيت أسري وتبيتي تدلكي ... وجهك بالعنبر والمسك الزكي وتحذفها في حالة الجزم والنصب, تقول: لم تذهبوا ولن تذهبوا, قال عنترة: 266 - لا تذكرى مهري وما أبليته ... فيكون جلدك مثل جلد الأجرب وقال عمر بن أبي ربيعة: 267 - إنى لأذكر عهدكم ويسرني ... لو تعلمين بصالح أن تذكري وحذفها مستحسن للجزم, لأن الجزم بابه الحذف, والنصب محمول عليه. وهذه النون مكسورة بعد الألف كما تكسر نون الاثنين, وحكى الزجاج أنه قرئ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أتعدانني بفتح النون, واستهجنه. وأما قوله تعالى: {فبم تبشرون} وقوله: {أفغير الله تأمروني} فأصله: تبشرونني وتأمرونني فحذفت النون الأولى لاجتماع النونين, وليس هذا الحذف بلازم, لأنه لم يدخل جازم. 113/ب والمعتل كالصحيح في إلحاق الضمائر الثلاثة, فما كان / آخره ألفًا كيخشى قلبت مع ألف الاثنين ياء فقلت: يخشيان, لأنه لا سبيل إلى حركتها. وحذفت مع واو الجمع وياء المؤنث فقلت: يخشون ويخشين, لأنك لو قلبتها ياء لحركتها مع الواو بالضم ومع الياء بالكسر, وذلك مستثقل. وما كان آخره واوا سلم لفظها مع الألف, لأنها تحرك بالفتح فتقول: يدعوان, وحذفت مع الواو والياء فقلت: يدعون وتدعين, لأنها لو ثبت لحركت مع الواو بالضم, ومع الياء بالكسر وذلك مستثقل. وما كان آخره ياء سلمت مع الألف, لأنها تحرك بالفتح, فقلت: يرميان, وحذفت مع الواو والياء فقلت: يرمون وترمين, لأنها لو ثبتت لحركت مع الواو بالضم ومع الياء بالكسر وذلك مستثقل. وحال المعتل في الرفع والنصب والجزم كحال الصحيح, تقول: أنتما ترميان ولم ترميا ولن ترميا, وكذلك البواقي, وفي التنزيل: {أيًا ما تدعوا} و {ألا تعلوا علي} و {أبشر يهدوننا}. وإذا جمعت ضمير الإناث جئت بنون الجمع كالواو التي للمذكرين فقلت: يذهبن ويخرجن, وهذه النون تثبت في الرفع والنصب والجزم, وفي التنزيل: {تكاد السموات يتفطرن منه} وفيه: {وعلى كل ضامرٍ يأتين} وقال: {إلا أن يعفون}.

قال ابن جني: فإن جمعت الضمير المؤنث كانت علامته نونًا مفتوحة ساكنًا ما قبلها ثابتةً في الأحوال الثلاثة, وذلك قولك: هن يضربن وأنتن تضربن, ولن تضربن, ولم يقمن, ولم يقعدن, قال الله تعالى: {إلا أن يعفون} فأثبت النون في موضع النصب لما ذكرت. واعلم أن لفظ الوقف كلفظ الجزم سواء. تقول: اضرب كما تقول: لا تضرب وتقول: قوما كما تقول: لا تقوما, وتقول: قوموا كما تقول: لا تقوموا: وتقول: قومي كما تقول: لا تقومي, وتقول: اعز وادع وارم واخش كما تقول: لا تغر ولا تدع ولا ت رم ولا تخش. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: والضمير لجماعة النساء, وموضع هذه النون من الإعراب الرفع لأنها فاعل, وإنما لم تحذف لأنها اسم مرفوع بالفعل, فلو جاز حذفها في النصب والجزم لجاز حذف الألف والواو والياء فيهما من تفعلان وتفعلون وتفعلين. واعلم أن الفعل مع هذه النون مبني, قال سيبويه: «بنو فعلن» يعني أنهذه النون إذا لحقت الماضي سكن آخره للعة التي ذكرناها, فيحمل المضارع على الماضي فيبنى على السكون مثل / بنائه, لأنهم إذا أعربوا الفعل المضارع الذي أصله 114/أالبناء لمشابهته الأسماء فأن يثنوه, لأنه فعل مثله - مع أن أصله البناء - أولى. وقد تقرر أن الجازم يحذف الحركة وحرف العلة والنون كقولك: لا تضرب ولا تعز ولا تذهبوا. فإذا أمرت من هذه الأمثلة أسقطت في الأمر ما تسقطه في الجزم فقلت: اضرب واعز واذهبوا, أما إسقاط الضمة: فلأن آخر الأمر ساكن. وأما إسقاط الواو والنون: فلان الجازم لما حذفهما جرتا مجرى الحركة. وتقول: اشتر لحمًا فتحذف الياء وتبقى الكسرة لتدل عليها, وأما قول الراجز: 268 - واشتر شحيمًا نتخذ خرديقا

باب: (الحروف التي تنصب الفعل)

باب: (الحروف التي تنصب الفعل) قال ابن جني: وهي أربعة: أن, ولن, وكي, وإذن, تقول: أريد أن تقوم. ولن تنطلق, وقمت كي تقوم. فأما إذن: فإذا اعتمد الفعل عليها فإنها تنصبه, تقول إذا قال لك قائل: أنا أزورك, فتقول: إذن أكرمك, وإذن أحسن 34/ب إليك, فتنصب الفعل لاعتماده على إذن. فإن اعترضت حشوا / واعتمد الفعل على ما قبلها سقط عملها تقول: أنا إذن أزورك فترفع لاعتماد الفعل على أنا. ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإنما أسكن, لأنه نوى الوقف, أو لأنه شبه المنفصل بالمتصل, فترش كفخذ فلذلك أسكن. (باب الحروف التي تنصب الفعل) قال ابن الخباز: وهي أربعة: أن ولن وكي وإذن, لما كان الفعل فرعًا على الاسم في الإعراب قلت: عوامله فكان إعرابه غير حقيقي, فرفعه لا يدل على فاعلية ونصبه لا يدل على مفعولية ونواصبه الأصلية أربعة: أن ولن وكي وإذن. أما أن فهي أصل النواصب, لأنها تعمل ظاهرة كقولك: آمرك أن تذهب ومضمرة كقولك: يعجبني ضرب زيد ويغضب, وإنما عملت في الفعل النصب, لأنها أشبهت أن الثقيلة من ثلاثة أوجه: الأول: أن لفظها كلفظها إلا في التشديد. الثاني: أنه مختصة بالأفعال كما أن تلك مختصة بالأسماء. الثالث: أنها والفعل بعدها مصدر كما أن تلك ومعمولها مصدر, وكل واحدة منهما معمولة لغيرها, والفرق بينهما أن الخفيفة لا يعمل فيها إلا الفعل الذي وقوعه غير متحقق نحون 114/ب كرهت, وأحببت واشتهيت وأردت, لأنها لمحض الاستقبال / وفي التنزيل: {والذي أطمع أن يغفر لي} و {أتعدانني أن أخرج} والثقيلة لا يعمل فيها إلا فعل العلم كقوله تعالى: {ويعلمون أن الله هو الحق المبين} وأما قوله تعالى: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = {ولا تخافون أنكم أشركتم بالله} فتقديره: «ولا تخافون عاقبة أنكم أشركتم بالله». وأما لن: فلتوكيد النفي تقول: لا أكرم, فإذا أردت التوكيد قلت: لن أكرمك, وفي التنزيل: {لن تراني} {ولن يخلف الله وعده} وعن الخليل في إحدى الروايتين أن أصلها لا أن فحذفت همزة أن وألف لا فالنصب مستفاد من «أن» , ورد سيبويه هذا بأنا نقول: زيدًا لن أضرب, فتقدم منصوب منصوبها عليها, فلو كانت مركبة لم يجز ذلك لأن ما في صلة أن لا يتقدم عليها, وإنما نصبت الفعل لأنها جرت مجرى أن في إخلاصه للاستقبال. وأما كي: فمعناه التعليل, وهي في الكلام على ضربين: حرف جر وحرف نصب وإذا دخلت على الفعل فهي على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون حرف جر لا غير كقول جميل: 269 - فقلت أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تعر وتخدعا فلو كانت ناصبة لجمعت بين ناصبتين. والثاني: أن تكون حرف نصب كقول عامر بن الطفيل: 270 - أردت لكلا يعلم الله أنني ... صبرت وأخشى مثل يوم المشقر فلو كان حرف جر لجمعت بين جارين. الثالث: أن يجوز فيها الأمران كقولك: زرت زيدًا كي يكرمني, يجوز النصب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بها وبأن المضمرة وإنما عملت النصب لأنها بمنزلة أن في إخلاص الفعل للاستقبال. وأما إذن: فمعناها الجواب والجزاء, يقول القائل: أنا أزورك فتقول له: إذن أكرمك, تأويله: إن كان ما ذكرت من الزيارة حقًا فإني أكرمك, ولها ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن تقع متقدمة / ويكون بعدها فعل مستقبل, وتكون جوابًا لكلام فيجب أن تنصب, لأنها قد وقعت في أقوى مراتبها, فتارة تكون جوابًا صريحًا كمثالنا, وتارة تكون في تقدير الجواب كبيت الحماسة: 271 - أزجر حمارك لا يرتع بروضتنا ... إذن يرد وقيد العير مكروب كأن قائلًا قال له: وماذا يكون إذا رتع حماره؟ فقال: إذن يرد. الحالة الثانية: أن تقع متوسطة بين شيئين: ثانيهما محتاج إلى أولهما وذلك إما مبتدأ وخبر كقولك: زيد إذن يخرج, وإما قسم وجواب كقولك: والله إذن لا أفعل, وشرط وجواب كقولك: إن تكرمني إذن أكرمك, وإنما بطلت, لأنها لا تقتضي ما بعدها, وإنما الاقتضاء لما قبلها. مسألة: تقول: زيد (يقوم) وإذن يخرج, فيجوز في يخرج الرفع والنصب بتأويلين مختلفين: إن عطفت يخرج على يقوم رفعت, وإن عطفته على: زيد يقوم نصبت, وهذا الذي يقال فيه: الجملة الصغرى, والجملة الكبرى. الحالة الثالثة: أن تقع متأخرة فلا تعمل, لأنها لم تدخل على شيء, وفي التنزيل: {قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين} و {فعلتها إذًا وأنا من الضالين} فقد

قال ابن جني: وتضمر أن بعد خمسة أحرف, وهي: الفاء, والواو, وأو, ولام الجر, وحتى. فأما الفاء: فإذا كانت جوابًا لأحد سبعة أشياء. وهي الأمر, والنهي, والاستفهام, والنفي, والتمني, والدعاء, والعرض - فإن الفعل ينتصب بعدها بأن مضمرة, تقول في الأمر: زرني فأزورك, والتقدير: زرني فأن أزورك ولا يجوز إظهار أن هنا لأنه أصل مرفوض وكذلك ببقية أخواتها قال الشاعر: يا ناق سيري عنقًا فسيحًا ... إلى سليمان فنستريحا وتقول في النهي: لا تشتمه فيشتمك قال الله عز وجل: {لا تفتروا على الله كذبًا فيسحتكم بعذاب} وتقول في الاستفهام: أين بيتك فأزورك, وتقول في النفي ما أنت بصاحبي فأكرمك, وتقول في التمني: ليت لي مالًا فأنفقه وتقول في الدعاء: اللهم ارزقني بعيرًا فأحج عليه, وتقول في العرض: ألا تزورنا فنكرمك. ـــــــــــــــــــــــــــــ جرت إذن في عوامل الأفعال مجرى ظننت في عوامل الأسماء, لأنها تقدمت وتوسطت وتأخرت كما أن ظننت كذلك, وإنما عملت, لأنها أخلصت الفعل للاستقبال, ولس في هذه النواصب الأربعة ما يدخل على الفعل الماضي إلا «أن» «وإذن» تقول: سرني أن قام, ويقول القائل: زرتك أمس فتقول له: إذن اتخذت عندي يدًا. ومنهم من يرفع الفعل بعد أن تشبيهًا بما المصدرية. قال: 272 - أن تقرآن على أسماء وبحكما ... مني السلام وأن لا تشعرا أحدا قال ابن الخباز: وقد ذكرنا أن أصل نواصب الفعل «أن» وأنهم نصبوا بها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مضمرة, وإضمارها على ضربين: إضمار لا يسوغ معه الإظهار, وإضمار 115/ب يسوغ معه الإظهار. فمن الأول إضمارها بعد الفاء, وذلك مع / ثمانية أشياء: الأمر كقولك: زرني فأزورك, ومنه قول أبي النجم: 273 - يا ناق سيري عنقًا فسيحًا ... إلى سليمان فنستريحا العنق: ضرب من السير, وانتصابه على المصدر, ويعني: سليمان عبد الملك: والنهي: كقولك: لا تشتمه فيشتمك, ومنه: {لا تفتروا على الله كذبًا فيسحتكم بعذاب} , {ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي} والنفي: كقولك: ما تأتينا فتحدثنا وفي التنزيل: {لا يقضى عليهم فيموتوا} والاستفهام: كقولك: أين بيتك فأزورك, وفي النتزيل: {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا}. والتمني: كقولك: ليت لي مالًا فأنفقه, وفي التنزيل: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا} والعرض: كقولك: ألا تنزل فتصيب خيرًا, والتخصيص: كقوله سبحانه: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} والدعاء: كقولك: اللهم ارزقني بعيرًا فأحد عليه, ويجمع ذلك كله أنه غير واجب والواجب الخبر الثابت, وهذا يسميه النحويون الجواب بالفاء, وإنما سموه جوابًا, لأن الأول سبب الثاني, ألا ترى أنك إذا قلت: زرني فأزورك كان المعنى: إن تزرني, وإنما قلنا: إنه منصوب بإضمار «أن» لأن الفاء حرف عطف وهو غير عامل, ومعنى الكلام المصدر كأنه قال: لتكن منك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = زيارة فزيادة مني, وإنما لم يجز إظهار «أن» لأنك لم تصرح في المعطوف عليه بمصدر, وإنما هو جملة, فجاءوا بالكلام الثاني على نمط الأول في الظاهر. فإن قلت: فإذا كان منصوبًا بأن المضمرة وهي الفعل في تقدير المصدر, فما محلهما من الإعراب؟ قلت: ذكر عبد القاهر: أن هذا يجيء على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون موضع أن والفعل الرفع كقولك: لا تنقطع عنا فتجفوك, فالتقدير: لا يكن منك انقاع فجفاء منا. والثاني: أن يكون موضعها النصب كقولك / ليت لي مالًا فأنفقه 116/ألأنك ذكرت ليت وهي ناصبة, كأنك قلت: ليت أن يستقر لي مال فأن أنفقه. الثالث: أن يجوز في الموضع الرفع والنصب كقولك: اذهب فتدرك زيدًا, إن شئت كان التقدير: ليكن منك ذهاب فإدراك زيدًا, وإن شئت كان التقدير: افعل أن تذهب فتدرك زيدًا. مسألة: يجوز رفع الفعل بعد الفاء على أحد وجهين: إما على القطع, وإما بالعطف على فعل متقدم, فمن القطع قول كثير أنشده سيبويه: 274 - ألم تسأل الرابع القواء فينطق ... وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق ومن العطف قوله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون} وإذا قلت: ما تأتينا فتحدثنا جاز في الفعل النصب والرفع, أما النصب فله معنيان: أحدهما: نفي الإيان والحديث معًا, أي: ما تأتينا فكف تحدثنا أي لا إتيان منك ولا حديث. والثاني: إثبات الإتيان, ونفي الحديث كأنك قلت: =

قال ابن جني: وأما الواو: فإذا كانت بمعنى الجمع / والجواب, فإن الفعل ينتصب بعدها بأن مضمرة أيضًا تقول: لا تأكل السمك وتشرب اللبن: أي لا تجمع بينهما فتنصب قال الشاعر: لاتته عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم أي: لا تجمع بين أن تنهى عن خلق وأن تأتي مثله, فإن أردت أن تنهاه عن الأكل والشرب على كل حال جزمت فقلت: لا تأكل السمك وتشرب اللبن, وكذلك قولك: لا يسعني شيء ويعجز عنك أي: لا يجتمع في شيء أن يسعني وأن يعجز عنك. ـــــــــــــــــــــــــــــ منك إتيان كثير ولا حديث منك, ويحمل على المعنى الأول قولهم: ما بالله حاجة فيظلمك, أي إنما يظلم من يحتاج والله غير محتاج فلا يظلم. وأما الرفع فله معنيان: أحدهما: نفي الإتيان والحديث كأنك قلت: ما تأتينا فما تحدثنا. والثاني: نفي الإتيان وإثبات الحديث كأنك قلت: ما تأتينا ولكن أنت ممن يحدثنا كما تقول: ما تأتينا فأنت تجهل أمرنا, ولا يجوز ما بالله حاجة فيظلمك بالرفع لأنك إن رفعته على القطع أثبت الظلم - تعالى الله - وإن رفعته بالعطف فهو قبيح جدًا, لأ (نه) لم يتقدم فعل تعطف عليه, ومسائل الفاء كثيرة, وهذا القدر كاف. 116/ب قال ابن الخباز: وأما الواو فتنصب في كل موضع / نصبت فيه الفاء, فالأمر: كقولك: زرني وأزورك قال الشاعر: 275 - فقلت ادعي وأدعو إن أندى ... لصوت أن ينادي داعيان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والنهي: كقولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن, وفي التنزيل: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق} وقال أبو الأسود: 276 - لاتته عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم والاستفهام: كقولك: أتجلس وتحدثنا, قال الحطيئة: 277 - ألم أك جاركم وتكون بيني ... وبينكم المودة والإخاء والنفي: كقولك: لا يسعني شيء ويعجز عنك وفي التنزيل: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} قال دريد بن الصمة: 278 - قتلت بعد الله خير لداته ... ذؤابًا فلم أفخر بذاك وأجزعا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والتمني كقولك: ليته يزورنا ويحدثنا, وقرأ بعض القراء: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} بنصب الفعلين الثاني والثالث. والعرض: كقولك: ألا تجلس وتحدثنا. والدعاء: كقولك: اللهم اغفر لي وتدخلني الجنة. والتحضيض كقولك: هلا تزور زيدًا وتعطيه, وهذه الواو تسمى واو الجمع, لأن الغرض منها في المواضع الثمانية الجمع, فإذا قال: لا تأكل السمك وتشرب اللبن فكأنه قال: لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن مجتمعين, ولو أردت أن تنهاه عنهما على كل حال متفرقين ومجتمعين جزمت الفعلين, فقلت: لا تأكل السمك وتشرب اللبن أنشد سيبويه رحمه الله: 279 - فلا تشتم المولى وتبلغ أذاته ... فإنك إن تفعل تسفه وتجهل 117/أوأنشد سيبويه لكعب بن سعيد الغنوي بيتًا / مشكلًا وأنا أذكر زبدة ما فيه وهو: 280 - وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقؤول فأجاز في يغضب الرفع والنصب: فالرفع على أنه معطوف على الصلة كأنه قال: وما أنا للشيء الذي ليس نافعي, والذي يغضب منه صاحبي بقؤول, والنصب على أنه معطوف على الشيء فكأنه قال: وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ولأن يغضب منه صاحبي بقؤول وكان شيخنا رحمه الله يطيل ذيل الكلام في هذا البيت, ولا يليق إثبات ما قال بهذا المختصر. =

قال ابن جني: وأما أو: «فإذا كانت بمعنى إلا أن فإن الفعل ينتصب بعدها بأن مضمرة أيضًا تقول: لأضربنه أو يتقيني بحقي» معناه: إلا أن يتقيني, قال الشاعر: فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا معناه: إلا أن نموت, وتقديره في الإعراب: أو أن نموت. وأما «اللام»: فنحو قولك: زرتك لتكرمني, معناه: لكي تكرمني, وتقديره, لأن تكرمني, ويجوز إظهار أن هنا, قال الله عز وجل: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} أي: لأن يغفر لك الله. فإن اعترض الكلام نفي لم يجز إظهار أن مع اللام, وذلك نحو قول الله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} وتقديره: لأن يعذبهم. ولا يجوز إظهار أن مع النفي. وأما حتى فقد مضى ذكرها في بابها. وجميع هذه الحروف لا يجوز إظهار أن معها إلا اللام في الواجب وقد ذكرناها. ـــــــــــــــــــــــــــــ وانتصاب ما بعد الواو بأن المضمرة وهي والفعل مصدر معطوف على مصدر مقدر من الكلام المقدم. فإذا قال: لا تحضر وتؤذينا فكأنه قال: لا يكن منك حضور وإيذاء. وموضع أن وما بعدها مع الواو كموضع «أن» وما بعدها مع الفاء, وقد ذكرته. قال ابن الخباز: وأما «أو» فيجوز النصب بعدها مع كل كلام من واجب وغيره, وهي في العطف لأحد الشيئين أو الأشياء, فإذا قلت: يقوم زيد أو يأتي عمرو فمعناه: وجود أحد هذين الأمرين: قال الله عز وجل: {تقاتلونهم أو يسلمون}. أي: يكون القتال أو الإسلام, فإذا نصبت فقلت: يقوم زيد أو يأتي عمرو, استحال معناها وصار المعنى استغراق القيام لكل زمان يأتي إلى أن يحصل زمان إتيان عمرو, فإنه ينقطع عنده, ومنه قوله: (لأضربنه أو يتقيني بحقي) المعنى: إن ضربي إياه لا يزال مستمرًا حتى يوجد منه الاتقاء بالحق, وزعموا أن في بعض المصاحف: (تقاتلونهم أو يسلموا) فمعنى هذه الآية على هذه القراءة كمعنى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قوله صلوات الله عليه: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولون: لا إله إلا الله» 117/ب قال امرؤ القيس/: 281 - فقلت له إن تبك عينك إنما ... نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا كأنه قال: إنما نحاول ملكًا إلا أن نموت, وهم يفسرونها بالاستثنائية. وانتصاب الفعل أيضًا بإضمار «أن» وهي والفعل مصدر معطوف على مصدر مقدر من الكلام المقدم, وتفصيل موضعه من الإعراب قد ذكر مع الفاء. فإن قلت: هلا نصبت الفعل بهذه الأشياء؟ قلت: هذه حروف عطف, وحرف العطف لا يعمل, لأنه يلي الأسماء والأفعال, ويروى عن الجرمي أنه جعل نصب الفعل بعد الواو والفاء بهما. وذهب الكوفيون إلى أن الفعل ينتصب بعد الفاء والواو بالخلاف, لأن الثاني مخالف الأول في المعنى. وأما الحرفان الجاران فاللام وحتى, أما اللام: فمذهب البصريين أنه إذا قلت: زرتك لتكرمني, نصبت بأن مضمرة, لأن هذه اللام حرف جر, لأنك تقول: زرتك للإكرام, وإن كانت جارة لم تعمل في الفعل, لأن عامل الأسماء لا يعمل في الفعل. وذهب الكوفيون إلى أنها ناصبة بنفسها قالوا: لو كانت حرف جر لما دخلت على الفعل, ولو كانت قد دخلت على الفعل, وهي حرف جر جاز دخول من والباء كقولك: عجبت من تكرم زيدًا, وأحسن البناء بنجلس, وتقديره عندكم:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من أن تكرم وبأن نجلس, ولا يقولونه. والجواب: أما قولهم: لو كانت حرف جر لم تدخل على الفعل فنقول: لم تدخل على الفعل وإنما دخلت على «أن». وأما قولهم: لو كانت حرف جر (و) دخلت على الفعل, لجاز دخول من والباء. فالجواب: أن اللام حرف معناه التعليل, وهو لا يكون إلا بالأحداث, لأنها أغراض الفاعلين, فلذلك اختصت اللام بالدخول. واللام تستعمل على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يجوز معها إظهار أن وذلك في الواجب, قال الله تعالى في الإضمار: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا * ليغفر لك الله} / وقال تعالى: {وأمرن لأن أكون أول المسلمين} في الإظهار. أما 118/أجواز الإظهار: فلأنه قد علم أن اللام ليست من عوامل الأفعال, وأما الإظهار: فلأنه الأصل. الثاني: أن يجب معها إظهار «أن» وذلك إذا توسطت «لا» بينهما وبين الفعل كقوله تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب} وذلك أنه لا يجسر أن يؤتي بفاصل بين الجار والمجرور في الظاهر, ولئلا يدخل الجار على لا مع الفعل. وقال شيخنا رحمه الله: الإتيان بزائد لا يحتاج الكلام إليه وطرح ما يحتاج الكلام إليه غير مناسب فلذلك وجب إظهار «أن». الثالث: أن يجب إضمار أن وذلك في سياق النفي كقوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} وسألت شيخنا رحمه الله: لم وجب الإضمار؟ فقال: لأن قولك: ما كان ليفعل, نقيض قولك: لقد كان يفعل. وليس في ذلك «أن» , فيجيء بهذا على طريق ما يناقضه. وأما حتى فقد ذكرتها في بابها. ولا يجوز إظهار «أن» بعد الواو والفاء, لأنه لما لم يكن في الكلام الأول مصدر معطوف عليه صريح لم تأت بأن, لأنها تصرح بالمصدر. وجاز إظهار أن مع اللام, لأن اللام متمكنة في الدخول على الأسماء,

باب: (حروف الجزم)

باب: (حروف الجزم) قال ابن جني: وهي خمسة: لم, ولما, ولام الأمر, ولا في النهي, وحرف الشرط. تقول: لم يقم, ولما يقم. وفي الأمر: ليقم زيد, وفي النهي: لا يقم جعفر. ـــــــــــــــــــــــــــــ فجاز إظهار «أن» معها, لأنها والفعل في تأويل الاسم, ولذلك أخبر عنهما كقوله تعالى: {وأن تصدقوا خيرًا لكم} أي: تصدقكم خيرًا لكم. (باب حروف الجزم) قال ابن الخباز: الجزم: إعراب مختص بالأفعال, وحروفه لا تدخل على غيرها. وإذا كانت حروف الجر ضعيفة من بين عوامل الأسماء, فحروف الجزم ينبغي أن تكون أضعف من نواصب الأفعال, وهي خمسة أحرف: الأول: لم, 118/ب ومعناه النفي, قال سيبويه: لم يفعل / نفي فعل, والفعل بعدها مضارع في معنى الماضي والدليل على ذلك أنك تقول: لم يقم زيدًا أمس, ولو كان المعنى على طريقة اللفظ لم يجز ذلك, كما لا يجوز: يقوم زيد أمس. الثاني: لما, وهي مركبة من لم وما, قال سيبويه: «إذا قلت: قد فعل فنفيه لما يفعل» والفرق بينها وبين لم: أن لما تفيد انتقاء الفعل إلى وقت حديثك. ولم: يجوز أن يكون الفعل معها قد ثبت قبل حديثك, وفي التنزيل: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} والمعنى: أنهم إلى وقت الإخبار عنهم كانوا غير مؤمنين, وتقول: ندم ولم ينفعه الندم, أي: عقيب ندمه, فإذا قلت: ندم ولما ينفعه الندم, كان معناه: امتداد نفي وقوع (نفع) الندم إلى وقت الحديث. الثالث: لا, ومعناها النهي كقوله تعالى: {ولا تدع مع الله} ويجوز أن ينهى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بها الغائب والحاضر, وفي التنزيل: {ولا تقولن لشيء} وتقول: لا يقم زيد. الرابع: لام الأمر, وحقها الدخول على فعل الغائب كقوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} وقد أمر بها المتكلم نفسه كقوله: {ولنحمل خطاياكم} فإن دخلت على فعل المخاطب كان غير مسمى الفاعل, كقولك: لتعن بحاجتي, وإذا وقعت قبلها الفاء والواو, جاز إسكانها وتحريكها, وفي التنزيل: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي} ولو قرئ بالكسر لكان هو الأصل. الخامس: إن, ومعناها: الشرط, تقول: إن تذهب أذهب, فإن قيل: لم عملت هذه الحروف الجزم؟ فقد قال أبو سعيد: إنه علله بشيء لم يسبق إليه, وذلك أن الأصل ف يالجوازم إن, وإنما عملت الجزم, لأنها اقتضت فعلين, فلما طال مقتضاها خفف بالجزم وحملت عليها «لم» فجزمت, لأنها تشابه «إن» في القلب, فإن تقلب الفعل للاستقبال ولم تقلبه من الاستقبال إلى المضي, ألا ترى /119/أأنك تقول: إن قام زيد غدًا ذهب عمرو, كما قلت: لم يقم زيد أمس, فتقرن بكل واحد من الفعلين ما يناقضه في الظاهر. وجزمت لما, لأنها مثل لم في النفي والقلب. وجزمت لام الأمر لأن الأمر الصريح موقوف الآخر كقولك: اذهب فجعل لفظ المعرب كلفظ المبني, لأنه مثله في المعنى. وجزمت «لا» في النهي, لأن النهي ضد الأمر وهم يحملون الشيء على نقيضه, كما يحملونه على نظيره, لأن النقيضين مشتركان في المناقضة. وحكم هذه الحروف الخمسة الدخول على المضارع, لأنه موضع عملها. وأما (إن) من بينها فإنها تدخل على الماضي وعلى المضارع, لأنها أصل الجوازم فاتسع فيها.

باب: (الشرط وجوابه)

باب: (الشرط وجوابه) قال ابن جني: وحرفه المستولى عليه إن, وتشبه به أسماء وظروف, فالأسماء: من, وما, وأي, ومهما. والظروف: أين, ومتى, وأي حين, وأنى, وحيثما, وإذما, والشرط وجوابه مجزومان تقول: إن تقم أقم, تجزم 36/أتقم بإن وتجزم أقم / بإن تقم جميعًا, وكذلك بقية أخواتها. وتقول: من يقم أقم معه, وما تصنع أصنعه, وأيهم يمش أمش معه, ومهما تأت آته. وأين تجلس اجلس معك, ومتى تذهب أذهب معك. وأي حين تغز أغز معك, وأنى تنطلق أنطلق معك, وحيثما تكن أكن هناك, وإذ ما تزرني أزرك, قال الله عز وجل: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وقال تعالى: {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} وقال زهير: *ومن لا يكرم نفسه لا يكرم* وقال تعالى: {أينمان تكونوا يدرككم الموت}. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب الشرط وجوابه) قال ابن الخباز: لا فرق عند النحويين (بين) الشرط والسبب, لأنهم يقولون: إذا وجد الشرط وجد الجواب, وأما الفقهاء فيفرقون بين الشرط, والسبب: فالشرط عندهم: ما لا يلزم من وجوده, وجود الحكم, ولكن يلزم من عدمه عدمه, والسبب: ما يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدمه (وحرفه المستولى عليه إن) والدليل على ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يجوز الفصل بينه وبين المجزوم بالاسم جوازًا مطردًا كقوله تعالى: {وإن امرأة خافت} و {إن امرؤًا هلك} {وإن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أحد من المشركين استجارك}. والثاني: أنه يشترط به على كل شيء من عين ومعنى وزمان ومكان. والثالث: أنه يجوز حذف الفعل بعده, يقول لك القائل: أتزور زيدًا وهو يشتمك, فتقول: أزوره وإن, تريد: أزوره وإن شتمني, وقد ضمنت معناه أسماء فجوزي بها, وتلك الأسماء غير ظروف وظروف, فالأول: من, وما, وأي, ومهما. والثاني: متى, وأين, وأنى, وحيثما / وإذما. وفائدة وضع هذه الأسماء 119/ب الاختصار لما فيهن من العموم لما وضعت له, فمن تعم ذوي العلم وما تعم غير ذوي العلم, وأي: تعم الأجزاء من ذوي العلم وغيرهم, ومهما بمنزلة ما, وأين تعم الأمكنة, وكذلك أنى, وحيثما, ومتى تعم الأزمنة, وكذلك إذما. ولولا هذه الكلم لكان في الشرط إطالة مفرطة ألا ترى أنك لو لم تأت بمن, وأردت الاشتراط على الأناسي لم تقدر أن تفي بالمعنى الذي تفي به من, لأنك إذا قلت: من يقم أقم معه, استغرقت ذوي العلم ولو جئت بإن فقلت: إن يقم زيد أقم معه, وذكرت كثيرين من الجنس لم تسغرقه كقولك: إن يقم زيد أو عمرو أو بكر أو خالد أو محمد أقم معه, فلا خفاء في فائدة المجيء بهذه الأسماء, وأمثلة ذلك تقول: إن تقم أقم معك, قال الله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وتقول: من يقم أقم معه, قال زهير: 282 - ومن يغترب حسب عدوًا صديقه ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم وتقول: ما تصنع أصنع, قال الله تعالى: {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} وقال طرفة بن العبد: 283 - أرى العمر كنزًا ناقصًا كل ليلة ... وما تنقص الأيام والدهر ينفد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتقول: أيهم تكرم أكرم, وأنشد سيبويه رحمه الله: 284 - لما تمكن دنياهم أطاعهم ... في أي نحو يميلوا دينه يمل وتقول: مهما ترزني أزرك, قال امرؤ القيس: وتقول: مهما ترزني أزرك, قال امرؤ القيس: 285 - أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل وتقول: متى ترزني أزرك, قال طرفة: 286 - متى تأتيني أصبحك كأسًا رويةً ... وإن كنت عنها غانيًا فاغن وازدد 120/أ ... / وتقول: أين تجلس أجلس, أنشد سيبويه: 287 - صعدة نابتة في حائر ... أينما الريح تميلها تمل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وفي التنزيل: {أينما تكونوا يدرككم الموت} وتقول: أنى تذهب أذهب معك قال لبيد: 288 - فأصبحت أنى نأتها تلتبس بها ... كلا مركبيها تحت رجلك شاجر وتقول: حيثما تكن أكن هناك, أنشد عبد القاهر: 289 - ............... وحيثما يك أمر صالح تكن وتقول: إذ ما تجلس أجلس, وأنشد سيبويه: 290 - فإذ ما تريني اليوم أزجي ظعينتي ... أصعد طورًا في البلاد وأفرع فإني من قوم سواكم وإنما ... رجالي فهم بالحجاز وأشجع وها هنا مسألتان لابد من ذكرهما: الأولى: أن الشرط والجواب لابد من أن يختلفا, فتارة يختلفان والفاعل واحد كقولك: إن يزرنا زيد يحدثنا, وتارة يتحدان ويختلف الفاعل كقولك: إن يقم زيد يقم عمرو, وتارة يختلفان ويختلف الفاعل كقولك: إن يقم زيد يجلس عمرو, فهذه ثلاثة أقسام جائزة, والقسم الرابع محال وهو أن يتحدا ويتحد الفاعل كقولك: إن يقم زيد يقم زيد, وهذا لا يجوز, لأن الشيء لا يكون سببًا لإيجاد نفسه, لأنه لو كان سببًا لإيجاد نفسه لكان موجودًا قبل وجوده, فيلزم أن يكون متقدمًا متأخرًا, وهو محال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المسألة الثانية: إذا قلت: إن يقم أقم, فلا خلاف بينهم في أن يقوم مجزوم بإن, لأنه إلى جانب العامل, فهو بمنزلة زيد من قولك: مررت بزيد العاقل, 120/ب ولا خلاف في أنه مجرور بالباء, وإن كان قد اختلف / في جر العاقل, واختلفوا في جزم أقوم, فقال جماعة من النحويين: إنه مجزوم بإن, لأنها لما اقتضت الفعلين معًا عملت فيهما معًا. وقال قوم: جزم بالفعل الذي هو شرط, لأنه صار مقتضيًا له فعمل فيه. وقال قوم: جزم بإن وفعل الشرط, لأنه لا يقضى إلى الثاني إلا بعد إفضائها إلى الأول. وقال الكوفيون: جزم الثاني, لأنه مجاور مجزوم, كما يجز, لأنه مجاور مجرور, نحو قول الشاعر: 291 - كأن نسج العنكبوت المرمل وقال أبو عثمان: أسكنت الأفعال بعد حروف الشرط, لأنها قد وقعت حيث لا تقع الأسماء. واصتقبح هذا القول أبو سعيد, وجزم الثاني بحرف الشرط والفعل قول أبي الفتح رحمه الله: وقول أبي عثمان رديء جدًا, والقول بأن فعل الشرط هو الجازم رديء أيضًا, لأنه عمل الفعل في الفعل.

قال ابن جني: وجواب الشرط على ضربين: الفعل, والفاء, فإذا كان الجواب فعلًا: كان مجزومًا على ما تقدم, نحو قولك: إن تذهب أذهب معك. وأما الفاء فيرفع بعدها الفعل, وذلك نحو قول الله عز وجل: {ومن عاد فينتقم الله منه} وقال تعالى: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا} وإنما جيء بالفاء في جواب الشرط توصلًا إلى المجازاة بالجملة المركبة من المبتدأ والخبر. وقد حذف / الشرط, وأقيمت أشياء مقامه دالة عليه, وتلك الأِياء: 36/ب الأمر, والنهي, والاستفهام, والتمني, والدعاء, والعرض. تقول في الأمر: زرني أزرك. وفي التمني: ليت لي مالًا أنفقه. وفي الدعاء: اللهم ارزقني بعيرًا أحد عليه. وفي العرض: ألا تنزل تصب خيرًا, تجزم هذا كله, لأن فيه معنى الشرط, ألا ترى أن المعنى: زرني فإنك إن تزرني أزرك قال الله عز وجل: {فهب لي من لدنك وليًا * يرثني ويرث من آل يعقوب} يقرأ جزمًا ورفعًا يرثني ويرقني, فمن جزم, فلأنه جواب الدعاء, ومن رفع, جعله وصفًا لولي كأنه قال: وليًا وارثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وجواب الشرط على ثلاثة أضرب: الأول: الفعل, وللشرط والجزاء من ذلك أربع صور: الأولى: أن يكونا مضارعين فلابد من الجزم كقولك: إن تذهب أذهب معك. وإنما وجب الجزم, لأن العامل دخل على ما يقبل عمله ولا مانع فيه, فجزم كحرف الجر إذا دخل على الاسم الصحيح المنصرف. الثانية: أن يكونا ماضيين كقولك: إن قام زيد جلس عمرو, ولا يستبين فيهما الإعراب, لأن المضاي مبني وهما في الموضع مجزومان بمنزلة الاسم المبني إذا دخل حرف الجر عليه كقوله تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد}. الثالثة: أن يكون الشرط ماضيًا والجزاء مضارعًا, فالجيد الجزم كقول الفرزدق: 292 - دست رسولًا بأن القوم إن قدروا ... عليك يشفوا صدورًا ذات توغير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 121/أ = / لأن الثاني قابل لظهور الإعراب في لفظه, ويجوز الرفع كقول زهير: 293 - وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم وسألت شيخنا رحمه الله لم جاز الرفع؟ لأن الشرط: أقوى من الجواب, وذلك لم يظهر فيه الجزم فجيء بهذا مثله. الصورة الرابعة: وهي رديئة: أن يكون الشرط مضارعًا والجزاء ماضيًا كقول الشاعر: 294 - فإن تقطعوا منا مناط قلادة ... قطعنا به منكم مناط قلائد وإنما قبح لأن الشرط المضارع يجب جزمه, فإذا كان الجواب ماضيًا لم يكن على جزمه سبيل فإذا جزمت إن فعلًا واحدًا صارت كأنها منعت بعض مقتضاها, ومقتضاها فعلان. الثاني: الفاء, وحقها أن تدخل على المبتدأ والخبر, وإنما جيء بها توصلًا إلى المجازاة بها كقوله تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما} لأن هذا في الأًل مبتدأ وخبر, فإن دخلت على فعل كان خبر مبتدأ محذوف, لأن الفعل يكون جزاء بدون الفاء كقوله تعالى: {ومن عاد فينتقم الله منه} وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا} والتقدير: فهو ينتقم الله منه وفهو لا يخاف بخسًا, وأما قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهو مؤمن فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا} , فمن قرأه: فلا يخاف فتقديره: فهو لا يخاف, ومن قرأه: فلا يخف لم يحتج إلى تقدير مبتدأ, لأن النهي في منزلة المبتدأ والخبر في أنه لا يكون جواب الشرط, فاحتاج إلى الفاء, وقوله تعالى: {وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذًا أبدًا} تقديره: فهم لن يهتدوا, وهاهنا أصل تبنيى عليه / مسائل الفاء. 121/ب وهو أن كل كلام لا يصح أن يكون بعد إن الشرطية ووقع جوابًا لم يكن له بد من الفاء تقول: إن تزرني أعطك, فلا يحتاج إلى الفاء, لأن الجواب يصح وقوعه بعد إن وتقول: إن سافرت فمن يكرمني؟ فتحتاج إلى الفاء, لأن المبتدأ والخبر لا يصح وقوعهما بعد إن. الثالث: «إذا» قال الله عز وجل: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} فهم مبتدأ, ويقنطون خبره, فإذا في موضع نصب بيقنطون ومعناه: المفاجأة, وموضع الفاء مع ما بعدها جزم, وكذلك موضع إذا وما بعدها والدليل على ذلك قراءة الكسائي: {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون} فجزم يذرهم (لأنه) حمله على موضع قوله تعالى: {فلا هادي له} كما أنشد سيبويه: 295 - يذهبن في نجد وغورًا غائرًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فنصب غورًا, لأنه حمله على موضع الجار والمجرور, وإنما اختاروا الفاء دون غيرها للجواب, لأن معناها الترتيب والتعقيب فهي تناسب الشرط. وإنما اختار «إذا» للجواب, لأن معناها المفاجأة, فهي تناسب الشرط أيضًا. واعلم أن المواضع الثمانية التي تنصب الفعل بعد الفاء معها إذا أسقطت الفاء جاز جزم الفعل ورفعه, ولا يستثنى من ذلك إلا النفي والنهي في بعض المواضع تقول في الأمر: زرني أزرك, وفي النهي: لا تفعل الشرتنج. وفي الاستفهام: أين بيتك أزرك. وفي التمني: ليت لي مالًا أنفقه. وفي العرض: ألا تنزل نصب خيرًا, وفي التحضيض: لولا تسافر تغنم, وفي الدعاء: اللهم ارزقني مالًا أتصدق به. قال الله تعالى: {فهب لي من لدنك وليًا * يرثني} يقرأ بالرفع 122/أوالجزم وقال تعالى: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} وقال عمرو بن كلثوم التغلبي: 296 - قفي قبل التفرق يا ظعينا ... نخبرك اليقين وتخبرينا قفي نسألك هل أحدثت صرمًا ... لوشك البين أم حنت الأمينا فهذه الأشياء كلها جزمت, لأنها جواب شرط محذوف دل عليه الكلام المتقدم. ووجه دلالته على الشرط أن الفعل الثاني ضمان سببه الأول, ألا ترى أنه إذا قال: أين بيتك أزرك (كان التقدير: إن أعرفه أزرك) وحق المضمر أن يكون من جنس المظهر, وحقيقة ذلك أنك إذا قلت: اجلس أحدثك, كان التقدير: إن تجلس أحدثك, فالأمر يقصد به إيجاب الفعل, والمقدر شرط موجب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولهذه العلة لم يجز جزم جواب النفي, فلا تقول: ما تأتينا تحدثنا, لأن المضمر يكون منفيًا فيصر التقدير: ما تأتينا إن لم تأتينا تحدثنا. وهو محال, لأنه لا حديث إلا بعد إتيان. وأما النهي فمنه ما يصح جزم جوابه كقولك: لا تسب زيدًا يجببك, وهذا صحيح, لأن التقدير: لا تسب زيدًا إلا تسببه يحببك. ومنها مالا يصح جزم جوابه كقولك: لا تدن من الأسد ياكلك, وهذا فاسد, لأن التقدير: لا تدن من الأسد إلا تدن منه يأكلك, فقد جعلت بعده من الأسد سبب أكله, فإن أردت الجزم صرحت بالمضمر الموجب فقلت: لا تدن من الأسد, إن تدن منه يأكلك. قال الله تعالى: {وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا} فصرح بالواجب, لأنه (لو) قال: لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا / يضلوا عبادك, لكان التقدير: إلا ت ذرهم يضلوا 122/ب عبادك, وهو محال, لأنه إذا لم يذرهم كانوا معدومين, والمعدوم لا يضل ولا يهدي. ويجوز رفع الفعل, لأنك لم تصرح بالشرط, فالرفع على أحد ثلاثة أوجه: أحدها: أن ترفع على القطع كقوك: لا تذهب به تغلب عليه, وفيه معنى التعليل. والثاني: أن ترفع على الصفة كقوله تعالى: {فهب لي من لدنك وليًا * يرثني} أي: فهب لي من لدنك وليًا وارثًا. والثالث: أن ترفع على الحال, أنشد سيبويه للأخطل: 297 - كروا إلى حرتيكم تعمرونها ... كما تكر إلى أوطانها البقر وأما قوله عز وجل: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق أكون من الصالحين}

باب: (التعجب)

باب: (التعجب) قال ابن جني: ولفظه يأتي في الكلام على ضربين: أحدهما: ما أفعله, والآخر: أفعل به, الأول نحو قولك: ما أحسن زيدًا وما أجمل بكرًا, وما أظرف أبا عبد الله وتقديره: شيء أحسن زيدًا أي: جعله حسنًا, فما مرفوعة بالابتداء, وأحسن خبرها, وفيه ضمير «ما» وذلك الضمير مرفوع بأحسن, 37/ألأنه/ فعل ماضي, وزيد منصوب على التعجب وحقيقة نصبه بوقوع الفعل عليه, وتزيد كان فتقول: ما كان أحسن زيدًا فالإعراب باق بحاله, وكان زائدة, لا اسم لها ولا خبر, فإن قلت: ما أحسن ما كان زيد رفعته بكان, وهي تامة, وتنصب «ما» الثانية على التعجب أي: ما أحسن كون زيد. الثاني منهما: نحو قولك: أحسن بزيد, أي: ما أحسن زيدًا وأجمل بجعفر أي: ما أجمل جعفرًا فالباء وما عملت فيه في موضع رفع ومعناه: أحسن زيد أي: صار ذا حسن. وأجمل أي: صار ذا جمال كقولك: أجرب الرجل إذا صار ذا إبل جربى, وأنحز أي: صار ذا مال فيه النحاز فلفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر, ولهذا قلت في التثنية والجمع: يا زيدان أحسن بعمرو, ويا زيدون أحسن بعمرو, ولم تقل: أحسنا ولا أحسنوا, لأنك لست تأمر أحدًا بإيقاع فعل, فلا ضمير إذًا في قولك: أحسن ونحوه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (فهو بنصب أكون عطفًا على أصدق) ومن جزمه عطفه على موضع الفاء وما بعدها لأنهما قد حال محل فعل مجزوم, من حيث إنهما جواب التحضيض, وقيل: إنه جزمه على توهم إسقاط الفاء, لأنه لو أسقطها لجاز جزم الفعل. (باب التعجب) قال ابن الخباز: التعجب معنى من المعاني التي تعرض في النفوس, وهو زائد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على الخبر, لأنه خبر صادر عن حيرة, وقالوا: لا يكون التعجب إلا من شيء خفي سببه وظهر على نظرائه. فأما قوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} والله عز وجل لا يخفى عليه خافية. فالمعنى: أنهم قد بلغوا من الصبر على النار حالة يتعجب منها, وأنواع مجاز القرآن كثيرة, ومن لم يرمها بعين البصيرة ارتبك في الشك وحام حول الظاهر فأقضى به حيامه إلى الضلال البعيد نعوذ بالله منه. وللتعجب ألفاظ كثيرة, وأشهرها في الاستعمال صيغتان: ما أفعله وأفعل به. أما ما أفعله: فنحو قولك: ما أحسن زيدًا وما أجمل جعفرًا, وانلظر / هاهنا في 123/أثلاثة أشياء: الأول: «ما» وهي اسم, والدليل على اسميتها أنها مبتدأة, وهي مبنية, لأنها تضمنت معنى حرف التعجب, واختلف في «ما»: فقال سيبويه: هي نكرة غير موصولة ولا موصوفة, لأن ذلك يناسب التعجب. وقال أبو الحسن: هي موصولة, والفعل الذي بعدها صلتها, وخبرها محذوف تقديره: ما أحسن زيدًا شيء, فعلى هذا بنيت لافتقارها إلى الصلة. وقال الفراء: هي استفهامية, فبناؤها, لأنها تضمنت معنى حرف الاستفهام. الثاني: أحسن: وهو فعل ماضي, والدليل على أنه فعل اتصال نون الوقاية به كقولك: إذا تعجبت من نفسك: ما أحسنتي. وقال الكوفيون: هيو اسم واستدلوا على ذلك بأن التصغير دخله, قال الشاعر: 298 - ياما أميلح غزلانًا شدن لنا ... من هؤليائكن الضال والسمر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والجواب: أن تصغيره لأنه أشبه الأسماء حيث لم يتصرف, وفاعله ضمير «ما» لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث, وموضعه رفع بأنه خبر «ما» ولا يكون منه مضارع ولا أمر, لأن التعجب إنما يكون من شيء ثابت فكانت صيغة الماضي أولى. الثالث: زيد, وهو مفعول به صريح, ناصبه أحسن, فمعنى قولك: ما أحسن زيدًا. شيء جعل زيدًا ذا حسن كقولك: (أمر) أقعدك عن الخروج, ومهم أشخصك إلينا. وها هنا مسألة لطيفة: إن قال لك قائل: أي مفعول به لا يجوز أن يرفع في باب مالم يسم فاعله؟ فقل: المنصوب على التعجب, لأنك لو بنيت أحسن للمفعول به لحذفت «ما» فاختلت صيغة التعجب. وإذا قلت: ما كان أحسن زيدًا, ففي كان ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ناقصة وهو قول الزجاجي, فعلى هذا يكون أحسن في موضع نصب, لأنه خبر كان وهذا قول رديء, لأن «ما» التي للتعجب لم تدخل على أحسن وإنما دخلت على كان. 123/ب القول الثاني / أنها تامة, فعلى هذا يكون أحسن في موضع نصب على الحال, وهذا القول أردأ من الأول, لأنه قد صار فعل التعجب فضلة. القول الثالث: أنها زائدة, دخولها كخروجها, وهذا هو الجيد, وقد ذكرنا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حكم زيادتها. وإذا قلت: ما أحسن ما كان زيد فما الأولى للتعجب, وما الثانية مصدرية وقولك: كان زيد صلتها, أي: ماأحسن كون زيد, ولا يجوز نصب زيد, لأن زيدًا من ذوي العلم و «ما» من غير ذوي العلم, فلو جعلت في كان ضميرًا لأعدته إلى «ما» وجعلته زيدًا في المعنى, فتناقضا, فإن جئت مكان زيد بشيء من غير ذوي العلم جاز النصب كقولك: ما أحسن ما كان ثوبك وثوبك. ويجوز أن تقول: ما كان أحسن ما كان زيد ولكل واحدة منهما حكمها. الصيغة الثانية: أفعل به كقولك: أحسن بزيد, وفي التنزيل: {أسمع بهم وأبصر} {أبصر به وأسمع} ولا شبهة في أن الصيغة صيغة الأمر, لأنه فعل موقوف الآخر. واختلف النحويون فيه, فذهب جماعة منهم كأبي علي وأبي الفتح إلى أن اللفظ لفظ الأمر والمعنى معنى الخبر والباء وما عملت فيه في موضع رفع, لأنها فاعل الفعل كقولك: {كفى بالله} فإذا قلت: أجمل بجعفر فمعناه: أجمل جعفر, أي صار ذا جمال كقولك: أجرب الرجل: أي صار ذا إبل جربى, يجوز أن يكون واحد الجربى أجرب وجرباء, ويقال في جمع الأجرب: جرب, أنشد أبو عليه رحمه الله لدريد: 299 - ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم طالي أينق جرب ويقال في جمع جرب: جراب, قال الشاعر:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 300 - وفينا وإن نحن اصطلحنا تضاغن ... كما طرأ وبار الجراب على النشر 24/أوأنحز الرجل, أي: صار ذا مال فيه النحاز, المال ها هنا الإبل /. والنحاز: داء يأخذ الإبل في رئاثها - عن الجوهري ولا ينكر أن يكون اللفظ على طريقة والمعنى على خلافها, ألا ترى أنا نقول: غفر الله له, فلفظه خبر ومعناه دعاء. ومما يدل على أن الفعل به ليس بأمر توحيده في الجمع والتثنية كقولك: يا زيدان أحسن بعمرو, ويا زيدون أحسن بعمرو, وتذكيره مع المؤنث كقولك: يا هند أحسن بعمرو ولو كان أمرًا صريحًا لقلت: أحسنا وأحسنوا وأحسني. وذهب أبو إسحاق الزجاج وبه قال الزمخشري من المتأخرين إلى أنه أمر صريح, فالباء وما عملت فيه في موضع نصب بأنها مفعول. وإنما لم يثن الضمير ولم يجمع ولم يؤنث, لأن الغرض الأمر بجنس المخاطب. مسألة: لا يجوز أن تقول: بزيد أحسن ولا زيدًا ما أحسن ولا ما زيدًا أحسن لأن فعل التعجب غير متصرف, لأنه جرى عندهم مجرى المثل حيث دل على المبالغة والأمثال لا تغير.

قال ابن جني: واعلم أن فعل التعجب إنما مبناه من الثلاثي تقول: قام زيد ثم تقول: ما أقومه وما أقعده فإن تجاوز الماضي ثلاثة أحرف لم يجز أن تبني منه فعل التعجب وذلك نحو: دحرج واستخرج, فإن أردت ذلك قلت: ما أشد دحرجته, وما أسرع استخراجه, وكذلك ما أشبهه, وكذلك الألوان والعيوب الظاهرة لا تقول من الحمرة: ما أحرمه ولا من الصفرة: ما أصفره, ولا من الحول: ما أحوله. ولا من العرج: ما أعرجه, فإن أردت ذلك قلت: ما أشد حمرته, وما أقبح حوله وعرجه, وكل ما جاز فيه ما أفعله جاز فيه أفعل به, وهو أفعل منك, وما لم يجز فيه ما أفعله لم يجز فيه أفعل به ولا هو أفعل منك, تقول: ما أحسن أخاك وكذلك تقول: أحسن به وهو أحسن منك, ولاتقول: ما أحمره, وكذلك لا تقول: أحمر به, ولا هو أحمر منك, ولكن تقول: ما أشد حمرته, وكذلك تقول: أشدد بحمرته, وهو أشد منك حمرة وأقبح بحوله, وهو أقبح حولًا منك. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: واعلم أن فعل التعجب في الأصل ثلاثي مجرد نقل بالهمزة فتعدى إلى المفعول به, وهو في الأصل: فعل, كجلس وفعل كفرح وفعل كظرف تقول: ما أجلسه وما أفرحه وما أظرفه. وها هنا نكتة: وهو أنهم لا ينقلونه بالهمزة حتى ينقلوه إلى فعل بالضم إن كان مفتوح العين أو مكسورها كأنهم قالوا: جلس وفرح لأن التعجب من أبواب المبالغة فنقل الفعل الذي يثنى منه إلى بنائها وليس كل فعل يبنى منه فعل التعجب, فالذي يجوز بناؤه منه ما ذكرناه, وما كان في معناه. والذي يمتنع بناؤه منه أربعة أنواع: الأول: أن يكون الفعل ثلاثيًا ميزدًا, وذلك نحو: استغفر وانطلق وتكسر لا يجوز بناء فعل التعجب منه, لأن هذه الزوائد لمعان, فإن حذفتها زالت, وإن أثبتها لم يمكن الإتيان بالهمزة. الثاني: الرباعي, يستوي في ذلك المجرد منه كدحرج, والمزيد منه كأقشعر, لأنه لا يمكن إدخال خمزة النقل عليه. الثالث: أفعال الألوان, يستوي / في ذلك مجردها كسود 124/ب وزرق ومزيدها كاسود وابيض. الرابع: أفعال العيوب الظاهرة, وكعمي وعور

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وعرج وحول وزمن, وعلة هذين النوعين من وجهين: أحدهما: أن لأصل في أفعالهما على أن تستعمل على أكثر من ثلاثة أحرف: والثاني: أنها مخلق ثابتة لا تزول فجرى مجرى الأعضاء كاليد والرجل, فكما لا تقول من اليد ما أيداه, ومن الرجل: ما أرجله, كذا لا تقول: ما أسوده ولا ما أعوره وأجاز الكوفيون: التعجب من فعلي السواد والبياض, واحتجوا بأنهما أصل الألوان. واعلم أن ما أفعله وأفعل به, وهو أفعل منك أخوات, لأن المراد بهن كلهن التفضيل, فكل ما امتنع فيه ما أفعله امتنع فيه أفعل به, وهو أفعل منك فكما لا تقول ما أسوده وما أعوره لا تقول: أسود به ولا أعور به, ولا هو أسود منك وأعور منك. وإن أردت التعجب من شيء من هذا النحو واستعماله مع أفعل التفضيل بنيت فعل التعجب وأفعل التفضيل مما يجوز بناؤهما منه, أعني الفعل الثلاثي, وجئت بالمصدر الذي للفعل الذي لا يجوز بناء فعل التعجب منه فنصبته على التعجب بعد ما أفعله, وجررته بعد أفعل به, ونصبته على التمييز بعد أفعل التفضيل, فقلت: ما أسرع دحرجته, وما أحسن انطلاقه وأكثر باستغفاره, وهو أشد بياضًا منك. وكل ما جاء فيه بناء ما أفعله وأفعل به جاز أن يبنى منه هو أفعل منك تقول: ما أحسنه وأحسن به وهو أحسن منكو لأن المراد بهن كلهن التفضيل كما ذكرنا وأسماء الأعيان لا شيء منها (يبنى منه) ما أفعله ولا أفعل به ولا أفعل التفضيل ولكن يجاء بها منصوبة على التعجب أو على التمييز تقول: ما أكثر ماله, وما أعز نفره, وأكثر بماله وأعزز بنفره, و {أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرًا}. ***

باب: (نعم وبئس)

باب: (نعم وبئس) قال ابن جني: اعلم أن نعم وبئس فعلان ماضيان غير متصرفين, ومعناهما: المبالغة / في المدح أو الذم, ولا يكون فاعلاهما إلا اسمين معرفين باللام 37/ب تعريف الجنس أو مضمرين على شريطة التفسير, ثم يذكر بعد ذلك المقصود بالمدح والذم تقول: نعم الرجل زيد, وبئس الغلام جعفر, فالرجل مرفوع بفعله, وزيد مرفوع, لأنه خبر مبتدأ محذوف كأن قائلًا قال: من هذا الممدوح؟ فقلت: زيد أي هو زيد, وإن شئت كان زيد مرفوعًا بالابتداء, وما قبله خبر عنه مقدم عليه والمضاف إلى اللام كاللام تقول: نعم غلام الرجل زيد وبئس وافد العشيرة جعفر. فإنوقعت بعدها النكرة نصبتها على التمييز تقول: نعم رجلًا أخوك, وبئس صاحبًا صاحبك, والتقدير: نعم الرجل أخوك, فلما أضمرت الرجل فسرته يقولك: رجلًا, فإن كان الفاعل مؤنثًا كنت في إلحاق العلامة وتركها مخيرًا, تقول: نعم المرأة هند, ونعمت المرأة هند, فمن ألحق العلامة قال: هذا فعل كسائر الأفعال, ومن لم يلحقها أراد معنى الجنس فغلب عنده التذكير. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب نعم وبئس) قال ابن الخباز: / نعم وبئس فعلان عند البصريين, واحتجوا على ذلك من 125/أوجهين: أحدهما اتصال تاء التأنيث بهما, وفي الحديث: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» والثاني: أنهم قد قالوا: نعما ونعموا وهذه علامات الأفعال. وذهب الكوفيون إلى أنهما اسمان واحتجوا من وجهين: أحدهما: النداء كقولهم: يا نعم المولى والثاني: دخول حرف الجر كقول حسان:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 301 - ألست بنعم الجار يؤلف بيته ... أخا ثلة أو معدم المال مصرمًا والجواب أن دخول حرف الجر وحرف النداء على تقدير الحكاية, أي: (يا) من يقال (له) نعم المولى. ويا من يقال له: نعم النصير, وألست بجاز يقال (له) نعم الجار, وهما ماضيان لأنهما مبنيان على الفتح, وإنما كانا غير متصرفين, لأن نعم للمبالغة في المدح وبئس للمبالغة في الذم, والمبالغة معنى فأشبها الحروف حيث دلا على معنى في غيرهما, وإنما اختيرت لهما صيغة الماضي لأن المبالغة في المدح والذم إنما تكون بالشيء الثابت, وفيهما أربع لغات نعم وبئس كسمع, ونعم وبئس بكسر الفاء والعين, ونعم وبئس بكسر الفاء وسكون العين, ونعم وبئس بفتح الفاء وسكون العين, قال طرفة: 302 - ما أقلت قدم ناعلها ... نعم الساعون في الأمر المبر وكل اسم أو فعل على فعل بكسر العين عينه أحد الحروف الحلقية الستة التي هي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء, يجوز فيه هذه اللغات الأربع أنشد سيبويه للأخطل:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 303 - إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا ... وإن شهد أجدى فضله وجداوله ولابد لهما من فاعل, لأنهما فعلان, وفاعلهما قسمان: ظاهر ومضمر, فالظاهر قسمان: أحدهما: معرف باللام تعريفًا جنسيًا كقولهم: نعم الرجل زيد وبئست المرأة هند. والثاني: مضاف / إلى المعرف الجنسي كقولك: نعم غلام 125/ب الرجل زيد, وبئس صاحب القوم عمرو ومن مسائل الأصول: نعم العمر عمر بن الخطاب وبئس الحجاج حجاج بن يوسف, وإنما كان فاعلهما كذلك لوجهين: أحدهما: أن معناهما المبالغة في المدح والذم وإذا كان المعرف جنسيًا صار المخصوص بالمدح أو الذم كالمذكور مرتين معمومًا ومخصوصًا. والثاني: أنك إذا ذكرت المعرف الجنسي وأردفته بالمخصوص آذنت في المدح بأنكل فضيلة اقترفت في الجنس اجتمعت فيه, وآذنت في الذم بأن كل نقيصة افترقت في الجنس اجتمعت فيه. والمضمر لا يكون إلا على شريطة التفسير, وذلك قولك: نعم رجلًا زيد, وبئست امرأة هند, وفي التنزيل: {بئس للظالمين بدلا}. والفاعل مضمر, والنكرة مفسرة منصوبة على التمييز, وبها عرف الجنس المضمر ما هو؟ فإذا قلت: نعم رجلًا زيد فكأنك قلت: نعم الرجل رجلًا زيد. فإنقلت: من أي وجه يرتفع المخصوص بالمدح أو الذم؟ قلت: يرتفع من وجهين: أحدهما أن يكون مبتدأ فإذا قلت: نعم الرجل عبد الله فالأصل عبد الله نعم الرجل, لأن مرتبة المبتدأ التقديم, فهو مؤخر في اللفظ مقدم في المعنى وقد قدمه ذو الرمة قال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 304 - أبو موسى فجدك نعم جدًا ... وشيخ الحي خالك نعم خالا فإنقلت: الخبر جملة, فإين العائد منها؟ قلت: إذا قلت: عبد الله نعم الرجل فالرجل جنس يشمل عبد الله وغيره, فقام عمومه مقام العائد كما تقول: أما العبد فلا عبد لك, وأما المال فلا مال لزيد والثاني أن يكون خبر مبتدأ محذوف كأنك لما قلت: نعم الرجل, قيل لك: من هذا الذي أثنيت عليه؟ قلت: عبد الله أي هو عبد الله فالكلام على هذا جملتان: 126/أالأولى فعلية / والثانية اسمية. وإذا كان فاعل نعم مؤنثًا جاز إلحاق التاء وحذفها تقول: نعمت المرأة هند ونعم المرأة هند, والإلحاق أجود, لأن الفاعل مؤنث, وإنما جاز الحذف لأن المرأة جنس لا واحد منه, والجنس مذكر, فإن أضمرت جنسًا مؤنثًا كقولك: نعمت جارية زينب, فلابد من إلحاق التاء, لأن اتصال الفاعل المضمر أشد من اتصال الفاعل المظهر, ألا ترى أنه يجوز أن تقول: طلعت الشمس وطلع الشمس, ولا يجوز أن تقول: الشمس طلع, وإنما تقول: الشمس طلعت.

باب: (حبذا)

باب: (حبذا) قال ابن جني: اعلم أن حبذا معناها المدح وتقريب المذكور بعدها من القلب, وهي ترفع المعرفة وتنصب النكرة التي يحسن فيها من على التمييز تقول: حبذا زيد, وحبذا أخوك, فحبذا في موضع اسم مرفوع بالابتداء, وزيد في موضع خبره, وحقيقة القول: أن الأصل فيها حبب ككرم وظرف فأسكنت الباء وأدغمت في الثانية, وذا مرفوع بفعله وزيد يرتفع كما يرتفع بعد نعم وبئس. وتقول: حبذا رجلًا زيد أي: من رجل فتنصبه على التمييز, وحبذا مع الواحد والواحدة, والاثنين والاثنتين, والجماعة بلفظ واحد, لأنه جرى مجرى المثل تقول: حبذا زيد, وحبذا هند, ولا تقول: حبذهو وكذلك حبذا الزيدان وحبذا الزيدون وحبذا الهندات, كله بصورة واحدة, قال الشاعر: يا حبذا القمراء والليل الساج ... وطريق مثل ملاء النساج ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب حبذا) قال ابن الخباز: (ومعناها المدح وتقريب المذكور بعدها من القلب) لأنه موضع المحبة. وهي مركبة من حب واسم الإشارة, وفيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها فعل تغليبًا لأول الجزأين, والثاني: أنها اسم تغليبًا لثاني الجزأين. والثالث: أن كل واحد من الشطرين باق على حاله وحال ذا في الافتقار إلى المفسر كحال الضمير في نعم, وبنيهما فرق: وهو أنه لابد من تفسير ضمير نعم و «ذا» يستغني عن المفسر, لأنه اسم ظاهر تقول: نعم رجلًا زيد, وحبذا زيد, وإنما اختاروا «ذا» بخفته بإفراده وتذكيره وأصل حب: حبب ككرم لوجهين أحدهما: أنهم قالوا في اسم الفاعل: حببت قال عروة العذري: 305 - لئن كان حلو الماء حران صاديا ... إلى حبيبا إنها لحبيب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والثاني: أنهم قالوا: حب بضم الحاء فنقلوا الضمة إليها من الباء, قال ساعدة الهذلي: 306 - هجرت غضوب وحب من يتجنب ... وعدت عواد دون وليك تشعب 126/ب / وإذا قلت: حبذا رجلا زيد, فانتصاب رجل على التمييز, والعامل فيه حب وهو مفسر لذا, والدليل على أنه تمييز دخول من عليه, قال جرير: 307 - يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا وقيل فيه إذا كان مشتقًا: إنه حال كقولك: حبذا راكبًا زيد. وفي ارتفاع المخصوص أوجه مبنية على الخلاف في حبذا, فمن قال: إنها بجملتها فعل كان المخصوص فاعلًا, ومن قال: إنها اسم كان المخصوص مبتدأ وهي خبره, أوخبرًا وهي متبدأ, ومن قال: إنها فعل واسم فله أن يجعل المخصوص بدلًا من ذا, وله أن يجعله مبتدأ, خبره الجملة المتقدمة, وذا يعني عن العائد, وله أن يجعله خبر مبتدأ محذوف, وهذان الوجهان وجها رفع المخصوص بعد نعم. ولا يختلف «ذا» باختلاف المشار إليه, فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث, فلا تقول حبذان ولا حب أولائي ولا حبذه, ولا حب تان, لأنه جرى مجرى المثل

باب: (عسى)

باب: (عسى) قال ابن جني: اعلم أن عسى فعل ماض غير متصرف, ومعناه المقاربة, وهو يرفع الاسم وينصب الخبر ككان, إلا أنخبره لا يكون إلا فعلًا مستقبلًا, ويلزمه أن, وذلك قولك: عسى زيد أن يقوم, وعسى جعفر أن ينطلق, قال الله تعالى: {فعسى الله أن يأتي بالفتح}. ويجوز أن تحذف «أن» فتقول: عسى زيد يقوم, قال هدبة بن خشرم: عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكونوراءه فرج قريب وتقول: زيد عسى أن يقوم, فاسم عسى مضمر فيها, فإن ثنيت على هذا أو جمعت أو أنثت قلت: الزيدان عسيا أن يقوما, والزيدون عسوا أن يقوموا, وهند عست أن تقوم, والهندان عست أن تقوما, والهندات عسين أن يقمن, فأن الآن وما بعدها في موضع نصب. ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومعنى ذلك أنه وضع للمبالغة في المدح, وهذا شأن الأمثال, وأنشد الزجاج: 308 - يا حبذا القمراء والليل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج الساجي: الساكن, والملاء: الملاحف, والشاهد: أنه قال: «ذا» فذكره, والإشارة إلى القمراءز (باب عسى) قال ابن الخباز: (اعلم أن عسى فعل ماضي غير متصرف) والدليل على أنها فعل: اتصال تاء الضمير بها كقوله تعالى: {فهل عسيتم} والدليل على أنها ماض: تجردها من زيادات المضارعة وأنها ليست بأمر. وإنما لم تتصرف, لأنها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 127/أ = أشبهت لعل حيث كان معناها الطمع / والرجاء, وهي من عوامل المبتدأ والخبر, من باب كان ترفع الاسم وتنصب الخبر. ويلزم خبرها ثلاثة أمور: أن يكون فعلًا, وذلك لأن معناها الطمع, والطمع إنما يكون في الأفعال, وأن يكون مستقبلًا, لأن الطمع إنما يكون في المستقبل, وأن يكون مشفوعًا بأن, لأنها تحقق الاستقبال, تقول عسى زيد أن يقوم, وفي التنزيل: {فعسى الله أن يأتي بالفتح} وقال تعالى: {فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض} فموضع أن وما بعدها نصب والدليل على ذلك قولهم في المثل: «عسى الغوير أبؤسا» وقال بعضهم: تقديره: عسى الغوير أن يكون أبوسا, ورده عبد القاهر بأن حذف بعض الموصول لا يجوز. وقد يجيء في الشعر خبر عسى اسمًا صريحًا, أنشد المرزوقي رحمه الله: 309 - أكثرت في اللوم ملحًا دائمًا ... لا تكثرن إني عسيت صائمًا ويجيء أيضًا خبرها فعلًا بغير أن, قال هدبة بن الخشرم: 310 - عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب وقال أيضًا:

قال ابن جني: فإن لم تجعل في عسى ضميرًا كانت بلفظ واحد تقول: زيد عسى أن يقوم والزيدان عسى أن يقوما, والزيدون عسى أن يقوموا, وهند عسى أن تقوم, والهندان عسى أن يقوما, والهندات عسى أن يقمن /, فأن الآن وما بعدها في 39/ب موضع رفع بعسى واستغني بما ضمنه اسمها من الحدث عن ذكر الحدث في خبرها. ـــــــــــــــــــــــــــــ = 311 - عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر ... بمنهمر جون الرباب سكوب وسألت شيخنا رحمه الله: ما الفرق بين قولنا: عسى زيد, أن يفعل وعسى زيد, يفعل, فقال: الفرق بينهما أن طرح أن يؤذن بقوة الطمع, لأنه قد زال دليل الاستقبال ولعسى مذهب آخر: وهو أن يكون فاعلها أن وصلتها كقولك: عسى أن يذهب عمرو كأنك قلت: قرب ذهاب عمرو. وفي التنزيل: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} فلا يجوز أن يرتفع ربك بعسى, لأن مقامًا منصوب يببعثك, فلو كان ربك مرفوعًا بعسى لفصلت بين الصلة والموصول / بأجنبي 127/ب منهما. وفي التنزيل: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم} وأما قوله تعالى: {لا تقتلوه عسى أن ينفعنا} فيجوز أن يكون في عسى ضمير موسى, فيكون {أن ينفعنا} في موضع نصب. وها هنا مسألة تفصل بين حالي عسى تقول: زيد عسى أن يقوم, فهذا بمنزلة الآية, فإن جعلت في عسى ضميرًا ثنيت وجمعت وأنثت فقلت: الزيدان عسيا أن يقوما والزيدون عسيوا أن يقوموا وهند عست أن تقوم والهندان عستا أن تقوما والهندات عسين أن يقمن. قال ابن الخباز: وإن لم تجعل في عسى (ضميرًا) وحدتها في التثنية

باب: (كم)

باب: (كم) قال ابن جني: اعلم أن كم تكون في الكلام على ضربين: أحدهما: الاستفهام, والآخر: الخبر, وهي اسم للعدد مبهم, فإذا كانت استفهامًا: نصبت النكرة التي يحسن فيها من على التمييز, وإذا كانت خبرًا, جرت تلك النكرة, تقول في الاستفهام: كم غلامًا لك؟ وكم درهمًا في كيسك؟ وتقول في الخبر: كم غلام قد ملكت, وكم دار قد دخلت, فإن فصلت بينها وبين النكرة التي تنجر في الخبر نصبتها, تقول: كم قد حصل لي غلامًا, وكم قد زادني رجلًا أردت كم غلام قد حصل لي, وكم رجل قد زارني, فلما فصلت بينهما نصبت النكرة, قال القطامي: كم نالني منهم فضلًا على عدم ... إذ لا أكاد من الإقتر أحتمل ـــــــــــــــــــــــــــــ = والجمع وذكرتها في التأنيث, فقلت: الزيدان عسى أن يقوما والزيدون عسى أن يقوموا وهند عسى أن تقوم والهندان عسى أن تقوما, والهندات عسى أن يقمن. وها هنا تقدير فتفطن له, إذا قلت: زيد عسى أن يقوم فجعلت في عسى ضميرًا كان الأصل عسى زيد أن يقوم. وإذا قلت: زيد عسى أن يقوم, فلم تجعل فيها ضميرًا كان الأصل عسى أن يقوم زيد. فإن قلت: فإن كانت عسى من عوامل المبتدأ والخبر فأين الاسم والخبر في قولك عسى أن يقوم زيد؟ قلت: لما كانت صلة أن فعلًا وفاعلًا أغنيا عن المجيء بالجزأين, وأقرب نظير له قوله تعالى: {وحسبوا ألا تكون فتنة} لأن حسبوا يقتضي مفعولين والفعل والفاعل الواقعان في صلة أن سدا مسدهما, وكذلك قوله تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا} عند الزمخشري. (باب كم) قال ابن الخباز: لا خفاء في اسمية كم, لأنها تقع مبتدأ, ويدخلها حرف الجر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تقول: كم مالك؟ وبكم رجل مررت؟ واختلف النحويون فيها, فذهب الكسائي إلى أنه مركبة أصلها كما فحذفت الألف وأسكنت الميم قال الشاعر: 312 - يا أبا الأسود / كم أسلمتني ... لهموم طارقات وذكر ... 128/أ وذهب البصريون إلى أنها مفردة وهو الصحيح, لأن الإفراد هو الأصل, فمن ادعاه فقد تمسك بالأصل, ولأن قول الكوفيين يفضي إلى بقاء الاسم على حرف واحد وهي اسم لعدد مبهم, وفائدة وضعها الاختصار, لأنك إذا قلت في الاستفهام كم درهمًا في كيسك؟ أغناك هذا عن ذكر الأعداد قاطبة. وهي في الكلام على ضربين: استفهامية وخيرية, وهي مبنية في كلا وجهيها, وقد ذكرت ذلك فيما مضى, فإذا كانت استفهامية نصبت النكرة بعدها على التمييز تقول: كم درهمًا مالك؟ وكم ذراعًا ثوبك؟ لأنها في تقدير عدد منون أو فيه النون, كأنك قلت: أتسعة عشر ذراعًا ثوبك أم عشرون؟ وإذا كانت خبرية جرت النكرة كقولك: كم رجل عندي, وكم غلام لي, ومعناها التكثير. وهي نقيضة رب, لأن رب معناها التقليل, وإذا كانت خبرية جاز أن يكون مميزها مفردًا ومجموعًا, وقد مثلناهما, لأنها بمنزلة عدد مضاف, والعدد يضاف إلى الجمع كقولك: ثلاثة أثواب, وإلى المفرد كقولك: مائة ثوب. والقياس في الخبرية أن تبين بالواحد, لأنها عدد كثير فهي كالمائة والألف ولا يبنيان إلا بالواحد كقولك: مائة رجل وألف دينار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإذا كانت استفهامية لم يكن مميزها إلا مفردًا ولا يكون جمعًا فلا تقول: كم غلمانًا لك؟ كما لا ت قول: أعشرون غلمانًا لك؟ قال ابن السراج: وحكى الأخفش أن الكوفيين يجيزونه. وإذا فصلت بين الخبرية ومميزها نصبته لقبح الإضافة مع الفصل, تقول كم رجل زارني, وكم غلام حصل لي, فإذا فصلت فقلت: كم زارني رجلًا 128/ب وكم حصل لي غلامًا نصبت / قال القطامي: 313 - كم نالني منهم فضلًا على عدم ... إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل أراد: كم فضل نالني, فلما فصل نصب.

قال ابن جني: ومن العرب من ينصب بها بغير فصل قال الفرزدق /: ... 40/أ كم عمه لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت علي عشاري يروى برفع العمة ونصبها وجرها, فمن جرها أو نصبها جعل كم خبرًا في لوجهين, وقد يجوز أن يكون من نصبها أراد الاستفهام بها, ومن رفع العمة فإنما سأل أو أخبر عن الحلبات أراد: كم حلبة, ورفع العمة بالابتداء, وجعل وله: «قد حلبت» خبرًا عنها. واعلم أن كم اسم فتكون مرفوعة, ومنصوبة, ومجرورة, تقول في الرفع: كم مالك؟ فكم مرفوعة بالابتداء, ومالك خبر عنها, وتقول في النصب: كم إنسانًا ضربت؟ وفي الجر: بكم إنسان قد مررت؟ وتقول: بكم ثوبك مصبوغ؟ وإن شئت نصبت قلت: مصبوغًا فإذا رفعت جعلته خير ثوبك. وإذا نصبت جعلته الظرف خبرًا عن الثوب, ونصبت مصبوغًا على الحال, والظرف مع النصب متعلق بمحذوف, لأنه الخبر, وهو مع الرفع متعلق بنفس المصبوغ, وإذا رفعت مصبوغًا فالسؤال إنما هو عن ثمن المصبوغ, وإذا / نصبته فالسؤال إنما هو عن ثمن الثوب 400/ب ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وها هنا شيء ينبغي أن تتفطن له اعلم أن قولنا: كم زارني رجلًا ليس بمغن عن قولنا كم رجل زارني بجر رجل. لأن الفصل بين المضاف والمضاف إليه لا يجوز إلا في الشعر بالظرف وحرف الجر كقولك عمرو بن قميئة: 314 - لما رأت ساتيدما استعبرت ... لله در اليوم من لامها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أي: لله در من لامها اليوم, والفصل بحرف الجر كقول ذي الرمة: 315 - كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج أراد: كأن أصوات أواخر الميس, فإذا ثبت ذلك وجب أن يكون قولنا: كم زارني رجلًا, أصله: كم رجلًا زارني بالنصب, لأن الفصل بين الناصب والمنصوب يقع كثيرًا والذي سوغ هذا التقدير أن من العرب من يقول: كم رجلًا زارني, فينصب بها النكرة من غير فصل. قال الفرزدق: 316 - كم عمة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت علي عشاري الفدع: استرخاء الرسغ, والعشار: جمع عشراء, وهي الناقة التي أتى عليها من حملها عشرة أشهر. والبيت يروى برفع العمة ونصبها وجرها, فالرفع بالابتدء وساغ الابتداء بالنكرة, لأنها وصفت بقوله: «لك» «وقد حلبت» هو الخبر, فإذا رفعت جاز أن تكون كم استفهامية وخبرية, فإن كانت استفهامية فهو يسأل عن الحلبات تهكمًا واستهزاء, وإن كانت خبرية فهو يخبر عن العمة بالحلب, وإذا نصبت جاز أن تكون استفهامية وخبرية, فإن كانت استفهامية فالسؤال عن العمات

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والخالات وإن كانت خبرية فالتكثير / للعمات والحالات وهو في الاستفهام متهكم, 129/أوإذا جررت لم تكن إلا خبرية, لأن الاستفهامية لا تجر مميزها. واختلف النحويون في جر النكرة بعد «كم» , فقال الأكثرون: إنه بها, لأنها مضافة إليها, وقال الخليل: إنه بمن مضمرة, لأنه قد كثر استعمالها بعدها وفي التنزيل: {وكم من قرية} , {وكم من ملك} وقال الشاعر: 317 - وكم من لئيم ودني وشتمته ... وإن كان شتمي فيه صاب وعلقم فأضمرت لأن موضعها معلوم. واعلم أن كم اسم تكون في كلا موضعيها مرفوعة ومنصوبة ومجرورة فالاستفهامية المرفوعة: كقولك: كم غلامًا لك؟ والمنصوبة: كقولك: كم رجلًا ضربت؟ والمجرورة: كقولك: بكم إنسانًا مررت؟ ويجوز جر إنسان وإن كانت استفهامية, لأن الباء سدت مسد من المضمرة, والنصب أجود. والخبرية المرفوعة كقولك: كم غلام لي, والمنصوبة كقولك: كم عبد ملكت. والمجرورة كقولك: إلى كم بلد سافرت. وإذا أردت أن تعلم ما موضعها من الإعراب وضعت مكانها العدد, لأنه معرب فيتبين إعرابها المحكوم به عليها, تقول: أعشرون غلامًا لك أم ثلاثون؟ وأأربعين رجلًا ضربت أم خمسين؟ وأبستين إنسانًا مررت أو بسبعين؟ وكذلك الخبر, إذا وضعت العدد في موضع كم معه, والله أعلم.

باب: (معرفة ما ينصرف وما لا ينصرف)

باب: (معرفة ما ينصرف وما لا ينصرف) قال ابن جني: اعلم أن حكم جميع الأسماء في الأصل أن تكون منصرفة, ومعنى الصرف ما تقدم ذكره إلا أن ضربًا منها شابه الفعل من وجهين, فمنع ما لا يدخل الفعل من التنوين والجر والأسباب التي إذا اجتمع في اسم واحد منها سببان منعاه الصرف تسعة: وهي وزن الفعل الذي يغلب عليه أو يخصه, والتعريف, والتأنيث بغير فرق, والألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث, والوصف, والعدل, والجمع, والعجمة, وأن يجعل اسمان اسمًا لشيء واحد. ـــــــــــــــــــــــــــــ (معرفة ما ينصرف وما لا ينصرف) قال ابن الخباز: (اعلم أن حكم جميع الأسماء في الأصل أن تكون منصرفة) وذلك لعلتين: إحداهما: أن الأًل فيها أن تكون معربة, فينبغي أن تستوفي أنواع 129/ب الإعراب والثانية: أن امتناع الصرف لا يحصل إلا بسبب / زائد, والصرف يحصل بغير سبب زائد, وما حصل بغري زائد أصل لما حصل بزائد. واختلف النحويون في اشتقاق المنصرف, فقال قوم: هو مأخوذ من الصرف, والتصريف, وهو تقليب الشيء في جهات مختلفة, وفي التنزيل: {وتصريف الرياح} لأنها تهب شمالًا ودبورًا وجنوبًا وصبًا, وذلك على حسب اختلاف جهاتها. وقال قوم: هو مشتق من الصريف: وهو صوت الناب والبكرة والقلم والباب قال النابغة: 318 - مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأنشد الجوهري: 319 - وباب إذا ما هز للغلق بصرف فوجه الاشتقاق في القول الأول أن الاسم المنصرف متقلب بأنواع الإعراب والتنوين. ووجهه في القول الثاني: أن في آخره التنوين, وهو غنة خيشومية تجري مجرى الصريف. واختلفوا في حد المنصرف, فقال قوم: هو ما دخله التنوين, واحتجوا على ذلك من وجهين: أحدهما: أن الشاعر إذا اضطر إلى تنوين مالا ينصرف في موضع الجر نون وجر, ولو كان الجر من الصرف لم يجز, لأنه لا يزاد على مقدار الضرورة. الثاني: أنه يسمى في حالة الرفع والنصب منصرفًا مع أنه لا جر فيه. وقال قوم: المنصرف عبارة عما دخله التنوين والجر, وحجتهم أن الجر من خصائص لأسماء فكان من الصرف قياسًا على التنوين, وهذا باطل بالألف واللام والإضافة, فإنهما من خصائص الأسماء وليسا من الصرف, ولما كان الأصل في الأسماء الصرف لم يجز تركه إلا بمانع, لأنه لا يجوز مخالفة الأصل من غير حاجة داعية إليها. وفي العربية علل تسع هن فروع على أصول إذا اجتمع في الاسم منها علتان منعتاه الصرف, وذلك لأنه يصير بحصولهما فيه مشبهًا للفعل في الفرعية, وذلك / 130 ألأن الفعل فرع على الاسم من وجهين: أحدهما: أنه مشتق من المصدر, والمصدر اسم والمشتق فرع على المشق منه. الثاني: أن الفعل لا يفيد مع الفعل, ولابد له من الفائدة من الاسم, فلا تقول: كتب ينطلق, ولكن تقول: كتب عبد الله, فلما كان الفعل فرعًا على الاسم, وحصل في الاسم علتان فرعيتان صار فرعًا على أصول الأسماء العارية من هذه العلل وقد اعينا أن هذه التسعة فروع على أصول, ونحن نسوقها واحدة فواحدة ونذكر وجه فرعيتها, وبعد ذلك نفصل مسائلها, وقبل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الخوض في هذين الأمرين, لم لم تكن العلة الواحدة مانعة من الصرف؟ فنقول: الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه: الأول: أن الأصل في الأسماء أن تكون منصرفة فليس للعلة الواحدة من القوة ما تجذبه عن الأصل, وشبهوه ببراءة الذمة, فإنها لما كانت هي الأصل لم تصر مشتغلة إلا بشهادة عدلين, وذلك لأن الأصول تراعى ويحافظ عليها. العلة الثانية: أن الأسماء التي تشبه الأفعال من وجه واحد كثيرة, فلو راعينا الوجه الواحد, وجعلنا له أثرًا لكان أكثر الأسماء غير منصرف, فكثرت مخالفة الأصل. العلة الثالثة: أن الفعل فرع على الأسماء في الإعراب فلا ينبغي أن يجذب الأصل إلى خير الفرع إلا بسبب قوي, وقد ذكرنا أن مالا ينصرف يفتح في موضع الجر, ويجر مع اللام والإضافة في باب إعراب الاسم الواحد. ذكر أسباب التسعة ووجوه فرعيتها الأول: وزن الفعل, وحقيقة ذلك أن يكون الاسم على بناء من أبنية الفعل مماثل له في الحركات والسكنات والزوائد والأصول, والذي يمنع منه قسمان: أحدهما: المختص, وهو أن تنقل الفعل الذي وزنه لا يشاركه فيه الأسماء فتسمى به نحو: 130/ب يشكر وتغلب فوزن / يشكر: يفعل, ووزن تغلب: تفعل, وهذان المثالان لا يكونان في الأسماء, فإذا نقلتهما وسميت بهما فقد صار الاسم على وزن مختص بالفعل لأن أصله أنيكون في الفعل, وكونه في الأسماء عارض بالتسمية. الثاني: الغالب, ومعنى ذلك أن يكون الاسم على وزن يغلب وجوده في الأفعال وتشركه فيه الأسماء وذلك نحو يرمع مثاله يفعل, ووجوده في الفعل أكثر منه في الاسم, وإنما كان وزن الفعل فرعًا, لأن الفعل الموزون فرع, والوزن صفة الموزون فإذا كان الموصوف فرعًا فالأولى بالوصف أن يكون فرعًا. الثاني: التعريف: وقد بينا أن المعارف خمسة أقسام, والمانع هنا التعريف العلمي دون غيره, لأن المضمر والمبهم مبنيان, والمضاف والمعرف باللام يدخلهما الجر في موضع فلم يبق إلا العلم, وإنما كان التعريف فرعًا, لأن نسبته إلى التنكير نسبة الخصوص إلى العموم, وقد بينا فرعيته في بابه بأبلغ من هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الثالث: التأنيث: وإنما كان فرعًا, لأنه لا يحصل إلا بزيادة, والتذكير يحصل بغير زيادة فكان فرعًا عليه. ومعنى قوله: (لغير فرق) أن يكون التأنيث لازمًا لا يجوز إسقاط علامته. وسألت شيخنا رحمه الله: عن تحقيق ذلك فقال لي: تأنيث الصفات غير لازم لأنه للفرق بين المذكر والمؤنث نحو ضارب وضاربة, وتأنيث العلم لازم نحو طلحة لأنك سميته بهذا الاسم (و) فيه التاء. الرابع: الألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث, وهما المزيدتان أخيرًا, وذلك نحو الألف والنون في سكران, وذلك لأنهما ضارعتا الألفين اللتين في حمراء وسنذكر ذلك عند ذكرهما, وإنما كانتا فرعًا, لأنهما مزيدتان, والمزيد فرع على الأصل. الخامس: الوصف, وإنما كان فرعًا لوجهين: أحدهما: أنه بمنزلة الفل في الاشتقاق من المصدر, ألا ترى أن أحمر مشتق من الحمرة (/) كما أن احمار 1313/ب مشتق منها. الثاني: أنه لا يذكر إلا بعد الموصوف, فهو محتاج إليه كاحتياج الفعل إلى الفاعل. السادس: العدل, وإنما كان فرعًا, لأن الأصل في كل صيغة تكلم بها أن يراد بها صيغة أخرى, قال أبو علي: «وموضع الثقل فيه أن المسموع لفظ, والمراد ها هنا جمع التكسير لأن الجمع بالواو والنون معرب بالحروف, والجمع بالألف ها هنا جمع التكسير لأن الجمع بالواو والنون معرب بالحروف, والجمع بالألف والتاء مثله في أنه مصحح, ولأن جمع التصحيح لم يتغير فيه الواحد, (بل هو) باق, وهو لا يمنع الصرف لأصالته. الثامن: العجمة, وحقيقتها أن يكون الاسم ليس من كلام العرب, وقال شيخنا رحمه الله في تعليل فرعية العجمة: إنما كانت فرعًا, لأنه ليس الدعي في القوم كالنسيب فيهم, وتحقيق هذا الكلام أن من ربي في قوم ينبغي أن يتكلم بلغتهم فلغتهم بالنسبة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إليه أصلية ولغة غيرهم بالنسبة إليه دخيلة. التاسع: التركيب: ولا خفاء في فرعيته, لأ (نه) يشتمل على اسمين والاثنان بعد الواحد في الرتبة, فهذا وجه فرعية الأسباب. وقد بينا أن المعتبر في المنع اجتماع سببين, وليس كل سببين اجتمعا يمنعان, ألا ترى أنك لو سميت امرأة بإبراهيم ثم نكرتها ففي الاسم التأنيث والعجمة وهو منصرف, وقد يجتمع في الاسم أكثر من سببين, والعبرة بالسببين, وذلك نحو أذربيجان, وقد جاء في أشعار العرب قال الشاعر: 320 - تذكرتها وهنا وبيني وبينها ... قرى أذربيجان المسالح والجالي وفيها خمسة أسباب: التركيب, والتعريف العلمي, والعجمة والتأنيث والألف والنون الزائدان, وهو مع ذلك كله إذا نكر انصرف, وإن كان فيه أربعة أسباب ولم 131/ب أر أحدًا علل ذلك, والذي عندي فيه أن / للتعريف فضلًا على الأسباب كلها وبيانه أن كل واحد من الأناسي والبلاد وكثيرًا من الحيوان المتخذ المألوف من الخيل والإبل والغنم والكلاب والحمير لا يخلو من علم, وليس من ضرورة العلم أن يكون فيه غير العلمية نحو التأنيث والتركيب والزيادة فتدبر هذا فإنه لطيف, فلما كان له فضل على غيره أخل فقده بمنع الصرف. ونعود إلى ذكر الأسباب فنقول:

قال ابن جني: الأول: وزن الفعل الذي يغلب عليه أو يخصه: وهو كل ما كان على مثال أفعل ويفعل وتفعل وفعل وفعل وانفعل, وكذلك جميع ما اختص من الأمثلة بالفعل. أو كان فيه أكثر منه في الاسم من ذلك: أحمد لا تصرفه معرفة للتعريف, ومثال أفعل وتصرفه نكرة, لأن السبب الواحد لا يمنع الصرف فتقول /: رأيت 41/أأحمد وأحمدًا آخر وكذلك: يزيد وتغلب وأعصر لا تصرف شيئًا من ذلك معرفة وتصرفه نكرة. وكذلك كل ما هذه حاله, فإن سميته حملًا أو قلمًا, أو نحو ذلك صرفته معرفة ونكرة, وإن كان على مثال ضرب وقتل - لأن مثال فعل يكثر في القبيلين جميعًا فلا يكون الفعل أخص به من الاسم. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: الأول: وزن الفعل, وقد ذكر أبو الفتح ستة أمثلة, الأول: أفعل وقد جاء على وزن أسماء وصفات, فالاسم نحو أفكل وأبدع والصفة نحو أحمر وأصفر وأما أحمد فيحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون مضارع حمدت, وقد سمى به مع نزع الضمير منه. والثاني: أن يكون فعلًا ماضيًا من أحمدت الشيء إذا وجدته محمودًا, والثالث: أن يكون أفعل التفضيل كقولك: زيد أحمد منك. الثاني: يفعل, وقد جاءت منه أسماء وصفات, فالاسم يرمع: وهي حجارة بيض رقاق. والصفة: يلمع, يقال: رجل يلمع أي: كذاب, قال الشاعر: 321 - ولما شكوت الحب كيما تثبيني ... يؤدي قالت إنما أنت يلمع الثالث: تفعل: وقد جاء منه اسم, قالوا: تألب: وهو شجر, التاء فيه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = زائدة. والتألب: حمار الوحش, قال امرؤ القيس: 322 - كأكدر ملتئم خلقه ... تراه إذا ما عدا تألبا الرابع: فعل: وهو كثير في الأفعال, وقد جاء في الأسماء منه: شلم: وهو اسم بيت المقدس, وخضم: وهو لقب العنبر بن عمرو بن تميم, وعثر: وهو اسم مأسدة, وبدر وهو اسم موضع. وبقم ويقال إنه أعجمي. الخامس: فعل: وهو من الأوزان الخاصة كضرب, وقد جاء في الأسماء الدئل 132/أوهو: اسم دويبة, وبه سمي الئل حتى من كنانة / قال الشاعر: 323 - جاءوا بجمع لو قيس معرسه ... ما كان إلا كمعرس الدئل السادس: انفعل: نحو انسكر, وهو من الأوزان الخاصة, وأما يزيد فهو يفعل كيضرب, نقل وسمي (به) وأما تغلب فتفعل كتضرب نقل وسمي به وأما أعصر فهو جمع عصر, نقل وسمى به كما سموا بأكلب جمع كلب وهو على زنة أقتل. ومتى سميت بشيء من جميع ما ذكرناه مذكرًا أو مؤنثًا لم ينصرف في المعرفة, لاجتماع التعريف ووزن الفعل, فإن نكرته صرفته لزوال أحد السببين تقول: هذا أحمد ورأيت أحمد فلا تصرف, ومررت بأحمد وأحمد آخر, فتصرف لزوال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = التعريف. ولو حقرت أحمد تحقير الترخيم لصرفته كقولك: حميد, لأنه قد صار على زنة عبيد. مسألة: لو سميته بضرب وهو فعل لم يسم فاعله لم تصرفه, لاجتماع التعريف والوزن الخاص, فإن أسكنت راءه بعد التسمية فسيبويه لا يصرفه لأن الإسكان عارض والمبرد يصرفه لزوال وزن الفعل. مسألة: لو صغرت أحمد على لفظه كقولك: أحيمد لم تصرفه, لأن التحقير لم يزل بناء الفعل, ألا ترى أنك تقول: بيقرت أبيقر. مسألة: لو سميته بانطلق ونحوه مما في أوله همزة الوصل قطعت الهمزة بعد التسمية, فكنت تقول: هذا انطلق, وإنما قطعت الهمزة, لأن همزة الوصل في الأصل من أحكام الفعل. مسألة: لو صغرت بزيد على لفظه لم ينصرف, كقولك: بزيد. فإن قلت: فما وزنه في التصغير؟ قلت يفيعل. ومن قال: إنه يفعل فقد أخطأ, لأن الياء الأولى زائدة للتصغير, والثانية عين الفعل. مسألة /: لو سميته بضرب وقتل وهو مسمى الفاعل فسيبويه والخليل يصرفانه, 132/ب لأن مثال فعل يكثر في القبيلين جميعًا, فلا يكون الاسم أولى به من الفعل ولا الفعل أولى به من الاسم, وعيسى بن عمر لا يصرفه لأنه يراعى فعليته في الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واحتج بقول سحيم بن وثيل الرباحي: 324 - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة يعرفوني وأجاب سيبويه بأن جلا صفة لموصوف محذوف تقديره: أنا ابن رجل جلا. مسألة: يحتاج إليها في هذا الموضع: الأسماء من جهة الصرف ومنعه في التصغير والتكبير أربعة أقسام: قسم ينصرف مصغرًا ومكبرًا كزيد في اسم مذكر. وقسم لا ينصرف مصغرًا ولا مكبرًا كأحمد إذا لم يحقر تحقير الترخيم, وقسم ينصرف مكبرًا ولا ينصرف مصغرًا كتضارب مصدر تضارب, فإنك تقول في تحقيره: تضيرب. وقسم ينصرف مصغرًا ولا ينصرف مكبرًا كعمر المعدول, وتقول في تحقيره: عمير فتصرفه.

قال ابن جني: التعريف: ومتى انضم إلى التعريف سبب من الأسباب الباقية منعًا الصرف التأنيث. الأسماء المؤنثة على ضربين: مؤنث بعلامة, ومؤنث بغير علامة, والعلامة على ضربين: هاء وألف, فكل اسم فيه هاء التأنيث فإنه لا ينصرف معرفة وينصرف نكرة, وذلك مثل طلحةوعزة تقول: رأيت طلحة وطلحة آخر, ومررت بعزة وعزة أخرى, وإنما لم ينصرف معرفة, لاجتماع التعريف والتأنيث فيه. وأما ألف التأنيث فعلى ضربين: ألف مفردة نحو حبلى وسكرى وحبارى وجمادى / وألف وقعت بعد ألف زائدة فحركت فانقلبت همزة, وذلك نحو 41/ب صحراء وحمراء وأصدقاء وأنبياء. وضعفاء وشركاء, فكل اسم وقعت فيه واحدة من ألفي التأنيث فإنه لا ينصرف معرفة ولا نكرة, وإنما لم ينصرف نكرة, لأنه مؤنث, وتأنيثه لازم, فكأن فيه تأنيثين. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: الثاني: التعريف, وقد بينا أنه لا يعتبر إلا العلمية, ويمنع التعريف مع وزن الفعل كأحمد, ومع المؤنث بالتاء طلحة, ومع المؤنث بالمعنى كسعاد وسقر, ومع العدل في نحو: عمر ومع الألف والنون كعثمان, ومع العجمة كإبراهيم, ومع التركيب كبعلبك. ولا يمنع مع الوصف, لأنهما لا يجتمعان, لأنك متى سميت بالوصف زالت الوصفية. ونبين هذه بمشيئة الله تعالى, ولا يمنع مع ألفي التأنيث المقصورة والممدودة لأن نحو: حبلى وحمراء غير منصرفين في النكرة ولا يمنع في نحو: سكران لأن فعلان الذي مؤنثه فعلى غير منصرف في النكرة, وما أحد سببيه العلمية إذا نكرته انصرف لزوال / أحد السببين, والتمثيل ظاهر. ... 133/أ الثالث: التأنيث, الأسماء المؤنثة على ضربين: مؤنث بعلامة, ومؤنث بغير علامة, فالمؤنث بالعلامة على ضربين: مؤنث بالتاء ومؤنث بالألف والمؤنث بالتاء نحو طلحة وحمدة فهذا لا ينصرف مذكرًا سميت به أو مؤنثًا تقول: هذا طلحة وجاءت حمدة, لأنه علم مؤنث بالتاء, فإن نكرته صرفه تقول: مررت بطلحة وطلحة آخر, وهذه حمدة وحمدة أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال أبو الفتح رحمه الله: (هاء وألف) لأنها تكتب بالهاء, ولأن الوقف عليها بالهاء, ومذهب البصريين أن التاء الأصل والهاء بدل منها, واحتجوا على ذلك بأن (التاء) تثبت في الوصل وفي الوقف في بعض اللغات. والهاء لا تثبت إلا في الوقف, ولو صغرت طلحة أو حمدة لم ينصرف كقولك: طليحة وحميدة, لأن التحقير لا يغير السببين. والمؤنث بالألف قسمان: مؤنث بالألف المقصورة كحبلى, وبالألف الممدودة كصحراء, واختلف سيبويه والأخفش في الهمزة من صحراء, فذهب سيبويه إلى أنها بدل من الألف فالأصل: صحرى كسكرى, فزيدت قبلها ألف المد فلم يمكن اجتماعهما فقلبت الثانية, لأنها طرف, وقلبت همزة, لأنها من مخرجها, والدليل على أن الهمزة بدل أنك تقول في الجمع: صحاري, فأعدت الألف وقلبتها ياء في الجمع, ولو كانت الهمزة مزيدة من أول الأمر للتأنيث لقلت في جمعه: صحارى كمصاريع. وكل واحد من القسمين لا ينصرف في النكرة وكل واحدة من القسمين تقع في 133/ب المفرد والجمع, فالألف التي في المفرد نحو سكرى / والتي في الجمع نحو قتلى والهمزة التي في المفرد نحو صحراء, والتي في الجمع نحو أصدقاء وأنبياء. وإنما لم ينصرف في النكرة, لأن الألف والهمزة جرتا مجرى الحرف الأصلي من الكلمة, فالتأنيث بهما متصل, والتأنيث بالتاء منفصل, ولا خفاء في فضل المتصل على المنفصل في القوة. والدليل على أن الألف والهمزة جاريتان مجرى الأصل من وجهتين: إحداهما: أن الكلمة تبنى عليهما وليس لها بناء مستعمل قبلهما, ألا ترى أنهم لم يقولوا: حبل ولا صحر ثم قالوا: حبلي وصحراء وليست كذلك التاء فإنها ترد على بناء سابق ألا ترى أنك تقول: طلح وحمد وله معنى ثم تقول: طلحة وحمدة. الوجه الثاني: أن تاء التأنيث تثبت في المصغر قلت حروفه أو كثرت تقول في طلحة: طليحة وفي قاعدة: قويعدة, وفي مقتولة: مقيتيلة. والألف إذا وقعت خامسة فصاعدًا حذفت تقول في جحجبي: جحيجب,

قال ابن جني: وأما المؤنث بغير علامة: فعلى ضربين أيضًا: ثلاثي, وما فوق ذلك, فإذا سميت المؤنث باسم مؤنث ثلاثي ساكن الأوسط فأنت في صرفه معرفة وترك صرفه مخير. تقول: رأيت هند, وإن شئت هندًا, وكلمت جمل وإن شئت جملًا, فمن لم يصرف احتج باجتماع التعريف والتأنيث, ومن صرف اعتبر قلة الحروف وسكون الأوسط, فخف الاسم عنده بذلك فصرفه. فأما في النكرة: فهو مصروف البتة. فإن تحرك الأوسط لم ينصرف معرفة البتة لثقله بتحرك أوسطه, وانصرف نكرة نحو امرأة سميتها بقدم وفخذ وكبد تقول: رأيت قدم وقدمًا أخرى, ومررت بفخذ وفخذ أخرى, فإن سميت مذكرًا بمؤنث ثلاثي صرفته ساكن الأوسط كان أو متحركًا / وذلك نحو رجل سميته هندًا أو قدمًا أو عجزًا فيمن 42/أأنت تصرفه البتة, لخفة التذكير. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي شقارى: شقيقير, فهذا يدلك على (أن) التاء بمنزلة ثاني شطري المركب, وهو يثبت في التصغير, وعلى أن الألف بمنزلة الأصل الخامس, وهو لا يثبت في التصغير, لأنك تقول في سفرجل: سفيرج, فإن سميت رجلًا أو امرأة بحبلى أو صحراء لم ينصرف لأنه إذا لم ينصرف في النكرة كان انصرافه في المعرفة أبعد, ولأن التعريف إذا لم يزده ثقلًا فلا أقل من أن يبقيه على حاله, فإن نكرته بعد التسمية لم تصرفه أيضًا, لأن قصارى أمره مرجعه إلى التنكير وقد كان فيه قبل التسمية غير منصرف, فإن حقرت حبلى وصحراء نكرتين أو معرفتين لم ينصرفا /. 134/ألأن التحقير لا يزيل علامة التأنيث, وقول أبي الفتح: (لأنه مؤنث وتأنيثه لازم) إشارة إلى ما شرحناه من اتصال الألف وانفصال التاء. قال ابن الخباز: وأما المؤنث بغير علامة فلا يخلو من أن يكون على ثلاثة أحرف: أو على أكثر منها فإن كان على ثلاثة أحرف: لم يخل من أن يكون ساكن الأوسط أو متحركًا, فإن كان ساكن الأوسط نحو هند ودعد وجمل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فللعرب فيه مذهبان: الصرف ومنعه, فمن صرف اعتبر قلة الحروف وسكون الأوسط, لأن الاسم بهما على أقل عدد الأسماء المتمكنة وأخف الأبينة ومن لم يصرف اعتبر اجتماع علتين, قال الله تعالى: {اهبطوا مصرًا} وقال تعالى: {ادخلوا مصر} قال الشاعر: 325 - لم تتلفع بفضل مئزرها دعد ... ولم تسق دعد في العلب فجمع بين اللغتين. وقال لي بعض الحمقى: يجوز أن يكون الصرف في البيت, لأن الشاعر أراد سلامة الجزء من الزحاف, فقلت له: لا شك في أنك جاهل بالعروض أتدري البيت من أي بحر هو؟ فقال: لا, فقلت: هو من المنسرح الأول, وتأليفه من ستة أجزاء منها خمسة مزاحفة مطوية, فلماذا مال الشاعر إلى سلامة الجزء الرابع دون غيره؟ مع أن طي المنسرح يعذب في الذوق, فأرتج عليه. وإن كان متحرك الأوسط نحو سقر لم ينصرف وفي التنزيل: {كلا إنها لظى} و {سأصليه سقر} وإنما لم ينصرف, لأن حركة أوسطه نزلت منزلة الحرف الزائد على الثلاثة. ألا ترى أنهم يقولون في النسب إلى حبلى: حبلوي وحبلي, فإذا تحرك الثاني نحو دقري لم يقولوا في النسب: إلا دقري ولم يقولوا: دقروي كما لم يقولوا في حبارى: حباروي, وكذلك (كل) اسم مؤنث

قال ابن جني: فإن تجاوز المؤنث ثلاثة أحرف لم ينصرف معرفة, وانصرف نكرة مذكرًا سميت به أو مؤنثًا لأن الحرف الزائد فيه على الثلاثة ضارع تاء التأنيث وذلك نحو رجل أو امرأة سميتها سعاد أو زينبت أو جيأل, لا تصرف شيئًا من ذلك معرفة, وتصرفة نكرة البيتة. الألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث: كل وصف كان على فعلان ومؤنثه فعلى فإنه لا ينصرف معرفة ولا نكرة, وذلك نحو سكران وغضبان وعطشان لقولك في مؤنثه: سكرى وغضبى وعطشى, وذلك لأن هاتين الألف والنون ضارعتا ألفي التأنيث في نحو حمراء وصفراء, لأنهما زائدتان مثلهما, ولأن مؤنثهما مخلف لبنائهما كمخالفة مذكر حمراء وصفراء لها. ـــــــــــــــــــــــــــــ = / سميت به مؤنثًا نحو قدم وكبد وعضد, فإن نكرت الساكن الأوسط والمتحرك 134/ب الأوسط صرفتهما لزوال أحد السببين. ولو حقرت هند قلت: هنيدة, فلم تنصرف على كل قول, لأن التحقير أدخل فيها علامة التأنيث, فصارت بمنزلة طلحة. ولو سميت رجلًا بهند أو قام صرفته لأنه على ثلاثة أحرف, وقد زال تأنيثه بالتسمية فصار كالمسمى بعدل وجمل, فإن صغرته قلت: هنيد وقديم فلم تؤنث لزوال التأنيث عنه بالنقل إلى التذكير, قال يونس: أقول: هنيدة وقديمة, لأنه في الأصل مؤنث واحتج بقول العرب: نويرة ونهيرة وأذينة في أسماء رجال, ولا حجة له في ذلك, لأن العرب سمت بهذه الأسماء مصغرات. قال ابن الخباز: وإن كان المؤنث على أكثر من ثلاثة أحرف, نحو سعاد وزينت وجيأل, لم ينصرف في المعرفة, لأنه معرفة, والحرف الزائد على الثلاثة ضارع تاء التأنيث ويدلك على ذلك أنهم صغروا المؤنث الثلاثي بالتاء كقولهم: عيينة وأذيتة, وصغروا الرباعي بغيرتاء كعنيق وأبين. وسعاد: اسم مرتجل, وهو مشتق من السعد. وزينب فيعل وهو مرتجل, وجيأل: من أسماء الضبغ, وهو مرتجل أيضًا. قال المرقش الأكبر:

قال ابن جني: فإن كان فعلان لسي له فعلى لم ينصرف معرفة حملًا على 42/ب باب غضبان وعطشان, وانصرف نكرة لمخالفته إياه / في أنه لا فعلى له وذلك نحو حمدان وبكران وكذلك كل مثال في آخره ألف ونون زائدتان لا فعلى له, فعلان كان أو غيره نحو عمران وعثمان وغطفان وحدرجان وعفرزان وعقربان, لا ينصرف شيء من ذلك معرفة, وينصرف نكرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ 326 - ذهب السباع بأنفه فتركته ... أعثى عليه بالجبال وجيالا ولو سميت رجلًا بهذه الأسماء لم ينصرف في المعرفة لأن رابعها بمنزلة التاء كما لم ينصرف طلحة. وكل ذلك منصرف في النكرة لزوال أحد السببين. الرابع: الألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث: وما هما فيه نوعان: أحدهما: 135/ب أن يكون فعلان مؤنثة فعلى / وذلك مختص بالصفات نحو: سكران وغضبان وعطشان ومؤنثها: سكرى وغضبى وعطشى, فهذا لا ينصرف في النكرة, لأنه أشبه باب حمراء من أربعة أوجه: الأول: أن الزائد الأول لم ينفرد بنفسه ثم أتى بعده الثاني. الثاني: أن الزائدتين جيء بهما بعد سلامة الصدر واستيفاء الأصول. الثالث: أن الألف والنون زائدان معًا والاشتقاق شاهد عدل, لأنهن مشتقات من السكر والغضب والعطش. الرابع: أن بناء مؤنث فعلان مخالف لبناء مذكره كما أن بناء مذكر حمراء مخالف لبناء مؤنثة. فسكرى مخالف سكران وأحمر مخالف حمراء, فإن سميته به رجلًا لم ينصرف, لأن التعريف زاده ثقلًا, فإن نكرته بعد التسمية لم ينصرف أيضًا لأنه كان قبل أن يسمى به نكرة غير منصرف. قال ابن الخباز: النوع الثاني: ما كان في آخره ألف ونون زائدتان وليس مؤنثة فعلى فعلان كان أو غيره, ومتى كان علمًا لم ينصرف للتعريف والألف والنون, لأنه أشبهه بهما سكران, وانصرف نكرة, لأنه ليس بمنزلته في أن له فعلى فمن ذلك حمدان وبكران في اسمي رجلين, هما من الحمد والبكور, وحدرجان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من المحدرج وهو الأملش, قال سحيم: 327 - أخذت برجليها وصوبت رأسها ... وسبسبت فيها كالبري المحدرج والحدرجان: القصير, وقيل: إن عفرزان اسم محنث. واختلف النحويون في «رمان» فذهب الخليل وسيبويه إلى أن نونه زائدة, فلو سميت به لم ينصرف, واشتقاقه عندهما من الرم وهو الجمع, وقال أبو الحسن: نونه أصل ووزنه فعال, لأنه نبات. وقد جاء كثير / منه على فعلا كعلام وقلام 135/ب وسماق وطباق وكراث وتفاح وسمان (وتبان) منصرفان مع العلمية, لأنهما مأخوذان من السمن والتبن وحسان بضم الحاء منصرف في التعريف, لأنه من الحسن وحسان اسم الشاعر غير منصرف, لأنه مأخوذ من الحسس وهو القتل, وقال حسان: 328 - ما هاج حسان رسوم المقام ... ومظعن الحي ومثنى الخيام فلم يصرف اسمه.

قال ابن جني: الوصف: من ذلك: أحمر وأصفر, وكل أفعل مؤنثة فعلاء فإنه لا ينصرف معرفة للتعريف, ومثال الفعل تقول: اشتريت فرسًا أشهب, وملكت عبدًا أسود, وقطعت ثوبًا أحمر, وقميصًا أخضر, وعلى ذلك لم ينصرف أصرم وأكثم اسمًا رجلين للتعريف ومثال الفعل. ومن الوصف قولك: مررت بأمرأة ظريفة وكريمة وقائمة وقاعدة, فإن قيل: لم صرفته وهناك الوصف والتأنيث؟ فلأن التأنيث هنا إنما هو للفرق بين ظريف وظريفة, وقائم وقائمة, فلم يعتد لما ذكرنا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: الخامس: الوصف ومنه ما جاء على وزن أفعل, وأفعل إذا كان وصفًا ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يكون أفعل مؤنثه فعلاء, وذلك نحو أحمر وأصفر وهو كثير فهذا لا ينصرف في النكرة للوصف ومثال الفعل, فإن حقرته لم ينصرف, لأنه التحقير لم يزل بناء الفعل كقولك: أحيمر وأصيفر, فإن سميت به لم ينصرف للتعريف ووزن الفعل فإن نكرته بعد التسمية فقد اختلف فيه سيبويه وأبو الحسن, فمذهب سيبويه منع الصرف لأنه لما نكر بعد التسمية صار بمنزلته قبل التسمية في التنكير, وقد كان حينئذ غير منصرف للوصف ووزن الفعل. (وأبو الحسن يصرفه, لأن منعه من الصرف كان للوصفية ووزن الفعل) فلما سمي به زالت الوصفية, وصار فيه التعريف ووزن الفعل فلما نكر زال التعريف وبقي وزن الفعل, والسبب الواحد لا يمنع الصرف, وقد انتصر لكل واحد من القولين بكلام يطول شرحه. الثاني: أفعل التفضيل, وذلك نحو أكرم منك وأفضل منك, فهذا لا ينصرف في النكرة للوصف ومثال الفعل, ولم ينصرف منه إلا خير منك وشر منك لزوال 136/أوزن الفعل عنهما, فإن سميت بأفعل التفضيل مع منك كأفضل من زيد إذا / سميت به لم ينصرف للتعريف ووزن الفعل, فإن نكرته لم ينصرف بالإجماع من سيبويه وأبي الحسن, لأن وجود منك معه يؤكد الوصفية, وإن سميت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بأفضل وحده لم ينصرف في المعرفة للسببين, فإن نكرته صرفته بالإجماع من سيبويه وأبي الحسن لأن زوال منك أزال الوصفية فلا وجه لملاحظتها. الثالث: ما خلا عن هذين القسمين, وذلك نحو أرمل وهو الرجل الذي لا زوجه له, فهذا ينصرف في النكرة, لأن تاء التأنيث تلحق بناءه قال متمم: 329 - وأرملة تمشي بأشعث محثل ... كفرح الحبارى ريشه قد تضوعا فإن سميت به لم ينصرف, فإن نكرته انصرف. وأما أصرم وأكثم فغرضه من التشبيه بهما أنك إذا سميت بأحمر لم ينصرف كما لم ينصرفا, ولا يعني أنهما كانا صفتين ثم سمى بهما. ومن الوصف: ظريفة وكريمة وهو منصرف. فإن قلت: فلماذا صرف, وفيه الوصف والتأنيث؟ قلت: لأن التاء غير لازمة ألا ترى أنها دخلت للفرق بين ظريف وظريفة, فإن سميت رجلًا وامرأة بظريفة لم ينصرف, لأن التاء صارت لازمة بالعلمية, وعلى ذلك لم ينصرف, فاطمة وآمنة وعائشة لأنهن صفات منقولات إلى العلمية.

قال ابن جني: العدل: معنى العدل: أن تلفظ ببناء وأنت تريد بناء آخر نحو 43/أعمر وأنت تريد عامرًا, وزفر وأنت تريد / زافرًا. من ذلك فعل: وهي في الكلام على ضربين: فإن كانت الألف واللام تدخلان عليه فليس معدولًا, وذلك نحو: جرذ وصرد ونغر وثقب وغرف, فإن ذلك كله مصروف لقولك: الصرد والجرذ والنعر والثقب والعرف. وإن لم تكن اللام تدخله فإنه معدول نحو ثعل وجشم وعمر لا تصرف ذلك معرفة للتعريف, والعدل, وتصرفه نكرة, يدل على أنه معدول أنك لا تقول: الجشم والثعل ولا العمر كما تقول: الصرد والنغر, ومن ذلك مثنى وثلاث ورباع. لا تصرف ذلك للوصف وأنه معدول عن اثنين وثلاثة وأربعة, قال الشاعر: ولكنما أهلي بواد أنيسه ... ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد فأجراه وصفًا كما ترى. وتقول: مررت بزيد ورجل آخر, فلا تصرفه للوصف ومثال أفعل, وكذلك أخر لا تنصرف للوصف والعدل عن آخر من كذا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: السادس: العدل: وهو أن تلفظ ببناء وأنت تريد بناء آخر, وهو في الكلام على ضربين: أحدهما: أن يكون في المعارف, وذلك نحو عمر وزفر وجشم وثعل فهذا لا ينصرف لأنه معرفة ومعدول عن عامر وزافر وجاشم. فإن قلت: فما فائدة العدل؟ قلت: له فائدتان: إحداهما: تخفيف اللفظ, والثانية: إزالة توهم الفعل لأن 136/ب عامرًا يكون / صفة فلو بقي على لفظه لتوهمت العمارة, فإن حقرته صرفته لزوال العدل بالتحقير. وأما تقسيم فعل: فهي في الكلام على أقسام: أحدها: أن يكون اسمًا علمًا كعمر. والثاني: أن يكون اسم جنس بينه وبين واحده التاء كرطب. والثالث: أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (لا) يكون كذلك كربع, لأن هذا يراد به الواحد. والرابع: أن يكون جمعًا كحجر. والخامس: أن يكون وصفًا كنخع. والسادس: أن يكون وصفًا معدولًا في النداء كقولهم: يا غدر. وكل هذه إذا سميت بها ما خلا الأول (منعت الصرف مؤنثة) وانصرفت مذكرة, لأنها كانت نكرات على هذه الصيغة. فإن قلت: فما تقول في قول الشاعر: 330 - أخور غائب يعطيها ويسألها ... يأتي الظلامة منه النوفل الزفر فإنه أدخل عليه الألف واللام, وقد زعمت أنه لا ينصرف. قلت: هذا مما اتفق لفظه واختلف حكمه, فزفر العم معدول عن زافر, والزفر في البيت بمعنى السيد, ولم يوضع معدولًا عن زافر. والثاني: أن يكون العدل في النكرة, وذلك في نوعين: أحدهما: الأعداد, وجاء منه ستة أسماء أحاد وموحد, وثناء ومثنى وثلاث ورباع فهذا لا ينصرف للوصف والعدل, وهو معدول عن أعداد مكررة, فإذا قلت: جاءوا ثلاث, فالأصل: جاءوا ثلاثة ثلاثة, أي: فرقًا, فعدل, ولا خفاء في خفة اللفظ بالعدل هنا, لأنه كفى مؤونة التكرير والدليل على وقوعه صفة قوله تعالى: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} وقال ساعدة بن جوبة الهذلي: 331 - فلو أنه إذ كان ما حم واقعًا ... بجانب من يحفى ومن يتودد ولكنما أهلي بواد أنيسه ... ذئاب تبغى الناس مثنى وموحد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 137/أ = ... وأنشد البيت الذي قبله ليعلم أن القوافي مرفوعة/. وأما قولنا: مررت بزيد ورجل آخر, فآخر أفعل التفضيل, فلم ينصرف للوصف ووزن الفعل وهو أفعل من التأخر, ولا يوصف به إلا بعد تقدم شيء من جنس موصوفه كقوله تعالى: {ولا تدع مع الله إلهًا آخر} لأن الله إله, ولا يجوز: رأيت فرسًا وحمارًا آخر, لأن الحمار ليس بفرس, وأما قول الشاعر: 332 - صلى على عزة الرحمن وابنتها ... ليلى وصلى على جارتها الأخر فإنما جاز ذلك, لأنه جعل البنت جارة. وأما أخر فهو جمع أخرى كالكبرى والكبر, فلا ينصرف, وفي التنزيل: {وأخر متشابهات} ومن صرفه فقد لحن. وإنما لم ينصرف, لأن فيه الوصف والعدل وما رأيت أحدًا يدري معنى قول النحويين: «إن أخر معدول» ولقد كشفه أبو سعيد, وأنا أذكر كلامه, قال: أخر جمع أخرى مؤنث أخر, وحقها أن تستعمل بالألف واللام أو الإضافة, فيقال: أخرهن والأخر كما يقال: كبرهن والكبر, فترك ذلك. فمعنى العدل أنها عدل بها عن طريقة استعمال أمثالها وإلى هذا أشار أبو الفتح

قال ابن جني: الجمع: كل جمع فهو جار مجرى الواحد على / بنائه يمنعه 43/ب من الصرف ما يمنعه ويوجبه له ما يوجبه له فرجال إذًا ككتاب, وصبيان إذًا كسرحان, وقفزان إذًا كقرطان وقتلى إذًا كعطشى, وكذلك جميعه إلا ما كان من الجمع على مثال مفاعل ومفاعيل, فإنه لا ينصرف. معرفة ولا نكرة, لأنه جمع ولا نظير في الآحاد له, فكأنه جمع مرتين تقول: قبضت دراهم ودنانير, واشتريت دواب ومخاد, لأن الأًل: دوابب ومخادد, فإن كانت فيه هاء التأنيث عاد إلى حكم الواحد فلم ينصرف معرفة وانصرف نكرة. وذلك نحو صياقلة وملائكة وكيالحة وموازجة, فإن كانت لامه معتلة انصرف في الرفع والجر لنقصانه, ولم ينصرف في النصب لتمامه تقول: هؤلاء جوار وعواش, ومررت بجوار وغواش, ورأيت جواري وغواشي. ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله: (للعدل عن آخر من كذا) , وإن كان فيه تخليط ووجه التخليط, أنه يعلل (منع) صرف أخر لا آخر, والمعدول عن آخر من كذا آخر لا أخر. قال ابن الخباز: السابع: الجمع, وهو على قسمين: أحدهما: ماله نظير في الآحاد. والآخر: ما (لا) نظير له في الآحاد. أما الأول: فهو جار مجرى نظيره في المعرفة والنكرة, فرجال منصرف وإن سميت به كما ينصرف كتاب. فإن قلت: رجال مؤنث لقولنا: قامت الرجال فهلا منعته الصرف في تسمية المذكر؟ قلت: تأنيثه مبني على التأويل, وذلك لأنه جماعة فلقائل أن يقول: هو مذكر لأنه جمع. وقفزان / بمنزلة قرطان ينصرف في النكرة, فإن سميت به لم 137/ب ينصرف للتعريف والألف والنون الزائدتين, والقرطان البردعة, وقتلى بمنزلة سكرى لا ينصرف في النكرة والمعرفة لألف التأنيث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأما مالا نظير له في الوحدان فهوم ثالات مفاعل كمساجد ومفاعيل كمحاريب فأما قولهم: حضاجر في اسم الضبع فقيل: إنها سميت بجمع حضجر كما يسمى الرجل بقضائل. وأما سراويل: فهو أعجمي, ولا حجة فيه, وقد قيل: إنه جمع واحدته سروالة وإنما لم ينصرف هذا الجمع, لأنه جمع, وليس في الأول له مثال, وقيل: إنما لم ينصرف لأنه يمتنع من التكسير, فأشبه الفعل, فإن سميت رجلًا بمساجد لم ينصرف لأنه شابه الأعجمي المعرفة نحو: إبراهيم وإسماعيل حيث لم يكن له في الوحدان نظير. فإن صغرته صرفته لأنك تقول في تصغيره: مسجد كمنير في تحقير منبر فكذلك لو سميت رجلًا بمحاريب وصغرته صرفته, لأنك تقول: محيريب كمحيميد وإن لحقته تاء التأنيث انصرف, ولا تخلو التاء من أن تكون لتأكيد التأنيث كصياقلة أو عوضًا من ياء النسب كمسامعة في جمع مسمعي, أو للتعريف كموازجة وكيالجة والموازجة: جمع موزج وهو الخف, وأصله بالفارسية: موزة ومنه قولهم: سرموزه يعنون: رأس (الخف). والكياليج: جمع كيلجة والكيلجة: أربعة أرباع, والربع: نصف سدس المكوك, لأن المكوك خمسة عشر رطلًا وهو رطل وربع, أو للنسب والعجمة كسبايجة: وهم قوم يبذرقون المراكب في البحر أو التعويض من ياء مفاعيل كزنادقة, وهذا كله ينصرف في النكرة لأنه بدخول التاء عليه أشبهه 38/أالآحاد نحو الكراهية والحزابية وهو الحمار الغليظ / وأنشد الجوهري: 333 - أو أصحم حام جراميزه ... حزابية حيدا بالدحال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإن سميت به لم ينصرف كطحلة (فإن) نكرته بعد التسمية انصرف كما ينصرف طلحة فإن كان آخر شيء من ذلك ياء نحو جوار وغواش, فالنحويون متفقون على تنوينه في الرفع والجر وفي التنزيل: {ومن فوقهم غواش} واختلف النحويون في التنوين فمذهب سيبويه أن الياء حذفت, لأنها ياء قبلها كسرة في جمع طويل البناء في موضع رفع أو جر, فهو ثقل من وجوه, فلما حذفت الياء صار كجناح ودجاج فألحق التنوين علامة للصرف. وقال أبو إسحاق: ألحق التنوين عوضًا من الحركة, فعلى هذا حذفت الياء عند التقاء الساكنين, فإذا نصبت قلت: رأيت جواري, فلم تلحق لتمام البناء, وإنما تم لخفة النصب وقد يضطر الشاعر فيفتحه في موضع الجر قال الكميت: 334 - خريع دوادي في مهمه ... تأن طورًا وتلقي الإزارا

قال ابن جني: العجمة: الأسماء الأعجمية على ضربين: أحدهما: ما يدخله لام التعريف. والآخر: مالا تدخله اللام. الأول نحو: ديباج وفرند 44/أونيروز وإبريسم وإهليلج وإطريفل / فهذا الضرب كله جار مجرى العربي, يمنعه من الصرف ما يمنعه, ويوجبه له ما يوجبه فهذا كله ينصرف معرفة ونكرة تقول في رجل اسمه نيروز أو ديباج: هذا نيروز, لأنه كقيصوم, ومررت بديباج, لأنه كديماس. الثاني من الأعجمية: ما لا تدخله اللام وذلك نحو إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وأيوب وخطلخ وتكين وهزار مرد فهذا كله لا ينصرف معرفة للعجمة والتعريف, وينصرف نكرة. وإنما اعتد فيه بالعجمة لأنك لا تقول الإبراهيم ولا المخطلخ ونحو ذلك. التركيب: كل اسمين ضم أحدهما إلى الآخر على غير جهة الإضافة فتح الأول منهما لشبه الثاني بالهاء, ولم ينصرف الثاني معرفة للتعريف والتركيب وانصرف نكرة نحو حضر موت, وبعل بك ورام هرمز ودرا بجرد, وكذلك معد يكرب, ومنهم من يضيف معدي إلى كرب, فيصرف كرب تارة ولا يصرفه أخرى, كأنه إذا لم يصرفه مؤنث عنده. وكذلك حضرموت إن شئت 44/ب ركبت / وإنم شئت أضفت فقلت: هذا حضرموت: ونحو ذلك على طرائقه إلا أن ياء معد يكرب ساكنة على كل حال ركبت أو أضفت. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: الثامن: العجمة: الأسماء الأعجيمة على ضربين: أحدهما: ما كان نكرة فتكلمت به العرب وغيرته بوجه من الوجوه, فمن ذلك: ديباج: عربوه على وزن ديماس وهو السرب, والديباج: الإبريسم اللين, قال الراجز: 335 - والله للنوم على الديباج ... على الحشايا والسرير العاج مع الفتاة الطفلة المغناج ... أهو يا عمرو من الإدلاج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * وزفرات البازل العجاج * ومن ذلك فرند, وفيه ثلاث لغات: فرند بكسر الراء وفتحها, وبرند بكسر الراء لا غير. وجاء في شعر البحتري أفرند ولا / يعرف, والفرند: ماء السيف وأما نيروز 138/ب فأصله: نوروز, وهو يوم معروف, وصار بالتعريب على وزن قيصوم, وهو نبت, وأما آجر, فأصله بالفارسية آغر ويخفف, قال الشاعر: 336 - تضحى إذا دق المطي كأنها ... فدن ابن حية شادة بالآجر وأما إبريسم. فأصله بالفارسية أوريشم, وأما إهليلج فيقال: إهليلج (وإهليلج بفتح اللام الثانية وكسرها) والإطريفل: دواء معروف, فهذه كلها منصرفات في النكرة, لأنهم لما غيروها لم يعتد بعجمتها, فإن سميت بها مذكرًا انصرف وإن سميت بها مؤنثًا لم ينصرف كالعربي. ومن قال: آجر فخفف لم يصرفه في تسمية المذكر لأنه على وزن الفعل نحو آخذ. فإن قلت: فبم تعرف أن الاسم أعجمي؟ قلت: بثلاثة أمور: أحدها: بتلقيه من أهله كدشت وأنكرو, وهو العنب. والثاني: أن يكون على بناء لا يكون عليه العربي كجالينوس وإبراهيم, لأنه ليس في العربية مثل جاعيفور وسفراجيل. والثالث: أن يكون مركبًا من حروف لا يركب من مثلها العربي نحو قليج وكرج, لأن العرب لا تجمع بين الكاف والجيم في كلمة, ووضعت لبعض الحمقى من أهل بلدنا كلمة, فقيل له: ما الكبينج؟ فقال: أبصرها في المجمل, ولو كان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عند المغفل علم بأن العرب لا تجمع بين الكاف والجيم لم يقل هذا. الثاني من الأعجمية: ما كان باقيًا على عجمته, وهو معرفة, فإن كان على ثلاثة أحرف انصرف مذكرًا ساكن الأوسط كان أو متحركًا, كنوح ولوط وهود وجقر, لأنه على أقل الأسماء عددًا. وإن كان اسم مؤنث لم ينصرف, وذلك نحو 139/أماه وجور في اسمي بلدتين. ومن صرف هندًا لم يصرفهما / لأنهما معرفتان مؤنثتان أعجميتان فإذا قاوم سكون الأوسط أحد الأسباب الثلاثة بقي سببان سالمان عن المقاوم فمنعا. وإن كان على أكثر من ثلاثة أحرف لم ينصرف للتعريف والعجمة, وذلك نحو إبراهيم, ويقال: إبراهام وإبرهم وإبرهم وإسماعيل وإسحاق. فإن قلت: فإسحاق مصدر إسحاق الثوب إذا بلي. قلت: هذا اتفاق وقع بين اللغتين, وأيوب ولا يقال: فيعول من الأوبة لأنه لو كان كذلك لانصرف. وخطلخ: ولا يضره كونه على وزن يرثن. وهزارمود وهو أعجمي مركب ومعناه: ألف رجل. وتكين: والتاء مكسورة, وكسرها مما يدل على أنه ليس بعربي, فإن نكرت ذلك كله صرفته, وإن صغرت شيئًا من ذلك لم ينصرف لأن التصغير لا يزيل العجمة, وذلك نحو: بريهيم وسميعيل. التاسع: التركيب, وحقيقهت: ضم اسم إلى اسم على غير جهة الإضافة وهو على ضربين: أحدهما: ما يقتضي تركيبه بناء الشطر الأول, والثاني: ما يقتضي تركيبه بناء الشطرين, فمن الأول: بغلبك. وإنما بني الشطر الأول, لأنه تنزل منزلة الصدر من العجز, وهو اسم مدينة, وبعل صنم, وبك اسم الموضع قال امرؤ القيس: 337 - لقد أنكرتني بعلبك وأهلها ... ولابن جريج في قزى حمص أنكرا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن ذلك: حضرموت وهو اسم مدينة, قال جرير: 338 - وطوى الطراد مع القياد بطونها ... طي التجار بحضرموت برودا قال أبو زكريا: ومنهم من يقول: حضرموت, فيضم الميم. ومن ذلك: رامهرمز وهو اسم بلد. ومن ذلك دار بجرد وهو اسم بلد. ومن ذلك معدي كرب وهو اسم رجل, ولك في هذا التركيب والإضافة, فإذا ركبت فتحت الشطر الأول / إلا معدي كرب فإنك تسكن ياءه استثقالًا للحركة, وجعلت آخر الثاني 139/ب معتقب الإعراب فلا يصرف للتعريف والتركيب, فإن نكرته صرفته, وإن شئت أضفت الأول إلى الثاني فإن كان الثاني, يستوجب الصرف صرفته كقولك: هذه حضرموت وإن كان لا يستوجب الصرف لم يصرف كقولك: هذا رامهرمز, لأن الثاني أعجمي. وإذا أضفت معدي كرب أسكنت ياءه في موضع النصب كما أسكنتها مع التركيب استثقالًا للحركة عليها. وإذا أضفت فمنهم من يصرف كربًا, لأنه مذكر, ومنهم من لا يصرفه كأنه يراه مؤنثًا وأجاز أبو سعيد أن يكون مبنيًا.

قال ابن جني: فإن كان الاسم الثاني أعجميًا بني على الكسر البتة, ولم ينصرف معرفة, وانصرف نكرة, وذلك قولك: هذا سيبويه وعمرويه وحمدوية, تقول: هذا سيبويه ومعه سيبويه آخر. ورأيت عمرويه, ومعه عمرويه آخر, قال الشاعر: يا عمرويه انطلق الرفاق ... وأنت لا تبكي ولا تشتاق وقد شبه أشياء من نحو هذا بخمسة عشر وبابه لفظًا, وذلك قولهم: هو جاري بيت بيت, ولقيته كفة كفة, وهو يأتينا صباح مساء, والقوم فيها شغر بغر أي: متفرقين, وتساقطوا بين بين, قال عبيد: نحمي حقيقتنا وبعـ ... ـــض القوم يسقط بين بينا ومثله تساقطوا أخول أخول أي: متبددين, فهذا كله مبني على الفتح ولا يكون 45/أإلا / فضلة ظرفًا أو حالًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: الثاني: ما اقتضى تركيبه بناء شطريه, وذلك نوعان: أحدهما: ما ثانيه صوت كسيبويه وعمرويه, والأصل أن يقال: عمروه, لأنهم إذا نادوا ألحقوا آخر الاسم واواً وهاءً, فعربت العرب عمروه وما أعربوه, فقالت: عمرويه, لأن الثاني صوت والأصوات تستوجب البناء, قال البارقي: إن معنى سيبويه رائحة التفاح, لقب بذلك لذكائه, قال الراجز: 339 - يا عمرويه انطلق الرفاق ... وأنت لا تبكي ولا تشتاق وعمرويه يجري مجرى أسماء الأفعال نحو مه وصه, إذا كان معرفة لم ينون, =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإن كان نكرة نون تقول: هذا عمرويه آخر كما تقول: مه ومه, ومنهم من يثني عمرويه ويجمعه ومنهم من لا يثنيه ولا يجمعه, فمن أجاز ذلك احتج بأنه مركب هو بمنزلة معدي كرب, ومن منع ذلك احتج بأن ثانية صوت, فإن قلت: كيف أثنيه وأجمعه على هذا القول؟ / قلت: سلت شيخنا رحمه الله عنه فقال: أقول: جاءني ذوا عمرويه (وذوو 140/ أعمرويه) أي: صاحبا هذا الاسم وأصحاب هذا الاسم. وأما ما ليس ثانيه صوتًا فإنما بني ثاني شطريه لأنه تضمن معنى الحرف, وهو ضربان: عدد, وغير عدد, فالعدد من أحد عشر إلى تسعة عشر وسيذكر في باب يطأ عقب هذا الباب. والثاني: ألفاظ جاءت فضلة إما ظروفًا وإما أحوالًا فمن ذلك قولهم: هو جاري بيت بيت ومعناه: هو جاري ملاصقًا, وأصله: بيت إلى بيت أو بيت لبيت والعامل في الحال جاري. ومنع أبو سعيد أن يقال: هو بيت بيت جاري, لأن جاري ليس باسم جار على لفعل, فإن قلت: هو مجاوري بيت بيت جاز التقديم فتقول: هو بيت بيت مجاوري, لأن مجاور كيجاور - ومن ذلك لقيته كفة كفة ومعناه متكافين, وهو حال. والمراد أن كل واحد منا يكف صاحبه وقت اللقاء عن تجاوزه ومن ذلك هو يأتينا صباح مساء وأصله: صباحًا ومساءً, أي كل صباح وكل مساء وهوظرف, قال الشاعر: 340 - ومن لم يصرف الواشين عنه ... صباح مساء يضنوه خبالا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومن ذلك: القوم فيها شغر بغر وهو حال ومعناه منتشرين هائجين, يقال: اشتغرت عليه ضيعته إذا فشت وانتشرت, وبغر النجم إذا هاج بالمطر, ومن ذلك: سقط بين بين أي: بين هذا وبين هذا, ومنه قول النحويين: الهمزة التي تكون بين بين قال عبيد بن الأبرص الأسدي: 341 - هلا سألت جموع كنـ ... ـــدة يوم ولوا أين أينا نحمي حقيقتنا وبعض القو ... م يسقط بين بينا 140/ب / ومن ذلك تساقطوا أخول أخول أي: متبددين, قال أبو سعيد: ويقال «إن أخول أخول شرر الحديد المحمى» وأنشد لضابئ البرجمي: 342 - يساقط عنه روقه ضارياتها ... سقاط حديد القين أخول أخول

باب: (العدد)

باب: (العدد) قال ابن جني: المذكر من الثلاثة إلى العشرة بالهاء, والمؤنث من الثلاث إلى العشر بغير هاء تقول: عندي خمسة أبغل, وخمس بغلات, وأربعة أحمرة, وأربع أتن, قال الله عز وجل: {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام}. فإن تجاوزت العشرة قلت في المذكر: عندي أحد عشر رجلًا وفي المؤنث عندي إحدى عشرة امرأة تبني الاسمين على الفتح في كل حال, وتقول: عندي اثنا عشر رجلًا, ورأيت اثني عشر رجلًا, ومررت باثني عشر رجلًا, تجعله في الرفع بالألف وفي الجر والنصب بالياء وكذلك المؤنث تقول: عندي اثنتا عشرة امرأة, ورأيت اثنتى عشرة امرأة, ومررت باثنتى عشرة امرأة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب العدد) قال ابن الخباز: العد مصدر قولك: عددت الشيء أعده عدا, والعدد بمعنى المعدود كما أن القبض بمعنى المقبوض, وقال بعض العلماء: العدد جملة منقسمة إلى آحاد, فعلى هذا الواحد ليس بعدد وإنما هو جزء العدد, وجزء الشيء لا يكون الشيء. والأسماء الموضوعة للعدد اثنا عشر: الواحد والاثنان والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة, والمائة والألف وما عداها فمتشعب منها, إما مركب كأحد عشر وإما معطوف كأحد وعشرين, وإما مثنى كمائتين وإما مضاف كثلاثمائة, وإما مشتق لمضاعف كثلاثين الذي هو عبارة عن ثلثة عشر مرات. واعلم أن الواحد والاثنين على الحقيقة غير محتاج إليهما, لأنك تأتي بالاسم مفردًا ومثنى كقولك: زيد وزيدان ورجل ورجلان, فتحصل لك الدلالة على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الجنس والمقدار, وإنما يحتاج إلى العدد من الثلاثة وما فوقها, لأ (ن) صيغ الجمع كرجال وكتب, وزيدين وهندات إنما تفيد الزيادة على اثنين, فأما الدلالة على المقدار فغير حاصلة, فجيء بأسماء الأعداد مقرونة بالمعدودات كقولك: ثلاثة رجال, فحصل من الثلاثة الدلالة على المقدار, ومن الرجال الدلالة على الجنس فثلاثة رجال بمنزلة قولك: رجلان. ذكر أسماء الأعداد 141/أ / أما الواحد فإنهم يستعملونه على وجهين: اسمًا وصفة, فالاسم: كقولك في العدد واحد, اثنان, ثلاثة, والصفة: كقوله عز وجل: {إنما الله إله واحد} ولا يثنونه استغناء باثنين, وقد جمعوه, قال الكميت: 343 - فرد قواصي الأحياء منهم ... وقد رجعوا كحي واحدينا وتقول في مؤنثه: واحدة, وفي التنزيل: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} وأما اثنان واثنتان وثنتان فصيغ موضوعات للتثنية لا واحد لها من لفظها, وتعرب إعراب الزيدين وفي التنزيل: {لا تتخذوا إلهين اثنين} وقد اضطر الشاعر فحذف النون من ثنتين أنشد ابن بشار: 344 - لنا أعنز لبن ثلاث فبعضها ... لأولادنا ثنتا وفي بيتنا عنز ويحتمل هذان الاسمان أكثر من هذا, ولا يليق بهذا المختصر. وأما الثلاثة وما بعدها إلى العشرة, فإذا أضفن إلى مذكر ألحقن التاء وإذا أضفن إلى مؤنث حذفت منهن كقولك: ثلاثة رجال وثلاث نسوة, ويقال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هذا الثوب سبع في ثمانية, أي: طول سبع أذرع في ثمانية أشبار, لأن الذراع مؤنثة والشبر مذكر وفي التنزيل: {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا} وإنما كان الأمر كذلك لثلاثة أوجه: أحدها: أن المذكر هو الأصل فزيدت معه التاء لأنه يحتمل الزيادة والمؤنث فرع فلم تزد معه التاء, ألا ترى أنهم لما فرقوا بين المنصرف وغير المنصرف زادوا التنوين على المنصرف لخفته. الوجه الثاني: أن جموع التكسير لا فرق فيها بين المذكر والمؤنث إلا في القليل فأرادوا الفرق بينهما, وكان المذكر أحمل للزيادة. الوجه الثالث: أن زيادة التاء مع المذكر ليست / تذكيرًا, وطرحها مع المؤنث 141/ب ليس تأنيثًا, كما توهم جمع ممن رأيناه جاهلًا بالعربية, وإنما زيادة (التاء) مع المذكر للتأنيث, فهو مؤنث بعلامة, وطرح التاء من المؤنث كطرحها من عين وأتان, وهما مؤنثان, وإن لم تكن فيهما التاء, وقد وضع الحريري هذه المسألة في المقامة الرابعة والعشرين وألغزها فقال: «وفي أي موطن تلبس الذكران براقع النسوان, وتبرز ربات الحجال بعمائم الرجال» وأوهم كلامه جماعة من الضعفة في العلم أن زيادة التاء للتذكير وحذفها للتأنيث, والأمر على ما عرفتك. مسألة: تقول: ثمانية رجال وثماني نساء فيكون إعراب ثماني كإعراب قاضي لأنك طرحت التاء فصارت الياء طرفًا. مسألة: تقول: عشرة أعبد, فتحرك الشين, وعشر آم فتسكنها, لأن التأنيث فرع, فاختاروا للفظه الإسكان معادلة. وفي التنزيل: {والفجر * وليال عشر}. فإذا تجاوزت العشرة ركبت الآحاد من واحد إلى تسعة معها فقلت: أحد عشر للمذكر, وإحدى عشرة للمؤنث وإنما ركبوا للاختصار, لأنه لو لم يركبوا عطفوا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فقالوا أحد وعشرة. والاثنان مبنيان على الفتح, وأما بناء الأول فلأن منزلته مما بعده منزلة صدر الكلمة من عجزها وأما بناء الثاني فلأنه تضمن معنى واو العطف, وأما بناؤهما على الحركة, فلأن بناءهما عارض, فبنيا على الحركة مراعاة لتمكنهما في الأصل وأما بناؤهما على الفتح فلأن الاسم طال بالتركيب, فاختير له الفتح لخفته, ولا خلاف بينهم في أن الشين من قولك: أحد عشر مفتوحة, ومن العرب من يسكن العين فيقول: أحد عشر, وهي لغة العامة. وذلك لكثرة المتحركات, وأما شين إحدى عشرة فأهل 142/أالحجاز يسكنونها, وبنو نميم يكسرونها, والهمزة في أحد وإحدى / مبدلة من واو الواحد, والألف في إحدى للتأنيث فلو صغرت الاسم قلت: أحيدى عشرة. أما اثنا عشر فإن شطره الأول معرب, لأنهم لو بنوه للتركيب لم يكن له في كلامهم نظير, لأنه ليس في كلامهم مركب أول شطريه مثنى وعشر مبني لتضمنه معنى الواو واثنتا عشرة مثل اثنا عشر يكون الأول في الرفع بالألف وفي الجر والنصب بالياء وفي التنزيل: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشرة شهرا} وقال تعالى: {وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبًا} وقال تعالى: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا} وقال تعالى: {وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطًا}. ولا يجوز إسكان العين من اثنى عشر, لأن الياء قبلها ساكنة, ويقال: اثنتا عشرة وعشرة كما ذكرنا وقد قرئ بهما, وأحد واثنان جريًا في التركيب مجراهما في الإفراد فذكرا مع المذكر وأنثا مع المؤنث, وفي التنزيل: {أحد عشر كوكبًا} وقد استشهدنا على اثنين واثنتين.

قال ابن جني: وفي المذكر ثلاثة عشر رجلًا, وفي المؤنث ثلاث عشرة امرأة, وتثبت في المذكر الهاء في الاسم الأول وتحذفها من الثاني, والمؤنث بضد ذلك على ما ترى, ثم كذلك إلى تسعة عشر وتسع عشرة. فإذا / صرت إلى العشرين استوى فيه المذكر والمؤنث, وكان في الرفع بالواو 45/ب والنون, وفي الجر والنصب بالياء ولانون تقول: عندي عشرون غلامًا, وعشرون جارية, ومررت بعشرين غلامًا, وعشرين جارية, وكذلك إلى التسعين. فإذا زدت على العشرين نيفًا عاملته معاملتك إياه, وليس بنيفٍ, تقول: عندي خمسة وعشرون رجلًا, وخمس وعشرون امرأة, وكذلك إلى تسعة وتسعين, وتسع وتسعين, فإذا صرت إلى المائة استوى فيها القبيلان أيضًا, إلا أنك تضيفها إلى المفرد فتجره تقول: عندي مائة غلام, ومائة جارية, واشتريت مائة عبد ومائة أمة, وكذلك إلى تسع مائة. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما ثلاثة عشر إلى تسعة عشر فتجرى مجراه في الإفراد, فتلحق التاء مع التذكير, وتطرح مع التأنيث, فتقول: ثلاثة عشر رجلًا وثلاث عشرة جارية, وفي التنزيل: {عليها تسعة عشر}: وقال جرير: 345 - في خمس عشرة من جمادى ليلة ... لا أستطيع على الفراش رقادي وقد ذكرت علة ذلك, وعشر يجري على القياس, فتذكر مع المذكر, وتؤنث مع المؤنث لأنها نهاية الاسم, ويجوز إسكان العين من ثلاثة عشر إلى تسعة عشر كما ذكرنا في أحد عشر, وإذا قلت ثلاث عشرة وتسع عشرة ففي السين اللغتان. ويميز هذا العدد بمفرد نكرة منصوب, لأن المفرد أخف من الجمع / والنكرة 142/ب أخف من المعرفة والنصب, لأن الإضافة تفضي إلى التباس التمييز بالملك في مواضع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ألا ترى أنك لو قلت: خمسة عشر رجل, بالجر لم يدر أتريد أن الخمسة عشر رجال أو الخمسة عشر غير رجال, وهي ملك لرجل, بهذا عللوه. وهذا غير مستقيم, لأننا إذا قلنا: ثلاثة رجال ومائة رجل التبس التمييز بالملك, والذي أقوله: أن المنع من إضافة المركب, لأن شطريه جريا مجرى الاسم المفرد, والمضاف والمضاف إليه يتنزلان منزلة الاسم الواحد, فلو أضيف المركب لكانت ثلاثة أشياء كالشيء الواحد. وهذا ليس في كلامهم. وتقول: ثمانية عشر وثماني عشرة بإسكان الياء طلبًا للتخفيف وبفتحها, لأنه أول شطري المركب. ويقال: ثمان عشرة بفتح النون من غير ياء قال الأعشى: 346 - فلأشرين ثمانيًا وثمانيًا ... وثمان عشرة واثنتين وأربعا ويجوز إضافة هذه الأعداد إلى المالك كقولك: هذه خمسة عشري, ولا يجوز إضافة اثنى عشر, لأن عشر فيه بمنزلة النون في اثنين لمعاقبتها لها, ولا ويجوز الإضافة مع ثبوت نون التثنية. فإذا ضوعف أدنى العقود وهو العشرة اشتق له اسم من لفظ العشرة وأعرب إعراب الزيدين, وذلك عشرون, وكذلك فعلوا بالثلاثة إلى التسعة حيث قالوا ثلاثون وأربعون وخمسون وستون وسبعون وثمانون وتسعون. واعلم أن الاثنين هجر جانبه في موضعين: أحدهما: أن كسور الأعداد من الثلاثة إلى العشرة اشتقت من ألفاظها, فقيل: ثلث وربع إلى العشر, ولم يقولوا في الاثنين: ثني, وإنما قالوا: نصف. الثاني: أن العقود من الثلاثة إلى العشرة بنوا منها صيغ الجمع من ثلاثين إلى تسعين, ولم يقولوا من الاثنين / ثنين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وسألت شيخنا رحمه الله عن علة هذين الحكمين فقال: أما قولهم: نصف فلأن معنى جعل الشيء نصفين أن يقسم قسمين متساويين فقيل لكل قسم: نصف مأخوذ من النصف بمعنى الإنصاف. وأما قولهم: عشرون ولم يقولوا: ثنيون, فلأنهم وضعوا لعشر عشرات مائة كما وضعوا لعشر تسعات تسعين, فلو قالوا ثنيون مكان عشرين لم يكونوا قد بنوا من لفظ العشرة صيغة جمع, فأرادوا أن لا يخلوا بها. فأن قيل: هذه الصيغ تقع على من يعقل وعلى مالا يعقل كقولك: ثلاثون رجلا وثلاثون ثوبًا فكيف جمعت بالواو والنون؟ قلت: ذلك تغليب كقوله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجليه ومنهم من يمشي على أربع}. ومميز العدد من العشرين إلى التسعين مفرد كقولك: عشرون رجلًا, وفي التنزيل: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} و {سبعين مرة}. ويجوز حذف المميز إذا دل الدليل عليه, وفي التنزيل: {إن يكن منكم عشرون صابرون} أراد: عشرون رجلًا, فأما قولها: 347 - إن حري أضيق من تسعين ... مثل حروف أبلق سمين فليس على حذف المميز, وإنما أرادت عقد تسعين: وهو أن يعطف رأس السبابة ويجعله بين أصلها وبين أصل الإبهام, ثم يعطف جانب الإبهام على جانب السبابة ولا خفاء في ضيقه. فإن زدت على العشرين وما بعدها جرى مجره, وهو غير نيف, تقول: أحد وعشرون رجلًا, وإحدى وثلاثون جارية, واثنان وأربعون عبدًا, واثنتان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وخمسون جارية. وثلاثة وستون بستانًا, وأربع وسبعون دارًا, وفي التنزيل: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة}. 143/ب وقال لبيد: 348 - قامت تشكي إلى النفس مجهشة ... وقد حملتك سبعًا بعد سبعينا وقال عنترة: 349 - فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودًا كخافية الغراب الأسحم فإذا تجاوزت التسعة والتسعين استأنفت عقدًا وهو المائة وهو عبارة عن عشر عشرات كما أن العشرة عشرة آحاد. وأصلها ميئة كميعة, فحذفت اللام, ووزنها فعة ومنه قولهم: أميت الدراهم إذا صارت مائة, وحكمه الإضافة إلى النكرة كقولك: مائة غلام, ومائة جارية, وثنيتها فتقول: مائتان ومائتين, فيكون المقدار معلومًا وإنما ميزت بالمفرد لأنها مجاورة التسعين, وإنما أضيفت إليه, لأنها أشبهت العشرة من حيث إنها عشر عشرات, وقد حذفت نون مائتين في ضرورة الشعر, قالت العرب على لسان الحجلة: 350 - قطاقطا إن قفاك امعطا ... بيضك ثنتان وبيضي مائتا

قال ابن جني: فإذا صرت إلى الألف كان الأمر كذلك أيضًا تقول: عندي ألف قميص وألف جبة, واشتريت ألف بستان وألف دار, ثم تقول: ثلاثة ألاف, وأربعة آلاف إلى العشرة. فإذا أردت تعريف شيء من العدد, وكان غير مضاف جئت باللام في أوله فقلت: / قبضت الأحد عشر درهما, وحصلت عندي الثلاث عشرة جارية. 46/أواستوفيت العشرين درهما, والخمسة والستين ألفا, ولا يجوز العشرون الدرهم, ولا الخمسة عشر الدينار, ولا نحو من ذلك, لأن المميز لا يكون إلا نكرة إلا أن الكتاب الآن على طريق البغداديين فيه, وفيه من القبح ما ذكرته. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: مائتان. فإذا تجاوزت المائتين جئت بالثلاثة إلى التسعة مضافة إلى مفردها كقولك: ثلاثمائة عبد, وأربع مائة جارية, فثلاثة تفسرها المائة, فهي مئون لا آحاد, ومائة يفسرها العبد والجارية, وهي في الحقيقة تفسير للثلاثة, وقد يجيء في الشعر ثلاث مئات وثلاث مئين, وهو مهجور. أنشد الميداني: 351 - ثلاث مئين قد مضين كواملًا ... وها أنا هذا أترجي مر أربع وتأنيث المائة غير حقيقي, لأنك تقول: مائة رجل. قال ابن الخباز: فإذا تجاوزت تسع مائة وتسعة وتسعين استأنفت عقدًا وهو الألف / وحكمه الإضافة إلى المفرد, كقولك: ألف بستان وألف دار, وإنما ميز 144/أبالمفرد, لأنه بعد تسع مائة وتسعة وتسعين, وإنما أضفته إليه, لأن الألف عشر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مئات, كما أن المائة عشر عشرات والألف مذكر, قالوا: أعطاه ألفا أقرع, فأما قولهم: إن في دراهمك ألفًا بيضًا فهو حمل على المعنى, وتثنى فتقول: ألفان وألفين, وتضاف إلى المميز كقولك: ألفا قميص وألفا جبة. فإذا تجاوزت الاثنين جمعت الألف على آلاف وأضفت عقود الآحاد إليها وفي التنزيل: {بثلاثة آلاف} و {بخمسة آلاف} وتقول: عشرة آلاف, ولا يخترع عقدًا, لأن المعدودات غير متناهية, فاكتنفوا بالثنى عشر اسمًا وتصاريفها, ولو وضعوا لكل معدود اسمًا, لاستغرق كثيرًا من اللغة, وتقول: أحد عشر ألف جارية فتذكر العدد, لأنه مميز بالألف وهو مذكر, وتقول: عشرون ألفًا وخمسة وعشرون ألفا فتؤنث الخمسة لتذكير الألف, قال لقيط: 352 - أتاكم منهم سبتون ألفًا ... يرجون الكتائب كالجراد وقال الشاعر: 353 - ثمانون ألفًا ولم أحصهم ... وقد بلغت رجمها أو تزيد ثم تقول: مائة ألف, ومائتا ألف, وثلاثمائة ألف وتسعمائة ألف, ثم تقول: ألف ألف, فتضيف لفظ الألف إلى مثله. فتكرر لفظ الألف على حسب الحاجة, وفي الكتب الحسابية مسائل من الضرب تفضي بك إلى تكرير الألف مرارًا, وهذا شيء يضعونه للتعليم, وقلما أفضت الحاجة إليه, وفي التنزيل: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون}. 144/ب وإذا أردت تعريف شيء من العدد / فلا يخلو من أن يكون مركبًا أو معطوفًا أو مضافًا, فالمركب: من أحد عشر إلى تسعة عشر, فإذا عرفته ألحقت الألف واللام الاسم الأول كقولك: الأحد عشر رجلًا, والاثنتا عشرة جارية والخمسة عشر

قال ابن جني: فإن كان العدد مضافًا عرفت الاسم الآخر, فيتعرف به المضاف إليه, وذلك قولك قبضت خمس المائة التي تعرف, وما فعلت في سبعة الآلاف التي كانت على فلان, وكذلك إن تراخى الآخر. نحو قولك: قبضت خمس مائة ألف الدرهم, وما فعلت أربع مائة ألف الدينار التي كانت على فلان, تعرف الآخر, فيتعرف به الأول البتة. ـــــــــــــــــــــــــــــ دينارًا والتسع عشرة عمامة, وإنما ألحقت الألف واللام الاسم الأول لأنه أول المركب, وإنما لم تلحقها الثاني, لأنه بمنزلة بعض الاسم, فلذلك لا تقول: الخمسة العشر, وإنما لم تلحقها المميز, لأنه لا يكون إلا نكرة, وقد روي أن قومًا من العرب يقولون: الخمسة العشر, وليس له في القياس وجه, لأن المركب إنما يعرف أو شطريه, قال ابن أحمر الباهلي: 354 - تفقأ فوقه القلع السواري ... وجن الخازباز به جنونا فعرف الاسم الأول من الاسمين. قال ابن الخباز: وإن كان معطوفًا كالأحد والعشرين عرفت الاسمين كليهما, لأن حرف العطف فصل بينهما كقولك: الأحد والعشرون رجلًا, والإحدى والعشرون امرأة والتسعة والتسعون رجلًا, والتسع والتسعون امرأة. وقوم يجيزون العشرون الدرهم, وهو رديء لما فيه من تعريف المميز, وقوم من العرب يقولون: الخمسة عشر الدرهم وقد جاء المميز في الشعر معرفة, قال الشاعر: 355 - رأيتك لما (أن) عرفت جلادنا ... رضيت وطبت النفس يا بكر عن عمرو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإن كان مضافًا عرفت الآخر, وهو المضاف إليه, لأن المضاف إلى المعرفة معرفة فتقول: ثلاثة الأثواب, وعشر العمائمة, ومائة الدرهم, وألف الثوب. 145/أوإذا كان غلام الرجل متعرفً بالثاني فهذا أولى لأن الأول هاهنا هو الثني / قال الفرزدق: 356 - ما زال مذ عقدت ياداه إزاره ... وسما فأدرك خمسة الأشبار وقال ذو الرمة: 357 - وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والديار البلاقع وروى الكسائي: الخمسة الأثواب, وروى أبو عمرو عن أبي زيد «أن قومًا من العرب يقولونه غير فصحاء» واستعمال الأكثرين كالبيتين المنشدين.

باب: (الجمع)

باب: (الجمع) قال ابن جني: إذا كان الاسم على فعل مفتوح الفاء ساكن العين, ولم تكن عينه واوًا ولا ياء فجمعه في القلة على أفعل, وفي الكثرة / على فعال أو فعول, 46/ب وذلك نحو قولك: كلب وأكلب, وكعب وأكعب, وفي الكثرة: كلاب وكعوب وجمع القلة بين الثلاثة إلى العشرة وجمع الكثرة ما فوق ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن تراخى المضاف إلهي عرف, فيسرى التعريف إلى الأول, وله صور أحدها: أن يكون المعرف إلى جانب الأول كقولك: خمسة الأثواب. الثانية: أن يكون بينهما اسم كقولك خمس مائة الألف. الثالثة: أن يكون بينهما اسمان كقولك: خمس مائة ألف الرجل الرابعة: أن يكون بينهما ثلاثة أسماء كقولك: خمس مائة ألف دينار الرجل. الخامسة: أن يكون بينهما أربعة أسماء كقولك: خمس مائة ألف دينار غلام الأمير فغلام معرفة بالإضافة إلى الأمير ودينار معرفة بالإضافة إلى الغلام, وألف معرفة بالإضافة إلى الدينار, ومائة معرفة بالإضافة إلى الألف, وخمس معرفة بالإضافة إلى المائة, وكلما قرب الضاف من الألف واللام كان تعريفه أشد, لأنه يتنزل منزلته لقربه منه. مسألة: تقول: عشرون ألف رجل, وخمسة عشر ألف غلام, فلا تعرف المضاف إليه, لأن المضاف مميز منصوب, فلو عرفت المضاف إليه صار معرفة. مسألة: تقول: خمسة آلاف دينار: ومائة ألف ثوب, فيجوز تعريف المضاف إليه الأخير, لأن مميز الخمسة والمائة يكون معرفة. وإذا قلت: مائة ألف ثوب لم يجز تعريفه (الألف) وحدها, لأنها مضافة, والمعارف لا تضاف, فلذلك عرفت المضاف إليه دون المضاف. والله أعلم. (باب الجمع) قال ابن الخباز: / هذا البا بمشتمل على ذكر الأبنية التي تكسر عليها = 145/ب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأسماء, وأكثره يجري مجرى اللغة, ولا يتسع فيه القياس اتساعه في غيره, وأنا أقدم قبل الخوص في تفسيره ثلاث مقدمات تسهله على الناظر فيه. المقدمة الأولى: اعلم أن الجموع ثلاثة أقسام: عام ومتوسط وخاص, فالعام جمع التكسير لأنه يكون في ذوي العلم وفي غيرهم, وفي أسمائهم وفي صفاتهم تقول في زيد: زيود, وفي كريم: كرام وفي فرس: أفراس, وفي صاهل: صواهل, والمتوسط: جمع التأنيث بالألف والتاء, لأنه يكون في المؤنث من ذوات العلم وغيرهن من الأسماء والصفات تقول في هند: هندات, وفي خدلة: خدلات, وفي شجرة: شجرات, وفي صعبة: صعبات, ولا يكون في المذكر, فأما قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} فهو جمع معدودة على جعل الأيام طوائف وكذلك قوله تعالى: {في أيام معلومات} والخاص: الجمع الذي يكون في الرفع بالواو والنون, وفي الجر والنصب بالياء والنون كالزيدين والصالحين وقد ذكر. المقدمة الثانية: اعلم أن الجمع ينقسم إلى قليل وكثير, فالقليل أربعة أبنية: أفعل كأكلب, وأفعال كأحمال, وأفعلة كأحمرة, وفعلة كثيرة. ومنه ما جمع بالواو والنون والألف والتاء كالزيدين والهندات. وقد جمعوا هذه الأمثلة في بيت تسهيلًا على المتعلم قال: 358 - بأنفس حرة وأفئدة ... وغلمة في اللقاء أكياس 146/أومعنى القليل: ما أريد به من الثلاثة إلى العشرة, ومعنى الكثير / ما أريد به ما فوق ذلك, وأبنية الكثير كثيرة, وسيمر بك معظمها في تضاعيف الباب. المقدمة الثالثة: في ذكر أبنية الأسماء, وذكرها يناسب هذا الباب: اعلم أن الأسماء قسمان: ما حروفه كلها أصول, وما بعض حروفه مزيد, وأبنية المزيد كثيرة تمر بك نبذ منها في الباب, والذي نذكره أبنية الأصول لأنك إذا عرفتها علمت أن المزيد ما عداها, فتقول: إن الأصول ثلاثة أقسام: ثلاثة ورباعية وخماسية, فالثلاثية: عشرة أبنية تكون أسماء وصفات: فعل بفتح الفاء وسكون العين فالاسم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = كعب والصفة صعب. وفعل بفتحهما, فالاسم جمل والصفة بطل. وفعل بفتح الفاء وكسر العين فالاسم كبد والصفة حذر, وفعل بفتح الفاء وضم العين فالاسم عضد والصفة يقض وفعل بكسر الفاء وسكون العين فالاسم حمل, والصفة خلف, وفعل بكسر الفاء وفتح العين, فالاسم ضلع والصفة زيم وفعل بكسرهما فالاسم إبل والصفة بلز. وفعل بضم الفاء وسكون العين, فالاسم قفل والصفة حلو وفعل بضم الفاء وفتح العين, فالاسم ربع والصفة ختع, وفعل بضمهما, فالاسم عنق والصفة طلق. وللرابعي خمسة أنبية, تكون أسماء وصفات: فعلل بفتح الفاء وفتح اللام فالاسم ثعلب, والصفة سلهب. وفعلل بكسرهما فالاسم ضفدع, والصفة خضرم, وفعلل بضمهما, فالاسم يرثن والصفة جرشع وفعلل بكسر الفاء وفتح اللام. فالاسم فطحل والصفة حنجر. وللخماسي أربعة أبنية تكون أسماء وصفات /: فعلل بفتح الفاء والعين 146/ب وسكون اللام الأولى, فالاسم سفرجل والصفة شمردل. وفعلل بضم الفاء وفتح العين وكسر اللام الأولى, فالاسم قزعمل, والصفة خبعثن وفعلل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بكسر الفاء وسكون العين وفتح اللام الأولى, فالاسم إصطبل, والصفة جردحل. وفعلل بفتح الفاء وسكون العين وبفتح اللام الأولى وكسر الثانية, فالاسم قهيلس والصفة جحمرش وزاد أبو الحسن في الثلاثي فعلًا كدثل وفي الرباعي: فعللا كجخدب وزاد ابن السراج فعللا كهندلع فهذا ما عهدنا لذكره من المقدمات. ثم نرجع إلى المقصود, فنقول:

قال ابن جني: فإن كان الاسم الثلاثي على غير مثال فعل كسرته في القلة على أفعال وذلك نحو قلم وأقلام, وجبل وأجبال, وكبد وأكباد, وعجز وأعجاز, وضرس وأضراس, وضلع وضلاع, وإبل وآبال, وبرد وأبراد, وطنب وأطناب, وربع وأرباع, فإن كانت عين فعل معتلة واوًا أو ياء (كسر في القلة على أفعال) وذلك نحو سوط وأسواط, وبيت وأبيات. فإذا صرت إلى الكثرة كسرت ذلك كله على فعال أو فعول وذلك نحو جبل وجبال وطلل وطلول وكبد وكبود وضرس وضروس وضلع وضلوع وبرد وبرود وبراد وجمل وجمال وربع ورباع. وقد اتسع في فعل فجمع على فلان وذلك في نحو: نعر ونعران وجرذ وجرذان وجمل وجملان وصرد وصردان, 47/أوثوب وثياب وبيت وبيوت, يختص ما عينه واو بفعال, وما عينه ياء بفعول / وقد تتداخل أيضًا جموع الثلاثي من حيث كان هذا العدد منتظمًا لجميعها نحو: لإرخ وأفرخ, وزند وأزناد وحبل وأحبل وزمن وأزمن قال ذو الرمة: أمنزلتي مي سلام عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين رواجع ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: إذا كان الاسم على فعل بفتح الفاء وسكون العين, فلا يخلو من أن يكون اسماً أو صفة, فإن كان اسمًا: فلا يخلو من أن يكون صحيح العين: أو معتلها, فإن كان صحيح العين جمع في القلة على أفعل وهو كثير نحو كلب وأكلب وكعب وأكعب وبغل وأبغل وعصر وأعصر ونشر وأنشر وفرخ وأفرخ, وإنما اختير له أفعل, لأنها بناء خفيف, وهو أخف الأبنية. فإذا جمع جمع الكثرة فهو ثلاثة أقسام: منه ما يلزم فعال وفعول كنسور وفروخ ونسار وفراخ, وقد جمع منه على أفعال قالوا: زيد وأزياد وفرخ وأفراخ وفرد وأفراد, وأنف وآناف, ورأد وآراد شبهوه بفعل المفتوح العين لأنه ليس بينهما إلا فتح العين,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهذا معنى التداخل في كلام أبي الفتح قال الأعشى: 359 - ودت إذا اصطلحوا خيرهم ... وزندك أثقب أزدناها 147/أوإن كان معتل العين كسر في القلة على أفعال, نحو سوط وأسواط, ولوح وألواح, ونوع وأنوع, وحوض وأحواض, وجون وأجوان, وزوج وأزواج, وبيت وأبيات وقيد وأقياد وزيد وأزياد وسيف وأسياف, ولا يجوز تكسيره على أفعل لأنهم لو قالوا فيه أفعلا لحركوا الواو والياء بالضم, وقد شذ ثوب وأثوب, أنشد الجوهري: 360 - لكل دهر قد لبست أثوبا ... حتى اكتسى الرأس قناعًا أشيا * أملح لا لذا ولا محببا * فإذا كسرت المعتل العين جاءت بنات الواو على فعال, كثياب وسياط وحياض (في الأصل) ثواب وسواط وجواض, فقلبت الواو ياء لضعفها بالسكون في الواحد وجاءت بنات الياء على فعول كبيوت وعيون وخيوط, لأنهملو كسروه على فعال لم يدر من بنات الواو هو أم من بنات الياء؟ ولم يجئ في ثوب فعول, لتوالي الواو والضمتين لو قالوا: ثووب. وإن كان صفة فإن كان للآدميين جمع بالواو والنون كقولك: جعدون وصعبون,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد يجمع على فعال نحو صعاب وجعاد, وعلى فعول نحو فسل وفسول. المثال الثاني: فعل بفتح الفاء والعين, فإن كان اسمًا, فقد اطرد جمعه على أفعال (نحو) حجر وأحجار, وأسد وآساد, وطلل وأطلال, وجبل وأجبال, وقد جاء في القلة على أفعل وهو قليل, قالوا: جبل وأجبل, وزمن وأزمن قال ذو الرمة: 361 - أمنزلتي مي سلام عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين رواجع شبهوا فعلا بفعل كما شبهوا فعلًا بفعل, فإذا جمع جمع / الكثرة, فأكثر ما 147/ ب يجيء على فعول وفعال نحو طلل وطلول, وذكر وذكور, وأسد وأسود, وجبل وجبال, وحجر وحجار, وجمل وجمال. وجاء شيء منه في القلة على فعلة قالوا: جار وجيرة وأخ وإخوة وقالوا: أقلام فلم يتجاوزوه كما لم يتجاوزوا ألواحًا وأنواعًا وأجوازًا. وإن كان صفة جمع بالواو والنون إن كان لذوي العلم, وذلك نحو حسنين وقد كسر على فعال نحو حسان, وعلى أفعال نحو أبطال وأعزاب, قال لبيد: 362 - تهدي أمام الخيل كل طمرة ... جرداء مثل هراوة الأعزاب

قال ابن جني: ونحو ضلع وأضلع, وكبد وأكبد, وذئب وأذؤب, وضرس وأضرس, وقفل وأقفل, وكبد وأكبد, وربما اقتصر في بعض ذلك على جمع القلة, وفي بعضه على جمع الكثرة وذلك نحو رجل وأرجل, ولم يتجاوزوا ذلك, وأذن وآذان, وقلم وأقلام. وقالوا: سباع ورجال فاقتصروا عليهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: المثال الثالث: فعل بفتح الفاء وكسر العين, فإن كان اسمًا فقد اطرد تكسيره على أفعال, نحو نمر وأنمار, ووعل وأوعال, وفخذ وأفخاذ, وكتف وأكتاف, وكبد أكباد, وقالوا: أكبد, شبهوه بفعل, وهو قليل وقالوا في الكثرة: نمور ووعول وقالوا: نمر فجاء على فعل, أنشد الجوهري: 263 - فيها تماثيل أسود ونمر وإن كان صفة جمع بالواو والنون إن كان لذوي العلم, نحو يقظون وحذرون وفي التنزيل: {قال إنا منكم وجلون} , {وإنا لجميع حاذرون} وقالوا فرح وفراح وأنشد أبو سيعد رحمه الله: 364 - وجوه الناس مما عمرت بيض ... طليقات وأنفسهم فراح ولم يتجاوزوا في القلة أفخاذًا وأكتافًا في الأسماء. المثال الرابع: فعل بفتح الفاء وضم العين, ولم يتجاوز اسمه في القلة أفعالًا, 148/أقالوا: عضد وأعضاد وعجز وأعجاز, وهو أقل من فعل / كما أن فعلًا أقل من فعل وقالوا: رجال وسباغ فلم يتجاوزوا فيهما فعالًا وهما لقليله وكثيره. وإن كان صفة جمع للآدميين بالواو والنون, نحو يقظون وتجدون, وجاء على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أفعال وفي التنزيل: {ويحسبهم أيقاظًا}. المثال الخامس: فعل بكسر الفاء وسكون العين, وقد اطرد في جمع اسمه أفعال, نحو حمل وأحمال وعدل وأعدال وعذق وأعذاق, وبئر وآبار, ونحى وأنحاء, وزق وأزقاق وضرس وأضراس, وقالوا: ذئب وأذؤب, فلم يتجاوزوا أفعلا في قليله, وقالوا: رجل وأرجل, فلم يتجاوزوه, فهو للقليل والكثير, وفي التنزيل: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم} وقالوا: قرد وقرود وقردة فلم يتجاوزهما, فهما للقليل والكثير وأكثر ما يجء في الكثرة على فعال وفعول كبئار وذئاب وذقاق ولصوص وقدور وضروس وشذ ضريس كما شذ كليب وبقير. وإن كانت صفة جمع في الآدميين بالواو والنون, نحو جلفون ونضوون, وقالوا: أجلاف وأنضاء, وعن أبي زيد: خلو وأخلاء. المثال السادس: فعل بكسر الفاء وفتح العين, وقد اطرد جمع اسمه على أفعال, قالوا: ضع وأضلاع, وإزم وآرام, وعنب وأعناب, وقالوا: الأضلع, شبهوا ضلعًا بزمن, لأنه ليس بينهما إلا كسر الأول, وقالوا في كثيره: َلوع وأروم. وإن كان صفة فإنه (لا يتغير, إذ) لم يجز فيه التكسير لقلته, قالوا: قوم عدى ومكان سوى ولم يجمعا. المثال السابع: فعل, بكسرهما, وقد قل في الأسماء والصفات, قالوا في الاسم إبل وآبال وإطل وآطال ولم يتجاوزوهما, وقالوا في الصفة: امرأة بلز أي: مسبنة وإن جمعت قلت: بلزات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 148/ب المثال الثامن: فعل, بضم الفاء وسكون العين, وقد اطرد اسمه في الجمع / على أفعال, وذلك نحو برد وأبراد, وقفل وأقفال, وبرج وأبراج, وجند وأجناد, وعود وأعواد, وأكثر ما يجيء في الكثرة على فعال وفعول نحو عش وعشاش وقرب وقراب, وخف وخفاف, وبرود وجنود وبروج, وفي التنزيل: {والسماء ذات البروج} وقال تعالى: {هل أتاك حديث الجنود} وقالوا: جزء وأجزاء, وركن وأركان, وشفر وأشفار, فلم يجاوزوه في القليل والكثير, هذا قول أبي علي وقد جاء في الشعر: 365 - ورحم ركنيك شداد الأركن وإن كان صفة يجمع للآدميين بالواو والنون, نحو حلوون ومرون وقالوا: أمرار. المثال التاسع: فعل, بضم الفاء وفتح العين, وقد جاء في القليل على أفعال وذلك نحو ربع وأرباع ورطب وأرطاب, واستع في كثيره فعلان قالوا: جرذ وجرذان ونغر ونغران, والنغر: العصفور الصغير, أنشد ابن فارس. 366 - يحملن أعية المدام كأنما ... يحملنها بأكارع النغران

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وصرد وصردان, وهو طائر صغير, أنشد أبو علي لحميد بن (ثور) الهلالي: 367 - كان وحي الصردان في جوف ضالة ... تلهجم لحييه إذا ما تلهجما وجعل وجعلان وهو حشرة معروفة, قال الفرزدق: 368 - ويطلب مجد بني دارم ... عطية كالجعل الأسود وقد جاء منه اسمان على فعال, قالوا: ربع ورباع, ورطب ورطاب, فالربع الفصيل ينتج في الربيع, وإن كان صفة نحو ختع, وسكع, فإنه يجمع بين الآدميين بالواو والنون نحو ختعين وسكعين. المثال العاشر: فعل. بضمها, وقد اطرد في اسمه أفعال / نحو أذن وآذان 149/أوعنق وأعناق, وطنب وأطناب, والعامل تقول: طنب بالفتح وإنما الطنب الاعوجاج. وجاء عنهم في جمعه طنبة, وهو قليل, وأما صفته فقالوا: رجل شلل للخفيف في الحاجة ورجال شللون, وقالوا: جنب للواحد والجمع, ومنهم من يجمع فيقول: أجناب.

قال ابن جني: فإن كان الاسم على فعال, أو فعال, أو فعال, أوفعيل, أو فعول كسر في القلة على أفعله, وفي الكثرة على فعلان أو فعلان أو فعل, وذلك نحو, حمار وأحمرة ورداء وأردية, وجواب وأجوبة, وفدان وأفدنة, وحوار وأحورة, وغراب وأغربة, وجريب وأجربة, وقفيز وأقفزة, وعمود وأعمدة, وخروف 47/ب وأخرفة, وأما الكثرة: فنحو حمار وحمر /, وقذال وقذل, وغزال وغزلان, وغراب وغربان, وقضيب وقضبان, وكثيب وكثبان, وعتود وعتدان. فإن كان الاسم فاعلًا كسر على فوعل نحو غارب وغوارب, وكاهل وكواهل, وخالد وخولد, وحاتم وحواتم, وقد جاء على فلان نحو راكب وركبان وصاحب وصحبان. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما الأبنية الخمسة التي ثالثها حرف مد لغير الإلحاق فأولها فعال بكسر الفاء وقد اطرد في جمع اسمه أفعلة, قالوا: حمار وأحمرة وفراش وأفرشة ولم يأت في الكثير إلا على فعل نحو حمر وفرش وفي التنزيل: {كل آمن بالله وملائكته وكتبه}. وقرئ: {أو من وراء جدر} ولغة أهل الحجاز التثقيل, ولغة تميم التخفيف, أنشدنا الشيخ رحمه الله: 369 - قوم إذا نبت الربيع لهم ... يتناهقون تناهق الحمر وأما رداء ونحوه مما لامه حرف علة فلا يتجاوزون به أفعلة نحو أردية وقال: واضطرب القوم اضطراب الأرشية فهذا جمع رشاء, وهو الحبل, وإنما لم يجمعوه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على فعل لئلا يلزم وقوع الضمة قبل حرف العلة لو قالوا: ردوء, وقد كسروا صفته على فعل قالوا: ناقة كناز, ونوق كنز, أي: مكتنزة اللحم, وعلى فعال, قالوا: ناقة هجان ونوق هجان أي: بيض, والألف في هجان من قولك: نوق هجان مثل ألف كرام, والألف في هجان من قولك: ناقة هجان مثل ألف كناز. وثانيهما: فعال بفتح الفاء, وقد اطرد في جمع اسمه أفعلة, نحوزمان وأزمنة وفدان وأفدنة وقذال وأقذذلة, وجوب وأجوبه, وحكى الجوهري: غزال وأغزلة وهو غريب وقد جاء في الكثرة على فعل وفعلان نحو فدن وفذل, وغزلان / ويجوز 149/ب فدن وقذل ولا يتجاوزون بالمعتل أفعلة نحو قضاء وأقضية وعطاء وأعطية للعلة المذكورة وجمعوا صفته على فعل, قالوا: نوار ونور وعوان وعون. وثالثهما: فعال بالضم, وقد جمع اسمه على أفعلة في القليل. قالوا: بغاث وأبغثة وغراب وأغربة, وخراج وأخرجه, وحوار وأحورة والحوار ولد الناقة, وجاء في كثيره فعل, حكى الصميدي: غراب وغرب وهو غريب وفعلان وهو كثير, قالوا بغثان وغلمان وحيران وقالوا: غلمة ولم يقولوا: أغلمة وجمعوا صفته على فعلة قالوا: شجاع وشجعه, وعلى فعال وفعلاء, قالوا في كرام: كرام وكرماء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ورابعها: فعيل, وقد جمعوا اسمه في القلة على أفعلة, نحو جريب وأجربة وهو في اصطلاح الحساب ما يرتفع من ضرب ستين في ستين, وقفيز وأقفزة ورغيف وأرغفة, وجاء في الكثير على فعل (نحو) رغف وكثب وقضب, وعلى فعلان كظلمان, وفعلان كرغفان, وجاء في قضبان وكثبان الضم والكسر. وجمعوا صفته على فعال, نحو: طويل وطوال, وعلى فعلاء نحو: فقيه وفقهاء وعلى أفعلة وأفعلاء, وقد اطرد في المضاعف نحو أطبة وأطباء, وأحبة وأحباء وأنشدوا: 370 - إذا أتى الموت لميعاده ... فعد عن ذكر الأطباء وإن م ضى من كنت ضنًا به ... فالصبر من شأن الألباء ما مر شيء ببني آدم ... أمر من فقد الأحباء وخامسها: فعول, وقد جاء في قليل اسمه أفعلة, نحو عمود وأمدة, وخروف وأخرفة, وجاء في كثيره فعل, كعمد, وفي التنزيل: {في عمد ممددة}. 150/أ (وفعلان كخروف) وخرفان, (وعتود) وعندان ببيان التاء وإذغامها / والعتود ولد الماعز, قال الأخطل: 371 - وأذكر عدانه عندنا مزنمة ... من الحبلق تبنى حولها الصير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقالوا في صفته: عدو وأعداء, وقد كثر جمع صفته على فعل نحو صبور وصبر وعجوز وعجز, وقالوا: عجائز. وفعال المضموم وفعيل إذا كانا صفتين لآدي لم يمتنعا من الواو والنون, وذلك نحو كرامين وظريفين, وفي التنزيل: {ويقتلون النبيين} ولا تجمع صفة فعول بالواو, فلا يقال: صبورون, ولا في مؤنثه: صبورات, لأنه لا تدخله التاء. وأما فاعل, فلا يخلو من أن يكون اسمًا أو صفة, فإن كان اسمًا كسر على فواعل علمًا كان أو جنسًا, تقول في العلم: حاتم وحواتم وخالد وخوالد, ولا يمنع من الواو والنون كحاتمين وخالدين, والجنس نحو غارب وغوارب, وهو أعلى السنام وكاهل وكواهل وهو ملقتى الكتفين, وخاتم وخواتم, ويقال: خاتم بالفتح وخاتام أنشد أو سعيد: 372 - فقل لذات الجورب المنشق ... أخذت خاتامي بغير حق وإن كان صفة فقد كسر على أمثلة فعل وفعال, وقد كثروا فيه, نحو ركع وسجد وصوم, وزوار وقوام ونوام, وفعلة, وفي التنزيل: {بأيدي سفرة * كرام بررة} وفيه: {أولئك هم الكفرة الفجرة} وفعله بضم الفاء, وهو مختص بالمعتل اللام نحو ولاة وقضاة وعصاة ودعاة, وهو كثير. وفعل, قالوا: بازل وبزل وشارق وشرف وفعال, قالوا: ناو ونواء, وصاحب وصحاب وراع ورعاء وفي التنزيل: {حتى يصدر الرعاء} وفعلان نحو صحبان وركبان, وفي

قال ابن جني: فإن كان الاسم رباعيًا كسر على مثال مفاعل, أي مثال كان نحو عقرب وعقارب, جخدب وجخادب, وبرثنوبراثن, وزبرج وزبارج, وسبطر وسباطر, ودرهم ودراهم, وكذلك ما كان ملحقًا بالأربعة نحو جوهر وجواهر, وصيرف وصيارف, وحنفس وحنافس, وجدول وجداول, وعثير وعثاير, وأرطى وأراط, وحذرية وحذار, وعنصوة وعناص. ـــــــــــــــــــــــــــــ التنزيل: {فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا} وفواعل, وقد اطرد في صفات غير 150/ب الآدميين. قالوا: جمل عاضه وجمال عواضه / وأنشدوا: 373 - أقوال العباس والمهاجر ... إنا ورب القلص الضوامر وفعلاء, وفي التنزيل: {والشعراء يتبعهم الغاوون} وإنما قلبت ألف فاعل في فواعل واوًا تشبيهًا للتكسير بالتصغير, لأنهم يقولون فيه: فويعل فيقلبون الألف واوًا, لانضمام ما قبلها. قال ابن الخباز: فإن كان الاسم رباعيًا كسر على فعالل, لا فرق بين اسمه وصفته على اختلاف أنبيته تقول: عقرب وعقارب, والعقرب الذكر, والأنثى عقربة وقيل: العقرب الأنثى والذكر عقربان, وسلهب وسلاهب, وزبرج وزبارج وبراثن, والبرثن: ظفر الأسد وجعشم, ودمقس ودماقس, وهو الكتان, وسبطر وسباطر, وهو الطويل. ودرهم ودراهم ويقال: درهام كسرداح,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهجرع وهجارع وجخدب وجخادب, وهو الجمل الغليظ, قال الراجز: 374 - شادخة ضخم الضلوع جخدبا وإنما لم يتجاوزوا في الرباعي فعالل قليلًا أرادوا أو كثيرًا, لأنهم لا يمكنهم حذف شيء منه, والملحق به يكسر تكسيره, فمن الملحق بعقرب صيرف, وهو فيعل من الصرف, قال أمية الهذلي: 375 - قد كنت خراجًا ولوجا صيرفًا ... لم تلتحصني حيص بيص الحاص فتقول في جمعه: صيارف, ولا تحذف الياء, لأنها بإذاء عين جعفر, وجوهر فوعل من الجهارة, وهي الحسن, تقول: جواهر, ولا تحذف الواو, وحيفس فيعل وهو القصير ملحق بدمقس, تقول: حيافس, وحكى لي شيخنا رحمه الله أن بعض المتأخرين البغداديين / حفظ سيبويه وصحف بعد ذلك حيفسا بخنفس, 151/أوجدول فعول ملحق بجعفر, وهو النهر الصغير. قال عمرو بن معد يكرب: 376 - لما رأيت الخيل زورًا كأنها ... جداول زرع أرسلت فاسبطرت وعثير فعيل, وهو الغبار ملحق بدرهم, تقول: عثاير بتصحيح الياء, والهمزة خطأ لتحرك الياء في الواحد.

قال ابن جني: فإن ك ان الاسم خماسيًا وكسرته حذفت آخر حروفه لتناهي مثال التكسير دونه تقول في جحمرش: جحامر, وفي سفرجل: سفارج, وفي قرطعب: قراطع, فإن كان فيه زائد حذفته أين كان إلا أن يكون رابعًا 48/أألفًا أو ياءً أو واوًا تقول في تكسير مدحرج دحارج, وتحذف / الميم, لأنها زائدة, وكذلك سميدع وفدوكس. تقول: سمادع وفداكس, فتحذف الياء والواو, وكذلك ألف عذافر إذا قلت: عذافر, وتقول فيما رابعه ألف أو ياء أو واو نحو سرداح وسراديح ومفتاح ومفاتيح, وشنظير وشناظير, ومعطير ومعاطير, وجرموق وجراميق, ويعقوب ويعاقيب, تقلب الألف والواو ياء لسكونهما وانكسار ما قبلهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف في وزن أرطى فقال سيبويه: هو فعلي الهمزة فيه أصل, والألف للإلحاق بجعفر, واستدل على ذلك بقول العرب: أديم مأروط, إذا دبغ بالأرطى وهو شجر, وقال أبو الحسن: هو أفعل, واستدل على ذلك بقولهم: أديم مرطي, ففي قول سيبويه وزن أراط أفعال, وفي مذهب أبي الحسن وزنه أفاع, ومتى سميت بأرطى مذكرًا لم ينصرف في القولين, أما في قول سيبويه فلأن ألف الإلحاق تحصنت من زيادة تاء التأنيث فجرت مجرى ألف التأنيث, وأما عند أبي الحسن فلأن فيه التعريف ووزن الفعل, وعنصوة فعلوة, وهي ملحقة بيرثن, وهي الخصلة من الشعر, ويقال: عشوة. وحذرية فعلية, وهي ملحقة بزبرج, وهي الأرض الغليظة, تقول: عناص وحذار. قال ابن الخباز: فإن كان الاسم خماسيًا فإنهم لا يكسرونه إلا على استكراه, قال سيبويه: لأنك لا تزال في سهولة حتى تبلغ الخامس قترتدع, وقال أبو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = سعيد: معنى قوله «على استكراه» أنهم لا يكسرونه إلا إذا سئلوا, فيقال لهم: كيف تجمعونه؟ ولابد من حذف الحرف الخامس لتناهي مثال التكسير دونه, تقول في سفرجل سفارج فهذا كجعافر, ولا يجوز إثبات اللام, لأنك لو أثبتها لقلت: سفارجل أو سفارجل وكلاهما لا يجوز, لأن ما بعد الألف من الأصول أكثر مما قبلها فكأن ألف التكسير وقعت في أول الاسم, والصفة والاسم في ذلك واحد تقول في شمردل شمارد / وفي قزعمل: قزاعم, وفي خبعثن: خباعث, 151/ب وفي قرطعب: قراطع. وفي جردحل: جرادح, وفي جحمرش جحامر, وفي قهبس: قهابل. وما كان من الرباعي والخماسي علمًا لآدمي أو صفة له لم يمتنع من الواو والنون والألف والتاء, وكذلك المؤنث بالتاء, تقول: بهصلات وحنظلات, وجعفرون وخضرمون, وسفرجلات, وصهصلون وشمردلون. فإن كان في الرباعي زائد فهو على قسمين: أحدهما: أن يكون رابعًا مدة الثاني: أن لا يكون كذلك, فما كان غير رابع مدة حذف أين كان, وإن كان لمعنى, لأنه إثباته يلزمه حذف بعض الأصول, والزائد ينبغي أن يحذف لأنه ليس بلازم في بنية الكلمة, تقول في مدحرج ومدحرج: دحارج, لأنك لو لم تحذف الميم لقلت: مداحر. وتقول في سميدع - وهو السيد سمادع, لأن تقرير الياء يخرج الاسم عن بناء التكسير, قال متمم:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 377 - وإن ضرس الغزو الرجال حسبته ... أخا الحرب صدقًا في اللقاء سميدعا وتقول في فدوكس: فداكس, فتحذف الواو لما ذكرناه في الياءز وسئل الشريف ابن الشجري رحمه الله, وهو من مشايخنا عن تفسير فدوكس فنظم ذلك في بيت فقال: 378 - فدوكس عن ثعلب ذو شدة ... وعن أبي عمرو غليظ جافي وألف عذافر تحذف لما ذكرنا, تقول: عذافر كفداكس وسمادع والعذافر الغليظ من الإبل. وما كان رابعًا مدة أثبت, فإن كان ياء لم يغير, لأن الألف والواو تصيران ياء لسكونهما وإنكسار ما قبلهما في الجمع, فتبقية الياء واجبة, تقول في سرداح 152/أسراديح, وهي الأرض الواسعة, والناقة الصلبة, أنشد أبو علي /: 379 - بينا كذاك رأيتني متلفعًا ... بالبرد فوق جلالة سرداح وتقول في مفتاح: مفاتيح وهو موازن (لسرداح) , وفي جرموق: جراميق وهو معروف, وفي يعقوب: يعاقيب, وهو ذكر القبج, وليس ملحقًا بجرموق ولكنه مثله في وقوع الواو رابعة, وفي شنظير: شناظير, وهو الأحمق. ويقال: شنظيرة قالت امرأة:

قال ابن جني: فإن كان فيه زائدتان مستاويتان كنت في حذف أيتهما شئت مخيرًا تقول في حبنطى فيمن حذف النون: حباط, وفيمن حذف الألف: حبانط, وكذلك في سرندي: سراد وسراند, فإن كان أحد الزائدتين لمعنى والآخر لغير معنى, حذفت الذي لغير معنى, وأقررت الذي لمعنى, تقول في تكسير مغتسل: مغاسل تحذف التاء, لأنها لغير معنى, وتقر الميم لأنها لمعنى, وكذلك منقطع تقول: مقاطع تحذف النون لا غير. فإن كانت فيه زائدتان متساويتان متى حذفت إحداهما لزمك حذف الأخرى معها ومتى حذفت صاحبتها لم تضطر / إلى حذف الأخرى, حذفت 48/ب التي تأمن مع حذفها حذف صاحبتها وذلك نحو عيضموز وعيسجور فالياء والواو فيه زائدتان, فإن حذفت الواو لزمك حذفت الياء, وإن حذفت الياء لم يلزمك حذف الواو, فتقول: عضاميز وعساجر لا غير. ـــــــــــــــــــــــــــــ 380 - شنظيرة زوجنيه أهلي وفي معطير: معاطير, وهو موازن لشنظير, والمعطير: العطار, قال: 381 - يتبعن جأبا ... كمدق المعطير قال ابن الخباز: فإن كان فيه زائدتان متساويتان لا فضل لأحدهما على الآخر حذفت أيتهما تشاء, نحو حبنطى وهو المتغضب أو سرندي, وهو النمر, ووزنهما: فعنلى, فالنون والألف زائدتان للإلحاق يسفرجل, فإن شئت حذفت الألف, لأنها طرف فيبقى في التقدير حنبط وسرند, وظاهر كلام أبي الفتح في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الخصائص أنه ينقل إلى حبنط وسرند ليكون كجعفر, فتقول: حبانط وسراند, وإن شئت حذفت النون, لأنها ثالثة ساكنة خفية إلى جانب اللام, فإذا حذفتها بقي في التقدير: حبطى وسردى وظاهر كلامه أنه يقنل إلى حبطى وسردى كأرطى فتقول: حباط وسراد فتقلب الألف ياء لانكسار ما قبلها, فإن كان أحد الزائدتين لمعنى, والآخر لغير معنى حذفت الذي لغير معنى وأقررت الذي لمعنى, وذلك نحو منقطع ومتغسل تقول: مقاطع ومغاسل, فتحذف النون, لأنها في الفعل والمصدر, ولا تحذف الميم لأنها لمعنى الفاعلية وفي كلام ابي الفتح ها هنا نظر, اعلم أن منقطعًا ومغتسلًا إن كانا صفتين لم يكسرا وإنما يقال: منقطعون ومغتسلون, 152/ب ومنقطعات ومغتسلات / وإن كانا علمين صح كلامه, وإن كانت الرواية منقطعًا ومغتسلًا بفتح الطاء والسين صح كلامه لأنهما يكونان اسمين لمكاني الانقطاع والاغتسال. وإن كان فيه زائدتان متى حذفت إحداهما لزمك حذف صاحبتها, ومتى حذفت صاحبتها لم تحتج إلى حذفها حذفت التي يؤمنك حذفها حذف صاحبتيها, لأن الحذف على خلاف الأصل, فلوحذفت التي يضطرك حذفها إلى حذف الأخرى كثر الحذف, وذلك نحو عيضموز, وهي الناقة المسنة, عن أبي سعيد: وعيسجور وهي الغليظة, قال: 382 - على دفقي المشي عيسجور فإن حذفت الواو بقي عيضمز وعيسجر ولابد من حذف الياء, لأن تقريرها يخرج الاسم عن بناء التكسير, وإن حذفت الياء بقي عضموز كقربوس, ولا يحتاج إلى حذف الواو لأنها وقعت رابعة كواز جرموق, فلذلك قلت: عضاميز وعساجير.

قال ابن جني: فإن كان في الاسم هاء التأنيث وكان على فعلة فجمعته بالألف والتاء حركت العين بالفتح وذلك نحو جفنة وجفنات, وقصعة وقصات, فإن كانت فعلة وصفًا, لم تحرك عينها نحو صعبة وصعبات, وخدلة وخدلات, فإن كانت العين معتلة أو مدغمة, أقررتها على سكونها, وذلك نحو جوزة وجوزات, وبيضة وبيضات, وسلة وسلات, وملة وملات, فإذا كسرتها جاءت على فعال نحو جفان وقصاع وصعاب وخدال وسلال ورياض. فإن كان الاسم على فعلة, جازت فيه فعلات بالضم, وفعلات بالفتح, وفعلات بالسكون نحو غرفة وغرفات وغرفات وغرفات, وحجره وحجرات وحجرات وحجرات, قال الشاعر: فلما رأونا باديًا ركباتنا ... على موطن لا نخلط الجد بالهزل ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: فإن كان في الاسم الثلاثي هاء التأنيث, كان على فعلة - وإنما بدأ به لأنه مؤنث فعل - جمعته بالألف والتاء في القلة - وقد ذكرت علة حذف التاء - وحركت العين تقول: قصعات وجفنات, وإنما حركوا العين فرقًا بين الاسم والصفة, وكان الاسم بالتحريك أولى لخفته, حيث لم يشبه الفعل, وقد أسكن في ضرورة الشعر قال ذو الرمة أنشده أبو علي: 383 - أبت ذكر عودن أحشاء قلبه ... خفوقًا ورفضات الهوى في المفاصيل وهذه ضرورة حسنة, لأن الأصل الإسكان. فإن كانت عينه ياء أو واواً أو مدغمة لم يحرك تقول: جوزات وبيضات / = 153/أ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وسلات وملات, والملة: الرماد الحار تقول: أطعمنا خبر ملة, وهذيل تحرك بنات الواو والياء فيقولون: جوزات وبيضات ولا يبالون بالحركة, لأ (نها) عارضة, وقرئ: {ثلاث عورات لكم} قال شاعرهم: 384 - أبو بيضات رائح متأوب ... رفيق بمشح المنكبين سبوح وغيرهم (يسكن) لاستثقال الحركة على حرف العلة. وإن كانت صفة سكنت نحو: خدلات وهي الممتلئة الأعضاء, وصعبات وإنما أسكنت الصفة لثقلها بتحمل الضمير, ويجيء في التكسير على فعال نحو جفان وقصاع وصعاب وخدال وسلال ورياض وضياع. قال: 385 - جفأ على الرغفان في الجفان وقال: 386 - لو أبصرتني أخت جيراننا ... إذ أنا في الحي كأني حمار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إذا أحمل القد على آله ... تحلب للي فيها اللجاب الغرار فهذا جمع لجبة: وهي الشاة القليلة اللبن: وإن كان على فعلة بالضم جمعته في القلة بالألف, والتاء وجازت لك فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ضم العين للإتباع, والإسكان, لأنه الأصل, والفتح طلبًا للتخفيف, تقول في غرفة: غرفات وغرفات وغرفات, وقد يريدون بالألف والتاء الكثير وفي التنزيل: {وهم الغرفات آمنون} وأما قوله تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} فهو على بابه في القلة, لأن المراد حجر نسائه صلوات الله عليه وسلامه. وقال بعض النحويين: إذا فتحت الثاني فقلت: غرفات فهو جمع غرف, وغرف جمع غرفة, وهذا بعيد, لأن غرفًا جمع كثرة, والجمع /153/ب بالألف والتاء جمع قلة, قال الشاعر: 387 - فلما رأونا باديًا ركباتنا ... على موطن لا نخلط الجد بالهزل الرواية بفتح الكاف, فإن كسرتها جاءت على فعل نحو ظلم وركب وغرف وفي التنزيل: {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} , وقد جاء في المضاعف فعال نحو قبة وقباب وجبة وجباب.

149/أقال ابن جني: / وكذلك فعلة يجوز فيها فعلات وفعلات وفعلات وذلك نحو سدرة وسدرات وسدرات وسدرات, وكسرة وكسرات وكسرات وكسرات, فإن كسرتهما جاءت فعلة على فعل, وفعلة على فعل, وذلك نحو ظلمة وظلم, وكسرة كسر. فأما الصفة: فإن تكسيرها ليس بقوي في القياس, على أنها قد جاء ذلك فيها نحوًا من مجيئه في الأسماء, لأنها أسماء, فإذا مر ذلك بك فقد قدمت ذكره. وقد شذت ألفاظ من الجمع عن القياس قالوا: ليلة وليال, وشبه ومشابه. وحاجة وحوائج, وذكر ومذاكير, وسد وأسدة. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: فإن كان على فعلة بالكسر جمعته في القلة بالألف والتاء, وجازت لك فيه ثلاثة أوجه: فعلات بالكسر للاتباع وفعلات بالفتح طلبًا للخفة, وفعلات بالسكون, لأنه الأصل, تقول في كسرة: كسرات وكسرات وكسرات, فإنكسرتها جاءت على فعل نحو كسر, وفي التنزيل: {كنا طرائق قددا} وقالت زوجة سلام (بن قحفان). 388 - فأعط ولا تبخل إذا جاء سائل ... فعندي لها عقل وقد زاحت العلل وأما أشد وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين ففيه ثلاثة أقوال: قيل: إنه جمع شد مثل: كيف وأكف, وقيل: إنه جمع شدة مثل نعمة وأنعم, وهو قول أبي علي وقيل: إنه اسم مفرد على أفعل كآجر وآنك, وهو الرصاص, وفي الحديث: «من استمع إلى قينة صب في أذنيه الآنك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأما الصفة فإن تكسيرها ليس بقوي في القياس, لأنها أشبهت الفعل في الاشتقاق من المصدر ولحاق الزوائد أوائلها, وجريها عليه في الحركات والسكنات وتحمل الضمير فقد استحكم شبهها بالفعل, وهو لا يكسر, وإنما شأنها التصحيح مثله, وقد ذكرت في سياق كلام أبي الفتح نبذًا من الصفات, وعرفتك تكسيره فاعمل على حسبه فإنه كاف. وقد جاءت أسماء مجموعة مبنية على غير واحدها المستعمل في الكلام, ذكر أبو الفتح منها خمسة: الأول: ليلة, وقياس جمعه ليال / كضيعة وضياع ووجه 154/أشذوذه أنهم قالوا: ليال, قال ذو الرمة أنشده سيبويه: 389 - هي الدار إذمي لأهلك جيرة ... ليالي لا أمثالهن لياليا الثاني: شبه, وقياس جمعه أشباه كقلم وأقلام, وقالوا في جمعه: مشابه بنوه على مفعل كأنه مشبه كما بنوا الليالي على ليلاه كأرطاة. الثالث: حاجة, قياس جمعها حيج, كما قالوا: تارة وتير, أو حياج, كما قالوا: ناقة (ونياق) فقالوا حوائج, كأنهم بنوه على حائجة, ولعبد القاهر فيها قول حسن, وهو أن حوئج جمع حوجاء على القلب, لأن حوجاء في معنى حاجة وقياس جمعها: حواج كصحار, فقدموا الياء قبل الجيم, فهمزوا, فقالوا: حوائج كما قال الشاعر, أنشده أبو الفتح في إعراب الحماسة: 390 - لقد زودتني يوم قو حزازة ... مكان الشجي تجول بين الترائق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهذا جمع ترقوة وقياسه تراق كقوله تعالى: {كلا إذا بلغت التراقي}. الرابع: ذكر, قالوا في جمعه: مذاكير, كأنهم بنوه على مذكار, والقياس ذكور وذكران, كما جاء في التنزيل: {ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكرانًا} وذكارة. الخامس: سد, قالوا في جمعه: أسدة كأنهم بنوه على سداد, كما يقال: عنان وأوعنة, والأسدة: العيوب كالعمى والصمم, يقال: لا تجعلن بجنبك الأسدة. ونختم الباب بثلاث مسائل يحتاج إليها, المسألة الأولى: إذا كان الاسم صفة تجمع جمع الصفات لا الأسماء, فإن سميت به جمعته جمع الأسماء التي على بنائه فلو سميت بسعيد لقلت في قليله: أسعدة, وفي كثيره: سعد كما يقول: 154/ب أرغفة ورغف, ولا تقول: / سعداء لأن ذلك جمعه حين كان صفة. المسألة الثانية: إذا سميته بجمع ليس على مفاعل ومفاعيل جاز جمعه, لأنه قد صار مفردًا في المعنى, تنظر إذا أرت جمعه إلى مثله من المفردات فتجمعه جمعه فلو سميته بظلم قلت في جمعه: ظلمان, كما تقول: صرد وصردان ولو سميته بكسر قلت في جمعه: أكسار, كما تقول: عنب وأعناب. فإن سميته بنحو مساجد ومصابيح جمعته مذكرًا بالواو والنون ومؤنثًا بالألف والتاء فقلت: مساجدون ومصابيحون ومساجدات ومصابيحات, لأن هذا المثال لا يقبل التكسير مرة أخرى. المسألة الثانية: إذا سميت مذكرًا باسم فيه تاء التأنيث لم تجمعه إلا بالألف والتاء قالوا: طلحة الطلحات, وأجاز الكوفيون: طلحون بفتح اللام قياسًا على طلحات, وهذا أشنع من قول الكوفيين: لإفراط التغيير في جمع التصحيح ومن شأنه أن لا نغير واحده.

باب: (القسم)

باب: (القسم) قال ابن جني: / اعلم أن القسم ضرب من الخبر, يذكر ليؤكد به خبر آخر, 49/أوالحروف التي يصل بها القسم إلى المقسم به ثلاثة وهي: الباء, والواو, والتاء. فالباء هي الأصل, والواو بدل منها, والتاء بدل من الواو, والباء تدخل على كل مقسم به مظهرًا كان أو مضمرا, فالمظهر نحو قولك: بالله لأقومن, والمضمر / نحو قولك: به لأنطلقن, أنشد أبوزيد: 49/ب ألا نادت أمامة باحتمال ... لتحزنني فلا بك من أبالي والواو تدخل على المظهر دون المضمر تقول: «والله لأذهبن وأبيك لأنطلقن». ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب القسم) قال ابن الخباز: القسم: اسم للمصدر الذي هو الإقسام, وليس بمصدر, لأن المصدر أقسم إقسامًا, وقد استعمل في موضعه, قال أبو خراش الهذلي: 391 - قد كنت أقسمت فتثبت القسم والقسم ضرب من الخبر, لأنه جملة من فعل وفاعل كقولك: حلفت بالله أو من مبتدأ وخبر كقولك: علي عهد الله, وإنما يؤكد (به) لتوكيد جملة المحذوف عليه, لأن المخبر إذا أخبر بجملة موجبة أو منفية وخاف أن يظن به الكذب أقسم بمن يعظم في اعتقاده, على أن الأمر كما ادعى من إيجاب أو نفي, وصناعة الإعراب تسوغ الحلف بكل اسم يجوز دخول حروف القسم عليه, كقولك, والله وأبيك, وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تحلفوا بآبائكم وأمهاتكم / ولا تحلفوا 155/أبالله إلا وأنتم صادقون» وقيل: مما عوقبت به السحرة بإبطال سحرها قولهم:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = {بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} والله أعلم. إن فعل القسم فعل غير متعد بنفسه, وذلك نحو: أقسمت وحلفت وآليت فلابد من حروف جر يوصله إلى الاسم المقسم به. والحروف التي تعديه في أكثر الأمر ثلاثة: الباء والواو والتاء, فالباء هي الأصل لثلاثة أوجه: الأول: أن فعل القسم يظهر معها, قالت غنية الأعرابية: 392 - أحلف بالمروة يومًا والصفا ... أنك خير من تفاريق العصا الثاني: أنها تدخل على الظاهر والمضمر تقول: بالله لأفعلن, وبك لأعبدنك أنشد أبو زيد, وهو من أبيات الحماسة: 393 - ألا نادت أمامة باحتمال ... لتحزنني فلا بك لا أبالي وأنشد أبو زيد أيضًا, وهو من أبيات الإيضاح: 394 - رأى برقًا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسأل ولا أغاما وإنما دخلت على المضمر, لأنها تكون حرف جر في غير القسم كقوله تعالى: {فخسفنا به وبداره الأرض}.

قال ابن جني: والتاء تدخل على اسم الله عز وجل وحده, تقول: تالله لأركبن, قال الله عز وجل: {وتالله لأكيدن أصنامكم} , والأصل في هذا كله أحلف بالله, وأقسم بالله, فحذف الفعل تخفيفًا في أكثر الأمر. فإن حذفت حرف القسم, نصبت الاسم بعده بالفعل المقدر. تقول: الله لأذهبن أباك لأقومن, قال امرؤ القيس: فقالت يمين الله مالك حيلة ... وما إن أرى عنك الغواية تنجلي ومن العرب من يجر اسم الله تعالى وحده مع حذف الجر, فيقول: الله لأقومن وذلك لكثرة استعمالهم هذا الاسم, وتقول: إي هالله فتجر الاسم بها. لأنها صارت بدلاً من الواو, وكذلك قولهم في الاستفهام: آلله لأذهبن, صارت همزة الاستفهام عوضًا من الواو, فجرت الاسم / 50/أوتقول في التعجب. لله لأقومن, وتقول: من ربي ومن ربي لأذهبن. ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: أنها تستعمل في الاستعطاف كقولك بالله متى تزورنا, أنشد أبو علي: 395 - خليلي هل من حيلة تعلمانها ... يدنيكما من وصل مي احتيالها فتحتالها أولا وإلا فلم تكن ... بأول راج حاجة لا ينالها والواو بدل من الباء, وإنما أقاموها مقامها, لأنها شابهتها في المخرج, لأنهما شفويتان, ولا تدخل إل على المظهر, تقول: والله, وقد كثر القسم بالواو في القرآن ولا يجوز أن تقول: وك كما تقول: بك لأن الواو لا تكون جارة إلا في القسم. قال ابن الخباز: والتاء بدل من الواو, ولا تدخل إلا (على) اسم الله تعالى كقوله تعالى: {وتالله لأكيدن أصنامكم} وفيها معنى التعجب, وقد = 155/ب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حكى الأخفش: «ترب الكعبة» وهو قليل. ولا شبهة في أن الأصل ظهور فعل القسم, فيقال: أحلف بالله, وفي التنزيل: {قالوا تقاسموا بالله} وإنما جاز حذفه لأن الحال تدل عليه. وقد يزيدون الاتساع بأن يحذفوا حرف الجر, فإذا حفوه وصل فعل القسم إلى الاسم المحلوف به فنصبه كقولك: الله لأفعلن, وأباك لأذهبن والأصل: أحلف بأبيك, فحذف أحلف والباء, وذلك لكثرة القسم في كلامهم. قال امرؤ القيس: 396 - فقالت يمين الله مالك حيلة ... وما إن أرى عنك الغواية تنجلي وقال ذو الرمة: 397 - ألا رب من قلبي له الله ناصح ... ومن قلبه لي في الظباء السوانح وبعض العرب يجر اسم الله تعالى وحده بعد حذف الحرف, فيقول: الله لأفعلن لأن حلفهم بهذا الاسم كثير ولا يجيز البصريون جر غيره, فلا يقولون: أبيك لأقومن لأن الحلف لم يكن به ككثرته بالله عز وجل, وأجازه الكوفيون, وحجتهم أن موضع الحرف قد علم, فجاز حذفه وإعماله, والجواب: أن حرف الجر ضعيف جدًا, فلا يجوز إعماله بعد الحذف, وقيل: إنه قرئ: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وقال بعض الجهال بالعربية: إنه بدل من اسم الله تعالى في قوله تعالى: {تلك آيات الله} أسخن الله عينه ما هذا الإبدال, وقد فصلت بينهما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = آيتان تشتمل على جمل كثيرة أنسين المبدل منه, والصواب أن يقال: إنه مقسم به مجرور بالباء المحذوفة والجواب: {لا تأخذه سنة} وأما قول المتلمس: 398 - آليت حب العراق الدهر أطعمه ... والحب يأكله في القرية السوس قال سيبويه: تقديره: آليت على حب العراق, فحذف الجار / ووصل الفعل 165/أوقيل: إن حب العراق منصوب بفعل دل عليه أطعمه, تقديره: آليت لا أطعم حب العراق. واعلم أنهم يعوضون من حرف الجر المحذوف في القسم ثلاثة أشياء, فيجرون بها المقسم به, الأول: «ها» التي للتنبيه, قالوا: إي ها الله ذا, ولاها الله ذا, وفيها لغتان: الأولى: أن يقال: إي هالله ذا بحذف ألف «ها» لالتقاء الساكنين. والثانية: إثباتها فيقولون: إي ها الله ذا كقولك: {ولا الضالين} وقال الخليل: إن قولهم: إي ها الله ذا مشتمل على القسم وجوابه, كأنه قال: إي ها الله للأمر ذا. فإن قلت: فكيف تقدير هذا الكلام وما أصله؟ قلت: كأنك سألت إنسانًا عن أمر فقلت له: أقام زيد؟ فقال: إي ها الله ذا وتقديره إي والله للأمر هذا, فحذفت الواو, وقدمت «ها» مكان الواو, وحذف للأمر, فالمقسم به فاصل بين حرف التنبية واسم الإشارة. وقال أبو الحسن: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = جواب القسم محذوف «وذا» توكيد لجملة القسم, كأنه قال: إي ها الله ذا الأمر كذا قد أشار به إلى القسم. الثاني: ألف الاستفهام كقوله: ألله لتفعلن جروا الاسم بها, لأنها صارت عوضًا من الباء. الثالث: قطع ألف الوصل, وذلك لا يكون إلا مع فاء العطف, تقول: أنا أبيع داري, فيقول لك السائل: أفألله لتبيعن, فلابد من قطع ألف الوصل «لأنها صارت عوضًا من الباء المحذوفة. وقد استعملوا في القسم حرفين آخرين, وهما اللام ومن, أما اللام فكقولك لله لأفعلن, ومعناها: الاختصاص, كأنك قلت: أحلف لله, أي: أختص بيميني الله, ولا أحلف بغيره, وقد أنشد سيبويه بيتًا لبعض الهذليين: 399 - لله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآسي 156/ب وذكر الزمخشري: أن البيت لعبد مناة الهذلي / ولم يؤجد إلا في شعر أبي ذؤيب ومالك بن خويلة الخناعي, وأنشد سيبويه:

قال ابن جني: والحروف التي يجاب بها القسم أربعة: وهي إن واللام وكلاهما للإيجاب, وما ولا وكلاهما للنفي, تقول: والله إنك قائم, ووالله إنك لقائم, والله ليقومن. ووالله لقد قام, ووالله لزيد أفضل من عمرو, وتقول: والله ما قام ووالله ما يقوم والله لا يقوم. وربما حذفت «لا» وهي مرادة, قال امرؤ القيس: فقلت: يمين الله أبرح قاعدًا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي أي: لا أبرح قاعدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ 400 - * لله يبقى * (399) والذي وجد في شعريهما: 401 - * يامي لن يعجز الأيام ذو حيد * (399) الثاني: من, ولا تدخل إلا على ربي, قالوا: من ربي إنك لأشر, يقال من ومن ولا تضم ميم من إلا في القسم, واستهوى بعض النحويين ضم ميمها إلى أن قال: أصلها: أيمن, وسنذكر لغاتها في موضعها إن شاء الله. فإن قلت: ما معنى من (في) قولك: «من ربي إنك لأشر»؟ . قلت: إن جعلناها حرف جر فهي إما لابتداء الغاية, وإما للتعليل. واعلم أن جملتي القسم والشرط أختان, فكما لابد للشرط من الجزاء كذلك لابد للقسم من الجواب. وسألت شيخنا رحمه الله لم افتقر القسم إلى الجواب؟ فقال: لأن القسم مؤكد ومؤكد, والمؤكد من غير مؤكد لا يكون. قال ابن الخباز: ولما كانت جملة القسم وجملة الجواب متباينتين جيء بحرف يربط إحداهما بالأخرى والحروف أربعة: إن واللام وما ولا, لأن المحلوف عليه لا يخلو من أن يكون موجبًا أو منفيًا, فإن كان موجبًا تلقي باللام, وإن كان منفيًا تلقي بما, ولهذه الحروف مواضع لا تتجاوزها, وأنا أفصلها واحدًا واحدًا, أما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إن: فقد عرفت أنها من عوامل الأسماء فلا تدخل إلا على المبتدأ والخبر, تقول: والله إن زيدًا قائم, وقد أجيب القسم بإن في القرآن كثيرًا, وفي التنزيل: {والصافات صفا} ثم قال: {إن إلهكم لواحد} ويجوز والله إن زيدًا قائم, (و) والله إن زيدًا لقائم والإتيان باللام أكثر توكيدًا, ويجوز والله إن زيدًا لم يقم, لأن العبرة بالمصدر. وأما اللام فتدخل على الجملة الاسمية والفعلية, تقول في الاسمية: والله 157/ألزيد أفضل من عمرو وأنشد حمزة الأصفهاني /: 402 - حلفت برب مكة والمصلى ... لها والراقصات بذات جمع لأنت على التنائي فاعلميه ... أحب إلي من بصري وسمعي وإن دخلت على الفعلية فلا يخلو الفعل من أن يكون ماضيًا أو مضارعًا فإن كان ماضيًا فالجيد أن يؤتى معه بقد كقولك: والله لقد فعل, ويجوز طرح اللام وإقامة قد مقامها وفي التنزيل: {والشمس وضحاها} ثم قال: {قد أفلح من زكاها} وتقول: «والله للذب» فتطرح قد إن شئت. وإن كان الفعل مضارعًا فلك فيه ثلاثة أوجه: الجيد الشائع أن تجمع بين اللام وإحدى نوني التوكيد, وفي التنزيل: {ليسجنن وليكونا من الصاغرين} الثاني: أن تأتي بالنون وحدها, قال عامر بن الطفيل: 403 - وقتيل مرة أثأرن فإنه ... فرغ وإن أخاكم لم يثأر الثالث: أن تأتي باللام وحدها, تقول: والله لأفعل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مسألة: تقول: والله لئن قمت لأكرمنك, ووالله إن قمت لأكرمنك, فاللام الثانية جواب القسم, والقسم جوابه جواب الشرط, واللام الأولى هي الموطئة لجواب القسم لأن الشرط صدر الجملة, وأكثرما جاء في القرآن بإدخال اللام كقوله تعالى: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون} وقال تعالى: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك} وقال تعالى: {وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم} فجاء بغير اللام. وأما «لا»: فإن دخلت على الجملة الاسمية كررت كقولك: «والله لا زيد فيها ولا عمرو, وقد ذكرناها في باب «لا» وإن دخلت على الفعلية, فإن كان الفعل ماضيًا صار في معنى المستقبل كذلك قال ابن السراج / قال المؤمل: 157/ب 404 - حسب المحبين في الدنيا عذابهم ... والله لا عذبتهم بعدها سقر وإن كان الفعل مضارعًا صار مخلصًا للاستقبال كقولك: والله لا أفعل, ويجوز حذفها تقول: والله أفعل, والمعنى النفي, قال أبو علي «لأنه لو كان إيجابًا لم يخل (الكلام) من اللام أو من النون أو منهما جميعًا» قال الله تعالى: {تفتأُ تذكر يوسف} أي: لا تفتأ, وقال امرؤ القيس: 405 - فقلت: يمين الله أبرح قاعدًا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أي: لا أبرح, والأوصال جمع وصل بكسر الواو, وهو ما وصل بين العضوين. وقالت زوجة سالم بن قحفان: 406 - حلفت يمينًا يا بن قحفان بالذي ... تكفل بالأرزاق في السهل والجبل تزال جبال مبرمات أعدها ... لها ما مشى يومًا على خفه جمل أي: لا تزال. وأما «ما» فتلى الجملة الإسمية عمالة في لغة أهل الحجاز, ومهملة في لغة بني تميم, تقول: والله ما زيد قائمًا, أو قائم, قال الراجز: 407 - والله ما ليلي بنام صاحبه ... ولا مخالط الليان جانبه وتدخل على الفعل الماضي فتقربه من الحال, وعلى المضارع فتخلصه للحال, تقول والله ما قام زيد, والله ما يقوم زيد. ويجاب القسم بإن النافية, وقد جاء في القرآن, وفي التنزيل: {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}. واعلم أن الأصل في القسم أن يكون بالفعل, لأن العبارة عنه بالفعل كقوله تعالى: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم} , {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} و {تقاسموا بالله لنبيتنه} وقول الشاعر: 408 - آليت أثقف منهم ذا لحية ... أبدًا فتنظر عينه في مالها

قال ابن جني: وقد عقدت العرب جملة القسم من المبتدأ والخبر. كما عقدتها من الفعل والفاعل, فقالت: لعمرك لأقومن, ولأيمن الله لأذهبن, فعمرك مرفوع بالابتداء. وخبره محذوف, والتقدير: لعمرك ما أحلف به, وقولك: لأقومن جوب القسم, وليس بخبر المبتدأ, ولكن صار طول الكلام بجواب القسم عوضًا من خبر المبتدأ, وكذلك القول في لأيمن الله, قال الشاعر: فقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم وفريق لأيمن الله ما تدري / فإن حذفت اللام نصبت على ما تقدم فقلت: عمرك لا قمت, وأيمنك لا انطلقت. 50/ب ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبييين / لما آتيتكم من كتاب وحكمة}. 158/أ قال ابن الخباز: وقد عقدت العرب جملة القسم من المبتدأ والخبر, نزلوهما منزلة الفعل والفاعل, لأن كل واحدة من الجملتين مشتملة على مسند ومسند إليه, قالوا: لعمرك لأفعلن أيمن الله لأذهبن. أما عمرو: فمعناه: الحياة, وفيه ثلاث لغات: عمرو كفلس وعمرو كقفل, وعمرو كعنق, واختاروا للقسم الفتح لكثرته في كلامهم, وخفة الفتحة فإذا قلت: لعمرك لأفعلن, (فعمرك) مرتفع بالابتداء, وخبره محذوف, كأنك قلت: لعمرك ما أقسم به أي: الذي أقسم به حياتك, فحذف, لأن طول الكلام بجواب القسم صار عوضًا من الخبر. وليس قولك: «لأفعلن» خبر المبتدأ. لوجهين: أحدهما: أنه لو كان خبرا له بقي القسم بلا جواب. والثاني: أنه جملة والجملة إذا أخبر بها عن المبتدأ وجب أن يكون فيها ذكر ظاهر كقولك: زيد ضربته أو مقدر كقولك: «البر الكر بستين» وليس في قولك: «لأفعلن» ذكر ظاهر ولا مقدر. وتقول: لعمري لأفعلن, فتقسم بحياة نفسك, قال الشاعر: 409 - لعمري وما عمري على بهين ... لقد ساءني طورين في الشعر حاتم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وروى أبو الفتح أنهم يقولون رعملي, فيقلبون ذكره, في سر الصناعة. وأما قولهم: «ايمن الله لأذهبن» فأيمن مبتدأ, والقول في خبره كالقول في خبر لعمرك. واختلف النحويون فيه, فذهب الكوفيون إلى أنه جميع يمين, يقال: يمين وأيمن, قال أبو النجم: 410 - يبري لها من أيمن وأشمل وذهب البصريون إلى أنه مفرد على أفعل كآجر, فيمن خفف الراء, واشتقاقه من اليمن, وحجتهم أنا لم نجد جمعًا موصول الهمزة, وفيه عشر لغات,] قال أيمن بفتح الهمزة, وإيمن الله بكسرها, وأيم الله بحذف النون, والهمزة 158/ب مفتوحة / ومكسورة, وأم الله بحذف الياء والنون, والهمزة مفتوحة ومكسورة. ومن الله, بحذف الهمزة والياء, والميم مكسورة ومضمومة, وم الله, بحذف الهمزة والياء والنون, والميم مضمومة ومكسورة, فوزن أيمن الله على أفعل الله. ووزن إيمن الله على إفعل الله, ووزن أيم الله على أفع الله, ووزن إيم الله على إفع الله ووزن أم الله: أع الله, ووزن إم الله: إع الله. ووزن من الله: عل الله, ووزن=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من الله: عل الله, ووزن م الله: ع الله. ووزن م الله: ع الله. قال الشاعر: 411 - ولا أسأل الركبان إلا تعلة ... بواضحة الأنياب طيبة النشر فقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم, وفريق ليمن الله ما ندري نشدتهم: أقسمت عليهم, وقوله: «ليمن الله» اللام لام الابتداء والهمزة محذوفة, لأنها همزة وصل. فإن حذفت اللام من قولك: لعمرك, ولأيمن الله, نصبتهما مصدرين فقلت: عمرك لأفعلن, وأيمنك لأنطلقن, قيل: إنهما مصدران, والجيد عندي أن يكونا منصوبين على حذف حرف القسم, وتعدية الفعل إليهما, وتقول: عمرك الله وعمرك الله, فإذا نصبتهما كأنك قلت: أقسمت عليك بتعميرك الله أي: بوصفك إياه بالعمر, وإذا رفعت فكأنك قلت: أقسم عليك بأن يعمرك الله أي: يبقيك. ويستعمل بعد عمرك الله الاستثناء, كقولك: عمرك الله إلا فعلت والأمر كقولك: عمرك الله قم إلينا, والنهي كقولك: عمرك الله لا تفعل, والاستفهام كقولك: عمرك الله هل فعلت.

باب: (الموصول والصلة)

باب: (الموصول والصلة) قال ابن جني: الكلمة الموصولة على ضربين: اسم, وحرف, فالأسماء الموصولة: الذي والتي, وتثنتيهما, في الرفع: اللذان واللتان, وفي الجر والنصب: اللذين واللتين, وجمع الذي: الذين في كل حال. وجمع التي: اللاتي, واللائي, واللاء, وجمع اللاتي: اللواتي, واللائي: اللوائي, ومن وما وأي, والألف واللام, في معنى الذي والتي وتثنيتهما وجمعهما, والأولى في معنى اللذين. واعلم أن هذه الأسماء لا تتم معانيها إلا بصلات توضحها وتخصصها, ولا تكون صلاتها إلا الجمل والظروف, ولابد في الصلة من ضمير يعود إلى الموصول. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب الموصول والصلة) قال ابن الخباز: حد الموصول: ما لابد له في تمامه اسمًا من جملة يشفع بها, والجملة تسمى صلة لأنها وصلته أو لأنها وصلت به, ويسمى ما لحقته موصولًا, 159/ألأنه وصل بها والموصول على ضربين: أسماء / وحروف, وكون الاسم موصولًا بعيدٌ في القياس, لأن حقه أن يقوم بنفسه ولا يحتاج إلى غيره, وكون الحرف موصولًا مناسب لحاله, لأنه دال على معنى في غيره. ونبدأ بذكر الأسماء, لأن لها التقدم على الأفعال والحروف, فمنها: الذي, والألف واللام فيها زائدتان غير معرفتين, لأن من وما الموصولتين معرفتان, وليس فيهما ألف ولام وفيه أربع لغات: الذي بتخفيف الياء, والذي بتشديدها قال الشاعر: أنشده أبو سعيد: 412 - وليس المال فاعلمه بمال ... وإن أغناك إلا للذي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والذ بحذف الياء وكسر الذال, أنشد أبو سعيد أيضًا: 413 - والذ لو شاء لكانت برًا ... وجبلًا أصم مشمخرًا والذ بسكون الذال, أنشد الواحدي رحمه الله: 414 - ولم أر بيتًا كان أعجب ساكنًا ... من الذ به من آل عزة عامر فإن ثنيته قلت: اللذان في الرفع, واللذين في الجر والنصب, وهو معرب في التثنية لأن التثنية لابد لها من الحروف, وهو يفيد الإعراب, وقد قرئ بتشديد نونه, وفي التنزيل: {اللذان يأتيانهما} وفيه: {ربنا أرنا الذين أضلانا} جعلوا التشديد عوضًا من ياء الذي المحذوفة وتحذف نونه في ضرورة الشعر, قال: 415 - أبني كليب إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإن جمعته قلت: الذين في كل حال, وهو مبني, جعلوا الجمع بمنزلة المفرد في البناء, لأن الجمع يخترع له صيغ كالواحد, ومنهم من يحذف منه الألف واللام في الجمع. وقرئ: {صراط الذين أنعمت عليهم} ومنهم من يعربه إعراب الزيدين, فيقول: اللذون في الرفع, والذين في الجر والنصب, لأن جمع الاسم يؤذن بتمكينه في الاسمية فلذلك أعربه. ومنها التي, وفيها من اللغات ما في الذي, وتثنيتها كتثنيتها, تقول: اللتان 159/ب واللتين, ويجوز تشديد نونها, وتقول في جمعها / اللاتي كالقاضي, واللات كالقاض واللاء كاللاغ, واللائي كالاغي, وقال أبو علي في الحجة: إن وزن اللاتي واللائي فاعل, وتقول في جمعها: اللواتي واللوائي, قال الشاعر: 416 - من اللواتي والتي واللاتي ... زعمن أني كبرت لداتي وقال أيضًا: 417 - أمنزلتي مي سلام عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين رواجع وأنشد ابن السراج رحمه الله: 418 - فإن أدع اللواتي من أناس ... أضاعوهن لا أدع اللذينا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأما الأولى فيطلق على جمع المذكر وجمع المؤنث, وقد جمعها أبو ذؤيب الهذلي في بيت قال: 419 - وتبلى الأولى يستلئمون على الأولى ... تراهن يوم الروع كالحدإ القبل وأما اللاؤن واللائين فهو بمعنى الذين, أنشد أبو علي للكميت: 420 - ألما تعجبي وترى بطيطًا ... من اللائين في الحقب الخوالي البطيط: العجب. والذي والتي وتثنيتهما يكونان لمن يعقل ولما لا يقعل, والذين لا يكون إلا لمن يعقل, وكذلك اللاؤن واللائين, وجمع التي يكون لذوات العلم وغيرهن وقد تقدم في الأبيات ما يدلك على ما قدمناه. ومنها: من: وهي مختصة بذوي العلم, مفردة اللفظ في الإفراد والتثنية, والجمع, وإذا جئت لها بصلة, فإن عنيت بها المفرد لم يجز إلا توحيد العائد كقولك, جاءني من أبوه خير منك, وإن عنيت بها التثنية والجمع المذكر والمؤنث جاز توحيد الضمير حملًا على لفظها وتثنيته وجمعه حملًا على معناها, قال الله عز وجل: {ومنهم من يستمع إليك} وقال: {ومنهم من ينظر إليك}. وقال تعالى: {ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به} فوحد حملًا على اللفظ / وهو كثير, وقال تعالى: {ومنهم من يستمعون} فجمع حملًا على المعنى. = 160/أ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ويجوز الجمع بين الجملتين, وتقديم الحمل على اللفظ هو الأولى, كما جاء في الكتاب العزيز, لأنه هو الظاهر, قال الله تعالى: {أفمن كان على بينة من ربه, كمن زين له (سوء عمله) , واتبعوا أهواءهم} وقال تعالى: {كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} وقال: {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا} وقال الفرزدق: 421 - تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... تكن مثل من يا ذئب يصطحبان وأما «ما» فهي مختصة بغير ذوي العلم, وأما قوله تعالى: {والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها * ونفس وما سواها} فقد قيل: إنها مصدرية, وقيل: إنها بمعنى من, وكلاهما عن أبي بكر. وأما أي: فيكون لذوي العلم وغيرهم بمنزلة الذي والتي, وأكثر استعمالها مضافة, لأن معناها يقتضي الإضافة لأنه اجزء من كل, ولا يجوز حذف ما تضاف إليه إلا إذا دل الدليل عليه كقوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} أي: أي الاسمين دعوتم أو أي الأسماء. وأما الألف واللام فلا تخلو من أن تدخل على اسم أو على صفة, فإن دخلت على الاسم فهي لتعريف الجنس أو لتعريف العهد, وقد ذكرنا ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإن دخلت على صفة من اسم فاعل أو اسم مفعول أو الصفة المشبهة باسم الفاعل كالضارب والمضروب والحسن (فهي اسم بمعنى الذي) وأبو عثمان المازني يذهب إلى أنها حرف وحجته أنها لو كانت اسمًا بمعنى الذي لم يقدم ما في حيزها عليها وقد قام في قوله تعالى: {وكانوا فيه من الزاهدين} وقوله تعالى: {وهو في الآخرة من الخاسرين} وقوله تعالى: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} وابن السراج يذهب إلى أنها اسم بمعنى الذي والتي ولا تلحقها تثنية ولا جمع ولا تأنيث, وإنما يلحق هذا الصفة كقوله تعالى: {الزانية والزاني} وكقوله تعالى: {والكافرون هم الظالمون} والدليل على أنها اسم: عود الضمير إليه كقولك: الضارب أباه زيد, وجميع الآيات قدم فيها الجار للتبيين, وهو متعلق بمحذوف, تقديره: وكانوا زاهدين فيه, وكذلك البواقي, فهذه الأسماء الموصولة, وقد بينا معنى الموصول. ولا يجوز إفراد الموصول عن الصلة, فلا تقول: جاءني الذي, ولا مررت بمن, حتى تأتي بالصلة, فأما قول الراجز: 422 - من مضى ومن بقي, وإنما حذف الصلة (لتوهم أن المعنى الذي قصده) قد بلغ من العظم مالا تؤدي العبارة حقيقته. والذي يوصل به الموصول ستة أشياء: الفعل والفاعل كقولك: جاءني الذي قام أبوه والمبتدأ والخبر كقولك: مررت بمن أبوه أمير, والشرط وجوابه كقولك: الذي إن تكرمه يكرمك عبد الله, والظرف كقولك: الذي خلفك زيد والجار والمجرور =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = كقولك الذي لك درهم, والقسم وجوابه كقولك: الذي حلفت لا أزوره زيد, فإن قيل: لم لم تكن الصلة مفردًا؟ قلت: لأن المفرد لابد له من إعراب, فلو وصل به لم يخل من أن يكون مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا, ومتى كان معربًا بأحد هذه الأنواع لم يخل الموصول من أن يكون مثله فيها أو مخالفًا له, فإن كان مثله فهو تابع, فمن حيث إنه تابع لا يلزم المجيء به, ومن حيث إنه صلة يلزم المجيء به وهذه مناقضة, وإن كان مخالفًا فهو محتاج إلى ضمير مضمر يسوغ له ذلك الإعراب/ وعلى كل تقدير يلجئك ما تضمر إلى المصير إلى الجملة, فبان أن الصلة لابد أن تكون جملة, فأوك يديك على هذا التعليل فإنه دقيق. وإنما وصل الموصول بالظرف طللابًا للاختصار, لأنهم يحذفون ما يتعلق به, وهو مفهوم من الكلام كما يحذفون ذلك في خبر المبتدأ. فإن قلت: الذي خلفك زيد, فمعناه: الذي استقر خلفك زيد. ولم يختلف النحويون في أن الظرف في الصلاة قائم مقام الجملة, واختلفوا في الظرف الواقع خبرًا فيل: هو قائم مقام المفردات, وقيل: قائم مقام الجملة, ومنشأ الوفاق: أن الصلة لا تكون إلا جملة. ومنشأ الخلاف أن الخبر يكون مفردًا وجملة, ولابد في الصلة من ضمير يعود إلى الموصول. والمراد بالعائد ضمير يطابق الموصول في حاله من التكلم والخطاب والغيبة والتذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع, وذلك لأن الصلة جملة والجملة شأنها الاستقلال فلابد لها من رابط. وحكى لي شيخنا رحمه الله أن بعضهم قرع الباب على نحوي فقال له: من أنت؟ فقال له: أنا الذي اشتري أخوك التبن فقال له: من عنده؟ فقال: لا. فقال: في داره؟ فقال: لا, فقال: من أجله؟ فقال: لا, فقال: اذهب فليس معك عائد, لأن مضمون الجملة لما لم يتعلق بالذي لم يكن بينه وبين أخي المخاطب علاقة: فلا تقول: مررت بالذي قامت هند.

قال ابن جني: ولا يجوز تقديم الصلة ولا شيء منها على الموصول, ولا يجوز الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي. ولا تكون الصلة إلا جملة خبرية, تحتمل الصدق والكذب ولا تعمل الصلة في الموصول, ولا في شيء قبله, تقول: الذي قام أخوه زيد, والذي / أخوه زيد أخوك, ومررت بالذي في الدار, والتقدير: مررت بالذي استقر في الدار, فحذف الفعل وأقيم الظرف مقامه, فانتقل إليه ضميره, وتقول: جاءني من علامة زيد, ورأيت ما رأيته, ونظرت إلى القائم أخوه. أي: الذي قام أخوه, وعجبت من الجالسة أخته, أي من الذي جلست أخته قال الله عز وجل: {ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} أي: من التي ظلم أهلها, وتقول: لأضربين أيهم قام صاحبه. أي: الذي قام صاحبه. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: ولا يجوز تقديم الصلة على الموصول وذلك لعلتين: إحداهما: أن الصلة مبينة للموصول, وذكر المبين قبل المبين لا فائدة فيه. والثانية: أن معنى الموصول لا يفهم إلا بالصلة, ومحلها من الموصول محل الراء من جعفر, لأن حصول معنى الكلمة بآخرها, وكما لا يقدم آخر الكلمة على أولها لا يجوز تقديم الصلة على الموصول, والامتناع شامل لتقديم/ الصلة على الموصول. ولتقديم بعضها, لأن بعضها منها, والبيان إنما يحصل بجميع الصلة. (ولا يجوز الفصل بين الصلة) والموصول بشيء أجنبي منهما, لأن الصلة والموصول بمنزلة اسم مفرد, وكما لا يجوز الفصل بين آخر الاسم المفرد (وأوله) لا يجوز الفصل بين الصلة والموصول, وإنما قلت: بشيء أجنبي منهما, احترازًا من تقديم بعض الصلة على بعض فإن ذلك لا يعد فصلًا, لأن ذلك من الصلة. ولا يجوز أن تعمل الصلة في الموصول, لأنها تمامه, ومنزلتها من منزلة بعض الكلمة من بعض, والشيء لا يعمل في بعضه ولا في نفسه, ويجوز أن يقال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إنما (لم) تعمل في الموصول, لأنها يجب أن تكون بعده, فإذا كان معمولا لها فالجيد أنيكون بعدها فيكون مستحقًا للتقدم والتأخر في حال واحدة وهذا محال. ولا تعمل الصلة في شيء قبل الموصول, لأن مرتبة العامل أن يكون قبل المعمول, فلو عملت الصلة في شيء قبل الموصول لكان حقها أن تتقدم على ما تقدم على الموصول. وإذا لم يجز أن تتقدم عليه وهي إلى جانبه فألا تتقدم عليه وبينها وبينه فاصل أولى. ولا تكون الصلة إلا جملة خبرية, وقد فسر الخبرية بقوله: (محتملة للصدق والكذب) وإنما وجب أن تكون خبرية لأن التخصيص والإيضاح لا يحصل بغير الخبر, ولهذا كله أمثلة أنا أسوقها واحدًا فواحدًا, وأذكر عند كل مثال منها ما يليق به, تقول: الذي قام أخوه زيد. فالذي مبتدأ وقام فعل وأخوه فاعله, والهاء عائدة إلى الذي, وقد تم الذي بصلته وتمامه عند الهاء, فصار بمنزلة قولك: «هذا» وزيد خبره, وتقول: الذي أخوه زيد أخوك, فالذي مبتدأ أيضًا وأخوه مبتدأ, وزيد خبره, والعائد إلى الذي الهاء, وأخوك خبر الذي. ولا يجوز تقديم زيد في المسألة/ الأولى, ولا تقديم أخوك في المسألة الثانية على الذي, لأن المبتدأ والخبر معرفتان, وإذا كانا معرفتين لم يتقدم الخبر على المبتدأ, لأنه يلتبس بالمبتدأ, ولو قلت الذي قام أخوه عاقل, والذي أخوه زيد كريم, جاز التقديم, لأن المبتدأ معرفة والخبر نكرة. تقول: مررت بالذي في الدار, فالذي مفعول تعدى إليه الفعل بالباء وقد وصل بحرف الجر, والاستقرار محذوف تقديره: مررت بالذي استقر في الدار, إن أردت الماضي, وإن أردت المستقبل قدرت يستقر, وفي الفعل المقدر ضمير يعود إلى الموصول مستكنًا فيه, فلما حذف نقل الضمير الذي كان في الفعل إلى حرف الجر فارتفع به, كما كان يرتفع بالفعل, ولو جئت بظاهر فقلت: مررت بالذي في الدار أبوه كان لك في أبوه وجهان: أن ترفعه بالظرف, لأنه في موضع الضمير. والثاني: أن ترفعه بالابتاء وتجعل الظرف خبرًا مقدمًا, ويجوز أن تقول: مررت بالذي أبوه في الدار, ومررت بالذي هو في الدار, فيكون أبوه وهو مبتدأين,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والظرف خبره. وفي التنزيل: {الذين هم في خوض يلعبون} وإنما حكمنا بنقل الضمير إلى الظرف لئلا تخلو الصلة من العائد, ولئلا يكثر الحذف وتقول: جاءني من غلامه زيد فمن فاعل, وغلامه زيد صلته, ولا يجوز تقديم زيد على غلامه لما ذكرنا, ويجوز أن تكون من نكرة موصوفة, كأنك قلت: جاءني إنسان غلامه زيد, والفرق بينهما أنك إذا جعلت من موصولة لم يكن للجملة موضع من الإعراب, لأن الصلة لا موضع لها من الإعراب, لأن المفرد لا يقم مقامها, وإذا جعلت من نكرة موصوفة كان موضع الجملة رفعًا لأنها صفة مرفوع, وتقول: رأيت ما رأتيه, فقصة «ما» كقصة من إن جعلتها موصولة لم يكن للجملة موضع من الإعراب, وإن/ جعلتها موصوفة كانت الجملة في موضع نصب, لأن «ما» منصوبة. وتقول: نظرت إلى القائم أخوه فالألف واللام بمعنى الذي, وقائم صلته وهو في تقدير الفعل الصريح, ولما كانت الصلة ها هنا اسمًا صريحًا أعربت, ويدلك على أن اسم الفاعل في معنى الفعل الصريح إجماعهم على إعماله, وهو بمعنى الماضي كقولك: جاءني الضارب زيدًا أمس, فلولا أنه في تقدير الفعل - كأنك (قلت) جاءني الذي ضرب زيدًا أمس لم يجز أن يعمل, وهو للماضي. وقالوا: إنه لا يجوز أن يعمل في المستقبل, فلا تقول: الضارب زيدًا غدًا عبد الله لأن اسم الفاعل يعمل في المستقبل من غير ألف ولام كقوله تعالى: {والله متم نوره}. فأما قول جرير: 423 - فبت والهم يغشاني طوارقه ... من خوف رحلة بين الظاعنين غدًا فإن غدًا متعلق بين لا بالظاعنين كذا قال أبو علي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتقول: عجبت من الجالسة أخته «فالألف واللام (بـ) معنى الذي, لأن العائد عليه مذكر, وإنما أنثت جالسة لأن الفاعة «أخته» فتذكر اسم الفاعل وتأنيثه مبنيان على ما يرتفع به, وتذكير الألف واللام وتأنيثه مبنيان على عائده, وفي التنزيل: {ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} فالألف واللام بمعنى التي, لأن العائد مؤنث, وظالم مذكر, لأن فاعله أهلها. وتقول: «لأضربن أيهم قام صاحبه» هذه المسألة ذكرها أبو الفتح وابن السراج قد منع أن توصل «أي» بالفعل الماضي فلا يجيز ضربت أيهم ضربك, ولكن تقول: لأضربن أيهم بضربك, وحكى أن الكسائي سئل عن الفرق بين المسألتين في حلقة يونس فقال: أي خلقت كذا, وذكر ابن السراج في الفرق أن أيًا وضعت على الإبهام فلا يجوز أن توصل بالفعل الماضي/ لأنه ثابت متحقق, فهو ينافي ما وضعت عليه ووصلها بالفعل المستقبل يناسب معناها, لأنه لم يوجد بعد فلم تتعين أي, ومن حكمها أنها إذا وصلت بالمبتدأ والخبر وحذف شطر صلتها بنيت على الضم عند سيبويه كقولك: لأضربن أيهم أفضل, لأن حذف شطر صلتها يمحض نقصها, وقد خولف في ذلك فقال الخليل: هو على الحكاية كأنك قلت: لأضربن الذي يقال له: أيهم أفضل واستصوبه ابن السراج وقال: إن القول يحذف كثيرًا في كلامهم.

قال ابن جني: فإن كان الضمير في الصلة منصوبًا متصلًا بالفعل, جاز حذفه جوازًا حسنًا لطول الكلام تقول: كلمت الذي كلمت, فحذفت الهاء لطول الاسم. فإن انفصلت لم يجز حذفها تقول: الذي مررت به زيد, ولا تقول: الذي مررت زيد لانفصال الضمير من الفعل, واتصاله بالباء, ولو قلت: ضربت الذي قامت هند لم يجز, لأنه ليس في الجملة ضمير يعود على الموصول من جهة صلته, فإن قلت: عنده أو معه أو نحو ذلك, صحت المسألة لعود الضمير من الصلة/ ولو 51/ب قلت: ضربت التي سوطا أخوها جعفر لم يجز, لأنك فصلت بالسوط وهو أجنبي بين الصلة والموصول وصحة المسألة أن تقول: ضربت التي أخوها جعفر سوطًا, أو ضربت سوطًا, التي أخوها جعفر, أو سوطًا ضربت التي أخوها جعفر, كل ذلك جائز. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: ولا يجوز حذف العائد من الصلة, لأنه هو الذي ربطها بالموصول, فحذفه يقطع ما بينها وبينه, فإن كان منصوبًا متصلًا بفعل جاز حذفه, (وقولنا: منصوبًا احترازًا من المرفوع فإن حذفه) يجوز جوازًا قبيحًا كقراءة بعضهم: {تمامًا على الذي أحسن} أي: الذي هو أحسن, وإنما قبح حذفه, لأنه شطر الجملة وقولنا: متصلا, احترازًا من المنفصل كقولك: الذي إياه أكرمت زيد. لا يجوز حذفه, لأن الضمير المنفصل يجري مجرى الظاهر, وقولنا: بفعل احترازًا من المتصل بالحرف كقولك: الذي إنه قائم زيد, لا يجوز حذفه, لأنه في الأصل مبتدأ, وقد كثر حذف العائد في القرآن, قال الله تعالى: {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء} وقال تعالى: {منهم من كلم الله} وقال تعالى:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = {أولئك الذين هدى الله} وقال تعالى: {أهذا الذي بعث الله رسولا} وقد جاء الإثبات على الأصل قال تعالى: {الذي يتخبطه الشيطان} وقال تعالى: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب} وإنما حسن حذفه, لأن الموصول والفعل والفاعل والمفعول بمنزلة اسم واحد. فحذف العائد تخفيفًا, فإن اانفصل الضمير عن الفعل واتصل بحرف جر/ لم يجز حذفه تقول: الذي مررت به زيد, وفي التنزيل: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} وإنما لم يجز الحذف لأن حذفه يقضي إلى حذف حرف الجر, لأنه لا يجوز بقاء الجار بغير مجرور, وإجاز ابن السراج مررت بالذي مررت, وسرت إلى الذي سرت, يريد مررت بالذي مررت به وسرت إلى الذي سرت إليه, فحذفت حرف الجر من الصلة, لأنها من جنس الفعل الذي تعدى إلى الموصول, وقد ذكرت مع الفل الأول الحرف الذي حذفته من الصلة, فإن اختلف الفعلان لم يجز الحذف كقولك: مررت بالذي سرت, لأنك لم تذكر إلى. واعلم أن قولك: ضربت الذي قام زيد. يفسد من وجه ويصح من وجه, فوجه الفساد: أن ترفع زيدًا بقام, لأنه ليس في الصلة ضمير يعود إلى الموصول. ووجه الصحة: أن تجعل في قام ضميرًا يعود على الذي وترفع زيدًا بأنه بدل من الضمير, ويظهر أثر ذلك في التثنية والجمع, ويجوز أن تنصب زيدًا فتجعله بدلًا من الذي وإذا رفعت زيدًا بقام وجئت بعائد صحت المسألة كقولك ضربت الذي قام زيد عنده أو ضربت الذي قامزيد معه. ويجوز أن يكون العائد في الصلة بعض الجملة وفضله ويجوز أن يكون قريبًا من الموصول, وأن يكون بعيدًا, منه, لأن اعتلاق الصلة بالموصول حاصل منه على كلا التقديرين. ولا يجوز أن تقول: ضربت التي سوطا أخوها جعفر, لأن التي موصول وأخوها

قال ابن جني: ولكن لو قلت: سوطًا مررت بالذي ضربته, لم يجز, لأنك قدمت السوط - وهو منصوب بما في الصلة على الموصول. ولو قلت: جاءني الذي هل قام غلامه, لم يجز لأن الاستفهام لا يدخله صدق ولا كذب, فلذلك لا يكون صلة, وكذلك الأمر والنهي, وكذلك لو قلت: الذي يوم الجمعة زيد, لم يجز, لأن ظروف الزمان لا تكون صلات للجثث كما لا تكون أخبارًا عن الجثث. ولكن تقول: عجبت من القيام الذي يوم الجمعة لأن ظروف الزمان تكون صلات للأحداث كما تكون أخبارًا عنها, وتقول: ضربت الذي قام غلامه زيد, وإن شئت زيدًا, وإن شئت زيد, أما الرفع فعلى أن يكون زيد بدلًا من الغلام, والنصب/ على أن يكون بدلًا من الذي, وإذا جررت جعلته بدلًا من الهاء في غلامه, قال الفرزدق: على حالة لو أن في القوم حاتمًا ... على جوده لضن بالماء حاتم جر حاتمًا, لأنه بدل من الهاء في جوده. ـــــــــــــــــــــــــــــ = جعفر صلة وسوطًا مصدر لضربت أجنبي من الصلة والموصول, لأنه مصدر فعل عامل في الموصول, فلو كان في الصلة لم يعمل فيه ما عمل في الموصول. ولصحة المسألة ثلاث صور: إحداها: أن توقع سوطًا بعد الصلة فتقول: ضربت التي أخوها جعفر/ سوطًا, فيكون قولك: التي أخوها جعفر بمنزلة هند كأنك قلت: ضربت هندًا سوطًا. الثانية: أن توقع سوطًا بين ضربت والتي فتقول: ضربت سوطًا التي أخوها جعفر, فكأنك قلت: ضربت سوطًا هندًا. الثالثة: أن تقدم سوطًا على ضربت فتقول: سوطًا ضربت التي أخوها جعفر, هذا ما ذكره, ويجوز سوطًا التي أخوها جعفر ضربت, والتي أخوها جعفر سوطًا ضربت, فهاتان صورتان أخريان. قال ابن الخباز: ولا يجوز أن تقول: سوطًا مررت بالذي ضربته لأن سوطًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مصدر عملت فيه الصلة, ولا يقع المعمول حيث لا يقع العامل, وصحة المسألة أن تقول: مررت بالذي سوطًا ضربته, لأن سوطًا من الصلة فيجوز أن يكون إلى جانب الذي, وتقول: مررت بالذي ضربته سوطًا فتوقعه بعد الفعل. ومن الممتنع أن تقول: مررت بسوط الذي ضربته, لأنك فصلت بين الجار والمجرور وقدمت الصلة على الموصول, ولا يجوز مررت سوطًا بالذي ضربته, لأنك قدمت (الصلة على الموصول) فإن قلت: ضربت الذي ضربته سوطًا, فنصبت سوطًا (بضربت) الأول جاز أن تقول: ضربت سوطًا الذي ضربته, وسوطًا ضربت الذي ضربته ولا يجوز ضربت الذي سوطًا ضربته لأنك فصلت بين الصلة والموصول بشيء أجنبي منهما, فإن نصبته بضربت الثاني فقد ذكرنا حكمه, ولو قلت: جاءني الذي هل قام غلامه, لم يجز, لأن الاستفهام ليس بخبر, فلا يكون به إيضاح, والأمر والنهي والنداء والتمني والترجي والتعجب عند ابن السراج, والتحضيض والعرض والدعاء, لا يكون واحد منها صلة للموصول فإن جئت بالقول قبلها كلها جاز وقوعها صلة, لأن القول خبر وهو الصلة, وهذه الأشياء محكمة به, وأنشدو اللفرزدق/: 424 - وإني لرام نظرة قبل التي ... لعلي وإن شطت نواها أزورها إراد قبل التي أقول, وكذلك تقول: جاءني الذي قلت لك: أكرمه, ورأيت الذي قال لك الأمير: لا تذهب إليه, ولا تقول: الذي يوم الجمعة زيد, لأنك لما أخبرت عن الذي يزيد صار جثة. وظروف الزمان لا تكون صلات للجثث كما لا تكون أخبارًا عنها. وقد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ذكرنا علة ذلك في خبر المبتدأ, وكذلك لا تقول: من يوم الخميس عبد الله فإن قلت: عجبت من القيام (الذي) يوم الجمعة جازت المسألة, لأن الذي مصدر, لأنك جعلته صفة للمصدر,. فجاز أن تصله بظرف الزمان, كما يجوز الإخبار عنه, وقد ذكرنا علة ذلك, ولا تقول: التي يوم الجمعة هند, وتقول: عجبت من فعلتك التي يوم الجمعة. وتقول: ضربت الذي قام غلامه زيد, فيجوز في زيد الرفع والنصب والجر, فالرفع على أن يكون بدلًا من غلامه, وهذا مما يستدل به على أن المبدل منه ليس في حكم الطرح, لأنك لو حذفت غلامه تقديرًا لبقي الموصول بلا عائد, وإذا أبدلت زيدًا من غلامه لم يكن هو الذي (و) لابد من غلامه, وهو مضاف إلى ضمير الذي, فلو كان هو الذي لكنت قد أضفت الشيء إلى ضميره, والنصب على أن يكون بدلًا من الذي, لأنه في موضع نصب والجر بأن يكون بدلًا من الهاء في غلامه, وهو في النصب والجر الذي في المعنى, أما النصب فلأن زيدًا فيه بدل من لذي, وأما الجر فلأن زيدًا (فيه) بدل من الهاء التي هي الذي في المعنى قال الفرزدق: 425 - ولما تصافنا الإداوة أجهشت ... إلى غضون العنبري الجراضم وجاء بجلمود له مثل رأسه ... ليسقي عليه الماء بين الصرائم على حالة لو أن في القوم حاتمًا ... على جوده لضن بالماء حاتم ويورى على جوده ضننت به نفس حاتم * فلا شاهد فيه حينئذ/.

قال ابن جني: واعلم أن الصفة والتوكيد والبدل والعطف إذا جرى واحد منهن على الاسم الموصول آذن بتمامه وانقضائه, تقول: مررت بالضاربين زيدًا الظريفين, ولو قلت: مررت بالضربين الظريفين زيدًا لم يجز, لأنك لا تصف الاسم وقد بقيت منه بقية, فإن قلت: بالضاربين أجمعون زيدًا, جاز أن تجعل أجمعون توكيدًا للضمير في الضاربين, وكذلك لو قلت: مررت بالضاربين إخواتك زيدًا, فجعلت الإخوة بدلًا من الضاربين لم يجز, لأنك لا تبدل من الاسم, وقد بقيت منه بقية, وصحتها أن تقول: مررت بالضاربين زيدًا إخوتك, ولو قلت: مررت بالضاربين وزيد هندًا, لم يجز, لأنك لا تعطف على الاسم وقد بقيت منه بقية, ولكن تقول: مررت بالضاربين/ هندًا وزيد, وتقول في الصفة: عجبت من الضارب زيدًا الظريف, وتقول: القائمان الزيدان فتثني اسم الفاعل, كما تأتي في الفعل بعلامة التثنية في قولك: اللذان قاما الزيدان, وتقول: القائم أخواهما الزيدان, فتوحد اسم الفاعل كما تفرد الفعل إذا قلت: اللذان قام أخواهما الزيدان, وكذلك الجمع والتأنيث فاعرفه ألا تراك تقول: القائمة أخته زيد, فتؤنث كما تؤنث لفظ الفعل في قولك: الذي قامت أخته زيد, وتقول: الذاهب أخوها هند فتذكر كما تقول: التي ذهب أخوها هند. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: واعلم أن الموصول والصلة بمنزلة الاسم المفرد, والدليل على ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها: أن الصلة لا موضع لها من الإعراب كما لا موضع لبعض الاسم من الإعراب والثاني: أنه لا يجوز الفصل بين الصلة والموصول لا تقديمها عليه. والثالث: أنه لا يجوز حذف الموصول وتبقية الصلة, ولا حذف الصلة وتبقة الموصول, فإن جاء من ذلك شيء فهو قليل لا يعتد به, فإذا عرفت ذلك وأردت أن تجري على الموصول تابعًا من صفة أو توكيد أو بدل أو عطف لم يجز ذلك حتى يستوفى صلته بالغة ما بلغت, ولو بقيت منها كلمة واحدة لم يجز, لأنك لم تتمه, فلا تقول: مررت بالضاربين الظريفين زيدًا, لأن زيدًا منصوب بالضاربين فقد وصفت الموصول قبل تمامه وصحة المسألة أن تقول: مررت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بالضاربين زيدًا الظريفين, ولو قلت: مررت بالضاربين الظريفون زيدًا, فجعلت الظريفين بدلًا من الضمير الذي في الضاربين جازت المسألة, لأنه من الصلة, ولك أن تقدم زيدًا عليه, لأن كل واحد منهما من الصلة, ولا يجوز مررت بالضاربين أجمعين زيدًا, لأنك أكدت الموصول قبل تمامه وصحة المسألة أن تقول: مررت بالضاربين زيدًا أجمعين, ولو قلت: مررت بالضاربين أجمعون زيدًا فجعلت أجمعين توكيدًا للضمير الذي في الضاربين, جازت المسألة, لأن أجمعون قد صار من الصلة, ولا تقول: مررت بالضاربين إخوتك زيدًا, لأنك أبدلت من الموصول قبل تمامه, وصحة المسألة أن تقول: مررت بالضاربين زيدًا إخوتك ولو قلت: مررت بالضاربين أخوتك زيدًا, فجعلت إخوتك بدلًا من الضمير في الضاربين جازت المسألة, لأن إخوتك قد صار من الصلة, ولا تقول: مررت بالضاربين وزيد هندًا, لأنك عطفت على الموصول قبل تمامه, وصحة المسألة أن تقول: مررت بالضاربين هندًا وزيدًا, ولو قلت: مررت بالضاربين وزيد هندًا فرفعت زيدًا عطفًا على المستكن في الضاربين جازت المسألة, لأنه قد صار من الصلة, والجيد أن تؤكد فتقول: مررت بالضاربين هم وزيد هندًا. والحال الاستثناء بمنزلة التوابع تقول: «جاءني الذي قصده أخوك راكبًا يوم الجمعة ماشيًا» فالذي موصول, وقصده أخوك فعل وفاعل, وهو صلته, والهاء عائدة عليه وراكبًا حال من الهاء, ويوم الجمعة متعلق براكبًا, وماشيًا حال من الذي, ولا يجوز الفصل بماش بين الذي وغيره, من هذه الكلم ولا بين كل كلمتين منها إلى يوم الجمعة, ويجوز تقديم ماش على الذي, لأن الذي وصلته كزيد فكأنك قلت: جاءني ماشيًا زيد. وإذا ثبت أن اسم الفاعل بمنزلة الفعل فاعلم أنه يعامل معاملته فيؤخذ مسندًا إلى الاثنين والجمع, تقول: القائم أخواهما الزيدان, كما تقول: اللذان قام أخواهما الزيدان, ومن قال: قاما غلاماك قال: القائمان أخواهما الزيدان, وتقول: الذاهب غلمانه عمرو فتوحد كما تقول: الذي ذهب غلمانه عمرو, ومن قال: أكلوني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = البراغيث قال: الذاهبون غلمانه عمرو, وتقول: القائمة أخته زيد, فتؤنث اسم الفاعل, لأن الفاعل مؤنث حقيقي كما تقول: الذي قامت أخته زيد, وتقول: الذاهب أخوها هند فتذكر اسم الفاعل, لأن الفاعل مذكر. واعلم أن أبا الفتح قد أشار بهذه المسائل الثلاث التي هي القائم أخواهما الزيدان, والقائمة أخته زيد, والذاهب أخوها هند إلى باب من النحو بديع المعاني رصين المباني, يسميه النحويون: «باب الإخبار بالذي والألف واللام» ويدلك على ذلك أن هذه المسائل الثلاث محلولة من ثلاث جمل. فالأصل: قام أخو الزيدين وقامت أخت زيد, وذهب أخو هند, فلما أخبرت عن المضاف إليه بالألف واللام قلت: القائم أخواهما الزيدان, والقائمة أخته زيد والذاهب أخوها/ هند, وقد رأيت أن لا أخلي هذا الإملاء من هذا الفن, فأحببت أن أذكر منه نبدًا يسيرة تكون للناظر فيها إمامًا به يقتدي, ونجمًا به يهتدي, يستعين بها على تفريع مسائله وإن كانت شفافة لا تبل اللهاة بالنسبة إلى ما ذكره العلماء في فن الإخبار بالذي والألف واللام, وقد جعلت ما ذكرته عشرين مسألة. المسألة الأولى: في معنى قولهم: الإخبار بالذي وبالألف واللام. اعلم أن معنى قول النحويين: «أخبر بالذي وبالألف واللام عن كذا» إنما يعنون به اجعل الذي أو الألف واللام صدرًا للجملة, ونح الاسم المخب رعنه عن موضعه وضع مكانه ضميرًا يعود على الذي أو الألف واللام, واجعل الاسم المخبر عنه خبرًا عن الذي أو الألف واللام. مثال ذلك إن قلت في الإخبار عن زيد في قولك: قامت أخت زيد: القائمة أخته زيد فقد جعلت الألف واللام صدرًا, وأزلت زيدًا عن مكانه, وصيرته خبرًا عن اللام, ووضعت مكانه ضميرًا يعود إليها. المسألة الثانية: اعلم أن الإخبار بالذي أوسع مجالًا من الإخبار بالألف واللام, لأنك تخبر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بالذي عما كان أوله فعلًا أو مبتدأ تقول: قام عمرو, فإن أخبرت بالذي قلت: الذي قام عمرو وتقول: زيد قائم, فإن أخبرت بالذي عن زيد قلت: الذي هو قائم زيد وإن أخبرت عن قائم قلت: الذي هو زيد هو قائم, ولا تخبر بالألف واللام إلا عما كان أوله فعلًا تقول: قام عمرو, فإن أخبرت عنه بالألف واللام قلت: القائم عمرو وإنما لم يجز الإخبار بالألف واللام في الجملة الاسمية, لأنك لو أخبرت عن زيد من قولك: زيد قائم بالألف واللام لقلت: أل هو قائم زيد, فأدخلت الألف واللام على الضمير, وإذا أخبرت بالألف واللام/ عن اسم في جملة فعلية حولت الفعل إلى اسم الفاعل إن كان مسمى الفاعل, وإلى اسم المفعول إن (كان) غير مسمى الفاعل, تقول: قام غلام خالد, وبيعت جارية عمرو, وإن أخبرت عن خالد وعمرو بالألف واللام قلت: القائم غلامه خالد والمبيعة جاريته عمرو. المسألة الثالثة: في شرائط الاسم المخبر عنه, وهي خمس: أن يجوز تعريفه, وأن يجوز إضماره, وأن يجوز رفعه, وأن يكون له معنى في نفسه, وأن لا يكون له حكم يزيله الإخبار وسيأتيك تفصيل هذه الشرائط فيما نذكره من المسائل. المسألة الرابعة: تقول: زيد قائم, فإن أخبرت عن زيد قلت: الذي هو قائم زيد وإن أخبرت عن قائم قلت: الذي (هو) زيد هو قائم, ولا يجوز تقديمه على زيد, لأنه قد صار معرفة بالإضمار, ولا يجوز الإخبار عن الضمير الذي في قائم فلا تقول: الذي زيد قائم هو, لأن الضمير الذي في قائم إن عاد إلى زيد بقي الذي بلا عائد, وإن عاد إلى الذي بقي زيد بلا عائد. المسألة الخامسة: تقول: «زيد يضرب أباه» فإن أخبرت عن زيد قلت: الذي هو يضرب أباه زيد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإن أخبرت عن الضمير الذي في يضرب لم يجز, وإن أخبرت عن أبيه قلت: الذي زيد يضربه أبوه, فإن قلت: (الذي) زيد يضرب أبوه, لم يجز الإخبار عن أبوه, لأنه مضاف إلى الهاء العائدة على زيد. المسألة السادسة: تقول: طلعت الشمس وطلع الشمس, فإن أخبرت عن الشمس بالذي أو بالألف واللام قلت: التي طلعت الشمس, والطالعة الشمس, ولابد من تأنيث الفعل واسم الفاعل, لأن الفاعل قد صار ضميرًا. المسألة السابعة: تقول: ضرب زيد, فإن أخبرت عنه بالذي قلت: الذي ضرب زيد وبالألف واللام المضروب زيد, فإن قلت: زيد ضرب, فهو مبتدأ, فإن أخبرت/ عنه بالذي قلت: الذي هو ضرب زيد, ولا يجوز إكنان الضمير في الفعل, لأنه قبل الإخبار مبتدأ. المسألة الثامنة: تقول: ليس عبد الله ذاهبًا فإن أخبرت عنه لم يجز الإخبار إلا بالذي, تقول: الذي ليس ذاهبًا عبد الله, وذلك لأن اليس فعل غير متصرف, فلو جئت بالألف واللام احتجت إلى أن تنقله إلى اسم الفاعل وليس له اسم فاعل. المسألة التاسعة: تقول: إن زيدًا قائم, فيجوز الإخبار عن زيد, ولا تخبر إلا بالذي تقول: الذي إنه قائم زيد, وكذلك إن أخبرت عن قائم قلت: الذي إنزيدًا هوقائم, وتقول: كأن أباك الأسد, فتخبر عن المنصوب والمرفوع, فإن قلت: ليت أباك قادم, أو لعل أخاك واقف, لم يجز الإخبار, لأن التمني والترجي لا يدخلهما صدق ولا كذب. وإن قلت: لكن أباك قائم, لم يجز الإخبار أيضًا, لأن لكن غير مستقلة لما فيها من معنى الاستدراك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة العاشرة: تقول: لا رجل أفضل منك, فلا يجوز الإخبار عن المنفي, لأنه لا يكون إلا نكرة ولا عن أفضل منك, لأنه كذلك في التنكير. المسألة الحادية عشرة: تقول: «ضربت ضربًا» فلا تخبر عن المصدر إلا على بعد, لأنهم استقبحوه استقباحًا شديدًا, لأن المصدر مؤكد للفعل, فقد جرى مجراه, والفعل لا يخبر عنه, فإن قلت: ضربته ضربة أو ضربتين أو ضربًا شديدًا أو جلدته ثمانين جلدة أو ضربته أشد الضرب, جاز الإخبار عن ذلك كله, لأنه يزيد على الفعل بما تضمنه من التحديد والتعديد وتبيين النوع, وما كان من المصادر غير متصرف كسبحان الله ومعاذ الله ولبيك وسعديك لم يجز الإخبار/ عنه, لأنه لا يرتفع. المسألة الثانية عشرة: تقول: ضربت زيدًا فإن أخبرت عن اسمك قلت: «الذي ضرب زيدًا أنا» «والضارب زيدًا أنا» فصار الضمير المتصل منفصلًا لكونه خبر مبتدأ, وصار المتكلم غائبًا لعوده على الذي, فإن أخبرت عن زيد بالذي قلت: الذي ضربته زيد, ويجوز أن تحذف الهاء فتقول: الذي ضربت زيد, لما ذكرنا في حذف العائد, فإن أخبرت عن زيد بالألف واللام قلت: الضاربه أنا زيد, فالهاء في الضاربه ترجع إلى الألف واللام ولا يجوز حذفها, لأنه لم يطل الكلام مع الألف واللام كطوله مع الذي, و «أنا» يرتفع بضارب, وهو ضمير بارز, لأن ضاربًا للمتكلم, وقد جرى على الألف واللام, وإذا جرى اسم الفاعل على غير من هو له أبرز ضميره كقولك «الحجر الحية أشد عليها من العصا هو». المسألة الثالثة عشرة: فيما يتعدى إلى مفعولين تقول: أعطيت زيدًا درهمًا, فإن أخبرت عن التاء قلت: الذي أعطى زيدًا درهمًا أنا وإن أخبرت عن زيد قلت:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = «الذي أعطيته درهمًا زيد» والمعطية أنا درهمًا زيد, وإن أخبرت عن الدرهم قلت: «الذي أعطيت زيدًا إياه درهم» , والمعطي أنا زيدًا إياه درهم, وتقول: ظننت زيدًا قائمًا فإن أخبرت عن التاء قلت: «الذي ظن زيدًا قائمًا أنا». «والظان زيدًا قائمًا أنا» وإن أخبرت عن زيد قلت: الذي ظننته قائمًا زيد, والظان أنا قائمًا زيد, وحذف الهاء قبيح مع الذي, وإن أخبرت عن قائم قلت: الذي ظننت زيدًا إياه قائم, والظان أنا زيدًا إياه قائم, ولك أن تثني وتجمع وتذكر وتؤنث في جميع ما ذكرنا. المسألة الرابعة عشرة: في المتعدي إلى الثلاثة تقول: أعلمت زيدًا عمرًا خير الناس/ فإن أخبرت عن التاء قلت: الذي أعلم زيدًا عمرًا خير الناس أنا, والمعلم زيدًا عمرًا خير الناس أنا, وإن أخبرت عن زيد قلت: الذي أعلمته عمرًا خير الناس زيد, والمعلم أنا عمرًا خير الناس زيد, وإم أخبرت عن عمرو قلت: الذي أعلمت زيدًا إياه خير الناس عمرو والمعلم أنا زيدًا إياه خير الناس عمرو, ولا يجوز أن تصل ضمير عمرو بالتاء لئلا يلتبس بالمفعول الأول, وإن أخبرت عن خير الناس قلت: الذي أعلمت زيدًا عمرًا إياه خير الناس, والمعلم أن زيدًا عمرًا إياه خير الناس, ولك التثنية والجمع والتأنيث. المسألة الخامسة عشرة: في الطرفين, تقول: جلست اليوم خلفك, وإن أخبرت عن التاء قلت: الذي جلس اليوم خلفك أنا, والجالس اليوم خلفك أنا, وإن أخبرت عن اليوم وهو ظرف قلت: الذي جلست فيه خلفك اليوم, والجالس أنا فيه خلفك اليوم. وإن أخبرت عنه وقد اتسعت فيه قلت: الذي جلسته خلفك اليوم, والجالس هو أنا خلفك اليوم, وحقيقة الاتساع أن تنصبه نصب المفعول به ولا تضمنه معنى في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وخلفك بهذه الصفة تقول: الذي جلست اليوم فيه خلفك. والجالس أنا اليوم فيه خلفك, والذي جلسته اليوم خلفك, والجالس هو أنا اليوم خلفك. فإن قلت: جلست ذات اليلة عندك, لم يجز الإخبار عن الزمان ولا عن المكان, لأنهما غير متصرفين, ولا يجوز الإخبار عن المفعول له, لأنه من شرائطه أن يكون مصدرًا. والضمير ليس بمصدر, ويجوز الإخبار عن المفعول معه, تقول: ما زلت أسير والنيل فإن أخبرت عن النيل قلت: الذي ما زلت أسير وإياه النيل. فإن قلت: جاء زيد راكبًا وطاب زيد نفسًا, لم يجز الإخبار عن الحال ولا عن التمييز, لأنهما لا يكونان إلا نكرتين. ويجوز الإخبار / عن المستثنى تقول: قام القوم إلا زيدًا, فإن أخبرت عن زيد قلت: الذي قام القوم إلا إياه زيد, وتقول: كان زيد قائمًا, فإن أخبرت عن قائم قلت: الذي كأنه زيد قائم, وحذف الهاء ضعيف, قال شيخنا رحمه الله: لأنه في الواصل أحد جزأي الجملة. المسألة السادسة عشرة: لا يجوز الإخبار عن مجرور رب, لأنه لا يكون إلا نكرة والضمير معرفة, ولا يجوز الإخبار عن المجرور بمذ ومنذ وحتى وواو القسم وتائه, لأنه لا يكون مضمرًا, ولا يجوز الإخبار عن المجرور بمن الزائدة, لأنها لا تزاد إلا في الأسماء الشائعة. وإذا قلت: له عشرون ألف درهم لم يجز الإخبار عن درهم, لأن الألف يصير معرفة - وهو مميز -, ولا يجوز الإخبار عن المجرور بالكاف, لأنها لا تدخل على المضمر. وتقول: غلامي ذاهب, فإن أخبرت عن الياء قلت: الذي غلامه ذاهب, فإن أخبرت عن الياء قلت: الذي غلامه ذاهب أنا, واستقبحه المازني, لأن المتكلم أعرف المعارف والإخبار ينقله إلى الغائب فقد نقلت الأقوى إلى الأضعف. المسألة السابعة عشرة: في الإخبار عن التوابع, تقول: جاء زيد نفسه, فلا يجوز الإخبار عن نفسه, لأنك لو أخبرت لقلت: الذي جاء زيد هو نفسه, والظاهر لا يؤكد بالمضمر,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ويجوز الإخبار عن زيد, تقول: الذي جاء هو نفسه زيد, ففي جاء ضمير يعود على الذي وهو توكيد له, ونفسه توكيد الضمير المستكن, ولا يجوز الإخبار عن أجمع وأجمعون وجمعاء وجمع, لأنهن لا يكن غير توكيد, وتقول: قام زيد العاقل فلا يجوز الإخبار عن زيد وحده, لأن المضمر لا يوصف, ولا عن العاقل وحده, لأن المضمر لا يكون صفة, بل يخبر عنهما, تقول: الذي قام/ زيد العاقل. وإذا قلت: مررت برجل حسن وجهه, فقد أجاز أبو سعيد الإخبار عن رجل وحده, فقال: الذي مررت به حسنًا وجهه رجل, فنصب حسنًا على الحال وتقول: رأيت أبا عبد الله زيدًا, لإتجعل زيدًا عطف بيان, ولا يجوز الإخبار عنه قياسًا على الصفة. وتقول: مررت بأخيك زيد, فتجعل زيدًا بدلًا, فإن أخبرت عن أخيك قلت: الذي مررت به أخوك زيد, ومنهم من يقول: الذي مررت به زيد أخوك ومنهم من يجيز الإخبار عن زيد, ومنهم من لا يجيز, وتقول: زيد وعمرو قائمان فإن أخبرت عنهما قلت: اللذان هما قائمان زيد وعمرو, وإن أخبرت عن زيد قلت: الذي هو وعمرو قائمان زيد, وإن أخبرت عن عمرو قلت: الذي هو وزيد قائمان عمرو. وإن أخبرت عن قائمين قلت: اللذان زيد وعمرو هما قائمان, ومسائل العطف كثيرة. المسألة الثامنة عشرة: في الإخبار في باب الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر, تقول: ضربت وضربني زيد, وابن السراج فقد استضعف الإخبار في هذا النحو, فإن أخبرت عنه ففيه أربعة مذاهب, فإن أخبرت عن التاء قلت في قول أبي الحسن: الضارب والضاربة زيد أنا, غيرت الناء كما غير التاء, لأنها في معناها. وقلت في قول أصحاب الحذف - وهو قوم من البغدادين: الضارب والضارب زيد أنا, فحذفت الهاء بطول الكلام بالعطف. وقلت في قول أبي عثمان المازني:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الضارب أنا والضاربي زيد, فتجعل كل واحد من الجملتين مستقلة. وقلت في قول ابن السراج: الضارب وضربه زيد أنا, فتعطف الفعل على الاسم, لأ ن الاسم في معنى الفعل كما جاء في التنزيل: {إن المصدقين والمصدقات وأفقرضوا الله قرضًا حسنًا}. كأنه قال: إن الذين/ تصدقوا واللاواتي تصدقن وأقرضوا, ومسائل هذا الباب كثيرة أيضًا. المسألة التاسعة عشرة: في الإخبار عن الموصول, تقول: جاءني الذي أكرمك, فإن أخبرت عن الذي قلت: الذي جاءني (الذي) أكرمك, وتقول: «الذي التي أختها هند جاريته زيد» فالذي مبتدأ, والتي مبتدأ ثان, وأختها مبتدأ ثالث, وهند خبر أختها وأختها هندصلة التي, فقد تمت, والتي أختها هند بمنزلة اسم مفرد فالذي لم يتم, وجاريته خبر التي. فقد تم الذي, وزيد خبر الذي, فإن أخبرت عن الذي قلت: الذي هوزيد الذي التي أختها هند جاريته فتجيء بهذا كله, لأنه في مقام أبوك, وبقيت زيدًا ليكون خبر الضمير الغائب. ألا ترى إذا قلت: أبوك زيد, فأخبرت عن أبيك قلت: الذي هو زيد أبوك. «فالذي التي أختها هند جاريته زيد التي أختها هند» فالتي موصول لاحق الكلام الذي في موضعه ونحيت التي أختها هند وجعلتها خبر التي الأولى والضمير الذي في موضعها عائد إلى التي, وجاريته خبر هند, وزيد خبر الذي والتي أخنها هند خبر التي الأولى. المسألة العشرون: في الإخبار عن الاستفهام, تقول: أيكم زيد؟ , فإن أخبرت عن زيد فالأصل أن يقال: الذي أيكم هوزيد, فالذي أول الكلام, وهو مكان زيد, ولكن هذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لا يقال, لأن الاستفهام لا يكون صلة, فينبغي أن يتقدم أيكم, ويكنى عنه فتقول: «أيكم الذي هو هو زيد» فهو الأول كناية عن أيكم لتقدمه, وهو الثاني كناية عن زيد لأنه مخبر عنه, وإن أخبرت عن أيكم فالأًل أن تقول: «الذي هو زيد» أيكم ولكن هذا لا يقال, لأن الاستفهام لا يتأخر, فحقك أن تقدمه/ فتقول: أيكم الذي هو زيد, وكذلك تفعل, تقول: من أبوك؟ وما طعامك؟ وهذا باب غريب, ذكره أبو بكر في الأصول, ومن نقد هذه العشرين مسألة بعين فكره فتحت عليه أبوابًا واسعة من الإخبار, لأن كل مسألة من فن. واعلم أن الإخبار بالذي والألف واللام لا يحيط به علمًا إلا من أحكم أبواب العربية وكان شيخنا رحمه الله يقول: مسائل الإخبار بالذي (و) بالألف واللام في النحو كمسائل الأبنية في التصريف, لأن كل واحد من النوعين لا يحيط به إلا من أحكم مباني النوعين, وقيل لبعض الحمقى من أهل عصرنا: إذا قلنا: قام زيد, فكيف تخبر عن زيد؟ فقال: أقول: الذي فعله زيد القيام, وهذا كلام من لا يعرف قول النحويين: كيف تخبر عن كذا؟ ولولا اعتزار كثيرين بظواهر هؤلاء المشتبهين بالعلماء لكان اللائق بنا الإضراب عن ذكر هذه العورات, لأن أقل ما فيها اعتياد اللسان ذكر الحسائس, وذلك محظور في حكم العقل.

قال ابن جني: الحروف الموصولة ثلاثة وهي: «ما» و «أن» الخفية, وأن الثقيلة, ومعاني جميعها بصلاتها المصادر, تقول: سرني ما قمت, أي: قيامك, وعجبت مما قعدت أي: من قعودك قال الله عز وجل: {بما كانوا يكذبون} أي: بتكذيبهم. وأما أن الثقيلة فقد مضى ذكرها في بابها أنها تنصب الاسم وترفع الخبر, ومعناها معنى المصدر. وأما «أن» الخفيفة فهي الناصبة للفعل, والفعل/ بعدها أيضًا صلة لها تقول: أريد أن تقوم, ويسرني أن تذهب. وتقول: أريد أن تذهب فتضرب زيدًا, فتعطف تضرب على تذهب, تقول: أريد أن أزورك فبمعنى البواب, فترفع ينمعني, لأنه ليس معطوفًا على أزورك بل هو مستأنف مرفوع, كما قال الحطيئة: والشعر لا يسطيعه من يظلمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه فرفع يعجمه, لأنه استأنفه, أي: فإذا هو يعجمه, ولو نصبت لفسد المعنى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما الحروف الموصولة فهي ثلاثة: «ما» و «أن» الثقيلة, و «أن» الخفيفة أما «أن» الثقيلة: فقد مضى ذكرها في بابها, وهي اسمها وخبرها في موضع مصدر يحكم عليه برفع أوصنب أو جر, تقول: سرني أنك قائم, أي: سرني قيامك وعرفت أنك ذاهب أي: عرفت ذهابك, وعجبت من أنك جالس, أي: من جلوسك ومن أحكامها أنها إذا كانت مرفوعة بالابتداء لم يجز تقديمها تقول: حق أنك ذاهب ولا تقول: «أنك ذاهب حق» لأنها إذا تقدمت صارت معرضة لدخول «إن» فنقول: إن أنك ذاهب حق, وهذا لا يجوز, لأنك قد جمعت بين حرفي توكيد وإذا كانت مفعولة لم يجز تقديمها, تقول: علمت أنك ذاهب, ولا يجوز أنك ذاهب/ علمت, لأنها إذا لم تقدم وهي مبتدأة حقها التقديم فألا تقدم وهي مفعلوة حقها التأخير أولى. وأما «ما» فهي حرف مصدري يوصل بالفعل الماضي والمضارع, تقول: عجبت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مما قعدت, وسرني ما تقوم, قال الله تعالى: {ليجزيك أجر ما سقيت لنا} أي: أجر سقيك, وقال تعالى: {بم كانوا يكذبون} أي بتكذيبهم, واختلف فيها فمذهب سيبويه أنه حرف, واحتج بأن الضمير لا يعود إلهيا من صلتها وذهب أبو الحسن إلى أنها اسم, جاءت بمعنى الحدث كما يجيء الذي بمعناه كقولك: عجبت من القيام الذي يوم الجمعة, والعائد عنده محذوف, فإذا قلت عجبت مما قعدت, فتقديره عنده: مما قعدته, أي من القعود الذي قعدته. وأما «أن» الخفيفة: فهي حرف مصدري بالاتفاق, وتوصل بالفعل الماضي والمضارع, تقول: عجبت من أن قمت, وسرني أن تجلس, فإذا دخلت على المضارع أخلصته للاستقبال, والكثير الشائع فيها نصبه, وقد ذكرنا ذلك في النواصب. ومن العرب من يرفع الفعل بعدها, قال: 426 - ونحن منعنا البحر أن يشربونه ... وقد كان منهم ماؤه بمكان وإذا دخلت على الماضي لم تغيره عن مضيه, وليست بمنزلة «إن» الشرطية, لأن تلك تقلب الماضي إلى المستقبل, وهذه لا تغيره, لأن الغرض منها ومن صلتها المصدر, وذلك حاصل من الماضي. وإذا عطفت فعلًا بعد الفعل المنصوب, فإن صح إشراكه معه في النصب جاز عطفه عليه, وإن لم يصح فاقطعه وارفعه, فمما يصح عطفه قولك: أحب أن تذهب فتضرب زيدًا فتنصب تضرب, (و) لا يصح دخوله في الإخبار كأنك قلت: أحب ذهابك/ فضربك زيدًا, والواو وثم وأو بمنزلة الفاء وليس النصب بضربة لازم, بل يجوز أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تقول: أحب أن تذهب فتضرب زيدًا فترفع تضرب عطفًا على أحب, والفرق بين العطفين أن الأول عطف مفرد على مفرد. والثاني: عطف جملة على جملة. ومما لا يصح عطفه قولك: أريد أن أزورك فيمنعني البواب, فترفع بمنعني تعطفه على أريد, ولو نصبت لفسد المعنى, لأن التقدير مع النصب. أريد زيارتك فمنع البواب, فقد أردت الزيارة وما يمنع من الزيارة وهو منع البواب, وهذا سفه, فبان أن الرفع هو الصواب, كأنك قلت: كلما أردت زيارتك منعني البواب, قال الحطيئة واسمه جرول, ولقب الحطيئة لقصره: 427 - والشعر لا يسطيعه من يظلمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه فرفع يعجمه, لأنه غير داخل في الإرادة, ولو نصب لفسد المعنى, قوله: يسطيعه أراد: يستطيعه, فحذف التاء, لأنها جامعت الطاء, وكلاهما من مخرج واحد ويقال: استاع بالتاء واستطاع واستطاع, ثلاث لغات, والحضيض: المكان المستقل والقدم: مؤنثه, ولذلك قال: زلت, وفي التنزيل: {فنزل قدم بعد ثبوتها}.

قال ابن جني: واعلم أن المصدر إذا كان في معنى أن والفعل ولم يكن مضافًا, عمل عمل الفعل في رفعه ونصبه إلا أنه لا يتقدم عليه شيء مما بعده, ولا يفصل بالأجنبي بينه وبينه. تقول: عجبت من ضرب زيد عمرًا, ومن ركوب أخوك الفرس, أي: من أن ركب أخوك الفرس, قال الله عز وجل: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيمًا ذا مقربة} وقال الشاعر: بضرب بالسيوف رؤوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقيل أي: بأن نضرب رؤوس قوم. فإن كانت فيه اللام: فكذلك أيضًا, تقول: عجبت من الضرب زيد عمرًا أي: من أن ضرب زيد عمرًا, قال الشاعر: لقد علمت أولى المغيرة أنني ... كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعًا أي: عن أن ضربت مسمعًا. فإن أضفت المصدر إلى الفاعل انجر, وانتصب المفعول به, تقول: عجبت من أكل زيد الخبز, ومن أكل الخبز زيد, قال الشاعر: أفتى تلادي وما جمعت من نشب ... قرع القواقيز أفواه الأباريق يروى: أفواه الأباريق, وأفواه الأباريق, رفعًا ونصبًا على ما مضى. وتقول: سرني قيامك يوم الجمعة, فتنصيب يوم الجمعة ظرفًا لسرني, ولو قلت: سرني يوم الجمعة قيامك, فجعلت يوم الجمعة ظرفًا للقيام لم يجز لتقديمك بعض الصلة على الموصول. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: واعلم أن المصدر قسمان: ما لا يكون في معنى أن وفعله, وما يكون في معناهما. فالأول: هو الذي ينصبه فعله, ويذكر معه لأحد الأشياء الثلاثة التي ذكرت في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = باب المفعول المطلق, وذلك نحو قولك: ضربت ضربًا, وسرت سيرًا شديدًا, وقمت قومتين, فهذا ونحوه لا يعمل, لأن حكم كونه عاملًا أن يقدر بأن والفعل, وهذا لا يصح تقديره بهما. فلا يجوز أن تقول: ضربت أن أضرب, لأن الغرض من ذلك معرفة زمان المصدر المخصوص, وإذا ذكرت/ فعله استغنيت عن معرفة زمانه, لأن فعله مشتق منه فهو يفيد زمانه. والثاني: ما كان في معنى أن والفعل, وذلك ما كان معمولًا لغير فعله, فهو يصح تقديره بأن والفعل, ويعمل عمل الفعل في رفع الفاعل ونصب المفعول, ويجري مجرى الفعل المشتق منه, متعديًا كان أو غير متعد, فينصب المفعول والمفعولين والثلاثة, والمصدر والظرفين, والمفعول له والمفعول معه والحال والمستنثى. وإنما عمل المصدر لأنه أشبه الفعل, حيث شاركه في الحروف, ودل على الزمان وصح أن يقدر به, فهذه ثلاثة أوجه. وللمصدر ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يكون منونًا, وهو أقواها عملًا, تقول: عجبت من ضرب زيد عمرًا. ومن ركوب أخوك الفرس, ويجوز تقديم المفعول على الفاعل, تقول: عجبت من ضرب عمرًا زيد, ولا يجوز تقديم الفاعل عليه, لأنه إذا لم يقدم على الفعل فامتناع تقديمه على المصدر أولى. ولا يجوز تقديم مفعول عليه, ولا شيء من منصوباته, لأنه مقدر بأن الخفيفة والفعل في العمل, وأن الخيفة مشبهة بأن الثقيلة, وتلك لا يتقدم ما في حيزها عليها, فكذلك أن الخفيفة, ولا يجوز الفصل بينه وبين صلته بالأجنبي, لأنه وصلته بمنزلة اسم مفرد, والفصل بين أجزاء الاسم غير جائز. وسيأتي من كلام أبي الفتح في آخر الباب مثال نتكلم عليه ونوضحه إن شاء الله تعالى. وأما قوله عز وجل: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتميًا} فيقرأ أطعم على لفظ الفعل, فيكون يتيمًا منصوبًا به, ويقرأ: أو إطعام, فيتيم منتصب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = منه, والتقدير أو أن أطعم. وإنما كان المصدر المنون أقوى الثلاثة في الإعمال, لأن المنون نكرة فهو بمنزلة الفعل, والفعل عندهم ن كرة لأحد أمرين: إما لأنه يدل على المصدر وهو في الأصل نكرة, وإما لأنه والفاعل يقعان صفة للنكرة كقولك: مررت برجل ذهب أبوه قال الشاعر: 428 - بضرب بالسيوف رؤوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقيل الهام جمع هامة, وهي أعلى الرأس, ومقيلة: مكانه, ومن ذلك ما أنشده سيبويه: 429 - أخذت بسجلهم فنفحت فيه ... محافظة لهن إخا الذمام أي: لأن أحافظ لهن إخا الذمام. الثاني: ما فيه الألف واللام, وهو بمنزلة المنون في استبانة رفع الفاعل ونصب المفعول بعده, تقول: عجبت من الضر زيد عمرًا, لأن ما فيه الألف واللام ممتنع من الإضافة والذي فيه الألف واللام ضعيف في الإعمال, لأنه لما تعرف بعد من شبه الفعل, وقال أبو علي الفارسي: «لم يجئ شيء من المصادر بالألف واللام معمل في التنزيل, وتأولوا آية حملوها على هذا, وهي قوله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} والتقدير: لا يحب الله أن يجهر بالسوء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إلا المظلوم ومن لم يحملها على إعمال المصدر جعل من استثناء منقطعًا, وأما قول الشاعر: 430 - لقد علمت أولى المغيرة أنني ... كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعًا فينشد لحقت وكررت, فمن أنشد لحقت نصب به مسمعًا, لأن الفعل أولى بالإعمال من المصدر المعرف باللام, ومن أنشد كررت نصب مسمعًا بالضرب, لأن كررت لا يتعدى, ولم يجز أبو علي أن يكون التقدير: كررت على مسمع, فلما حذفت حرف الجر تعدى الفعل إلى الاسم, وحجته أنا قد وجدنا ذلك مندوحة بأن ننصبه بالضرب لأنه مصدر فعل متعد, والمغيرة إما أن/ يكون صفة لخيل أو لجماعة وهو اسم فاعل من الغارة والغارة جماعة الخيل, والغارة الجماعة الغزاة, والغارة اسم من أعار يغير إذا فرق خيله أو جماعته للغزو, ونكل عن الشيء إذا تركه, ومسمع: اسم رجل. الحالة الثالثة: أن تضيف المصدر, وتجوز إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول, وإلى أيهما أضفته جررته, وتركت الثاني على إعرابه, تقول: عجبت من أك لزيد الخبز, فزيد مجرور لإضافته إليه, والخبز منصوب, لأن الإضافة لا تكون إلى اسمين. وتقول: عجبت من أكل الخبز زيد, فالخبز مجرور, وزيد مرفوع لما ذكرنا, قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاعإليه سبيلا} وتجوز إضافته إلى كل واحد منهما من غير ذكر الآخر كقوله تعالى: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} فهذا مضاف إلى المفعول, ولا فاعل, ومن قرأ: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون}. فقد أضافه إلى الفاعل ولا مفعول, وإذا أضفته إلى الفاعل كان مجرور اللفظ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مرفوع الموضع. وإذا أضفته إلى المفعول كان مجرور اللفظ منصوب الموضع, لأنك لو نونته مع كل واحد منهما لظهر فيه الإعراب الذي يستحقه. فإذا قلت: أعجبني ضرب زيد وعمرو فجعلت زيدًا فاعلًا جاز في عمرو الجر حملًا على اللفظ, والرفع حملًا على الموضع, كأنك قلت: أعجبني أن ضرب زيد وعمرو. وإذا جعلت زيدًا مفعولًا جاز في عمرو الجر حملًا على اللفظ, والنصب حملًا على الموضع كأنك قلت: أعجبني أن ضربت زيدًا وعمرًا, وقال الراجز: 431 - يحسن بيع الأصل والقيانا فنصب القيان حملًا على موضع الأصل, كأنه قال: يحسن أن يبيع الأصل والقيان. وإنما جاز إضافة المصدر إلى الفاعل والمفعول, لأن كل واحد منهما به ملابسة فالفاعل يلابسه بأحداثه إياه, والمفعول يلابسه بأنه محله وأنشد أبو الفتح رحمه الله: 432 - أفنى بلادي وما جمعت من نشب ... قرع القواقيز أفواه الأباريق التلاد: المال القديم, والنشب ها هنا: المستحدث, ألا ترى أنه قال: «وما جمعت» فكأنه قال: أفنى تلادي وطار في, والقرع: الدق, والقوافيز: جمع قاقوزه يقال: قاقوزة وقازوزة, وهي إناء يشرب فيه, والأباريق: جمع إبريق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والإبريق أيضًا: السيف المصقول, والمرأة البراقة إبريق, على (رأي). ابن فارس. ومعنى البيت أن ماله القديم والحديث أفناه شرب الخمر, وهذا في المعنى كقول طرفة بن العبد: 433 - وما زال تشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومثلدي ولك رفع أفواه ونصبه, فإن رفعته كان القواقيز مفعولًا في المعنى. وإن نصبته كان القواقيز فاعلًا في المعنى, وإنما جاز ذلك, لأن الشيء إذا قرع شيئًا فقد قرعه المقروع فالقواقيز فاعله مفعولة, وكذلك الأفواه, ولو قلت: عجبت من ضرب زيد عمرًا فنصبت عمرًا على أنه مفعول لم يكن لك رفعه, لأنه لا يلزم من كونه مضروبًا أن يكون ضاربًا فرفعه يلبس. وعجبت من أكل زيد الخبز بالرفع من أكل الخبز زيدًا بالنصب, لأن الخبز لا يكون (إلا) مأكولًا, فجعلك إياه فاعلًا غير ملبس. مسألة: يجوز إضافة المصدر إلى الظرف, لأنه فيه, فإذا أضفته إليه بقي فاعله ومفعوله على إعرابهما, تقول: عجبت من ضرب اليوم زيد عمرًا, وإذا أضفت المصدر إلى الظر فخرج عن الظرفية, لأنه إذا كان ظرفًا قدرت فيه في, وإذا أضيف إليه امتنع تقديرها كوجودها, ولو وجدت لحالت بين المضاف والمضاف إليه/ قال الله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} وتقول: سرني إعطاء زيد عمرًا الدرهم ولك أن تضيفه إلى عمرو وإلى الدرهم, وإذا قلت: سرني إعلام أبيك محمدًا عمرًا جالسًا لكانت لك إضفاته إلى محمد دون المفعولين الآخرين, وتقول:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = سرني قيامك يوم الجمعة فلك في يوم الجمعة ثلاثة أوجه: أحدها أن تجعله حالًا من قيامك أي: سرني قيامك موجودًا يوم الجمعة. ولك أن تقول: سرني يوم الجمعة قيامك, كما تقول: جاء راكبًا زيد, ويوم الجمعة سرني قيامك, كما تقول: راكبًا جاء زيد. والثاني: أن تجعله متعلقًا بقيامك, كأنك قلت: سرني أن قمت يوم الجمعة, ولا يجوز تقديمه على قيامك لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه, وقد ذكرت علة ذلك, ولا يجوز تقديمه على سرني, لأنه إذا لم يجز تقديمه على قيامك مع أنه إلى جانبه فألا يجوز تقديمه عليه مع الفصل بينهما أولى. والثالث: أن تجعله متعلقًا بسرني, فيجوز أن تقول: سرني قيامك يوم الجمعة وسرني يوم الجمعة قيامك, ويوم الجمعة سرني قيامك. ولا يجوز أن تجعله حالًا من الكاف في قيامك, ولا من الياء في سرني, لأن ظروف الزمان لا تكون أحوالًا للجثث كما لا تكون أخبارًا عنها.

باب: (النونين)

باب: (النونين) قال ابن جني: وهما خفيفة, وثقيلة, فالثقيلة: أشد توكيدًا من الخفيفة والفعل قبلهما مبني على الفتح معهما, وأكثر ما تدخلان فيه القسم, تقول: والله لأقومن, وتالله لأذهبن, قال الله عز وجل: {لأرجمنك واهجرني مليا}. وقد تدخلان في الأمر والنهي والاستفهام. تقول: اضربن زيدًا ولا تشتما بكرا وقال الأعشى: *ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا* وقال الآخر: فلا تضيقن إن السلم آمنة ... ملساء ليس بها وعث ولا ضيق وكذلك المعتل أيضًا تقول: ارمين زيدًا, ولا تعزون جعفرًا, ولا تخشين سوءًا, قال الشاعر: استقدر الله خيرًا وارضين به ... فبينمنا العسر إذ دارت مياسير ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب النونين) قال ابن الخباز: وهما ثقيلة, وخفيفة, فالثقيلة مشددة بمنزلة نونين, والخفيفة نون واحدة ساكنة لأنه لا حاجة إلى حركتها, فالثقيلة مبنية على الحركة لالتقاء الساكنين, ومفتوحة لأنها والفعل كلمة واحدة, فاختير لها الفتح للطول, وهي أشد توكيدًا من الخفيفة لأن لفظها أكثر من لفظها. فإن قلت: فأيهما الأصل؟ قلت: الخفيفة, لأن الثقيلة أزيد منها لفظًا ومعنى, والزيادة طارئة عارضة فالعاري من الزيادة هو الأصل. فإذا قلت: اضربن بالخفيفة فقد ذكرت الفعل في التقدير مرتين, فكأنك (قلت): اضرب اضرب, فإذا قلت: اضربن بالشديدة فقد كررت الفعل في التقدير ثلاث مرات فكأنك قلت: اضرب اضرب اضرب,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإذا قلت: والله لتذهبن, بالخفيفة, فقد كررت الفعل في التقدير أربع مرات, فكأنك قلت: تذهب تذهب تذهب تذهب, وإذا قلت: والله لتذهبن بالشديدة فقد كررت الفعل في التقدير خمس مرات, كأنك قلت: تذهب تذهب تذهب تذهب تذهب, وهذا أصل نافع في هذا الباب, فابن عليه مسائله من جهة المبالغة في التوكيد. ولا يخلو الفعل الذي يدخلان عليه من أن يكون مضارعًا أو أمرًا, ولا يدخلان على الماضي, لأنه ثابت متحقق, والمقصود منهما توكيد ما يقع, ليكون ذلك حاملًا على الإيقاع, فإذا كان مضارعًا فلا يجوز أن يكون حالًا, لأنه مشاهد ثابت, فلا فائدة في توكيده, وإن كان مستقبلًا دخلتا عليه وأثر دخولهما البناء على الفتح, أما البناء, فلأن حركة الإعراب لم يبق لها مورد في الفعل, لأن فتحته قد صارت علامة. للواحد, كقولك: (متى) تذهبن؟ وضمته علامة للجمع كقولك: متى تذهبن؟ وكسرته علامة للمؤنث كقولك: متى تذهبن؟ وأما حركته فليست لالتقاء الساكنين بل هي لأن بناء المضارع عارض, والدليل عليه أنك تقول: قولن وسيرن فتثبت الواو والياء, ولو كانت الحركة لالتقاء الساكنين لم تثبتهما كقولك: قل الحق وبع العبد, وخف الله, وأما الفتحة, فإن الفعل متى كان للواحد حرك بها, واختاروا الفتحة, لأنها أخف الحركات, ولأن الضمة/ تلبس بفعل الجماعة, والكسرة تلبس بفعل المؤنث, وإن كان أمرًا فإنه يبنى على الحركة بعد أن كان ساكنًا, وليس كالمضارع في عروض البناء. ولهما مواضع يدخلان على الفعل معها, فالشائع الكثير دخولهما في القسم, لأن أصل المجيء به التوكيد, وهو مفتقر إليه, وفي التنزيل: {ليسجنن وليكونا من الصاغرين} وقال تعالى: {لأرجمنك واهجرني مليا} وقال تعالى: {لسنفعًا بالناصية} وقال الأعشى:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 434 - فلأشربن ثمانيًا وثمانيًا ... وثمان عشرة واثنتين وأربعا ومن ذلك الأمر والنهي, تقول: اضربن زيدًا ولا تشتمن عمرًا, لأنهما غير واجبين, وفي التنزيل: {ولا تقولن لشيء} وقال الأعشى: 435 - ولا تسخرن من بائس ذي ضرورة ... ولا تحسبن المال للمرء مخلدًا ولا تقربن جارة إن سرها ... عليك حرام فانكحن أو تأبدًا وقال أيضًا: 436 - وسبح على العشيات والضحى ... ولا تحمد المثرين والله فاحمدا هكذا قرأته في ديوانه, وقد حرفه أبو الفتح, والبيت (الذي) في آخره واعبدا قوله: 437 - وذا النصب المنصوب لا تنكسنه ... لعاقبة والله ربك فاعبدا وقال أفنون التغلبي:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 438 - ألا لست في شيء فروحًا معاويًا ... ولا المشفقات إذ تبعن الحوازيا وإذا كان الفعل معتلًا أعدت لامه مع النونين, لأنك إنما تحذفها للجزم وقد أزاله إلحاق النونين, تقول: ارمين واغزون واخشين ولا تعدون ولا ترضين ولا تقضين, قال الشاعر/: 439 - تأتي أمور فما ندري أعاجلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير فاستقدر الله خيرًا وارضين به ... فبينما العشر إذ دارت مياسير استقدر الله: أي: اسأله أن يقدر لك. وقوله: «وارضين به» أي: ارضين بالخير, وارضين بالله أو ارضين باستقدار الله تعالى. والعشر مبتدأ وخبره محذوف, والماسير: جمع يسر أو جمع ميسيرة, وأصله: مياسر فمطل الكسرة ولهذا الشعر حديث تركته خوف الإطالة. وإذا كانت عين الفعل معتلة أثبتها لتحرك الآخر في الوقف والوصل, قال الشاعر: 440 - فلا تضيقن إن السلم آمنة ... ملساء ليس لها وعث ولا ضق يقال: سلم وسلم وهي مؤنثة, ويجوز تذكيرها, ويقال: ضيق وضيق, والوعث: الأذى, وهو من الوعث في الأرض: وهو رخاوتها, يقال: بعير موعث إذا وقع في الوعث, وذلك يشق عليه.

قال ابن جني: وتدخل في الاستفهام والنفي, قال الشاعر: هل ترجعن ليال قد مضين لنا ... والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا وتقول في التثنية: لتضربان زيدًا, وفي الجمع: لا تذهبن معه, ومع التأنيث: لا تضربن زيدًا, حذفت النون لزوال الرفع, وحذفت الواو والياء/ لسكونهما وسكون النون الأولى بعدهما, وبقيت الكسرة والضمة تدلان عليهما. ولم تحذف الألف من لتضربان, لئلا تشبه الواحد, قال الله عز وجل: {لتركبن طبقصا عن طبق} , وقال تعالى: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} وقال تأبط شرًا: لتقرعن علي السن من ندم ... إذا تذكرت يومًا بعض أخلاقي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وتدخلان في الاستفهام, وأنشد: 441 - هل ترجعن ليال قد مضين لنا ... والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا أفنان: جمع فن وانتصابه على الحال من الضمير في منقلب, وقال المرقش الأكبر: 442 - هل يرجعن لي لمتي إن خضبتها ... إلى عهدها قبل المشيب خضابها وقال: إنها تدخل في النفي ولم يذكر له مثالًا ولا شاهدًا, وإنما جاز دخولها في النفي لأنه يقصد به ترك الفعل فشبه النهي, وها هنا تنبيه: اعلم أن المنفي بلم ولما يضعف دخول النون عليهما, لأنهما تقلبان معناه إلى المضي, والمنفي بما لا يجوز دخولها عليه, لأنها مخلصة للحال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ويجوز دخولها على المنفي بلا ولن, لأنهما تخلصانه للمستقبل. وتقول في توكيد فعل الاثنين: لا تضربان زيدًا حذفت نون الرفع/ لأن الفعل صار مبنيًا, وقال ابن الدهان: هو معرب, وهذا بعيد, وكسرت نون التوكيد, لأنها أشبهت نون التثنية بوقوعها بعد الألف. وتقول في توكيد الجمع: لا تذهبن معه, حذفت نون الرفع لما ذكرنا, وحذفت الواو لالتقاء الساكنين, والضمة قبلها تدل عليها, ولم يجز حذف الألف, لأنك لو حذفتها لالتبس فعل الاثنين بفعل الواحد, وتقول في فعل المؤنث: لا تذهبن معه, حذفت نون الرفع والياء لما ذكرناه, وكسرة الباء دليل على الياء, وأما قوله تعالى: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} فيقرأ بالتشديد والتخفيف فمن قرأ بالتشديد جعل النون للتوكيد, وكانت «لا» للنهي, ومن قرأ بالتخفيف جعل الفعل حالًا وكانت لا للنفي (والنون للرفع) وقيل: إنها للتوكيد, وقد حركت لالتقاء الساكنين, وهو ركيك, وأما قوله تعالى: {لتركبن طبقًا عن طبق} فمن قرأه بفتح الباء جعل المخاطبة للإنسان ومن قرأ بالضم جعله خطابًا للناس, وقوله: {طبقًا عن طبق} أي: حالًا بعد حال من صبي وشباب واكتهال وشيب, وأنشد ابن قتيبة:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 443 - كذاك المرء إن نيسأ له أجل ... يركب به طبق من بعده طبق وأما قول تأبط شرًا: 444 - لتقرعن على السن من ندم ... إذا تذكرت يومًا بعض أخلاقي فيروى بفتح العين وضمها وكسرها, فمن رواه بالفتح جعله خطابًا للعاذل, لأن قبه يقول: 445 - يقول أتلفت مالًا لو رضيت به ... من ثوب صدق ومن بزو أعلاق ومن رواه بالضم جعله خطابا للعذال, لأن الواحد منهم كالجمع/ ومن رواه بالكسر جعله خطابًا للعاذلة, لأن قبله: 446 - عاذلتي إن بعض اللوم معنقة ... وهل متاع وإن أبقيته باق

قال ابن جني: فإذا انفتح ما قبل الواو والياء حركت الواو بالضم, والياء بالكسر, لالتقاء الساكنين تقول: احشون زيدًا, ولا ترضين عن عمرو قال الله عز وجل: {لنبلون في أموالكم وأنفكسم} وقال عز اسمه: {فإما ترين من البشر أحدًا} وتقول في جماعة المؤنث: اضربنان زيدًا يا نسوة, ولا تخشينان عمرًا, تفصل بين النونات بالألف تخفيفًا, ومن كلام أبي مهدية في صلاته: اخسأنان عني, اخسأنان عني, فإذا وقعت على النون الخفيفة أبدلت منها للفتحة قبلها ألفًا, تقول: يا زيد اضربا, ويا محمد قوما. فإن لقيها ساكن بعدها حذفت لالتقائهما. وقال الشاعر: ولا تهيم الكريم علك أن ... تركع يومًا والدهر فد رفعه أراد ولا تهينن, فحذف, وقد تدخل النونات في غير هذه المواضع, وليس ذلك بقياس فتركناه. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: فإن انفتح ما قبل واو الجمع وياء المؤنث لم يجز حذفهما, لأنه ليس قبلهما ما يدل عليهما تقول: لا تخشون سوءًا, ولا ترضين عن عمرو, وضممت الواو, لأن الضمة من جنسها, وكسرت الياء, لأن الكسرة من جنسها, وفي التنزيل: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم} ووزنه: تفعون, لأن الواو ضمير, وفيه: {فإما ترين} ووزنه: تقين, لأن الياء ضمير, وقال الزمخشري: قرئ: {ترين} بالهموة وهي رديئة. وإذا أكدت فعل جماعة الإناث قلت: اخشينان ولا تذهبنان وإنما دخلت الألف لتفصل بين النونات, وإذا أدخلوها في قوله تعالى: {أأنتم أشد خلقًا} ليفصلوا بين الهمزتين, وهما مثلان فإدخالها للفصل بين ثلاثة أمثال أولى وتكسر النون لوقوعها بعد الألف كما كسرت نون الزيدان, ومن كلام أبي مهدية في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = صلاته: «اخسأنان عني» يقال: خسأت الكلب فخسأ هو أي: أبعدته فبعد, وأبو مهدية أعرابي بالبصرة كان تؤخذ عنه اللغة. قال الأصمعني: أصابته المرة الصفراء فدخلنا عليه فقال: هات خلتك يا أحمر, فناولته قارورة خل فشربها ثم تفلها, فقال: اطلعت في النار فرأيت للشعراء كظيظا وأرجو أن يغفر الله لجرير بدفعه عن نسيات قيس. اخسأنان عني, كذا من أمك يا شيطان, والمخاطب بقوله: اخسأنان عني: خيالات عرضت له, وكل موضع تدخل فيه الثقيلة فالخففة تدخله إلا فعل الاثنين وفعل جماعة النساء, لأنه يلزم من دخولها التقاء الساكنين وتحريك النون غير جائز. وإذا وقفت على النونين فإن كان الموقوف عليه الشديدة كان لك وجهان/: إسكانها كقولك: يا زي اضربن, وتحريكها وإلحاق هاء السكت قال الراجز: 447 - يا عمر الخير جزيت الجنة ... اكس بنياتي وأمهنه أقسم بالله لتفعلنه فقال عمر رضي الله عنه, وإن لم أفعل, فقال له: 448 - إنك عن حالي لتسألنه ... يوم تكون الأعطيات تمه والواقف المسئول بينهنه ... إما إلى نار وإما جنة فقال عمر رضي الله عنه: يا يرفأ أعطه ما طلب لأجل ذلك اليوم لشعره. وإن كان الموقوف عليه الخفيفة, فإن كانت في مضارع لم يخل من أن يكون مرفوعًا أو منصوبًا أو مجزومًا, فإن كان مرفوعًا وما قبلها ضمة أو كسرة كقولك: هل تضربن يا قوم؟ , وهل تذهبن يا هند؟ قلت في الوقف: هل تضربون؟ وهل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تذهبين؟ رددت نون الرفع لزوال نون التوكيد, ورددت الواو والياء لزوال التقاء الساكنين. وحذفت نون التوكيد, لأنها سكنت وقبلها ضمة أوكسرة فصارت كالتنوين في هذا زيد ومررت بزيد. وإن كان قبلها فتحة: أبدلت منها الألف قياسًا على التنوين في رأيت زيدًا, لأنها مثله في سكونها وفتح ما قبلها تقول: هل تذهبن يا زيد؟ فإذا وقفت قلت: هل تذهبا؟ وإن كانت في الأمر, وقبلها ضمة أو كسرة حذفتها, وأعدت الضمير, تقول اذهبن يا قوم, واضربن يا هند, فإذا وقفت قلت: اذهبوا واضربي, وإن كان قبلها فتحة أبدلت منها الألف تقول: يا زيد اضربا, ويا محمد قوما, قال النابغة الجعدي في المضارع: 449 - فمن يك لم يثأر بأعراض قومه ... فإني ورب الراقصات لأثارا أراد: لأثأرن, وقال قطري بن الفجاءة المازني في الأمر/: 450 - ألا أيها الباغي البراز تقربًا ... أساقك بالموت الزعاف ملاقشبا فما في تساقي الموت في الحرب سبة ... على شاربيه فاسقني منه واشربا وإذا لقي النون ساكن حذفت لالتقاء الساكنين, تقول: اضربن وقومن, فإذا وصلتها قلت: اضرب ابنك, وقوم اليوم, ولا تحركها لالتقاء الساكنين كما حركت التنوين في: {وعيون * ادخلوها} , {وعذاب * اركض} و {أحد * الله} لأن التنوين من خصائص الأسماء, وهذه من خصائص الأفعال, فجعلوا الخصيصة الاسم فضيلة على خصيصة الفعل, وقال الشاعر:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 451 - ولا تهين الكريم علك أن ... تركع يومًا والدهر قد رفعه أراد: ولا تهيين, وأنشد أبو علي رحمه الله: 452 - يا حب أمسينا ... ولم تنام العينا أراد: ولم تنامن, فحذف, وقد دخلت النون في غير ما ذكرنا, وليس بقياس فمن ذلك دخولها في جواب الشرط, قال الشاعر: 453 - فمهما تشأ (منه) فزارة تعطكم ... ومهما تشأ منه فزارة تمنعا ومن ذلك دخولها مع ربما, قال جذيمة الأبرش: 454 - ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات وقالوا: قل ما تقولن, وكثر ما تقولن «وبجهد ما تبلغن» , «وبألم ما تختننه»

باب: (النسب)

باب: (النسب) قال ابن جني: النسب إلى كل اسم بزيادة ياء مشددة مكسور ما قبلها, تقول في النسب إلى زيد: زيدي, وإلى عمرو, عمري, وإلى محمد: محمدي. فإن كان الاسم ثلاثيًا مكسور الأوسط: أبدلت من كسرته فتحة هربًا من توالي الكسرتين والياءين, تقول في الإضافة إلى النمر: نمري, وإلى شقرة: شقري. قال الشاعر: لصحوت والنمري تحسبه ... عم السماك وخالة النجم فإذا تجاوز الاسم ثلاثة أحرف, لم تغير كسرته تقول في الإضافة إلى تغلب: تغلبي, وإلى المغرب: مغربي, هذا هو القياس, وذلك أن الكسرة سقط حكمها لغلبة كثرة الحروف لها. ـــــــــــــــــــــــــــــ 455 - *وفي عضة ما ينبتن شكيرها* فهذه المواضع التي أشار إليها أبو الفتح رحمه الله, وكلها غير مقيس. والله أعلم. (باب النسب) قال ابن الخباز: النسب والنسبة بمعنى واحد, وسيبويه يسميه باب الإضافة. ومعناه عند النحويين: إضافة الشيء إلى غيره من جهة المعنى بإلحاق ياء مشددة مكسور ما قبلها آخر المضاف إليه, ويستوي في ذلك الآباء والأمهات

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والبلدان والأحياء والصناعات تقول: زيدي وفاطمي ودمشقي وتميمي ونحوي. وإنما افتقر إلى علامة, لأنه معنى حادث في الاسم فلابد له من علامة كالتثنية والجمع والتأنيث, وكانت العلامة من حروف اللين, لأنها الجديرة بالزيادة, وكانت الياء أولى, لأنهم لو زادوا الألف لالتبس بالمقصود, ولو زادوا الواو لثقلت عليهم, وإنما شددوا الياء, لأنهم لو خففوها لحذفت لالتقاء الساكنين فزالت علامة النسب, وإنما كسروا ما قبلها ليدلوا على شدة امتزاج الاسم بالعلامة. كما قالوا: ضربوا فضموا الباء لشدة اتصال الفعل بالفاعل. فإن نسبت إلى اسم ثلاثي مكسور العين أبدلت من كسرته فتحة, فقلت في نمر: نمري, وهو النمر بن قاسط وفي شقرة: شقري, والشقرة في الأصل واحد الشقر, وهو شقائق النعمان. قال طرقة بن العبد: 456 - فتساقا القوم كأسًا مرة ... وعلى الخيل دماء كالشقر والشقرة: حي. وقال الشاعر: 457 - يا كعب إنك لو قصرت على ... حسن الندام وقلة الجزم وسماع مدجنة تعللنا ... حتى تؤؤب تاوب العجم لصحوت والنمري يحسبها ... عم السماك وخالة النجم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عني بالنمري: كعبًا, والضمير في يحسبها يعود إلى المدجنة, وجعلها عم السماك وخالة النجم وهو الثريا لحسنها, وتقول في/ النسبة إلى الدئل: ذؤلي ومنه: أبو الأسود الدؤلي, وإلى إبل: إبلي. فإن تجاوز الاسم ثلاثة أحرف, وقبل آخره كسرة فهو قسمان: ساكن الثاني ومتحركة, فالأولى نحو تغلب والمغرب, فهذا فيه مذهبان: أحدهما: تبقية الكسرة تقول: تغلبي ومغربي, لأن الساكن حجز بين المتحركات فخف اللفظ, ومنهم من يفتح فيقول: تغلبي ومغربي, وهو لغة العامة فرارًا من توالي الكسرتين والياءين واللامين, أنشد يعقوب رحمه الله: 458 - ألين مسا في حوايا البطن ... من يثربيات قذاذ خشن والمتحرك الثاني, نحو علبط وهدبد, تقول في النسب إليه: علبطي وهدبدي فبتقي الكسرة, لأنه قد تقدم قبلها من الصدر ما يقاوم العجز فصار بمنزلة كلمتين.

قال ابن جني: فإن كان الثلاثي مقصورًا أبدلت من/ ألفه واوًا, لوقوع ياء الإضافة بعدها تقول في الإضافة إلى قنا: قنوي, وإلى رحى: رحوي, وإلى فتى: فتوي. فإن كان المقصور رباعيًا, وألفه بدل غير زائدة, كان الوجه قلبها واوًا تقول في مغزى: مغزوي. وفي مرمى: مرموي, ويجوز الحذف فيهما, فتقول: مغزي ومرمي, فإن كانت ألفه زائدة, فالوجه الحذف, تقول في سكرى: سكري, وفي حبلى: حبلي ويجوز البدل تقول: سكروي وحبلوي, فإن تجاوز العدد الأربعة, فالحذف للطول لا غير. تقول في مرامي: مرامي, وفي مرتجى: مرتجي, وكذلك ما فوقه عددًا. فإن كان المنقوص ثلاثيًا, أبدلت من كسرته فتحة, فصارت ياؤه للفتحة قبلها ألفًا ثم أبدلت ألفه واوًا على ما مضى, تقول في الإضافة إلى عم: عموي, وإلى شج: شجوي, فإن كان المنقوص رباعيًا اخيتر حذف يائه تقول في معط: معطي, وفي قاض: قاضي, ويجوز الإقرار والبدل تقول: معطوي وقاضوي, فإن تجاوز الاسم/ الأربعة حذفت ياؤه البتة تقول في مشتر: مشتري وفي مستنقض: مستقضي. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: فإن نسبت إلى المقصور فلا يخلو من أن تكون ألفه ثالثة أو رابعة أو فوق ذلك فإن كانت ثالثة: أثبتت, وقلبت واوًا (سواء أ) كانت من بات الياء أو من بنات الواو تقول في فتى: فتوي وفي قناة: قنوي, أما إثباتها: فلأنها بدل من أصل فحذفها إجحاف بالاسم لنقصه عن أقل الأصول, وقلبها واوًا لأن بعدها يائي النسب فلو قلبتها ياء مع أن قبلها حركة لتوالت حركتان, وثلاث ياءات, ولأنها تصير في بعض المواضع إلى أربع ياءات لو قلبتها ياء نحو النسب إلى الحيا بمعنى المطر. وإن كانت رابعة لم تخل من أن تكون بدلًا من أصل, أو زائدة, فإن كانت بدلًا من أصل نحو مغزي وملهي/ فالجيد إقرارها وإبدالها واوًا تقول: مغزوي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وملهوي, أما إقرارها فلأنها بدل من أصل, وقلبها واوا لما ذكرنا, ويجوز الحذف تقول مغزي وملهي. لأن الاسم لا ينقص بحذفها عن أقل الأصول. وإن كانت زائدة نحو حبلى وسكرى فالجيد حذفها تقول في حبلى: حبلي وفي/ سكرى: سكري كما تقول في جمعه: جمعي وفي طلحة: طلحي, لأن الألف كالتاء في دلالة التأنيث. ومنهم من يشبهها بألف مغزى وملهى فيثبتها ويقلبها واوًا, لأنها ألف رابعة تقول حبلوي وسكروي. فإن كانت ألف خامسة أو سادسة, استوى الزائد والأصل في الحذف, لأن إثباتها يفرط في طول البناء, تقول في حبارى: حباري, وفي مرتجى: مرتجي وفي شقارى شقاري, وفي مسترشى: مسترشي. وإذا نسبت إلى المنقوص, فلا تخلو ياؤه من أن تكون ثالثة أو رابعة أو فوق ذلك, فإن كانت ثالثة: نحو عم وشج عاملته معاملة نمر بإبدالك من كسرته فتحة فينقلب آخره ألفًا, فيصير بمنزلة عصا ورحا, ثم تبدل من الألف واوا في النسب تقول: عم وشج ثم عمي وشجي ثم عمى وشجى ثم عموي وشجوي. فإن كانت ياء المنقصو رابعة نحو معط وقاض, عاملته معاملة تغلب. فمن قال تغلبي فكسر قال: معطي وقاضي, فحذف لام الفعل, لأن إثباتها يوجب تحريكها بالكسرة, وقبلها حرف مكسور وبعدها ياءان, وذلك شديد الاستثقال ومن قال: تغلبي ففتح فتح العين, فانقلبت اللام ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار الاسم مقصورًا, فقلبت ألفه في النسب واوا تقول: معطوي وقاضوي. قال علقمة بن عبدة في الحذف:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 459 - كأس عزيز من الأعناب عتقها ... لبعض أربابها حانية حوم وأنشد سيبويه: 460 - فكيف لنا بالشرب إن لم تكن لنا ... دراهم عند الحانوي ولا نقد فهذا نسب إلى حانية, وإن كانت الياء خامسة أو سادسة/ حذفت, تقول في مشتري: مشتري, وفي مستنقصي: مستنقصي, لأن إقرارها يفرط في طلول البناء وامتداده.

قال ابن جني: فإن كانت في آخر الاسم ياء مشددة نحو: صبي وعدي, حذفت الأولى الزائدة وأبدلت من الكسرة فتحة فانقلبت الياء الثانية ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم أبدلت الألف واوًا لوقوع ياء النسب بعدها, فقلت في صبي: صبوي, وفي علي: علوي وفي عدي: عدوي. فإن كانت الياء المشددة قبل الطرف حذفت المتحركة, تقول في أسيد, أسيدي وفي حمير: حميري, فإن كانت قبل الطرف ياء ساكنة زائدة وفي الكلمة تاء التأنيث حذفت التاء, ثم حذفت لحذفها التاء الزائدة, ثم أبدلت من الكسرة قبلها - وإن كانت هناك كسرة - فتحة تقول في حنيفة: حنفي, وفي ربعة: ربعي, وفي بجيلة: بجلي, وفي جهينة: جهني, وفي قريظة: قرظي, وربما شذ من ذلك الشيء القليل, فلم تحذف ياؤه, قالوا في السليقة: سليقي, وفي الخريبة: خريبي. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: فإن كانت في آخر الاسم ياء مشددة نحو صبي وعدي وعلي حذفت الياء الساكنة التي قبل الطرف, لأنها ضعيفة بالزيادة والسكون, فوزن الاسم بعد حذفها صبي وعدي وعلي كعم وشج, فإذا نسبت إليه أبدلت من كسرته فتحة, ومن الياء ألفًا ومن الألف واوا, تقول: صبوي وعدوي وعلوي, لأنك لو أثبتها لجمعت بين أربع ياءات فقلت: عديي, ومنهم من يقوله, لأن الأولى مدغمة في الثانية والثالثة مدغمة في الرابعة, فخف اللفظ للسكون المتخلل, وياء التصغير بمنزلة ياء صبي في الحذف فتقول في قصي وأمية: قصوي وأموي, ويجوز قصبي وأميي. فإن كانت الياء المشددة المكسورة قبل الطرف حذفت المكسورة وأبقيت الساكنة التي قبلها, تقول في النسب إلى أسيد وحمير: أسيدي, وحميري, لأنك لو أثبتها لجمعت بين ياء شديدة مكسورة وحرف مكسور وياءين, ولا شبهة في خفة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الساكن, ولو صغرت تميميًا قلت في تحقيره: تميمي كحسني, وأصله تميمي فحذفت الياء المكسورة لما ذكرنا. فإن كانت قبل الطرف ياء ساكنة زائدة, والاسم مؤنث بالتاء نحو حنيفة وربيعة وبجيلة وقريظة, وهن أسماء قبائل حذفت تاء التأنيث, لأن إقرارها في النسب غير جائز, وذلك لثلاثة أوجه: أحدها: أنها والياء تشتركان في فصل الواحد من الجمع نحو رومي وثمرة. والثاني: أن كون علامة التأنيث حشورًا لا يجوز. والثالث: أنك لو أثبتها للزمك الجمع بين تاءين إذا أنثت المنسوب نحو مكثية فتجمع في الاسم بين تاءين, وذلك لا يجوز, ومن قبيح لحن العامة: النوبتية, وإنما الصواب النويبة/, ومن قبيح لحنهم أيضًا قولهم: دواني, وإنما الصواب دووي. فإذا وجب حذف تاء التأنيث حذفت الياء الساكنة الثالثة. فإن كان الاسم على فعيلة فتحت عينه كما فتحت عين نمر, وإن كان على فعيلة بقيت فتحة عينيه فتقول: حنفي وربعي وبجلي وجهني, وإنما حذفت الياء, لأن حذف التاء طرق على الكلمة الحذف والتغيير يونس بالتغيير, ولم يختلف سيبويه والمبرد في حذف الياء في فعلية وفعلة, واختلفا في حذف الواو من فعولة, فكان سيبويه يحذفها قياسًا على الياء, فلو نسيت إلى حلوية قلت عنده: حلبي, واحتج بقول العرب في النسب إلى شنوءة: شنئي مثل شنعي. وكان المبرد لا يحذف الواو وفرق بينها وبين الياء بشياء يطول ذكرها, وقد شذ من ذلك شيء فأثتبوا فيه الياء قالوا: رجل سليقي وهو الذي يتكلم بالسليقية, وهي الطبيعة, أنشد عبد

قال ابن جني: فإن كانت قبل الياء واو/ لم تحذف الياء, قالوا: في بني حويزة: حويزي ومثله في طويلة: طويلي, وكذلك إن كانت الكلمة مضعفة لم تحذف ياؤها, تقول في شديدة: شديدي, وفي جليلة: جليلي, فإن لم تكن في الكلمة تاء التأنيث لم تحذف منها شيئًا من ذلك, تقول في سعيد: سعيدي, وفي عقيل ونمير: عقيلي ونميري, وربما حذف من ذلك الشيء القليل فقالوا في ثقيف: ثقفي, وفي قريش: قرشي. قال الشاعر: بحي قريش عليه مهابة ... سريع إلى داعي الندى والتكرم ـــــــــــــــــــــــــــــ القاهر عن شيخه: 461 - إن السليقة للنحوي إن جمعا ... كالماء فيه لحر النار إطفاء وقالوا: في النسب إلى خريبة: جريبتي, وهي قبيلة. قال ابن الخباز: فإن كانت عين فعيلة واوًا نحو بني حويزة لم تحذف ياء فعيلة, تقول في النسب إليها: حويزي لأنك لو حذفتها لتحركت الواو وانفتح ما قبلها, وتحرك ما بعدها, فلم يبق مانع من إعلالها, فكنت تقول: حازي, وهذه حالة شديدة وتغيير كثير, وأقول: لو كانت فعيلة من بنات الواو على لفظ التصغير نحو سويقة قلت في النسب إليها: سوقي لأن الواو المفتوحة إذا انضم ما قبلها لم تعتل, ألا تراهم قالوا: رجل لومة ونومة وقالوا: في جمع سورة: سور. وإن كانت فعيلة مضاعفة نحو شديدة وجليلة. لم تحذف الياء, وقلت في النسب: شديدي/ وجليلي, لأنك لو حذفتها. لواليت بين مثلين, فكنت تقول: شددي وجللي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولو كانت فعيلة مضاعفة مصغرة نحو قديدة وجنينة لم تحذف الياء أيضًا, لئلا توالي بين مثلين. فإن كان الاسم على فعيل أو فعيل, لم تحذف منه شيئًا, لأن النسب لم يطرق عليه حذفا تقول في سعيد: سعيدي, وفي عقيل: عقيلي, وقد حذفوا من ذلك الشيء اليسير, قالوا في ثقيف: ثقفي, وفي قريش: قرشي, وفي هذيل: هذلي, وقالوا: هذيلي وقريشي, قال الشاعر: 462 - ولست بشاوي عليه دمامةً ... إذا ما غدا يغدوا بقوس وأسهم ولكنني أغدوا علي مفاضة ... دلاص كأعيان الجراد المنظم بحي قريشي عليه مهابة ... سريع إلى داعي الندى والتكرم وقال آخر: 463 - هذيلية تدعوا إذا هي فاخرت ... أبا هذليا من عطارفة نجد

قال ابن جني: فإن نسبت إلى الممدود لم تحذف منه شيئًا, فإن كان منصرفًا, أقررت همزته بحالها. فقلت في كساء: كسائي, وفي سماء: سمائي, وفي قضاء: قضائي. فإن كان غير منصرف, أبدلت من همزته واوًا تقول في حمراء: حمرواي, وفي صحراء: صحراوي, وفي خنفساء: خنفساوي, وقد قلبوا في المنصرف أيضًا فقالوا في علباء: علباوي, وفي كساء: كساوي, وفي قراء: قراوي, والقول الأول أجود. فإن كانت في الاسم تاء التأنيث/ حذفتها لياء النسب, لأن علامة التأنيث لا تكون حشوًا تقول في طلحة: طلحي, وفي حمزة: حمزي. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: فإن كان آخر الاسم همزة فإن لم يكن قبلها ألف أقررتها في النسب, تقول في النسب (إلى) أجأ: أجئي, ومنه: قيس بن جروة الأجثي مثل الأجعي, لأن الهمزة حرف صحيح فلا يغير, وهي ها هنا لام الفعل. وإن كان قبلها ألف, فإن كانت بدلًا من عين الفعل, فالكثير إقرارها, تقول في شاء: شائي, وقالوا: شاوي, وقد أنشدت شاهده. وإن كانت الألف زائدة فإن كانت الهمزة للتأنيث نحو صحراء وخنفساء قلبتها واوًا لبعدها من الياء فإن كانت الهمزة ليست للتأنيث وهي أصل نحو قراء فالجيد إقرارها فتقول: قرائي لأنها لام الفعل, والقراء: العفيف, قال الشاعر: 464 - بيضاء نصطاد الحليم وتستبي ... بالحسن قلب المسلم القراء ومنهم من يقول: قراوي, وهو بعيد, يشبهها بهمزة صحراء, لوقوعها/ طرفًا بعد ألف زائدة.

قال ابن جني: فإن نسبت إلى جماعة أوقعت النسب على الواحد, نقول في رجال: رجلي, وغلمان: غلامي, وقالوا: في الفرائض: فرضي, فإن سميت بالجمع واحدًا أقررته في النسب, تقول في المدائن: مدائني, وفي أنمار: أنماري. وقد شذت ألفاظ من النسب لا يقاس عليها, قالوا في الحيرة: حاري, وفي طيئ: طائي, وفي زبين: زباني, وفي أمس: إمسي, وفي الحرم: حرمي, وفي بني الحبلي - حي من الأنصار -: حبلي, وفي بني عبيدة: عبدي, وفي جذيمة: جذمي. ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإن كانت الهمزة بدلًا نحو كساء الذي أصله كساو من الكسوة وقضاء الذي أصله قضاي من قضيت, ورداء الذي أصله رداي من الردية فالجيد إقرارها تقول: كسائي وقضائي وردائي, ومنهم من يبدلها واوا, تشبيها بهمزة صحراء, وإبدالها أولى من إبدال همزة قراء, لأنها ليست بأصل. وإن كانت للإلحاق نحو همزة علباء, فالكثير علبائي بالهمزة - فهو كقراء, ومنهم منيقول: علباوي, كصحراوي, وهو أولى من كساوي لأن همزته زائدة فهي أشبه بهمزة صحراء. فإن كانت في الاسم تاء التأنيث حذفتها ثالثة كانت أو أزيد من ذلك, تقول في عدة: عدي, وفي طلحة: طلحي, وقد ذكرت علة حذفها, وإذا نسبت إلى سقاية قلت: سقائي بالهمزة, لأنك تحذف تاء التأنيث فتتوالى ثلاث ياءات فتبدل من الأولى همزة لوقوعها طرفًا بعد ألف زائدة. وإذا نسبت إلى شقاوة قلت: شقاوي, فأقررت الواو, لأن اجتماع واو وياءين أخف من اجتماع ثلاث ياءات. وإن نسبت إلى نجاية قلت ناجي وناجوي, لأنك تحذف التاء فيصير مقوصًا. وإذا نسبت إلى قناة وحصاة قلت قنوي وحصوي, لأنك تحذف التاء فيصير مقصورًا. قال ابن الخباز: وإذا نسبت إلى بناء يدل على الجمع فلا يخلو من أن يكون له واحد من لفظه أو لا يكون, فإن لم يكن له واحد من لفظه أقررته, تقول في نفر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ورهط: نفري ورهطي, لأنه ليس له واحد ترد له, وإن كان له واحد فإن كان باقيًا على جمعه رددته إلى واحده, تقول في رجال وغلما: رجلي وغلامي, لأن المقصود من النسب الملابسة, والواحد أخف من الجمع, وإذا رددت الجمع إلى الواحد في النسب عاملت الواحد معاملة/ مثله, فتقول في الفرائض: فرضي, لأنك ترده إلى فريضة, وهي كحنيقة, وتقول في حبالى: حبلي وحبلوي. وتقول في صحائح: صحيحي كشديدي, وفي الفروع كثرة. وإن كان الجمع مسمى أقررته على لفظه, لأنه ليس الغرض ملابسة الجنس بل ملابسة العلم, ولأن تحويله إلى الواحد يلبس إلباسًا شديدًا, قالوا في كلاب: كلابي, وفي أنمار: أنماري وفي ضباب: ضبابي وفي معافر: معافري, وهي أسماء رجال, وقالوا في المدائن: مدائني, لأنه اسم بلد. وقد شذت ألفاظ من النسب عما ذكرنا من المقاييس, وسبيلها أن تحفظ. قالوا في الحيرة: حاري, والقياس: حيري, لأن ياء النسب لا توجب فيه غير حذف التاء وأنشد ابن فارس وهو على القياس: 465 - كأن حيرية غيرى ملاحية ... باتت تؤر به من تحته لهبا وقال في طيئ: طائي كطاعي, والقياس: طبيئي كطبيعي, لأنه كحمير, فالنسبة إليه بحذف الياء المكسورة التي قبل الطرف, واشتقاق طيئ من الطاءة, وهي الذهاب في الأرض, ومنه قول الحجاج: «ابغني فرسا بعيد الطاءة» وقالوا في زبينة: زباني والقياس: زبني كحنفي, فأبدلوا من الياء الألف كأنهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قصدوا الفرق بين زينتين في النسب, وقالوا في أمس: إمسي بكسر الهمزة, والقياس أمسي كعمري وقالوا في الحرم: حرمي كنحوي والقياس: حرمي قال الشاعر: أنشده ابن فارس: 466 - من صوت حرمية قالت وقد ظعنوا ... هل من مخفيكم من يشتري أدماً وقالوا في بني الحبلى: وهم حي من الأنصار: حبلي كجهني, والقياس حبلي وحبلوي, ففرقوا بين النسبة إليه علمًا, وبين النسبة إليه نكرة, وكان العلم أولى بالتغيير, لأن الأعلام موضوعة/ على التغيير. وقالوا في بني عبيدة: عبدي, وفي جذيمة: جذمي كجهني, والقياس: عبدي وجذمي كحنفي كأنهم قصدوا الفرق بين عبيدتين وجذيمتين في النسب.

باب: (التصغير)

باب: (التصغير) قال ابن جني: وأمثلة التصغير ثلاثة: فعيل, وفعيعل, وفعيعيل. فمثال فعيل: ما كان على ثلاثة أحرف نحو كعب وكعيب, وفرخ وفريخ. ومثال فعيعل. لما كان على أربعة أحرف نحو جعفر وجعيفر وجدول وجديول. ومثال فعيعيل لما كان على خمسة أحرف رابعها/ ألف أو ياء أو واو زوائد نحو مفتوح ومفيتيح, وقنديل وقنيديل, وعصفور وعصيفير. فإن كان في الاسم تاء التأنيث حقرت ما قبلها, ثم جئت بها بعد فتحة ما قبلها, تقول في طلحة: طليحة, وفي حمزة: حميزة. وكذلك إن كانت فيه ألف التأنيث الممدودة تأتي بها بعد تحقير ما قبلها, تقول في حمراء: حميراء, وفي صفراء: صفيراء, وفي أربعاء: أريبعاء, وكذلك ألف التأنيث المفردة إذا كانت رابعة نحو حبلى وحبيلى, وسعدى وسعيدى, وكذلك ما فيه الألف والنون الزائدتان, إذا لم تكسر الكلمة عليهما تقول في سكران: سكيران, لا تقول: سكيرين كما لا تقول: سكارين, وفي سرحان: سريحين لقولك: سراحين. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب التصغير) قال ابن الخباز: التصغير والتحقير بمعنى واحد, وهو من خصائص الأسماء, لأن تصغير الاسم بمنزلة وصفة بالصغر, فقولنا: ثويب بمنزلة قولنا: «ثوب صغير» وله ثلاثة معان: تحقير عظيم كثويب, وتقليل كثير كدريهمات, وهو مختص بالجموع, وتقريب بعيد, وهو مختص بالظروف, كقولك: جئتك قبيل الشهر, وقال الشنقرى: 467 - إذا وردت أصرتها ثم إنها ... تثوب فتأتي من تحيت ومن وعل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واعلم بأن التصغير يحدث في الاسم تغييرات, فكل اسم متمكن صغر لزمته ثلاثة أشياء: ضم أوله وفتح ثانيه وزيادة ياء ثالثة, فلضم أوله علتان: إحداهما: أن التصغير إضعاف له فقوي بالضمة, لأنها أقوى الحركات. والثانية: أن المصغر دال على صفة وموصوف, فأعطى الضمة كالفعل الذي لم يسم فاعله, لأنه دال على فاعل ومفعول. وفتح ثانيه, لأنه لو ضم لانقلبت ياء التصغير واوًا, ولو كسر لالتبس بجمع المعتل في مواضع فلم يبق إلا الفتح. وزيدت الياء ثالثة, لأنها من حروف اللين, وهي أولى بالزيادة, وكانت الياء أولى, لأنهم لو زادوا الواو أو الألف لالتبس بالجمع, وزادوها ثالثة, لأن زيادتها ثانية تفضي إلى قلبها واوًا للضمة قبلها, وزيادتها آخرًا تجعلها حرف الإعراب, وفي زيادتها ثالثة أيضًا أنها تتوسط الكلمة, وذلك نحو جعيفر, لأنها وقعت بين شطري الاسم. وله في أغلب أحواله ثلاثة أبنية: فعيل وفعيعل وفعيعيل, والغرض من هذا التمثيل موازنة الحركات والسكنات/ لا مقابلة الأصل بالأصل والزائد بالزائد والدليل على ذلك أنا نقول في تصغير ناس: نويس ونقول: مثاله: فعيل ووزنه في التصريف: عويل. وتقول في تصغير ضارب: ضويرب وتقول: مثاله: فعيعل ووزنه في التصريف: فويعل. وتقول في مفتاح: مفيتيح ومثاله: فعيعيل, ومثاله في التصريف: مفيعيل. فمثال فعيل لما كان على ثلاثة أحرف, نحو كلب وكليب وعبد وعبيد وكذلك ما نحقر تحقير الترخيم من بنات الثلاثة المزيدة, تقول في حارث وجابر وقاسم: حريث وجبير وقسيم. ومثال فعيعل لما كان على أربعة أحرف, ليس رابعه تاء التأنيث ولا ألفه ولا ألف أفعال وفعلان وفعلاء وذلك نحو حارث وجعفر, تقول فيهما: حويرث وجعيفر وتشارك بنات الأربعة بنات الخمسة الأصلية, تقول في سفرجل: سفيرج. ومثال فعيعيل لما كان على خمسة أحرف رابعه ألف أو ياء أو واو, فالألف لا تكون إلا مدة, تقول في مفتاح وسرداح: مفيتيح وسريديح, والواو والياء تثبتان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على كل حال, فالساكنتان المدتان نحو مضروب وعصفور, تقول: مضيريب وعصيفير, ونحو معطير وشنظير, تقول: معيطير, وشنيظير, والساكنتان غير المدتين نحو: فردوس وعجول تقول: فريديس وعجيجيل, ونحو: عرنيق وقبيط تقول: غرينيق وقبيبيط, والواو المتحركة نحو كنهور تول: كنيهير كذا قال أبو علي. وإنما قلت: في غالب أحواله, لأنه قد جاء على أمثلة غير هذه, فمن ذلك أفعال نحو: أجمال تقول في تصغيرها: أجيمال, وقال عيسى بن عمر الثقفي: «إن كانت إلا أثيابًا في أسيفاط أخذها عشاروك». وإنما أبقيت الألف محافظة على الجمع, ومن ذلك ألف فعلاء, تقول في صحرء: صحيراء ووزنها فعيلاء. وإنما أبقيت ألف المد محافظة على الهمزة, لأنك لو قلبتها ياء (قلبت الهمزة ياءًا) ومن ذلك فعلان: نحو: سكران تقول فيه سكيران, وسأذكر علته إذا بلغت كلام أبي الفتح, ومن ذلك ما رابعه ألف التأنيث نحو حبلى تقول فيه: حبيلى فلا تكسر لام الفعلى, لئلا تنقلب ألف التأنيث ياء. فإن كانت في المحقر تاء التأنيث أقررتها وفتحت ما قبلها, أما إقرارها: فلأنها كالمنفصل من بنات الاسم لما ذكرته فيما لا ينصرف, وأما فتح ما قبلها: فلأنها أشبهت ألف التأنيث في دلالتها عليه. تقول في طلحة: طليحة وفي ضاربة ضويربة, وفي محمود: محيمدة, فإن كان ما قبلها في المكبر ألفًا قلبته في التحقير ياء وفتحتها ولما كان ألفًا كان في حكم الفتحة, تقول في حصاة: حصية, وفي قناة: قنية وفي مرآة: مريئية, بوزن مريعية والعامة تقول: مرية, وهو خطأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وإن كانت فيه ألف التأنيث الممدودة أقررتها, وذلك أنها أشبهت التاء في تحركها, وكان حقها أن تحذف لبناء الكلمة عليها لولا ما عرض لها من إشباه التاء تقول في حمراء: حميراء وفي أربعاء: أربيعاء, وفي معلوجاء: معيليجاء. وإن كانت فيه ألف التأنيث المقصورة, فإن كانت رابعة أقررتها, تقول في حبلى: حبيلى, وفي ذفرى: ذفيري وفي سعدى: سعيدي, لأنها وإن أشبهت الأصول, فالأصل الرابع يثبت في الرباعي نحو راء جعفر, فكما تقول: جعيفر تقول: سعيدي. فإن كانت خامسة أو سادسة أو سابعة حذفت, لأنها أشبهت الأصول والأصل الخامس لا يثبت فكما تقول في سفرجل: سفيرج تقول في حججبا: حجيجب وتقول في شقارى: شقيقير/ وفي بردرايا: بريدر, فإذا حذفت الخامسة فهي سادسة وسابعة أجدر بالحذف. فإن كان في آخر الاسم ألف ونون مزيدتان, فلا يخلو إذا كسر من أن تثبتا فيه أو لا تثبتا, فإن ثبتتا في التكسير: أثبتهما في التحقير, وقلبت الألف ياء لسكونها وانكسار ما قبلها, تقول في سرحان وحومان وسلطان: سريحين وحويمين وسليطين, لأنهم قالوا في التكسير: سراجين وحوامين وسلاطين, وتقول في شيطان: شييطين, لأن النون إن كانت أصلًا فتصغيره كتصغير غيداق وإن كان زائدة فقد قالوا: شياطين. وفي التنزيل: {كأنه رءوس الشياطين} وتقول في سكران وغضبان وعطشان: سكيران وغضيبان وعطيشان لقولهم في التكسير: سكارى وغضاب

قال ابن جني: فإن كانت عين الثلاثي واوًا أو ياء ظهرتا في التحقير, تقول في جوزة: جويزة, وفي بيضة: بييضة, فإن كانت الياء منقلبة عن واو, رددتها في التحقير إلى أصلها تقول في ريح: رويحة, وفي ديمة: دويمة, إلا أنهم قالوا في عيد: عييد وأعياد فألزموه/ البدل, وقياسه: عويد وأعواد لأنه من عاد يعود. فإن كانت العين ألفًا رددتها إلى أصلها واواً كانت أو ياء, فالتي من الواو قولك في مال: مويل. وفي حالة حويلة, والتي من الياء نحو قولك: في عاب. عييب وفي ناب: نييب لقولك: عيوب وأنياب. ـــــــــــــــــــــــــــــ = وعطاش, والعامة تقلب الألف ياء فيما ذكرنا وهو لحن, فإن لم تسمع تكسير الكلمة من العرب حملته على سكران, قال شيخنا رحمه الله: يعني أنك تقول فيه فعيلان وذلك ن حو عثمان ومروان وسلمان وحمدان وعمران وغطفان, تقول: عثيمان وكذلك البواقي وإنما قاسوا التصغير على التكسير, لأنهما يشتركان في أحكام كثيرةولذلك قيل إنهما من واد واحد, وسألني ذات (مرة) بعض المتأدبين عن اشتراك التكسير والتصغير فجمعت بينهما من عشرين وجها, وإذا تأملت باب التصغير وباب الجمع استبنت أكثر ذلك. فإن كانت النون سادسة كزعفران وعقربان وحرجان فلا شبهة في إثبات الألف والنون نحو زعيفران وعقيربان وحديرجان, فلا شبهة في إثبات الألف, لأن الاسم لا يكسر عليها, وقول العامة: زعيفرين خطأ والسرحان الذئب. قال ابن الخباز: فإن كان عين الثلاثي واوًا أو ياء مفتوحًا ما قبلها نحو جوزة/ وبيضة فهما أصلان لا بدلان, فإذا حقرت ذلك ثبتتا في تحقيره تقول: جويزة وبييضة لأنهما أصلان فهما كباء عبد إذا قلت: عبيد, ومنهم من يقول: بييضة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فيكسر الباء, لأنه يستثقل وقوع الضمة قبل الياء, كما قال بعضهم: بيوت فيكسر الباء لمجاورة الياء, فإن كانت الياء مكسورًا ما قبلها فهي قسمان: أحدهما: أن تكون أصلًا. والثاني: أن تكون بدلًا, فالأصل نحو: فيل, وديك تقول: فييل ودييك (و) فييل ودييك, والعامة تقول: دويك, وقد أجازه الفراء, والدليل على أن الياء أصل قولهم في جمعه: أفيال وأدياك, والبدل نحو ريح وديمة, فريح من الواو, وأصله روح, لأنه من الرواح ولقوهم في جمعه أرواح, قال جرير: 468 - * إذا هب أرواح الشتاء الزعازع* وديمة من الواو, فأصله دومة, وهو من الدوام, لأن معناه السحابة الدائمة المطر وأنشد أبو الفتح في (التصريف) الملوكي: 469 - هو الجواد ابن الجواد ابن سبل ... إن دوموا جاد وإن جادوا وبل فتقول في تحقيره: رويحة ودويمة, وما شذ من ذلك إلا عيد, قالوا في تحقيره: عييد وفي جمعه: أعياد, وقياسه: عويد وأعواد, لأنه من العود, ولم يقنعوا بذلك حتى قالوا: عيد تعييدا, فقلبوا الواو ياء, لأنهم لو قالوا: عود تعويدًا لالتبس بالفعل من العادة, والعيد هذا المعروف, والعيد: ما يعتادك من حزن, أنشد ابن بشار رحمه الله: 470 - عاد قلبي من الطويلة عيد ... واعتراني لبينها تسهيد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإن كانت عين الثلاثي ألفًا فهي ثلاثة أقسام: زائدة/ وأصل وبدل, فالزائدة: نحو ألف ناس, تقول (في) تحقيره: نويس, وأصله: أناس ففاء الكلمة محذوفة, واشتقاله من الأنس, والأصل نحوألف غاق وجاه, لو سميت (بهما) وأردت تحقيرهما رددتهما إلى الواو فقلت: غويق وجويه, وإنما حملت هذين على الواو, لأن الألف ساكنة مضموم ما قبلها فقلبت واوًا. والبدل إن كان معلوم الأصل رددته إلى أصله واوًا كان أو ياء, فالواو نحو مالوحال تقول في تحقيرهما: مويل وحويلة ولقولهم في الجمع: أموال وأحوال. وقولهم في الفعل: تمول وتحول قال الشاعر: 471 - كأن الفتى لم يعر يومًا إذا اكتسى ... ولم يك صعلوكًا إذا تمولًا وقال: 472 - إذا جانب أعياك فاعمد لجانب ... فإنك لاق في البلاد محولا والمنقلبة عن ياء نحو ألف عاب وناب, تقول في تحقيره عييب ونييب لأنهم قالوا: عيب في معنى عاب, وفي الحديث: «لا تكونوا عيايين» وقال الأخطل: 473 - تعيب الخمر وهي شراب كسرى ... ويشرب قومك العجب العجيبا وقالوا: نيبت في الأمر: إذا أثرت فيه, ونيبته إذا عضضته بالناب قال الكميت رحمه الله:

قال ابن جني: فإن كانت الألف مجهولة حملتها على الواو لكثرة الواو هنا, تقول في تحقير صاب: صويبت, وفي آءة: أويئة, ولك في كل ما كان من الياء نحو هذا أن تكسر أوله بدلًا من ضمته, فتقول في عاب: عييب, وفي شيخ شييخ, وفي بيت: بيت. فإن كانت العين واوًا متحركة في أفعل, ووقعت ياء التحقير قبلها قلبتها ياء تقول في أسود: أسيد, وفي أحول: أحيل, والأصل أسيود وأحيول, فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء. وقد يجوز الإظهار فتقول: أسود وأحيول, تحمل التصغير على التكسير فتقول: أساود وأحاول, وكذلك الواو الزائدة المتحركة/ في نحو هذا تقول في جدول جديول, وفي قسور: قسيور لقولك: جداول وقساور, والوجه الجيد: جديل وقسير. ـــــــــــــــــــــــــــــ 474 - كأن ابن آوى مؤثق تحت غررها ... يظفرها طورًا وطورًا ينيب وقالوا: أنياب. قال ابن الخباز: والمجهولة الأصل نحو ألف صاب وآءة بوزن عاعة, وإنما كانت مجهولة الأصل لأنه لم يصرف منها ما يظهر فيه أصلها فتحملها على الواو فتقول: صويت وأويئة بوزن عويعة, ويجوز أوية بوزن عوية, وإنما حملتها على الواو, لأن الواو هي الكثيرة في هذا النحو نحو دار وساق ومال وحال وخال وجال/ وقال وداء ومناء وشاء, وهو كثير, والصاب: شجر: قال أبو ذؤيب الهذلي: 475 - نام الخلي وبت الليل مشتجرًا ... كأن عيني فيها الصاب مذبوح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أي: مشقوق. والآء: نبت تأكله النعام كثيرًا, قال ذو الرمة: 476 - ألهاه آء وتنوم وعقبته ... من لائح المرو والمرعى له عقب وكل ما كانت عينه ياء نحو عاب وناب جاز كسر أوله في التحقير تقول: عييب ونييب, والضم هو الأصل, وقد ذكرته, وقال لي الشيخ رحمه الله: أجاز الفراء شويخ ونويب, وعذرته أن يكون قد ضم أول الاسم للتصغير, والياء بعد الضمة إذا كانت ساكنة انقلبت واوًا نحوموسر وموقن. فإن كانت الواو متحركة قبل الطرف لم تخل من أن تكون أصلًا أو زائدة, فالأصل: نحو واو أسود وأحول لأنه من السواد والحول, فإن حقرته فالجيد قلب الواو ياء تقول: أسيد وأحيل, وذلك لأن الواو والياء المتواليتين إذا سبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو منهما إلى الياء, لأن الياء أخف من الواو, وأنشد ابن فارس رحمه الله: 477 - أقول لصاحبي والليل داج ... أبيضك الأسيد لا يضيع أي: احفظ أباضك الأسود. والأباض: الحبل, ويجوز أسيود وأحيول, تقيس التصغير على التكسير, لأن التكسير تظهر فيه الواو, ألا ترى أنك لو سميت بأسود وأحول قلت في تكسيرهما: أساود وأحاول, وقالوا في تكسير الأسود الحية: أساود قال ذو الرمة: 478 - وأسود كالأساود مستكبرًا ... على المتنين منسدلًا جفالًا

قال ابن جني: فإن كانت الواو ساكنة قلبتها لضعفها ياء البتة تقول في عجوز: عجيز, وفي عمود: عميد. فإن كانت الواو لامًا, قلبت لياء التحقير لا غير. تقول في تحقير عروة: عربة, وفي قشوة: قشية. فإن حقرت بنات الخمسة حذفت الحرف الأخير لتناهي مثال التحقير دونه اعتبارًا لحاله في التكسير, تقول في سفرجل: سفيرج, وفي فزرزدق: فريزد حملًا على سفارج وفرازد, وذلك أن التحقير هنا ضرب من الجمع. ـــــــــــــــــــــــــــــ يصف الشعر, والجفال: الكثير, والمنسدل: المسترسل, والزائدة/ نحو واو جدول, والجدول: النهر الصغير, ووزنه: فعول, والواو زائدة, وهو مأخوذ من الجدالة, وهي الأرض, لأنها زائدة, وتلك أصل, وإن شئت قلت: جديول, حملًا للتصغير على التكسير, لأنك تقول: جداول, وأنشد سيبويه رحمه الله: 479 - إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا ... وإن شهد أجدى فضله وجداوله وكذلك قشور, تقول: قسير وقسيور لقولك: قساور, والقشور الأسد, وهو فعول من القسر بمعنى القهر, أنشد سيبويه: 480 - إلى هادرات صعاب الرؤوس ... قساور للقشور الأصيد قال ابن الخباز: فإن كانت الواو ساكنة قلبت في التصغير ياء قولًا واحدًا, لا فرق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بين الأصلية والمزيدة, فالأصلية: نحوواو معونة, لأنه من العون, والزائدة: نحو واو عجوز لأنه فعول من العجز, ويقال: عجوزة, وأنشد أبو الفتح في الخطيب. 481 - وقد زعم النسوان أني عجوزة ... مشحة الأعضاء أو شارف خصى وتقول في تحقيرهما: معينة وعجيز وعجيزة لأن واو معونة أعلت بالإسكان وواو عجوز زائدة ساكنة, وأنشد بعضهم: 482 - فعجيز لطعاء درديس ... أحسن منها منظرًا إبليس فإن كانت الواو لامًا فكلهم مطبقون على إعلالها طرفًا كانت أو غير طرف فالطرف: نحو جرو تقول: جري, والتي قبل الطرف: نحو عروة, ورضوى, وعشوى, تقول: عرية, ورضيا, وعشيا, وقالوا: ثريا, وأصله: ثريوا, لأنه فعيلى من «الثروة» / وقالوا في اسم فحل: عليان, وهو فعلان من العلو, ومن قبيح لحن العامة قولهم: عربوة, وإنما اجتمعوا على إعلالها, لأنها طرف, والأطراف محل التغيير من الإعراب والترخيم وزيادات التثنية والجمعين والنسب والتذكير والإنكار. فإن كان الاسم على فعل من بنات الواو نحو: قو وجو توسطت ياء التصغير بينهما فظهر المثلان لذلك, وانقلبت الواو الأخيرة ياء تقول: قوي وجوي وأصلهما قويو وجويو ففعل بهما ما ذكرنا. فإن حقرت بنات الخمسة المجردة من الزيادة حذفت آخر حروفها, لأن مثال التصغير يحصل بدونه, تقول في سفرجل: سفرج وفي جحمرش: جحيمر, وفي جردحل: جريدح وفي قذعمل: قذيعم, وسمع أبو الحسن من يقول:

قال ابن جني: فإن كانت فيه زيادة واحدة حذفتها إن لم يكن حرف لين رابعًا تقول في مدحرج دحيرج, وفي جحنفل: جحيفل. وفي فدوكس: فديكس, حملًا على دحارج وجحافل وفداكس. فإن كانت فيه مدة رابعة لم تحذفها, وقلبت الواو والألف ياء لانكسار ما قبلهما, تقول في قرطاس: قريطيس, وفي جرموق: جريميق, وفي دهليز: دهيليز. ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيرجل وقال الخليل: لو جاء تامًا لقيل: سفيرجل بالإسكان, وأجازوا أن يقال في فرزدق: فريزق, بحذف الدال, لأنها من مخرج التاء, وهي زائدة ولم يجيزوا أن يقال في جحمرش: جحيرش فيحذفوا الميم, لأنها بعيدة من الطرف وأجازه الزمخشري ومعنى قوله: «إن التحقير والتكسير من واد واحد» يعني أن التحقير والتكسير من بنات الخمسة يستويان في تغيير الحرفين: الأول والثاني, وفي إلحاق الزيادتين ثالثتين ألف التكسير وياء التحقير, وفي كسر ما بعدهما, وفي أنه ليس للجمع فعالل ولا للتحقير فعيللل. قال ابن الخباز: فإن كان في بنات الأربعة زائد وحقرته حذفت الزائد إلا أن يكون رابعًا ألفًا أو واوًا أوياء, تقول في مدحرج: دحيرج, وفي جحنفل وهو الغليظ: جحيفل وفي فدوكس وسميدع وعذافر: فديكس/ وسميدع وعذيفر, وإنما حذفت الزائد لأن تقريره يخرج الاسم عن بناء التحقير إن بقيت الحرف الأخير, وإن حذفته أقررت الزائد, وحذفت الأصل, وذلك لا يجوز, فإن كان رابعه مده أقررته وقلبت الألف والواو ياء لسكونهما وإنكسار ما قبلهما, وبقيت الياء, لأن تقريرها لا يخرج الاسم عن بناء التحقير, تقول في قرطاس وجرموق ودهليز: قريطيس وجريميق ودهيليز. فإن كانت في بنات الثلاثة زائدتان متساويتان من حيث إنهما كلتيهما تلحقانه ببنات الخمسة حذفت أيتهما شئت لأنه لا فضل لإحداهما على الأخرى, وتقول في حبننطى ودلنطى إن حذفت النون: حبيط ودليط فتقلب الألف (ياء) لإنكسار

قال ابن جني: فإن كانت في الاسم/ زائدتان متساويتان, حذفت أيتهما شئت, تقول في تحقير حبنطى فيمن حذف الألف: حبينط, وفيمن حذف النون: حبيط, وفي دلنطى دليط ودلينط, فإن كانت إحداهما لمعنى, والأخرى لغير معنى, حذفت التي لغير معنى وأثبت التي للمعنى, تقول في تحقير مقتطع: مقيطع, تحذف التاء وتقر الميم كما تقول في التكسير: مقاطع, وتقول في حبارى فيمن حذف الألف الأولى: حببرى, وفيمن حذف الأخرة: حبير. فإن كانت في الاسم زائدتان متى حذفت إحداهما لزمك حذف الأخرى معها ومتى حذفت الأخرى لم يلزمك حذف صاحبتها, حذفت التي تأمن بحذفها حذف صاحبتها, تقول في تحقير عيطموس: عطيميس فتحذف الياء دون الواو, لأنك لو حذفت الواو للزمك حذف الياء معها فعلى هذا فقيس ذلك, ولك في كل ما حذفت منه حرفًا أن تعوض منه ياء قبل الطرف, تقول في مغتسل: مغيسل, وإن عوضت قلت: مغيسيل, وفي حبتطى فيمن حذف النون وعوض: حبيطي, ومن حذف الألف وعوض/ قال: حبينيط, وكذلك التكسير: حباط وحبانط ومع التعويض: حباطي وحبانيط. ـــــــــــــــــــــــــــــ ما قبلها, وإن حذفت الألف وهو أحسن لكونها طرفًا قلت: حبينط ودلينط. والدلنطى: الشديد, واشتقاقه من الدلط وهو الدفع. قال بعض العرب: فتح لي باب فاندمقت فيه فدلط في صدري «أي» دفع فيه, فإن كان أحد الزائدين لمعنى والآخر لغير معنى حذفت الذي لغير معنى, تقول في منقطع ومغتسل مقيطع ومغيسل فتحذف النون والتاء و (لا) تحذف الميم, لأنها لمعنى الفاعل. قال ابن الخباز: فإن كان في بنات الأربعة زائدان حذف أولهما يؤمن حذف ثانيهما, ولا يؤمى حذف ثانيهما حذف أولهما (حذفت الأول) لأنه يؤمن من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حذف الثاني تقول: في عيطموس: عطيميس فتحذف الياء لما ذكرنا, والعيطموس: الطويلة أنشد أبو محمد: 483 - أغرك أنني رجل دميم ... دحيدحة وأنك عيطموس والدحيدحة: القصير. وكل اسم حذفت منه زائدًا, وحقرته على قعيعل, فلك أن تعوض من المحذوف ياء قبل الطرف, فيصير على بناء فعيعيل, تقول في سفرجل: سفيريج, والتعويض ها هنا جيد جدًا, لأن المحذوف أصل, وتقول في مدحرج: دحيريج. والتعويض/ أيضًا ها هنا جيد, لأن المحذوف أول وهو لمعنى. وإن حذفت ألف حبنطى قلت: حبينيط, والتعويض ها هنا دون دحيريج, لأن المحذوف لغير معنى, وهو طرف والتكسير بمنزلة التحقير تقول: سفاريج ودحاريج وحبانيط وحباطي, ولا ينصرف إذا عوضت مع حذف النون كبخاتي ومقاطيع ومغاسيل, وهذا مما يستدل به النحويون على الفرق بين العوض والبدل, فإن البدل ما وقع موقع المبدل منه كألف قال التي هي بدل منه واو قول, والعوض ما وقع غير موقع المعوض منه كياء سفيريج التي هي عوض من لام سفرجل. وأما حبارى ففيها زائدان: الألف الثالثة, وألف التأنيث, ووزنها: فعالى, فإن حذفت الثالثة في التحقير قلت: حبيرى كشكيرى, وإن حذفت ألف التأنيث قلت: حبير كحمير وتصرفه لزوال ألف التأنيث, فإن سميت به مذكرًا أو مؤنثًا وصغرته بحذف ألف التأنيث لم تصرفه لأنه مؤنث معرفة, تقول: حبير كما تقول في سعاد: سعيد ومنهم من يقول: حبيرة. فيجعل التاء عوضًا من ألف التأنيث,

قال ابن جني: فإن كان الاسم المحقر ثلاثيًا مؤنثًا ألحقت في تحقيره الهاء, تقول في شمس شميسة وفي قدر: قديرة, وفي دار: دويرة, وقد قالوا مع ذلك في قوس ونعل وفرس: قويس ونعيل وفريس, والجيد: قويسة ونعيلة وقريسة. فإذا تجاوز المؤنث ثلاثة أحرف لم تلحقه تاء التأنيث لطول الاسم بالحرف الرابع تقول في عناق: عنيق, وفي عقاب: عقيب, وفي زينب: زيينب, إلا أنهم قالوا في وراء: وريئة, وفي قدام: قديديمة, وفي أمام: أميمة, قال القطامي: قديديمة التجريب والحلم أنني ... أرى غفلات العيش قبل التجارب ـــــــــــــــــــــــــــــ = لأن التأنيث حيث لا تثبت الألف, وسئل بعض العرب عن تصغير حبارى, فقال: حبرور لأن الحبرور فرخ الحبارى, وهو تصغير, والعربي المسئول لم يعرف اصطلاح النحويين, فأجاب بالمعنى. قال ابن الخباز: فإن كان الاسم الثلاثي مؤنثًا وحقرته جئت بالتاء, تقول في شمس وقدر: شميسة وقديرة, وهما اسمان مؤنثان, وفي التنزيل: {والشمس تجري لمستقر لها}. وقال الشاعر: 484 - وإن تسأليني فاسألي عن خليقتي ... إذا رد عافي القدر من يستعيرها وإنما ألحقت التاء في التحقير, لأن التحقير بمنزلة الوصف, ولو/ وصفته جئت بالصفة مؤنثة كقولك: شمس منيرة, وقدر كبيرة, وقد شذت أحرف عن القياس فحقروها بغير تاء, قالوا في قوس: قويس, وهي مؤنثة: قال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 485 - والقوس فيها وتر حبجر وإنما قالوا: قويس, لأنها في المعنى عود, وقالوا في نعل: نعيل وهي مؤنثة قال الشاعر: 486 - إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها ... وتقتلنا قيس إذا النعل زلت وإنما قالوا: نعيل: لأنها في المعنى جلد وحذاء, وقالوا في فرس: فريس, وهو مشترك بين المذكر والمؤنث, ومن قال: فريس فالجيد أن يريد الذكر, فإن أراد الأنثى لم يقل إلا فريسة. فإن جاوز المؤنث ثلاثة أحرف, وهو بغير علامة لم تلحقه التاء في التحقير, تقول في عناق وعقرب وعقاب: عنيق وعقيب وقيرب, والعقاب مؤنث, قال المسيب بن علس, وهو حال الأعشى: 487 - أنت الوفي فما تذم وبعضهم ... تودي بذمته عقاب ملاع وتقول في زيننب, فأما قول متمم بن نويرة: 488 - صرمت زنيية حبل من لا يقطع ... حبل الخليل ولا الأمانة يفجع فإنه صغر زينب تصغير الترخيم, ومعنى ذلك أنك تحذف الزائد من الاسم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتصغره فلما حذف ياء زينب صار على ثلاثة أحرف بمنزلة قدر, فقال زنيبة كقديرة, وإنما لم يلحقوا التاء الزائد على الثلاثة, لأن الحرف الزائد على الثلاثة ضارع تاء التأنيث حيث جاء بعد عدد تكون عليه الأصول. وقد شذ عن القياس ثلاثة أسماء, وهي: وراء وقدام وأمام, قالوا في تصغيرها وريئة وقديديمة وأميمة, قال الشيخ رحمه الله: لأن الغالب على الظروف التذكير وهذه مؤنثات. فلو صغرت بغير تاء لألحقت بالغالب/ قال القطامي: 489 - وثنتين مما قد يلذهما الفتى ... جمعتهما خمر وبيضاء كاعب قديديمة التجريب والحلم أنني ... أزى غفلات العيش قبل التجارب وفي تصغير وراء خلاف بين العرب مبني على همزتها منهم من يجعلها أصلًا كهمزة حناء, فتقول في تحقيرها: وريئة مثال وريعة, حكاه أبو علي, ومنهم من يجعل الهمزة بدلًا من الياء فيقول في تصغيرها: ورية, وأصلها وريبة بثلاث ياءات فحذفت الياء الأخيرة, وعلى هذا يجب إلحاق تاء التأنيث, لأنها صارت بالحف إلى بنات الثلاثة المجردة كقدر, فتقول في تصغير سماء: سمية, وكذلك كل اسم مؤنث جاء على هذا البناء, واعلم أن العبرة في إلحاق التاء وحذفها بالمعنى فلو سميت امرأة بحجر قلت في تحقيرها: حجيرة, لأنه صار بالنقل مؤنثًا, ولو سميت رجلًا بقدم قلت في تحقيره: قديم, لأنه صار بالنقل مذكرًا.

قال ابن جني: وتقول في تحقير المبهمة, في ذا: ذيا, وفي تا وذه وذي جميعًا: تيا. وفي تحقير «الذي»: اللذيا, «والتي» , وذاك: ذياك وفي «ذلك» ذيالك قال الشاعر: لتقعدن مقعد الصبي ... مني ذي القاذورة المقلي أو تحلفي بربك العلي ... إني أبو ذيالك الصبي / وقد شذ شيء من التحقير لا يقاس عليه, قالوا في عشية: عشيشية, وفي مغرب: مغيربان. وفي إنسان: أنيسيان, وفي الأصيل: أصيلان, أبدلوا من النون لامًا فقالوا أصيلال فاعرف هذا ولا تقسه. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: واعلم أن الأسماء المبهة قسمان: أسماء إشارة وأسماء موصلات, قد شرحناها في أبوابها, وكان حقها أن لا تحقر, لأن البناء ملازم لها وهي موغلة في شبه الحروف ولكنهم اجترأوا على تحقيرها, لأنها تتصرف الأسماء إذا وقعت فاعلة ومفعولة ومضافًا إليها, والذي حقر منها عدل به عن منهاج الأسماء المتمكنة بأن فتح أوله, وألحق الألف آخره. أما أسماء الإشارة: فكلها تحقر. تقول في ذا: ذيا وفي «تا»: تيا, وإنما أبقيت الول على فتحه إيذانا بأن تحقيره على خلاف الأصل وكان أصلها: ذبيبيا وتبييبا بثلاث ياءات فحذفت الياء الأولى, والثانية ياء التحقير, والثالثة لام الفعل, ووزن ذيا وتيا «فيلا» لأن الياء المحذوفة عين الكلمة, وإنما ألحق الألف عوضًا من ضمة التحقير اللاحقة أوله. ولا تحقر/ «ذي ولا ذه» لئلا يلتبس بتحقير المذكر وتحقير «ذاك» «ذلك» كتحقير «ذا» تقول: ذياك وذيالك, وقال الراجز:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 490 - لتقعدن مقعد القصي ... مني ذي القاذورة المقلبي أو تحلفي بربك العلي ... إني أبو ذيالك الصبي الصي: البعيد, والقاذورة: شين الخلق, والمقلي: المبعض, ونصب تحليفي بأن المضمرة على حد قولك: لأضربنه أو يتقيني بحقي, وإن مكسورة, لأنها جواب القسم ومن متعلقة بالقصي, وقال الأعشى: 491 - ألا قل لتيا قبل نيتها اسلمي ... تحية مشتاق إليها متيم ومن قصر أولاء قال في تحقيرها: أليا كثريا فالياء الأولى للتحقير, والثانية بدل من ألف أولى, والألف هي المزيدة عوضًا في نحو «ذيا». ومن مد «أولاء» قال في تحقيرها: أولياء بوزن «أولياع» فالياءان كما ذكرنا, والألف الخامسة قال فيها أبو علي: إنها الألف المزيدة عوضًا, والهمزة التي بعدها هي همزة اولاء, وإنما قال ذلك: لتبقى الهمزة على كسرتها وتحقير هاؤلاء وهاؤلا, وأولاك وأولئك, وهاؤلاك وهاؤلئك كتحقير أولى وأولاء, وقد ذكرتهما (وأنشد ناشد هذه في باب التعجب). وأما الأسماء الموصولة: فقد حفر منها «الذي, والتي» قالوا: اللذيا واللتيا قال الراجز: 492 - بعد اللتيا واللتيا والتي ... إذا علتها النفس أو تردت =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال سيبويه ولم يحقروا اللاتي, استغنوا عن تحقيرها بتحقير (جمع) التي حيث قالوا: اللتيات. وتحتمل الأسماء المبهمة أكثر من هذا, ولا يليق بالمختصر. وقد شذت أسماء في التصغير/ عن القواعد المبنية, فمن ذلك: قولهم في عشية «عشيشية» كأنهم حقروا عشاة والقياس: عشية, كما تقول في تحقير «صبية»: صبية وقالوا في مغرب: مغيربان, والقياس, مغيرب, كما يقال في «مشرق» مشيرق, وقالوا في إنسان: أنيسيان والقياس: أنيسان كسكيران. واختلف النحويون في اشتقاق إنسان, فذهب البصريون إلى أنه «فعلان» من الأنس, فالهمزة فاء الفعل, وكون الهمزة أصلا ظاهر, لأنهم قالوا في معناه: إنس وأنيس وأنس وأناسي, وهذه الأسماء كلها لا تطلق إلا على ما يطلق عليه الإنسان فيكون وزنه في التصغير فعيليانا. وذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من النسيان, لأنه ينسى كما قال الله تعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى} فوزنه في التكبير: «إفعان» لأن لام الفعل ثابتة. قال أبو تمام رحمه الله: 493 - لا تنسين تلك العهود فإنما ... سميت إنسانًا لأنك ناسي وأبو تمام لا يعلم مذاهب الاشتقاق, وإنما أصدر هذا على مذاهب الشعراء التخييلية, والمنصور قول البصريين, والذي ذهب إليه الكوفيون يفسد من ثلاثة أوجه: الوجه الأول:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أن اشتقاقه من الأنس أوسع مجالًا من اشتقاقه من النسيان لما ذكرنا من التصاريف. والوجه الثاني: أن ما قالوه يستدعي الإعلال بحذف اللام في الإفراد والجمع إذا قلت: أناسي. الوجه الثالث: أنهم ردوا اللام في التصغير من غير حاجة, لأن بناء التصغير يحصل دونها. ألا ترى أنك لو سميت «بتضع» قلت في تصغيره: تضيع, ولا ترد فاء الفعل. وقالوا في أصيل أصيلان وأصيلال وفي أصيلال شذوذ من ثلاثة أوجه: الأول: أنهم عدلوا عن تصغير المفرد إلى تصغير/ الجمع. والثاني: أنهم صغروا أصلانا, وفعلان بناء لا يصغر. والثالث: أنهم أبدلوا من النون لامًا. وفي أصيلان شذوذان وقد ذكرناهما, وشأن هذا الشاذ أن يحفظ ولا يقاس عليه, لأنه مخالف لأصول كلامهم ولو كسرنا حد المطرد بالنادر لم يبق بين الأضعف والأقوى ممايزة, وليس هذا من شيمة العاقل.

باب: (ألفات القطع وألفات الوصل)

باب: (ألفات القطع وألفات الوصل) قال ابن جني: الألفات في أوائل الكلم على ضربين: همزة قطع, وهمزة وصل, فهمزة القطع: هي التي ينقطع بالفظ بها ما قبلها عما بعدها, وهمزة الوصل: هي التي تثبت في الابتداء وتحذف في الوصل, لأنها إنما جيء بها توصلا إلى النطق بالساكن لما لم يمكن الابتداء به. فإذا اتصل ما قبلها بما بعدها حذفت للاستغناء عنها. فكل همزة وقعت في أول كلمة فهي همزة قطع إلا ما استثنيته لك, وذلك نحو أخذ, وأخذ, وإصر, وأكرم, وأصلح, وأحسن, وإجفيل, وإخليج, وأطريح, وإسنام, وأمخاض. وأما همزة الوصل فتدخل في الكلم الثلاث: الاسم والفعل والحرف فدخولها في الأسماء في موضعين: اسم غير مصدر, واسم مصدر, فأما الأسماء غير المصادر فعشرة, وهي ابن, وابنة, وامرؤ, وامرأة, واثنان, واثنتان, واسم, واست, وابن, وايمن. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ألفات القطع وألفات الوصل) قال ابن الخباز: هذا الباب يشتمل على ذكر همزات القطع وهمزات الوصل, وإنما سماهما ألفات لأن الهمزة إذا كانت أولًا كتبت على صورة الألف مفتوحة كانت أو مكسورة أو مضمومة نحو أحمد وإبراهيم وأترج. والألفات التي في أوائل الكلم من الأسماء والأفعال والحروف نوعان: ألف قطع وألف وصل. وحد ألف القطع: هي التي ينقطع باللفظ بها ما قبلها عما بعدها. تقول: ذهب أحمد, وقام إبراهيم, وشربت أترجا, فالهمز من «أحمد» قطعت بين الباء والحاء, لأنها حجزت بينهما. وحد همزة الوصل: هي التي عند حذفها (يتصل) ما قبلها بما بعدها, ألا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ترى أنك إذا قلت: «كتبت اسمك» فالهمزة من «اسم» لما حذفت اتصلت التاء بالسين, ولهذين المعنيين سميت الأولى ألف قطع والثانية ألف وصل. وإنما جيء بهمزة الوصل في الكلام توصلًا إلى النطق بالساكن, وذلك لأن الساكن لما وقع أول الكلمة لم يمكن الابتداء به, لأن الابتداء بالساكن متعذر في الطاقة, وذلك لأن الحرف المنطوق به لا يخلو من أن يكون معتمدًا على حركة في ذاته «كعين» عمرو أو على حركة مجاورة «كميم» عمرو أو على مدة قبله تجري مجرى الحركة «كباء» «دابة وصاد حويصة». ودال تمود الثوب/ ومتى خلا من هذه الاعتمادات الثلاث تعذر التكلم به, وأراد النحويون بالابتداء ها هنا الأخذ في النطق بعد الصمت, وخيل إلى بعض الجهال من أهل زماننا أن المراد بالابتداء الأخذ في النطق بالحرف بعد ذهاب الذي قبله, وكان غرضه من هذا التخييل إلزام النحويين بوقوع الابتداء بالساكن في الكلام. والفرق بين همزة الوصل والقطع من ثلاثة أوجه: الأول: أن همزة الوصل لا تثبت إلا في الابتداء للحاجة إليها, وتسقط في الدرج للاستغناء عنها, تقول مبتدئًا: «ابنك حضر» فتثبت الهمزة توصلصا إلى النطق بالباء (و) وتقول واصلًا: حضر ابنك, فتحذفها استغناء عنها بالراء المتحركة, وهمزة القطع تثبت في الدرج والابتداء تقول مبتدئًا: إنك ذاهب, وواصلا: قلت إنك ذاهب. الوجه الثاني: أن همزة الوصل لا تكون إلا زائدة, وهمزة القطع تكون أصلًا ومزيدة وبدلًا, فالأصل نحو أخذ وأخذ, لأنه من الأخذ ونحو إصر وهو الثقل لقولهم في جمعه: «آصار» والمزيدة نحو: «أكرم وأصلح» لأنه من «الكرم والصلوح» و «إخليج». والهمزة زائدة, لأن الإخليج: الناقة التي خلج ولدها أي: انتزع, ونحو إطريح: وهو مشتق من «الطرح» , وهو السنام العالي, «وإجفيل»: وهو السريع, وقالوا في معناه: جافل, ونحو «اسنام» وهو دخان النار, كأنه من السنام يعلوه ونحو «إمخاض»: وهو إفعال من المخض, لأنه السقاء الذي يمخض فيه اللبن,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والبدل نحو همزة «أحد» , لأنه فعل من «الواحدة». الوجه الثالث: أن الاسم يجوز أن يكون مع همزة القطع على حرفين نحو أب وأخ وأمه ولا يجوز أن يكون مع همزة الوصل إلا على ثلاثة أحرف أو أكثر على ما يأتي بيانه. ووقوع همزة القطع في الكلام/ أكثر من وقوع همزة الوصل فينبغي أن نحصر مواضع همزة الوصل, لتعلم أن ما عداها همزة قطع, فتقول: همزة الوصل تدخل في الكلم الثلاث, فدخولها على الأسماء في نوعين: الأول: أسماء ليست بمصادر, وينبغي أن تعلم أن دخولها في الأسماء على خلاف الأصل لأنها لا تدخل إلا بعد إسكان الأول, وهو إعلال, وذلك من أحكام الأفعال ودخولها في الأسماء التي ليست بمصادر غير مقيس, لأن دخولها في المصادر مبني على دخولها في أفعالها. والأسماء التي ليست بمصادر عشرة: الأول: ابن وكان أصله: «بنو» كجمل, لأنهم قالوا في تكسيره: أبناء, وأفعال: جمع فعل في الأصل فاعل بحذف اللام, وأسكن الأول, فأدخلت عليه الهمزة, وقال الزجاج: أصله: «بنو» كحمل, وحجته كسر الهمزة. الثاني: ابنة, وأصلها: «بنوة» كسجرة, لأنها مؤنثة «ابن» وفعل بها من الإعلال ما ذكرنا, وتقول في تصغيرها: «بني وبنية» وإنما حذفت همزة الوصل, لأن الباء تتحرك, ومثناهما بمنزلتهما تقول: ابنان وابنتان. الثالث: «امرؤ» الرابع: «امرأة» , وفيهما لغتان, هذه, «ومرء, ومرأة»: مثل: «مرع ومرعة» وإنما أدخلوها الهمزة, لأن لامها همزة, والإعلال يلحقها بالتخفيف فيقال: «مرء ومرأة» فجريا مجرى ابن وابنة, وحكم امرئ أن تتبع راؤه الهمزة في الإعراب كقوله تعالى: {إن امرؤا هلك} {ما كان أبوك امرأ سوء} ومررت بامرئ, ومنهم من يفتح الراء على كل حال, ويثنيان ولا يجمعان, تقول: امرآن وامرأتان. الخامس: اثنان, السادس: اثنتان, وأصلهما: ثنيان وثنيتتان «كجملان وشجرتان» لأنهم قالوا في جمع الاثنين: أثناء فاعلًا بحذف اللام, وأسكن الأول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وجيء بالهمزة, ولم يستعمل لاثنين واثنتين مفرد, بل هما مرتجلان في التثنية, كبيرين في الجمع, وتقول في تحقيرهما/ ثنيان وثنيتان, وتقول العامة: «اثنيين» وهو من أقبح اللحن, لأن الأول يتحرك فيستغني عن الهمزة. السابع: ابنم, وهو بمعنى ابن, والميم زائدة, وتتبع نونه ميمه في الإعراب. قال النمر بن تولب: 494 - لقيم بن لقمان من أخته ... فكان ابن أخت له وابنما قال أبو كبير الهذلي: 495 - أخلا وإن الدهر مهلك من ترى ... من ذي بنين وأمهم وابنم وتقول: «هذا ابنم». الثامن: «ايمن» وقد ذكرتها في القسم. التاسع: اسم وكان أصله سمو «كنحو» فحذفت الواو, ونقل سكون الميم إلى السين, وجيء بالهمزة, وفيه خمس لغات. «أسم» بضم الهمزة وكسرها, و «سم» بضم السين وكسرها و «سما» كهدى, قال: 496 - باسم الذي في كل سورة سمه ... قد وردت على طريقة يعلمه ويروي: سمه. العاشر: است, وأصله: سته كجمل, والدليل على ذلك قولهم: «امرأة ستهم» أي: كبيرة الإست, قال الراجز: 497 - ليست بزلاء ولكن ستهم ... ولا بكرواء ولكن خدلم وفيها ثلاث لغات: «است» ووزنة: «افع» و «ست» ووزنها «فع» و «ستة» ووزنها «فل» قال الراجز:

قال ابن جني: وأما الأسماء المصادر: فهي كل مصدر ماضيه متجاوز لأربعة أحرف, وفي أوله همزة وذلك نحو استخراج, وانطلاق واصفرار واحمرار, لأن الماضي متجاوز للأربعة وفي أوله همزة نحو استخرج, وانطلق, واصفر, واحمر, فهذا دخولها في الاسم. وأما دخولها في الأفعال ففي موضعين: أحدهما: الماضي إذا تجاوزت عدته أربعة أحرف وفي أوله همزة, فهي همزة وصل, وذلك نحو: استخرج, واقتطع, واشترى واستقصى. والآخر مثال الأمر للمواجه من كل فعل انفتح فيه حرف المضارعة, وسنذكر ما بعدها وهو نحو قولك في الأمر: اضرب انطلق اتقطع, لأنك تقول: يضرب ينقطع ينطلق فتفتح حرف المضارعة وتسكن ما بعده, إلا أنهم قد حذفوا في بعض المواضع تخفيفًا فقالوا: خذ وكل ومر وقياسه: أوخذ أو كل, أومر, وقد جاء ذلك في بعض المواضع. ـــــــــــــــــــــــــــــ = 498 - ادع أحيحا باسمه لا تنسه ... إن أحيحا هي صبان السه والهمزة في هذه الأسماء كلها عوض من اللامات المحذوفات, وتسقط الهمزة من تصغيرها كلها, «والاست» مؤنثة/ قال الشاعر: 499 - شأتك قعين غثها وسمينها ... وأنت السه السفلى إذا دعيت نصر فوصف بالمؤنث: قال ابن الخباز: وأما الأسماء المصادر: فهي كل مصدر لفعل ماضيه أكثر من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أربعة أحرف, وفي أوله همزة وهي أحد عشر بناء: «انفعال» كانطلاق, و «افتعال» كاكتساب «وافعلال» كاحمرار «وافعيلال» كاحميرار «واستفعال» كاستخراج, «وافعيعال» كاعشيشاب «وافعوال» كاخرواط «وافعنلال» كاسحنكاك, «وافعنلاء» كاسلنقاء. و «وافعنلال» كاحرنجام «وافعلال» كاقشعرار. وإنما لحقت الهمزة هذه المصادر لجريها على أفعال تلحقهاز وتدخل من الأفعال في موضعين: أحدهما: الماضي إذا كان أكثر من أربعة أحرف, وفي أوله همزة, وذلك أحد عشر بناء: «انفعل» كانطلق, و «افتعل» كاكتسب و «افعل» كاحمر و «افعال» كاحمار و «استفعل» كاستخرج «وافعوعل» كاعشوشب, «وافعول» كاخروط «وافعلل» كاسحنكك «وافعنلى» كاسلنقى «وافعنلل» كاحرنجم «وافعلل» كاقشعر, وإنما ألحقوا هذه همزة الوصل, لأنها بنية طويلة, وكانت أوائلها متحركات فاستثقلوا طول البناء وكثرة الحركات فأسكنوا الأول, وجاءوا بالهمزة. الموضع الثاني: مثال الأمر من كل فعل أول مضارعه مفتوح وثانيه ساكن, نحو: يضرب وينطلق ويستخرج, إذا أمرت منه حذفت حرف المضارعة فبقي الثاني ساكنًا فجئت بالهمزة توصلًا إلى النطق به فقلت: «اضرب انطلق استخرج» فإن/ كان أول المضارع مضمومًا وثانيه ساكنًا كانت الهمزة في الأمر همزة قطع, تقول: «هو يحسن» فإذا أمرت قلت: «أحسن» , لأن هذه همزة الماضي حذفت في المضارع وأعيدت في الأمر, وإن كان ثانيه متحركًا لم يحتج إلى الهمزة تقول في الأمر من يعد: «عد» وهذا بين.

قال ابن جني: وأما/ دخولها الحرف ففي موضع واحد, وهو لام التعريف نحو الغلام والجارية والكلام فاللام للتعريف, والألف قبلها همزة وصل. ومتى استغنيت عن همزة الوصل بغيرها حذفتها تقول في الاستفهام: «أبن زيد عندك؟ حذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام, قال الشاعر: فقالت أبن قيس ذا ... وبعض الشيب يعجبها وتقول في الاستفهام: أشتريت لزيد ثوبًا؟ أستخرجت له مالًا؟ فتفتح لأنها همزة الاستفهام. قال ذو الرمة: استحدث الركب عن أشياعهم خبرًا ... أم عاود القلب من أطرابه طرب ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما دخولها على الحروف ففي موضع واحد, وهو لام التعريف نحو: «الغلام والجارية» ذهب سيبويه إلى أنحرف التعريف اللام, والهمزة قبله همزة وصل واحتج على ذلك من أوجه: الأول: أن الهمزة استمر حذفها في الدرج. الثاني: أن «لام» التعريف نقيض «لا» بتنوين التنكير, وذلك على حرف فيكون هذا على حرف. الثالث: أن لام التعريف شديدة الامتزاج بالاسم, لأنها تغير طبيعة المعنى من العموم إلى الخصوص, فإذا كانت على حرف كانت أشد امتزاجًا, وذهب الخليل: إلى أن «أل» بمنزلة «قد» والهمزة في الأصل همزة قطع, واحتج على ذلك بأوجه: الأول: أن الهمزة مفتوحة ولو كانت همزة وصل لكانت مكسورة. والثاني: أن «أل» مختص بالأسماء كما أن «قد» مختص بالأفعال, فيكون على حرفين مثله. الثالث: أنهم قالوا في التذكير: «ألي» كما قالوا: قدي, فدل على أنه حرفين, وهذه مسألة تحتمل كلامًا أكثر من هذا لا يليق بهذا المختصر. ومتى استغنيت عن همزة الوصل حذفتها, وذلك في الدرج, وحذفها على نوعين: أحدهما: أن تحذف وقبلها متحرك كقولك: أبن زيد عندك؟ أشتريت لزيد

قال ابن جني: فإن كانت الهمزة التي مع لام التعريف لم تحذفها مع همزة الاستفهام, لئلا يلتبس الخبر بالاستفهام, تقول: «آلرجل قال ذاك»؟ «آلغلام ذهب بك»؟ قال الله عز وجل: {آلذكرين حم أم الأنثيين} وقال تعالى: {قل آلله أذن لكم}؟ وقالوا في القسم: آلله لأذهبن؟ فلم يحذفوها, لأنها صارت عوضًا من واو القسم. وقالوا في النداء: «يا ألله اغفر لي» , فأثبتوها لكثرة الاستعمال/ ولأن الألف واللام هناك بدل من همزة «إله» في الأصل, وهمزة الوصل أبدًا مكسورة, نحو اضرب اذهب استخرج, ابن, امرؤ, إلا أن ينضم ثالثها ضمًا لازمًا فتضم هي, فتقول: «ادخل» , اخرج, انطلق بزيد, اشتري له ثوب, وقالوا: «اغزي يا مرأة فضموا, لأن الأصل: «اغزوي» وتقول: ارموا: فتكسر, لأن الأصل ارميوا, وألف التعريف مفتوحة, وكذلك ألف «ايمن» قال الشاعر: فقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم وفريق لايمن الله ما ندري فإذا ابتدأت قلت: «ايمن الله» بالفتح. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثوبًا؟ أستخرجت له مالًا؟ وهل كله يكتب بألف واحدة/. وإنما حذفت همزة الوصل لقيام همزة الاستفهام مقامها في التوصل, وفي التنزيل: {أفترى على الله كذبًا} وفيه: {اصطفى البنات على البنين} وفيه: {سواء عليهم استغفرت لهم} وقال ذو الرمة: 500 - أستحدث الركب عن أشياعهم خبرًا ... أم راجع القلب من أطرابه طرب قال ابن الخباز: فإن دخلت همزة الاستفهام على لام التعريف وايمن في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = القسم لم يجز حذف همزة الوصل, لأنك لو حذفتها لالتبس الاستفهام بالخبر, إذا قلت: ألغلان ذهب بك؟ وأيمن الله يمينك؟ ولا التباس في قولك: أشتريت لزيد ثوبًا»؟ لأن همزة الوصل: مكسورة وهمزة الاستفهام مفتوحة, فافترقا. وأما همزة «اللام» وهمزة «أيمن» فمفتوحتان كهمزة الاستفهام فاشتبها, فإذا كان كذلك أبدلت من همزة «اللام» وأيمن «ألفًا فتقول: «آلغلام ذهب بكل» وآيمن الله يمينك؟ وفي التنزيل: «آلذكرين حرم أم الأنثيين} و {آلله أذن لكم}؟ و {آلله خير أما يشركون}؟ : وقالوا في القسم: الله لتذهبن فجعلوا همزة الاستفهام عوضًا من حرف القسم, وغرض أبي الفتح رحمه الله: أنهم أبدلوا الهمزة الثانية ألفًا. وقالوا في النداء: يا ألله اغفرلي, فقطعوا الهمزة, لأنها خلف عن همزة «إله» وغرضه بذلك أن يجعل لإبدالها مساغًا, لأنها أشبهت همزة القطع بالثبوت. والنوع الثاني من الحذف: أن يكون قبل الهمزة حرف لين, فإن كان ما قبله من جنسه حذفت الهمزة وحذفته, فصار المتحرك الذي قبله إلى جانب ما بعدها كقولك «يخشى/ القوم, ويغز الجيش, ويرم الغرض» وإن كان ما قبلها من غير جنسه حركت الواو والياء, فصارا مثل الهمزة في التوصل, وفي التنزيل: {اشتروا الضلالة} وتقول: واخشي الله. ولابد من حركة همزة الوصل, لأنها جيء بها وصلة إلى النطق بالساكن فلو كانت ساكنة احتاجت إلى وصلة, وحقها الكسر, لأنها في الأصل ساكنة وما بعدها ساكن, فكسرت لالتقاء الساكنين, ولم يفتحوا إلا همزة «اللام» لكثرة دورها في الكلام. وفي همزة «أيمن» لغتان, وقد ذكرنا لغات أيمن في القسم. ويعرض لهمزة الوصل الضم في موضعين: أحدهما: الأحد عشر بناء إذا بنيت للمفعول به ضمت همزتها إتباعًا للثالث: لأنه يضم ضمًا لازمًا, تقول:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (انطلق بزيد) , اكتسب له مال, أحمر في هذا المكان, وفي التنزيل: {ولقد استهزئ} وكذلك سائرها. الثاني: الفعل المضارع إذا انضم ثالثه نحو «يقتل» تقول في الأمر منه: «اقتل» وإنما لم تكسر الهمزة في الموضعين لئلا يخرج من كسر إلى ضم بينهما حاجز غير حصين, تقول للمرأة: «اعزي» فتشم الزاي الضمة, وتضم الهمزة, لأن الأصل «أغزوي» فحذفت الواو, وتقول للجماعة «ارموا» فتكسر الهمزة لأن الأصل: ارميوا كاضربوا فحذفت الياء, فإن كان الثالث مضمومًا ضمة غير لازمة لم تغير الهمزة, تقول: «اسم الله مبارك» لأن الضمة تزول في النصب والجر كقولك: أحببت اسم الله «وباسم الله بدأت» وأما قوله: 501 - فقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم وفريق لايمن الله ما ندري فالمراد من إنشاده الإعلام بأن همزة «أيمن» همزة وصل. ولا يجوز حذف همزة القطع, وقد حذفوها من ثلاثة أفعال لكثرة استعمالها, قالوا في الأمر من «يأخذ ويأكل ويأمر»: خذ وكل ومر, وفي التنزيل: {كلوا واشربوا هينئًا بما كنتم تعملون} وقال الشاعر: 502 - خذي بيدي ثم انهضي تبيني ... بي الضر إلا أنني أتستر وقد أثبتوا الهمزة في «مر» "إذا وقع قبلها حرف العطف, وفي التنزيل: {وآمر أهلك بالصلاة} وهذا هو الأصل, وقال الشاعر: 503 - تحمل حاجتي وأخذ فواها ... فقد نزلت بمنزلة الضباع وذلك لا يقاس عليه, فتقول في الأمر من «أمل يأمل» وأجر يأجر:

باب: (الاستفهام)

باب: (الاستفهام) قال ابن جني: وتستفهم بأسماء غير ظروف, وبظروف, وبحروف, فالأسماء: «من وما وأي وكم» , والظروف: «متى وأين وكيف وأي حين وأيان وأنى» والحروف: «الهمزة وأم وهل» ولكل واحد من هذه الكلم موضع, فمن سؤال عمن يعقل. «وما» سؤال عما لا يعقل, «وأي» سؤال عن بعض من كل, يكون لمن يعقل لما لا يقعل, و «كم» سؤال عند العدد, ومتى سؤال عن الزمان و «أين» سؤال عن المكان, و «كيف»: سؤال عن الحال, و «أي حين كمتى» , «وأيان» كذلك أيضًا, وأنى كأين تقول: من عندك؟ فجوابه: زيد أو عمرو أو نحو ذلك. ولا تقول: حمار ولا فرس ولا نحو ذلك, وإذا قال: ما معك؟ قلت: دراهم أو نحو ذلك, وإذا قال: أيهم عندك؟ قلت: محمد, وإذا قال: أي الدواب ركبت؟ قلت: الأشقر, وإذا قال: كم مالك؟ قلت: ألفان, ونحو ذلك, وإذا قال: متى جئت؟ قلت: يوم لجمعة. وإذا قال: أين كنت؟ قلت: عند زيد, وإذا قال: كيف أنت؟ قلت: صالح, وإذا قال: أي حين قمت؟ قلت: أمس, وكذلك: أيان انطلاقك؟ فتقول: غدًا, قال الله عز وجل: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها} أي: متى ظهورها وحلولها. وقال تعالى: {يا مريم أنى لك هذا} أي: من أين لك هذا {قالت هو من عند الله}. ـــــــــــــــــــــــــــــ «أومل» «وأوجر» فتثبت الهمزة التي هي فاء الفعل, لأنه الأصل. والله أعلم. (باب الاستفهام) قال ابن الخباز: الاستفهام: طلب الفهم. يقال: فهم وفهم وفهامتة, وحقيقته: استعلام المجهول, وقد تجيء على غير ذلك, وقالوا في قوله تعالى:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = {فوربك لنسألنهم أجمعين} وقوله تعالى: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} إنهم يسألون سؤال تقريع لا سؤال استعلام. وكلم الاستفهام نوعان: حروف وأسماء, فالأسماء نوعان: ظروف وغير ظروف فغير الظروف أربعة: «من وما وأي وكم» والظروف خمسة «متى» (وأيان) وأين وأنى وكيف. وعده «أي حين» في الظروف غير مستقيم, لأن السؤال بأي وإنما صارت ظرفًا, لإضافتها إلى الحين, وهذه الأسماء التسعة متضمنة معنى الهمزة وقائمة مقامها, وفي وضعها موضعها / حكمة بديعة, لأنها عامة للأجناس التي وضعت مسئولا بها عنها, فكل واحد منها في موضعه يغنيك عن تكرير الهمزة وذكر أسماء ذلك الجنس «فمن» سؤال عمن يعقل يعم جميع أسمائهم, تقول: من عندك؟ فيصلح أن يجيبك بالمذكر والمؤنث مفردًاومثنى ومجموعًا فيقول: زيد أو الزيدان أو الزيدون, أو هند أو الهندان أو الهندات, لأن من تحتمل هذا كله, ويجوز أن يجيب بالنكرة فيقول: رجل أو امرأة, إذا كان السائل يجهل النوع المعين, فإن قال: «من عندك من الرجال»؟ لم يجز أن يجيب بالمؤنث, ولو قال: «من عندك من النساء؟ لم يجز أن يجيب بالمذكر لأن التبيين قلل العموم. و«ما» سؤال عما لا يعقل, نعم أسماءه, تقول: ما معك؟ فيقول: دراهم أو دنانير أو ثياب, ويجوز أن يجيب بالمذكر والمؤنث مفردًا ومثنى ومجموعًا للعموم. «وأي» سؤال عن ذوي العلم وغيرهم, لأنها بعض من كل, ومعناها يستبين بإضافتها, تقول: أي الرجال عندك؟ فيقول: زيد وأي الدواب ركبت؟ فيقول: الأشقر. وتقول: أي النساء عندك؟ وأية النساء عندك؟ فمن ذكر حمله على البعض ومن أنث قال: هو امرأة, والذي جاء في التنزيل: {وما تدري نفس بأي أرض تموت} فذكر. «وكم» سؤال عن العدد, تقول: «كم مالك»؟ فيقول: ألفان, وله أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يجيب بأي عدد شاء, وإذا قلنا: إن العدد جملة منقسمة إلى آحاد لم يجز أن يجاب «كم» بالكسور, لأنها ليست بعدد, والاستعمال يخالف هذا. و«متى» سؤال عن الزمان/ وكذلك «أيان» فإذا قلت: متى سرت؟ قال أمس. ولا يجوز أن يقول: غدًا, لأن المسئول عنه ماض. وإذا قال: متى تسير؟ قلت: غدًا, لأن المسئول عنه مستقبل, ولا تقول: أمس, فإن قال «متى» سيرك؟ جاز أن تجيب بأي زمان شئت. وأما قوله تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها} فيجوز في «المرسى» أن يكون مصدرًا بمعنى «الإرساء» , ويجوز أن يكون زمان الإرساء وفسره بالظهور والحلول, والمعروف في المرسى الإثبات, يقال: رسى الجبل وأرساه الله. و«أنى وأين» سؤال عن المكان, يقول: أنى زيد؟ فتقول: أمامك, وأين أقمت؟ فتقول: بدمشق, وقوله تعالى: {أنى لك هذا} تفسيره: من أين, والدليل على ذلك قولها في الجواب: {من عند الله}. وكيف, سؤال عن الحال, تقول: كيف زيد؟ فيقول: غني أو فقير أو صحيح أو مريض وقالوا: كان القياس ذكر جميع صفاته, ولكنه ترك, لأن السائل لا يتعلق له غرض بمجموعها أو لأن المسئول لا يمكنه الإحاطة بها.

قال ابن جني: وأما «الهمزة وأم» فقد تقدم ذكرهما في باب العطف, وأما «هل» كقولك: هل قام زيد؟ وهل يقوم جعفر؟ , فجوابه: نعم أو لا, وقد تكون «هل» بمعنى قد, قال الله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} أي: قد أتى عليه حين من لدهر, وقال الشاعر: سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم أي: أقد رأونا؟ واعلم أن «من, وما, وأي» في الاستفهام نكرات غير موصولات, وجميع الأسماء والظروف المستفهم بها مبني لتضمنه معنى حروف الاستفهام «إلا أيا» وحدها, فإنها معربة حملًا على البعض أو الكل, وحركت «الفاء» في كيف «والنون» من أيان, ومن أين, لسكونهما وسكون ما قبلهما. وإعراب الجواب عن إعراب السؤال إن رفع رفعت, وإن نصب نصبت, وإن جر جررت يقول: من هذا؟ فتقول: زيد, فترفع, لأن من مرفوعة بالابتداء, وإذا قال: من ضربت؟ قلت: زيدًا, وإذا قال: بمن مررت؟ قلت: بزيد, فتأتي بحرف الجر, لأن حروف الجر لا تضمر. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: النوع الثاني: الحروف, وهي ثلاثة: أم والهمزة وهل, فأم حرف عطف وقد ذكرنا حكمها. وأما «الهمزة وهل» فيدخلان على الجملتين الاسمية والفعلية, تقول: أذهب عبد الله؟ أمحمد جالس؟ وهل سافر بشر؟ وهل الحسن قادم؟ قال الله عز وجل: {اصطفى البنات على البنين} وقال تعالى: آلله أذن لكم} وقال تعالى: {هل يستطيع ربك} وقال تعالى: {فهل أنتم شاكرون}. وقال الشاعر:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 504 - يا أم أبيض حم يوم فراقكم ... فهل اللقاء لعاشق مقدور والفرق بين «الهمزة وهل» أن الهمزة تستعمل في الإنكار, إذا قال زيد: غلبني الأمير, قلت منكرًا لرأيه: آلأميروه, وأن الهمزة تقع معادلة لأم وقد شرح وقد جاءت هل بمعنى قد, وفي التنزيل: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} أي: قد أتى لأن الكلام إخبار قال الشاعر: 505 - سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم أي" أقد رأونا, لأنها لو كانت استفهامًا لجمعت بين حرفين بمعنى واحد. والشدة الحملة. والسفح: الجانب, والقف: الجبل الصغير. والأكم: جمع أكمة, وهي التلال, ويربوع: حي من تميم. وإذا سألت بالهمزة أو بهل فجوابه: «نعم» في الإيجاب «ولا في النفي» , وفي «نعم» ثلاث لغات: نعم ونعم وقد قرئ بهما ونحم بالحاء وهي لغة كنانة, وأجاز أبو علي: نعم بكسر النون اتباعًا للعين و «من وما وأي» في الاستفهام أسماء تامة لا تحتاج إلى صلة, لأن موضوع الاستفهام الإبهام, وموضوع الصلة الإيضاح, فلم يجتمعا, وهن فيه نكرات, لأنهن يجبن بالنكرة. فإن قلت: لإهن معارف, لأنهن يجبن بالمعرفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قلت: إذا أجبن بالمعرفة والنكرة, فالأصل في الأسماء النكرة فيحملن عليها. وجميع الأسماء المستفهم بها مبنية لتضمنها معنى الهمزة إلا «أيا» فإنها معربة, وفي ذلك أربعة أجوبة: قال عبد القاهر: تضمن الاسم معنى الحرف مجوز للبنائ لا موجب, فلذلك لم بين «أي» وقيل أعربت تنبيها على أن الأصل في الأسماء الإعراب, وقيل: أعربت حملًَا على نظيرها, وهو بعض, وهو/ معرب, وقيل: أعربت حملًا على نقيضها, وهو كل وهو معرب, وقد ذكرنا تحريك «أين وكيف» وأما أيان فبنيت على الفتحة لثلاثة أوجه: أحدها: طلب الخفة. والثاني: إتباع للألف. والثالث: إتباع للفتحة التي قبلها. ويقال: إيان, بكسر الهمزة عن الجوهري. ولابد للسؤال من جواب, وحده: ما كان مطابقًا للسؤال, وسمي جوابًا لأنه يقطع السؤال يرفع إن رفع وينصب إن نصب, ويجر إن جر, فإذا قال: من عندك؟ قلت: زيد, فرفعت لأن «من» في موضع رفع بالابتاء, وإذا قال: من ضربت؟ قلت: زيدًا, فنصبت, لأن «من» في موضع نصب بالفعل, ويجوز أن تقول: زيد فترفع, أي: الذي ضربته زيد وهو ضعيف للعدول عن الظاهر وإذا قال: بمن مررت؟ قلت: بزيد, فتعيد الجار لأنه عامل ضعيف لا يضمر ولو أضمر لم يبعد, لأنه قد جرى ذكره في السؤال, وإذا كان رؤبة قد أضمر في قوله: «خير عافاك الله» أي: بخير, إذ قيل له: كيف أصبحت؟ فهذا أولى, ويجوز الرفع, أي: الذي مررت به زيد, وهذا ضعيف أيضًا للعدول عن الظاهر.

باب: (ما يدخل على الكلام فلا يغيره)

باب: (ما يدخل على الكلام فلا يغيره) قال ابن جني: وهو كل ما دخل على الاسم والفعل جميعًا, وذلك نحو: إنما, وكأنما, ولكنما, وليتما, ولعلما, وإذ, وإذا, وهل, وهمزة الاستفهام, وجميع الظروف المستفهم بها إذا كانت ملغاة. غير مستقرات, تقول: إنما قام زيد, وإنما زيد أخوك, وكأنما أخوك الأسد, ولعلما أنت حالم. وأما «ليتما» خاصة: فإن جعلت, ما فيها كافة بطل عملها, وإن جعلتها زائدة للتوكيد لم يتغير نصبها, تقول: ليتما أخوك قائم, وإن شئت: ليتما أخاك قائم, وينشد بيت النابغة على وجهين بالرفع والنصب: قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد وتقول: قمت إذ زيد جالس, وأقوم إذا قعد محمد, وتقول: أين زيد قائم وقائمًا؟ وكيف زيد جالس وجالسًا؟ إن جعلت «أين وكيف» لغوًا رفعت الخبر, وإن علقتهما بمحذوف وجعلتهما مستقرًا نصبت قائمًا وجالسًا على الحال بهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب ما يدخل على الكلام فلا يغيره) قال ابن الخباز: وهو كل ما دخل على الجملتين: الاسمية والفعلية, فمن ذلك: إن وأخواتها إذا كفت بما, فإنها تعزلها عن العمل, وتلي الجملتين, وذلك لأنها ركبت مع «ما» وتغير معناها بالتركيب, فزال عنها شبه الفعل, وفي التنزيل: {إنما الله إله واحد} {إنما يأكلون في بطونهم نارًا} وقال تعالى: {إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} وقال ساعدة: 506 - ولكنما أهلي بواد أنيسه ... ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال تعالى: {كأنما يساقون إلى الموت} , وقال الشاعر: 507 - تحلل وعالج ذات نفسك وانظرن ... أبا جعل لعلما أنت حالم وأما «ليتما» فيجوز أن تجعل فيها «ما» كافة, فترفع ما بعدها, تقول: ليتما زيد قائم وينشد بيت النابغة على وجهين وهو: 508 - قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد يروى: «الحمام ونصفه» بالرفع والنصب, فالرفع من وجهين: أحدهما: أن تكون «ما» بمعنى الذي والعائد محذوف, أي ليتما هو هذا الحمام. والثاني: أن تكون كافة, وهذا مبتدأ والحمام صفته, ولنا خبره, ونصفه معطوف على «هذا» والنصب على أن تكون «ما» زائدة, فيكون «هذا» في موضع نسب و «الحمام» صفته, ونصفه معطوف, وهذا البيت مضمن كلامًا قالته زرقاء اليمامة, فكانت توصف بجودة النظر, وذلك أنه كانت لها حماة فرأت سرب حمام طائر بين جبل, فقالت: 509 - ليت الحمام ليه ... إلى حماميته ونصفه قديه ... تم الحمام ميه وهذه مسألة حاسبية تخرج بالمجهول, وهو أن يقال: أي عدد إذا زدنا عله نصفه وواحدًا بلغ مائة, فالجواب أن نجعل العدد شيئًا, ويزاد عليه نصف شيء وواحد, فيصير شيء/ ونصف شيء وواحد يعدل مائة, فألق واحدًا من الجانبين لأنه مشترك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يبقى شيء ونصف شيء يعدل تسعة وتسعين, فالشيء يعدل ستةوستين, وهذا كان عدد الحمام, ألا ترى أن النابغة قال: 510 - فحسبوه فألفوه كما وجدت ... تسعًا وتسعين لم تنقص ولم تزد فكملت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبه في ذلك العدد وأما «هل والهمزة»: فقد ذكرناهما, وأما «إذ»: فإنها تضاف إلى الجملتين قال الله عز وجل: {إذ دخلو على داود} وقال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} والأصل إضافتها إلى الفعل الماضي, لأنها ظرف لما مضى, وإضافتها إلى المضارع توسع في الكلام, قال الشاعر: 511 - بلاد بها كنا وكنا نحبها ... إذ الناس ناس والبلاد بلاد وأما «إذا»: فلا تضاف إلى الاسمية, لأنها لما كانت للمستقبل جرت مجرى أدوات الشرط ويدلك على تمكنها في طلب الفعل أن من العرب من يحزم بها, قال الفرزدق أنشده الضميري: 512 - فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم ... وكان إذا ما يسلل السيف يضرب وأما «هل الهمزة»: فقد ذكرناهما في بابهما, وإذا دخلتا على الجملة غيرتا معناها من الخبر إلى الاستفهام, لأنهما تدلان عليه.

قال ابن جني: فإذا قلت: متى زيد قائم, رفعت قائمًا ألبتة, لأن متى ظرف زمان, وظروف الزمان لا تكون أخبارًا عن الجثث. ولكن لو قلت: متى انطلاقك سريع وسريعًا؟ فرفعت أو نصبت, كان مستقيمًا, لأن الانطلاق حدث, وظروف/ الزمان تكون أخبارًا عن الأحداث. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما الظروف المستفهم بها في خمسة: «متى, وأين, وأيان, وأني, وكيف» , تقول: متى قمت؟ (وأيام انطلقت؟ فمتى) «وأيان» منصوبان بما بعدهما, وتقول: كيف تصنع؟ فكيف في موضع نصب على الحالو وتقولك متى قيامك؟ وأيان انطلاقك؟ لأنهما زمانان, وتبتدئ معهما الأحداث, والزمان/ بمنزلة المصدر بعدهما, وفي التنزيل: {يسألون أيان يوم الدين} وتقول: كيف زيد؟ وكيف قيامك, لأن العين والمعنى يجوز السؤال عن صفتهما, وتقول: متى زيد قائم؟ وأيان عمرو جالس؟ فلا يجوز في قائم وجالس إلا الرفع, لأنك لو نصبتهما على الحال لجعلت «متى وأيان» خبرًا عن الجملة, وذلك لا يجوز, كما لا يجوز زيد يوم الجمعة قائمًا, وتقول: متى انطلاقك سريعًا وسريع, فالرفع على أن يكون خبر مبتدأ, وهو العامل في «متى». والنصب على الحال وهو على وجهين: أحدهما: أن يكون انطلاق مبتدأ ومتى خبره, وهو العامل في الحال, كما تقول: انطلاقك غدًا معجبًا لزيد. والثاني: أن يكون حالًا من الكاف في انطلاقك, لأنهما في موضع رفع بأنها فاعلة للمصدر المضاف إليها. وتقول: أين زيد جالس وجالسًا, وكيف زيد صانع وصانعًا. فالرفع على أن يكون خبر مبتدأ, وهو العامل في «أن وكيف» والنصب على الحال والعامل فيها الاستقرار المقدر, والفرق بين الرفع والنصب: أنه إذا قال: أين زيد جالس, فرفع, فالسؤال عن موضع الجلوس, وإذا نصب, فالسؤال عن الموضع الذي استقر فيه زيد في حال جلوسه. وإذا قال: متى انطلاقك سريع, فرفع (فالسؤول عن زمان سرعة الانطلاق, وإذا نصب) فالسؤال عن زمان الانطلاق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في حال سرعته. وإذا قال: كيف زيد صانع, فرفع فالسؤال عن صنع زيد, وإذا نصب فالسؤال عن الحال التي استقرت لزيد في حال صنعه. ومعنى قوله: (إذا كن ملغيات غير مستقرات): فاعلم أن الظرف أو حرف الجر, إذا كان خبرًا عن المبتدأ سمي مستقرًا, كقولك: / زيد عندك وعبد الله في الدار, لأنه إخبار بالاستقرار, وقد كثر ذلك في عبارة سيبويه. وخبر كان وخبر إن والمفعول الثاني لظننت والمفعول الثالث لأعلمت, إذا كان ظرفًا أو حرف جر يجري هذا المجرى في تسميته مستقرًا, وإذا لم يكن خبرًا سمي لغوًا وملغى, كقولك زيد في الدار قائم فالخبر قائم, وفي الدار فضلة, ولذلك سمى لغوًا, لأنه ليس أحد جزأي الجملة. تقول في الأسماء المستفهم بها مما ليس بظرف: من أنت ضارب؟ ومن أنت ضاربًا؟ فإذا رفعت كان «من» مفعولًا, كأنك قلت: أي رجل أنت ضارب؟ وإذا نصبت كان حالًا, و «من» مبتدأ, وهو استفهام, إما إعظامًا, وإما احتقارًا, وتقول: كم قومك ذاهبون وذاهبين؟ إن رفعت كان خبر, وإن نصبت كان حالًا, والسؤال مع الرفع عن مرار الذهاب, والسؤال مع النصب عن عدد القوم. وتقول: كم أخوك ذاهبان بالرفع لا غير, ولا يجوز النصب, لأن الشعبة معلومة العدد. والله أعلم.

باب: (الحكاية)

باب: (الحكاية) قال ابن جني: إذا استفهمت «بمن» عن الأعلام والكنى, فإن رفعت, كان على الظاهر, وإن شئت حكيت الإعراب, إذا قال: رأيت زيدًا, قلت: من زيد؟ وإن شئت من زيدًا, وإذا قال: مررت بزيد, قلت: من زيد؟ وإن شئت من زيد, وإذا قال لقيت أبا محمد, قلت: من أبو محمد؟ وإن شئت: من أبا محمد؟ ولو قال: رأيت أخاك, أو كلمت غلامك, أو نحو ذلك, لرفعت فقلت: من أخوك؟ ومن غلامك؟ لأنأخاك وغلامك ليسا علمين ولا كنيتين. فإن عطفت فقلت: ومن زيد؟ أو فمن زيد؟ رفعت مع العطف ألبتة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب الحكاية) قال ابن الخباز: وهي من قولك: حاكيت الشيء إذا شاكلته, وبهذا المعنى هي عند النحويين قال صاحب الكشاف: الحكاية: أن تجيء بالقول على استبقاء سيرته الأولى. ووقعت الحكاية في كلام العرب بعد ثلاثة أشياء: من, وأي, وفعل الول وتصاريفه, هذا هو الأكثر, وقد حكوا الجمل المسمى بها, لإلم يغيروها, قال رؤبة: 513 - سميتها إذ ولدت تموت ... والقبر صهر ضامن زميت وأجروا سمعت مجرى قلت, لأن المسموع يحكى كالمقول قال ذو الرمة: 514 - سمعت الناس ينتجعون غيثا ... فقل: لصيدح انتجعي بلالا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لا ينشد إلا برفع الناس, لأنه سمع قائلًا يقول: الناس ينتجعون غيًا, فحكى ما سمعه, وحدثت أن بعض الحمقى أنشد بنصب الناس, وبفتح الباء من بلال, ولا خفاء في جهله بالبيت, لأن ذا الرمة يمدح بلال بن برده, وصيدح اسم ناقته وهو «فيعل» من صدح إذا صوت. فإذا سألت «بمن» فالسؤال بها على قسمين: الأول: أن يكون عن معرفة والثاني: أن يكون عن نكرة, فالمعرفة قسمان: علمٌ, وغير علم, فالعلم: نحو زيد وأبي محمد وبطه, وللعرب فيه مذهبان: أما أهل الحجاز فيحكون إعرابه إذا سألوا عنه رفعًا ونصبًا وجرًا, فإذا قلت: جاءني زيد أو قام أبو محمد قال: من زيد (و) من أبو محمد, وإذا قلت: رأيت زيدًا وكلمت أبا محمد, قالوا: من زيدًا؟ ومن أبا محمد؟ وإذا قلت: مررت بزيد أو مررت بأبي (محمد) قالوا: من زيد؟ ومن أبي محمد؟ وإنما حكوا الإعراب ليعلم السائل المتكلم أن سؤاله عمن ذكره, لأنه لفظ به كما لفظ به, والحكاية مخالفة للأصل, لأنه لا يلزم من كون الاسم معربًا إعرابًا خاصًا في كلام المسئول إعرابه ذلك الإعراب في كلام السائل, لأن العاملين مختلفان. فإن عطفت فلت لمن قال: رأيت زيدًا: فمن زيد أو ومن زيد, بطلت الحكاية لأنك لما جئت بحرف العطف علم أنك تسأله عمن ذكره لعفطك على كلامك. وبنو تميم يرفعون جمع ذلك, فيقولون لمن قال: جاءني زيد, أو رأيت زيدًا, أو مررت بزيد: من زيد؟ لأن جهتي الكلامين مختلفتان. وغير العلم: نحو: المضاف والمعرف باللام لا يحكي, فإذا قال: رأيت أخاك أو مررت بالرجل, قلت: / من أخوك؟ ومن الرجل؟ . وإنما اختصت الحكاية بالعلم, لأنها باب من أبواب التغيير, والأعلام موضوعة على التغيير, وهي شاذة فلا تطرد في غيره, وإذا قلت حاكيًا: من زيدًا؟ ومن زيد؟ كان من في موضع رفع بالابتداء والمنصوب والمجرور بعده مرفوع الموضع, لأنهما خبره.

قال ابن جني: فأن سألت «بمن» عن نكرة حكيت الإعراب في «من» نفسها, إذا قال: رأيت رجلًا, قلت: مناه, وإذا قال: جاءني رجل, قلت: منو, ومررت برجل, فتقول: مني, وعندي رجلان, فتقول: منان, وعندي امرأة, فتقول: منه, وعندي امرأتان, فتقول: منتان, ورأيت رجلين, فتقول: منين. ومررت بامرأتين, فتقول: منتين, وعندي رجال, فتقول: / منون, ومررت بنساء, فتقول: منات. فإن وصلت أسقطت العلامة من الجميع, فتقول إذا قال: رأيت نساء, أو كلمني رجل, أو مررت بامرأة: من يا فتى في هذا كله. وإذا سألت «بأي» أعربتها في الوصل والوقف. تقول: جاءني رجل, فتقول: أي يا فتى, ولقيت امرأة فتقول: أية, ومررت برجلين فتقول: أيين, ولقيت نساء فتقول: أيات يا فتى. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما النكرة فإذا سألت عنها «بمن» فإن كانت مفردة قابلت حركة الإعراب في لفظ المسئول بما يجانسها من حروف اللين في كلامك, فإذا قال: جاءني رجل قلت: منو, وإذا قال: رأيت رجلًا قلت: منا, وإذا قال: مررت برجل, قلت مني, واختلف النحويون في هذه الحروف, فمنهم من قال: حركت النون ومطلت الحركة, فنشأت المدة, وهذا رديء, لأن «من» مبنية على السكون. ومنهم من قال: ألحقت المدات, وحركت النون قبلهن اتباعًا لهن لئلا يجتمع ساكنان. وإن كانت مثناة أو مجموعة في التذكير والتأنيث جئت بأدلة هذه المعاني, فإذا قال: جاءني رجلان, قلت: منان, وإذا قال: رأيت رجلين أو مررت برجلين, قلت: منين. وإذا قال: جاءني رجال, قلت: منون, وإذا قال: رأيت رجالًا ومررت برجال, ٌلت: منين, والنون ساكنة في هذا كله, لأنه في موضع الوقف, فإذا قال: جاءتني امرأة, أو رأيت امرأة, أومررت بامرأة. قلت: منه بهاء ساكنة للتأنيث في الجميع وإذا قال: جاءتني امرأتان. قلت: منتان, وإذا قال: رأيت امرأتين أو مررت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بامرأتين قلت: منتين, تسكن نون «من» والنون التي بعد المدة, وإذا قال: جاءتني نساء, ورأيت نساء, أو مررت بنساء, قلت: منات بتاء ساكنة في الجميع. واعلم أن هذه الزوائد ليست بإعراب, وإنما هي أدلة على أحوال المسئول عنه, وذلك لأن الإعراب يزول في الوقف ويثبت في الوصل. وهي تثبت في الوقف وتزول في الوصل, فإذا وصلت, قلت: من يا فتى في الجميع وأما قول الشاعر: 515 - أتوا ناري فقلت منون أنتم ... فقالوا الجن قلت عموا ظلامًا ففيه شذوذان: إثبات العلامة في الدرج, وتحريك النون التي حقها السكون وهو من لحن الفقهاء, لأنه يعرض لهم في بعض المسائل الخلافية, وإذا قال: رأيت رجلًا وامرأة, قلت: «من, ومنه» وإذا قال: مررت بامرأة وكلمت رجلين, قلت: «من, ومنين» تحذف العلامة من الأول, لأنه موصول, وتثبتها في الثاني, لأنه موقوف عليه. فإن قلت فلماذا أعادوا اللفظ المعرفة في السؤال ولم يعيدوا لفظ النكرة؟ قلت: لأن السؤال في المعرفة واقع على صفتها, فأعيد لفظها, لأنه لابد من ذكر الموصوف مع الصفة, والسؤال في النكرة واقع على ذاتها فلم تحتج إلى إعادة لفظها, لأنها كذكر الموصوف وحده. وإذا سألت «بأي» عن المعرفة لم تحك, فإذا قال: رأيت أبا محمد, قلت: أي أبو محمد؟ يستوي قول أهل الحجاز وبني تميم في الرفع, وذلك لأن «أيا» ظهر فيها الإعراب, فرفعوا ما بعدها ليشاكلها, «ومن» لم يظهر فيها الإعراب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا سألت بها عن نكرة حكيت الإعراب والتأنيث والتثنية والجمع, فإذا قال: جاءني رجل, قلت: أي, وإذا قال: رأيت رجلًا, قلت: «أيا». وإذا قال: مررت برجل, قلت: «أي» وهذا إعراب, لأن أيا اسم متمكن. فإذا وقفت عليه مرفوعًا أو مجرورًا حذفت التنوين والحركة, وإذا وقفت عليه منصوبًا أبدلت من التنوين ألفًا, وإذا وصلت أثبت/ الحركات والتنوين. وإذا قال: جاءني رجلان, قلت: أيان, وإذا قال: رأيت رجلين أو مررت برجلين, قلت: أبين, فإذا وصلت حركت النون, وإذا وقفت أسكنتها, وإذا قال: جاءتني امرأة أو رأيت امرأة أو مررت بامرأة, قلت: أية, فإن وصلت, قلت: أية يا فتى وأية يا فتى وأية يا فتى, وإذا قال: جاءتني امرأتان, قلت: أيتان, وإذا قال: رأيت امرأتين أو مررت بامرأتين, قلت: أيتين, وإذا قال: جاءتني نساء أو رأيت نساء أو مررت بنساء, قلت: أيات وأيات, وكل هذه العلامات تثبت في الوصل وعلة ذلك كله أن «أيا» معربة فخالفت «من» لأنها مبنية. وأما مسائل القول في الحكاية فحاصلها: أن الجملة تحكي بعده ولا تغير, كقولك قال زيد: عمرو منطلق, لأنها لو غيرت لم تكن المقولة, ولو سمعت رجلًا يلحن بأن قال: حاطبت أخوك, وجاز أن تحكى كلامه جريًا على سنن القول. وجاز أن ترده إلى الإعراب الصحيح, لأنه هو الأصل, فتقول حاكيًا: قال: خاطبت أخوك, وغير حاك: خاطبت أخاك.

باب: (الخطاب)

باب: (الخطاب) قال ابن جني: إذا خاطبت إنسانًا فاجعل أول الكلمة للمذكور الغائب وآخرها للحاضر المخاطب. تقول إذا سألت رجلًا عن رجل: كيف ذلك الرجل يا رجل؟ فإن سألته عن امرأة, قلت: كيف تلك المراة يا رجل؟ وإن سألت عن رجلين قلت: كيف ذانك الرجلان يا رجل؟ وعن امرأتين: كيف تانك المرأتان يا رجل؟ وعن رجال أو نساء: كيف أولئك الرجال أو النساء يا رجل؟ وإذا سألت رجلين عن رجل, قلت: كيف ذلكما الرجل يا رجلان, وعن امرأتين: كيف تانكما المرأتان يا رجلان, وكذلك ما أشبه/ هذا. وتقول: قبضت ذينك الدرهمين, واستوفيت تينك المائتين, وهل حصلت عندكما تانكما الجاريتان, ومتى تقبضن ذينكن الألفين يا نسوة, قال الله عز وجل: {فذلكن الذي لمتنني فيه}. وقال تعالى: {ألم أنهكما عن ذلكما الشجرة} فاعرف وقس. ـــــــــــــــــــــــــــــ (باب الخطاب) قال ابن الخباز: المخاطبة والخطاب مصدران, واعلم أن الخطاب معنى فلابد له من حرف, وله حرفان: «التاء والكاف» , فالتاء: مختصة بأنت وفروعه, تقول: أنت وأنت وأنتما وأنتم وأنتن, ويكون ضميرًا كقولك: فعلت يا رجل. والكاف: أوسع مجالًا من التاء, وتتصل بأشياء, قالوا: إياك, ورويدك, وحيهلك, وأكثر ما تلحق أسماء الإشارة, وهي المقصود من هذا الباب, فإذا خاطبت إنسانًا مشيرًا إلى مسئول عنه, فابدأ باسم الإشارة, لأنه للغائب المسئول/ عنه, وما سألت عنه إلا وأنت معني بحاله, وذلك يناسب البداءة باسمه. فلم يبق إلا أن تأتي بالكاف أخيرًا, ولا موضع للكاف من الإعراب, لأنه لا رافع ولا ناصب ولا جار, ولا يقال: موضعها جر بإضافة اسم الإشارة إليها, لأنه لا يضاف, وتصرف الكاف على حسب أحوال المخاطب: من تذكير, وتأنيث, وإفراد, وتثنية, وجمع, ولفظ هذه «الكاف» لفظ كاف الضمير في رأيتك,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومررت بك, فصرفها تصريفها. ومسائل هذا الباب ست وثلاثون مسألة, علة ذلك أن للمسئول ستة أحوال, وللمسئول عنه ستة أحوال, لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يكون مذكرًا أو مؤنثًا, وهو في الحالين مفرد ومثنى ومجموع, وستة في ستة = ستة وثلاثون, وأنا أسوقها مسألة مسألة. تقول إذا سألت رجلًا عن رجل: كيف ذلك الرجل؟ فذا مبتدأ, واللام للإشارة للغائب, والكاف للخطاب, والرجل صفة لذا, وكيف خبر المبتدأ, وكذلك جميع ما تذكره. وعن امرأة: كيف تلك المراة؟ وعن رجلين: كيف ذانك الرجلان؟ وعن امرأتين: كيف تانك المرأتان؟ وعن رجال أو نساء: كيف أولئك الرجال؟ وكيف أولئك النساء, فهذه ست, والكاف فيهن مفتوحة, لأنك خاطبت مذكرًا. فإن سألت رجلين عن رجل قلت: كيف ذلكما الرجل؟ وعن امرأة: كيف تلكما المرأة؟ وعن رجلين: كيف ذانكما الرجلان؟ وعن امرأتين: كيف تانكما المرأتان؟ وعن رجال أونساء: كيف أولئكما الرجال؟ وكيف أولئكما النساء؟ فهذه ست والكاف فيهن مثناة, لأنك خاطبت اثنين. وإن سألت رجالًا عن رجل قلت: كيف ذلكم الرجل؟ وعن امرأة قلت/: كيف تلكم المرأة؟ وعن رجلين: كيف ذانكم الرجلان؟ وعن امرأتين: كيف تانكم المرأتان, وعن رجال أو نساء: كيف أولئكم الرجال؟ أو كيف أولئكم النساء؟ فهذه ست, والكاف فيهن مجموعة, لأنك خاطبت جمعًا. وإن سألت امرأة عن رجل قلت: كيف ذلك الرجل؟ وعن امرأة قلت: كيف تلك المرأة؟ وعن رجلين: كيف ذانك الرجلان؟ وعن امرأتين: كيف تانك المرأتان؟ وعن رجال أو نساء: كيف أولئك الرجال؟ وكيف أولئك النساء؟ فهذه ست والكاف فيهن مكسورة, لأنك خاطبت مؤنثًا. وإن سألت امرأتين عن رجل قلت: كيف ذلكما الرجل؟ وعن امرأة: كيف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تلكما المرأة؟ وعن رجلين: كيف ذانكما الرجلان, وعن امرأتين: كيف تانكما المرأتان؟ وعن رجال أو نساء: كيف أولئكما الرجال؟ أو كيف أولئكما النساء؟ فهذه ست والكاف فيهن مثناة, لأنك خاطبت مؤنثين. وإن سألت نساء عن رجل قلت: كيف ذلكن الرجل؟ وعن امرأة قلت: كيف تلكن المرأة؟ وعن رجلينك كيف ذانكن الرجال؟ وعن امرأتين: كيف تانكن المرأتان؟ وعن رجال أو نساء: كيف أولئكن الرجال؟ وكيف أولئكن النساء؟ فهذه ست والكاف فيهن مجموعة جمع التأنيث, لأنك خاطبت إناثًا. وإمنا مثل أبو الفتح رحمه الله بكيف (وهل, ومتى) , لأنه أراد أن يريك (أن) هذا يقع في الاستفهام بغير «كيف» كقوله: (هل حصلت عندكما تانكما الجاريتان؟ ومتى تقبضن ذينكن الألفين يا نسوة؟ ) فقال: «ذين» لأنه إشارة إلى الألفين, وهو مذكر لقولهم: «أعطاه ألفا أقرع» , ومن عجيب ما مر بي أني رأيت بعض الحمقى وقد صحف هذا الموضع فقال: «دينكن» وأخذ من جهالته/ يعلله, وغرضه من قوله: (واستوفيت تينك المائتين) أن يريك أن هذا واقع في الخبر وقوعه في الاستفهام, قال الله تعالى: {ذلكم أزكى لكن وأطهر} وقال تعالى: {فذلكن الذي لمتنني فيه} وقال تعالى: {ذلكما مما علمني ربي}. وقال تعالى: {كذلك قال ربك} و {كذلك قال ربك} قال أبو خراش الهذلي: 516 - خذوا ذلكم بالصلح إني رأيتكم ... فتلتم زهيرًا محرمًا وهو مهمل وقال الشاعر وهو ابن الدمينة:

باب: (الإمالة)

باب: (الإمالة) قال ابن جني: معنى الإمالة: هو أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة, فتميل الألف نحو الياء, لضرب من تجانس الصوت, وذلك قولك في عالم: عالم, وفي عابد: عابد, وفي سالم: سالم, وفي جالس: جالس, وفي رمى: رمى, وفي سعى: سعى. والأسباب التي تجوز لها الإماة ستة: وهي الكسرة, والياء, وأن تكون الألف منقلبة عن الياء, أو بمنزلة المنقلبة عن الياء, أو لأن الحرف الذي قبل الألف قد ينكسر على حال, أو إمالة الكسرة, نحو قولك: في حائد: حائد, وفي عابد عابد, أملت الألف لكسرة الهمزة بعدها. وكذلك واحد وعالم, وكذلك كتاب وحساب/ والياء نحو قولك في شيبان: شيبان وفي قيس عيلان: قيس عيلان. ولألف المنقلبة عن الياء نحو قولك في سعى: سعى وفي يدعى: يدعى, وفي يشقى: يشقى لقولك: سعيت, ويدعيان ويشقيان, وكذلك نحوه. ـــــــــــــــــــــــــــــ 517 - وهل قمت في إظلالهن عشية ... مقام أخي البأساء واخترت ذلك ويجوز إفراد الكاف, وأنت تخاطب غير الواحد كقوله تعالى: {كذلك كنتم من قبل} ولا يجوز أن تقول: «يا رجال غلامك حاضر» لأن هذه اسم بابها التثنية والجمع وتلك حرف, والباب في الحروف أن لا تغير, ومن تأمل ما ذكرته في المضمرات وأسماء الإشارة من التصرف عرف تعليل هذه المسائل ولدلك عن إعادته. (باب الإمالة) قال ابن الخباز: الإمالة في الأصل: مصدر قولك: أملت الشيء أميله إمالة, إذا عدلت به إلى الجهة التي هو فيها. وهي عند النحويين: عبارة عن أن تنحو بالفتحة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نحو الكسرة وبالألف نحو الياء, وحقيقة ذلك أن تشرب الفتحة والألف شيئًا من صوت الكسرة والياء, فتصير الفتحة بينها وبين الكسرة, والألف بينها وبين الياء, فمثال إشراب الفتحة صوت الكسرة قولك: «مررت بالبقر, وعجبت من الضرر» أشربت فتحة القاف والراء صوت الكسرة, وقالوا: «رأيت خبط الريف» فأمالوا الطاء لكسرة الراء, ومثال إمالة/ الألف قولك: «عالم وعابد وسعى ورمى» ومتى أملت الألف أملت الفتحة التي قبلها, لأنه لا يمكن إمالتها إلا بإمالة الفتحة. والإمالة لغة قيس وأسد وتميم, والتفخيم لغة أهل الحجاز, وهو الأصل, لأن الألف إذا لم تمل كانت حقيقية, وإذا أميلت ترددت بين الألف والياء, والأصل في الحرف أن يمازج صوته صوت غيره, ونظير الإمالة في تقريبهم الحرف من الحرف لتجانس الصوتين قولهم: «صدر» فأشربوا الصاد صوت الزاي, لأن الصاد مهموسة والدال مجهورة, فأشربوا الصاد صوت الزاي, لأنها توافق الدال في الجهر والصاد في الصفير, فكذلك قالوا: عالم, فأمالوا الألف ليتناسب الصوتان, لأن الألف تستعلى إلى الحنك الأعلى, والكسرة تنزل إلى وسط اللسان, فجذبوا الألف إلى خير الكسرة ليكون العمل من موضع واحد. ولما كان الغرض بالإمالة مجانسة الألف للياء اعتبرت في الإمالة, فلابد للإمالة من سبب يتعلق بالياء على وجه «ما» والأسباب ستة: الكسرة: وتجويزها للإمالة, لأنها بعض الياء: وهي أقوى من الكسرة, لأن الكسرة إنما جوزت, لأنها بعضها, وانقلاب الألف عن الياء. والمقصود بالإمالة فيه التنبيه على الأصل. وكون الألف بمنزلة الألف المنقلبة عن الياء, والمقصود الإيذان بالمشابهة وأن يكون الحرف الذي قبل الألف منكسرًا في حال والمقصود بالإمالة التنبيه على حركة الحرف الذي انقلبت عنه الألف, لأن كسرة الحرف الذي قبله منقولة عنه إليه. والإمالة للإمالة, والغرض منه تجانس الصوتين. أما الكسرة: فتكون قبل الألف وبعدها, فإذا كانت قبلها فلها حالتان:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إحداهما: أن تكون في مجاور مجاور الألف, وذلك نحو: كتاب وحساب, وأهل العراق يسرفون/ في إمالة هذا النحو من الأسماء حتى يجعلوا الألف ياء محضة وهو من اللحن الفاحش, لأنه خارج عن كلام العرب. الثانية: أن يكون بين الكسرة والألف حرفان أولهما ساكن, وذلك قولك في شملال ومفتاح: شملال ومفتاح. وإذا كانت بعدها, شرط فيها أن تكون مجاورة الألف, تقول في عابد: عابد, وفي حايد: حايد, وهو اسم فاعل من «حاد يحيد» إذا عدل. فإن حال بينها وبين الألف حرف مفتوح أومضموم امتنعت الإمالة كقولك: مررت بتابل وعجبت من آجر, لأن الضمة والفتحة مجاورتان للألف فمناسبتهما لها في الاستعلاء أولى. وأما الياء: فتميل إذا كانت قبل الألف, ولها حالتان: إحداهما: أن تكون مجاورة الألف, تقول في «سيال وضياح: سيال وضياح والثانية: أن يكون بينها وبين الألف حرف كقولك في «شيبان وعيلان»: «شيبان وعيلان» , وإنما جازت الإمالة, لأن الياء ساكنة, والحاجز قليل, وشيبان: رجل من بكر بن وائل وهو شيبان بن ثعلبة, ويجوز أن يكون فعلان من الشيب. وقال لنا الشيخ رحمه الله: إن أصله: شيبان فحذفت عين الفعل. وعيلان بالعين المهملة: وهو لقب إلياس بن مضر, وكان متلافًا فكلما أعسر أتى أخاه إلياس فأعطاه مالًا, فقال له مرة: غلبت عليك العيلة فأنت عيلان, والعيلة: الحاجة وفي التنزيل: {ووجدك عائلًا فأغنى}.

قال ابن جني: والألف التي بمنزلة المنقلبة عن الياء نحو قولك في حبلى: حبلى, وفي سكرى: سكرى وفي حباري: حباري, لأنك لو اشتققت منه فعلًا بالزيادة لقلت: حبليت وسكرت وحبريت. وكذلك كل ألف تجاوزت الثلاثة: الألف التي يكسر ما قبلها في بعض الأحوال, نحو قولك في خاف: خاف, وفي صار: صار, لقولك: خفت وصرت. الإمالة للإمالة نحو قولك: رأيت عمادًا, أملت فتحة الميم لكسرة العين, ثم أملت فتحة الدال للإمالة قبلها, وكذلك كتبت كتابًا وعملت حسابًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الخباز: وأما الألف المنقلبة, فلا تخلو من أن تكون عينًا أو لامًا, فإن كانت عينًا أميلت إن كانت منقلبة عن الياء, تقول في «ناب وعاب»: «ناب وعاب» لقولك: أنياب وعيوب, وإن كانت من الواو: لم تمل, وذلك نحو «باب ومال» , وقد أميلا على جهة الشذوذ قالوا: مررت ببابه, وأخذت من ماله. وأما الفعل فسيأتي/ حكمه. وإن كانت لامًا: فإن كانت في الاسم أو الفعل, وهي منقلبة عن الياء أميلت, فالفعل: نحو سعى, ورمى, والاسم: نحو الفتى والرحا كقولك: «سعيت ورميت» «والفتيان والرحيان» ولذلك أميل: يدعى ويشقى, وإن كانتا من بنات الواو, لأن الواو لما وقعت رابعة انقلبت ياء, ألا ترى أنك تقول في الاثنين: يدعيان وتدعيان ويشقيان وتشقيان؟ وإن كانت من الواو: لم تمل في الأسماء نحو: الرجا والمنا, كقولك: رجوان ومنوان, وأميلت في الأفعال نحو: غزى ودعى تقول: دعى وغزى, لأن هذه الألف تنقلب ياء, والكلمة على هذه العدة كقولك: دعي وغزي وليس كذلك «الرجا والمنا» من بنات الواو من الأسماء, لأن ألفه تنقلب ياء, والكلمة متجاوزة ثلاثة أحرف, كقولك في التصغير: «رجي ومني». وأما الألف التي بمنزلة المنقلبة عن الياء: فهي ألف التأنيث نحو حبلى وسكرى وحبارى, فهذه ليست بمنقلبة عن شيء, لأنها مزيدة من أول وهلة للتأنيث, وإنما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = جعلت بمنزلة المنقلبة عن الياء, لأنك لو اشتققت نم حبلى وسكرى فعلًا, ومن حبارى بإسقاط الألف الثالثة وإبقاء الألف الأخيرة, لوجب أن نقلبها ياءً إذا أسندت الفعل إلى ضميرك, فقلت: حبليت وسكريت وحبريت, وإنما وجب ذلك, لأنها تقلب في المضارع ياء لإنكسار ما قبلها كقولك: يحبلي ويسكري وتحبري, ألا ترى أنهم قالوا: أخليت وأعليت, وهو من الواو, والأصل أخلوت وأعلوت فبنوهما على المضارع, لأنهم يقولون فيه: يخلي ويعلي, فقلبوا الواو ياء في الماضي, وإن شئت قلت: أميلت ألف التأنيث, لأنه تنقلب في التنثية والجمع بالألف والتاء ياء, تقول: سكريان وحبليات وحباريات وقد شرحت علة ذلك في باب/ جمع التأنيث. وأما الألف التي ينكسر ما قبلها في بعض الأحوال: فقد مثلها أبو الفتح يخاف وهاب وصار, وأما تمثيله بخاف, فجيد, لأن الألف واوية, فهي بعيدة من الإمالة, وإنما سوغ إمالتها انقلابها عن حرف مكسور, لأن الأصل «خوف» كعلم فإذا أسندت الفعل إلى الضمير قلت: خفت, فكسرة الخاء هي كسرة الواو محولة وهذا معنى قوله: (ينكسر ما قبلها في بعض الأحوال). وأما تمثيله «بهاب وصار»: ففيه نظر, لأن «هاب وصار» من بنات الياء كقولك: «هيبة ومصير» فتكون الإمالة لأن الألف يائية, لا للكسرة, وسمع كثير, وهو يقول: صار في مكان كذا بالإمالة. وأما الإمالة للإمالة: فنحو قولك: رأيت عمادا في الوقف, وكذلك كتبت كتابًا وعملت حسابًا. فإن قلت: أي الإمالتين السبب؟ قلت: الأولى, لأنك أملت ميم عماد لكسرة العين, وأملت الألف المبدلة من التنوين في الوقف, لئلا يخرج من إمالة إلى تفخيم. ولا يجوز أن تفخم الأولى وتميل الثانية, لأنه ليس لإمالتها سبب, وأما قراءة من قرأ: {واليتامى} {والنصارى} بإمالتين فإن الأولى مسببة عن الثانية =

قال ابن جني: واعلم أن في الحروف: حروفًا تمنع الإمالة في كثير من المواضع, وهي حروف الاستغلاء وعدتها سبعة: وهي الصاد, والضاد, والطاء, والظاء, والغين, والخاء, والقاف, إذا كان واحد من هذه الحروف قبل الألف أو بعدها, مفتوحًا, أو / مضمومًا, منع الإمالة, فالذي هو قبل الألف نحو قولك: صالح, وضامن, وطالب, وظالم, وغالب, وخالد, وقاسم, وقول العامة: فلان قاعد خطأ منهم فاحش. وأما إذا وقعت هذه الحروف بعد الألف فنحو: حاصل, وفاضل, وعاطل, ومتعاظم, وساحل, وشاغل, ونافق, وكذلك: التواصل, والتواقع, والتنافق, فإن كل شيء من هذه الحروف مكسورًا قبل الألف لا بعدها جازت معه الإمالة, وذلك نحو: ضفاف, وقفاف, وخفاف, وطلاب, وغلاب. ـــــــــــــــــــــــــــــ = لأن الألف الأخيرة أمليت لكونها خامسة, فهي معرضة للانقلاب عن الياء. وها هنا سببان آخران لم يذكرهما أبو الفتح: أحدهما: إمالة ما قبل هاء التأنيث وقد أمالت القراء خمسة عشر حرفًا قبل هاء التأنيث في الوقف يجمعها: «فجئت زينب لذوذ شمس» كقولك: «نطفة وبهجة ومبثوثة وبغتة وعزة وراضية وجنة وحبة وأذلة ولذة وقوة والعدة وعيشة ورحمة والمقدسة». الثاني: مشاكلة رؤوس الآي, كقوله تعالى: {والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها} أمال ضحاها/ وهو من بنات الواو, ليشاكل تلاها, وقد عرفت أن الاسم من الواو لا يمال, والفعل من الواو يمال. قال ابن الخباز: واعلم أنه يعرض لها موانع كما عرضت لها أسباب, وموانعها ثمانية أحرف, حروف الاستعلاء السبعة, والراء. فالمستعلية: الصاد, والضاد,

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والطاء, والظاء, والخاء, والغين, والقاف, وإنما سميت مستعلية, لأن اللسان يصعد معهن إلى الحنك الأعلى, وأنا أذكر مخارجهن لتفهم حقيقة الاستعلاء فيهن, «فالصاد» تخرج من طرف اللسان, وفويق الثنيتين السفليين, «والضاد» تخرج من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس, وهي من الجانب الأيسر أسهل, وقال صاحب الكشاف: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قادرًا على إخراجها من كلتا لجهتين «والطاء» تخرج من طرف اللسان وأصل الثنيتين العليين «والظاء» تخرج من طرف اللسان وطرف الثنيتين العليين «والغين» تخرج من أدنى الحلق إلى الفم. والقاف تخرج من أقصى اللسان وما يليه من الحنك الأعلى «والخاء» أعلى من الغين بقليل. فهذه الحروف إن كانت قبل الألف تليها منعت الإمالة كقولك: «صالح وضامن وطالب وظالم وخالد وغالب وقاسم» وكذلك إذا كانت بعد الألف تليها نحو: حاصل وفاضل وحاطم وناظم وباخل وواغل وناقف. وكذلك إذا كانت بعد الألف بحرف (نحو): ناهض وفاحص وشاحط ولافظ وسالخ وسالغ ونافق». وكذلك إذا كانت بعد الألف بثلاثة أحرف أوسطها ياء كقولك: معاريض, ومعاريص, ومناشيط, ومواعيظ, ومنافيخ, ومباليغ, ومفاريق. وإنما منعت هذه الحروف الإمالة, لتجانس الصوت, كما أمليت/ فيما تقدم طلبًا لها, لأن هذه الحروف تصعد وتستعلي إلى الحنك الأعلى, كما تستعلي الألف وتصعد إليه, فلو أمليت في نحو: واقد لكنت مصعدًا بعد انحدار, لأنك بالإمالة تنحدر وبالمستعلي تصعد وذلك شاق, قال سيبويه: «ولا نعلم أحدًا يميل هذه الألف إلا من لا يؤخذ بلغته» وقول العامة: فلان قاعد خطأ منهم فاحش, لأن العرب لا تقول ولا تميله, وقال لي بعض البغداديين: «أنتم تلحنون لأنكم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تميلون قاعدًا» فقلت له: «لحنكم أقبح من لحننا, لأنا نحن نميل ألفه وأنتم تقلبوها ياء». وإذا كان «حاصل» ونحوه لا يمال مع أن المستعلي مكسور, فألا يمال فتح فيه المستعلى أو انضم أولى, وذلك نحو: تفاصل, وتفاضل, وتباطش, وتعاظم, وتباخل, وتشاغل, وتناقل. وكذلك: تحامص, وتناهض, وتباسط, وتلافظ, وتناسخ, وتبالغ, وتساوق». والمفتوح نحو: مناصب, ومباضعة, ومشاطرة, ومواظبة, ومفاخرة, ومشاغبة, ومناقلة, وكذلك: «مفاحصة, ومناهضة, ومباسطة, ومغايظة, ومناسخة, ومبالغة, ومعالقة». وإنما مثلت هذا كله, لأن أبا الفتح تعرض لبعضه فأكملت تمثيله, فإن كان واحد من الحروف المستعلية مكسور قبل الألف بحرف لم تمتنع الإمالة, وذلك نحو: صباح وضعاف وطلاب وظلال وخلال وغلال وقلال, وإنما جازت الإمالة لأن المستعلى متقدم, فإذا أملت انحدرت بعد إصعاد, وذلك أخف عليهم من الإصعاد بعد الانحدار, والدليل عليه: أنهم قالوا في «سبقت وسويق» «صبقت وصويق». فأبدلوا من السين صادًا, لأن بعدها القاف المستعلية, فلو جمعوا بين السين والقاف لأصعدوا بعد انحدار, فأبدلوا من السين صادًا, ليكون العمل من موضع واحد فيصعدوا/ مع الحرفين. وقالوا: «قشور وقاسم» , فلم يبدلوا من السين صادًا, لأن البداءة بالمستعلى والتثنية بالمستفل فصار انحدارًا بعد إصعاد, وقد لمح هذا المعنى البحتري في شعره, فقال: 518 - ومصعد في هضاب المجد يطالعها ... كأنه لسكون الجاش منحدر

قال ابن جني: فإن كانت بعد الألف راء مكسورة, جازت إمالة الألف, وإن كانت قبل الألف هذه الحروف غير مكسورة وذلك نحو: «ضارب, وصارم, وطارد, وظافر, وخارب, وغارم, وقادر». قال الشاعر: عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر ... بمنهمر جون الرباب سكوب فإن كانت الراء مضمومة أو مفتوحة, منعت الإمالة كما/ تمنع المستعلية وذلك نحو: رأيت فراشًا, وهذا سراج, وهذا حمار, ورأيت حمارًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإن كان المستعلى ساكنًا وقبله حرف مكسور, وذلك نحو: مصباح ومضحاك ومطعام وإظلام وإخلاف ومعناج ومقلات, فإن العرب مختلفون فيه: منهم من يميله, ومنهم من يفخمه, فمن أمال: احتج بأن الكسرة التي تجاور المستعلي كأنها فيها فصار «مصباح كصباح» وكذلك البواقي, ومن فخم: احتج بأن الفتحة التي في الحرف الذي بعد المستعلى كانها فيه فصار مغناج كغزالوكذلك البواقي. قال ابن الخباز: وأما الراء فليست بحرف مستعل, وإنما هي مكررة, وإنما سميت مكررة, لأنك إذا نطقت بها تعثر طرف اللسان فكنت كالناطق براءين, ومن حكمها في الإمالة: أنها تمنع كمنع المستعلية في بعض المواضع, وتغلب المستعلية في بعض المواضع, فمن مواضع غلبتها: أنها إذا كانت مكسورة بعد الألف التي بعد المستعلية جازت إمالتها, وذلك نحو: صارف, وضارب, وطارد, وخارج, وغارب, وقارب. وكذلك إن كانت الراء بعد الألف بحرف, نحو: صادر وضامر وطاهر وظافر وخاسر وقادر وغادر, وقرأ أبو عمرو: {ثاني اثنين إذ هما في الغار} , {وما للظالمين من أنصار} , {إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار} و {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} وقال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هدبة بن خشرم: 519 - إنا وجدنا العجز ذي ابن عامر ... نسيب العميريين شر نسيب عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر ... بمنهمر جون الرباب سكوب المنهمر: المنصب, والجون: الأسود, والرباب/: سحاب صغار يتعلق بالسحاب الأعظم, قال الشاعر: 520 - كأن الرباب ذوين السحاب ... نعام يعلق بالأرجل وإنما غلبت الراء المستعلية: لأنها لما كانت مكررة كانت كسرتها بمنزلة كسرتين. فإن كانت الراء مفتوحة قبل الألف تليها: كفراش وسراج وجراب منعت الإمالة, لأن فتحتها بمنزلة فتحتين, وقول العامة: فراش وسراج لحن, ويقولون: «سراج» فيخطئون من وجهين: أحدهما: إمالة السراج. والثاني: أنهم يعنون بالسراج الوعاء الذي فيه القتيل, وإنما ذلك المشرجة, والسراج: الفتيل المشتعل, ويكفيك دليلًا على خطئهم قوله تعالى: {وجعل الشمس سراجًا} ولم تمنع الراء لأنها مستعلية, وإنما شبهت بالمستعلى للتكرير, وبعض اللثغ بجعلها ياء, فيقول «وجئت ميه» أي: مرة, وأكثر لثغة الناس فيها أنهم يجعلونها غينًا, وكذلك كان أبو بكر بن السراج, رحمه الله, وأنشد أصحابه يومًا قول ذي الرمة: 521 - ويوم يزير الظبي أقصى كناسه ... وتنزو كنزو المعلقات جنادبه فقال: يزيغ فكتبوها بالغين, فقال: بالغاء بالغاء. فإن كانت بعد الألف مضمومة أو مفتوحة منعت الإمالة, لأن ضمتها بمنزلة

قال ابن جني: فإن كانت قبل الألف راء مفتوحة, وبعدها راء مكسورة, غلبت المكسورة المفتوحة فجازت الإمالة, وذلك قولك: جئتك في سرار الشهر, وهذا من شرار الناس, قال الله عز وجل: {وإن الآخرة هي دار القرار}. وقد اطردت الإمالة في الفعل, وإن كانت فيه حروف الاستعلال لتمكن الفعل في الاعتلال, وذلك نحو: سقى وقضى وغزى ودعا, وهو يشقى والأشقى. ولا تمال الحروف لبعدها من الاشتقاق, إلا أنهم قالوا: «بلى» لأنها قويت لما قامت بنفسها. وقالوا: يا زيد, فأمالوا أيضًا, لأنها قويت لما نابت عن الفعل أي: أدعوا زيدًا, أو أنادي زيدًا. وكذلك الأسماء الموغلة في شبه الحرف نحو: إذا ولدا وعلى, وأني, وأمالوا «متى, وأني, وذا» فأمالوا حملًا على الأسماء. ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمتين وفتحتها بمنزلة فتحتين, تقول: «هذا حمارك, ورأيت حمارك». وإن كانت مكسورة: جازت الإمالة كقولك: مررت بحمارك, لأنها إذا غلبت المستعلى فغلبتها غير المستعلى أولى, وقرأ أبو عمرو: {عذاب النار} , {والمستغفرين بالأسحار} / {وانظر إلى حمارك} , {والجار ذي القربى} وهو كثير. قال ابن الخباز: فإن اكتنفت الألف راءان مفتوحة قبلها, ومكسورة بعدها, أميلت الألف, لأن الراء الأولى المفتوحة لا تكون أقوى من المستعلي, وإنما شبهت بالمستعلى وليس فيها استعلاء, وإذا غلبت المكسورة المستعلية التي تمنع الإمالة مكسورة في نحو: «حاصل». فإن تغلب الراء المكسورة الراء المفتوحة التي لا تمنع الإمالة مكسورة أولى, وذلك كقولك: جئتك في سرار الشهر «وفلان من شرار الناس» ويقرأ أبو عمرو: {كنا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نعدهم من الأشرار} , {وتوفنا مع الأبرار} , {وإن الأخرة هي دار القرار} وقد ذكرنا علته. وإذا قلت مررت بالأخبار وبسيار, فإمالته أقوى من الإمالة في قولك: مررت بحمار, لأن الألف ها هنا اكتنفتها ياء وراء مكسورة. مسألة: فعال المبنية على الكسر إذا كانت علمًا كحذام وعرار وظفار, فإن أهل الحجاز يبنونه على الكسر, وبني تميم يعربونه, ويمنعونه الصرف, إلا ما كان آخره راء نحو: عرار في اسم بقرة, «وظفار» في اسم بلد. وسألت شيخنا رحمه الله عن علة موافقتهم أهل الحجاز في كسر ما آخره راء, فقال: لأن بني تميم لغتهم الإمالة فلو أعربوا ما آخره راء لضموه وفتحوه والراء تمنع الألف من الإمالة مضمومة ومفتوحة, فبنوه على الكسر لتتهيأ لهم الإمالة. واعلم أن مبنى الفعل على التصريف, ألا ترى أنه يكون منه الماضي والمضارع والأمر؟ وهذا التصرف جعله متمكنًا في باب الاعتلال, فتسلط التغيير عليه, فخالف الاسم/ في الإمالة من وجهين: أحدهما: أنه يمال وإن كانت الألف الأخيرة فيه منقلبة عن الواو, وذلك نحو: دعا وعدا, وقد ذكرت علة ذلك, ومنع ابن بابشاذ أن يمال «تاب» ونحوه مما ألفه التي هي عين منقلبة عن واو وسأل نفسه فقال: لم لا يجوز إمالته وهو إذا بني للمفعول به قلبت الألف ياء, كقولك تيب عليه؟ فأجاب: بأن بناء الفعل لما لم يسم فاعله غير لازم, والأصل بناؤه للفاعل. واعلم أن يرد عليه: دعا وغزى, وقد أميل: دعى وغزى, وله أن يفرق بأن الأطراف محال التغييرات. الجهة الثانية: أنه يمال وإن كانت فيه حروف الاستعلاء, وذلك نحو: قضى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وطغى للعلة التي ذكرنا من انقلابها ياء ولا يوجد في النسخ الأشقى بالشين المعجمة. قال الجوهري: يقال شاقني فشقوته أي: غلبته في الشقاء. وما كان من الحروف آخره ألف لا يمال, وذلك نحو: «ما» و «ها» و «على» و «إلى» «وحتى». و «أما» علته: أنها صيغ جوامد لا مشابكة بينها وبين الاشتقاق, ولا أصل لألفاتها. بل هي مبنية هكذا من أول وضعها, ويدلك على أن ألفاتها لا أصول لها ما ذكره أبو الفتح في «المنصف» وهو أن ألف «ما» لو كان أصلها واوا أو ياء لقيل: مو أو مي وصحت, كما قالوا: كي لأن الحرف الثنائي مبني على السكون, فلما قالوا «ما» علمت أن الألف لا أصل لها, ولو سميت «بعلى وإلى» لم يجز إمالتهما, لأنك تجعلهما من بنات الواو أكثر. فإن قلت: فقد قالوا: عليك وإليك فقلبوا الألف ياء مع المضمر. قلت: ذلك ليس بأصل الألف, لأن هذه الياء لو كانت أصل الألف لقيل/ من غير الدخول على المضمر: على زيد, ولو سميت «بحتى» و «وأما» جازت إمالتهما لأن ألفهما رابعة, وهي تقلب «ياء» في التثنية, كما قلبت ألف حبلى فقيل: حبليان. وقد أمالوا بعض الحروف على غير قياس, فمن ذلك: أنهم قالوا: بلى, أمالها أبو بكر عن عاصم, وذلك لأنها أشبهت الفعل حيث قامت بنفسها في الجواب وأغنت عن الجملة المذكور في السؤال, وفي التنزيل: {ألست بربكم قالوا بلى} أي: بلى أنت ربنا. واختلف النحويون في «بلى» فقال البصريون:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هي مفردة وقال الكوفيون: أصلها: «بل» ضمت إليها الألف, وقول البصريين أولى, لأن الإفراد هو الأصل. وقالوا: «يا زيد» فأمالوا «يا» لأنها قويت حيث قامت مقام الفعل وقوى إمالتها أن أولها «ياء». ومما لم يذكره أبو الفتح قولهم: «افعل كذا إما لا» وتقديره: «افعل كذا إن كنت لا تفعل غيره» ومعنى هذا الكلام أن الرجل يؤمر بأشياء فلا يفعلها فيقع منه بعضها. وإنما أمالوا «لا» لأنها قامت مقام الفعل المحذوف, ولا يفعلون هذا بها في كل موضع (قامت» فيه مقام محذوف, ألا ترى أنك تقول في الجواب «لا» فلا تميل, وإن قامت مقام الجملة. والأسماء الموغلة في شبه الحروف كالحروف في منع الإمالة, وذلك نحو: إذا ولدى وعلى إذا كانت اسمًا, وذلك لأن ألفاتها لا أصل لها, والعلة ما ذكرناه من كلام أبي الفتح في «ما» فليستعمل ها هنا, والعجم يميلون «إذا» وهو لحن, وبعض أهل العراق يميلون «على» وهو لحن أيضًا, وبعضهم يميل «إلى» وهو لحن أيضًا. وقد أمالت (القراء) «متى, وذا, وأنى» أما «متى»: فلأنه يوصف به ويصغر/ فتصرف تصرف (الأسماء) المتمكنة. وأما «أنى»: فلأن ألفها رابعة, وهي تقوم بنفسها في الاستفهام, وقرأ أبو الحسن: {أنى صببنا الماء صبًا} وهو استفهام على سبيل استعظام الأمر, حكى القراءة صاحب الكشاف, ودلك على أن الأسماء الموغلة في شبه الحروف مثلها في منع الإمالة أنهم لا يميلون «إيا» مع أن فيه ثلاثة أشياء تحسن الإمالة: انكسار أوله, ومجاورة يائه الألف, ووقوع ألفه

قال ابن جني: وقد أمالوا بعض الكلام على غير قياس, قالوا: عندي ناس, وقال العجاج والحجاج وذلك لكثرة الاستعمال لا غير. انتهى اللمع, وفرغ منه نسخًا بتاريخ الأربعاء ثالث عشر من شعبان سنة إحدى وتسعين وخمسمائة, غفر الله له ولوالديه ولمن نظر فيه, ودعا له بالمغفرة والرحمة ولجميع المؤمنين. ـــــــــــــــــــــــــــــ رابعة. فتأمل هذه التنبيهات فإنها معينى على استنباط التعاليل. قال ابن الخباز: وقد شذت أشياء من الإمالة لا يقاس عليها, لأنها مخالفة للقواعد المبنية فمن ذلك قولهم: العشى والمكا, فأمالوهما, وهما من بنات الواو, والعشى: ضعف البصر وقرئ: {فأعشيناهم} ويدلك على أنه من (بنات) الواو قولهم: عشواء. والمكا: جحر الضب, وهو من بنات الواو لقولهم في التثنية مكوان, قال الشاعر: أنشده الجوهري: 522 - كأن خليفي زورها ورحاهما ... بنى مكوين ثلما عند صيدان وقالوا: ألكبا للكناسة وهو من (بنات) الواو, لأنه مشتق من الكبوة وقالوا الربا وهو من (بنات) الواو, يقال: ربى الشيء يربوا, والذي جرأهم على إمالته أن أوله راء مكسورة, وقالوا: ناس فأمالوه في موضع الرفع, والألف زائدة, لأن أصله «أناس» ولما حذفوا الهمزة ألزموه الألف واللام عوضًا, والذي جاء في القرآن منه معرف باللام. وقال عمران بن حطان:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 523 - أنكرت بعدك من قد كنت أعرفه ... ما الناس بعدك يا مرداس بالناس ويقل استعمالهم إياه بالألف واللام إذا ردوا الهمزة/ كقول الشاعر: 524 - إن المنايا يطلعـ ... ــن على الأناس الآمنينا وقد يستعملونه مع حذف الهمزة بغير لام, وهو قليل. قال أبو خراش الهذلي: 525 - إذ الناس ناس والزمان بقرة ... وإذ نحن لا تذوى علينا المداخل وقالوا: الحجاج والعجاج, فأمالوهما علمين في الرفع والنصب, وذلك لأن الأعلام موضوعة على التغيير, والتغيير يونس بالتغيير, فإن كانا صفتين لم يمالا إلا في موضع الجر, والحجاج: فعال من حج يحج إذا قصد, أو من حج إذا غلب بالحجة, أو من حججت الشجة إذا سبرتها بالمثل لتعلم عمقها, قال أبو ذؤيب: 526 - وصب عليها الطيب حتى كأنها ... أسي على أم الدماغ حجيج والعجاج: فعال من العج, وهو رفع الصوت, ومنه بعير عجاج, إذا كان له هدير عال, والعجاج: لقب أبي رؤبة, قال رؤبة: 527 - قدنوه العجاج باسمى فادعني ... به إذا ناديت باسمي تكفني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وسمعت في بعض (المجالس) الأدبية أن اسمه عبد الله بن الطويل. فأما قول أبي الفتح رحمه الله: (وذلك لكثرة الاستعمال لا غير) فيريد أن الشيء إذا كثر في كلامهم تصرفوا فيه كما قال أبو على. وإذا لم تكثر الكلمة لم يكثر التصرف فيها. هذا آخر ما عمدت لإملائه من شرح كتاب «اللمع» وقد جئت به كما ضمنت في خطبته, ومن تصفحه وتأمله علم صدق دعواي/ ولم أستعن في مدة إملائه عليه بمطالعة كتاب, وقد أودعته نبذًا مما رويته عن شيخي مجد الدين ابن أبي حفص عمر بن أحمد بن أبي بكر بن مهران, برد الله مضجعه وطيب مهجعه, فإن حالي معه كما أنشد الإمام عبد القاهر الجرجاني: 528 - وكم سبقت منه إلى عوارف ... ثنائي من تلك العوارف وارف وكم غرر من بره ولطائف ... لشكري على تلك اللطائف طائف ومن عثر لي في هذا الإملاء على عثرة فليكن العاثر عذارًا, غافرًا لزلها, وسادا لخللها فإن السعيد من عدت سقطاته, وما أحسن ما أنشد أبو إسحاف الزجاج في كتاب المعاني: 529 - أردت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل ويمهد عذري في التقصير أني لما فتحت باب تأليفه فجئني مرض, غشيتني به

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من الغماء ما يغشى الغريق من الماء, أشمت بي العدا, وكدت منه أسلم النفس إلى الردى, فلما وطنت النفس على البأساء, وقلت لها: إن الجزع من شيم النساء وأنشدتها قول أبي تمام: 530 - خلقنا رجالًا للتجلد والأسى ... وتلك الغواني للبكا والمآتم رميت الجزع بسهم الهجر, وأعرضت عنه رجاء الأجر, فما تجاوزت ذلك الزمان بنغبة طائر خائف إلا وقد رذى بعض من يعنيني أمره من أهلي بمرذئة: استعذب (بها) أمر الحمام, وآثر على برد الماء حر السمام, فقلت: 531 - مصائب شتى جمعت في مصيبة ... ولم يكفها حتى قفتها مصائب وأنا مع ذلك بين أهل بدة تجعل رؤيتهم الذكي بليدًا, ينفرون/ من الفضائل وأهلاه نفور الضب من البحار, والنون من البيد القفار, كلما زاد المرء بينهم فضلا زاد عندهم نقصًا, وقرأ مساعفتهم له: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} يبتغون الشكر على الأذى, وتنيور العيون بالقذى, والموت دون الحكم بذا, واللائق أن تطوى أحوالهم على غرها خوفًا من عدوى عرها, فأسأل الذي صان أوجهنا عن السجود لغيره أن يصون ألسنتنا عن السؤال لغيره, وأن يعرفنا عيوب أنفسنا, ويشغلنا بسترها, وأن يفتح علينا أبواب رزقه العميم ومنه الجسيم, وأن يجمع لنا بين العلم والعمل, وأن يحقق لنا هذا الأمل, وأن يصلي على نبيه محمد الذي أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا, وعلى آله الهادين وأصحابه المهديين, وأن يجعل ما أمليته خالصًا لوجهه الكريم, إنه أكرم مسئول, ولديه تحقيق كل مأمول. فهو حسبي ونعم الوكيل, غفر الله لكاتبه ولوالديه ولأولاده ولذريته ولمن أعان على نسخه ولمن نظر فيه ودعا لهما بالمغفرة ولجميع المسلمين, وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووافق الفراغ من نسخ هذا الكتاب يوم الخميس سادس عشر المحرم سنة ست وثمانين وسبع مائة, 786 هـ.

§1/1